بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ
موقف الأمة من منكر الحكام في ظل التحديات المعاصرة
بحث مقدم إلى مؤتمر
"الإسلام والتحديات المعاصرة"
المنعقد بكلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية
في الفترة: 2-3/4/2007م
إعداد:
أ. خالد محمد فهاد تربان
ماجستير في الفقه المقارن
الجامعة الإسلامية ... أ. محمود عجور
ماجستير في الفقه المقارن
الجامعة الإسلامية
أبريل/ 2007
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن من أهم ما يحقق السعادة للبشر بعد طاعة الله تعالى هو الشعور بالأمن والأمان في المجتمع الذي يحيون فيه، فقد امتن الله على قوم بذلك حين قال: { الذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوْفٍ } (1)، وإن مهمة حفظ الأمن منوطة بالحاكم، فهو المكلف بتحقيق مصالح العباد وأمنهم.
ومع غياب الحكم بالشريعة الإسلامية، وعدم تنفيذ العقوبات التي حددها الله تعالى، ومع انتشار الظلم وأكل الحقوق، ومع غفلة الحاكم أو مشاركته في الجريمة، تكثر التساؤلات: إلى متى يبقى هذا الحال؟ وإلى متى يبقى الحاكم مقصراً في أداء الأمانة؟ ألا يوجد من يقوم بهذه المهام غير الحاكم؟ ومتى يجوز عزل هذا الحاكم الغافل الظالم المقصر، واستبداله بخير منه؟وإذا أردنا شيئاً من ذلك فما هي الأسباب الداعية لذلك؟ وما هي الطرق والوسائل الممكنة لذلك؟.
كل ذلك وغيره تطلَّب النظر في هذه المسألة الخطيرة، وبالذات في ظل واقع المسلمين هذه الأيام، فكانت هذه المحاولة لعلنا نأتي بما يعالج شيئاً من أحوال المسلمين.
وقد قسمنا البحث على الشكل التالي:
المبحث الأول: في بيان الحاكم وصفاته ومن يقوم مقامه، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في شروط الحاكم، ومهامه الأساسية، ومن الذي يعينه.
المطلب الثاني: الصفات التي يجب توافرها في الحاكم.
__________
(1) سورة قريش: الآية (4).(1/1)
المطلب الثالث: من يقوم مقام الحاكم، وصلاحيات القائم بذلك، وصفاته.
المبحث الثاني: أسباب عزل الحاكم وطرقه في ظل التحديات المعاصرة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أسباب عزل الحاكم.
المطلب الثاني: طرق عزل الحاكم (حلول مقترحة في ظل التحديات المعاصرة).
الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث.
سائلين المولى عز وجل أن نكون قد قدمنا بذلك خدمة لأمتنا، في ظرف هي أحوج ما تكون فيه لأداء كل واحد للمهام المنوطة به، والتكافل والتعاون بين أبناء المجتمع، ونسأله سبحانه أن يجعله في ميزان حسناتنا، وأن يجزي القائمين على هذا المؤتمر خير الجزاء، وأن يحقق لهم ما يصبون إليه من وراء هذا المؤتمر من خدمةٍ للإسلام والمسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المبحث الأول
في بيان الحاكم وصفاته ومن يقوم مقامه
المطلب الأول: في شروط الحاكم، ومهامه الأساسية، ومن الذي يعينه:
قال علماؤنا: "نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل إلا بإمام موجود"(1).
__________
(1) القلعي: تهذيب الرياسة (1/94).(1/2)
لذلك أجمعت الأمة على وجوب نصب الإمام، رعاية لمصالح العباد في المعاش والمعاد(1)، " ولا يرتاب من معه مُسكة من عقل أن الذبَّ عن الحوزة، والنضال دون حفظ البيضة محتوم شرعاً، ولو تُرك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يزعهم وازع، ولا يردعهم عن اتباع خطوات الشيطان رادع ـ مع تفنن الآراء، وتفرق الأهواء ـ لانتشر النظام(2)، وهلك العظام(3)، وتوثبت الطَّغَام(4)، والعوام، وتحزبت الآراء المتناقضة، وتفرقت الإرادات المتعارضة، ومَلَك الأرذلون سراةَ الناس(5)، وفُضَّت المجامع، واتسع الخرق على الراقع، وفشت الخصومات، واستحوذ على أهل الدِّين ذوو العرامات(6)، وتبددت الجماعات(7).
فالإمام العادل القائم على مصالح العباد، من أحب العباد إلى الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ العِبَادِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ"(8).
__________
(1) القلعي: تهذيب الرياسة (1/74)، الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 29)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 23)، الجويني: الغياثي (ص 15).
(2) النظام: كل خيط ينظم به لؤلؤ ونحوه. الفيروزأبادي: القاموس المحيط (ص 1162 فصل النون)، فيكون المعنى: أي لانحل العِقد، أو كما نقول بالعامية: انفرطت السبحة فتناثرت، فلم يعد يجمعها جامع.
(3) جمع عظيم، وهو ذو الرفعة والمكانة.
(4) أي أوغاد الناس وأراذلهم. ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/128)، ابن منظور: لسان العرب (12/368).
(5) أي أعزة الناس وكبراؤهم، الرازي: مختار الصحاح (ص 125).
(6) أي ذوي الشدة والشراسة. الفيومي: المصباح المنير (ص 154).
(7) الجويني: الغياثي (ص: 16).
(8) الألباني: صحيح الجامع (رقم 172)، وقال: حسن.(1/3)
لذلك وجب اتخاذ الإمارة ديناً وقُربة يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أفضل القربات(1).
ومن أجل هذه المكانة للحاكم كان لا بد من توفر بعض الشروط فيه، ليقوم بمهامه المكلف بها على خير وجه، مع بيان المهام التي من أجلها تم تنصيبه، بالإضافة إلى بيان من هم الذين يعينون الحاكم؛ وتفصيل ذلك فيما يلي:
أولاً: شروط الحاكم:
إن منصب رئاسة الدولة منصب خطير؛ لما يترتب عليه من نتائج هامة بالنسبة للأمة الإسلامية كلها، فإن كان الحاكم ضعيفاً في تفكيره وعزيمته، انعكس هذا الضعف عليها، وإن كان قوياً في تفكيره وعزيمته، انعكست هذه القوة على الأمة، فنجاحها في الدنيا مرتبط بنجاحه غالباً، وفشلها وثيق الصلة بفشله كذلك؛ لذا اشترط علماؤنا شروطاً يجب توافرها فيمن يتولى هذا المنصب الخطير، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: الإسلام(2):
أجمع العلماء على أنه يشترط فيمن يتولى الحكم في الدولة المسلمة أن يكون مسلماً، واستدلوا على ذلك بأدلة عديدة، منها:
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (3).
وقال تعالى: { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } (4).
__________
(1) ابن تيمية: السياسة الشرعية (1/137).
(2) النووي: روضة الطالبين (3/433)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (5/229)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 24)، الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 29، 31)، أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام (ص 179).
(3) سورة النساء: الآية (59).
(4) سورة النساء: من الآية (141).(1/4)
وقال سبحانه: { لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ } (1).
وجه الدلالة: نصت الآية الأولى على أن ولي الأمر لا بد أن يكون من المسلمين من خلال قوله سبحانه: { مِنْكُم } ، وغير المسلم ليس منا. أما الآية الثانية فقد أفادت أن الكافر ليس له سلطان وحجة على المسلمين، وعليه فلا تصح له رئاسة الدولة؛ لأن رئاسة الدولة تمثل أعظم سبيل. بينما أفادت الآية الثالثة حرمة موالاة غير المسلمين، فكيف بقبولهم حاكماً كافراً عليهم؟ وأيضاً فإن الحكم ولاية، والكافر لا يوالي المسلمين، وإنما يوالي الكافرين أمثاله(2).
__________
(1) سورة آل عمران: الآية (28).
(2) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (1/491)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (5/229-231)، ابن حزم: الفِصَل في الملل والنِّحَل (2/9)، السعدي: تيسير الكريم الرحمن (ص 104)، أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام (ص 179-180).(1/5)
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه -، وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا(1) عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ(2).
ولأن الحاكم مأمور بتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، والكافر لا يُتصور منه تحقيق مصالح المسلمين؛ لأنه يسعى إلى تحقيق مصلحته، ومصلحة أوليائه من الكافرين، وهي غالباً ما تتناقض مع مصالح المسلمين.
الشرط الثاني: البلوغ(3):
__________
(1) بواحاً: أي ظاهراً بادياً جهاراً، من قولهم: باح بالشيء يبوح به بوحاً، إذا أذاعه وأظهره. ابن حجر: فتح الباري (14/497)، ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/161).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: سترون بعدي أموراً تنكرونها ح 7055).
