فَأْتُوا حَرْثَكُمْ يَعْنِي : الْفَرْج
[ مَفَاسِدُ إتْيَانِ الدّبُرِ ]
وَاذَا كَانَ اللّهُ حَرّمَ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْأَذَى الْعَارِضِ فَمَا الظّنّ بِالْحُشّ الّذِي هُوَ مَحَلّ الْأَذَى اللّازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتّعَرّضِ لِانْقِطَاعِ النّسْلِ وَالذّرِيعَةِ الْقَرِيبَةِ جِدّا مِنْ أَدْبَارِ النّسَاءِ إلَى أَدْبَارِ الصّبْيَانِ .
وَأَيْضًا : فَلِلْمَرْأَةِ حَقّ عَلَى الزّوْجِ فِي الْوَطْءِ وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوّتُ حَقّهَا وَلَا يَقْضِي وَطَرَهَا وَلَا يُحَصّلُ مَقْصُودَهَا . وَأَيْضًا : فَإِنّ الدّبُرَ لَمْ يَتَهَيّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ وَإِنّمَا الّذِي هُيّئَ لَهُ الْفَرْجُ فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إلَى الدّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا . <241> وَأَيْضًا : فَإِنّ ذَلِكَ مُضِرّ بِالرّجُلِ وَلِهَذَا يَنْهَى عَنْهُ عُقَلَاءُ الْأَطِبّاءِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنّ لِلْفَرْجِ خَاصّيّةً فِي اجْتِذَابِ الْمَاءِ الْمُحْتَقَنِ وَرَاحَةُ الرّجُلِ مِنْهُ وَالْوَطْءُ فِي الدّبُرِ لَا يُعِينُ عَلَى اجْتِذَابِ جَمِيعِ الْمَاءِ وَلَا يُخْرِجُ كُلّ الْمُحْتَقَنِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَمْرِ الطّبِيعِيّ .
وَأَيْضًا : يَضُرّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إحْوَاجُهُ إلَى حَرَكَاتٍ مُتْعِبَةٍ جِدّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلطّبِيعَةِ . وَأَيْضًا فَإِنّهُ مَحَلّ الْقَذَرِ وَالنّجْوِ فَيَسْتَقْبِلُهُ الرّجُلُ بِوَجْهِهِ وَيُلَابِسُهُ .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يَضُرّ بِالْمَرْأَةِ جِدّا لِأَنّهُ وَارِدٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ عَنْ الطّبَاعِ مُنَافِرٌ لَهَا غَايَةَ الْمُنَافَرَةِ .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُحْدِثُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّفْرَةَ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ .(64/341)
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُسَوّدُ الْوَجْهَ وَيَظْلِمُ الصّدْرَ وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُوجِبُ النّفْرَةَ وَالتّبَاغُضَ الشّدِيدَ وَالتّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَا بُدّ . وَأَيْضًا فَإِنّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لَا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلَاحٌ إلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ بِالتّوْبَةِ النّصُوحِ .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْمَحَاسِنِ مِنْهُمَا وَيَكْسُوهُمَا ضِدّهَا كَمَا يُذْهِبُ بِالْمَوَدّةِ بَيْنَهُمَا وَيُبْدِلُهُمَا بِهَا تَبَاغُضًا وَتَلَاعُنًا .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ زَوَالِ النّعَمِ وَحُلُولِ النّقَمِ فَإِنّهُ يُوجِبُ اللّعْنَةَ وَالْمَقْتَ مِنْ اللّهِ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ فَاعِلِهِ وَعَدَمَ نَظَرِهِ إلَيْهِ فَأَيّ خَيْرٍ <242> يَرْجُوهُ بَعْدَ هَذَا وَأَيّ شَرّ يَأْمَنُهُ وَكَيْفَ حَيَاةُ عَبْدٍ قَدْ حَلّتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَمَقْتُهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْحَيَاءِ جُمْلَةً وَالْحَيَاءُ هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ فَإِذَا فَقَدَهَا الْقَلْبُ اسْتَحْسَنَ الْقَبِيحَ وَاسْتَقْبَحَ الْحَسَنَ وَحِينَئِذٍ فَقَدَ اسْتَحْكَمَ فَسَادُهُ .(64/342)
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُحِيلُ الطّبَاعَ عَمّا رَكّبَهَا اللّهُ وَيُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ طَبْعِهِ إلَى طَبْعٍ لَمْ يُرَكّبْ اللّهُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بَلْ هُوَ طَبْعٌ مَنْكُوسٌ وَإِذَا نُكِسَ الطّبْعُ انْتَكَسَ الْقَلْبُ وَالْعَمَلُ وَالْهُدَى فَيَسْتَطِيبُ حِينَئِذٍ الْخَبِيثَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْهَيْئَاتِ وَيَفْسُدُ حَالُهُ وَعَمَلُهُ وَكَلَامُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْوَقَاحَةِ وَالْجُرْأَةِ مَا لَا يُورِثُهُ سِوَاهُ .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْمَهَانَةِ وَالسّفَالِ وَالْحَقَارَةِ مَا لَا يُورِثُهُ غَيْرُهُ .
وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يَكْسُو الْعَبْدَ مِنْ حُلّةِ الْمَقْتِ وَالْبَغْضَاءِ وَازْدِرَاءِ النّاسِ لَهُ وَاحْتِقَارِهِمْ إيّاهُ وَاسْتِصْغَارِهِمْ لَهُ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسّ فَصَلَاةُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ سَعَادَةِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي هَدْيِهِ وَاتّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ وَهَلَاكُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي مُخَالَفَةِ هَدْيِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ .
فَصْلٌ [ أَنْوَاعُ الْجِمَاعِ الضّارّ ]
وَالْجِمَاعُ الضّارّ نَوْعَانِ ضَارّ شَرْعًا وَضَارّ طَبْعًا . فَالضّارّ شَرْعًا : الْمُحَرّمُ وَهُوَ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَشَدّ مِنْ بَعْضٍ . وَالتّحْرِيمُ الْعَارِضُ مِنْهُ أَخَفّ مِنْ اللّازِمِ كَتَحْرِيمِ الْإِحْرَامِ وَالصّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَتَحْرِيمِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التّكْفِيرِ وَتَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَائِضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا حَدّ فِي هَذَا الْجِمَاعِ . <243>(64/343)
وَأَمّا اللّازِمُ فَنَوْعَانِ . نَوْعٌ لَا سَبِيلَ إلَى حِلّهِ أَلْبَتّةَ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَهَذَا مِنْ أَضَرّ الْجِمَاعِ وَهُوَ يُوجِبُ الْقَتْلَ حَدّا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ثَابِتٌ .
وَالثّانِي : مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا كَالْأَجْنَبِيّةِ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَفِي وَطْئِهَا حَقّانِ . حَقّ لِلّهِ وَحَقّ لِلزّوْجِ . فَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَفِيهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَهْلٌ وَأَقَارِبُ يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ صَارَ فِيهِ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَارَ فِيهِ خَمْسَةُ حُقُوقٍ . فَمَضَرّةُ هَذَا النّوْعِ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِ فِي التّحْرِيمِ .
وَأَمّا الضّارّ طَبْعًا فَنَوْعَانِ أَيْضًا : نَوْعٌ ضَارّ بِكَيْفِيّتِهِ كَمَا تَقَدّمَ وَنَوْعٌ ضَارّ بِكَمّيّتِهِ كَالْإِكْثَارِ مِنْهُ فَإِنّهُ يُسْقِطُ الْقُوّةَ وَيَضُرّ بِالْعَصَبِ وَيُحْدِثُ الرّعْشَةَ وَالْفَالِجَ وَالتّشَنّجَ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَسَائِرَ الْقُوَى وَيُطْفِئُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيّةَ <244> وَيُوَسّعُ الْمَجَارِيَ وَيَجْعَلُهَا مُسْتَعِدّةً لِلْفَضَلَاتِ الْمُؤْذِيَةِ .
[أَنْفَعُ أَوْقَاتِهِ ](64/344)
وَأَنْفَعُ أَوْقَاتِهِ مَا كَانَ بَعْدَ انْهِضَامِ الْغِذَاءِ فِي الْمَعِدَةِ وَفِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ لَا عَلَى جُوعٍ فَإِنّهُ يُضْعِفُ الْحَارّ الْغَرِيزِيّ وَلَا عَلَى شِبَعٍ فَإِنّهُ يُوجِبُ أَمْرَاضًا شَدِيدَةً وَلَا عَلَى تَعَبٍ وَلَا إثْرَ حَمّامٍ وَلَا اسْتِفْرَاغٍ وَلَا انْفِعَالٍ نَفْسَانِيّ كَالْغَمّ وَالْهَمّ وَالْحُزْنِ وَشِدّةِ الْفَرَحِ . وَأَجْوَدُ أَوْقَاتِهِ بَعْدَ هَزِيعٍ مِنْ اللّيْلِ إذَا صَادَفَ انْهِضَامَ الطّعَامِ ثُمّ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضّأُ وَيَنَامُ عَلَيْهِ وَيَنَامُ عَقِبَهُ فَتَرَاجَعُ إلَيْهِ قُوَاهُ وَلْيَحْذَرْ الْحَرَكَةَ وَالرّيَاضَةَ عَقِبَهُ فَإِنّهَا مُضِرّةٌ جِدّا .
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الْعِشْقِ
هَذَا مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْأَمْرَاضِ فِي ذَاتِهِ وَأَسْبَابِهِ وَعِلَاجِهِ وَإِذَا تَمَكّنَ وَاسْتَحْكَمَ عَزّ عَلَى الْأَطِبّاء دَوَاؤُهُ وَأَعْيَا الْعَلِيلَ دَاؤُهُ وَإِنّمَا حَكَاهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ طَائِفَتَيْنِ مِنْ النّاسِ مِنْ النّسَاءِ وَعُشّاقِ الصّبْيَانِ الْمُرْدَانِ فَحَكَاهُ عَنْ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي شَأْنِ يُوسُفَ وَحَكَاهُ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ فَقَالَ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْهُمْ لَمّا جَاءَتْ الْمَلَائِكَةُ لُوطًا : وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ وَاتّقُوا اللّهَ وَلَا تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ الْحِجْرِ : 68 :73 ] .
[ سَبَبُ طَلَاقِ زَيْدٍ لِزَيْنَبَ ](64/345)
وَأَمّا مَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُقَدّرْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَقّ قَدْرِهِ أَنّهُ اُبْتُلِيَ بِهِ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَنّهُ رَآهَا فَقَالَ سُبْحَانَ مُقَلّبَ الْقُلُوبِ وَأَخَذَتْ بِقَلْبِهِ وَجَعَلَ يَقُول لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ : أَمْسِكْهَا حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ وَإِذْ تَقُولُ لِلّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللّهُ أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ [ الْأَحْزَابِ 37 ] فَظَنّ هَذَا الزّاعِمُ أَنّ ذَلِكَ فِي شَأْنِ الْعِشْقِ <245>(64/346)
وَصَنّفَ بَعْضُهُمْ كِتَابًا فِي الْعِشْقِ وَذَكَرَ فِيهِ عِشْقَ الْأَنْبِيَاءِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَهَذَا مِنْ جَهْلِ هَذَا الْقَائِلِ بِالْقُرْآنِ وَبِالرّسُلِ وَتَحْمِيلِهِ كَلَامَ اللّهِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَنِسْبَتِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَا بَرّأَهُ اللّهُ مِنْهُ فَإِنّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَبَنّاهُ وَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمّدٍ وَكَانَتْ زَيْنَبُ فِيهَا شَمَمٌ وَتَرَفّعَ عَلَيْهِ فَشَاوَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَاقِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتّقِ اللّهَ وَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَتَزَوّجَهَا إنْ طَلّقَهَا زَيْدٌ وَكَانَ يَخْشَى مِنْ قَالَةِ النّاسِ أَنّهُ تَزَوّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ لِأَنّ زَيْدًا كَانَ يُدْعَى ابْنَهُ فَهَذَا هُوَ الّذِي أَخْفَاهُ فِي نَفْسِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْخَشْيَةُ مِنْ النّاسِ الّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَلِهَذَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُعَدّدُ فِيهَا نِعَمَهُ عَلَيْهِ لَا يُعَاتِبُهُ فِيهَا وَأَعْلَمَهُ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْشَى النّاسَ فِيمَا أَحَلّ اللّهُ لَهُ وَأَنّ اللّهَ أَحَقّ أَنْ يَخْشَاهُ فَلَا يَتَحَرّجُ مَا أَحَلّهُ لَهُ لِأَجْلِ قَوْلِ النّاسِ ثُمّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سُبْحَانَهُ زَوّجَهُ إيّاهَا بَعْدَ قَضَاءِ زَيْدٍ وَطَرَهُ مِنْهَا لِتَقْتَدِيَ أُمّتُهُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَيَتَزَوّجَ الرّجُلُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ مِنْ التّبَنّي لَا امْرَأَةِ ابْنِهِ لِصُلْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي آيَةِ التّحْرِيمِ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ [ النّسَاءِ 23 ](64/347)
<246>
وَقَالَ فِي هَذِهِ السّورَةِ مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [ الْأَحْزَابِ 40 ] وَقَالَ فِي أَوّلِهَا : وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ [ الْأَحْزَابِ 4 ] فَتَأَمّلْ هَذَا الذّبّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَفْعَ طَعْنِ الطّاعِنِينَ عَنْهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّ نِسَاءَهُ وَكَانَ أَحَبّهُنّ إلَيْهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَلَمْ تَكُنْ تَبْلُغُ مَحَبّتُهُ لَهَا وَلَا لِأَحَدٍ سِوَى رَبّهِ نِهَايَةَ الْحُبّ بَلْ صَحّ أَنّهُ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُتّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَفِي لَفْظٍ وَإِنّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرّحْمَن
فَصْلٌ [ الْإِخْلَاصُ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعِشْق]
وَعِشْقُ الصّوَرِ إنّمَا تُبْتَلَى بِهِ الْقُلُوبُ الْفَارِغَةُ مِنْ مَحَبّةِ اللّهِ تَعَالَى الْمُعْرِضَةُ عَنْهُ الْمُتَعَوّضَةُ بِغَيْرِهِ عَنْهُ فَإِذَا امْتَلَأَ الْقَلْبُ مِنْ مَحَبّةِ اللّهِ وَالشّوْقِ إلَى لِقَائِهِ دَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُ مَرَضَ عِشْقِ الصّوَرِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقّ يُوسُفَ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [ يُوسُفَ 24 ] فَدَلّ عَلَى أَنّ الْإِخْلَاصَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعِشْقِ وَمَا يَتَرَتّبُ عَلَيْهِ مِنْ السّوءِ وَالْفَحْشَاءِ الّتِي هِيَ ثَمَرَتُهُ وَنَتِيجَتُهُ فَصَرْفُ الْمُسَبّبِ صَرْفٌ لِسَبَبِهِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ الْعِشْقُ حَرَكَةُ قَلْبٍ فَارِغٍ يَعْنِي فَارِغًا مِمّا سِوَى مَعْشُوقِهِ .(64/348)
قَالَ تَعَالَى : وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ [ الْقَصَصِ 11 ] أَيْ فَارِغًا مِنْ كُلّ شَيْءٍ إلّا مِنْ مُوسَى لِفَرْطِ مَحَبّتِهَا لَهُ وَتَعَلّقِ قَلْبِهَا بِهِ . <247>
[ عِلّةُ الْعِشْقِ ]
وَالْعِشْقُ مُرَكّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ اسْتِحْسَانٍ لِلْمَعْشُوقِ وَطَمَعٍ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ فَمَتَى انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْعِشْقُ وَقَدْ أَعْيَتْ عِلّةُ الْعِشْقِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ وَتَكَلّمَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهِ إلَى الصّوَابِ . فَنَقُولُ قَدْ اسْتَقَرّتْ حِكْمَةُ اللّهِ - عَزّ وَجَلّ - فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ عَلَى وُقُوعِ التّنَاسُبِ وَالتّآلُفِ بَيْنَ الْأَشْبَاهِ وَانْجِذَابِ الشّيْءِ إلَى مُوَافِقِهِ وَمُجَانِسِهِ بِالطّبْعِ وَهُرُوبِهِ مِنْ مُخَالِفِهِ وَنُفْرَتِهِ عَنْهُ بِالطّبْعِ فَسِرّ التّمَازُجِ وَالِاتّصَالِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيّ وَالسّفْلِيّ إنّمَا هُوَ التّنَاسُبُ وَالتّشَاكُلُ وَالتّوَافُقُ وَسِرّ التّبَايُنِ وَالِانْفِصَالِ إنّمَا هُوَ بِعَدَمِ التّشَاكُلِ وَالتّنَاسُبِ وَعَلَى ذَلِكَ قَامَ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فَالْمِثْلُ إلَى مِثْلِهِ مَائِلٌ وَإِلَيْهِ صَائِرٌ وَالضّدّ عَنْ ضِدّهِ هَارِبٌ وَعَنْهُ نَافِرٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [ الْأَعْرَافِ 189 ] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عِلّةَ سُكُونِ الرّجُلِ إلَى امْرَأَتِهِ كَوْنَهَا مِنْ جِنْسِهِ وَجَوْهَرِهِ فَعِلّةُ السّكُونِ الْمَذْكُورِ - وَهُوَ الْحُبّ - كَوْنُهَا مِنْهُ فَدَلّ عَلَى أَنّ الْعِلّةَ لَيْسَتْ بِحُسْنِ الصّورَةِ وَلَا الْمُوَافَقَةِ فِي الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَلَا فِي الْخُلُقِ وَالْهَدْيِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ(64/349)
أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ السّكُونِ وَالْمَحَبّةِ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَف وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ امْرَأَةً بِمَكّةَ كَانَتْ تُضْحِكُ النّاسَ فَجَاءَتْ إلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلَتْ عَلَى امْرَأَةٍ تُضْحِكُ النّاسَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ الْحَدِيثَ . <248>
وَقَدْ اسْتَقَرّتْ شَرِيعَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنّ حُكْمَ الشّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ فَلَا تُفَرّقُ شَرِيعَتُهُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ أَبَدًا وَلَا تَجْمَعُ بَيْنَ مُتَضَادّيْنِ وَمَنْ ظَنّ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِمّا لِقِلّةِ عِلْمِهِ بِالشّرِيعَةِ وَإِمّا لِتَقْصِيرِهِ فِي مَعْرِفَةِ التّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ وَإِمّا لِنِسْبَتِهِ إلَى شَرِيعَتِهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَانًا بَلْ يَكُونُ مِنْ آرَاءِ الرّجَالِ فَبِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ ظَهَرَ خَلْقُهُ وَشَرْعُهُ وَبِالْعَدْلِ وَالْمِيزَانِ قَامَ الْخَلْقُ وَالشّرْعُ وَهُوَ التّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالتّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ .
وَهَذَا كَمَا أَنّهُ ثَابِتٌ فِي الدّنْيَا فَهُوَ كَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فَالَ تَعَالَى : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [ الصّافّاتِ 22 ] .
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَبَعْدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ أَزْوَاجُهُمْ أَشْبَاهُهُمْ وَنُظَرَاؤُهُم(64/350)
وَقَالَ تَعَالَى : وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ [ التّكْوِيرِ 7 ] أَيْ قَرَنَ كُلّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ وَنَظِيرِهِ فَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْنِ فِي اللّهِ فِي الْجَنّةِ وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابّيْنِ فِي طَاعَةِ الشّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ شَاءَ أَوْ أَبَى وَفِي " مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ " وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِبّ الْمَرْءُ قَوْمًا إلّا حُشِرَ مَعَهُمْ <249>
[ أَنْوَاعُ الْمَحَبّةِ ]
وَالْمَحَبّةُ أَنْوَاعٌ مُتَعَدّدَةٌ فَأَفْضَلُهَا وَأَجَلّهَا : الْمَحَبّةُ فِي اللّهِ وَلِلّهِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ مَحَبّةَ مَا أَحَبّ اللّهُ وَتَسْتَلْزِمُ مَحَبّةَ اللّهِ وَرَسُولِهِ .
وَمِنْهَا مَحَبّةُ الِاتّفَاقِ فِي طَرِيقَةٍ أَوْ دِينٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ مُرَادٍ مَا .
وَمِنْهَا : مَحَبّةٌ لِنَيْلِ غَرَضٍ مِنْ الْمَحْبُوبِ إمّا مِنْ جَاهِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ تَعْلِيمِهِ وَإِرْشَادِهِ أَوْ قَضَاءِ وَطَرٍ مِنْهُ وَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبّةُ الْعَرَضِيّةُ الّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ مُوجِبِهَا فَإِنّ مَنْ وَدّك لِأَمْرٍ وَلّى عَنْك عِنْدَ انْقِضَائِهِ .
وَأَمّا مَحَبّةُ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ الّتِي بَيْنَ الْمُحِبّ وَالْمَحْبُوبِ فَمَحَبّةٌ لَازِمَةٌ لَا تَزُولُ إلّا لِعَارِضٍ يُزِيلُهَا وَمَحَبّةُ الْعِشْقِ مِنْ هَذَا النّوْعِ فَإِنّهَا اسْتِحْسَانٌ رُوحَانِيّ وَامْتِزَاجٌ نَفْسَانِيّ وَلَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحَبّةِ مِنْ الْوَسْوَاسِ وَالنّحُولِ وَشَغْلِ الْبَالِ وَالتّلَفِ مَا يَعْرِضُ مِنْ الْعِشْقِ .
[ سَبَبُ كَوْنِ الْعِشْقِ أَحْيَانًا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ ](64/351)
فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْعِشْقِ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الِاتّصَالِ وَالتّنَاسُبِ الرّوحَانِيّ فَمَا بَالُهُ لَا يَكُونُ دَائِمًا مِنْ الطّرَفَيْنِ بَلْ تَجِدُهُ كَثِيرًا مِنْ طَرَفِ الْعَاشِقِ وَحْدَهُ فَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِاتّصَالَ النّفْسِيّ وَالِامْتِزَاجَ الرّوحَانِيّ لَكَانَتْ الْمَحَبّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا .
فَالْجَوَابُ أَنّ السّبَبَ قَدْ يَتَخَلّفُ عَنْهُ مُسَبّبِهِ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ وَتَخَلّفُ الْمَحَبّةِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا بُدّ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ
الْأَوّلُ عِلّةٌ فِي الْمَحَبّةِ وَأَنّهَا مَحَبّةٌ عَرَضِيّةٌ لَا ذَاتِيّةٌ وَلَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَحَبّةِ الْعَرَضِيّةِ بَلْ قَدْ يَلْزَمُهَا نُفْرَةٌ مِنْ الْمَحْبُوبِ .
الثّانِي : مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمُحِبّ يَمْنَعُ مَحَبّةَ مَحْبُوبِهِ لَهُ إمّا فِي خُلُقِهِ أَوْ فِي خَلْقِهِ أَوْ هَدْيِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ هَيْئَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . <250>
الثّالِثُ مَانِعٌ يَقُومُ بِالْمَحْبُوبِ يَمْنَعُ مُشَارَكَتَهُ لِلْمُحِبّ فِي مَحَبّتِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَانِعِ لَقَامَ بِهِ مِنْ الْمَحَبّةِ لِمُحِبّهِ مِثْلُ مَا قَامَ بِالْآخَرِ فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ وَكَانَتْ الْمَحَبّةُ ذَاتِيّةً فَلَا يَكُونُ قَطّ إلّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْلَا مَانِعُ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالرّيَاسَةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي الْكُفّارِ لَكَانَتْ الرّسُلُ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَمّا زَالَ هَذَا الْمَانِعُ مِنْ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمْ كَانَتْ مَحَبّتُهُمْ لَهُمْ فَوْقَ مَحَبّةِ الْأَنْفُسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ .
فَصْلٌ [ عِلَاجُ الْعِشْقِ بِالزّوَاجِ بِالْمَعْشُوقِ ](64/352)
وَالْمَقْصُودُ أَنّ الْعِشْقَ لَمّا كَانَ مَرَضًا مِنْ الْأَمْرَاضِ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ وَلَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْعِلَاجِ فَإِنْ كَانَ مِمّا لِلْعَاشِقِ سَبِيلٌ إلَى وَصْلِ مَحْبُوبِهِ شَرْعًا وَقَدْرًا فَهُوَ عِلَاجُهُ كَمَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " . مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ فَإِنّهُ لَهُ وِجَاءٌ
فَدَلّ الْمُحِبّ عَلَى عِلَاجَيْنِ أَصْلِيّ وَبَدَلِيّ . وَأَمَرَهُ بِالْأَصْلِيّ وَهُوَ الْعِلَاجُ الّذِي وُضِعَ لِهَذَا الدّاءِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلَ النّكَاحِ(64/353)
وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عَقِيبَ إحْلَالِ النّسَاءِ حَرَائِرِهِنّ وَإِمَائِهِنّ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [ النّسَاءِ 28 ] . فَذِكْرُ تَخْفِيفِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِخْبَارِهِ عَنْ ضَعْفِ الْإِنْسَانِ يَدُلّ عَلَى ضَعْفِهِ عَنْ احْتِمَالِ هَذِهِ الشّهْوَةِ وَأَنّهُ - سُبْحَانَهُ - خَفّفَ عَنْهُ أَمْرَهَا بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ مِنْ أَطَايِبِ النّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَأَبَاحَ لَهُ مَا شَاءَ مِمّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ ثُمّ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوّجَ بِالْإِمَاءِ إنْ احْتَاجَ <251> إلَى ذَلِكَ عِلَاجًا لِهَذِهِ الشّهْوَةِ وَتَخْفِيفًا عَنْ هَذَا الْخُلُقِ الضّعِيفِ وَرَحْمَةً بِهِ .
فَصْلٌ [ وَمِنْ عِلَاجِ العشقِ إشْعَارُ النّفْسِ الْيَأْسَ مِنْهُ إنْ كَانَ الْوِصَالُ
مُتَعَذّرًا قَدْرًا وَشَرْعًا ]
وَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ لِلْعَاشِقِ إلَى وِصَالِ مَعْشُوقِهِ قَدْرًا أَوْ شَرْعًا أَوْ هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلْيِهِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَهُوَ الدّاءُ الْعُضَالُ فَمِنْ عِلَاجِهِ إشْعَارُ نَفْسِهِ الْيَأْسَ مِنْهُ فَإِنّ النّفْسَ مَتَى يَئِسَتْ مِنْ الشّيْءِ اسْتَرَاحَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ مَرَضُ الْعِشْقِ مَعَ الْيَأْسِ فَقَدْ انْحَرَفَ الطّبْعُ انْحِرَافًا شَدِيدًا فَيَنْتَقِلُ إلَى عِلَاجٍ آخَرَ وَهُوَ عِلَاجُ عَقْلِهِ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنّ تَعَلّقَ الْقَلْبِ بِمَا لَا مَطْمَعَ فِي حُصُولِهِ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ وَصَاحِبُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْشَقُ الشّمْسَ وَرُوحُهُ مُتَعَلّقَةٌ بِالصّعُودِ إلَيْهَا وَالدّوَرَانِ مَعَهَا فِي فَلَكِهَا وَهَذَا مَعْدُودٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ فِي زُمْرَةِ الْمَجَانِينِ .(64/354)
[ إنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذّرًا شَرْعًا فَعِلَاجُهُ إنْزَالُهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذّرِ قَدْرًا وَذِكْرُ عِلَاجَاتٍ أُخْرَى ]
وَإِنْ كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذّرًا شَرْعًا لَا قَدْرًا فَعِلَاجُهُ بِأَنْ يُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَعَذّرِ قَدْرًا إذْ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ اللّهُ فَعِلَاجُ الْعَبْدِ وَنَجَاتُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِنَابِهِ فَلْيُشْعِرْ نَفْسَهُ أَنّهُ مَعْدُومٌ مُمْتَنِعٌ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَأَنّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُحَالَاتِ فَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ النّفْسُ الْأَمّارَةُ فَلْيَتْرُكْهُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمّا خَشْيَةٍ وَإِمّا فَوَاتِ مَحْبُوبٍ هُوَ أَحَبّ إلَيْهِ وَأَنْفَعُ لَهُ وَخَيْرٌ لَهُ مِنْهُ وَأَدْوَمُ لَذّةً وَسُرُورًا فَإِنّ الْعَاقِلَ مَتَى وَازَنَ بَيْنَ نَيْلِ مَحْبُوبٍ سَرِيعِ الزّوَالِ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ وَأَدْوَمَ وَأَنْفَعَ وَأَلَذّ أَوْ بِالْعَكْسِ ظَهَرَ لَهُ التّفَاوُتُ فَلَا تَبِعْ لَذّةَ الْأَبَدِ الّتِي لَا خَطَرَ لَهَا بِلَذّةِ سَاعَةٍ تَنْقَلِبُ آلَامًا وَحَقِيقَتُهَا أَنّهَا أَحْلَامُ نَائِمٍ أَوْ خَيَالٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ فَتَذْهَبُ اللّذّةُ وَتَبْقَى التّبِعَةُ وَتَزُولُ الشّهْوَةُ وَتَبْقَى الشّقْوَةُ .(64/355)
الثّانِي : حُصُولُ مَكْرُوهٍ أَشَقّ عَلْيِهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ بَلْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ أَعْنِي : فَوَاتَ مَا هُوَ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ وَحُصُولَ مَا هُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ فَإِذَا تَيَقّنَ أَنّ فِي إعْطَاءِ النّفْسِ حَظّهَا مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ وَرَأَى أَنّ صَبْرَهُ عَلَى قُوّتِهِ أَسْهَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَيْهِمَا بِكَثِيرٍ فَعَقْلُهُ وَدِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ وَإِنْسَانِيّتُهُ تَأْمُرُهُ بِاحْتِمَالِ الضّرَرِ <252> الْيَسِيرِ الّذِي يَنْقَلِبُ سَرِيعًا لَذّةً وَسُرُورًا وَفَرَحًا لِدَفْعِ هَذَيْنِ الضّرَرَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ . وَجَهْلُهُ وَهَوَاهُ وَظُلْمُهُ وَطَيْشُهُ وَخِفّتُهُ يَأْمُرُهُ بِإِيثَارِ هَذَا الْمَحْبُوبِ الْعَاجِلِ بِمَا فِيهِ جَالِبًا عَلَيْهِ مَا جَلَبَ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللّهُ .
فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدّوَاءَ وَلَمْ تُطَاوِعْهُ لِهَذِهِ الْمُعَالَجَةِ فَلْيَنْظُرْ مَا تَجْلِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الشّهْوَةُ مِنْ مَفَاسِدِ عَاجِلَتِهِ وَمَا تَمْنَعُهُ مِنْ مَصَالِحِهَا فَإِنّهَا أَجْلَبُ شَيْءٍ لِمَفَاسِدِ الدّنْيَا وَأَعْظَمُ شَيْءٍ تَعْطِيلًا لِمَصَالِحِهَا فَإِنّهَا تَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رُشْدِهِ الّذِي هُوَ مِلَاكُ أَمْرِهِ وَقِوَامُ مَصَالِحِهِ .(64/356)
فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ هَذَا الدّوَاءَ فَلْيَتَذَكّرْ قَبَائِحَ الْمَحْبُوبِ وَمَا يَدْعُوهُ إلَى النّفْرَةِ عَنْهُ فَإِنّهُ إنْ طَلَبَهَا وَتَأَمّلَهَا وَجَدَهَا أَضْعَافَ مَحَاسِنِهِ الّتِي تَدْعُو إلَى حُبّهِ وَلْيَسْأَلْ جِيرَانَهُ عَمّا خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنّهَا الْمَحَاسِنُ كَمَا هِيَ دَاعِيَةُ الْحُبّ وَالْإِرَادَةِ فَالْمَسَاوِئُ دَاعِيَةُ الْبُغْضِ وَالنّفْرَةِ فَلْيُوَازِنْ بَيْنَ الدّاعِيَيْنِ وَلْيُحِبّ أَسْبَقَهُمَا وَأَقْرَبَهُمَا مِنْهَا بَابًا وَلَا يَكُنْ مِمّنْ غَرّهُ لَوْنُ جَمَالٍ عَلَى جِسْمٍ أَبْرَصَ مَجْذُومٍ وَلْيُجَاوِزْ بَصَرُهُ حُسْنَ الصّورَةِ إلَى قُبْحِ الْفِعْلِ وَلْيَعْبُرْ مِنْ حُسْنِ الْمَنْظَرِ وَالْجِسْمِ إلَى قُبْحِ الْمَخْبَرِ وَالْقَلْبِ .
فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةُ كُلّهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ إلّا صِدْقُ اللّجَأِ إلَى مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إذَا دَعَاهُ وَلْيَطْرَحْ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى بَابِهِ مُسْتَغِيثًا بِهِ مُتَضَرّعًا مُتَذَلّلًا مُسْتَكِينًا فَمَتَى وُفّقَ لِذَلِكَ فَقَدْ قَرَعَ بَابَ التّوْفِيقِ فَلِيَعِفّ وَلْيَكْتُمْ وَلَا يُشَبّبْ بِذِكْرِ الْمَحْبُوبِ وَلَا يَفْضَحْهُ بَيْنَ النّاسِ وَيُعَرّضْهُ لِلْأَذَى فَإِنّهُ يَكُونُ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا .
[ بُطْلَانُ حَدِيثِ " مَنْ عَشِقَ فَعَفّ ... " ]
وَلَا يَغْتَرّ بِالْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .(64/357)
وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي مُسْهِر ٍ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَوَاهُ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ 253 - الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ عَشِقَ فَعَفّ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ عَشِقَ وَكَتَمَ وَعَفّ وَصَبَرَ غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنّةَ
فَإِنّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنّ الشّهَادَةَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ اللّهِ مَقْرُونَةٌ بِدَرَجَةِ الصّدّيقِيّةِ وَلَهَا أَعْمَالٌ وَأَحْوَالٌ هِيَ شَرْطٌ فِي حُصُولِهَا وَهِيَ نَوْعَانِ عَامّةٌ وَخَاصّةٌ فَالْخَاصّةُ الشّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللّهِ .(64/358)
وَالْعَامّةُ خَمْسٌ مَذْكُورَةٌ فِي " الصّحِيحِ " لَيْسَ الْعِشْقُ وَاحِدًا مِنْهَا . <254> وَكَيْفَ يَكُونُ الْعِشْقُ الّذِي هُوَ شِرْكٌ فِي الْمَحَبّةِ وَفَرَاغُ الْقَلْبِ عَنْ اللّهِ وَتَمْلِيكُ الْقَلْبِ وَالرّوحِ وَالْحُبّ لِغَيْرِهِ تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ الشّهَادَةِ هَذَا مِنْ الْمُحَالِ فَإِنّ إفْسَادَ عِشْقِ الصّوَرِ لِلْقَلْبِ فَوْقَ كُلّ إفْسَادٍ بَلْ هُوَ خَمْرُ الرّوحِ الّذِي يُسْكِرُهَا وَيَصُدّهَا عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَحُبّهِ وَالتّلَذّذِ بِمُنَاجَاتِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ وَيُوجِبُ عُبُودِيّةَ الْقَلْبِ لِغَيْرِهِ فَإِنّ قَلْبَ الْعَاشِقِ مُتَعَبّدٌ لِمَعْشُوقِهِ بَلْ الْعِشْقُ لُبّ الْعُبُودِيّةِ فَإِنّهَا كَمَالُ الذّلّ وَالْحُبّ وَالْخُضُوعِ وَالتّعْظِيمِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَبّدُ الْقَلْبِ لِغَيْرِ اللّهِ مِمّا تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ أَفَاضِلِ الْمُوَحّدِينَ وَسَادَاتِهِمْ وَخَوَاصّ الْأَوْلِيَاءِ فَلَوْ كَانَ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ كَالشّمْسِ كَانَ غَلَطًا وَوَهْمًا وَلَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَفْظُ الْعِشْقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَلْبَتّةَ .(64/359)
ثُمّ إنّ الْعِشْقَ مِنْهُ حَلَالٌ وَمِنْهُ حَرَامٌ فَكَيْفَ يُظَنّ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلّ عَاشِقٍ يَكْتُمُ وَيَعِفّ بِأَنّهُ شَهِيدٌ فَتَرَى مَنْ يَعْشَقُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ يَعْشَقُ الْمُرْدَانَ وَالْبَغَايَا يَنَالُ بِعِشْقِهِ دَرَجَةَ الشّهَدَاءِ وَهَلْ هَذَا إلّا خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ دِينِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالضّرُورَةِ ؟ كَيْفَ وَالْعِشْقُ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ الّتِي جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لَهَا الْأَدْوِيَةَ شَرْعًا وَقَدْرًا وَالتّدَاوِي مِنْهُ إمّا وَاجِبٌ إنْ كَانَ عِشْقًا حَرَامًا وَإِمّا مُسْتَحَبّ .
وَأَنْتَ إذَا تَأَمّلْت الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ الّتِي حَكَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهَا بِالشّهَادَةِ وَجَدْتهَا مِنْ الْأَمْرَاضِ الّتِي لَا عِلَاجَ لَهَا كَالْمَطْعُونِ وَالْمَبْطُونِ وَالْمَجْنُوبِ وَالْغَرِيقِ وَمَوْتِ الْمَرْأَةِ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَإِنّ هَذِهِ <255> بَلَايَا مِنْ اللّهِ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهَا وَلَا عِلَاجَ لَهَا وَلَيْسَتْ أَسْبَابُهَا مُحَرّمَةً وَلَا يَتَرَتّبُ عَلَيْهَا مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ وَتَعَبّدِهِ لِغَيْرِ اللّهِ مَا يَتَرَتّبُ عَلَى الْعِشْقِ فَإِنْ لَمْ يَكْفِ هَذَا فِي إبْطَالِ نِسْبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَلّدْ أَئِمّةَ الْحَدِيثِ الْعَالِمِينَ بِهِ وَبِعِلَلِهِ فَإِنّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ إمَامٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَطّ أَنّهُ شَهِدَ لَهُ بِصِحّةٍ بَلْ وَلَا بِحُسْنٍ كَيْفَ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى سُوَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَمَوْهُ لِأَجْلِهِ بِالْعَظَائِمِ وَاسْتَحَلّ بَعْضُهُمْ غَزْوَهُ لِأَجْلِهِ .(64/360)
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيّ فِي " كَامِلِهِ " : هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى سُوَيْدٍ وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيّ : إنّهُ مِمّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي " الذّخِيرَةِ " وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي " تَارِيخِ نَيْسَابُورَ " وَقَالَ أَنَا أَتَعَجّبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّهُ لَمْ يُحَدّثْ بِهِ عَنْ غَيْرِ سُوَيْدٍ وَهُوَ ثِقَةٌ وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْرَقُ يَرْفَعُهُ أَوّلًا عَنْ سُوَيْدٍ فَعُوتِبَ فِيهِ فَأَسْقَطَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا .(64/361)
وَمِنْ الْمَصَائِبِ الّتِي لَا تُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا أَلْبَتّةَ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَدِيثِ الْمَاجِشُونِ عَنْ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا وَفِي صِحّتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبّاسٍ نَظَرٌ وَقَدْ رَمَى النّاسُ سُوَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْعَظَائِمِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ هُوَ سَاقِطٌ كَذّابٌ لَوْ كَانَ لِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ كُنْت أَغْزُوهُ وَقَالَ الْإِمَام ُ أَحْمَدُ : مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النّسَائِيّ : لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ الْبُخَارِيّ : كَانَ قَدْ عَمِيَ فَيُلَقّنُ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ وَقَالَ ابْنُ حِبّانَ : يَأْتِي بِالْمُعْضِلَاتِ عَنْ الثّقَاتِ يَجِبُ مُجَانَبَةُ مَا رَوَى . انْتَهَى .
وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ الرّازِيّ : إنّهُ صَدُوقٌ كَثِيرُ التّدْلِيسِ ثُمّ قَوْلُ الدّارَقُطْنِيّ : هُوَ ثِقَةٌ غَيْرَ أَنّهُ لَمّا كَبِرَ كَانَ رُبّمَا قُرِئَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِيهِ بَعْضُ النّكَارَةِ فَيُجِيزُهُ انْتَهَى .
وَعِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ <256> إخْرَاجُ حَدِيثِهِ وَهَذِهِ حَالُهُ وَلَكِنْ مُسْلِمٌ رَوَى مِنْ حَدِيثِهِ مَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا وَلَا شَاذّا بِخِلَافِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ الصّحّةِ بِالطّيبِ(64/362)
لَمّا كَانَتْ الرّائِحَةُ الطّيّبَةُ غِذَاءَ الرّوحِ وَالرّوحُ مَطِيّةُ الْقُوَى وَالْقُوَى تَزْدَادُ بِالطّيبِ وَهُوَ يَنْفَعُ الدّمَاغَ وَالْقَلْبَ وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنِيّةِ وَيُفَرّحُ الْقَلْبَ وَيَسُرّ النّفْسَ وَيَبْسُطُ الرّوحَ وَهُوَ أَصْدَقُ شَيْءٍ لِلرّوحِ وَأَشَدّهُ مُلَاءَمَةً لَهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الرّوحِ الطّيّبَةِ نِسْبَةٌ قَرِيبَةٌ . كَانَ أَحَدَ الْمَحْبُوبِينَ مِنْ الدّنْيَا إلَى أَطْيَبِ الطّيّبِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ .
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ " أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَرُدّ الطّيبَ
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدّهُ . فَإِنّهُ طَيّبُ الرّيحِ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ
وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " وَالنّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدّهُ فَإِنّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ طَيّبُ الرّائِحَةِ
وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزّارِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ اللّهَ طَيّبٌ يُحِبّ الطّيبَ نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبّ الْجُودَ فَنَظّفُوا أَفْنَاءَكُمْ وَسَاحَاتِكُمْ وَلَا تَشَبّهُوا بِالْيَهُودِ يَجْمَعُونَ الْأُكُبّ فِي دُورِهِم الْأُكُبّ الزّبَالَةُ .
<257> وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَهُ سِكّةٌ يَتَطَيّبُ مِنْهَا
وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ إنّ لِلّهِ حَقّا عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلّ سَبْعَةِ أَيّامٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ أَنْ يَمَسّ مِنْهُ(64/363)
وَفِي الطّيبِ مِنْ الْخَاصّيّةِ أَنّ الْمَلَائِكَةَ تُحِبّهُ وَالشّيَاطِينَ تَنْفِرُ عَنْهُ وَأَحَبّ شَيْءٍ إلَى الشّيَاطِينِ الرّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ الْكَرِيهَةُ فَالْأَرْوَاحُ الطّيّبَةُ تُحِبّ الرّائِحَةَ الطّيّبَةَ وَالْأَرْوَاحُ الْخَبِيثَةُ تُحِبّ الرّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ وَكُلّ رُوحٍ تَمِيلُ إلَى مَا يُنَاسِبُهَا فَالْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي النّسَاءِ وَالرّجَالِ فَإِنّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ وَالْمَلَابِسَ وَالرّوَائِحَ إمّا بِعُمُومِ لَفْظِهِ أَوْ بِعُمُومِ مَعْنَاهُ .
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِفْظِ صِحّةِ الْعَيْنِ
[ حِفْظُ صِحّةِ الْعَيْنِ بِالِاكْتِحَالِ ]
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدٍ بْنِ هَوْذَةَ الْأَنْصَارِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوّحِ عِنْدَ النّوْمِ وَقَالَ لِيَتّقِهِ الصّائِمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْمُرَوّحُ الْمُطَيّبُ بِالْمِسْكِ . <258>
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَتْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا ثَلَاثًا فِي كُلّ عَيْنٍ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا اكْتَحَلَ يَجْعَلُ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا يَبْتَدِئُ بِهَا وَيَخْتِمُ بِهَا وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ(64/364)
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ فَهَلْ الْوِتْرُ بِالنّسْبَةِ إلَى الْعَيْنَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فَيَكُونُ فِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَفِي هَذِهِ ثِنْتَانِ وَالْيُمْنَى أَوْلَى بِالِابْتِدَاءِ وَالتّفْضِيلِ أَوْ هُوَ بِالنّسْبَةِ إلَى كُلّ عَيْنٍ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَفِي هَذِهِ ثَلَاثٌ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . <259>
[ فَوَائِدُ الْكُحْلِ لِلْعَيْنِ ]
وَفِي الْكُحْلِ حِفْظٌ لِصِحّةِ الْعَيْنِ وَتَقْوِيَةٌ لِلنّورِ الْبَاصِرِ وَجَلَاءٌ لَهَا وَتَلْطِيفٌ لِلْمَادّةِ الرّدِيئَةِ وَاسْتِخْرَاجٌ لَهَا مَعَ الزّينَةِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَلَهُ عِنْدَ النّوْمِ مَزِيدُ فَضْلٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْكُحْلِ وَسُكُونِهَا عَقِيبَهُ عَنْ الْحَرَكَةِ الْمُضِرّةِ بِهَا وَخِدْمَةِ الطّبِيعَةِ لَهَا وَلِلْإِثْمِدِ مِنْ ذَلِكَ خَاصّيّةٌ .
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ فَإِنّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعْرَ
وَفِي " كِتَابِ أَبِي نُعَيْمٍ " : فَإِنّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشّعْرِ مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - يَرْفَعُهُ خَيْرُ أَكْحَالِكُمْ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعْرَ <260>
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الّتِي جَاءَتْ عَلَى لِسَانِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرَتّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ
حَرْفُ الْهَمْزَةِ
إثْمِدٌ(64/365)
هُوَ حَجَرُ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ يُؤْتَى بِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ وَهُوَ أَفْضَلُهُ وَيُؤْتَى بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا وَأَجْوَدُهُ السّرِيعُ التّفْتِيتُ الّذِي لِفُتَاتِهِ بَصِيصٌ وَدَاخِلُهُ أَمْلَسُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْسَاخِ .
وَمِزَاجُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ يَنْفَعُ الْعَيْنَ وَيُقَوّيهَا وَيَشُدّ أَعْصَابَهَا وَيَحْفَظُ صِحّتَهَا وَيُذْهِبُ اللّحْمَ الزّائِدَ فِي الْقُرُوحِ وَيُدْمِلُهَا وَيُنَقّي أَوْسَاخَهَا وَيَجْلُوهَا وَيُذْهِبُ الصّدَاعَ إذَا اكْتَحَلَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ الْمَائِيّ الرّقِيقِ وَإِذَا دُقّ وَخُلِطَ بِبَعْضِ الشّحُومِ الطّرِيّةِ وَلُطّخَ عَلَى حَرْقِ النّارِ لَمْ تَعْرِضْ فِيهِ خشكريشة وَنَفَعَ مِنْ التّنَفّطِ الْحَادِثِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ أَجْوَدُ أَكْحَالِ الْعَيْنِ لَا سِيّمَا لِلْمَشَايِخِ وَاَلّذِينَ قَدْ ضَعُفَتْ أَبْصَارُهُمْ إذَا جُعِلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمِسْكِ .
أُتْرُجّ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجّةِ طَعْمُهَا طَيّبٌ وَرِيحُهَا طَيّبٌ
فِي الْأُتْرُجّ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَهُوَ مُرَكّبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ قِشْرٌ وَلَحْمٌ وَحَمْضٌ وَبَزْرٌ وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِزَاجٌ يَخُصّهُ فَقِشْرُهُ حَارّ يَابِسٌ وَلَحْمُهُ حَارّ رَطْبٌ وَحَمْضُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَبَزْرُهُ حَارّ يَابِسٌ . <261>
[ مَنَافِعُ قِشْرِ الْأُتْرُجّ ](64/366)
وَمِنْ مَنَافِعِ قِشْرِهِ أَنّهُ إذَا جُعِلَ فِي الثّيَابِ مَنَعَ السّوسَ وَرَائِحَتُهُ تُصْلِحُ فَسَادَ الْهَوَاءِ وَالْوَبَاءِ وَيُطَيّبُ النّكْهَةَ إذَا أَمْسَكَهُ فِي الْفَمِ وَيُحَلّلُ الرّيَاحَ وَإِذَا جُعِلَ فِي الطّعَامِ كَالْأَبَازِيرِ أَعَانَ عَلَى الْهَضْمِ . قَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : وَعُصَارَةُ قِشْرِهِ تَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْأَفَاعِي شُرْبًا وَقِشْرُهُ ضِمَادًا وَحُرَاقَةُ قِشْرِهِ طِلَاءٌ جَيّدٌ لِلْبَرَصِ . انْتَهَى .
[ مَنَافِعُ لَحْمِ الْأُتْرُجّ ]
وَأَمّا لَحْمُهُ فَمُلَطّفٌ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ قَامِعٌ لِلْبُخَارَاتِ الْحَارّةِ . وَقَالَ الْغَافِقِيّ : أَكْلُ لَحْمِهِ يَنْفَعُ الْبَوَاسِيرَ . انْتَهَى .
[ مَنَافِعُ حَمْضِ الْأُتْرُجّ ]
وَأَمّا حَمْضُهُ فَقَابِضٌ كَاسِرٌ لِلصّفْرَاءِ وَمُسَكّنٌ لِلْخَفَقَانِ الْحَارّ نَافِعٌ مِنْ الْيَرَقَانِ شُرْبًا وَاكْتِحَالًا قَاطِعٌ لِلْقَيْءِ الصّفْرَاوِيّ مُشَهّ لِلطّعَامِ عَاقِلٌ لِلطّبِيعَةِ نَافِعٌ مِنْ الْإِسْهَالِ الصّفْرَاوِيّ وَعُصَارَةُ حَمْضِهِ يُسَكّنُ غِلْمَةَ النّسَاءِ وَيَنْفَعُ طِلَاءً مِنْ الْكَلَفِ وَيَذْهَبُ بِالْقَوْبَاءِ وَيُسْتَدَلّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ فِي الْحِبْرِ إذَا وَقَعَ فِي الثّيَابِ قَلَعَهُ وَلَهُ قُوّةٌ تُلَطّفُ وَتَقْطَعُ وَتُبْرِدُ وَتُطْفِئُ حَرَارَةَ الْكَبِدِ وَتُقَوّي الْمَعِدَةَ وَتَمْنَعُ حِدّةَ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ وَتُزِيلُ الْغَمّ الْعَارِضَ مِنْهَا وَتُسَكّنُ الْعَطَشَ .
[ مَنَافِعُ بَزْرِ الْأُتْرُجّ ](64/367)
وَأَمّا بَزْرُهُ فَلَهُ قُوّةٌ مُحَلّلَةٌ مُجَفّفَةٌ . وَقَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ : خَاصّيّةُ حَبّهِ النّفْعُ مِنْ السّمُومِ الْقَاتِلَةِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ وَزْنُ مِثْقَالٍ مُقَشّرًا بِمَاءٍ فَاتِرٍ وَطِلَاءٍ مَطْبُوخٍ . وَإِنْ دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ اللّسْعَةِ نَفَعَ وَهُوَ مُلَيّنٌ لِلطّبِيعَةِ مُطَيّبٌ لِلنّكْهَةِ وَأَكْثَرُ هَذَا الْفِعْلِ مَوْجُودٌ فِي قِشْرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ خَاصّيّةُ حَبّهِ النّفْعُ مِنْ لَسَعَاتِ الْعَقَارِبِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ وَزْنُ مِثْقَالَيْنِ مُقَشّرًا بِمَاءٍ فَاتِرٍ وَكَذَلِكَ إذَا دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ <262> اللّدْغَةِ . وَقَالَ غَيْرُهُ حَبّهُ يَصْلُحُ لِلسّمُومِ كُلّهَا وَهُوَ نَافِعٌ مِنْ لَدْغِ الْهَوَامّ كُلّهَا .
[ قِصّةٌ عَنْ الْأُتْرُجّ ]
وَذُكِرَ أَنّ بَعْضَ الْأَكَاسِرَةِ غَضِبَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَطِبّاءِ فَأَمَرَ بِحَبْسِهِمْ وَخَيّرَهُمْ أُدْمًا لَا يَزِيدُ لَهُمْ عَلَيْهِ فَاخْتَارُوا الْأُتْرُجّ فَقِيلَ لَهُمْ لِمَ اخْتَرْتُمُوهُ عَلَى غَيْرِهِ ؟ فَقَالُوا : لِأَنّهُ فِي الْعَاجِلِ رَيْحَانٌ وَمَنْظَرُهُ مُفْرِحٌ وَقِشْرُهُ طَيّبُ الرّائِحَةِ وَلَحْمُهُ فَاكِهَةٌ وَحَمْضُهُ أُدْمٌ وَحَبّهُ تِرْيَاقٌ وَفِيهِ دُهْنٌ .
[ تَشْبِيهُ الْمُؤْمِنِ بِالْأُتْرُجّ ]
وَحَقِيقٌ بِشَيْءٍ هَذِهِ مَنَافِعُهُ أَنْ يُشَبّهَ بِهِ خُلَاصَةُ الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَكَانَ بَعْضُ السّلَفِ يُحِبّ النّظَرَ إلَيْهِ لِمَا فِي مَنْظَرِهِ مِنْ التّفْرِيحِ .
أَرُزّ(64/368)
فِيهِ حَدِيثَانِ بَاطِلَانِ مَوْضُوعَانِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ لَوْ كَانَ رَجُلًا لَكَانَ حَلِيمًا الثّانِي : كُلّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ دَاءٌ وَشِفَاءٌ إلّا الْأَرُزّ فَإِنّهُ شِفَاءٌ لَا دَاءَ فِيهِ ذَكَرْنَاهُمَا تَنْبِيهًا وَتَحْذِيرًا مِنْ نِسْبَتِهِمَا إلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَبَعْدُ فَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَهُوَ أَغْذَى الْحُبُوبِ بَعْدَ الْحِنْطَةِ وَأَحْمَدِهَا خَلْطًا يَشُدّ الْبَطْنَ شَدّا يَسِيرًا وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُدَبّغُهَا وَيَمْكُثُ فِيهَا . وَأَطِبّاءُ الْهِنْدِ تَزْعُمُ أَنّهُ أَحْمَدُ الْأَغْذِيَةِ وَأَنْفَعُهَا إذَا طُبِخَ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي خِصْبِ الْبَدَنِ وَزِيَادَةِ الْمَنِيّ وَكَثْرَةِ التّغْذِيَةِ وَتَصْفِيَةِ اللّوْنِ .
أَرْزٌ
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرّاءِ وَهُوَ الصّنَوْبَرُ ذَكَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ مِنْ الزّرْعِ تُفَيّئُهَا الرّيَاحُ تُقِيمُهَا مَرّةً وَتُمِيلُهَا أُخْرَى وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الْأَرْزَةِ لَا تَزَالُ قَائِمَةً عَلَى أَصْلِهَا حَتّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرّةً وَاحِدَةً وَحَبّهُ حَارّ رَطْبٌ وَفِيهِ إنْضَاجٌ وَتَلْيِينٌ وَتَحْلِيلٌ وَلَذْعٌ يَذْهَبُ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ وَهُوَ عَسِرُ الْهَضْمِ وَفِيهِ تَغْذِيَةٌ كَثِيرَةٌ وَهُوَ جَيّدٌ لِلسّعَالِ وَلِتَنْقِيَةِ <263> رُطُوبَاتِ الرّئَةِ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُولِدُ مَغَصًا وَتِرْيَاقُهُ حَبّ الرّمّانِ الْمُزّ .
إذْخِرٌ(64/369)
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فِي مَكّةَ : لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا " فَقَالَ لَه ُ الْعَبّاس رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ " إلّا الْإِذْخِرَ
وَالْإِذْخِرُ حَارّ فِي الثّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى لَطِيفٌ مُفَتّحٌ لِلسّدَدِ وَأَفْوَاهِ الْعُرُوقِ يُدِرّ الْبَوْلَ وَالطّمَثَ وَيُفَتّتُ الْحَصَى وَيُحَلّلُ الْأَوْرَامَ الصّلْبَةَ فِي الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَيْنِ شُرْبًا وَضِمَادًا وَأَصْلُهُ يُقَوّي عَمُودَ الْأَسْنَانِ وَالْمَعِدَةَ وَيُسَكّنُ الْغَثَيَانَ وَيَعْقِلُ الْبَطْنَ .
حَرْفُ الْبَاءِ
بِطّيخٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَأْكُلُ الْبِطّيخَ بِالرّطَبِ يَقُولُ نَكْسِرُ حَرّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هَذَا بِحَرّ هَذَا
وَفِي الْبِطّيخِ عِدّةُ أَحَادِيثَ لَا يَصِحّ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَخْضَرُ وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ وَفِيهِ جَلَاءٌ وَهُوَ أَسْرَعُ انْحِدَارًا عَنْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْقِثّاءِ وَالْخِيَارِ وَهُوَ سَرِيعُ الِاسْتِحَالَةِ إلَى أَيّ خَلْطٍ كَانَ صَادَفَهُ فِي الْمَعِدَةِ وَإِذَا كَانَ آكِلُهُ مَحْرُورًا انْتَفَعَ بِهِ جِدّا وَإِنْ كَانَ مَبْرُودًا دُفِعَ ضَرَرُهُ بِيَسِيرٍ مِنْ الزّنْجَبِيلِ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَكْلُهُ قَبْلَ الطّعَامِ وَيُتْبِعُ بِهِ وَإِلّا غَثّى وَقُيّئَ وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ <264> إنّهُ قَبْلَ الطّعَامِ يَغْسِلُ الْبَطْنَ غَسْلًا وَيَذْهَبُ بِالدّاءِ أَصْلًا .
بَلَحٌ(64/370)
رَوَى النّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِمَا " : مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلُوا الْبَلَحَ بِالتّمْرِ فَإِنّ الشّيْطَانَ إذَا نَظَرَ إلَى ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُ الْبَلَحَ بِالتّمْرِ يَقُولُ بَقِيَ ابْنُ آدَمَ حَتّى أَكَلَ الْحَدِيثَ بِالْعَتِيقِ . وَفِي رِوَايَةٍ كُلُوا الْبَلَحَ بِالتّمْرِ فَإِنّ الشّيْطَانَ يَحْزَنُ إذَا رَأَى ابْنَ آدَمَ يَأْكُلُهُ يَقُولُ عَاشَ ابْنُ آدَمَ حَتّى أَكَلَ الْجَدِيدَ بِالْخَلَقِ رَوَاهُ الْبَزّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " وَهَذَا لَفْظُهُ .
قُلْت : الْبَاءُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى : مَعَ أَيْ كُلُوا هَذَا مَعَ هَذَا قَالَ بَعْضُ أَطِبّاءِ الْإِسْلَامِ إنّمَا أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَكْلِ الْبَلَحِ بِالتّمْرِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ مَعَ التّمْرِ لِأَنّ الْبَلَحَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَالتّمْرَ حَارّ رَطْبٌ فَفِي كُلّ مِنْهُمَا إصْلَاحٌ لِلْآخَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبُسْرُ مَعَ التّمْرِ فَإِنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَارّ وَإِنْ كَانَتْ حَرَارَةُ التّمْرِ أَكْثَرَ وَلَا يَنْبَغِي مِنْ جِهَةِ الطّبّ الْجَمْعُ بَيْنَ حَارّيْنِ أَوْ بَارِدَيْنِ كَمَا تَقَدّمَ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ التّنْبِيهُ عَلَى صِحّةِ أَصْلِ صِنَاعَةِ الطّبّ وَمُرَاعَاةِ التّدْبِيرِ الّذِي يَصْلُحُ فِي دَفْعِ كَيْفِيّاتِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَمُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الطّبّيّ الّذِي تُحْفَظُ بِهِ الصّحّةُ .(64/371)
وَفِي الْبَلَحِ بُرُودَةٌ وَيُبُوسَةٌ وَهُوَ يَنْفَعُ الْفَمَ وَاللّثَةَ وَالْمَعِدَةَ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلصّدْرِ وَالرّئَةِ بِالْخُشُونَةِ الّتِي فِيهِ بَطِيءٌ فِي الْمَعِدَةِ يَسِيرُ التّغْذِيَةِ وَهُوَ لِلنّخْلَةِ كَالْحِصْرِمِ لِشَجَرَةِ الْعِنَبِ وَهُمَا جَمِيعًا يُوَلّدَانِ رِيَاحًا وَقَرَاقِرَ وَنَفْخًا وَلَا سِيّمَا إذَا شُرِبَ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِمَا بِالتّمْرِ أَوْ بِالْعَسَلِ وَالزّبْدِ .
بُسْرٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : أَنّ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيْهَانِ لَمّا ضَافَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا جَاءَهُمْ بِعَذْقٍ - وَهُوَ مِنْ النّخْلَةِ كَالْعُنْقُودِ مِنْ <265> الْعِنَبِ - فَقَالَ لَهُ " هَلّا انْتَقَيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ فَقَالَ " أَحْبَبْتُ أَنْ تَنْتَقُوا مِنْ بُسْرِهِ وَرُطَبِهِ .
الْبُسْرُ حَارّ يَابِسٌ وَيُبْسُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَرّهِ يُنَشّفُ الرّطُوبَةَ وَيَدْبَغُ الْمَعِدَةَ وَيَحْبِسُ الْبَطْنَ وَيَنْفَعُ اللّثَةَ وَالْفَمَ وَأَنْفَعُهُ مَا كَانَ هَشّا وَحُلْوًا وَكَثْرَةُ أَكْلِهِ وَأَكْلِ الْبَلَحِ يُحْدِثُ السّدَدَ فِي الْأَحْشَاءِ .
بَيْضٌ
ذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " أَثَرًا مَرْفُوعًا : أَنّ نَبِيّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ شَكَا إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ الضّعْفَ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِ الْبَيْض . وَفِي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ وَيُخْتَارُ مِنْ الْبَيْضِ الْحَدِيثُ عَلَى الْعَتِيقِ وَبَيْضُ الدّجَاجِ عَلَى سَائِرِ بَيْضِ الطّيْرِ وَهُوَ مُعْتَدِلٌ يَمِيلُ إلَى الْبُرُودَةِ قَلِيلًا .(64/372)
قَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : وَمُحّهُ حَارّ رَطْبٌ يُولِدُ دَمًا صَحِيحًا مَحْمُودًا وَيُغَذّي غِذَاءً يَسِيرًا وَيُسْرِعُ الِانْحِدَارَ مِنْ الْمَعِدَةِ إذَا كَانَ رَخْوًا .
وَقَالَ غَيْرُهُ مُحّ الْبَيْضِ مُسَكّنٌ لِلْأَلَمِ مُمَلّسٌ لِلْحَلْقِ وَقَصَبَةِ الرّئَةِ نَافِعٌ لِلْحَلْقِ وَالسّعَالِ وَقُرُوحِ الرّئَةِ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةِ مُذْهِبٌ لِلْخُشُونَةِ لَا سِيّمَا إذَا أُخِذَ بِدُهْنِ اللّوْزِ الْحُلْوِ وَمُنْضِجٌ لِمَا فِي الصّدْرِ مُلَيّنٌ لَهُ مُسَهّلٌ لِخُشُونَةِ الْحَلْقِ وَبَيَاضُهُ إذَا قُطِرَ فِي الْعَيْنِ الْوَارِمَةِ وَرَمًا حَارّا بَرّدَهُ وَسَكّنَ الْوَجَعَ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ حَرْقُ النّارِ أَوْ مَا يَعْرِضُ لَهُ لَمْ يَدَعْهُ يَتَنَفّطُ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ الْوَجَعُ مَنَعَ الِاحْتِرَاقَ الْعَارِضَ مِنْ الشّمْسِ إذَا خُلِطَ بالكندر وَلُطّخَ عَلَى الْجَبْهَةِ نَفَعَ مِنْ النّزْلَةِ .
وَذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " فِي الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيّةِ ثُمّ قَالَ وَهُوَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُطْلَقَةِ - فَإِنّهُ مِمّا لَهُ مَدْخَلٌ فِي تَقْوِيَةِ الْقَلْبِ جِدّا أَعْنِي الصّفْرَةَ وَهِيَ <266> تَجْمَعُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ : سُرْعَةُ الِاسْتِحَالَةِ إلَى الدّمِ وَقِلّةُ الْفَضْلَةِ وَكَوْنُ الدّمِ الْمُتَوَلّدِ مِنْهُ مُجَانِسًا لِلدّمِ الّذِي يَغْذُو الْقَلْبَ خَفِيفًا مُنْدَفِعًا إلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَلِذَلِكَ هُوَ أَوْفَقُ مَا يُتَلَافَى بِهِ عَادِيَةُ الْأَمْرَاضِ الْمُحَلّلَةِ لِجَوْهَرِ الرّوحِ .
بَصَلٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْبَصَلِ فَقَالَتْ إنّ آخِرَ طَعَامٍ أَكَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ فِيهِ بَصَلٌ(64/373)
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّهُ مَنَعَ آكِلَهُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ .
[ مَنَافِعُ البصل ]
وَالْبَصَلُ حَارّ فِي الثّالِثَةِ وَفِيهِ رُطُوبَةٌ فَضْلِيّةٌ يَنْفَعُ مِنْ تَغَيّرِ الْمِيَاهِ وَيَدْفَعُ رِيحَ السّمُومِ وَيُفَتّقُ الشّهْوَةَ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُهَيّجُ الْبَاهَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُحَسّنُ اللّوْنَ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيَجْلُو الْمَعِدَةَ وَبَزْرُهُ يُذْهِبُ الْبَهَقَ وَيُدَلّكُ بِهِ حَوْلَ دَاءِ الثّعْلَبِ فَيَنْفَعُ جِدّا وَهُوَ بِالْمِلْحِ يُقْلِعُ الثّآلِيلِ وَإِذَا شَمّهُ مَنْ شَرِبَ دَوَاءً مُسَهّلًا مَنَعَهُ مِنْ الْقَيْءِ وَالْغَثَيَانِ وَأَذْهَبَ رَائِحَةَ ذَلِكَ الدّوَاءِ وَإِذَا اسْتَعَطَ بِمَائِهِ نَقّى الرّأْسَ وَيُقْطَرُ فِي الْأُذُنِ لِثِقَلِ السّمْعِ وَالطّنِينِ وَالْقَيْحِ وَالْمَاءِ الْحَادِثِ فِي الْأُذُنِينَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْمَاءِ النّازِلِ فِي الْعَيْنَيْنِ اكْتِحَالًا يُكْتَحَلُ بِبَزْرِهِ مَعَ الْعَسَلِ لِبَيَاضِ الْعَيْنِ وَالْمَطْبُوخُ مِنْهُ كَثِيرُ الْغِذَاءِ يَنْفَعُ مِنْ الْيَرَقَانِ وَالسّعَالِ وَخُشُونَةِ الصّدْرِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيُلَيّنُ الطّبْعَ وَيَنْفَعُ مِنْ عَضّةِ الْكَلْبِ غَيْرِ الْكَلِبِ إذَا نُطِلَ عَلَيْهَا مَاؤُهُ بِمِلْحٍ وَسَذَابٍ وَإِذَا اُحْتُمِلَ فَتَحَ أَفْوَاهِ الْبَوَاسِيرِ .
[ ضَرَرُ البَصَل ]
وَأَمّا ضَرَرُهُ فَإِنّهُ يُورِثُ الشّقِيقَةَ وَيُصَدّعُ الرّأْسَ وَيُوَلّدُ أَرْيَاحًا وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ وَكَثْرَةُ أَكْلِهِ تُورِثُ النّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الْعَقْلَ وَيُغَيّرُ رَائِحَةَ الْفَمِ وَالنّكْهَةِ <267> وَيُؤْذِي الْجَلِيسَ وَالْمَلَائِكَةَ وَإِمَاتَتُهُ طَبْخًا تَذْهَبُ بِهَذِهِ الْمُضِرّاتِ مِنْهُ .(64/374)
وَفِي السّنَنِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ آكِلَهُ وَآكِلَ الثّومِ أَنْ يُمِيتَهُمَا طَبْخًا وَيُذْهِبَ رَائِحَتَهُ مَضْغُ وَرَقِ السّذَابِ عَلَيْهِ.
بَاذِنْجَانٌ
فِي الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ الْمُخْتَلَقِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ مِمّا يُسْتَقْبَحُ نِسْبَتُهُ إلَى آحَادِ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَبَعْدُ فَهُوَ نَوْعَانِ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ وَفِيهِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ بَارِدٌ أَوْ حَارّ ؟ وَالصّحِيحُ أَنّهُ حَارّ وَهُوَ مُوَلّدٌ لِلسّوْدَاءِ وَالْبَوَاسِيرِ وَالسّدَدِ وَالسّرَطَانِ وَالْجُذَامِ وَيُفْسِدُ اللّوْنَ وَيُسَوّدُهُ وَيَضُرّ بِنَتِنِ الْفَمِ وَالْأَبْيَضُ مِنْهُ الْمُسْتَطِيلُ عَارٍ مِنْ ذَلِكَ .
حَرْفُ التّاءِ
تَمْرٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ تَصَبّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ وَفِي لَفْظٍ مِنْ تَمْرِ الْعَالِيَةِ لَمْ يَضُرّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمّ وَلَا سِحْرٌ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ وَثَبَتَ عَنْهُ أَكْلُ التّمْرِ بِالزّبْدِ وَأَكْلُ التّمْرِ بِالْخُبْزِ وَأَكْلُهُ مُفْرَدًا .(64/375)
وَهُوَ حَارّ فِي الثّانِيَةِ وَهَلْ هُوَ رَطْبٌ فِي الْأُولَى أَوْ يَابِسٌ فِيهَا ؟ . عَلَى <268> قَوْلَيْنِ . وَهُوَ مُقَوّ لِلْكَبِدِ مُلَيّنٌ لِلطّبْعِ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَلَا سِيّمَا مَعَ حَبّ الصّنَوْبَرِ وَيُبْرِئُ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ وَمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ كَأَهْلِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ فَإِنّهُ يُورِثُ لَهُمْ السّدَدَ وَيُؤْذِي الْأَسْنَانَ وَيُهَيّجُ الصّدَاعَ وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِاللّوْزِ وَالْخِشْخَاشِ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الثّمَارِ تَغْذِيَةً لِلْبَدَنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْجَوْهَرِ الْحَارّ الرّطْبِ وَأَكْلُهُ عَلَى الرّيقِ يَقْتُلُ الدّودَ فَإِنّهُ مَعَ حَرَارَتِهِ فِيهِ قُوّةٌ تِرْيَاقِيّةٌ فَإِذَا أُدِيمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرّيقِ خَفّفَ مَادّةَ الدّودِ وَأَضْعَفَهُ وَقَلّلَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ فَاكِهَةٌ وَغِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَشَرَابٌ وَحَلْوَى .
تِينٌ
لَمّا لَمْ يَكُنْ التّينُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ لَمْ يَأْتِ لَهُ ذِكْرٌ فِي السّنّةِ فَإِنّ أَرْضَهُ تُنَافِي أَرْضَ النّخْلِ وَلَكِنْ قَدْ أَقْسَمَ اللّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَفَوَائِدِهِ وَالصّحِيحُ أَنّ الْمُقْسَمَ بِهِ هُوَ التّينُ الْمَعْرُوفُ .
وَهُوَ حَارّ وَفِي رُطُوبَتِهِ وَيُبُوسَتِهِ قَوْلَانِ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ النّاضِجُ الْقِشْرُ يَجْلُو رَمْلَ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَيُؤَمّنُ مِنْ السّمُومِ وَهُوَ أَغْذَى مِنْ جَمِيعِ الْفَوَاكِهِ وَيَنْفَعُ خُشُونَةَ الْحَلْقِ وَالصّدْرِ وَقَصَبَةِ الرّئَةِ وَيَغْسِلُ الْكَبِدَ وَالطّحَالَ وَيُنَقّي الْخَلْطَ الْبَلْغَمِيّ مِنْ الْمَعِدَةِ وَيَغْذُو الْبَدَنَ غِذَاءً جَيّدًا إلّا أَنّهُ يُوَلّدُ الْقَمْلَ إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ جِدّا .(64/376)
وَيَابِسُهُ يَغْذُو وَيَنْفَعُ الْعَصَبَ وَهُوَ مَعَ الْجَوْزِ وَاللّوْزِ مَحْمُودٌ قَالَ جالينوس : " وَإِذَا أُكِلَ مَعَ الْجَوْزِ وَالسّذَابِ قَبْلَ أَخْذِ السّمّ الْقَاتِلِ نَفَعَ وَحَفِظَ مِنْ الضّرَرِ .
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ أُهْدِيَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَبَقٌ مِنْ تِينٍ فَقَالَ " كُلُوا وَأَكَلَ مِنْهُ وَقَالَ " لَوْ قُلْتُ إنّ فَاكِهَةً نَزَلَتْ مِنْ الْجَنّةِ قُلْت : هَذِهِ لِأَنّ فَاكِهَةَ الْجَنّةِ بِلَا عَجَمٍ فَكُلُوا مِنْهَا فَإِنّهَا تَقْطَعُ الْبَوَاسِيرَ وَتَنْفَعُ مِنْ النّقْرِسِ وَفِي ثُبُوتِ هَذَا نَظَرٌ . <269>
وَاللّحْمُ مِنْهُ أَجْوَدُ وَيُعَطّشُ الْمَحْرُورِينَ وَيُسَكّنُ الْعَطَشَ الْكَائِنَ عَنْ الْبَلْغَمِ الْمَالِحِ وَيَنْفَعُ السّعَالَ الْمُزْمِنَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَفْتَحُ سُدَدَ الْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَيُوَافِقُ الْكُلَى وَالْمَثَانَةَ وَلِأَكْلِهِ عَلَى الرّيقِ مَنْفَعَةٌ عَجِيبَةٌ فِي تَفْتِيحِ مَجَارِي الْغِذَاءِ وَخُصُوصًا بِاللّوْزِ وَالْجَوْزِ وَأَكْلُهُ مَعَ الْأَغْذِيَةِ الْغَلِيظَةِ رَدِيءٌ جِدّا وَالتّوتُ الْأَبْيَضُ قَرِيبٌ مِنْهُ لَكِنّهُ أَقَلّ تَغْذِيَةً وَأَضَرّ بِالْمَعِدَةِ .
تَلْبِينَةٌ قَدْ تَقَدّمَ إنّهَا مَاءُ الشّعِيرِ الْمَطْحُونِ وَذَكَرْنَا مَنَافِعَهَا وَأَنّهَا أَنْفَعُ لِأَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ مَاءِ الشّعِيرِ الصّحِيحِ .
حَرْفُ الثّاءِ
ثَلْجٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ اللّهُمّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثّلْجِ وَالْبَرَدِ
[ الدّاءُ يُدَاوَى بِضِدّهِ ](64/377)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّ الدّاءَ يُدَاوَى بِضَدّهِ فَإِنّ فِي الْخَطَايَا مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْحَرِيقِ مَا يُضَادّهُ الثّلْجُ وَالْبَرَدُ وَالْمَاءُ الْبَارِدُ وَلَا يُقَالُ إنّ الْمَاءَ الْحَارّ أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الْوَسَخِ لِأَنّ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ مِنْ تَصْلِيبِ الْجِسْمِ وَتَقْوِيَتِهِ مَا لَيْسَ فِي الْحَارّ وَالْخَطَايَا تُوجِبُ أَثَرَيْنِ التّدْنِيسَ وَالْإِرْخَاءَ فَالْمَطْلُوبُ مُدَاوَاتُهَا بِمَا يُنَظّفُ الْقَلْبَ وَيُصَلّبُهُ فَذَكَرَ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَالثّلْجَ وَالْبَرَدَ إشَارَةً إلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ .
وَبَعْدُ فَالثّلْجُ بَارِدٌ عَلَى الْأَصَحّ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ حَارّ وَشُبْهَتُهُ تَوَلّدُ الْحَيَوَانِ فِيهِ وَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى حَرَارَتِهِ فَإِنّهُ يَتَوَلّدُ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَارِدَةِ وَفِي الْخَلّ وَأَمّا تَعْطِيشُهُ فَلِتَهْيِيجِهِ الْحَرَارَةَ لَا لِحَرَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَيَضُرّ الْمَعِدَةَ وَالْعَصَبَ وَإِذَا <270> كَانَ وَجَعُ الْأَسْنَانِ مِنْ حَرَارَةٍ مُفْرِطَةٍ سَكّنَهَا .
ثُومٌ
هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْبَصَلِ وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا وَأُهْدِيَ إلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ ثُومٌ فَأَرْسَلَ بِهِ إلَى أَبِي أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ تَكْرَهُهُ وَتُرْسِلُ بِهِ إلَيّ ؟ فَقَالَ إنّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي(64/378)
وَبَعْدُ فَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الرّابِعَةِ يُسَخّنُ تَسْخِينًا قَوِيّا وَيُجَفّفُ تَجْفِيفًا بَالِغًا نَافِعٌ لِلْمَبْرُودِينَ وَلِمَنْ مِزَاجُهُ بَلْغَمِيّ وَلِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْفَالِجِ وَهُوَ مُجَفّفٌ لِلْمَنِيّ مُفَتّحٌ لِلسّدَدِ مُحَلّلٌ لِلرّيَاحِ الْغَلِيظَةِ هَاضِمٌ لِلطّعَامِ قَاطِعٌ لِلْعَطَشِ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ مُدِرّ لِلْبَوْلِ يَقُومُ فِي لَسْعِ الْهَوَامّ وَجَمِيعِ الْأَوْرَامِ الْبَارِدَةِ مَقَامَ التّرْيَاقِ وَإِذَا دُقّ وَعُمِلَ مِنْهُ ضِمَادٌ عَلَى نَهْشِ الْحَيّاتِ أَوْ عَلَى لَسْعِ الْعَقَارِبِ نَفَعَهَا وَجَذَبَ السّمُومَ مِنْهَا وَيُسَخّنُ الْبَدَنَ وَيَزِيدُ فِي حَرَارَتِهِ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيُحَلّلُ النّفْخَ وَيُصَفّي الْحَلْقَ وَيَحْفَظُ صِحّةَ أَكْثَرِ الْأَبْدَانِ وَيَنْفَعُ مَنْ تَغَيّرِ الْمِيَاهِ وَالسّعَالِ الْمُزْمِنِ وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَمَشْوِيّا <271> وَيَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الصّدْرِ مِنْ الْبَرْدِ وَيُخْرِجُ الْعَلَقَ مِنْ الْحَلْقِ وَإِذَا دُقّ مَعَ الْخَلّ وَالْمِلْحِ وَالْعَسَلِ ثُمّ وُضِعَ عَلَى الضّرْسِ الْمُتَأَكّلِ فَتّتَهُ وَأَسْقَطَهُ وَعَلَى الضّرْسِ الْوَجِعِ سَكّنَ وَجَعَهُ .
وَإِنّ دُقّ مِنْهُ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَأُخِذَ مَعَ مَاءِ الْعَسَلِ أَخْرَجَ الْبَلْغَمَ وَالدّودَ وَإِذَا طُلِيَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْبَهَقِ نَفَعَ .
[ مَضَارالثوم ]
وَمِنْ مَضَارّهِ أَنّهُ يُصَدّعُ وَيَضُرّ الدّمَاغَ وَالْعَيْنَيْنِ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَالْبَاهَ وَيُعَطّشُ وَيُهَيّجُ الصّفْرَاءَ وَيَجِيفُ رَائِحَةَ الْفَمِ وَيُذْهِبُ رَائِحَتَهُ أَنْ يُمْضَغَ عَلَيْهِ وَرَقُ السّذَابِ .
ثَرِيدٌ(64/379)
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطّعَامِ
وَالثّرِيد ُ وَإِنْ كَانَ مُرَكّبًا فَإِنّهُ مُرَكّبٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَالْخُبْزُ أَفْضَلُ الْأَقْوَاتِ وَاللّحْمُ سَيّدُ الْإِدَامِ فَإِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَا غَايَةٌ .
[ تَنَازُعُ النّاسِ فِي أَفْضَلِيّةِ اللّحْمِ عَلَى الْخُبْزِ ]
وَتَنَازَعَ النّاسُ أَيّهُمَا أَفْضَلُ ؟ وَالصّوَابُ أَنّ الْحَاجَةَ إلَى الْخُبْزِ أَكْثَرُ وَأَعَمّ وَاللّحْمُ أَجَلّ وَأَفْضَلُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِجَوْهَرِ الْبَدَنِ مِنْ كُلّ مَا عَدَاهُ وَهُوَ طَعَامُ أَهْلِ الْجَنّةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِمَنْ طَلَبَ الْبَقْلَ وَالْقِثّاءَ وَالْفُوَمَ وَالْعَدَسَ وَالْبَصَلَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَى بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ [ الْبَقَرَةِ 62 ] وَكَثِيرٌ مِنْ السّلَفِ عَلَى أَنّ الْفُومَ الْحِنْطَةُ وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ نَصّ عَلَى أَنّ اللّحْمَ خَيْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ .
حَرْفُ الْجِيمِ
جُمّارٌ
قَلْبُ النّخْلِ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جُلُوسٌ إذْ أُتِيَ بِجُمّارِ نَخْلَةٍ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِنْ الشّجَرِ شَجَرَةً مِثْلَ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا الْحَدِيثَ " . <272>(64/380)
وَالْجُمّارُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الْأُولَى يَخْتِمُ الْقُرُوحَ وَيَنْفَعُ مِنْ نَفْثِ الدّمِ وَاسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ وَغَلَبَةِ الْمِرّةِ الصّفْرَاءِ وَثَائِرَةِ الدّمِ وَلَيْسَ بِرَدِيءِ الْكَيْمُوسِ وَيَغْذُو غِذَاءً يَسِيرًا وَهُوَ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَشَجَرَتُهُ كُلّهَا مَنَافِعُ وَلِهَذَا مَثّلَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّجُلِ الْمُسْلِمِ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَمَنَافِعِهِ .
جُبْنٌ
فِي " السّنَنِ " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أُتِيَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجُبْنَةٍ فِي تَبُوكَ فَدَعَا بِسِكّينٍ وَسَمّى وَقَطَعَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَكَلَهُ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ بِالشّامِ وَالْعِرَاقِ وَالرّطَبُ مِنْهُ غَيْرُ الْمَمْلُوحِ جَيّدٌ لِلْمَعِدَةِ هَيّنُ السّلُوكِ فِي الْأَعْضَاءِ يَزِيدُ فِي اللّحْمِ وَيُلَيّنُ الْبَطْنَ تَلْيِينًا مُعْتَدِلًا وَالْمَمْلُوحُ أَقَلّ غِذَاءً مِنْ الرّطَبِ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ مُؤْذٍ لِلْأَمْعَاءِ وَالْعَتِيقُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ وَكَذَا الْمَشْوِيّ وَيَنْفَعُ الْقُرُوحَ وَيَمْنَعُ الْإِسْهَالَ .
وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ مَشْوِيّا كَانَ أَصْلَحَ لِمِزَاجِهِ فَإِنّ النّارَ تُصْلِحُهُ وَتُعَدّلُهُ وَتُلَطّفُ جَوْهَرَهُ وَتُطَيّبُ طَعْمَهُ وَرَائِحَتَهُ . وَالْعَتِيقُ الْمَالِحُ حَارّ يَابِسٌ وَشَيّهُ يُصْلِحُهُ أَيْضًا بِتَلْطِيفِ جَوْهَرِهِ وَكَسْرِ حَرَافَتِهِ لِمَا تَجْذِبُهُ النّارُ مِنْهُ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَارّةِ الْيَابِسَةِ الْمُنَاسِبَةِ لَهَا وَالْمُمَلّحُ مِنْهُ يُهْزِلُ وَيُوَلّدُ حَصَاةَ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ وَخَلْطُهُ بِالْمُلَطّفَاتِ أَرْدَأُ بِسَبَبِ تَنْفِيذِهَا لَهُ إلَى الْمَعِدَةِ .
حَرْفُ الْحَاءِ
حِنّاءٌ(64/381)
قَدْ تَقَدّمَتْ الْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ وَذِكْرِ مَنَافِعِهِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ . <273>
حَبّةُ السّوْدَاءِ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبّةِ السّوْدَاءِ فَإِنّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلّ دَاءٍ إلّا السّامَ وَالسّامُ الْمَوْتُ .
الْحَبّةُ السّوْدَاءُ هِيَ الشّونِيزُ فِي لُغَةِ الْفُرْسِ وَهِيَ الْكَمّونُ الْأَسْوَدُ وَتُسَمّى الْكَمّونُ الْهِنْدِيّ قَالَ الْحَرْبِيّ عَنْ الْحَسَنِ إنّهَا الْخَرْدَلُ وَحَكَى الْهَرَوِيّ أَنّهَا الْحَبّةُ الْخَضْرَاءُ ثَمَرَةُ الْبُطْمِ وَكِلَاهُمَا وَهْمٌ وَالصّوَابُ أَنّهَا الشّونِيزُ .
وَهِيَ كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ جِدّا وَقَوْلُهُ " شِفَاءً مِنْ كُلّ دَاءٍ " مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى : تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا [ الْأَحْقَافِ 25 ] أَيْ كُلّ شَيْءٍ يَقْبَلُ التّدْمِيرَ وَنَظَائِرَهُ وَهِيَ نَافِعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْرَاضِ الْبَارِدَةِ وَتَدْخُلُ فِي الْأَمْرَاضِ الْحَارّةِ الْيَابِسَةِ بِالْعَرْضِ فَتُوَصّلُ قُوَى الْأَدْوِيَةِ الْبَارِدَةِ الرّطْبَةِ إلَيْهَا بِسُرْعَةِ تَنْفِيذِهَا إذَا أَخَذَ يَسِيرَهَا .(64/382)
وَقَدْ نَصّ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " وَغَيْرُهُ عَلَى الزّعْفَرَانِ فِي قُرْصِ الْكَافُورِ لِسُرْعَةِ تَنْفِيذِهِ وَإِيصَالِهِ قُوّتَهُ وَلَهُ نَظَائِرُ يَعْرِفُهَا حُذّاقُ الصّنَاعَةِ وَلَا تَسْتَبْعِدْ مَنْفَعَةَ الْحَارّ فِي أَمْرَاضٍ حَارّةٍ بِالْخَاصّيّةِ فَإِنّك تَجِدُ ذَلِكَ فِي أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا : الأنزروت وَمَا يُرَكّبُ مَعَهُ مِنْ أَدْوِيَةِ الرّمَدِ كَالسّكّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ الْحَارّةِ وَالرّمَدُ وَرَمٌ حَارّ بِاتّفَاقِ الْأَطِبّاءِ وَكَذَلِكَ نَفْعُ الْكِبْرِيتِ الْحَارّ جِدّا مِنْ الْجَرَبِ .
وَالشّونِيزُ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ مُذْهِبٌ لِلنّفْخِ مُخْرِجٌ لِحَبّ الْقَرَعِ نَافِعٌ مِنْ الْبَرَصِ وَحُمّى الرّبْعِ وَالْبَلْغَمِيّةِ مُفَتّحٌ لِلسّدَدِ وَمُحَلّلٌ لِلرّيَاحِ مُجَفّفٌ لِبَلّةِ الْمَعِدَةِ وَرُطُوبَتِهَا . وَإِنْ دُقّ وَعُجِنَ بِالْعَسَلِ وَشُرِبَ بِالْمَاءِ الْحَارّ أَذَابَ الْحَصَاةَ الّتِي تَكُونُ فِي الْكُلْيَتَيْنِ وَالْمَثَانَةِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَالْحَيْضَ وَاللّبَنَ إذَا أُدِيمَ شُرْبُهُ أَيّامًا <274> وَإِنْ سُخّنَ بِالْخَلّ وَطُلِيَ عَلَى الْبَطْنِ قَتَلَ حَبّ الْقَرَعِ فَإِنْ عُجِنَ بِمَاءِ الْحَنْظَلِ الرّطْبِ أَوْ الْمَطْبُوخِ كَانَ فِعْلُهُ فِي إخْرَاجِ الدّودِ أَقْوَى وَيَجْلُو وَيَقْطَعُ وَيُحَلّلُ وَيَشْفِي مِنْ الزّكَامِ الْبَارِدِ إذَا دُقّ وَصُيّرَ فِي خِرْقَةٍ وَاشْتُمّ دَائِمًا أَذْهَبَهُ .(64/383)
وَدُهْنُهُ نَافِعٌ لِدَاءِ الْحَيّةِ وَمِنْ الثّآلِيلِ وَالْخِيلَانِ وَإِذَا شُرِبَ مِنْهُ مِثْقَالٌ بِمَاءٍ نَفَعَ مِنْ الْبَهَرِ وَضِيقِ النّفَسِ وَالضّمَادُ بِهِ يَنْفَعُ مِنْ الصّدَاعِ الْبَارِدِ وَإِذَا نُقِعَ مِنْهُ سَبْعُ حَبّاتٍ عَدَدًا فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ وَسُعِطَ بِهِ صَاحِبُ الْيَرَقَانِ نَفَعَهُ نَفْعًا بَلِيغًا .
وَإِذَا طُبِخَ بِخَلّ وَتُمُضْمِضَ بِهِ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ عَنْ بَرْدٍ وَإِذَا اُسْتُعِطَ بِهِ مَسْحُوقًا نَفَعَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمَاءِ الْعَارِضِ فِي الْعَيْنِ وَإِنْ ضُمّدَ بِهِ مَعَ الْخَلّ قَلَعَ الْبُثُورَ وَالْجَرَبَ الْمُتَقَرّحَ وَحَلّلَ الْأَوْرَامَ الْبَلْغَمِيّةَ الْمُزْمِنَةَ وَالْأَوْرَامَ الصّلْبَةَ وَيَنْفَعُ مِنْ اللّقْوَةِ إذَا تُسُعّطَ بِدُهْنِهِ وَإِذَا شُرِبَ مِنْهُ مِقْدَارُ نِصْفِ مِثْقَالٍ إلَى مِثْقَالٍ نَفَعَ مِنْ لَسْعِ الرّتَيْلَاءِ وَإِنْ سُحِقَ نَاعِمًا وَخُلِطَ بِدُهْنِ الْحَبّةِ الْخَضْرَاءِ وَقُطِرَ مِنْهُ فِي الْأُذُنِ ثَلَاثَ قَطَرَاتٍ نَفَعَ مِنْ الْبَرْدِ الْعَارِضِ فِيهَا وَالرّيحِ وَالسّدَدِ .
وَإِنْ قُلِيَ ثُمّ دُقّ نَاعِمًا ثُمّ نُقِعَ فِي زَيْتٍ وَقُطِرَ فِي الْأَنْفِ ثَلَاثُ قَطَرَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ نَفَعَ مِنْ الزّكَامِ الْعَارِضِ مَعَهُ عُطَاسٌ كَثِيرٌ .
وَإِذَا أُحْرِقَ وَخُلِطَ بِشَمْعٍ مُذَابٍ بِدُهْنِ السّوْسَنِ أَوْ دُهْنِ الْحِنّاءِ وَطُلِيَ بِهِ الْقُرُوحُ الْخَارِجَةُ مِنْ السّاقَيْنِ بَعْدَ غَسْلِهَا بِالْخَلّ نَفَعَهَا وَأَزَالَ الْقُرُوحَ .
وَإِذَا سُحِقَ بِخَلّ وَطُلِيَ بِهِ الْبَرَصُ وَالْبَهَقُ الْأَسْوَدُ وَالْحَزَازُ الْغَلِيظُ نَفَعَهَا وَأَبْرَأَهَا . <275>(64/384)
وَإِذَا سُحِقَ نَاعِمًا وَاسْتُفّ مِنْهُ كُلّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ بِمَاءٍ بَارِدٍ مَنْ عَضّهُ كَلْبٌ كَلِبٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْمَاءِ نَفَعَهُ نَفْعًا بَلِيغًا وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْهَلَاكِ . وَإِذَا اُسْتُعِطَ بِدُهْنِهِ نَفَعَ مِنْ الْفَالِجِ وَالْكُزَازِ وَقَطَعَ مَوَادّهُمَا وَإِذَا دُخّنَ بِهِ طَرَدَ الْهَوَامّ .
وَإِذَا أُذِيبَ الأنزروت بِمَاءٍ وَلُطِخَ عَلَى دَاخِلِ الْحَلْقَةِ ثُمّ ذُرّ عَلَيْهَا الشّونِيزُ كَانَ مِنْ الذرورات الْجَيّدَةِ الْعَجِيبَةِ النّفْعِ مِنْ الْبَوَاسِيرِ وَمَنَافِعُهُ أَضْعَافُ مَا ذَكَرْنَا وَالشّرْبَةُ مِنْهُ دِرْهَمَانِ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ قَاتِلٌ .
حَرِيرٌ
قَدْ تَقَدّمَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَاحَهُ لِلزّبَيْرِ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ حِكّةٍ كَانَتْ بِهِمَا وَتَقَدّمَ مَنَافِعُهُ وَمِزَاجُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ .
حُرْفٌ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدّينَوَرِيّ : هَذَا هُوَ الْحَبّ الّذِي يُتَدَاوَى بِهِ وَهُوَ الثّفّاءُ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَبَاتُهُ يُقَالُ لَهُ الْحُرْفُ وَتُسَمّيهِ الْعَامّةُ الرّشَادُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الثّفّاءُ هُوَ الْحُرْفُ .
قُلْت : وَالْحَدِيثُ الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَاذَا فِي الْأَمَرّيْنِ مِنْ الشّفَاءِ ؟ الصّبِرُ وَالثّفّاءُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ .(64/385)
وَقُوّتُهُ فِي الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي الدّرَجَةِ الثّالِثَةِ وَهُوَ يُسَخّنُ وَيُلَيّنُ الْبَطْنَ وَيُخْرِجُ الدّودَ وَحَبّ الْقَرَعِ وَيُحَلّلُ أَوْرَامَ الطّحَالِ وَيُحَرّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَجْلُو الْجَرَبَ الْمُتَقَرّحَ وَالْقُوَبَاءَ .
وَإِذَا ضُمّدَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ حَلّلَ وَرَمَ الطّحَالِ وَإِذَا طُبِخَ مَعَ الْحِنّاءِ أَخْرَجَ الْفُضُولَ الّتِي فِي الصّدْرِ وَشُرْبُهُ يَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْهَوَامّ وَلَسْعِهَا وَإِذَا دُخّنَ بِهِ فِي <276> مَوْضِعٍ طَرَدَ الْهَوَامّ عَنْهُ وَيُمْسِكُ الشّعْرَ الْمُتَسَاقِطَ وَإِذَا خُلِطَ بِسَوِيقِ الشّعِيرِ وَالْخَلّ وَتُضُمّدَ بِهِ نَفَعَ مِنْ عِرْقِ النّسَا وَحَلّلَ الْأَوْرَامَ الْحَارّةَ فِي آخِرِهَا .
وَإِذَا تُضُمّدَ بِهِ مَعَ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ أَنْضَجَ الدّمَامِيلَ وَيَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِرْخَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُشَهّي الطّعَامَ وَيَنْفَعُ الرّبْوَ وَعُسْرَ التّنَفّسِ وَغِلَظَ الطّحَالِ وَيُنَقّي الرّئَةَ وَيُدِرّ الطّمْثَ وَيَنْفَعُ مِنْ عِرْقِ النّسَا وَوَجَعِ حُقّ الْوَرِكِ مِمّا يَخْرُجُ مِنْ الْفُضُولِ إذَا شُرِبَ أَوْ احْتُقِنَ بِهِ وَيَجْلُو مَا فِي الصّدْرِ وَالرّئَةِ مِنْ الْبَلْغَمِ اللّزِجِ .
وَإِنْ شُرِبَ مِنْهُ بَعْدَ سَحْقِهِ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ بِالْمَاءِ الْحَارّ أَسْهَلَ الطّبِيعَةَ وَحَلّلَ الرّيَاحَ وَنَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْقُولَنْجِ الْبَارِدِ السّبَبِ وَإِذَا سُحِقَ وَشُرِبَ نَفَعَ مِنْ الْبَرَصِ .(64/386)
وَإِنْ لُطّخَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَهَقِ الْأَبْيَضِ بِالْخَلّ نَفَعَ مِنْهُمَا وَيَنْفَعُ مِنْ الصّدَاعِ الْحَادِثِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْبَلْغَمِ وَإِنْ قُلِيَ وَشُرِبَ عَقَلَ الطّبْعَ لَا سِيّمَا إذَا لَمْ يُسْحَقْ لِتَحَلّلِ لُزُوجَتِهِ بِالْقَلْيِ وَإِذَا غُسِلَ بِمَائِهِ الرّأْسُ نَقّاهُ مِنْ الْأَوْسَاخِ وَالرّطُوبَاتِ اللّزِجَةِ .
قَالَ جالينوس : قُوّتُهُ مِثْلُ قُوّةِ بَزْرِ الْخَرْدَلِ وَلِذَلِكَ قَدْ يُسَخّنُ بِهِ أَوْجَاعُ الْوَرِكِ الْمَعْرُوفَةُ بِالنّسَا وَأَوْجَاعُ الرّأْسِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِلَلِ الّتِي تَحْتَاجُ إلَى التّسْخِينِ كَمَا يُسَخّنُ بَزْرُ الْخَرْدَلِ وَقَدْ يُخْلَطُ أَيْضًا فِي أَدْوِيَةٍ يُسْقَاهَا أَصْحَابُ الرّبْوِ مِنْ طَرِيقِ أَنّ الْأَمْرَ فِيهِ مَعْلُومٌ أَنّهُ يُقَطّعُ الْأَخْلَاطَ الْغَلِيظَةَ تَقْطِيعًا قَوِيّا كَمَا يَقْطَعُهَا بَزْرُ الْخَرْدَلِ لِأَنّهُ شَبِيهٌ بِهِ فِي كُلّ شَيْءٍ .
حُلْبَةٌ
يُذْكَرُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ عَاد سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِمَكّةَ فَقَالَ اُدْعُوا لَهُ طَبِيبًا فَدُعِيَ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ فَاِتّخِذُوا لَهُ فَرِيقَةً وَهِيَ الْحُلْبَةُ مَعَ تَمْرِ عَجْوَةٍ رَطْبٍ يُطْبَخَانِ فَيَحْسَاهُمَا فَفَعَلَ ذَلِكَ فَبَرِئَ <277>(64/387)
وَقُوّةُ الْحُلْبَةِ مِنْ الْحَرَارَةِ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ وَمِنْ الْيُبُوسَةِ فِي الْأُولَى وَإِذَا طُبِخَتْ بِالْمَاءِ لَيّنَتْ الْحَلْقَ وَالصّدْرَ وَالْبَطْنَ وَتُسَكّنُ السّعَالَ وَالْخُشُونَةَ وَالرّبْوَ وَعُسْرَ النّفَسِ وَتَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَهِيَ جَيّدَةٌ لِلرّيحِ وَالْبَلْغَمِ وَالْبَوَاسِيرِ مُحْدِرَةُ الْكَيْمُوسَاتِ الْمُرْتَبِكَةِ فِي الْأَمْعَاءِ وَتُحَلّلُ الْبَلْغَمَ اللّزِجَ مِنْ الصّدْرِ وَتَنْفَعُ مِنْ الدّبَيْلَاتِ وَأَمْرَاضِ الرّئَةِ وَتُسْتَعْمَلُ لِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ فِي الْأَحْشَاءِ مَعَ السّمْنِ وَالْفَانِيذِ .
وَإِذَا شُرِبَتْ مَعَ وَزْنِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فُوّةٍ أَدَرّتْ الْحَيْضَ وَإِذَا طُبِخَتْ وَغُسِلَ بِهَا الشّعْرُ جَعّدَتْهُ وَأَذْهَبَتْ الْحَزَازَ .
وَدَقِيقُهَا إذَا خُلِطَ بِالنّطْرُونِ وَالْخَلّ وَضُمّدَ بِهِ حَلّلَ وَرَمَ الطّحَالِ وَقَدْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَاءِ الّذِي طُبِخَتْ فِيهِ الْحُلْبَةُ فَتَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ وَجَعِ الرّحِمِ الْعَارِضِ مِنْ وَرَمٍ فِيهِ .
وَإِذَا ضُمّدَ بِهِ الْأَوْرَامُ الصّلْبَةُ الْقَلِيلَةُ الْحَرَارَةُ نَفَعَتْهَا وَحَلّلَتْهَا وَإِذَا شُرِبَ مَاؤُهَا نَفَعَ مِنْ الْمَغَصِ الْعَارِضِ مِنْ الرّيَاحِ وَأَزْلَقَ الْأَمْعَاءَ .
وَإِذَا أُكِلَتْ مَطْبُوخَةً بِالتّمْرِ أَوْ الْعَسَلِ أَوْ التّينِ عَلَى الرّيقِ حَلّلَتْ الْبَلْغَمَ اللّزِجَ الْعَارِضَ فِي الصّدْرِ وَالْمَعِدَةِ وَنَفَعَتْ مِنْ السّعَالِ الْمُتَطَاوِلِ مِنْهُ . <278> وَهِيَ نَافِعَةٌ مِنْ الْحَصْرِ مُطْلِقَةٌ لِلْبَطْنِ وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى الظّفْرِ الْمُتَشَنّجِ أَصْلَحَتْهُ وَدُهْنُهَا يَنْفَعُ إذَا خُلِطَ بِالشّمْعِ مِنْ الشّقَاقِ الْعَارِضِ مِنْ الْبَرْدِ وَمَنَافِعُهَا أَضْعَافُ مَا ذَكَرْنَا .(64/388)
وَيُذْكَرُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَشْفُوا بِالْحُلْبَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ لَوْ عَلِمَ النّاسُ مَنَافِعَهَا لَاشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا .
حَرْفُ الْخَاءِ
خُبْزٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفّؤُهَا الْجَبّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفُؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنّةِ
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ أَحَبّ الطّعَامِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الثّرِيدُ مِنْ الْخُبْزِ وَالثّرِيدُ مِنْ الْحَيْسِ
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدِدْتُ أَنّ عِنْدِي خُبْزَةً بَيْضَاءَ مِنْ بُرّةٍ سَمْرَاءَ مُلَبّقَةً بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ " فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَاِتّخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ فَقَالَ فِي أَيّ شَيْءٍ كَانَ هَذَا السّمْنُ ؟ فَقَالَ فِي عُكّةِ ضَبّ فَقَالَ ارْفَعْهُ . <279>
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَرْفَعُهُ أَكْرِمُوا الْخُبْزَ وَمِنْ كَرَامَتِهِ أَنْ لَا يَنْتَظِرَ بِهِ الْإِدَامُ وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ فَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ وَلَا رَفْعُ مَا قَبْلَهُ .
[ لَا يَصِحّ حَدِيثٌ فِي النّهْيِ عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ بِالسّكّينِ ](64/389)
وَأَمّا حَدِيثُ النّهْيِ عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ بِالسّكّينِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّمَا الْمَرْوِيّ النّهْيُ عَنْ قَطْعِ اللّحْمِ بِالسّكّينِ وَلَا يَصِحّ أَيْضًا .
قَالَ مُهَنّا : سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْطَعُوا اللّحْمَ بِالسّكّينِ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ فَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ خِلَافُ هَذَا وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ - يَعْنِي بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ - كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْتَزّ مِنْ لَحْمِ الشّاةِ وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنّهُ لَمّا أَضَافَهُ أَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ ثُمّ أَخَذَ الشّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزّ
فَصْلٌ [ أَنْوَاعُ الْخُبْزِ وَأَنْفَعُهَا ]
وَأَحْمَدُ أَنْوَاعِ الْخُبْزِ أَجْوَدُهَا اخْتِمَارًا وَعَجْنًا ثُمّ خُبْزُ التّنّورِ أَجْوَدُ أَصْنَافِهِ <280> وَبَعْدَهُ خُبْزُ الْفُرْنِ ثُمّ خُبْزُ الْمَلّةِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثّالِثَةِ وَأَجْوَدُهُ مَا اُتّخِذَ مِنْ الْحِنْطَةِ الْحَدِيثَةِ .
وَأَكْثَرُ أَنْوَاعِهِ تَغْذِيَةً خُبْزُ السّمِيذِ وَهُوَ أَبْطَؤُهَا هَضْمًا لِقِلّةِ نُخَالَتِهِ وَيَتْلُوهُ خُبْزُ الْحُوّارَى ثُمّ الْخُشْكَارِ .
[ أَفْضَلُ أَوْقَاتِ أَكْلِهِ بَعْدَ خَبْزِهِ ](64/390)
وَأَحْمَدُ أَوْقَاتِ أَكْلِهِ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الّذِي خُبِزَ فِيهِ وَاللّينُ مِنْهُ أَكْثَرُ تَلْيِينًا وَغِذَاءً وَتَرْطِيبًا وَأَسْرَعُ انْحِدَارًا وَالْيَابِسُ بِخِلَافِهِ . وَمِزَاجُ الْخُبْزِ مِنْ الْبُرّ حَارّ فِي وَسَطِ الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ وَقَرِيبٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الرّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَالْيُبْسُ يَغْلِبُ عَلَى مَا جَفّفَتْهُ النّارُ مِنْهُ وَالرّطُوبَةُ عَلَى ضِدّهِ .
[ خُبْزُ الْحِنْطَةِ ]
وَفِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ خَاصّيّةٌ وَهُوَ أَنّهُ يُسَمّنُ سَرِيعًا وَخُبْزُ الْقَطَائِفِ يُوَلّدُ خَلْطًا غَلِيظًا وَالْفَتِيتُ نُفّاخٌ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَالْمَعْمُولُ بِاللّبَنِ مُسَدّدٌ كَثِيرُ الْغِذَاءِ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ .
[ خُبْزُ الشّعِيرِ ]
وَخُبْزُ الشّعِيرِ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الْأَوْلَى وَهُوَ أَقَلّ غِذَاءً مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ .
خَلّ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْإِدَامَ فَقَالُوا : مَا عِنْدَنَا إلّا خَلّ فَدَعَا بِهِ وَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَقُولُ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلّ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلّ
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " عَنْ أُمّ سَعْدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلّ اللّهُمّ بَارِكْ فِي الْخَلّ فَإِنّهُ كَانَ إدَامَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَلَمْ يَفْتَقِرْ بَيْتٌ فِيهِ الْخَلّ(64/391)
الْخَلّ مُرَكّبٌ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ أَغْلَبُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ قَوِيّ التّجْفِيفِ يَمْنَعُ مِنْ انْصِبَابِ الْمَوَادّ وَيُلَطّفُ الطّبِيعَةَ وَخَلّ الْخَمْرِ يَنْفَعُ <281> الْمَعِدَةَ الْمُلْتَهِبَةَ وَيَقْمَعُ الصّفْرَاءَ وَيَدْفَعُ ضَرَرَ الْأَدْوِيَةِ الْقَتّالَةِ وَيُحَلّلُ اللّبَنَ وَالدّمَ إذَا جَمَدَا فِي الْجَوْفِ وَيَنْفَعُ الطّحَالَ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَعْقِلُ الْبَطْنَ وَيَقْطَعُ الْعَطَشَ وَيَمْنَعُ الْوَرَمَ حَيْثُ يُرِيدُ أَنْ يَحْدُثَ وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ وَيُضَادّ الْبَلْغَمَ وَيُلَطّفُ الْأَغْذِيَةَ الْغَلِيظَةَ وَيُرِقّ الدّمَ .
وَإِذَا شُرِبَ بِالْمِلْحِ نَفَعَ مِنْ أَكْلِ الْفِطْرِ الْقَتّالِ وَإِذَا اُحْتُسِيَ قَطَعَ الْعَلَقَ الْمُتَعَلّقَ بِأَصْلِ الْحَنَكِ وَإِذَا تُمُضْمِضَ بِهِ مُسَخّنًا نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ وَقَوّى اللّثَةَ .
وَهُوَ نَافِعٌ لِلدّاحِسِ إذَا طُلِيَ بِهِ وَالنّمْلَةِ وَالْأَوْرَامِ الْحَارّةِ وَحَرْقِ النّارِ وَهُوَ مُشَهّ لِلْأَكْلِ مُطَيّبٌ لِلْمَعِدَةِ صَالِحٌ لِلشّبَابِ وَفِي الصّيْفِ لِسُكّانِ الْبِلَادِ الْحَارّةِ .
خِلَالٌ
فِيهِ حَدِيثَانِ لَا يَثْبُتَانِ أَحَدُهُمَا : يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ يَرْفَعُهُ يَا حَبّذَا الْمُتَخَلّلُونَ مِنْ الطّعَامِ إنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدّ عَلَى الْمَلَكِ مِنْ بَقِيّةٍ تَبْقَى فِي الْفَمِ مِنْ الطّعَامِ وَفِيهِ وَاصِلُ بْنُ السّائِبِ قَالَ الْبُخَارِيّ وَالرّازِيّ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النّسَائِيّ وَالْأَزْدِيّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ .(64/392)
الثّانِي : يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سَأَلْت أَبِي عَنْ شَيْخٍ رَوَى عَنْهُ صَالِحٌ الْوُحَاظِيّ يُقَالُ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَنْصَارِيّ حَدّثَنَا عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُتَخَلّلَ بِاللّيطِ وَالْآسِ وَقَالَ إنّهُمَا يَسْقِيَانِ عُرُوقَ الْجُذَامِ فَقَالَ أَبِي : رَأَيْتُ مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ - وَكَانَ أَعْمَى - يَضَعُ الْحَدِيثَ وَيَكْذِبُ .
<282> وَبَعْدُ فَالْخِلَالُ نَافِعٌ لِلّثَةِ وَالْأَسْنَانِ حَافِظٌ لِصِحّتِهَا نَافِعٌ مِنْ تَغَيّرِ النّكْهَةِ وَأَجْوَدُهُ مَا اُتّخِذَ مِنْ عِيدَانِ الْأَخِلّةِ وَخَشَبِ الزّيْتُونِ وَالْخِلَافِ وَالتّخَلّلُ بِالْقَصَبِ وَالْآسِ وَالرّيْحَانِ والباذروج مُضِرّ .
حَرْفُ الدّالِ
دُهْنٌ
رَوَى التّرْمِذِيّ فِي كِتَابِ " الشّمَائِل ِ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُكْثِرُ دُهْنَ رَأْسِهِ وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ كَأَنّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيّاتٍ
الدّهْنُ يَسُدّ مَسَامّ الْبَدَنِ وَيَمْنَعُ مَا يَتَحَلّلُ مِنْهُ وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْحَارّ حَسّنَ الْبَدَنَ وَرَطّبَهُ وَإِنْ دُهِنَ بِهِ الشّعْرُ حَسّنَهُ وَطَوّلَهُ وَنَفَعَ مِنْ الْحَصْبَةِ وَدَفَعَ أَكْثَرَ الْآفَاتِ عَنْهُ
وَفِي التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا : كُلُوا الزّيْتَ وَادّهِنُوا بِهِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى .(64/393)
وَالدّهْنُ فِي الْبِلَادِ الْحَارّةِ كَالْحِجَازِ وَنَحْوِهِ مِنْ آكَدِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصّحّةِ وَإِصْلَاحِ الْبَدَنِ وَهُوَ كَالضّرُورِيّ لَهُمْ وَأَمّا الْبِلَادُ الْبَارِدَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُهَا وَالْإِلْحَاحُ بِهِ فِي الرّأْسِ فِيهِ خَطَرٌ بِالْبَصَرِ . <283> وَأَنْفَعُ الْأَدْهَانِ الْبَسِيطَةِ الزّيْتُ ثُمّ السّمْنُ ثُمّ الشّيْرَجُ .
[ مَنَافِعُ الْأَدْهَانِ الْمُرَكّبَةِ ]
وَأَمّا الْمُرَكّبَةُ فَمِنْهَا بَارِدٌ رَطْبٌ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ يَنْفَعُ مِنْ الصّدَاعِ الْحَارّ وَيُنَوّمُ أَصْحَابَ السّهَرِ وَيُرَطّبُ الدّمَاغَ وَيَنْفَعُ مِنْ الشّقَاقِ وَغَلَبَةِ الْيُبْسِ وَالْجَفَافِ وَيُطْلَى بِهِ الْجَرَبُ وَالْحِكّةُ الْيَابِسَةُ فَيَنْفَعُهَا وَيُسَهّلُ حَرَكَةَ الْمَفَاصِلِ وَيَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْحَارّةِ فِي زَمَنِ الصّيْفِ وَفِيهِ حَدِيثَانِ بَاطِلَانِ مَوْضُوعَانِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا فَضْلُ دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْهَانِ كَفَضْلِي عَلَى سَائِرِ النّاسِ .
وَالثّانِي : فَضْلُ دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْهَانِ كَفَضْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ .
وَمِنْهَا : حَارّ رَطْبٌ كَدَهْنِ الْبَانِ وَلَيْسَ دُهْنُ زَهْرِهِ بَلْ دُهْنٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ حَبّ أَبْيَضَ أَغْبَرَ نَحْوَ الْفُسْتُقِ كَثِيرَ الدّهْنِيّةِ وَالدّسَمِ يَنْفَعُ مِنْ صَلَابَةِ الْعَصَبِ وَيُلَيّنُهُ وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَرَشِ وَالنّمَشِ وَالْكَلَفِ وَالْبَهَقِ وَيُسَهّلُ بَلْغَمًا غَلِيظًا وَيُلِينُ الْأَوْتَارَ الْيَابِسَةَ وَيُسَخّنُ الْعَصَبَ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ بَاطِلٌ مُخْتَلَقٌ لَا أَصْلَ لَهُ ادّهِنُوا بِالْبَانِ فَإِنّهُ أَحْظَى لَكُمْ عِنْدَ نِسَائِكُمْ(64/394)
وَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنّهُ يَجْلُو الْأَسْنَانَ وَيُكْسِبُهَا بَهْجَةً وَيُنَقّيهَا مِنْ الصّدَأِ وَمَنْ مَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَأَطْرَافَهُ لَمْ يُصِبْهُ حَصًى وَلَا شِقَاقٌ وَإِذَا دَهَنَ بِهِ حِقْوَهُ وَمَذَاكِيرَهُ وَمَا وَالَاهَا نَفَعَ مِنْ بَرْدِ الْكُلْيَتَيْنِ وَتَقْطِيرِ الْبَوْلِ .
حَرْفُ الذّالِ
ذَرِيرَةٌ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ كُلّهُ بِيَدَيّ بِذَرِيرَةٍ فِي حِجّةِ الْوَدَاعِ لِحِلّهِ وَإِحْرَامِه ِ تَقَدّمَ الْكَلَامُ فِي <284> الذّرِيرَةِ وَمَنَافِعِهَا وَمَاهِيّتِهَا فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهِ .
ذُبَابٌ
تَقَدّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتّفَقِ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِغَمْسِ الذّبَابِ فِي الطّعَامِ إذَا سَقَطَ فِيهِ لِأَجْلِ الشّفَاءِ الّذِي فِي جَنَاحِهِ وَهُوَ كَالتّرْيَاقِ لِلسّمّ الّذِي فِي الْجَنَاحِ الْآخَرِ وَذَكَرْنَا مَنَافِعَ الذّبَابِ هُنَاكَ .
ذَهَبٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ " أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَخّصَ لِعَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ لَمّا قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلّابِ وَاِتّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَتّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ . وَلَيْسَ لِعَرْفَجَةَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ .
الذّهَبُ زِينَةُ الدّنْيَا وَطِلّسْمُ الْوُجُودِ وَمُفْرِحُ النّفُوسِ وَمُقَوّي الظّهُورِ وَسِرّ اللّهِ فِي أَرْضِهِ وَمِزَاجُهُ فِي سَائِرِ الْكَيْفِيّاتِ وَفِيهِ حَرَارَةٌ لَطِيفَةٌ تَدْخُلُ فِي سَائِرِ الْمَعْجُونَاتِ اللّطِيفَةِ وَالْمُفْرِحَاتِ وَهُوَ أَعْدَلُ الْمَعَادِنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَشْرَفُهَا .(64/395)
[ خَوَاصّ الذهب ]
وَمِنْ خَوَاصّهِ أَنّهُ إذَا دُفِنَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَضُرّهُ التّرَابُ وَلَمْ يُنْقِصْهُ شَيْئًا وَبُرَادَتُهُ إذَا خُلِطَتْ بِالْأَدْوِيَةِ نَفَعَتْ مِنْ ضَعْفِ الْقَلْبِ وَالرّجَفَانِ الْعَارِضِ مِنْ السّوْدَاءِ وَيَنْفَعُ مِنْ حَدِيثِ النّفْسِ وَالْحُزْنِ وَالْغَمّ وَالْفَزَعِ وَالْعِشْقِ وَيُسَمّنُ الْبَدَنَ وَيُقَوّيهِ وَيُذْهِبُ الصّفَارَ وَيُحَسّنُ اللّوْنَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْجُذَامِ وَجَمِيعِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَمْرَاضِ السّوْدَاوِيّةِ وَيَدْخُلُ بِخَاصّيّةٍ فِي أَدْوِيَةِ دَاءِ الثّعْلَبِ وَدَاءِ الْحَيّةِ شُرْبًا وَطِلَاءً وَيَجْلُو الْعَيْنَ وَيُقَوّيهَا وَيَنْفَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهَا وَيُقَوّي جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ . <285>
وَإِمْسَاكُهُ فِي الْفَمِ يُزِيلُ الْبَخَرَ وَمَنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَحْتَاجُ إلَى الْكَيّ وَكُوِيَ بِهِ لَمْ يَتَنَفّطْ مَوْضِعُهُ وَيَبْرَأُ سَرِيعًا وَإِنْ اتّخَذَ مِنْهُ مَيْلًا وَاكْتَحَلَ بِهِ قَوّى الْعَيْنَ وَجَلَاهَا وَإِذَا اُتّخِذَ مِنْهُ خَاتَمٌ فَصّهُ مِنْهُ وَأُحْمِيَ وَكُوِيَ بِهِ قَوَادِمُ أَجْنِحَةِ الْحَمَامِ أَلِفَتْ أَبْرَاجَهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهَا .
وَلَهُ خَاصّيّةٌ عَجِيبَةٌ فِي تَقْوِيَةِ النّفُوسِ لِأَجْلِهَا أُبِيحَ فِي الْحَرْبِ وَالسّلَاحُ مِنْهُ مَا أُبِيحَ وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ مُزَيْدَةَ الْعَصَرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضّةٌ(64/396)
وَهُوَ مَعْشُوقُ النّفُوسِ الّتِي مَتَى ظَفِرَتْ بِهِ سَلّاهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مَحْبُوبَاتِ الدّنْيَا قَالَ تَعَالَى : زُيّنَ لِلنّاسِ حُبّ الشّهَوَاتِ مِنَ النّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [ آلِ عِمْرَانَ 14 ] .
وَفِي " الصّحِيحَيْن ِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى إلَيْهِ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَانٍ لَابْتَغَى إلَيْهِ ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلّا التّرَابُ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ تَابَ
هَذَا وَإِنّهُ أَعْظَمُ حَائِلٍ بَيْنَ الْخَلِيقَةِ وَبَيْنَ فَوْزِهَا الْأَكْبَرِ يَوْمَ مُعَادِهَا وَأَعْظَمُ شَيْءٍ عُصِيَ اللّهُ بِهِ وَبِهِ قُطِعَتْ الْأَرْحَامُ وَأُرِيقَتْ الدّمَاءُ وَاسْتُحِلّتْ الْمَحَارِمُ وَمُنِعَتْ الْحُقُوقُ وَتَظَالَمَ الْعِبَادُ وَهُوَ الْمُرَغّبُ فِي الدّنْيَا وَعَاجِلِهَا وَالْمُزَهّدُ فِي <286> الْآخِرَةِ وَمَا أَعَدّهُ اللّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِيهَا فَكَمْ أُمِيتَ بِهِ مِنْ حَقّ وَأُحْيِيَ بِهِ مِنْ بَاطِلٍ وَنُصِرَ بِهِ ظَالِمٌ وَقُهِرَ بِهِ مَظْلُومٌ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ فِيهِ الْحَرِيرِيّ :
تَبّا لَهُ مِنْ خَادِعٍ مُمَاذِقِ
أَصْفَرَ ذِي وَجْهَيْنِ كَالْمُنَافِقِ
يَبْدُو بِوَصْفَيْنِ لِعَيْنِ الرّامِقِ
زِينَةَ مَعْشُوقٍ وَلَوْنٍ عَاشِقِ
وَحُبّهُ عِنْدَ ذَوِي الْحَقَائِقِ
يَدْعُو إلَى ارْتِكَابِ سُخْطِ الْخَالِقِ
لَوْلَاهُ لَمْ تُقْطَعْ يَمِينُ السّارِقِ
وَلَا بَدَتْ مَظْلِمَةٌ مِنْ فَاسِقِ
وَلَا اشْمَأَزّ بَاخِلٌ مِنْ طَارِقِ
وَلَا اشْتَكَى الْمَمْطُولُ مَطْلَ الْعَائِقِ
وَلَا اُسْتُعِيذَ مِنْ حَسُودٍ رَاشِقِ
وَشَرّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَائِقِ(64/397)
أَنْ لَيْسَ يُغْنِي عَنْكَ فِي الْمَضَايِقِ
إلّا إذَا فَرّ فِرَارَ الْآبِقِ
حَرْفُ الرّاءِ
رُطَبٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى لِمَرْيَمَ وَهُزّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْنًا [ مَرْيَمَ : 25 ] .
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ الْقِثّاءَ بِالرّطَبِ
وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٍ حَسَا حُسُوَاتٍ مِنْ مَاءٍ <287>
طَبْعُ الرّطَبِ طَبْعُ الْمِيَاهِ حَارّ رَطْبٌ يُقَوّي الْمَعِدَةَ الْبَارِدَةَ وَيُوَافِقُهَا وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُخْصِبُ الْبَدَنَ وَيُوَافِقُ أَصْحَابَ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَيَغْذُو غِذَاءً كَثِيرًا .
وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَاكِهَةِ مُوَافَقَةً لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الّتِي هُوَ فَاكِهَتُهُمْ فِيهَا وَأَنْفَعُهَا لِلْبَدَنِ وَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ يُسْرِعُ التّعَفّنَ فِي جَسَدِهِ وَيَتَوَلّدُ عَنْهُ دَمٌ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ وَيُحْدِثُ فِي إكْثَارِهِ مِنْهُ صُدَاعٌ وَسَوْدَاءُ وَيُؤْذِي أَسْنَانَهُ وَإِصْلَاحُهُ بِالسّكَنْجَبِينِ وَنَحْوِهِ .
[ فَوَائِدُ فِطْرِ الصّائِمِ عَلَيْهِ ](64/398)
وَفِي فِطْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّوْمِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى التّمْرِ أَوْ الْمَاءِ تَدْبِيرٌ لَطِيفٌ جِدّا فَإِنّ الصّوْمَ يُخَلّي الْمَعِدَةَ مِنْ الْغِذَاءِ فَلَا تَجِدُ الْكَبِدُ فِيهَا مَا تَجْذِبُهُ وَتُرْسِلُهُ إلَى الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ وَالْحُلْوُ أَسْرَعُ شَيْءٍ وُصُولًا إلَى الْكَبِدِ وَأَحَبّهُ إلَيْهَا وَلَا سِيّمَا إنْ كَانَ رُطَبًا فَيَشْتَدّ قَبُولُهَا لَهُ فَتَنْتَفِعُ بِهِ هِيَ وَالْقُوَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالتّمْرُ لِحَلَاوَتِهِ وَتَغْذِيَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَحُسُوَاتُ الْمَاءِ تُطْفِئُ لَهِيبَ الْمَعِدَةِ وَحَرَارَةَ الصّوْمِ فَتَتَنَبّهُ بَعْدَهُ لِلطّعَامِ وَتَأْخُذُهُ بِشَهْوَةٍ .
رَيْحَانٌ
قَالَ تَعَالَى : فَأَمّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنّةُ نَعِيمٍ [ الْوَاقِعَةِ 88 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَالْحَبّ ذُو الْعَصْفِ وَالرّيْحَانُ [ الرّحْمَنِ 12 ] .
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدّهُ فَإِنّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيّبُ الرّائِحَةِ(64/399)
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " : مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أَلَا مُشَمّرٌ لِلْجَنّةِ فَإِنّ الْجَنّةَ لَا خَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهْرٌ مُطّرِدٌ وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حِبَرَةٍ وَنَضِرَةٍ فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيّةٍ قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ الْمُشَمّرُونَ لَهَا قَالَ " قُولُوا : إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى " فَقَالَ الْقَوْمُ " إنْ شَاءَ اللّهُ <288>
[ أَنْوَاعُ الرّيْحَانِ ]
الرّيْحَانُ كُلّ نَبْتٍ طَيّبِ الرّيحِ فَكُلّ أَهْلِ بَلَدٍ يَخُصّونَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَهْلُ الْغَرْبِ يَخُصّونَهُ بِالْآسِ وَهُوَ الّذِي يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ الرّيْحَانِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَالشّامِ يَخُصّونَهُ بِالْحَبَقِ .
[ مَنَافِعُ الْآسِ وَهُوَ الرّيْحَانُ ]
فَأَمّا الْآسُ فَمِزَاجُهُ بَارِدٌ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُرَكّبٌ مِنْ قُوًى مُتَضَادّةٍ وَالْأَكْثَرُ فِيهِ الْجَوْهَرُ الْأَرْضِيّ الْبَارِدُ وَفِيهِ شَيْءٌ حَارّ لَطِيفٌ وَهُوَ يُجَفّفُ تَجْفِيفًا قَوِيّا وَأَجْزَاؤُهُ مُتَقَارِبَةُ الْقُوّةِ وَهِيَ قُوّةٌ قَابِضَةٌ حَابِسَةٌ مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ مَعًا .
وَهُوَ قَاطِعٌ لِلْإِسْهَالِ الصّفْرَاوِيّ دَافِعٌ لِلْبُخَارِ الْحَارّ الرّطْبِ إذَا شُمّ مُفْرِحٌ لِلْقَلْبِ تَفْرِيحًا شَدِيدًا وَشَمّهُ مَانِعٌ لِلْوَبَاءِ وَكَذَلِكَ افْتِرَاشُهُ فِي الْبَيْتِ .(64/400)
وَيُبْرِئُ الْأَوْرَامَ الْحَادِثَةَ فِي الْحَالِبَيْنِ إذَا وُضِعَ عَلَيْهَا وَإِذَا دُقّ وَرَقُهُ وَهُوَ غَضّ وَضُرِبَ بِالْخَلّ وَوُضِعَ عَلَى الرّأْسِ قَطَعَ الرّعَافَ وَإِذَا سُحِقَ وَرَقُهُ الْيَابِسُ وَذُرّ عَلَى الْقُرُوحِ ذَوَاتِ الرّطُوبَةِ نَفَعَهَا وَيُقَوّي الْأَعْضَاءَ الْوَاهِيَةَ إذَا ضُمّدَ بِهِ وَيَنْفَعُ دَاءَ الدّاحِسِ وَإِذَا ذُرّ عَلَى الْبُثُورِ وَالْقُرُوحِ الّتِي فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجْلَيْنِ نَفَعَهَا .
وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْبَدَنُ قَطَعَ الْعَرَقَ وَنَشّفَ الرّطُوبَاتِ الْفَضْلِيّةَ وَأَذْهَبَ نَتْنَ الْإِبِطِ وَإِذَا جُلِسَ فِي طَبِيخِهِ نَفَعَ مِنْ خَرَارِيجِ الْمَقْعَدَةِ وَالرّحِمِ وَمِنْ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَإِذَا صُبّ عَلَى كُسُورِ الْعِظَامِ الّتِي لَمْ تَلْتَحِمْ نَفَعَهَا . <289>
وَيَجْلُو قُشُورَ الرّأْسِ وَقُرُوحَهُ الرّطْبَةَ وَبُثُورَهُ وَيُمْسِكُ الشّعْرَ الْمُتَسَاقِطَ وَيُسَوّدُهُ وَإِذَا دُقّ وَرَقُهُ وَصُبّ عَلَيْهِ مَاءٌ يَسِيرٌ وَخُلِطَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ زَيْتٍ أَوْ دُهْنِ الْوَرْدِ وَضُمّدَ بِهِ وَافَقَ الْقُرُوحَ الرّطْبَةَ وَالنّمِلَةَ وَالْحُمْرَةَ وَالْأَوْرَامَ الْحَادّةَ وَالشّرَى وَالْبَوَاسِيرَ .
[ مَنَافِعُ حَبّهِ ]
وَحَبّهُ نَافِعٌ مَنْ نَفْثِ الدّمِ الْعَارِضِ فِي الصّدْرِ وَالرّئَةِ دَابِغٌ لِلْمَعِدَةِ وَلَيْسَ بِضَارّ لِلصّدْرِ وَلَا الرّئَةِ لِجَلَاوَتِهِ وَخَاصّيّتُهُ النّفْعُ مِنْ اسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ مَعَ السّعَالِ وَذَلِكَ نَادِرٌ فِي الْأَدْوِيَةِ وَهُوَ مُدِرّ لِلْبَوْلِ نَافِعٌ مَنْ لَذْعِ الْمَثَانَةِ وَعَضّ الرّتَيْلَاءِ وَلَسْعِ الْعَقَارِبِ وَالتّخَلّلُ بِعَرَقِهِ مُضِرّ فَلْيُحْذَرْ .
[ مَنَافِعُ الرّيْحَانِ الْفَارِسِيّ الْمُسَمّى الْحَبَقَ ](64/401)
وَأَمّا الرّيْحَانُ الْفَارِسِيّ الّذِي يُسَمّى الْحَبَقُ فَحَارّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَنْفَعُ شَمّهُ مِنْ الصّدَاعِ الْحَارّ إذَا رُشّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُبَرّدُ وَيُرَطّبُ بِالْعَرْضِ وَبَارِدٌ فِي الْآخَرِ وَهَلْ هُوَ رَطْبٌ أَوْ يَابِسٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالصّحِيحُ أَنّ فِيهِ مِنْ الطّبَائِعِ الْأَرْبَعِ وَيَجْلِبُ النّوْمَ وَبَزْرُهُ حَابِسٌ لِلْإِسْهَالِ الصّفْرَاوِيّ وَمُسَكّنٌ لِلْمَغَصِ مُقَوّ لِلْقَلْبِ نَافِعٌ لِلْأَمْرَاضِ السّوْدَاوِيّةِ .
رُمّانٌ
قَالَ تَعَالَى : فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ [ الرّحْمَنِ 68 ] . وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : مَا مِنْ رُمّانٍ مِنْ رُمّانِكُمْ هَذَا إلّا وَهُوَ مُلَقّحٌ بِحَبّةٍ مِنْ رُمّانِ الْجَنّةِ وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ . وَذَكَرَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ كُلُوا الرّمّانَ بِشَحْمِهِ فَإِنّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَةِ .
حُلْوُ الرّمّانِ حَارّ رَطْبٌ جَيّدٌ لِلْمَعِدَةِ مُقَوّ لَهَا بِمَا فِيهِ مِنْ قَبْضٍ لَطِيفٍ نَافِعٌ لِلْحَلْقِ وَالصّدْرِ وَالرّئَةِ جَيّدٌ لِلسّعَالِ مَاؤُهُ مُلَيّنٌ لِلْبَطْنِ يَغْذُو الْبَدَنَ غِذَاءً فَاضِلًا يَسِيرًا سَرِيعُ التّحَلّلِ لِرِقّتِهِ وَلَطَافَتِهِ وَيُوَلّدُ حَرَارَةً يَسِيرَةً فِي الْمَعِدَةِ وَرِيحًا وَلِذَلِكَ يُعِينُ عَلَى الْبَاهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْمَحْمُومِينَ وَلَهُ خَاصّيّةٌ <290> عَجِيبَةٌ إذَا أُكِلَ بِالْخُبْزِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْمَعِدَةِ .
وَحَامِضُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ قَابِضٌ لَطِيفٌ يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ الْمُلْتَهِبَةَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الرّمّانِ وَيُسَكّنُ الصّفْرَاءَ وَيَقْطَعُ الْإِسْهَالَ وَيَمْنَعُ الْقَيْءَ وَيُلَطّفُ الْفُضُولَ .(64/402)
وَيُطْفِئُ حَرَارَةَ الْكَبِدِ وَيُقَوّي الْأَعْضَاءَ نَافِعٌ مِنْ الْخَفَقَانِ الصّفْرَاوِيّ وَالْآلَامِ الْعَارِضَةِ لِلْقَلْبِ وَفَمِ الْمَعِدَةِ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيَدْفَعُ الْفُضُولَ عَنْهَا وَيُطْفِئُ الْمِرّةَ الصّفْرَاءَ وَالدّمَ .
وَإِذَا اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ بِشَحْمِهِ وَطُبِخَ بِيَسِيرٍ مِنْ الْعَسَلِ حَتّى يَصِيرَ كَالْمَرْهَمِ وَاكْتُحِلَ بِهِ قَطَعَ الصّفْرَةَ مِنْ الْعَيْنِ وَنَقّاهَا مِنْ الرّطُوبَاتِ الْغَلِيظَةِ وَإِذَا لُطّخَ عَلَى اللّثَةِ نَفَعَ مِنْ الْأَكَلَةِ الْعَارِضَةِ لَهَا وَإِنْ اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُمَا بِشَحْمِهِمَا أَطْلَقَ الْبَطْنَ وَأَحْدَرَ الرّطُوبَاتِ الْعَفِنَةَ الْمَرِيّةَ وَنَفَعَ مِنْ حُمّيَاتِ الْغَبّ الْمُتَطَاوِلَةِ .
وَأَمّا الرّمّانُ الْمِزّ فَمُتَوَسّطٌ طَبْعًا وَفِعْلًا بَيْنَ النّوْعَيْنِ وَهَذَا أَمْيَلُ إلَى لَطَافَةِ الْحَامِضِ قَلِيلًا وَحَبّ الرّمّانِ مَعَ الْعَسَلِ طِلَاءٌ لِلدّاحِسِ وَالْقُرُوحِ الْخَبِيثَةِ وَأَقْمَاعُهُ لِلْجِرَاحَاتِ قَالُوا : وَمَنْ ابْتَلَعَ ثَلَاثَةً مِنْ جُنْبُذِ الرّمّانِ فِي كُلّ سَنَةٍ أَمِنَ مِنْ الرّمَدِ سَنَتَهُ كُلّهَا .
حَرْفُ الزّايِ
زَيْتٌ
قَالَ تَعَالَى : يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيّةٍ وَلَا غَرْبِيّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ [ النّورِ 35 ] .
وَفِي التّرْمِذِيّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ <291> أَنّهُ قَالَ كُلُوا الزّيْتَ وَادّهِنُوا بِهِ فَإِنّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ .(64/403)
وَلِلْبَيْهَقِيّ وَابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتَدِمُوا بِالزّيْتِ وَادّهِنُوا بِهِ فَإِنّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ .
الزّيْتُ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى وَغَلِطَ مَنْ قَالَ يَابِسٌ وَالزّيْتُ بِحَسَبِ زَيْتُونِهِ فَالْمُعْتَصَرُ مِنْ النّضِيجِ أَعْدَلُهُ وَأَجْوَدُهُ وَمِنْ الْفَجّ فِيهِ بُرُودَةٌ وَيُبُوسَةٌ وَمِنْ الزّيْتُونِ الْأَحْمَرِ مُتَوَسّطٌ بَيْنَ الزّيْتَيْنِ وَمِنْ الْأَسْوَدِ يُسَخّنُ وَيُرَطّبُ بِاعْتِدَالٍ وَيَنْفَعُ مِنْ السّمُومِ وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُخْرِجُ الدّودَ وَالْعَتِيقُ مِنْهُ أَشَدّ تَسْخِينًا وَتَحْلِيلًا وَمَا اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ بِالْمَاءِ فَهُوَ أَقَلّ حَرَارَةً وَأَلْطَفُ وَأَبْلَغُ فِي النّفْعِ وَجَمِيعُ أَصْنَافِهِ مُلَيّنَةٌ لِلْبَشَرَةِ وَتُبْطِئُ الشّيْبَ .
[ مَنَافِعُ مَاءِ الزّيْتُونِ الْمَالِحِ ]
وَمَاءُ الزّيْتُونِ الْمَالِحِ يَمْنَعُ مِنْ تَنَفّطِ حَرْقِ النّارِ وَيَشُدّ اللّثَةَ وَوَرَقُهُ يَنْفَعُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالنّمْلَةِ وَالْقُرُوحِ الْوَسِخَةِ وَالشّرَى وَيَمْنَعُ الْعَرَقَ وَمَنَافِعُهُ أَضْعَافُ مَا ذَكَرْنَا .
زُبْدٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ ابْنَيْ بُسْرٍ السّلَمِيّيْنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَا : دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدّمْنَا لَهُ زُبْدًا وَتَمْرًا وَكَانَ يُحِبّ الزّبْدَ وَالتّمْرَ .(64/404)
الزّبْدُ حَارّ رَطْبٌ فِيهِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْإِنْضَاجُ وَالتّحْلِيلُ وَيُبْرِئُ الْأَوْرَامَ الّتِي تَكُونُ إلَى جَانِبِ الْأُذُنَيْنِ وَالْحَالِبَيْنِ وَأَوْرَامَ الْفَمِ وَسَائِرَ الْأَوْرَامِ الّتِي تَعْرِضُ فِي أَبْدَانِ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ إذَا اُسْتُعْمِلَ وَحْدَهُ وَإِذَا لُعِقَ مِنْهُ نَفَعَ فِي نَفْثِ <292> الدّمِ الّذِي يَكُونُ مِنْ الرّئَةِ وَأَنْضَجَ الْأَوْرَامَ الْعَارِضَةَ فِيهَا .
وَهُوَ مُلَيّنٌ لِلطّبِيعَةِ وَالْعَصَبِ وَالْأَوْرَامِ الصّلْبَةِ الْعَارِضَةِ مِنْ الْمِرّةِ السّوْدَاءِ وَالْبَلْغَمِ نَافِعٌ مِنْ الْيُبْسِ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ وَإِذَا طُلِيَ بِهِ عَلَى مَنَابِتِ أَسْنَانِ الطّفْلِ كَانَ مُعِينًا عَلَى نَبَاتِهَا وَطُلُوعِهَا وَهُوَ نَافِعٌ مِنْ السّعَالِ الْعَارِضِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْيُبْسِ وَيُذْهِبُ الْقُوَبَاءَ وَالْخُشُونَةَ الّتِي فِي الْبَدَنِ وَيُلَيّنُ الطّبِيعَةَ وَلَكِنّهُ يُضْعِفُ شَهْوَةَ الطّعَامِ وَيُذْهِبُ بِوَخَامَتِهِ الْحُلْوُ كَالْعَسَلِ وَالتّمْرِ وَفِي جَمْعِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ التّمْرِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْحِكْمَةِ إصْلَاحُ كُلّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ .
زَبِيبٌ
رُوِيَ فِيهِ حَدِيثَانِ لَا يَصِحّانِ . أَحَدُهُمَا : نِعْمَ الطّعَامُ الزّبِيبُ يُطَيّبُ النّكْهَةَ وَيُذِيبُ الْبَلْغَمَ . وَالثّانِي : نِعْمَ الطّعَامُ الزّبِيبُ يُذْهِبُ النّصَبَ وَيَشُدّ الْعَصَبَ وَيُطْفِئُ الْغَضَبَ وَيُصَفّي اللّوْنَ وَيُطَيّبُ النّكْهَةَ وَهَذَا أَيْضًا لَا يَصِحّ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ .
[ أَجْوَدُ أَنْوَاعِهِ ]
وَبَعْدُ فَأَجْوَدُ الزّبِيبِ مَا كَبُرَ جِسْمُهُ وَسَمِنَ شَحْمُهُ وَلَحْمُهُ وَرَقّ قِشْرُهُ وَنُزِعَ عَجَمُهُ وَصَغُرَ حَبّهُ .(64/405)
وَجُرْمُ الزّبِيبِ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى وَحَبّهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَهُوَ كَالْعِنَبِ الْمُتّخَذِ مِنْهُ الْحُلْوُ مِنْهُ حَارّ وَالْحَامِضُ قَابِضٌ بَارِدٌ وَالْأَبْيَضُ أَشَدّ قَبْضًا مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَافَقَ قَصَبَةَ الرّئَةِ وَنَفَعَ مِنْ السّعَالِ وَوَجَعِ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُلَيّنُ الْبَطْنَ .
وَالْحُلْوُ اللّحْمُ أَكْثَرُ غِذَاءً مِنْ الْعِنَبِ وَأَقَلّ غِذَاءً مِنْ التّينِ الْيَابِسِ وَلَهُ قُوّةٌ مُنْضِجَةٌ هَاضِمَةٌ قَابِضَةٌ مُحَلّلَةٌ بِاعْتِدَالٍ وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَالطّحَالَ نَافِعٌ مِنْ وَجَعِ الْحَلْقِ وَالصّدْرِ وَالرّئَةِ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَأَعْدَلُهُ أَنْ يُؤْكَلَ بِغَيْرِ عَجَمِهِ .
وَهُوَ يُغَذّي غِذَاءً صَالِحًا وَلَا يُسَدّدُ كَمَا يَفْعَلُ التّمْرُ وَإِذَا أُكِلَ مِنْهُ بِعَجَمِهِ كَانَ أَكْثَرَ نَفْعًا لِلْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَإِذَا لُصِقَ لَحْمُهُ عَلَى الْأَظَافِيرِ الْمُتَحَرّكَةِ <293> أَسْرَعَ قَلْعَهَا وَالْحُلْوُ مِنْهُ وَمَا لَا عَجَمَ لَهُ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الرّطُوبَاتِ وَالْبَلْغَمِ وَهُوَ يُخَصّبُ الْكَبِدَ وَيَنْفَعُهَا بِخَاصّيّتِهِ .
[ نَفْعُهُ لِلْحِفْظِ ]
وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْحِفْظِ قَالَ الزّهْرِيّ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَحْفَظَ الْحَدِيثَ فَلْيَأْكُلْ الزّبِيبَ وَكَانَ الْمَنْصُورُ يَذْكُرُ عَنْ جَدّهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ عَجَمُهُ دَاءٌ وَلَحْمُهُ دَوَاءٌ .
زَنْجَبِيلٌ(64/406)
قَالَ تَعَالَى : وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا [ الْإِنْسَانِ 17 ] . وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ " الطّبّ النّبَوِيّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْدَى مَلِكُ الرّومِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَرّةَ زَنْجَبِيلٍ فَأَطْعَمَ كُلّ إنْسَانٍ قِطْعَةً وَأَطْعَمَنِي قِطْعَةً .
الزّنْجَبِيلُ حَارّ فِي الثّانِيَةِ رَطْبٌ فِي الْأُولَى مُسْخِنٌ مُعِينٌ عَلَى هَضْمِ الطّعَامِ مُلَيّنٌ لِلْبَطْنِ تَلْيِينًا مُعْتَدِلًا نَافِعٌ مِنْ سُدَدِ الْكَبِدِ الْعَارِضَةِ عَنْ الْبَرْدِ وَالرّطُوبَةِ وَمِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ الْحَادِثَةِ عَنْ الرّطُوبَةِ أَكْلًا وَاكْتِحَالًا مُعِينٌ عَلَى الْجِمَاعِ وَهُوَ مُحَلّلٌ لِلرّيَاحِ الْغَلِيظَةِ الْحَادِثَةِ فِي الْأَمْعَاءِ وَالْمَعِدَةِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ صَالِحٌ لِلْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ الْبَارِدَتَيْ الْمِزَاجِ وَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ مَعَ السّكّرِ وَزْنُ دِرْهَمَيْنِ بِالْمَاءِ الْحَارّ أَسْهَلَ فُضُولًا لَزِجَةً لُعَابِيّةً وَيَقَعُ فِي الْمَعْجُونَاتِ الّتِي تُحَلّلُ الْبَلْغَمَ وَتُذِيبُهُ . وَالْمِزّيّ مِنْهُ حَارّ يَابِسٌ يُهَيّجُ الْجِمَاعَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُسَخّنُ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَيُعِينُ عَلَى الِاسْتِمْرَاءِ وَيُنَشّفُ الْبَلْغَمَ الْغَالِبَ عَلَى الْبَدَنِ وَيَزِيدُ فِي الْحِفْظِ وَيُوَافِقُ بَرْدَ الْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ وَيُزِيلُ بِلّتَهَا الْحَادِثَةَ عَنْ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ وَيُطَيّبُ النّكْهَةَ وَيُدْفَعُ بِهِ ضَرَرُ الْأَطْعِمَةِ الْغَلِيظَةِ الْبَارِدَةِ .
حَرْفُ السّينِ
سنا
قَدْ تَقَدّمَ وَتَقَدّمَ سَنّوت أَيْضًا وَفِيهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا : أَنّهُ الْعَسَلُ . <294>(64/407)
الثّانِي : أَنّهُ رُبّ عُكّةِ السّمْنِ يُخْرِجُ خُطَطًا سَوْدَاءَ عَلَى السّمْنِ .
الثّالِثُ أَنّهُ حَبّ يُشْبِهُ الْكَمّونَ وَلَيْسَ بِكَمّونٍ .
الرّابِعُ الْكَمّونُ الْكَرْمَانِيّ .
الْخَامِسُ أَنّهُ الشّبَتُ .
السّادِسُ أَنّهُ التّمْرُ .
السّابِعُ أَنّهُ الرازيانج .
سفرجل
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ الطّلْحِيّ عَنْ نَقِيبِ بْنِ حَاجِبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الزّبَيْرِيّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِيَدِهِ سَفَرْجَلَةٌ فَقَالَ دُونَكَهَا يَا طَلْحَةُ فَإِنّهَا تُجِمّ الْفُؤَادَ .
وَرَوَاهُ النّسَائِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَ " أَتَيْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَبِيَدِهِ سَفَرْجَلَةٌ يُقَلّبُهَا فَلَمّا جَلَسْتُ إلَيْهِ دَحَا بِهَا إلَيّ ثُمّ قَالَ دُونَكَهَا أَبَا ذَرّ فَإِنّهَا تَشُدّ الْقَلْبَ وَتُطَيّبُ النّفْسَ وَتُذْهِبُ بِطَخَاءِ الصّدْرِ .
وَقَدْ رُوِيَ فِي السّفَرْجَلِ أَحَادِيثُ أُخَرُ هَذَا أَمْثَلُهَا وَلَا تَصِحّ .(64/408)
وَالسّفَرْجَلُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَيَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ طَعْمِهِ وَكُلّهُ بَارِدٌ قَابِضٌ جَيّدٌ لِلْمَعِدَةِ وَالْحُلْوُ مِنْهُ أَقَلّ بُرُودَةً وَيُبْسًا وَأَمْيَلُ إلَى الِاعْتِدَالِ وَالْحَامِضُ أَشَدّ قَبْضًا وَيُبْسًا وَبُرُودَةً وَكُلّهُ يُسَكّنُ الْعَطَشَ وَالْقَيْءَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَعْقِلُ الطّبْعَ وَيَنْفَعُ مِنْ قُرْحَةِ الْأَمْعَاءِ وَنَفْثِ الدّمِ وَالْهَيْضَةِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْغَثَيَانِ وَيَمْنَعُ مِنْ تَصَاعُدِ الْأَبْخِرَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَ بَعْدَ الطّعَامِ وَحُرَاقَةُ أَغْصَانِهِ وَوَرَقِهِ الْمَغْسُولَةِ كَالتّوتِيَاءِ فِي فِعْلِهَا .
<295> وَهُوَ قَبْلَ الطّعَامِ يَقْبِضُ وَبَعْدَهُ يُلَيّنُ الطّبْعَ وَيُسْرِعُ بِانْحِدَارِ الثّفْلِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ مُضِرّ بِالْعَصَبِ مُوَلّدٌ لِلْقُولَنْجِ وَيُطْفِئُ الْمُرّةَ الصّفْرَاءَ الْمُتَوَلّدَةَ فِي الْمَعِدَةِ .
وَإِنْ شُوِيَ كَانَ أَقَلّ لِخُشُونَتِهِ وَأَخَفّ وَإِذَا قُوّرَ وَسَطُهُ وَنُزِعَ حَبّهُ وَجُعِلَ فِيهِ الْعَسَلُ وَطُيّنَ جُرْمُهُ بِالْعَجِينِ وَأُودِعَ الرّمَادَ الْحَارّ نَفَعَ نَفْعًا حَسَنًا .
وَأَجْوَدُ مَا أُكِلَ مُشْوِيًا أَوْ مَطْبُوخًا بِالْعَسَلِ وَحَبّهُ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ وَقَصَبَةِ الرّئَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَدُهْنُهُ يَمْنَعُ الْعَرَقَ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ وَالْمُرَبّى مِنْهُ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَيَشُدّ الْقَلْبَ وَيُطَيّبُ النّفَسَ .
وَمَعْنَى تُجِمّ الْفُؤَادَ تُرِيحُهُ . وَقِيلَ تُفَتّحُهُ وَتُوَسّعُهُ مِنْ جُمَامِ الْمَاءِ وَهُوَ اتّسَاعُهُ وَكَثْرَتُهُ وَالطّخَاءُ لَلْقَلْبِ مِثْلُ الْغَيْمِ عَلَى السّمَاءِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الطّخَاءُ ثِقَلٌ وَغَشْيُ تَقُولُ مَا فِي السّمَاءِ طَخَاءٌ أَيْ سَحَابٌ وَظُلْمَةٌ .(64/409)
سِوَاك
فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لوْلَا أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسّوَاكِ عِنْدَ كُلّ صَلَاةٍ .
وَفِيهِمَا : أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسّوَاكِ .
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ " تَعْلِيقًا عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرّبّ .
<296> وَفِي " صَحِيحٍ مُسْلِمٍ " : أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسّوَاكِ .
وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَصَحّ عَنْهُ مِنْ حَدِيثٍ أَنّهُ اسْتَاكَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِسِوَاكِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السّوَاكِ .
وَأَصْلَحُ مَا اُتّخِذَ السّوَاكُ مِنْ خَشَبِ الْأَرَاكِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَجَرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَرُبّمَا كَانَتْ سما وَيَنْبَغِي الْقَصْدُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ بَالَغَ فِيهِ فَرُبّمَا أَذْهَبَ طَلَاوَةَ الْأَسْنَانِ وَصِقَالَتَهَا وَهَيّأَهَا لِقَبُولِ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْأَوْسَاخِ وَمَتَى اُسْتُعْمِلَ بِاعْتِدَالٍ جَلَا الْأَسْنَانَ وَقَوّى الْعَمُودَ وَأَطْلَقَ اللّسَانَ وَمَنَعَ الْحَفَرَ وَطَيّبَ النّكْهَةَ وَنَقّى الدّمَاغَ وَشَهّى الطّعَامَ .
وَأَجْوَدُ مَا اُسْتُعْمِلَ مَبْلُولًا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَمِنْ أَنْفَعِهِ أُصُولُ الْجَوْزِ قَالَ صَاحِبُ " التّيْسِيرِ " : زَعَمُوا أَنّهُ إذَا اسْتَاكَ بِهِ الْمُسْتَاكُ كُلّ خَامِسٍ مِنْ الْأَيّامِ نَقّى الرّأْسَ وَصَفّى الْحَوَاسّ وَأَحَدّ الذّهْنَ .
[مَنَافِعُ السّوَاكِ ](64/410)
وَفِي السّوَاكِ عِدّةُ مَنَافِعَ يُطَيّبُ الْفَمَ وَيَشُدّ اللّثَةَ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيَجْلُو الْبَصَرَ وَيَذْهَبُ بِالْحَفَرِ وَيُصِحّ الْمَعِدَةَ وَيُصَفّي الصّوْتَ وَيُعِينُ عَلَى هَضْمِ الطّعَامِ وَيُسَهّلُ مَجَارِيَ الْكَلَامِ وَيُنَشّطُ لِلْقِرَاءَةِ وَالذّكْرِ وَالصّلَاةِ وَيَطْرُدُ النّوْمَ وَيُرْضِي الرّبّ وَيُعْجِبُ الْمَلَائِكَةَ وَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ .
[أَوْقَاتُ اسْتِحْبَابِهِ ]
وَيُسْتَحَبّ كُلّ وَقْتٍ وَيَتَأَكّدُ عِنْدَ الصّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَالِانْتِبَاهِ مِنْ النّوْمِ وَتَغْيِيرِ رَائِحَةِ الْفَمِ وَيُسْتَحَبّ لِلْمُفْطِرِ وَالصّائِمِ فِي كُلّ وَقْتٍ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ وَلِحَاجَةِ الصّائِمِ إلَيْهِ وَلِأَنّهُ مَرْضَاةٌ لِلرّبّ وَمَرْضَاتُهُ مَطْلُوبَةٌ فِي الصّوْمِ <297> أَشَدّ مِنْ طَلَبِهَا فِي الْفِطْرِ وَلِأَنّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَالطّهُورُ لِلصّائِمِ مَنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِ .
[اسْتِيَاكُ الصّائِمِ ]
وَفِي " السّنَنِ " : عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَا أُحْصِي يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ الْبُخَارِيّ قَالَ ابْنُ عُمَر : يَسْتَاكُ أَوّلَ النّهَارِ وَآخِرَهُ .
وَأَجْمَعَ النّاسُ عَلَى أَنّ الصّائِمَ يَتَمَضْمَضُ وُجُوبًا وَاسْتِحْبَابًا وَالْمَضْمَضَةُ أَبْلَغُ مِنْ السّوَاكِ وَلَيْسَ لِلّهِ غَرَضٌ فِي التّقَرّبِ إلَيْهِ بِالرّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَلَا هِيَ مِنْ جِنْسِ مَا شُرِعَ التّعَبّدُ بِهِ وَإِنّمَا ذُكِرَ طِيبُ الْخُلُوفِ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَثّا مِنْهُ عَلَى الصّوْمِ لَا حَثّا عَلَى إبْقَاءِ الرّائِحَةِ بَلْ الصّائِمُ أَحْوَجُ إلَى السّوَاكِ مِنْ الْمُفْطِرِ .(64/411)
وَأَيْضًا فَإِنّ رِضْوَانَ اللّهِ أَكْبَرُ مَنْ اسْتِطَابَتِهِ لِخُلُوفِ فَمِ الصّائِمِ .
وَأَيْضًا فَإِنّ مَحَبّتَهُ لِلسّوَاكِ أَعْظَمُ مِنْ مَحَبّتِهِ لِبَقَاءِ خُلُوفِ فَمِ الصّائِمِ .
وَأَيْضًا فَإِنّ السّوَاكَ لَا يَمْنَعُ طِيبَ الْخُلُوفِ الّذِي يُزِيلُهُ السّوَاكُ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَلْ يَأْتِي الصّائِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَخُلُوفُ فَمِهِ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ عَلَامَةً عَلَى صِيَامِهِ وَلَوْ أَزَالَهُ بِالسّوَاكِ كَمَا أَنّ الْجَرِيحَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْنُ دَمِ جُرْحِهِ لَوْنُ الدّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِزَالَتِهِ فِي الدّنْيَا .
وَأَيْضًا فَإِنّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسّوَاكِ فَإِنّ سَبَبَهُ قَائِمٌ وَهُوَ خُلُوّ الْمَعِدَةِ عَنْ الطّعَامِ وَإِنّمَا يَزُولُ أَثَرُهُ وَهُوَ الْمُنْعَقِدُ عَلَى الْأَسْنَانِ وَاللّثَةِ .
وَأَيْضًا فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلّمَ أُمّتَهُ مَا يُسْتَحَبّ لَهُمْ فِي الصّيَامِ وَمَا يُكْرَهُ <298> لَهُمْ وَلَمْ يَجْعَلْ السّوَاكَ مِنْ الْقِسْمِ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّهُمْ يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ حَضّهُمْ عَلَيْهِ بِأَبْلَغِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَالشّمُولِ وَهُمْ يُشَاهِدُونَهُ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مِرَارًا كَثِيرَةً تَفُوتُ الْإِحْصَاءَ وَيَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقْتَدُونَ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَا تَسْتَاكُوا بَعْدَ الزّوَالِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
سمن(64/412)
رَوَى مُحَمّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ يَرْفَعُهُ عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنّهَا شِفَاءٌ وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ وَلُحُومُهَا دَاءٌ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التّرْمِذِيّ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ مُوسَى النّسَائِيّ حَدّثَنَا دَفّاعُ بْنُ دَغْفَلٍ السّدُوسِيّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْن صَيْفِيّ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَلَا يَثْبُتُ مَا فِي هَذَا الْإِسْنَادِ .
وَالسّمْنُ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأَوْلَى وَفِيهِ جَلَاءٌ يَسِيرٌ وَلَطَافَةٌ وَتَفْشِيَةُ الْأَوْرَامِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْأَبْدَانِ النّاعِمَةِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الزّبْدِ فِي الْإِنْضَاجِ وَالتّلْيِينِ وَذَكَرَ جَالِينُوسُ أَنّهُ أَبْرَأَ بِهِ الْأَوْرَامَ الْحَادِثَةَ فِي الْأُذُنِ وَفِي الْأَرْنَبَةِ وَإِذَا دُلّكَ بِهِ مَوْضِعُ الْأَسْنَانِ نَبَتَتْ سَرِيعًا وَإِذَا خُلِطَ مَعَ عَسَلٍ وَلَوْزٍ مُرّ جَلَا مَا فِي الصّدْرِ وَالرّئَةِ وَالْكَيْمُوسَاتِ الْغَلِيظَةِ اللّزِجَةِ إلّا أَنّهُ ضَارّ بِالْمَعِدَةِ سِيّمَا إذَا كَانَ مِزَاجُ صَاحِبِهَا بَلْغَمِيّا .
[مَنَافِعُ سَمْنِ الْبَقَرِ وَالْمَعِزِ ]
وَأَمّا سَمْنُ الْبَقَرِ وَالْمَعِزِ فَإِنّهُ إذَا شُرِبَ مَعَ الْعَسَلِ نَفَعَ مِنْ شُرْبِ السّمّ الْقَاتِلِ وَمِنْ لَدْغِ الْحَيّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَفِي " كِتَابِ ابْنِ السّنّيّ " عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ يَسْتَشْفِ النّاسُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ السّمْن .
سمك(64/413)
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ <299> حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أُحِلّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطّحَالُ .
[أَجْوَدُ أَصْنَافِهِ ]
[أَصْلَحُ أَمَاكِنَهُ ]
أَصْنَافُ السّمَكِ كَثِيرَةٌ وَأَجْوَدُهُ مَا لَذّ طَعْمُهُ وَطَابَ رِيحُهُ وَتَوَسّطَ مِقْدَارُهُ وَكَانَ رَقِيقَ الْقِشْرِ وَلَمْ يَكُنْ صَلْبَ اللّحْمِ وَلَا يَابِسَهُ وَكَانَ فِي مَاءٍ عَذْبٍ جَارٍ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَيَغْتَذِي بِالنّبَاتِ لَا الْأَقْذَارِ وَأَصْلَحُ أَمَاكِنَهُ مَا كَانَ فِي نَهْرٍ جَيّدِ الْمَاءِ وَكَانَ يَأْوِي إلَى الْأَمَاكِنِ الصّخْرِيّةِ ثُمّ الرّمْلِيّةِ وَالْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ الْعَذْبَةِ الّتِي لَا قَذَرَ فِيهَا وَلَا حَمْأَةٌ الْكَثِيرَةِ الِاضْطِرَابِ وَالتّمَوّجِ الْمَكْشُوفَةِ لِلشّمْسِ وَالرّيَاحِ .
[مَنَافِعُ السّمَكِ الطّرِيّ ]
وَالسّمَكِ الْبَحْرِيّ فَاضِلٌ مَحْمُودٌ لَطِيفٌ وَالطّرِيّ مِنْهُ بَارِدٌ رَطْبٌ عَسِرُ الِانْهِضَامِ يُوَلّدُ بَلْغَمًا كَثِيرًا إلّا الْبَحْرِيّ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَإِنّهُ يُولَدُ خَلْطًا مَحْمُودًا وَهُوَ يُخَصّبُ الْبَدَنَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُصْلِحُ الْأَمْزِجَةَ الْحَارّةَ .
[السّمَكُ الْمَالِحُ ](64/414)
وَأَمّا الْمَالِحُ فَأَجْوَدُهُ مَا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالتّمَلّحِ وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَكُلّمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُ ازْدَادَ حَرّهُ وَيُبْسُهُ وَالسّلّوْرُ مِنْهُ كَثِيرُ اللّزُوجَةِ وَيُسَمّى الْجَرِيّ وَالْيَهُودُ لَا تَأْكُلُهُ وَإِذَا أُكِلَ طَرِيّا كَانَ مُلَيّنًا لِلْبَطْنِ وَإِذَا مُلّحَ وَعَتَقَ وَأُكِلَ صَفّى قَصَبَةَ الرّئَةِ وَجَوّدَ الصّوْتَ وَإِذَا دُقّ وَوُضِعَ مِنْ خَارِجٍ أَخْرَجَ السّلَى وَالْفُضُولَ مِنْ عُمْقِ الْبَدَنِ مِنْ طَرِيقِ أَنّ لَهُ قُوّةً جَاذِبَةً .
وَمَاءُ مِلْحِ الْجِرّيّ الْمَالِحِ إذَا جَلَسَ فِيهِ مَنْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةُ الْأَمْعَاءِ فِي <300> ابْتِدَاءِ الْعِلّةِ وَافَقَهُ بِجَذْبِهِ الْمَوَادّ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَإِذَا احْتَقَنَ بَهْ أَبْرَأَ مِنْ عِرْقِ النّسَا .
[مَنَافِعُ الطّرِيّ السّمِينِ مِنْهُ ]
وَأَجْوَدُ مَا فِي السّمَكِ مَا قَرُبَ مِنْ مُؤَخّرِهَا وَالطّرِيّ السّمِينُ مِنْهُ يُخَصّبُ الْبَدَنَ لَحْمُهُ وَوَدَكُهُ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ فَأَتَيْنَا السّاحِلَ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتّى أَكْلَنَا الْخَبَطَ فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهَا : عَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَائْتَدَمْنَا بِوَدَكِهِ حَتّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ وَحَمَلَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَنَصَبَهُ فَمَرّ تَحْتَهُ .
سلق(64/415)
رَوَى التّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمّ الْمُنْذِرِ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلّقَةٌ قَالَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ وَعَلِيّ مَعَهُ يَأْكُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَهْ يَا عَلِيّ فَإِنّكَ نَاقِهٌ " قَالَتْ فَجَعَلْت لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَلِيّ فَأَصِبْ مِنْ هَذَا فَإِنّهُ أَوْفَقُ لَكَ . قَالَ التّرْمِذِيّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
السّلْقُ حَارّ يَابِسٌ فِي الْأَوْلَى وَقِيلَ رَطْبٌ فِيهَا وَقِيلَ مُرَكّبٌ مِنْهُمَا وَفِيهِ بُرُودَةٌ مُلَطّفَةٌ وَتَحْلِيلٌ . وَتَفْتِيحٌ وَفِي الْأَسْوَدِ مِنْهُ قَبْضٌ وَنَفْعٌ مِنْ دَاءِ الثّعْلَبِ وَالْكَلَفِ وَالْحَزّازِ وَالثّآلِيلِ إذَا طُلِيَ بِمَائِهِ وَيَقْتُلُ الْقُمّلَ وَيُطْلَى بِهِ الْقُوَبَاءُ مَعَ الْعَسَلِ وَيُفَتّحُ سُدَدَ الْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَأَسْوَدُهُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ وَلَا سِيّمَا مَعَ الْعَدَسِ وَهُمَا رَدِيئَانِ . وَالْأَبْيَضُ يُلَيّنُ مَعَ الْعَدَسِ وَيُحْقَنُ بِمَائِهِ لِلْإِسْهَالِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْحِ مَعَ الْمَرِيّ وَالتّوَابِلِ وَهُوَ قَلِيلُ الْغِذَاءِ رَدِيءُ <301> الْكَيْمُوسُ يُحْرِقُ الدّمَ وَيُصْلِحُهُ الْخَلّ وَالْخَرْدَلُ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُوَلّدُ الْقَبْضَ .
حَرْفُ الشّينِ
شونيز
هُوَ الْحَبّةُ السّوْدَاءُ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي حَرْفِ الْحَاءِ .
شُبْرُمٌ(64/416)
رَوَى التّرْمِذِيّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِمَا " : مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَاذَا كُنْتِ تَسْتَمْشِينَ ؟ " قَالَتْ بِالشّبْرِمِ . قَالَ " حَارّ جَارّ
الشّبْرُمُ شَجَرٌ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ كَقَامَةِ الرّجُلِ وَأَرْجَحُ لَهُ قُضْبَانٌ حُمْرٌ مُلَمّعَةٌ بِبَيَاضٍ وَفِي رُءُوسِ قُضْبَانِهِ جُمّةٌ مِنْ وَرَقٍ وَلَهُ نُورٌ صِغَارٌ أَصْفَرُ إلَى الْبَيَاضِ يَسْقُطُ وَيَخْلُفُهُ مَرَاوِدُ صِغَارٌ فِيهَا حَبّ صَغِيرٌ مِثْلَ الْبُطْمِ فِي قَدْرِهِ أَحْمَرُ اللّوْنِ وَلَهَا عُرُوقٌ عَلَيْهَا قُشُورٌ حُمْرٌ وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهُ قِشْرُ عُرُوقِهِ وَلَبَنُ قُضْبَانِهِ .
وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الدّرَجَةِ الرّابِعَةِ وَيُسَهّلُ السّوْدَاءَ وَالْكَيْمُوسَاتِ الْغَلِيظَةَ وَالْمَاءَ الْأَصْفَرَ وَالْبَلْغَمَ مُكْرِبٌ مُغَثّ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يَقْتُلُ وَيَنْبَغِي إذَا اُسْتُعْمِلَ أَنْ يُنْقَعَ فِي اللّبَنِ الْحَلِيبِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَيُغَيّرَ عَلَيْهَا اللّبَنُ فِي الْيَوْمِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَيُخْرَجُ وَيُجَفّفُ فِي الظّلّ وَيُخْلَطُ مَعَهُ الْوُرُودُ وَالْكَثِيرَاءُ وَيُشْرَبُ بِمَاءِ الْعَسَلِ أَوْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَالشّرْبَةُ مِنْهُ مَا بَيْنَ أَرْبَعِ دَوَانِقَ إلَى دَانِقَيْنِ عَلَى حَسَبِ الْقُوّةِ قَالَ حُنَيْنٌ : أَمّا لَبَنُ الشّبْرُمِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا أَرَى شُرْبَهُ الْبَتّةَ فَقَدْ قَتَلَ بِهِ أَطِبّاءُ الطّرُقَاتِ كَثِيرًا مِنْ النّاس
شَعِيرٌ(64/417)
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ : مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ <302> كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَخَذَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ الْوَعْكُ أَمَرَ بِالْحِسَاءِ مِنْ الشّعِيرِ فَصُنِعَ ثُمّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ ثُمّ يَقُولُ " إنّهُ لَيَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو فُؤَادَ السّقِيمِ كَمَا تَسْرُوَا إحْدَاكُنّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا وَمَعْنَى يَرْتُوهُ يَشُدّهُ وَيُقَوّيهِ . وَيَسْرُو يَكْشِفُ وَيُزِيلُ .
[مَنَافِعُ مَاءِ الشّعِيرِ الْمَغْلِيّ وَصِفَتُهُ ]
وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ هَذَا هُوَ مَاءُ الشّعِيرِ الْمَغْلِيّ وَهُوَ أَكْثَرُ غِذَاءً مِنْ سَوِيقِهِ وَهُوَ نَافِعٌ لِلسّعَالِ وَخُشُونَةِ الْحَلْقِ صَالِحٌ لِقَمْعِ حِدّةِ الْفُضُولِ مُدِرّ لِلْبَوْلِ جِلَاءٌ لِمَا فِي الْمَعِدَةِ قَاطِعٌ لِلْعَطَشِ مُطْفِئٌ لِلْحَرَارَةِ وَفِيهِ قُوّةٌ يَجْلُو بِهَا وَيُلَطّفُ وَيُحَلّلُ .
وَصِفَتُهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الشّعِيرِ الْجَيّدِ الْمَرْضُوضِ مِقْدَارٌ وَمِنْ الْمَاءِ الصّافِي الْعَذْبِ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ وَيُلْقَى فِي قِدْرٍ نَظِيفٍ وَيُطْبَخُ بِنَارٍ مُعْتَدِلَةٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُ خُمُسَاهُ وَيُصَفّى وَيُسْتَعْمَلَ مِنْهُ مِقْدَارُ الْحَاجَةِ مُحَلّا.
شِوَاءٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِي ضِيَافَةِ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأَضْيَافِهِ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [ هُود : 69 ] وَالْحَنِيذُ الْمَشْوِيّ عَلَى الرّضْفِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ .
وَفِي التّرْمِذِيّ : عَنْ أُمّ سَلَمَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَرّبَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَنْبًا مَشْوِيّا فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمّ قَامَ إلَى الصّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضّأْ قَالَ التّرْمِذِيّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .(64/418)
وَفِيهِ أَيْضًا : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِوَاءً فِي الْمَسْجِدِ <303> وَفِيهِ أَيْضًا : عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ ضِفْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ ثُمّ أَخَذَ الشّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزّ لِي بِهَا مِنْهُ قَالَ فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ لِلصّلَاةِ فَأَلْقَى الشّفْرَةَ فَقَالَ " مَا لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ "
أَنْفَعُ الشّوَاءِ شِوَاءُ الضّأْنِ الْحَوْلِيّ ثُمّ الْعِجْلِ اللّطِيفِ السّمِينِ وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ إلَى الْيُبُوسَةِ كَثِيرُ التّوْلِيدِ لِلسّوْدَاءِ وَهُوَ مِنْ أَغْذِيَةِ الْأَقْوِيَاءِ وَالْأَصِحّاءِ وَالْمُرْتَاضِينَ وَالْمَطْبُوخُ أَنْفَعُ وَأَخَفّ عَلَى الْمَعِدَةِ وَأَرْطَبُ مِنْهُ وَمِنْ الْمُطَجّنِ .
وَأَرْدَؤُهُ الْمَشْوِيّ فِي الشّمْسِ وَالْمَشْوِيّ عَلَى الْجَمْرِ خَيْرٌ مِنْ الْمَشْوِيّ بِاللّهَبِ وَهُوَ الْحَنِيذُ .
شَحْمٌ
ثَبَتَ فِي " الْمُسْنَدِ " : عَنْ أَنَسٍ أَنّ يَهُودِيّا أَضَافَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدّمَ لَهُ خُبْزَ شَعِيرٍ وَإِهَالَةً سَنِخَةً وَالْإِهَالَةُ الشّحْمُ الْمُذَابُ وَالْأَلْيَةُ وَالسّنِخَةُ الْمُتَغَيّرَةُ
وَثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ قَالَ دُلّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ وَقُلْتُ وَاَللّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتّ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَضْحَكُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا(64/419)
أَجْوَدُ الشّحْمِ مَا كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ مُكْتَمِلٍ وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ وَهُوَ أَقَلّ رُطُوبَةً مِنْ السّمْنِ وَلِهَذَا لَوْ أُذِيبَ الشّحْمُ وَالسّمْنُ كَانَ الشّحْمُ أَسْرَعَ جُمُودًا وَهُوَ يَنْفَعُ <304> مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ وَيُرْخِي وَيُعْفِنُ وَيُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِاللّيْمُونِ الْمَمْلُوحِ وَالزّنْجَبِيلِ وَشَحْمِ الْمَعِزِ أَقْبَضُ الشّحُومِ وَشَحْمُ التّيُوسِ أَشَدّ تَحْلِيلًا وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَشَحْمُ الْعَنْزِ أَقْوَى فِي ذَلِكَ وَيُحْتَقَنُ بِهِ لِلسّحَجِ وَالزّحِيرِ .
حَرْفُ الصّادِ
صَلَاةٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : وَاسْتَعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ وَإِنّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [ الْبَقَرَةُ 45 ] وَقَالَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلَاةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ [ الْبَقَرَةُ 153 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتّقْوَى [ طَه : 132 ] .
وَفِي " السّنَنِ " : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إلَى الصّلَاةِ
وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ الِاسْتِشْفَاءِ بِالصّلَاةِ مِنْ عَامّةِ الْأَوْجَاعِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهَا .
[مَنَافِعُ الصّلَاةِ ]
وَالصّلَاةُ مُجْلِبَةٌ لِلرّزْقِ حَافِظَةٌ لِلصّحّةِ دَافِعَةٌ لِلْأَذَى مُطْرِدَةٌ لِلْأَدْوَاءِ مُقَوّيَةٌ لِلْقَلْبِ مُبَيّضَةٌ لِلْوَجْهِ مُفْرِحَةٌ لِلنّفْسِ مُذْهِبَةٌ لِلْكَسَلِ مُنَشّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ مُمِدّةٌ لِلْقُوَى شَارِحَةٌ لِلصّدْرِ مُغَذّيَةٌ لِلرّوحِ مُنَوّرَةٌ لِلْقَلْبِ حَافِظَةٌ لِلنّعْمَةِ دَافِعَةٌ لِلنّقْمَةِ جَالِبَةٌ لِلْبَرَكَةِ مُبْعِدَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ مُقَرّبَةٌ مِنْ الرّحْمَنِ .(64/420)
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ صِحّةِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ وَقُوَاهُمَا وَدَفْعِ الْمَوَادّ الرّدِيئَةِ عَنْهُمَا وَمَا اُبْتُلِيَ رَجُلَانِ بِعَاهَةٍ أَوْ دَاءٍ أَوْ مِحْنَةٍ أَوْ بَلِيّةٍ إلّا كَانَ حَظّ الْمُصَلّي مِنْهُمَا أَقَلّ وَعَاقِبَتُهُ أَسْلَمَ .
وَلِلصّلَاةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي دَفْعِ شُرُورِ الدّنْيَا وَلَا سِيّمَا إذَا أُعْطِيَتْ حَقّهَا مِنْ <305> التّكْمِيلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَمَا اُسْتُدْفِعَتْ شُرُورُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا اُسْتُجْلِبَتْ مَصَالِحُهُمَا بِمِثْلِ الصّلَاةِ وَسِرّ ذَلِكَ أَنّ الصّلَاةَ صِلَةٌ بِاَللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَلَى قَدْرِ صِلَةِ الْعَبْدِ بِرَبّهِ عَزّ وَجَلّ تُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرَاتِ أَبْوَابُهَا وَتُقْطَعُ عَنْهُ مِنْ الشّرُورِ أَسْبَابُهَا وَتُفِيضُ عَلَيْهِ مَوَادّ التّوْفِيقِ مِنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ وَالْعَافِيَةُ وَالصّحّةُ وَالْغَنِيمَةُ وَالْغِنَى وَالرّاحَةُ وَالنّعِيمُ وَالْأَفْرَاحُ وَالْمَسَرّاتُ كُلّهَا مُحْضَرَةٌ لَدَيْهِ وَمُسَارِعَةٌ إلَيْهِ .
صَبْرٌ(64/421)
الصّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ فَإِنّهُ مَاهِيّةٌ مُرَكّبَةٌ مِنْ صَبْرٍ وَشُكْرٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ الْإِيمَانُ نِصْفَانِ نِصْفٌ صَبْرٌ وَنِصْفٌ شُكْرٌ قَالَ تَعَالَى : إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ [ إبْرَاهِيمُ 5 ] وَالصّبْرُ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ صَبْرٌ عَلَى فَرَائِضِ اللّهِ فَلَا يُضِيعُهَا وَصَبْرٌ عَنْ مَحَارِمِهِ فَلَا يَرْتَكِبُهَا وَصَبْرٌ عَلَى أَقْضِيَتِهِ وَأَقْدَارِهِ فَلَا يَتَسَخّطُهَا وَمَنْ اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الثّلَاثَ اسْتَكْمَلَ الصّبْرَ وَلَذّةَ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَنَعِيمَهَا وَالْفَوْزَ وَالظّفَرَ فِيهِمَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ أَحَدٌ إلّا عَلَى جِسْرِ الصّبْرِ كَمَا لَا يَصِلُ أَحَدٌ إلَى الْجَنّةِ إلّا عَلَى الصّرَاطِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ خَيْرُ عَيْشٍ أَدْرَكْنَاهُ بِالصّبْرِ وَإِذَا تَأَمّلْتَ مَرَاتِبَ الْكَمَالِ الْمُكْتَسَبِ فِي الْعَالَمِ رَأَيْتَهَا كُلّهَا مَنُوطَةً بِالصّبْرِ وَإِذَا تَأَمّلْتَ النّقْصَانَ الّذِي يُذَمّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ رَأَيْتَهُ كُلّهُ مِنْ عَدَمِ الصّبْرِ فَالشّجَاعَةُ وَالْعِفّةُ وَالْجُودُ وَالْإِيثَارُ كُلّهُ صَبْرُ سَاعَةٍ .
فَالصّبْرُ طَلْسَمٌ عَلَى كَنْزِ الْعُلَى
مَنْ حَلّ ذَا الطّلْسَمَ فَازَ بِكَنْزِهِ
[أَكْثَرُ أَسْقَامِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ مِنْ عَدَمِ الصّبْرِ ](64/422)
وَأَكْثَرُ أَسْقَامِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ إنّمَا تَنْشَأُ عَنْ عَدَمِ الصّبْرِ فَمَا حُفِظَتْ صِحّةُ <306> الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ وَالْأَرْوَاحِ بِمِثْلِ الصّبْرِ فَهُوَ الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ وَالتّرْيَاقُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلّا مَعِيّةُ اللّهِ مَعَ أَهْلِهِ فَإِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ وَمَحَبّتَهُ لَهُمْ فَإِنّ اللّهَ يُحِبّ الصّابِرِينَ وَنَصْرُهُ لِأَهْلِهِ فَإِنّ النّصْرَ مَعَ الصّبْرِ وَإِنّهُ خَيْرٌ لِأَهْلِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ [ النّحْلُ 126 ] وَإِنّهُ سَبَبُ الْفَلَاحِ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ [ آل عِمْرَانَ 200 ] .
صَبِرٌ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ ( الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ الْقَيْسِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَاذَا فِي الْأَمَرّيْنِ مِنْ الشّفَاءِ ؟ الصّبْرُ وَالثّفّاءُ وَفِي " السّنَنِ " لِأَبِي دَاوُدَ : مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ تُوُفّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلِيّ صَبِرًا فَقَالَ مَاذَا يَا أُمّ سَلَمَةَ ؟ " فَقُلْت : إنّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ فِيهِ طَيّبٌ قَالَ " إنّهُ يَشُبّ الْوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلّا بِاللّيْلِ وَنَهَى عَنْهُ بِالنّهَارِ .
[مَنَافِعُ الصّبْرِ عَامّةُ ](64/423)
الصّبْرِ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ لَا سِيّمَا الْهِنْدِيّ مِنْهُ يُنَقّي الْفُضُولَ الصّفْرَاوِيّةَ الّتِي فِي الدّمَاغِ وَأَعْصَابِ الْبَصَرِ وَإِذَا طُلِيَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالصّدْغِ بِدُهْنِ الْوَرْدِ نَفَعَ مِنْ الصّدَاعِ وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَنْفِ وَالْفَمِ وَيُسَهّلُ السّوْدَاءَ والماليخوليا .
[ مَنَافِعُ الصّبْرِ الْفَارِسِيّ ]
وَالصّبْرُ الْفَارِسِيّ يُذَكّي الْعَقْلَ وَيُمِدّ الْفُؤَادَ وَيُنَقّي الْفُضُولَ الصّفْرَاوِيّةَ وَالْبَلْغَمِيّهَ مِنْ الْمَعِدَةِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ مِلْعَقَتَانِ بِمَاءٍ وَيَرُدّ الشّهْوَةَ الْبَاطِلَةَ وَالْفَاسِدَةَ وَإِذَا شُرِبَ فِي الْبَرْدِ خِيفَ أَنْ يُسْهِلَ دَمًا . <307>
صَوْمٌ
الصّوْمُ جُنّةٌ مِنْ أَدْوَاءِ الرّوحِ وَالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ مَنَافِعُهُ تَفُوتُ الْإِحْصَاءَ وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ الصّحّةِ وَإِذَابَةِ الْفَضَلَاتِ وَحَبْسِ النّفْسِ عَنْ تَنَاوُلِ مُؤْذِيَاتِهَا وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَ بِاعْتِدَالٍ وَقَصْدٍ فِي أَفْضَلِ أَوْقَاتِهِ شَرْعًا وَحَاجَةُ الْبَدَنِ إلَيْهِ طَبْعًا .
ثُمّ إنّ فِيهِ مِنْ إرَاحَةِ الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ مَا يَحْفَظُ عَلَيْهَا قُوَاهَا وَفِيهِ خَاصّيّةٌ تَقْتَضِي إيثَارَهُ وَهِيَ تَفْرِيحُهُ لِلْقَلْبِ عَاجِلًا وَآجِلًا وَهُوَ أَنْفَعُ شَيْءٍ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَالرّطْبَةِ وَلَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي حِفْظِ صِحّتِهِمْ .(64/424)
وَهُوَ يَدْخُلُ فِي الْأَدْوِيَةِ الرّوحَانِيّةِ وَالطّبِيعِيّةِ وَإِذَا رَاعَى الصّائِمُ فِيهِ مَا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ طَبْعًا وَشَرْعًا عَظُمَ انْتِفَاعُ قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ بِهِ وَحَبَسَ عَنْهُ الْمَوَادّ الْغَرِيبَةَ الْفَاسِدَةَ الّتِي هُوَ مُسْتَعِدّ لَهَا وَأَزَالَ الْمَوَادّ الرّدِيئَةَ الْحَاصِلَةَ بِحَسَبِ كَمَالِهِ وَنُقْصَانِهِ وَيَحْفَظُ الصّائِمَ مِمّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفّظَ مِنْهُ وَيُعِينُهُ عَلَى قِيَامِهِ بِمَقْصُودِ الصّوْمِ وَسِرّهِ وَعِلّتِهِ الْغَائِيّةِ فَإِنّ الْقَصْدَ مِنْهُ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ تَرْكِ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْأَمْرِ اخْتَصّ مِنْ بَيْنِ الْأَعْمَالِ بِأَنّهُ لِلّهِ سُبْحَانَهُ وَلَمّا كَانَ وِقَايَةً وَجُنّةً بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ مَا يُؤْذِي قَلْبَهُ وَبَدَنِهِ عَاجِلًا وَآجِلًا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ [ الْبَقَرَةُ 183 ] فَأَحَدُ مَقْصُودِي الصّيَامِ الْجُنّةُ وَالْوِقَايَةُ وَهِيَ حِمْيَةٌ عَظِيمَةُ النّفْعِ وَالْمَقْصُودُ الْآخَرُ اجْتِمَاعُ الْقَلْبِ وَالْهَمّ عَلَى اللّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيرُ قُوَى النّفْسِ عَلَى مَحَابّهِ وَطَاعَتِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ فِي بَعْضِ أسرار الصوم عند ذكر هديه صلى الله عليه وسلم فيه .
حَرْف الضّادِ
ضَبّ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُئِلَ عَنْهُ لَمّا قُدّمَ إلَيْهِ وَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ أَحَرَامٌ هُوَ ؟ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ <308> بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ . وَأُكِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَلَى مَائِدَتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ(64/425)
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا أُحِلّهُ وَلَا أُحَرّمُهُ
وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ يُقَوّي شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَإِذَا دُقّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ الشّوْكَةِ اجْتَذَبَهَا .
ضِفْدَعٌ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : الضّفْدَعُ لَا يَحِلّ فِي الدّوَاءِ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِهَا يُرِيدُ الْحَدِيثَ الّذِي رَوَاهُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ طَبِيبًا ذَكَرَ ضِفْدَعًا فِي دَوَاءٍ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا
قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ : مَنْ أَكَلَ مِنْ دَمِ الضّفْدَعِ أَوْ جِرْمِهِ وَرِمَ بَدَنُهُ وَكَمَدَ لَوْنُهُ وَقَذَفَ الْمَنِيّ حَتّى يَمُوتَ وَلِذَلِكَ تَرَكَ الْأَطِبّاءُ اسْتِعْمَالَهُ خَوْفًا مِنْ ضَرَرِهِ وَهِيَ نَوْعَانِ مَائِيّةٌ وَتُرَابِيّةٌ وَالتّرَابِيّةُ يَقْتُلُ أَكْلُهَا .
حَرْفُ الطّاءِ
طِيبٌ
ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ حُبّبَ إلَيّ مِنْ دُنْيَاكُمْ : النّسَاءُ وَالطّيبُ وَجُعِلَتْ قُرّةُ عَيْنِي فِي الصّلَاةِ(64/426)
وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُكْثِرُ التّطَيّبَ وَتَشْتَدّ عَلَيْهِ الرّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَتَشُقّ عَلَيْهِ وَالطّيبُ غِذَاءُ الرّوحِ الّتِي هِيَ مَطِيّةُ الْقُوَى تَتَضَاعَفُ وَتَزِيدُ بِالطّيبِ كَمَا تَزِيدُ بِالْغِذَاءِ <309> وَالشّرَابِ وَالدّعَةِ وَالسّرُورِ وَمُعَاشَرَةِ الْأَحِبّةِ وَحُدُوثِ الْأُمُورِ الْمَحْبُوبَةِ وَغَيْبَةِ مَنْ تُسَرّ غِيبَتُهُ وَيَثْقُلُ عَلَى الرّوحِ مُشَاهَدَتُهُ كَالثّقَلَاءِ وَالْبُغَضَاءِ فَإِنّ مُعَاشَرَتَهُمْ تُوهِنُ الْقُوَى وَتَجْلِبُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَهِيَ لِلرّوحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُمّى لِلْبَدَنِ وَبِمَنْزِلَةِ الرّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَلِهَذَا كَانَ مِمّا حَبّبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الصّحَابَةَ بِنَهْيِهِمْ عَنْ التّخَلّقِ بِهَذَا الْخُلُقِ فِي مُعَاشَرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِتَأَذّيهِ بِذَلِكَ فَقَالَ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النّبِيّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقّ [ الْأَحْزَابُ 53 ] .
وَالْمَقْصُودُ أَنّ الطّيبَ كَانَ مِنْ أَحَبّ الْأَشْيَاءِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي حِفْظِ الصّحّةِ وَدَفْعِ كَثِيرٍ مِنْ الْآلَامِ وَأَسْبَابِهَا بِسَبَبِ قُوّةِ الطّبِيعَةِ بِهِ .
طِينٌ
وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ لَا يَصِحّ مِنْهَا شَيْءٌ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْ أَكَلَ الطّينَ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَمِثْلَ حَدِيثِ يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَأْكُلِي الطّينَ فَإِنّهُ يَعْصِمُ الْبَطْنَ وَيُصَفّرُ اللّوْنَ وَيُذْهِبُ بَهَاءَ الْوَجْهِ(64/427)
وَكُلّ حَدِيثٍ فِي الطّينِ فَإِنّهُ لَا يَصِحّ وَلَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَنّهُ رَدِيءٌ مُؤْذٍ يَسُدّ مَجَارِيَ الْعُرُوقِ وَهُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ قَوِيّ التّجْفِيفِ وَيَمْنَعُ اسْتِطْلَاقَ الْبَطْنِ وَيُوجِبُ نَفْثَ الدّمِ وَقُرُوحِ الْفَمِ .
طَلْحٌ
قَالَ تَعَالَى : وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [ الْوَاقِعَةُ 29 ] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ هُوَ الْمَوْزُ . وَالْمَنْضُودُ هُوَ الّذِي قَدْ نُضّدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَالْمُشْطِ .
وَقِيلَ الطّلْحُ الشّجَرُ ذُو الشّوْكِ نُضّدَ مَكَانَ كُلّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ فَثَمَرُهُ قَدْ نُضّدَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَهُوَ مِثْلُ الْمَوْزِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحّ وَيَكُونُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْزِ مِنْ السّلَفِ أَرَادَ التّمْثِيلَ لَا التّخْصِيصَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ أَجْوَدُهُ النّضِيجُ الْحُلْوُ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الصّدْرِ وَالرّئَةِ <310> وَالسّعَالِ وَقُرُوحِ الْكُلْيَتَيْنِ وَالْمَثَانَةِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيّ وَيُحَرّكُ الشّهْوَةَ لِلْجِمَاعِ وَيُلَيّنُ الْبَطْنَ وَيُؤْكَلُ قَبْلَ الطّعَامِ وَيَضُرّ الْمَعِدَةَ وَيَزِيدُ فِي الصّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِالسّكّرِ أَوْ الْعَسَلِ .
طَلْعٌ
قَالَ تَعَالَى : وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ ق : 10 ] وَقَالَ تَعَالَى : وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ [ الشّعَرَاءُ 148 ] .
طَلْعُ النّخْلِ مَا يَبْدُو مِنْ ثَمَرَتِهِ فِي أَوّلِ ظُهُورِهِ وَقِشْرُهُ يُسَمّى الْكُفُرّى وَالنّضِيدُ الْمَنْضُودُ الّذِي قَدْ نُضّدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَإِنّمَا يُقَالُ لَهُ نَضِيدٌ مَا دَامَ فِي كُفُرّاهُ فَإِذَا انْفَتَحَ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ .(64/428)
وَأَمّا الْهَضِيمُ فَهُوَ الْمُنْضَمّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَهُوَ كَالنّضِيدِ أَيْضًا وَذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ تَشَقّقِ الْكُفُرّى عَنْهُ .
وَالطّلْعُ نَوْعَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَالتّلْقِيحُ هُوَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الذّكَرِ وَهُوَ مِثْلُ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ فَيُجْعَلَ فِي الْأُنْثَى وَهُوَ التّأْبِيرُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللّقَاحِ بَيْنَ الذّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَخْلٍ فَرَأَى قَوْمًا يُلَقّحُونَ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ " قَالُوا : يَأْخُذُونَ مِنْ الذّكَرِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي الْأُنْثَى قَالَ " مَا أَظُنّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا " فَبَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ فَلَمْ يَصْلُحْ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّمَا هُوَ ظَنّ فَإِنْ كَانَ يُغْنِي شَيْئًا فَاصْنَعُوهُ فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنّ الظّنّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَلَكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ عَنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ . فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللّهِ انْتَهَى .
<311> طَلْعُ النّخْلِ يَنْفَعُ مِنْ الْبَاهِ وَيَزِيدُ فِي الْمُبَاضَعَةِ وَدَقِيقُ طَلْعِهِ إذَا تَحَمّلَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْجِمَاعِ أَعَانَ عَلَى الْحَبَلِ إعَانَةً بَالِغَةً وَهُوَ فِي الْبُرُودَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُجَفّفُهَا وَيُسَكّنُ ثَائِرَةَ الدّمِ مَعَ غِلْظَةٍ وَبُطْءِ هَضْمٍ .(64/429)
وَلَا يَحْتَمِلُهُ إلّا أَصْحَابُ الْأَمْزِجَةِ الْحَارّةِ وَمَنْ أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِنّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الجوارشات الْحَارّةِ وَهُوَ يُعَقّلُ الطّبْعَ وَيُقَوّي الْأَحْشَاءَ وَالْجُمّارُ يَجْرِي مَجْرَاهُ وَكَذَلِكَ الْبَلَحُ وَالْبُسْرُ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يَضُرّ بِالْمَعِدَةِ والصدر، وربما أورث القولنج، وإصلاحه بالسمن، أو بما تقدم ذكره.
حَرْفُ الْعَيْنِ
عِنَبٌ
فِي " الْغَيْلَانِيّاتِ " مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ الْعِنَبَ خَرْطًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيّ : لَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ قُلْتُ وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبّارِ أَبُو سُلَيْمٍ الْكُوفِيّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : كَانَ يَكْذِبُ .
وَيَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُحِبّ الْعِنَبَ وَالْبِطّيخَ .(64/430)
<312> وَقَدْ ذَكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الْعِنَبَ فِي سِتّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فِي جُمْلَةِ نِعَمِهِ الّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فِي هَذِهِ الدّارِ وَفِي الْجَنّةِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْفَوَاكِهِ وَأَكْثَرِهَا مَنَافِعَ وَهُوَ يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَأَخْضَرَ وَيَانِعًا وَهُوَ فَاكِهَةٌ مَعَ الْفَوَاكِهِ وَقُوتٌ مَعَ الْأَقْوَاتِ وَأُدْمٌ مَعَ الْإِدَامِ وَدَوَاءٌ مَعَ الْأَدْوِيَةِ وَشَرَابٌ مَعَ الْأَشْرِبَةِ وَطَبْعُهُ طَبْعُ الْحَبّاتِ الْحَرَارَةُ وَالرّطُوبَةُ وَجَيّدُهُ الْكِبَارُ الْمَائِيّ وَالْأَبْيَضُ أَحْمَدُ مِنْ الْأَسْوَدِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْحَلَاوَةِ وَالْمَتْرُوكُ بَعْدَ قَطْفِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَحْمَدُ مِنْ الْمَقْطُوفِ فِي يَوْمِهِ فَإِنّهُ مُنَفّخٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ وَالْمُعَلّقُ حَتّى يَضْمُرَ قِشْرُهُ جَيّدٌ لِلْغِذَاءِ مُقَوّ لِلْبَدَنِ وَغِذَاؤُهُ كَغِذَاءِ التّينِ وَالزّبِيبِ وَإِذَا أُلْقِيَ عَجَمُ الْعِنَبِ كَانَ أَكْثَرَ تَلْيِينًا لِلطّبِيعَةِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ مُصَدّعٌ لِلرّأْسِ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ بِالرّمّانِ الْمُزّ .
وَمَنْفَعَةُ الْعِنَبِ يُسَهّلُ الطّبْعَ وَيُسَمّنُ وَيَغْذُو جَيّدُهُ غِذَاءً حَسَنًا وَهُوَ أَحَدُ الْفَوَاكِهِ الثّلَاثِ الّتِي هِيَ مُلُوكُ الْفَوَاكِهِ هُوَ وَالرّطَبُ وَالتّينُ .
عَسَلٌ
قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ مَنَافِعِهِ . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قَالَ الزّهْرِيّ : عَلَيْك بِالْعَسَلِ فَإِنّهُ جَيّدٌ لِلْحِفْظِ وَأَجْوَدُهُ أَصْفَاهُ وَأَبْيَضُهُ وَأَلْيَنُهُ حِدّةً وَأَصْدَقُهُ حَلَاوَةً وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجِبَالِ وَالشّجَرِ لَهُ فَضْلٌ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَلَايَا وَهُوَ بِحَسَبِ مَرْعَى نَحْلِهِ .
عَجْوَةٌ(64/431)
فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ تَصَبّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمّ وَلَا سِحْرٌ
<313> وَفِي " سُنَنِ النّسَائِيّ " وَابْنِ مَاجَهْ : مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنّةِ وَهِيَ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ والكمأة مِنْ الْمَنّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ
وَقَدْ قِيلَ إنّ هَذَا فِي عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ أَحَدُ أَصْنَافِ التّمْرِ بِهَا وَمِنْ أَنْفَعِ تَمْرِ الْحِجَازِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ صِنْفٌ كَرِيمٌ مُلَذّذٌ مَتِينٌ لِلْجِسْمِ وَالْقُوّةِ مِنْ أَلْيَنِ التّمْرِ وَأَطْيَبِهِ وَأَلَذّهِ وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ التّمْرِ وَطَبْعُهُ وَمَنَافِعُهُ فِي حَرْفِ التّاءِ وَالْكَلَامُ عَلَى دَفْعِ الْعَجْوَةِ لِلسّمّ وَالسّحْرِ فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهِ .
[إبَاحَةُ مَا فِي الْبَحْرِ لَا يَخْتَصّ بِالسّمَكِ ]
عَنْبَرٌ(64/432)
تَقَدّمَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصّةِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَكْلِهِمْ مِنْ الْعَنْبَرِ شَهْرًا وَأَنّهُمْ تَزَوّدُوا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَرْسَلُوا مِنْهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ أَحَدُ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ إبَاحَةَ مَا فِي الْبَحْرِ لَا يَخْتَصّ بِالسّمَكِ وَعَلَى أَنّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنّ الْبَحْرَ أَلْقَاهُ حَيّا ثُمّ جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ فَمَاتَ وَهَذَا حَلَالٌ فَإِنّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ مُفَارَقَتِهِ لِلْمَاءِ وَهَذَا لَا يَصِحّ فَإِنّهُمْ إنّمَا وَجَدُوهُ مَيّتًا بِالسّاحِلِ وَلَمْ يُشَاهِدُوهُ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ حَيّا ثُمّ جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ .
وَأَيْضًا : فَلَوْ كَانَ حَيّا لَمَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ إلَى سَاحِلِهِ فَإِنّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ الْبَحْرَ إنّمَا يَقْذِفُ إلَى سَاحِلِهِ الْمَيّتَ مِنْ حَيَوَانَاتِهِ لَا الْحَيّ مِنْهَا .
وَأَيْضًا : فَلَوْ قُدّرَ احْتِمَالُ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ فَإِنّهُ لَا يُبَاجُ الشّيْءُ مَعَ الشّكّ فِي سَبَبِ إبَاحَتِهِ وَلِهَذَا مَنَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَكْلِ الصّيْدِ إذَا <314> وَجَدَهُ الصّائِدُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ لِلشّكّ فِي سَبَبِ مَوْتِهِ هَلْ هُوَ الْآلَةُ أَمْ الْمَاءُ ؟ .
[طِيبُ الْعَنْبَرِ وَالْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِسْكِ ](64/433)
وَأَمّا الْعَنْبَرُ الّذِي هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الطّيبِ فَهُوَ مِنْ أَفْخَرِ أَنْوَاعِهِ بَعْدَ الْمِسْكِ وَأَخْطَأَ مَنْ قَدّمَهُ عَلَى الْمِسْكِ وَجَعَلَهُ سَيّدَ أَنْوَاعِ الطّيبِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فِي الْمِسْكِ هُوَ أَطْيَبُ الطّيبِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى ذِكْرُ الْخَصَائِصِ وَالْمَنَافِعِ الّتِي خُصّ بِهَا الْمِسْكُ حَتّى إنّهُ طِيبُ الْجَنّةِ وَالْكُثْبَانِ الّتِي هِيَ مَقَاعِدُ الصّدّيقِينَ هُنَاكَ مِنْ مِسْكٍ لَا مِنْ عَنْبَرٍ .
وَاَلّذِي غَرّ هَذَا الْقَائِلَ أَنّهُ لَا يَدْخُلُهُ التّغَيّرُ عَلَى طُولِ الزّمَانِ فَهُوَ كَالذّهَبِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمِسْكِ فَإِنّهُ بِهَذِهِ الْخَاصّيّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُقَاوِمُ مَا فِي الْمِسْكِ مِنْ الْخَوَاصّ .
[أَنْوَاعُ طِيبِ الْعَنْبَرِ ]
وَبَعْدُ فَضُرُوبُهُ كَثِيرَةٌ وَأَلْوَانُهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُ الْأَبْيَضُ وَالْأَشْهَبُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَزْرَقُ وَالْأَسْوَدُ وَذُو الْأَلْوَانِ وَأَجْوَدُهُ الْأَشْهَبُ ثُمّ الْأَزْرَقُ ثُمّ الْأَصْفَرُ وَأَرْدَؤُهُ الْأَسْوَدُ . وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي عُنْصُرِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ نَبَاتٌ يَنْبُتُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فَيَبْتَلِعُهُ بَعْضُ دَوَابّهِ فَإِذَا ثَمِلَتْ مِنْهُ قَذَفَتْهُ رَجِيعًا فَيَقْذِفُهُ الْبَحْرُ إلَى سَاحِلِهِ . وَقِيلَ طَلّ يَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَتُلْقِيهِ الْأَمْوَاجُ إلَى السّاحِلِ وَقِيلَ رَوْثُ دَابّةٍ بَحْرِيّةٍ تُشْبِهُ الْبَقَرَةَ . وَقِيلَ بَلْ هُوَ جَفَاءٌ مِنْ جَفَاءِ الْبَحْرِ أَيْ زَبَدٌ .(64/434)
وَقَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : هُوَ فِيمَا يُظَنّ يَنْبُعُ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ وَاَلّذِي يُقَالُ إنّهُ زَبَدُ الْبَحْرِ أَوْ رَوْثُ دَابّةٍ بَعِيدٌ انْتَهَى .
وَمِزَاجُهُ حَارّ يَابِسٌ مُقَوّ لِلْقَلْبِ وَالدّمَاغِ وَالْحَوَاسّ وَأَعْضَاءِ الْبَدَنِ نَافِعٌ مِنْ الْفَالِجِ وَاللّقْوَةِ وَالْأَمْرَاضِ الْبَلْغَمِيّةِ وَأَوْجَاعِ الْمَعِدَةِ الْبَارِدَةِ وَالرّيَاحِ <315> الْغَلِيظَةِ وَمِنْ السّدَدِ إذَا شُرِبَ أَوْ طُلِيَ بِهِ مِنْ خَارِجٍ وَإِذَا تُبُخّرَ بِهِ نَفَعَ مِنْ الزّكَامِ وَالصّدَاعِ والشقيقة الْبَارِدَةِ .
عُودٌ(64/435)
الْعُودُ الْهِنْدِيّ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا : يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَهُوَ الْكُسْتُ وَيُقَالُ لَهُ الْقُسْطُ وَسَيَأْتِي فِي حَرْفِ الْقَافِ . الثّانِي : يُسْتَعْمَلُ فِي الطّيبِ وَيُقَالُ لَهُ الْأَلُوّةُ . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ ابْنِ عُمَر َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ كَانَ يَسْتَجْمِرُ بِالْأَلُوّةِ غَيْرَ مُطَرّاةٍ وَبِكَافُورٍ يُطْرَحُ مَعَهَا وَيَقُولُ هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي صِفَةِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنّةِ مَجَامِرُهُمْ الْأَلُوّةُ وَالْمَجَامِرُ جَمْعُ مِجْمَرٍ وَهُوَ مَا يُتَجَمّرُ بِهِ مِنْ عُودٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ . أَجْوَدُهَا : الْهِنْدِيّ ثُمّ الصّينِيّ ثُمّ الْقَمَارِيّ ثُمّ الْمَنْدَلِيّ وَأَجْوَدُهُ الْأَسْوَدُ وَالْأَزْرَقُ الصّلْبُ الرّزِينُ الدّسَمِ وَأَقَلّهُ جَوْدَةً مَا خَفّ وَطَفَا عَلَى الْمَاءِ وَيُقَالُ إنّهُ شَجَرٌ يُقْطَعُ وَيُدْفَنُ فِي الْأَرْضِ سَنَةً فَتَأْكُلُ الْأَرْضُ مِنْهُ مَا لَا يَنْفَعُ وَيَبْقَى عُودُ الطّيبِ لَا تَعْمَلُ فِيهِ الْأَرْضُ شَيْئًا يَتَعَفّنُ مِنْهُ قِشْرُهُ وَمَا لَا طِيبَ فِيهِ .
وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ يَفْتَحُ السّدَدَ وَيَكْسِرُ الرّيَاحَ وَيَذْهَبُ بِفَضْلِ الرّطُوبَةِ وَيُقَوّي الْأَحْشَاءَ وَالْقَلْبَ وَيُفْرِحُهُ وَيَنْفَعُ الدّمَاغَ وَيُقَوّي الْحَوَاسّ وَيَحْبِسُ الْبَطْنَ وَيَنْفَعُ مِنْ سَلَسِ الْبَوْلِ الْحَادِثِ عَنْ بَرْدِ الْمَثَانَةِ .(64/436)
قَالَ ابْنُ سَمْجُونٍ : الْعُودُ ضُرُوبٌ كَثِيرَةٌ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْأَلُوّةِ وَيُسْتَعْمَلُ <316> مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ وَيُتَجَمّرُ بِهِ مُفْرَدًا وَمَعَ غَيْرِهِ وَفِي الْخَلْطِ لِلْكَافُورِ بِهِ عِنْدَ التّجْمِيرِ مَعْنًى طِبّيّ وَهُوَ إصْلَاحُ كُلّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَفِي التّجَمّرِ مُرَاعَاةُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ وَإِصْلَاحُهُ فَإِنّهُ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ السّتّةِ الضّرُورِيّةِ الّتِي فِي صَلَاحِهَا صَلَاحُ الْأَبْدَانِ .
عَدَسٌ
قَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كُلّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْهَا كَحَدِيثِ إنّهُ قُدّسَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيّا وَحَدِيثِ إنّهُ يُرِقّ الْقَلْبَ وَيُغْزِرُ الدّمْعَةَ وَإِنّهُ مَأْكُولُ الصّالِحِينَ وَأَرْفَعُ شَيْءٍ جَاءَ فِيهِ وَأَصَحّهُ أَنّهُ شَهْوَةُ الْيَهُودِ الّتِي قَدّمُوهَا عَلَى الْمَنّ وَالسّلْوَى وَهُوَ قَرِينُ الثّومِ وَالْبَصَلِ فِي الذّكْرِ .
وَطَبْعُهُ طَبْعُ الْمُؤَنّثِ بَارِدٌ يَابِسٌ وَفِيهِ قُوّتَانِ مُتَضَادّتَانِ . إحْدَاهُمَا : يُعَقّلُ الطّبِيعَةَ . وَالْأُخْرَى : يُطْلِقُهَا وَقِشْرُهُ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّالِثَةِ حِرّيفٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ وَتِرْيَاقُهُ فِي قِشْرِهِ وَلِهَذَا كَانَ صِحَاحُهُ أَنْفَعَ مِنْ مَطْحُونِهِ وَأَخَفّ عَلَى الْمَعِدَةِ وَأَقَلّ ضَرَرًا فَإِنّ لُبّهُ بَطِيءُ الْهَضْمِ لِبُرُودَتِهِ وَيُبُوسَتِهِ وَهُوَ مُوَلّدٌ لِلسّوْدَاءِ وَيَضُرّ بالماليخوليا ضَرَرًا بَيّنًا وَيَضُرّ بِالْأَعْصَابِ وَالْبَصَرِ .(64/437)
وَهُوَ غَلِيظُ الدّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنّبَهُ أَصْحَابُ السّوْدَاءِ وَإِكْثَارُهُمْ مِنْهُ يُوَلّدُ لَهُمْ أَدْوَاءً رَدِيئَةً كَالْوَسْوَاسِ وَالْجُذَامِ وَحُمّى الرّبْعِ وَيُقَلّلُ ضَرَرَهُ السّلْقُ وَالْإِسْفَانَاخُ وَإِكْثَارُ الدّهْنِ . وَأَرْدَأَ مَا أُكِلَ بالنمكسود وَلْيُتَجَنّبْ خَلْطُ الْحَلَاوَةِ بِهِ فَإِنّهُ يُورِثُ سُدَدًا كَبِدِيّةً وَإِدْمَانُهُ يُظْلِمُ الْبَصَرَ لِشِدّةِ تَجْفِيفِهِ وَيُعْسِرُ الْبَوْلَ وَيُوجِبُ الْأَوْرَامَ الْبَارِدَةَ وَالرّيَاحَ الْغَلِيظَةَ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ السّمِينُ السّرِيعُ النّضْجِ .
وَأَمّا مَا يَظُنّهُ الْجُهّالُ أَنّهُ كَانَ سِمَاطَ الْخَلِيلِ الّذِي يُقَدّمُهُ لِأَضْيَافِهِ <317> فَكَذِبٌ مُفْتَرًى وَإِنّمَا حَكَى اللّهُ عَنْهُ الضّيَافَةَ بِالشّوَاءِ وَهُوَ الْعِجْلُ الْحَنِيذُ .
[قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الْعَدَسِ ]
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إسْحَاقَ قَالَ سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي جَاءَ فِي الْعَدَسِ أَنّهُ قُدّسَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيّا فَقَالَ وَلَا عَلَى لِسَانِ نَبِيّ وَاحِدٍ وَإِنّهُ لِمُؤْذٍ مُنَفّخٌ مَنْ حَدّثَكُمْ بِهِ ؟ قَالُوا : سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ فَقَالَ عَمّنْ ؟ قَالُوا : عَنْك . قَالَ وَعَنّي أَيْضًا ؟ .
حَرْفُ الْغَيْنِ
غَيْثٌ(64/438)
مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي عِدّةِ مَوَاضِعَ وَهُوَ لَذِيذُ الِاسْمِ عَلَى السّمْعِ وَالْمُسَمّى عَلَى الرّوحِ وَالْبُدْنِ تَبْتَهِجُ الْأَسْمَاعُ بِذِكْرِهِ وَالْقُلُوبُ بِوُرُودِهِ وَمَاؤُهُ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ وَأَلْطَفُهَا وَأَنْفَعُهَا وَأَعْظَمُهَا بَرَكَةً وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَ مِنْ سَحَابٍ رَاعِدٍ وَاجْتَمَعَ فِي مُسْتَنْقَعَاتِ الْجِبَالِ وَهُوَ أَرْطَبُ مِنْ سَائِرِ الْمِيَاهِ لِأَنّهُ لَمْ تَطُلْ مُدّتُهُ عَلَى الْأَرْضِ فَيَكْتَسِبُ مِنْ يُبُوسَتِهَا وَلَمْ يُخَالِطْهُ جَوْهَرٌ يَابِسٌ وَلِذَلِكَ يَتَغَيّرُ وَيَتَعَفّنُ سَرِيعًا لِلَطَافَتِهِ وَسُرْعَةِ انْفِعَالِهِ وَهَلْ الْغَيْثُ الرّبِيعِيّ أَلْطَفُ مِنْ الشّتْوِيّ أَوْ بِالْعَكْسِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ .
[التّرْجِيحُ بَيْنَ الْغَيْثِ الشّتْوِيّ وَالرّبِيعِيّ ]
قَالَ مَنْ رَجّحَ الْغَيْثَ الشّتْوِيّ حَرَارَةُ الشّمْسِ تَكُونُ حِينَئِذٍ أَقَلّ فَلَا تَجْتَذِبُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ إلّا أَلْطَفَهُ وَالْجَوّ صَافٍ وَهُوَ خَالٍ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الدّخّانِيّةِ وَالْغُبَارِ الْمُخَالِطِ لِلْمَاءِ وَكُلّ هَذَا يُوجِبُ لُطْفَهُ وَصَفَاءَهُ وَخُلُوّهُ مِنْ مُخَالِطٍ .
قَالَ مَنْ رَجّحَ الرّبِيعِيّ الْحَرَارَةُ تُوجِبُ تَحَلّلَ الْأَبْخِرَةِ الْغَلِيظَةِ وَتُوجِبُ رِقّةَ الْهَوَاءِ وَلَطَافَتَهُ فَيَخِفّ بِذَلِكَ الْمَاءُ وَتَقِلّ أَجْزَاؤُهُ الْأَرْضِيّةُ وَتُصَادِفُ وَقْتَ حَيَاةِ النّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَطِيبَ الْهَوَاءِ . <318>
[تَبَرّكُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَطَرُ](64/439)
وَذَكَرَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ فَحَسَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَوْبَهُ وَقَالَ إنّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبّهِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي هَدْيِهِ فِي الِاسْتِشْفَاءِ ذِكْرُ اسْتِمْطَارِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَرّكِهِ بِمَاءِ الْغَيْثِ عند أول مجيئه.
حَرْفُ الْفَاءِ
فَاتِحَةُ الْكِتَابِ
وَأُمّ الْقُرْآنِ وَالسّبْعُ الْمَثَانِي وَالشّفَاءُ التّامّ وَالدّوَاءُ النّافِعُ وَالرّقْيَةُ التّامّةُ وَمِفْتَاحُ الْغِنَى وَالْفَلَاحِ وَحَافِظَةُ الْقُوّةِ وَدَافِعَةُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالْخَوْفِ وَالْحَزَنِ لِمَنْ عَرَفَ مِقْدَارَهَا وَأَعْطَاهَا حَقّهَا وَأَحْسَنَ تَنْزِيلَهَا عَلَى دَائِهِ وَعَرَفَ وَجْهَ الِاسْتِشْفَاءِ وَالتّدَاوِي بِهَا وَالسّرّ الّذِي لِأَجْلِهِ كَانَتْ كَذَلِكَ .
وَلَمّا وَقَعَ بَعْضُ الصّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ رَقَى بِهَا اللّدِيغَ فَبَرَأَ لِوَقْتِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا أَدْرَاك أَنّهَا رُقْيَةٌ(64/440)
وَمَنْ سَاعَدَهُ التّوْفِيقُ وَأُعِينَ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ حَتّى وَقَفَ عَلَى أَسْرَارِ هَذِهِ السّورَةِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ التّوْحِيدِ وَمَعْرِفَةِ الذّاتِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَإِثْبَاتِ الشّرْعِ وَالْقَدَرِ وَالْمَعَادِ وَتَجْرِيدِ تَوْحِيدِ الرّبُوبِيّةِ وَالْإِلَهِيّةِ وَكَمَالِ التّوَكّلِ وَالتّفْوِيضِ إلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ كُلّهُ وَلَهُ الْحَمْدُ كُلّهُ وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلّهُ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلّهُ وَالِافْتِقَارُ إلَيْهِ فِي طَلَبِ الْهِدَايَةِ الّتِي هِيَ أَصْلُ سَعَادَةِ الدّارَيْنِ وَعَلِمَ ارْتِبَاطَ مَعَانِيهَا بِجَلْبِ مَصَالِحِهِمَا وَدَفْعِ مَفَاسِدِهِمَا وَأَنّ الْعَاقِبَةَ الْمُطْلَقَةَ التّامّةَ وَالنّعْمَةَ الْكَامِلَةَ مَنُوطَةٌ بِهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى التّحَقّقِ بِهَا أَغْنَتْهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالرّقَى وَاسْتَفْتَحَ بِهَا مِنْ الْخَيْرِ أَبْوَابَهُ وَدَفَعَ بِهَا مِنْ الشّرّ أَسْبَابَهُ .
<319> وَهَذَا أَمْرٌ يَحْتَاجُ اسْتِحْدَاثَ فِطْرَةٍ أُخْرَى وَعَقْلٍ آخَرَ وَإِيمَانٍ آخَرَ وَتَاللّهِ لَا تَجِدُ مَقَالَةً فَاسِدَةً وَلَا بِدْعَةً بَاطِلَةً إلّا وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ مُتَضَمّنَةٌ لِرَدّهَا وَإِبْطَالِهَا بِأَقْرَبِ الطّرُقِ وَأَصَحّهَا وَأَوْضَحِهَا وَلَا تَجِدُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيّةِ وَأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَأَدْوِيَتِهَا مِنْ عِلَلِهَا وَأَسْقَامِهَا إلّا وَفِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ مِفْتَاحُهُ وَمَوْضِعُ الدّلَالَةِ عَلَيْهِ وَلَا مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ السّائِرِينَ إلَى رَبّ الْعَالَمِينَ إلّا وَبِدَايَتُهُ وَنِهَايَتُهُ فِيهَا .(64/441)
وَلَعَمْرُ اللّهِ إنّ شَأْنَهَا لَأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ فَوْقَ ذَلِكَ . وَمَا تَحَقّقَ عَبْدٌ بِهَا وَاعْتَصَمَ بِهَا وَعَقَلَ عَمّنْ تَكَلّمَ بِهَا وَأَنْزَلَهَا شِفَاءً تَامّا وَعِصْمَةً بَالِغَةً وَنُورًا مُبِينًا وَفَهِمَهَا وَفَهِمَ لَوَازِمَهَا كَمَا يَنْبَغِي وَوَقَعَ فِي بِدْعَةٍ وَلَا شِرْكٍ وَلَا أَصَابَهُ مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ إلّا لِمَامًا غَيْرَ مُسْتَقِرّ .
هَذَا وَإِنّهَا الْمِفْتَاحُ الْأَعْظَمُ لِكُنُوزِ الْأَرْضِ كَمَا أَنّهَا الْمِفْتَاحُ لِكُنُوزِ الْجَنّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلّ وَاحِدٍ يُحْسِنُ الْفَتْحَ بِهَذَا الْمِفْتَاحِ وَلَوْ أَنّ طُلّابَ الْكُنُوزِ وَقَفُوا عَلَى سِرّ هَذِهِ السّورَةِ وَتَحَقّقُوا بِمَعَانِيهَا وَرَكّبُوا لِهَذَا الْمِفْتَاحِ أَسْنَانًا وَأَحْسَنُوا الْفَتْحَ بِهِ لَوَصَلُوا إلَى تَنَاوُلِ الْكُنُوزِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوِقٍ وَلَا مُمَانِعٍ .
وَلَمْ نَقُلْ هَذَا مُجَازَفَةً وَلَا اسْتِعَارَةً بَلْ حَقِيقَةً وَلَكِنْ لِلّهِ تَعَالَى حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فِي إخْفَاءِ هَذَا السّرّ عَنْ نُفُوسِ أَكْثَرِ الْعَالَمِينَ كَمَا لَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فِي إخْفَاءِ كُنُوزِ الْأَرْضِ عَنْهُمْ وَالْكُنُوزُ الْمَحْجُوبَةُ قَدْ اُسْتُخْدِمَ عَلَيْهَا أَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ شَيْطَانِيّةٌ تَحُولُ بَيْنَ الْإِنْسِ وَبَيْنَهَا وَلَا تَقْهَرُهَا إلّا أَرْوَاحٌ عُلْوِيّةٌ شَرِيفَةٌ غَالِبَةٌ لَهَا بِحَالِهَا الْإِيمَانِيّ مَعَهَا مِنْهُ أَسْلِحَةٌ لَا تَقُومُ لَهَا الشّيَاطِينُ وَأَكْثَرُ نُفُوسِ النّاسِ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا يُقَاوِمُ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ وَلَا يَقْهَرُهَا وَلَا يَنَالُ مَنْ سَلَبِهَا شَيْئًا فَإِنّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ .
فَاغِيَةٌ(64/442)
هِيَ نَوْرُ الْحِنّاءِ وَهِيَ مِنْ أَطْيَبِ الرّيَاحِينِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابِهِ " شُعَبُ الْإِيمَانِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ <320> سَيّدُ الرّيَاحِينِ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْفَاغِيَةُ وَرَوَى فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَحَبّ الرّيَاحِينِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاغِيَةُ
وَاَللّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَلَا نَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا لَا نَعْلَمُ صِحّتَهُ .