(3) ابن حزم: المحلى (1/46)، أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام (ص 181)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 24).(1/6)
أجمعت الأمة على اشتراط البلوغ فيمن يتولى الحكم، فقد جعلت الشريعة البلوغ من شروط التكليف، والإمامة أكثر التكاليف الشرعية عبئاً، إذ الإمام مسؤول أمام الله عن كل ما يتعلق بالأمة، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الأَعْظَمُ الذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ "(1)، وهذا ما كان يستشعره الخلفاء، فقد قال علي - رضي الله عنه -: رأيت عمر - رضي الله عنه - على قَتَب(2) يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ فقال: بعير ندَّ(3) من إبل الصدقة أطلبه. فقلت: لقد أتعبت من بعدك! فقال: والذي بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة لو أن عناقاً(4) ذهبت بشاطئ الفرات، لأُخذ بها عمر يوم القيامة(5).
وإذا كان الصبي لا يملك الولاية على نفسه وماله، فكيف يُعيَّن رئيساً للدولة، وتكون له الولاية على البالغين؟!.
الشرط الثالث: العقل(6):
العقل شرط من شروط التكليف بالإجماع، " فالعقل لكل فضيلة أس، ولكل أدب ينبوع، وهو الذي جعله الله للدين أصلاً، وللدنيا عماداً، فأوجب الله التكليف بكماله، وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه "(7).
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ح 7138).
(2) هو ما يوضع على ظهر البعير للركوب. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/11)، ابن منظور: لسان العرب (1/660).
(3) أي نفر وذهب على وجهه شارداً. الفيومي: المصباح المنير (ص 238).
(4) العناق: الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول. الفيومي: المصباح المنير (ص 164).
(5) شاكر: التاريخ الإسلامي (3/202).
(6) النووي: روضة الطالبين (3/434)، ابن حزم: المحلى (1/46).
(7) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (5/230).(1/7)
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَن المَجْنُونِ المَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَفِيق، وَعَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ "(1).
وقال عليه الصلاة والسلام: " لا يَقْضِي القَاضِي بَيْنَ اثْنَيْن وَهُوَ غَضْبَانٌ "(2).
وجه الدلالة: نص الحديث الأول على عدم اعتبار تصرفات المجنون، وأنها لاغية، فلا يُعقل أن تكون نافذة في حق الأمة؛ ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الثاني القاضيَ عن الحكم وهو غضبان؛ لأن الغضب مظنة ستر العقل، فكيف بمن زال عقله؟!.
والعقل مناط التكليف، فإذا أخذ الشارع ما أوهب أسقط ما أوجب(3).
ولا يكفي مجرد وجود العقل، بل لا بد أن يكون الحاكم على درجة عالية من الذكاء والفطنة، تمكنه من تسيير مصالح الرعية، بما يحقق لهم خيري الدنيا والآخرة(4).
الشرط الرابع: الحرية(5):
العبد لا يصلح لتولي رئاسة الدولة بالإجماع؛ لأنه مشغول بحقوق سيده، ولا يملك التصرف في شأن نفسه، فكيف يتصرف في شأن الأمة؟.
الشرط الخامس: الذكورة(6):
فلا يجوز للمرأة أن تتولى رئاسة الدولة؛ لقوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (7).
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه (كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً ح 4401 ص 657)، وقال الألباني: صحيح.
(2) أخرجه ابن ماجه في سننه (كتاب الأحكام، باب لا يحكم الحاكم وهو غضبان ح 2316 ص 396)، وقال الألباني: صحيح.
(3) الزرقا: المدخل الفقهي العام (2/817)، الزحيلي: النظريات الفقهية (ص 135).
(4) الشهرستاني: الملل والنحل (1/129)، الجويني: الغياثي (ص 45).
(5) الفراء: الأحكام السلطانية (ص 24).
(6) ابن خلدون: المقدمة (ص 182).
(7) سورة النساء: من الآية (34).(1/8)
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: أي الرجل قيِّم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت... وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: يعني أمراء عليهن، أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته(1).
وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ: أي يقومون بالنفقة عليهن، والذَّب عنهن، وأيضاً فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء(2).
ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ابنة كسرى تولت الحكم بعد أبيها قال: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّواْ أَمْرَهُمْ امْرَأَةً"(3).
والمرأة محبوسة في بيتها، فلا تخرج إلا بإذن أبيها أو زوجها، ومن كان هذا حاله، فلا يصلح لقيادة الأمة.
وكذلك فإن المرأة ضعيفة في بنيانها الجسماني؛ وما يطرأ عليها من أعذار شرعية تحول بينها وبين بعض مهام الإمام، بالإضافة إلى غلبة العاطفة عندها على العقل، مع كونها فتنة.
الشرط السادس: العدالة(4):
فيشترط في الحاكم أن يكون عدلاً، خالياً من العيوب التي تُخل بمروءته، ويشترط أن يكون قائماً بالفرائض والأركان، صادق اللهجة، أميناً على مصالح الأمة، ورعاً تقياً أميناً.
لذا لا تجوز إمامة الفاسق ابتداءً؛ لأنه متهاون في أمور الدين، مستهتر بأحكام الإسلام، والحاكم مأمور بمحاربة المنكرات، وتأديب الفسقة، كما أن الفاسق ليس أهلاً للقيام بهذا الواجب.
__________
(1) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (1/465).
(2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (5/152).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب المغازي، باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر ح 4425)، وقد نقل ابن حجر خلاف العلماء في تولي المرأة الإمارة فقال: " والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور، وأجازه الطبري، وهو رواية عن مالك، وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء "، فتح الباري (8/472).
(4) القرافي: الفروق (4/82، وما بعدها)، الخطيب: الخلافة والإمامة (ص 319).(1/9)
قال ابن خلدون ـ رحمه الله ـ: وأما العدالة فلأنه منصب ديني ينظر في سائر المناصب ـ التي هي شرط فيها ـ فكان أولى باشتراطها فيه، ولا خلاف في انتفاء العدالة بفسق الجوارح، من ارتكاب المحظورات وأمثالها(1).
الشرط السابع: الكفاية(2):
بحيث يكون جريئاً في إقامة الحدود، واقتحام الحروب، بصيراً بها، كفيلاً بحمل الناس عليها، قوياً على معاناة السياسة، ليصح له بذلك ما جُعل إليه من حماية الدين، وجهاد العدو، وإقامة الأحكام، وتدبير المصالح، ولا ينبغي أن يكون جباناً حتى لا يجترئ عليه العدو(3).
الشرط الثامن: العلم(4):
فيشترط في الحاكم أن يكون عالماً؛ لأنه مُنفِّذ لأحكام الله تعالى، ولا يستطيع تنفيذ الأحكام إلا إذا كان عالماً بها.
وقد جوَّز جماعة من أهل السنة أن يكون الإمام غير مجتهد، ولا خبير بمواقع الاجتهاد، شريطة أن يكون معه من أهل الاجتهاد من يراجعه في الأحكام، ويستفتيه في الحلال والحرام(5).
ولما كان من البدهي أن الحاكم لا يستطيع حيازة العلوم كلها، كان مما ينبغي عليه إحاطة نفسه بالعلماء والخبراء، والمختصين والمستشارين في شتى المجالات، التي تحقق النفع للأمة، وتسير مصالحها على أكمل وجه، مع كون الحاكم ذا عقل راجح، وقدرة عالية على إدراك حقائق العصر، وكنهها؛ ليقوم بواجبه على أتم وجه وأكمله.
الشرط التاسع: ألا يطلب الإمارة لمصلحة نفسه، أو مع عدم التأهل لها:
__________
(1) ابن خلدون: المقدمة (ص 180).
(2) النووي: روضة الطالبين (3/433)، الجويني: الغياثي (ص 141)، الخطيب: الخلافة والإمامة (ص 319)
(3) ابن خلدون: المقدمة (ص 180)، القلعي: تهذيب الرياسة (1/123)، الخطيب: الخلافة والإمامة (ص 319).
(4) الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 31)، الراء: الأحكام السلطانية (ص 24).
(5) الشهرستاني: الملل والنحل (1/128-129).(1/10)
فإن الذي يريد الإمارة لمصلحة نفسه سيخل بالمقصد الأساس من الإمارة من رعاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، بالإضافة لما في طلب الإمارة من تزكية للنفس، وقد قال تعالى: { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } (1).
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: أمِّرنا يا رسول الله، وقال الآخر مثله؛ فقال: "إِنَّا لا نُوَلِّى هَذَا مَنْ سَأَلَهُ، وَلا مَنْ حَرِصَ عَلَيْهِ"(2).
فقد نص الحديث على منع تولية من طلب الإمارة أو حرص عليها؛ لأن السؤال والحرص غالباً ما يكون لمصلحة النفس واتباع هواها.