وَهِيَ مُعْتَدِلَةٌ فِي الْحَرّ وَالْيُبْسِ فِيهَا بَعْضُ الْقَبْضِ وَإِذَا وُضِعَتْ بَيْنَ طَيّ ثِيَابِ الصّوفِ حَفِظَتْهَا مِنْ السّوسِ وَتَدْخُلُ فِي مَرَاهِمِ الْفَالِجِ وَالتّمَدّدِ وَدُهْنُهَا يُحَلّلُ الْأَعْضَاءَ وَيُلَيّنُ الْعَصَبَ .
فِضّةٌ
ثَبَتَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضّةٍ وَفَصّهُ مِنْهُ وَكَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِهِ فِضّةً وَلَمْ يَصِحّ عَنْهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ لِبَاسِ الْفِضّةِ وَالتّحَلّي بِهَا شَيْءٌ الْبَتّةَ كَمَا صَحّ عَنْهُ الْمَنْعُ مِنْ الشّرْبِ فِي آنِيَتِهَا وَبَابُ الْآنِيَةِ أَضْيَقُ مِنْ بَابِ اللّبَاسِ وَالتّحَلّي وَلِهَذَا يُبَاحُ لِلنّسَاءِ لِبَاسًا وَحِلْيَةً مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنّ اسْتِعْمَالُهُ آنِيَةً فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْآنِيَةِ تَحْرِيمُ اللّبَاسِ وَالْحِلْيَةِ .(64/443)
وَفِي " السّنَنِ " عَنْهُ وَأَمّا الْفِضّةُ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا فَالْمَنْعُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يُبَيّنُهُ إمّا نَصّ أَوْ إجْمَاعٌ فَإِنْ ثَبَتَ أَحَدُهُمَا وَإِلّا فَفِي الْقَلْبِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى الرّجَالِ شَيْءٌ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْسَكَ بِيَدِهِ ذَهَبًا وَبِالْأُخْرَى حَرِيرًا وَقَالَ هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمّتِي حِلّ لِإِنَاثِهِمْ
<321> وَالْفِضّةُ سِرّ مِنْ أَسْرَارِ اللّهِ فِي الْأَرْضِ وَطَلْسَمُ الْحَاجَاتِ وَإِحْسَانُ أَهْلِ الدّنْيَا بَيْنَهُمْ وَصَاحِبُهَا مَرْمُوقٌ بِالْعُيُونِ بَيْنَهُمْ مُعَظّمٌ فِي النّفُوسِ مُصَدّرٌ فِي الْمَجَالِسِ لَا تُغْلَقُ دُونَهُ الْأَبْوَابُ وَلَا تُمَلّ مُجَالَسَتُهُ وَلَا مُعَاشَرَتُهُ وَلَا يُسْتَثْقَلُ مَكَانُهُ تُشِيرُ الْأَصَابِعُ إلَيْهِ وَتَعْقِدُ الْعُيُونُ نِطَاقَهَا عَلَيْهِ إنْ قَالَ سُمِعَ قَوْلُهُ وَإِنْ شَفَعَ قُبِلَتْ شَفَاعَتُهُ وَإِنْ شَهِدَ زُكّيَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ خَطَبَ فَكُفْءٌ لَا يُعَابُ وَإِنْ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ بَيْضَاءَ فَهِيَ أَجْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ حِلْيَةِ الشّبَابِ .
وَهِيَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرِحَةِ النّافِعَةِ مِنْ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالْحَزَنِ وَضَعْفِ الْقَلْبِ وَخَفَقَانهُ وَتَدْخُلُ فِي الْمَعَاجِينِ الْكِبَارِ وَتَجْتَذِبُ بِخَاصّيّتِهَا مَا يَتَوَلّدُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْأَخْلَاطِ الْفَاسِدَةِ خُصُوصًا إذَا أُضِيفَتْ إلَى الْعَسَلِ الْمُصَفّى وَالزّعْفَرَانِ .(64/444)
وَمِزَاجُهَا إلَى الْيُبُوسَةِ وَالْبُرُودَةِ وَيَتَوَلّدُ عَنْهَا مِنْ الْحَرَارَةِ وَالرّطُوبَةِ مَا يَتَوَلّدُ وَالْجِنَانُ الّتِي أَعَدّهَا اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أَرْبَعٌ جَنّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَجَنّتَانِ مِنْ فِضّةٍ آنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " الصّحِيحُ " مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهُ قَالَ الّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ إنّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنّمَ
وَصَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا فَإِنّهَا لَهُمْ فِي الدّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ
[عِلّةُ تَحْرِيمِ الْفِضّةِ ]
فَقِيلَ عِلّةُ التّحْرِيمِ تَضْيِيقُ النّقُودِ فَإِنّهَا إذَا اُتّخِذَتْ أَوَانِيَ فَاتَتْ الْحِكْمَةُ <322> الّتِي وُضِعَتْ لِأَجْلِهَا مِنْ قِيَامِ مَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ الْعِلّةُ الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ . وَقِيلَ الْعِلّةُ كَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا رَأَوْهَا وَعَايَنُوهَا .(64/445)
وَهَذِهِ الْعِلَلُ فِيهَا مَا فِيهَا فَإِنّ التّعْلِيلَ بِتَضْيِيقِ النّقُودِ يَمْنَعُ مِنْ التّحَلّي بِهَا وَجَعْلِهَا سَبَائِكَ وَنَحْوَهَا مِمّا لَيْسَ بِآنِيَةٍ وَلَا نَقْدٍ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ حَرَامٌ بِأَيّ شَيْءٍ كَانَ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْمَسَاكِينِ لَا ضَابِطَ لَهُ فَإِنّ قُلُوبَهُمْ تَنْكَسِرُ بِالدّورِ الْوَاسِعَةِ وَالْحَدَائِقِ الْمُعْجِبَةِ وَالْمَرَاكِبِ الْفَارِهَةِ وَالْمَلَابِسِ الْفَاخِرَةِ وَالْأَطْعِمَةِ اللّذِيذَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَكُلّ هَذِهِ عِلَلٌ مُنْتَقِضَةٌ إذْ تُوجَدُ الْعِلّةُ وَيَتَخَلّفُ مَعْلُولُهَا .
[عِلّةٌ عِنْدَ الْمُصَنّفِ ]
فَالصّوَابُ أَنّ الْعِلّةَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - مَا يُكْسِبُ اسْتِعْمَالُهَا الْقَلْبَ مِنْ الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلْعُبُودِيّةِ مُنَافَاةً ظَاهِرَةً وَلِهَذَا عَلّلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهَا لِلْكُفّارِ فِي الدّنْيَا إذْ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْعُبُودِيّةِ الّتِي يَنَالُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ نَعِيمَهَا فَلَا يَصْلُحُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَبِيدِ اللّهِ فِي الدّنْيَا وَإِنّمَا يَسْتَعْمِلُهَا مَنْ خَرَجَ عَنْ عُبُودِيّتِهِ وَرَضِيَ بِالدّنْيَا وَعَاجِلِهَا مِنْ الْآخِرَةِ .
حَرْفُ الْقَافِ
قُرْآنٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [ الْإِسْرَاءُ : 82 ] وَالصّحِيحُ أَنّ " مِنْ " هَا هُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتّبْعِيضِ وَقَالَ تَعَالَى : يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ [ يُونُسُ 57 ] .(64/446)
فَالْقُرْآنُ هُوَ الشّفَاءُ التّامّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيّةِ وَالْبَدَنِيّةِ وَأَدْوَاءِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا كُلّ أَحَدٍ يُؤَهّلُ وَلَا يُوَفّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التّدَاوِي بِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ وَقَبُولٍ تَامّ وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ لَمْ يُقَاوِمْهُ الدّاءُ أَبَدًا .
<323> وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الْأَدْوَاءُ كَلَامَ رَبّ الْأَرْضِ وَالسّمَاءِ الّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدّعَهَا أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطّعَهَا فَمَا مِنْ مَرَضٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إلّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ وَالْحَمِيّةِ مِنْهُ لِمَنْ رَزَقَهُ اللّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكَلَامِ عَلَى الطّبّ بَيَانُ إرْشَادِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إلَى أُصُولِهِ وَمَجَامِعِهِ الّتِي هِيَ حِفْظُ الصّحّةِ وَالْحِمْيَةُ وَاسْتِفْرَاغُ الْمُؤْذِي وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْرَادِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ .
وَأَمّا الْأَدْوِيَةُ الْقَلْبِيّةُ فَإِنّهُ يَذْكُرُهَا مُفَصّلَةً وَيَذْكُرُ أَسْبَابَ أَدْوَائِهَا وَعِلَاجَهَا . قَالَ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [ الْعَنْكَبُوت : 51 ] فَمَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْقُرْآنُ فَلَا شَفَاهُ اللّهُ وَمَنْ لَمْ يَكْفِهِ فَلَا كَفَاهُ اللّهُ .
قِثّاءٌ(64/447)
فِي " السّنَنِ " : مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَأْكُلُ الْقِثّاءَ بِالرّطَبِ وَرَوَاهُ التّرْمِذِيّ وَغَيْرُهُ الْقِثّاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ مُطْفِئٌ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ الْمُلْتَهِبَةِ بَطِيءُ الْفَسَادِ فِيهَا نَافِعٌ مِنْ وَجَعِ الْمَثَانَةِ وَرَائِحَتُهُ تَنْفَعُ مِنْ الْغَشْيِ وَبِزْرُهُ يُدِرّ الْبَوْلَ وَوَرَقُهُ إذَا اُتّخِذَ ضِمَادًا نَفَعَ مِنْ عَضّةِ الْكَلْبِ وَهُوَ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ عَنْ الْمَعِدَةِ وَبَرْدُهُ مُضِرّ بِبَعْضِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَعَهُ مَا يُصْلِحُهُ وَيَكْسِرُ بُرُودَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَكَلَهُ بِالرّطَبِ فَإِذَا أُكِلَ بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ عَسَلٍ عَدّلَهُ .
قُسْطٌ وَكُسْتٌ
بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيّ
<324> وَفِي " الْمُسْنَدِ " : مِنْ حَدِيثِ أُمّ قَيْسٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيّ فَإِنّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ
الْقُسْطُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا : الْأَبْيَضُ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْبَحْرِيّ . وَالْآخَرُ الْهِنْدِيّ وَهُوَ أَشَدّهُمَا حَرّا وَالْأَبْيَضُ أَلْيَنُهُمَا وَمَنَافِعُهُمَا كَثِيرَةٌ جِدّا .(64/448)
وَهُمَا حَارّانِ يَابِسَانِ فِي الثّالِثَةِ يُنَشّفَانِ الْبَلْغَمَ قَاطِعَانِ لِلزّكَامِ وَإِذَا شُرِبَا نَفَعَا مِنْ ضَعْفِ الْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ وَمِنْ بَرْدِهِمَا وَمِنْ حُمّى الدّوْرِ وَالرّبْعِ وَقَطَعَا وَجَعَ الْجَنْبِ وَنَفَعَا مِنْ السّمُومِ وَإِذَا طُلِيَ بِهِ الْوَجْهُ مَعْجُونًا بِالْمَاءِ وَالْعَسَلِ قَلَعَ الْكَلَفَ وَقَالَ جَالِينُوسُ : يَنْفَعُ مِنْ الْكُزَازِ وَوَجَعِ الْجَنْبَيْنِ وَيَقْتُلُ حَبّ الْقَرَعِ .
[الرّدّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ نَفْعَهُ لِلْمَجْنُوبِ ]
وَقَدْ خَفِيَ عَلَى جُهّالِ الْأَطِبّاءِ نَفْعُهُ مِنْ وَجَعِ ذَاتِ الْجَنْبِ فَأَنْكَرُوهُ وَلَوْ ظَفِرَ هَذَا الْجَاهِلُ بِهَذَا النّقْلِ عَنْ جَالِينُوسَ لِنُزُولِهِ مَنْزِلَةَ النّصّ كَيْفَ وَقَدْ نَصّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَطِبّاءِ الْمُتَقَدّمِينَ عَلَى أَنّ الْقُسْطَ يَصْلُحُ لِلنّوْعِ الْبَلْغَمِيّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْجَهْمِ .
وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ طِبّ الْأَطِبّاءِ بِالنّسْبَةِ إلَى طِبّ الْأَنْبِيَاءِ أَقَلّ مِنْ نِسْبَةِ طِبّ الطّرُقِيّةِ وَالْعَجَائِزِ إلَى طِبّ الْأَطِبّاءِ وَأَنّ بَيْنَ مَا يُلْقَى بِالْوَحْيِ وَبَيْنَ مَا يُلْقَى بِالتّجْرِبَةِ وَالْقِيَاسِ مِنْ الْفَرْقِ أَعْظَمُ مِمّا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالْفَرَقِ .
وَلَوْ أَنّ هَؤُلَاءِ الْجُهّالَ وَجَدُوا دَوَاءً مَنْصُوصًا عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ الْأَطِبّاءِ لَتَلَقّوْهُ بِالْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ وَلَمْ يَتَوَقّفُوا عَلَى تَجْرِبَتِهِ .(64/449)
نَعَمْ نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنّ لِلْعَادَةِ تَأْثِيرًا فِي الِانْتِفَاعِ بِالدّوَاءِ وَعَدَمِهِ فَمَنْ اعْتَادَ <325> دَوَاءً وَغِذَاءً كَانَ أَنْفَعَ لَهُ وَأَوْفَقَ مِمّنْ لَمْ يَعْتَدْهُ بَلْ رُبّمَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ .
وَكَلَامُ فُضَلَاءِ الْأَطِبّاءِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْعَوَائِدِ وَإِذَا كَانَ التّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي كَلَامِ الصّادِقِ الْمَصْدُوقِ وَلَكِنّ نُفُوسَ الْبَشَرِ مُرَكّبَةٌ عَلَى الْجَهْلِ وَالظّلْمِ إلّا مَنْ أَيّدَهُ اللّهُ بِرُوحِ الْإِيمَانِ وَنَوّرَ بَصِيرَتَهُ بِنُورِ الْهُدَى .
قَصَبُ السّكّرِ
جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ السّنّةِ الصّحِيحَةِ فِي الْحَوْضِ مَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ السّكّر وَلَا أَعْرِفُ السّكّرَ فِي الْحَدِيثِ إلّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَالسّكّرُ حَادِثٌ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ مُتَقَدّمُو الْأَطِبّاءِ وَلَا كَانُوا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَصِفُونَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ وَإِنّمَا يَعْرِفُونَ الْعَسَلَ وَيُدْخِلُونَهُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَقَصَبُ السّكّرِ حَارّ رَطْبٌ يَنْفَعُ مِنْ السّعَالِ وَيَجْلُو الرّطُوبَةَ وَالْمَثَانَةَ وَقَصَبَةَ الرّئَةِ وَهُوَ أَشَدّ تَلْيِينًا مِنْ السّكّرِ وَفِيهِ مَعُونَةٌ عَلَى الْقَيْءِ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيَزِيدُ فِي <326> الْبَاهِ .
قَالَ عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصّفّارُ : مَنْ مَصّ قَصَبَ السّكّرِ بَعْدَ طَعَامِهِ لَمْ يَزَلْ يَوْمَهُ أَجْمَعَ فِي سُرُورٍ انْتَهَى .
وَهُوَ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الصّدْرِ وَالْحَلْقِ إذَا شُوِيَ وَيُوَلّدُ رِيَاحًا دَفَعَهَا بِأَنْ يُقَشّرَ وَيُغْسَلَ بِمَاءٍ حَارّ .(64/450)
وَالسّكّرُ حَارّ رَطْبٌ عَلَى الْأَصَحّ وَقِيلَ بَارِدٌ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ الشّفّافُ الطّبَرْزَدُ وَعَتِيقُهُ أَلْطَفُ مِنْ جَدِيدِهِ وَإِذَا طُبِخَ وَنُزِعَتْ رَغْوَتُهُ سَكّنَ الْعَطَشَ وَالسّعَالَ وَهُوَ يَضُرّ الْمَعِدَةَ الّتِي تَتَوَلّدُ فِيهَا الصّفْرَاءُ لِاسْتِحَالَتِهِ إلَيْهَا وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِمَاءِ اللّيْمُونِ أَوْ النّارِنْجِ أَوْ الرّمّانِ اللفان .
وَبَعْضُ النّاسِ يُفَضّلُهُ عَلَى الْعَسَلِ لِقِلّةِ حَرَارَتِهِ وَلِينِهِ وَهَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ عَلَى الْعَسَلِ فَإِنّ مَنَافِعَ الْعَسَلِ أَضْعَافُ مَنَافِعِ السّكّرِ وَقَدْ جَعَلَهُ اللّهُ شِفَاءً وَدَوَاءً وَإِدَامًا وَحَلَاوَةً وَأَيْنَ نَفْعُ السّكّرِ مِنْ مَنَافِعِ الْعَسَلِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ وَتَلْيِينِ الطّبْعِ وَإِحْدَادِ الْبَصَرِ وَجَلَاءِ ظُلْمَتِهِ وَدَفْعِ الْخَوَانِيقِ بِالْغَرْغَرَةِ بِهِ وَإِبْرَائِهِ مِنْ الْفَالِجِ وَاللّقْوَةِ وَمِنْ جَمِيعِ الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ الّتِي تَحْدُثُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ مِنْ الرّطُوبَاتِ فَيَجْذِبُهَا مِنْ قَعْرِ الْبَدَنِ وَمِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَحِفْظِ صِحّتِهِ وَتَسْمِينِهِ وَتَسْخِينِهِ وَالزّيَادَةِ فِي الْبَاهِ وَالتّحْلِيلِ وَالْجِلَاءِ وَفَتْحِ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ وَتَنْقِيَةِ الْمِعَى وَإِحْدَارِ الدّودِ وَمَنْعِ التّخَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَفَنِ وَالْأُدْمِ النّافِعِ وَمُوَافَقَةِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ وَالْمَشَايِخُ وَأَهْلُ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا شَيْءَ أَنْفَعُ مِنْهُ لِلْبَدَنِ وَفِي الْعِلَاجِ وَعَجْزِ الْأَدْوِيَةِ وَحِفْظِ قُوَاهَا وَتَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ إلَى أَضْعَافِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ فَأَيْنَ لِلسّكّرِ مِثْلُ هَذِهِ الْمَنَافِعِ
حَرْفُ الْكَافِ
كِتَابٌ لِلْحُمّى(64/451)
قَالَ الْمَرْوَزِيّ : بَلَغَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَنّي حُمِمْت فَكَتَبَ لِي مِنْ <327> الْحُمّى رُقْعَةٌ فِيهَا : بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمُ بِسْمِ اللّهِ وَبِاَللّهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ قُلْنَا : يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ اللّهُمّ رَبّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ اشْفِ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِك وَقُوّتِك وَجَبَرُوتِك إلَهَ الْحَقّ آمِينَ .
[ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ التّمَائِمِ ]
قَالَ الْمَرْوَزِيّ : وَقَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللّهِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - أَبُو الْمُنْذِرِ عَمْرُو بْنُ مُجَمّعٍ حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ حِبّانَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمّدَ بْنَ عَلِيّ أَنْ أُعَلّقَ التّعْوِيذَ فَقَالَ
إنْ كَانَ مِنْ كِتَابِ اللّهِ أَوْ كَلَامٍ عَنْ نَبِيّ اللّهِ فَعَلّقْهُ وَاسْتَشْفِ بِهِ مَا اسْتَطَعْتَ . قُلْتُ أَكْتُبُ هَذِهِ مِنْ حُمّى الرّبْعِ بِاسْمِ اللّهِ وَبِاَللّهِ وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ إلَى آخِرِهِ ؟ قَالَ أَيْ نَعَمْ .
وَذَكَرَ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا أَنّهُمْ سَهّلُوا فِي ذَلِكَ .
قَالَ حَرْبٌ وَلَمْ يُشَدّدْ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ أَحْمَدُ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً جِدّا . وَقَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ التّمَائِمِ تُعَلّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ ؟ قَالَ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ .
قَالَ الْخَلّالُ وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَكْتُبُ التّعْوِيذَ لِلّذِي يَفْزَعُ وَلِلْحُمّى بَعْدَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ .
كِتَابٌ لِعُسْرِ الْوِلَادَةِ(64/452)
قَالَ الْخَلّالُ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ : قَالَ رَأَيْتُ أَبِي يَكْتُبُ لِلْمَرْأَةِ إذَا عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادَتُهَا فِي جَامٍ أَبْيَضَ أَوْ شَيْءٍ نَظِيفٍ يَكْتُبُ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللّهِ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ [ الْأَحْقَافُ 35 ] كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا عَشِيّةً أَوْ ضُحَاهَا
[ النّازِعَاتُ 46 ] .
قَالَ الْخَلّالُ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيّ أَنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ تَكْتُبُ لِامْرَأَةٍ قَدْ عَسُرَ عَلَيْهَا وَلَدُهَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ ؟ فَقَالَ قُلْ لَهُ يَجِيءُ بِجَامٍ وَاسِعٍ وَزَعْفَرَانٍ وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَيَذْكُرُ عَنْ عِكْرِمَةَ <328> عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ
مَرّ عِيسَى صَلّى اللّهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَقَرَةٍ قَدْ اعْتَرَضَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَتْ يَا كَلِمَةَ اللّهِ اُدْعُ اللّه لِي أَنْ يُخَلّصَنِي مِمّا أَنَا فِيهِ فَقَالَ
يَا خَالِقَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ وَيَا مُخَلّصَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ وَيَا مُخْرِجَ النّفْسِ مِنْ النّفْسِ خَلّصْهَا . قَالَ فَرَمَتْ بِوَلَدِهَا فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تَشُمّهُ قَالَ فَإِذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا فَاكْتُبْهُ لَهَا . وَكُلّ مَا تَقَدّمَ مِنْ الرّقَى فَإِنّ كِتَابَتَهُ نَافِعَةٌ .
[ حُكْمُ كِتَابَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَشُرْبِهِ ](64/453)
وَرَخّصَ جَمَاعَةٌ مِنْ السّلَفِ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَشُرْبِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الشّفَاءِ الّذِي جَعَلَ اللّه فِيهِ .
كِتَابٌ آخَرُ لِذَلِكَ يُكْتَبُ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ إِذَا السّمَاءُ انْشَقّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلّتْ [ الِانْشِقَاقُ 41 ] وَتَشْرَبُ مِنْهُ الْحَامِلُ وَيُرَشّ عَلَى بَطْنِهَا .
كِتَابٌ لِلرّعَافِ
كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ رَحِمَهُ اللّهُ يَكْتُبُ عَلَى جَبْهَتِهِ
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ [ هُود : 44 ] . وَسَمِعْته يَقُولُ كَتَبْتهَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ فَبَرَأَ فَقَالَ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا بِدَمِ الرّاعِفِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهّالُ فَإِنّ الدّمَ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ كَلَامُ اللّهِ تَعَالَى .
كِتَابٌ آخَرُ لَهُ خَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ بِرِدَاءٍ فَوَجَدَ شُعَيْبًا فَشَدّهُ بِرِدَائِهِ يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الْكِتَابِ [ الرّعْدُ 39 ] .
كِتَابٌ آخَرُ لِلْحَزّازِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ [ الْبَقَرَةُ 266 ] بِحَوْلِ اللّهِ وَقُوّتِهِ . كِتَابٌ آخَرُ لَهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشّمْسِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْحَدِيدُ 28 ] .
<329> كِتَابٌ آخَرُ لِلْحُمّى الْمُثَلّثَةِ يُكْتَبُ عَلَى ثَلَاثِ وَرَقَاتٍ لِطَافٍ(64/454)
بِسْمِ اللّهِ فَرّتْ بِسْمِ اللّهِ مَرّتْ بِسْمِ اللّهِ قَلّتْ وَيَأْخُذُ كُلّ يَوْمٍ وَرَقَةً وَيَجْعَلُهَا فِي فَمِهِ وَيَبْتَلِعُهَا بِمَاءٍ .
كِتَابٌ آخَرُ لِعِرْقِ النّسَا : بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ اللّهُمّ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَمَلِيكَ كُلّ شَيْءٍ وَخَالِقَ كُلّ شَيْءٍ أَنْتَ خَلَقْتنِي وَأَنْتَ خَلَقْت النّسَا فَلَا تُسَلّطْهُ عَلَيّ بِأَذًى وَلَا تُسَلّطْنِي عَلَيْهِ بِقَطْعٍ وَاشْفِنِي شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا لَا شَافِيَ إلّا أَنْتَ .
كِتَابٌ لِلْعَرَقِ الضّارِبِ
رَوَى التّرْمِذِي ّ فِي " جَامِعِهِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُعَلّمُهُمْ مِنْ الْحُمّى وَمِنْ الْأَوْجَاعِ كُلّهَا أَنْ يَقُولُوا : بِسْمِ اللّهِ الْكَبِيرِ أَعُوذُ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ مِنْ شَرّ كُلّ عَرَقٍ نَعّارٍ وَمِنْ شَرّ حَرّ النّارِ
كِتَابٌ لِوَجَعِ الضّرْسِ
يُكْتَبُ عَلَى الْخَدّ الّذِي يَلِي الْوَجَعَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قُلْ هُوَ الّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [ النّحْلُ 78 ] وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللّيْلِ وَالنّهَارِ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ [ الْأَنْعَامُ 13 ] . كِتَابٌ لِلْخَرَاجِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [ طه : 105 ] .
كَمْأَةٌ
ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ أَخْرَجَاهُ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " .(64/455)
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ : الْكَمْأَةُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ كَمْءٌ وَهَذَا خِلَافُ <330> قِيَاسِ الْعَرَبِيّةِ فَإِنّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ التّاءُ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ التّاءُ وَإِذَا حُذِفَتْ كَانَ لِلْجَمْعِ . وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ قَالُوا : وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا إلّا حَرْفَانِ كَمْأَةٌ وَكَمْءٌ وَجَبْأَةٌ وَجَبْءٌ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ : بَلْ هِيَ عَلَى الْقِيَاسِ الْكَمْأَةُ لِلْوَاحِدِ وَالْكَمْءُ لِلْكَثِيرِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا : الْكَمْأَةُ تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا .
وَاحْتَجّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ بِأَنّهُمْ قَدْ جَمَعُوا كَمْئًا عَلَى أَكْمُؤٍ قَالَ الشّاعِرُ
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلًا
وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الْأَوْبَرِ
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ " كَمْئًا " مُفْرَدٌ " وَكَمْأَةً " جَمْعٌ .
وَالْكَمْأَةُ تَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ وَسُمّيَتْ كَمْأَةً لِاسْتِتَارِهَا وَمِنْهُ كَمَأَ الشّهَادَةَ إذَا سَتَرَهَا وَأَخْفَاهَا وَالْكَمْأَةُ مَخْفِيّةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ وَمَادّتُهَا مِنْ جَوْهَرِ أَرْضِيّ بُخَارِيّ مُحْتَقِنٍ فِي الْأَرْضِ نَحْوَ سَطْحِهَا يَحْتَقِنُ بِبَرْدِ الشّتَاءِ وَتُنَمّيهِ أَمْطَارُ الرّبِيعِ فَيَتَوَلّدُ وَيَنْدَفِعُ نَحْوَ سَطْحِ الْأَرْضِ مُتَجَسّدًا وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهَا : جُدَرِيّ الْأَرْضِ تَشْبِيهًا بِالْجُدَرِيّ فِي صُورَتِهِ وَمَادّتِهِ لِأَنّ مَادّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيّةٌ فَتَنْدَفِعُ عِنْدَ سِنّ التّرَعْرُعِ فِي الْغَالِبِ وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ وَنَمَاءِ الْقُوّةِ .(64/456)
وَهِيَ مِمّا يُوجَدُ فِي الرّبِيعِ وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَتُسَمّيهَا الْعَرَبُ : نَبَاتَ الرّعْدِ لِأَنّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ وَتَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ وَهِيَ مِنْ أَطْعِمَةِ أَهْلِ الْبَوَادِي <331> وَتَكْثُرُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَأَجْوَدُهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهَا رَمْلِيّةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ .
وَهِيَ أَصْنَافٌ مِنْهَا صِنْفٌ قَتّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الْحُمْرَةِ يُحْدِثُ الِاخْتِنَاقَ . وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الدّرَجَةِ الثّالِثَةِ رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَإِذَا أُدْمِنَتْ أَوْرَثَتْ الْقُولَنْجَ وَالسّكْتَةَ وَالْفَالِجَ وَوَجَعَ الْمَعِدَةِ وَعُسْرَ الْبَوْلِ وَالرّطْبَةُ أَقَلّ ضَرَرًا مِنْ الْيَابِسَةِ وَمَنْ أَكَلَهَا فَلْيَدْفِنْهَا فِي الطّينِ الرّطْبِ وَيَسْلُقْهَا بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالصّعْتَرِ وَيَأْكُلْهَا بِالزّيْتِ وَالتّوَابِلِ الْحَارّةِ لِأَنّ جَوْهَرَهَا أَرْضِيّ غَلِيظٌ وَغِذَاؤُهَا رَدِيءٌ لَكِنْ فِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيّ لَطِيفٌ يَدُلّ عَلَى خِفّتِهَا وَالِاكْتِحَالُ بِهَا نَافِعٌ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ وَالرّمَدِ الْحَارّ وَقَدْ اعْتَرَفَ فُضَلَاءُ الْأَطِبّاءِ بِأَنّ مَاءَهَا يَجْلُو الْعَيْنَ وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْمَسِيحِيّ وَصَاحِبُ الْقَانُونِ وَغَيْرُهُمَا .
[ مَعْنَى " الْكَمْأَةِ مِنْ الْمَنّ " ](64/457)
وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّ الْمَنّ الّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحُلْوَ فَقَطْ بَلْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مَنّ اللّهُ عَلَيْهِمْ بِهَا مِنْ النّبَاتِ الّذِي يُوجَدُ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ وَلَا عِلَاجٍ وَلَا حَرْثٍ فَإِنّ الْمَنّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ " مَمْنُونٌ " بِهِ فَكُلّ مَا رَزَقَهُ اللّهُ الْعَبْدَ عَفْوًا بِغَيْرِ كَسْبٍ مِنْهُ وَلَا عِلَاجٍ فَهُوَ مَنّ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرُ نِعَمِهِ مَنّا مِنْهُ عَلَى عَبْدِهِ فَخَصّ مِنْهَا مَا لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَلَا صُنْعَ بِاسْمِ الْمَنّ فَإِنّهُ مَنّ بِلَا وَاسِطَةِ الْعَبْدِ وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ قُوّتَهُمْ بِالتّيهِ الْكَمْأَةُ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ الْخَبَزِ وَجَعَلَ أُدْمَهُمْ السّلْوَى وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ اللّحْمِ وَجَعَلَ حَلْوَاهُمْ الطّلّ الّذِي يَنْزِلُ عَلَى الْأَشْجَارِ يَقُومُ لَهُمْ مَقَامَ الْحَلْوَى فَكَمُلَ عَيْشُهُمْ .
وَتَأَمّلْ قَوْلَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنّ الّذِي أَنْزَلَهُ اللّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَجَعَلَهَا مِنْ جُمْلَتِهِ وَفَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ والترنجبين الّذِي يَسْقُطُ عَلَى الْأَشْجَارِ نَوْعٌ مِنْ الْمَنّ ثُمّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَنّ عَلَيْهِ عُرْفًا حَادِثًا . <332>
وَالْقَوْلُ الثّانِي : أَنّهُ شَبّهَ الْكَمْأَةَ بِالْمَنّ الْمُنَزّلِ مِنْ السّمَاءِ لِأَنّهُ يُجْمَعُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَلَا زَرْعِ بِزْرٍ وَلَا سَقْيٍ .
[ مِنْ أَيْنَ أَتَى الضّرَرُ الْوَاقِعُ فِيهَا ](64/458)
فَإِنْ قُلْت : فَإِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَ الْكَمْأَةِ فَمَا بَالُ هَذَا الضّرَرِ فِيهَا وَمِنْ أَيْنَ أَتَاهَا ذَلِكَ ؟ فَاعْلَمْ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ صُنْعَهُ وَأَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فَهُوَ عِنْدَ مَبْدَأِ خَلْقِهِ بَرِيءٌ مِنْ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ تَامّ الْمَنْفَعَةِ لِمَا هُيّئَ وَخُلِقَ لَهُ وَإِنّمَا تَعْرِضُ لَهُ الْآفَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُمُورٍ أُخَرَ مِنْ مُجَاوَرَةٍ أَوْ امْتِزَاجٍ وَاخْتِلَاطٍ أَوْ أَسْبَابٍ أُخَرَ تَقْتَضِي فَسَادَهُ فَلَوْ تُرِكَ عَلَى خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَلّقِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ بِهِ لَمْ يَفْسُدْ .
[ قِلّةُ الْبَرَكَةِ وَالْآفَاتُ جَاءَتْ مِنْ كَثْرَةِ الْفَسَادِ ](64/459)
وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْعَالَمِ وَمَبْدَئِهِ يَعْرِفُ أَنّ جَمِيعَ الْفَسَادِ فِي جَوّهِ وَنَبَاتِهِ وَحَيَوَانِهِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهِ حَادِثٌ بَعْدَ خَلْقِهِ بِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ حُدُوثَهُ وَلَمْ تَزَلْ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ وَمُخَالَفَتُهُمْ لِلرّسُلِ تُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ الْفَسَادِ الْعَامّ وَالْخَاصّ مَا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالطّوَاعِينِ وَالْقُحُوطِ وَالْجُدُوبِ وَسَلْبِ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَنَبَاتِهَا وَسَلْبِ مَنَافِعِهَا أَوْ نُقْصَانِهَا أُمُورًا مُتَتَابِعَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنْ لَمْ يَتّسِعْ عِلْمُك لِهَذَا فَاكْتَفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ [ الرّومُ : 41 ] وَنَزّلْ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَطَابِقْ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَهَا وَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ تَحْدُثُ الْآفَاتُ وَالْعِلَلُ كُلّ وَقْتٍ فِي الثّمَارِ وَالزّرْعِ وَالْحَيَوَانِ وَكَيْفَ يَحْدُثُ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ آفَاتٌ أُخَرُ مُتَلَازِمَةٌ بَعْضُهَا آخِذٌ بِرِقَابِ بَعْضٍ وَكُلّمَا أَحْدَثَ النّاسُ ظُلْمًا وَفُجُورًا أَحْدَثَ لَهُمْ رَبّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ فِي أَغْذِيَتِهِمْ وَفَوَاكِهِهِمْ وَأَهْوِيَتِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَخَلْقِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ مِنْ النّقْصِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ مُوجَبُ أَعْمَالِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَفُجُورِهِمْ .
وَلَقَدْ كَانَتْ الْحُبُوبُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا أَكْبَرَ مِمّا هِيَ الْيَوْمَ كَمَا كَانَتْ <333> الْبَرَكَةُ فِيهَا أَعْظَمَ .(64/460)
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنّهُ وَجَدَ فِي خَزَائِنِ بَعْضِ بَنِي أُمَيّةَ صُرّةً فِيهَا حِنْطَةٌ أَمْثَالَ نَوَى التّمْرِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا : هَذَا كَانَ يَنْبُتُ أَيّامَ الْعَدْلِ . وَهَذِهِ الْقِصّةُ ذَكَرَهَا فِي " مُسْنَدِهِ " عَلَى أَثَرِ حَدِيثٍ رَوَاهُ .
وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَالْآفَاتِ الْعَامّةِ بَقِيّةُ عَذَابٍ عُذّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ السّالِفَةُ ثُمّ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيّةٌ مُرْصَدَةٌ لِمَنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيّةٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ حَكَمًا قِسْطًا وَقَضَاءً عَدْلًا وَقَدْ أَشَارَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فِي الطّاعُونِ إنّهُ بَقِيّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ
وَكَذَلِكَ سَلّطَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرّيحَ عَلَى قَوْمٍ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ ثُمّ أَبْقَى فِي الْعَالَمِ مِنْهَا بَقِيّةً فِي تِلْكَ الْأَيّامِ وَفِي نَظِيرِهَا عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ .(64/461)
وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْبَرّ وَالْفَاجِرِ مُقْتَضِيَاتٍ لِآثَارِهَا فِي هَذَا الْعَالَمِ اقْتِضَاءً لَا بُدّ مِنْهُ فَجَعَلَ مَنْعَ الْإِحْسَانِ وَالزّكَاةِ وَالصّدَقَةِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْغَيْثِ مِنْ السّمَاءِ وَالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَجَعَلَ ظُلْمَ الْمَسَاكِينِ وَالْبَخْسَ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ وَتَعَدّي الْقَوِيّ عَلَى الضّعِيفِ سَبَبًا لِجَوْرِ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ الّذِينَ لَا يَرْحَمُونَ إنْ اُسْتُرْحِمُوا وَلَا يَعْطِفُونَ إنْ اُسْتُعْطِفُوا وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَعْمَالُ الرّعَايَا ظَهَرَتْ فِي صُوَرِ وُلَاتِهِمْ <334> فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ يُظْهِرُ لِلنّاسِ أَعْمَالَهُمْ فِي قَوَالِبَ وَصُوَرٍ تُنَاسِبُهَا فَتَارَةً بِقَحْطٍ وَجَدْبٍ وَتَارَةً بِعَدُوّ وَتَارَةً بِوُلَاةٍ جَائِرِينَ وَتَارَةً بِأَمْرَاضٍ عَامّةٍ وَتَارَةً بِهُمُومٍ وَآلَامٍ وَغُمُومٍ تُحْضِرُهَا نُفُوسُهُمْ لَا يَنْفَكّونَ عَنْهَا وَتَارَةً بِمَنْعِ بَرَكَاتِ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَنْهُمْ وَتَارَةً بِتَسْلِيطِ الشّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ تَؤُزّهُمْ إلَى أَسْبَابِ الْعَذَابِ أَزّا لِتَحِقّ عَلَيْهِمْ الْكَلِمَةُ وَلِيَصِيرَ كُلّ مِنْهُمْ إلَى مَا خُلِقَ لَهُ وَالْعَاقِلُ يُسَيّرُ بَصِيرَتَهُ بَيْنَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ فَيُشَاهِدُهُ وَيَنْظُرُ مَوَاقِعَ عَدْلِ اللّهِ وَحِكْمَتِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَبَيّنُ لَهُ أَنّ الرّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ خَاصّةً عَلَى سَبِيلِ النّجَاةِ وَسَائِرُ الْخَلْقِ عَلَى سَبِيلِ الْهَلَاكِ سَائِرُونَ وَإِلَى دَارِ الْبَوَارِ صَائِرُونَ وَاَللّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ لَا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا رَادّ لِأَمْرِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
[ مَعْنَى " مَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ " ](64/462)
وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْكَمْأَةِ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا : أَنّ مَاءَهَا يُخْلَطُ فِي الْأَدْوِيَةِ الّتِي يُعَالَجُ بِهَا الْعَيْنُ لَا أَنّهُ يُسْتَعْمَلُ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ .
الثّانِي : أَنّهُ يُسْتَعْمَلُ بَحْتًا بَعْدَ شَيّهَا وَاسْتِقْطَارِ مَائِهَا لِأَنّ النّارَ تُلَطّفُهُ وَتُنْضِجُهُ وَتُذِيبُ فَضَلَاتِهِ وَرُطُوبَتَهُ الْمُؤْذِيَةَ وَتُبْقِي الْمَنَافِعَ .
الثّالِثُ أَنّ الْمُرَادَ بِمَائِهَا الْمَاءُ الّذِي يَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْمَطَرِ وَهُوَ أَوّلُ قَطْرٍ يَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إضَافَةَ اقْتِرَانٍ لَا إضَافَةَ جُزْءٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ وَهُوَ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَأَضْعَفُهَا .
وَقِيلَ إنْ اُسْتُعْمِلَ مَاؤُهَا لِتَبْرِيدِ مَا فِي الْعَيْنِ فَمَاؤُهَا مُجَرّدًا شِفَاءٌ إنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكّبٌ مَعَ غَيْرِهِ .
وَقَالَ الْغَافِقِيّ : مَاءُ الْكَمْأَةِ أَصْلَحُ الْأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ إذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِدُ وَاكْتُحِلَ بِهِ وَيُقَوّي أَجْفَانَهَا وَيَزِيدُ الرّوحَ الْبَاصِرَةَ قُوّةً وَحِدّةً وَيَدْفَعُ عَنْهَا نُزُولَ النّوَازِلِ . <335>
كَبَاثٌ
فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ " عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنّهُ أَطْيَبُهُ .(64/463)
الْكَبَاثُ بِفَتْحِ الْكَافّ وَالْبَاءِ الْمُوَحّدَةِ الْمُخَفّفَةِ وَالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ - ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَهُوَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَطَبْعُهُ حَارّ يَابِسٌ وَمَنَافِعُهُ كَمَنَافِعِ الْأَرَاكِ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُجِيدُ الْهَضْمَ وَيَجْلُو الْبَلْغَمَ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الظّهْرِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَدْوَاءِ . قَالَ ابْنُ جُلْجُلٍ إذَا شُرِبَ طَحِينُهُ أَدَرّ الْبَوْلَ وَنَقّى الْمَثَانَةَ وَقَالَ ابْنُ رِضْوَانَ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُمْسِكُ الطّبِيعَةَ .
كَتَم
رَوَى الْبُخَارِيّ فِي " صَحِيحِهِ " : عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْن مَوْهِبٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَأَخْرَجَتْ إلَيْنَا شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ مَخْضُوبٌ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ .
وَفِي " السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ أَحْسَنَ مَا غَيّرْتُمْ بِهِ الشّيْبَ الْحِنّاءُ وَالْكَتَمُ .
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ أَبَا بَكْر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اخْتَضَبَ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ .
وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا <336> قَالَ مَرّ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنّاءِ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا ؟ فَمَرّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ فَقَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَمَرّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالصّفْرَةِ فَقَالَ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلّهِ .(64/464)
قَالَ الْغَافِقِيّ الْكَتَمُ نَبْتٌ يَنْبُتُ بِالسّهُولِ وَرَقُهُ قَرِيبٌ مِنْ وَرَقِ الزّيْتُونِ يَعْلُو فَوْقَ الْقَامَةِ وَلَهُ ثَمَرٌ قَدْرَ حَبّ الْفُلْفُلِ فِي دَاخِلِهِ نَوًى إذَا رُضِخَ اسْوَدّ وَإِذَا اُسْتُخْرِجَتْ عُصَارَةُ وَرَقِهِ وَشُرِبَ مِنْهَا قَدْرُ أُوقِيّةٍ قَيّأَ قَيْئًا شَدِيدًا وَيَنْفَعُ عَنْ عَضّةِ الْكَلْبِ وَأَصْلُهُ إذَا طُبِخَ بِالْمَاءِ كَانَ مِنْهُ مِدَادٌ يُكْتَبُ بِهِ .
وَقَالَ الْكِنْدِيّ بَزْرُ الْكَتَمِ إذَا اُكْتُحِلَ بِهِ حَلّلَ الْمَاءَ النّازِلَ فِي الْعَيْنِ وَأَبْرَأَهَا . وَقَدْ ظَنّ بَعْضُ النّاسِ أَنّ الْكَتَمَ هُوَ الْوَسْمَةُ وَهِيَ وَرَقُ النّيلِ وَهَذَا وَهْمٌ فَإِنّ الْوَسْمَةَ غَيْرُ الْكَتَمِ . قَالَ صَاحِبُ " الصّحَاحِ " : الْكَتَمُ بِالتّحْرِيكِ نَبْتٌ يُخْلَطُ بِالْوَسْمَةِ يُخْتَضَبُ بِهِ قِيلَ وَالْوَسْمَةُ نَبَاتٌ لَهُ وَرَقٌ طَوِيلٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الزّرْقَةِ أَكْبَرُ مِنْ وَرَقِ الْخِلَافِ يُشْبِهُ وَرَقَ اللّوبِيَا وَأَكْبَرُ مِنْهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ .
[ هَلْ اخْتَضَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ ]
فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَمْ يَخْتَضِبْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
قِيلَ قَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا وَقَالَ قَدْ شَهِدَ بِهِ غَيْرُ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ خَضَبَ وَلَيْسَ مَنْ شَهِدَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ فَأَحْمَدُ أَثْبَتَ خِضَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدّثِينَ وَمَالِكٌ أَنْكَرَهُ .(64/465)
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ثَبَتَ <337> فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " النّهْيُ عَنْ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ فِي شَأْنِ أَبِي قُحَافَةَ لَمّا أُتِيَ بِهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ غَيّرُوا هَذَا الشّيْبَ وَجَنّبُوهُ السّوَادَ . وَالْكَتَمُ يُسَوّدُ الشّعْرَ .
[ حُكْمُ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ ]
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّ النّهْيَ عَنْ التّسْوِيدِ الْبَحْتِ فَأَمّا إذَا أُضِيفَ إلَى الْحِنّاءِ شَيْءٌ آخَرُ كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنّ الْكَتَمَ وَالْحِنّاءَ يَجْعَلُ الشّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ فَإِنّهَا تَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا وَهَذَا أَصَحّ الْجَوَابَيْنِ .(64/466)
الْجَوَابُ الثّانِي : أَنّ الْخِضَابَ بِالسّوَادِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ خِضَابُ التّدْلِيسِ كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرّ الزّوْجَ وَالسّيّدَ بِذَلِكَ وَخِضَابِ الشّيْخِ يَغُرّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ فَإِنّهُ مِنْ الْغِشّ وَالْخِدَاعِ فَأَمّا إذَا لَمْ يَتَضَمّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحّ عَنْ الْحَسَن وَالْحُسَيْن رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسّوَادِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِير عَنْهُمَا فِي كِتَابِ " تَهْذِيبُ الْآثَارِ " وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَعَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَد وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَالزّهْرِيّ وَأَيّوبُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ . وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَيَزِيدَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي إسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ وَغِيلَانَ بْنِ جَامِعٍ <338> وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيّ الْمُقَدّمِيّ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ .
كَرْمٌ(64/467)
شَجَرَةُ الْعِنَبِ وَهِيَ الْحَبَلَةُ وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا كَرْمًا لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ . الْكَرْمُ الرّجُلُ الْمُسْلِمُ . وَفِي رِوَايَةٍ إنّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَفِي أُخْرَى : لَا تَقُولُوا : الْكَرْمُ وَقُولُوا : الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ .
[ عِلّةُ النّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا ]
وَفِي هَذَا مَعْنَيَانِ
أَحَدُهُمَا : أَنّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمّي شَجَرَةَ الْعِنَبِ الْكَرْمَ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا وَخَيْرِهَا فَكَرِهَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْمِيَتَهَا بِاسْمٍ يُهَيّجُ النّفُوسَ عَلَى مَحَبّتِهَا وَمَحَبّةِ مَا يُتّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْمُسْكِرِ وَهُوَ أُمّ الْخَبَائِثِ فَكَرِهَ أَنْ يُسَمّى أَصْلُهُ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ وَأَجْمَعِهَا لِلْخَيْرِ .
وَالثّانِي : أَنّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرْعَة . وَلَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطّوّافِ . أَيْ أَنّكُمْ تُسَمّونَ شَجَرَةَ الْعِنَبِ كَرْمًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ أَوْ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ مِنْهُ فَإِنّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلّهُ <339> وَنَفْعٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ التّنْبِيهِ وَالتّعْرِيفِ لِمَا فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مِنْ الْخَيْرِ وَالْجُودِ وَالْإِيمَانِ وَالنّورِ وَالْهُدَى وَالتّقْوَى وَالصّفَاتِ الّتِي يَسْتَحِقّ بِهَا هَذَا الِاسْمَ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْحَبَلَةِ لَهُ .(64/468)
وَبَعْدُ فَقُوّةُ الْحَبَلَةِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ وَوَرَقُهَا وَعَلَائِقُهَا وَعُرْمُوشُهَا مُبَرّدٌ فِي آخِرِ الدّرَجَةِ الْأُولَى وَإِذَا دُقّتْ وَضُمّدَ بِهَا مِنْ الصّدَاعِ سَكّنَتْهُ وَمِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ وَالْتِهَابِ الْمَعِدَةِ . وَعُصَارَةُ قُضْبَانِهِ إذَا شُرِبَتْ سَكّنَتْ الْقَيْءَ وَعَقَلَتْ الْبَطْنَ وَكَذَلِكَ إذَا مُضِغَتْ قُلُوبُهَا الرّطْبَةُ . وَعُصَارَةُ وَرَقِهَا تَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَنَفْثِ الدّمِ وَقَيْئِهِ وَوَجَعِ الْمَعِدَةِ وَدَمْعُ شَجَرِهِ الّذِي يُحْمَلُ عَلَى الْقَضْبَانِ كَالصّمْغِ إذَا شُرِبَ أَخْرَجَ الْحَصَاةَ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ أَبْرَأَ الْقُوَبَ وَالْجَرَبَ الْمُتَقَرّحَ وَغَيْرَهُ وَيَنْبَغِي غَسْلُ الْعُضْوِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا بِالْمَاءِ وَالنّطْرُونِ وَإِذَا تُمُسّحَ بِهَا مَعَ الزّيْتِ حَلَقَ الشّعْرَ وَرَمَادُ قُضْبَانِهِ إذَا تُضُمّدَ بِهِ مَعَ الْخَلّ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالسّذَابِ نَفَعَ مِنْ الْوَرَمِ الْعَارِضِ فِي الطّحَالِ وَقُوّةُ دُهْنِ زُهْرَةِ الْكَرْمِ قَابِضَةٌ شَبِيهَةٌ بِقُوّةِ دُهْنِ الْوَرْدِ وَمَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَنَافِعَ النّخْلَةِ .
كَرَفْسٌ
رُوِيَ فِي حَدِيثٍ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَنْ أَكَلَهُ ثُمّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ وَنَكْهَتُهُ طَيّبَةٌ وَيَنَامُ آمِنًا مِنْ وَجَعِ الْأَضْرَاسِ وَالْأَسْنَانِ وَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنّ الْبُسْتَانِيّ مِنْهُ يُطَيّبُ النّكْهَةَ جِدّا وَإِذَا عُلّقَ أَصْلُهُ فِي الرّقَبَةِ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ .(64/469)
وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَقِيلَ رَطْبٌ مُفَتّحٌ لِسُدَادِ الْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَوَرَقُهُ رَطْبًا يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ الْبَارِدَةَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَالطّمْثَ وَيُفَتّتُ الْحَصَاةَ وَحَبّهُ أَقْوَى فِي ذَلِكَ وَيُهَيّجُ الْبَاهَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَخْرِ . قَالَ الرّازِيّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ أَكْلُهُ إذَا خِيفَ مِنْ لَدْغِ الْعَقَارِبِ .
كُرّاثٌ
فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ مَنْ أَكَلَ الْكُرّاثَ ثُمّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ آمِنًا مِنْ رِيحِ الْبَوَاسِيرِ وَاعْتَزَلَهُ الْمَلَكُ لِنَتْنِ نَكْهَتِهِ حَتّى يُصْبِحَ . <340>
وَهُوَ نَوْعَانِ نَبَطِيّ وَشَامِيّ فَالنّبَطِيّ الْبَقْلُ الّذِي يُوضَعُ عَلَى الْمَائِدَةِ . وَالشّامِيّ الّذِي لَهُ رُءُوسٌ وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ مُصَدّعٌ وَإِذَا طُبِخَ وَأُكِلَ أَوْ شُرِبَ مَاؤُهُ نَفَعَ مِنْ الْبَوَاسِيرِ الْبَارِدَةِ . وَإِنْ سُحِقَ بِزْرُهُ وَعُجِنَ بِقَطْرَانٍ وَبُخّرَتْ بِهِ الْأَضْرَاسُ الّتِي فِيهَا الدّودُ نَثَرَهَا وَأَخْرَجَهَا وَيُسَكّنُ الْوَجَعَ الْعَارِضَ فِيهَا وَإِذَا دُخّنَتْ الْمَقْعَدَةُ بِبِزْرِهِ خَفّتْ الْبَوَاسِيرُ هَذَا كُلّهُ فِي الْكُرّاثِ النّبَطِيّ .
وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ فَسَادُ الْأَسْنَانِ وَاللّثَةِ وَيُصَدّعُ وَيُرِي أَحْلَامًا رَدِيئَةً وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ وينتن النكهة، وفيه إدرار للبول والطمث، وتحريك للباه ، وهو بطيئ الهضم .
حَرْفُ الْلاَم
لَحْمٌ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمّا يَشْتَهُونَ [ الطّورُ 22 ] . وَقَالَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ [ الْوَاقِعَةُ 21 ] .(64/470)
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدّنْيَا وَأَهْلِ الْجَنّةِ اللّحْمُ وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ يَرْفَعُهُ خَيْرُ الْإِدَامِ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللّحْمُ
وَفِي " الصّحِيحِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضْلُ عَائِشَة عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطّعَامِ وَالثّرِيدُ الْخُبْزُ وَاللّحْمُ <341>
قَالَ الشّاعِرُ
إذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ
فَذَاكَ أَمَانَةَ اللّهِ الثّرِيدُ
وَقَالَ الزّهْرِيّ : أَكْلُ اللّحْمِ يَزِيدُ سَبْعِينَ قُوّةً . وَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ وَاسِعٍ : اللّحْمُ يَزِيدُ فِي الْبَصَرِ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كُلُوا اللّحْمَ " فَإِنّهُ يُصَفّي اللّوْنَ وَيُخْمِصُ الْبَطْنَ وَيُحَسّنُ الْخُلُقَ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَ رَمَضَانُ لَمْ يَفُتْهُ اللّحْمُ وَإِذَا سَافَرَ لَمْ يَفُتْهُ اللّحْمُ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيّ مَنْ تَرَكَهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاءَ خُلُقُه
وَأَمّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا الّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا : لَا تَقْطَعُوا اللّحْمَ بِالسّكّينِ فَإِنّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ وَانْهَسُوهُ فَإِنّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ " فَرَدّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِمَا صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَطْعِهِ بِالسّكّينِ فِي حَدِيثَيْنِ وَقَدْ تَقَدّمَا .
وَاللّحْمُ أَجْنَاسٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ وَطَبَائِعِهِ فَنَذْكُرُ حُكْمَ كُلّ جِنْسٍ وَطَبْعَهُ وَمَنْفَعَتَهُ وَمَضَرّتَهُ .
[ لَحْمُ الضّأْنِ ](64/471)
لَحْمُ الضّأْنِ حَارّ فِي الثّانِيَةِ رَطْبٌ فِي الْأُولَى جَيّدُهُ الْحَوْلِيّ يُوَلّدُ الدّمَ الْمَحْمُودَ الْقَوِيّ لِمَنْ جَادَ هَضْمُهُ يَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَالْمُعْتَدِلَةِ وَلِأَهْلِ الرّيَاضَاتِ التّامّةِ فِي الْمَوَاضِعِ وَالْفُصُولِ الْبَارِدَةِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الْمِرّةِ السّوْدَاءِ يُقَوّي الذّهْنَ وَالْحِفْظَ . وَلَحْمٌ الْهَرِمِ وَالْعَجِيفِ رَدِيءٌ وَكَذَلِكَ لَحْمُ النّعَاجِ وَأَجْوَدُهُ لَحْمُ الذّكَرِ الْأَسْوَدِ <342> مِنْهُ فَإِنّهُ أَخَفّ وَأَلَذّ وَأَنْفَعُ وَالْخَصِيّ أَنْفَعُ وَأَجْوَدُ وَالْأَحْمَرُ مِنْ الْحَيَوَانِ السّمِينُ أَخَفّ وَأَجْوَدُ غِذَاءً وَالْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ أَقَلّ تَغْذِيَةً وَيَطْفُو فِي الْمَعِدَةِ .
وَأَفْضَلُ اللّحْمِ عَائِذُهُ بِالْعَظْمِ وَالْأَيْمَنُ أَخَفّ وَأَجْوَدُ مِنْ الْأَيْسَرِ وَالْمُقَدّمُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُؤَخّرِ وَكَانَ أَحَبّ الشّاةِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقَدّمُهَا وَكُلّ مَا عَلَا مِنْهُ سِوَى الرّأْسِ كَانَ أَخَفّ وَأَجْوَدَ مِمّا سَفَلَ وَأَعْطَى الْفَرَزْدَقُ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ لَحْمًا وَقَالَ لَهُ خُذْ الْمُقَدّمَ وَإِيّاكَ وَالرّأْسَ وَالْبَطْنَ فَإِنّ الدّاءَ فِيهِمَا . وَلَحْمُ الْعُنُقِ جَيّدٌ لَذِيذٌ سَرِيعُ الْهَضْمِ خَفِيفٌ وَلَحْمُ الذّرَاعِ أَخَفّ اللّحْمِ وَأَلَذّهُ وَأَلْطَفُهُ وَأَبْعَدُهُ مِنْ الْأَذَى وَأَسْرَعُهُ انْهِضَامًا .
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّهُ كَانَ يُعْجِبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَحْمُ الظّهْرِ كَثِيرُ الْغِذَاءِ يُوَلّدُ دَمًا مَحْمُودًا . وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " مَرْفُوعًا : أَطْيَبُ اللّحْمِ لَحْمُ الظّهْر
[ لَحْمُ الْمَعْزِ ](64/472)
لَحْمُ الْمَعْزِ قَلِيلُ الْحَرَارَةِ يَابِسٌ وَخَلْطُهُ الْمُتَوَلّدُ مِنْهُ لَيْسَ بِفَاضِلٍ وَلَيْسَ بِجَيّدِ الْهَضْمِ وَلَا مَحْمُودِ الْغِذَاءِ . وَلَحْمُ التّيْسِ رَدِيءٌ مُطْلَقًا شَدِيدُ الْيُبْسِ عَسِرُ الِانْهِضَامِ مُوَلّدٌ لِلْخَلْطِ السّوْدَاوِيّ . قَالَ الْجَاحِظُ : قَالَ لِي فَاضِلٌ مِنْ الْأَطِبّاءِ يَا أَبَا عُثْمَانَ إيّاكَ وَلَحْمَ الْمَعْزِ فَإِنّهُ يُورِثُ الْغَمّ وَيُحَرّكُ السّوْدَاءَ وَيُورِثُ النّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الدّمَ وَهُوَ وَاَللّهِ يَخْبِلُ الْأَوْلَادَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ إنّمَا الْمَذْمُومُ مِنْهُ الْمُسِنّ وَلَا سِيّمَا لِلْمُسِنّينَ وَلَا رَدَاءَةَ <343> فِيهِ لِمَنْ اعْتَادَهُ . وَجَالِينُوسُ جَعَلَ الْحَوْلِيّ مِنْهُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْمُعْتَدِلَةِ الْمُعَدّلَةِ للكيموس الْمَحْمُودِ وَإِنَاثُهُ أَنْفَعُ مِنْ ذُكُورِهِ .
وَقَدْ رَوَى النّسَائِيّ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْسِنُوا إلَى الْمَاعِزِ وَأَمِيطُوا عَنْهَا الْأَذَى فَإِنّهَا مِنْ دَوَابّ الْجَنّةِ
وَفِي ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ . وَحُكْمُ الْأَطِبّاءِ عَلَيْهِ بِالْمَضَرّةِ حُكْمٌ جُزْئِيّ لَيْسَ بِكُلّيّ عَامّ وَهُوَ بِحَسَبِ الْمَعِدَةِ الضّعِيفَةِ وَالْأَمْزِجَةِ الضّعِيفَةِ الّتِي لَمْ تَعْتَدْهُ وَاعْتَادَتْ الْمَأْكُولَاتِ اللّطِيفَةَ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الرّفَاهِيَةِ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ وَهُمْ الْقَلِيلُونَ مِنْ النّاسِ .
[ لَحْمُ الْجَدْي ]ِ(64/473)
لَحْمُ الْجَدْيِ قَرِيبٌ إلَى الِاعْتِدَالِ خَاصّةً مَا دَامَ رَضِيعًا وَلَمْ يَكُنْ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ وَهُوَ أَسْرَعُ هَضْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ قُوّةِ اللّبَنِ مُلَيّنٌ لِلطّبْعِ مُوَافِقٍ لِأَكْثَرِ النّاسِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ أَلْطَفُ مِنْ لَحْمِ الْجَمَلِ وَالدّمُ الْمُتَوَلّدُ عَنْهُ مُعْتَدِلٌ .
[ لَحْمُ الْبَقَر ]ِ
لَحْمُ الْبَقَرِ بَارِدٌ يَابِسٌ عَسِرُ الِانْهِضَامِ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ يُوَلّدُ دَمًا سَوْدَاوِيّا لَا يَصْلُحُ إلّا لِأَهْلِ الْكَدّ وَالتّعَبِ الشّدِيدِ وَيُورِثُ إدْمَانُهُ الْأَمْرَاضَ السّوْدَاوِيّةَ كَالْبَهَقِ وَالْجَرَبِ وَالْقُوبَاءِ وَالْجُذَامِ وَدَاءِ الْفِيلِ وَالسّرَطَانِ وَالْوَسْوَاسِ وَحُمّى الرّبْعِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَوْرَامِ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ ضَرَرَهُ بِالْفُلْفُلِ وَالثّومِ والدارصيني وَالزّنْجَبِيلِ وَنَحْوِهِ وَذَكَرُهُ أَقَلّ بُرُودَةً وَأُنْثَاهُ أَقَلّ يُبْسًا . وَلَحْمُ الْعِجْلِ وَلَا سِيّمَا السّمِينُ مِنْ أَعْدَلِ الْأَغْذِيَةِ وَأَطْيَبِهَا وَأَلَذّهَا وَأَحْمَدِهَا وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ وَإِذَا انْهَضَمَ غَذّى غِذَاءً قَوِيّا .
[ لَحْمُ الْفَرَسِ ]
لَحْمُ الْفَرَسِ : ثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَحَرْنَا فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ أَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ وَنَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُر <344> أَخْرَجَاهُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " . وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - أَنّهُ نَهَى عَنْهُ . قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .(64/474)
[ سَبَبُ اقْتِرَانِ الْخَيْلِ مَعَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الْقُرْآنِ ]
وَاقْتِرَانُهُ بِالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ حُكْمَ لَحْمِهِ حُكْمُ لُحُومِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ حُكْمَهَا فِي السّهْمِ فِي الْغَنِيمَةِ حُكْمُ الْفَرَسِ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ يَقْرِنُ فِي الذّكْرِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ تَارَةً وَبَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ وَبَيْنَ الْمُتَضَادّاتِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ
لِتَرْكَبُوهَا [ النّحْلُ 8 ] مَا يَمْنَعُ مِنْ أَكْلِهَا كَمَا لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ غَيْرِ الرّكُوبِ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَإِنّمَا نَصّ عَلَى أَجَلّ مَنَافِعِهَا وَهُوَ الرّكُوبُ وَالْحَدِيثَانِ فِي حِلّهَا صَحِيحَانِ لَا مُعَارِضَ لَهُمَا وَبَعْدُ فَلَحْمُهَا حَارّ يَابِسٌ غَلِيظٌ سَوْدَاوِيّ مُضِرّ لَا يَصْلُحُ لِلْأَبْدَانِ اللّطِيفَةِ .
[ لَحْمُ الْجَمَلِ ]
لَحْمُ الْجَمَلِ فَرْقَ مَا بَيْنَ الرّافِضَةِ وَأَهْلِ السّنّةِ كَمَا أَنّهُ أَحَدُ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَالْيَهُودُ وَالرّافِضَةُ تَذُمّهُ وَلَا تَأْكُلُهُ وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ حِلّهُ وَطَالَمَا أَكَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ حَضَرًا وَسَفَرًا .
[ عِلّةُ الْوُضُوءِ مَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَمَل ِ ](64/475)
وَلَحْمِ الْفَصِيلِ مِنْهُ مِنْ أَلَذّ اللّحُومِ وَأَطْيَبِهَا وَأَقْوَاهَا غِذَاءً وَهُوَ لِمَنْ اعْتَادَهُ بِمَنْزِلَةِ لَحْمِ الضّأْنِ لَا يَضُرّهُمْ الْبَتّةَ وَلَا يُوَلّدُ لَهُمْ دَاءً وَإِنّمَا ذَمّهُ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ بِالنّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الرّفَاهِيَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ الّذِينَ لَمْ يَعْتَادُوهُ فَإِنّ فِيهِ حَرَارَةً وَيُبْسًا وَتَوْلِيدًا لِلسّوْدَاءِ وَهُوَ عَسِرُ الِانْهِضَامِ وَفِيهِ قُوّةٌ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ لِأَجْلِهَا أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِهِ فِي حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَا مُعَارِضَ لَهُمَا وَلَا يَصِحّ تَأْوِيلُهُمَا بِغَسْلِ الْيَدِ لِأَنّهُ خِلَافُ الْمَعْهُودِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي كَلَامِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِتَفْرِيقِهِ <345> بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ الْغَنَمِ فَخَيّرَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَتَرْكِهِ مِنْهَا وَحَتّمَ الْوُضُوءَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ . وَلَوْ حُمِلَ الْوُضُوءُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ فَقَطْ لَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ مَنْ مَسّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضّأْ
وَأَيْضًا : فَإِنّ آكِلَهَا قَدْ لَا يُبَاشِرُ أَكْلَهَا بِيَدِهِ بِأَنْ يُوضَعَ فِي فَمِهِ فَإِنْ كَانَ وُضُوءُهُ غَسْلَ يَدِهِ فَهُوَ عَبَثٌ وَحَمْلٌ لِكَلَامِ الشّارِعِ عَلَى غَيْرِ مَعْهُودِهِ وَعُرْفِهِ وَلَا يَصِحّ مُعَارَضَتُهُ بِحَدِيثٍ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمّا مَسّتْ النّارُ لِعِدّةِ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا : أَنّ هَذَا عَامّ وَالْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا خَاصّ .(64/476)
الثّانِي : أَنّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ فَالْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا بِجِهَةِ كَوْنِهَا لَحْمَ إبِلٍ سَوَاءٌ كَانَ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا أَوْ قَدِيدًا وَلَا تَأْثِيرَ لِلنّارِ فِي الْوُضُوءِ وَأَمّا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمّا مَسّتْ النّارُ فَفِيهِ بَيَانُ أَنّ مَسّ النّارِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْوُضُوءِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ؟ هَذَا فِيهِ إثْبَاتُ سَبَبِ الْوُضُوءِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَحْمَ إبِلٍ وَهَذَا فِيهِ نَفْيٌ لِسَبَبِ الْوُضُوءِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَمْسُوسَ النّارِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ .
الثّالِثُ أَنّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ حِكَايَةَ لَفْظٍ عَامّ عَنْ صَاحِبِ الشّرْعِ وَإِنّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعَةِ فِعْلٍ فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَقَدّمٌ عَلَى الْآخَرِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُبَيّنًا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ أَنّهُمْ قَرّبُوا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَحْمًا فَأَكَلَ ثُمّ حَضَرَتْ <346> الصّلَاةُ فَتَوَضّأَ فَصَلّى ثُمّ قَرّبُوا إلَيْهِ فَأَكَلَ ثُمّ صَلّى وَلَمْ يَتَوَضّأْ فَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمّا مَسّتْ النّارُ هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ فَاخْتَصَرَهُ الرّاوِي لِمَكَانِ الِاسْتِدْلَالِ فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ حَتّى لَوْ كَانَ لَفْظًا عَامّا مُتَأَخّرًا مُقَاوِمًا لَمْ يَصْلُحْ لِلنّسْخِ وَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْخَاصّ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظّهُورِ .
[ لَحْمُ الضّبّ ]
لَحْمُ الضّبّ تَقَدّمَ الْحَدِيثُ فِي حِلّهِ وَلَحْمُهُ حَارّ يَابِسٌ يُقَوّي شَهْوَةَ الْجِمَاعِ .
[ لَحْمُ الْغَزَالِ ](64/477)
لَحْمُ الْغَزَالِ الْغَزَالُ أَصْلَحُ الصّيْدِ وَأَحْمَدُهُ لَحْمًا وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ جِدّا نَافِعٌ لِلْأَبْدَانِ الْمُعْتَدِلَةِ الصّحِيحَةِ وَجَيّدُهُ الْخِشْفُ .
[ لَحْمُ الظّبْيِ ]
لَحْمُ الظّبْيِ حَارّ يَابِسٌ فِي الْأَوْلَى مُجَفّفٌ لِلْبَدَنِ صَالِحٌ لِلْأَبْدَانِ الرّطْبَةِ . قَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ " : وَأَفْضَلُ لُحُومِ الْوَحْشِ لَحْمُ الظّبْيِ مَعَ مَيْلِهِ إلَى السّوْدَاوِيّةِ .
[ لَحْمُ الْأَرَانِبِ ]
لَحْمُ الْأَرَانِبِ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا فَسَعَوْا فِي طَلَبِهَا فَأَخَذُوهَا فَبَعَثَ أَبُو طَلْحَةَ بِوَرِكِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَبِلَهُ
لَحْمُ الْأَرْنَبِ مُعْتَدِلٌ إلَى الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَأَطْيَبُهَا وَرِكُهَا وَأَحْمَدُهُ أَكْلُ لَحْمِهَا مَشْوِيّا وَهُوَ يُعْقِلُ الْبَطْنَ وَيُدِرّ الْبَوْلَ وَيُفَتّتُ الْحَصَى وَأَكْلُ رُءُوسِهَا يَنْفَعُ مِنْ الرّعْشَةِ .
[ لَحْمُ حِمَارِ الْوَحْشِ ]
لَحْمُ حِمَارِ الْوَحْشِ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ وَأَنّهُ صَادَ حِمَارَ وَحْشٍ فَأَمَرَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَكْلِهِ <347> وَكَانُوا مُحْرِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ أَبُو قَتَادَةَ مُحْرِمًا .
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " : عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ
[ لَحْمُ الْوُحُوشِ ](64/478)
لَحْمُهُ حَارّ يَابِسٌ كَثِيرُ التّغْذِيَةِ مُوَلّدٌ دَمًا غَلِيظًا سَوْدَاوِيّا إلّا أَنّ شَحْمَهُ نَافِعٌ مَعَ دُهْنِ الْقُسْطِ لِوَجَعِ الظّهْرِ وَالرّيحِ الْغَلِيظَةِ الْمُرْخِيَةِ لِلْكُلَى وَشَحْمُهُ جَيّدٌ لِلْكَلَفِ طِلَاءً وَبِالْجُمْلَةِ فَلُحُومُ الْوُحُوشِ كُلّهَا تُوَلّدُ دَمًا غَلِيظًا سَوْدَاوِيّا وَأَحْمَدُهُ الْغَزَالُ وَبَعْدَهُ الْأَرْنَبُ .
[ لُحُومُ الْأَجِنّةِ وَحُكْمُ أَكْلِهَا ]
لُحُومُ الْأَجِنّةِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ لِاحْتِقَانِ الدّمِ فِيهَا وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمّهِ وَمَنَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ أَكْلِهِ إلّا أَنْ يُدْرِكَهُ حَيّا فَيُذَكّيَهُ وَأَوّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنّ الْمُرَادَ بِهِ أَنّ ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ أُمّهِ . قَالُوا : فَهُوَ حُجّةٌ عَلَى التّحْرِيمِ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنّ أَوّلَ الْحَدِيثِ أَنّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ نَذْبَحُ الشّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَفَنَأْكُلُهُ ؟ فَقَالَ " كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمّهِ
وَأَيْضًا : فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلّهُ فَإِنّهُ مَا دَامَ حَمْلًا فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمّ فَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَهَذَا هُوَ الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الشّرْعِ <348> بِقَوْلِهِ " ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمّهِ كَمَا تَكُونُ ذَكَاتُهَا ذَكَاةَ سَائِرِ أَجْزَائِهَا فَلَوْ لَمْ تَأْتِ عَنْهُ السّنّةُ الصّرِيحَةُ بِأَكْلِهِ لَكَانَ الْقِيَاسُ الصّحِيحُ يَقْتَضِي حِلّهُ .
[ لَحْمُ الْقَدِيدِ ](64/479)
لَحْمُ الْقَدِيدِ فِي " السّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ ذَبَحْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَاةً وَنَحْنُ مُسَافِرُونَ فَقَالَ " أَصْلِحْ لَحْمَهَا " فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهُ إلَى الْمَدِينَةِ
الْقَدِيدُ أَنْفَعُ مِنْ النمكسود وَيُقَوّي الْأَبْدَانَ وَيُحْدِثُ حَكّةً وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِالْأَبَازِيرِ الْبَارِدَةِ الرّطْبَةِ وَيُصْلِحُ الْأَمْزِجَةَ الْحَارّةَ والنمكسود : حَارّ يَابِسٌ مُجَفّفٌ جَيّدُهُ مِنْ السّمِينِ الرّطْبِ يَضُرّ بِالْقُولَنْجِ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ طَبْخُهُ باللبن والدهن، ويصلح للمزاج الحار الرطب .
فَصْلٌ فِي لُحُومِ الطّيْر
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ [ الْوَاقِعَةُ 21 ] .
وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزّارِ " وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا إنّكَ لَتَنْظُرُ إلَى الطّيْرِ فِي الْجَنّةِ فَتَشْتَهِيهِ فَيَخِرّ مَشْوِيّا بَيْنَ يَدَيْكَ
[ الْحَرَامُ مِنْ الطّيُور ]ِ
وَمِنْهُ حَلَالٌ وَمِنْهُ حَرَامٌ . فَالْحَرَامُ ذُو الْمِخْلَبِ كَالصّقْرِ وَالْبَازِي <349> وَالشّاهِينِ وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَالنّسْرِ وَالرّخَمِ وَاللّقْلَقِ وَالْعَقْعَقِ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ وَالْأَسْوَدِ الْكَبِيرِ وَمَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ كَالْهُدْهُدِ وَالصّرَدِ وَمَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ كَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ .
[ لَحْمُ الدّجَاجِ ]
وَالْحَلَالُ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ فَمِنْهُ الدّجَاجُ فَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكَلَ لَحْمَ الدّجَاجِ(64/480)
وَهُوَ حَارّ رَطْبٌ فِي الْأَوْلَى خَفِيفٌ عَلَى الْمَعِدَةِ سَرِيعُ الْهَضْمِ جَيّدُ الْخَلْطِ يَزِيدُ فِي الدّمَاغِ وَالْمَنِيّ وَيُصَفّي الصّوْتَ وَيُحَسّنُ اللّوْنَ وَيُقَوّي الْعَقْلَ وَيُوَلّدُ دَمًا جَيّدًا وَهُوَ مَائِلٌ إلَى الرّطُوبَةِ وَيُقَالُ إنّ مُدَاوَمَةَ أَكْلِهِ تُورِثُ النّقْرِسُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ .
[ لَحْمُ الدّيكِ ]
وَلَحْمُ الدّيكِ أَسْخَنُ مِزَاجًا وَأَقَلّ رُطُوبَةً وَالْعَتِيقُ مِنْهُ دَوَاءٌ يَنْفَعُ الْقُولَنْجَ وَالرّبْوَ وَالرّيَاحَ الْغَلِيظَةَ إذَا طُبِخَ بِمَاءِ الْقُرْطُمِ وَالشّبْثِ وَخَصِيّهَا مَحْمُودُ الْغِذَاءِ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ وَالْفَرَارِيجُ سَرِيعَةُ الْهَضْمِ مُلَيّنَةٌ لِلطّبْعِ وَالدّمُ الْمُتَوَلّدُ مِنْهَا دَمٌ لَطِيفٌ جَيّدٌ .
[ لَحْمُ الدّرّاجِ ]
لَحْمُ الدّرّاجِ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ خَفِيفٌ لَطِيفٌ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ مُوَلّدٌ لِلدّمِ الْمُعْتَدِلِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُحِدّ الْبَصَرَ .
[ لَحْمُ الْحَجَلِ ]
لَحْمُ الْحَجَلِ يُوَلّدُ الدّمَ الْجَيّدَ سَرِيعُ الِانْهِضَامِ .
لَحْمُ الْإِوَزّ
لَحْمُ الْإِوَزّ . حَارّ يَابِسٌ رَدِيءُ الْغِذَاءِ إذَا اُعْتِيدَ وَلَيْسَ بِكَثِيرِ الْفُضُولِ .
[ لَحْمُ الْبَطّ ]
لَحْمُ الْبَطّ حَارّ رَطْبٌ كَثِيرُ الْفُضُولِ عَسِرُ الِانْهِضَامِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْمَعِدَةِ .
[ لَحْمُ الْحُبَارَى ]
لَحْمُ الْحُبَارَى : فِي " السّنَنِ " . مِنْ حَدِيثِ بُرَيْهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ عَنْ أَبِيهِ <350> عَنْ جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَحْمَ حُبَارَى
وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ عَسِرُ الِانْهِضَامِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الرّيَاضَةِ وَالتّعَبِ .
[ لَحْمُ الْكُرْكِيّ ](64/481)
لَحْمُ الْكُرْكِيّ يَابِسٌ خَفِيفٌ وَفِي حَرّهِ وَبَرْدِهِ خِلَافٌ يُوَلّدُ دَمًا سَوْدَاوِيّا وَيَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْكَدّ وَالتّعَبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ بَعْدَ ذَبْحِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمّ يُؤْكَلُ .
[ لَحْمُ الْعَصَافِيرِ وَالْقَنَابِر ]ِ
لَحْمُ الْعَصَافِيرِ وَالْقَنَابِرِ رَوَى النّسَائِيّ فِي " سُنَنِهِ " : مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَا مِنْ إنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهُ بِغَيْرِ حَقّهِ إلّا سَأَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَنْهَا . قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا حَقّهُ ؟ قَالَ " تَذْبَحُهُ فَتَأْكُلَهُ وَلَا تَقْطَعُ رَأْسَهُ وَتَرْمِي بِهِ
وَفِي " سُنَنِهِ " أَيْضًا : عَنْ عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجّ إلَى اللّهِ يَقُولُ يَا رَبّ إنّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَة
وَلَحْمُهُ حَارّ يَابِسٌ عَاقِلٌ لِلطّبِيعَةِ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَمَرَقُهُ يُلَيّنُ الطّبْعَ وَيَنْفَعُ الْمَفَاصِلَ وَإِذَا أُكِلَتْ أَدْمِغَتُهَا بِالزّنْجَبِيلِ وَالْبَصَلِ هَيّجَتْ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَخَلْطُهَا غَيْرُ مَحْمُودٍ .
[ لَحْمُ الْحَمَامِ ](64/482)
<351> لَحْمُ الْحَمَامِ حَارّ رَطْبٌ وَحَشْيُهُ أَقَلّ رُطُوبَةً وَفِرَاخُهُ أَرْطَبُ خَاصّيّةً وَمَا رُبّيَ فِي الدّورِ وَنَاهِضُهُ أَخَفّ لَحْمًا وَأَحْمَدُ غِذَاءً وَلَحْمُ ذُكُورِهَا شِفَاءٌ مِنْ الِاسْتِرْخَاءِ وَالْخَدَرِ وَالسّكْتَةِ وَالرّعْشَةِ وَكَذَلِكَ شَمّ رَائِحَةِ أَنْفَاسِهَا وَأَكْلُ فِرَاخِهَا مُعِينٌ عَلَى النّسَاءِ وَهُوَ جَيّدٌ لِلْكُلَى يَزِيدُ فِي الدّمِ وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ الْوِحْدَةَ فَقَالَ " اتّخِذْ زَوْجًا مِنْ الْحَمَامِ " . وَأَجْوَدُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً
وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَتِهِ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَذَبْحِ الْحَمَامِ .
[ لَحْمُ الْقَطَا ]
لَحْمُ الْقَطَا : يَابِسٌ يُوَلّدُ السّوْدَاءَ وَيَحْبِسُ الطّبْعَ وَهُوَ مِنْ شَرّ الْغِذَاءِ إلّا أَنّهُ يَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ .
[ لَحْمُ السّمَانَى ]
لَحْمُ السّمَانَى : حَارّ يَابِسٌ يَنْفَعُ الْمَفَاصِلَ وَيَضُرّ بِالْكَبِدِ الْحَارّ وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ بِالْخَلّ وَالْكُسْفُرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ مِنْ لُحُومِ الطّيْرِ مَا كَانَ فِي الْآجَامِ وَالْمَوَاضِعِ الْعَفِنَةِ وَلُحُومُ الطّيْرِ كُلّهَا أَسْرَعُ انْهِضَامًا مِنْ الْمَوَاشِي وَأَسْرَعُهَا انْهِضَامًا أَقَلّهَا غِذَاءً وَهِيَ الرّقَابُ وَالْأَجْنِحَةُ وَأَدْمِغَتُهَا أَحْمَدُ مِنْ أَدْمِغَةِ الْمَوَاشِي .(64/483)
الْجَرَادُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ <352> وَفِي " الْمُسْنَدِ " عَنْهُ أُحِلّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ : الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطّحَالُ يُرْوَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ .
وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ قَلِيلُ الْغِذَاءِ وَإِدَامَةُ أَكْلِهِ تُورِثُ الْهُزَالَ وَإِذَا تُبُخّرَ بِهِ نَفَعَ مِنْ تَقْطِيرِ الْبَوْلِ وَعُسْرِهِ وَخُصُوصًا لِلنّسَاءِ وَيُتَبَخّرُ بِهِ لِلْبَوَاسِيرِ وَسِمَانُهُ يُشْوَى وَيُؤْكَلُ لِلَسْعِ الْعَقْرَبِ وَهُوَ ضَارّ لِأَصْحَابِ الصّرْعِ رَدِيءُ الْخَلْطِ وَفِي إبَاحَةِ مَيْتَتِهِ بِلَا سَبَبٍ قَوْلَانِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى حِلّهِ وَحَرّمَهُ مَالِكٌ وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ مَيْتَتِهِ إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ كَالْكَبْسِ وَالتّحْرِيقِ وَنَحْوِهِ .
فَصْلٌ [ ضَرَرُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى اللّحْمِ ]
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُدَاوَمَ عَلَى أَكْلِ اللّحْمِ فَإِنّهُ يُورِثُ الْأَمْرَاضَ الدّمَوِيّةَ والِامتِلائيّة وَالْحُمّيّاتِ الْحَادّةِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إيّاكُمْ وَاللّحْمَ فَإِنّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطّأِ " عَنْهُ . وَقَالَ أبقراط لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان.
[ اللبن ](64/484)
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : وَإِنّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشّارِبِينَ [ النّحْلُ 66 ] وَقَالَ فِي الْجَنّةِ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ [ مُحَمّد : 15 ] . وَفِي " السّنَنِ " مَرْفُوعًا : مَنْ أَطْعَمَهُ اللّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَارْزُقْنَا خَيْرًا مِنْهُ وَمَنْ سَقَاهُ اللّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنّي لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلّا اللّبَنَ
<353> اللّبَنُ وَإِنْ كَانَ بَسِيطًا فِي الْحِسّ إلّا أَنّهُ مُرَكّبٌ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ تَرْكِيبًا طَبِيعِيّا مِنْ جَوَاهِرَ ثَلَاثَةٍ الْجُبْنِيّةُ وَالسّمْنِيّةُ وَالْمَائِيّةُ ، فَالْجُبْنِيّةُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ مُغَذّيَةٌ لِلْبَدَنِ ، وَالسّمْنِيّةُ مُعْتَدِلَةُ الْحَرَارَةِ وَالرّطُوبَةِ مُلَائِمَةٌ لِلْبَدَنِ الْإِنْسَانِيّ الصّحِيحِ كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ وَالْمَائِيّةُ حَارّةٌ رَطْبَةٌ مُطْلِقَةٌ لِلطّبِيعَةِ مُرَطّبَةٌ لِلْبَدَنِ وَاللّبَنُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبْرَدُ وَأَرْطَبُ مِنْ الْمُعْتَدِلِ .
وَقِيلَ قُوّتُهُ عِنْدَ حَلْبِهِ الْحَرَارَةُ وَالرّطُوبَةُ وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ .(64/485)
وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ اللّبَنُ حِينَ يُحْلَبُ ثُمّ لَا يَزَالُ تَنْقُصُ جَوْدَتُهُ عَلَى مَمَرّ السّاعَاتِ فَيَكُونُ حِينَ يُحْلَبُ أَقَلّ بُرُودَةً وَأَكْثَرَ رُطُوبَةً وَالْحَامِضُ بِالْعَكْسِ وَيُخْتَارُ اللّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَجْوَدُهُ مَا اشْتَدّ بَيَاضُهُ وَطَابَ رِيحُهُ وَلَذّ طَعْمُهُ وَكَانَ فِيهِ حَلَاوَةٌ يَسِيرَةٌ وَدُسُومَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَاعْتَدَلَ قِوَامُهُ فِي الرّقّةِ وَالْغِلَظِ وَحُلِبَ مِنْ حَيَوَانٍ فَتِيّ صَحِيحٍ مُعْتَدِلِ اللّحْمِ مَحْمُودِ الْمَرْعَى وَالْمَشْرَبِ .
وَهُوَ مَحْمُودٌ يُوَلّدُ دَمًا جَيّدًا وَيُرَطّبُ الْبَدَنَ الْيَابِسَ وَيَغْذُو غِذَاءً حَسَنًا وَيَنْفَعُ مِنْ الْوَسْوَاسِ وَالْغَمّ وَالْأَمْرَاضِ السّوْدَاوِيّةِ وَإِذَا شُرِبَ مَعَ الْعَسَلِ نَقّى الْقُرُوحَ الْبَاطِنَةَ مِنْ الْأَخْلَاطِ الْعَفِنَةِ وَشُرْبُهُ مَعَ السّكّرِ يُحَسّنُ اللّوْنَ جِدّا وَالْحَلِيبُ يَتَدَارَكُ ضَرَرَ الْجِمَاعِ وَيُوَافِقُ الصّدْرَ وَالرّئَةَ جَيّدٌ لِأَصْحَابِ السّلّ رَدِيءٌ لِلرّأْسِ وَالْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالطّحَالِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ مُضِرّ بِالْأَسْنَانِ وَاللّثَةِ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَمَضْمَضَ بَعْدَهُ بِالْمَاءِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَرِبَ لَبَنًا ثُمّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَقَالَ إنّ لَهُ دَسَمًا(64/486)
<354> وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَحْمُومِينَ وَأَصْحَابِ الصّدَاعِ مُؤْذٍ لِلدّمَاغِ وَالرّأْسِ الضّعِيفِ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ تُحْدِثُ ظُلْمَةَ الْبَصَرِ وَالْغِشَاءَ وَوَجَعَ الْمَفَاصِلِ وَسُدّةَ الْكَبِدِ وَالنّفْخَ فِي الْمَعِدَةِ وَالْأَحْشَاءِ وَإِصْلَاحُهُ بِالْعَسَلِ وَالزّنْجَبِيلِ الْمُرَبّى وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلّهُ لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ .
[ لَبَنُ الضّأْنِ ]
لَبَنُ الضّأْنِ أَغْلَظُ الْأَلْبَانِ وَأَرْطَبُهَا وَفِيهِ مِنْ الدّسُومَةِ وَالزّهُومَةِ مَا لَيْسَ فِي لَبَنِ الْمَاعِزِ وَالْبَقَرِ يُوَلّدُ فُضُولًا بَلْغَمِيّا وَيُحْدِثُ فِي الْجِلْدِ بَيَاضًا إذَا أُدْمِنَ اسْتِعْمَالُهُ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُشَابَ هَذَا اللّبَنَ بِالْمَاءِ لِيَكُونَ مَا نَالَ الْبَدَنَ مِنْهُ أَقَلّ وَتَسْكِينُهُ لِلْعَطَشِ أَسْرَعُ وَتَبْرِيدُهُ أَكْثَرُ .
[لَبَنُ الْمَعْزِ ]
لَبَنُ الْمَعْزِ لَطِيفٌ مُعْتَدِلٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ مُرَطّبٌ لِلْبَدَنِ الْيَابِسِ نَافِعٌ مِنْ قُرُوحِ الْحَلْقِ وَالسّعَالِ الْيَابِسِ وَنَفْثِ الدّمِ .
وَاللّبَنُ الْمُطْلِقُ أَنْفَعُ الْمَشْرُوبَاتِ لِلْبَدَنِ الْإِنْسَانِيّ لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ التّغْذِيَةِ وَالدّمَوِيّةِ وَلِاعْتِيَادِهِ حَالَ الطّفُولِيّةُ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْفِطْرَةِ الْأَصْلِيّةِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحٍ مِنْ خَمْرٍ وَقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَنَظَرَ إلَيْهِمَا ثُمّ أَخَذَ اللّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمّتُكَ وَالْحَامِضُ مِنْهُ بَطِيءُ الِاسْتِمْرَاءِ خَامُ الْخَلْطِ وَالْمَعِدَةُ الْحَارّةُ تَهْضِمُهُ وَتَنْتَفِعُ بِهِ .
[ لَبَنُ الْبَقَرِ ](64/487)
لَبَنُ الْبَقَرِ يَغْذُو الْبَدَنَ وَيُخَصّبُهُ وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ بِاعْتِدَالٍ وَهُوَ مِنْ أَعْدَلِ الْأَلْبَانِ وَأَفْضَلِهَا بَيْنَ لَبَنِ الضّأْنِ وَلَبَنِ الْمَعْزِ فِي الرّقّةِ وَالْغِلَظِ وَالدّسَمِ وَفِي " السّنَنِ " : مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ <355> فَإِنّهَا تَرُمّ مِنْ كُلّ الشّجَرِ " .
[ لَبَنُ الْإِبِلِ ]
لَبَنُ الْإِبِلِ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوّلِ الْفَصْلِ وَذِكْرُ مَنَافِعِهِ فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهِ .
لُبَانٌ
[ بَيَانُ فَائِدَتِهِ لِطَرْدِ النّسْيَانِ ]
هُوَ الْكُنْدُرُ قَدْ وَرَدَ فِيهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَخّرُوا بُيُوتَكُمْ بِاللّبَانِ وَالصّعْتَرِ وَلَا يَصِحّ عَنْهُ وَلَكِنْ يُرْوَى عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ لِرَجُلٍ شَكَا إلَيْهِ النّسْيَانَ عَلَيْكَ بِاللّبَانِ فَإِنّهُ يُشَجّعُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِالنّسْيَانِ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ شُرْبَهُ مَعَ السّكّرِ عَلَى الرّيقِ جَيّدٌ لِلْبَوْلِ وَالنّسْيَانِ . وَيُذْكَرُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ شَكَا إلَيْهِ رَجُلٌ النّسْيَانَ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالْكُنْدُرِ وَانْقَعْهُ مِنْ اللّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحْت فَخُذْ مِنْهُ شَرْبَةً عَلَى الرّيقِ فَإِنّهُ جَيّدٌ لِلنّسْيَانِ .(64/488)
وَلِهَذَا سَبَبٌ طَبِيعِيّ ظَاهِرٌ فَإِنّ النّسْيَانَ إذَا كَانَ لِسُوءِ مِزَاجٍ بَارِدٍ رَطْبٍ يَغْلِبُ عَلَى الدّمَاغِ فَلَا يَحْفَظُ مَا يَنْطَبِعُ فِيهِ نَفَعَ مِنْهُ اللّبَانُ وَأَمّا إذَا كَانَ النّسْيَانُ لِغَلَبَةِ شَيْءٍ عَارِضٍ أَمْكَنَ زَوَالُهُ سَرِيعًا بِالْمُرَطّبَاتِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ الْيُبُوسِيّ يَتْبَعُهُ سَهَرٌ وَحِفْظُ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْحَالِيّةِ وَالرّطُوبِيّ بِالْعَكْسِ .
وَقَدْ يُحْدِثُ النّسْيَانَ أَشْيَاءَ بِالْخَاصّيّةِ كَحِجَامَةِ نُقْرَةِ الْقَفَا وَإِدْمَانِ أَكْلِ الْكُسْفُرَةِ الرّطْبَةِ وَالتّفّاحِ الْحَامِضِ وَكَثْرَةِ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّظَرِ فِي الْمَاءِ الْوَاقِفِ وَالْبَوْلِ فِيهِ وَالنّظَرِ إلَى الْمَصْلُوبِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ قِرَاءَةِ أَلْوَاحِ الْقُبُورِ وَالْمَشْيِ بَيْنَ جَمَلَيْنِ مَقْطُورَيْنِ وَإِلْقَاءِ الْقَمْلِ فِي الْحِيَاضِ وَأَكْلِ سُؤْرِ الْفَأْرِ وَأَكْثُرُ هَذَا مَعْرُوفٌ بِالتّجْرِبَةِ . <356>(64/489)
وَالْمَقْصُودُ أَنّ اللّبَانَ مُسَخّنٌ فِي الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ وَمُجَفّفٌ فِي الْأُولَى وَفِيهِ قَبْضٌ يَسِيرٌ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ قَلِيلُ الْمَضَارّ فَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنْ يَنْفَعَ مِنْ قَذْفِ الدّمِ وَنَزْفِهِ وَوَجَعِ الْمَعِدَةِ وَاسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ وَيَهْضِمُ الطّعَامَ وَيَطْرُدُ الرّيَاحَ وَيَجْلُو قُرُوحَ الْعَيْنِ وَيُنْبِتُ اللّحْمَ فِي سَائِرِ الْقُرُوحِ وَيُقَوّي الْمَعِدَةَ الضّعِيفَةَ وَيُسَخّنُهَا وَيُجَفّفُ الْبَلْغَمَ وَيُنَشّفُ رُطُوبَاتِ الصّدْرِ وَيَجْلُو ظُلْمَةَ الْبَصَرِ وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ مِنْ الِانْتِشَارِ وَإِذَا مُضِغَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الصّعْتَرِ الْفَارِسِيّ جَلَبَ الْبَلْغَمَ وَنَفَعَ مِنْ اعْتِقَالِ اللّسَانِ وَيَزِيدُ فِي الذّهْنِ وَيُذَكّيهِ وَإِنْ بُخّرَ بِهِ مَاءٌ نَفَعَ مِنْ الْوَبَاءِ وَطَيّبَ رَائِحَةَ الْهَوَاءِ .
حَرْفُ الْمِيمِ
مَاءٌ
مَادّةُ الْحَيَاةِ وَسَيّدُ الشّرَابِ وَأَحَدُ أَرْكَانِ الْعَالَمِ بَلْ رُكْنُهُ الْأَصْلِيّ فَإِنّ السّمَاوَاتِ خُلِقَتْ مِنْ بُخَارِهِ وَالْأَرْضَ مِنْ زَبَدِهِ وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ مِنْهُ كُلّ شَيْءٍ حَيّ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَغْذُو أَوْ يُنْفِذُ الْغِذَاءَ فَقَطْ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقَدْ تَقَدّمَا وَذَكَرْنَا الْقَوْلَ الرّاجِحَ وَدَلِيلَهُ .
وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ يَقْمَعُ الْحَرَارَةَ وَيَحْفَظُ عَلَى الْبَدَنِ رُطُوبَاتِهِ وَيَرُدّ عَلَيْهِ بَدَلَ مَا تَحَلّلَ مِنْهُ وَيُرَقّقُ الْغِذَاءَ وَيُنْفِذُهُ فِي الْعُرُوقِ .
[اخْتِبَارُ جَوْدَةِ الْمَاءِ ]
وَتُعْتَبَرُ جَوْدَةُ الْمَاءِ مِنْ عَشَرَةِ طُرُقٍ
أَحَدُهَا : مِنْ لَوْنِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا .
الثّانِي : مِنْ رَائِحَتِهِ بِأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ رَائِحَةٌ الْبَتّةَ .(64/490)
<357> الثّالِثُ مِنْ طَعْمِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَذْبَ الطّعْمِ حُلْوَهُ كَمَاءِ النّيلِ وَالْفُرَاتِ .
الرّابِعُ مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَفِيفًا رَقِيقَ الْقِوَامِ .
الْخَامِسُ مِنْ مَجْرَاهُ . بِأَنْ يَكُونَ طَيّبَ الْمَجْرَى وَالْمَسْلَكَ .
السّادِسُ مِنْ مَنْبَعِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعِيدَ الْمَنْبَعِ .
السّابِعُ مِنْ بُرُوزِهِ لِلشّمْسِ وَالرّيحِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَفِيًا تَحْتَ الْأَرْضِ فَلَا تَتَمَكّنُ الشّمْسُ وَالرّيحُ مِنْ قُصَارَتِهِ .
الثّامِنُ مِنْ حَرَكَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ سَرِيعَ الْجَرْيِ وَالْحَرَكَةِ .
التّاسِعُ مِنْ كَثْرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ كَثْرَةٌ يَدْفَعُ الْفَضَلَاتِ الْمُخَالِطَةِ لَهُ .
الْعَاشِرُ مِنْ مَصَبّهِ بِأَنْ يَكُونَ آخِذًا مِنْ الشّمَالِ إلَى الْجَنُوبِ أَوْ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ .
وَإِذَا اعْتَبَرْت هَذِهِ الْأَوْصَافَ لَمْ تَجِدْهَا بِكَمَالِهَا إلّا فِي الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ النّيلِ وَالْفُرَاتِ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ .
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنّيلُ وَالْفُرَاتُ كُلّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنّةِ
[اخْتِبَارُ خِفّةِ الْمَاءِ ]
وَتُعْتَبَرُ خِفّةُ الْمَاءِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : سُرْعَةُ قَبُولِهِ لِلْحَرّ وَالْبَرْدِ قَالَ أبقراط : الْمَاءُ الّذِي يَسْخَنُ سَرِيعًا وَيَبْرُدُ سَرِيعًا أَخَفّ الْمِيَاهِ . الثّانِي : بِالْمِيزَانِ الثّالِثُ أَنْ تُبَلّ قُطْنَتَانِ مُتَسَاوِيَتَا الْوَزْنِ بِمَاءَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ثُمّ يُجَفّفَا بَالِغًا ثُمّ تُوزَنَا فَأَيّتُهُمَا كَانَتْ أَخَفّ فَمَاؤُهَا كَذَلِكَ . <358>(64/491)
وَالْمَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ بَارِدًا رَطْبًا فَإِنّ قُوّتَهُ تَنْتَقِلُ وَتَتَغَيّرُ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ تُوجِبُ انْتِقَالَهَا فَإِنّ الْمَاءَ الْمَكْشُوفَ لِلشّمَالِ الْمَسْتُورَ عَنْ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ يَكُونُ بَارِدًا وَفِيهِ يُبْسٌ مُكْتَسَبٌ مِنْ رِيحِ الشّمَالِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ .
وَالْمَاءُ الّذِي يَنْبُعُ مِنْ الْمَعَادِنِ يَكُونُ عَلَى طَبِيعَةِ ذَلِكَ الْمَعْدِنِ وَيُؤَثّرُ فِي الْبَدَنِ تَأْثِيرَهُ وَالْمَاءُ الْعَذْبُ نَافِعٌ لِلْمَرْضَى وَالْأَصِحّاءِ وَالْبَارِدُ مِنْهُ أَنْفَعُ وَأَلَذّ وَلَا يَنْبَغِي شُرْبُهُ عَلَى الرّيقِ وَلَا عُقَيْبَ الْجِمَاعِ وَلَا الِانْتِبَاهِ مِنْ النّوْمِ وَلَا عُقَيْبَ الْحَمّامِ وَلَا عُقَيْبَ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ وَقَدْ تَقَدّمَ .
وَأَمّا عَلَى الطّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا اُضْطُرّ إلَيْهِ بَلْ يَتَعَيّنُ وَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ بَلْ يَتَمَصّصُهُ مَصّا فَإِنّهُ لَا يَضُرّهُ الْبَتّةَ بَلْ يُقَوّي الْمَعِدَةَ وَيُنْهِضُ الشّهْوَةَ وَيُزِيلُ الْعَطَشَ .
وَالْمَاءُ الْفَاتِرُ يَنْفُخُ وَيَفْعَلُ ضِدّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبَائِتُهُ أَجْوَدُ مِنْ طَرِيّهِ وَقَدْ تَقَدّمَ . وَالْبَارِدُ يَنْفَعُ مِنْ دَاخِلٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ مِنْ خَارِجٍ وَالْحَارّ بِالْعَكْسِ وَيَنْفَعُ الْبَارِدُ مِنْ عُفُونَةِ الدّمِ وَصُعُودِ الْأَبْخِرَةِ إلَى الرّأْسِ وَيَدْفَعُ الْعُفُونَاتِ وَيُوَافِقُ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَسْنَانَ وَالْأَزْمَانَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَارّةَ وَيَضُرّ عَلَى كُلّ حَالَةٍ تَحْتَاجُ إلَى نُضْجٍ وَتَحْلِيلٍ كَالزّكَامِ وَالْأَوْرَامِ وَالشّدِيدُ الْبُرُودَةِ مِنْهُ يُؤْذِي الْأَسْنَانَ وَالْإِدْمَانُ عَلَيْهِ يُحْدِثُ انْفِجَارَ الدّمِ وَالنّزَلَاتِ وَأَوْجَاعَ الصّدْرِ .(64/492)
وَالْبَارِدُ وَالْحَارّ بِإِفْرَاطٍ ضَارّانِ لِلْعَصَبِ وَلِأَكْثَرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنّ أَحَدَهُمَا مُحَلّلٌ وَالْآخَرُ مُكَثّفٌ وَالْمَاءُ الْحَارّ يُسَكّنُ لَذْعَ الْأَخْلَاطِ الْحَادّةِ وَيُحَلّلُ وَيُنْضِجُ وَيُخْرِجُ الْفُضُولَ وَيُرَطّبُ وَيُسَخّنُ وَيُفْسِدُ الْهَضْمَ شُرْبُهُ وَيَطْفُو بِالطّعَامِ إلَى أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَيُرْخِيهَا وَلَا يُسْرِعُ فِي تَسْكِينِ الْعَطَشِ وَيُذْبِلُ الْبَدَنَ وَيُؤَدّي إلَى أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ وَيَضُرّ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرَاضِ عَلَى أَنّهُ صَالِحٌ لِلشّيُوخِ وَأَصْحَابِ الصّرْعِ وَالصّدَاعِ الْبَارِدِ وَالرّمَدِ . وَأَنْفَعُ مَا اُسْتُعْمِلَ مِنْ خَارِجٍ .
[الْمَاءُ الْمُشَمّسُ ]
وَلَا يَصِحّ فِي الْمَاءِ الْمُسَخّنِ بِالشّمْسِ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا كَرِهَهُ أَحَدٌ مِنْ <359> قُدَمَاءِ الْأَطِبّاءِ وَلَا عَابُوهُ وَالشّدِيدُ السّخُونَةِ يُذِيبُ شَحْمَ الْكُلَى وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَاءِ الْأَمْطَارِ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ .
مَاءُ الثّلْجِ وَالْبَرَدِ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَدْعُو فِي الِاسْتِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ اللّهُمّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثّلْجِ وَالْبَرَدِ
الثّلْجُ لَهُ فِي نَفْسِهِ كَيْفِيّةٌ حَادّةٌ دُخّانِيّةٌ فَمَاؤُهُ كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَدّمَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي طَلَبِ الْغَسْلِ مِنْ الْخَطَايَا بِمَائِهِ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَلْبُ مِنْ التّبْرِيدِ وَالتّصْلِيبِ وَالتّقْوِيَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَصْلُ طِبّ الْأَبْدَانِ وَالْقُلُوبِ وَمُعَالَجَةِ أَدْوَائِهَا بِضِدّهَا .
وَمَاءُ الْبَرَدِ أَلْطَفُ وَأَلَذّ مِنْ مَاءِ الثّلْجِ وَأَمّا مَاءُ الْجُمْدِ وَهُوَ الْجَلِيدُ فَبِحَسَبِ أَصْلِهِ .(64/493)
وَالثّلْجُ يَكْتَسِبُ كَيْفِيّةَ الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ الّتِي يَسْقُطُ عَلَيْهَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرّدَاءَةِ وَيَنْبَغِي تَجَنّبُ شُرْبِ الْمَاءِ الْمَثْلُوجِ عُقَيْبَ الْحَمّامِ وَالْجِمَاعِ وَالرّيَاضَةِ وَالطّعَامِ الْحَارّ وَلِأَصْحَابِ السّعَالِ وَوَجَعِ الصّدْرِ وَضَعْفِ الْكَبِدِ وَأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ .
[ مَاءُ الْآبَارِ وَالْقُنِيّ ]
مِيَاهُ الْآبَارِ قَلِيلَةُ اللّطَافَةِ وَمَاءُ الْقُنِيّ الْمَدْفُونَةِ تَحْتَ الْأَرْضِ ثَقِيلٌ لِأَنّ أَحَدَهُمَا مُحْتَقِنٌ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَفّنٍ وَالْآخَرَ مَحْجُوبٌ عَنْ الْهَوَاءِ وَيَنْبَغِي أَلّا يُشْرَبَ عَلَى الْفَوْرِ حَتّى يُصْمَدَ لِلْهَوَاءِ وَتَأْتِيَ عَلَيْهِ لَيْلَةٌ وَأَرْدَؤُهُ مَا كَانَتْ مَجَارِيهِ مِنْ رَصَاصٍ أَوْ كَانَتْ بِئْرُهُ مُعَطّلَةً وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَتْ تُرْبَتُهَا رَدِيئَةً فَهَذَا الْمَاءُ وَبِيءٌ وَخِيمٌ .
مَاءُ زَمْزَمَ
سَيّدُ الْمِيَاهِ وَأَشْرَفُهَا وَأَجَلّهَا قَدْرًا وَأَحَبّهَا إلَى النّفُوسِ وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ النّاسِ وَهُوَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقِيَا اللّهِ إسْمَاعِيلَ . <360> وَثَبَتَ فِي " الصّحِيحِ " عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لِأَبِي ذَرّ وَقَدْ أَقَامَ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرَهُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَزَادَ غَيْرُ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِهِ وَشِفَاءُ سُقْمٍ تَحْسِينُ الْمُصَنّفِ لِحَدِيثِ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ(64/494)
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " . مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ وَقَدْ ضَعّفَ هَذَا الْحَدِيثَ طَائِفَةٌ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُؤَمّلِ رَاوِيهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ . وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنّهُ لَمّا حَجّ أَتَى زَمْزَمَ فَقَالَ اللّهُمّ إنّ ابْنَ أَبِي الْمَوَالِي حَدّثَنَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ <361> جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ نَبِيّك صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ وَإِنّي أَشْرَبَهُ لِظَمَإِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَابْنُ أَبِي الْمَوَالِي ثِقَةٌ فَالْحَدِيثُ إذًا حَسَنٌ وَقَدْ صَحّحَهُ بَعْضُهُمْ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَوْضُوعًا وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فِيهِ مُجَازَفَةٌ .
[ تَجْرِيبُ الْمُصَنّفِ لَهُ فِي الِاسْتِشْفَاءِ ]
وَقَدْ جَرّبْتُ أَنَا وَغَيْرِي مِنْ الِاسْتِشْفَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ أُمُورًا عَجِيبَةً وَاسْتَشْفَيْتُ بِهِ مِنْ عِدّةِ أَمْرَاضٍ فَبَرَأْت بِإِذْنِ اللّهِ وَشَاهَدْتُ مَنْ يَتَغَذّى بِهِ الْأَيّامَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ الشّهْرِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَجِدُ جُوعًا وَيَطُوفُ مَعَ النّاسِ كَأَحَدِهِمْ وَأَخْبَرَنِي أَنّهُ رُبّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ لَهُ قُوّةً يُجَامِعُ بِهَا أَهْلَهُ وَيَصُومُ وَيَطُوفُ مِرَارًا .
مَاءُ النّيلِ(64/495)
أَحَدُ أَنْهَارِ الْجَنّةِ أَصْلُهُ مِنْ وَرَاءِ جِبَالِ الْقَمَرِ فِي أَقْصَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَمْطَارٍ تَجْتَمِعُ هُنَاكَ وَسُيُولٍ يَمُدّ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَسُوقُهُ اللّهُ تَعَالَى إلَى الْأَرْضِ الْجُرْزِ الّتِي لَا نَبَاتَ لَهَا فَيُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ الْأَنْعَامُ وَالْأَنَامُ وَلَمّا كَانَتْ الْأَرْضُ الّتِي يَسُوقُهُ إلَيْهَا إِبْلِيزًا صُلْبَةً إنْ أُمْطِرَتْ مَطَرَ الْعَادَةِ لَمْ تُرْوَ وَلَمْ تَتَهَيّأْ لِلنّبَاتِ وَإِنْ أُمْطِرَتْ فَوْقَ الْعَادَةِ ضَرّتْ الْمَسَاكِنَ وَالسّاكِنَ وَعَطّلَتْ الْمَعَايِشَ وَالْمَصَالِحَ فَأَمْطَرَ الْبِلَادَ الْبَعِيدَةَ ثُمّ سَاقَ تِلْكَ الْأَمْطَارَ إلَى هَذِهِ الْأَرْضِ فِي نَهْرٍ عَظِيمٍ وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ زِيَادَتَهُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى قَدْرِ رَيّ الْبِلَادِ وَكِفَايَتِهَا فَإِذَا أَرْوَى الْبِلَادَ وَعَمّهَا أَذِنَ سُبْحَانَهُ بِتَنَاقُصِهِ وَهُبُوطِهِ لِتَتِمّ الْمَصْلَحَةُ بِالتّمَكّنِ مِنْ الزّرْعِ وَاجْتَمَعَ فِي هَذَا الْمَاءِ الْأُمُورُ الْعَشْرَةُ الّتِي تَقَدّمَ ذِكْرُهَا وَكَانَ مِنْ أَلْطَفِ الْمِيَاهِ وَأَخَفّهَا وَأَعْذَبِهَا وَأَحْلَاهَا .