إلا أنه إذا كان طالب الإمارة يريدها لمصلحة الأمة، مع كونه أهلاً لها، أو تعينت في حقه، كأن لم يوجد مَن تتحقق فيه الشروط غيره، أو كان النظام السائد في البلاد يحتم الترشيح ـ كما في زماننا ـ فلا بأس أن يرشح نفسه، وأن يطلب الولاية، ولا أدل على ذلك من فعل يوسف - عليه السلام -، والذي دل عليه قوله تعالى عن يوسف - عليه السلام -: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } (3)، وكذلك طلب سليمان - عليه السلام - الملك، حيث قال تعالى عنه: { قَالَ رَبِّ اغْفِر لِي وَهَب لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِن بَعْدِي } (4)(5).
الشرط العاشر: المواطنة:
بأن يكون الحاكم من سكان الدولة الإسلامية المستقرين فيها؛ لأن الحكم مبني على رعاية مصالح الأمة، والمواطن هو أعلم بمصالح أمته وحاجاتها من غير المواطن.
__________
(1) سورة النجم: من الآية (32).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الإمارة ح 7149).
(3) سورة يوسف: الآية (55).
(4) سورة ص: من الآية (35).
(5) انظر: ابن حجر: فتح الباري (15/20).(1/11)
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ } (1).
وجه الدلالة: نصت الآية الكريمة على ترك ولاية من لم يهاجر، بل وأمرت بالتبري من ولايتهم حتى يهاجروا، والولاية تأتي بمعنى الإمارة(2)، ومن الموالاة المنهي عنها أن يختار المسلم رجلاً مسلماً يعيش في بلاد الكفر، ويهجر دار الإسلام ليكون رئيساً للدولة الإسلامية، لذلك كان على المسلم أن يختار مسلماً من ديار المسلمين، ليحقق الولاية الصحيحة المَرْضِيَّة.
الشرط الحادي عشر: سلامة الحواس والأعضاء(3):
وذلك من كل ما يمنع من أداء مصالح الأمة، كالجنون والعمى، والصمم والخرس؛ وذلك لأن الجنون مرض يُفقد الإنسان أهلية أدائه؛ وأما العمى، فإن الأعمى قد يُخدع ولا يرى الأمور على حقيقتها، ومصالح الأمة تحتاج إلى مَن يتحقق مِن الأمور.
وأما الصمم، فإن الأصم لا يسمع، وبالتالي لا يعي ما حوله، ولا يسمع مطالب وشكاوى الأمة المباشرة.
وأما الأخرس، فإن الوالي مطالب بمخاطبة الأمة بين حين وآخر، وخصوصاً في المناسبات والأزمات،
ومن المعلوم أن الوالي هو من يلي الصلاة بالناس وخطبة الجمعة والعيدين لهم.
__________
(1) سورة الأنفال: من الآية (72).
(2) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير (10/85-86)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (10/411)،
(3) ابن حزم: الفِصَل في الملل والنِحَل (2/9)، ابن خلدون: المقدمة (ص 180)، النووي: روضة الطالبين (3/433)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 24)، القلقشندي: مآثر الإنافة (1/65)، الخطيب: الخلافة والإمامة (ص 319).(1/12)
ولا نرى مانعاً من تولية الأشل أو مقطوع اليدين أو الرجلين(1)، شريطة أن يقوى على القيام بمصالح الأمة، ولو بمساعدة غيره، وقد عُلم أن " مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز"(2)، فقد يكون الإنسان مقعداً جسدياً إلا أنه عالي الهمة، قادر على تحقيق مصالح العباد، بينما قد يكون غيره صحيح الجسد، لكنه قعيد الهمة عاجز عن تحقيق مصالح نفسه، بله مصالح العباد.
ولقد ضرب لنا الشيخ الشهيد أحمد ياسين ـ رحمه الله ـ أروع المثل في قيادة الأمة إلى بر الأمان في أحلك الظروف، على الرغم من أنه كان مقعداً، فكيف يفضل صحيحُ الجسد ضعيف الهمة قعيداً عالي الهمة؟!(3).
الشرط الثاني عشر: النسب القرشي(4):
وذلك بأن يكون الإمام من قريش، بأن ينتهي نسبه إلى فهر بن مالك، وقيل: من ولد قريش بن بدر بن النضر دليل بني كنانة(5).
قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْش، لا يُعَادِيهِم أَحَدٌ إِلا كَبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ"(6).
__________
(1) اشترط كثير من العلماء سلامة اليدين والرجلين، وخالفهم في ذلك ابن حزم، والمتولي من الشافعية، انظر: ابن حزم: الفِصَل في الملل والنِحَل (2/9)، النووي: روضة الطالبين (3/433).
(2) ابن القيم: الطرق الحكمية (1/345).
(3) قام الشيخ سيد العفاني بجمع مادة علمية وفيرة عن الشيخ أحمد ياسين في مجلدين ضخمين ذكر فيهما مآثر الشيخ وآثاره، جعل عنوانه: " شذا الرياحين من سيرة واستشهاد الشيخ أحمد ياسين "، من منشورات مكتبة آفاق، غزة.
(4) الخطيب: الخلافة والإمامة (ص 319).
(5) الفراء: الأحكام السلطانية (ص 24)، المحلى: ابن حزم (9/359).
(6) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام، باب الأمر من قريش ح 7139).(1/13)
وقد اختلف العلماء في اشتراط النسب القرشي(1)، والذي نراه عدم اشتراط ذلك، فقد كان ذلك في السابق لاعتبار العصبية والحماية والمطالبة التي كانت تتمتع بها قريش، أما اليوم فإننا نشترط في القائم بأمور المسلمين أن يكون له القوة والعزة والحماية، وهذه قد تتأتى من عشيرته أو جماعته (حزبه) التي ينتمي إليها.
والذي يدلل على إمكان تحول الأمر من قريش إلى غيرهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّق بقاء الأمر في قريش على إقامة الدين، فإذا لم يقيموه تحوَّل إلى غيرهم، لكن بشرط أن تكون له القوة والعزة والحماية كما كانت لقريش، حتى يدافع عن نفسه، ودينه، ومصالح أمته، وحتى يقهر من يقف في وجهه من الظالمين والخارجين.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: الولاية لها ركنان: القوة والأمانة، قال تعالى: { قَالَت إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (2)(3).
ثانياً: المهام الأساسية للحاكم:
الولاة خلفاء الله في الأرض، وهم وكلاء العباد على نفوسهم، والله يزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن.
وقد قيل: الدين والسلطان توأمان.
وقيل: على الملك أن يأخذ نفسه بثلاث: بتعجيل مكافأة المحسن على إحسانه، وتأجيل عقوبة العاصي على عصيانه، والأناة عند طوارق الدهر(4).
__________
(1) انظر: ابن حجر: فتح الباري (15/7)، النووي: روضة الطالبين (3/434)، ابن خلدون: المقدمة (ص 182)، المطيعي: التكملة الثانية للمجموع (19/192)، أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام (ص 193)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 28).
(2) سورة القصص: من الآية (26).
(3) ابن تيمية: السياسة الشرعية (1/12).
(4) ابن تيمية: السياسة الشرعية (1/14، 137)، القلعي: تهذيب الرياسة (1/95، 122).(1/14)
" فالإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا، ومهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكفِّ الخَيْفِ(1) والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين "(2).
فمهمة الحاكم الأساسية رعاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، لذلك " كل من ولي الخلافة فما دونها، لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة"(3).
ومن المهام الأساسية التي يجب على الحاكم القيام بها(4):
حفظ المقاصد الخمسة: الدين والنفس، والعرض والعقل، والمال.
الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: قال تعالى: { وَلْتَكُن مِنْكُم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْن عَن المُنْكَرِ } (5)، فعلى الحاكم القيام بتشكيل لجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطواف على الناس في أسواقهم وأماكن عملهم، وتوجيههم ثقافياً بما يتفق ومبادئ شريعتنا الغراء عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والمقروءة، واستخدام التقنيات الحديثة لذلك.
فصل الخصومات، وفض المنازعات: وعلى الحاكم أن يُنشئ دُور القضاء، ويشكل لجان الإصلاح التي تقضي بين الناس في خصوماتهم ومنازعاتهم.
__________
(1) الاختلاف. الرازي: مختار الصحاح (ص 82).
(2) الجويني: الغياثي (ص 15).
(3) القرافي: الفروق (4/95)، ابن تيمية: مجموع الفتاوى (28/116، دار الكتب).
(4) ابن تيمية: السياسة الشرعية (1/137)، ابن القيم: الطرق الحكمية (1/384)، الجويني: الغياثي (ص 97، وما بعدها)، الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 29)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 33-34)، ابن خلدون: المقدمة (ص 180)، الندوي: موسوعة القواعد والضوابط الفقهية (3/334).
(5) سورة آل عمران: من الآية (104).(1/15)
إقامة الحدود، وتوفير الأمن والحياة الكريمة: وقال - صلى الله عليه وسلم -: "حَدٌ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأَرْضِ، خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مَنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحاً"(1)، ودل الحديث على أن الرحمة المترتبة على إقامة الحدود أكبر بكثير وأعظم من الرحمة المترتبة على نزول المطر أربعين صباحاً، كيف لا ورحمة المطر تكاد تنعدم مع عدم الأمن الناشئ من ترك إقامة الحدود، وإيصال الحقوق؟.