مَاءُ الْبَحْرِ(64/496)
ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَتُهُ وَقَدْ جَعَلَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ مِلْحًا أُجَاجًا مُرّا زُعَاقًا لِتَمَامِ مَصَالِحَ مَنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ الْآدَمِيّينَ وَالْبَهَائِمِ فَإِنّهُ دَائِمٌ رَاكِدٌ كَثِيرُ الْحَيَوَانِ وَهُوَ يَمُوتُ فِيهِ <362> كَثِيرًا وَلَا يُقْبَرُ فَلَوْ كَانَ حُلْوًا لَأَنْتَنَ مِنْ إقَامَتِهِ وَمَوْتِ حَيَوَانَاتِهِ فِيهِ وَأَجَافَ وَكَانَ الْهَوَاءُ الْمُحِيطُ بِالْعَالَمِ يَكْتَسِبُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَنْتُنُ وَيُجِيفُ فَيَفْسُدُ الْعَالَمُ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الرّبّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ جَعَلَهُ كَالْمَلّاحَةِ الّتِي لَوْ أُلْقِيَ فِيهِ جِيَفُ الْعَالِمِ كُلّهَا وَأَنْتَانُهُ وَأَمْوَاتُهُ لَمْ تُغَيّرْهُ شَيْئًا وَلَا يَتَغَيّرُ عَلَى مُكْثِهِ مِنْ حِينِ خُلِقَ وَإِلَى أَنْ يَطْوِيَ اللّهُ الْعَالَمَ فَهَذَا هُوَ السّبَبُ الْغَائِيّ الْمُوجِبُ لِمُلُوحَتِهِ وَأَمّا الْفَاعِلِيّ فَكَوْنُ أَرْضِهِ سَبِخَةً مَالِحَةً .
[فَوَائِدُ الِاغْتِسَالِ بِهِ ]
[مَا يُدْفَعُ بِهِ مَضَرّةُ الشّرْبِ مِنْهُ ]
وَبَعْدُ فَالِاغْتِسَالُ بِهِ نَافِعٌ مِنْ آفَاتٍ عَدِيدَةٍ فِي ظَاهِرِ الْجِلْدِ وَشُرْبُهُ مُضِرّ بِدَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ فَإِنّهُ يُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُهْزِلُ وَيُحْدِثُ حَكّةً وَجَرَبًا وَنَفْخًا وَعَطَشًا وَمَنْ اُضْطُرّ إلَى شُرْبِهِ فَلَهُ طُرُقٌ مِنْ الْعِلَاجِ يَدْفَعُ بِهَا مَضَرّتَهُ .(64/497)
مِنْهَا : أَنْ يُجْعَلَ فِي قِدْرٍ وَيُجْعَلَ فَوْقَ الْقِدْرِ قَصَبَاتٌ وَعَلَيْهَا صُوفٌ جَدِيدٌ مَنْفُوشٌ وَيُوقَدَ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتّى يَرْتَفِعَ بُخَارُهَا إلَى الصّوفِ فَإِذَا كَثُرَ عَصَرَهُ وَلَا يَزَالُ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتّى يَجْتَمِعَ لَهُ مَا يُرِيدُ فَيَحْصُلُ فِي الصّوفِ مِنْ الْبُخَارِ مَا عَذُبَ وَيَبْقَى فِي الْقِدْرِ الزّعَاقُ .
وَمِنْهَا : أَنْ يُحْفَرَ عَلَى شَاطِئِهِ حُفْرَةٌ وَاسِعَةٌ يُرَشّحُ مَاؤُهُ إلَيْهَا ثُمّ إلَى جَانِبِهَا قَرِيبًا مِنْهَا أُخْرَى تُرَشّحُ هِيَ إلَيْهَا ثُمّ ثَالِثَةٌ إلَى أَنْ يَعْذُبَ الْمَاءُ . وَإِذَا أَلْجَأَتْهُ الضّرُورَةُ إلَى شُرْبِ الْمَاءِ الْكَدِرِ فَعِلَاجُهُ أَنْ يُلْقِيَ فِيهِ نَوَى الْمِشْمِشِ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْ خَشَبِ السّاجِ أَوْ جَمْرًا مُلْتَهِبًا يُطْفَأُ فِيهِ أَوْ طِينًا أَرْمَنِيّا أَوْ سَوِيقَ حِنْطَةٍ فَإِنّ كُدْرَتَهُ تُرَسّبُ إلَى أَسْفَلَ .
مِسْكٌ
ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّه عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أَطْيَبُ الطّيبِ الْمِسْكُ .
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : كُنْتُ أُطَيّبُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ <363> أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبِ فِيهِ مِسْكٌ .(64/498)
الْمِسْكُ مَلِكُ أَنْوَاعِ الطّيبِ وَأَشْرَفُهَا وَأَطْيَبُهَا ، وَهُوَ الّذِي تُضْرَبُ بِهِ الْأَمْثَالُ وَيُشَبّهُ بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يُشَبّهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ كُثْبَانُ الْجَنّةِ وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ يَسُرّ النّفْسَ وَيُقَوّيهَا ، وَيُقَوّي الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ جَمِيعَهَا شُرْبًا وَشَمّا ، وَالظّاهِرَةَ إذَا وُضِعَ عَلَيْهَا . نَافِعٌ لِلْمَشَايِخِ وَالْمَبْرُودِينَ لَا سِيّمَا زَمَنَ الشّتَاءِ جَيّدٌ لِلْغَشْيِ وَالْخَفَقَانِ وَضَعْفِ الْقُوّةِ بِإِنْعَاشِهِ لِلْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيّةِ وَيَجْلُو بَيَاضَ الْعَيْنِ وَيُنَشّفُ رُطُوبَتَهَا ، وَيَفُشّ الرّيَاحَ مِنْهَا وَمِنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَيُبْطِلُ عَمَلَ السّمُومِ وَيَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْأَفَاعِي ، وَمَنَافِعُهُ كَثِيرَةٌ جِدّا ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْمُفَرّحَاتِ .
مَرْزَنْجُوش
وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ صِحّتَهُ عَلَيْكُمْ بالمَرْزَنْجُوش فَإِنّهُ جَيّدٌ لِلْخُشَامِ . وَالْخُشَامُ الزّكَامُ .
وَهُوَ حَارّ فِي الثّالِثَةِ يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ يَنْفَعُ شَمّهُ مِنْ الصّدَاعِ الْبَارِدِ وَالْكَائِنِ عَنْ الْبَلْغَمِ وَالسّوْدَاءِ وَالزّكَامِ وَالرّيَاحِ الْغَلِيظَةِ وَيَفْتَحُ السّدُدَ الْحَادِثَةَ فِي الرّأْسِ وَالْمَنْخِرَيْنِ وَيُحَلّلُ أَكْثَرَ الْأَوْرَامِ الْبَارِدَةِ فَيَنْفَعُ مِنْ أَكْثَرِ الْأَوْرَامِ وَالْأَوْجَاعِ الْبَارِدَةِ الرّطْبَةِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ أَدَرّ الطّمْثَ وَأَعَانَ عَلَى الْحَبَلِ وَإِذَا دُقّ وَرَقُهُ الْيَابِسُ وَكُمِدَ بِهِ أَذْهَبَ آثَارَ الدّمِ الْعَارِضِ تَحْتَ الْعَيْنِ وَإِذَا ضُمّدَ بِهِ مَعَ الْخَلّ نَفَعَ لَسْعَةَ الْعَقْرَبِ .(64/499)
وَدُهْنُهُ نَافِعٌ لِوَجَعِ الظّهْرِ وَالرّكْبَتَيْنِ وَيُذْهِبُ بِالْإِعْيَاءِ وَمَنْ أَدْمَنَ شَمّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي عَيْنَيْهِ الْمَاءُ وَإِذَا اُسْتُعِطَ بِمَائِهِ مَعَ دُهْنِ اللّوْزِ الْمُرّ فَتَحَ سُدُدَ الْمَنْخِرَيْنِ وَنَفَعَ مِنْ الرّيحِ الْعَارِضَةِ فِيهَا ، وَفِي الرّأْسِ . <364>
مِلْحٌ
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِه " : مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ سَيّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ . وَسَيّدُ الشّيْءِ هُوَ الّذِي يُصْلِحُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَغَالِبُ الْإِدَامِ إنّمَا يَصْلُحُ بِالْمِلْحِ وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزّارِ " مَرْفُوعًا : سَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا فِي النّاسِ مِثْلَ الْمِلْحِ فِي الطّعَامِ وَلَا يَصْلُحُ الطّعَامُ إلّا بِالْمِلْحِ .
وَذَكَر الْبَغَوِيّ فِي " تَفْسِيرِه " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا : إنّ اللّهَ أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنْ السّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ الْحَدِيدَ وَالنّارَ وَالْمَاءَ وَالْمِلْحَ . وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ .(64/500)
الْمِلْحُ يُصْلِحُ أَجْسَامَ النّاسِ وَأَطْعِمَتَهُمْ وَيُصْلِحُ كُلّ شَيْءٍ يُخَالِطُهُ حَتّى الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَذَلِكَ أَنّ فِيهِ قُوّةً تَزِيدُ الذّهَبَ صُفْرَةً وَالْفِضّةَ بَيَاضًا ، وَفِيهِ جِلَاءٌ وَتَحْلِيلٌ وَإِذْهَابٌ لِلرّطُوبَاتِ الْغَلِيظَةِ وَتَنْشِيفٌ لَهَا ، وَتَقْوِيَةٌ لِلْأَبْدَانِ وَمَنْعٌ مِنْ عُفُونَتِهَا وَفَسَادِهَا ، وَنَفْعٌ مِنْ الْجَرَبِ الْمُتَقَرّحِ . وَإِذَا اُكْتُحِلَ بِهِ قَلَعَ اللّحْمَ الزّائِدَ مِنْ الْعَيْنِ وَمَحَقَ الظّفَرَة . والأندراني أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ مِنْ الِانْتِشَارِ وَيُحْدِرُ الْبَرَازَ وَإِذَا دُلِكَ بِهِ بُطُونُ أَصْحَابِ الِاسْتِسْقَاءِ نَفَعَهُمْ وَيُنَقّي الْأَسْنَانَ وَيَدْفَعُ عَنْهَا الْعُفُونَةَ وَيَشُدّ اللّثَةَ وَيُقَوّيهَا ، وَمَنَافِعُهُ كَثِيرَةٌ جِدّا .
حَرْفُ النّونِ
نَخْلٌ
مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " <365> عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أُتِيَ بِجُمّارِ نَخْلَةٍ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ مِنْ الشّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا مَثَلُ الرّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا أَخْبِرُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّهَا النّخْلَةُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النّخْلَةُ ثُمّ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا أَصْغُرُ الْقَوْمِ سِنّا فَسَكَتّ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " هِيَ النّخْلَةُ " فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبّ إلَيّ مِنْ كَذَا وَكَذَا .
[فَوَائِدُ حَدِيثِ النّخْلَةِ ](65/1)
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إلْقَاءُ الْعَالِمِ الْمَسَائِلَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَتَمْرِينُهُمْ وَاخْتِبَارُ مَا عِنْدَهُمْ .
وَفِيهِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَالتّشْبِيهُ .
وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ مِنْ الْحَيَاءِ مِنْ أَكَابِرِهِمْ وَإِجْلَالِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ عَنْ الْكَلَامِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ .
وَفِيهِ فَرَحُ الرّجُلِ بِإِصَابَةِ وَلَدِهِ وَتَوْفِيقِهِ لِلصّوَابِ .
وَفِيهِ أَنّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْوَلَدِ أَنْ يُجِيبَ بِمَا يَعْرِفُ بِحَضْرَةِ أَبِيهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ الْأَبُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إسَاءَةُ أَدَبٍ عَلَيْهِ .
وَفِيهِ مَا تَضَمّنَهُ تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ بِالنّخْلَةِ مِنْ كَثْرَةِ خَيْرِهَا وَدَوَامِ ظِلّهَا وَطِيبِ ثَمَرِهَا وَوُجُودِهِ عَلَى الدّوَامِ .
وَثَمَرُهَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَبَلَحًا وَيَانِعًا وَهُوَ غِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَقُوتٌ وَحَلْوَى وَشَرَابٌ وَفَاكِهَةٌ وَجُذُوعُهَا لِلْبِنَاءِ وَالْآلَاتِ وَالْأَوَانِي وَيُتّخَذُ مِنْ خُوصِهَا الْحُصُرُ وَالْمَكَاتِلُ وَالْأَوَانِي وَالْمَرَاوِحُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمِنْ لِيفِهَا الْحِبَالُ <366> وَالْحَشَايَا وَغَيْرُهَا ثُمّ آخِرُ شَيْءٍ نَوَاهَا عَلَفٌ لِلْإِبِلِ وَيَدْخُلُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَالْأَكْحَالِ ثُمّ جَمَالُ ثَمَرَتِهَا وَنَبَاتِهَا وَحُسْنُ هَيْئَتِهَا وَبَهْجَةُ مَنْظَرِهَا وَحُسْنُ نَضْدِ ثَمَرِهَا وَصَنْعَتِهِ وَبَهْجَتُهُ وَمَسَرّةُ النّفُوسِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فَرُؤْيَتُهَا مُذَكّرَةٌ لِفَاطِرِهَا وَخَالِقِهَا وَبَدِيعِ صَنْعَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَمَامِ حِكْمَتِهِ وَلَا شَيْءَ أَشْبَهُ بِهَا مِنْ الرّجُلِ الْمُؤْمِنِ إذْ هُوَ خَيْرٌ كُلّهُ وَنَفْعٌ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ .(65/2)
وَهِيَ الشّجَرَةُ الّتِي حَنّ جِذْعُهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا فَارَقَهُ شَوْقًا إلَى قُرْبِهِ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ وَهِيَ الّتِي نَزَلَتْ تَحْتَهَا مَرْيَمُ لَمّا وَلَدَتْ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ . وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ أَكْرِمُوا عَمّتَكُمْ النّخْلَةَ فَإِنّهَا خُلِقَتْ مِنْ الطّينِ الّذِي خُلِقَ مِنْهُ آدَمُ
[اخْتِلَافُ النّاسِ فِي تَفْضِيلِهَا عَلَى الْحَبَلَةِ ]
وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي تَفْضِيلِهَا عَلَى الْحَبَلَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقَدْ قَرَنَ اللّهُ بَيْنَهُمَا فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَمَا أَقْرَبَ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلّ سُلْطَانِهِ وَمَنْبَتِهِ وَالْأَرْضِ الّتِي تُوَافِقُهُ أَفْضَلَ وَأَنْفَعَ .
نَرْجِسُ
فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَصِحّ عَلَيْكُمْ بِشَمّ النّرْجِسِ فَإِنّ فِي الْقَلْبِ حَبّةَ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ لَا يَقْطَعُهَا إلّا شَمّ النّرْجِسِ
وَهُوَ حَارّ يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ وَأَصْلُهُ يُدْمِلُ الْقُرُوحَ الْغَائِرَةَ إلَى الْعَصَبِ وَلَهُ قُوّةُ غُسَالَةٍ جَالِيَةٌ جَابِذَةٌ وَإِذَا طُبِخَ وَشُرِبَ مَاؤُهُ أَوْ أُكِلَ مَسْلُوقًا هَيّجَ الْقَيْءَ وَجَذَبَ الرّطُوبَةَ مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ وَإِذَا طُبِخَ مَعَ الْكِرْسِنّةِ وَالْعَسَلِ نَقّى أَوْسَاخَ الْقُرُوحِ وَفَجّرَ الدّبَيْلَاتِ الْعَسِرَةِ النّضْجِ .(65/3)
<367> وَزَهْرُهُ مُعْتَدِلُ الْحَرَارَةِ لَطِيفٌ يَنْفَعُ الزّكَامَ الْبَارِدَ وَفِيهِ تَحْلِيلٌ قَوِيّ وَيَفْتَحُ سُدَدَ الدّمَاغِ وَالْمَنْخَرَيْنِ وَيَنْفَعُ مِنْ الصّدَاعِ الرّطْبِ وَالسّوْدَاوِيّ وَيُصَدّعُ الرّءُوسَ الْحَارّةَ وَالْمُحْرَقُ مِنْهُ إذَا شُقّ بَصَلُهُ صَلِيبًا وَغُرِسَ صَارَ مُضَاعَفًا وَمَنْ أَدْمَنَ شَمّهُ فِي الشّتَاءِ أَمِنَ مِنْ الْبِرْسَامِ فِي الصّيْفِ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الرّأْسِ الْكَائِنَةِ مِنْ الْبَلْغَمِ وَالْمِرّةِ السّوْدَاءِ وَفِيهِ مِنْ الْعِطْرِيّةِ مَا يُقَوّي الْقَلْبَ وَالدّمَاغَ وَيَنْفَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهَا . وَقَالَ صَاحِبُ التّيْسِيرِ : شَمّهُ يُذْهِبُ بِصَرْعِ الصّبْيَانِ .
نُورَةٌ
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ : مِنْ حَدِيثِ أُمّ سَلَمَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم كَانَ إذَا اطّلَى بَدَأَ بِعَوْرَتِهِ فَطَلَاهَا بِالنّورَةِ وَسَائِرَ جَسَدِهِ أَهْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا عِدّةُ أَحَادِيثَ هَذَا أَمْثَلُهَا .
قِيلَ إنّ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ الْحَمّامَ وَصُنِعَتْ لَهُ النّورَةُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَأَصْلُهَا : كِلْسٌ جُزْءَانِ وَزَرْنِيخٌ جُزْءٌ يُخْلَطَانِ بِالْمَاءِ وَيُتْرَكَانِ فِي الشّمْسِ أَوْ الْحَمّامِ بِقَدْرِ مَا تَنْضَجُ وَتَشْتَدّ زُرْقَتُهُ ثُمّ يُطْلَى بِهِ وَيَجْلِسُ سَاعَةً رَيْثَمَا يَعْمَلُ وَلَا يُمَسّ بِمَاءٍ ثُمّ يُغْسَلُ وَيُطْلَى مَكَانُهَا بِالْحِنّاءِ لِإِذْهَابِ نَارِيّتِهَا .
نَبْقٌ
ذَكَر َ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ " الطّبّ النّبَوِيّ " مَرْفُوعًا : إنّ آدَمَ لَمّا أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ كَانَ أَوّلَ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ ثِمَارِهَا النّبْقُ(65/4)
وَقَدْ ذَكَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّبْقَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتّفَقِ عَلَى صِحّتِهِ أَنّهُ رَأَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلَ قِلَالِ هَجَرَ
وَالنّبْقُ ثَمَرُ شَجَرِ السّدْرِ يُعْقِلُ الطّبِيعَةَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْإِسْهَالِ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيُسَكّنُ الصّفْرَاءَ وَيَغْذُو الْبَدَنَ وَيُشَهّي الطّعَامَ وَيُوَلّدُ بَلْغَمًا وَيَنْفَعُ <368> الذّرَبَ الصّفْرَاوِيّ وَهُوَ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَسَوِيقُهُ يُقَوّي الْحَشَا وَهُوَ يُصْلِحُ الْأَمْزِجَةَ الصّفْرَاوِيّةَ وَتُدْفَعُ مَضَرّتُهُ بِالشّهْدِ .
وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ رَطْبٌ أَوْ يَابِسٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالصّحِيحُ أَنّ رَطْبُهُ بَارِدٌ رَطْبٌ وَيَابِسَهُ بَارِدٌ يَابِسٌ
حَرْفُ الْهَاءِ
هِنْدَبَا
وَرَدَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَا تَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَثْبُتُ مِثْلُهَا بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ أَحَدُهَا : كُلُوا الْهِنْدَبَاءَ وَلَا تَنْفُضُوهُ فَإِنّهُ لَيْسَ يَوْمٌ مِنْ الْأَيّامِ إلّا وَقَطَرَاتٌ مِنْ الْجَنّةِ تَقْطُرُ عَلَيْهِ .
الثّانِي : مَنْ أَكَلَ الْهِنْدَبَاءَ ثُمّ نَامَ عَلَيْهَا لَمْ يَحُلّ فِيهِ سُمّ وَلَا سِحْرٌ .
الثّالِثُ مَا مِنْ وَرَقَةٍ مِنْ وَرَق ِ الْهِنْدَبَاءِ إلّا وَعَلَيْهَا قَطْرَةٌ مِنْ الْجَنّةِ .(65/5)
وَبَعْدُ فَهِيَ مُسْتَحِيلَةُ الْمِزَاجِ مُنْقَلِبَةٌ بِانْقِلَابِ فُصُولِ السّنَةِ فَهِيَ فِي الشّتَاءِ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ وَفِي الصّيْفِ حَارّةٌ يَابِسَةٌ وَفِي الرّبِيعِ وَالْخَرِيفِ مُعْتَدِلَةٌ وَفِي الْغَالِبِ أَحْوَالُهَا تَمِيلُ إلَى الْبُرُودَةِ وَالْيُبْسِ وَهِيَ قَابِضَةٌ مُبَرّدَةٌ جَيّدَةٌ لِلْمَعِدَةِ وَإِذَا طُبِخَتْ وَأُكِلَتْ بِخَلّ عَقَلَتْ الْبَطْنَ وَخَاصّةً الْبَرّيّ مِنْهَا فَهِيَ أَجْوَدُ لِلْمَعِدَةِ وَأَشَدّ قَبْضًا وَتَنْفَعُ مِنْ ضَعْفِهَا .
وَإِذَا تُضُمّدَ بِهَا سَلَبَتْ الِالْتِهَابَ الْعَارِضَ فِي الْمَعِدَةِ وَتَنْفَعُ مِنْ النّقْرِسِ وَمِنْ أَوْرَامِ الْعَيْنِ الْحَارّةِ وَإِذَا تُضُمّدَ بِوَرَقِهَا وَأُصُولِهَا نَفَعَتْ مِنْ لَسْعِ الْعَقْرَبِ وَهِيَ تُقَوّي الْمَعِدَةَ وَتَفْتَحُ السّدَدَ الْعَارِضَةَ فِي الْكَبِدِ وَتَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِهَا حَارّهَا وَبَارِدُهَا وَتَفْتَحُ سُدَدَ الطّحَالِ وَالْعُرُوقِ وَالْأَحْشَاءِ وَتُنَقّي مَجَارِيَ الْكُلَى .
<369> وَأَنْفَعُهَا لِلْكَبِدِ أَمَرّهَا وَمَاؤُهَا الْمُعْتَصَرُ يَنْفَعُ مِنْ الْيَرَقَانِ السّدَدِيّ وَلَا سِيّمَا إذَا خُلِطَ بِهِ مَاءُ الرازيانج الرّطْبُ وَإِذَا دُقّ وَرَقُهَا وَوُضِعَ عَلَى الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ بَرّدَهَا وَحَلّلَهَا وَيَجْلُو مَا فِي الْمَعِدَةِ وَيُطْفِئُ حَرَارَةَ الدّمِ وَالصّفْرَاءَ وَأَصْلَحَ مَا أُكِلَتْ غَيْرَ مَغْسُولَةٍ وَلَا مَنْفُوضَةٍ لِأَنّهَا مَتَى غُسِلَتْ أَوْ نُفِضَتْ فَارَقَتْهَا قُوّتُهَا وَفِيهَا مَعَ ذَلِكَ قُوّةٌ تِرْيَاقِيّةٌ تَنْفَعُ مِنْ جَمِيعِ السّمُومِ .(65/6)
وَإِذَا اُكْتُحِلَ بِمَائِهَا نَفَعَ مِنْ الْعَشَا وَيَدْخُلُ وَرَقُهَا فِي التّرْيَاقِ وَيَنْفَعُ مِنْ لَدْغِ الْعَقْرَبِ وَيُقَاوِمُ أَكْثَرَ السّمُومِ وَإِذَا اُعْتُصِرَ مَاؤُهَا وَصُبّ عَلَيْهِ الزّيْتُ خَلّصَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْقَتّالَةِ وَإِذَا اُعْتُصِرَ أَصْلُهَا وَشُرِبَ مَاؤُهُ نَفَعَ مِنْ لَسْعِ الْأَفَاعِي وَلَسْعِ الْعَقْرَبِ وَلَسْعِ الزّنْبُورِ وَلَبَنُ أَصْلِهَا يَجْلُو بَيَاضَ الْعَيْنِ .
حَرْفُ الْوَاوِ
وَرْسٌ
ذَكَرَ التّرْمِذِيّ فِي " جَامِعِه " : مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يَنْعَتُ الزّيْتَ وَالْوَرْسَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ قَالَ قَتَادَةُ يُلَدّ بِهِ وَيُلَدّ مِنْ الْجَانِبِ الّذِي يَشْتَكِيهِ .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَيْضًا قَالَ نَعَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَرْسًا وَقُسْطًا وَزَيْتًا يُلَدّ بِهِ .
وَصَحّ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَتْ النّفَسَاءُ تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا <370> أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَتْ إحْدَانَا تَطْلِي الْوَرْسَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ الْكَلَف .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اللّغَوِيّ الْوَرْسُ يُزْرَعُ زَرْعًا وَلَيْسَ بِبَرّيّ وَلَسْتُ أَعْرِفُهُ بِغَيْرِ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ بِغَيْرِ بِلَادِ الْيَمَنِ .(65/7)
وَقُوّتُهُ فِي الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي أَوّلِ الدّرَجَةِ الثّانِيَةِ وَأَجْوَدُهُ الْأَحْمَرُ اللّيّنُ فِي الْيَدِ الْقَلِيلُ النّخَالَةِ يَنْفَعُ مِنْ الْكَلَفِ وَالْحَكّةِ وَالْبُثُورِ الْكَائِنَةِ فِي سَطْحِ الْبَدَنِ إذَا طُلِيَ بِهِ وَلَهُ قُوّةٌ قَابِضَةٌ صَابِغَةٌ وَإِذَا شُرِبَ نَفَعَ مِنْ الْوَضَحِ وَمِقْدَارُ الشّرْبَةِ مِنْهُ وَزْنُ دِرْهَمٍ .
وَهُوَ فِي مِزَاجِهِ وَمَنَافِعِهِ قَرِيبٌ مِنْ مَنَافِعِ الْقُسْطِ الْبَحْرِيّ وَإِذَا لُطّخَ بِهِ عَلَى الْبَهَقِ وَالْحَكّةِ وَالْبُثُورِ وَالسّفْعَةِ نَفَعَ مِنْهَا وَالثّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْوَرْسِ يُقَوّي عَلَى الْبَاهِ .
وَسْمَةٌ
هِيَ وَرَقُ النّيلِ وَهِيَ تُسَوّدُ الشّعْرَ وَقَدْ تَقَدّمَ قَرِيبًا ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الصّبْغِ بِالسّوَادِ وَمَنْ فَعَلَهُ .
حَرْفُ الْيَاءِ
يَقْطِينٌ
وَهُوَ الدّبّاءُ وَالْقَرْعُ وَإِنْ كَانَ الْيَقْطِينُ أَعَمّ فَإِنّهُ فِي اللّغَةِ كُلّ شَجَرٍ لَا تَقُومُ عَلَى سَاقُ كَالْبِطّيخِ وَالْقِثّاءِ وَالْخِيَارِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [ الصّافّاتُ 146 ] .
[السّبَبُ فِي إطْلَاقِ الْقُرْآنِ عَلَى الْيَقْطِينِ اسْمَ الشّجَرِ ]
فَإِنْ قِيلَ مَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ يُسَمّى نَجْمًا لَا شَجَرًا وَالشّجَرُ مَا لَهُ سَاقٌ قَالَهُ أَهْلُ اللّغَةِ فَكَيْفَ قَالَ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ؟ .
<371> فَالْجَوَابُ أَنّ الشّجَرَ إذَا أُطْلِقَ كَانَ مَا لَهُ سَاقٌ يَقُومُ عَلَيْهِ وَإِذَا قُيّدَ بِشَيْءٍ تَقَيّدَ بِهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيّدِ فِي الْأَسْمَاءِ بَابٌ مُهِمّ عَظِيمُ النّفْعِ فِي الْفَهْمِ وَمَرَاتِبِ اللّغَةِ .(65/8)
وَالْيَقْطِينُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ نَبَاتُ الدّبّاءِ وَثَمَرُهُ يُسَمّى الدّبّاءَ وَالْقَرْعَ وَشَجَرَةَ الْيَقْطِينِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ خَيّاطًا دَعَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَرّبَ إلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبّاءٌ وَقَدِيدٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَتَبّعُ الدّبّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الصّحْفَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبّ الدّبّاءَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
وَقَالَ أَبُو طَالُوتَ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَأْكُلُ الْقَرْعَ وَيَقُولُ يَا لَك مِنْ شَجَرَةٍ مَا أَحَبّكِ إلَيّ لِحُبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاكَ .
وَفِي " الْغَيْلَانِيّاتِ " : مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " يَا عَائِشَةُ إذَا طَبَخْتُمْ قِدْرًا فَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنْ الدّبّاءِ فَإِنّهَا تَشُدّ قَلْبَ الْحَزِينِ .
الْيَقْطِينُ بَارِدٌ رَطْبٌ يَغْذُو غِذَاءً يَسِيرًا وَهُوَ سَرِيعُ الِانْحِدَارِ وَإِنْ لَمْ يَفْسُدْ قَبْلَ الْهَضْمِ تَوَلّدَ مِنْهُ خَلْطٌ مَحْمُودٌ وَمِنْ خَاصّيّتِهِ أَنّهُ يَتَوَلّدُ مِنْهُ خَلْطٌ مَحْمُودٌ مُجَانِسٌ لِمَا يَصْحَبُهُ فَإِنْ أُكِلَ بِالْخَرْدَلِ تَوَلّدَ مِنْهُ خَلْطٌ حِرّيفٌ وَبِالْمَلْحِ خَلْطٌ مَالِحٌ وَمَعَ الْقَابِضِ قَابِضٌ وَإِنْ طُبِخَ بِالسّفَرْجَلِ غَذَا الْبَدَنَ غِذَاءً جَيّدًا .(65/9)
وَهُوَ لَطِيفٌ مَائِيّ يَغْذُو غِذَاءً رَطْبًا بَلْغَمِيّا وَيَنْفَعُ الْمَحْرُورِينَ وَلَا يُلَائِمُ الْمَبْرُودِينَ وَمَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْبَلْغَمُ وَمَاؤُهُ يَقْطَعُ الْعَطَشَ وَيُذْهِبُ الصّدَاعَ <372> الْحَارّ إذَا شُرِبَ أَوْ غُسِلَ بِهِ الرّأْسُ وَهُوَ مُلَيّنٌ لِلْبَطْنِ كَيْفَ اُسْتُعْمِلَ وَلَا يَتَدَاوَى الْمَحْرُورُونَ بِمِثْلِهِ وَلَا أَعْجَلَ مِنْهُ نَفْعًا .
وَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنّهُ إذَا لُطّخَ بِعَجِينٍ وَشُوِيَ فِي الْفُرْنِ أَوْ التّنّورِ وَاسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ وَشُرِبَ بِبَعْضِ الْأَشْرِبَةِ اللّطِيفَةِ سَكّنَ حَرَارَةَ الْحُمّى الْمُلْتَهِبَةَ وَقَطَعَ الْعَطَشَ وَغَذّى غِذَاءً حَسَنًا وَإِذَا شُرِبَ بترنجبين وَسَفَرْجَلٍ مُرَبّى أَسْهَلَ صَفْرَاءَ مَحْضَةً .
وَإِذَا طُبِخَ الْقَرْعُ وَشُرِبَ مَاؤُهُ بِشَيْءٍ مِنْ عَسَلٍ وَشَيْءٍ مِنْ نَطْرُونٍ أَحْدَرَ بَلْغَمًا وَمِرّةً مَعًا وَإِذَا دُقّ وَعُمِلَ مِنْهُ ضِمَادٌ عَلَى الْيَافُوخِ نَفَعَ مِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ فِي الدّمَاغِ .
وَإِذَا عُصِرَتْ جُرَادَتُهُ وَخُلِطَ مَاؤُهَا بِدُهْنِ الْوَرْدِ وَقُطِرَ مِنْهَا فِي الْأُذُنِ نَفَعَتْ مِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ وَجُرَادَتُهُ نَافِعَةٌ مِنْ أَوْرَامِ الْعَيْنِ الْحَارّةِ وَمِنْ النّقْرِسِ الْحَارّ وَهُوَ شَدِيدُ النّفْعِ لِأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْحَارّةِ وَالْمَحْمُومِينَ وَمَتَى صَادَفَ فِي الْمَعِدَةِ خَلْطًا رَدِيئًا اسْتَحَالَ إلَى طَبِيعَتِهِ وَفَسَدَ وَوَلّدَ فِي الْبَدَنِ خَلْطًا رَدِيئًا وَدَفْعُ مَضَرّتِهِ بِالْخَلّ وَالْمُرّيّ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنْ أَلْطَفِ الْأَغْذِيَةِ وَأَسْرَعِهَا انْفِعَالًا وَيُذْكَرُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُكْثِرُ مِنْ أَكْلِهِ .(65/10)
فَصْلٌ الوصايا الكلية لحفظ الصحة
[ مَحَاذِرُ طِبّيّةٌ لِابْنِ مَاسَوَيْهِ ]
وَقَدْ رَأَيْتُ أَنّ أَخْتِمَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ بِفَصْلٍ مُخْتَصَرٍ عَظِيمِ النّفْعِ فِي الْمَحَاذِرِ وَالْوَصَايَا الْكُلّيّةِ النّافِعَةِ لِتَتِمّ مَنْفَعَةُ الْكِتَابِ وَرَأَيْتُ لِابْن ِ مَاسُوَيْهِ فَصْلًا فِي كِتَابِ " الْمَحَاذِيرِ " نَقَلْتُهُ بِلَفْظِهِ قَالَ <373> مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَلِفَ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ افْتَصَدَ فَأَكَلَ مَالِحًا فَأَصَابَهُ بَهَقٌ أَوْ جَرَبٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ الْبَيْضَ وَالسّمَكَ فَأَصَابَهُ فَالِجٌ أَوْ لَقْوَةٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ دَخَلَ الْحَمّامَ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ فَأَصَابَهُ فَالِجٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ اللّبَنَ وَالسّمَكَ فَأَصَابَهُ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ نِقْرِسٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ اللّبَنَ وَالنّبِيذَ فَأَصَابَهُ بَرَصٌ أَوْ نِقْرِسٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ احْتَلَمَ فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتّى وَطِئَ أَهْلَهُ فَوَلَدَتْ مَجْنُونًا أَوْ مُخْبَلًا فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ أَكَلَ بَيْضًا مَسْلُوقًا بَارِدًا وَامْتَلَأَ مِنْهُ فَأَصَابَهُ رَبْوٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَصْبِرْ حَتّى يَفْرُغَ فَأَصَابَهُ حَصَاةٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
وَمَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لَيْلًا فَأَصَابَهُ لَقْوَةٌ أَوْ أَصَابَهُ دَاءٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ .
فَصْلٌ [ مَحَاذِرُ طِبّيّةٌ لِابْنِ بَخْتَيْشُوعَ ](65/11)
وَقَالَ ابْنُ بَخْتَيْشُوعَ احْذَرْ أَنْ تَجْمَعَ الْبَيْضَ وَالسّمَكَ فَإِنّهُمَا يُورِثَانِ الْقُولَنْجَ وَالْبَوَاسِيرَ وَوَجَعَ الْأَضْرَاسِ .
وَإِدَامَةُ أَكْلِ الْبَيْضِ يُوَلّدُ الْكَلَفَ فِي الْوَجْهِ وَأَكْلُ الْمُلُوحَةِ وَالسّمَكِ الْمَالِحِ وَالِافْتِصَادُ بَعْدَ الْحَمّامِ يُوَلّدُ الْبَهَقَ وَالْجَرَبَ .
<374> إدَامَةُ أَكْلِ كُلَى الْغَنَمِ يَعْقِرُ الْمَثَانَةَ . الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ بَعْدَ أَكْلِ السّمَكِ الطّرِيّ يُوَلّدُ الْفَالِجَ .
وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ يُوَلّدُ الْجُذَامَ الْجِمَاعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهْرِيقَ الْمَاءَ عُقَيْبَهُ يُوَلّدُ الْحَصَاةَ طُولُ الْمُكْثِ فِي الْمَخْرَجِ يُوَلّدُ الدّاءَ الدّوِيّ .
[ وَصَايَا أبقراط ]
قَالَ أبقراط : الْإِقْلَالُ مِنْ الضّارّ خَيْرٌ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ النّافِعِ . وَقَالَ اسْتَدِيمُوا الصّحّةَ بِتَرْكِ التّكَاسُلِ عَنْ التّعَبِ وَبِتَرْكِ الِامْتِلَاءِ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ .
[وَصَايَا لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ وَغَيْرِه](65/12)
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ مَنْ أَرَادَ الصّحّةَ فَلْيُجَوّدْ الْغِذَاءَ وَلْيَأْكُلْ عَلَى نَقَاءٍ وَلْيَشْرَبْ عَلَى ظَمَأٍ وَلْيُقْلِلْ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ وَيَتَمَدّدْ بَعْدَ الْغَدَاءِ وَيَتَمَشّ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَلَا يَنَمْ حَتّى يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَلَاءِ وَلْيَحْذَرْ دُخُولَ الْحَمّامِ عُقَيْبَ الِامْتِلَاءِ وَمَرّةً فِي الصّيْفِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرٍ فِي الشّتَاءِ وَأَكْلُ الْقَدِيدِ الْيَابِسِ بِاللّيْل ِ مُعِينٌ عَلَى الْفِنَاءِ وَمُجَامَعَةُ الْعَجَائِزِ تُهْرِمُ أَعْمَارَ الْأَحْيَاءِ وَتُسْقِمُ أَبْدَانَ الْأَصِحّاءِ وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَلِي رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَا يَصِحّ عَنْهُ وَإِنّمَا بَعْضُهُ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ طَبِيبِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ .
وَقَالَ الْحَارِثُ : مَنْ سَرّهُ الْبَقَاءُ - وَلَا بَقَاءَ - فَلْيُبَاكِرْ الْغَدَاءَ وَلْيُعَجّلْ الْعِشَاءَ وَلْيُخَفّفْ الرّدَاءَ وَلْيُقْلِلْ غَشَيَانَ النّسَاءِ .
وَقَالَ الْحَارِثُ : أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَهْدِمُ الْبَدَنَ الْجِمَاعُ عَلَى الْبِطْنَةِ وَدُخُولُ الْحَمّامِ عَلَى الِامْتِلَاءِ وَأَكْلُ الْقَدِيدِ وَجِمَاعُ الْعَجُوزِ .
وَلَمّا احْتَضَرَ الْحَارِثُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ النّاسُ فَقَالُوا : مُرْنَا بِأَمْرٍ نَنْتَهِي إلَيْهِ مِنْ بَعْدِ ك فَقَالَ لَا تَتَزَوّجُوا مِنْ النّسَاءِ إلّا شَابّةً وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ الْفَاكِهَةِ إلّا فِي أَوَانِ نُضْجِهَا وَلَا يَتَعَالَجَنّ أَحَدُكُمْ مَا احْتَمَلَ بَدَنُهُ الدّاءَ وَعَلَيْكُمْ بِتَنْظِيفِ الْمَعِدَةِ فِي كُلّ شَهْرٍ فَإِنّهَا مُذِيبَةٌ لِلْبَلْغَمِ مُهْلِكَةٌ لِلْمِرّةِ مُنْبِتَةٌ لِلّحْمِ وَإِذَا تَغَدّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنَمْ <375> عَلَى إثْرِ غَدَائِهِ سَاعَةً وَإِذَا تَعَشّى فَلْيَمْشِ أَرْبَعِينَ خُطْوَةً .(65/13)
[وَصَايَا لِطَبِيبٍ]
وَقَالَ بَعْضُ الْمُلُوكِ لِطَبِيبِهِ لَعَلّك لَا تَبْقَى لِي فَصِفْ لِي صِفَةً آخُذُهَا عَنْكُ فَقَالَ لَا تَنْكِحْ إلّا شَابّةً وَلَا تَأْكُلْ مِنْ اللّحْمِ إلّا فَتِيّا وَلَا تَشْرَبْ الدّوَاءَ إلّا مِنْ عِلّةٍ وَلَا تَأْكُلْ الْفَاكِهَةَ إلّا فِي نُضْجِهَا وَأَجِدْ مَضْغَ الطّعَامِ . وَإِذَا أَكَلْت نَهَارًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَنَامَ وَإِذَا أَكَلْت لَيْلًا فَلَا تَنَمْ حَتّى تَمْشِيَ وَلَوْ خَمْسِينَ خُطْوَةً وَلَا تَأْكُلَنّ حَتّى تَجُوعَ وَلَا تَتَكَارَهَنّ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَا تَحْبِسْ الْبَوْلَ وَخُذْ مِنْ الْحَمّامِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْك وَلَا تَأْكُلَنّ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ وَإِيّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مَا تَعْجِزُ أَسْنَانُك عَنْ مَضْغِهِ فَتَعْجِزَ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ وَعَلَيْك فِي كُلّ أُسْبُوعٍ بِقَيْئَةٍ تُنَقّي جِسْمَك وَنِعْمَ الْكَنْزُ الدّمُ فِي جَسَدِك فَلَا تُخْرِجْهُ إلّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَلَيْكَ بِدُخُولِ الْحَمّامِ فَإِنّهُ يُخْرِجُ مِنْ الْأَطْبَاقِ مَا لَا تَصِلُ الْأَدْوِيَةُ إلَى إخْرَاجِهِ .
[وَصَايَا لِلشّافِعِيّ]
وَقَالَ الشّافِعِيّ :
أَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْبَدَنَ أَكْلُ اللّحْمِ وَشَمّ الطّيبِ وَكَثْرَةُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَلُبْسُ الْكَتّانِ .
وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَدَنَ كَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَكَثْرَةُ الْهَمّ وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ عَلَى الرّيقِ وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْحَامِضِ .
وَأَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْبَصَرَ الْجُلُوسُ حِيَالَ الْكَعْبَةِ وَالْكُحْلُ عِنْدَ النّوْمِ وَالنّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَتَنْظِيفُ الْمَجْلِسِ .
وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَصَرَ النّظَرُ إلَى الْقَذَرِ وَإِلَى الْمَصْلُوبِ وَإِلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَالْقُعُودُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ .(65/14)
وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْجِمَاعِ أَكْلُ الْعَصَافِيرِ والإطريفل وَالْفُسْتُقِ وَالْخَرّوبِ .
<376> وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ تَرْكُ الْفُضُولِ مِنْ الْكَلَامِ وَالسّوَاكُ وَمُجَالَسَةُ الصّالِحِينَ وَمُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ .
[ مَحَاذِرُ أَفْلَاطُونَ ]
وَقَالَ أَفْلَاطُونُ : خَمْسٌ يُذِبْنَ الْبَدَنَ وَرُبّمَا قَتَلْنَ قِصَرُ ذَاتِ الْيَدِ وَفِرَاقُ الْأَحِبّةِ وَتَجَرّعُ الْمَغَايِظِ وَرَدّ النّصْحِ وَضَحِكُ ذَوِي الْجَهْلِ بِالْعُقَلَاءِ .
[ مَحَاذِرُ لِطَبِيبِ الْمَأْمُونِ ]
وَقَالَ طَبِيبُ الْمَأْمُونِ : عَلَيْك بِخِصَالٍ مَنْ حَفِظَهَا فَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَعْتَلّ إلّا عِلّةَ الْمَوْتِ لَا تَأْكُلْ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ وَإِيّاكَ أَنْ تَأْكُلَ طَعَامًا يُتْعِبُ أَضْرَاسَك فِي مَضْغِهِ فَتَعْجِزَ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ وَإِيّاكَ وَكَثْرَةَ الْجِمَاعِ فَإِنّهُ يُطْفِئُ نُورَ الْحَيَاةِ وَإِيّاكَ وَمُجَامَعَةَ الْعَجُوزِ فَإِنّهُ يُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ وَإِيّاكَ وَالْفَصْدَ إلّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَلَيْك بِالْقَيْءِ فِي الصّيْفِ .
[ وَصِيّةٌ لأبقراط ]
وَمِنْ جَوَامِعِ كَلِمَاتِ أبقراط قَوْلُهُ كُلّ كَثِيرٍ فَهُوَ مُعَادٍ لِلطّبِيعَةِ .
[ وَصِيّةٌ لِجَالِينُوسَ ]
وَقِيلَ لِجَالِينُوسَ مَا لَك لَا تَمْرَضُ ؟ فَقَالَ لِأَنّي لَمْ أَجْمَعْ بَيْنَ طَعَامَيْنِ رَدِيئَيْنِ وَلَمْ أُدْخِلْ طَعَامًا عَلَى طَعَامٍ وَلَمْ أَحْبِسْ فِي الْمَعِدَةِ طَعَامًا تَأَذّيْت بِهِ .
فَصْلٌ [أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُمْرِضُ الْبَدَنَ ]
وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُمْرِضُ الْجِسْمَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ وَالنّوْمُ الْكَثِيرُ وَالْأَكْلُ الْكَثِيرُ وَالْجِمَاعُ الْكَثِيرُ .
[مَضَارّ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ ](65/15)
فَالْكَلَامُ الْكَثِير: يُقَلّلُ مُخّ الدّمَاغِ وَيُضْعِفُهُ وَيُعَجّلُ الشّيْبَ .
[مَضَارّ النّوْمِ الْكَثِيرِ ]
وَالنّوْمُ الْكَثِيرُ يُصَفّرُ الْوَجْهَ وَيُعْمِي الْقَلْبَ وَيُهَيّجُ الْعَيْنَ وَيُكْسِلُ عَنْ الْعَمَلِ وَيُوَلّدُ الرّطُوبَاتِ فِي الْبَدَنِ . <377>
[مَضَارّ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ ]
وَالْأَكْلُ الْكَثِيرُ يُفْسِدُ فَمَ الْمَعِدَةِ وَيُضْعِفُ الْجِسْمَ وَيُوَلّدُ الرّيَاحَ الْغَلِيظَةَ وَالْأَدْوَاءَ الْعَسِرَةَ .
[مَضَارّ الْجِمَاعِ الْكَثِيرِ]
وَالْجِمَاعُ الْكَثِيرُ يَهُدّ الْبُدْنَ وَيُضْعِفُ الْقُوَى وَيُجَفّفُ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ وَيُرْخِي الْعَصَبَ وَيُورِثُ السّدَدَ وَيَعُمّ ضَرَرُهُ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَيَخُصّ الدّمَاغَ لِكَثْرَةِ مَا يَتَحَلّلُ بِهِ مِنْ الرّوحِ النّفْسَانِيّ وَإِضْعَافِهِ أَكْثَرَ مِنْ إضْعَافِ جَمِيعِ الْمُسْتَفْرِغَاتِ وَيَسْتَفْرِغُ مِنْ جَوْهَرِ الرّوحِ شَيْئًا كَثِيرًا .
[ أَنْفَعُ الْجِمَاعِ ]
وَأَنْفَعَ مَا يَكُونُ إذَا صَادَفَ شَهْوَةً صَادِقَةً مِنْ صُورَةٍ جَمِيلَةٍ حَدِيثَةِ السّنّ حَلَالًا مَعَ سِنّ الشّبُوبِيّةِ وَحَرَارَةِ الْمِزَاجِ وَرُطُوبَتِهِ وَبُعْدِ الْعَهْدِ بِهِ وَخَلَاءِ الْقَلْبِ مِنْ الشّوَاغِلِ النّفْسَانِيّةِ وَلَمْ يُفَرّطْ فِيهِ وَلَمْ يُقَارِنْهُ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ مَعَهُ مِنْ امْتِلَاءٍ مُفْرِطٍ أَوْ خَوَاءٍ أَوْ اسْتِفْرَاغٍ أَوْ رِيَاضَةٍ تَامّةٍ أَوْ حَرّ مُفْرِطٍ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ فَإِذَا رَاعَى فِيهِ هَذِهِ الْأُمُورَ الْعَشْرَةَ انْتَفَعَ بِهِ جِدّا وَأَيّهَا فَقَدَ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الضّرَرِ بِحَسَبِهِ وَإِنْ فُقِدَتْ كُلّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا فَهُوَ الْهَلَاكُ الْمُعَجّلُ .
فَصْلٌ [الْحِمْيَةُ ]
[وَصَايَا جَالِينُوسَ ](65/16)
وَالْحِمْيَةُ الْمُفْرِطَةُ فِي الصّحّةِ كَالتّخْلِيطِ فِي الْمَرَضِ وَالْحِمْيَةُ الْمُعْتَدِلَةُ نَافِعَةٌ وَقَالَ جَالِينُوسُ لِأَصْحَابِهِ اجْتَنِبُوا ثَلَاثًا وَعَلَيْكُمْ بِأَرْبَعٍ وَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى طَبِيبٍ اجْتَنِبُوا الْغُبَارَ وَالدّخَانَ وَالنّتْنَ وَعَلَيْك بِالدّسَمِ وَالطّيبِ وَالْحَلْوَى وَالْحَمّامِ وَلَا تَأْكُلُوا فَوْقَ شِبَعِكُمْ وَلَا تَتَخَلّلُوا بالباذروج وَالرّيْحَانِ وَلَا تَأْكُلُوا الْجَوْزَ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَلَا يَنَمْ مَنْ بِهِ زُكْمَةٌ عَلَى قَفَاهُ وَلَا يَأْكُلْ مَنْ بِهِ غَمّ حَامِضًا وَلَا يُسْرِعْ الْمَشْيَ مَنْ افْتَصَدَ فَإِنّهُ مُخَاطَرَةُ الْمَوْتِ وَلَا يَتَقَيّأُ مَنْ تُؤْلِمُهُ عَيْنُهُ وَلَا تَأْكُلُوا فِي الصّيْفِ لَحْمًا كَثِيرًا وَلَا يَنَمْ صَاحِبُ الْحُمّى الْبَارِدَةِ فِي الشّمْسِ وَلَا تَقْرُبُوا الْبَاذِنْجَانَ الْعَتِيقَ الْمُبَزّرَ وَمَنْ شَرِبَ كُلّ يَوْمٍ فِي الشّتَاءِ <378> قَدَحًا مِنْ مَاءٍ حَارّ أَمِنَ مِنْ الْأَعْلَالِ وَمَنْ دَلّكَ جِسْمَهُ فِي الْحَمّامِ بِقُشُورِ الرّمّانِ أَمِنَ مِنْ الْجَرَبِ وَالْحَكّةِ وَمَنْ أَكَلَ خَمْسَ سَوْسَنَاتٍ مَعَ قَلِيلٍ مَصْطَكَا رُومِيّ وَعُودٍ خَامٍ وَمِسْكٍ بَقِيَ طُولَ عُمْرِهِ لَا تَضْعُفَ مَعِدَتُهُ وَلَا تَفْسُدُ وَمَنْ أَكَلَ بِزْرَ الْبِطّيخِ مَعَ السّكّرِ نَظّفَ الْحَصَى مِنْ مَعِدَتِهِ وَزَالَتْ عَنْهُ حُرْقَةُ الْبَوْلِ .
فَصْلٌ [ وَصَايَا عَامّةٌ ]
أَرْبَعَةٌ تَهْدِمُ الْبَدَنَ الْهَمّ وَالْحُزْنُ وَالْجُوعُ وَالسّهَرُ .
وَأَرْبَعَةٌ تُفْرِحُ النّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَإِلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَالْمَحْبُوبِ وَالثّمَارِ .(65/17)
وَأَرْبَعَةٌ تُظْلِمُ الْبَصَرَ الْمَشْيُ حَافِيًا وَالتّصَبّحُ وَالتّمَسّي بِوَجْهِ الْبَغِيضِ وَالثّقِيلِ وَالْعَدُوّ وَكَثْرَةُ الْبُكَاءِ وَكَثْرَةُ النّظَرِ فِي الْخَطّ الدّقِيقِ .
وَأَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْجِسْمَ لُبْسُ الثّوْبِ النّاعِمِ وَدُخُولُ الْحَمّامِ الْمُعْتَدِلُ وَأَكْلُ الطّعَامِ الْحُلْوِ وَالدّسِمِ وَشَمّ الرّوَائِحِ الطّيّبَةِ .
وَأَرْبَعَةٌ تُيَبّسُ الْوَجْهَ وَتُذْهِبُ مَاءَهُ وَبَهْجَتَهُ وَطَلَاوَتَهُ الْكَذِبُ وَالْوَقَاحَةُ وَكَثْرَةُ السّؤَالِ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَكَثْرَةُ الْفُجُورِ .
وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ وَبَهْجَتِهِ الْمُرُوءَةُ وَالْوَفَاءُ وَالْكَرَمُ وَالتّقْوَى .
وَأَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الْبَغْضَاءَ وَالْمَقْتَ الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ وَالْكَذِبُ وَالنّمِيمَةُ .
وَأَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الرّزْقَ قِيَامُ اللّيْلِ وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ وَتَعَاهُدُ الصّدَقَةِ وَالذّكْرُ أَوّلَ النّهَارِ وَآخِرَهُ .
وَأَرْبَعَةٌ تَمْنَعُ الرّزْقَ نَوْمُ الصّبْحَةِ وَقِلّةُ الصّلَاةِ وَالْكَسَلُ وَالْخِيَانَةُ .
وَأَرْبَعَةٌ تَضُرّ بِالْفَهْمِ وَالذّهْنِ إدْمَانُ أَكْلِ الْحَامِضِ وَالْفَوَاكِهِ وَالنّوْمُ عَلَى الْقَفَا وَالْهَمّ وَالْغَمّ .
<379> وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْفَهْمِ فَرَاغُ الْقَلْبِ وَقِلّةُ التّمَلّي مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَحُسْنُ تَدْبِيرِ الْغِذَاءِ بِالْأَشْيَاءِ الْحُلْوَةِ وَالدّسِمَةِ وَإِخْرَاجُ الْفَضَلَاتِ الْمُثْقِلَةِ لِلْبَدَنِ .
وَمِمّا يَضُرّ بِالْعَقْلِ إدْمَانُ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْبَاقِلّا وَالزّيْتُونِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَالْوَحْدَةُ وَالْأَفْكَارُ وَالسّكّرُ وَكَثْرَةُ الضّحِكِ وَالْغَمّ .(65/18)
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النّظَرِ قُطِعَتْ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ عِلّةً إلّا أَنّي أَكْثَرْتُ مِنْ أَكْلِ الْبَاذِنْجَانِ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْأَيّامِ وَمِنْ الزّيْتُونِ فِي الْآخَرِ وَمِنْ الْبَاقِلّا فِي الثّالِثِ .
فَصْلٌ [ فَضْلُ الطّبّ النّبَوِيّ ]
قَدْ أَتَيْنَا عَلَى جُمْلَةٍ نَافِعَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطّبّ الْعِلْمِيّ وَالْعَمَلِيّ لَعَلّ النّاظِرَ لَا يَظْفَرُ بِكَثِيرٍ مِنْهَا إلّا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَيْنَاكَ قُرْبَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشّرِيعَةِ وَأَنّ الطّبّ النّبَوِيّ نِسْبَةُ طِبّ الطّبَائِعِيّينَ إلَيْهِ أَقَلّ مِنْ نِسْبَةِ طِبّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبّهِمْ .
وَالْأَمْرُ فَوْقَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَعْظَمُ مِمّا وَصَفْنَاهُ بِكَثِيرٍ وَلَكِنْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَنْبِيهٌ بِالْيَسِيرِ عَلَى مَا وَرَاءَهُ وَمَنْ لَمْ يَرْزُقْهُ اللّهُ بَصِيرَةً عَلَى التّفْصِيلِ فَلْيَعْلَمْ مَا بَيْنَ الْقُوّةِ الْمُؤَيّدَةِ بِالْوَحْيِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَالْعُلُومِ الّتِي رَزَقَهَا اللّهُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْعُقُولِ وَالْبَصَائِرِ الّتِي مَنَحَهُمْ اللّهُ إيّاهَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ .
وَلَعَلّ قَائِلًا يَقُولُ مَا لِهَدْيِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا لِهَذَا الْبَابِ وَذِكْرِ قُوَى الْأَدْوِيَةِ وَقَوَانِينِ الْعِلَاجِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الصّحّةِ ؟ .
وَهَذَا مِنْ تَقْصِيرِ هَذَا الْقَائِلِ فِي فَهْمِ مَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ هَذَا وَأَضْعَافَهُ وَأَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنْ فَهْمِ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ وَإِرْشَادِهِ إلَيْهِ وَدِلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَحُسْنُ الْفَهْمِ عَنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ مَنّ يَمُنّ اللّهُ بِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .(65/19)
<380> فَقَدْ أَوْجَدْنَاك أُصُولَ الطّبّ الثّلَاثَةِ فِي الْقُرْآنِ وَكَيْفَ تُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةُ الْمَبْعُوثِ بِصَلَاحِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى صَلَاحِ الْأَبْدَانِ كَاشْتِمَالِهَا عَلَى صَلَاحِ الْقُلُوبِ وَأَنّهَا مُرْشِدَةٌ إلَى حِفْظِ صِحّتِهَا وَدَفْعِ آفَاتِهَا بِطُرُقٍ كُلّيّةٍ قَدْ وُكِلَ تَفْصِيلُهَا إلَى الْعَقْلِ الصّحِيحِ وَالْفِطْرَةِ السّلِيمَةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالتّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ كَمَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ فُرُوعِ الْفِقْهِ وَلَا تَكُنْ مِمّنْ إذَا جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ .
وَلَوْ رُزِقَ الْعَبْدُ تَضَلّعًا مِنْ كِتَابِ اللّهِ وَسُنّةِ رَسُولِهِ وَفَهْمًا تَامّا فِي النّصُوصِ وَلَوَازِمِهَا لَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ كُلّ كَلَامٍ سِوَاهُ وَلَاسْتَنْبَطَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الصّحِيحَةِ مِنْهُ .
فَمَدَارُ الْعُلُومِ كُلّهَا عَلَى مَعْرِفَةِ اللّهِ وَأَمْرِهِ وَخَلْقِهِ وَذَلِكَ مُسَلّمٌ إلَى الرّسُلِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ فَهُمْ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاَللّهِ وَأَمْرِهِ وَخَلْقِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ .(65/20)
وَطِبّ أَتْبَاعِهِمْ أَصَحّ وَأَنْفَعُ مِنْ طِبّ غَيْرِهِمْ . وَطِبّ أَتْبَاعِ خَاتَمِهِمْ وَسَيّدِهِمْ وَإِمَامِهِمْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَكْمَلُ الطّبّ وَأَصَحّهُ وَأَنْفَعُهُ وَلَا يَعْرِفُ هَذَا إلّا مَنْ عَرَفَ طِبّ النّاسِ سِوَاهُمْ وَطِبّهُمْ ثُمّ وَازَنَ بَيْنَهُمَا فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُ التّفَاوُتُ وَهُمْ أَصَحّ الْأُمَمِ عُقُولًا وَفِطَرًا وَأَعْظَمُهُمْ عِلْمًا وَأَقْرَبُهُمْ فِي كُلّ شَيْءٍ إلَى الْحَقّ لِأَنّهُمْ خِيرَةُ اللّهِ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا أَنّ رَسُولَهُمْ خِيرَتُهُ مِنْ الرّسُلِ . وَالْعِلْمُ الّذِي وَهَبَهُمْ إيّاهُ وَالْحِلْمُ وَالْحِكْمَةُ أَمْرٌ لَا يُدَانِيهِمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " : مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللّهِ فَظَهَرَ أَثَرُ كَرَامَتِهَا عَلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ فِي عُلُومِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأَحْلَامِهِمْ وَفِطَرِهِمْ وَهُمْ الّذِينَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ عُلُومُ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ وَعُقُولُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَدَرَجَاتُهُمْ فَازْدَادُوا بِذَلِكَ عِلْمًا وَحِلْمًا وَعُقُولًا إلَى مَا <381> أَفَاضَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ عِلْمِهِ وَحِلْمِهِ .
[ غَلَبَ عَلَى النّصَارَى الْبَلَادَةُ وَعَلَى الْيَهُودِ الْهَمّ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَقْلُ وَالشّجَاعَةُ . . ](65/21)
وَلِذَلِكَ كَانَتْ الطّبِيعَةُ الدّمَوِيّةُ لَهُمْ وَالصّفْرَاوِيّةُ لِلْيَهُودِ وَالْبَلْغَمِيّةُ لِلنّصَارَى وَلِذَلِكَ غَلَبَ عَلَى النّصَارَى الْبَلَادَةُ وَقِلّةُ الْفَهْمِ وَالْفِطْنَةِ وَغَلَبَ عَلَى الْيَهُودِ الْحُزْنُ وَالْهَمّ وَالْغَمّ وَالصّغَارُ وَغَلَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَقْلُ وَالشّجَاعَةُ وَالْفَهْمُ وَالنّجْدَةُ وَالْفَرَحُ وَالسّرُورُ . وَهَذِهِ أَسْرَارٌ وَحَقَائِقُ إنّمَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهَا مِنْ حُسْنِ فَهْمِهِ وَلُطْفِ ذِهْنِهِ وَغُزْرِ عِلْمِهِ وَعَرَفَ مَا عِنْدَ النّاسِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
تَمّ بِعَوْنِهِ تَعَالَى .(65/22)
طبُّ النَّبِيصلى الله عليه وسلم
لأبي العباس المستغفري
محذوف الأسانيد
ذكر المصنفات في علم الطب النبوي
1 ـ أبو بكر أحمد بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن أسباط الدينوري المعروف بابن السني المتوفى سنة 363 ـ 364 له ( الطب النبوي ) .
2 ـ أبو نعيم الأصفهاني المتوفى سنة 432 هـ ، له ( الطب النبوي )
3- ابن أبي عاصم له ( الطب والامراض ) .
4 ـ أبو الحسن علي بن عبد الكريم الحموي علاء الدين الكحال المتوفى سنة 720 هـ وضع كتابه ( الأحكام النبوية في الصناعة الطبية ) وقد طبع بمطبعة مصطفى الحلبي سنة 1374هـ بتحقيق عبد السلام هاشم .
5 ـ الحافظ شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هج له ( الطب النبوي ) وقد طبع مرارًا ، ولعل أول مرة هي طبعة القاهرة على الحجر بدون تاريخ وبهامشه تسهيل المنافع في الطب والحكمة لإبراهيم بن أبي بكر الأزرقي ، ولعل آخرها سنة 1380 هج وقد راجعها وعلق عليه وراجعه أحد أعلام الطب الحديث ، كما وقد طبعت ترجمة نفس كتاب الذهبي باللغة الفرنسية في الجزائر سنة 1860 م .
6 ـ الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هج له كتاب ( الطب النبوي ) وهو فصول مستلة من كتاب ( زاد المعاد في هدى خير العباد ) ولعل كتابه ( الطب النبوي ) أجمع ما كتب في ذلك فقد استفاد مما كتبه السابقون وخاصة بكتابي الحموي والذهبي ، كما أشير إلى ذلك في مقدمة الكتاب ص د طبع القاهرة ، وقد طبع أول مرة بحلب سنة 1346 هجرية ، ثم اعيد طبعه بمصر ثانياً محققاً سنة 1377 هـ .
7 ـ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ أوله : الحمد لله الذي اعطى كل نفس خلقها إلخ وهو مرتب على ثلاثة فنون ( الأول ) في قواعد الطب ، ( الثاني ) في الأدوية والأغذية . الثالث في علاج الأمراض .(66/1)
8 ـ أبو الوزير بن أحمد الأبهري له كتاب ( طب النبي صلى الله عليه وسلم ) فيه ما ورد عنه في الأدوية والأطعمة والأشربة ، وآداب الأكل والشرب ، وتوجد نسخته بمكتبة الصدر في الكاظمية ، وأخرى بمكتبة المشهد الرضوي كتابتها 1070هـ .
9 ـ عبد الملك بن حبيب الأندلسي المالكي المتوفى سنة 238 فقد جمع الطب النبوي في كتاب خاص به .
10 ـ الحبيب النيسابوري .
11 ـ أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري المتوفى سنة 432 هـ مؤلف كتابنا هذا الذي نقدمه إلى القراء ، ومن الخير ان نعرّف الرجل في سطور ، ربما تكشف بعض الجوانب من حياته ، إذ لا يسعنا التوسع في ترجمته في هذه العجالة .
ترجمة المؤلف
نسبه ونسبته : هو الشيخ الإمام أبو العباس جعفر بن أبي علي محمد بن أبي بكر المعتز بن محمد ابن المستغفر بن الفتح بن ادريس ، المستغفري النسفي السمرقندي النخشبي الحنفي في الفروع الأشعري في الاصول .
أسرته : الذي يظهر من ترجمة جده وأبيه وابنه أنهم كانوا من الأعلام وحفاظ الحديث :
أ ـ فجده : أبو بكر المعتز بن محمد بن المستغفر وقد روى عنه حفيده ـ المترجم له ـ كما في رياض العلماء في باب الكنى حرف العين القسم الثاني .
ب ـ وابوه : أبو علي محمد النسفي وصف بالشيخ وانه سمع ابا حفص احمد بن محمد العجلي جزءاً واحداً واسمع ابنه كثيراً عن شيخه ، وكانت ولادته سنة 318 هج ووفاته في شهر ربيع الآخر سنة 372 هج .
ج ـ وابنه : أبو ذر كان خطيب نسف ولي الخطابة بعد ابيه واسمعه ابوه من جماعة من الشيوخ ، وكان من اهل العلم والخير ، ذكره ابو محمد النخشبي في معجم شيوخه ، وقال : أبو ذر المستغفري ابن شيخنا أبي العباس سمع ابا الفضل يعقوب بن اسحاق السلامي ، وابا محمد عبد الملك ابن مروان الميداني ، ورحل به ابوه إلى ابي علي الحاجبي فاسمعه صحيح البخاري وكان صحيح السماع .(66/2)
ولادته : كانت ولادة المترجم له في سنة 350 وقد ورد سهواً في تاج التراجم ص21 طبع بغداد انها سنة 450 والصواب ما ذكرناه كما طبقت عليه كافة المصادر التي ذكرته ولم اقف على من ذكر محل ولادته الا ان اكبر الظن انها كانت بنسف إذا كان من اهلها وبها كان ابوه وجده وبها كانت وفاته وكان بها ابنه أيضاً .
مشايخه : طلب الحديث ورحل في طلبه فأخذ عن جماعة وروى عنهم ، منهم :
أ ـ جده ابو بكر المعتز بن محمد بن المستغفر كما سبقت اليه الاشارة .
ب ـ والده ابو علي محمد بن المستغفري سمع منه كثيراً .
ج ـ سمع بسرخس ابن ابي علي زاهر بن احمد السرخسي واكثر من السماع عليه .
د ـ رحل إلى نيسابور وسمع بها من ابي سهل هارون بن احمد الاسترابادي وغيره .
هـ ـ ورحل إلى بخارى فسمع بها ابا عبد الله محمد بن أحمد غنجار الحافظ .
و ـ ودخل مرو فأخذ عن ابن الهيثم محمد بن المكي الكشميهني .
ز ـ وممن سمع منهم بنسف ابو محمد عبد الله بن محمد بن زر الرازي وجماعة كثيرة سواهم قاله السمعاني في انسابه .
تلاميذه :
أ ـ ابنه ابو ذر كما سبق .
ب ـ ابو محمد عبد العزيز النخشبي النسفي المتوفى سنة 456 ـ 457 صحبه واكثر عنه .
ج ـ القاضي ابو منصور السمعاني الجد الأعلى لأبي سعد السمعاني صاحب الأنساب .
د ـ الحافظ ابو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي .
هـ ـ القاضي ابو علي الحسن بن عبد الملك ، وغير هؤلاء جمع كثير لا يحصون . قاله السمعاني في انسابه .
وفاته : توفي بنسف سلخ جمادي الأولى سنة 432 قال السمعاني في انسابه :
وزرت قبره بنسف على طرف الوادي . وصرح الذهبي وغيره بأنه عاش ثمانين سنة مع إنا لولاحظنا تاريخ ولادته وتاريخ وفاته لكان عمره إثنان وثمانون سنة ، فهل كان تحديد الذهبي وغيره مبني على التسامح ؟ وهو ينافي الدقة والضبط في أمثاله من المؤرخين ، أم انه حقيقة كان عمره ثمانين سنة ؟ فلا بد إذن من افتراض الغلط في أحد التاريخين ، إما الولادة أو الوفاة .(66/3)
ثناء العلماء عليه :
1 ـ قال اللكنوي في الفوائد البهية ص 57 : ولم يكن بما وراء النهر في عصره من يجري مجراه في الجمع والتصنيف وفهم الحديث .
2 ـ قال السمعاني في انسابه ورقة 528 ـ 2 : خطيب نسف كان فقيها فاضلا ، ومحدثاً مكثراً ، صدوقاً يرجع إلى فهم ومعرفة واتقان جمع الجموع وصنف التصانيف ، ورحل إلى خراسان واقام بسرخس ومرو مدة .
3 ـ وقال ابن قطلوبغا في تاج التراجم ص21 خطيب نسف لم يكن بما وراء النهر في عصره مثله كان فقيهاً محدثاً فاضلا مكثراً حافظاً صدوقاً .
4 ـ وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ج3 ص283 الحافظ العلامة المحدث و ..... وكان صدوقاً في نفسه لكنه روى الموضوعات في الأبواب ولا يوهنها . وقال ابن ناصر الدين : كان حافظاً مصنفاً ثقة مبرزا على اقرانه ، لكنه يروي الموضوعات من غير تبيين .
5 ـ وقال ابن العماد الحنبلي في شذراته ج3 ص 249 : صاحب التصانيف الكثيرة ... وكان محدث ما وراء النهر في زمانه .
6 ـ وقال الميرزا عبد الله افندي في رياض العلماء في القسم الأول من باب الكنى حرف العين : هو الامام الخطيب الحافظ ، وقال لي القسم الثاني من الباب نفسه : الكامل الجليل المعروف بالشيخ الامام ابي العباس الخ ..
7 ـ ووصفه المحقق الخواجة نصير الدين الطوسي في آداب المتعلمين بالشيخ الامام .
مؤلفاته : لقد وصف المترجم له بكثرة التصانيف ، وإلى القارئ ما حصلنا عليه من اسماء تصانيفه ، وهي :
1 ـ تاريخ نسف .
2 ـ تاريخ سمرقند .
3 ـ تاريخ كش .
4 ـ كتاب معرفة الصحابة .
5 ـ كتاب دلائل النبوة وقد جعل فيه الدلائل ، اعني ما كان قبل البعثة ، سبعة ابواب ، والمعجزات عشرة ابواب .
6 ـ كتاب الأوائل .
7 ـ كتاب الشمائل ( شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ) .
8 ـ كتاب فضائل القرآن .
9 ـ كتاب خطب النبي صلى الله عليه وسلم « الخطب النبوية » .
10 ـ كتاب الشعر والشعراء .
11 ـ المسلسلات في الحديث .
12 ـ كتاب الوفاء .
13 ـ كتاب في الحكمة .
14 ـ كتاب الايام والليالي .(66/4)
15 ـ كتاب الدعوات ينقل عنه السيد ابن طاووس في رسالة الاستخارات كما قيل .
16 ـ كتاب المنامات او ( المناسبات ) كما في كشف الظنون .
17 ـ كتاب الزيادات مما زاده على كتاب المختلف والمؤتلف لعبد الغني بن سعيد .
18 ـ الطب النبوي ( طب النبي صلى الله عليه وسلم ) ولعله الذي ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة ص 51 باسم ( الطب ) بدون إضافة .
وصف الكتاب
كتاب طب النبي صلى الله عليه وسلم وان كان اكثر اخباره من طرق المخالفين لكنه مشهور متداول بين علمائنا ، أقول وقد طبع مكرراً بطهران على الحجر بضميمة كتاب القانونجه ، وكتاب ابقراط في الطب المسمى بترتيب الطب ، فطبعاته في سنة 1281 وسنة 1294 ، وسنة 1304 ، وسنة 1318 ، وسنة 1327 ، وبالرغم من تكرر طبعاته خمس مرات فقد ندرت نسخته وعزت حتى فقدت ، وعسر الحصول عليها ، ولذلك عزمت على تحقيقه وإخراجه للناس ، مع أنه محذوف الأسانيد ، وهذا ما أصابني بالصدمة الشديدة ، لكن الكتاب يستحق أن يخرج للناس لأنه من الكتب المهمة في هذا العلم ، والله الموفق .
مصادر ترجمته :
1 ـ الاعلام لخير الدين الزركلي ج2 ص123 الطبعة الثانية .
2 ـ الانساب لأبي سعد السمعاني ورقمه 528 ـ 2 طبع ليدن .
3 ـ تاج التراجم لابن قطلو بغا المتوفى سنة 879 ص21 طبع بغداد .
4 ـ تذكرة الحفاظ للذهبي ج3 ص283 ـ 284 .
5 ـ الجواهر المضيئة للقرشي الحنفي ج1 ص180 .
6 ـ الرسالة المستطرفة للكتاني ص51 الطبعة الثالثة وغيرها الثانية .
7 ـ روضات الجنات للخونساري ص160 الطبعة الحجرية الثانية .
8 ـ شذرات الذهب لابن العماد ص249 .
9 ـ العبر للذهبي ج3 ص177 .
10 ـ الفوائد البهية للكنوي الحنفي ص57 .
11 ـ كشف الظنون في موارد متعددة منها : 296 ، 308 ، 715 ، 760 ، 1059 ، 1095 ، 1277 ، 1417 ، 1463 ، 1739 .
12 ـ اللباب لابن الاثير ج3 ص136 .
13 ـ مرآة الجنان لليافعي ج3 ص54 .
14 ـ معجم المؤلفين لكحالة ج3 ص150 .
15 ـ هدية العارفين لاسماعيل پاشا ج1 ص253 .(66/5)
هذه الرسالة الموسومة بطب النبي صلى الله عليه وسلم . وجدت بحذف الاسانيد مكتوبة :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) : ما خلق الله تعالى داء إلا وخلق له دواء إلا السام .
وقال صلى الله عليه وسلم : الذي انزل الداء انزل الشفاء .
وقال صلى الله عليه وسلم : بشر المحرورين بطول العمر .
وقال صلى الله عليه وسلم : اصل كل داء البرودة .
وقال صلى الله عليه وسلم : كل وانت تشتهي وامسك وانت تشتهي .
وقال صلى الله عليه وسلم : المعدة بيت كل داء ، والحمية رأس كل دواء فاعط نفسك ما عودتها .
وقال صلى الله عليه وسلم : احب الطعام إلى الله تعالى ما كثرت عليه الايدي .
وقال صلى الله عليه وسلم : الأكل بأصبع واحدة أكل الشيطان والأكل بالاثنين أكل الجبابرة ، وبالثلاث اكل الانبياء .
وقال صلى الله عليه وسلم : برد الطعام فان الحار لا بركة فيه .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا أكلتم فاخلعوا نعالكم فانه اروح لاقدامكم وانه سنة جميلة .
وقال صلى الله عليه وسلم : الأكل مع الخدام من التواضع ، فمن أكل معهم اشتاقت اليه الجنة .
وقال صلى الله عليه وسلم : الأكل في السوق من الدنائة .
وقال صلى الله عليه وسلم : المؤمن يأكل بشهوة اهله ، والمنافق يأكل اهله بشهوته .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا وضعت المائدة فليأكل احدكم مما يليه ، ولا يتناول ذروة الطعام ، فأن البركة تأتيها من اعلاها ، ولا يقوم احدكم ولا يرفع يده وان شبع ، حتى يرفع القوم ايديهم فان ذلك يخجل جليسه .
وقال صلى الله عليه وسلم : البركة في وسط الطعام فكلوا من حافاته ولا تأكلوا من وسطه .
وقال صلى الله عليه وسلم : البركة في الثلاثة : الجماعة ، والسحور ، والثريد .
وقال صلى الله عليه وسلم : من استعمل الخشبتين امن من عذاب الكليتين .
وقال صلى الله عليه وسلم : تخللوا على اثر الطعام وتمضمضوا فأنهما مصحة الناب والنواجد .
وقال صلى الله عليه وسلم : تخللوا فانه من النظافة ، والنظافة من الايمان ، والايمان مع صاحبه في الجنة .
وقال صلى الله عليه وسلم : طعام الجواد دواء ، وطعام البخيل داء .
وقال صلى الله عليه وسلم : القصعة تستغفر لمن يلحسها .
وقال صلى الله عليه وسلم : كلوا جميعاً ولا تفرقوا ، فان البركة في الجماعة .
وقال صلى الله عليه وسلم : كثرة الطعام شؤم .
وقال صلى الله عليه وسلم : من جاع او احتاج وكتمه من الناس ومضى الى الله تعالى كان حقاً عليه ان يفتح له رزق سنة حلالا .(66/6)
وقال صلى الله عليه وسلم : من اكل ما يسقط من المائدة عاش ما عاش في سعة من رزقه ، وعوفي ولده وولد ولده من الحرام .
وقال صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه .
وقال صلى الله عليه وسلم : من التواضع ان يشرب الرجل من سؤر اخيه المؤمن .
وقال صلى الله عليه وسلم : من قل اكله قل حسابه .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا يشربن احدكم قائماً ، فمن نسى فليقيء .
وقال صلى الله عليه وسلم : المحتكر ملعون ـ في الدنيا والآخرة ـ .
وقال صلى الله عليه وسلم : الاحتكار في عشرة : البر والشعير والتمر والزبيب والذرة والسمن والعسل والجبن والجوز والزيت .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا لم يكن للمرء تجارة إلا في الطعام طغى وبغى .
وقال صلى الله عليه وسلم : من جمع طعاماً يتربص به الغلاء اربعين يوماً فقد برىء من الله وبرئ الله منه .
وقال صلى الله عليه وسلم : من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله تعالى بالجذام والافلاس .
وقال صلى الله عليه وسلم : تسحروا فأن السحور بركة .
وقال صلى الله عليه وسلم : تسحروا خلاف اهل الكتاب .
وقال صلى الله عليه وسلم : خير طعامكم الخبز ، وخير فاكهتكم العنب .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالجزار ... متى ... أي كونوا منهم (1) .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالهريسة فأنها تنشط للعبادة اربعين يوماً وهي التي انزلت علينا بدل مائدة عيسى عليه السلام .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا تقطعوا الخبز بالسكين واكرموه فأن الله تعالى اكرمه .
وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاث لقمات بالملح قبل الطعام تصرف عن ابن آدم اثنين وسبعين نوعا من البلاء منه الجنون والجذام والبرص .
وقال صلى الله عليه وسلم : سيد ادامكم الملح .
وقال صلى الله عليه وسلم: من اكل الملح قبل كل شيء دفع الله عنه ثلثمائة وثلاثين نوعاً من البلاء اهونها الجذام .
وقال صلى الله عليه وسلم : افتتحوا بالملح فانه دواء من سبعين داء .
وقال صلى الله عليه وسلم : افضل الصدقة الماء .
وقال صلى الله عليه وسلم : سيد الاشربة في الدنيا والآخرة الماء .
وقال صلى الله عليه وسلم : إن الحمى من قيح جهنم .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا اشتهيتم الماء فاشربوه مصاً ، ولا تشربوه عباً .
وقال صلى الله عليه وسلم : العب يورث الكباد .
وقال صلى الله عليه وسلم : كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها نفس سايلة فماتت فهو حلال وطهور .
وقال صلى الله عليه وسلم : من تعود كثرة الطعام والشراب قسا قلبه .(66/7)
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا شرب احدكم الماء وتنفس ثلاثاً كان آمناً .
وقال صلى الله عليه وسلم : شرار امتي الذين يأكلون مخاخ العظام .
وقال صلى الله عليه وسلم : ان ابليس يخطب شياطينه ويقول عليكم باللحم ، والمسكر ، والناي ، فاني لا اجد جماع الشر إلا فيها .
وقال صلى الله عليه وسلم : خير الادام في الدنيا والآخرة اللحم .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بأكل الجزور مخالفة لليهود .
وقال صلى الله عليه وسلم : اللحم ينبت اللحم ، ومن ترك اللحم اربعين صباحاً ساء خلقه .
وقال صلى الله عليه وسلم : من ترك اكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الاضطرار ومات فله النار خالداً مخلداً .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا تقطعوا اللحم بالسكين على الخوان فانه من صنع الاعاجم ، وانهشوه نهشاً فانه اهنأ وامرأ .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا تأكلوا من صيد المجوس إلا السمك .
وقال صلى الله عليه وسلم: من اكل اللحم اربعين يوماً صباحاً قسا قلبه .
وقال صلى الله عليه وسلم : اوحى الله تعالى إلى نبي من انبيائه حين شكى اليه ضعفه ان اطبخ اللحم مع اللبن فاني قد جعلت الشفاء والبركة فيهما .
وقال صلى الله عليه وسلم : الارز في الاطعمة كالسيد في القوم وانا في الانبياء كالملح في الطعام .
وقال ص : من اكل الفاكهة وتراً لم تضره .
وقال صلى الله عليه وسلم : ادهنوا بالبنفسج فانه بارد بالصيف ، حار في الشتاء .
وقال صلى الله عليه وسلم : اسقوا نساءكم الحوامل الالبان فانها تزيد في عقل الصبي .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا شربتم اللبن فتمضمضوا فان فيه دسماً .
وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ترد ، الوسادة ، واللبن ، والدهن .
وقال صلى الله عليه وسلم : أكل الجبن داء ، والجوز دواء ، فاذا اجتمعا معاً صارا دواءاً .
وقال صلى الله عليه وسلم : شرب اللبن ( من ) محض الايمان .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالألبان فانها تمسح الحر عن القلب كما يكسح الاصبع العرق عن الجبين ، وتشد الظهر وتزيد في العقل وتذكي الذهن وتجلو البصر وتذهب النسيان .
وقال صلى الله عليه وسلم : عشر خصال تورث النسيان : أكل الجبن ، واكل سؤر الفارة ، وأكل التفاح الحامض ، والجلجلان ، والجحامة على النقرة ، والمشي بين المرأتين ، والنظر إلى المصلوب ، والتعاز ، وقراءة لوح المقابر .(66/8)
وقال صلى الله عليه وسلم : ليس يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن .
وقال صلى الله عليه وسلم : الشاة بركة ، والشاتان بركتان ، وثلاث شياه غنيمة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة يفرح بهن الجسم ويربو ، الطيب ولباس اللين ، وشرب العسل .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالعسل فو الذي نفسي بيده ما من بيت فيه عسل إلا وتستغفر الملائكة لاهل ذلك البيت فان شربها رجل دخل في جوفه الف دواء ، وخرج عنه الف الف داء ، فان مات وهو في جوفه لم تمس النار جسده .
وقال صلى الله عليه وسلم : قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة .
وقال صلى الله عليه وسلم : من ألقم في فم اخيه المؤمن لقمة حلو لا يرجو بها رشوة ولا يخاف بها من شره ولا يريد إلا وجهه ، صرف الله عنه بها حرارة الموقف يوم القيامة .
وقال صلى الله عليه وسلم : نعم الشراب العسل يربي ويذهب درن الصدر .
وقال صلى الله عليه وسلم : من أراد الحفظ فياكل العسل .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا اشترى احدكم الخادمة فليكن اول ما يطعمها العسل فانه اطيب لنفسها .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا ولدت المرأة فليكن اول ما تأكل الرطب الحلو والتمر فأنه لو كان شيء افضل منه اطعمه الله تعالى مريم حين ولدت عيسى عليه السلام .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا جاء الرطب فهنئوني ، وإذا ذهب فعزوني .
وقال صلى الله عليه وسلم : بيت لا تمرة فيه كأن ليس فيه طعام .
وقال صلى الله عليه وسلم : خلقت النخلة والرمان من فضل طينة آدم « ع » .
وقال صلى الله عليه وسلم : اكرموا عمتكم النخلة ، النخلة والزبيب .
وقال صلى الله عليه وسلم : كل التمر على الريق فانه يقتل الدود .
وقال صلى الله عليه وسلم : نعم السحور للمؤمن التمر .
وقال صلى الله عليه وسلم : من وجد التمر فليفطر عليه ، ومن لم يجد فليفطر على الماء فانه طهور .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا تردوا شربة العسل على من اتاكم بها .
وقال صلى الله عليه وسلم : لحم البقر داء ولبنها دواء ، ولحم الغنم دواء ولبنها داء .
وقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالفواكه في اقبالها فأنها مصحة للابدان مطردة للاحزان ، والقوها في ادبارها فانها داء الابدان .
وقال صلى الله عليه وسلم : افضل ما يبدأ به الصائم الزبيب والتمر او شيء حلو .
وقال صلى الله عليه وسلم : اكل التين امان من القولنج .
وقال صلى الله عليه وسلم : اكل السفرجل يذهب ظلمة البصر .(66/9)
وقال صلى الله عليه وسلم : ربيع امتي العنب والبطيخ .
وقال صلى الله عليه وسلم : تفكهوا بالبطيخ فانها فاكهة الجنة وفيها الف بركة والف رحمة ، واكلها شفاء من كل داء .
وقال صلى الله عليه وسلم : عض البطيخ ولا تقطعها قطعاً فأنها فاكهة مباركة طيبة مطهرة الفم مقدسة القلب تبيض الاسنان وترضى الرحمان ، ريحها من العنبر وماؤها من الكوثر ، ولحمها من الفردوس ولذتها من الجنة واكلها من العبادة .
وعن ابن عباس انه قال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالبطيخ فان فيه عشر خصال هو طعام وشراب واسنان وريحان يغسل المثانة ويغسل البطن ويكثر ماء الظهر ويزيد في الجماع ويقطع البرودة وينقي البشرة .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالرمان وكلوا شحمه فانه دباغ المعدة وما من حبة تقع في جوف احدكم إلا انارت قلبه وحبسته من الشيطان والوسوسة اربعين يوماً .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالاترج فانه ينير الفوائد ويزيد في الدماغ .
وقال صلى الله عليه وسلم : كل العنب حبة حبة فانها أهنأ .
وقال صلى الله عليه وسلم : كل التين فانه ينفع البواسير والنقرس .
وقال صلى الله عليه وسلم : كل الباذنجان واكثر فانها شجرة رأيتها في الجنة . فمن اكلها على انها داء كانت داءاً ، ومن اكلها على انها دواء كانت دواءاً .
وقال صلى الله عليه وسلم : كل اليقطين فلو كان لله سبحانه وتعالى شجرة اخف من هذه ، لأنبتها على اخي يونس عليه السلام .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا أتخذ احدكم مرقاً فليكثر فيه الدبا فانه يزيد في الدماغ ، والعقل .
وقال صلى الله عليه وسلم : من اكل رمانة حتى يتممها نور الله قلبه اربعين يوماً .
وقال صلى الله عليه وسلم : نعم الادام الزبيب .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما من احد اكل رمانة إلا مرض شيطانه اربعين يوماً .
وقال صلى الله عليه وسلم : الكرفس بقلة الانبياء .
وقال صلى الله عليه وسلم : من اكل الخل . قام عليه ملك يستغفر له حتى يفرغ منه .
وقال صلى الله عليه وسلم : نعم الادام الخل وكان النبي يحب الفاكهة ـ العنب والبطيخ .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالزبيب فانه يطفي المرة ويسكن البلغم ويشد العصب ويذهب النصب ويحسن القلب .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالقرع فانه يزيد في الدماغ .
وقال صلى الله عليه وسلم : العناب يذهب بالحمى والكحة ويجلي القلب .(66/10)
وقال صلى الله عليه وسلم: شكى نوح إلى الله تعالى الغم فاوحى الله اليه ان يأكل العنب فانه يذهب الغم .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا اكلتم القثاء فكلوه من اسفله .
وقال صلى الله عليه وسلم : تفكهوا بالبطيخ وعضوه فان ماءه رحمة وحلاوته من حلاوة الايمان ، والايمان في الجنة ، فمن لقم لقمة من البطيخ كتب الله له سبعين الف حسنة ومحى عنه سبعين الف سيئة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ان في البطيخ خصال عشرة وهي التي ذكرها من قبل وانه اهدى إلى النبي ص بطيخ من الطائف فشمه وقبله ثم قال : عضوا البطيخ فانه من حلل الارض وماؤه من رحمة الله وحلاوته من الجنة . وقيل كان يوماً في محفل من اصحابه فقال رحم الله من اطعمنا بطيخاً فقام علي عليه السلام وذهب فجاء بجملة من البطيخ فاكل هو واصحابه فقال صلى الله عليه وسلم : رحم الله من اطعمنا هذا ، ومن اكل او يأكل من يومنا هذا إلى يوم القيامة من المسلمين .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما من امرأة حاملة اكلت البطيخ إلا يكون مولودها حسن الوجه والخلق .
وقال صلى الله عليه وسلم : البطيخ قبل الطعام ، يغسل البطن ويذهب بالداء اصلا .
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالملح ، ويأكل البطيخ بالجبن ، ويأكل الفاكهة الرطبة ، وربما أكل البطيخ باليدين جميعاً .
وقال صلى الله عليه وسلم : شموا النرجس ولو في اليوم مرة ، ولو في الاسبوع مرة ، ولو في الشهر مرة ، ولو في السنة مرة ، ولو في الدهر مرة ، فان في القلب حبة من الجنون والجذام والبرص وشمه يقلعها .
وقال صلى الله عليه وسلم : الحناء خضاب الاسلام يزيد في المؤمن عمله ويذهب بالصداع ويحد البصر ويزيد في الوقاع وهو سيد الرياحين في الدنيا والآخرة .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالمرزنجوش شموه فانه جيد للخشام ـ والخشام داء .
وقال صلى الله عليه وسلم : فضل دهن البنفسج على الادهان كفضل الاسلام على الأديان .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما من ورقة من ورق الهندباء إلا عليها قطرة من ماء الجنة .
وقال صلى الله عليه وسلم : من اراد ان يريح فليشم الورد الاحمر .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما خلق الله شجرة احب اليه من الحناء .(66/11)
وقال صلى الله عليه وسلم : نفقة درهم في سبيل الله بسبع مائة ، ونفقة درهم في خضاب الحناء بتسعة آلاف .
وقال صلى الله عليه وسلم : زينوا موائدكم بالبقل فأنها مطردة للشياطين مع التسمية .
وقال صلى الله عليه وسلم : الشونيز دواء من كل داء إلا السام .
وقال صلى الله عليه وسلم : كلوا الجبن فانه يورث النعاس ويهضم الطعام .
وقال صلى الله عليه وسلم : كلوا الثوم فان فيها شفاء من سبعين داء .
وقال صلى الله عليه وسلم : من اكل السداب ونام عليه أمن من الدوار وذات الجنب .
وقال صلى الله عليه وسلم : من اكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا ولا يقرب المسجد .
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا دخلتم بلداً فكلوا من بقله او بصلة يطرد عنكم داؤه ويذهب بالنصب ويشد العصب ويزيد في الباه ـ ويذهب بالحمى .
وقال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالكرفس فانه ان كان شيء يزيد في العقل فهو هو .
وقال صلى الله عليه وسلم : لو كان في شيء شفاء لكان في السناء .
وقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالاهليلج الاسود فانه من شجر الجنة طعمه مر وفيه شفاء من كل داء .
وقال صلى الله عليه وسلم : يستحب الحجامة في تسعة عشر من الشهر ، وواحد وعشرين .
وقال صلى الله عليه وسلم : في ليلة اسري بي إلى السماء ما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة ، وخير ما تداويتم به الحجامة ، والشونيز والقسط .
وقال صلى الله عليه وسلم : اكل الطين حرام على كل مسلم ومسلمة .
وقال صلى الله عليه وسلم : من مات وفي بطنه مثقال ذرة من الطين ادخله الله النار .
وقال صلى الله عليه وسلم : من اكل الطين فكأنما اعان على قتل نفسه .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا تأكلوا الطين فان فيها ثلاث خصال تورث الداء ، وتعظم البطن ، وتصفر اللون .
وقال صلى الله عليه وسلم : من مرض سبعة ايام مرضاً سخيناً كفر الله عنه ذنوب سبعين سنة .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا تكرهوا اربعة : الرمد فانه يقطع عروق العمى ، والزكام فانه يقطع عروق الجذام ، والسعال فانه يقطع عروق الفالج ، والدماميل فانها تقطع عروق البرص .
وقال صلى الله عليه وسلم : الحمى نصيب كل مؤمن من النار .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا وجع إلا وجع العين ، ولاهم إلا هم الدين .
وقال صلى الله عليه وسلم : الحمى تحط الخطايا كما تحط الشجرة الورق .
وقال صلى الله عليه وسلم : من سبق العاطس بالحمد لله أمن من الشوص واللوص والقلوص .(66/12)
وقال صلى الله عليه وسلم : من قال عبد عند امرئ مريض أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يشفيك سبع مرات إلا عوفي .
وقال صلى الله عليه وسلم : من شكا عن ضرسه فليضع اصبعه عليه وليقرأ : هو الذي انشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون وبالحق انزلناه وبالحق نزل وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريضاً قال : اذهب الوسواس والبأس رب الناس اشف وانت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك ، وقيل عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مريضاً فقال ارقيك رقية علمنيها جبرئيل ، فقال : نعم يا رسول الله ، قال بسم الله يشفيك من كل داء يأتيك ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد .
تمت الرسالة الموسومة بطب النبي صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين(66/13)
كتاب الأمراض والكفارات والطب والرقيات
للشيخ الإمام الحافظ القدوة بقية السلف
أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد ضياء المقدسي
(569 - 643)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطب النبوي
أو كتاب الأمراض والكفارات والطب والرقيات
للشيخ الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد ضياء المقدسي
المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمئة رحمه الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أكتفي
قال الشيخ الإمام العالم الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي قدس الله روحه ونور ضريحه أما بعد الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده وصلى الله على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد فإن بعض إخواني سألني مرة بعد أخرى أن أجمع كتابا في الطب مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وما روي من ذلك في الكتب المشهوة فأجبته إلى مسألته ورأيت أن أبتدئ بأحاديث الكفارات وأن الأمراض لرفع الدرجات ومحو السيئات.
ذكر خيرة الله للعبد فيما ابتدأه
(1) أخبرنا أبو المجد زاهر بن أحمد بن حامد الثقفي رحمه الله بأصبهان أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلال الأديب قراءة عليه أخبرنا إبراهيم بن منصور بحرويه أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي أخبرنا أبو يعلى الموصلي حدثنا هدبة وشيبان قالا حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وفي حديث شيبان وليس ذلك إلا للمؤمن. هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن هدبة بن خالد وشيبان بن فروخ.(67/1)
(2) أخبرنا عبد الله بن أحمد بن أبي المجد رحمه الله قراءة عليه قيل له أخبركم أبو القاسم بن الحصين حدثنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر القطيعي ثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبت للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته. كذا رواه الإمام أحمد بن حنبل ورواه النسائي أيضا.
(3) أخبرنا المؤيد الطوسي رحمه الله أخبرنا هبة الله بن سهل أخبرنا أبو عثمان البحيري أخبرنا راشد بن أحمد أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد أخبرنا أبو مصعب أن مالكا أخبرهم عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه. أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
ما ذكر من تشديد البلاء على الأنبياء صلوات الله عليهم وعلى الصالحين
(4) أخبرنا أبو طاهر المبارك بن أبي المعالي بن المعطوش رحمه الله بقراءتي عليه ببغداد وقلت له أخبركم هبة الله بن محمد قراءة عليه أخبرنا أبو علي الحسن بن أبي علي أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أنها قالت ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحيح أخرجه البخاري عن بشر بن محمد عن عبد الله بن المبارك ورواه غيره عن بشر بن خالد عن محمد بن جعفر كلاهما عن شعبة.(67/2)
(5) أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الحربي رحمه الله قراءة عليه قيل له أخبركم هبة الله بن محمد قراءة عليه أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة. ورواه شعبة بن الحجاج وحماد عن عاصم أخرجه الترمذي بنحو عن قتيبة عن حماد وقال حديث صحيح حسن.
(6) أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر بن أبي الفتح سبط حسين بن عبد الملك بن مسندة رحمه الله تعالى أخبرنا الحسن بن أحمد الحداد وأنا حاضر أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أحمد بن عيسى المصري حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك فقلت من أشد الناس بلاء قال الأنبياء ثم الصالحون إن كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحكم بالعطاء. هذا على شرط مسلم.(67/3)
(7) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمزة بن محمد رحمه الله أخبرنا محمد رحمه الله أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الموازيني أخبرنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن الشاهد بدمشق أخبرنا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف بن حاجب بن .. . الفرغاني حدثنا محمد بن إسماعيل الأعشى حدثنا الحسن بن عبد الله حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال وضعت يدي على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت الحمى عليه شديدة فقلت يا رسول الله إنها عليك لشديدة فقال إنا كذلك معاشر الأنبياء يضعف علينا البلاء كما يضاعف الأجر قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء قلت ثم من قال ثم الصالحون وإن كان أحدهم ليبتلى حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يجوبها وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء يصيبه كما يفرح أحدكم بالغائب أو بالرخاء. رواه ابن ماجه بنحوه من حديث هشام.
(8) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي رحمه الله أخبرنا أبو الفرج سعد بن أبي الرجاء الصيرفي قراءة عليه أخبرنا عبد الواحد بن أحمد أخبرنا عبد الله بن يعقوب بن إسحاق أخبرنا جدي إسحاق بن إبراهيم بن جميل أخبرنا أحمد بن منيع حدثنا عبيدة بن حميد عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا قال إني أوعك وعك رجلين منكم قلت ذاك بأن لك أجرين. أخرجه البخاري ومسلم بمعناه من حديث سليمان بن مهران الأعمش.(67/4)
(9) أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد الثقفي رحمه الله أخبرنا أبو علي الحداد أخبرنا أبو نعيم أحمد عن عبد الله عن عبد الله بن جعفر حدثنا أبو مسعود قال أخبرنا أبو عامر العقدي حدثنا شعبة عن حصين بن عبد الرحمن قال سمعت أبا عبد الله بن حذيفة يحدث عن عمته فاطمة قالت عدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فإذا سقاء معلق وماء يقطر عليه من شدة ما يجد من حر الحمى فقلت يا رسول الله لو دعوت الله فأذهب عنك هذا قال أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. رواه الإمام أحمد في المسند عن محمد بن جعفر عن شعبة.
ذكر بلاء أيوب عليه السلام(67/5)
(10) أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد الصيدلاني أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد قال حدثنا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عيد الله أخبرنا عبد الله بن جعفر أخبرنا إسماعيل بن عبد الله سمويه حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد أخبرنا عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثمانية عشر سنة و شهرا فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم تعلم والله إن أيوب قد أذنب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين قال له صاحبه وما ذاك قال من ثمانية عشر عاما لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له فقال أيوب عليه السلام ما أدري ما تقولان غير أن الله يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في خير وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب. فاستبطأته فتلقته تنظر وأقبل عليها قد أذهب الله تعالى ما به من البلاء وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله عليه السلام هذا المبتلى فالله على ذلك ما رأيت أشبه به منك إذ كان صحيحا قال فإني أنا هو وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض. هذا حديث غريب صحيح ورجال إسناده ثقات ورواه الإمام محمد بن يحيى الذهلي عن سعيد بن الحكم وقال ثمانية عشر سنة في الموضعين بغير شك.
ذكر محبة الله عز وجل لمن يبتلى من عباده المسلمين الصالحين(67/6)
(11) أخبروا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله تعالى قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن حرج فله الحرج. أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن سليمان بن داود عن إسماعيل بن جعفر.
ذكر أن ما يصيب المؤمن من الأذى ونحوه يكفر الله تعالى به من خطاياه
(12) عن عائشة قالت قال نبي الله صلى الله عليه وسلم ما من مرض أبو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنبه حتى الشوكة.
(13) وري عن النبي الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما فوقه إلا حط الله خطاياه كما تحط الشجرة ورقها. أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش.
ذكر أن الله يرفع درجة المؤمن بما يصيبه من البلاء
(14) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة و حط عنه بها خطيئة. صحيح أخرجه مسلم من حديث سليمان بن مهران معناه.
ذكر أن الحمى والمرض يكونان طهورا
(15) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الحمى استأذنت فقال من أنت قالت أنا أم ملدم قال أتنهدين إلى أهل قباء قالت نعم قال فأتتهم فحموا ولقوا منها شدة فاشتكوا إليه وقالوا يا رسول الله ما لقينا من الحمى قال إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم وإن شئتم كانت لكم طهورا قالوا بل تكون لنا طهورا.
(16) وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يصرع صرعة من مرض إلا بعثه الله منها طاهرا. لا أعلم فيهم جرحا.
ذكر مثل المؤمن ومثل المنافق
(17) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل المؤمن مثل خامة الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد.
(18) ومن صحيح مسلم أنه قال إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك أوالحمى كمثل حديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها. لا أعلم له علة.
ذكر من صبر على البلاء لينال درجة البقاء(67/7)
(19) أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر بقراءتي عليه بأصبهان قلت له أخبرتكم فاطمة بنت عبد الله الجوزذانية فأقر به أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عمران أبي بكر قال حدثني عطاء بن أبي رباح قال قال ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي فقال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها.
(20) وقال أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها طيف فقالت يا رسول الله ادع الله أن يشفيني قال إن شئت دعوت الله عز وجل فشفاك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت أصبر ولا حساب علي. رواه الإمام أحمد في المسند عن محمد بن عمرو بمعناه ورجاله على شرط مسلم.
(21) أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد أخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي أخبرنا محمد بن عبد الله بن شاذان أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمد القباب أخبرنا محمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا أبو بكر حدثنا علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبو سلمة عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل أخذتك أم ملدم قط قال وما أم ملدم قال حر يكون بين الجلد واللحم قال ما وجدت هذا قط قال فهل صدعت قط قال وما الصداع قال عرق يضرب في الرأس قال ما وجدت هذا قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا. رواه الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن بشر عن محمد بن عمرو بمعناه ورواه عمرو بن مرزوق عن ابن المسيب عن أبي هريرة.
ذكر الأجر على ذهاب البصر إذا احتسب صاحبه وصبر(67/8)
(22) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا زيد أرأيت لو أن عينيك كانتا لما بهما فقلت يا رسول الله أصبر وأحتسب فقال إذن لقيت الله ولا ذنب لك.
(23) وعن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل إذا ابتلى عبدا من عباده بحبيبتيه فصبر عوضه الله منهما الجنة. يريد عينيه أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن الليث.
(24) أخبرنا أبو المجد بن أحمد الثقفي أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الأديب .. .. . عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة. هذا على شرط الصحيحن فقد أخرج مسلم بهذا الإسناد غير حديث رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن سفيان عن الأعمش وقال هذا حديث حسن صحيح وفيه حبيبتيه.
ذكر أن الله عز وجل يكتب للمريض أجر ما كان يعمل من الخير وهو صحيح
(25) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من كان له عمل يعلمه من خير فشغله عنه مرض أو سفر فإنه يكتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم. أخرجه البخاري بمعناه عن مطر بن الفضل عن يزيد بن هارون.
(26) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحد من المسلمين يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه فيقول اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة مثل ما كان يعمل من الخير ما دام محبوسا في وثاقي. رجاله على شرط الصحيحين.
ذكر أجر المسترجع على المصيبة(67/9)
(27) عبد الله بن محمد بن أبي المجد الحربي أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يزيد وعباد بن عباد قالا أخبرنانا هشام بن أبي هشام قال عباد بن زياد عن أمه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها قال عباد قدم عهدها فيحدث لذلك استرجاعا إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه أجرها يوم أصيب. هكذا رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام.
كتاب الطب
(28) أخبرنا عمر بن علي الواعظ أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال قلت يا رسول الله وقال سفيان مرة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت دواء نتداوى به ورقى يسترقي بها وتقى نتقيها أترد من قدر الله شيئا قال إنها من قدر الله عز وجل. رواه الترمذي وابن ماجه قال الإمام أحمد الصواب عن أبي خزامة عن أبيه وكلا الروايتين جاءتا عن سفيان رواه مالك ويونس وعمرو بن الحارث والأوزاعي عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه.
ذكر أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم
(29) أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد الصيدلاني بقراءتي عليه بأصبهان قلت له أخبركم أبو علي الحسن بن أحمد الحداد وأنت حاضر قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن حيان حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي أخبرنا أبو أحمد الزبيري حدثنا ابن أبي حسين عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء. صحيح أخرجه البخاري عن محمد بن المثنى عن أبي أحمد الزبيري عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عطاء بن أبي رباح.(67/10)
(30) وأخبرنا محمد أخبرنا الحسين أخبرنا أحمد بن عبد الله حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا أبو مسعود أخبرنا أبو داود حدثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم. صحيح أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في كتبهم وقال الترمذي حسن صحيح.
(31) أخبرنا أبو جعفر الصيدلاني أخبرنا أبو علي الحداد أخبرنا أبو نعيم أخبرنا أبو محمد بن مادش حدثنا أبو مسعود الرازي حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن عطاء عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله. أخرجه ابن ماجه عن محمد بن بشار عن ابن مهدي عن سفيان عن عطاء وهو ابن السائب عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب. رواه عن عطاء شعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة وخالد بن عبد الله وجرير بن عبد الحميد وهمام بن الحارث كنحو رواية سفيان الثوري. وعطاء بن السائب تغير في آخر عمره وما رواه عنه سفيان الثوري وشعبة فإنه صحيح لأنهما سمعا منه قبل تغيره والله أعلم.
ذكر أن لكل داء دواء
(32) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى. صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن أحمد بن عيسى.
ذكر الحمية
(33) عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء.
ذكر أن الشفاء في ثلاث
(34) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن كان في أدويتكم خير أو يكون ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي.
ما ذكر في العسل
قال الله عز وجل: فيه شفاء للناس.(67/11)
(35) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلا فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال اسقه عسلا فقال قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرأ.
(36) وقال عليه السلام عليكم بالشفاءين العسل والقرآن.
ذكر الكمأة
(37) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين.
ذكر الإثمد
(38) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بالثياب البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم وعليكم بالإثمد فإنه يجلوا البصر وينبت الشعر.
ذكر تضميد العين بالصبر
(39) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم يشتكي عينه يضمدهما بالصبر.
ما ذكر في الحبة السوداء
(40) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام والسام هو الموت.
ما ذكر في الحجامة
(41) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أنس عن كسب الحجام فقال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام وكاتب أهله فرفعوا عنه من خراجه قال إن أفضل ما تداويتم به الحجامة أو من أمثل دوائكم.
(42) وقال ابن عباس احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه خبيثا لم يعطه.
الحجامة في الرأس
(43) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق مكة على رأسه وهو محرم.
(44) روي عن امرأة عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا إلا قال احتجم ولو وجعا في رجليه إلا قال اخضبها.
الحجامة على الكاهل والأخدعين(67/12)
(45) روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في الأخدعين والكاهل.
الاحتجام بين الكتفين
(46) روي عن أبي كبشة الأنماري أنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول من أهراق منه هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء.
الاحتجام على ظهر القدم
(47) روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على ظهر قدمه من وجع كان به.
الحجامة للنساء
(48) روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أبا طيبة أن يحجم أم سلمة قال حسبت أنه كان أخاها من الرضاعة أو غلاما لم يحتلم. كذا أخرجه مسلم قلت ولا أدري قول من هذا ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب ويجوز ذلك عند الضرورة والله أعلم.
ذكر أي يوم يستحب فيه الحجامة
(49) عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين. وقال الترمذي حديث حسن غريب.
ما ذكر في الكي
(50) روي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال رمى رجل أبيا يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.
ما ذكر في الرضف
(51) روي عن عبد الله أن قوما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا صاحب لنا يشتكي أنكويه قال فسكت قالوا أنكويه فسكت فقال اكووه وارضفوه بالرضف رضفا.
الأمر بتبريد الحمى بالماء البارد
(52) روي عن رافع بن خديج قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الحمى فور من فور جهنم فأطفؤوها عنكم بماء زمزم.
ذكر التداوي بالقسط البحري والزيت
(53) روي عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت.(67/13)
(54) روي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها صبي يسيل منخراه دما فقال ما هذا قالوا به العذرة قال ويلكن لا تقتلن أولادكن أيما امرأة أصاب ولدها العذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فلتحكه بماء زمزم ثم تسعطه به قال فأمرت عائشة فصنعت ذلك به فبرأ. هذا على شرط مسلم.
ذكر التداوي بالعود الهندي
(55) روي عن عبيد الله عن أم قيس بنت محصن قالت دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علقت عليه من العذرة فقال علام تدغرن أولادكم بهذا العلاق عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يسعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب.
ذكر التداوي بالورس والزيت
(56) روي عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب. قال قتادة ويلد من الجانب الذي يشتكيه.
ذكر التداوي بالسنا
(57) يروى عن بنت عميس قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا تستمشين قالت بالشبرم فقال النبي صلى الله عليه وسلم حار حار وقال أين أنت من السنا فلو كان في شيء شفاء من الموت لكان في السنا.
(58) وقال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بالسنا والسنوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام. قالوا يا رسول الله وما السام قال الموت.