تحصين الثغور، وجهاد الكافرين: وذلك بتجييش الجيوش، وإعداد المجاهدين، وتزويدهم بما يحتاجون من عتاد ومؤن، ورعاية أهلهم وذويهم؛ ليتفرغوا لتحصين الثغور والذود عن بيضة الإسلام.
جباية الفيء والصدقات، وتقدير العطايا.
إيصال الحقوق لأصحابها: وذلك من خلال تشكيل الشُرَطِ، والسلطة التنفيذية، التي تنفذ وتطبق الأحكام الصادرة عن دور القضاء، والمختصين في فض الخصومات والمنازعات، وكذلك تشكيل الوزارات التي تتكفل بإيصال الحقوق لأهلها وذويها كاليتامى والأرامل والأسرى، مثل وزارتي: الشئون الاجتماعية، والأسرى.
قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } (2).
فقد أمر الله في الآية بأداء الأمانات إلى أهلها، وليس هناك أكبر من أمانة الولاية على الناس، فهي ليست لفرد أو مائة، وإنما لأمة كاملة، فالحمل فيها ثقيل؛ كما أمرت الآية بالعدل، وهو يشمل إيصال الحقوق لأصحابها، والانتصاف للمظلومين من الظالمين.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه (كتاب الحدود، باب إقامة الحدود ح 2538 ص 432)، وقال الألباني: حسن.
(2) سورة النساء: من الآية (58).(1/16)
يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " وَأُمُورُ النَّاسِ تَسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنْوَاعِ الْإِثْمِ، أَكْثَرُ مِمَّا تَسْتَقِيمُ مَعَ الظُّلْمِ فِي الْحُقُوقِ، وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِكْ فِي إثْمٍ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً. وَيُقَالُ: الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ، وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلْمِ وَالْإِسْلَامِ "(1).
نشر العلم: كبناء المدارس والجامعات وتعيين المتخصصين، ومساعدة الباحثين، وطباعة الكتب، والعمل على جعل التعليم مجانياً؛ ليتمكن الجميع من أخذهم حقهم في التعليم.
قال القرضاوي ـ حفظه الله ـ: لقد اعتبر علماؤنا العلم حياة، والجهل موتاً وهلاكاً، واعتبروا ما يدفع الجهل عن الإنسان من الحاجات الأساسية، كالقوت الذي يدفع عنه الجوع، والثوب الذي يدفع عنه العري والأذى(2).
ثالثاً: الذي يعيِّن الحاكم(3):
لم يعتمد الإسلام طريقة معينة لاختيار الحاكم، ويُلزم الأمة بها، وإنما ترك لها حرية الاختيار بالطريقة التي ترتئيها مناسبة، إذا توافرت فيه شروط معينة، شريطة أن يكون هذا الاختيار متوافقاً مع القواعد العامة التي وضعتها الشريعة الغراء من العدل والشورى.
__________
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (6/340) شاملة.
(2) القرضاوي: فقه الزكاة (1/187).
(3) ابن عابدين: حاشية رد المحتار (4/450)، ابن بطال: شرح صحيح البخاري (1/116)، الجويني: الغياثي (ص 30، وما بعدها)، النووي: روضة الطالبين (3/433-436)، الماوردي: الأحكام السلطانية(ص 31)، الفراء: الأحكام السلطانية(ص 24).(1/17)
وها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يقر الصحابة - رضي الله عنهم - على اختيار من يقودهم في مؤتة، دون نص أو أمر منه، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ـ وعيناه تذرفان ـ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ"(1).
قال البيهقي ـ رحمه الله ـ: " وفيه دلالة على أن الناس إذا لم يكن عليهم أمير ولا خليفة أمير، فقام بإمارتهم من هو صالح للإمارة، وانقادوا له، انعقدت ولايته(2)، حيث استحسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - من أخذه الراية، وتأمرّه عليهم، دون أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودون استخلاف من مضى من أمراء النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه"(3).
وقد وُجدت العديد من الطرق التي يُوَلَّى ويُعيَّن بها الحاكم منها:
البيعة(4): وهي مثل بيعة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في سقيفة بني ساعدة.
الاستخلاف(5): وذلك بأن يقوم حاكم سابق بالعهد إلى حاكم لاحق، ليتولى الحكم من بعده، وذلك كاستخلاف أبي بكر لعمر ـ رضي الله عنهما ـ.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام ح 4262).
(2) وفي هذا رد على الإمامية الذين اشترطوا للتولي النص عليه من قبل المشرع، انظر: الجويني: الغياثي (ص 20).
(3) البيهقي: السنن الكبرى (8/154).
(4) ابن عابدين: حاشية رد المحتار (4/450)، النووي: روضة الطالبين (3/433).
(5) السرخسي: شرح السير الكبير (2/280)، ابن عابدين: حاشية رد المحتار(4/450)، النووي: روضة الطالبين (3/433).(1/18)
القهر والغلبة(1): وهي ما تسمى بالانقلابات العسكرية في زماننا.
الترشيح: وهو ما تمثل الانتخابات في زماننا، وهو مثل ما حدث في اختيار عثمان - رضي الله عنه -.
والمشهور منها في زماننا: الترشيح، والقهر والغلبة -الانقلاب العسكري-.
قال ابن قدامة - رحمه الله -: " من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته، ثبتت إمامته، ووجبت معونته"(2).
وينبغي فيمن يقوم بتعيين الحاكم أن يكون على علم، وعدالة جامعة، كما ينبغي أن يكون من أهل الرأي والحكمة(3).
المطلب الثاني: الصفات التي يجب توافرها في الحاكم:
السلطان خليفة الله في الأرض، وعمله قربة يتقرب إلى الله بها، ويجعلها سبيلاً لمحبته سبحانه وتعالى؛ لذا ينبغي على الحاكم أن يتصف بالصفات الحميدة، ليمثل القدوة الصالحة لرعيته، وخير مثال له في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وعلى من يقوم باختيار الحاكم أن يراعي توفر الصفات الحميدة فيمن يختاره، فهذه أمانة يُسأل عنها بين يدي الله.
ومن الصفات التي ينبغي على الحاكم الاتصاف بها(4):
التقوى والورع.
القوة والأمانة: قال تعالى: { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (5).
الشجاعة والنجدة: وسيد الناس في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يثبت في أحلك الظروف، بل يحتمي به أصحابه، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعل من أبرزها ثباته في غزوة حنين(6).
__________
(1) النووي: روضة الطالبين (3/434)، الخطيب: الخلافة والإمامة (ص 299).
(2) ابن قدامة: المغني (9/5).
(3) الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 31).
(4) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (5/229)، ابن تيمية: السياسة الشرعية (1/137)، ابن القيم: الطرق الحكمية (1/345).
(5) سورة القصص: من الآية (26).
(6) ابن القيم: زاد المعاد (3/468-469).(1/19)
الحكمة والعلم: فهذا يوسف - عليه السلام - يذكر أهم المؤهلات التي عنده ليكون وزيراً للمالية في قوله تعالى: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } (1).
الحلم والأناة: فقد قال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس - رضي الله عنه -: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْن يُحِبُّهُمَا اللهُ: الحِلْمُ وَالأَنَاةُ"(2).
العدل: قال تعالى: { وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } (3).
الصبر: فالحكم أعباؤه كثيرة، لا يقوى عليها إلا الصابرون، والصبر من دلائل الإيمان.
أن يعيش همَّ أمته: بحيث لا يكون الشعب في ضيق وشدة وفقر، وهو مترف غارق في اللهو والعبث وزخارف الدنيا وزينتها، وما أجمل هذا الشعور من عمر - رضي الله عنه - في عام الرمادة! حيث جاع كما جاع الناس، ولم يرضَ أن يتوسع في شيء حتى يشبع الناس، بل إنه ترك أكل اللحم والسمن، وأدمن أكل الزيت، حتى تغير لونه، مع أنه خليفة المسلمين(4).
وبالجملة على الحاكم أن يتحلى بالأخلاق الحميدة الفاضلة كالصدق والخشية والكرم... الخ.
وأخيراً فلننظر إلى الحاكم المسلم كيف يكون؟ إن خير مثل لذلك أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، فقد كان يتحلى بالصفات التي يتحلى بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقارن بين القولين:
__________
(1) سورة يوسف: الآية (55).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ح 25 ص 19).
(3) سورة النساء: من الآية (58).
(4) انظر: ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/589 رقم 5740).(1/20)
تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ ـ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ ـ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ، وَلَا يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ(1)، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ...(2).
إنها نفس الصفات التي وصفت بها خديجة ـ رضي الله عنها ـ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حين قالت له ـ وقد خشي على نفسه ـ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ(3)، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ(4).