ذكر التداوي بالعجوة
(59) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر.
ذكر عرق النسا
(60) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي به عرق النسا أن يأخذ إلية كبش عربي ليس بالصغير ولا بالكبير فيقطعا قطعا صغارا ثم يجزئها ثلاثة أجزاء فيشرب كل يوم جزء.
ذكر توقي المواضع التي بها الوباء
(61) عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه.(67/14)
(62) وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به قوم فإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه وإذا وقع ولستم بها فلا تدخلوها.
(63) قال عليه الصلاة والسلام عن الطاعون إنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين فليس من عبد وقع الطاعون في بلده فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد.
ذكر الحساء
(64) قال عليه السلام التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب بعض الحزن.
ذكر عصب الرأس من الوجع
(65) عن ابن عباس قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم يوما المنبر عليه ملحفة موشحا عاصبا رأسه بعصابة دسمة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي من أمركم شيئا فيقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم.
ذكر مقل الذباب في الطعام
(66) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وإنه يتقي جناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله.
ذكر ما يستمسك به الدم من الجراح
(67) عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد وهو يسئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان يسكب وبم دووي قال كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسله وعلي يكب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الدم لا يزيد إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها فاستمسك الدم. أخرجاه جميعا عن قتيبة.
ذكر الحناء يترك على القروح
(68) قالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكى إليه أحد قرحة ولا شوكة إلا وأمره أن يضع عليه الحناء.
ذكر الذريرة(67/15)
(69) أخبرته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال أعندك ذريرة قالت نعم فدعا بها فوضعها على بثرة بين أصبعين من أصابع رجليه ثم قال اللهم مطفي الكبير ومكبر الصغير اطفها عني فطفئت.
ذكر النهي عن التداوي بالخمر
(70) سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يجعل في الدواء فقال إنها ليست بدواء.
ذكر النهي عن الدواء بالسم
(71) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سم نفسه فسمه في يده يتحسى بها في نار جهنم مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه يوم القيامة خالدا مخلدا فيها أبدا.
ذكر النهي أن يجعل الضفدع في الدواء
(72) سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهى النبي عن قتلها.
ذكر كراهية شرب الترياق
(73) عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبالي ما أتيت أو ما ركبت إذا علقت تميمة أو شربت ترياقا أو قلت الشعر من قبل نفسي.
ذكر ما يذهب العي والتعب
(74) روي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم قال فصام الناس وهم مشاة وركبان فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصوم إنما ينتظرون ما نفعل أنت فدعا بقدح فرفعه إليه حتى نظر الناس وصام بعض فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن بعضهم صائم فقال أولئك العصاة واجتمع إليه المشاة من أصحابه فصفوا إليه يعني وقالوا نتعرض لدعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اشتد السفر وطالت المشقة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استعينوا بالنسل فإنه يقطع عنكم الأرض وتخفون له قال ففعلنا فخففنا له.
ذكر إباحة مداواة النساء للرجال
(75) عن أم عطية قالت غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رجالهم وأصنع له الطعام وأجبر الجارحات وأداوي المرضى.
كراهته أن يقال طبيب(67/16)
(76) عن أبي رمثة قال دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أبي الذي بظهره فقال دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب فقال أنت رفيق والله طبيب. هذا على شرط الصحيح والله أعلم.
ذكر ضمان من لا يحسن الطب
(77) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تطبب ولم يكن معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن.
(78) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه.
ذكر أن قيام الليل يطرد الداء عن الجسد
(79) عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء من الجسد.
ذكر أن الصدقة يدفع الله بها عن المصدق
(80) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء.
ذكر كراهية ورود المريض على الصحيح
(81) قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يورد الممرض على المصح.
ذكر أنه لا يعدي شيء شيئا
(82) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا صفر ولا هامة قال أعرابي فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها فقال عليه الصلاة والسلام فمن أعدى الأول.
ما ذكر في الغيل
(83) عن حذافة بنت وهب الأسدية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم.
باب ذكر في الرقى
(84) عن جابر قال كان خالي من الأنصارية يرقي من الحية فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى فأتاه خالي فقال يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى وكنت أرقي من الحية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها علي قال فعرضتها فقال لا بأس بهذه هذه من المواثيق.(67/17)
ذكر السبب الذي لأجله نهى عن الرقى
(85) عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك فقال أعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن شركا.
ذكر أن الرقى من قدر الله عز وجل
(86) عن أبي خزامة أحد بني الحارث بن سعد بن هريم أنه حدثه أباه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به ورقى نسترقيها وتقى نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من قدر الله.
ذكر الرقية من كل ذي حمة
(87) عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الرقى من كل ذي حمة.
ذكر الرقية من العين والنظرة وأن العين حق
(88) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين فإذا استغسلتم فاغسلوا.
(89) وقد جاء آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا شيء في الهام والعين حق وأصدق الطيرة الفأل.
(90) عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال استرقوا لها فإن بها النظرة.
ذكر ما يؤمر به العائن من الوضوء
(91) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق توضأ له. فتوضأ له عامر بن ربيعة فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس.
ذكر ما يقال عند زوال البلاء
(92) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم حسن يصبح لم يفجأه فجأة بلاء حتى يمسي. كذا رواه النسائي والأحاديث المذكورة كلهم عن مسلم والبخاري والحمد لله رب العالمين حمد الشاكرين.(67/18)
الخمسين من طب سيد الأولين والآخرين
صلى الله عليه وسلم
(من صحيح الجامع الصغير)
أبو أحمد معتز أحمد عبد الفتاح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم0
دونك خمسين حديثا صحيحا في الطب النبوي انتقيتها من الموسوعة الحديثية المصغرة(صحيح الجامع الصغير)وطريقتي أن اذكر الحديث وقد اذكر جزءا من شرحه وأقتصر على تحقيق الشيخ الألباني والشرح من فتح القدير للمناوى0
ولم أتوسع عندما ذكرت الحبة السوداء والعسل ونحوها بل أردت الإشارة فقط0وأحب أن أشير إلى أهمية اعتماد الأحاديث الصحيحة والشروح السنية التي تجمع بين الأدلة في هذا المجال وغيره وعدم اعتماد الفهم الخاطئ
(أن اى وصفة عشبية هي عن سيد البرية صلى الله عليه وسلم)
وفى الخاتمة ذكرت خمسة وعشرين حديثا لا تصح في الحجامة
وأحب ان أشير إلى الجهد الطيب في هذا المجال للدكتور عبد الباسط السيد في سلسلة الطب النبوي العلاجي وغيرها من الأشرطة السمعية والكتب لكن يؤخذ عليه ذكره الأحاديث غير الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم000000
الأحاديث:
الله الطبيب الشافي
1- الله الطبيب0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1252 في صحيح الجامع0
الشرح :
أي هو المداوي الحقيقي بالدواء الشافي من الداء وهذا قاله لوالد أبي رمثة حين رأى خاتم النبوة وكان ناتئاً فظنه سلعة تولدت من الفضلات فرّد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كلامه بإخراجه مدرجاً منه إلى غيره يعني ليس هذا علاجاً بل كلامك يفتقر إلى العلاج حيث سميت نفسك طبيباً ، واللّه هو الطبيب وإنما أنت رفيق ترفق بالمريض وتتلطف به وله فهو من الأسلوب الحكيم في فن البديع . وذلك لأن الطبيب هو العالم بحقيقة الدواء والداء والقادر على الصحة والشفاء وليس ذلك إلا اللّه 0
2ـ أنت رفيق و الله الطبيب 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1481 في صحيح الجامع0
التداوى(68/1)
3ــ إن الله تعالى حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 1754 في صحيح الجامع0
الشرح :
( إن اللّه تعالى حيث خلق الداء ) أي أوجده وقدره 0
( خلق الدواء فتداووا ) ندباً بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه كما سبق والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته .
4ـ إن الذي أنزل الداء أنزل الشفاء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1688 في صحيح الجامع0
5ـ إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه و جهله من جهله إلا السام و هو الموت 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1809 في صحيح الجامع0
الشرح :
فإذا شاء اللّه الشفاء يسر ذلك الدواء ، على مستعمله بواسطة أو دونها فيستعمله على وجهه وفي وقته فيبرأ ، وإذا أراد هلاكه أذهله عن دوائه وحجبه بمانع فهلك وكل ذلك بمشيئته وحكمه كما سبق في علمه 0
قال ابن حجر رحمه اللّه تعالى : ومما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعضهم أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيداويه بذلك الدواء بعينه فلا ينجع وسببه الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين نشابها ويكون أحدهما مركباً لا ينجع فيه ما ينجع في غير المركب فيقع الخطأ وقد يكون متحداً لكن يريد اللّه أن لا ينجع وهنا تخضع رقاب الأطباء ولهذا قال :
إن الطبيب لذو عقل ومعرفة **** ما دام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انقضت أيام مدته **** حار الطبيب وخانته العقاقير
( إلا السام ) بمهملة مخففاً ( وهو الموت ) فإنه لا دواء له والتقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت فيه(68/2)
قال ابن القيم : والحديث يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد سمى النبي صلى اللّه عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وفيه كالذي قبله الأمر بالتداوي ومشروعيته وقد تداوى المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وأمر به صحبه لكن لم يتداووا بالأدوية المركبة بل المفردة وربما أضافوا للمنفرد ما يعاونه أو يكسر صورته قال ابن القيم : وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها وإنما عني بالمركب الروم واليونان والأدوية من جنس الأغذية فمن غالب غذائه بالمفردات كالعرب فطبه بها فمن ثم أفرد المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم اللبن بالذكر ومن غالب غذائه المركبات فطبه بالأدوية المركبة أنفع والتداوي لا ينافي التوكل .
6ـ لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 5164 في صحيح الجامع0
7ــ الدواء من القدر و قد ينفع بإذن الله تعالى 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 3415 في صحيح الجامع0
الشرح :
( الدواء من القدر وقد ينفع ) في إزالة الداء أو تخفيفه
( بإذن اللّه ) الذي لا ينفع شيء ولا يضر إلا بإذنه وهذا قاله لما سئل هل ينفع الدواء من القدر؟ فهو الذي قدر الداء والدواء .
8 ـ الدواء من القدر و هو ينفع من يشاء بما شاء 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 3416 في صحيح الجامع0
9ــ إن الله تعالى خلق الداء و الدواء فتداووا و لا تتداووا بحرام 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1762 في صحيح الجامع0
10 ـ نهى عن الدواء الخبيث 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 6878 في صحيح الجامع0
الشرح :
أي السم أو النجس أو الخمر ولحم غير المأكول وروثه وبوله 0000
11ـ إنه ليس بدواء و لكنه داء - يعني الخمر - 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 2408 في صحيح الجامع0
ومن الشفاء
12ـ الشفاء في ثلاثة : شربة عسل و شرطة محجم و كية نار و أنهى أمتي عن الكي 0
تحقيق الألباني(68/3)
(صحيح) انظر حديث رقم: 3734 في صحيح الجامع0
الشرح :
( شربة عسل وشرطة محجم ) الشرطة ما يشرط به وقيل هو مفعلة من الشرط وهو الشق بالمحجم بكسر الميم وفي معناه الفصد وإنما خص الحجم لأنه في بلاد حارة والحجم فيها أنجح وأما غير الحارة فالفصد فيها أنجح 0
( وكية نار ) انتظم جملة ما يداوى به لأن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط والعسل يسهل الأخلاط البلغمية ويحفظ على المعجونان قوامها والكي يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به ولهذا وصفه ثم كرهه لكبر ألمه وعظم خطره كما قال ( وأنهى أمتي عن الكي ) لأن فيه تعذيباً فلا يرتكب إلا لضرورة ولهذا تقول العرب في أمثالها : آخر الطب الكي .
000فمن تلك القواعد أنه ، وإن احتمل الحصر هنا ، غير أنه لا يلزم إلا إذا أتى التصريح به كقوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين . . } أما مجرد ورود " ال " التعريف فلا يلزم منه الحصر؛ مثاله الحديث 3201 : البركة في نواصي الخيل . فمن الواضح فيه أن " التعريف " أتى للإعلام بأهمية شأن الخيل ، وأنه لم يقصد به حصر البركة بها كما هو معلوم ضرورة ونصا . أما " ضرورة " فلا حاجة لتبيينه لوضوحه ، وأما نصا فللحديث رقم 3202 : البركة في ثلاثة : في الجماعة ، والثريد ، والسحور . إذ ورد هذا الحديث كذلك بالتعريف ، وذكر فيه غير الخيل . ويماثل ذلك حديث البحث الحالي ، فقد ورد ذكر الشفاء أيضا في : ألبان البقر ، السنا والسنوت ، الحبة السوداء ، ماء زمزم ، السواك ، ألية الشاة الأعرابية ، ، الكمأة ، العجوة ، الكبش العربي ، غبار المدينة ، التلبينة ، أبوال الإبل ، الزيت ، ووردت بشأن العديد منها عبارة " شفاء من كل داء " .
13ـ ألبان البقر شفاء و سمنها دواء و لحومها داء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1233 في صحيح الجامع0
الشرح :(68/4)
( ألبان البقر شفاء ) من الأمراض السوداوية والغم والوسواس ويحفظ الصحة ويرطب البدن ويطلق البدن باعتدال وشربه بالعسل ينقي القروح الباطنة وينفع من كل سم ولدغ حية وعقرب وتفصيله في الطب ( وسمنها دواء )إذ هو ترياق السموم المشروبة كما في الموجز وغيره ( ولحومها داء ) مضرة بالبدن جالبة للسوداء . قال في الإرشاد : عسير الهضم يولد أخلاطاً غليظة 000000
قلت:لموضوع لحم البقر بحث آخر وانظر الشرح على الحديث التالى0000
14ـ إن في الحجم شفاء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 2128 في صحيح الجامع0
الشرح :
( إن في الحجم شفاء ) أي من غالب الأمراض لغالب الناس في قطر مخصوص في زمن مخصوص هكذا فافهم كلام الرسول ولا عليك من ضعفاء العقول فإن هذا وأشباهه يخرج جواباً لسؤال معين يكون الحجم له من أنفع الأدوية ولا يلزم من ذلك الإطراد .
15ـ خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم و شفاء من السقم و شر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقبة حضرموت كرجل الجراد من الهوام تصبح تتدفق و تمسي لا بلال بها 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3322 في صحيح الجامع0
الشرح :
( خير ماء ) بالمد ( على وجه الأرض ماء ) ببئر ( زمزم فيه طعام من الطعم ) كذا في نسخة المصنف بخطه وفي رواية طعام طعم بالإضافة والضم أي طعام إشباع أو طعام شبع من إضافة الشيء إلى صفته والطعم بالضم الطعام ( وشفاء من السقم ) كذا في خطه وفي رواية شفاء سقم بالإضافة أي شفاء من الأمراض إذا شرب بنية صالحة رحمنية 0
( وشر ماء ) بالمد ( على وجه الأرض ماء ) بالمد ( بوادي برهوت ) أي ماء بئر بوادي برهوت بفتح الباء والبئر بئر عميقة بحضرموت لا يمكن نزول قعرها وقد تضم الباء وتسكن الراء وهي المشار إليها بآية { وبئر معطلة }0000
16ـ زمزم طعام طعم و شفاء سقم 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3572 في صحيح الجامع0
الشرح :(68/5)
وهي كما قال المحب الطبري بئر في المسجد الحرام بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثين ذراعاً سميت به لكثرة مائها أو لزمزمة جبريل وكلامه عندها أو لغير ذلك (طعام طعم ) أي فيها قوة الاغتذاء الأيام الكثيرة لكن مع الصدق كما وقع لأبي ذرّ بل كثر لحمه وزاد سمنه يقال هذا الطعام طعم أي يشبع من أكله ويجوز تخفيف طعم جمع طعام كأنه قال إنها طعام أطعمه كما يقال أصل أصلاً وشيد أشياد والمعنى أنه خير طعام وأجوده ذكره كله الزمخشري 0
( وشفاء سقم ) أي حسي أو معنوي مع قوة اليقين وكمال التصديق ولهذا سنّ لكل أحد شربه أن يقصد به نيل مطالبه الدنيوية والأخروية .
17-شفاء عرق النسا ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم تشرب على الريق كل يوم جزء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3713 في صحيح الجامع0
الشرح :
( شفاء عرق النسا ) كالعصا عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ والأفصح النسا لا عرق النساء ذكره في النهاية وتعقبه ابن القيم بأن العرق أعم فهو من إضافة العام إلى الخاص سمي به لأن ألمه ينسى سواه ( ألية شاة أعرابية ) في رواية كبش عربي أسود ليس بالعظيم ولا بالصغير 0
تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق كل يوم جزء ) قال أنس : وصفته لثلاثمائة نفس كلهم يعافى وهذا خطاب لأهل الحجاز ونحوهم فإن هذا العلاج ينفعهم إذ المرض يحدث من يبس وقد يحصل من مادّة غليظة لزجة وفي الألية إنضاج وتليين والمرض يحتاجها وخص الشاة الأعرابية لقلة فضولها ولطف جوهرها وطيب مرعاها .(68/6)
ملاحظة : مرض " عرق النسا " الوارد هنا غير مرادف تماما لتشخيص معين في الطب الحديث ، ويصعب تعيينه بيقين لمن أراد الاستفادة من هذا الحديث . وأقرب ما يوجد له هو أحد أوجاع المفاصل الذي ينتج عنه انضغاط عصب يسمى " عرق الأنسر " . وفي بعض حالات هذا المرض ، قد توجد في نوع معين من الأدهان مواد تساعد الجسم على ترميم الضرر ، وقد تكون إحدى تلك الحالات هي المرض الذي عناه أبو هريرة والمناوي . دار الحديث ]
18ـ عليكم بالسنا و السنوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام و هو الموت0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 4067 في صحيح الجامع0
الشرح :
( عليكم بالسنا ) بالمد والقصر معروف ومنافعه لا تحصى ( والسنوت ) السبت أو العسل أو رغوة السمن أو حب كالكمون وليس به أو الكمون الكرماني أو الرازنانج أو التمر أو العسل الذي في زقاق السمن أقوال نقلها في الهدى وصوب آخرها ( فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السأم ) بالمهملة بغير همز ( وهو الموت ) وفيه أن الموت داء من جملة الأدواء قال الشاعر : *وكنه الموت ليس له دواء* وطريق استعمال ذلك أن يخلط السنا مدقوقاً بالعسل المخالط للسمن ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفرداً لما في العسل والسمن من إصلاح السنا وإعانته على الإسهال .
19ـ العجوة من الجنة و فيها شفاء من السم و الكمأة من المن و ماؤها شفاء للعين 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4126 في صحيح الجامع0
الشرح :
( وفيها شفاء من السم ) ظاهره خصوصية عجوة المدينة وقيل أراد العموم
( والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين)أي الماء الذي تنبت فيه وهو مطر الربيع وإن كان أراد ماء الكمأة نفسها فالمراد بللها أو نداؤها الذي يخلص إلى المرود منها إذا غرز فيها واكتحل به فإنه ينفع العين الذي غلب عليها اليبس الشديد000
20ـ في عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سم 0
تحقيق الألباني(68/7)
(صحيح) انظر حديث رقم: 4262 في صحيح الجامع0
الشرح :
( في عجوة العالية ) العجوة تمر بضرب إلى سواد والعالية الحوائط والقرى التي في الجهة العليا للمدينة مما يلي نجد ( أول البكرة ) بضم فسكون نصب على الظرفية ( على ريق النفس ) أي بزاق الإنسان نفسه ( شفاء من كل سحر أو سم ) لخاصية فيه أو لدعاء النبي صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم له أو لغير ذلك وهل تناوله أول الليل كتناوله أول النهار حتى يندفع عنه ضرر السحر والسم إلى الصباح احتمالان وظاهر الإطلاق المواظبة على ذلك قال الخطابي : كون العجوة ينفع من السحر والسم إنما هو ببركة دعوة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر وقال ابن التين : يحتمل أن المراد نخل خاص لا يعرف الآن أو هو خاص بزمنه .
21- إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء و في الآخر شفاء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 837 في صحيح الجامع0
الشرح :
( إذا وقع ) أي سقط ( الذباب ) بذال معجمة ، واحده ذبابة ( في شراب أحدكم ) ماءاً أو غيره من المائعات ، وفي رواية ابن ماجه : إذا وقع في الطعام ، وفي أخرى : وقع في إناء أحدكم ، والإناء يكون فيه كل مأكول ومشروب 0
( فليغمسه ) وفي رواية فليمقله زاد الطبراني : كله وفيه دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه . والأمر إرشادي لمقابلة الداء بالدواء ( ثم لينزعه ) وفي رواية البخاري : لينزعه -بزيادة فوقية قبل الزاي - وفي الطبراني : ثم ليطرحه 0
( فإن في إحدى ) بكسر الهمزة وسكون الحاء ( جناحيه )
( داء ) أي قوة سمية يدل عليها الورم . والحكة العارضة عند لدغه وهي بمنزلة سلاحه فإذا سقط في شيء تلقاه بها . قال الزركشي : وداء منصوب اسم إن ( وفي الأخرى ) بضم الهمزة 0(68/8)
( شفاء ) حقيقة فأمر الشارع بمقابلة السمية بما في جناحه الأخر من الشفاء؟ ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما في جزء الحيوان الواحد كالعقرب بإبرتها السم ويداوي منه بجزء منها ، فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا وجعله مجازاً ، كما وقع للبعض 00000
قال التوربشتي : ووجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر ، منها النحلة يخرج من بطنها شراب نافع وبث في إبرتها السم الناقع . والعقرب تهيج الداء بإبرتها ، ويتداوى من ذلك بجرمها . وأما اتفاؤه بالجناح الذي فيه هذا الداء على ما ورد في رواية فإنه تعالى ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب منه . فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة كيف تسعى لجمع القوت وتصون الحب على المدى وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى ثم تقطع الحب لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها لكونها لا تنبت وهي صحيحة . فتبارك الله . وفيه أن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع مالا نفس له سائلة فيه ، إذ غمسه يفضي لموته . فلو نجسه لم يأمر به ، لكن شرطه ألا يغير ولا يطرح 0
( والأمر للندب كما ذكره في شرح الحديث 5941 . وقد أثبت ذلك الطب الحديث بدون أدنى شك ، و اختصاره أن في إحدى جناحيه نوع من الجراثيم ، وفي الآخر مضادات حيوية antibiotics . و سمعت في دار الحديث النبوي الشريف بدمشق الأستاذ الشيخ رفيق السباعي رحمه الله يروي قصة أحد المسلمين في ألمانيا ، سأله أستاذه في علم الكيمياء عن وجود هذا الحديث فقال نعم . فقال أستاذه أن الأمر سهل وأنه يمكن التأكد من صحة الحديث علميا . و بعد التجارب اكتشف الأستاذ صحة الحديث فأرسل لجامعة الأزهر بمصر للتأكد من ورود الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم 0 و عندما أتاه الخبر منهم بالإيجاب أعلن إسلامه . عرفان الرباط 0 دار الحديث )
الحبة السوداء
22ـ الحبة السوداء فيها شفاء من كل داء إلا الموت 0
تحقيق الألباني(68/9)
(صحيح) انظر حديث رقم: 3168 في صحيح الجامع0
الشرح :
قيل : هذا من العام المراد به الخاص والمراد كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم لأنها حارة يابسة .
23ــ عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام و هو الموت 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4083 في صحيح الجامع0
الشرح :
( عليكم بهذه الحبة ) وفي رواية للبخاري الحبيبة مصغراً
( السوداء فإن فيها شفاء من كل داء ) يحدث من الرطوبة إذ ليس في شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل جميع الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها إلا هي ، وأخذ من أحاديث أخر أن معنى كونها شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفاً بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة أكلاً وشرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك وقيل قوله من كل داء تقديره يقبل العلاج بها فإنها إنما تنفع من الأمراض الباردة لا الحارة إلا بالعرض 0000
24- في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4247 في صحيح الجامع0
الشرح :
( في الحبة ) في رواية لمسلم إن في الحبة ( السوداء ) وهي الشونيز كما في صحيح مسلم
( شفاء من كل داء ) بالمد ( إلا السام ) والسام الموت 0
0000 وفيه أن الموت داء من جملة الأدواء ، والشونيز كثير المنافع ، وقوله من كل داء من قبيل { تدمر كل شيء بأمر ربها } أي كل شيء يقبل التدمير وفي رواية لمسلم ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء إلا السام قال الخطابي : هذا من العموم الذي أريد به الخصوص ولا يجمع في طبع شيء من النبات كالشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها وتباين طبائعها وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من كل ورطوبة وبرودة وبلغم لأنه حار يابس فيشفي ما يقابله لأن الدواء بالمضاد والفداء بالمشاكل000
العسل
25ـ كان يحب الحلواء و العسل 0(68/10)
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4919 في صحيح الجامع0
الشرح :
( كان يحب الحلواء ) المراد هنا كما قال النووي : كل حلو وإن لم تدخله صنعة وقد تطلق على الفاكهة ( و ) عطف عليه ( العسل ) عطف خاص على عام تنبيهاً على شرفه وعموم خواصه وقد تنعقد الحلواء من السكر فيتفارقان وحبه لذلك لم يكن للتشهي وشدة نزوع النفس له وتأنق الصنعة في اتخاذها كفعل أهل الترفه المترفين الآن بل معناه أنه إذا قدم له نال منه نيلاً صالحاً فيعلم منه أنه أعجبه وفيه حل اتخاذ الحلاوات والطيبات من الرزق وأنه لا ينافي الزهد ورد على من كره من الحلوى ما كان مصنوعاً 0
قال ابن العربي : والحلاوة محبوبة لملاءمتها للنفس والبدن ويختلف الناس في أنواع المحبوب منها كان ابن عمر يتصدق بالسكر ويقول إنه تعالى يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإني أحبه .
26- إن كان في شيء من أدويتكم خير ففى شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار توافق داء و ما أحب أن أكتوي 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1431 في صحيح الجامع0
الشرح :
000وقال القرطبي : إنما خص المذكورات لأنها أغلب أدويتهم وأنفع لهم من غيرها بحكم العادة ولا يلزم كونها كذلك في حق غيرهم ممن يخالفهم في البلد والعادة والهوى والمشاهدة قاضية باختلاف العلاج والأدوية باختلاف البلاد والعادة ( وما أحب أنا أن أكتوي ) لشدة ألم الكي فإنه يزيد على ألم المرض فلا يفعل إلا عند عدم قيام غيره مقامه ولأنه يشبه التعذيب بعذاب اللّه انتهى 0
27ـ ثلاث إن كان في شيء شفاء فشرطة محجم أو شربة عسل أو كية تصيب ألما و أنا أكره الكي و لا أحبه 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3026 في صحيح الجامع0
28- الشفاء في ثلاثة : شربة عسل و شرطة محجم و كية نار و أنهى أمتي عن الكي 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3734 في صحيح الجامع0
زيت الزيتون(68/11)
29-ائتدموا من هذه الشجرة - يعني الزيت - و من عرض عليه طيب فليصب منه 0
تحقيق الألباني
( حسن ) انظر حديث رقم : 19 في صحيح الجامع 0
الشرح :
( ائتدموا من ) عصارة ( هذه الشجرة ) شجرة الزيتونة لما تقرر من عموم منافعها وقوله
( يعني الزيت ) مدرج من بعض رواته بياناً لما وقعت الإشارة عليه .
قال ابن العربي وللشجر قسمان طيب ومبارك فالطيب النخلة والمبارك الزيتون ومن بركة شجر الزيتون إنارتها بدهنها وهي تكشف به الأسرار للأبصار وتقلب البواطن ظواهر ولذلك ضربه الله مثلاً ( ومن عرض عليه) أن أظهر وقدم إليه 0
( طيب ) بكسر فسكون أي شيء من طيب كمسك وعنبر وغالية أي قدم إليه في نحو ضيافة أو وليمة أو هدية فلا يردّه كما يأتي في خبر ، وإذا قبله
( فليصب ) أي فليتطيب يقال أصاب بغيته نالها 00000
( منه ) ندباً فإن المنة فيه قليلة وهو غذاء الروح التي هي مطية القوى والقوى تتضاعف وتزيد به كما تزيد بالغذاء والسرور ومعاشرة الأحبة وحدوث الأمور المحبوبة وغيبة من تسر غيبته ويثقل على الروح مشهده ولهذا كان من أحب الأشياء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وله تأثير كبير في حفظ الصحة ودفع كثير من الأسقام وأسبابها بسبب قوة الطبيعة .
30- كلوا الزيت و ادهنوا به فإنه من شجرة مباركة 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4498 في صحيح الجامع0
الشرح :
( كلوا الزيت وادهنوا به ) قال بعضهم : مثال هذا الأمر للإباحة والندب لمن قدر على استعماله ووافق مزاجه ( فإنه طيب مبارك ) أي كثير الخير والنفع والأمر فيه وفيما قبله إرشادي كما مر قال ابن القيم : الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم وأما في البلاد الباردة فضارّ وكثرة دهن الرأس به فيها خطر بالبصر .
31 ـ ائتدموا بالزيت و ادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة 0
تحقيق الألباني
( حسن ) انظر حديث رقم : 18 فى صحيح الجامع 0
الشرح :(68/12)
( ائتدموا بالزيت ) إرشاداً وندباً أي كلوا الخبز ( بالزيت ) المعتصر من الزيتون والباء للإلصاق أو الاستعانة أو المصاحبة والإدام بالكسر والأدم بضم فسكون ما يؤتدم به 0
وقال المطرزي : مدار التركيب على الموافقة والملائمة وهو يعم المائع وغيره ( وادهنوا به ) أي اطلوا به بدنكم بشراً وشعراً . قال في الصحاح وغيره : ادّهن على وزن افتعل تطلي بالدهن
( فإنه يخرج ) أي يتفصل ويظهر والخروج في الأصل الانفصال من المحيط إلى الخارج ويلزمه الظهور والمراد هنا أنه يعصر ( من شجرة ) أي من ثمرة شجرة ( مباركة ) لكثرة ما فيها من القوى النافعة أو لأنها لا تكاد تنبت إلا في شريف البقاع التي بورك فيها ويلزم من بركتها بركة ما يخرج منها والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ، ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس ولا يدرك قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة هو مبارك وفيه بركة . ذكره الراغب ، قال الغزالي : والزيت يختص من سائر الادهان بخاصية زيادة الإشراق مع قلة الدخان . واعلم أن المخصوص المخاطب بهذا الحديث أهل قطر مخصوص وهو الحجاز ونحوه 00
الحجامة
32ــ أخبرني جبريل أن الحجم أنفع ما تداوى به الناس 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 218 في صحيح الجامع0
33- إن في الحجم شفاء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 2128 في صحيح الجامع0
الشرح :
أي من غالب الأمراض لغالب الناس في قطر مخصوص في زمن مخصوص هكذا فافهم كلام الرسول ولا عليك من ضعفاء العقول فإن هذا وأشباهه يخرج جواباً لسؤال معين يكون الحجم له من أنفع الأدوية ولا يلزم من ذلك الإطراد .
34ــ في الحجم شفاء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 4248 في صحيح الجامع0
الشرح :(68/13)
لاستفراغه أعظم الأخلاط وهو الدم وهو في البلاد الحارة أنجح من الفصد قال الموفق البغدادي : الحجامة نتقي سطح البدن أكثر من الفصد والفصد لأعماق البدن والحجامة للصبيان في البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة وقد يغني عن كثير من الأدية ولهذا وردت الأحاديث بذكره دون الفصد لأن العرب ما كانت تعرف إلا الحجامة غالباً وقال ابن القيم : التحقيق أن الحجامة والفصد مختلفان اختلاف الأزمان والمكان والمزاج فالحجامة في الزمان الحار والمكان الحار أولى والفصد بعكسه 0
35- الشفاء في ثلاثة:شربة عسل وشرطة محجم و كية نار وأنهى أمتي عن الكي
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3734 في صحيح الجامع0
36ـ من احتجم لسبع عشرة من الشهر و تسع عشرة و إحدى و عشرين كان له شفاء من كل داء 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 5968 في صحيح الجامع0
الشرح :
أي من كل داء سببه غلبة الدم وهذا الخبر وما اكتنفه وما أشبهه موافق لما أجمع عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من الشهر أنفع من أوله وآخرة ، قال ابن القيم : ومحل اختيار هذه الأوقات لها ما إذا كانت للاحتياط والتحرز عن الأذى وحفظ الصحة ، أما في مداواة الأمراض فحيث احتيج إليها وجب فعلها أيّ وقت كان .
37ـ لا يفطر من قاء و لا من احتلم و لا من احتجم 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 7742 في صحيح الجامع0
38- كان إذا اشتكى أحد رأسه قال : اذهب فاحتجم و إذا اشتكى رجله قال : اذهب فاخضبها بالحناء 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 4671 في صحيح الجامع0
الشرح :
( كان إذا اشتكى أحدٌ رأسه ) أي وجع رأسه ( قال ) له
( اذهب فاحتجم ) فإن للحجامة أثراً بيناً في شفاء بعض أنواع الصداع فلا يجعل كلام النبوة الخاص الجزئي كلياً عاماً ولا الكلي العام جزئياً خاصاً وقس على ذلك ( وإذا اشتكى رجله ) أي وجع رجله ( قال ) له(68/14)
( اذهب فاخضبها بالحناء ) لأنه بارد يابس محلل نافع من حرق النار والورم الحارّ وللعصب إذا ضمد به ويفعل في الجراحات فعل دم الأخوين ، فلعل المراد هنا إذا اشتكى ألم رجله من إحدى هذه لعلل
39 ـ ثمن الكلب خبيث و مهر البغي خبيث و كسب الحجام خبيث 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3077 في صحيح الجامع0
الشرح :
( ثمن الكلب خبيث ) فيبطل بيعه عند الشافعي وأخذ ثمنه أكل له بالباطل أو رديء دنيء فيصح بيعه عند الحنفية قالوا الخبيث كما يستعمل في الحرام يستعمل في الرديء الدنيء
(ومهر البغي) أجرة الزانية فعيل من البغاء وهو صفة لمؤنث ولذلك سقطت التاء
( خبيث ) أي حرام إجماعاً لأن بذل العوض في الزنا ذريعة إلى التوصل إليه فيكون في التحريم مثله
( وكسب الحجام خبيث ) أي مكروه لدناءته ولا يحرم لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم أعطاه أجره ولو كان حراماً لم يعطه قال الخطابي : قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ويفرق بينهما في المعنى بالأغراض والمقاصد قال القاضي : الخبيث في الأصل ما يكره لرداءته وخسته ويستعمل للحرام من حيث كرهه الشارع واسترداه كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى : { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } أي الحرام بالحلال والرديء من المال قال سبحانه وتعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } أي الدنيء من المال ولما كان مهر الزانية وهو ما تأخذه عوضاً عن الزنا حرام كان الخبيث المسند إليه بمعنى الحرام وكسب الحجام لما لم يكن حراماً لأنه عليه الصلاة والسلام احتجم وأعطى الحجام أجرته كان المراد من المسند إليه المعنى الثاني وأما الأول فمبني على صحة بيع الكلب فمن صححه كالحنفية فسره بالدناءة ومن لم يصححه كأصحابنا فسره بأنه حرام 0
40 ـ شر الكسب مهر البغي و ثمن الكلب و كسب الحجام 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3707 في صحيح الجامع0
الشرح :
(شر الكسب مهر البغي)أي ما تأخذه على الزنا سماه مهراً توسعاً(68/15)
(وثمن الكلب) غير المعلم عند الحنفية وكذا المعلم عند الشافعية واختَلَفَ فيه قولُ مالك 0 ( وكسب الحجام ) حراً أو عبداً فالأولان حرامان والثالث مكروه قال القرطبي : لفظ شر من باب تعميم المشترك في مسمياته أو من استعمالها في القدر المشترك بين الحرام والمكروه .
41- أمثل ما تداويتم به الحجامة و القسط البحري 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1365 في صحيح الجامع0
الشرح :
( أمثل ما تداويتم به ) أي أنفعه وأفضله (الحجامة) لمن احتمل ذلك سناً ولاق به قطراً ومرضاً
( والقسط ) بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب ( البحري ) بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سال فأجيب بما يلائم حاله واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود والأول هو الأجود قال بعض الأطباء : القسط ثلاثة أنواع مكي وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف لطوفاً بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون ذلك .
42ـ خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة و تسع عشرة و إحدى و عشرين و ما مررت بملإ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا : عليك بالحجامة يا محمد 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 3332 في صحيح الجامع0
الشرح :
( وما مررت بملأ ) أي جماعة ( من الملائكة ليلة أسري بي ) إلى السماء ( إلا قالوا عليك بالحجامة يا محمد ) أي الزمها وأمر أمتك بها كما في خبر آخر وذلك دلالة على عظيم فضلها وبركة نفعه 0
43 -ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي:عليك يا محمد بالحجامة 0(68/16)
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 5672 في صحيح الجامع0
اللبن
44ـ إذا أكل أحدكم طعاما فليقل : اللهم بارك لنا فيه و أبدلنا خيرا منه و إذا شرب لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه و زدنا منه فإنه ليس شيء يجزي من الطعام و الشراب إلا اللبن 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 381 في صحيح الجامع0
الشرح :
( إذا أكل أحدكم ) أي أراد أن يأكل ويحتمل جعله على ظاهره
( طعاماً ) غير لبن ( فليقل ) ندباً ( اللهم بارك لنا فيه )من البركة وهي زيادة الخير ودوامه ( وأبدلنا ) بفتح الهمزة
( خيراً ) اسم تفضيل وأصله أخير فلا يراد أنها ليست على وزن أفعل
( منه ) من طعام الجنة أو أعم فيشمل خير الدارين ويؤيده أن النكرة في سياق الدعاء تعم وإن كانت للإثبات
( وإذا شرب ) أي تناول ( لبنا ) ولو غير حليب وعبر بالشرب لأنه الغالب
( فليقل) ندباً ( اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) ولا يقل خيراً منه لأنه ليس في الأطعمة خير منه ( فإنه ليس بشيء يجزئ ) بضم أوله أي يكفي يقال جزأت الإبل بالرطب عن الماء اكتفت
( من الطعام والشراب إلا اللبن ) يعني لا يكفي في دفع العطش والجوع معاً شيء واحد إلا هو لأنه وإن كان بسيطاً في الحس لكنه مركب من أصل الخلقة تركيباً طبيعياً من جواهر ثلاث جبنية وسمنية ومائية فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره وهو أفضل من العسل على ما عليه السبكي وألف فيه لكن عكس بعضهم وجمع ابن رسلان بأن الأفضل من جهة التغذي والري اللبن والعسل أفضل من حيث عموم المنافع والحلاوة وقضية الحديث أيضاً أن اللبن أفضل من اللحم ويعارضه الخبر الآتي أفضل طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم 0
45- إذا شربتم اللبن فتمضمضوا منه فإن له دسما 0
تحقيق الألباني(68/17)
(صحيح) انظر حديث رقم: 628 في صحيح الجامع0
الشرح :
( إذا شربتم اللبن ) أي فرغتم من شربه ( فتمضمضوا ) إرشاداً أو ندباً بالماء ( منه ) أي من أثره وفضلته ، وعلل ذلك بقوله
( فإن له دسماً ) وقيس باللبن المضمضة من ذي دسم بل أخذ من مضمضته صلى الله عليه وسلم من السويق ندبها في غير ما له دسم أيضاً إذا كان يعلق منه شيء بين الأسنان أو نواحي الفم ، وذكر بعض الأطباء أن بقايا اللبن يضر باللثة والأسنان،وللمضمضة عند الأكل وشرب غير الماء فوائد دينية منها سلامة الأسنان من الحفر ونحوه إذ بقايا المأكول يورثه ،وسلامة الفم من البخر وغير ذلك000
46- ثلاث لا ترد : الوسائد و الدهن و اللبن 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 3046 في صحيح الجامع0
الشرح :
( ثلاث لا ترد ) أي لا ينبغي ردها ( الوسائد ) جمع وسادة المخدة
( والدهن ) قال الترمذي : يعني بالدهن الطيب
( واللبن ) قال الطيبي : يريد أن يكرم الضيف بالطيب والوسادة واللبن ولا يردها فإنها هدية قليلة المنة فلا ينبغي ردها .
الحناء
47- إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب : الحناء و الكتم 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 1546 في صحيح الجامع0
الشرح :
( إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب ) وهو بياض الشعر( الحناء)بكسر فتشديد فمد
( والكتم ) بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويختضب به ذكره في الصحاح ورقه كورق الزيتون وله ثمرة قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسوّد منفرداً فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود والمنهي عنه الأسود البحت وقيل الواو بمعنى أو على التخيير والتعاقب لا الجمع وهنا أجوبة مدخولة فاحذرها .
48- سيد ريحان أهل الجنة الحناء 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3677 في صحيح الجامع0
49- كان لا يصيبه قرحة و لا شوكة إلا وضع عليها الحناء 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 4860 في صحيح الجامع0
الشرح :(68/18)
(كان لا يصيبه قرحة)بالضم والفتح(ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء)لما مر أنها قابضة يابسة تبرد فهي في غاية المناسبة للقروح والجروح وهذا من طبه الحسن0
القسط البحرى
50ـ خير ما تداويتم به الحجامة و القسط البحري و لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة 0
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3324 في صحيح الجامع0
الشرح :
( خير ما تداويتم به الحجامة ) سيما في البلاد الحارة
( والقسط البحري ) وهو الأبيض فإنه يقطع البلغم وينفع الكبد والمعدة وحمى الربع والورد والسموم وغيرها وفي رواية بدل البحري الهندي وهو الأسود وهو يقرب منه لكن أيبس ولا تعارض لأنه وصف لكل ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان الاحتجاج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي أشد حرارة وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل دود الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك الباءة ويذهب الكلف 0
( ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة ) بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعترى الصبيان غالباً وقيل قرحة تخرج بين الأذن والحلق سميت به لأنها تخرج عند طلوع العذراء كوكب تحت الشعرى وطلوعها يكون في الحر والمعنى عالجوا العذرة بالقسط ولا تعذبوهم بالغمز وذلك أن مادة العذرة دم يغلب عليه بلغم وفي القسط تخفيف للرطوبة والأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض .
أحاديث لا تصح في الحجامة
من كتاب(ضعيف الجامع الصغير)
1 ـ من احتجم يوم الأربعاء أو يوم السبت فرأى في جسده وضحا فلا يلومن إلا نفسه0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2924 في ضعيف الجامع0
2ـ من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر كان دواء لداء سنة 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2924 في ضعيف الجامع0
3 ـ من احتجم يوم الخميس فمرض فيه مات فيه 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2924 في ضعيف الجامع0(68/19)
4 ـ احتجموا لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى و عشرين لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2924 في ضعيف الجامع.0
5 ـ نعم العبد الحجام يذهب بالدم و يخف الصلب و يجلو عن البصر 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 3244 في ضعيف الجامع0
6 ـ حلق القفا من غير حجامة مجوسية 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2740 في ضعيف الجامع0
7 ـ إني وهبت لخالتي غلاما و أنا أرجو أن يبارك الله لها فيه فقلت لها : لا تسلميه حجاما و لا صائغا و لا قصابا 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2098 في ضعيف الجامع.0
8 ـ العرب للعرب أكفاء و الموالي أكفاء للموالي إلا حائك أوحجام 0
تحقيق الألباني
(موضوع) انظر حديث رقم: 3857 في ضعيف الجامع0
9 ــ إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة لا يتبيغ الدم بأحدكم فيقتله 0
تحقيق الألباني
(موضوع) انظر حديث رقم: 367 في ضعيف الجامع0
10 ـ استعينوا على شدة الحر بالحجامة فإن الدم ربما يتبيغ بالرجل 0
تحقيق الألباني
(موضوع) انظر حديث رقم: 820 في ضعيف الجامع0
11- عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة فإنها دواء من اثنين و سبعين داء و خمسة أدواء : من الجنون و الجذام و البرص و وجع الأضراس0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 3758 في ضعيف الجامع0
12 ـ إن خير ما تداويتم به اللدود و السعوط و الحجامة و المشي و خير ما اكتحلتم به الإثمد فإنه يجلوا البصر و ينبت الشعر 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 1855 في ضعيف الجامع0
13 ـ ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة و القيء و الاحتلام 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2567 في ضعيف الجامع0
14 ـ الحجامة تكره في أول الهلال و لا يرجى نفعها حتى ينقص الهلال 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 2754 في ضعيف الجامع0(68/20)
15- الحجامة في الرأس شفاء من سبع إذا ما نوى صاحبها:من الجنون و الصداع و الجذام و البرص و النعاس و وجع الضرس و ظلمة يجدها في عينيه 0
تحقيق الألباني
(موضوع) انظر حديث رقم: 2756 في ضعيف الجامع0
16- الحجامة في الرأس من الجنون و الجذام و البرص و الأضراس و النعاس0
تحقيق الألباني
(ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2757 في ضعيف الجامع0
17-الحجامة في الرأس هي المغيثة أمرني بها جبريل حين أكلت طعام اليهودية0
تحقيق الألباني
(ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2757 في ضعيف الجامع0
18 ـ الحجامة يوم الأحد شفاء 0
تحقيق الألباني
(ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2757 في ضعيف الجامع0
19ـ الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء سنة 0
تحقيق الألباني
(ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2757 في ضعيف الجامع0
20 ـ خمس من سنن المرسلين : الحياء و الحلم و الحجامة و التعطر و 0
تحقيق الألباني
(ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2757 في ضعيف الجامع0
21 ـ خير الدواء اللدود و السعوط و المشي و الحجامة و العلق 0
تحقيق الألباني
(ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2757 في ضعيف الجامع0
22 ـ قطع العرق مسقمة و الحجامة خير منه 0
تحقيق الألباني
(ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2757 في ضعيف الجامع0
23 ـ إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات 0
تحقيق الألباني
(موضوع) انظر حديث رقم: 1888 في ضعيف الجامع0
24 ـ ما أصاب الحجام فاعلفوه الناضح 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 3244 في ضعيف الجامع0
25 ـ نهى عن كسب الحجام 0
تحقيق الألباني
(ضعيف) انظر حديث رقم: 3244 في ضعيف الجامع0
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين0
تعريف مبسط بـ كتاب (صحيح الجامع الصغير وزيادته)
ألف الحافظ السيوطى كتاب (الجامع الصغير من حديث البشير النذير)
ثم ألف (الزيادة على الجامع الصغير)(68/21)
ثم ضم الشيخ يوسف النبهانى( الزيادة على الجامع الصغير)الى(الجامع الصغير من حديث البشير النذير)وسماه ( الفتح الكبير في ضم الزيادة الى الجامع الصغير)
شرح الشيخ المناوى(الجامع الصغير من حديث البشير النذير)
ثم حقق الالبانى ( الفتح الكبير في ضم الزيادة الى الجامع الصغير)
وصنف(صحيح الجامع الصغير وزيادته)أورد فيه8202حديث صحيح
(ضعيف الجامع الصغير وزيادته)أورد فيه6452حديث بين الضعيف إلى الموضوع فيكون المجموع النهائي لهذه الموسوعة 14654 حديث
(بتصرف من (صحيح الجامع الصغير وزيادته) للشيخ الألبانى رحمه الله)
ahmdmotaz@hotmail.com
إعداد: أبو أحمد معتز أحمد عبد الفتاح(68/22)
البيان في مداخل الشيطان
تأليف
عبد الحميد البلالي
قدم له
محمد احمد راشد
موقع مجاهد مسلم www.islammi.jeeran.com
www.geocities.com/moujahedmouslem
أختكم فاطمة ـ بنت الجنوب
نشره موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الاستاذ محمد احمد الراشد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
اما بعد:...فان القران الكريم قد اطنب في التحذير من عدوين لدودين: من الشيطان ومن بني اسرائيل فما من صفحة فيه الا وفيها آية تكشف لك كيدهما او كيد احدهما وقد لا يلتفت المبتدي والعامي الى مغزى هذا الاهتمام في القرآن بهذين الخطرين الا ان الناظر في السيرة المطهرة المحلل لتاريخ الامة المتأمل في التجارب الحاضرة الراصد لأسباب الضعف والخلاف : يدرك بوضوح أنهما وراء كل فتنة وشر. وسبب كل تحذيل وتعويق.
فلا عجب أن يتصدى الوعاة لتقليد القرآن في منهج التحذير من هذين العدوين فيطيلوا النفس جيلا بعد جيل في ترتيب الآي. واستنباط معانيها وتكميلها بمثلها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو أقوال معلمي الأمة.
من فقيه واقف على أسرار أعمال القلوب أو مؤرخ مكتشف لوثائق الادانة وخفايا العلاقات.
بيد أن استقرار معاني الحذر من الشيطان في القلب يحتاج الى ايمان عميق لا تحتاجه حقائق التاريخ وعلى الأخص أن هناك حاضرا مرئيا لبني اسرائيل تقاس عليه سابقاتهم لكن الاخبار بوجود الشيطان أمر غيبي ويحتاج قلبا يؤمن بالغيب الذي تحدثت عنه عقيدة الاسلام ومن لا يملك هذا الايمان بالغيب الذي تحدثت عنه عقيدة الاسلام ومن لم يملك هذا الايمان بالغيب فهو عن ادراك طبيعة الخطر بمعزل وعن النجاة بعيد وقد يكون المرء مسلما تمييز انواع كيده واستدراجه ويتقن فنون التملص من اغرائه.(71/1)
فمن ثم كان هذا الكتاب الذي بادر الى جمعه أخي البلالي حفظه الله ورعاه اذ انه ادرك حاجة المكتبة الاسلامية الى بحث في هذه المعاني يقف عند النص القرآني وصحيح الماثور غير مشوب باحاديث ضعيفة وموضوعة ولا بقصص وهمية خرافية او بكلام جزاف فكان له التزام جيد بمنهج سليم تناول الموضوع من خلاله واعانه على ذلك اعتماده على متابعة علماء من سلف الامة ومحدثيها ممن عرفوا بصحة العقيدة ووفور التقوى فقد اصغى لابن الجوزي حتى وصف له تلبيس ابليس وسلك مدارجا مهدها ابن القيم وزامل سيدا خلال رحلة تاملية في ظلال القران ثم آب لك راجعا يقص عليك القصص ويخبر بما هنالك.
وكما ان المشروع الهندسي يعهده الناس الى مهندس ثم يلتمسون وصف الدواء من طبيب فكذلك هذا الخبر الصادق وفق الله لتبليغه اليوم من نعرفه بشدة الاحتياط ولا نزكي على الله احدا فكان في الفاظه وضوح ينبيك انه لم يصدر في ذلك عن مجرد رغبة بحث وتكاثر بالصفحات بل هو جهد تربوي منه لاخوانه الدعاة يتفاعل هو واياهم مع موضوعه كل يوم بل كل ساعة بل الموفق منهم المحترس اليقظ يفترض فيه ذلك كل لحظة
وحسب اخي ويكفيه انه قد فهم طبيعة التربية الايمانية التي تلزم الدعاة وعرف النقص فبادر الى محاولة الاستدراك بتجديد التذكير قي ضرورة النجاة من القاءات الشيطان واضعا اصحاب القلوب المتفتحة من اخوانه العاملين للاسلام التي لم تغلقها المعاصي والفتن ومحبة الدنيا في شغل كله خير محمود العواقب من زيادة الحذر ومحاسبة النفس وفصاحة الذكر وطول السجود.
فكتاب أخي هذا جزء نافع ان شاء الله من مجموع متطلبات الخطة التربوية للجماعات الاسلامية تلتذ خلال مطالعته بحماسته وبشفقته عليك.
وبحيوية النبرات الصادقة التذاذا ينسيك انواعا من جمال الانشاء والاسترسال البياني الجميل ومزيد مهارة في الصنعة التاليفية يحتاجها.(71/2)
فقلم اخي في هذه المواعظ ما زال مبتدئا لم يستطع محاكاة البلغاء لكن نصائحه جاءت في ذروة الصدق فهي من ثم حرية بالقبول وطالب الانتفاع لا يسمح للبطر العلمي ان يمنعه من الاصغاء للنصيحة البسيطة المتواضعة اذا كانت صادقة ومن ابى الا ان ينمق له الكلام فهو واهم ومثقل نفسه بنوع من الترف.
ان هذه المخاطبات دعوة الى الانتباه والحذر وليست فتحا لباب الوساوس فان الاسراف في ذكر خواطر السوء والتفرغ لردها يشغل المسلم عن اصل عمله في التوجه لفعل المعروف وفي ذلك بعد وانحراف عن طريقة السلف الصالح بل الصواب ان يقذف المسلم نفسه في لجة العمل مجتهدا متحريا صفاء النية وصواب الابتداء فيخرجه ذلك الى استمرار تلقائي وحصانة ذاتية ضد الوسوسة بسبب امتلاء النفس والجوارح بمقاصد الخير والخطو اليه دونما حيز فراغ فيهن تطرقه الخواطر الشيطانية او تحتله فاذا بقيت من بعد بقية لهذه الوساوس فان سعة آفاق الرجاء في قلب المؤمن تتكفل بتبديدها ولا يكمل الايمان بمجرد خوف من رب جبار منتقم ومن عقابه وناره ومن شيطان خلقه وجعل كيده فتنة وامتحانا للعالمين بل حتى يقابل ذلك رجاء اكبر وانتظار لطف من رب رحيم غفور ودود.
فالمهم في عمل اخي البلالي انه انطلق من حقيقة وجوب العلم بالشر واسبابه ومتاهاته(71/3)
علما موازيا لعلمنا بالخير واسبابه وطريقه المستقيم ولذلك لم يكن لينتهي الى نتيجة ابتداعية يميل معها الى عزلة وسلبية تورط فيهما بعض المسلمين من قبل ولهم اليوم عقب وارث وانما اخذ بيدك نحو ايجابية التوكل على الله تعالى للتغلب على تزيين الشيطان . وشخصية اخي الكاتب تدلك على بعض سمات هذه الايجابية اذ انه درس الهندسة الكهربائية في جامعات بريطانيا وهو اليوم مهندس يؤدي دوره في العمران المدني للحياة.كما انه داعية ملتزم بموازين الايمان يؤدي دورا في البناء الحضاري الفكري العقائدي الاخلاقي للامة يحرص معه على ابرائها من امراض رآها تنخر كيان المجتمع الغربي الذي عاش فيه بضع سنين.
لكل ذلك فاني احث شباب الدعوة الاسلامية على مطالعة هذا الكتاب وتدبر ما فيه من اوصاف الشبهات والشهوات التي يلزمهم تجنبها فان المزالق كثيرة والاغواء قائم والتذكرة واجبة . ومن انتهى فنفسه انجى.
والله الهادي الى صواب القول والعمل وبه نعوذ من همزات الشياطين.
محمد احمد الراشد
مقدمة
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله مالك السموات والارض وما بينهما القادر على كل شىء قدير الباسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار وبالنهار ليتوب مسيء الليل واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون بسببه انجلت الغشاوة عن الاعين والوقر عن الآذان وسطع نور الحق على القلوب التي كانت مغلقة فتفتحت به تفتح الازهار عند الشروق.(71/4)
جاب الاسواق شرقا وغربا عارضا سلعته التي اوكله الله بعرضها للبشر صائحا بهم الا ان سلعة الله غالية الا ان سلعة الله الجنة . الجنة اقرب الى احدكم من شراك نعليه والنار مثل ذلك فاقبلت عليه فئتان من الناس الاولى آثرت الاخرة على الدنيا واشترتها فباعت نفسها ومالها لله فاخترقت البشارة تشق عباب الغيوم نازلة من العرش اليهم تبشرهم " ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة"
واما الفئة الاخرى فقد " اشتروا الضلالة بالهدى" فنزلت البشارة تخبرهم انه سوف " لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون"
اما بعد فان الله بعدما اخبر الملائكة قائلا لهم" اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونح نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون" ولكي يثبت لهم بأن آدم يتميز بميزة عنهم " علم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة " فقال لهم وهو العليم بهم وبضعفهم وبخصائصهم
" أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين" ووقفوا امام هذا السؤال مبهوتين فعرفوا ضعفهم وانهم ليسوا بقادرين على الذي يقدر عليه هذا المخلوق الجديد فاعترفوا وقالوا
" سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم" وبعدها
" قال يا آدم انبئهم باسمائهم فلما انبأهم باسمائهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. ؟
وتكريما لهذا المخلوق الجديد نادى الله بالملائكة وكان الامر شاملا للشيطان
" اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين"
ويسال الله جل جلاله الشيطان عن ابائه عن السجود قال له
" ما منعك الا تسجد اذ امرتك" فانبجست عيون الحقد والكبر من اغوار نفسه فرد على الله خالقه من عدم بكل جرأة " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"(71/5)
وهل يرضى الله ان ينازعه احد في كبريائه وهو القائل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم " العز ازاري والكبرياء ردائي فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته"
فقال له" اهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين"
ولكن هل يصمت عدو الله امام هذا ويقف مكتوف الايدي وآدم يتمتع هو وزوجه بالجنة"لا" فلا بد من الانتقام من ذلك المخلوق الذي كان سببا في طرده.
وراح يوسوس لهما لكي يزحزحهما عما كانا فيه وقام يدليهما رويدا رويدا بغرور حتى وصل الدلو الى القاع الذي يريد النتيجة ان عصيا امر ربهما فنادهما ربهما
" ألم أنهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين"؟
ولكن ماذا يفعلان بعد ان عصيا ربهما وما المصير الذي ينتظرهما؟ ولم يكن انسب من ان يعترفا بذنبهما ويطلبا من مولاهما العفو فقالا:" ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين".
وقبل ان يامرهم بالهبوط الى الارض قال عدو الله طالبا من الله ان يؤجله.
" انظرني الى يوم يبعثون" ويطلب من الله النظرة الى يوم البعث كي يكون اكبر وقت يستطيع فيه ان يجذب بني آدم بتزيينه ويرمي بهم في جهنم فهو لا يرضى بوقت قصير يجذب به القليل انما يدعوه حقده الى ان يطلب من الله النظرة الى يوم البعث فهو لا يرضى ان يكون لوحده بجهنم كما انه لا يرضى بان يكون مع عدد قليل بل لا بد من امم تكون معه من سلالة عدوه الذي كان سببا في طرده ولكن الله يرد عليه قائلا:
" انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم" وما ان اذن له بالبقاء حتى قام يسرد على الله بكل وقاحة وحقد دون استحياء من الله ولا خوف خطته لاضلال البشرية قائلا(71/6)
"فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين انه سيدخل على ابن آدم من كل مكان ومن كل اتجاه ليصهره في بوتقة الضلال. ويشاء الله ان يهبطوا منها جميعا ويبدا الصراع بين عدو الله وآدم ويعلنها عدو الله حربا لا هوادة فيها ويضع عدة الحرب ويلبس لباس المعركة ولا ينزعه حتى اليوم المعلوم حرب شاملة تسير على خطة متشعبة ويقوم بتنفيذها جيوش الباطل في كل مكان بقيادة ابليس حرب الهدف منها اطفاء نور الله والقاء بني آدم في جهنم. وها هم الآلاف المؤلفة يتساقطون امام مهام الشيطان ويخرون في وحل الضلال وها هي جيوش الشيطان تسير وكل يوم ينظم اليها الكثير من بني آدم بسبب احكام ابليس تنفيذ مخططه بالاغواء.
ويكشف الله مخططه الرهيب ويجلي خطة عدوه عاليا وتبدو واضحة لكل من اراد ان ينظر انها مليئة بالمداخل من امر بالسوء بالتصور والفعل وتخويف بفقر قاتل وتخويف باولياء الباطل والقاء الاماني الكاذبة وايقاع العداوة بين افراد الاسرة الواحدة والمجتمع الواحد والامة الواحدة والصد عن ذكر الله باليسر والعسر وتزيين الباطل في عيون اصحابه واستهواء يثقلهم للارض وايماء بجدل عقيم وتحريم لما احل الله من الطعام واللباس والنساء وغرس الياس من النصر وتفكيك للاسرة ونزغ بالعجب بالنفس والاستعلاء على الغير والاستفزاز بصوته القبيح ومشاركة بالاموال بالاولاد والقاء الهمزات الخفيةفي نظرة بشهوة او فكرة لا تعين على ذكر الله وغضب للنفس ونجوى بين اثنين ليحزن الذين آمنوا واستحواذ على النفوس بالشهوات ووسوسة تنقلك من عالم الخشوع الى عالم النسيان وغيرها قليل لا تحصيها ورقاتنا القليلة.(71/7)
ولقد اوضح الله لعباده هذه المداخل كلها لتعينهم في حربهم مع عدوهم فاخذتها فئة من الناس ودرستها دراسة وافية ووضعت الجيوش على جميع الثغور كي تصد كل هجمة من العدو وتحكم الحراسة للقلب لئلا يدنسه العدو الحاقد وفئة اخرى فتحت ابواب قلوبها على مصراعيها وغزت الشياطين قلوبها حتى تحولت قلوبهم الى معسكرات لجيوش الشيطان.
وتسير الجيوش جيوش الشيطان حتى تصل الى الغاية التي رسمها عدو الله وصلت الى نهاية الطريق بعد ان سارت طيلة هذه الدنيا على هذا الكوكب الصغير ولكن اين الغاية؟
اين المتعة؟ اين انا؟
هاهي الغاية المضحكة والمبكية في آن واحد .
هاهي المتعة التي كنتم توعدون انها آفة كبيرة فاتحة فاها متشوقة لتقبيلكم ومعانقتكم بعد فراق.
هاهي تخرج الزفير والشهيق شوقا للقائكم" اذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ".
ويلكم اما ترونها " ترمي بشرر كالقصر كانه جمالة صفر" ؟
اما تسمعونها تصيح " هل من مزيد" ؟
ها هو معسكركم الكبير وقد اندلعت النيران فيه وهذا قائدكم العام ورؤساكم الذين اتبعتوهم وصفقتم لهم ونصرتموهم بالباطل جميعهم وصلوا الى ما يريدون .
" هذه النار التي كنتم بها تكذبون افسحر هذا ام انتم لا تبصرون. اصلوها فاصبروا او لا تصبروا سواء عليكم انما تجزون ما كنتم تعملون.
لقد انتهت الخطة التي وضعها القائد العام للقوات الضالة لقد انتهت الخطة التي وضعها للانتقام من هذا المخلوق وما اطوله من انتقام...وكانت جهنم واهوالها هي نتيجة الاتباع ...
ولم يترك الله ابن آدم هكذا سدى دون علاج فلقد وصفه له واحسن الوصف في القران الكريم والسنة لكي يستعين به في مواجهة هذا العدو وليكون سببا في فوزه بسلعة الله.(71/8)
ورب سائل يسال لماذا خلق الله ابليس وهو الذي يسبب ضلال الافراد والجماعات بنشر الفساد في الارض ؟؟ ومما لا شك فيه ان وراء كل خلق حكمة يعلمها الخالق جلت قدرته فمن حكم خلق ابليس ان تظهر قدرته تعالى على خلق المتضادات المتقابلات فخلق ذات ابليس التي هي سبب كل شر في مقابلة ذات جبريل التي هي مادة كل خير. تماما كخلقه الليل والنهار والضياء والظلام والداء والدواء والحسن والقبيح والماء والنار والخير والشر وذلك من اول الدلائل على كمال قدرته وعزته فخلو الوجود من بعض هذه المتضادات بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير مملكته .
ومنها ظهور آثار اسمائه القهرية" كامنتقم وشديد العقاب وسريع الحساب"
فلا بد من وجود هذه الاسماء من سبب فلو كان كل الخلق على طبيعة الملك لم يظهر اثر هذه الاسماء.
ومنها ظهور اسمائه المتعلقة بالرحمة والحلم والعفو والمغفرة والستر.
فلولا خلق ابليس المسبب للمعاصي لما ظهرت آثار هذه الاسماء.
ومنها حصول العبودية المتنوعة التي لولا خلق ابليس لما حصلت ولكان الحاصل بعضها. منها احب العبوديات الى الله وهي الجهاد فلو كان الناس كلهم طائعين لاختفت هذه العبوديه وتوابعها من الموالاة فيه والمعاداة فيه والحب فيه والبغض فيه وبذل النفس والمال له والدعوة اليه وغيرها حكم كثيرة ذكرها الامام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين.
وبعد ذلك كله لا ادعي ان الله حذر عباده من ابليس وذكر لهم عاقبة اتباعه دون ان يذكر لهم العلاج ودون ان يقرن ذلك برحمته الواسعة ودون ان يرغبهم بالجهاد في سبيله وهو القائل " سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"
وقال تعالى: " قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم.(71/9)
وفي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لما قضى الله عز وجل الخلق كتب كتاب فهو عنده فوق العرش ان رحمتي غلبت غضبي" .
وبعد فانه لا يستطيع اي انسان ان يحارب عدوه حتى يعرف من يحارب وما هي نقاط الضعف فيه وما هي خططه وانواع اسلحته وكميتها وجنوده وعددهم ونقاط الضعف فيهم ... حينها يكون طريق النصر سهل نجري به ولا نتعثر واثقين من نهايته فاما نصر واما شهادة.
وللحصول على كل هذه المعلومات عن العدو بهذه الدقة استعنت بكتاب الله الكريم واستعنت بالسنة المطهرة لتوضيح ما لم يكن واضحا واستعنت كذلك بكتب بعض علماء السلف كالامام ابو الفرج ابن الجوزي وشيخ الاسلام ابن تيمية والامام ابن القيم واستعنت ايضا ببعض التفاسير كتفسير ابن كثير وفي ظلال القران.
وبعد ذلك كله لا ابرىء نفسي من الخطأ والنقص والضعف وقلبي متفتح ان شاء الله لكل نقد يستند الى دليل شرعي من الكتاب والسنة.
واسال الله ان يكون هذا العمل صحيحا على ما جاء به الشرع خالصا لوجهه الكريم وان يكون نقيا من كل شائبة تعكر الاخلاص واساله تعالى الغفران على كل خطأ
والله المستعان والحمد لله رب العالمين.
الفصل الاول
البداية
1- الاخبار بخلق جديد
2- الامر بالسجود
3- عصيان الشيطان للامر
4- الطرد لابليس
5- طلب الانظار
6- تفاصيل الخطة
7- الاستثناء للبعض
8- اسكان آدم وزوجه الجنة
9- التطبيق الاول للخطة
10- الهبوط الى الارض
بسم الله الرحمن الرحيم
البداية:
وقصة البداية تتكرر كل يوم فيولد الكثير من الناس كما ان النهاية تتكرر كل يوم فيموت الكثير وهي النهاية التي تعني انقطاع عمل ابن آدم الا من ثلاث:
صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له اما غير ذلك فينتهي بموته. والنهاية الحقيقية للانسان هي يوم القيامة حيث يجازيه الله بما عمل في الفترة الواقعة بين حياته وموته كما اخبر تعالى بقوله:(71/10)
" الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا"
من ذلك يتبين ان البداية في حياة الانسان هي مرحلة بالغة الاهمية لانها المنطلق الذي ينطلق منه لتحقيق الهدف الذي خلق من اجله وهي عبادة الله.
" وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون"
ولأهمية هذه المرحلة في حياة الانسان لم يغفلها القران الكريم وظل يذكرها في كثير من المواضع . تلك البداية هي بداية اول انسان وقد سماه" آدم" وسبب الكثرة من ذكره كي نستخلص من تجربته التي خاضها مع عدوه ابليس للمنهج السليم الذي يعيننا على تحقيق غاية الخلق وكان ذكر هذه البداية مقسم الى اقسام.
فذكر كيف تم الاخبار بخلق جديد وكيفية خلقه وامره للملائكة بالسجود له. وعصيان الشيطان للامر ثم طرده للشيطان وطلب الشيطان النظرة ثم ذكر تفاصيل خطة ابليس لاغواء بني آدم واستثنائه لبعض بني آدم ممن يتصف ببعض الصفات كالعبودية لله والاخلاص ثم ذكر تكريم آدم وزوجه باسكانهما الجنة وذكر التطبيق الاول لخطة الشيطان باغواء آدم ثم ذكر امره لآدم وزوجه وابليس بالهبوط الى الارض وتوبة آدم من المعصية وقبول الله لها ثم ابتدأت حياة آدم وبنيه على هذا الكوكب لتطبيق الغرض الذي خلقهم الله من اجله فمن افلح بتحقيق هذا الهدف وحارب عدوه الاول ابليس ومنعه ان يسيطر عليه فعاقبته الفوز .
ومن اخفق بتحقيق هذا الهدف وسالم عدوه الاول ابليس وقبل بسيطرته عليه فعاقبته الخسارة.
الاخبار بخلق جديد
عندما شاءت الحكمة الالهية ان تجعل على هذا الكوكب خليقة ليعبد الله قال الله للملائكة:
" اني جاعل في الارض خليفة"
ولكن لعدم علم الملائكة بأسرار الحكمة الالهية وراء خلق هذا الخليفة .
" قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" فرد عليهم:
" قال اني اعلم ما لا تعلمون" ولكي يريهم ان هذا المخلوق الجديد يتميز عنهم بميزة المعرفة
" علم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الاملائكة فقال(71/11)
انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين" وامام هذا العرض وهذا السؤال اعترفوا بضعفهم امام مولاهم وقالوا بخضوع واجلال" سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم"وعندها امر آدم ان يريهم هذه الميزة التي يمتاز بها عنهم فقال له:
" ياآدم انبئهم باسمائهم فلما انباهم باسمائهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون"
وتكريما لهذا المخلوق الجديد امر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود له.
الامر بالسجود للمخلوق الجديد
" واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين". ويسجد الملائكة جميعا الا ابليس ويابى ان يسجد للانسان ويكرهه منذ تلك اللحظة حقدا منه واستكبارا. وآدم بعد لم يخص معه المعارك ولم يرفع بوجهه السلاح .
عصيان الشيطان الآمر
وتبدأ اول جريمة للشيطان وهي عصيانه لامر الرحمن وذلك بان الملائكة جميعا سجدوا وكان الشيطان ضمن اولئك المامورين ولم يسجد فساله الله قال :(71/12)
" ما منعك الا تسجد اذ امرتك" ويرد عدو الله بتكبر وحقد قال : انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين والعحب بهذا الجواب انه يقر ويعلم ان الله خالقه وخالق آدم ويعلم ان الله بيده الحياة والموت لذلك طلب منه في موضع اخر ان ينظره الى يوم البعث ومن هنا يتضح ان العلم منفرد لا ينفع صاحبه شيئا ما لم يكن مقرونا بالعمل وهذا الذي كان ينقص ابليس ولاجل ذلك غضب الله عليه وكتب عليه الصغار ولقد ملأ الله كتابه العزيز بالحث على العمل. فبشر العاملين ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار ." وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار " والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة "والذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مأب. بل وعدهم باعلى منزلة بالجنة فقال: " ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا وكذلك وعدهم بالمغفرة والعفو عن اخطائهم وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة واجر عظيم وكذلك وعدهم بالمغفرة والرزق الكريم معا فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ووعدهم بالهداية ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم ووعدهم بالاستخلاف في الارض وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم" وحتى المعصية فميزانها عند الله واحدة اذا اقترنت بتوبة نصوح غفرها الله وبدلها بحسنة واوجب له ما اوجب للعاملين اما ان لم تكن مقترنة بتوبة مع اصرار على المعصية كما فعل ابليس عندما ساله الله عز وجل ما لك الا تكون من الساجدين"فاجابه اجابة المصر على معصيته لم اكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون وعندها يحق غضب الله وعقابه وبعد ذلك يتضح جليا الفرق بين معصية آدم ومعصية ابليس في ميزان الله.(71/13)
فأما آدم فقد قرن معصيته بتوبة فتاب الله عليه فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه واما معصية ابليس فلم تكن مقترنة بتوبة وانما قرنها باصرار على المعصية مما أوجب غضب الله عليه وطرده من رحمته التي وسعت كل شىء.
الطرد لأبليس
ان الكبرياء احدى صفات الله التي لا يرضى ان ينازعه فيها احد فان نازعه فيها احد فانه يعذبه سواء في الدنيا او في الاخرة واول من نازعه فيها هو ابليس بعد ان عصى امره بالسجود لآدم معللا ذلك بانه خير منه
فما كان من الخالق الا ان قال له اهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين.
لقد طرد من الجنة وطرد من رحمة الله وحقت عليه اللعنة وكتب عليه الصغار ولكن الشرير العنيد لا ينسى ان آدم هو سبب الطرد والغضب ولا يستسلم لمصيره اليائس دون ان ينتقم ثم ليؤدي وظيفته وفق طبيعة الشر التي تمخضت فيه .
طلب الانظار
ويضع عدو الله التخطيط الاول للانتقام من هذا الانسان فهو لا يرضى ان يكون لوحده في جهنم دون عدوه الذي كان سببا في طرده هنا يطلب من الخالق ان يؤجله الى يوم البعث كي ينجو من الموت لانه لا موت في يوم البعث." قال أنظرني الى يوم يبعثون "ويرد الله عليه ليس كما طلب الى يوم البعث ولكن الى يوم الوقت المعلوم وهو يوم القيامة " قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم" وما ان أذن له بالبقاء حتى قام يسرد على الله بكل وقاحة ودون استحياء منه ولا خوف خطته لاضلال البشرية.
تفاصيل الخطة
لقد اخبر الله تعالى عن مادة خلق الشيطان فقال:
" والجان خلقناه من قبل من نار السموم" ولهذه النار خصائص من ابرزها:
أ - الكبر:
" لقد قرر القرآن الكريم من هذه الصفات: الكبر وهو وصف يرى في نزوع النار الى الاستطالة والاستعلاء وارادة الارتفاع وان لنقرأ في القصة الكريمة ان الشيطان حضره ذلك الطبع حين امر بالسجود لآدم فأبى ان يكون مع الساجدين فطرده الله من رحمته" .(71/14)
" قال فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها" فأراحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ محضه لنا واعلن حقيقته سوية واضحة:" الكبر بطر الحق وغمط الناس
( وبطر الحق: رده وعدم الاذعان له) .
وغمط الناس ازدراؤهم وانتقاص اقدارهم وحقوقهم- وكلتا شعبتا الكبر بارزتان في قصة امتناع ابليس من السجود لآدم " قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك ؟ قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " فقد توجه امر الله اليه بالسجود ولكنه رد هذا الحق ورفض الاذعان له معلنا فضله على آدم واحتقاره لشأنه
" انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"
ب - العجلة والغضب:
ومن صفات النار التي يمكن اسنادها الى الشيطان كذلك ما ذكره القرطبي في تفسيره قال: قال الحكماء
" ومن جوهر النار الخفة والطيش والحدة والاضطراب"
وهي صفات يمكن استنباطها بمجرد المشاهدة والمراس ويجمعهما لك معنى العجلة والغضب ويستانس لها بما رواه ابو يعلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" التاني من الله والعجلة من الشيطان"
والتاني ليس معناه البطء والتسويف عن مبادرة الخير انما هو النظرة الفاحصة البعيدة التي تريك مقدمات كل امر ونتائجه واوائله واواخره بحيث لا تسرع بانقاذ امر من الامور او رده الا بعد ان ترى ماله من عواقب.
اما العجلة فهي قصور النظر وسقوط الهمة عن التعلق بالغايات البعيدة العالية اكتفاء بما يبدو من وجه الامر وظاهره لاول وهلة ولعل المتامل في قصة امتناع ابليس عن السجود لآدم يرى اثر العجلة والغضب في عصيانه امر الله.
فان طبع الكبر ما كاد يحصره ويتحرك في نفسه حتى حضره طبع الطيش والخفة فجعل الى اتخاذ هذا الموقف من الله دون ان يجد في طبعه مسكة من الحلم والروية واعماه غضبه الذي سارع اليه عن ان يرى عاقبة امره وينظر فيما يحل به وهو الذي يعرف من قهر الله وبطشه ما يعرف .
الاحراق والاتلاف:(71/15)
ولقد شبه القرآن الكريم ما يحدثه الايمان في قلوب المؤمنين بأنه " جنة بربوة اصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل" وعقب على ذكر تلك الجنة بما يفعل الشيطان في اتلافها فقال:" ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب" الى فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون" ولعل مما يؤنس ايمانك في هذا المقام ان نسوق لك ما جاء في صحيح البخاري متعلقا بهذا المعنى" قال عمر رضي الله عنه يوما لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيما ترون هذه الآية نزلت
" ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل"
قالوا: الله اعلم. فغضب عمر وقال قولوا او لا نعلم فقال ابن عباس في نفسي منها شىء يا امير المؤمنين فقال عمر قل يا ابن عباس لعمل رجل عمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى احرق عمله.
وانطلاقا من هذه الخصائص التي خلق منها ابليس صاح مخاطبا خالقه فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم وكانه يصر اصرارا شديدا ممزوجا بتلك الخصائص متبينا في كلمة لاقعدن وكانه قاطع طريق يقف في وسطه يمنع القوافل وعابري السبيل من المرور في هذا الطريقولقد وزع جيوشه بانتظام في هذا الطريق كل حسب تخصصه ووزع عليهم العصابات ليعصبوا بها اعين المارة.(71/16)
ثم يمضي ليستمر بنفس الاسلوب في سرد خطته وبنفس الشدة والاصرار التي ذكرها في لاقعدن يقولها مرة اخرى مصمما ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ويكمل انه سياتي للذين يحاولون اجتياز ذلك الطريق من امامهم ويصدهم عن اجتيازه بكل ما يملك من سلاح ومن خلفهم وعن شمائلهم وايمانهم. انها لحرب ضروس تلك التي يقيد بها الانسان من كل اتجاه ويهدد بشتى انواع الاسلحة ثم يقول ولا تجد اكثرهم شاكرين اي بسبب تلك القيود والعصابات التي عصبت بها اعينهم عن الحق سوف تجد اكثر الناس يشكرون ولقد اوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القعود بقوله ان الشيطان قعد لابن آدم بطرق فقعد له بطريق الاسلام فقال اتسلم وتترك دينك ودين آبائك فعصاه واسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال اتهاجر اتدع ارضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال اتجاهد وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك ويقسم مالك فعصاه وجاهد هكذا دائما يقعد في كل طريق يسلكه ابن آدم ويهدده بانواع الاسلحة التي لم يعهدها ابن آدم فان كان ضعيفا استسلم لهذه الاقاويل ووقع اسيرا لابليس يصب عليه انواعا من العذاب يجعله لا يعرف الطريق الصحيح الموصل للنهاية الامنة التي رسمها الله لعباده واما ان كان قويا بنور الله يابى ان تعصب عيناه بتلك العصابات ويمزقها ويمضي قدما لا يستسلم لتهديدات ابليس بل يشق صفوف جند ابليس بسهولة ويسر ويسلك طريق الحق حتى يصل الى النهاية الآمنة التي وعدها الله عباده المخلصين.
ويمضي في سرد خطته بتحليل ادق وبتفاصيل اكثر فيقول:" رب بما اغويتني لأزينن لهم في الارض ولأغوينهم أجمعين.
لقد قسم خطته الى قسمين التزيين ثم الغواية والتي هي نتيجة طبيعية للقسم الاول. والتزيين( التزييف)
وهو اظهار الشىء بصورة تختلف عن صورته الحقيقية ولقد غرس هذه الخطة الرهيبة في الارض وجنى منها وما زال يجني من ثمارها الشىء الكثير فزين للراقصة(71/17)
والمغني والمتبرجة والزانية سوء عملهم باسم الفن وزين لكثير من العباد سوء عبادتهم وظنوا انهم وصلوا الى الله وزين لكثير من الشعوب بعض عاداتهم وتقاليدهم التي تكون غالبا معارضة للاسلام وهديه وكم زين لكثير من دارسي العلوم فصاروا يحاربون الله بعلومهم وزين لكثير من الحكام القوانين الوضعية والحلول المستوردة التي وضعها الانسان بدلا من قانون الله ولقد وصل تزيينه لهم الى حد انهم قالوا اخيرا: انه لا بد من ترقيع قوانيننا
بشريعة الاسلام ولكن بطريقة عصرية وتزيينه هذا كثير جدا لا تسعه هذه الصفحات.
والتزيين في كل شىء تحويله من قبيح الى جميل براق جذاب كحفرة عميقة غطيت باجمل الزهور واحيطت بالآلىء والزمرد ورشت عليها العطور وما ان تاتي الفريسة المسكينة لتنخدع بهذا الجمال الفاتن حتى تطير الزهور من الحفرة وتقتلع اللآلىء من اماكنها وتفوح رائحتها النتنة التي تغطي رائحة العطر المرشوش وتظهر الحفرة العميقة وتقع الفريسة المسكينة التي اغراها الجمال الزائف والتزيين لتقع في تلك الحفرة وتهوي بها وتظل تهوي فاما ان ترفعها توبة الى الله خارج الحفرة المظلمة الى اعلى لتلتصق بتلك الانوار انوار الهداية الربانية واما ان تهوي حتى تصل الى القاع
وبعد ذلك تاتي المرحلة الثانية من هذا المخطط الذي هو الاغواء عن الحق وهي النتيجة الطبيعية لضحايا التزيين- المضلل عن الحق حتى ولو كان الحق قريبا منهم بمنزلة اليد من الجسد كما قال الله تعالى:(71/18)
" أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها وانى له ان يراها وهو في هذا الظلام المتراكم فلقد الف الواقعين بتلك الحفرة الروائح النتنة والظلام فاصبحوا لا يحبون النور لانهم رأوا بصيصا من نور وقد غطوا اعينهم باكفهم او بما يملكون ثم تحولوا الى قطعة من ظلام دامس ويظل الصياد الكبير يحوم حول الحفرة يرمي بتزيينه آلافا وملايين بتلك الحفرة الظلماء ولا ينتهي الى هذا الحد ولا ترده عظمة الله وهو واقف امامه والملائكة خاضعون له لا يصده كل ذلك عن اكمال سرد مخططه وهو يقول :" ارايتك هذا الذي كرمت علي لئن اخرتني الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته" .
انه يتوعد ويهدد بني آدم من الاستيلاء عليهم واستذلالهم ولكن هل يستطيع ان يستذل كل بني آدم ويستولي عليهم؟ وهل ذلك ضمن سنة الله؟ وهل للانسان ارادة وعقل يميز بين الحق والباطل؟ واذا كان الجواب بنعم كما اخبرنا الله بكتابه بان للانسان عقل يميز بين الحق والباطل وان له ارادة يستطيع بها ان يبتعد عن طريق الباطل ويسلك طريق الحق " ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها"
وقال:" وهديناه النجدين" اي الطريقين بعد ذلك كله يكون من سنة الله في الحياة الدنيا وجود فريقين على هذا الكوكب فريق الحق وفريق الضلال وهكذا لا بد من الاستثناء .
الاستثناء للبعض
وياتي في عرض خطته فقرات استثناء لفئة من بني آدم فلقد قال:" لأحتنكن ذريته الا قليلا" هذه الفئة القليلة لا تستطيع تلك الآفة مضغها ولئن مضغتها ستتكسر انيابها وتتفتت مقاطعها فهي من طبيعتها لا تحب ان تقربها لأنهم لا تمضغ.
من هؤلاء الذين استثناهم عدو الله من الاحتناك في خطته؟ عباد الرحمن الذين يسبحون ببحر الحق وسوف لا يغرقون ابدا انهم جند الله فكيف يغلبون ؟.(71/19)
وهل الله يتركهم وهو الذي اعطى الشيطان ما سأل وهو عدوه فكيف بمن يحبه؟ لقد تضاءل الشيطان امام ايمانهم واصبحت خطته مع عظمتها وخطورتها ضعيفة امام جدار الايمان الشامخ الملتصق بالسماء وها هو يقول:
" الا عبادك منهم المخلصين" فالاخلاص هو السبب المباشر في الاستثناء والاخلاص لله وحده دون اشراك اي شىء مهما كان ضئيلا معه من هوى ونفس وزوج وولد ومال هذا الاخلاص هو الزاد المفيد لذلك السفر وهو الدرع الواقي لهجمات ابليس.
وجاء بعد امر السجود لآدم تكريما اخر وهو اسكان آدم وزوجه بالجنة ولكن ما مصير الشيطان وماذا سيفعل آدم وزوجه امام هذه التجربة الجديدة؟
اسكان آدم وزوجه الجنة
ويدخل آدم مرحلة جديدة في حياته بعد ان قال له عز وجل :" يا آدم اسكن انت وزوجك الجنةوكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"
لقد أبيحت لهما ثمار الجنة الا شجرة واحدة ربما كانت ترمز للمحظور الذي لا بد منه في حياة الارض . فبغير محظور لا تنبت الارادة ولا يتميز المريد من الحيوان المسوق ولا يمتحن صبر الانسان على الوفاء بالعهد والتقيد بالشرط فالارادة هي مفرق الطريق. والذين يستمتعون بلا ارادة هم من عالم البهائم ولو كانوا في شكل الآدميين.
التطبيق الأول للخطة
وبينما آدم وزوجه بالجنة اذ اعلن عدو الله الحرب على هذا المخلوق الجديد بعد ان انتهى من وضع المخطط .
فتقلد سيف الحقد وركب جواد الكبر ورفع راية الحرب وانطلق متجها حيث يقطن آدم وزوجه ودخل عليهما ليكون حائلا دون استمتاعهما بذلك النعيم ووجها لوجه اندلعت الحرب وانتصر عدو الله في اول معركة له مع المخلوق الجديد " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه". ولقد طبق الخطة تطبيقا دقيقا واستخدم سلاحا(71/20)
لم يعهده آدم من قبل فلقد وسوس لهما " ليبدي ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين . وقاسمهما اني لكما من الناصحين.
" وهكذا وسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وهذا كان هدفه لقد كانت لهما سوآت ولكنها كانت مواراة عنهما لا يريانها ولكنه لم يكشف لهما هدفه بطبيعة الحال انما جاءهما من ناحية رغائبهما
" وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين" لذلك داعب رغائب الانسان الكامنة.
انه يحب ان يكون خالدا لا يموت ومعمرا اجلا طويلا كالخلود ويحب ان يكون له ملك محدد بالعمر القصير المحدد وفي قراءة ( ملكين ) بكسر اللام وهذه القراءة يعضدها النص الآخر في سورة طه:
" هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"
وفي هذه القراءة يكون الاغراء بالملك الخالد والعمر الخالد . وفي قراءة ( ملكين ) بفتح اللام يكون الاغراء بالخلاص من قيود الحسد كالملائكة مع الخلود ولكن القراءة الاولى وان لم تكن هي المشهورة اكثر اتفاقا مع النص القرآني الآخر ومع اتجاه الكيد الشيطاني وفق شهوات الانسان الاصيلة- ولما كان - اللعين - يعلم ان الله قد نهاهما عن هذه الشجرة وان هذا النهي له ثقله في نفسيهما وقوته فقد استعان على زعزته - الى جانب مداعبة شهواتهما- بتامينهما في هذه الناحية فحلف لهما بالله انه لهما ناصح وفي نصحه صادق" وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين"
ونلاحظ من النص القراني انه بدا معهما الوسوسة ليبدي ما ووري عنهما من سوآتهما وكأن الحياة هي الحائل الاول الذي يقف امام معصية الله فعمل على ازالته اولا ثم توغل بتطبيق خطته باناة ويسر والله اعلم.
وما زال يتابع تطبيق خطته" فدلاهما بغرور"
ودلى في اللغة معناها " دلى الدلو- ارسلها في البئر "(71/21)
فكأن الشيطان اللعين وضع آدم وزوجه بالدلو وقام بانزال الدلو رويدا رويدا حتى اوقعهما فيما يريد من الباطل والكذب وبنفس الاسلوب ونفس الخطة التي لم تتغير منذ ان كذب على آدم الى الان - لا زال يستخدم التدلية حتى الايقاع بالقاع.
وقال الله تعالى للملائكة:" اني جاعل في الارض خليفة"
وخلق آدم فآدم مخلوق لهذه الارض منذ اللحظة الاولى.
ففيم اذن كانت تلك الشجرة المحرمة ؟ وفيم اذن كان بلاء آدم ؟ وفيم اذن كان الهبوط الى الارض وهو محلوق لهذه الارض منذ اللحظة الاولى؟
لعلني المح ان في هذه التجربة تربية لهذه الخليقة واعدادا لها. وايقاظا للقوى المذخورة في كيانها. انها كانت تدريبا لها على تلقي الغواية وتذوق العاقبة وتجرع الندامة ومعرفة العدو والالتجاء بعد ذلك الى الملاذ الأمين.
الهبوط الى الارض
وياتي نداء الحق جلت قدرته عتابا لهما على ما فعلا بعد ان حذرهما من عدوهما بانه ظاهر العداوة معهما ومع هذا التحذير فعلا ما فعلا .
" وناداهما ربهما: الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين"
ولكن ماذا يصنعان بعد ان عصيا ربهما وما المصير الذي ينتظرهما؟ لم يكن انسب من ان يعترفا لمولاهما بذنبهما ويسألانه العفو فقالا:" ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"لقد كانت لهما فرصة...
فرصة الاستغفار والرجوع في وقت لم تقم به الساعة ولم يكونا بعد في سكرات الموت ... ولم يمض وقت طويل حتى أجابهما الله على سؤالهما وتاب عليهما .
" فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم"
وبد ذلك جاء امر الله بالهبوط الى الارض حيث بدات المعركة بين الحق والباطل.(71/22)
" قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين". وقال:" فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون" لقد انتهت التجربة الاولى لآدم وزوجه والشيطان في السماء وابتدأت على هذا الكوكب الذي خلق منه الانسان وابتدا الصراع مرة اخرى بين المخلوق الجديد الذي استعد لعدوه بعد تعرفه على خصائصه ونقاط ضعفه واستعد ايضا عدوه له للبحث عن نقاط ضعف جديدة وليدليه في البئر تارة اخرى وان لم يكن هو فالخطة قابلة للتطبيق على نسله.
ولن ينتصر هذا الانسان ابدا على هذا العدو الغريب في طباعه وشره الا اذا تمسك بالذي هو اقوى منه وهو الحق تعالى.
ولقد وضع الله تعالى المنهج الكامل لمجابهة هذا العدو وهو القرآن الكريم والسنة المطهرة فمن تمسك بهما واتبع هداهما فقد انتصر ونجا من جهنم ومن ابتعد عنه فليكونن من الخاسرين" فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون".
الفصل الثاني
التحذير
1- العبودية
2- ينزع عنهما لباسهما
3- الولاء
4- اتباع الشيطان
5- لا يصدنكم
6- دعوة الى السعير
التحذير
العدل اسم من اسماء الله تعالى فبما يقتضيه هذا الاسم ان الخالق عز وجل ارسل الرسل وانزل الكتب ليحذر الناس من عدوهم الاول ابليس وحتى تكون الرسل والكتب حجة على الناس يوم القيامة فان الله لا يعذب حتى يرسل الرسل ليبلغوا رسالة ربهم " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" ومن اهم ما حذرهم منه. عبادة الشيطان واتخاذه وليا من دونه. وذلك لان المعاصي كلها تنبع من عبادة الشيطان فاذا ازيلت هذه العبودية من قلب انسان صار قلبه متفتحا لعبادة الله وحده.
واكثر التحذيرات بالقران ان لم تكن جميعها مشتقة من
" التحذير من عبادة الشيطان" كالتحذير من العري ومن موالاة الشيطان ومن اتباعه ومن صد الشيطان ويتبين ذلك عندما نعرف معنى العبودية.
العبودية(71/23)
والعبودية لله اي الخضوع له والطاعة " يقال يدين لله اي يعبد الله ويطيعه ويخضع له فدين الله: عبادتهوطاعته والخضوع له. والعبادة اصل معناها الذل ايضا: يقال طريق معبد اذا كان مذللا قد وطئته الاقدام"
واول من تلقى التحذير من البشر آدم عليه السلام ذلك عندما نهاه الله هو وزوجه عن الاكل من تلك الشجرة وحينما اخبره الله بان الشيطان لهما عدو مبين
" ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "
" ألم أنهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين"
وآدم ايضا هو اول من عبد الله من البشر وذلك عندما ندم على معصيته وتلقى من الله كلمات توبته" وتاب بقيله اياها وعمله بها الى الله من خطيئته معترفا بذنبه متنصلا الى ربه من خطيئته نادما على ما سلف منه من خلاف امر ربه فتاب الله عليه بقبوله الكلمات التي تلقا منه وندمه على سالف الذنب منه والذي يدل عليه كتاب الله ان الكلمات التي تلقاها آدم من ربه الكلمات التي اخبر الله بها عنه انه قالها متنصلا بقيلها الى ربه معترفا بذنبه وهو قوله: " ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" وقد صد الله تعالى ابناء آدم عن عبادة الشيطان ودعاهم لعبادته فقال:
" ألم اعهد اليكم يا بني آدم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين. وان اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون"
ومن الايات يتضح قوله تعالى " الاتعبدوا الشيطان"(71/24)
أي لا تطيعوه ولا تذلوا له فانه لكم عدو مبين والانسان متى تخلى عن عبادة الله وابتعد عنها فلا بد ان هناك نفحات من الكبر دفعته لذلك وكذلك فانه لا بد انه قد اختار ما يعبد سوى الله ويبتعد عن كل صنم او عبد او شهوة وبذلك يكون قد اشرك بالله. ورحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية الذي تربى على هذه المعاني وغمس قلبه فيها فقام ينادي بها لا يخاف في الله لومة لائم ولا غضب سلطان لقد عذب عذابا شديدا بسببها ومات وقلبه عامر بها ومما قاله في ذلك المعنى " فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وارادته بل استكبر عن ذلك فلا بد ان يكون له مراد محبوب يستعبده ويستذله غير الله فيكون عبدا ذليلا لذلك المراد المحبوب: اما المال واما الجاه واما الصور واما ما يتخذه الها من دون الله كالشمس والقمر والكواكب والاوثان وقبور الانبياء والصالحين والملائكة والاولياء الذين يتخذهم اربابا وغير ذلك مما عبد من دون الله "
وهؤلاء الذين اتخذوا آلهة من دون الله يعبدونها كأنهم كبلوا انفسهم وأذلوها ومنعوها الحرية ظانين انهم كلما ابتعدوا عن منهج الله فانهم يبتعدون عن قيود الدين وبذلك يكونوا قد اخذوا الحرية كاملة وما دروا انهم وقعوا اسرى في عبودية الشيطان.
وما اجمل ما قاله شيخ الاسلام في تعريفه لمعنى الحرية
" الحرية حرية القلب والعبودية عبودية القلب كما ان الغنى غنى النفس . قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ليس الغنى في كثرة العرض وانما الغنى غنى النفس"(71/25)
وعندما يصل الانسان الى مرتبة قيادة النفس الى ما امر الله ومعاندتها فيما ترغب مما نهى الله عنه يكون هو سيد نفسه وحق العبد على العبد ان يطيع سيده ويكون هو المعنى الصحيح للحرية الذي ادركه شيخ الاسلام وقام يردده عندما امر بسجنه بقلعة دمشق ملقنا الاعداء دروسا بمعنى الحرية الصحيحة قائلا: ما يصنع اعدائي بي ان جنتي وبستاني في صدري اين رحت فهي معي لا تفارقني وان حبسي خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة" ولم ينس الشيخ ان يعلم هذه المعاني لأتباعه الذين سجنوا معه في القلعة فربما تسرب الخوف الى بعضهم كما ذكر الامام ابن القيم الذي كان احدهم قال "وكنا اذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون وضاقت بنا الارض أتيناه فما هو الا ان نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله فينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة"
وكان مما يقوله لهم ايضا:" المحبوس من حبس قلبه عن ربه والماسور من اسره هواه".
ورغم البعد الزمني الذي بين شيخ الاسلام ابن تيمية وصاحب الظلال سيد قطب الا ان تعريفهما للحرية جاء متشابها عندما جاشت المشاعر في قلب سيد وهو في السجن مع اخوانه الذين ربما ظن احدهم انه مقيد عن الحرية فاراد ان يعرفه معنى الحرية فانشد يقول مخاطبا له:
اخي انت حر وراء السدود اخي انت حر بتلك القيود
اذا كنت بالله مستعصما فماذا يضيرك كيد العبيد
وكانما اراد " سيد" ان يعلم اخاه بان السدود والقيود لا تمنع الحرية اذا كان القلب حرا فيما يختار.
نعم يا اخي انت حر حتى ولو كنت وراء قضبان السجون.
نعم يا اخي انت حر حتى ولو طوقت معصميك القيود.
ولتقيد معصميك وقدميك ولكن تبقى مع ذلك حرا لانهم لم يستطيعوا تقييد قلبك فدعهم فماذا يضيرك كيد العبيد؟(71/26)
" وشرط العبودية الحب ثم الخضوع والطاعة والذل لمن احب فاذا اكتملت هذه الشروط في شخص ما تجاه شىء ما يسمى عابدا لذلك الشىء" وكلما زاد القلب حبا لشىء ما فلا بد ان ياتي الشرط الآخر كنتيجة طبيعية للشرط الاول ذلك لان من يحب فانه يطيع محبوبه فالذي يحب المعصية يكون عبدا لشهوته متى ما دعته لعمل تلك المعصية يطيعها مهما كانت الظروف - والذين اختاروا الشيطان مولى لهم يحذرهم الله من عبادته ويقول لهم
" ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون"
لقد اتخذ من كانوا قبلكم الشيطان مولى لهم فاطاعوه واستكبروا عن عبادة الله فاخذهم الله بعذاب اليم فمنهم من خسف بهم الارض ومنهم من صعق ومنهم من ارسل عليهم حجارة من نار" افلم تكونوا تعقلون"
وها هو عدو الله سائرا في خطته لاضلال البشرية وتحويلهم من عبادة الله الى عبادته وعندما يتحول الانسان عبدا للمعصية فلا بد انه قد احبها وان احبها حشر معها وذلك ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل يساله عن الساعة فقال له:
" وما اعددت للساعة" قال: حب الله ورسوله قال:
" فانك مع من احببت"
وكذلك ما ذكره بعض المفسرين في الاية الكريمة واذا النفوس زوجت" اجاب: يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة وبين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار .
فذلك جاء التحذير من الخالق جل وعلا من عبادة الشيطان لانه من عبد الشيطان حشر معه فبئس القرين.
ومن اخطر آثار عبادة الشيطان ذهاب الحياء وخطورة هذا الاثر تكمن في ان" الحياء هو الحائل بين الاقدام على المعصية والامساك عنها وانه كالسد اذا تحطم انهمر
الماء يغرق كل شىء فالذي لا حياء له لا سد عنده"
فهذا لا يمنعه مانع من الاقدام على المعصية ليفعلها ولا يرى بها باسا وذلك ما روى في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال:"مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستح فاصنع ما شئت"(71/27)
وعلى هذا مدار الاسلام وتوجيه ذلك ان المامور به الواجب والمندوب يستحي من تركه والمنهى عنه الحرام والمكروه يستحي من فعله واما المباح فالحياء من فعله جائز.
وعلى هذا فان الحياء الذي يكون حائلا دون الوقوع بالمعصية هو الحياء النابع من خشية الله لذلك كله عمد ابليس على تحطيم ذلك الحاجز الذي يمنع من الوقوع في المعصية ينزع اللباس الذي كان يواري آدم وزوجه ليريهما سوآتهما.
ينزع عنهما لباسهما
انها للمسة من لمسات الرحمة والحب لهذا المخلوق وشعور بالعطف عليه متمثلة في نداء الله للبشر جميعا ليس للمسلمين خاصة وهو يناديهم ويحذرهم من الوقوع في فتنة الشيطان" يا بني آدم لا يفتنكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما ".
ولقد نجح عدو الله في تطبيق هذا المخطط نزع اللباس لتحطيم كل شىء اسمه حياء منذ العصور البالية الى عصرنا هذا فيما يرويه ابن كثير في عصر الجاهلية قبل الاسلام ان " العرب ما عدا قريشا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتاولون في ذلك انهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها وكانت قريش - وهم الحمس - يطوفون في ثيابهم ومن اعاره احمسي ثوبا طاف فيه ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه احد...
ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا اعاره احمسي ثوبا طاف عريانا... وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر... واكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل ... وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء انفسهم واتبعوا فيه آبائهم يستند الى امر من الله وشرع".
انها جاهلية محضة واستزلال من الشيطان محكم - هذا الذي يحذرنا الله منه فالخطة هي الخطة لم تتغير من بداية استزلال آدم وزوجه في الجنة الى الان ولقد حذرنا الله من هذه الفتنة لعلمه ان منها تنبع اكثر الجرائم .(71/28)
ولا يخفى على كل منا ما ينتج عن العري الموجود على صفحات المجلات ودور الخيالة والشاشات الصغيرة وما يمارس علنا في دول اوروبا وبعض الدول الاسلامية من جرائم خطيرة وضياع تام في صحراء الضلال وكم من ضحية ذهبت وكم من امراض حدثت كلها بسبب هذا العري الذي يفتن ابليس به بني آدم ولا ينتهون والله يبين لهم بقوله" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما
وهم لا يسمعون .
ولولا ولاؤهم لابليس وطاعته فيما يامرهم به ما استطاع فتنهم ولكنه الولاء الذي اعماهم عن طريق الحق وهو قريب منهم لو حاولوا ان يحظوا فيه.
الولاء
الولاء لا يكون الا لله او للشيطان ولا يوجد ولاء ثالث بين الاثنين ومعنى الولاية ضد العداوة واصل الولاية المحبة والقرب واصل العداوة البغض والبعد وقد قيل ان الولي سمي وليا من نحو موالاته للطاعات او متابعته لها والاول اصح والولي القريب فيقال هذا يلي اي هذا يقرب منه فاولياء الله هم الذين يحبون الله ويحبهم ويقربون منه وهو يقرب منهم اكثر مما يقربون ولقد قال صلى الله عليه وسلم يقول الله انا عند ظن عبدي بي وانا معه اذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وان تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراعا وان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا وان اتاني يمشي اتيته هرولة والاتقياء لا يوالون الا الله وكل ما خلا الله فهو في حسابهم من معسكر الباطل حتى دعا ذلك الفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ان يقول:(71/29)
" اصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: الا كل شىء ما خلا الله باطل" فهم على هذا الفهم لا يوالون الكفار ايا كانوا حتى ولو كانوا من اقرب الناس اليهم رحما وهؤلاء وصفهم الله بقوله:" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون.
وهذا امين الامة ابو عبيدة بن الجراح يقتل اباه في معركة بدر وهذا الصديق يهم بقتل ولده...وهنا يبرز سؤال أو يكره الابن أباه والأب ابنه؟ لا لا يكرهه لذاته انما يكره الباطل الذي يتبعه وما دام الله هو وليه فهو لا يحب الا من والى الله واما غيره فليس له في قلبه شىء من المودة ذلك لانه باطل.
ومن اجل هذا الولاء الذي عقده المؤمنون مع ربهم كانت المكافأة نفيسةأما في الدنيا فان الله .
" يدافع عن الذين آمنوا " بل ينزل جنوده لتقاتل معهم ويحارب كل من يعاديهم وذلك ما ذكره صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بمثل اداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها" فليس يحارب من يعاديهم فحسب بل يكون معهم بكل شىء حتى لا يسمعون ولا يبصرون ولا يبطشون ولا يسعون الا كما يحب لهم ربهم ويرضى. اما في الاخرة فانه يجزيهم بسلعة الله الغالية الا وهي الجنة.
وصنف آخر من الناس يذكرهم الله بعدوهم الاول قائلا:(71/30)
" واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه ثم يحذرهم عن موالاته وينكر عليهم اتباعه فيقول: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا" هذا الصنف من الناس يحبونه وهو يبغضهم ويتقربون اليه بقلوبهم وبأعمالهم وهو يكيد لهم المكائد ويوقعهم بالمصائب تماما كما قال الشاعر:
ومن البلية من تحب ولا يحبك من تحبه
ويصد عنك بوجهه وتلح انت فلا تغبه
حقا انه لبلاء ان تحب وتتقرب وتفني حياتك كلها ليلك ونهارك في سبيله وهو لا يحبك.
وحتى تكون على بينة من الامر بالحب الذي ينجي من عذاب الله والحب الذي يوجب غضب الله نتعرض لما ذكره الامام ابن القيم قال:" وههنا اربعة انواع من الحب يجب التفريق بينها وانما ضل من ضل بعدم التمييز بينها.
احدها - محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه والفوز بثوابه فان المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني - محبة ما يحب الله وهذه هي التي تدخله في الاسلام وتخرجه من الكفر واحب الناس الى الله اقومهم بهذه المحبة واشدهم فيها.
الثالث - الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم عن محبة ما يحب الله الا بالحب فيه وله.
الرابع - المحبة مع الله وهي المحبة الشركية وكل من احب شيئا مع الله لا لله ولا من اجله ولا فيه فقد اتخذ ندا من دون الله وهذه محبة المشركين.(71/31)
وبقي قسم خامس ليس نحن فيه وهي المحبة الطبيعية وهي ميل الانسان الى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم الا ان الهت عن ذكر الله وشغلته عن محبته فمن اتخذ الشيطان وذريته اولياء من دون الله وما يحب الله فقد حق عليه غضب الله وكان كاذبا بادعائه محبة الله فالمحب لله كما ذكر الامام يحب ما يحب الله ويبغض ما يبغض الله ويحب لله ويبغض لله فاذا ما استبدل فيستبدل لله لا لهوى او شهوة كما يفعل اولئك الصنف من الناس " بئس للظالمين بدلا".
هذا الصنف من الناس لا يستبدلون الا عندما يصدون عن سبيل الله وهذه هي سنة الله في خلقه فئة يصدون عن الحق وفئة يتبعونه وكلما غفل اهل الحق ووسوس لهم الشيطان ليصدهم عن طريقهم تذكروا تحذير الله لهم وعادوا مرة اخرى سائرين في طريقهم ليقتلعوا الاشواك التي تعترضهم فيه... وماذا يكون بعد الولاء الا الاتباع لعدو الله لا لشىء سوى الفوز بالدنيا وزينتها وما دروا ان مثل الحياة الدنيا" كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور "
عذاب شديد للذين اتبعوا خطوات الشيطان ومغفرة من الله ورضوان للذين اتبعوا طريق الحق .
" اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون".
اتباع الشيطان
وفي هذه المرة ياتي النداء السماوي لفئة خاصة هي احب الفئات الى الله اولئك هم المؤمنون مناديا لهم.
" يا ايها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يامر بالفحشاء والمنكر".
وهذا النداء حري بالمؤمنين ان تتفتح له قلوبهم ومسامعهم ليفقهوه لانه انبعث من خالقهم الذي يحبهم ونداء التحذير هذا يكون له وقعه في اذن السامع عندما ياتي من المحب وهنا يصدق قول الشاعر:
تعصي الاله وانت تبدي حبه
هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لاطعنه(71/32)
ان المحب لمن يحب مطيع
وعلى المؤمن ان يرفع قدمه بسرعة ويحولها الى طريق النور عندما يكتشف ان الخطوة التي امامه هي خطوة من خطوات الشيطان ويلبس ابليس على المؤمن ان يكون صاحب فطنة وعلم ليفرق بين خطوات الشيطان وخطوات الرحمن فاتباع الشيطان يشتمل على عدة اقسام بينها الله تعالى في كتابه اهمها.
( أ ) اتباع الهوى:
قال الله تعالى:" ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله"
وسببه وسخ يكون في القلب لما فيه من طمع وحسد وانتصار للنفس يحجب الرؤية او يشوشها كالذي ينظر من وراء زجاجة سوداء ويتولد عن الهوى مرض اخطر منه الا وهو الاعراض عن الحق فصاحب الهوى لا يستسلم للحق عندما يعرض عليه ويرده بسبب ذلك الوسخ الذي عكر قلبه لذلك كان هم كل المربين على مر العصور انيحذروا اتباعهم من الهوى.
فكان علي رضي الله عنه يدرك خطورة هذا المرض مما جعله يقول : " ان أخوف ما اخاف عليكم اثنين : طول الامل واتباع الهوى فاما طول الامل فينسي الاخرة واما اتباع الهوى فيصد عن الحق".
( ب ) اتباع سبيل المفسدين:
قال الله تعالى على لسان نبيه موسى موصيا اخاه هارون ولا تتبع سبيل المفسدين"يقول ولا تسلك طريق الذين يفسدون في الارض بمعصيتهم ربهم ومعونتهم اهل المعاصي على عصيانهم ربهم ولكن اسلك سبيل المطيعين ربهم".
) ج ) اتباع الشهوات:
قال الله تعالى: " ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله".
وكل سبيل غير سبيل القرآن والسنة الصحيحة فهو من السبل التي نهينا عن اتباعها قال الامام الطبري:" حدثنا الحمامي قال حدثنا حمام عن عاصم عن ابي وائل عن عبد الله قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا فقال: هذا سبيل الله . ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطا فقال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليها ثم قرأ الاية " وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
( ه ) اتباع الظن:(71/33)
قال الله تعالى:" ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون".
" يقول له : قل لهم: ان تقولون ما تقولون ايها المشركون وتعبدون من الاوثان والاصنام ما تعبدون وتحرمون من الحرث والانعام ما تحرمون الا ظنا وحسبانا انه حق وانكم على حق وهو باطل وانتم على باطل " وان انتم الا تخرصون" فلا يوجد مبدأ صحيح على الارض يعتمد على الظن.
( و ) اتباع الآباء:
قال الله تعالى: " واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا". فهذا هو سندهم الوحيد وهذا هو دليلهم العجيب التقليد الجامد المتحجر الذي لا يقوم على علم ولا يعتمد على تفكير . التقليد الذي يريد الاسلام ان يحررهم منه وان يطلق عقولهم لتتدبر ويشيع فيها اليقظة والحركة والنور فيأبوا هم الانطلاق من اثار الماضي المنحرف ويتمسكوا بالاغلال والقيود".
ولقد وجدنا في عصرنا هذا فئة من الناس يتبعون آباءهم في كل شىء. وكل شىء يعارض ما جاء فيه آباؤهم يعتبرونه خطأ وقد خضت مع مع احد هؤلاء حديثا طويلا فلم استطع ان اقنعه بشىء...
والمسلم لا يصح له ان يتبع انسانا مثله لان الانسان خطاء وذو نفسية متقلبة فنجده اليوم على راي وغدا على راي اخر لذلك بين الله تعالى موقف هؤلاء بهذه الاية" أولو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير".
( ز ) اتباع المتشابه:
قال الله تعالى:" هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله".(71/34)
ان المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة اما باعتبار نفسه او باعتبار غيره والمتشابه ما لا يتضح معناه او لا تظهر دلالته لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره" فأما الذين في قلوبهم زيغ" الزيغ: الميل" فيتبعون ما تشابه منه" أي يتعلقون بالمتشابه من الكتاب فيشككون به على المؤمنين ويجعلونه دليلا على ما هم فيه من البدعة المائلة عن الحق كما تجده في كل طائفة من طوائف البدعة فانهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعبا شديدا ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شىء
" ابتغاء الفتنة" اي طلبا منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبيس عليهم وافساد ذات بينهم" وابتغاء تأويله "
اي طلبا لتأويله على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة".
فكل هذه الانواع من الاتباع هي اتباع لخطوات الشيطان التي نهانا الله عن اتباعها والضمان الوحيد لسلوك طريق الحق والابتعاد عن خطوات الشيطان هو الاستسلام الخالص لله الاستسلام له بكل ما تحوي هذه الكلمة من معان لذلك قال الله لهم مناديا من جديد:" يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين". وهذا النوع من الاستسلام يجعله لا يخاف الا في الله ولا يتلقى الا من الله ولا يتبع الا القرآن والسنة المطهرة فتكون خطواته كلها محكمة بعيدة عن خطوات الشيطان وطريقه وان المؤمن ليصل الى درجة ان الشيطان نفسه يقوم يخطو بعيدا عن خطواته هاربا منها. وذلك بعد ان يصل المؤمن الى درجة الاستسلام الكامل للواحد الديان والمثال على ذلك ما رواه الامام مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه " والذي نفسي بيدهما لقيك الشيطان قط سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك".
لا يصدنكم(71/35)
ان عدو الله دائما يسعى للوسوسة في قلوب المؤمنين يغريهم بملاذ الدنيا وزينتها ويحثهم على طاعة انفسهم واتباع اهوائهم ويعظم في نفوسهم قوة الباطل وحجمه وقلة اهل الحق وانحسار سلطانهم كل ذلك ليصدهم عن الحق ويجعلهم تابعين للباطل.
وانه ليستخدم كل ما يملك من قوة ليصد الدعاة في سبيل الله عن طريقهم الذي التزموه يسكب عليهم كل وساوسه ليفتنهم حتى لتصل وساوسه الى درجة ان المسلم يفضل ان تنطبق عليه السماء او تبتلعه الارض ولا يتفوه بكلمة من هذه الوساوس وعن ابي هريرة قال: جاء ناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسالوه اننا نجد في انفسنا ما يتعاظم احدنا ان يتكلم به قال وقد وجدتموه ؟ قالوا نعم قال ذاك صريح الايمان
ولكن الله يذكرهم بعدوهم الاول ويحذرهم من الاستسلام لوساوسه لكي لا يصدوا عن سبيل الله ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين اي لا تغتروا بوساوسه وشبهه التي يوقعها في قلوبكم فيمنعكم ذلك من اتباعه. ثم علل نهيهم عن ان يصدهم الشيطان ببيان عداوته لهم فقال انه لكم عدو مبين"
ولئن استسلموا واغتروا بوساوسه سيكونون مع الراحلين الى السعير...
دعوة الى السعير(71/36)
ان الذين علموا ان الشيطان لهم عدو فاتخذوه عدوا موقنون حق اليقين بانه يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير اما اولئك الذين غلبتهم اهواءهم وغشى الباطل قلوبهم وحسبوا ان الشيطان حبيب لهم فاتبعوه وبدأوا يفتخرون ما بين آونة وأخرى باتباعه في كل شىء في السياسة والاقتصاد والاجتماع يجىء تحذير الخالق جل وعلا لهم ليذكرهم ان الشيطان ما زال مسددا سهامه اليهم وما زال يحدد موقع المقتل في اجسادهم وما زال ينتظر المصابين بسهامه ان يقعوا في الهوة الساحقة بعد ان ترنحهم من اثر الضربات قائلا لهم:" ان الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا". فلا يكفي العلم بانه عدو فحسب بل عليهم ان يتخذوه عدوا... عليكم ان لا تركنوا اليه ولا تتخذوه ناصحا لكم ولا تتبعوا خطاه فالعدو لا يتبع خطى عدوه وهو يعقل وهو لا يدعوكم الى خير ولا ينتهي بكم الى نجاة انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير انها لمسة وجدانية صادقة حين يستحضر الانسان صورة المعركة الخالدة بينه وبين عدوه الشيطان يتحفز لدفع الغواية والاعراء ويتيقظ لمداخل الشيطان الى نفسه ويتوجس من كل هاجسة ويسرع ليعرضها على ميزان الله العادل الذي اقامه له ليتبين له الحق فلعلها خدعة مستترة من عدوه القديم"
وفي الآية كذلك دعوة من الله لاصحاب الحق بالمفاصلة فاتخذوه عدوا وتحذير من الحق جل وعلا في نفس الوقت من ان يتخذ اصحاب الحق عدوهم وحزبه اولياء او يتنازلوا بعض الشىء عن مبادئهم... كلا والف كلا انهم اعداء فاتخذوه عدوا.
وهنا يتذكر اصحاب الحق ان الله وعدهم جنات تجري من تحتها الانهار والشيطان يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير... فلا يغرنكم كثرتهم انهم الى السعير سائرون...
ان حياتهم على هذا الكوكب هي راحلة الى السعير.
الفصل الثالث
صفاته
1- الضعف
2- الكذب والجبن
3- من وحي الباطل
4- انه يراكم
5- المبذرون
الضعف(71/37)
ان السر في انتصار المسلمين في الصدر الاول من الاسلام وانتشارهم هذا الانتشار مع قلة عددهم في معظم المعارك التي خاضوها مع خصومهم والسر كذلك في نجاح الدعوات الاسلامية الصادقة وتفاني اهلها في سبيلها وتقديم اعناقهم واموالهم واوقاتهم رخيصة في سبيل الله السر في ذلك هو عقيدة المؤمن الصادق الذي يؤمن بانه يخوض معركته مع الباطل مستمدا قوته من الله الذي خلق كل شىء بينما يستمد اولياء الباطل قوتهم من قائد ضعيف.
وان المؤمن ليكفيه ان يتذكر قول الله تعالى:
" فقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفاحتى ينقض انقضاض الطائر الجارح على الباطل فيقطعه اربا اربا.
ان الباطل في عقيدة المؤمن الصادق كفقاعة كبيرة منتفخة ومتلونة باجمل الالوان المتمازجة ولكن جدارها رقيق وباطنها خواء مما يجعله يقدم على الباطل لا يهاب انتفاخه ولا الوانه الجميلة يقدم عليه متوكلا على الله مولاه مبتغيا ثقب تلك الفقاعة ليذوب ذلك الباطل الضعيف
الكذب والجبن
والكذب من ابرز صفات ابليس اذ انه يستخدمه لتسهيل تنفيذ مخططه. وهو اول وسيلة استخدمها مع آدم ويستخدمها مع بني آدم في كل زمان ومكان فمخططه لا ينجح الا بذلك وما يعدهم الشيطان الا غرورا"
وحتى اتباعه لا ينجحون الا بذلك ولو انهم كشفوا للناس عن حقيقته نواياهم الخبيثة لولى الناس عنهم فلا بد من رفع الرايات الكاذبة ليجذبوا الناس اليهم فيرفعون رايات الحرية والمساواة والاخاء ولا شىء من ذلك في عالم الواقع.(71/38)
ولقد ظهرت هذه الصفة بصورة عملية في معركة بدر عندما عزم الكفار على محاربة المسلمين " فتبدى لهم ابليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي وكان من اشراف كنانة فقال لهم:ط لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم" من ان تأتيكم كنانة بشىء تكرهونه فخرجوا والشيطان جار لهم لا يفارقهم فلما بعثوا للقتال وراى عدو الله جند الله قد نزلت من السماء فر ونكص على عقبيه فقالوا : الى اين يا سراقة الم تكن ققلت انك جار لنا لا تفارقنا فقال :" اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب وصدق في قوله اني ارى ما لا ترون وكذب في قوله اني اخاف الله"
لقد القى في نفوسهم ان لا غالب لكم اليوم من الناس واوحى اليهم انهم هم الاقوياء وخدعهم بكثرتهم وقام يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا... ومع ذلك كله خسروا المعركة وذلك لان وحيهم كان من وحي الباطل.
من وحي الباطل
ان من سنن الله ان قيض لهذا الحق اعداء وليس عدوا واحدا اعداء من صنفين مختلفين من الخلق من الانس والجن وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن
والشيطان كلمة تطلق على كل من استشرى شره وقام يدعو للشر سواء كان من الجن او الانس والكثير لا يعرف هذه الحقيقة فهو يحترس من شياطين الجن ولا يحترس من شياطين الانس وكيف يستطيع تمييزه وهو انسان مثله يشرب كما يشرب وياكل كما ياكل وينام كما ينام ولهما نفس الاعضاء.
من هنا تكمن الخطورة في خطة عدو الله لقد رسم الخطة ووحد الهدف فجميع الشياطين هدفهم واحد وغايتهم واحدة سواء كانوا من الجن او الانس وهي قيادة الانس والجن الى جهنم او بمعنى اوضح انارة طريق الهلاك لمتبعيهم ويمتازون بصفات كثيرة تؤهلهم لتحقيق هدفهم منها ايحاء بعضهم لبعض زخرف القول يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا"(71/39)
يمد بعضهم بعضا بوسائل الخداع والغواية وفي الوقت ذاته يغوي بعضهم بعضا وهي ظاهرة ملحوظة في كل تجمع للشر في حرب الحق واهله... ان الشياطين يتعاونون فيما بينهم ويعين بعضهم بعضا على الضلال ايضا انهم لا يهدون بعضهم بعضا الى الحق ابدا ولكن يزين بعضهم لبعض عداء الحق وحربه والمضي في المعركة معه طويلا
فكانه تواص بينهم على الضلال وكانما يضل بعضهم بعضا ويلقون ببعضهم بالنار ولا يشعرون... واني لاكاد ارى هذا المنظر ماثلا امام عيني في كل مجلس باطل به شياطين الانس .
انه يراكم
لقد أكسب الله ابليس صفة الرؤية لبني آدم من غير ان يروه وهي بلا شك صفة خطيرة حيث ان صاحب هذه الصفة يملك ان يراقب الآخرين ويرصد حركاتهم وهم لا يرونه فبهذا يكون متحكما فيهم اشد تحكما يرفع سلاحه ويسدد بأناة ثم يضرب خصمه ويقتله بسهولة ويسر فلو كان يراه لهب يدافع عن نفسه ولكن أنى له ذلك وهو لا يراه.
وتبقى هذه الصفة خطيرة على بني آدم الا من استعصم بقوة اقوى من مالك هذه الصفة فانه من دون شك سيعصمه من ابليس وقبيله بل يقذف في قلبه الاحساس برؤية ابليس ليأخذ حذره منه " انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم انا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون".
ولا يقدر عدو الله ان يرقب ويقتل الا اولئك المبذرين بالباطل المسرفين فيه أما أولئك الذين ألبسوا أنفسهم ثياب الحق وعاهدوا الله على أن لا ينزعوها فأولئك في حمى الله ذلك لأنهم حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون.
المبذرون(71/40)
لربما يتبادر الى اذهان البعض لأول وهلة عند سماعهم لكلمة التبذير انها تعني" كل مادة تنفق فوق الحد المعقول" ولكن يبقى هذا التصور عائما متقطعا غير متماسك مالم يحدد بحدود ويضبط بضوابط فليس كل مادة تنفق فوق الحد المعقول تعتبر من التبذير اما الانفاق نوعان: انفاق للحق وانفاق للباطل . وبهذا الصدد قال مجاهد:" لو انفق انسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ولو انفق مدا في غير حق كان مبذرا".
ولنرجع الى الرعيل الاول قليلا فنرى اعلم الناس بكتاب الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال:
" لقد علم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اني اعلمهم بكتاب الله ولو اعلم ان احدا اعلم مني لرحلت اليه
وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزلت الآية " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا " الى آخر الآية "
قيل لي انت منهم" هذا الصحابي الجليل هو عبد الله بن مسعود الذي عندما عرف التبذير جاء تعريفه شاملا دقيقا عندما قال فيه انه " ما انفق بغير حق" بلي كل شيء انفق بغير حق من مال ووقت وكلام فهو من التبذير وهذه صفة من صفات الشيطان وزمرته انهم ينفقون دون ملل ولكنها نفقات باطلة فمنهم من يتلذذ بهذا العطاء الباطل فتراه يحدث الناس بالباطل حتى يسرف فيه ويرمي اصحاب الحق بما ليس فيهم حتى انه يكون سببا في تجنب الكثير من الالتحاق بعصبة الحق خوفا مما حيك حولهم . وكيف يعيش هؤلاء وقد اصبحوا اخوة للشيطان
" ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا" ترى ما النهاية التي تنتظر ذلك الانسان الذي يحمل بين يديه برميلا من الزيت لا يريد ان يلقيه وهو يعلم ان الطريق الذي يسير فيه موصل الى نار؟؟؟(71/41)
نعم يكون اخا للشيطان كل من انفق من ماله ووقته وكلامه بغير الحق وهو من اخطر الامراض التي تصيب الدعاة فنرى بعضهم ينفقون اوقاتا كثيرة ساعات تلو الساعات على الموائد يناقشون بها مواضيع تبدو في ظاهرها انها حق وما هي الا ضرب من اللغو الذي لا يبنى عليه عمل كأن يتناقشوا في الفتنة التي حدثت بين الصحابة او في تأويل بعض الآيات والاحاديث اكثر مما تحتمل او في خلافات فقهية حول احكام لم تقع او في التنقيب عن اخطاء بعض المفكرين الاسلاميين لا من اجل دراسة الاخطاء والابتعاد عنها ولكن للتجريح فقط والتشهير.
ذلك ما انتبه اليه الشيخ حسن البنا وعلم ان من بين صفوف الدعاة من يتخذ ذلك النوع من الكلام هواية له فقال:" وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا ومن ذلك كثرة التفريعات للاحكام التي لم تقع والخوض في معاني الآيات الكريمة التي لم يصل اليها العلم بعد والكلام في المفاضلة بين الاصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحه.
وصنف آخر ينفق ذلك الوقت بتناول مواضيع لا خير فيها ولا نفع.
وعلى هذا يتبين ان التبذير ينقسم الى ثلاثة اقسام.
اولا - تبذير المال:
قال الله تعالى:" ولا تبذر تبذيرا"
" قال الشافعي رضي الله عنه: والتبذير انفاق المال في غير حقه ولا تبذير في عمل الخير وهذا قول الجمهور.
وقال اشهب عن مالك: التبذير هو اخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه وهو الاسراف وهو حرام لقوله تعالى: " ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين"
وقوله اخوان يعني انهم في حكمهم اذ المبذر ساع في افساد كالشياطين او انهم يفعلون ما تسول لهم انفسهم او انهم يقرنون لهم غدا في النار"
ثانيا - تبذير الصحة:
وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم :(71/42)
" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"فنجد كثيرا من الناس اعطاه الله الصحة الكاملة وابعد عنه الاسقام ولكنه ينفق هذه الصحة التي اعطاها الله اليه في معصية خالقه كأن يستخدم رجليه في الخطو الى اماكن المعصية ويديه في مسك ورفع ما حرم الله والبطش بالناس وعينه في النظر الى ما حرم الله واذا مرض تندم وقام يتمنى ان لو عمل صالحا في صحته.
ثالثا - تبذير الوقت:
وذلك واضح ايضا في الحديث السابق ذكره - فان هذا المرض لم يقتصر على العامة فقط ولكنه تسرب الى مجتمع الدعاة انفسهم. يقول الامام ابن الجوزي:
قد يكون الانسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فاذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك ان الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون لان الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم.
الفصل الرابع
أعماله
1- الطعن.
2- الخمر والميسر والانصاب والازلام
3- بول الشيطان
4- ضحك الشيطان
5- الادبار
6- اتباع الغاوين
7- السرقة
8- الانتشار في بداية الليل
الطعن
والطعن هو اول عمل يقوم به ابليس للانسان عند اول خروج له الى هذه الدنيا اعلاما منه لبداية المعركة مع هذا المولود الجديد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه باصبعيه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب يقول القرطبي:" هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط فحفظ الله مريم وابنها منه ببركة دعوة امها حيث قالت:" اني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم"(71/43)
وكل مولود يولد على الفطرة وانما الذي يهوده او ينصره او يمجسه هما ابواه ومما لا شك فيه بان الهداية بيد الله ولكن الوالدين هما سببان كبيران لسلوك الطفل فان حلى لهما طعن الشيطان باعاه له بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا من الزاهدين ". واما ان عز عليهما ذلك الطعن فانهما يقولان كما قالت امرأة عمران عندما وضعت مريم" اني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم".
فينشأ ذلك الطفل بين ابوين صالحين متحررا من كل طعن من عدوه القديم مهما كان شكله صغيرا كان ام كبيرا.
الخمر والميسر والانصاب والازلام
والخمر احد معانيه في اللغة" يدل على الستر ومنه خمار المرأة لأنه يستر رأسها وسميت الخمر خمرا لأنها تستر العقل وتغطيه" فاذا ما ذهب عقل الانسان اصبح كالطين في يد الشيطان يشكله كيف شاء.
والميسر هو القمار وأحد اشتقاقاته" من اليسر لأن فيه أخذ المال بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب" وهذا من اكبر الدواعي لايقاع الغضب والعداوة بين المقامرين...
والأنصاب هي الأوثان من الحجارة كانت تجمع في الموضع من الارض فكان المشركون يقربون لها القرابين قال ابن جريج النصب ليست بأصنام الصنم يصور وينقش وهذه حجارة تنصب فكانوا اذا ذبحوا نضحوا الدم على ما اقبل من البيت وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة".
أما الأزلام فقد كان " أهل الجاهلية كان أحدهم اذا اراد سفرا او غزوا او نحو ذلك أجال القداح وهي الأزلام وكانت قداحا مكتوبا على بعضها ( نهاني ربي ) وعلى بعضها( امرني ربي ) فان خرج القدح الذي هو مكتوب عليه امرني ربي مضى لما اراد من سفر او غزو او تزويج وغير ذلك وان خرج الذي عليه مكتوب نهاني ربي كف عن المضي لذلك وأمسك"
وكل هذه الاعمال كما قال الله تعالى هي من اعمال الشيطان" انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون(71/44)
" ويكفي ان يعلم المؤمن ان شيئا من عمل الشيطان لينفر منه حسه وتشمئز منه نفسه ويجفل منه كيانه ويبعد عنه من خوف ويقيه " يبعد عنه لا يماري ولا يجادل عندما يعلمه خالقه ان ذلك من عمل الشيطان تماما كما قال عمر رضي الله عنه عندما قرأت عليه الآية انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون فقال:
انتهينا انتهينا وهكذا يجب ان يكون كل داعية الى الله ينتهي ويبتعد عن كل عمل من اعمال الشيطان بمجرد سماعه للنهي.
وعندما يصل المؤمن لهذه السفوح يرفض ان يدخل الى اذنه غير الحق فيصيح مناديا اذنه:
ويا أذني ان دعاك الهوى فاياك اياك ان تسمعي
فهو ليس كهذا الذي ملأ الشيطان اذنه بالباطل فاصبح لا يسمع الحق.
بول الشيطان
" ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا نام ليله حتى اصبح قال : ذاك رجل بال الشيطان في اذنيه او قال في اذنه"
قيل ان بول الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل فحجب سمعه عن الذكر وقيل هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة وقيل. وقيل معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول اذ من عادة المستخف بالشيء ان يبول عليه"
والنوم نعمة انعمها الله على عبده لكي يستعين بها على أداء الطاعات لا ليستعين بها على معصيته فيجعل الليل معاشا والنهار لباسا...
يا مطولا بالقيام مستلذا بالمنام
قم فقد فاتك يا مغبون ارباح الكرام
وخلوا دونك بالمولى وفازوا بالمرام
وكذا تسبقك القوم الى دار السلام
ومن المؤلم ان نرى بعض الدعاة يسهرون الليل للعمل للدعوة وينامون بسبب ذلك متأخرين فلا يستيقظون لصلاة الفجر من اثر التعب وكان اولى بهم ان يقدموا الفرض على النافلة ويعلموا ان احب شيء الى الله أداء الفرائض وانه لا تقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة.
ضحك الشيطان(71/45)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التثاؤب من الشيطان فاذا تثاءب احدكم فليرده ما استطاع فان احدكم اذا قال ها ضحك الشيطان "ان المؤمن يرفض ان تكون له اي صلة مع الشيطان فيكون من البديهي ان يرفض ان يضحك عليه في كل امر حتى من التثاؤب.
ولئن نظرنا الى الجانب الآخر من الحديث نرى ان الامر لا يقتصر على شعور المؤمن ان الشيطان يضحك عليه
اذا ما تثاءب فحسب بل يحتمل شعورا آخر وهو ان الشيطان يسخر منه عند كل انحراف عن طريق الدعوة وبذلك يظل متحفزا من ان يقع له خطأ او انحراف ناظرا الى طريقه بدقة كي لا يحيد فيكون أضحوكة لذلك العدو.
الادبار
والباطل دائما في ادبار عن الحق منذ آدم عليه السلام الى الآن يكره احدهما الآخر لا يتهادنان ما دام الحق حقا
والباطل باطلا والحق دائما اصبر من الباطل يسمعه بكل ثقة ويرد عليه رد الموقن انه على حق اما الباطل فلا يملك هذه القوة ودائما يفضل الا يسمع الحق لانه يعلم يقينا انه اضعف من ان يصمد امام الحق وذلك متمثل في زعيم الباطل واتباعه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اذا نودي بالصلاة ادبر الشيطان وله ضراط فاذا قضى اقبل فاذا ثوب بها ادبر". واما اتباعه فهل هناك اكثر من ان يجعلون اصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم ويفرون كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة فهل هناك اكثر من ذلك.
كل هذا الادبار لئلا يسمعوا الحق وهناك فئة من الناس يهيء الله لهم كل اسباب الهداية ويؤتيهم الحق ويأبون الا الانسلاخ عن الحق والادبار عنه وما ان ينسلخ من الحق حتى يتبعه الشيطان في كل مكان حتى يجعله من الغاوين.
اتباع الغاوين(71/46)
هذا الانسان الذي اعطاه الله الحق واضحا كاملا ولكنه اعطى للحق قفاه وفي كل لحظة من لحظات عمر هذا الانسان يبين الله له الحق ليهتدي به ولكنه يأبى الا اتباع الشيطان" واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين". يبين له الحق في نفسه وفي الاخرين وفي الكائنات الحية وفي الكون ومع هذا الحشد من الحقائق التي تمر على هذا الانسان يابى الا الانسلاخ عن الحق واتباع الشيطان وبعضهم يتأثر عند سماعه للحق لدقائق او ايام او شهور ولكنه لا يلبث حتى يعود من حيث اتى كأن الحق ملابس تحك جسده العاري فينزعها ويرميها بعيدا ويلبس ثياب الباطل ليتعرف عليه زعيمه ابليس كي يستقبله بعد ذلك الانسلاخ حالا دون انتظار" فاتبعه" وضمه الى معسكر الضلال واكتسب هذا المعسكر عضوا جديدا بل وفودا جديدا لجهنم
وسار هذا العدو يستقبل الألوف من المنسلخين عن الحق- ويا لحسرة على هذا الانسان ويا لها من نهاية - الضلال بعد معرفة الحق وكأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يندمج مع تلك الايات شارحا لها حين يقول
" فوالذي لا اله غيره ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها"
السرقة
ومن أعماله السرقة قالت عائشة رضي الله عنها :
" سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة فقال:" هو اختلاس يختلس الشيطان من صلاة احدكم".
الانتشار في بداية الليل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اذا استجنح الليل او كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فان الشياطين تنتشر حينئذ فاذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم".
الفصل الخامس
مداخله
1- الأمر بالسوء
2- نسيان الاستحواذ
3- النزعات
4- التخويف بالفقر
5- فلا تخافوهم
6- الأماني الكاذبة
7- الاستهواء
8- الايحاء بالمجادلة
9- تحريم ما أحل الله
10- عرس اليأس
11- الاستفزاز
12- المشاركة
13- تفكيك الاسرة
14- الغضب(71/47)
15- الانهماك بالمزاح
16- النجوى
17- ظن السوء
18- الغيبة
19- تصيد العيوب
20- تزيين الشيطان الأصغر
21- تزيين الشيطان الأكبر
22- الوسوسة
23- وذلك أضعف الايمان
مداخله
ومداخل الشيطان كثيرة ومتعددة وبها يطبق خطته التي رسمها من قبل.
وهو يستخدم كل مدخل على حسب نوعية الانسان ومستواه الايماني وكذلك هو الحال بالنسبة للناس فعلى قدر قربهم من الله او بعدهم عنه يدركون تلك المداخل وذلك لأن الله هو الذي يعين الانسان لاكتشاف تلك المداخل فعندما يقرب العبد من الله تتضح له جليا تلك المداخل ويعينه الله على التغلب عليها اما عندما يبتعد عن الله فان الله يطمس على قلبه فلا يرى تلك المداخل ولا يشعر بها بل يحسب ان كل ما يقوم به عمل صالح
" واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون"والواقع يكذب ما يدعون " الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"
وهذا الفصل من أهم الفصول وهو لب البحث ومحوره.
فمن غير معرفة مداخل ابليس يصعب على الانسان مزاولة هذه الحرب التي عقدت بينه وبين عدوه ابليس ويصبح من العسير التحفز لخططه التي يريد بها اغواء البشر وتزيين الباطل لهم ليقعوا فيه...
الأمر بالسوء
ان أعمال الشيطان كلها ومداخله تندرج تحت الامر بالسوء لأنه لا يعرف الا الأمر بالسوء فأخبر عنه تعالى:
" انما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ". لأن الأمر بالسوء هو الضمان الوحيد لتحقيق غاياته فمنطق الجاهلية يقول ان الغاية تبرر الوسيلة وقد يخدع البعض ويلبس بعض أوامره ثوب الحق ولكنه أبدا لا يريد الا السوء فلقد اخذ اذنا من الله وعهودا على نفسه بأن يؤذي بني آدم اشد الايذاء ويحاربهم بكل وسيلة ويقتحم دورهم في كل مكان ويستولي ويستنزل من بني آدم حظا معلوما فقال :(71/48)
" لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ".يحيد بذلك النصيب المفروض عن الطريق السوي طريق الاستقلال من قيود الشهوة التي تخضع الانسان وتجعله ساجدا عابدا لها من دون الله ويأمرهم بالقيام بأعمال سخيفة كقطع آذان الأنعام حتى يصبح ركوبها وأكلها حراما دون أن يحرمها الله ويأمرهم بتغير خلق الله بقطع أجزاء من الجسم أو تشويهها ولئن كانت هذه الأوامر في عهد الجاهلية فان أوامره بهذا العهد ازدادت وتنوعت في أعياد مفتعلة وعادات غريبة وسياسة حمقاء وأكبر سوء يأمرهم به هو التحاكم الى الطاغوت وترك التحاكم الى الحق.
الحكم بالباطل هو التمسك بكل شيء من وضع البشر.
وأحكام سخيفة هشة وترك ما وضع الله لهذا الانسان من الحق .
" يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا".
علينا أن لا نتوقع أن عدو الله ابليس سوف يرفع راية الاستسلام انه عدو لا يمل الحرب ان حربه دائمة فاما ان ينتصر واما أن يهزم امام ايمان المؤمن.
انه عدو ذو غاية.وصاحب الغاية لا يفتر ابدا حتى يحققهاوالشيطان لا يأمر الا اولئك الذين استولى عليهم فأنساهم ذكر الله. أما أصحاب الحق فانه ينسيهم أحيانا ذكر الله ولكنه لا يستطيع أمرهم بشيء وحتى اذا ما أمرهم لا يلبون وذلك لأنهم يعودون الى الله بسرعة
" والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم".
نسيان الاستحواذ
يقول الامام ابن القيم :"خلق ابن آدم من الأرض وروحه في ملكوت السماء وقرن بينهما فاذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه بالحزم وجدت روحه خفة وراحة فتاقت الى الموضع الذي خلقت منه واشتاقت الى عالمها العلوي واذا أشبعه ونعمه ونومه واشتغل بخدمته وراحته أخلد البدن الى الموضع الذي خلق منه فانجذبت الروح معه فصارت في السجن فلولا أنها ألفت السجن لأستغاثت من(71/49)
ألم مفارقتها وانقطاعها من عالمها الذي خلقت منه كما يستغيث المعذب".
ومتى تظهر عتامة الطين الذي خلق منه الانسان ؟
ومتى ترى الانسان ذا البشرة البيضاء كأنها سوداء ؟
ومتى ترى الابتسامة كأنها عبوس والضحك كأنه بكاء ؟
ترى ذلك كله عندما الشيطان ينسى هذا الانسان العنصر الآخر الذي خلق منه " نفخة من روح الله".
" استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله".
ينسيه خالقه الذي صوره وأحسن تصويره ويسعى عدو الله سعيا حثيثا لتبخير كل ما علق فيه من ذرات من ذكر الله حتى يحيله الى طينة يابسة لا حياة فيها وذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر الله مثل الحي والميت ".
وكما قيل :فنسيان ذكر الله موت قلوبهم وأجسامهم قبل القبور قبور.
يحيله الى أعمى لا يرى طريقه يتخبط خبط عشواء لا يدري أين يسير ولا الى أين يسير كما قال تعالى:
" ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى".
فهو كما كان أعمى عن الحق في الدنيا كذلك يجعله الله أعمى في الآخرة.
ويستخدم عدو الله وسائل كثيرة لتحقيق هذا المدخل منها ما ذكر بالقرآن الكريم كالخمر والميسر قال الله تعالى:
" انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة".
وأحيانا يستخدم المال والأبناء قال تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون".
وحتى نتقي هذه النزغات وغيرها يجدر بنا معرفتها وكيف تتم. وهذه أمثلة من هذه النزغات.
النزغات
النزغ من أهم وأخطر الفقرات في الخطة الشيطانية ذلك لأنه يخفى على الكثير وتترتب عليه نتائج خطيرة على الدعوة والدعاة. ويستخدم الشيطان لتحقيق هذا المدخل وسيلتين وهما اللسان والأفعال.(71/50)
أما اللسان فهو أهمهما فيه تتكون وتتجمع تلك النزغات في النفوس لذا قال الله تعالى:
" وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان السيطان ينزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا".
وهو من أخطر المناطق في جسم الانسان وبسببه يسعد السعداء بالجنة ويشقى الأشقياء بالنار " سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده عن النار فأخبره صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال الا أخبركم بملاك ذلك كله؟
قال بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه ثم قال كف عليك هذا فقال وانا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم او على مناخرهم الا حصائد السنتهم". ان تطهير اللسان من الآفات والتثبت قبل القول ووزن الكلام قبل التكلم به امر ذو شأن اذ به تضمن الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم:
" من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة"وكان ابن مسعود يقول ما على وجه الارض شيء احوج الى طول سجن من لسان.
والامثلة على ان تكون هذه النزغات في النفوس بسبب اللسان كثيرة منها ما ينزغ في نفس احدهم عند سماعه لعالم دين فيقول له :" أظهر له انك اعلم منه" فيدفعه ذلك لمناقشته اظهارا لعلمه الذي يعلم او تصيد أخطائه ليخبره بها امام الناس ويظهر لهم انه عالم وربما يتكون بسبب ذلك الجدل العقيم ان ينفر كثير من الناس من الاسلام وهذه احدى نتائج ضلال الامة كما قال صلى الله عليه وسلم:" ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أتوا الجدل"...
ومنها ما ينزغ في بعض النفوس عندما يكشف لهم البعض عن عيوبهم وينصحونهم بتركها فيقول له:
" مثلك لا ينصح وكيف تتقبل هذه النصيحة وانت اعلم من الناصح" او يقول له:" كيف تتقبل هذه النصيحة من الذي اصغر منك سنا" فيجعله يخاصم الناصح ولا يكلمه او يجعله يكره ان يراه او يمشي معه...(71/51)
قال ابن عقيل:" كان ابو اسحاق الخزاز صالحا وهو اول من لقنني كتاب الله وكان من عادته الامساك عن الكلام في شهر رمضان فكان يخاطب بآي القرآن فيما يعرض له من الحوائج فيقول باذنه"ادخلوا عليهم الباب"
ويقول لابنه في عشية الصوم" من بقلها وقثائها" آمرا له ان يشتري البقل فقلت له هذا الذي تعتقده عبادة هو معصية فصعب عليه فقلت: ان هذا القرآن العزيز أنزل في بيان أحكام شرعية فلا يستعمل في أغراض دنيوية فهجرني ولم يصغ الى الحجة"...
ومن نزغاته على بعض الناس انه" اذا دعي الى طعام قال: اليوم الخميس ولو قال أنا صائم كانت محنة" وانما قوله اليوم الخميس معناه اني أصوم كل خميس ومن هؤلاء من يرى الناس بعين الاحتقار لكونه صائم وهم مفطرون.
وما نزغ في نفوس البعض" من قوامي الليل فتحدثوا بذلك بالنهار فربما قال احدهم:فلان المؤذن أذن بوقت ليعلم الناس انه كان منتبها فأقل ما في هذا ان سلم من الرياء أن ينقل من ديوان العلانية فيقل الثواب"
ومنها ما ينزغ في نفوس بعض الدعاة من الانتصار للنفس اذا ما واجهوا بعض الشتائم والكلام القبيح من الجهال كما حدث ذلك لعمر بن عبد العزيز لولا أنه تذكر أنه في حالة غضب فخشي ان ينتصر لنفسه فقال للرجل:
" لولا أني غضبان لعاقبتك"(71/52)
وصنف آخر من الدعاة ينزغ في أنفسهم العجب بالنفس بما يقومون به من واجبات الدعوة فانه " اذا انكر جلس في مجمع يصف ما فعله ويتباهى به ويسب اصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم ولعل القوم قد تابوا وربما كانوا خيرا منه لندمهم وكبره ويندرج بحديثه كشف عورات المسلمين. والستر على المسلم واجب مهما امكن فأما العالم اذا انكر فانت منه على امان وقد كان السلف يتلطفون بالانكار وراى صلة بن أشيم رجلا يكلم امرأة فقال ان الله يراكما سترنا الله واياكما. وكان يمر بقوم يلعبون فيقولك:" يا اخواني ما تقولون فيمن اراد سفرا فنام طول الليل ولعب طول النهار متى يقطع سفره فانتبه رجل منهم فقال يا قوم انما يعنينا هذا فتاب وصحبه.
ومنها ما يلقي في نفوس بعض الناس من الكبر فاذا سئل احدهم سؤالا لا يعرف له اجابة نزغ في قلبه الشيطان قائلا:" سيقول عنك انك جاهل لا تعلم اذا لم تجبه" فيجعله يفتي من هوى نفسه فيضل ويضل." وقال عبد الله ابن المبارك: حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن ابي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أراه قال في المسجد - فما كان منه محدث الا ود ان اخاه كفاه الحديث ولا مفت الا ود ان اخاه كفاه الفتيا وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال : قال ابن عباس : ان كل من افتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون - وقال سحنون بن سعيد:
أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه".
ومنها ما ينزغ في قلوب البعض عندما يسمع من أخيه كلمة أراد بها مزاحا أو قصدا حسنا يلقي في نفسه" ان فلانا قصد بهذه الكلمة كذا وكذا" مما يجعله يظن الظنون السيئة بأخيه ويؤول الكلام بأكثر مما يحتمل فيحقد على أخيه ويغتابه في نفسه وربما كان ذلك داعيا الى هجره...(71/53)
ومنها ما ينزغ في نفوس بعض " من يتكلم في دقائق الزهد ومحبة الحق سبحانه فلبسن عليه ابليس انك من جملة الموصوفين بذلك لأنك لم تقدر على الوصف حتى عرفت ما تصف وسلكت الطريق"...
أما الأفعال التي تسبب النزغات فهي أيضا كثيرة لا حصر لها منها ما يلقي في بعض النفوس من العجب بالنفس عندما يلبسون الجديد...
ومنها ما ينزغ في نفوس البعض عندما يتعلم مهنة معينة أو لعبة رياضية فما تتهيأ فرصة الا ونزغ الشيطان في نفسه أن "أرهم أنك عليم بذلك".
ذلك الأمر الذي يحرم صاحبه من الأجر فليس له مما قام فيه سوى التعب. وكما جاء في الحديث الصحيح القدسي يقول الله تعالى:" أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".
ومنها ما ينزغ في نفوس بعض الدعاة أنه اذا رأى فعلا منكرا من صاحبه قال له:" لا تنصحه فلربما يغضب من ذلك فتفقد بذلك صحبته" فيمنعه بذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن نزغاته عللى البعض اذا هم بنصيحة عالم لرؤيته فعلا منكرا منه يقول له:" أتنصح من هو أعلم منك بأمور الدين أتنصح عالما فيمنعه من نصيحته وبهذا تعم البلوى.
ومنها أنه اذا كان المسلم في جمع من الناس ورأى فقيرا وهم أن يعطيه نزغ في نفسه" أترائي أمام الناس أتعطي ليقال عنك محسن" فيمنعه من الانفاق.
ومنها ما نزغ في نفوس بعض الدعاة بأن العبوس من الجد فلا تجد الابتسامة على وجوههم الا ما نذر الأمر الذي يؤدي الى نفور كثير من العامة من دعوة الحق بسبب ذلك العبوس الذي يظنونه جزءا من الدين.
وتتجمع هذه النزغات وكثيرا غيرها على الداعية لترديه قتيلا- كأنها سهام تصوبها الشياطين على أجساد الدعاة لتشل من حركتهم ولتجعلها غير خالصة لله سبحانه ومن ثم لا تقبل.
التخويف بالفقر(71/54)
وكما أن هذه الدعوة تحتاج الى التضحية بالنفس لكي تنتشر كذلك فهي محتاجة الى التضحية بالمال سواء بسواء ولذلك كانت البيعة التي عقدها الله مع المؤمنين متكونة من هذين العنصرين النفس والمال الذين بهما يتم انتشار دعوة الحق وانتصارها والفوز بالجنة فاذا نقض
أحد العنصرين من البيعة كانت بيعة ناقصة.
ويأتي عدو الله هنا ليفسد هذه البيعة فيلقي بالنفس الخوف من الفقر" الشيطان يعدكم الفقر". وذلك عندما يهم المسلم بالانفاق في سبيل الله أو اذا طلب منه ذلك يوهمه بأن ذلك سينقص من ماله وانه محتاج لذلك المال ويعرض له الأدلة من القرآن" لا يكلف الله نفسا الا وسعها" الى آخر هذه الهمزات التي تجعله يعدل عن الانفاق في سبيل الله وبذلك يفسد بيعته مع الله.
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاء المنفقين في سبيل الله والذين لا يخافون الفقر فقال:
" من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه ( الجحش أو المهر فطما ) حتى تكون مثل الجبل هكذا تشربت هذه المعاني في قلوب الرعيل الأول وهكذا فهموا الاسلام حتى ينفق أحدهم كل ماله في سبيل الله عندما طلب منه المال ويسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أبقيت لأهلك يقول أبقيت لهم الله ورسوله هؤلاء الذين صدقوا البيعة فنالوا من الله ما نالوا تقف أمامهم مداخل الشيطان وألاعيبه كأنها هباءة بل لا تساوي هباءة أمام ايمانهم الشامخ.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم دائما كيف يحافظون على البيعة التي عقدوها مع الله فما أن يرى أي اعوجاج في أحد العنصرين الا عدله فيهم ولقد دخل عليه الصلاة والسلام على بلال وعنده صبر من تمر
( الطعام المجمع مثل الكومة ) فقال:" ماهذا يا بلال؟ قال:أعد ذلك لأضيافك قال: أما تخشى أن يكون لك دخان من نار جهنم أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش اقلالا(71/55)
نعم أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش اقلالا- أنفق يا داعية الاسلام في كل مكان ولا تخش الفقر ولا تخش من ذي العرش اقلالا.
فلا تخافوهم
ويوما بعد يوم يزداد الباطل وتكثر عدته وتزداد أعداده ويبدو مرعبا ذلك الازدياد وهذه التطورات بتصنيع الاسلحة المدمرة والأجهزة الاعلامية الضخمة التي يملكها الباطل.
ولربما تسرب شيء من الخوف الى نفس المؤمن من ذلك الباطل الضخم ولكن الله يرد تلك المخاوف بقوله:" انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين ".
فالمؤمن متيقن أن ذلك التضخم الذي حدث للباطل انما هو أورام ذات غشاء رقيق مليئة بالميكروبات الخبيثة جاءت غازية لذلك الجسم السليم فكلما زاد حجم هذه الأورام كلما دنا أجل انفقاعها ويخرج ذلك القيح النتن بعد الانفقاع ويعود الجسم الى حالته السليمة.
فلا يخاف الا من الله ولا تروعه أعمال الباطل الكثيرة ما دام متمسكا بالحق في عصبة الحق ويراها دائما ط كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء".
أما هو فليس من هؤلاء الظمآى الذين يرون السراب كأنه ماء وذلك بتسليمهم للمخاوف التي يلقيها الشيطان في نفوسهم فينغرس الوهن فيهم - فلا يخافهم أحد.
أما المؤمن فيرى تضخمهم أوراما وأعمالهم سرابا ولئن حاول عدو الله تخويفه بأوليائه من الباطل تذكر قول الله تعالى:" انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين".
الأماني الكاذبة
يعد الشيطان أولياءه بأنه لا جنة ولا نار أو يهون النار على قلوبهم فلا يخافونها ولا يقدرونها حق قدرها فيجترئون على المعاصي ويمنيهم النجاة من عاقبة أعمالهم ويزرع في قلوبهم أن اعملوا ما شئتم من المعاصي فان لكم ربا غفورا وينسون أنه شديد العقاب.
كما أنه يمني بعض الدعاة بملاذ الدنيا من الأولاد والتجارة وطلب الرياسة فيتركون الدعوة ويستسلمون لهذه الأماني التي تجذبهم الى الأرض فينسون السماء(71/56)
ونستلذ الأماني وهي مردية كشارب السم ممزوجا مع العسل.
" يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا".
الاستهواء
عندما يلتزم الداعية بالحق ويعتز به ليصدع في وجه الباطل عندها لا يخشى في الله لومة لائم وحينئذ يخاف أصحاب الباطل من أن يفضحهم لذلك يجتمعون عليه لكي لا تذهب عروشهم وهذا مما يدعوهم لأن يعرضوا عليه مفاتن الدنيا من " مال ونساء ومنصب" هدفهم أن يصرفوه عن الحق الذي استمسك به أو يقرهم على باطلهم فيصبح كل داعية مخلص في أوجههم.
"أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل ان هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين ".
أتأمروننا أن نرجع الى الوراء بعد أن صعدنا المرتفع -بعد أن شممنا الهواء النقي الخالي من التلوث ونكون كالذي استهوته الشياطين ؟
هذا الاستهزاء هو مدخل من مداخل عدو الله ابليس ويتم بصورة جماعية - الشياطين تتجمع على ابن آدم لتسلبه
عقله وهواه اذا ما ذاق قليلا أو كثيرا من طعن الايمان والعيش مع عصبة الحق ثم اشتاق الى الضلال ثانية ورجع اليه بسبب ذلك الاستهواء.
هذا النسان لم تتركه عصبة الحق فما زالت تدعوه الى الحق" ائتنا" وما زالت الشياطين تدعوه الى الباطل الأمر الذي يجعله حيران بين الدعوتين من يلبي أو تجعله كاكسيح لا يستطيع حراكا لا الى هنا ولا الى هناك هذه الحيرة تلزم القلب فتجعله في عذاب نفسي شديد وهي اخطر مرحلة يمر بها الانسان حيث ان بعدها يتحدد مساره الذي يسلك فاما مع الحق واما مع الباطل ولقد مررت بشيء من هذه المعاناة وهذه الحيرة ولم استقر ولم تبتعد تلك الذبذبات التي اخترقت قلبي عني حتى اخترت الحق لي منهجا في الحياة...
الايحاء بالمجادلة(71/57)
جاء رجل الى ابن عباس فقال: يا ابن عباس زعم ابو اسحاق انه اوحي اليه الليلة فقال ابن عباس: صدقت فنفرت وقلت يقول ابن عباس صدق؟ فقال ابن عباس:
هما وحيان وحي الله ووحي الشيطان فوحي الله الى محمد صلى الله عليه وسلم ووحي الشيطان الى اوليائه ثم قرأ
" وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم"وانهم يوحون اليهم ذلك ليجادلوا اصحاب الحق في الحق الذي معهم وليشككوا فيه لكي يتزعزع ايمان المؤمن بعقيدته
وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان "اطعتموهم انكم لمشركون"...
والجدل يبغضه الاسلام الا في حالات الدعوة وتكون ايضا مقيدة بشرط وهو الالتزام بالادب الاسلامي وعدم الخروج منه حيث قال الله تعالى:
" وجادلهم بالتي هي احسن" اما ما عدا ذلك فهو مبغوض في الاسلام لانه غالبا ما تكون عاقبته سيئة.
كما انه ليس من صفات الداعية المخلص الحرسص على كل لحظة ولفظة في حياته ان لا تضيع هباء دون فائدة تجنى.
وكان جدالهم لاصحاب الحق في الجاهلية القديمة في اكل الميتة والشرك وان الملائكة بنات الله وان كلام الله سحر.
اما الجاهلية الحديثة فجدالهم لاصحاب الحق في عدم تناسب احكام القرآن مع هذا التقدم الحضاري وعن القسوة في الحدود الاسلامية الى ما شابه ذلك من تفاهات ولئن استسلم بعض الدعاة الى تلك الحجج الواهية وايدهم واطاعهم فصل من كتيبة الدعاة وخرج من حصن الاسلام" وان اطعتموهم انكم لمشركون"
وجدل من نوع آخر يكون في صفوف الدعاة وصفة عدو الله ليفكك رباطهم ويزرع الكراهية بينهم ليتلهوا به ويتركوا الهدف وذلك ما يبغي عدو الله.
وهي زلات يقع بها الدعاة فان الامام الاوزاعي قد احصاها فوجدها خمس زلات قبيحات تزيد الخير قبحا فقال " دع من الجدال ما يفتن القلب وينبت الضغينة ويخفي القلب ويرق الورع في المنطق والفعل".(71/58)
وهذا اثقال واضح واضح لكفة الشمال في ميزان المتجادل ينبي عن خسارة والعياذ بالله خسارة يصعب معها الرجاء اذا اقترنت بلجاجة واعجاب اذ تتم حينذاك كما رآها التابعي بلال بن سعد فقال:" اذا رايت الرجل لجوجا متماديا معجبا برايه فقد تمت خسارته" وقول خبير ليس بكاذب ولا مبالغ" فلا عجب اذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا".
تحريم ما أحل الله
ولقد لبس ابليس على أهل الجاهلية بتحريم ما أحل الله من الأنعام بسبب خرافات غرسها في قلوبهم توارثوها عن آبائهم " كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام"
وعندما جاء الاسلام بتعاليمه السمحة والقوم حديثو عهد بالجاهلية كان ليس غريبا ان يفهم البعض بعض التعاليم فهما خاطئا فحرم فئة على انفسهم بعض ما احل الله ظنا التعاليم فهما خاطئا فحرم فئة على انفسهم بعض ما احل الله ظنا ان ذلك قربة الى الله وكان القائد الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع هذه التصورات الغريبة عن روح الاسلام فكان يسد ذلك المدخل الشيطاني ويعدل الاعوجاج ففي الصحيحين عنه بلغة ان رجالا قال احدهم اما انا فأصوم ولا افطر وقال الاخر اما انا فأقوم لا انام وقال الاخر اما انا فلا اتزوج النساء وقال الاخر اما انا فلا آكل اللحم - فقال صلى الله عليه وسلم .
" لكنني اصوم وافطر واقوم وانام واتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقد قال الله تعالى:" كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين".(71/59)
هذا المدخل وقع فيه كثير من الشباب الصالح الذي خفي عليه هدى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو خير الهدى" وكان خلقه في الاكل انه ياكل ما تيسر اذا اشتهاه ولا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا فكان ان حضر خبز ولحم اكله وان حضر فاكهة وخبز ولحم اكله وان حضر تمر وحده او خبز وحده اكله وان حضر حلو او عسل طعمه ايضا وكان احب الشراب اليه الحلو البارد وكان ياكل القثاء بالرطب فلم يكن اذا حضر لونان من الطعام يقول: لا آكل لونين ولا يمتنع عن طعام لما فيه من اللذة والحلاوة".
واما مجرد تعذيب النفس والبدن من غير منفعة راجحة فليس هذا مشروعا لنا بل امرنا الله بما ينفعنا ونهانا عما يضرنا وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " انما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"
وقال لمعاذ وابي موسى لما بعثهما الى اليمن
" يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا"
وقال" هذا الين يسر ولن يشاد الدين احد الا غلبه فاستعينوا بالغدوة واروحة وشىء من الدبلجة والقصد القصد تبلغوا"
اما تحريم ما احل الله بعذر مجاهدة النفس فهذا ليس من الحنيفية السمحة بشيء وهو اقرب الى الرهبانية ولا رهبانية في الاسلام وهو مدخل من مداخل الشيطان فليحذره جمهور الدعاة.
غرس اليأس
قال علي بن طلحة عن ابن عباس قال:
" نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين سار الى بدر والمشركون بينهم وبين الماء رملة وعصة واصاب المسلمين ضعف شديد والقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمون انكم اولياء الله تعالى وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وانتم تصلون مجنبين؟ فأمطر الله عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا واذهب عنهم رجز الشيطان"
يقول لهم:" وانتم تصلون مجنبين"(71/60)
ومتى كان العدو ناصحا؟ انما هو ذلك التخطيط الشيطاني لغرس ذلك اليأس في قلوب عصبة الحق ومن الطبيعي انه يدخل اليهم من ذلك المدخل الايماني لكي يسهل عليه غرس اليأس والا اكتشفوه " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام"
وكل هزيمة لا بد وأن يسبقها هزيمة نفسية في قلوب المقاتلين عندئذ لا يكون للاسلاح قيمة ولولاها لأصبح النصر متعذرا لكلا الجانبين - هذا وقد حاول الشيطان أن يلقي في قلوب أهل بدر قبل لقائهم بعدوهم...
وقد يلقي في نفوس بعض الدعاة - كيف تنتصرون والجاهلية تملك ما تملك وأصحاب الحق قليلون وقد مرت سنون ولم يحدث تغيير وكلما خرجتم من السجون عدتم اليها - الى متى هذه الغربة.
هذا اليأس من النصر يدعو ذلك الداعية للتهور والتصرف الفردي مما يضع الدعوة في موضع بالغ الخطورة - ذلك لأن الدعوة كأنها السفينة التي تكلم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسير في محيطات الجاهلية العميقة وعليها عصبة الحق فان أخطأ أحدهم وأراد أن يثقب ثقبا في أسفل السفينة ليحصل على الماء بسرعة ليوفر عليه وقت الصعود الى الأعلى وجلب الماء كما يظن غرق وغرقوا جميعا هذه الكارثة كلها تكون بسبب ذلك التصرف الفردي من أحد أفراد الدعوة الذي وضع ابليس اليأس في قلبه.
" ان بعض النفوس تستلذ اليأس وتعشق الظلام ولكن الأمل من حولها واسع والنور غامر. ولذلك وجبت هذه الرتبة الخفيفة على كتف المطرق المطأطىء الملتفت تنبهه الى سكينة قريبة منه لو تناوش وهالة جميلة فوقه لو رفع رأسه ونظر وهل هناك أسطع من هالة شمس هذه الدعوة التي هو فيها وأنصع بياضا وأشد لألأة ؟".
ولا بد أن توجد مثل هذه النوعيات التي تستلذ اليأس وتستسلم لنداء الشيطان في كل دعوة...(71/61)
ولقد كان الامام البنا عليما بالدعوة فقيها بالنفوس ولا يفوت من يملك هذا الفقه ان في الجماعة فئة معرضة لهذا المدخل الشيطاني الخطير لذلك نادى هذه الفئة: لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد ولا زال في الوقت متسع ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد والضعيف لا يظل ضعيفا طول حياته والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين:
" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض".
ان اليأس سلاح صغير من الأسلحة التي يستخدمها عدو الله في حربه مع الحق وانه لا يقارن بتلك الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها الشيطان في معركة الاستفزاز والجلب.
الاستفزاز
معركة هائلة الغبار متطاير الرؤية تكاد ان تكون معدومة وأصوات الشياطين في كل مكان تنادي للباطل وتدعو اليه...
أصوات كثيرة لا حصر لها من تشكيك في القرآن وأفكار مستوردة ضالة وآراء شاذة ودعوات للأباحية وأغان هابطة.
نعيق مزعج ينادي في كل مكان على هذا الكوكب
" القضاء القضاء على الحق"" واستفزز من استطعت منهم بصوتك".
وخيول في كل مكان من أرض المعركة - خيول الباطل -تملأ الساحة تقدح الأرض بسنابكها وتعدو وتضج في صهيل عال للقضاء على الحق.
خيول مختلفة الأشكال والألوان من كتب وأفلام وخمور وميسر ومجلات وصحف ورجال باعوا أنفسهم للباطل والدعوة اليه رافعين أسلحتهم واضعين أصابعهم على الأزندة موجهينها للحق يريدون القضاء عليه
" واجلب عليهم بخيلك ورجلك"
هذه هي معركة الحق والباطل على مدار الزمان و(71/62)
" هو تجسيم لوسائل الغواية والاحاطة والاستيلاء على القلوب والمشاعر والعقول فهي المعركة الصاخبة تستخدم فيها الأصوات والخيل والرجال على طريقة المعارك والمبارزات يرسل فيها الصوت فيزعج الخصوم ويخرجهم من مراكزهم الحصينة أو يستدرجهم للفخ المنصوب والمكيدة المدبرة فاذا استدرجوا الى العراء أخذتهم الخيل وأحاطت بهم الرجال ".
ولقد أثرت قنابل هذه المعركة فشوهت وجوها وأنارت وجوها وأماتت نفوسا وأحيت نفوسا ومن آثار هذا التشويه مشاركة الباطل في الأموال والأولاد.
المشاركة
وفي هذا المدخل يأمر الشيطان الناس بالانفاق في معصية الخالق فكل ما ينفق على الميسر والخمر والبغي والكتب الضالة أو اعانة العدو للقضاء على المسلمين والربا والغش وغيره يعتبر مشاركة للشيطان في الأموال.
ويسعى عدو الله للمشاركة بالأولاد بأن يجعلهم يسمون أولادهم بما لا يرضي الله كعبد العزى وعبد اللات بالماضي والآن عبد الحسن وعبد الحسين وعبد علي وعبد محمد الى آخر هذه الأسماء أو يجعلهم يدخلون أبناءهم بغير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو قتله أو وأده وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لو أن أحدهم اذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فانه أن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان ابدا".
أما المؤمن فيرفض ابتداء أن يشارك الشيطان في كل شيء فهو يعلن المفاصلة في كل صلاة عندما يطلب من الله أن لا يجعله من المغضوب عليهم ولا الضالين ويعلنها قبل أن يأوي الى فراشه في صلاة الوتر عندما يقرأ سورة الكافرون ذلك لأنهم لا تصلهم سهام ابليس وهم في حصون الله المنيعة...
" وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا...ان عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا".(71/63)
والمشاركة هي بداية ثم يعقبها الاستيلاء الكامل على الأموال والأولاد فتكون الأموال كلها في سبيل الطاغوت والأولاد يتحولون الى شياطين الانس ومن ثم يستخدم هؤلاء الشياطين في تفكيك الأسرة التي هي لبنات المجتمع وأكثر ما يسعى الى تفكيك الأسر الصالحة لأنها تعمل ضده في تلك المعركة الخالدة.
تفكيك الأسرة
ولقد علم يوسف عليه السلام في نهاية المطاف هذا المدخل عندما " رفع أبويه على العرش وخروا له سجدا".قال مخاطبا أباه:" هذا تأويل رؤياي من قبل قذ جعلها ربي حقا وقد أحسن بي اذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم".
هذا هو شأنه دائما تفكيك كل شيء يتجمع لأن بالجمع قوة وبالانفراد ضعف فهو يحب أن يقود الناس الى الهاوية - فأكثر ما يهمه هو تفكيك الأسرة - هذا هو الذي يهدده ويهدد باطله وخاصة اذا صلح - قال صلى الله عليه وسلم:" ان ابليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت"
واذا تحطمت هذه الخلايا الطيبة تحطم المجتمع وتفكك وهذا ما نراه في هذا الزمان - لقد فككت معظم الأسر - الأمر الذي سبب هذا التفكك في المجتمع كله - ذلك بأنه يثير الفتنة بين وحداتها فينفخ الكبرياء في بعضهم ليجعله يتعالى ويتجبر على الآخرين - وهل يصمت الآخر على هذا التصرف الشاذ ؟ وينفخ نفخة الحسد في قلب أحدهم فيشتعل نارا ملتهبة في وجه أخيه لا يحبه ويتمنى له كل شر - وعندما يشعر الآخر بهذا التصرف الشاذ هل يصمت ؟ انه يهمز وينفخ وينفث بين أفراد الأسرة الواحدة لكي يذيب تلك المادة التي تلصقهم ببعض.(71/64)
والداعية الصادق هو الذي يشعر بهذه اللعبة الخطيرة والمدخل الخبيث ومن ثم فهو يعالجه معالجة ناجحة تنبع من الايمان - لا يتبع رغبة نفسه بحب الانتقام للنفس اذا صادف معاملة شاذة أو تصرفا غريبا من أحد أفراد الجماعة الصالحة انما يعامله دائما معاملة المؤمن الواعي ليبين مدى خطورة حركة ابليس التي تهدف الى تحطيم الخلايا ثم المجتمع كله - ولا يغضب ابدا الا الله وهكذا فعل يوسف عليه السلام لم ينتقم ولم يغضب والله هو الذي سير الأمور كما يحب ويرضى...
الغضب
دخل موسى عليه السلام المدينة فوجد رجلان يقتتلان أحدهما من بني اسرائيل والآخر قبطي فاستغاثه الذي هو من قومه وهو الاسرائيلي على عدوه.
وهنا تدخل عدو الله ليلقي الغضب في نفس موسى فما أن دعاه صاحبه واستنصره حتى هوى بقبضة يديه على القبطي فصرعه - ولم تكن فترة تفكير أو تأني من موسى
انما ضرب عدوهما بمجرد استغاثة صاحبه به
" فاستغاثه الذي هو من شيعته على الذي من عدوه فوكزه".
وبعد أن رأى موسى القبطي قتيلا أدرك أن ذلك من عمل الشيطان فقال:" هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين".
اذا فالغضب نوعان: غضب الله وهذا من ثمرات الايمان اذ أن الذي لا يغضب لله اذا انتهكت محارمه يكون ايمانه ضعيفا...
والغضب الآخر: الغضب لغير الله كأن يكون للنفس أو الجنس أو الوطن أو العشيرة الخوهذا النوع الثاني من الغضب هو الذي يسببه عدو الله وهو مدخل من مداخله اذ به تحدث الجرائم وتتفكك الأسر ويضعف الايمان وتضعف رابطة الأخوة بالله فهو شر تنبع منه شرور كثيرة لذلك لم يكن غريبا عندما قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم:" أوصني قال:" لا تغضب"
فردد مرارا قال لا تغضب" وهو الرسول الذي أوتي مجامع الكلم يردد كلمة لا تغضب ثلاث مرات دلالة على حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبين الحجم الضخم لهذا المدخل الشيطاني...(71/65)
وليس الغضب مقياسا للقوة كما يزينه الشيطان للبعض فيغضب ليرى الناس أنه شديد ذو بأس. انما الشدة تقاس بمقدار ما تملك النفس عند الغضب كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال:" ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
ولقد ربى الامام الشافعي نفسه على هذه المعاني خير تربية ورجل بمنزلته يتعرض للنقد والمجادلة والشتائم من الذين لم يتربوا تربية الاسلام والذين طغت عليهم أهواؤهم ولكنه يستقبل حماقة هؤلاء بصدر رحب صدر الداعية المربي مطبقا قاعدة قائده الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الاحراق طيبا
والغضب ليس مقياسا لاكتساب احترام الناس كما يزينه الشيطان للبعض والداعية الصادق لا يقابل سفاهة السفهاء بكلام بذىء وغضب سافر انما يقابلهم بالحلم الذي قابلهم به الشافعي لأنهم مرضى وهو الطبيب النفسي وليس من آداب الطب الغضب من تصرفات المرضى وشتائمهم بسبب الأمراض المزمنة التي سكنت في قلوبهم...
وقد يدخل عدو الله من مدخل آخر فيخلط الغضب لله بالغضب للنفس وهنا على الداعية أن يقف ويسأل نفسه وليكن صريحا معها - أهذا الغضب لله أم للنفس؟
والمثال على ذلك... اذا نصحك أحد الناس نصيحة ووجدت في هذه النصيحة غلظة عليك أن تكون حليما ولو كان أقل منك علما أو سنا.
وهنا يطرح السؤال نفسه بعد الانفعالات التي داخلتك وبعد الوساوس التي طرحها عدو الله في قلبك وأشعل النار تحت الأثافي ليزيدك حرارة ويشعلك غضبا... هل سترضى بالنصيحة وتبتسم ابتسامة القبول وتقول له جزاك الله خيرا أم ستثور لنفسك ويخدعك الشيطان قائلا لك " علمه كيف ينصح" وأنت بذلك تبغي الانتصار للنفس - فان كان الآخر فاستغفر لذنبك وان أصررت الا الانتصار للنفس فاعلم أن الشيطان قد انتصر عليك هذه المرة فانهض من عثرتك ولا تكن من الذين يرضون بالهزيمة.(71/66)
وبما أن الغضب أحد العوامل التي تفكك الجماعة المسلمة وذلك ما يداخل نفوس الغاضبين من حب الهجر والقطيعة وحفاظا على وحدة الأسلوب يستخدم ابليس مدخلا آخر مختلف اللون ولكنه يؤدي الى نتيجة واحدة الا وهو:
الانهماك بالمزاح:
ولعل المزاح من أكبر الوسائل التي يستخدمها ابليس في التفريق بين الأحبة لتفكيك الصفوف.
والمزاح على ضربين: مزاح محمود ومزاح مذموم
فالمزاح المحمود ما كان" لا أذى فيه ولا ضرر ولا قذف ولا غيبة ولا شيء في عرض أو دين ولا استخفاف بأحد منهم"
ومن أمثلة هذا المزاح ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاء يطلبه أن يحمله على حمولة فقال له:
أنا حاملك على ولد ناقة. فقال: يا رسول الله وما أصنع بولد ناقة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الابل الا النوق"...
ويكون المزاح مذموما اذا تحقق فيه أحد شرطين الانهماك والفحش فيه.
أما الانهماك فيه فانه " يسقط الحشمة ويقلل الهيبة والفحش فيه يورث الضغينة ويحرك الحقود الكمينة لأنه يجر حينئذ الى ترك التحرز والاحتياط من الهجر".
أكرم جليسك لا تمازح بالأذى
ان المزاح ترى به الأضغان
كم من مزاح جذ حبل قرينه
فتجذمت من أجله الأقران
وأي شيء يريد ابليس اكثر من غرس الضغينة في القلوب وتفكيك العلاقات الوثيقة وخاصة تلك التي قامت على منهج الحق على الحب في الله...
ولئن كان الداعية من النوع الحذر الذي يعرف حق المعرفة ما يؤول اليه الانهماك بالمزاح فان ابليس يدخل له من مداخل اخرى عله يزل باحدها ومن هذه المداخل اغراؤه بالنجوى.
النجوى:
النجوى نوعان: نوع يكون بين اثنين دون ثالث ونوع يكون بين جزء من الجماعة دون الجماعة او دون القيادة
الأول: ما أشار اليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال:" اذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فان ذلك يحزنه"
والنوع الثاني: ذكره القرآن الكريم(71/67)
" ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اين
ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم".
وقوله:" يا أيها الذين آمنوا اذا تناجيتم فلا تناجوا بالأثم والعدوان ومعصية الرسول".
والهدف الرئيسي من كلا النوعين هو احزان المؤمنين كما قال تعالى:" انما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا الا باذن الله".
وهو مدخل له خطورته على الجماعة الاسلامية ولقد اختاره عدو الله بخبث ليفكك الجماعة الاسلامية يقول صاحب الظلال معلقا حول النوع الثاني من النجوى
" ويبدو ان بعض المسلمين ممن لم تنطبع نفوسهم بعد بحاسة التنظيم الاسلامي كانوا يتجمعون عندما تخرب الامور ليتناجوا فيما بينهم ويتشاوروا بعيدا عن قيادتهم - الامر الذي لا تقره طبيعة الجماعة الاسلامية وروح التنظيم الاسلامي التي تقتضي عرض كل رأي وفكرة وكل اقتراح على القيادة ابتداء وعدم التجمعات الجانبية في الجماعة. كما يبدو ان بعض هذه التجمعات كان يدور فيها ما قد يؤدي الى البلبلة وما يؤذي الجماعة المسلمة ولو لم يكن قصد الايذاء قائما في نفوس المتناجين - ولكن مجرد اثارتهم للمسائل الجارية وابداء الآراء فيها على غير علم ما قد يؤدي الى الايذاء والى عدم الطاعة.
ان رؤية المسلمين للوسوسة والهمس والانعزال بالحديث تبث في قلوبهم الحزن والتوجس وتخلق جوا من عدم الثقة وان الشيطان يغري المتناجين ليحزنوا نفوس اخوانهم ويدخلوا اليها الوساوس والهموم.
ويطمئن المؤمنين بأن الشيطان لن يبلغ فيهم ما يريد فاما حيث تكون هناك مصلحة في كتمان سر او ستر عورة في شأن عام او خاص فلا مانع من التشاور في سر وتكتم وهذا عادة بين القادة المسؤلين عن الجماعة".
وهذا ما عناه القرآن "وتناجوا بالبر والتقوى"(71/68)
والذي يدعو هؤلاء الى النجوى هو ظن السوء بمن يتناجون حوله وعلى ذلك فان الشيطان يستزلهم فيوقعهم في مرض قلب كريه الا وهو ظن السوء بالمسلمين.
ظن السوء:
ومن المسلمين من يتلذذ بسوء الظن بأخيه فيتهمه بما ليس فيه اتباعا لما يلقي الشيطان في قلبه ولا يتبين ولا يتثبت وانما يطلق الحبل على غاربه للشيطان يلعب به كيفما يشاء...
وهذا المرض من اخطر الامراض في الجماعة المسلمة اذا تفشى نشأت عنه الاحقاد والنفاق والكراهية بين صفوف الجماعة الواحدة ولذلك شدد القرآن الكريم على ازالة هذا المرض الفتاك فقال تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم".
وثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولا تحسوا ولا تجسوا وتناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا".
" فالظن هنا وفي الآية هو التهمة ومحل التحذير والنهي انما هو تهمة لا سبب لها يوجبها كمن يتهم بالفاحشة او يشرب الخمر مثلا ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى:" ولا تجسسوا"
وذلك انه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد ان يتجسس ليعرف خبر ذلك ويبحث عنه ويتبصر ويستمع لتخفيف ما وقع له من تلك التهمة. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك"
وان شئت قلت: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها - ان كل ما لم تعرف له امارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب.
وذلك اذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح وأونست منه الأمانة في الظاهر فظن الفساد به والخيانة محرم بخلاف من اشتهر عند الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث.
ولقد أنكر الحسن البصري على قوم أباحوا الظن في زمانه فقال:" كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام وانت اليوم في زمن أعمل واسكت وظن في الناس ما شئت".(71/69)
والظن حالتان:" حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات والحالة الثانية ان يقع في النفس شيء من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده فهذا هو الشك فلا يجوز الحكم به وهو المنهي عنه على ما قررنا آنفا".
وخير الدعاة الى الله ان يتركوا الظنون السيئة كلها ويشتغلوا بما يعود عليهم بالخير في دينهم ودنياهم وآخرتهم والا يضيعوا أي دقيقة هباء لئلا يندموا عليها يوم الحساب عندما تعرض الأعمال" فلا يتركوا نفوسهم نهبا لكل ما يهجس فيها حول الآخرين من ظنون وشبهات وشكوك. وتعليل هذا الامر" ان بعض الظن اثم" وما دام النهي منصبا على اكثر الظن والقاعدة ان بعض الظن اثم فان ايحاء هذا التعبير للضمير هو اجتناب الظن السيء اصلا لانه لا يدري اي ظنونه تكون اثما بهذا يظهر القرآن الضمير من داخله لئلا يتلوث بالظن السيء فيقع في الاثم بل يدعه نقيا بريئا من الهواجس والشكوك أبيض يكن لاخوانه المودة التي لا يخدشها ظن السوء والبراءة التي لا تلوثها الريب والشكوك والطمأنينة التي لا يعكرها القلق والتوقع. وما أروع الحياة في مجتمع بريء من الظنون".
ومن التزم طريق الظن وأبى أن يزكي نفسه عنه فان ذلك يوصله حتما الى طريق أظلم منه فيه مستنقعات اتخذتها الحشرات مسكنا فأبى الا أن يخوض فيها ويدنس قدميه - ذلك هو طريق الغيبة.
الغيبة
ويدور الشيطان حول الانسان لينفث من وساوسه في قلبه ويوهمه انه لا شيء في اخذ الغيبة ما دام ذلك لازالة المنكر ورد العاصي الى الصواب ولو كان الامر كذلك لهان كل شيء ولكنه لا يلتزم بهذا الشرط مبدأ يرتكز عليه عند اخذه للغيبة - فتراه يغتاب كل من يخالفه في رأي او فكرة وكأنه يأكل من لحمه وهو ميت كما قال الله تعالى:
" ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه".(71/70)
ولقد قالت عائشة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم" حسبك من صفية كذا وكذا - تعني قصيرة - فقال:
" لقد قلت كلمة لو مزجت بها البحر لمزجته"
الله أكبر كلمة واحدة مزجت البحر فما بال ذلك الصنف من الدعاة الذين يغتابون مخالفيهم بالراي وبالفروع بكلمات وليست بكلمة واحدة ويا ليتها بمستوى قصيرة"
قال الحسن:" الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى:
الغيبة والافك والبهتان. فأما الغيبة فهو ان تقول في اخيك ما هو فيه واما الافك فان تقول ما بلغك عنه. واما البهتان فان تقول فيه ما ليس فيه"
ولقد عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعريفا تجعله قاعدة لنا تخلصنا من التاويلات الملتوية - فال صلى الله عليه وسلم:
" أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله اعلم قال:
ذكرك اخاك بما يكره قيل أفرأيت ان كان في اخي ما اقول؟
قال : ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" ولقد فسر الامام النووي" ذكرك اخاك بما يكره تفسيرا مفصلا قال سواء ذكرته بلفظك او في كتابك او رمزت او اشرت اليه بعينك او يدك او راسك وضابطه كل ما افهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرمة".
ونوع آخر من الغيبة لا يشعر به الكثير سماه الامام النووي" غيبة المتفقهين والمتعبدين" قال:" فانهم يعرضون بالغيبة تعريضا يفهم به كما يفهم بالصريح فيقال لأحدهم :كيف حال فلان؟ فيقول الله يصلحنا الله يغفر لنا الله يصلحه نسأل الله العافية نحمد الله الذي لم يبتلينا بالدخول على الظلمة نعوذ بالله من الشر الله يعافينا من قلة الحياء الله يتوب علينا وما اشبه ذلك مما يفهم منه تنقصة فكل ذلك غيبة محرمة وكل هذا معلوم من مقتضى الحديث عن صحيح مسلم وغيره في حد الغيبة والله اعلم"...
ولسنا بصدد آكلي اللحوم الميتة فحسب ولكن بصدد اولئك الذين يشاركونهم بالاكل ونقصد بذلك السماعين للغيبة.(71/71)
فلا ينبغي لمن يسمع غيبة مسلم ان يشجع المغتاب بسماعه منه واظهار التجاوب معه بل عليه ان ينصحه بالاقلاع عن هذه الخصلة واستبدال ذلك بمجالس الساعات الايمانية...
وحرصا من الرسول صلى الله عليه وسلم على تكوين الأخوة بأسمى معانيها لم يغفل ذلك الجانب فقال:
" من رد عن عرض اخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" وقال:" من رد عن عرض اخيه كان له حجابا من النار"... افلا تحب ان ترد عن وجهك النار يوم القيامة ويكون لك حجابا من النار؟؟
وتنشأ عن هذه الظلمات ظلمة اخرى مساوية لها بالظلمة حتى انه يصعب التمييز بينهما لشدة التشابه تلك هي ظلمة تصيد اخطاء الآخرين...
تصيد العيوب
وهي احدى مداخل ابليس يوهمه ان ذلك من النهي عن المنكر فيولع به حتى تكون له هواية فما ان يرى عيبا في شخص ما حتى يذيعه ويشهر به بين الناس يترصد كلماته ويتلقف سقطاته كأن كل همه هو البحث عن عيوب الناس - قال الامام ابن الجوزي:
" ومن تلبيس ابليس على المنكر انه اذا انكر جلس في مجمع يصف ما فعل ويتباهى به ويسب اصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم ولعل القوم قد تابوا وربما
كانوا خيرا منه لندمهم وكبره ويندرج في ضمن حديثه كشف عورات المسلمين لانه يعلم من لا يعلم والستر على المسلم واجب مهما امكن"وان لم ير عيبا من خلال كلامه معهم فانه يذهب يتصفح الكتب ويمسك قلما يخط به خطوطا تحت العبارات التي يظنها خطأ أخطاء يظنها وهي ليست بأخطاء عند غيره ليس ذلك بسبب علمه وجهلهم انما ذلك بسبب سوء ظنه وحسن ظن الاخرين تجده يؤول كل كلمة يسمعها او يقرؤها تاويلا سيئا.(71/72)
وهذه فئة ليست حديثة انما هي قديمة قدم الزمان فلقد حذر الصحابي الجليل ابو هريرة رضي الله عنه هذه الفئة في عهده من هذا المدخل الشيطاني وسدد السهم في الهدف عندما ذكر لهم سبب هذا المرض وهو الغفلة عن عيوب النفس فقال:" يبصر احدكم القذاة في عين اخيه وينسى الجذع او الجذل في عينيه"... وادركها الامام الحافظ ابن حبان وجعل هذه الصفة تنافي صفات العاقل وجعل تركها من واجباته فقال:" الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس مع الاشتغال باصلاح عيوب نفسه فان من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره اراح بدنه ولم يتعب فلبه فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من اخيه وان من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمى قلبه وتعب بدنه وتعذر عليه ترك عيوب نفسه وان من اعجز الناس من عاب الناس بما فيهم واعجز منه من عابهم بما فيه من عاب الناس عابوه"... وكان للشعراء نصيب كبير في هذه الحملة لاقتلاع هذا الداء من نفوس الدعاة الى الله فقال قائلهم :
اذا انت عبت الناس عابوا واكثروا
عليك وابدوا منك ما كان يستر
وقد قال في بعض الاقاويل قائل
له منطق فيه كلام محير
اذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبهم
فلا عيب الا دون ما منك يذكر
فان عبت قوما بالذي ليس فيهم
فذلك عند الله والناس اكبر
متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم
عيوبا ولكن الذي فيك اكثر
فسالهم بالكف عنهم فانهم
بعيبك من عينيك اهدى وابصر
ولا يعني هذا ان يركن الداعية الى الله لا ينكر على الفاسقين واصحاب الغفلة منكراتهم انما هناك فرق واضح بين انكار المنكر ودرجاته الثلاثة باليد او باللسان او بالقلب وبين هواية تصيد العيوب التي ذكرناها...(71/73)
فمتى سعى الداعية الى تنقية نفسه من العجب بالنفس واحتقار اصحاب المعاصي والتشهير بهم وغفلته عن عيوب نفسه وسوء الظن بكلام الاخرين كان هو الداعية الذي اراده الله ويكون عمله كله مباركا موفقا باذن الله اما ان تلكأ في تنقية نفسه من هذه العيوب فليعلم انه من هذه الزمرة.
تزيين الشيطان الاصغر:
وتزيين الشيء اي تغيير الشيء من صورته الحقيقية الى صورة اخرى باضافة بعض الاشياء الى الصورة الحقيقية فتزيين الشيطان للباطل يتم باضافة الشهوات ليبدو الباطل بصورة جميلة غير صورته الحقيقية وذلك ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"
فكانه قال: لا يوصل الى الجنة الا رارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا الى النار الا بتعاطي الشهوات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم "
والشهوات هنا هي الزينة التي يستخدمها ابليس ليصطاد بها بني آدم ليهتكوا ذلك الحجاب فيقعون في النار.
وتزيين الشيطان الاصغر هو الذي يطبقه على فرد او مجموعة في اماكن وازمنة مختلفة ويزيد هذا التزيين وينقص من فرد لاخر ومن مجموعة لاخرى واكثر من زين عليه الشيطان سوء عمله من الافراد كما يذكر القران الكريم هو فرعون اذ لم يجرؤ مخلوق قبله ان يقول:" انا ربكم الاعلى"
وكذلك السامري الذي صنع لبني اسرائيل من حليهم عجلا له خوار يعبدونه من دون الله.
وابو جهل الذي عاش يحارب الاسلام ونبيه حتى اخر قطرة من دمه...
وماركس مؤسس الشيوعية المبدأ القائم على انكار وجود الله الذي ما يزال ينتشر وباؤه في اقطار العالم اجمع
ولينين وهتلر وكمال اتاتورك وغيرهم كثير.
والعلة في هذا المدخل هي ان الشيطان يري هذه الجماعة او هذا الفرد ان عمله هو الصحيح واعمال الاخرين خاطئة او ان يريه ان رايه هو الصواب وآراء الاخرين غير صائبة مما يجعله يعمل بالذي يراه صحيحا فيقع في الخطأ...(71/74)
كأن يرى ماركس ان فكرة الدين فكرة خاطئة ذلك لانه يخدر الشعوب ويمنعها من التقدم فينفي وجود الله.
" ولقد تدفع الحماسة اصحاب الدعوات بعد الرسل والرغبة الملحة في انتشار الدعوات وانتصارها الى استمالة بعض الاشخاص او بعض العناصر بالغضاء في اول الامر عن شيء من مقتضيات الدعوة يحسبونه هم ليس اصيلا فيها ومجاراتهم في بعض امرهم كي لا ينفروا من الدعوة ويخاصموها ولقد تدفعهم كذلك الى اتخاذ وسائل واساليب لا تستقيم مع موازين الدعوة الدقيقة ولا مع منهج الدعوة المستقيم وذلك حرصا على سرعة انتصار الدعوة وانتشارها واجتهادا في تحقيق
" مصلحة الدعوة"
تزيين الشيطان الاكبر:
وهو ما يتم لامة كاملة.
ومن سنة الله في خلقه ان يفتنهم بالخوف والبلايا والشدائد والامراض والاوجاع والجوع لكي يرجعوا اليه عند رؤيتهم ذلك ويستغفروه على ما كانوا يفعلون ولكن نادرا ما يتعظ الخلق بذلك والسبب قوة القلب
" فهي كالحجارة او اشد قسوة"
ويزين الشيطان اعمالهم فيروها حسنة ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون "
تالله لقد ارسلنا الى امم من قبلكم وزين الشيطان اعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب اليم"... امم كاملة تصد عن الحق وتجري لقطف تلك الزهور الجميلة المتفتحة العطرة ولا تدري بان تحت الزهور اشواكا امم كاملة لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر - امم كاملة زين لهم الشيطان حب انفسهم والاعتزاز لجنسهم واحتقار الاجناس الاخرى. وما النتيجة من هذا التزيين وغيره؟
امراض نفسية معقدة لم ير الانسان مثلها من قبل:
ضياع كامل وقلق وحيرة والهرج الذي حدث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يزداد يوما بعد يوم حروب متواصلة بين امم تجمعهم شريعة الله ولغة القرآن والعادات والتاريخ وفقر ملصق بالتراب وغيرها كثير مما لا يحصى عدده .(71/75)
وعدو الله يدفعهم دائما لتبرير ما يحدث وتعليل هذه المسائل لأسباب سياسية او اقتصادية او علمية او غيرها
انه دائما يلبس قلوبهم اقنعة سوداء لتحجبها عن الرؤية فتحليلاتهم دائما تكون نتيجة رؤية اعينهم وليست رؤية قلوبهم لانها ما زالت مقنعة...
هذه الامم التي زين لها الشيطان لا تحب ان يماط اللثام عن وجه الحقيقة والواقع الذي هم فيه فهي تعتقد ان هذا هو الصواب وغيره باطل فلا تريد احدا ان يكشف خطأ ذلك الاعتقاد .
واحد الدلائل على ذلك عندما سافر سيد قطب الى امريكا وراى الضياع والحيرة والقلق المنتشر بين الشعب الامريكي كتب كتابا كشف فيه عن الواقع الذي يعيشه الشعب الامريكي سماه " امريكا التي رايت" وكان قد اختفى ذلك الكتاب ولم يطبع بعد ذلك وما زالت الاشارات الحمراء تضيء للبشرية محذرة مما هم مقدمون عليه " لعلهم يتضرعون" ولكم أبوا الا قسوة القلوب واتباع ذلك التزيين...
الوسوسة
( وسوس ) في اللغة تعطي معنى التكرار كما هو الحال في ( كبكب ) اي الاستمرار بالكب وهكذا...
وعدو الله منذ ان اعلن اعلانه الاول امام الله باعتزامه اضلال هذه البشرية لم يلق سلاحه ولم يمل طول الحرب مما يدل على ان الباطل لم يقف ابدا وهو سريع كسرعة النار اذا اضرمت بالهشيم. اما اذا صمت اصحاب الحق واستكانوا كانت سرعة الباطل اكثر واذا ذكروا الله واعدوا العدة لمواجهة عدوهم فان الحق ينهمر كالشلال من قمم الجبال على نار الباطل فيطفئها باذن الله ولا يتم ذلك الا بذكر الله في كل وقت وعلى كل حال كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله تعالى خنس واذا غفل وسوس"(71/76)
وبما ان ابليس مستمر بالوسوسة ونشر الضلال بين بني آدم فعلى أصحاب الحق ان يستمروا بنشر الحق ولا يستكينوا ولا يفتروا " وفي أثر عن بعض السلف ان المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي الرجل بعيره بالسفر لانه كلما اعترضه صب عليه سياط الذكر والتوجه بالاستغفار والطاعة فشيطانه معه في عذاب شديد ليس بمنزلة شيطان الفاجر الذي هو معه في راحة ودعة ولهذا يكون قويا عاتيا شديدا"
وهذا الذل الذي تعيشه الدول الاسلامية وخاصة العربية منها وهذه الاراضي المغتصبة في كل مكان كله بسبب نسيان ذكر الله واستعانتهم بتشريعات العبيد الوضعية فلم يزدادوا الا ذلا فوق ذل وهوانا فوق هوان ولقد ازدادوا عددا ولكنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" غثاء كغثاء السيل" ولن يغير الله ما هم عليه من الذل والهوان في اعين الناس حتى يذكروا الله فيغيروا انفسهم ذلك لان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم"
والذكر لا يتم باللسان فقط انما يتممه الذكر بالقلب فهاتان الصورتان من الذكر هما المحرك الذي يدفع اصحاب الحق للعمل في سبيل الله والحركة في سبيله ونسيانهم لها تدفعهم الى السكون فمسيرة الباطل لا توقفها ادعية المصلين ودموعهم ولا صيام النوافل ولا يحبط عزائمهم قراءة المجلدات ومناظرة الفقهاء فحسب.
ولكن الذي يزلزلهم ويرعبهم ويحبط عزائمهم هو العمل الدائم المستمر في سبيل الله او قل الجهاد لتغيير هذا الواقع الجاهلي الى الواقع الذي امر الله به ان يكون وذلك مصداقا لقول الله تعالى للمؤمنين بارشادهم على التجارة التي تنجيهم من عذاب اليم .
" يأيها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون"(71/77)
فهي المعارك المستمرة لمقاتلة الشيطان وحزبه - هذا ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعيل الاول ولقد اطلق براقه الاول مصعب بن عمير ليتحرك امام تحرك الباطل فيحصد ما زرعه الباطل ليغرس مكانه بذور الحق وجاء من بعده الصحابة رضوان الله عليهم يطبقون ما علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم " ومما يروي لنا التابعي الكوفي الفقيه النبيل عامر الشعبي ان رجالا خرجوا من الكوفة ونزلوا قريبا يتعبدون فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاتاهم ففرحوا بمجيئه اليهم فقال لهم ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا احببنا ان نخرج من غمار الناس نتعبد فقال عبد الله لو ان الناس فعلوا ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما انا ببارح حتى ترجعوا"
وجاء من بعده امير الحديث عبد الله بن المبارك ليرسل الى اشهر العباد والزهاد في تاريخ الاسلام الفضيل ابياتا يصفه فيها" بأنه عابد لاعب بعبادته" ويبعث له من طرطوس بعد معركة من معاركه قبل ان ينفض غبار المعركة عنه قائلا له فيها.
يا عابد الحرمين لو ابصرتنا *** لعلمت انك بالعبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه *** فنحورنا بدمائنا تنخضب
او كان يتعب خيله في باطل *** فخيولنا يوم الكريهة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا *** رهج السنابك والغبار الاطيب
ولقد اتانا عن مقال نبينا *** قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في *** انف امرىء ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا *** ليس الشهيد بميت لا يكذب
وهل لنا ان نقول لمتزهد اليوم الا كما قال ابن المبارك
يا عابد لو ابصرت دعاة الاسلام يصاولون دعاة الكفر والضلال الحزبي لعلمت انك بالعبادة تلعب"(71/78)
فبالمجاهدة والحركة تعلو الاقدار ولقد اجاد الامام ابن الجوزي عندما بين ذلك بمحاورة بين الزيت والماء حين قال:" اذا صب في القنديل ماء ثم صب عليه زيت صعد الزيت فوق الماء فيقول الماء: انا ربيت شجرتك فاين الادب؟ لم ترتفع علي؟ فيقول الزيت: انت في رضراض الانهار تجري على طريق السلامة وانا صبرت على العصر وطحن الرحا وبالصبر يرتفع القدر فيقول الماء:
الا اني انا الاصل.فيقول الزيت استر عيبك فانك لو قارنت المصباح انطفأ.
فبالمجاهدة وحدها ترتفع الاقدار وعندما تحدث هذه الحركة الايمانية بالاتجاه المعاكس لحركة الباطل تحدث النتيجة الطبيعية وهي الخنوس أي الإحتجاب أو الرجوع إلى الوراء أو الإختفاء أمام مد الحق الجارف ((من شر الوسواس الخناس)).
و يتدرج إبليس في وساوسه مع ابن آدم في ست مراتب ذكرها الإمام ابن القيم وهي:
المرتبة الأولى: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله:
فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهو أول ما يريد من العبد، فلا يزال به حتى يناله منه فإذا نال ذلك صيّره من جنده وعسكره واستنابه على أمثاله وأشكاله فصار من دعاة إبليس ونوابه، فان يأس منه من ذلك وكان ممن سبق له الاسلام وهو في بطن امه نقله الى المرتبة الثانية من الشر.
المرتبة الثانية: شر البدعة:
وهي احب اليه من الفسوق والمعاصي لان ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد وهي ذنب لا يتاب منه وهي مخالفة لدعوة الرسل ودعاء الى الخلاف ما جاءوا به وهي باب الكفر والشرك فاذا نال منه البدعة وجعله من اهلها صار ايضا نائبه وداعية من دعاته. فان أعجزه من هذه المرتبة وكان العبد ممن سبقت له من الله موهبة السند ومعاداة اهل البدع والضلال نقله الى المرتبة الثالثة من الشر.
المرتبة الثالثة: شر الكبائر على اختلاف انواعها:(71/79)
فهو اشد حرصا على ان يوقعه فيها ولا سيما ان كان عالما متبوعا فهو حريص على ذلك لينفر الناس منه ثم يشيع ذنوبه ومعاصيه للناس ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينا وتقربا بزعمه الى الله تعالى وهو نائب ابليس ولا يشعر بان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة. هذا اذا احبوا اشاعتها واذاعتها فكيف اذا تولوا هم اشاعتها واذاعتها لا نصيحة منهم ولكن طاعة لابليس ونيابة عنه كل ذلك لينفر الناس عنه وعن الانتفاع منه وذنوب هذا ولو بلغت عنان السماء هي اهون عند الله من ذنوب هؤلاء فانها ظلم منه لنفسه اذا استغفر الله وتاب اليه قبل الله توبته وبدل سيئاته حسنات واما ذنوب اولئك فظلم للمؤمنين وتتبع لعوراتهم وقصد لفضيحتهم والله سبحانه بالمرصاد لا تخفى عليه كمائن الصدور ودسائس النفوس. فان عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله الى المرتبة الرابعة.
المرتبة الرابعة: شر الصغائر:
وهي الصغائر التي اذا اجتمعت فربما اهلكت صاحبها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اياكم ومحقرات الذنوب فانما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما انضجوا به خبزهم وان محقرات الذنوب متى ياخذ بها صاحبها تهلكه"
وذلك حديثا معناه: ان كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى اوقدوا نارا عظيمة فطبخوا واشتووا. ولا زال يسهل عليه امر الصغائر حتى يستهين بها فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها احسن حالا منه فان اعجزه العبد من هذه المرتبة نقله الى المرتبة الخامسة.
المرتبة الخامسة: شر الاشتغال بالمباحات:
وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها فان اعجزه العبد في هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به يعلم مقدار انفاسه وانقطاعها وما يقابلها بالنعيم والعذاب نقله الى:(71/80)
المرتبة السادسة: شر الاشتغال بالعمل المفضول عما هو افضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل فيامره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له اذا تضمن ترك ما هو افضل واعلى منه وقل من ينتبه لهذا من الناس فانه اذا راى فيه داعيا قويا ومحركا الى نوع من الطاعة لا يشك انه طاعه وقربه فانه لا يكاد يقول ان هذا الداعي من الشيطان فان الشيطان لا يامر بخير ويرى ان هذا خير فيقول هذا الداعي من الله وهو معذور ولم يصل علمه ان الشيطان يامر بسبعين باب من ابواب الخير اما ليتوصل بها الى باب واحد من الشر واما يفوت بها خيرا اعظم من تلك السبعين بابا واجل وافضل وهذا لا يتوصل الى معرفته الا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الاعمال عند الله واحبها اليه وارضاها له وانفعها للعبد واعمها نصيحة له ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم ولا يعرف هذا الا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم وثوابه في الامة وخلفائه في الارض واكثر الخلق محجوبون عن ذلك فلا يخطر ذلك بقلوبهم بالله بمن يفضله على من يشاء من عباده.
فاذا اعجزه العبد في هذه الملراتب الست واعيي عليه: سلط عليه حزبه من الانس والجن بانواع الاذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه وقصد الى اخماله واطغاثه ليوشوش عليه قلبه ويشغله بمحاربة فكره وليمنع الناس من الانتفاع به فيبقى سعيدا من تسليط المبطلين من شياطين الانس والجن عليه لا يفتر ولا ينثني فحينئذ يلبس المؤمن لامة الحرب ولا يضعها عنه الى الموت ومتى وضعها اسر او اصيب فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله.(71/81)
وهناك مدخل غريب قل من يفطن اليه من الدعاة وهو ان ياتي لاحدهم بالبراهين التي يبدو ظاهرها صحيحا ويريد بها باطلا ليبعدهم عن الطريق الذي التزموه او يجعلهم ضعافا عالة على الحركة الاسلامية ويظل يحقنهم بهذه الحقن المخدرة حتى يجعلهم اسماء فقط في الجماعة المسلمة - ومن اخطر هذه المداخل حثهم على السكوت عن المنكر.
وذلك اضعف الايمان
وهذه لا يقولها لهم صريحة" اسكتوا عن المنكر" انما ياتي لهم حسب خطة رسمها في اول لقاء له مع آدم - خطة التدلية او التدرج بالاغواء.
" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان"
وربما استطاع ان يغير ذلك المنكر بيده فيعرض له ابليس قائلا له:" غيره بلسانك فانه ياتي بنتائج افضل"واذا
كان ممن لا يستطيع تغيير ذلك المنكر بيده ويستطيع بلسانه يعرض له ويقول:" لا يكلف الله نفسا الا وسعها"فلماذا تورط نفسك وربما يحدث لك ما تكره من وراء ذلك ويظل يرهبه من الانكار والتورط باليد ويرغبه بالانكار بالقلب حتى يقتنع بذلك ويفعله او ان يقول له اذا كان المنكر من اخ له بالدعوة اذا انكرت عليه ذلك ستفقد صحبته او ربما يتاثر من ذلك"ويستسلم هذا الداعية لهذه الوساوس وغيرها ويكتفي بالانكار بالقلب وتتوالى عليه رؤية المنكر باشكاله المتعددة وفي كل مرة يغريه ابليس بالانكار بالقلب حتى يالف المنكر ولا ينكره حتى في قلبه
ويجلس مع اصحاب الغفلة يضحك مع ضحكاتهم ويغفل كما يغفلون - فان لم ترفعه توبة خالصة لله من ذلك الانخفاض فان الايمان ينسحب من قلبه رويدا رويدا حتى ما يبقى في قلبه من الايمان حبة خردل كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من نبي بعثه الله في امة قبلي الا كان له في امته حواريون واصحاب ياخذون بسنته ويقتدون بامره ثم انها تخلف من بعدهم خلوف(71/82)
يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل"
وحتى لا يساء الفهم فاني لست بصدد اولئك الدعاة الذين لا يستطيعون فعلا ان يغيروا بعض المنكرات بايديهم والسنتهم فيلجؤن الى انكاره بقلوبهم ولا يفعلون ذلك في كل منكر يروه - انما نتكلم عن ذلك الصنف من الدعاة
الذين يتخذون انكار القلب هو الحل الوحيد لانكار كل منكر والخطورة في البقاء الدائم على هذا النوع من الانكار يعرض صاحبه لضعف الايمان الذي حدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وان صاحبه ليس بمامن من ان يصيبه ما ذكرنا ان لم يرجع الى الله بتوبة نصوح.
الفصل السادس
نتيجة اتباع الشيطان
1- الخسران
2- وقيضنا لهم
3- تؤزهم ازا
4- حقت عليهم الضلالة
5- الهداية الى السعير
6- الحشر
7- الآن تندم
8- الوعد الباطل
9- الاعتراف الاخير
الخسران
من الناس من يصل الى درجة في طاعة الشيطان بحيث لا يعطي لعقله فرصة التفكير فاي وسواس من الشيطان واي امر يامره به ينساق اليه حالا ودون تردد ويترك اوامر الله وراء ظهره فما ان تدعوه شهوته الى ما حرم الله الا انساق اليها واذا سمع كلام الله شعر بالضيق لانه والى الشيطان من دون الله وآثر اوامر الشيطان على اوامر الله سبحانه فكانت اولى نتيجة لذلك الاتباع هي الخسارة ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا وعندما يختار الانسان الباطل بارادته ويترك الحق بارادته يرسل الله اليه شيطانا ليصده عن طريق الحق ويبعده عنه حتى لا يراه ابدا ومن ثم يتيه في صحراء الباطل
وقيضنا لهم
وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين ايديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين(71/83)
كنت اتساءل عند قراءتي هذه الاية من هؤلاء الذين يرسل الله لهم قرناء يزينون لهم ما بين ايديهم وما خلفهم ويغمسونهم بأوحال الضلال غمسا حتى يستحيلوا قطعة من الضلال كريهة الرائحة قبيحة المنظر غير منتظمة الشكل حتى يحق عليهم القول بالخسارة؟ حتى هداني الله الى آية اخرى تفسرها تفسرا مفصلا...
انهم الصادون عن ذكر الله اللاوون رؤوسهم عن الحق بقاع الضلال لا يريدون مشاركة احد بهذا العناق وتاركين وراءهم يوما ثقيلا - هم الذين قال الله تعالى فيهم .
" ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وأنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون" هذه هي سنة الله في خلقه العدل المطلق" وما ربك بظلام للعبيد"
فالحق واضح وضوح الشمس والعقل قادر على التمييز بين الطريقين ويجزيه الله بما اختار يمحض ارادته فان اختار الحق زاده هدى الى هداه" والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم" ولئن اختار الباطل أضله الله بأن يقيض عليه ذلك الشيطان" فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم"
هذا القرين يقوم بصد ذلك الانسان وابعاده عن طريق الحق حتى يوهمه بانه مهتدي وانه على حق كما اوهم
فرعون من قبل وابو جهل وكما يوهمون فراعنة هذا العصر بانهم مهتدون وان اصحاب الحق هم الذين يعرقلون مسيرة التقدم الحضاري.
وما بين آونة واخرى يقومون بتغيير قوانينهم الوضعية ظانين انهم يهتدون الى طريق اقوم واصلح وما يدرون هؤلاء المساكين ان قرناءهم هم الذين يوهمونهم بانهم مهتدون وما يدرون انهم يثبون بخطا واسعة الى جهنم وحق عليهم القول في امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين"(71/84)
وتظل سيطرة هؤلاء القرناء على هذه الفئة من الناس ويستمرون في اضلالهم واغوائهم وابعادهم عن طريق الحق الى ان يانسوا الى هذا الضلال ويالفوا هذه الروائح النتنة من الذل تحت سيطرة الشياطين وصدق الامام ابن القيم اذ يقول:" ما ظنك بملك استولى عليه عدوه فانزله عن سرير ملكه واسره وحبسه وحال بينه وبين خزائنه وذخائره وخدمه وصيرها له ومع هذا فلا يتحرك الملك لطلب ثأره ولا يستغيث بمن يغيثه ولا يستنجد بمن ينجده وفوق هذا الملك ملك قاهر لا يقهر وغالب لا يغلب وعزيز لا يذل فأرسل اليه" ان استنصرتني نصرتك وان استغثت بي اغثتك وان التجات الي اخذت بثارك وان هربت الي وآويت الي سلطتك على عدوك وجعلته تحت امرك فان قال هذا الملك الماسور قد شد عدوي وثاقي واحكم رباطي واستوثق مني القيود ومنعني من النهوض اليك والفرار اليك والمسير الى بابك فان ارسلت جندا من عندك يحلوا وثاقي ويفكوا قيودي ويخرجوني من حبسه امكنني ان اوافي بابك والا لا يمكنني مفارقة محبسي ولا كسر قيودي فان قال ذلك احتجاجا على ذلك السلطان ودفاعا لرسالته ورضي بما هو فيه عند عدوه خلاه السلطان الاعظم وحاله وولاه ما تولى .
وهذا ما فعله الذين اختاروا الضلال - لقد رضوا باستشار الشيطان لهم واحبوا القيود التي قيدوا بها حتى يتخيل اليهم انها اساور وليست قيود - وتستمر الشياطين في
الضلال حتى نرى بعض الناس كأنهم شياطين بصور بشر ذلك لان الشياطين يهيجونهم على المعاصي تهييجا ليزدادوا عذابا في الاخرة.
تؤزهم ازا
وكما انه لا بد للحجارة الساقطة من اعالي الجبال ان تنزل الى الارض كذلك الانسان عندما يختار الباطل فانه يسقط كما تسقط الحجارة من اعالي الجبال الى الارض الى الحضيض الى الوحل الى فم الشيطان الفاتح فاه مستقبلا هذا الانسان.(71/85)
ولم يسقط هذا الانسان الى هذا الحضيض الا عندما اختار هو نفسه الهبوط من العلو وكما ان قانون الجاذبية يحتم على الاجسام الساقطة ان تنزل الى الارض كان طبيعيا ان يهبط ويتدحرج هذا الانسان من العلو الى اسفل السافلين بعد ان ترك هذا الحق واعرض عنه - وكانت النتيجة طبيعية غير معقدة ولا تحتاج الى تفكير كما كانت قصة
الحجارة الساقطة - كان طبيعيا ان تبتلعه الشياطين التي كانت فاتحة فيها لاستقبال هذا الصيد المدحرج وان تتسلط هذه الشياطين وتغويهم وتهيجهم على المعاصي تهييجا شديدا بانواع التسويلات والوساوس.
" الم تر انا ارسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازا"
وهم السبب في ذلك الاز وفي هذا التسلط.
كما قال ابن القيم" ان الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء البتة ولكن هم سلطوه على على انفسهم بطاعته ودخولهم في جملة جنده وحزبه فلم يتسلطن عليهم بقوته
فان كيده ضعيف وانما تسلطن عليهم بارادتهم واختيارهم والمقصود ان من قصد اعظم اوليائه واحبابه ونصائحه فاخذه واخذ اولاده وحاشيته وسلمهم الى عدوه كان من عقوبته ان يسلط عليه ذلك العدو نفسه"
والذي لم يسلك الطريق الصواب بل سلك الطريق الخطأ
لا بد ان يتبعه وتكتب عليه الضلالة فكذلك اصحاب الباطل كتبت عليهم الضلالة.
حقت عليهم الضلالة
" كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريق حق عليهم الضلالة " يقول ابن عباس ان الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا كما قال:" هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ثم يعيدكم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا. يقول ابن كثير" قلت ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري" فوالذي لا اله غيره أن أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها".(71/86)
فسيعود فريقان لا غير: فريق الحق وفريق الباطل اما الفريق الاول فقد استخدموا ما آتاهم الله من السمع والبصر والفؤاد فأنار الله أفئدتهم بنور الحق فأبوا الا اتباعه وعلموا انه لا ملجأ من الله الا اليه واستهانوا بالموت في سبيله لأنهم ايقنوا انما هذه الاجساد التي يعيشون بها هي فقط لقضاء هذه المدة القصيرة على هذه الارض. ونرى هذه الحقيقة في قصة موسى عليه السلام مع السحرة عندما تمكن الايمان في قلوبهم فأعلنوا اسلامهم بعد ان رأوا الحق مع موسى وأن ما كان لديهم باطل هزيل فهددهم فرعون بالموت ولكنهم ردوا عليه رد المؤمن بأن فرعون انما يقتل اجسادا ولا يستطيع قتل الايمان" فأقض ما أنت قاض انما تقضي هذه الحياة الدنيا".
وان هذه الحقيقة تتجسد على مدار الاجيال كلما ظهرت فئة تؤمن بالله وتتخذه وليا ومشرعا لها في امور دنياها وآخرتها.
اما فريق الباطل برئاسة ابليس فقد ظنوا انهم هم المتقدمون الحضاريون وانهم هم الشعوب الراقية وان اولياء الله هم المتخلفون فاتخذوا الشيطان قائدا وموجها لهم فماذا كانت النتيجة؟ حق عليهم الضلالة" غلف الله قلوبهم بسواد" بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
حتى لا يعوا الحق ووضع في آذانهم حواجز حتى لا يسمعوا الحق وعصب اعينهم حتى لا يروا الحق " ختم الله على قلوبهموعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم"حتى يتعمقوا في ظلامهم الدامس ليسهم قيادتهم الى السعير.
الهداية الى السعير
هذا الغرور والكبر الذي يدفع فئة من الناس ان تجادل في الله بوحدانيته ووجوده وقدرته وصفاته وتتبع في جدلها ابليس وجنوده يتساءلون... أيوجد الله حقا؟ أين هو؟
" ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد"
يتلفظون بهذه الالفاظ بلا خوف وبكل جرأة حتى يدفعهم بان ينكروا ان الله هو الذي ينظم الاكوان وان الله فكرة خرافية اختلقها الانسان ليبرر عجزه يا للعجب.. ايوجد عقل بهذا العصر يؤمن بهذه الافتراءات؟(71/87)
الا ترى هذه الجموع الجاحدة؟ هذه الجموع المجادلة في الله بغير علم الا ترى ابليس بين حروف الآيات ماسكا بأيدي اتباعه لبديلهم الطريق" كتب عليه انه من تولاه فانه يضله ويهديه".
رباه... الى اين يهديه؟ وكيف يهديه؟"
" ويهديه الى عذاب السعير"
انه يسوق هذه الجموع التي احتشدت من اطراف الارض
يسوقها ويدعها دعا للمصير المظلم - يتخبطون في ظلامهم تائهين ذليلين اسرى وراءه وراء ذلك الظلام الذي يحسبونه نورا ولا يدرون انها شهوات احيطت بتلك النار حتى لتبدو في اعينهم وكانها نور.
وكأن هناك لوائح على جوانب الطريق كتب عليها.
" الى عذاب السعير"
ويظلون يتبعون ذلك النور المزيف الى ان يقعوا في مصيرهم المؤلم" عذاب السعير". ان هذا المغرور لما اذل سلطان الله الذي اعزه به وشرفه ورفع به قدره وسلمه بيد ابغض اعدائه اليه وجعله اسيرا له تحت قهره وتصرفه وسلطانه سلط الله عليه من كان حقه هو ان يتسلط عليه فجعله تحت قهره وتصرفه وسلطانه يسخره حيث شاء ويسخر منه جنده وحزبه فكما اذل سلطان الله وسلمه الى عدوه اذله الله وسلط عليه عدوه الذي امره ان يتسلط هو عليه فيذله ويقهره فصار بمنزلة من سلم نفسه الى اعدى عدو له يسومه سوء العذاب"
وقبل ذلك السعير يلاقون اهوال الحشر من زحف على الاوجه وغرق في العرق من شدة حرارة الشمس التي تنزل على بعد ميل من الرؤوس واهانة من الملائكة.
الحشر
دعهم ينعقون بباطلهم ويحاربون الله ورسوله يسرقون اموال الشعوب يكبتوا الحريات ينشروا الفساد...
دعهم يخططون لضرب الحق مرة ومرات.
دعهم يلههم الامل انهم خالدون.
دعهم يعملوا ما يشاؤون فانهم محشورون حول جهنم هم وشياطينهم.
يا لهول ذلك المنظر جموع كبيرة من البشر والجن مختلفة الوانهم واشكالهم عمالقة واقزام ملايين الملايين الاولين والاخرين يجرون عراة الاجسام شاحبي الوجوه صما وبكما وعميا - رباه كيف سيجزي هذا الابكم وهذا الاعمى وهذا الاصم وسط هذه الجموع ؟(71/88)
وفئة اخرى يزحفون على وجوههم... كلهم يجرون وأبصارهم خاشعة - يلعن بعضهم بعضا - يجرون كالبهائم - وبعد ذلك يحضرهم الله في آخر هذا الطريق نهاية الطريق الذي لم يتهيئوا لنهايته المؤلمة... نهاية طريق الباطل...
ها هم يحضرون تدعهم الملائكة دعا يحضرون منكسي الرؤوس يحضرون مع شياطينهم من الانس والجن جاثين على ركبهم حول جهنم لتقررهم الملائكة بذنوبهم وجرائمهم مع انفسهم ومع الناس" الم ياتكم نذير"
ها هم يسحبون من نواصيهم واقدامهم ويرمون من مكان ضيق مقرنين بالسلاسل هذه نهاية الطريق وهذا هو الجزاء الحق.
" فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا"
وحينئذ " يتذكر الانسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي"
ويتندم ندما شديدا على مرافقة ذلك القرين ويتمنى ان لو كان بينه وبين قرينه بعد المشرقين ولكن:
الآن تندم
" حتى اذا جاءنا قال: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" وهكذا ننتقل في ومضة من هذه الدنيا الى الآخرة ويطوي شريط الحياة السادرة ويصل العمى" الذين يعشون عن ذكر الرحمن " الى نهاية المطاف فجأة على غير انتظار هنا يفيقون كما يفيق المخمور ويفتحون اعينهم بعد العشي والكلال وينظر الواحد منهم الى قرين السوء الذي زين له الضلال واوهمه انه الهدى وقاده الى طريق الهلاك وهو يلوح له بالسلامة ينظر اليه في حنق يقول:" يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين" يا ليته لم يكن بيننا لقاء على هذا البعد السحيق ويعقب القرآن على حكاية قول القرين الهالك للقرين بقوله:
" فبئس القرين" ونسمع كلمة التيئيس الساحقة لهذا وذاك عند اسدال الستار على الجميع" ولن ينفعكم اليوم اذا ظلمتم انكم في العذاب مشتركون فالعذاب كامل لا تخففه الشركة ولا يتقاسمه الشركاء"
ويندم عاضا على يديه لا يدري ماذا يفعل اينظر الى الحقائق التي تتحرك امام عينيه ام يبكي ليهون عن نفسه
وهل يجدي البكاء شيئا وهل يجدي الندم؟... الان تندم.(71/89)
" ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا".