__________
(1) الكَل: بفتح الكاف، هو من لا يستقل بأمره، ابن حجر: فتح الباري (1/36).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقده ح 2297).
(3) أي تعين من لا يجد كسباً، فكأنها قالت: إذا رغب غيرك أن يستفيد مالاً موجوداً، رغبت أنت أن تستفيد رجلاً عاجزاً فتعاونه، ابن حجر: فتح الباري (1/36).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب بدء الوحي، باب ـ بدون ترجمة ـ ح 3).(1/21)
فهكذا ينبغي أن يكون الحاكم المسلم، الذي يريد الخير والسعادة له ولرعيته في المعاش والمعاد.
المطلب الثالث: من يقوم مقام الحاكم، وصلاحيات القائم بذلك، وصفاته:
الحاكم واحد من البشر، والتبعات والأعباء التي عليه كثيرة، ومغريات الدنيا وملهياتها وشواغلها كثيرة، لذلك قد يضعف الحاكم عن بعض العمل، بسبب كثرة الأعباء، أو أن يُهمل حقوق الناس وواجباتهم؛ لانشغاله بالدنيا وملذاتها.
لذلك يحتاج الحاكم إلى معاونين ومساعدين يقومون بأداء الأمانة معه، خاصة إذا كان من المهتمين بأمر الأمة، المستشعرين لعظم الأمانة.
أو تحتاج الأمة لمن يقوم مقام الحاكم ـ إذا كان مهملاً لحقوقها ـ لإيصال حقوقها، وتلبية حاجاتها، ما أمكن ذلك، وهذا إما أن يكون بالخروج عليه عند القدرة، أو بالعمل السلمي عند العجز عن إقالته.
من أجل ذلك يمكن تقسيم القائم مقام الحاكم إلى الأقسام التالية:
1- أن يقوم الحاكم بتولية من يساعده في بعض الأعمال، وهذا دارج في كل بلاد الدنيا اليوم، حيث الوزارات والمؤسسات الحكومية، وغيرها، مما يساعد على القيام بمصالح الأمة.
وهنا يتم النظر في الصلاحيات التي يعطيها الحاكم، أو التي يفرضها القانون، فإن كانت صلاحيات مطلقة، جاز لمن يقوم مقام الحاكم أن يعمل كل الأعمال التي تصح من الحاكم.
أما إن كانت الصلاحيات مقيدة، لم يجز للقائم مقام الحاكم أن يتجاوز هذه الصلاحيات، بل إنه إن تجاوزها عرَّض نفسه للمساءلة، وكان للحاكم أن يتخذ في حقه الإجراء المناسب.
2- أن يقوم فرد ذو شوكة وقوة بالاستيلاء على الحكم بالغلبة والقهر، فيصبح هو الحاكم، ويقوم بأعماله، وعلى الأمة طاعته في طاعة الله(1).
__________
(1) النووي: روضة الطالبين (3/434).(1/22)
أو تقوم جماعة بالخروج على الحاكم بالسيف والسنان، فتنزعه، وتولي غيره بإرادتها واختيارها، فيكون لهذا المُختار الحكم، وبالتالي صلاحيات الحاكم كاملة، وعلى الأمة أيضاً طاعته في طاعة الله(1).
ولعل المستند في هذا ما رواه عقبة بن مالك - رضي الله عنه - عنه قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فسلحت رجلا منهم سيفا، فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَعَجَزْتُم إِذْ بَعَثْتُ رَجُلاً مِنْكُم، فَلَمْ يَمْضِ لأَمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لأَمْرِي؟"(2).
3- أن يعجز الناس عن خلع الحاكم فيقوم فرد أو جماعة ببعض الأعمال المنوطة بالحاكم ـ والتي قصَّر فيها ـ من غير تولية أو تكليف من الحاكم، وذلك لأن مسؤولية تغيير المنكر والأمر بالمعروف متعلقة بجميع الأمة(3)، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(4).
__________
(1) انظر: الغزالي: إحياء علوم الدين (2/128)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 28).
(2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الجهاد باب في الطاعة ح 2627 ص 397 وقال الألباني حسن
(3) انظر: القلقشندي: مآثر الإنافة (1/40).
(4) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ح 49 ص 25).(1/23)
وقد نقل ابن بطال ـ رحمه الله ـ عن المهلب في قصة أخذ خالد - رضي الله عنه - الراية في مؤتة بعد القادة الثلاثة قوله: " فيه من الفقه أن من رأى للمسلمين عورة قد بدت، أن يتناول سد خللها، إذا كان مستطيعاً لذلك، وعلم من نفسه مِنَّة وجزالة، ولهذا المعنى امتثل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عنه في قيامه عند قتل عثمان - صلى الله عليه وسلم - بأمر المسلمين بغير شورى بينهم واجتماع؛ لأنه خشي على الناس الضيعة، وتفرق الكلمة التي آل أمر الناس إليها، وعلم إقرار جميع الناس بفضله، وأن أحداً لا ينازعه فيه "(1).
وعليه لو قامت جماعة من المسلمين بسد حاجة المسلمين في جانب من الجوانب التي قصَّر فيها الحاكم، فإن ذلك جائز ومحمود، قال العدوي ـ رحمه الله ـ: " وجماعة المسلمين العدول يقومون مقام الحاكم في ذلك (أي في إيصال النفقة للزوجة) وفي كل أمر يتعذر الوصول إلى الحاكم، أو لكونه غير عدل "(2).
أما الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها القائم مقام الحاكم، فهي نفس الصفات التي يتحلى بها الحاكم، من التقوى والكرم، والحلم والأناة، والصبر والشجاعة، والشعور بهمِّ المسلمين، مع القدرة على العمل، والحكمة في التعامل مع الأمور، وسداد الرأي.
المبحث الثاني
أسباب عزل الحاكم وطرقه في ظل التحديات المعاصرة
المطلب الأول: أسباب عزل الحاكم:
مر معنا أن السلطان خليفة الله في الأرض، وأن الولاة وكلاء العباد على أنفسهم، والأصل في الحاكم اتخاذ الإمارة قربة يتقرب بها إلى الله - عز وجل -، ويحقق من خلالها مصالح العباد في معاشهم ومعادهم.
__________
(1) ابن بطال: شرح صحيح البخاري (9/288)، وانظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (28/128، دار الكتب).
(2) العدوي: حاشية على كفاية الطالب الرباني (2/173)، الحطاب: مواهب الجليل (5/569-570).(1/24)
وقد كان السلف ـ رحمهم الله ـ يدركون أهمية الحاكم، وخطر أمره، حتى كان الإمام أحمد والفضيل ابن عياض ـ رحمهما الله ـ يقولان: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان(1).
وقال عثمان - رضي الله عنه -: ما يزع الله بالسلطان، أكثر مما يزع بالقرآن.
وقال سهل بن عبدالله ـ رحمه الله ـ: لا يزال الناس بخير ما عظَّموا السلطان والعلماء، فإذا عظَّموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفُّوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم(2).
والحاكم صمام الأمان للأمة، فهو يصونها ويوحِّد كلمتها، ويظهر ذلك جلياً في فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، فقد أخروا دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما بعد اختيار خليفة لهم(3).
ومن كان هذا حاله وجب على الأمة نصرته، وطاعته، ونصحه، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } (4).
وقال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ خَلَعَ يَداً مِن طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى يَومَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ"(6).
__________
(1) ابن تيمية: السياسة الشرعية (1/169)، شاملة.
(2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (5/230).
(3) الجويني: الغياثي (ص 16).
(4) سورة النساء: من الآية (59).
(5) سبق تخريجه (ص 3)، وهو صحيح.
(6) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ح 1851 ص 488).(1/25)
بل إنه - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى الصبر على ما نكره من الإمام، فقال: " مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ"(1).
وقال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، وَأُمُوراً تُنْكِرُونَهَا"، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "أَدُّوا إِلَيْهِم حَقَّهُم، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ"(2).
وعلى الرغم من هذه المكانة العظيمة للحاكم، إلا أنه ليس سيفاً مسلطاً على رقاب العباد، فإن طاعته محكومة بشرع الله، فلا طاعة له ولا لغيره في المعصية(3).
قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ"(4).
وقال عليه الصلاة والسلام: " السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ "(5).
قال ابن تيمية - رحمه الله -: يطيعهم في طاعة الله، ولا يطيعهم في معصية الله؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق(6).
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: سترون بعدي أموراً تنكرونها ح 7054).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: سترون بعدي أموراً تنكرونها ح 7052).
(3) ابن حجر: فتح الباري (15/17)، العظيم أبادي: عون المعبود (7/289).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ح 7145).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للأمير ما لم تكن معصية ح 7144)، وأبو داود في سننه (كتاب الجهاد، باب في الطاعة ح 2626 ص 397).
(6) ابن تيمية: كتب ورسائل وفتاوى (28/507).(1/26)
لذلك يحق للأمة أن تعزل الحاكم إذا وُجدت بعض الأسباب(1)، وذلك لأنها هي صاحبة الحق في نصبه، فكان لها الحق في عزله وخلعه، ومن هذه الأسباب:
الردة عن الإسلام: ويظهر هذا جلياً في حديث عبادة - رضي الله عنه - السابق وفيه: وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ(2).
لذلك أجمع العلماء على أن الحاكم إن أظهر كفراً بواحاً، عند الأمة فيه برهان، وجب عزله والخروج عليه(3).
زوال العقل: وقد مضى الحديث عن اشتراط العقل فيمن يتولى الحكم، فإن زال العقل زال الحكم معه.
ذهاب البصر: وذلك لذهاب شرط مؤثر في نتائج الحكم، وخط سيره.
العجز عن القيام بمصالح الأمة: وذلك لأن الإمامة في الأساس عقد على القيام بمصالح الأمة، من جلب الخير لها، ودفع الشر عنها، ومن البدهي أن تفسخ الأمة ـ وهي الذي عينت الحاكم ـ هذا العقد، وتستبدله بمن يحقق أغراضها(4).
__________
(1) ابن عابدين: حاشية رد المحتار (4/450)، القلقشندي: صبح الأعشى (9/286).
(2) سبق تخريجه (ص 3)، وهو صحيح.
(3) ابن حجر: فتح الباري (14/498، 15/18)،
(4) ابن عابدين: حاشية رد المحتار (4/451)، شاملة، الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 53)، أبو فارس: النظام: السياسي في الإسلام (ص 271).(1/27)
التمادي في الفسق(1): وذلك بأن يصبح الفسق ديدناً له، كاعتياده ارتكاب المحظورات، وإقدامه على اقتراف المنكرات، تحكيماً لشهوته وهواه؛ ومعلوم أن الفاسق لا يجوز توليته ابتداء(2)، ولكن إن كان عدلاً ثم جار وفسق، أو فُرض على الأمة فرضاً ـ كما هو الحال في كثير من بلاد المسلمين اليوم ـ فإن العلماء قد اختلفوا في الخروج عليه، والرأي الوسط الجامع لقولي العلماء: أن الأمة إن استطاعت عزله وخلعه بدون ضرر أو مع ضرر أخف من إبقائه، وجب عليها خلعه؛ أما إن كان الضرر المترتب على الخلع أكبر من الضرر المترتب على إبقائه، فلا يجوز الخروج عليه، كي لا تكون كمن يبني قصراً، ويهدم مصراً.
ولعل هذا ما تشير إليه بعض روايات حديث عبادة - رضي الله عنه - السابق من عدم الخروج على الحاكم، ففي بعض الروايات: " وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ "(3)، وبالجمع مع أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحديث عقبة بن مالك - رضي الله عنه - السابق، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - قال:" أَعَجَزْتُم إِذْ بَعَثْتُ رَجُلاً مِنْكُم، فَلَمْ يَمْضِ لأَمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لأَمْرِي؟"(4). يمكن الوصول إلى هذه النتيجة(5).
__________
(1) اشترطنا التمادي، وذلك لأن الفسق الذي يجري مجرى العثرة لا يوجب خلع الإمام. الجويني: الغياثي (ص 119 دار الدعوة)، ابن مفلح: الفروع (6/474).
(2) ابن حجر: فتح الباري (14/498)، ابن بطال: شرح صحيح البخاري (15/232).
(3) السيوطي: تنوير الحوالك (1/374).
(4) سبق تخريجه (ص 14)، وهو حسن.
(5) انظر: ابن عابدين: حاشية رد المحتار (4/451)، ابن حجر: فتح الباري (14/498)، النووي: روضة الطالبين (3/436)، عودة: التشريع الجنائي (1/109، 2/242)، شاملة، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (5/229)، ابن بطال: شرح صحيح البخاري (15/232)، ابن تيمية: مجموع الفتاوى (28/129-130).(1/28)
ويدخل ضمن الفسق الظلم، وقد قال الغزالي ـ رحمه الله ـ: إن السلطان الظالم عليه أن يكف عن ولايته، وهو إما معزول أو واجب العزل، وهو على التحقيق ليس بسلطان(1).
مع التأكيد والتنبيه على أن واجب الأمة نصح الإمام وإرشاده قبل أن تفكر في الخروج عليه(2)، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " قلنا: لمن؟ قال: " للهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ "(3).
قال مالك - رحمه الله -: حق على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئاً من العلم والفقه، أن يدخل إلى كل ذي سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر، ويعظه، حتى يتبين دخول العالم على غيره؛ لأن العالم إنما يدخل على السلطان لذلك، فإذا كان فهو الفضل الذي لا بعده فضل.
ودخل يوماً على الرشيد فحثَّه على مصالح المسلمين، وقال له: لقد بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان في فضله وقدمه ينفخ لهم عام الرمادة النار تحت القدور حتى يخرج الدخان من تحت لحيته - رضي الله عنه -؛ وقد رضي الناس منكم بدون هذا(4).
المطلب الثاني: طرق عزل الحاكم (حلول مقترحة في ظل التحديات المعاصرة):
إن الأمة هي صاحبة الشأن في اختيار الإمام، فمن اختارته لهذا المنصب كان له الحق في تسيير أمورها، وحمل هذه الأمانة، وأساس هذا الحق أن الأمة مسؤولة عن تنفيذ أحكام الشرع، فقد خاطبها الإسلام بوجوب إدارة شؤونها وفق الأحكام الشرعية، ولها أن تختار إماماً يزاول ما تملكه من سلطة نيابة عنها، وتنفيذ ما كُلفت به شرعاً.
__________
(1) الغزالي: إحياء علوم الدين (2/154)، وإنما خصصنا الظلم؛ لأن البعض قد لا يعتبره من الفسق، بل هو من أشد الفسق، فله نفس الحكم.
(2) النووي: روضة الطالبين (3/436).
(3) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة ح 55 ص 27).
(4) ابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (1/15)، شاملة.(1/29)
وإذا كانت الأمة هي صاحبة الحق في اختياره " فإنه لا يحق لها خلعه إلا لموجب اقتضى هذا الخلع"(1)
ولعزل الإمام وخلعه طريقتان، هما:
الطريقة الأولى: أن يعزل نفسه(2): وهو ما يسمى بالاستقالة، ولذلك حالتان:
الأولى: أن يُقدِّم هو استقالته ابتداء من نفسه، فيعزل نفسه، وغالباً ما يكون لسبب يتعلق بمصلحة المسلمين، كشعوره بالعجز عن القيام بمصالح المسلمين، أو لهِرَم أو مرض أصابه، أو حقناً لدماء المسلمين، ونحو ذلك، وخير شاهد على هذا ما فعله الحسن بن علي - رضي الله عنه - حين تنازل عن الخلافة لمعاوية - رضي الله عنه - حقناً لدماء المسلمين(3)، وحقق بذلك نبوءة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال عن الحسن - رضي الله عنه -: " ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِن المُسْلِمِينَ "(4).
وكذلك خلع أبو بكر عبدالكريم بن المطيع نفسه ـ وهو أحد خلفاء بني العباس ـ رعاية لمصالح الأمة(5).
الحالة الثانية: أن تتقدم الأمة، أو من يمثلها كأهل الحل والعقد ـ المجلس التشريعي ـ بالطلب من الحاكم أن يستقيل، فيستجيب، فيعزل نفسه، ويقدم استقالته، ولا بد أن يكون هذا الطلب بناء على سبب واضح ـ مبرر شرعي ـ يقتضيه(6).
__________
(1) ابن عابدين: حاشية رد المحتار (4/451)، القلقشندي: مآثر الإنافة (1/40)، المصري: المشاركة في الحياة السياسية (ص 67)، الجويني: الغياثي (ص 99 دار الدعوة).
(2) النووي: روضة الطالبين (3/435)، الفراء: الأحكام السلطانية (ص 28).
(3) القلقشندي: مآثر الإنافة (1/65، 143).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، باب مناقب الحسن والحسين ح 3746).
(5) القلقشندي: مآثر الإنافة (1/311).
(6) السيوطي: تاريخ الخلفاء (ص 209).(1/30)
الطريقة الثانية: أن تقوم الأمة بعزله ابتداء، أو بعد أن رفض عزل نفسه وتقديم استقالته، وذلك بإحدى الوسائل التالية(1):
1- الانقلاب العسكري:
حيث تتم إقالة الحاكم بالخروج عليه بالقوات المسلحة، وهو ما عبَّر عنه فقهاؤنا بالقهر والغلبة، أو الخروج بالسيف والسنان.
ولهذه الوسيلة محاذير كثيرة، كإراقة الدماء، وانتشار الفتنة، واستباحة الحرمات والأعراض، ولعل الأخطر في هذا هو تعويد الأمة على هذه الوسيلة التي تعود بالضرر الجسيم على مقدَّرات الأمة؛ ولعل ما يحدث في زماننا من انقلابات عسكرية في بعض بلدان العالم أكبر دليل على هذا.