الآن انكشفت له الحقيقة ان الشيطان خذله ولم ينصره فقام يهذي ويتمنى ويقول: " يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا"
" يا ليتني قدمت لحياتي"" يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا"
" يا ليتني لم اوت كتابيه"" يا ليتني كنت ترابا"
" يا ليتها كانت القاضية"
وما فائدة " يا ليت" عذاب خالد ينتظر وألسنة من النار متشوقة لالتهام هذه الاجساد التي اطاعت الشيطان وعقت ربها.
وبعد ان قضي الامر جاءهم الشيطان ليقول لهم الحقيقة التي اخفاها عنهم ويتبرأ منهم ويتخلى عنهم ويوضح لهم ان وعده كان باطلا.
الوعد بالباطل
لقد انتهت الخطة وحملت الاسلحة من ارض المعركة وها هم القتلى والجرحى على ارض المعركة تسيل دماؤهم من اجسادهم فمنهم من جرح جرحا هينا ومنهم من جرح جرحا عميقا ومنهم من تساقط لحمه وبدا هيكله عاريا من اللحم ومنهم من تخلل حتى هيكله.
هاهم قد وصلوا بدمائهم وجراحاتهم الى نهاية الطريق بعد ان ساروا طيلة هذه الدنيا على هذا الكوكب الصغير اين الغاية؟ اين المتعة؟ اين انا؟؟
هاهي الغاية المضحكة والمبكية في أن واحد وها هي المتعة التي كنتم تنتظرون... آفة كبيرة فاتحة فاها متشوقة لتقبيلكم ومعانقتكم بعد فراق...
هاهي تخرج الزفير والشهيق شوقا للقائكم هاهي رافعة يديها تناديكم .. هلموا هلموا. هاهي النهاية. هاهو معسكركم الذي كنتم تستظلون به يحترق وها هو قائدكم العام ورؤسائكم الذين طالما صفقتم لهم ونصرتموهم وانتحتم من اجلهم... جميعهم وصلوا الى ما يريدون(71/90)
" هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا ام انتم لا تبصرون"وقالوا مستغربين:" ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار" الا تعلمون اين اولئك القوم الذين ضحكتم عليهم وكنتم تستعبدونهم وهم احراروالذين تشققت اجسادهم تحت سياطكم الذين كانوا يطفؤون نار الظلم وانتم توقدون...
اما ترونهم" يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم"
أما تسمعون الملائكة تقول لهم" بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها"
الآن تنادونهم" انظرونا نقتبس من نوركم"
الآن احببتم النور وقمتم تستجدونه من اصحاب الحق بعد ان تحولت اجسادكم الى كتلة من ظلام.
ولكن هيهات هيهات لن تحصلوا على هذا النور.
" فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب"
وحتى هذا السور لم يوقفهم من استجداء النور من اهل النور فقاموا ينادونهم من وراء السور" ألم نكن معكم"
وجاء الرد الفاصل من اصحاب الحق " بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء امر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير"
نعم لقد انتهت الخطة التي وضعها القائد العام للقوات الضالة لقد انتهت الخطة التي وضعها للانتقام من هذا المخلوق - وما اطوله من انتقام وبقيت آخر فقرة من الخطة وهي التخلي عن اوليائه والتبرؤ منهم فعندما قضي الامر وادخل اصحاب الحق الى الجنة زمرا واصحاب الباطل الى جهنم زمرا قام ابليس في اصحاب الباطل" خطيبا ليزيدهم حزنا الى حزنهم وغبنا الى غبنهم وحسرة الى حسرتهم فقال:" ان الله وعدكم وعد الحق" على السنة رسله ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة وكان وعدا حقا وخبرا صادقا واما انا فوعدتكم فاخلفتكم ثم قال وما كان لي عليكم من سلطان وما كان لي عليكم فيما دعوتكم اليه دليل ولا حجة فيما وعدتكم(71/91)
به الا ان دعوتكم فاستجبتم لي بمجرد ذلك. هذا وقد اقامت عليكم الرسل الحجج والادلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به فخالفتوهم قصرتم الى ما انتم فيه
" فلا تلوموني ولوموا انفسكم" ان الندم ولوم النفس احد صفات المؤمنين وكذلك هي احد شروط التوبة وقبولها فماذا سيكون احساس ذلك الانسان عندما تتضح امامه الحقيقة ويكتشف خيانة قائده وتخليه عنه وتركه لنفسه
تلومه ويلومها ولكن لا فائدة من ذلك اللوم فلا توبة ولا فرصة للرجوع للارض ليعمل صالحا...
ولئن كان البكاء دواء احيانا لاخراج ما بالنفس من كبت وحزن فيا ترى ماذا سيكون شعور ذلك الانسان حينما يدرك بانه لا فائدة حتى من البكاء ولا راحة ترجى من ورائه وحتى الصبر الذي يكون غالبا هو الحل لمعظم مشاكل الدنيا يكون هو ايضا الاخر باطل المفعول
" فاصبروا او لا تصبروا سواء عليكم انما تجزون ما كنتم تعملون"وحتى الظل الذي يكون من طبيعته انه بارد يسحب الله منه هذه الخاصية ليعذب اولياء الشيطان عذابا اليما" واصحاب الشمال ما اصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم" اين ما يولي يجد امامه عذاب هل يستطيع الانسان تناسي هذه الهوائل كما كان يتناساها بالامس؟ ولئن تناساها فهل سينساه زبانية جهنم الذين وكلوا به وبامثاله؟ اين قائده الذي كان يتبعه بالامس؟ واي شيء يملك هذا القائد وهو يتخلى عنه ويتركه للصراع النفسي والجسدي.
أين اخوانه وحزبه الذين كانوا يسخرون من المؤمنين؟
ماذا يملكون وهم يصارعون أنفسهم بلومها وها هي الخطبة تشارف على الانتهاء وكانت آخر كلمات القائد
" ما أنا بمصرخكم وما انتم بمصرخي اني كفرت بما أشركتموني من قبل".(71/92)
وانتهت مع هذه الكلمات كل بارقة أمل للعودة وانصهرت كل الحوائج النفسية في باطن الآفة الكبيرة"جهنم" وكانت هذه هي نهايتهم" كمثل الشيطان اذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين"
الاعتراف الأخير
وبرزت لهم هذه العملاقة الضخمة بسوادها ودخانها ولهيبها وشررها الذي بحجم القصور وبلون النوق السود وحرارتها التي تعدل سبعين مرة حرارة لهب الدنيا
" برزت الجحيم للغاوين"
ترى ما موقف المجرم حينما يقف امام حبل المشنقة يراه بعينيه مدلى وهو على يقين انه بعد لحظات قليلة سيكون معلقا بها ثم ياتي الجلاد ليروي جريمته امامه وهو مكبل لا يستطيع حراكا...
ترى بأي شعور يقف هذا المجرم هذا الموقف وبأي نفس سوف يتحمل تلك الصورة.
يقف موكب الطغاة امام جهنم ثم يقرون بجريمتهم لتزداد الحالة سوءا.
" أين ما كنتم تعبدون من دون الله" وتكتمل قصة الايلام والنهاية المؤلمة بألم بعد ألم ويصل العذاب النفسي ذروته عندما تتقاذف عليهم الأسئلة كالسهام.
" هل ينصرونكم أم ينتصرون"؟ وحالا دون انتظار رد من أهل الباطل يرمون في مأواهم وتحضنهم بعد اشتياق طويل طالما انتظرتهم فيه عندما كانوا يسيرون اليها وهم في الدنيا... فها هم قد وصلوا فمرحبا بهم...
" فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود ابليس أجمعون".
وعندما تهاووا بالنار وبعد تلك الكبكبة خرجت اصوات منبعثة من الجحيم كأنها الاعتراف والاقرار يقسمون بالله الذي كانوا ينسونه بالدنيا والآن يقسمون به بانهم كانوا في ضلال مبين ويقولون لآلهتهم التي عبدوها من دون الله" تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين".
والآن يعترفون الاعتراف الأخير بعد ان راوا باعينهم الحقائق - الآن وقد انتهى كل شيء - وكانهم يتحسرون ويشعرون بفوات الاوان فيقولون بألم" فما لنا شافعين ولا صديق حميم"(71/93)
وانتهى الباطل واحترق وأخمدت الاصوات وقتلت الخيول وأحرق الرجال الذين كانوا يحاربون الحق وعلى صوت حطب جهنم وهو يحترق معلنا انتصار الحق وخلود اهله في الجنات...
الفصل السابع
العلاج
1- الاستعاذة
2- المعوذتين
3- آية الكرسي
4- خاتمة سورة البقرة
5- غض البصر
6- امساك فضول الكلام
7- تنقية الاستماع
8- الصيام
9- الزواج
10- تقوية الرابطة الاسرية
11- القول الحسن
12- الابتسامة
13- الانفاق
14- الذكر
15- الجهاد
16- الالتزام بالجماعة
17- المحاسبة
18- معرفة حقيقة الدنيا
19- الاخلاص
20- اتباع السنة
الاستعاذة
وهو دواء نافع لكل نزغات الشيطان...
" واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم" و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يأتي الشيطان احدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟
حتى يقول: من خلق ربك؟ فاذا بلغه فليستعذ بالله ولينته"
كما انه علاج فعال للغضب الذي يلقيه الشيطان في نفس ابن آدم مما يجعله ينتصر لنفسه ويقع في ما يغضب الله من جدل وسب وحقد وكبر...
عن سليمان بن ضرر قال:" كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فاحدهما احمر وجهه وانتفخت اوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
اني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد فقالوا له ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ من الشيطان فقال وهل بي جنون "
والكريم لا يرد من يلجأ اليه ويستعيذ به...
وهي صفة لا يتحلى بها الا المتقون فما ان يصابوا بهذه الوساوس التي تغطي قلوبهم عن الحق فترة من الزمن حتى يذكروا الله ويستعيذوا به من الشيطان الرجيم فيطير ذلك الغطاء الذي كان يغطي قلوبهم ليروا الحق ويبصروا بعد ان عموا"ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون"(71/94)
وهو كذلك يفتح قلب قاريء القرآن ويبعد وستوس الشيطان عنه قال تعالى:" فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون"
يقول الامام ابن القيم:
ومعنى" استعذ بالله" امتنع به واعتصم به والجأ اليه ومصدره العوذ والعياذ والمعاذ وغالب استعماله في المستعاذ به واصل اللفظة من اللجأ الى الشيء والاقتراب منه وفي كلام العرب" أطيب اللحم عوذه" أي الذي عاذ بالعظم واتصل به.
أ -الاستعاذة عند قراءة القرآن: فأمر الله سبحانه بالاستعاذة به من الشيطان عند قراءة القرآن وفي ذلك وجوه:منها
ان القرآن شفاء لما في الصدور يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والارادات الفاسدة فهو
دواء لما امره فيها الشيطان فامر ان يطرد مادة الداء ويخلى منه القلب ليصادف الدواء محلا خاليا فيتمكن منه ويؤثر فيه فيجيء هذا الدواء الشافي الى القلب وقد خلا من مزاحم ومضاد له فينجح فيه.
ومنها: ان القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب كما ان الماء مادة النبات والشيطان نار يحرق النبات اولا فاول فكلما احس بنبات الخير في القلب سعى في افساده واحراقه فامر ان يستعيذ بالله عز وجل منه لئلا يفسد عليه ما يحصل له بالقرآن والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله ان الاستعاذة في الوجه الاول لأجل حصول فائدة القرآن وفي الوجه االثاني لأجل بقائها وحفظها وثباتها.
ومنها: ان الملائكة تدنو من قاريء القرآن وتستمع لقراءته كما في حديث اسيد بن حضير لما كان يقرأ ورأى مثل الظلة فيها مثل المصابيح فقال عليه الصلاة والسلام:"تلك الملائكة" والشيطان ضد الملك وعدوه فامر القاريء ان يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه حتى يحضره خاص الملائكة فهذه منزلة لا يجتمع فيها الملائكة والشياطين.(71/95)
ومنها: ان الشيطان يجلب على القارىء بخيله ورجله حتى يشغله عن المقصود بالقرآن وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما اراد به المتكلم به سبحانه فيحرص بجهده على ان يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن فلا يكمل انتفاع القارىء به فأمر عند الشروع ان يستعيذ بالله عز وجل منه.
ومنها: ان القارىء يناجي الله تعالى بكلامه والشيطان انما قراءته الشعر والغناء فامر القارىء ان يطرده بالاستعاذة عند مناجاة الله تعالى واستماع الرب قراءته.
ومنها: ان الله سبحانه اخبر انه ما ارسل من رسول ولا نبي الا اذ تمنى القى الشيطان في امنيته والسلف كلهم على ان المعنى: اذا تلا القى الشيطان في تلاوته قال الشاعر في عثمان:
تمنى كتاب الله اول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر
فاذا كان هذا فعله مع الرسل عليهم السلام فكيف بغيرهم؟
ولهذا يغلط القارىء تارة ويخلط عليه القراءة ويشوشها عليه فيخبط عليه لسانه او يشوش عليه ذهنه وقلبه فاذا حضر عند القراءة لم يعدم منه القارىء هذا او هذا او هذا وربما جمعهما له فكان من اهم الامور الاستعاذة بالله تعالى منه.
ومنها: ان الشيطان احرص ما يكون على الانسان عندما يهم بالخير او يدخل فيه فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الشيطان تفلت علي البارحة فأراد ان يقطع علي صلاتي -
الحديث" وكلما كان الفعل انفع للعبد واحب الى الله تعالى كان اعتراض الشيطان له اكثر فالشيطان بالرصيد للانسان على طريق كل خير فهو بالرصد ولا سيما عند
قراءة القرآن فأمر سبحانه العبد ان يحارب عدوه الذي يقطع عليه الطريق ويستعيذ بالله تعالى منه اولا ثم اخذ
بالسير كما ان المسافر اذا عرض له قاطع طريق اشتغل بدفعه ثم اندفع في سيره...(71/96)
ومنها: ان الاستعاذة قبل القراءة عنوان واعلام بأن المأتي به بعدها القرآن ولهذا لم تشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره بل الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع ان الذي يأتي بعدها هو التلاوة فاذا سمع السامع الاستعاذة استعد لاستماع كلام الله تعالى ثم شرع ذلك للقارىء وان كان وحده"
ب - الاستعاذة في الصلاة: والاستعاذة كذلك علاج لما يلقيه الشيطان في الصلاة من وساوس لينقص الأجر ويبعد الخشوع فنفى بذلك صفة من صفات المؤمنين فعن ابن العلاء: ان عثمان بن ابي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ان الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ذاك شيطان يقال له خنزب فاذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا"
قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني"
ج - الاستعاذة عند الغضب: عن سليمان بن مرد قال:
" كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فاحدهما احمر وجهه وانتفخت اوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لاعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد فقالوا له ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذ بالله من الشيطان فقال : وهل بي جنون "
ويأتي هذا العلاج متجانسا مع هذا المدخل الشيطاني ذلك" ان الغضب نوع من شر الشيطان ولهذا يخرج به عن صورته ويزين افساد حاله كتقطيع ثوبه وكسر آنيته او الاقدام على من اغضبه ونحو ذلك مما يتعاطاه من يخرج عن الاعتدال" فلا يذهب هذا الا بالاستعاذة من ذات المسبب له وامتدادا لهذا العلاج يأتي الدواء الثاني قراءة المعوذتين.
المعوذتين(71/97)
فعن عقبة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن: قل أعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس وقد روى البخاري باسناده عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما" قل هو الله أحد " وقل أعوذ برب الفلق" وقل أعوذ برب الناس" ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات"
وبلغ من اهميتها ان عائشة رضي الله عنها كانت تنفث عليه بهما في مرض موته - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مرض احد من اهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت انفث عليه وامسحه بيد نفسه لأنها كانت اعظم بركة من يدي.
آية الكرسي
عن ابن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" يا ابا المنذر اتدري أي آية من كتاب الله معك اعظم" قال: قلت: الله ورسوله اعلم. قال:" يا ابا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم"؟
قال: قلت: الله لا اله الا هو الحي القيوم: قال: فضرب في صدري وقال: " ليهنك العلم يا أبا المنذر" ومع تلك العظمة التي ألبسها الله مما تحوي من أصول التوحيد كانت كالصواعق تصعق كل شيطان يقترب من المسلم عندما يقرأها قبل أن ينام. فعن أبي هريرة قال:" وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت:لأرفعنك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني فاني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة. قال : فخليت عنه فأصبحت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(71/98)
" يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله، قال:" أما أنه قد كذبك وسيعود" فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعني محتاج وعلي عيال لا اعود فرحمته وخليت سبيله فاصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا هريرة ما فعل اسيرك البارحة قلت يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته وخليت سبيله قال اما انه كذبك وسيعود فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات انك تزعم انك لا تعود ثم تعود فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت وما هي ؟ قال اذا أويت الى فراشك فأقرأ آية الكرسي:
" الله لا اله الا هو الحي القيوم " حتى تختم الآية فانك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما فعل أسيرك البارحة"؟ قلت: يا رسول الله زعم انه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال " وما هي قال لي اذا اويت الى فراشك فأقرأ آية الكرسي من اولها حتى تختم الآية " الله لا اله الا هو الحي القيوم"وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا احرص شيء على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما انه صدقك وهو كذوب" تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا ابا هريرة؟ قلت لا قال: ذاك شيطان ".
خاتمة سورة البقرة
فقد ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود الانصاري قال
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"
وقد قيل في معنى كفتاه" من قيام الليل وقيل من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل الجميع.
غض البصر(71/99)
والنظر الى ما نهى الله عنه من العورات من اشد مداخل الشسطان به أغرق الكثير في نار جهنم وجند به في حزبه الكثير وبسببه يضعف الايمان وتنعدم لذته وتنعدم الفراسة وصفاء الفكر والتفكر يقول الامام ابن القيم" والنظر اصل عامة الحوادث التي تصيب الانسان فالنظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة ارادة تقوى فتصير عزيمة حازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع وفي هذا قيل" الصبر على غض البصر ايسر من الصبر على الم ما بعده"
قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها
كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه
في اعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحبا بسرور عدد بالضرر
ومن آفات النظر: انه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى العبد ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه وهذا اعظم العذاب: ان ترى ما لا صبر لك عن بعضه ولا قدرة على بعضه وهذا هو السبب او بعضه لارشاد الله سبحانه وتعالى عباده بغض النظر وذلك علاج نافع وسد منيع لاحد اكبر مدخل من مداخل الشيطان كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يقول:" ما تركت بعدي في الناس فتنة اضر على الرجال من النساء"
واول ضرر على الرجال من النساء هو النظر اليهن ان كن محارم والسبب في كونها اضر فتنة بعد الرسول على الرجال لانها تحرق معنى العبودية في قلب صاحبها.
وذلك ما بينه شيخ الاسلام ابن تيمية اذ يقول:
" النظر يؤكذ المحبة فيكون علاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم صبابة لانصباب القلب اليه ثم غراما للزومه للقلب كالغريم الملازم لغريمه ثم عشقا الى ان يكون تتيما والمتيم العبد وتيم الله عبد الله فيقي القلب عبدا لمن لا يصلح ان يكون اخا بل ولا خادما وهذا انما يبتلى به اهل الاعراض عن الاخلاص لله ويتبع صوم العين صوم اللسان عن فضول الكلام وايثار الصمت لسد المداخل(71/100)
امساك فضول الكلام واستبداله بالصمت
والكلام الذي لا يبنى عليه عمل ولا تقوم به مصلحة هو من فضول الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع وهو بذلك مضيعة للوقت او كما يراه الامام ابن القيم اشد من الموت" اضاعة الوقت اشد من الموت لأن اضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الاخرة والموت يقطعك عن الدنيا واهلها"
والخوض بالكلام الذي لا يفيد انما هو مدخل من مداخل ابليس قد تصل بصاحبها الى درجة الضلال ورب كلمة يتلفظ بها المرء لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار ابعد مما بين المغرب والمشرق وذلك ما رواه مسلم"
وان العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار ابعد ما بين المشرق والمغرب"
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الرعيل الاول هذا المدخل الشيطاني لئلا يقعوا في شباكه فيهوون في النار فمما ذكره لهم " ان رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وان الله قال: من ذا الذي يتألى علي ان لا اغفر لفلان فاني غفرت لفلان وأحبطت عملك" فهذا الرجل احبط الله اعماله كلها بسبب كلمة لم يلق لها بالا ولم يزنها قبل قولها.
ولقد حرص صلى الله عليه وسلم على امته كل الحرص في عدم الوقوع في ذلك فأعطاهم قاعدة منجية يطبقها جيل بعد جيل الى ان يرث الله الارض ومن عليها قال
" من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت
وللصمت منافع اربعة جمعها الاحنف بن قيس في قوله:
" الصمت امان من تحريف اللفظ وعصمة من زيف المنطق وسلامة من فضول القول وهيبة لصاحبه"
وليس غريبا على الاحنف ان يكون له علم بهذا الدواء لذلك المدخل فلقد كان ياخذ هذه الدروس على يد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له يوما:
" يا احنف من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه"(71/101)
ورب فئة من الناس ياخذون هذا الكلام على ما هو فيصمتون عن الحق والباطل معا ظانين انهم يسلموا بذلك من آفات اللسان ولا يدرون انهم وقعوا في آفة من آفاته
يقول الامام ابن القيم:" وفي اللسان آفتان عظيمتان ان خلص العبد من احداهما لم يخلص من الاخرة آفة الكلام وآفة السكوت وقد يكون كل منهما اعظم من الاخرى في وقتها .فالساكت عن الحق شيطان اخرس عاص الله مراء مداهن اذا لم يخف على نفسه والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله واكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين واهل وسط وهم اهل الصراط المستقيم كفوا السنتهم عن الباطل واطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الاخرة فلا يرى احدهم انه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائقة بلا منفعة فضلا ان تضره في آخرته.
ويكفي المسلم ان يعلم ان كل لفظة يلفظها تسجل عليه
" ونحن اقرب اليه من حبل الوريد اذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" والوريد الذي يجري فيه دمه وهو تعبير يمثل ويصور القبضة المالكة والرقابة المباشرة الدائمة وحين يتصور الانسان هذه الحقيقة لا بد يرتعش ويحاسب ولو استحضر القلب مدلول هذه العبارة وحدها ما جرؤ على كلمة لا يرضى الله عنها بل ما جرؤ على هاجسه في الضمير لا تنال القبول وانها وحدها لكافية ليعيش بها الانسان في حذر دائم وخشية دائمة ويقظة لا تغفل عن المحاسبة"
الامر الذي حدا بدعاة الحق على مر القرون ان يطلقوا السنتهم كما قال الامام ابن القيم في الحق ويؤثرون الصمت فيما عدا ذلك.
تكلم وسدد ما استطعت فانما كلامك حي والسكوت جماد
فان لم تجد قولا سديدا تقوله فصمتك عن غير السداد سداد
ويتم ذلك الصيام المبارك بصيام الاذن عن سماع ذلك الباطل.
تنقية الاستماع او صون الاذن عن سماع الباطل(71/102)
وكما ان اصحاب الباطل يطبقون هذه القاعدة تطبيقا دقيقا يفوق في كثير من الاحيان دقة اصحاب الحق فيصمون آذانهم عن سماع الحق كما قال الله سبحانه وتعالى على لسان نوح عليه السلام:" واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا اصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا"
وتثار مشاعرهم وينزعجون عند سماعهم للحق...
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
" ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة فكان اذا صلى باصحابه رفع صوته بالقرآن فاذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن انزله ومن جاء به فقال الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم:" ولا تجهر بصلاتك" فيسمع المشركون قراءتك " ولا تخافت بها"
عن اصحابك اسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر" وابتغ بين ذلك سبيلا" يقول بين الجهر والمخافتة.
فأولى بأصحاب الحق ان يصونوا آذانهم عن سماع الباطل بشتى انواعه من غناء ولمز وغيبة ونميمة واستهزاء وفتنة وتشكيك...
والأذن كالنحاس في سرعة توصيل الحرارة الى القلب فاذا كان المسموع باطلا تأثر به القلب فاما ان تزداد الحرارة فينحرق فيصبح مولعا بسماع الباطل ولا يحب سماع غيره او ان تصل الحرارة ضعيفة فتشغله في كثير من الاحيان عن سماع الحق.
والداعية المخلص لا يقول قول ذلك الساذج" ساعة لربي وساعة لقلبي"انما هو يعلم مباديء المفاصلة بكامله وصون الاذن عن سماع الباطل احد مبادئها...
" ان الجاهلية جاهلية والاسلام اسلام والفارق بينهما بعيد.والسبيل هو الخروج من الجاهلية بجملتها الى الاسلام بجملته هو الانسلاخ من الجاهلية بكل ما فيها والهجرة الى الاسلام بكل ما فيه واول خطوة في الطريق هي تمييز الداعية وشعوره بالانعزال التام عن الجاهلية تصورا ومنهجا وعملا.
الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق والانفصال الذي يستحيل معه التعاون الا اذا انتقل اهل(71/103)
الجاهلية في جاهليتهم بكليتهم الى الاسلام لا ترقيع ولا انصاف حلول ولا التقاء في منتصف الطريق...مهما تزيت الجاهلية بزي الاسلام او ادعت هذا العنوان"
وهي مع ذلك ليست بدعة مستحدثة في منهج الدعوة بل هي اصل من اصولها فقد وجه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم اصحاب دعوة الحق الى ذلك فقال.
"واذا رايت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"
ويجب ان تكون هناك فئة خاصة من الدعاة معدين اعدادا كاملا يقومون بمهمة سماع الباطل ليس للاستمتاع به انما للرد عليه ومع هذا يجب على هذه الفئة ان تضع ميزانا لها بان لا تستمع الى الباطل اكثر من سماعها للحق ...
هذا هو الصيام الذي فقهه اصحاب الحق ولم ينسوا مع
ذلك الصيام عن الطعام فان له مكانا بين الا دوية
الصيام
والصوم هو العلاج البديل للزواج لمن ليست له القدرة على مؤنة الزواج وذكر صلى الله عليه وسلم الحكمة من استخدام هذا العلاج فقال:" فانه له وجاء"...
" فقوله - له وجاء - اصله الغمز. ومنه وجاء في عنقه اذا غمزه دافعا له ووجأه بالسيف طعنه به. ووجأ أنثييه غمزها حتى رضها فان الوجاء رض الأنثيين "
وبهذا يضعف الدافع الى الشهوة التي تشغل العبد عن مهام الامور وتوقعه في مشاكل كثيرة وبذلك يكون الصيام سد منيع لمدخل كبير من مداخل الشيطان...
اما اولئك الذين يملكون الباءة وهي مؤنة الزواج فالزواج افضل لهم لما فيه من منافع كثيرة وليس كل زواج يصلح ان يكون دواء بل يكون دواء اذا كانت الزوجة صالحة اما ان كانت غير ذلك فربما يكون العكس فتكون عدوة له بدل ان تكون معينة هذا ما قاله الله في هذا الصنف
" يأيها الذين آمنوا ان من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم"
الزواج(71/104)
والزواج بذاته به علاج لكثير من مداخل الشيطان اذ به يكون الدافع اقوى لغض البصر واحصان الفرج وقطع الخواطر التي يلقيها عدو الله في نفس العازب وهو تعليم على حمل المسؤولية ومدرسة لتعليم الدعوة الى آخر ذلك من منافع ...
ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج وذلك لعلمه.
" ان الغالب وجود قوة الداعي فيهم الى النكاح بخلاف الشيوخ". فقال: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء" وقوله:" من استطاع الباءة فليتزوج فانه اغض البصر واحصن للفرج"ولا يقف الشيطان امام هذا الدواء صامتا بل يحاول ان يجعل ثغرات فيه او ان يهدمه ومن فيه فلذلك كان يلزم ان يوصف دواء ملازما لدواء الزواج وهو تقوية الرابطة الاسرية لسد جميع الثغرات وتقوية ذلك الحائط المنيع...
تقوية الرابطة الاسرية
ان تفكيك الاسرة هو احد مداخل الشيطان وهو واضح في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته وكيف امرهم الشيطان بقتله وكذلك واضح في الحديث الذي رواه مسلم عن ابي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان ابليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فادناهم منه منزلة اعظمهم فتنة يجيء احدهم فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء احدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم انت والضمانات التي تكفل ترابط الاسرة كثيرة في الاسلام منها: ان تختار الزوجة الصالحة وابعادها قدر الامكان
عن المجتمع الجاهلي الذي تعيش فيه ولو لفترة والعيش في مجتمع اسلامي...
ومنها: تربية الاطفال تربية اسلامية والعدل فيما بينهم.(71/105)
ومنها : امتثال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول :" خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لاهلي وان تكون الابتسامة على وجهه دائما امام زوجه وابناءه وملاعبة الزوجة والمزاح معها كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وينصح اصحابه به عندما قال لجابر رضي الله عنه فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وملاعبة الاطفال وتقبيلهم ومنها بر الوالدين وهذا ما امر الله به كي تتكامل صورة البناء الاسري فقال تعالى :" وقضى ربك الا تعبد الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماواخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "
ومنها ايضا : صلة الرحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت واكبر ضمان في تقوية الرابطة الاسرية والرابطة الاخوية هو القول الحسن.
القول الحسن
القول الحسن هو الدواء لما يلقيه الشيطان من نزغات في نفوس افراد جماعة الحق " وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم"
يامرهم الله ان يقولوا التي هي احسن على وجه الاطلاق وفي كل مجال فيختاروا احسن ما يقال ليقولوه... بذلك يتقون ان يفسد الشيطان ما بينهم من مودة فالشيطان ينزغ بين الاخوة بالكلمة الخشنة تفلت وبالرد السيء يتلوها فاذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء. والكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب تندي جفافها وتجمعها على الود الكريم"
ولا عجب ان ترقى الكلمة الطيبة الى منزلة الصدفة حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"والكلمة الطيبة صدقة" وكانت وسيلة للاتقاء من النار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اتقوا النار ولو بشق تمرة. فمن لم يجد فبكلمة طيبة.(71/106)
وحتى اذا وصل الحال الى الجدل فيكون جدلا في اطار الآداب الاسلامية والكلمة الطيبة وهي الجدال الحسن يكون بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح حتى يطمئن الى الداعي ويشعر ان ليس هدفه هو الغلبة في الجدل لكن الاقناع والوصول الى الحق .
فالنفس البشرية لها كبريائها وعنادها وهي لا تنزل عن الراي الذي تدافع عنه الا بالرفق حتى لا تشعر بالهزيمة وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الراي وقيمتها هي عند الناس فتعتبر التنازل عن الراي تنازلا عن هيبتها واحترامها وكيانها والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة ويشعر المجادل ان ذاته مصونة وقيمته كريمة وان الداعي لا يقصد الا كشف الحقيقة في ذاتها والاهتداء اليها في سبيل الله لا في سبيل ذاته ونصرة رايه وخزيمة الراي الاخر
وحتى تكون الكلمة الطيبة اكثر تاثيرا في نفس المخاطب لا بد ان تصطحب بابتسامة هادئة لا تفارق وجه صاحب الكلمة الطيبة...
الابتسامة
ان من اهم الخطوات التي يخطوها الداعية مع المدعو في بداية الطريق هي كسب القلب... فعندما يخطو الداعية هذه الخطوة بنجاح تنجلي الغرابة والاشمئزاز من المدعو لهذا الدواء الجديد فيبدا يشرب وياكل كل ما يقدم له من ذلك الدواء بشغف ويشتاق اليه ان تاخر عنه.
كما ان العوامل التي تكفل تحقيق هذه الخطوة كثيرة على راسها تلك الابتسامة الصافية التي يطلقها الداعية صافية من كل المصالح الدنيوية خالصة لله وحده... فهي دائمة لا تنقطع... اما البتسامات الاخرى المتعلقة بتلك المصالح فانها تختفي بمجرد انتهاء المصلحة .
ولقد لبس ابليس على كثير من الدعاة في تعبيس وجوههم واوهمهم ان ذلك من الجد الذي امر به الاسلام.
فكم من الخلق قد نفر من ذلك العبوس ...وليت الامر اقتصر على العامة فقط بل تعدى ذلك الى افراد جماعة الدعوة الواحدة وكم من اخ القى الشيطان في قلبه على اخيه ما القى بسبب العبوس واختل الرباط.(71/107)
ان الداعية الفقيه بابعاد الدعوة لا تخفى عليه مثل هذه الخطوة الاساسية والعوامل التي تكفل نجاحها فترى الابتسامة دائما مرتسمة على وجهه باشا في وجوه اخوانه كي تصفى القلوب من نزغات الشيطان ويقوى رباط الاخوة.
عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة رضي الله عنه : اكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم كثيرا .
كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح - او الغداة - حتى تطلع الشمس فاذا طلعت الشمس قام وكانوا يتحدثون فياخذون من امر الجاهلية فيضحكون ويبتسم"
بل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل من المعروف عندما قال:" لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى اخاك بوجه طلق".
وان اساء عليه احد الحمقى او تعرض لتصرف غريب فانه يقابل تلك الاساءة بابتسامة تخفي من ورائها فقه عميق راجيا ان تكون هذه الابتسامة سببا في انقاذ عبد قد تدلى بالنار وكاد ان يسقط فيها...
عن انس بن مالك رضي الله عنه قال :" كنت امشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فادركه اعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة نظرت الى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد آثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم امر له بعطاء.
اخي بالله هكذا يكون فقه الدعوة فلا تبخل بابتسامة قد تكون سببا في انقاذ عبد او ازالة هم قد اصاب اخا لك.
وانفق من هذه الصدقة ولا تخش الفقر ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون.
الانفاق في سبيل الله
والشيطان يقذف بالنفس الخوف من الفقر والانكماش عن الانفاق في سبيل الله ويصور للانسان ان ذلك المال ملك له وينسيه انه لله وانه جاء الى هذه الدنيا بلا مال عاري الجسد لا يستره شيء ولا يملك شيء والله سبحانه وتعالى يامر المؤمنين باكثر من اية ان ينفقوا في سبيل الله وينبههم انه هو المالك يقول الله تعالى :(71/108)
" وانفقوا من ما رزقناكم من قبل ان ياتي احدكم الموت"
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته هذا الدواء لمحاربة عدو الله فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول احدهما الهم اعط منفقا خلفا ويقول الاخر اللهم اعط ممسكا تلفا وما كان يقول (لا )
لاحد ساله شيء عن جابر رضي الله عنه قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا وكان ينفق نفقة الذي لا يخشى الفقر نفقة الذي هو مستيقن بان المال ليس ملكا له . فعن انس رضي الله عنه قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيئا الا اعطاه ولقد جاءه رجل فاعطاه غنما بين جبلين فرجع الى قومه فقال يا قوم اسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورعيله يتعاملون مع الشيطان ومداخله فلقد عقدوا البيعة مع الله وباعوا انفسهم واموالهم بان لهم الجنة والذين نسوا هذا العقد واوهمهم ابليس بان المال مالهم وانساهم ذكر الله ومالوا قليلا او كثيرا الى الدنيا لا يرفعهم عن ذلك الميلان الا ذكر الله...
الذكر
والانسان متى ما تذكر الله وشعر انه مراقبه في كل حركة وهمسة ومتى ما تذكر انه مكشوف امام الله سره وعلانيته وانه قادر على ان يهلكه متى شاء وايقن ذلك في قلبه يكون من الصعب ان يعصيه... وعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن "
لدلالة واضحة على ان الزاني حين يزني ينسى ان هناك رقيبا يرقبه وكاتبا يكتب ما يفعل ينسى ان عليه من بيده هلاكه فلذلك تنتفي صفة الايمان عنه في تلك اللحظات وكذلك حال السارق وشارب الخمر.(71/109)
اذن هو ذلك النسيان الذي يسبب الشقاء الابدي في نار جهنم ومسببه هو عدو الله ابليس وهو من اكبر مداخله على ابن ادم ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة والدواء لهذا الداء هو ذكر الله على كل حال فيه ينتصر اصحاب الحق وبدونه يهزم اصحاب الحق وهو السبب الذي انقذ الله به نبي الله يونس عليه السلام من بطن الحوت والا لمكث في بطن الحوت الى ما يشاء الله .
وكل جماعة معرضة لذلك الانتكاس وكل داعية الى الله معرض للانتكاس متى نسي ذكر الله وبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان اهل الغفلة والنسيان.قال بعض السلف: اذا تمكن الذكر من القلب فان دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الانسان اذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا ؟ فيقال: قد مسه الانسي" والذكر عنصر اساسي في منهج هذا الدين انه ليس منهج معرفة نظرية وجدل لاهوتي انه منهج حركة واقعية لتغيير الواقع البشري. وللواقع البشري جذوره وركائزه في نفوس الناس وفي اوضاعهم سواء...
وتغيير هذا الواقع الجاهلي الى الواقع الرباني الذي يريده الله للناس وفق منهجه مسالة شاقة عسيرة تحتاج الى جهد طويل والى صبر عميق. وطاقة صاحب الدعوة محدودة ولا قبل له بمواجهة هذه المشقة دون زاد يستمده من ربه"
ومتى ما استيقظ ذلك الناسي من نومه وذكر الله تكون اول ثمرة يقطفها من تلك الشجرة المباركة هي ثمرة الجهاد في سبيل الله ذلك لانه تذكر الله...
الجهاد
يقول ابن القيم قال تعالى:" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" علق سبحانه الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية اعظمهم جهادا وافضل الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا فمن جاهد هذه الاربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة الى جنته ومن ترك الجهاد فانه من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد"(71/110)
ويتسرب عليه الشيطان من كل جهة ويضع مخالبه في جسده حتى يقطعه اربا اربا. اما من جاهد هذه الاربعة فقد اغلق جميع المنافذ على عدو الله ووضع الجنود على ابواب القلب تمنع اي مستعمر من الدخول...
وهذه الاربعة هي الوقود الذي يتزود منه الدعاة في حركتهم لتغيير هذا الواقع الجاهلي وبغير هذا الوقود تكون حركتهم ميتة لا روح فيها ولا انطلاق مزخرفة من الخارج ولكن داخلها خواء...
وللجهاد مراتب اربعة ذكرها الامام ابن القيم اثنان منها تتعلق بجهاد الفرد لنفسه وهما:
1- جهاد النفس
2- جهاد الشيطان
والاخرى تتعلق بجهاد الفرد للآخرين وهما
1- جهاد الكفار
2- جهاد المنافقين
جهاد النفس: اربع مراتب ايضا
احدهما: ان يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها الا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.
الثانية: ان يجاهدها على العمل به بعد علمه والا فمجرد العلم بلا عمل ان لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: ان يجاهدها على الدعوة اليه وتعليمه من لا يعلمه والا كان من الذين يكتمون ما انزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: ان يجاهدها على الصبر لتحمل مشاق الدعوة الى الله واذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله فاذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فان السلف مجمعون على ان العالم لا يستحق ان يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعلم وعمل فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماء.
واما جهاد الشيطان: فمرتبتان:
احدهما: جهاده على دفع ما يلقي الى العبد من الشبهات والشكوك القادمة في الايمان...(71/111)
الثانية: جهاده على منع ما يلقى اليه من الارادات والشهوات. فالجهاد الاول يكون بعده اليقين والثاني بعده الصبر. قال تعالى :"وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" فأخبر ان امامة الدين انما تنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشبهات والارادات واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
واما جهاد الكفار والمنافقين: فاربع مراتب:
بالقلب واللسان والمال والنفس.
وجهاد الكفار اخص باليد وجهاد المنافقين اخص باللسان.
واما جهاد ارباب الظلم والبدع والمنكرات: فثلاث مراتب:
الاولى: باليد اذا قدر فان عجز انتقل الى اللسان فان عجز جاهد بقلبه فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شغبة من النفاق"
ولا يستطيع هذا الانسان الضعيف ان يقوم بهذه المراتب كلها لوحده ولئنقام بها لوحده فان الثمار ستكون قليلة كثير منها غير ناضج واذا قام بها ضمن جماعة فان ذلك احب الى الله قال تعالى:" ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص" فيسهل بذلك الطريق وتزداد الثمار الناضجة ان شاء الله.
الالتزام بالجماعة
ان الالتزام بالجماعة الصالحة من الامور التي يبغضها عدو الله لأن الجماعة الصالحة هي احد الاسباب لانقاذ الانسان من النار وهو بطبيعته يدعو أولياءه الى عذاب السعير فكل ما يبعد الانسان عن عذاب السعير يكرهه عدو الله.(71/112)
والانسان يتأثر بالوسط الذي يعيش فيه وغالبا ما ياخذ صفات ذلك المجتمع. ومصداق ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه" فابواه لانهما هما المجتمع الاول الذي يعيش فيه فبهما ترتسم شخصيته ويكتمل بناء الشخصية من تاثيرات المجتمع الآخر الذي يعيش فيه وهو مجتمع الاشخاص الذين يحتك في بعضهم ويرافق البعض الآخر ومن هذا كان لا بد ان يلتزم المسلم بالجماعة الصالحة ولا اختيار له في ذلك خاصة بمثل هذا الوقت الذي ابعد فيه منهج الله عن الحياة واستبدلوه بالمناهج الوضعية.
ويروي المفسرون ان بعض المؤلفة قلوبهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجعل لهم مجلسا خاصا وينحي عنهم فقراء الصحابة فانزل الله تعالى :
" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا"
" أصبر نفسك مع هؤلاء: صاحبهم وجالسهم وعلمهم ففيهم الخير وعلى مثلهم تقوم الدعوات فالدعوات لا تقوم على من يعتنقونها لانها غالبة ومن يعتنقونها ليقودوا بها الاتباع ومن يتبعونها ليحققوا بها الاطماع وليتجروا بها في سوق الدعوات تشترى منهم وتباع انما تقوم الدعوات بهذه القلوب التي تتجه الى الله خالصة له لا تبغي جاها ولا متاعا ولا انتفاعا انما تبغي وجهه وترجو رضاه".
ولقد وعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اراد ربه منه حينما اوصاه بألا يفارق الجماعة الصالحة ولا تعد عيناك عنهم" فربى اصحابه على هذه الوصية فتارة يبين لهم ان المفارق للجماعة كأنه خلع ثوب الاسلام منه فيقول:" من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه ( العروة في الحبل) وتارة اخرى يقول لهم
" الجماعة رحمة والفرقة عذاب"اذ ان الواحد البعيد عن الجماعة الصالحة مهيء لأن يفترسه الشيطان فهو يتصيد الشاة البعيدة عن القطيع وكذلك ما روى البخاري في(71/113)
صحيحه عن حذيفة بن اليمان عندما كان يسال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة ان يقع فيه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصف له حالة المسلمين بالمستقبل بوحي من الله حتى يقول له حذيفة فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم دعاة على ابواب جهنم من اجابهم اليها قذفوه فيها قلت أي حذيفة ) صفهم لنا قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. ثم يقول حذيفة للرسول صلى الله عليه وسلم: فما تأمرني ان ادركني ذلك ؟
قال : تلزم جماعة المسلمين وامامهم ثم قال حذيفة :
فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو ان تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وانت على ذلك " بهذا كان يوصيهم لعلمه ما للجماعة من الاهمية في ازالة الباطل.ولكن الجماعة ليست آخر دواء لمحاربة عدو الله والانتصار عليه انما تتبعها ادوية كثيرة لعلاج ما يستجد من امراض خلال ممارسته العمل الجماعي وكذلك لتقوية النفس على تحمل عبء هذا الطريق الصعب وتزكيتها .
" قد افلح من زكاها" من هذه الادوية - المحاسبة...
المحاسبة
ولقد اعد هذا الدواء نتيجة للامراض التي يلاقيها الداعية خلال ممارسته العمل الجماعي من العجب والرياء وحب الرياسة والكبرياء عن اخذ النصيحة وما شابه كل ذلك يزرعه عدو الله في طريق الداعية ليجعله يحيد عن الطريق فتقطع الجذور وتتوقف الأثمار...
فكان من واجبات الداعية ان يتجرع هذا الدواء بين كل آونة واخرى يراجع نفسه ويصفيها مما علق بها من شوائب ويعزم ان يصقلها بالاخلاص والاقلاع عما علق في نفسه...
قال الله تعالى:"يا أيهاالذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" يقول الامام ابن قدامة المقدسي:
" وهذه اشارة الى المحاسبة بعد مضي العمل ولذلك قال عمر رضي الله عنه حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا.
وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه.(71/114)
وقال ان المؤمن يفجأه الشيء يعجبه فيقول: والله اني لأشتهيك وانك لمن حاجتي ولكن والله ما في حيلة اليك هيهات حبل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع الى نفسه فيقول: ما اردت الى هذا مالي ولهذا والله لا اعود الى هذا ابدا ان شاء الله .
ومعنى المحاسبة ان ينظر في راس المال وفي الربح وفي الخسران لتبين له الزيادة من النقصان فراس المال في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل وخسرانه المعاصي وليحاسبها اولا على الفرائض او هي كمل يقول الامام البنا:" استعراض اعمال اليوم ساعة نوم فان وجد الاخ خيرا فليحمد الله وان وجد غير ذلك فليستغفر وليسئل ربه ثم يجدد التوبة وينام على افضل العزائم" اما ذلك الذي يترك نفسه بلا فطام وبلا حساب ولا تزكية فهو معرض لمرض قسوة القلب او الميلان الى الدنيا فلأولى دواء له معرفة حقيقة الدنيا...
معرفة حقيقة الدنيا
وقد مثل القرآن الكريم الدنيا بصورة رائعة اذ يقول تعالى:" واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح " بهذه اللمسات السريعة المتلاحقة يرسم القرآن الدنيا تناسبا مع قصرها ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مصورا قصرها" ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل احدكم اصبعه في اليم فلينظر بم يرجع"
وعن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كفتيه.فمر بجندي أسك
( به عيب ) ميت فتناوله فاخذ باذنه ثم قال:
" أيكم يحب ان هذا له بدرهم"؟ فقالوا :ما نحب انه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال: " اتحبون انه لكم"؟ قالوا:
والله لو كان حيا كان عيبا أنه أسك فكيف وهو ميت؟
فقال :" فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم"(71/115)
والغريب وعابر السبيل اسمان يطلقان على الذي يمر ببلد ليس هو من اهلها ولا هي موطنه الاصلي - وهذه هي حقيقة الدنيا - انها ليست الموطن الاصلي واننا مسافرون او عابرو سبيل خلال هذه الدنيا كما عبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم اذ يقول لابن عمر رضي الله عنه
كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل واذا كان كذلك فما اجدر بعابر السبيل ان يتزود لاكمال رحلته لموطنه الاصلي فهناك الراحة الحقيقية... وعندما يصل هناك ينتهي النصب وهذا هو الفارق بين اصحاب الحق واصحاب الباطل او قل انه احد الفوارق بان اصحاب الباطل يعتبرون الدنيا دار اقامة والموطن الاصلي لهم وذلك من تزيين الشيطان ومن هذا المنطلق فانهم يتكالبون عليه مستصغرين كل منكر يفعلونه عليها ويتجاذبونها حتى تهلكهم . ولقد اجاد ذلك الشاعر الذي خاطب تلك الفئة المتكالبة على الدنيا ووصف لهم الدنيا بانها منزل ركب حلوا به ثم رحلوا وان العيش فيها نكد وان ساكنها لا يسوغ له عيش لما يلاقيه فيها من الروعات المستمرة تريد نفسه الهروب. والموت يتبعها ويسعى الساكن فيها كل حياته لغيره والقبر لا يرث منه الا الاعمال الصالحة.
الا ترى انما الدنيا وزينتها
كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحلوا
حتوفها رصد وعيشها نكد
وصفوها كدر وملكها دول
تظل تفزع بالروعات ساكنها
فما يسوغ له عيش ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض
تظل فيه سهام الدهر تنتضل
والنفس هاربة والموت يتبعها
وكل عثرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى بما يسعى لوارثه
والقبر وارث ما يسعى له الرجل(71/116)
ولقد مثل ابن القيم الدنيا:" بالبحر الذي لا بد للخلق كلهم من ركوبه ليقطعوه الى الساحل الذي فيه دورهم واوطانهم ومستقرهم ولا يمكن قطعه الا في سفينة النجاة فأرسل الله رسله لتعرف الأمم اتخاذ سفن النجاة وتأمرهم بعملها وركوبها وهي طاعته وطاعة رسله وعبادته وحده واخلاص العمل والتشمير للاخرة وارادتها والسعي لها سعيها فنهض الموفقون وركبوا السفينة ورغبوا عن خوض البحر لما علموا انه لا يقطع خوضا ولا سباحة واما الحمقى فاستصعبوا عمل السفينة وآلاتها والركوب فيها وقالوا نخوض البحر فاذا عجزنا قطعناه سباحة وهم اكثر اهل الدنيا فخاضوه فلما عجزوا عن الخوض اخذوا في السباحة حتى ادركهم الغرق ونجا اصحاب السفينة كما نجوا مع نوح عليه السلام وغرق اهل الارض وهكذا يغوي الشيطان من ضل ويغريهم بالسباحة وسط امواج الفتن والشهوات حتى يغرقون في نار جهنم...
ويصادف الداعية في طريقه اخبث الامراض على الاطلاق وهو الرياء او كما سماه ابن القيم الشرك في العبادة ولا دواء لهذا المرض الخبيث الا الاخلاص لله.
الاخلاص
تعريفه: الاخلاص هو تجريد قصد التقرب الى الله تعالى عن جميع الشوائب فاذا امتزج قصد التقرب بباعث اخر من رياء او غيره من حظوظ النفس فقد خرج عن الاخلاص ومن كلام الفضيل بي عياض ترك العمل من اجل الناس رياء والعمل من اجل الناس شرك والاخلاص ان يعافيك الله منهما.
فعندما ينتفي عنصر الاخلاص من الاعمال ينتج نوع من الشرك يطلق عليه:
الشرك في العبادة: والشرك في العبادة يصدر ممن انه لا اله الا الله وانه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع الا الله وانه لا اله غيره ولا رب سواه ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة وطلب الدنيا تارة ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة ولله من عمله وسعيه نصيب ولنفسه وحظه وهواه نصيب وللشيطان نصيب هذا حال اكثر الناس.(71/117)
فالرياء كله شرك قال تعالى: قل انما أنا بشر مثلكم يوحى الي أنما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا"
اي كما انه اله واحد لا اله سواه فكذلك ينبغي ان تكون العبادة لله وحده"
فالذي لا يضع الاخلاص كعنصر اساسي في اعماله لا بد وان تظهر بعض الاثار .
آثار الرياء: ومن اول هذه الآثار:
1- عدم قبول العمل فقد قال تعالى:" وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا" وهي الاعمال التي كانت على غير المنهج الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خالية من الاخلاص لوجه الله وحده.
ولقد سئل الفضيل عن العمل المقبول عند الله فقال:
" هو اخلصه واصوبه قالوا: يا ابا علي ما اخلصه واصوبه؟ فقال: ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ان يكون لله والصواب ان يكون على السنة.
2- يكون مبغوضا بين الناس وذلك ان المرائي يدخل في نطاق دائرة الذين يبغضهم الله لأن قرباته غير خالصة لوجه الله وحده فقد روى الامام مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل اذا احب عبدا دعا جبريل عليه السلام فقال: اني احب فلانا فاحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول ان الله عز وجل يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الارض واذا ابغض الله عبدا دعا جبريل عليه السلام قال اني ابغض فلانا فابغضه قال فيبغضه جبريل
ثم ينادي في اهل السماء ان الله يبغض فلانا فابغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الارض.
3- ان هذا الصنف من الناس هم اول من تسعر بهم النار يوم القيامة وذلك ما رواه الامام مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(71/118)
" ان اول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لان يقال جريء فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه حتى القي في النار .
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما فعلت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرات فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرات القران ليقال هو قارىء فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه حتى القي في النار . ورجل وسع الله عليه واعطاه من اصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما فعلت فيها قال ما تركت من سبيل تحب ان ينفق فيها الا انفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه ثم القي في النار"
وبالاضافة الى هذه الآثار فان هذا الصنف من الدعاة هم الذين يعيقون عجلة الدعوة من التقدم بخطوات اوسع.
وقديما قال ابن الجوزي صادقا:" انما يتعثر من لم يخلص" وهو وان كان يعني بذلك الفرد الا ان للمجموعة ايضا قلبا واحدا مشتركا يضره مرض البضغة الصغيرة منه كما يضر مرض بغض قلب الفرد ذاك الفرد فاذا مرض داعية برياء تضررت جماعة الدعاة كلها بمرضه
وتعثرت ومرض قلبها حتى يتخلص منه بتوبة او تتخلص منه بابعاد.
وهذه الآثار بمجموعها كانت سببا في خوف الصحابة من هذا المرض وكانوا يدعون الله بأن تكون اعمالهم كلها خالصة لوجه الله لئلا يصيبهم بعض هذه الآثار .
" وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا"(71/119)
وتكتمل صورة هذا الدواء عندما يحاول المسلم مضادة ابليس فيما يلقى في نفسه من تشكيك في اخلاصه ومن امثلة ذلك انه اذا شككه في اخلاصه بطول السجود في المسجد عليه ان يطيل السجود في بيته لوحده واذا شككه في اخلاصه بالانفاق علنا عليه ان ينفق سرا وهو اتزان بالاعمال لكي تخرج خالصة لوجه الله ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم غافلا هذا الجانب التربوي الكبير فمما يرويه الامام مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه ان امرأة سوداء كانت تقم المسجد او شابا ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها او عنه فقالوا: مات ( ماتت ) قال: " أفلا كنتم آذيتموني " ؟
قال: فكأنهم صغروا أمرها او امره فقال: " دلوني على قبرها" ( قبره ) فدلوه فصلى عليها ثم قال:" ان هذه القبور مملوءة ظلمة على اهلها وان الله ينورها بصلاتي عليهم"
فهو تدريب عملي على الاخلاص فكأنه يقول لهم ان كانت صلاتكم على الميت خالصة لله فهي لا تكون فقط على الغني والمعروف بين الناس وصاحبكم انما هي على الفقير ايضا والغير معروف من الناس...
ولئن سلم الداعية من هذا المرض الخبيث سلم من كل مرض دونه ان شاء الله ولكن تبقى امراض اقل منه خطورة تصيب بعض الدعاة ومن هذه الامراض - الوسوسة - وخير دواء لها:
اتباع السنة الصحيحة
وهو اهم علاج للموسوسين. قال الامام ابن القيم:
" فمن اراد التخلص من هذه البلية فليستشعر ان الحق في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك انه على الصراط المستقيم وان من خالفه من تسويل ابليس ووسوسته. ويوقن انه عدو له لا يدعوه الى خير" انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير".
وليترك التعريج على كل ما خالف طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنا ما كان فانه لا يشك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم.(71/120)
ومن شك في هذا فليس بمسلم ومن علمه فالى اين العدول من سنته؟ واي شيء يبتغي العبد غير طريقته ؟ويقول لنفسه: ألست تعلمين ان طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الطريق المستقيم؟ فاذا قالت له: بلى قال لها:
فهل كان يفعل هذا؟ فستقول لا فقل لها فماذا بعد الحق الا الضلال؟ وهل بعد طريق الجنة الا طريق النار؟ وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله الا سبيل الشيطان؟ فان اتبعت سبيله كنت قرينه وستقولين: " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولينظر احوال السلف في متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليقتد بهم وليختر طريقهم فقد روينا عن بعضهم انه قال:
" لقد تقدمني قوم لو لم يجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته قلت هو ابراهيم النخعي وقال زين العابدين يوما لابنه :" يا بني اتخذ لي ثوبا البسه عند قضاء الحاجة فاني رايت الذباب يسقط على الشيء ثم يقع على الثوب ثم انتبه فقال ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم الا ثوب واحد فتركه ثم ليعلم ان الصحابة ما كان فيهم موسوس ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله عن رسوله وصحابته وهم خير الخلق وافضلهم ولو ادرك رسول الله صلى الله عليه وسلمالموسوسين لمقتهم ولو ادركهم عمر رضي الله تعالى عنه لضربهم وادبهم ولو ادركهم الصحابة ليدعوهم " تجرع هذا الدواء ولربما تعافه نفسك في بداية الامر ولكن به الشفاء ان شاء الله...
خاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله الذي اعانني على انهاء هذا البحث الذي استغرق مني سنتين بسبب كثرة مراجعته وفي كل مرة اراجعه اقع على اخطاء وتتبلور افكار فاضيفها للبحث.
ان مداخل الشيطان اكثر مما تحصر في هذا البحث ولكنها محاولة اسال الله ان تكون خالصة لوجهه الكريم وان تكون خالية من الرواية الضعيفة والموضوعة صافية صفاء السنة المطهرة.(71/121)
وما اردت في هذه المحاولة ان اجعل القاريء في حالة يأس مترددا في اعماله غير واثق من خطاه ولكنني اؤمن ان الذين عقدوا البيعة مع الله على ان ينصروا دينه او يموتوا في سبيله هم احوج الناس لمعرفة دروب ابليس ومداخله ليخلصوا انفسهم منها فينطلقون لاستئصال الباطل من انفس الناس وبناء الحق مكانه.
ومع ذلك فهي محاولة لا تخلو من خطأ او ضعف في بعض النقاط ولا اعني بذلك سد باب النقد انما اردت ان اذكر حقيقة ينساها الكثيرون .
واختم ما ابتدات به في المقدمة بانني على استعداد لتقبل كل نقد وملاحظة واقتراح ورحم الله امرىء اهداني عيوبي وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
عبد الحميد البلالي(71/122)
الساحر التائب : داود محمد فرحان
اليمن – محافظة ريمة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) " سورة البقرة "
مجمل الحوارات مع الساحر التائب داود محمد الفرحان في حلقات الجانب المظلم وغيرها وفيها معلومات عن السحر والسحرة وفوائد كثيرة نقلتها بنصها وبشيء من التنسيق والتصحيح من عدة مواقع من النت للفائدة :
سامي بن خالد الحمود – عضو التوعية الدينية بالأمن العام للملكة العربية السعودية، ومقدم برنامج الجانب المظلم بقناة المجد الفضائية-:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم من جديد في حلقة جديدة من برنامجكم الجانب المظلم.
أحداث هذه القصة حقيقية وليست من نسج الخيال:
- من هو هذا الرجل ؟
- كيف كانت علاقته بالجن ؟
-ما قصة لقائه بالدابة التي تتكلم ؟
- من هو ملك النماردة ولماذا سافر للقائه ؟
- ماالطرق الكفرية التي كانت شرطاً لدخوله عالم السحر؟
- كيف كانت مواقفه مع المتعلقين بالسحر والشعوذة ؟
الحلقة الأولى تجيب على هذه الأسئلة وغيرها......(72/1)
بداية الرحلة
الناس في هذه الأجواء رغم حياتهم البسيطة وبرغم ما فاتهم من المادية كان تأثرهم بالأعمال الروحية التي ربما هدمت الشرائع وعطلت العقول... وبعد ساعات من السير وصلنا إلى هذه القرية النائية الصغيرة وكان ضيفنا في استقبالنا...
داود : يا ميت مرحبا يا ميت مرحبا ، حياكم الله
سامي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
داود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، شرفتم المنطقة .
سامي: أنا سعيد جدا بلقائك ونيابة عن أسرة البرنامج أقدملك الشكر على قبول الدعوة داود: حياكم الله...
سامي: واستضافتنا في هالمنطقة الجميلة محافظة ريمة .
داود: بلدكم، وأهلا وسهلا فيكم.
سامي: يبارك فيك..
داود: اتفضلوا معنا...
سامي: إحنا في الحقيقة قبل ما ندخل القرية ودنا ناخذ جولة في المنطقة، حقيقة سحرتنا المنطقة..تستاهل التعب والطريق اللي مشيناه
داود: أهلا وسهلا، اتفضلوا....
صوت المعلق أثناء قيام سامي و داود بالجولة في القرية :
هذا هو ضيفنا داود محمد فرحان، الرجل البسيط الذي اكتسى وجهه بالبشر والترحيب كما هي قريته الصغيرة التي اكتست بالخضرة الجميلة واغتسلت بالمياه الجارية وحلقت فوق هام الجبال فكان في نفوس أهلها حظ من هذا الجمال.
سامي: أبو رفيع أعرف عنك إنك خضت رحلة طويلة في عالم السحر والشعوذة وكنت فريسة للشيطان ثم عدت للرحمن سبحانه..
داود: الحمد لله..
سامي: بودنا أن نبدأ رحلتنا في هذه المحافظة – في ريمة- كيف كانت نشأتك وطفولتك؟
داود: والله نشأتي وطفولتي يعني صعبة كانت منذ الصغر، وفي سن صغيرة كان يصيبني المس الشيطاني، وكان والدي لا يستعين بالله لتخليصي منه وإنما كان يستعين بالشيطان حتى أنه نذرني للشياطين التي تتعامل وتتعاون معه وكان يصحبني في كل أعماله إلى أن رحل وأنا في سن 12 سنة. " هذه الفقرة مأخوذ من جريدة الوطن القطرية من النت "
سامي: كيف كانت النشأة ؟ أسرتك(72/2)
داود: والله كان الوالد مشعوذ، وكان الاضطرار أنه كل في الدير فيه شعوذة، فَرَسَت القضية علي يعني أكون بديله.
سامي-مقاطعا-: الوالد أخذ السحر والشعوذة هذه من من؟
داود: هو أخذها وراثة، يعني الأسرة متوارثة العمل هذا.
سامي: كان كبير في السن ؟
داود: نعم كان كبير..وقعدت أنا معه وكنت آخر المواليد، فجاء الدور علي أن أكون بديل للوالد.
سامي: أبو رفيع هل صحيح أن الساحر لما بيموت تكون الشياطين تجعل أحد أقاربه أو أبنائه خليفة له أو وريث.
داود: نعم يتوارثون الشر أباً عن جدّ يعني كل واحد يتوارث عنه هاي الشغلة، وهذا هو السبب اللي خلانا ندخل في هاي الطريقة المظلمة.
سامي: طيب الوالد كيف كانت أحواله؟
داود: كانت أحواله مثل ما كانت أحوالي مثل ما عشت: ضيق عيش ونكد وكآبة في الحياة، وكره عند الناس، ومشاكل كانت متواترة.
سامي: كنت تشاهد أشياء معينة عليه كيف كان يمارس، أمامكم في البيت؟
داود: الأسرة كلها متأثرة بالسحر من خلال ممارسته له.
سامي: يعني الأمر طبيعي عندكم؟.
داود: هو طبيعي كذلك.
سامي: طيب الوالدة كانت راضية أيضا ؟.
داود: ما ترضى الوالدة بهاذ العمل هذا أبدأ.
سامي: كيف كان موقفها في البيت ؟
داود: زي أي زوجة طائعة لزوجها، من باب الطاعة فقط، ما كان في عشرة برغبة، والحمد لله....وأنا كمان لحقت بنفس المطاف.
طقوس السحرة
سامي: كان الوالد له زيارات وطقوس..
داود: نعم نعم..
سامي: قل لي شوية عن هذه الطقوس.
داود: كان يزور بن علوان كل سنة..
سامي: من هو بن علوان
داود: هذا قبر في منطقة يفرس بمحافظة تعز (270 كيلو متر إلى الجنوب من صنعاء) ، لأحد الصالحين ، يقولوا أنه شيخ الجن، كلام يعني خزعبلات من عقول الأولين. " هو أحمد بن علوان بن عطاف ، يزعمون أن نسبه ينتهي الى الحسن بن على ، وهو أحد مشايخ الصوفية ، ولد عام 600 هجري وتوفي عام 665 هجري ، شافعي المذهب صوفي المعتقد "
سامي: بن علوان في أي محافظة ؟(72/3)
داود: محافظة تاز في يفرس .
سامي: وكان الوالد يرحل في أوقات معينة ؟
داود: كان يروحلوا دوما في شعبان في ليلة الرابع عشر والخامس عشر، يسمونها الشعبانية، يجتمع في هذا المكان كثير من المشعوذين السحرة والكهنة، على أساس أنه يؤدون خدمة معينة عند بن علوان، ويؤدون بعض القربات مثل النذور الشركية، يذبحون لغير الله سبحانه في هذا المكان...معبد لغير الله سبحانه وتعالى.
سامي: أعوذ بالله.....الوالد كم بقي متى توفي ؟
داود: الوالد توفي عام 78.
سامي: يعني كم كان عمرك وقتها. ؟
داود: ...والله ما أخمل..هو يعني أنا قست بعد الوالد حوالي 3 سنوات ثم دخلت في المرحلة اللي حقو..
سامي: يعني حدود 10 سنوات كان عمرك ؟.
داود: يمكن 10 سنوات أو أكثر من كده..
سامي: طيب الوالد في غيره في الأسرة كان يمارس السحر والشعوذة..؟
داود: من قبله كان فيه أبوه، ثم أنا .
بداية العلاقة من الجن
سامي: كيف قلت أنك كنت تقابل الشياطين في هذه المرحلة ؟
سامي: بعد وفاة الوالد إنقطعت علاقة الشياطين بالبيت ؟، كيف كان وضعك ؟ كيف كانت علاقتك فيهم.
داود: الشياطين كنت أتقابل معهم عن طريق عمليات الخداع، يعني إنهم إنس ومن القرية، ( يعني أنهم يتشكلون بشخصيات من نساء أهل القرية ) .
سامي: الإناث من الجن...كيف هذا ؟ يعني هل ترى أجسام معينة أو صور، كيف ؟ على أي شكل..؟
داود: الشكل الذي حاصل في القرية أحصل عليه هناك يعني متلبس " متشكل " .
سامي: وين كنت تلتقي معهم ؟
داود: كنت ألتقى معهم في الأماكن الخالية خارج القرية، ما فيها سكان فيها مغارت قد يمكن أصطحبكم إليها وتشاهدونها..وتكون فرصة انكم تتعرفون على بعض الأماكن التي يختلي بها هاذولا الناس..
ما هي قصة الخلوة ودخولك فيها وتفاصيلها؟(72/4)
- الخلوة هي الاختلاء بترديد بعض الأقوال التي تجلب الجن والشياطين واشترطوا عليّ الدخول في الخلوة لمدة أربعين يوما وأثناء الخلوة فرضت عليّ أعمال لابد منها حتى أصل إلى المرتبة العالية في السحر ويكون لي كلمة وجاه قوي بين الناس مما فرض عليّ أن أبقى على نجاسة طوال الأربعين يوما لا أتطهر من جنابة ولا أغسل موضع قضاء الحاجة من بول وغائط ولا أغتسل بالماء وبعد ذلك طلبوا مني تدنيس (المصحف الكريم). " هذه الفقرة مأخوذ من جريدة اللمدينة " ويواصل الساحر التائب عرض المراحل التي مر بها حتى يتم له ممارسة هذه الكبيرة، ليصل إلى مرحلة الإعداد، ويقول كنت أذهب إلى المغارات بالجبال وأترك بيتي لفترات طويلة أقضيها في الصحراء والتقي إناث الجان حتى وصلت إلى ممارسة الفاحشة معهن وكن يتشكلن في صورة إنسيات. " هذه الفقرة مأخوذ من جريدة الوطن "
سامي: والله طيب أنك تصحبنا إلى بعض الأماكن...
سامي: بعد هذه المرحلة ما كنت تحضر الشياطين، تراهم ؟
داود: بهاي الطريقة التي وصفتها لك يعني ما كنت أمارس السحر بعد.
سامي: يعني كانت علاقات .
داود: أيوه علاقات غرامية، تكون علاقات زي أي أشخاص عاديين معروفة..
سامي : ذكرت لي موقف غريب حصلك داخل القرية...الدابة اللي ركبتها و حصلك أشياء غريبة ، أذكرلي ها الموقف.
داود: هذا كان في وقت متأخر من الليل وأنا راجع من بعض المناطق المجاورة ، تحصلت على هذه الدابة في الوادي، فظنيت أنه أحد الشباب جاب هذه الدابة على أساس يسوي حاجة في البيت المجاور للطريق..
سامي: كيف كانت الدابة ؟..(72/5)
داود: الدابة بيضاء-حمارة -مرتفعة مزينة وعليها فراش، فقلت أعمل مكيدة للي جابها أشيل عليه الدابة وأخليه يروح برجلو.....أخذتها مسافة وأنا طالع في هذا المكان- أشار إليه- مكان مرتفع صعب إنك تطلع عليه فوق الدابة – فما رضت تطلع ضربتها بالعصا الضربة الأولى، فاهتزت ،، ضربتها الضربة الثانية، فالتفتت لي وقالت لي : تحسبني دابة تضربني بالعصا..إتكلمت..ثم إختفت في الأرض بعدما ضربتها الضربة الثالثة ما عدت شفتها.
سامي: وبعدين
داود: خلاص انحرف عقلي، روحت البيت فمسكوني بعض الناس تعاونوا مع الوالدة، مسكوني وقيدوني بالحديد ووضعوني في مكان مقفل في البيت.
سامي: وش الأشياء اللي كنت تشعر فيها بعد الموقف اللي حصلك مع الدابة؟.
داود: والله كانت تجيني حاجات غريبة، كانوا يدوني ( يجلبون لي ) أكل مش موجود في البيت، يأتوني بلحم، وفيما بعد اتضح لي أن اللحم كانوا يجيبوه من ميتات، من خبايث، اتعلمتها كنت أخرج في الليل وأروح آكل الخبايث.
سامي: تخرج في الليل ؟
داود: أخرج في الليل، نعم، أبحث عن الخبائث...آكل الميتة، أكل الكلاب والقطط وما يشبه ذلك؟.
سامي: ذكرت لي أنه كانت عندك رغبة حتى في الأطفال، وش هذا الشعور ؟
داود: لو تحصلنا على طفل ما كان ينجو أبدًا، كان مصيره يكون مصير أي حيوان.
سامي: وهل حصل أنك أكلت طفل معين ؟.
داود: لا لا ، الوالد حصل أنه أكل، يعني الناس ما كان عندهم أسلحة، أو وعي بهذه الطريقة، الوالد كان يتحصل على هذه الحاجات،..شباب كبار..
سامي: كيف يطبخها....؟
داود: يأكلها نيئة، ما هو يعني الشياطين تاكل ، هو عبارة عن آداة فقط....أنا كنت أحس هذه الرغبة بنفسيتهم ، وبذلت جهد في ذلك، إذ كنت أترقب في الليل...
سامي: كيف كان رد فعل الوالدة لما حصل ما حصل من حادثة الدابة؟.(72/6)
داود: بعد ما مسكوني وقيدوني، أخذوني عند أحد المشعوذين الموجودين بالقرية على أساس أنه يعالجني، فحدث شيء غريب لما مسك رأسي ضربته برأسي ، فقال هذه كرامة الله هاذول الخدام حق أبوه أنا ماني قادر لهم.
سامي: يعني صار أضعف منك؟.
داود: هو عنده واحد، أنا عندي سبعة ؟.
ثم رجعوني للبيت وبقيت مقيد بسلاسل في رجلي وفي يدي وجلست لفترة طويلة، وبعد فكيت لنفسي.
سامي: كيف فكيت ؟
داود: الشياطين خلصتني، ما أدري كيف ، والقيود طاحت ، وخرجت من مكان ما يتخيل عقلك إني أخرج منه ، مكان ضيق ، وسافرت في تلك الليلة إلى منطقة يفرس ، هذه كانت المحطة الأولى في رحلتي بعد خروجي من البيت. ثم خرجت بالليل من البيت ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في مدينة زبيد في تهامة بمحافظة الحديدة وكانت هذه هي النقلة الأهم في عالم السحر بالنسبة لي.
سامي: وين في يفرس
داود: في زبيد في تهامة بمحافظة الحديدة ، خرجت يمكن بنصف الليل وصلتها بالفجر، وهي المسافة بالسيارة تاخذ لك يوم كامل..ما شعرت بنفسي كيف كنت أمشي .
سامي: يعني تظن الجن حملوك، مشوك؟.
داود: مئة بالمئة ...
سامي: وش سبب ذهابك إلى زبيد؟.
داود: هي على طريق بن علوان إلى يفرس
سامي: وش حقيقة بن علوان هذا..
داود: هو كان رجل صالح ، يعني ما يضر أحد أو ينفع أحد، ولكن اللي بعده هم اللذين عملوا هذا الكلام والشرك ..
مكثت ثلاثة أيام في أحد المساجد لم أتلق أية تعليمات وبعد 3 أيام اعطاني صاحب المسجد بعض المال وأمرني بالذهاب إلى يفرس، لأزور ضريح «ابن علوان» وقال لي بعد ذلك ستسلم أعمال الوالد، أو على حد قوله ستسلم الكرامة!!
...جلست ثلاثة أيام في زبيد ثم ذهبت إلى يفرس في تعس....وفي اليوم الرابع من خروجي من البيت وصلت إلى بن علوان..
سامي: ويش اللي حصل بعدما وصلت ؟
داود: وصلت إلى هناك أصلي وأصوم وأقرأ قرآن، ولكن الغريب في ذلك أن الصلاة كانت باتجاه القبر .
سامي: يعني القبر يُصلى إليه؟.(72/7)
داود: نعم نعم ...جلست في هذا المكان 15 يوم صلاة وصيام وقراءة قرآن....
سامي- يا أخي الصيام مشروع والصلاة-
داود: نعم بس كان المقصود بها غير ذلك....حتى جاء القيّم بالمسجد، وقالي: خلاص اطلع بورك فيك، هذه كرامة أبوك...
سامي: يعرفون أبوك..
داود: نعم يعرفونه، وقد تقول له الشياطين هذا فلان ابن فلان...وجاء من كذا وكذا، بالإيحاء؛ زيارات وصيام وصلاة في هذا المكان القصة كلها عبارة عن شركيات وكفر..
سامي: بعد ال15 يوم إيش اللي تحصلت عليه؟.
بداية مرحلة السحر والشعوذة
داود: تحصلت على الإجازة منهم بعمل الشعوذة، وشرطوا علي الزيارة في كل عام، وأدي رأس من الغنم يذبح هناك .
سامي: واش قصة المصباح والكتاب
داود: هذه المسبحة والكتاب والخاتم كانوا حق الوالد..كأداة خداع، الوالد تركها بعدما مات وتركها عند الوالدة ( وهي خبأتها ) ووضعتها بطين على أساس واحد ما يجدها ، وقالت لي بعدما رجعت البيت: أنت زرت بن علوان، قلتلها: نعم، ولازم أجد المكان المدفون فيه الخاتم وغيره.
وعدت إلى البيت أطالب والدتي بكتاب والدي فأنكرت وجوده، لكنهم " اي الشياطين " اخبروني وأنا بمنطقة يفرس بمكانه ومعه المسبحة والخاتم، وحصلت على الثلاثة، ولم أكن أعقل ما وراء هذا العمل، وجلست أقرأ في الكتاب حتى بدأت تظهر لي بعض الطيور والحيوانات وواصلت حتى جاءني شيخ قبيلة الجان الذي كان أبي يعمل معه، واشترط عليّ عددا من الشروط المبدئية أولها ان أكون بعيدا عن أعين الناس تماما، فذهبت إلى مغارة قريبة من البيت، وواصلت القراءة إلى أن جاء شيخ قبيلة الجان مرة أخرى وسألني هل تريد أن تكون عظيما؟! فوافقت وهنا كانت الشروط الحقيقية التي يشترطها الشيطان على الساحر.
الشروط الشيطانية(72/8)
ويواصل داوود فرحان عرض حديثه مع شيخ قبيلة الجان والشروط التي اشترطها الأخير عليه، مؤكدا أن كل السحرة والمشعوذين تطبق عليهم هذه الشروط، وأولها الكفر الصريح بالله وكتبه ورسله وملائكته، وبقدر ما يعصي الساحر ويبتعد عن الله يقترب منه الشيطان «الجن» أكثر ويستجيب لمطالبه، ثم اشترط الشيطان عليّ «الاحتذاء بالمصحف الشريف» و«فرشه في أماكن النجاسة»!
ويؤكد فرحان ان هذا أول شرط من شروط الدخول في عالم الضلال والسحر ولولا خطورة انتشار هذه الضلالات لما قمت بهذه الايضاحات ولاكتفيت بإقلاعي عن ممارسة هذه المعصية ولم أتحدث مع أحد، لكني أريد أن أصحح وأبين للناس خطورة هذا العالم لعل الله يغفر لي ما كنت أفعل من قبل. ." هذه الفقرة مأخوذ من جريدة الوطن "
سامي: أبو رفيع ذكرت لي أنك زرت ملك النمارد النارية، وش قصة ملك النمارد هذا وين موقعوا كيف كانت زيارتك له..
داود: هذا وقعت زيارتي له بعد عودتي من يفرس، بعدما قرأت في الكتب، على أساس إنك إذا أردت أن مثلاً ترتقي في السحر وتكون لك عدة وظائف في الشرك والكفر، ففيه تعليمات في الكتاب تدلك كيف تفعل، إذا أردت أن تدخل في الباب الكبير، ويأتوك الروحانيين.. يعني يجيبلك عبارة عن حروف أبجدية متقاطعة وكذا-التعليمات- يقول:
أول الشروط أنك والعياذ بالله تكفر بالله سبحانه وتعالى وملائكته وكتبه ورسله، ولا تأتي بشيء من هذا..
ثانيًا: أن تحتذي-تجعله حذاء- بالقرآن لمدة أربعون يوما، وتدخل به الحمّام أربعون صباحاً، ولا تغتسل من جنابة ولا تتطهر من جنابة مهما كبرت ومهما خبثت ، ولا تجلس في أماكن فيها الذكر، ولا يكون في بيتك كتاب للقرآن ولا تسمع للآذان ولا تصلي أبدا، وإذا سمعت المؤذن يؤذن أن تلعنه..
سامي: أنت قمت بالزيارة لهذا المكان ؟ وأين يقع ؟(72/9)
داود: يقع في بئر برهت في منطقة بير برهوت بمحافظة شبوة (300 كيلو متر إلى الشرق من صنعاء) ، ذهبت أنا وبعض الزائرين اللي زاروا من قبل واللي لسه زايرين،
وفيها تعليمات: ...... يقولك ستقابل في البداية وحوش تتقافز عليك لكن لا تخاف هي خيالية .
سامي: رأيت الوحوش هذه ؟ كيف كانت ؟
داود: نعم رأيتها في بداية الوادي المضيق الذي يطلع للمغارة.
والثانية: بتظهر لك أفاعي وثعابين في نفس الوادي ..الوحش يفك فمه بتدخل داخل فمه ،..صور مرعبة...
والمرحلة الثالثة يقولك تتفجر براكين سائلة تسقط من الجبل حمرة زي الدم شكلها زي الضباب ماهي حقيقة وأنا رأيتها كلها، وقربنا من الغار اللي فيه ملك النماردة....
فلمّا قربت زاد الخوف والرعب عندي، فسمعت أصوات مختلطة: كلاب، نهيق الحِمرة، أصوات بني آدم مختلطة مع بعضها ممزوجة، فوقفت مكاني .
وقلت لهم أرجع أرجع فقالوا : أنت خواف، قلتلهم خلوني لحالي أنا خوّاف ، فمنّ الله علي في ذلك الوقت وما زال يمن علي ، فتذكرت آية الكرسي ، كانت الوالدة تقرأها علي ، فقرأتها ...
فلما قرأتها ما حسيت بنفسي إلا وأنا خارج الوادي بسلامة والحمد لله ، فعدت إلى القرية بعد هذا كله .
علمت والدتي بما حصل وأخذت على عهد ان لا أتعامل بالسحر ، وشعرت بخوف والدتي وما تعانيه فقررت الهرب إلى السعودية على اساس ما افعل شيء ولطلب الرزق وكان هذا في عام 1982 وجلست في مدينة جدة ولكني لم أجد أي عمل وحينها اقترح علي بعض اليمنيين من أهل البلاد أن أقوم بما كان يقوم به والدي الذي كانوا يعتقدون أنه يعالج، ولا يقرون بسحره وشعوذته واخبروا أحد السعوديين الذي كان يشتكي من عدم حمل زوجته باني قادر على علاجها، وهذه كانت البداية.
هل عالجت زوجة السعودي؟(72/10)
نعم، فقد جاء إلى عندي وقبل دخوله أخبرني الشياطين بكل مواصفات زوجته ومعلومات كاملة عن حياتها مع زوجها والمنزل الذي يسكنون فيه، فأخبرت الرجل بما أعرف وحينها أخذني إلى منزله لمده ثلاثة أيام وكان يدفع لي ثلاثة الف ريال سعودي عن كل يوم وكان الجان يحضرون لي بعض الأعشاب التي أصفها لهذه المرأة وبالفعل شفيت، وبعد أشهر عاد إلي الرجل وأكرمني وقال لي أن زوجته حامل وأخذني لأعمل في أحد محلاته التجارية الخاصة بالملابس الجاهزة، وخلال ثلاث سنوات قضيتها في العمل لديه رزق السعودي بثلاثة أولاد وكان لديه اعتقاد تام بأني صاحب الفضل وليس الله سبحانه وتعالى.
هل واصلت أعمال السحر بعد ذلك؟
نعم فقد عملت لي زوجة السعودي دعاية كبيرة في أوساط النساء وأخبرتهن بأني أمتلك قدرات خارقة، وهكذا بدأت استقبل أعداد كبيرة من السعوديات وكان بعضهن يطلبن مساعدتي وبركاتي حتى يتمكن من الطلاق من أزواجهن والبعض الآخر يطلبن أن يكونين الوحيدات في حياة أزواجهن خوفاً من زواجهم بأخريات، وبعض ثالث بغرض النصب على أزواجهن أو أن اجعلها محبوبة من الناس أجمعين، وهكذا وكانت هذه النساء تدفع ما أطلب من المال ودون نقاش وبعد أربع سنوات عدت إلى اليمن. هذه
بما أنك نشأت في أسرة تمتهن السحر.. فهل يعني ذلك أنك ورثت السحر عن والدك أم هناك قدرات أو اشتراطات معينة لتصبح ساحراً؟
طبعاً ليس بالوراثة ولكن هناك اشتراطات لمن أراد استخدام الروحانيين لصالحه وردت في مقدمة كتاب الجفر الذي يعتبر الأساس للسحر ومن هذه الاشتراطات الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، المشي على القرآن الكريم، عدم الاغتسال من الجنابة أو التطهر من الدنس والنجاسة وأن لا يكون في منزلك كتاب للقرآن أو الأحاديث النبوية، وعدم الجلوس في مجلس فيه ذكر أو قراءة القرآن، وأن تلعن المؤذن كلما سمعته وأن تقوم بعمل قوم لوط مع النساء والرجال وأن تتقرب لغير الله. " الفقرة منقولة من جريدة الوفاق"(72/11)
سامي: الأشياء اللي ذكرتها لي أنك تسب المصحف والشروط، كلها مارستها..
داود: كلها مارستها، كلها مارستها.... نسأل من الله العفو والعافية..
سامي: والصلوات، كان فيه شيء يتقرب به للشياطين أذكار معينة ؟
داود: هذا ضروري، عبارة عن تقرب للشيطان بها العبادات-كفر بالله سبحانه وتعالى- يقولك بقدر ما تطيعني أطيعك، وبقدر ما تعصي الله سبحانه وتعالى أنفعك وألبي لك طلبك ..فصليت للشياطين عدة مرات، وفي كل عملي كنت دائما أصلي ركعتين .
سامي: طب هل ترى الشياطين اللي كنت تسجد لهم وتصلي لهم، هل كنت تراهم ؟
داود: نعم، أراه...متلبس ( يعني متشكل ) بعدة شخصيات.... قد يأتي بثياب بيضاء ولحية بيضاء متغطي بها وكأنه روحاني..مارد..يعني كلها تلبسات وتشبهات فقط..ولكن حقيقتها شيطانية من أولها لآخرها...
سامي: ذكرت لي سابقًا إنك كنت تسجد ويضع الشيطان رجله على رأسك...
داود: ..هذا مع وضع الصليب، مع العودة إلى يفرس بعد الزيارة الأولى..فسألني هل سرت إلى برهت ، فقلت نعم بس ما توصلت إلى المكان ..قال لي: بس المطلوب أنك تجيبنا رأس من الغنم يكون ذكر مقروط على الحليب، ويكون أسود على شعرة، يذبح وأنا أخلي النمرود نفسه يحظر هنا..
سامي: عجيب ! النمرود هذا إيش ؟
داود: شيطان،، شيخ الشياطين الذي بيده الأمر للآخرين، للخدام حقه...فنفذت الطلبية، رجعت إلى البلاد وبحثت على رأس غنم واشتريته، واديته هناك.
فبعدها جلس الرجال يهذي..ويقرأ بعض الطلاسم والأسماء، ثم قال لي يله تهيأ قم إلى الصلاة.. دخلت لمكان لاجد شخص عليه وقار وشخصية جالس على كرسي ، أتكلم معه يزحر زي الثور كده يهتز بس ما يتكلم...
سامي: هذا جان ..هو النمرود؟.
داود: نعم، .... هذا هو اللي وضع الصليب في ظهري...
فبادرت بالسجود على قدمه اليمنى..وهو طرح قدمه اليسرى على رأسي..وفي الركعة الثانية وضعت ناصيتي على قدمه اليسرى ووضع قدمه اليمنى على رأسي..(72/12)
سامي: كأني فهمت منك أن الساحر لا يقف عند درجة معينة، يطلب الترقي في السحر..يريد يصبح كبير، له سلطة أقوى..
داود: هذه عند المشعوذين والسحرة، يقل لك بدل ما أنا في شيء صغير، آخذ لك مرتبة تأتيني منها مكاسب ، ويظن أنه سيستفيد منها ، وهو خاسر في الدنيا والآخرة....الله المستعان...هذه القصة ونسأل من الله الهداية والعفو والعافية...ودعوتكم لنا بالتوفيق...
العمل بالسحر والشعوذة
سامي: بالنسبة لباجل إش سبب انتقالك للمدينة الصغيرة هذه..؟
داود: السبب هو الطمع في الناس، زي ما اتقول الناس بينخدعوا بأسط الأمور ، مساكين وعلى فطرة، وعندهم اعتقاد شديد بهذا الشيء. يعتقدون بالشعوذة والسادة- ما في بعدهم إلا الخير-إنهم ناس بسطاء وصيد سهل...ما يتعبك...الأرياف قد تواجه ناس أشداء ممكن يواجهك بقتال..حصلت فائدة وإن لم تحصل ما يتكلم عليك..
سامي: الأشياء اللي كانت توحيلك بها الشياطين وتقدمها لك عن بعض الناس، وش اللي كان بيحصلك؟.
داود: بالنسبة لقصة الإيحاء من الشيطان، يوحي إلي مثلا بمن سيأتيني من الناس وبما ستحصل في هذا اليوم، هذا معروف عند كل كاهن..وهذا من عمل الترهيب على الناس، لأنك لما تتكلم مع الشخص تقوله أنا أدري بقصتك إنت كذا وكذا وكذا..يخاف منك، يقول هذا رجل ما فيه بعده .
سامي: إذ جاءك هذا اللي يريد السحر، شو التغيرات اللي بتشعر فيها كيف تسوي، إيش يشاهدون الناس منك .(72/13)
داود: أول شرط من شروطي هي يدوني وقت على أساس أني أخزن وأرتاح ، وثاني أقوم أبخر مثلا وأستخدم العطر في الخاتم وأطرحه أمامي، الخاتم عبارة عن محكم للشياطين اللي أستخدمها، خاتم فضي بس عنده عقيقة من نوع فريد ، أنا سلمته لمؤسسة الفرقان للشيخ علي فوزي ... في وقت الكلام أخلي الخاتم يؤشر، وتتغير ملامحي وشخصيتي، عيوني تحمر وتنتفخ ويجيني ارتعاش في الجسد يشوفوني الناس ارتعش، الكل يسكت ما حد يتكلم، يخافون يعني السيد جاءت كرامته..الكل يصدق، خلاص يتجهز المريض وأنا أدخل الحمام أتوضى واصلي ركعتين، أخدعهم خدعة أني أصلي لله سبحانه وتعالى، وهي عبادة للشيطان...أتوسل للشيطان لإ عانتي على هذا العمل..لأنه ما يعملك أي مساعدة إلا بعد ما تقدم له خدمة..و بعد ما أصلي وأرفع يدي إني أدعي وكذا، وجسمي يرتعش كامل والشيطان متلبس بي في تلك الحالة..أقوم أخلع ثيابي وأترك فوطة، على أساس تبين بطني أمام الناس وأطلع الجمبية – الخنجر- وألاعبها بيدي- يعني عملية تخويف للناس...
سامي: طيب التوسلات، عالم السحر معروف بقضية التوسل والاستعانة بالشياطين ودعاؤهم، إيش الأشياء اللي كنت تقولها، وكيف تحضر الشياطين وتستعين بهم....
داود: أوهم الناس بدعاء الله، ياالله أغثنا ,اعيننا وتدريجيا أدخل الحق بالباطل..
وكنت أخدع الزبائن وأدخل إلى الحمام لأؤدي بعض العبادات للشيطان وأقول انني سأتوضأ، ثم أصلي أمام الناس ولكن يتمثل الشيطان أمامي في صورة قرد أو كلب أو ما إلى ذلك، وأطيل الركوع والسجود حتى أخدع الناس وهم لا يدرون ان الشيطان أمامي بل انني لم أتوضأ لصلاتي.
سامي : طيب الآن بالنسبة للترس أو القرد الشيطاني ، إش دخل في الجمبية والطعن بالجمبية..(72/14)
داود: هذا من باب استرهاب الناس وتخويفهم، أطلع الجمبية وأقعد ألاعبها..وألبسها على هذه الطريقة...وقد تكون المرأة فيها الدورة الشهرية، فما يجيني القرد الشيطاني، فأقولهم المرأة فيها الدورة الشهرية، يقولون:ليش، وتقول لهم المرأة نعم، وقد تأتيها وهي في الطريق.....فيروحون يخافون..يقولون
سامي: شو السبب أنو الشيطان ما يحضر إذا كانت المرأة فيها الدورة..
داود: هو عبارة عن تلاعب، تلاعب ...يعني الشيء المخيف كله هو أن الشيطان يعطيك حاجات ما يتوقعها منك الناس..يقولون أنك تعلم الغيب..وهذا الشيء خطير جدا في قصة السحرة والمشعوذين.....
والجمبية عندما أريد أطعن بها ، بعدما خلاص القرد الشيطان تثبت فوق علي-فوق صدري-
سامي: كيف يجيك....
داود: أشوفه، عنده أيدي وأرجل يمسكني من هنا-تحت الإبطين- ويمسكني من تحت، شكله عبارة عن درع وقائي..صورته زي حيوان، ما أشعر بجسمه بس أشوفه، يكون مغطي محل الضرب بالجمبية بالكامل.
أشيل الجمبية بأيدي الثنتين وأضرب بها زي كده-
أدخلها في ظهر الدرع...في القرد نفسه....الناس يتخيلون أنها تدخل في بطني داخل كرشي..وأتركها واقفه في بطني كأني طرحتها في شيء خشبي..فهو استهراب لأعين الناس يشوفون أنها داخل كرشي، زي ما في قصة موسى والسحرة
قوله تعالى : (( سحروا أعين الناس واسترهبوهم)) الأعراف116
وهكذا يفعل المشعوذين فالمريض إذا كان معه مرافقين أو المريض نفسه، إذا كان يدقق أو حاذق -فأعرف القصة عن طريق الشياطين اللي عندي- فيقولون الرجال لازم تسترهب أكثر، فيكون عنده جمبية أو أحد الحاضرين، فآخذها وأروح مدخلها بجنب الجمبية الأخرى فيشوفون أنها بجسمي وهي في الحقيقة تحت الدرع، وأقوم أحرك الجمبيتين فيحتكوا مع بعضهم فيسمعون لها صوت، فتقولوا ما بتومن بعد هذا يقول لك خلاص، فأقول للرجل هذا اللي بيشك يالله طلعها أنت بيدك-أخرجها- فيشد يشد يشد وهي ما تطلع، قد ينقطع القرن-يد الخنجر- وهي ما تطلع..(72/15)
سامي: إيش اللي يمسكها ؟
داود: هي ممسوكة أصلا بالشيطان. فيقل لي خلاص أعذرني يا سيدنا و سامحني ، ويخاطبني على أساس أني أسامحه...
ويضيف: لكن هناك جانبا آخر فيه خداع ودجل ولا شيء فيه من السحر، فكيف يتم ذلك، فيقول الساحر التائب داود فرحان، نعم هناك حالات كثيرة لم يصبها السحر رغم محاولاتي لأن المقصودين به كانوا أقوياء الإيمان وقد دخل عليّ أحد الصالحين وأنا أمارس عملي وكنت أطعن بالخنجر في بطني معتمدا على تلبس الشيطان بهذا الجزء، فقال الرجل وهو داخل من الباب «الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم» وسرعان ما تخلت الشياطين عني ونفذت الجنبية إلى بطني وتم إسعافي بالمستشفى وبقيت فيها 3 شهور، والجراحة مازال أثرها في جسدي. " هذه الفقرة مأخوذ من جريدة الوطن "
سامي: طيب أبو رفيع الناس اللي يحضرون عندك لطلب سحر أو لفك سحر، شو الأشياء اللي تحصلهم لما يرون هذه الأشياء المرعبة : التغيرات على وجهك وعلى جسمك، تذكرلنا بعض المواقف خلال حضورهم عندك....
داود: أذكر قصة واحد، جاب مخلف-إمرأة- وهي حامل في الشهر الرابع أو الخامس، وبعدين لما شافتني طلعت الخنجر صاحت وأسقطت، من شدة الخوف لما شافت عيوني احمرت وتورمت.. وأذكر مرة قصة وقعت لنفسي، ضريت نفسي..تدخلت في عمل بدون إذن من الشياطين ...فكان رجل مسحور كان فيه سحر قوي ومحبوس فيه بخدام شياطين، وهذا السحر مكتوب بدم الحيض -نجاسة- فالخدام حقي ما رضوا يعملوا العمل هذا إلا من بعد ما يأخذوا العشوة، يعني رأس من الغنم أشترطوا شروط...آمر صاحب المريض أن يجيبوا ..يعني لازم يشرك لازم يشرك...يذبح لغير الله، أنا أقولوا يذبح ، ففي هذه المرة دخلت في هذا الموضوع وما ذبحت للشياطين، وافق الرجل في البداية على أنه يديني رأس غنم، لما كملت أشتغل ما عاد راضي يجيب رأس الغنم، فرجعوا الشياطين خبطوني أنا .
سامي: كيف خبطوك ؟(72/16)
داود: يعني سقطت على الأرض، حتى طلع الدم من فمي، زي ما تقول عملية انتقام، انتقموا مني ، وعدة مواقف كنت أتعرضلها بهذه الطريقة .
سامي: يعني اللي فهمته من كلامك أنه ليس بالضرورة الساحر يكون هو اللي يسخر الجن، فهو قد يستعبد..
داود: لالالا ، هو مستعبد هو عبد ، وإنما أمام الناس هو كعصا ، فهو عبد لغير الله ، فإذا ما حصل الشياطين على ما يريدون يخلص ( يقتل) الساحر..
سامي: طب بالنسبة للخدمات اللي يقدمها لك الشياطين هل كل الأعمال اللي يطلبها منك الناس من سحر وفك سحر يستطيعونها أو فيه شياطين أقوى من الشياطين اللي عندك وبالتالي ما تستطيع.
داود: الحقيقة قد يكون تعاون بين السحرة أنفسهم، قد يتعاون الساحر مع الكاهن، بإشارات قد يفك السحر هذا أو ما يفك مثلا أنا كنت مستخدم شياطين، والساحر الآخر اللي يكتب على الناس ويضرهم يكون عنده شياطين ، يكون فيه تعاون بيني وبينه ، هو يعمل وأنا أبعد ، هذا يربط وهذا يفك ، يعني الكل خارجين عن ملة الإسلام لا يخافون الله ولا شيء، يكون بينهما تعاون على الشر جميعاً.
سامي: أبو رفيع أنت تذكرلي أشياء قد يضن بعض الناس أنها من باب الإحسان، فك سحر تفريج كربة تقديم خدمة، يعني ما يتعلق بالتفريق وإيصال الأذى، هل حصل منك مثل هذه الأشياء.
داود -يتنهد ويتريث للحظات-: إسمع أخي العزيز بارك الله فيك بالنسبة للساحر الكاهن والمشعوذ لا يأتي منه خير، لا يأتي منه أي خير أبدًا، مهما زعمنا أنه يعمل أو يفك السحر وهو مستخدم بشياطين وهو يستنجد بغير الله سبحانه وتعالى ، كنت مع الناس إذا أذاني أحد من الجيران، تقوم الشياطين بالانتقام منه بدون ما أكون أنا شخصيا راضي، ليش ؟ على أساس تثبت للناس أن الرجل هذا قادر يعمل أي شيء ..
سامي: يعني جانبهم غير مأمون..(72/17)
داود: الشياطين تكرهك عند القريب والبعيد ، تخلي الناس كلها معادية لك ، فتضطر أنك تتمسك بهذه الشياطين على أساس أنها تدافع عنك أو تعمل لك شيء ، وهذا من باب ضعف الإيمان وغياب التقوى، لو تتقي الله سبحانه وتعالى ما تعمل هذا العمل.. وقد تأتي الناس تقول أنت اللي عملت هذا العمل فتقول والله ما عندي خبر ولكن قد حدث ... أذكر مرة واحد تحدى جاء وسط المجلس عندي عشان يفشل الشغل عندي-يعني كان مقيم تحدي- فأول ما دخل من الباب سقط، وبعدين حملوه ليخرجوه فتشنج، وتشنجت أعصابه، الشياطين هي اللي بتشتغل وأنا جالس بالداخل ما أدري، فلما أخذوه للبيت جابوه لعندي، : يا أخي أنا عند الله وعندك ويترجى.؟
سامي: هاذ الرجل ليش اتعرض للأذى تظن في زعمك...؟ هل كل إنسان ممكن يتعرض للأذى..؟ أنا لو جيت مثلا لأحد السحرة وأقول أريد أثبت للناس أن هذا الرجل كذاب..هل يستطيع الشيطان يمسني بأذى ؟
داود: إذا كان فيك تقوى الله، إذا كنت متقي لا يستطيع الشيطان أن يمسك بشيء، أبدًا..لأنك محصن أصلاً بالله سبحانه وتعالى، فلما بيكون عندك سلاح أقوى من السحر اللي هو الإيمان بالله والتمسك بسنة نبيه هذا هو أقوى سلاح..أقوى من النووي والبيولوجي والسحر ما يقربك..
ما هي العلامات التي تظهر على المصاب بالسحر؟
- هناك بعض الظواهر مثل كثرة النسيان والخمول في الجسم والنواغز التي تأتي داخل الجسد والضيق الذي يشعر به الإنسان داخل بيته والكراهية في العلاقة بين الزوجين فجأة وقد يرى الإنسان منظر زوجته قبيحا بسبب السحر والشيطان يضع على عينه غشاوة أو تنبعث من الزوجة رائحة كريهة من فمها أو جسدها يشمها الرجل فأقول لبعض من أصيب بهذا الشيء عليكم بذكر الله وتلاوة سورة البقرة ومن ابتلي بهذا الشيء أن يتأكد ولا يتسرع في طلاق زوجته. " هذه الفقرة مأخوذ من جريدة اللمدينة "
أحوال السحرة - تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى(72/18)
سامي: كل دولة فيها سحرة يعني في اليمن سحرة وفي الحجاز سحرة وفي أوروبا بمئات الألوف ، هل هناك روابط أو اتصالات أو اشتراك بين السحرة من دولة لدولة أخرى...
داود: قد يكون فيه اشتراك وتعاون، وقد يكون فيه عداوة..واحد يريد يتبت نفسه أنه أكبر من الآخر..زي ما التفوق العسكري بين الشعوب...مثلا كان يجوني ناس من السعودية مرضى كانوا يجوني لباجل، وقمت بالعمل معهم، فإذا كان الساحر بعيد عني أستنصر بالشياطين بتوعي فيعملوا عمل قوي..على أساس يثبتوا أنهم أقوى منه..فأي ساحر كان هو عبارة عن وسيلة تستخدمها الشياطين فقط أمام الناس ....وإذا ما أرضاهم ياخدون حقهم منه ..
هل التقيت العوبلي وكيف ترى ما يقوم به؟!
العوبلي ساحر من السحرة ولكنه الآن أصبح شيخ مشايخ السحرة في اليمن، وكنت التقية دائماً في منتصف شهر شعبان من كل عام أثناء زيارتنا السنوية الواجبة لضريح ومسجد ابن علوان وأثناء زيارتنا السنوية لمنطقة بير برهوت التي يجتمع فيها السحرة لدى ملك الجان والنماردة الذي كان يمنحنا بركاته ويقدم لنا التسهيلات والخدم من الجان.
خلال ممارستك لأعمال السحر.. هل التقيت بسحرة من دول أخرى أو تعرفهم؟
نعم كنا نلتقي عند ملك النماردة وضريح ابن علوان بسحرة من إيران ولبنان والسعودية. " الفقرة منقولة من جريدة الوفاق"
سامي: تحصل حالات أنه يعذب بعض السحرة أو تفسد العلاقة فينقلبون عليه..
داود: فيه بعض السحرة الكبار اللي عندهم الإجازات...
سامي: فيه إجازات في السحر ؟ سبحان الله في العلم فيه إجازات والكهانة والضلال فيها إجازات.(72/19)
داود: نعم، أنه يجيز للآخرين العمل بالسحر، أنا مثلا رحت عند عدة مشايخ على أساس أنهم يجيزولي، فأجازلي بعضهم...ويقول لك ما تقدر تكتب أو تفعل أي شييء إلا بعد ما تزور الشيخ الفلاني..والإجازة هي إذن من الشيخ يأذن لك أنك تمارس السحر ، تروح عنده تقدم له ضيفة أو شيء من المال وهو بعدين يجيز لك، أو قد يعينك ببعض الخدام اللي عنده...
سامي: اللي فهمت من كلامك أن السحرة مراتب، ساحر كبير وساحر عنده إجازة وساحر مبتدأ، يعني كيف يكون التعامل بينهم والعلاقة..
داود: يتعلم الصغير من الكبير، وفي النهاية هي خدمات، بقدر ما تقدم للشياطين خدمات يقومون هم بخدمتك ومساعدتك...
سامي: يعني لو حصل النزاع بين الساحر الكبير والصغير، شو اللي يصير ..
داود: الكبير قد يضيع الصغير، يسحب عليه الخدام بتوعوه ، ثم يسويله حاجة تخليه مجنون ..
سامي: مادام أنها قضية انتقام، مقابلتنا معك، ألا ترى أنها قد تثير السحرة الكبار ويتعرضون لك بالأذى .
داود: شوف يا أخي أنا قد قمت بإلقاء عدة محاضرات، أو زي ما تقول ندوة دعوية في بعض المناطق في تهامة وفي صنعاء قمت بمحاضرتين وفي ردع قمت بمحاضرة، في عدة مناطق، حتى أني تعرضت لتهديد من بعض الناس أني أوقف لحدي وأتكلم عن نفسي ولا أتدخل بالآخرين
سامي: مين كان يهددك ؟
داود: بعض المشعوذين والسحرة معروفين عندي..أو يرسل إلي ناس يقولون توقف عند حدك وما تتكلم عن الآخرين..
قلت لهم أنا ما أخاف من أحد، كنت أخاف لما كنت مع الشياطين، لكن الآن أنا ماني خايف من أحد هم الخايفين مو أنا.
سامي: طيب والجن اللي معهم هل ممكن يؤذونك ..
داود: ما يقدرون يسيطرون علي اللي حقي ولا الخارجين ما يقدرون، الحمد لله ، إذا كان الله معك فممن تخاف ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (( إحفظ الله يحفظك)) ما دام أنت مع الله سبحانه وتعالى ما تخاف من أحد .(72/20)
سامي: أبو رفيع ودي أسألك عن قضية مهمة قضية ربط الأزواج . شو حقيقة الربط وهل مرت بك مواقف بها القضية ..
داود: المواقف هذه مرت علي عديدة ، ومن أهمها العرسان الجدد.. فيه بعض الناس يجي يخطب بنت شخص وقد يكون أبوها ذو ثروة أو البنت عليها تنافس.. فإذا فاز بها شخص يقولون له أهله إحذر قد يفعل بنو فلان فيك شيء - متخاصمين عليها- وحصلت قصة مثل هذه وجاو إلي، فأنا فهمت أن أهل الولد أوهموا ولدهم أنه مسحور حتى أنه شك، فعندما جاء يدخل على زوجتوا تفاجأ بالزوجة ، وزاد شك أنه فيه سحر، فيضعف جنسيا - حالة نفسية- شالوه للمستشفى يمكن عنده ضعف قالوا الرجال ما فيه حاجة، وبعض المشعوذين ضعاف ما قدروا يعملوا شيء، فقالوا فيه واحد في قدرة - اللي هو أنا- ما فيه أحد بعده- تدخل الباب يكلمك بقصتك ومرضك ، فجاو لعندي، فبمجرد هم في الطريق أوحت الشياطين لي قصتهم من أولها لآخرها - وهذا من باب الاسترهاب أو يعظمك يقول تعلم الغيب - وما يعلم الغيب إلاّ الله سبحانه وتعالى .
فأول ما داخل والد الرجل قلت له أهلا وسهلا بالوالد فلان، قالي تعرفني ، قلت له وكيف ما أعرفك ..وهذا ولدك فلان..قلت لها ليش جبت الولد اتعبتوا الولد ما فيه حاجة ، يعني أعطي الثقة للولد فعالجتو باعطائعه الثقة -حالة نفسية عالجتو بنفس الحالة اللي مرض بها- قلت له السحر في البنت روح جيب الزوجة -موش معقول يروح مني بلاش ما يديني حاجة لازم أخذ منه حاجة فورطته في قضية البنت- فقلت له الولد يبقى عندي وروح جيب البنت .(72/21)
فراح الوالد يجيب زوجة ابنه في الليل بعد صلاة العشاء، وأنا أقول للإبن هم في المكان الفلاني بيقول لها كذا كذا، -الجن ينقلولي الخبر، ولما كانوا قريبين من الباب قلت له اسمع دقيقة واحدة ويدخلوا، الولد خاف، فقال هذا الرجل صحيح قاطع ....فبدأت اشتغل قلت لهم مكتوب لها سحر بدم الحيض ودم الكلاب يعني كلها نجاسات، وأنا في حاجة إلى دعم وكرامة تكرموني وأنا أكرمكم بالعمل، فالسحر قوي الخدام تبعي ما يعالجونه إلا ما أعشيهم ، قالوا يا شيخ اللي تأمر به احنا مستعدين فكلفت أربعة وخمسين ألف ريال، قالوا اللي انت عيزو نديك ، فقمت قرت على البنت ودعاء وشركيات ولعب الجمبية والطعن ، وفي بعض الحالات كنت أخلي الوالد ينتزع السحر من أذن البنت أخيلهم ذلك- ، عندما كملت مسكت الولد والبنت قلت لهم خشو في الغرفة عندي، ففي الأول ما رضوا فقتلهم إذا خرجتوا من البيت ما أنا مسؤول عنكم، أبغاك هنا تباشر عملك على أساس يفسخ كل شيء البنت تبكي والرجل ما راضي ، بس دخلوا ما خرج إلا وهو دخل عليها في غرفتي في البيت..فخرج يحبب رأسي كم يا شيخ قلت لهم مئة ألف، فترجوني لحد ثمانون ألف ريال، قلت لهم ماشي ، فادوني خمسين ألف، ثم رجع باع الثور اللي يرعون به ، وجاء عطاني فلوسي ..فكنت أعمل على أن يعودوا عدة مرات ، قلت لهم المرأة يتابعونها ولازم تعودو نصفيها ونعمل لها حجبة، بردة وهي معروفة عند السحرة تمنع دخول الشياطين للإنسان، فجاو ثاني مرة بالعسل والهدايا والفلوس ...الحجاب عملتو بخمسين ألف أكتبلهم طلاسم وشخابيط في الورقة وأعطيهم..ويمشو وربك يؤلف بينهم ويفتكروا أني أنا وهذه كلها أعمال شركية وكفرية وإضرار بالناس .
سامي: في وقتها لما تشوف هذا اللي ما عنده غير بقرته يبيعها ما كنت تشعر بالأسى والحزن، شعور بتأنيب الضمير.(72/22)
داود: والله يا أخي، الآن أتألم صح، الآن أتألم، وأذكر مواقف يعلم الله سبحانه وتعالى إش اللي بيدور بنفسيتي؛ لكن هذيك الأيام كنت كالحيوان، تشوف الثور يدعس دجاجة ما عندو إحساس..ثور، بقرة ..أنعام ، أنا كنت هكذا ماعندي قلب ما عندي رحمة، كان عندي قلب حديد لا يذكر الله، إذا يذكر الله أكيد بيخاف منه، لكن ما كنت أفتكر أنه في الله سبحانه وتعالى....
كان كل همي إشباع غريزتي وشهوتي، وما لي شغل باللي يحصل للناس، وهكذا كل كاهن وكل ساحر بالطريقة هذه .
سامي: طب لو رفض أحد اللي يطلبون العلاج دفع المبلغ ..
داود: هو قد يصاب، قد تأذيه الشياطين وتطلع روحه، يرجع بدل ما يدي عشرة يدي خمسين .
سامي: يعني إذا رضي لنفسه أنه يجي للساحر لضعف إيمانه وضعف تعلقه بالله ينقلب الساحر عليه..
داود: هو أكيد ما يترك إلا وهو مصاب.
سامي: ولو اتقى الله من الأول كان ينجو من هذا كله...
داود: لو اتقى الله سبحانه وتعالى وكان عنده شيء من الإيمان ما كان عرفني ولا عرف طريقي، ويعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( من أتى كاهنا أو عرافًا وهو لا يصدقه، لن تقبل صلاته أربعين يومًا أو أربعين صباح، وأما إن صدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )) لو كان عنده هذه الأحاديث والعبر من الأول ما جاء من الأول وما سأل علي...