لذلك فإننا لا نميل إلى هذه الوسيلة، بل على الأمة أن تفكّر ملياً قبل اللجوء إلى الخيار العسكري، وأن تستنفد جميع الوسائل التي قد تعمل على إصلاح الحاكم أو تغييره بطريقة سلمية، وكما سبق فإن الأصل في ذلك النظر المقاصدي المصلحي الذي يقدّره أهل الحل والعقد في الأمة.
قال عبدالله بن حنظلة بن الغسيل: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة(2).
2- المجالس النيابية(3):
__________
(1) القرضاوي: فتاوى معاصرة (2/689، وما بعدها).
(2) السيوطي: تاريخ الخلفاء (ص 209).
(3) يقوم النظام النيابي على أساس اختيار الشعب من آن لآخر نواباً يتولون الحكم لمدة محدودة، باسمه ونيابة عنه، فلا يزاول الشعب سلطانه بنفسه، بل يقتصر دوره في اختيار نواب عنه، وتُعد ذلك إرادة هؤلاء النواب معبرة عن إرادة الناخبين. المصري: المشاركة في الحياة السياسية (ص 165)، وهو ما يطلق عليه المجلس التشريعي، أو مجلس الشعب.(1/31)
يجب على المجالس النيابية أن تأخذ دورها في إصلاح الحاكم أو عزله إذا اقتضى الأمر؛ وذلك لأن هذه المجالس تمثل اليوم أهل الحل والعقد، وهي نائبة عن الأمة، وتستمد قوتها منها، فيجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتغيير منكر الحاكم، كتغيير الدستور الذي يحتمي به الحاكم، أو بحجب الثقة عنه، أو أي إجراء يعمل على القضاء على منكره.
3- القوة الشعبية الجماهيرية:
يجب أن نُسلِّم أنّ كل منكر يقع في المجتمع المسلم لا يقع إلا في غفلة من المجتمع، وما تمادى الحاكم في ظُلمه وغيه وانحرافه إلا بمباركة الجماهير وصمتها، قال تعالى عن فرعون: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ } (1).
وقال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } (2).
وقال سبحانه: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (3).
يقول ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: الناس على دين ملوكهم، فإذا ظلم ولاة الأمور الناس، فإنه غالباً ما يكون بسبب أعمال الناس، وفي الأثر كما تكونون يولَّ عليكم(4).
والأمة مسؤولة أمام الله تعالى عن تنفيذ أحكامه، وقد أنابت عنها الحاكم، فإذا انحرف الحاكم، أو استبد، فتعود المسؤولية إلى الجماهير التي يجب عليها أن تغير المنكر، ولو كان هذا المنكر من الحاكم نفسه.
فقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تغيير المنكر، ولم يحدد من الذي يغيره، ولا على من يُنكَر، حيث قال: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(5).
__________
(1) سورة الزخرف: الآية (54).
(2) سورة الشورى: الآية (30).
(3) سورة الرعد: من الآية (11).
(4) ابن عثيمين: شرح رياض الصالحين (1/379).
(5) سبق تخريجه (ص 14)، وهو صحيح.(1/32)
فعلى جماهيرنا اليوم أن تعمل على تغيير منكر حكامها بالفعاليات الشعبية المناسبة، والتي منها مقاطعة الحاكم، وعدم مؤاكلته، أو مجالسته، أو مخالطته، أو بالخروج إلى الشوارع في مسيرات احتجاجية سلمية، يعبرون فيها عن سخطهم، وعدم رضاهم عن الحاكم، الذي جار وظلم وانحرف، وتوزيع المنشورات والملصقات واللافتات التي تعبر عن موقف الأمة، وعدم رضاها بمنكر الحاكم، وهذا التغيير من الإيمان.
ويجب التنبيه هنا مرة أخرى على أن تغيير المنكر يجب أن يكون مضبوطاً ومقيداً بألا يؤدي إلى منكر مساوٍ أو أشد؛ فإذا أدى إلى ذلك ارتُكب أخف الضررين وأهون الشرين، وكان على الناس الصبر حتى تحين فرصة التغيير(1).
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " الواجب تحصيل المصالح كلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع "(2).
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمن خلال العرض والتحليل الذي سار عليه البحث، وبعد دراسة آراء العلماء الكرام، توصلنا إلى النتائج التالية:
شمول الإسلام، فالإسلام يعالج جوانب الحياة جميعها، فهو كما قال الله تعالى: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } (3).
وصدق الإمام البنا حين قال: " إن الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خُلُق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة، أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة، وعبادة صحيحة، سواء بسواء"(4).
__________
(1) الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته (6/710)، عودة: التشريع الجنائي (4/244).
(2) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (28/129، دار الكتب).
(3) سورة الأنعام: من الآية (38).
(4) البنا: الرسائل (ص 356).(1/33)
ويقول القرضاوي ـ حفظه الله ـ: والحقيقة أن تعاليم الإسلام وأحكامه في العقيدة والشريعة والأخلاق والعبادات والمعاملات لا تؤتي أكلها إلا إذا أُخذت متكاملة، فإن بعضها لازم لبعض، وهي أشبه بوصفة طبية كاملة مكونة من غذاء متكامل، ودواء متنوع، وامتناع من بعض الأشياء، وممارسة لبعض التمرينات، فلكي تحقق هذه الوصفة هدفها لا بد من تنفيذها جميعاً، فإن ترك جزء منها قد يؤثر في النتيجة كلها(1).
الأمة هي صاحبة الحق في اختيار من يسوسها ويقودها إلى بر الأمان.
أمور الناس تستقيم مع العدل، ولا تستقيم مع الظلم، فالعدل أساس الملك.
الحاكم خليفة الله في أرضه، وهو نائب عن العباد في رعاية مصالحهم في المعاش والمعاد، والحاكم الحق هو الذي يعمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويشفق على الرعية شفقة الرجل على أهله.
يجب أن يتوفر في الحاكم شروط تؤهله لهذا المنصب الخطير، منها: الإسلام والعدالة، والعقل والبلوغ، والذكورة والكفاية،...الخ.
كما ينبغي عليه أن يكون متحلياً بالأخلاق الحسنة والصفات الحميدة، كالصبر والتقوى، والحلم والأناة، والكرم والشجاعة، وأن يعيش همَّ الأمة التي يحكمها.
تعددت الطرق التي يتعين بها الحاكم وكان منها: البيعة والاستخلاف، والقهر والغلبة، والترشيح.
ينبغي أن يتحلى من يعين الحاكم بمجموعة من الصفات كأن يكون على علم وعدالة جامعة، وأن يكون من أهل الرأي والحكمة.
للحاكم أن ينيب مقامه من يرى صلاحيته لحمل الأمانة، بعمل مطلق، أو مقيد.
إذا قام فرد ذو شوكة وقوة على الحاكم، فاستولى على الحكم بالغلبة والقهر، فهو الحاكم، وعلى الأمة طاعته في غير معصية.
إذا قامت جماعة بالخروج على الحاكم، واستولت على الحكم، فلها أن تعيِّن من تراه مناسباً لحمل هذه الأمانة، فيكون هو الحاكم وعلى الأمة طاعته في غير معصية.
__________
(1) القرضاوي: شمول الإسلام (ص 50).(1/34)
إذا عجز الناس عن خلع حاكم، فعلى الأفراد والجماعات القيام بما يستطيعون من أعمال قصَّر فيها الحاكم.
الحاكم ليس سيفاً مسلطاً على رقاب الأمة، فللأمة خلعه إذا حاد وانحرف عن النهج القويم، كأن كفر أو تمادى في فسقه؛ ولها كذلك خلعه إذا أصبح عاجزاً عن القيام بما اختارته من أجل القيام به، كأن زال عقله، أو ذهب بصره وسمعه... الخ.
قد يقيل ويعزل الحاكم نفسه، وقد تطلب الأمة أو من يمثلها ذلك منه فيستجيب لها.
قد تقوم الأمة بعزل الحاكم إذا رفض عزل نفسه وتقديم استقالته، وذلك من خلال بعض الوسائل، كالإجراءات المتخذة من قِبل المجالس النيابية، وكالقوة الشعبية الجماهيرية، وكالانقلاب العسكري، وهذا الخيار الأخير نرى عدم اللجوء إليه إلا بعد استنفاد كافة الطرق والسائل السلمية، وبعد النصح والإرشاد للحاكم وتذكيره وتخويفه بالله؛ لأن الانقلاب العسكري له آثار سلبية مدمرة للأمة ومقدراتها، فلا نكون كمن بنى قصراً ودمر مصراً.
توصيات:
على العلماء أن يقوموا بدورهم الريادي في نصح الحكام وإرشادهم.
على المختصين بالعلوم الشرعية السياسية عقد ندوات ومؤتمرات فقهية متخصصة لترشيد العاملين في حقل السياسة بدورهم في قيادة المجتمع.
نوصي كليتي الشريعة وأصول الدين بتدريس أبنائهما مساقاً مخصصاً في السياسة الشرعية وأبعادها وأثرها على الأمة؛ لأنهم من سيحمل عبء تعليم الناس أمور دينهم، فلا بد أن يكونوا على بصيرة من ذلك.
نوصي حكومتنا الرشيدة بالاستمرار قدماً في قيادة الأمة نحو تحقيق الخلافة الراشدة، كما ونوصيها بتطوير وتفعيل مديرية ولاية المظالم، لتحقيق أمن المجتمع.
وأخيراً نتوجه بالشكر الجزيل للإخوة القائمين على هذا المؤتمر، ونوصيهم بالإكثار من عقد المؤتمرات التي تعالج واقع الأمة وتنظر في حاجاتها، ونسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال.
والحمد لله رب العالمين
ثبت المراجع(1/35)
الأحكام السلطانية والولايات الدينية: للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب المصري البغدادي الماوردي (370-450 هـ)، دار الكتاب العربي، ط2، 1415 هـ، 1994 م، خرج أحاديثه وعلق عليه خالد عبداللطيف العلمي.
الأحكام السلطانية: للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي (380-458 هـ)، دار الفكر، بيروت، 1414 هـ، 1994 م، خدمها محمود حسن.
إحياء علوم الدين: لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ)، مطبعة الأمل التجارية، غزة.
الإصابة في تمييز الصحابة: للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773-852 هـ)، دار الجيل، بيروت، ط1، 1412 هـ، 1992 م، تحقيق علي محمد البجاوي.
تاريخ الخلفاء: للإمام عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1371 هـ، 1952 م، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد.
التاريخ الإسلامي: محمود شاكر، المكتب الإسلامي، ط7، 1411 هـ، 1991 م.
التحرير والتنوير: للإمام محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ)، دار سحنون، تونس.
التشريع الجنائي مقارناً بالقانون الوضعي: عبدالقادر عودة، دار الكتب العلمية. (المكتبة الشاملة)
تفسير القرآن العظيم: للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ)، دار الريان للتراث، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1408 هـ، 1988م.
تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: للإمام جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ضبطه وصححه الشيخ محمد عبدالعزيز الخالدي.
تهذيب الرياسة وترتيب السياسة: للإمام محمد علي القلعي، مكتبة المنار، الزرقاء، ط1، تحقيق إبراهيم يوسف مصطفى عجو.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي (1307-1376 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط6، 1418 هـ، 1997 م.(1/36)
الجامع لأحكام القرآن: للإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار الحديث، القاهرة، 1423 هـ، 2002 م، راجعه وضبطه وعلق عليه محمد إبراهيم الحفناوي، خرج أحاديثه محمود حامد عثمان.
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لرسالة بن أبي زيد القيرواني: للعلامة علي بن أحمد بن مكرم الله الصعيدي العدوي (ت 1189)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417 هـ، 1997 م، ضبطه محمد عبدالله شاهين، وهو مطبوع على كفاية الطالب الرباني.
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان: لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين ويليه تكملة ابن عابدين لنجل المؤلف، دار الفكر.
الخلافة والإمامة: عبدالكريم الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1395 هـ، 1975 م.
الديباج المُذهب في معرفة أعيان المذهب: ابن فرحون (المكتبة الالكترونية الشاملة).
روضة الطالبين وعمدة المفتين: لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي (631-676هـ)، المكتبة الالكترونية الشاملة.
زاد المعاد في هدي خير العباد: لأبي عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (691-751 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط14، 1410 هـ، 1990 م، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبدالقادر الأرنؤوط.
سنن ابن ماجه: للإمام أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني الشهير بابن ماجه (209-273 هـ)، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، حكم على أحاديثه وآثاره، اعتنى به أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مجلد واحد.
سنن أبي داود: للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني (202-275 هـ)، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، حكم على أحاديثه وآثاره، اعتنى به أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مجلد واحد.
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني (661-728 هـ)، دار المعرفة، بيروت.(1/37)
شرح السير الكبير: السرخسي (المكتبة الالكترونية الشاملة).
شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين: للعلامة محمد بن صالح العثيمين (ت 1421 هـ)، دار ابن الهيثم، القاهرة.
شرح صحيح البخاري: ابن بطال (المكتبة الالكترونية الشاملة).
صبح الأعشى في صناعة الإنشا: أحمد القلقشندي (ت 821 هـ)، دار الفكر، دمشق، ط1، 1987 م، تحقيق يوسف علي طويل.
صحيح البخاري: للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (194-261 هـ)، دار الحديث، القاهرة، 1425 هـ، 2004 م.
صحيح مسلم: للإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206-261هـ)، مكتبة الرشد، الرياض، 1422 هـ، 2001 م، مجلد واحد.
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: لأبي عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (691-751 هـ)، مطبعة المدني، القاهرة، تحقيق محمد جميل غازي.
الغياثي أو غياث الأمم في التياث الظُلَم: لإمام الحرمين أبي المعالي عبدالله بن عبدالله الجويني (ت 478 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417 هـ، 1997 م، وضع حواشيه خليل المنصور.
الغياثي أو غياث الأمم في في التياث الظُلَم: لإمام الحرمين أبي المعالي عبدالله بن عبدالله الجويني (ت 478 هـ)، دار الدعوة، الاسكندرية، ط1، 1979 م، تحقيق فؤاد عبدالمنعم، ومصطفى حلمي.
فتاوى معاصرة: للعلامة يوسف بن عبدالله القرضاوي، دار القلم، الكويت، ط1، 1421 هـ، 2001 م.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري: للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773-852 هـ)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1420 هـ، 2000 م.
الفروع: لمحمد بن مفلح المقدسي (717-762 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418 هـ، تحقيق أبو الزهراء حازم القاضي.
الفروق وأنوار البروق في أنواء الفروق: للإمام أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي (ت 684 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418 هـ، 1998 م، ضبطه خليل المنصور.(1/38)
الفِصل في الملل والأهواء والنحل: لأبي محمد علي بن حزم (المكتبة الالكترونية الشاملة).
فقه الزكاة: يوسف بن عبدالله القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1422 هـ، 2001م.
القاموس المحيط: للإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي (ت 817 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط6، 1419 هـ، 1998 م، أشرف عليها محمد نعيم العرقسوسي.
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه: لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني (661-728 هـ)، دار النشر، مكتبة ابن تيمية، تحقيق عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي.
مآثر الإنافة في معالم الخلافة: أحمد القلقشندي (ت 821 هـ)، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ط2، 1985 م، تحقيق عبدالستار أحمد فراج.
مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني (661-728 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421 هـ، 2000 م، تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا.
مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني (661-728 هـ)، بدون معلومات أخرى.
المجموع شرح المهذب (التكملة الثانية): محمد نجيب المطيعي (المكتبة الالكترونية الشاملة).
المحلى: لأبي محمد علي بن حزم (ت 456 هـ)، مكتبة دار التراث، القاهرة، تحقيق أحمد شاكر.
مختار الصحاح: للعلامة محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (ت 666 هـ)، مكتبة النوري، دمشق.
المدخل الفقهي العام: مصطفى أحمد الزرقا (ت 1419 هـ)، دار القلم، دمشق، ط1، 1418 هـ، 1998 م.
المشاركة في الحياة السياسية في ظل أنظمة الحكم المعاصرة: مشير عمر المصري، مركز النور للبحوث والدراسات، غزة، ط1، 1426 هـ، 2006 م.
المصباح المنير: للعلامة أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقرئ (ت 770 هـ)، مكتبة لبنان، بيروت، 1990 م.(1/39)
المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل: للإمام أبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1405 هـ.
مقدمة ابن خلدون: للإمام عبدالرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808 هـ)، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 1415 هـ، 1995 م، تحقيق درويش الجويدي.ذ
الملل والنحل: لأبي الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني (ت 548 هـ)، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 1420 هـ، 2000 م، تحقيق محمد عبدالقادر الفاضلي.
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: لأبي عبدالله محمد بن محمد بن عبدالرحمن المغربي (ت 954 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ، 1995م، تحقيق زكريا عميرات.
موسوعة القواعد والضوابط الفقهية الحاكمة للمعاملات المالية في الفقه الإسلامي: علي أحمد الندوي، دار عالم المعرفة، 1419 هـ، 1999 م، تقريظ الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل.
النظام السياسي في الإسلام: محمد عبدالقادر أبو فارس، بدون معلومات أخرى.
النظريات الفقهية: محمد الزحيلي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط1، 1414 هـ، 1993 م.
النهاية في غريب الحديث والأثر: للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (544-606 هـ)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1418 هـ، 1997م.(1/40)