سامي : أبو رفيع احنا الآن في باجل، وقد ذكرت لي منذ قليل أن باجل كانت هي المنطلق في أعمال السحر وانتشار ذكرك بين الناس، كيف انتشر ذكرك وتوافد الناس عليك في باجل ؟(72/23)
داود: في بداية عملي هنا في باجل كان يأتون إلي من ضعفاء النفوس ضعفاء الدين، يشكي الواحد يقولك أنا عندي زوجتي كذا واحد يشتكي شيء آخر..، أنا أقوم بإيهام الرجل أنه فيه سحر، وقد يكون فعلا وقد لا يكون، فعندما يحصّل فائدة يستفيد هو أو زوجته..يروح يقص للآخرين، يقولو فين عالجت زوجتك يقول عند السيد الفلاني، كانوا يطلقون علي إسم السيد -وما أنا بسيد- فقد يكون في المريض حالة نفسية فيقولك هذا مسحور، وأغلب الحالات اللي كانت تجيني هن النساء ، وأكثر الحالات نفسية أو أوهام -يتوهم الإنسان إنه مسحور- .
وأكد فرحان أن أكثر من يتلبسهن الشيطان هن المفتونات بأجسادهن وأولئك اللاتي يلبسن ملابس ساخنة خصوصا في صالات الأفراح، والرقص في الحفلات وافتتان المرأة بجسدها في الحمام ودعا إلى تجنب ما أطلق عليه مواطن للشيطان.
سامي: خلال الفترة الطويلة اللي مكثتها في باجل، أكيد حدثت لك مواقف مع الناس اللي يجون يطلبون السحر أو يأتونك للأسباب اللي ذكرتها أنت، أذكر لي بعض المواقف.(72/24)
داود: والله أنا أذكر فيه عدة وليست واحدة، أذكر مرة واحد جاء من الجبل مع زوجته لهنا يشكو أن زوجته ما حبلت لأكثر من سبع سنوات، وكان متزوج قبلها واحدة مخلفالو أولاد، والأخيرة ما حبلت، الظريف أن الرجل كبير في السن ومعتقد بالشعوذة، فكنت في منزل واحد من الجماعة، فقلت له السحر اللي فيها قوي، فهمت القصة من الإيحاء اللي جاء إلي من الشيطان، لأن الشيطان كان يوحي إلي عن المريض مما يعاني وشو عنده من إشكاليات فهم يفهمو إني أعلم الغيب، وما يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى وما يعلمون أني مستخدم بالجن-الشياطين- فقصتلي الشياطين إنه كان متزوج من الأولى وحدثتو مشاكل معها فتزوج الثانية فعملت الأولى شغلة للثانية على أساس لا تخلف، حتى ما يزاحم أولادها في الورث، أو تشيل الحب من قلب الرجل،،أو شيء من هذا القبيل، فقلت لها أعطل السحر وقمت بالعمل فكنت أطلعلها أوراق من أذنها ، وفيه بعض الأوراق كان فيه دم . فروح وياها على البلد بعد ما أخذت أجرتي، فحبلت الزوجة، طبعا أنا عطيته علاج للرياح، كان عندها ريح مترسب في الرحم، عطيتها علاج ليخرج هذه الرياح، فعندما خرجت الرياح شفيت المرأة من الالتهابات اللي كانت فيها، فلما حملت ظن أن السحر هو اللي كان حاجز لها وليس الرياح، فحملت وجابت له بنت، إجاني للبلد مضيف بضيفة محترمة، قالي يا أخي باقي معاي ابني متزوج وما حملت زوجته، عالج الولد كي تحمل زوجته، فسرت لهناك وأخذت مبلغ زي الأول، فتفاجأت أن البنت نفسها ما عندها الدورة الشهرية من أصلو، فعطيتله علاج للدورة الشهرية كي تنتظم وحملت زوجة ابنه هذه، فانتشرت السمعة .
سامي: فيما يتعلق بفك السحر، يأتيك شخص فيه سحر، في داخله جن معين مكلف بالسحر، كيف تفك السحر ؟؟(72/25)
داود: الباطل لا يعالج باطل، السحر لا يعالج سحر، وإنما يزيد المسألة ألم، وإنما أجيه بحيلة أخرى أقوله نبعد السحر، قد يكون سحر حقا وقد لا يكون، إن كان فيه سحر أستعين بالشياطين زي ما ذكرت في الأول، الشيطان يعرف طريقة السحر ويتصرف معه، لست أنا ، أنا أمام الناس كصورة، فالعمل كله على الشياطين هي التي تعمل تبعده تفسخه، فيتعافى الرجل فيخبر الآخرين أني أعلم الغيب وأحيي وأميت بيتدخلون بأشياء إلهية....
سامي: إش قضية الإنسان اللي فيه سحر تأمره بذبح رأس من غنم وتعطيه الرأس، ليش الرأس ؟؟.
داود: أوهم الرجل أن السحر محبوس ومقيد بشيطان في المرأة أو كذا، وما بيخرج إلا بفدي، يفدي عليه، ويكون رأس من الغنم، اللي أشرطه، وصفه دقيق : أسود ....بسن معين، حسب ما تطلب الشياطين أنا أطلب، الشياطن تطلب والكلام على لساني..فيجيبون رأس الغنم ليكون عشوة، عشاء للخدم عندي للشياطين، يأكلوه وبعدين أقوم أشتغل للرجل، على أساس إبعاد الشيطان اللي هو محبوس في المرأة أو الرجال.....اعتقادة سيئة وخاطئة منتشرة في المنطقة بشكل عام..
سامي: بعض الناس يقولون أن السحرة يقومون بكشف الذهب داخل البيوت أوالأراضي أو إنهم يحضرون لهم بعض المجوهرات أو الأشياء الثمينة، وقد يصبح غني بسبب السحرة، ما صحة هذا الكلام ؟
داود: كان في بعض الأوقات إذا خرجت بجولة مع الشياطين، إذا خرجت أنا وياك أدلك على مناظر طيبة: شوف المزرعة شوف الواد...هم بيدلوني شوف الكنز هذا شوف البقعة هذه إش فيها شوف..بس أشوف بعيني لكن ما أتوصل إليها، ما حد يقدر يخرج شيء من هذا، وإذا كان الساحر أو الكاهن يستطيع أن يخرج من الأرض كنز كان المشعوذين أصبحوا أغنياء وبالعكس هم عايشين بأسوأ حالة برغم الفلوس التي يأخذوها إنما حالتهم سيئة جدا .
سامي: الناس اللي يحضرو لعندك يريدون الجاه والمناصب أو ترقية في عمله، حدثني عن هؤلاء الأشخاص .(72/26)
داود: أستغرب لما يجوني مثل هؤلاء الناس، يشوف حالتي كيف ويطلب مني ذلك، لو كنت أستطيع أفعله شيء كنت فعلته لنفسي، فأقوله تعال فالذي يطلب أن يكون عنده جاه بين الناس أشرط عليه شروط تخرجه من الملة أصلا، أعمال ويرتضي أنه يعملها، وفي نفس الوقت أطلب منه مالاً، وهؤلاء ضعفاء نفوس ما في إيمان، حتى لو كنت صادق كان ما يجي عندي لو عنده وازع، لأنه يعرف أنني على غير حق وأني على باطل.
25 سنة ساحر متمرس وأثر التوبه عليه
سامي: حياة طويلة في عالم السحر 25 سنة من الشرك والضلال، كيف كانت حالتك النفسية التي تمر فيها، مشاعرك، علاقتك مع الناس خلال هذه السنوات .
داود: -يتنهد- نحمد الله سبحانه وتعالى على الهداية، في الحقيقة هذه السنين كلها التي عشتها أنا لا أحسبها من العمر، إنها صارت هباءا منثورا، لا فائدة منها ، كانت عيشة قلقة، عيشة فيها كآبة وفيها ضيق، الفلوس موجودة ولكن الراحة غير موجودة ، برغم المبالغ اللي كنت آخذها برغم الناس المتوافدة علي، ولكن لم أشعر بأي سعادة أو راحة أبداً، لأنني كنت دائما قلق، أحيانا أخاف، هذا الرجل أخذت حقه وهذا أخذت حقه ، يعني يقعد الإنسان دائماً في هم ومشاكل ، فالواحد لما يكون بعيد عن الله سبحانه وتعالى يقعد دائما خائف ، وبهذه الطريقة كانت الحياة كلها ظلام ، يعني مثلا لا أستطيع العيش زي الناس الآخرين، كم من فقير أشوفه أسعد مني بحياته، أمام الناس أنا عايش عيشة ملوك، ولكن في حقيقة الأمر عيشة حيوانات وليست عيشة ملوك.
سامي: بالنسبة للمعاني الإيمانية التي تحيي القلب : كالذكر والصلاة والأذان يعني كيف كان شعورك أمام هذه المعاني الروحية...(72/27)
داود: كل هذه الأعمال كانت من أبغض الأعمال إلي، كنت أتنكر وأتضايق لما أسمع الأذان، المقرئين، الناس الصالحين اللي ينصحوني كانوا أكبر الأعداء، خصمة كانت بيني وبين الصالحين كلهم، فكانت الحياة كلها مأساة ونكد، وصدق الله تعالى لما قال: (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) طه 124. ضنك في الحياة، ضنك في البيت في الأولاد ، كلك ضنك في ضنك ، عيشة متعبة .
سامي: يعني ذكرت لي أنك تسجد للشيطان قبل أن تخرج لشيء تجده في نفسك، وش الشيء اللي كنت بتشعر فيه .
داود: كنت إذا دخلت إلى مسجد أصلي، حياء من الناس، أو مراءة للناس من باب الخدع للناس، أن هذا الرجل صالح ويصلي ويقرأ القرآن، كانت من التماثيل التي أمثلها على الناس وفي حقيقتها ما كانت صلاة، قد يؤذن المؤذن وأنا أمشي في الشارع عن غير طهارة، أخلع الحذاء وأدخل المسجد على طول أصلي، من باب خدع الناس...
سامي: هذه قضية مهمة جدا، بعض السحرة والمشعوذين قد يلاحظ عليه بعض آثار الصلاح، قد يحضر المسجد ويكون عنده بعض الأذكار المشروعة، أو يتمم بعض الكلمات من القرآن، بماذا تفسر هذه الظاهرة: قضية لبس الحق بالباطل .
داود: هذا على أساس خدع الناس، عشان يقولو رجل صالح ، لأنه إذا شافك على المعصية في بعض الناس عنده شوية إيمان يقولك كيف أروح عند هذا الرجل وهو قاطع صلاة وكذا..ما بيجي عندي لكن أوهمه أنك رجل صالح، حتى تدعي ببعض الآيات القرآنية تقرأها أو تدعي بها مثلا كل هذا كلام فارغ كله فيكون مرخص من قبل الشياطين أن يقول الكلام هذا بعد الفحص والتمعن في الشرك. والكفر
سامي: دعنا ننتقل للمبالغ التي كنت تتقاضاها مقابل عملك للسحر، كم كان حجم هذه المبالغ .
داود: والله قلت لك على حسب طاقة المريض، فيه مريض أشرط عليه 50 ألف، وآخر 30 ألف، ومريض أشرط عليه أكثر من ذلك، كله على نفسية المعالج أو المتعالج فمن خلال الشياطين التي توحيلي أعرف نفسيته .(72/28)
سامي: طيب هذه المبالغ التي تقدر بالألوف خلال عملك السحر وتقاضيك هذه المبالغ الكبيرة جدا، أين ذهبت ؟ هل استفدت منها، بنيت بها بيت، استغليت هذه المبالغ في مشروع معين ينفعك.
داود-محركا رأسه نافيا- : لا بركة فيها، لا فيها أي بركة، كنت آخذ ال10، 15 ألف بالصباح يأتي المساء ما بيبقى منها أي شيء، آخذها المساء يأتي الصباح ما يبقى منها شيء. كنت تروح في القات-الأكل- في البلاوي في الترف في اللعب كله، أطرحها في الجيب وأصرف منها حتى أمد يدي في الجيب ما أجد شيء..كملت..
أنا مرة أذكر قلت أوفر فلوس كان عندي مرض، فطرحت 30 ألف قلت ما أحد يمسها للضرورة، مكثت أكثر من شهر ولا أحد جاني - من الزبائن- ووقعت لي مصايب ومصايب، حتى أنني اضطررت أني أصرفها، أنا كملت صرفتها والناس جاو،، يعني كده، من حيلة الشيطان أنه ما يخليك توفر شيء....
سامي: الشياطين هل كان لها دور في منعك عن التوقف من استنزاف الأموال، بحيث يوحيوا لك أو يخبرونك بعض الأشياء تحجزك عن التوقف...
داود: كانت الشياطين توحي إلي بالمريض أنه سيأتي وأوصافه...هو قادم في الطريق أو متهيأ في البيت أنه سيأتي مثلا، هذا في حالة ما أكون مزنوق ما عنديش حق القات لليوم الثاني لي ولهم، فيطمأنوني يقولولي رزقك يجيك، قبل ما يجي..
سامي: طب ما توافقني أبو رفيع أن النساء أكثر الناس انجرافا نحو السحرة والمشعوذين، ولماذا النساء بالذات ؟؟
داود: نعم نعم، لأن النساء ضعاف أصلاً، ومخدوعات بهذه الطريقة، قد تأتي الأم تضحك على بنتها، أو تخدعها، أو توهم بنتها أن زوجها ممكن يحب وحدة ثانية، روحي افعليله كذا، قد يكون فعلوله شيء ...فتنخدع بهذه الطريقة مثلاً، فهن وبفطرة وبسرعة يؤمنن بهذا الشيء.(72/29)
سامي: طيب الآن بالنسبة للمخالفات الشرعية، ما دمنا نتحدث عن النساء، الآن نسمع أن مخالفات خطيرة جدًا تحدث من قبل بعض السحرة، قضية كشف العورات، الاختلاء بالمرأة، فعل الحرام لا سمح الله، حدثني عن هذه المخالفات وواقعها في عالم السحر.
داود -يتنهد- : أستغفر الله العظيم....فيه من هذه المخالفات كثير جدًا، قد تعجب هذا المشعوذ إمرأة، يعجب فيها، فيقوم بتكشفها بذريعة أنه يعالجها مثلا، يريد يطلع على كل عوراتها أو مفاتنها، كوسيلة أنه يعالج ، ووسيلته ما في تلك الطريقة ؛ وبعض المشعوذين يقول لها فيك سحر، وما يفسخ هذا السحر إلا إذا رحتي مع رجل غير زوجك ، يأمرها بالفجور ، ففيه من تستجيب وفيه من ترفض تقول أموت ولا أعمل هذا الشيء - الطيبات موفقات من الله سبحانه وتعالى- وإلا فيه كثير ينجرن وراء الوصايا المضلة والباطلة..
سامي: فيه قضية تثار الآن، بأنه فيه بعض السحرة يستعملون الأطفال، يقولك أن الطفل ينظر في البيضة، على أساس يعرفون السارق، وأن هذا الطفل يرى ما لا يراه الكبير، ماصحة هذه الأقاويل التي تنتشر الآن ؟
داود: هذه توهمات وتخيلات كلها لا حقيقة لها ولا صحة لها، قد يأتي هذا الكائن اللي قولو بعرف في الكأس أو الماء، فتستطلع الشياطين حقه من المكان اللي يأتون منه السائلين إليه عن سرقة أوشيء حدث، فيخبروه، تحصل واحد بالمئة بتصدق من الكلام كله،÷ فالذي يأتي قد يعمل تصور من الكلام كله ويحلل، فقد يشرحون له وصف البيت اللي تمت فيه السرقة وشكل الخلافات اللي بينه وبين الجيران، فيخبط الكاهن هذه الحكاية ليتهم الجيران وهم ما فعلوه، (( لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)) سبأ آية 14.هذا قول الله تعالى في حق سليمان.
ختم الصليب
سامي: طيب الآن بالنسبة لقضية ختم الصليب، ما قصة الختم هذا وكيف يحدثلك الختم ؟(72/30)
داود-يتنهد-: وضع الختم هذا هو عبارة عن دعوة لاعتناق النصرانية.........لما كان يوضع الصليب كنت أحس إني تحولت إلى شيء آخر على ما أنا فيه....من باب العزة أحس أنني وصلت إلى درجة الإجازة في عمل السحر...
سامي: طيب الآن عرض النصرانية، منه هو اللي يعرض عليك النصرانية وشو الهدف أنك تعتنق النصرانية.
داود: هو عبارة أنك تخرج من دين الإسلام، فإذا وضع فيك الصليب دليل الاعتناق...
سامي: قضية مهمة انتشرت، قضية فك السحر بالصليب، وعرضت في بعض القنوات الفضائية ويؤتى بالمسحور ويحطوا الصليب، ويقال للناس هذا الصليب هو اللي فك السحر، كيف تفسر لي هذه القضية ولماذا يقدم الأمر للمسلمين بهذه الصورة..
داود: هو دعاية إعلامية وترويج لحب الصليب عند الناس، ليكون عند الناس عقيدة أن هذا الصليب ينفع، وحقيقة الصيلب أنه لا ينفع ولا يضر وإنما هو شعار نصراني لا فائدة منه، وحقيقة فسخه للسحر هو باطل في باطل كله باطل في باطل، ويريدون يروجون له في العالم العربي والإسلامي، وللأسف أصبحنا مستوردين لهذه الحاجات مستهلكين يعني، فأنصح بعدم التصديق بهذا ولا يغتر الناس بهذه الأشياء المفتنة لهم عن طريقة اليهود والنصارى.
سبب التوبة
سامي: أبو رفيع لعنا ننتقل إلى قضية التوبة والهداية، وكانت هداية من المدينة التي نحن الآن فيها مدينة باجل، حدثني عن اللحظات الأولى للتوبة وكيف حصل هذا التغير الكبير في حياتك.
داود: والله تلك الليلة كانت ليلة بداية الخير والرحمة من الله سبحانه والهداية لي، أن منّى الله علي أن أعود إلى الإسلام.(72/31)
كنت في النهار مع بعض الناس مرضى من البلد ومن هنا من تهامة وجمعت فلوس من كل واحد، فكانت الشغلة أول الليل اشتغلت، ولأول مرة أشتغل أول الليل وما أشتغل لآخره، لأن من العادة دائما أشتغل لآخر الليل حتى تطلع الشمس وأنا مخزن، بس في هذيك الليلة اشتغلت مبكرا، قضّيت هؤلاء الأمراض أو زي ما تقول نصبت عليهم، وقمت أشتهي أرتاح قالوا لي ليه ما تخزن قلتهم أنا تعبان أشتهي أرتاح شويه، فرقدت و كانت الساعة منتصف الليل أو الواحدة .
وأنا راقد في المكان لحالي، جاني حلم في المنام..: كأني متّ..وجاء الناس، يعني أسمع الكلام ولكني ميت، أشعر بنفسي ميت ميت...وحملوني فوقهم إلى القبر..وقبروني..وأنا أشعر بنفسي أشتهي أصيح ولكني ميت ميت....دخلت القبر، بعد دخولي القبر جائني اللي هو منكر ونكير ، بيسألوني عن دينك من ربك ماالرجل اللي أرسل فيكم -محمد صلى الله عليه وسلم- ما قدرت أجاوب على أي شيء، اتلخبطت الأمور كاملة واتلعثمت....فسُحب لي قِدر عظيم جدًا أقولك زي المكان هذا اللي احنا فيه أو أوسع منه..فيه شيء يغلي زي الزفلت " القار أو القطران " ، وهناك أمامه شيء مفروش يعني شيء أخضر وأحمر شيء مرعب، نار،...قيل لي أتوضأ من هذا- اللي في القدر- وصلي في هذاك المكان- النار-، يعني لو طرحت يدي في هذا الزفلت يمكن ما تطلع العظام حتى..تروح حتى العظام..فتراجعت أشتهي أهرب فظهرت لي يد طلعت من الأرض يد حديدية..مسكتني مسكة حتى حسيت العظام اتكسرت ورفعتني إلى الهواء وتريد أن تقذفني في القدر..فصرخت صرخة حتى حسيت أن حلقي انقطع من شدة الصوت، فأفقت، ألقى صاحب البيت جرى لعندي: واش بيك مالك..قلتلهم خلوني لحالي أنا تعبان شوية..فقالوا نبخر نعمل شيء، قلتلهم ما في داعي لهذا الكلام كله..الرجل ما هو داري إيش فيه عندي..ثم رجعت إلى النوم ثاني مرة...رجعت إلى النوم ثاني مرة...رأيت الوالد وهو في نفس المكان-الذي هو أبي-
سامي: هذه في الرؤيا الثانية(72/32)
داود: في الرؤيا الثانية نعم، شافني وأنا في مكان مرتفع وهو في مكان منخفض، وهو يصيح: يا داود أهرب من عندك، لا تقرب أهرب من عندك، قلتله: فين أهرب يا أبي ليش أهرب؟، قال: أهرب من عندك...باقي عندك وقت أنك تصلي، باقي عندك وقت أنك تقرأ قرآن، باقي عندك وقت أنك تعبد الله، إبعد أترك الباطل واتبع الحق...أيًا باطل وأيًا حق أنا ما أعرف باطل ولا حق...أنا باطل في باطل منذ نشأتي إلى ذلك الوقت...قالي ما أنت فيه هو الباطل، ما أنت فيه هو الباطل، والحق هو الله، لن يغني عنك بن علوان شيء، ولن تغني عنك الشياطين شيء، ولا يغني عني سحري شيء، ولن تنفعني أي حاجة، إلا الله سبحانه وتعالى، ... فصحيت من النوم الخوف مالئ قلبي، أريد أعبد الله سبحانه وتعالى، وما أريد الشغلة هذه-السحر-.
الصراع من شياطين السحر بسبب التوبه
سامي: بديت تشعر بالتوبة...
داود-يتنهد طويلاً وكأنه يعايش نفس الموقف من جديد-: خوف، خوف شديد، وحب التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، لعلى الله يكفر عني شيء، ولكني كنت أريد أتوضأ وأروح أصلي فما قدرت أقوم، كنت أريد النهوض فأحس نفسي عجين لا عظام فيها ، مسلوب القوة ، فحاولت عدة مرات ودعيت ، فوفقني الله سبحانه وتعالى ، وسحبت للحمام وتوضأت ، ورجعت أريد أصلي، وقفت على السجادة أصلي، فما قدرت أصلي، كانت الأمور متلخبطة من الشياطين، ظهرت لي إناث من الشياطين بكامل زينتها لتفتني، النساء من الشياطين كفتنة لأجل تصدني عن الله سبحانه وتعالى حتى فوق السجادة اللي أنا واقف عليها، كنّ في وضع متعري بأقبح المناظر.
سامي: يعني اللي تراها الآن وأنت تصلي أجسام أو صور تتخيلها، إش حقيقة ما ترى؟.(72/33)
داود: أجسام مو صور، أجسام مو صور، متزينة بزينة مفتنة، على أساس أنه يصدوني عن السجود لله سبحانه وتعالى، طبعا أنا ما قرأت إلا الفاتحة القرآن الآخر ما استطعت أقرأ منه شيء، فحاولت أتذكر، تذكرت إلا سورة الإخلاص، قرأتها أكثر من مرة حتى إنفكين من السجادة كده شوية، فسجدت لله سبحانه وتعالى، وكانت أول سجده أسجدها خالصة لله تعالى، كانت هي أول سجدة، فوفقني الله تعالى بالدعاء في السجود، ثم قمت إلى الركعة الثانية، فجاء الشياطين الذكران مع الإناث، حتى أنهم يغووني ويصدوني عن الصلاة، ضاقت الأمور عندهم، اشتدت المعركة بيني وبينهم، كنت أريد أغمض لكن الجفون وكأنه تحتها مسامير ما تطبق على بعضها حتى لازم أقعد أنظر، فقرأت الفاتحة والإخلاص ما معايا إلا هي، فركعت ودعيت الله سبحانه وتعالى في الركوع، قمت ، ثم وفقني الله في السجود مثل المرة الأولى، وكملت الصلاة، ثم رجعت أشتهي أنام ما قدرت أنام، جلست شوية ، فأذن الفجر، قمت قلت لازم أروح أصلي الفجر، ولأول مرة أقوم أروح أصلي الفجر، دائما كنت ذلك الوقت أشتغل، قمت تطهرت وتوضأت ورحت المسجد أصلي الفجر.
سامي: طيب الآن في الصلاة الفجر وش اللي حصل في المسجد.(72/34)
داود: صليت الفجر وأنا متضايق ، وكأن فيه شيء يشدني من وراء ظهري من باب المسجد حتى لا أدخل، حتى دخلت بالقوة، ..التفاكير، الهموم دخلت في قلبي من كل النواحي جاءتني، ولكن صمدت وصليت الفجر مع الناس جماعة وخرجت إلى البيت، وكانت ليلة الخميس لصباح الجمعة، اليوم الثاني كان جمعة ، وصلت لقيتهم معدين القهوة ومجهزين الأمور، قالوا في عندك أمراض جاو ناس محترمين يدوا مبلغ طيب، أستغفر الله العظيم، أنا خلاص أيقنت في نفسي وقلعت هذا العمل من نفسي نهائيا ، ما أريد أعود إليه مرة واحدة، فما كنت أدري ما هو الثمن الذي سأدفعه، ولكن الحمد لله الثمن الذي دفعته ما هو عندي بشيء، الحمد لله، هو الذي ا أعطى و أخذ، هذا شيء حق الله سبحانه وتعالى، أول شيء فطرنا ورجعت اشتغلت.
سامي: في لحظتها هل كنت متيقن تماما أنك تركت الشيء اللي كنت عليه أو هل كان عندك نوع من التردد، في الرجوع إلى السحر.
داود: في ذلك الوقت، كنت متلخبط، كان الإيمان في قلبي ما تقوى، كانت كل المعالم شركية، كل المعالم شركية كانت، اللهم قد جعل لي الله سبحانه وتعالى نور بالسجدة التي سجدتها في الليل وفي الصباح، كان فيه شيء من الإيمان دخل قلبي، ولكن كانت السيطرة الكاملة للباطل، فخزنت إلى قبل صلاة الجمعة... وفجأة ظهر الوالد على الباب: مخزن إتقي الله قوم صلي..
سامي: يعني هذه كانت رؤيا أو صور
داود: هذا رأيت بالنهار وأنا صاحي غير نائم، رأيت الوالد أنه جاءني من الباب يقولي قوم صلي، مخزن اتقي الله قوم صلي،، قمت على طول اتوضأت وذهبت إلى المسجد، فيه الوالد الشيخ محسن جزاه الله خير، قالي نروح نصلي في جامع فلان.
سامي: هذا الجامع موجود الآن في المدينة في باجل...
داود: نعم موجود في باجل..(72/35)
داود: أثناء الدخول، أول ما دخلت صليت ركعتين تحية المسجد، وبعدين أخذت مصحف على أساس أقرأ قرآن زي ما الناس يقرأوا قبل الجمعة، فما قدرت أقرأ القرآن، اتصفحت اتصفحت ما قدرت أقرأ أي حاجة، أرى حروف أبجدية فقط، ما قدرت أجمع بين الآية وأقرأها ، فاضطريت أني أغلق المصحف وجلست، وإجى الخطيب طلع المنبر، وهنالك بدت علي حالة الارتباك الشديدة.
سامي: الخطيب مين كان ؟
داود: الشيخ علي يفوز، هو إمام وخطيب الجامع، ..فدخل في الخطبة وكان مركز فيها على السحرة والمشعوذين، قاطعي الصلاة، فحسيت بارتباك شديد، حتى أني لفت نظر الكثير من المصلين.
سامي: وش كان الشعور اللي تشعر فيه وقت الخطبة.
داود: كنت خايف أنه يحصلي شيء، لأول مرة أوقف في موقف زي هذا، وأدخل مسجد بشعوري وقلبي وإحساسي.
سامي: يعني تأثرت بالخطبة..
داود: نعم، كانت هي الدافع الثاني بعد الرؤيا لإستمراري في التوبة.
سامي: الآن بعد الخطبة رجعت لنفس البيت ولا وين رحت ؟
داود: خرجت من المسجد وأنا رجل غريب وإلى عالم غريب، خرجت بحالة أخرى غير اللي دخلت بها، رجعت لنفس البيت، قالوا لي تتغدى؟ قلت لهم ما عندي نفس للغدى، قالوا لي يالله نخزن، لقيت القات مجهز هناك والكل، قلت: ليش، قالوا: معاك مرضى إثنتين-بنتين- جاو من البلاد، قلتلهم: ما أبغي أخزن.
سامي: قصة البنتين اللتي أتين بهن لعندك، وكانوا يبغون تقرى عليهم..منين جاو شو قصتهم ؟(72/36)
داود: جابوهم من الجبل وكانوا يقولو أنهن مسحورات، وفيهن جن-مجانين- ، فأنا رفضت أني أعملهم أي شيء، أستغرب علي صاحب البيت وبعض الناس الموجودين...ما تعودت إني أردّ المرضى، خاصة أنه كانوا واعدين بمبلغ كبير مغري...كانوا مستعدين يدفعوا مئة ألف جاهزة...القات مجهز بعشرة ألاف ريال اللي أخزن فيه....ما رضيت، أخذني صاحب البيت قال لي أنت مانك مقتنع بالفلوس، قلت له : ما أنا مقتنع بأي حاجة، الشغلة نفسها ما ني مقتنع فيها، فجاو الناس : تريد نغير القات شو تريد نجيبك لك...يريدون إغراء زيادة عشان أرجع للعمل، فنصحتهم: قلت لهم: اتقوا الله سبحانه وتعالى أنا ما أعمل شيء، أنا أكذب على الناس، ما أقدر أسوي للناس أي حاجة، ما أقدر أنفع نفسي كيف أنفع الآخرين، اتقوا الله سبحانه وتعالى، أنا رأيت أشياء أنتوا ما رأيتموها .
سامي: هذه مرحلة أولى وخطوة من خطوات الثبات...أمام هذا الثبات بعد ما خرجت من المسجد ما كنت تشعر بنوع من الخوف أو الصراع.
داود: والله في الحقيقة كنت أفكر في خصلتين: الخصلة الأولى هي كيف سأعمل وكيف سأواجه الشياطين، ستكون مرحلة الصراع بيني وبينهم وما هو الهدف الذي سيستهدفونه علي ؟ أنا أعلم كنت أسمع من الوالد وبعض الناس، أنهم ينتقمون من الإنسان حتى شخصيته، إيذاء وتسلط.. والخصلة الثانية هي خوف المعيشة، كيف سأعيش أنا و أولادي، لأنه ماكان عندي أي مدخل رزق إلا هذه الشغلة السيئة، فكنت أفكر في هذه الأمور، وبعض الأوقات أقول الله سبحانه وتعالى يرزق يهود ونصارى وأنا ما يرزقني ؟ كان يسهلي وأنا عاصي، الآن وأنا طائع، ربي بيسخر لي، فاقتنعت بهذه الطريقة، الله سبحانه وتعالى كان بيعطيني رزق وانا عاصي، ليش ما بيعطيني وأنا طائع.
سامي: إمام الجامع الشيخ علي يفوز لا يزال، قابلته بعد الخطبة.(72/37)
داود: بعد يومين، أو ثلاثة أيام سألت عنه وبعدين دلوني عليه، فذهبتله للبيت، أخذني وشجعني على التوبة، هو ما كان يعرفني فعرفته بنفسي وحكيتله قصتي كاملة-كيف كنت أعمل مع الناس- فهو قال لي أثبت والله سبحانه وتعالى معك وما يضيعك، كن مع الله يكون معك، وشجعني حقيقة وما قصر، واعطاني شيء من المال وأعطاني كتب وكل شيء جزاه الله خير، وما يزال لحد الآن ما نساني لحد الآن جزاه الله خير، ما زالت يد الخير تمتد إلي من قبله ومن قبل العاملين بمؤسسة الفرقان ومن قبل جميع الخيرين جزاهم الله خير.
سامي: أبو رفيع، أهل القرية كانوا يذكرون عنك أشياء غريبة، أنك تقوم ببعض الحركات التي لا يقوم بها بعض الناس، حدثنا عن هذا..
داود: هذه الحركات كانت عبارة عن مشادات تحدث بيني وبين الشياطين، كانوا يعطوني حاجات ما أرضي بها ، وكانت هذه في بداية مرضي ودخولي في صراعات معهم، فكنت أرفض أنني آخذ منهم شيء، فتحدث بيني وبينهم مشادة قوية.
سامي: تحس في وجودهم معك وصراعهم..
داود: نعم، نعم، في البداية كنت أشعر، لكن بعدما يغمى علي لا أشعر بشيء..فكنت أسقط في بعض الأوقات، أسقط على أشواك أحجار، زروع، أرتمي من مكان عالي مسافة طويلة أتقلب، ولما يأتون الناس ما يحصلون فيني شيء، لا جروح ولا أشواك، فكانت الناس تخاف...أن الرجّال هذا عنده جن يشيله ويطرحه ، فلما يجوني بعدما أسقط لا يجدون فيني أي أذى، غير أني أحس جسمي تعبان من داخل من كثر المشادة بيني وبينهم، ولكن من الخارج ما فيه أي حاجة.(72/38)
آذوني كثيرا .. قضيت ثلاثة شهور أستفرغ الدم ثم أُصبت ببعض الأمراض منها (شلل نصفي) وباستمراري في تلاوة القرآن على نفسي والمحافظة على الصلوات وعرضت نفسي على بعض المشايخ قرأوا عليّ الرقية الشرعية كذلك ، والآن أتمتع بصحة جيدة ولم أتعرض لأي أذى من الشياطين لأنني مداوم على ذكر الله لا يبرح لساني وأمارس حياتي الطبيعية مداوما على ذكر الله صباح مساء لأن الشياطين لا تقرب أو تسلك طريق من يداوم على ذكر الله تعالى وأنصح الجميع بقراءة سورة البقرة وتلاوة القرآن باستمرار في البيوت. " هذه الفقرة مأخوذ من جريدة اللمدينة "
الشياطين تقتل اولاده
سامي: قضية موت إثنين من أبنائك ثم زوجتك، هذه قضية مهمة جدًا، كيف كان شعورك في تلك اللحظات التي كنت تعيش فيها هذه المآسي ؟(72/39)
داود-يبدو عليه التأثر-: والله يا أخي أنا أشعر، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها تطهير، وأن يكفر الله سبحانه وتعالى عني من السيئات بما أخذ مني، وبالنسبة لأخذ الأولاد كانت حقيقة فاجعة كبيرة لي، وتألمت منها، ونسأل من الله أن يعوضني خيرًا منهم، أون يجعلهم لي ذخرًا في الآخرة، أخذ الأولاد كان بطريقة مفجعة، فبعد الرؤيا والتوبة والصلاة، قررت أني اروح للبلد والحمد لله – يسكت ثم يتنهد عميقًا- روّحت وعرضوا عليّ أن أعود إلى الشعوذة – الشياطين -، إما أعود أو سيأخذون ولدي، فصممت أنني لا أعود لهذه الشغلة، وعرضت هذا الكلام على زوجتي أم الأولاد، وقلتلها يا مخلف أنا الآن في أمرين، يا إما التوبة ونفقد أولادنا ويمكن يضروا بنا، قالتلي مما تخاف، قلتلها أنا ماني خايف، ولكنني خفت على أولاد فأنا حقيقة أحبهم، الولد الكبير كان عنده 9 سنوات، والصغير 6 سنوات، فقالت لي لا تخاف على شيء، كنت أسمعك دائما وأنت تقول في معالجة الناس وأنت مشعوذ وأنت عاصي كنت تقول ما يضر وينفع إلا الله سبحانه، فكيف الآن وأنت طائع لله ، فقلتها ما أخلي بثقتي في الله، وفي اليوم الثاني وأنا في حوار مع الجن، في تلك الأيام كنت لازلت أكلمهم، فالولد الكبير أمامي – يتنهد-
سامي: واش اللي حصل ؟
داود: كان الولد يلعب قدامي، فجأة توقف، فشفت ثيابه تنتفخ، فصاح مرة واحدة...انتفخ وتشطط جسمه وانهمر منه الدم، فخفت وصحت، أشتهي أمسك الولد، ما قدرت، وبعدها جاو الناس ومسكوني وقالوا خلاص اتقي الله، اللي يقلي كله بسببك، أنت قاتل، قلت خلوني بحالي هذا بيد الله.(72/40)
والولد الصغير بعده بعشرين دقيقة أو نصف ساعة فقط، بنفس الطريقة، وقعت ضربة قوية، ثم قعدت لمدة شهرين أو ثلاثة وأنا فاقد للوعي وللذاكرة، آكل الأكل وأقولهم ما جبتولي أكل، ونسأل الله سبحانه أن يعوضهمنا في الجنة ويجعلهم كفارة لذنوبنا، ..وبعد هذا كله موت زوجتي كانت حامل في الشهر التاسع، وفجأة اختفى المولود من بطنها، كانت تعينني على الهداية، نسأل الله أن يتقبلها ويدخلها في جنته، وهو على ما يشاء قدير
سامي: داود الدخول في عالم السحر خطير للغاية، هل مرت بك مواقف شعرت فيها أنك في حالة من الخوف أو بخطر،
داود: نعم، والله مرة مرّ علي موقف وأنا جاي من مديرية عتمة، كنت مروّح للبلاد ، وكنت في هذه المنطقة أمارس فيها الشعوذة، فو أنا مروّح عبرت على واد فسيح كان فيه سيل وكانت ليلة ممطرة، فخفت أنني أمشي يشيلني السيل، وجدت زي الجسر عشان أعبر عليه- طريق-
سامي: مين اللي نصبلك الجسر ؟
داود: الشياطين،، فكنت خايف أعبر على الماء أسقط، فشدوني على الجسر ومريت وأنا خايف، وكان هذا أخوف موقف مريت عليه، لأنك تشوف السيل يتقلب زي الجبال وتمشي من وسطه !!، فكان هذا نوع من أنواع السحر.
سامي: فيه مواقف ذكرت لي فيها أنك حاولت تنتحر، متى وكيف حصلت هذه المواقف.(72/41)
داود: والله كما قلت لك، فهذا تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)) ، الضنك هذا كان دائمًا معي لا يفارقني أبداً، وهو لا يفارق أي إنسان آخر ينتهج هذا المنهج القبيح، فكان في بعض الأوقات يشتد عندي الضيق والكآبة حتى أني أحاول أتخلص من الحياة ومن الضيق اللي أنا فيه، فأقوم أحاول أقطع عرق الوريد الذي هو هنا -يظهر داود يده لسامي وتظهر آثار التقطيع - مرة مرتين ثلاث مرات..-يشير إليها- بريشة موس كذا، أقطع هلى أساس أوصل عند الوريد، هي مخيطة بعملية، يطلع الدم وكذا بس يقوم الناس بإسعافي، فكان الأجل ما قد وفى، -وهو يبتسم- الحمد لله إن الله كاتبنا الخير بعد الجهد والبلاء. الحمد لله.
سامي: تلبس الجن، يكون على صور الحيوانات، أو على صور من الإنس أو غيرها أناس تعرفهم ولا تعرفهم،
داود: هم الشياطين دائما يتلبسون بكل شيء.
سامي: طب كيف يميز الإنسان أن هذا الحيوان متلبس بالجن وهذا طبيعي ؟
داود: الحيوان الطبيعي عادي تحصل عليه، لكن المتلبس عنده علامات، قد يكون أسود وأول ما تشوفه يحصل اشمئزاز، تخاف منه، تجي ترميه يلتفت يشوفك ويمشي، ما يخاف منك، أو يختفي منك، وإذا تذكر اسم الله عليه يختفي..
سامي: طب تذكرلي قصص أخرى في قضايا التلبس، أنهم يتصورولك بأشكال معينة من الإنس، أو الحيوان.(72/42)
داود: نعم، كانت مرة في مرحلة الشباب وفي بداية مرحلة الجنون التي وقعت لي، كنت جالس في مكان، وكان في القرية فيه بنت أحبها، كنت أرغب أن تكون لي زوجة، فما أراد الله سبحانه وتعالى، اتفسخت أنا وأبوها، وتزوجت من رجل آخر، وكانت البنت محتشمة وتستحي ما كان فيها قلة الحياء، فبعد زواجها، وأنا مروح في الوادي دعتني، قالت يا داود تروّح معاي، قلتلها أروّح معاك، فالتقيت أنا وياها وطلعنا في مكان خالي شوية، فجلسنا نستظل تحت شجرة تعبنا من الطلوع، عرفت أن المسألة مو طبيعية، فلما لطمتها شفت ملامحها تغيرت، خوفتني ملامحها، وكنت قريب على مشرف القرية، فعملت أنا وايها معركة في ذلك المكان، والناس كانوا يشوفوني ألطم في الأرض، ما يشوفو منها شيء، كان لديها قطعة من اللحم، جيفة، كانت تريد أن تطعمني أياها وأنا أرفضها، كان فيها قوة، فكنت أسقط في المدرجات الزراعية من المدرج العالي إلى المدرج الأسفل، على الأرض زرع زي الإبر،على رأسي وما يحدث لي شيء.
ونوع آخر، مرة شفت أحد المتلبسات خفها طويل، أطول من العادة، الأصابع طويلة، والضفر زي مخالب الأسد.
سامي: نواصل للمغارة إن شاء الله.
مغارة الشياطين
داود: الآن وصلنا يا أخي إلى الغار، هذا هو الغار اللي قلتلك عليه، شوفه، فهذا الذي كنت أختلي فيه، بجمع الشياطين، وأول ما بديت أتعلم السحر في هذا المكان، بعسد عن الناس وبعيد عن أنظار الناس، وكنت أمضي أيام عديدة بالمغارة.
سامي: أشوف مدخله ضيق..
داود: نعم ضيق لكن من داخله وسيع، وسيع جدا، الغار كبير حتى مشارف الجبل، لفوق، لو تطلع تضيع فيه، فكنت أحدث فيه أني أقرأ في الكتاب وأجمع الجن، كنت أجي بالليل، أجلس فيه من اليوم الأول في الليل إلى اليوم الثاني في الليل، ما أخرج في النهار على أساس ما يشوفني أحد.
سامي: طيب وش الأشياء اللي كنت تسويها بالغار، الآن دخلت الغار وش تسوي ؟(72/43)
داود: كنت أقرأ كتاب السحر والشعوذة اللي تعلمت منه، جمع الجن والتفاهم معهم على طبيعة الخدمة، كيف يخدمونني وأخدمهم، الأعمال التي كنت أقوم بها هنا هي من أجل كسب الجن لي، حتى يقوموا بخدمتي، ومن ضمن الخدمات التي كانوا يقدموها لي : أنني أعالج المريض، ويخبرونني بمن سيأتي إلي وأنا في البيت، يقولون سيأتيك المريض الفلاني يشكي من كذا، عنده كذا وعنده كذا، فكانت من بين الشروط التي أشرطها عليهم من هنا، فأول ما بديت أستقبل المرضى كنت أنتهيت من الخلوة في هذا المكان، يعني البداية كانت الخلوة.
سامي: بعد كذا ما عدت تجي للغار ؟
داود: لا ما عدت أجي، بعد ما تمرست في السحر إنقطعت، فترة الغار كانت من شروط الدخول في السحر أي الاختلاء، أن تكون في مكان خارج عن الحي الإنساني، كنت أنعزل نهائيا عن الحياة الطبيعية.
سامي: في ظنك إش الأشياء التي تدفع بالناس إلى تصديق السحر، والشعوذة..
داود: شوف يا أخي العزيز، أول دافع للناس إنهم يعتنقوا هذه الأعمال، وأنهم يدخلوا فيها أو يصدقونها، هو قلة التوعية، من قلة الدعاة، قلة إقامة المراكز التعليمية الدينية للناس اللي هي سبيل رئيسي لانتشار الدعوة والتوعية بين الناس، الجهل معتم على المنطقة بشكل عام، ولهذا نحن نناشد فاعلي الخير والمحسنين أن يدعمون لإقامة هذه المراكز حتى ننقذ الناس من الظلم اللي هم فيه والظلام والتخلف واتباع الكهنة والمشعوذين، شرك كبير يحدث في مثل هذه الأماكن، وبالذات هذه القرى النائية التي لا يوجد بها من يردع هؤلاء الناس الذين يتلاعبون بالمشاعر، ويأكلون أموال الناس بالباطل، الجهل والتخلف هو أساس كل هذه المصائب.
سامي: من ضمن الخزعبلات بعض الأشياء التي تنتشر الآن بين الناس، الحجب، والأشكال المدورة والمربعة والخرائط ، هذه يظهر كانت معروفة عندك، تعملها لبعض الناس.
داود: هذه عبارة عن خدع الناس، وكتب طلاسم على الأوراق.
سامي: بقي عندك شيء من هذه الأوراق(72/44)
داود: باقي عندي ورقتين أو ثلاث، ما أدري كيف بقيت ، أنا أتلفت كل ماعندي والحمد لله، ما بقي في بيتي شيء، ممكن نجيبها .
سامي: هذه الأوراق كانت في أيامك الماضية، بلا شك لابد عرضها للناس حتى يحذروا منها، قد يجدها بعض الناس ويضن أنها نافعة أو قد تفيده.
داود: وبالذات ما يذكر فيها من أسماء الله وخدع الناس في بدايتها وآخرها، الحروف الأبجدية والطلاسم وما يشبه ذلك.
سامي: كيف كنت تكتبها، لها شكل واحد أو أشكال مختلفة..
داود: لالا، هي الأسماء كانت تكتب بحروف متقطعة معروفة في الكتب وعند بعض الناس الذين يدرسونها، وينخدع بها السذاج الذين ما عندهم عقل للتفكير.
سامي: يكتب فيها آيات ؟؟
داود: يكتب فيها آيات قرآنية وأسماء الله الحسنى، لكن بتقاسيم الحروف الأبجدية، ولكنها يدرج فيها باطل، هي حق ويدرج فيها باطل،
سامي: أنت كنت قتلي أنه السحرة مراتب، كيف كنت تصنف نفسك..
داود: كانت مرتبة مرتفعة الثانية، أو الثالثة، وهي مرتفعة في الضلال والعياذ بالله، الحمد لله الذي رفعنا مرتبات أعلى منها في درجات الإيمان، وكان للأخوة الدعاة الذين عرفتكم بهم دور كبير في تعليمي وتوعيتي...
ما صحة خروج الجني عند قراءة القرآن من اصبع أو عين أو يد المسحور؟(72/45)
- قد يخرج الشيطان من أي مكان لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وخلقنا الجان من مارج من نار) المارج يقال إنه رأس اللهب وهو عبارة عن هواء يدخل من نسمات الجسم وأنا بطبيعة الحال من خلال تجربتي أقول إن الشيطان يدخل من نسمات الجسم ولا يدخل إلا في أوقات محددة للإنسان إذا كان ضعيف إيمان يدخل عليه في أي وقت عبارة عن سوق يدخله الصالح والطالح وإذا كان الإنسان يكثر من الذكر وتلاوة القرآن فيترقب الشيطان الأوقات المحرجة له مثلا وقت الغضب الشديد أو الفرحة الشديدة التي تؤدي إلى زيغان في العقل من شدة الفرحة والوقت الذي يسهو عن ذكرالله سبحانه وتعالى أو عند ارتكابه معصية بنظره أو بلسانه فيثقب من الحجاب الذي عليه من الله سبحانه وتعالى يستطيع الشيطان أن يتسرب من هذا الثقب.. فالإنسان إذا كان ملازمًا للدين والطهارة وذكر الله وحسن المعاملة مع الناس لا يستطيع الشيطان أن يدخل عليه. " هذه الفقرة مأخوذ من جريدة اللمدينة "
الساحر الداعية المسلم
سامي: الساحر، المشعوذ داود فرحان تحول إلى الداعية التائب إلى الله، كيف كان شعورك بعد توبتك وهدايتك ؟(72/46)
داود –وهو يحمل مصحفا في يده-: الحمد لله أشعر بالأمان والاستقرار والاطمئنان، وصدق الله العظيم حين قال: (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) ، كانت الذكرى كلها شركيات وكفريات وضيق في العيش ونكد، الآن الحمد لله أشعر بمحبة الناس لي وألفتهم، كما شاهدتم الناس كيف تغيرت، من عداوة إلى حب، في باجل في البلاد في كل مكان. في الأول كانت معاملتهم لي سيئة، ولو كرهوني من حقهم أن يكرهوا شخص زي هذا، ولكن الآن الحمد لله كل شيء تغير، وما قصر الإخوة بالسعي وراء ما يطلبوه من الخير، مثلا في رمضان أسعى إلى إفطار الناس، وكما شاهدتم في البلد، الواحد يأتي في المساء مالوش حبة تمر يفطر بها، فمن خلال هذه المشاريع جزى الله القائمين عليها، شيء حول حب الناس إلي، وكما في الأعياد، الأضاحي، أقوم بجمع بعض المواشي من الجمعيات، أجمع خمسة ست رؤوس من الغنم وأجي أقسمها على من هو في أمس الحاجة لها، وهذا من الله سبحانه وتعالى أن سخر لي هذا، ووجهني إلى هذه الطريقة والحمد لله.
سامي: بعد هذه الآثام الكبيرة وإيذاء الناس وعمل السحر، الناس الذين كانوا تعرضون لسحرك، قمت بعمل السحر لهم، كيف وضعهم ؟ هل حاولت أنك تفك السحر عنهم ؟ وتساعدهم بشيء ؟
داود: الحمد لله، إن الله سبحانه وتعالى وفقني على أن أصلح كل ما أفسدته أثناء التوبة، في تلك الأيام قمت بإصلاح الكثير والكثير، والحمد لله الآن ما بقى واحد يعاني من شيء وأنا سبب فيه، والحمد لله، الآن الحمد لله الناس منعومين بما أقمه إليهم ، أسعى إلى جمع مصاحف القرآن الكريم، كتيبات أشرطة، حتى بعض الأوقات أتحصل معي كفالة من أحد المحسنين جزاهم الله خير من جمعية الإصلاح 10 ألف ريال شهرية يدوهالي فأقوم بشراء بعض الأشرطة الدعوية الطيبة لأوزعها لمن في أمس الحاجة لها.
سامي: تحولت الآن بعد توبتك إلى الدعوة إلى الله، الدعوة إلى التوحيد، التحذير من السحر والشرك، حدثني عن مشاركاتك في حقل الدعوة إلى الله.(72/47)
داود: والله كما قلتلك قمت بعدة ندوات دعوية في بعض المدن، فكان يجتمع الناس، ويمكن أكبر داعية ما يجتمعون عنده بهذه الطريقة، فكان بعض الناس يستجيبون لي، يقولون أنا عندي كتاب في البيت تعالى شوفه ما دام أن السحر بهذه الطريقة والملائكة لا تدخل بيت فيه من هذه الكتب، تعال شيلها، فيه بعض الناس يموت والده وعنده من هذه الكتب الكبيرة فيفتكر أنها ورث، أو أن له فيها خير في البيت، حتى ما هو يفعل بها شيء قد يفعل أولاده، فيقول تعال أنقذني منها، وأنا أقوم بتسليمها إلى مؤسسة الفرقان، وفي صنعاء سلمتها لبعض المشايخ في جمعية الإصلاح.
سامي: يعني هل تأثر بعض الناس كانوا يحضروا لك، من السحرة أقصد ؟
داود: الحمد لله جاء كثير من السحرة، وأخص منهم ثلاثة هنا في مدينة باجل، جاءوا وتعاهدوا بالإقلاع وعدم ممارسة السحر، الآن موجودين ولازالوا على توبتهم.
سامي: إيش اللي حصل بينك وبينهم ؟
داود: هم حضروا محاضرتين في الفرقان وفي الجامع المركزي، فدعوني بعد ما كملت المحاضرة وروّحت معهم للبيت على طول، قالولي يا أخي إحنا معانا هذه الكتب شيلها، فيقولك أعاهدك ما أعود إليه، فأقوله عاهد الله ما تعاهدني أنا، وفيه بعض الناس يقولك أنا مالي رزق إلا من هذا الكتاب، فأوعده أنني أتحصله على البديل، فالناس في حاجة إلى القوت الضروري والمال، وأكثرهم قد يلجأ إلى هذا العمل حتى ولوم يكن ساحر، يضحك على الناس.
سامي: طيب السحرة الآخرين الذين رضوا لأنفسهم أن يبقوا في عالمهم المظلم، هل كان بينكم وبينهم مواقف معينة، وناس ما استجابوا لك، وناس قبلوا دعوتك بالجحود أو النكران.(72/48)
داود: فيه كثير من المواقف حدثت بيني وبين بعض هاته الشخصيات، فنسأل الله لهم الهداية، واحد دعيته واستجاب لدعوتي في البداية والحمد لله، فأرشدته ونصحته أن السعادة ليست بالمال ولكن بذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته والعمل الصالح، فقالي أعطيني بعض الأشرطة وبعض الكتيبات أنه سيتوب، فاستمر في التوبة والحمد لله، كان يجي يصلي معانا في المسجد لأكثر من شهر أو شهر ونصف، ومرة جاءت معه بقرة تولد، فماتت البقرة وهي في نفاسها، فقالوا له هذا داود يريد يلحق بيك الأذى مثل ما حدث له ماتوا أولاده وماتت البقرة، وأنت سمعته وصدقته، فلف الأشرطة اللي عطيته والكتيبات وجاء رماها في وجهي، حتى لما تعورت، مالك يا أخي،، أنت من وراك إلا المشاكل والمصائب، قلت له جزاك الله خير وما خاصمته لأنه كان منفعل، ومازلت لحد الآن أدعيه ما أيست منه، أدعيه.
سامي: طيب أبو رفيع بعد هذه الرحلة الطويلة من الأيا م المظلمة، هل لك أمنية تود أن تتحقق لك في حياتك ؟
داود: أسأل الله أن يحقق لي أمنيتي الوحيدة : أن أقوم بخدمة الناس، وإقامة مراكز تعليمية التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأن يوفقني إلى توسعة المسجد الذي شاهدتموه، وإقامة مركز تعليم قرآن بجانبه، والإحسان للفقراء والمساكين بكل شيء.
سامي: هذه الأمور تتعلق بنفع الناس، وأمنية عامة، نريد الأمنية الخاصة، التي تود أن تتحقق لك الآن بالنسبة لشخصك وحياتك أنت.
داود- يتريث- : والله أمنيتي أن أزور بيت الله الحرام، أكون في جوار بيت الله الحرام، لأنني الآن، أتحسر أنني زرت بيت الله الحرام وأنا على معصية، ماكان في قلبي أي مثقال ذرة من الإيمان فقط، أن أزور بيت الله وأمكث فيه ما شاء الله سبحانه وتعالى.
سامي: بعد هذه الرحلة الطويلة في عالم السحر، ماهي نصيحتك للذين ما يزالوا الآن يتخبطون في هذا العالم من السحرة أو ممن يأتي إليهم ؟(72/49)
داود: أولا أدعيلهم الله سبحانه وتعالى أن يعافيهم ويشفي قلوبهم، لأنه مرض في القلوب، نسأل من الله أن يشفيهم ويشفينا جميعًأ، وأنصحهم بأن السعادة ليست في هذا المجال، وليست بجمع المال، إذا بحثنا عن السعادة في أي مكان لن نتحصل عليها، ولم أتحصل عليها إلا في هذه السنوات الأخيرة القليلة التي قد مرت علي وأنا في طاعة الله سبحانه وتعالى ومع كتاب الله سبحانه وتعالى، ومع الفقراء والمساكين بخدمتهم وليس بإضرارهم.
سامي: نسأل الله يبارك فيك ويثبتنا وإياك على دينه، جزاك الله خير.
داود : وفيكم إن شاء الله، ونسال الله أن يوفقكم لما يحب ويرضى، وأن يجعل خطوتكم هذه مباركة إن شاء الله.
ما هي أبرز الجهود الدعوية التي تقوم بها الآن؟
الذهاب إلى بعض المناطق المتأثرة بالسحرة والمشعوذين، ثم دعوة من أستطيع منهم إلى التوبة والرجوع إلى الله عز وجل، ثم تحذير الناس من أعمال المشعوذين، والحمد لله هناك نتائج طيبة وقبول وتجاوب عند الناس حتى من بعض السحرة أنفسهم.
فقد كنت في حضرموت قبل مدة بسيطة لمدة أسبوع في عدد من الأماكن ورأيت تجاوباً طيباً، وهناك تعاون معي من قبل الجهات المسؤولة، حيث تم بفضل الله القبض على عدد من السحرة، وبعضهم تاب إلى الله، وصار يخبر عن بعض السحرة الآخرين.
وأسعى إلى بذل جهود أكبر والذهاب إلى مناطق أكثر وعلى نطاق أوسع عند توفر الوسائل المعينة.
وأنا بفضل الله أشرف على مركز به مسجد للدعوة وتعليم القرآن وتحفيظه، والناس في إقبال، ويوجد الآن حفظة للقرآن عندنا بالقرية التي كان بها أكثر من ستين ساحر، وبعضهم من أبناء السحرة أنفسهم. هذه الفقرة من موقع الشبكة الإسلامية(72/50)
من كان يصدق، أن هذا الرجل، سيتحول من ظلمات السحر والشرك، إلى نور الإيمان والهدى، إنها رحمة الله وصدق الله : " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون".(72/51)
هذه المقالة نقلتها نصا من الإنترنت :
مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي
يكتبها د. طارق بن علي الحبيب
استشاري وأستاذ الطب النفسي المساعد ورئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب والمستشفيات الجامعية بالرياض
الحلقة الأولى
تمهيد
لقد كان علاج المرضى النفسيين في أوروبا في القرون الوسطى يتم على يد رجال الكنيسة ، ولذلك فقد انتشرت الخرافات وساد التطرف بالإيمان في الأمور الغيبية كالسحر وتلبس الجان. وقد كان يتم احتجاز المرضى آنذاك في أماكن سيئة ، ويتعرضون لأسوأ أنواع المعاملة مثل التقييد بالأغلال المثبتة في الحيطان لفترات قد تصل إلى عشرات السنين . كما كانت تلك الأماكن أو الملاجئ مستقلة وبعيدة عن المستشفيات المعتادة ، مما أدى إلى ركود الأبحاث في الطب النفسي وإلى تخلف هذا الفرع من فروع الطب ، وبالتالي عدم إدراك الناس لحقيقته ومدى فائدته .
إضافة إلى ذلك فإن الصراع بين العلم والكنيسة في أوربا في القرن الماضي ربما كان أحد الأسباب الأساسية في رفض الناس للطب النفسي . فلقد استطاعت جميع العلوم تقريبا أن تثبت مكانتها وجدارة علمائها مقابل عجز وتخلف رجال الكنيسة -الذين كانوا وللأسف يعتبرون رمزا للدين وأهله في ذلك الوقت في حين أنه قد عجز الطب النفسي أن يحقق ذات المكانة ، وأن ينجح بنفس الجدارة التي نجحت بها غيره من العلوم ، بل إن بعض مؤسسة قد اتخذ موقفا معاديا للدين وابتدع بعض الفرضيات التي زادت من هذا الفصام النكد كتعريف سيجموند فرويد - وهو طبيب نمساوي من أصل يهودي -للدين بأنه وسواس الشعوب.
ونظرا لمكانة أوربا في العالم فلقد انتقلت نظرة الرفض تلك إلى الشعوب التي مازالت في بدايات التحضر ( دول العالم الثالث ) ، والتي رفضت بدورها الطب النفسي بدرجة أكبر مما حدث في أوربا ، وذلك لعدة أسباب منها :(73/1)
الأول : أن هذه الشعوب مازال فيها بقية من خير وصلاح وسلامة فطرة إلى حد ما ، مما يجعلها ترفض في أغلب الأحوال أي شيء يبدو في ظاهره وكأنه يتعارض مع الدين .
الثاني : أن كثيرا من أوائل المتخصصين في الطب النفسي في دول العالم الثالث - إلا من رحم الله منهم - كانوا مجرد نسخة لعلماء الغرب ، ولا يختلفون عنهم إلا أنهم كانوا يتحدثون بلغة قومهم .
الثالث : أن الصحوة الإسلامية التي عمت أرجاء العالم الإسلامي في العشرين سنة الماضية قد دعمت هذه النظرة الرافضة في العالم الإسلامي ، وخصوصا في العالم العربي ، دون أن توجد نماذج جيدة كافية من المتخصصين في الطب النفسي ينقحون للناس ويبينون لهم الغث من السمين في الطب النفسي وعلومه .
وفي المقابل فعلى الرغم من بعض البقع السوداء في تاريخ الطب النفسي إلا أن فيه جوانب كثيرة مضيئة تنتفع منها الأمة بشكل كبير إن أحسن القائمون عليه توظيف تلك الجوانب . فليس الطب النفسي وعلومه مجرد عقاقير دوائية وأساليب علاجية ، بل إنه يمكن استخدام شيء منه في خدمة المجتمع وتطويره ، وكذلك أيضا في مجال الدعوة إلى الله.
ومما يبهج قلب المسلم انتشار الصحوة الإسلامية في أوساط الأطباء النفسانيين المسلمين ، وحرص عدد منهم على خدمة الإسلام من خلال تخصصه . ولعل بعضا من أولئك المتخصصين المخلصين يصطدم بعض الشيء ويضايقه بعض من تلك النظرات الخاطئة لدى أفراد مجتمعه ، ولذلك فلقد حاولت من خلال هذا الكتيب الذي بين يديك - أخي القارئ - أن اجتهد في توضيح وتصحيح بعض من تلك النظرات الاجتماعية السلبية تجاه الطب النفسي ، راجيا من الله التوفيق والسداد .
تعريفات :
من هو الطبيب النفساني ؟
وما طبيعة عمله ؟
وما دراسته التي أهلته لذلك العمل ؟
وما الفرق بينه وبين الاختصاصي الاجتماعي والاختصاصي النفسي ؟(73/2)
الطبيب النفساني : هو ذلك الشخص الذي تخرج من الثانوية العامة – القسم العلمي – ثم التحق بكلية الطب ودرس فيها تقريباً لمدة سبع سنوات جميع التخصصات الطبية دون تركيز على تخصص محدد ، مثله في ذلك مثل أي طالب في كلية الطب. ثم حين يتخرج يعمل في جميع التخصصات الطبية الرئيسة لمدة عام واحد ، مثله في ذلك مثل أي طبيب آخر ، يحصل بعدها على بكالوريوس الطب والجراحة ، مما يؤهله للعمل في أي تخصص طبي شاء . وكما يختار زميله الذي تخرج معه في قسم الجراحة أو الباطنة مثلاً فإن من يرغب في أنْ يكون طبيباً نفسانياً فإنه يتجه للعمل في قسم الطب النفسي ، ويمكنه بعد ذلك مواصلة دراساته العليا في الطب النفسي ، والتي يتدرج خلالها من رتبة طبيب مقيم إلى طبيب اختصاصي ( أخصائي ) ثم إلى رتبة طبيب استشاري إذا حصل على ما يكفي من الشهادات العلمية والخبرة الإكلينيكية . ويتمثل دور الطبيب النفساني في تشخيص الحالة المرضية والبحث في أسبابها النفسية وكذلك العضوية لأنه في الأصل طبيب – كما أسلفنا – ثم يسعى في اختيار العلاج المناسب لها . وقد تحتاج بعض الحالات المرضية إلى بحث اجتماعي فيستعين بالاختصاصي الاجتماعي ، أو عمل بعض المقاييس النفسية مثلاً فيستعين بالاختصاصي النفسي . ويُعد الطبيب النفساني في الأقسام النفسية العمود الفقري للفريق المعالج الذي يتكون عادة من : الطبيب النفساني ، والاختصاصي النفسي ، والاختصاصي الاجتماعي ، وفريق التمريض . كما أن الطبيب النفساني هو الوحيد الذي يحق له صرف الأدوية من بين أفراد الفريق المعالج لما عنده من خلفية طبية . ويقوم الطبيب النفساني أيضاً بعلاج ما يعترض مرضاه من أمراض أخرى ، إن لم يقتض الحال تحويلها إلى طبيب مختص.(73/3)
أما الاختصاصي النفسي : فهو ذلك الشخص الذي تخرج من الثانوية العامة – القسم الأدبي عادة – ثم التحق بقسم علم النفس في إحدى الكليات النظرية ( التربية أو الآداب عادة ) حيث يدرس فيها ويتلقى تدريبه لمدة أربع سنوات ، يحصل بعدها على بكالوريوس علم النفس ، ثم يتجه بعد ذلك للعمل في أحد القطاعات الحكومة كالمدارس والمستشفيات العامة أو النفسية . ويتمركز عمل الاختصاص النفسي في عمل المقاييس النفسية ، واختبارات الذكاء ، وكذلك عمل بعض الجلسات العلاجية كالعلاج المعرفي ، والعلاج السلوكي ، والعلاج المساند . ويُعد دور الاختصاص النفسي رائداً ومهماً في تكامل عمل الفريق الطبي .
أما الاختصاصي الاجتماعي : فهو ذلك الشخص الذي تخرج من الثانوية العامة – القسم الأدبي عادة – ثم التحق بقسم الخدمة الاجتماعية أو علم لاجتماع أو ما شابه ذلك من الأقسام على اختلاف مسمياتها في إحدى الكليات النظرية ( التربية أو الآداب عادة ) حيث يدرس فيها ويتلقى تدريبه لمدى أربع سنوات ، يحصل بعدها على درجة البكالوريوس في ذلك التخصص ، ثم يتجه بعد ذلك للعمل بوظيفة اختصاصي أو مرشد اجتماعي في أحد القطاعات الحكومية كالمدارس والمستشفيات وغيرها . ويتمركز عمل الاختصاص الاجتماعي في بحث المشكلات الاجتماعية والمساهمة في حلها ، وإعداد التقارير الاجتماعية للأفراد الذين يتم تحويلهم إليه . وللاختصاصي الاجتماعي الذي يعمل في المستشفيات دور بارز في تكامل الخدمة الطبية .
ويمكن للاختصاصي النفسي وكذلك الاختصاصي الاجتماعي مواصلة الدراسات العليا في تخصصاتهم والحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه ، ثم العمل بعدها أستاذا في إحدى الجامعات أو موظفاً في أحد القطاعات الحكومية الأخرى بما يتناسب مع طبيعة تخصصه ودرجته العلمية .
المفهوم الأول :أعتقد بعضهم بأن الصالحين والأتقياء لا يمكن أنْ تصيبهم الأمراض النفسية(73/4)
وذلك لأن الأمراض النفسية - في ظنهم – إنما هي فقط بسبب تسلط الشيطان على ضعاف الإيمان ، ويبدو أن هذا الاعتقاد إنما جاء من أمرين :
الأول : عدم إدراك الناس لمعنى المرض النفسي .
الثاني : نظرة الناس للأمراض النفسية على أنها مركب نقص .
ولبحث هذا الأمر علينا إبتداءاً أنْ نفرّق بين العوارض النفسية والأمراض النفسية ، فالعوارض النفسية هي تلك التفاعلات النفسية التي تطرأ على الفرد نتيجة تفاعله مع ظروف الحياة اليومية ، وتستمر لفترات قصيرة ، وقد لا يلاحظها الآخرون ، ولا تؤثر عادة على كفاءة الفرد وإنتاجيته في الحياة ، كما لا تؤثر على عقله وقدرته في الحكم على الأمور . وتعد هذه العوارض النفسية جزءاً من طبيعة الإنسان التي خلقه الله بها ، فيبدو عليه الحزن عند حدوث أمر محزن ، ويدخل في نفسه السرور والبهجة عند حدوث أمر سار . وهذا أمر مشاهد معلوم لا يحتاج لإثباته دليل ، ويحدث لكل أحد من الصحالين والطالحين.
أما الأمراض النفسية فأمرها مختلف ، وهي لا تقتصر على ما يسميه الناس بالجنون ، بل إن معنى المرض النفسي معنى واسع يمتد في أبسط أشكاله من اضطراب التوافق البسيط إلى أشد أشكاله تقريباً متمثلاً في فصام الشخصية شديد الاضطراب . كما أنه ليس شرطاً أنْ تُستخدم العقاقير في علاج ما يسميه الأطباء النفسانيون بالأمراض النفسية ، بل إن منها ملا يحتاج إلى علاج دوائي فهي تزول تلقائياً ، وربما لا يحتاج معها المريض سوى طمأنته كما يحدث عادة في اضطرابات التوافق البسيطة .
ويعتمد الطبيب في تشخيص الاضطراب أو المرض النفسي – بشكل كبير – على ثلاثة أمور :
نوع ( طبيعة ) الأعراض .
شدة الأعراض .
مدة بقاء تلك الأعراض .(73/5)
ولتشخيص المرض النفسي فإنه يجب أنْ يحدث عند المريض أعراض غريبة ، أو ربما أعراض غير مألوفة كالضيق والحزن مثلاً ، وتستمر لمدة ليست بالطارئة أو القصيرة وبأعراض واضحة تكون كفيلة بتشخيص المرض النفسي في تعريف الأطباء . ولذلك فإن من يحزن لفقد قريب أو عزيز ويتأثر بذلك فإننا لا نصفه بأنه مريض نفسي إلا إذا استمر حزنه لمدة طويلة ربما تصل لعدة أشهر أو بضع سنوات وبدرجة جلية تؤثر على إنتاجية ذلك الفرد في أغلب مجالات الحياة ، أو أنْ تظهر عليه أعراض بعض الأمراض النفسية الأخرى كالاكتئاب مثلاً.
ولتبسيط الموضوع فإننا نقسم الأمراض النفسية إجمالاً إلى نوعين :
الأول : تلك الأمراض التي تؤثر على عقل الفرد فيفقد استبصاره بما حوله ، وتضعف كفاءته وإنتاجيته وقدرته في الحكم على الأمور ، ويحدث فيها أعراض غريبة لم تعهد عن ذلك الفرد ولم تعرف عنه كالاعتقادات والأفكار الغريبة الخاطئة التي لا يقبل معها نقاش ، أو أنْ تتأثر أحد حواسه أو بعضها بما هو غير مألوف له كسماعه لبعض الأصوات التي لا وجود لها حقيقة ، أو وصفه لنفسه بأنه يرى بعض الأجسام دون أنْ يكون لها أي وجود على أرض الواقع .
ويمكن أنْ يصيب هذا النوع من الأمراض أي أحد من الناس سواءاً كانوا من الصالحين أو الطالحين إذا توفر ما يدعو لحدوثها من أقدار الله .
الثاني : تلك الأمراض التي لا تؤثر على عقل الفرد ولا يفقد معها استبصاره أو قدرته في الحكم على الأمور لكنها تُنقص نشاطه بعض الشيء ، كالحزن الشديد المستمر لفترات طويلة وعدم قدرة البعض على التوافق مع بعض مستجدات الحياة (اضطراب التوافق ) وغيرها كثير . وقد تصيب هذه الأمراض أيضاً الصالحين وغيرهم من الناس إذا توفر ما يدعو لحدوثها من أقدار الله.(73/6)
ولعلي أعجب من البعض الذين يربطون درجة التقوى والإيمان بامتناع الإصابة بالأمراض النفسية دون العضوية !! فلقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه .
وهذا البيان النبوي شامل لجميع الهموم والغموم صغيرها وكبيرها ، وأياً كان نوعها . وفي الأصل أن الأمراض النفسية مثل غيرها من الأمراض ولا شك ، وهي نوع من الهم والابتلاء ، ولذلك فإنها قد تصيب المسلم مهما بلغ صلاحه . كما إنه لم يرد في الكتاب الكريم ولا في السنة المطهرة ما ينفي إمكانية إصابة المسلم التقي بالأمراض النفسية حسب تعريفها الطبي ، ومن نفي إمكانية ذلك فعليه الدليل .
ولقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : هل المؤمن يمرض نفسياً ؟
فأجاب – حفظه الله - : لا شك أن الإنسان يصاب بالأمراض النفسية بالهم للمستقبل والحزن على الماضي ، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الأمراض الحسية البدنية .
ولعل ما نلاحظه من مراجعة بعض أهل العلم والصلاح للعيادات النفسية ما يشهد بذلك .(73/7)
ولقد وصف أبو حامد الغزالي – رحمه الله – نوبة الاكتئاب الحادة التي أصابته ، وهو المعروف بعلمه وتقواه وورعه . يقول أبو حامد الغزالي " فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريباً من ستة أشهر أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربع مائة . وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس ، فكنت أجاهد نفسي أنْ أدرس يوماً واحداً تطبيباً للقلوب المختلفة إليّ ، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة ، حتى أورثت هذه العلة في اللسان حزناً في القلب بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب ، فكان لا ينساغ لي ثريد ولا تنهضم لي لقمة ، وتعدى إلى ضعف القوى حتى قطع الأطباء طمعهم من العلاج وقالوا : هذا أمر نزل بالقلب ، ومنه سرى إلى المزاج فلا سبيل إليه بالعلاج إلا أنْ يتروح السر عن الهم الملم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن انتقال أغلب الأمراض النفسية عبر الوراثة يعكس بوضوح الطبيعة المرضية لتلك الأمراض .
وبالرغم من ذلك كله فإن المسلم يتميز عن الكافر وكذلك التقي عن الفاجر في انه يحتسب ما يصيبه عند الله ويستعين بحول الله وقوته على مصائب الدنيا ولا يفقد الأمر مثلما يفقد غيره مما يخفف من أثر المصائب عليه بعض الشيء . ولذلك فإننا نلاحظ حدوث حالات الانتحار في المجتمعات الغربية تفوق بكثير ما يحدث في المجتمعات الإسلامية رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لذلك في المجتمعات الإسلامية ، لكن من عمل من الأطباء النفسانيين في كلا المجتمعين يدرك بوضوح ذلك الفرق .
المفهوم الثاني : اعتقاد بعضهم بأن الأدوية النفسية ما هي إلا نوع من المخدرات ، ولذلك فإنها – في ظنهم – تؤدي إلى الإدمان .
ولعل هذا الاعتقاد جاء من عدة أمور ، منها :(73/8)
أن صرف الأدوية النفسية كان يتم – وللأسف أنه لا يزال كذلك في بعض المناطق – بوصفات خاصة ذات لون مختلف عن الوصفات العادية ، ولا يتم استلامها إلا بعد إظهار البطاقة الشخصية وتوقيع المريض أو ولي أمره خلف الوصفة الطبية .
حدوث النعاس والخمول كأثر جانبي لتلك الأدوية ، مما يربطها في حس كثير من الناس بآثار المخدرات .
وجود بعض الأمراض النفسية المزمنة التي تستدعي العلاج المستديم فيظن البعض أن عدم قدرة المريض على التكيف مع الحياة والعيش بطمأنينة بدون تلك الأدوية هو بسبب إدمانه عليها لا بسبب طبيعة تلك الأمراض التي تحتاج إلى علاج ربما يمتد مدى الحياة .
تعميق بعض الرقاة – هداهم الله – هذه النظرة الخاطئة في نفوس الناس ، حيث يشترط بعض الرقاة لرقيته أنْ يتوقف المريض أولاً عن تناول أدويته النفسية لأنها – كما يزعمون – مخدرات تحبس الجن في العروق !! وتنشف الدماغ !! وتمنع بلوغ أثر القرآن !!.
توقف بعض المرضى النفسيين عن تناول أدويتهم عند حدوث بعض التحسن الجزئي في حالاته النفسية ، مما يؤدي إلى حدوث الانتكاسة ، فيظنون أن تلك الانتكاسة إنما حدثت بسبب إدمانهم على تلك الأدوية .
انتشار الأمراض النفسية بين مدمني المخدرات والكحول .
ولعلنا نتوقف مع هذه الأسباب ونناقشها بشيء من التفصيل حسب تسلسلها الذي ذكرناه :
أصبح صرف الأدوية النفسية يتم بطريقة عادية مثل غيرها من الأدوية منذ صدور توجيه مدير عام الرخص الطبية والصيدلة بوزارة الصحة برقم 653/20/5525 في 26/10/1415هـ ، والذي تم بعد جهود مضنية قام بها بعض المخلصين من أبناء هذا البلد الذين لم يروا ما يدعو لبقاء تلك الأدوية تحت الرقابة الدوائية ، إضافة إلى الأثر الاجتماعي السلبي لبقاء الحال كما كان عليه . ولقد استثنى ذلك القرار بعض أدوية القلق ومجموعة قليلة أخرى نظراً لاحتمال استخدام بعض الناس لها بطريقة غير صحية .(73/9)
ولعل بعض الناس يتخوف من الأدوية النفسية ، لأن المريض النفسي قد يقدم على
الانتحار في أية لحظة مستخدماً جرعات كبيرة من تلك العقاقير ( الخطيرة في ظن أولئك البعض) ، ولذلك فإنه يجب حظرها في نظره . لكنه يجب أنْ نتذكر بأن تعاطي 20 حبة بندول دفعة واحدة كاف لحدوث تلف في الكبد ، وأن تعاطي 30 حبة بندول يؤدي إلى الموت في أغلب الأحيان إلا أن يشاء الله . ورغم ذلك يحرص بعض المسؤولين من غير المتخصصين على تقييد استخدام الأدوية النفسية خوفاً من استخدامها في الانتحار في حين أن علب البندول تزدحم بها أرفف الصيدليات والبقالات ، بل ربما تجدها في بعض محطات الوقود في الخطوط السريعة !! .
أما النعاس والخمول فإنه لا يحدث كأثر جانبي للأدوية النفسية فقط ، بل يحدث كذلك عند استخدام بعض الأدوية الأخرى كأدوية السعال التي يحتوي بعضها على بعض مشتقات الأفيون !! ونظراً لجهل الناس بذلك ونظرتهم السلبية للأمراض النفسية أكثر من تلك التي تحدث عند استخدام أدوية أخرى .
أنه كما توجد أمراض نفسية مزمنة تستدعي علاجاً مستديماً فإنه يوجد أيضاً أمراض عضوية تستدعي علاجاً مستديماً ، مثل السكر والضغط وغيرها كثير . وفي حين أن إيقاف مرضى السكر والضغط وغيرها من الأمراض العضوية لأدويتهم قد يؤدي إلى أضرار خطيرة قد تصل إلى الموت في بعض الأحيان ، فإن إيقاف المريض النفسي للأدوية النفسية لا يؤدي في العادة إلى مثل ذلك .
إنَّ اعتماد بعض الرقاة – وفقهم الله – على عواطفهم في نقد مثل هذا الأمر دون أنْ يكون لديهم خلفية علمية ضرره أكثر من نفعه. ولعل اجتهاد أولئك الأخوة ربما كان بسبب إخلاصهم وكذلك بسبب تقصير أهل الاختصاص في تثقيف الناس ونشر الوعي الصحي بينهم .(73/10)
إن الانتكاسة التي تحدث عند الانقطاع عن العلاج ليست دليلاً على الإدمان ، بل لأن العلاج لم يأخذ مجراه بعد القضاء على العلة النفسية التي استخدم من أجلها . ولذلك لو عاد المريض ثانية لاستخدام العلاج لشعر بالتحسن ، كما أنه لو استمر فيه ولم يوقفه إلا بمشورة الطبيب فلا تحدث له عادة تلك الانتكاسة التي تحدث عند الإيقاف المبكر للعلاج.
نظراً لإصابة بعض الناس بالعلل النفسية فإنهم يلجأون خطأً إلى استخدام الكحول والمواد المخدرة كوسيلة للهروب من واقعهم . وفي المقابل فإن بعض مدمني المخدرات تصيبهم العلل النفسية فيصف لهم الأطباء النفسانيون بعض الأدوية النفسية مثلهم مثل غيرهم من الناس . ولذلك فإنه يخطئ من يربط الأدوية النفسية بالمخدرات لا لشيء إلا لأنها تصرف للمرضى النفسيين من متعاطي المخدرات ، أو لأنها يمكن أنْ تستخدم في علاج فترات انسحاب المواد المخدرة من الجسم .
وبعد ذلك كله يجب أنْ نتذكر عدة أمور :
الأول : أن الأدوية النفسية لا تؤدي إلى الإدمان مطلقاً باستثناء مجموعة صغيرة منها كبعض أدوية القلق ، وذلك فقط إذا استخدمت فترة طويلة وبدون إشراف طبي مباشر .
الثاني : أن الآثار الجانبية البسيطة التي تحدث عند استخدام بعض الأدوية النفسية لا تعادل بأي شكل من الأشكال تلك الفائدة المرجوة منها .
الثالث : أن بعض الأدوية النفسية ذات فعالية في علاج بعض الحالات غير النفسية كالصداع النصفي مثلاً . والغريب في الأمر أن المرضى يقبلون دون تردد تناول تلك الأدوية إذا صرفها غير الطبيب النفساني !!. وفي المقابل تجد بعض المرضى يحذر من تناول بعض العقاقير غير النفسية إذا تم صرفها بواسطة طبيب نفساني كعقار الإنديرال ( أحد أدوية القلب ) مثلاً الذي يستخدم علاجاً مساعداً في بعض حالات القلق والمخاوف المرضية .(73/11)
الرابع : أن بعض الناس يتردد تورعاً من استخدام بعض الأدوية النفسية ، في حين أنه يقبل دون نقاش تلك الممارسات غير الشرعية – بل الشركية أحياناً – عند بعض من يتسمون بأسماء الرقاة !!.
المفهوم الثالث :اعتقاد بعضهم بأنه لا فائدة من الأدوية النفسية :
لما يلاحظونه من عدم شفاء بعض المرضى رغم استخدامهم لتلك الأدوية لفترة طويلة ، ولذلك فإن تلك الأدوية – في نظرهم – هي مجرد مسكنات ومنومات .
ولعل هذا الاعتقاد قد جاء نتيجة ما اعتاده بعض الناس من الاستجابة السريعة عند استخدام بعض الأدوية الأخرى (غير النفسية). فقد اعتاد بعض الناس عند الشعور بالصداع أنْ يتناول حبيتن من البندول ، وعند الشكوى من السعال أنْ يتناول أدوية السعال ، وربما امتد فقط لعدة أيام . وربما أن الحال يختلف عند استخدام الأدوية النفسية ، فلذلك ويجب التنبيه إلى عدة أمور :
أن الأثر الفعال لبعض الأدوية النفسية لا يظهر إلا بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من بداية استخدامها ، وربما بعد أكثر من ذلك .
أن تحسن المريض وحتى شفاءه التام ليس معناه إيقاف الدواء ، بل يجب عليه الاستمرار فيه حتى يوقفه الطبيب وذلك بطريقة تدريجية ربما تمتد لعدة أشهر . وليس معنى ذلك أن المريض قد أصبح مدمناً على ذلك الدواء ، ولكن هذه هي طبيعة الأمراض النفسية وأدويتها .
أن الأمراض النفسية كغيرها من الأمراض في التخصصات الأخرى ، فمن المرضى من يستجيب للعلاج استجابة كاملة ، ومنهم من لا يستجيب للعلاج مطلقاً ، ومنهم من يستجيب جزئياً ، لأن العلاج فعال في نسبة معينة من المرضى .
أنَّ من الأمراض النفسية ما تتحكم به الأدوية النفسية فقط دون أنْ يُشفى المريض تماماً ، كما هو الحال في بعض الأمراض العضوية المزمنة كالضغط والسكري . ولذلك فإنه إذا ما أراد المريض أنْ تبقى حالته مستقرة فيجب عليه أنْ يستمر في العلاج فترة طويلة من حياته.(73/12)
ولعل تقصير الطبيب النفساني في توضيح تلك الأمور لمريضه في أول لقاء بينهما يؤدي إلى انقطاع المريض عن تناول الدواء لأتفه سبب ، خصوصاً وأن أهل المريض وذويه ليسوا في العادة أحسن حالاً من المريض فيما يتعلق بموقفهم من الأمراض النفسية وأدويتها . والطريف في الأمر أن الوقت الذي يستغرقه الطبيب النفساني في إقناع المريض وأهله بضرورة استخدام الدواء قد يفوق أحياناً الوقت الذي يستغرقه في فحص المريض وتشخيص علته . ولقد أثبتت الأبحاث العلمية أن مستوى قناعة المريض ومن حوله بدواء معين قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في درجة استجابة المريض لذلك الدواء .
المفهوم الرابع : اعتقاد بعض الناس بأنه لا يمكن للعقاقير الدوائية المادية المحسوسة أنْ تعالج المعاناة النفسية غير المحسوسة .
ولعلي أناقش هذا الاعتقاد بسؤال أبدأ : ما الذي يمنع من ذلك ؟ فلقد أثبتت التجارب العلمية والممارسة العملية المتكررة في مختلف بلاد العالم نفع الأدوية النفسية في علاج الأمراض النفسية تماماً كنفع الأدوية الأخرى في علاج مختلف الأمراض . وقد يؤتى بالمريض وقد فقد القدرة على الحركة من شدة الاكتئاب وبإذن الله ثم بفضل تلك الأدوية النفسية يعود إلى طبيعته تدريجياً خلال فترة قصيرة .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن " . قال ابن القيم – رحمه الله - : " التلبين هو حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته ، وهي تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة ، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية " ، انتهى كلام ابن القيم .
والأدوية مثل الأغذية ، فمنها ما يذهب الحزن والغم دون أنْ يكون فيها محذور شرعي .(73/13)
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – حفظه الله - حكم استعمال الأدوية لعلاج المرض النفسي ، فأجاب : المشروع لكل من لديه علم بشيء من الأدوية الشرعية أو المباحة التي يعتقد أن الله ينفع بها المريض أنْ يفعل ذلك سواءاً سُمى ذلك طباً نفسياً ، أو شرعياً ، أو دواءاً عادياً أو غير ذلك من الأسماء . المطلوب أنْ يتحرى الطبيب المعالج ما يراه نافعاً في علاج المرضى الذين بين يديه بما ليس فيه محذور شرعاً سواءاً كان بالقراءة أو بمأكول مباح أو بمشروب مباح أو أشياء أخرى لا محذور فيها، قد جُرب أنه تزيل ما أصاب المريض من الخلل في عقله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أنزل الله داءاً إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " ولقوله صلى الله صلى الله عله وسلم " عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام " .
كما أثبتت التجارب العلمية العديدة أن أكثر الأمراض النفسية يصاحبها خلل يتمثل في تغير مستوى بعض النواقل العصبية في الدماغ ، وأن هذه الأمراض تزول – بإذن الله – إذا تم إصلاح ذلك الخلل بواسطة الأدوية النفسية .
ولذلك فلقد توافق العقل والنقل مدعوماً بالتجربة العلمية والمشاهدة اليومية على إمكانية نفع بعض الأسباب المادية في علاج الأعراض النفسية .
المفهوم الخامس : اعتقاد بعض الناس بأن الأمراض النفسية لا شفاء منها .
اعتاد الناس في مجالسهم حينما يكون بين الحضور طبيب أن يدور الحوار حول بعض الأمراض وعن الجديد الذي توصل إليه الطب ، ويتسابق الحضور بكل جرأة وبمسمع من الجميع بالاستفسار الدقيق عن ما يعانونه وذووهم من أمراض . فالأول يشكو من مرض السكر الذي أرهق أمه ، والثاني يشكو من ارتفاع ضغط الدم الذي أصاب والده بجلطة دماغية ، والثالث ، والرابع … وفي المقابل فإن الناس لا يفعلون الشيء نفسه فيما يخص الأمراض النفسية ، وإذا تحدثوا عنها فإنما هو غالباً على سبيل الاستغراب والسخرية !! .(73/14)
والعجيب في الأمر أن بعض من أصيبوا بأحد الأمراض النفسية ، أو أصابت أحداً من ذويهم ثم منّ الله عليهم بالشفاء فإنهم لا يتحدثون بذلك عند الناس تفادياً لتلك النظرة الدونية التي ربما ينظر بها بعض الناس إليهم !! بل الأعجب من ذلك أن بعضاً من أولئك ينتقد الطب النفسي بشكل مبالغ فيه ، في حين أنه كان من المفترض أنْ يحدث العكس .
ولنتذكر بأنه أهون على المريض وذويه أنْ يعترفوا بأن ما اعتراهم من علل نفسية إنما كان بسبب الجن أو السحر أو العين وليست أمراضاً نفسية . وذلك لأنهم يرون أنْ تلك الأمور الغيبية إنما حدثت بفعل فاعل قد تعدى عليهم مما يعطيهم الحق في المعاناة ، أما الاعتراف بالمرض لنفسي فمعناه عندهم الاعتراف بالنقص والقصور .
وتبعاً لذلك فإن الناس لا يسمعون ولا يرون أي نتائج إيجابية للطب النفسي ، لأن من استفادوا من الطب النفسي يتجنبون الحديث عنه فضلاً عن أن بعضهم ربما ينتقدونه .
ولذلك فإن من يراهم الناس من المرضى النفسانيين هم فقط تلك الفئة من المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج النفسي ، أو أنهم يعانون من بعض الأمراض النفسية المزمنة التي تتحكم بها الأدوية دون أن تشفيها تماماً ، أو أنهم لم ينشدوا العلاج النفسي أصلاً .
ولو نظرنا إلى الأمراض غير النفسية – باستثناء الأمراض التي تعالج بالجراحة – لوجدنا أن الحال لا يختلف كثيراً عن الأمراض النفسية ، فأغلب تلك الأمراض ليس لها علاج شاف ، بل هي مهدئات ومسكنات تتحكم بالمرض دون أن تنهيه ، كأدوية السكر والضغط وأمراض القلب ، وغيرها كثير ، بل إن المريض يتدهور تدريجياً رغم استخدامه لتلك العقاقير . فلماذا الكيل بمكيالين ، والنظر بعينين؟ فلا يتذكر بعض الناس تلك الأمراض النفسية التي كتب الله الشفاء لأهلها ، ويرددون ويكررون أن الأمراض النفسية مزمنة لا شفاء منها دون أن يفعلوا الشيء نفسه مع الأمراض الأخرى !! فيصدق فيهم قول الشاعر :(73/15)
وعين الرضا عن كل عيب كليلة **** ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولعلي أضرب هنا مثالاً واحداً فقط بأحد الأمراض النفسية ، وهو الوسواس القهري الذي يعاني منه عدد ليس بالقليل من الناس . فهذا المرض لا يعلم أكثر الناس أن بعض حالاته تستجيب للعلاج النفسي ، بل إن بعضهم لا يدري أن هناك مرضاً نفسياً اسمه الوسواس القهري !!.
ويمكن أن يكون لبعض الرقاة دور كبير في نمو هذا الاعتقاد في أذهان الناس ، لما يرددونه من أن بعض المرضى – حسب خبرتهم – قد شفاهم الله بالرقية ولم يشفوا في المستشفيات . ولذلك فإنه يجب أن تتذكر عدة أمور .
أن الأمر نفسه يردده الأطباء . فهناك العديد من المرضى قد أنفقوا عدة سنوات في السفر والترحال بين الرقاة دون فائدة ، وعندما راجعوا الأطباء تحسنت أحوالهم ، بل ربما شفيت أمراضهم تماماً . وليس هذا انتقاصاً من شأن القرآن ، فإن من نزل القرآن هو الذي خلق الدواء ، ويجعل بركته حيث يشاء .
لا غرابة مطلقاً في أن يشفى المريض بالرقية ، ولا يُكتب له الشفاء بالدواء .
عدم شفاء المريض بالدواء لا يدل بالضرورة على أن ما به بسبب الجن أو العين أو السحر ، فما أكثر الأمراض النفسية والعضوية التي يجهلها البشر ، فمنّ الله على بعض من خلقه وشفاهم منها ببركة القرآن . كما أنه ليس شرطاً أن يُشفى كل من عانى من تلك العلة بالقرآن .
المفهوم السادس : اعتقاد بعض الناس بأن الطب النفسي مجرد جلسات كلامية .
ولذلك فهم يعتقدون بعدم الحاجة إلى الطبيب النفساني فبإمكانهم أن يتكلموا مع مريضهم ويطمئنونه . بل إن بعضهم يبالغ فيقول : إننا نخاف أن " يلخبط " الطبيب النفساني أفكار مريضنا بفكره المشوش .
ولعلي أوضح هنا أن العلاج النفسي ليس مجرد حوار بين الطبيب والمريض وإنما شيء أكثر منذ ذلك ، وهو على عدة أنواع :(73/16)
الأدوية النفسية التي أثبتت التجارب العلمية على مدى عدة عقود من الزمن فعاليتها بنسبة كبيرة في شفاء أو تهدئة بعض الأمراض النفسية .
الجلسات النفسية ( العلاج النفسي غير الدوائي ) ، والتي ليست مجرد حوار مع المريض ، وإنما تتبع منهجاً وبرنامجاً خاصاً ، ولذلك فإن من يقوم بها يجب أن يكون من المتخصصين . وهذا العلاج على عدة أنواع منها :
العلاج المساند ( المساعد ) : وفيه يقوم المعالج بطمأنة المريض ، وتوجيهه ، وإرشاده ، وتوضيح مختلف الأمور له .
العلاج السلوكي : وفيه يقوم المعالج بتعديل بعض سلوكيات المريض المرضية ، واستبدالها بسلوكيات مناسبة .
العلاج المعرفي : وفيه يقوم المعالج بتقويم وتصحيح أساليب التفكير الخاطئة لدى المريض التي ينظر بها إلى نفسه ومستقبله والناس من حوله ، ومحاولة استبدالها بأساليب صحيحة .
العلاج بالرجفة المحدثة كهربياً : وهي عبارة عن إمرار تيار كهربي منخفض عبر رأس المريض يؤدي إلى حدوث رجفة بسيطة في مختلف أعضاء جسم المريض دون أن يشعر بذلك ، لأنه يكون عادة تحت تأثير البنج . ولهذا النوع من العلاج فعالية كبيرة في علاج عدد من الأمراض النفسية ، خصوصاً الاكتئاب الشديدة .
الجراحة النفسية : والتي يقتصر استخدامها على بعض الحالات النفسية الشديدة التي استعصت على العلاج .(73/17)
ولعل هذا الاعتقاد عند بعض الناس – وهم قلة – بأن الطب النفسي مجرد جلسات كلامية قد جاء نتيجة عدم إدراكهم لطبيعة بعض الأمراض النفسية المزمنة التي تبدأ تدريجياً ، ويميل المريض معها إلى العزلة ، وربما تبدو عليه بعض مظاهر التدين فلا يحلق لحيته مثلاً – رغم أن حلقها كان عادة له – ولم يكن ذلك تديناً منه وإنما نتيجة إهمالهلمظهره بشكل عام جراء تدهور حالته النفسية . وربما يبدأ المريض أيضاً بالشعور بأفكار غربية ( مرضية ) يظن من يحاوره من البسطاء أنها علامة رجوع إلى الله . ثم تظهر بعد ذلك مظاهر القلق فيذهب إلى الراقي فلا يستفيد منه . وحينما يزداد القلق أكثر يحضره أهله مضطرين إلى الطبيب النفساني ، والتي تكون الحالة حينها في أوجها ، فيصف له العلاج فلا يظهر على المريض التحسن الكافي لسبب أو لآخر ، وكأني بأهله كانوا ينتظرون ذلك ليعللوا ما أصاب ابنهم أنه كان بسبب الطبيب النفساني حيث يقولون : إن ابننا كان بخير وعافية تماماً !! اللهم إلا إنه كان يعاني من شيء بسيط من القلق ، لكننا بمجرد زيارتنا للطبيب النفساني تدهور بشكل مفاجئ . وما كان قولهم ذلك في الحقيقة إلا هروباً من وصمة المرض النفسي وتعليلاً منهم بأنه حدث بفعل غيرهم لا نقصاً فيهم ، كما يظنون .
المفهوم السابع : اعتماد بعض الناس في نظرتهم للطب النفسي على ما تقدمه وسائل الإعلام
والتي يمكن توضيح شيء من دورها السلبي من خلال ما يلي :
إظهار الطبيب النفساني بشكل مشوه ، فهو ذلك الشخص غريب الأطوار ، ذو المشية الغريبة والنظرات الزائغة والملابس غير المتناسقة. كما أنهم يقومون بفلفلة شعره ونفشه ، وجعله يرتدي نظارات سميكة تتدلى على أرنبة أنفه ، مما يزيد في غرابة مظهره .(73/18)
يبدو الممرض النفسي في تلك الوسائل الإعلامية ضخم الجسم ، عابس النظرات ، عنيفاً في حديثه وأسلوب تعامله . بل إن طريقة التصوير الفني لهيئة أولئك الممرضين تحرص على أن تثير الرعب منهم في نفس المشاهد .
إظهار العلاج بالرجفة المحدثة كهربياً على أنه نوع من العقاب ، فإذا شاغب مريض حمله مجموعة من الممرضين الذين أسلفنا ذكرهم – تصحبهم موسيقى تصويرية مرعبة – إلى غرفة العلاج بالرجفة المحدثة كهربياً ( والتي تبدو حينها كالمقصلة في حس المشاهد ) ، ثم – بكل غضب – يصعقونه بتيار كهربي يصرخ معه صرخة تجعل المشاهد يرفض معها شيئاً اسمه الطب النفسي ، ويستغرب أيضاً من ذوي أولئك المرضى : كيف تطيق قلوبهم بأن ينشدوا علاج ذويهم في المستشفيات النفسية ؟!! .
وبوصفي متخصصاً في الطب النفسي أقول باختصار : إن العلاج بالرجفة المحدثة كهربياً هو من نعم الله التي هدى ابن آدم إليها وقد انتفع به جداً عدد كبير من المرضى . فهو علاج فعال ، وليست له آثار جانبية تذكر ، ولا يكاد المريض يشعر بأي ألم عند استخدامه .
تركيز تلك الوسائل الإعلامية في عرض المرضى النفسيين ذوي الحالات المزمنة غير القابلة للشفاء ، مما يثير رعب واشمئزاز المشاهد . وفي المقابل فإنهم نادراً ما يعرضون حالات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم وغيرها من الاضطرابات النفسية التي تصيب الناس بكثرة وينشدون لها العلاج ، وتحدث بنسبة لا تكاد تقارن بنسبة حدوث الأمراض التي ذكرناه ابتداءاً . ولعل السبب في ذلك – إضافة إلى انعدام الوعي – أن البعد الكوميدي أكثر أهمية من البعد الاجتماعي عند بعض المنتجين .
المفهوم الثامن :اعتقاد بعض الناس بأن الأمراض النفسية أعراضها نفسية بحتة ، ولا يمكن أن تظهر بأعراض عضوية .
وهذا اعتقاد خاطئ بلا شك ، فالأمراض النفسية يمكن أن تظهر بإحدى ثلاث صور :
مجموعة من الأعراض النفسية دون أن يصاحبها أية أعراض عضوية .(73/19)
مجموعة من الأعراض العضوية كالغثيان والقيء وألم الظهر والأطراف ، دون أن يكون هناك أعراض نفسية واضحة مصاحبة ، مما يجعل المريض وذويه يعتقدون بأن المرض عضوي لا نفسي .
ولقد زارت العيادة النفسية امرأة متزوجه تبلغ من العمر ثلاثين عاماُ تشكو فقط بأنها تتقيأ أي شيء تأكله تقريباُ ، دون أن يكون عندها أية أعراض نفسية واضحة . ولقد تم التدخل الجراحي في حالتها عدة مرات ، ونومت في العديد من المستشفيات دون فائدة تذكر . وفي النهاية – كما هي العادة – تم تحويل هذه المريضة إلى العيادة النفسية ، وبفضل الله بعد عدة جلسات من العلاج النفسي – دون الحاجة لاستخدام العقاقير – انقطع القيء عنها ، فلم يكن عند تلك السيدة سوى بعض المعاناة والمشاعر النفسية التي لم تستطع أن تعبر عنها بشكل نفسي فعبرت عنها بشكل عضوي .
وكذلك الاكتئاب عند كبار السن في المجتمعات الشرقية – بشكل خاص – فإنه يظهر في أحيان كثيرة بأعراض عضوية . وما تلك النوبات المتكررة من آلام البطن وأوجاع الظهر التي تصيب بعض العجائز – في بعض أحيانها – إلا نوبات متكررة من الاكتئاب ، ولكن العامة يصفونها بأنها أعراض الروماتيزم !! . وكذلك الحال عند بعض الرجال المسنين الذين فقدوا – مع تقدم العمر بهم – دور الآمر الناهي بسبب زواج الأولاد واستقلالهم بآرائهم ، فلم يعد لأولئك المسنين دور مهم ، وبدأ يتسرب إلى أنفسهم الشعور بأنهم أصبحوا على هامش الحياة . ولذلك فإنهم ما بين الفينة والأخرى يشكون من بعض الأوجاع ، أو يبالغون في الشكوى من بعض ما يعانونه من أمراض سابقة بطريقة لا شعورية ، كل ذلك من أجل جلب اهتمام من حولهم والشعور بأنهم ما زالوا محط احترام وتقدير الآخرين .
وقد يحدث العكس فتظهر الأمراض العضوية بأعراض نفسية ، كما هو الحال في اضطرابات الغدة الدرقية والحمى المالطية وغيرها .(73/20)
أما في الصورة الثالثة فقد تظهر الأمراض النفسية بمجموعة من الأعراض النفسية والعضوية في آن واحد ، وهو ما يحدث في أغلب الأحول ، كشكوى مريض القلق مثلاً من خفقان القلب والتعرق والرجفة في بعض أنحاء الجسم ( كأعراض عضوية ) ، إضافة إلى الخوف والتوجس وعدم الشعور بالاستقرار والطمأنينة ( كأعراض نفسية ) .
المفهوم التاسع :ارتباط الأمراض النفسية بالجنون والتخلف العقلي في حس كثير من الناس .
ويؤدي هذا الأمر إلى التردد عند زيارة الطبيب النفسي ، والخجل من ذلك ، بل ربما الامتناع عن الإقدام عليه أصلاً ، رغم الحاجة الشديدة إلى ذلك .
ولذلك فإنك ترى بعض المرضى يجلس متلثماً في صالة الانتظار ، والبعض الآخر يتأخر في الحضور إلى العيادة حتى يتأكد من أن أكبر عدد من المراجعين قد انصرف . بل قد تجد بعض المرضى أحياناً يحاول جاهداً مع طبيبه أن يكون لقاؤهما خارج العيادة !! .
ومن مضار هذا الاعتقاد الخاطئ أن يتأخر الناس في إحضار مريضهم حتى يستفحل فيه المرض جداً ، مما ربما يجعل من الصعب علاجه ، كما أنه سيحتاج لفترة أطول من العلاج .
ولعل الأمر الأشد غرابة هو تناقض بعضهم ، فتجده يطلق النكات ويسخر من الطب النفسي لكن ما إن تصب أحد ذويه علة نفسية حتى يهرع إلى أقرب طبيب نفساني باحثاً عن العلاج .
ولذلك يجب أن نتذكر – ما مر بنا سلفاً – بأن معنى المرض النفسي معنى واسع يمتد في أبسط أشكاله من اضطراب التوافق البسيط – الذي لا يحتاج إلى علاج في بعض الأحيان سوى مجرد طمأنة المريض – إلى أشد أشكاله متمثلاً في فصام الشخصية شديد الاضطراب .(73/21)
ولعل عزل المرضى النفسيين في مستشفيات خاصة يعزز هذه النظرة الخاطئة وغيرها من النظرات السلبية تجاه الطب النفسي . ولذلك فكم نتمنى أن تعود الأقسام النفسية إلى المستشفيات العامة كغيرها من التخصصات – كما هو الأمر في أكثر بلاد العالم المتقدمة علمياً – وأن تلغى المستشفيات النفسية ، أو أن يقتصر دورها على علاج حالات محددة .
المفهوم العاشر : اعتقاد بعض الناس بأن منشأ مرض الوسواس القهري من الشيطان فقط وأن لا علاقة للطب النفسي به من قريب أو بعيد.
يرى الكثير من الأطباء النفسانيين أنه لا علاقة للشيطان بمرض الوسواس القهري ، في حين يرى الكثير من طلبة العلم الشرعي أن الشيطان هو مصدر جميع أنواع الوسواس .
ولعله لتوضيح مصدر اللبس في شأن مرض الوسواس القهري أن نصنف الوساوس بشكل عام إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : تلك الوساوس التي تدعو الإنسان عادة أن ينظر أو يستمع أو يفعل أمراً محرماً . ويعد هذا النوع من الوساوس من طبيعة النفس البشرية ( أي ليس مرضاً ) ، ويعتري كل أحد من بني آدم. وتختلف هذه الوساوس عن غيرها من الوساوس – كما سنرى لاحقاً – بأنها تدعو الإنسان إلى محبوبات النفس المحرمة شرعاً. كما أنه إذا لبى الإنسان بشيء من جوارحه نداء هذا النوع من الوساوس فإنه قد عرض نفسه للحساب والجزاء من رب العالمين ، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عُفي عن أمتي ما حدّثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به. وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول للحفظة إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها …" .
ويُعد مصدر هذا النوع من الوساوس عادة أحد ثلاثة أمور :
النفس : وهي النفس الأمارة بالسوء . قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .(73/22)
شياطين الجن : ودليل ذلك قوله تعالى : ( من شر الوسواس الخناس ) . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره لسورة الناس : وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس وملكهم وإلههم من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس فيحسن لهم الشر ، ويريهم إياه في صورة غير صورته . وهو دائماً بهذه الحال يوسوس ثم يخنس ، أي يتأخر عن الوسوسة إذا ذكر العبد ربه واستعان به على دفعه .
شياطين الإنس : ودليل ذلك قوله تعالى : ( من الجنة والناس ) . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره : والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس ولهذا قال : ( من الجنة والناس ).
النوع الثاني : تلك الوساوس العابرة ( غير المرضية ) التي تعرض للإنسان في صلاته وطهارته وعبادته ومعتقداته ، وكذلك في شؤون حياته الدنيوية . وهذا النوع من الوساوس يلهي العبد عن عبادته فينسى كم ركعة صلى ؟ أو هل غسل ذلك العضو من جسمه ؟ وغير ذلك من الوساوس في أمور الدين والدنيا . دليله ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن أبي العاص – رضى الله عنه – قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي لُبِّسها علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذاك شيطان يقال له خِنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً " ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني .
وكما يعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان في أمور دينه فإنه يصيبه أيضاً في أمور دنياه لأن الشيطان عدو للمسلم في شأنه كله .
وقد يزول هذا النوع من الوساوس عند الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، كما قد تخف شدته أحياناً بالتركيز أكثر في ذا العبادة . ولذلك فإن الإنسان يؤجر من صلاته ما عقل منها لأن بيده مقاومة هذا النوع من الوساوس مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم.(73/23)
ويختلف هذا النوع من الوساوس عن النوع الأول في أنه قد يزول بإذن الله عند الاستعاذة من الشيطان الرجيم ، في حين أن النوع الأول قد لا يزول عند الاستعاذة لأن مصدره ليس مقصوراً على الشيطان الرجيم وإنما النفس وكذلك شياطين الإنس .
ومما يدعم إمكانية زوال هذا النوع من الوساوس بالتركيز في ذات العبادة ما ذكره أبو حامد الغزالي – رحمه الله – " ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ذكر ما سوى ما يوسوس به لأنه إذا خطر في القلب ذكر شيء انعدم منه ما كان فيه من قبل ، ولكن كل شيء سوى الله تعالى وسوى ما يتعلق به فيجوز أيضاً أن يكون مجالاً للشيطان ، وذكر الله هو الذي يؤمن جانبه ويعلم أنه ليس للشيطان فيه مجال " .
النوع الثالث : الوساوس القهرية المرضية ( مرض الوسواس القهري ) ، وهي علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى . وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها ، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها .
وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً .
ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية .
مثال ذلك ( في العبادات ) : تكرار المصلي لتكبيرة الإحرام أو قراءة الفاتحة عدة مرات أو تكرار غسل عضو من الأعضاء أثناء الوضوء أو تكرار الوضوء كاملاً أو إعادة التطهر من النجاسة عدة مرات رغم إدراكه أنه مخطئ في فعله ذلك ، لكن هناك م يدفعه جبراً عنه إلى إعادة ذلك الفعل مرات عديدة احتياطاً منه أنه ربما قد نسي أنه لم يفعل ذلك .(73/24)
مثال آخر ( في غير العبادات ) : تكرار غسل اليدين مرات كثيرة بعد لمس جسم ما رغم عدم وجود حاجة لغسل اليدين أو كان يكفيه غسلهما مرة واحدة لكن هناك ما يدفعه لذلك الفعل بسبب الأفكار التي تهيمن على عقله أنه ربما تجرثمت يداه بسبب ذلك الفعل ، ولذلك فإنه يعيد غسلهما عدة مرات ، ويصبح ذلك ديدناً له .
مثال ثالث : تكرار فكرة أو هاجس ما ، مثل إحساس أحدهم بأن زوجته تعد طالقاً منه إذا باع تلك البضاعة من متجره . ورغم إدراكه بأن ذلك غير صحيح ، إلا أن تكرار تلك الفكرة وعدم قدرته على دفعها يثير القلق في نفسه .
مثال رابع : تكرار الفرد في خاطره لكلمات يسب فيها الدين أو الخالق – تعالي الله عن ذلك – دون أن يكون له قدرة على دفعها . ويختلف الموسوس في ذلك عن الضال أو المنحرف فكرياً في أن الموسوس يحترق ويتألم من شدة المعاناة ويشتكي حاله إلى العلماء ،
كما ربما أخفاها أحياناً خجلاً منها أو كي لا يكفره الآخرون نظراً لعدم إدراكهم لحقيقة معاناته . أما المنحرف فكرياً فإنه ينافح ويناضل من أجل إثبات فكرته للآخرين ولا تقلقه بل تتوافق مع أفكاره الأخرى وميولاته .
والذي يبدو أنه إن كان للشيطان دور في هذا النوع من الوساوس فيتركز في أمرين أساسين :
ربما كان للشيطان دور في الوسوسة لذلك الفرد في بداية مرضه ، فإن صادفت تلك الوسوسة نفساً ذات قابلية للإصابة بمرض الوسواس القهري حدث المرض ، وإلا انتهت تلك الوسوسة بنفس الطريقة التي ذكرناها في النوع الثاني .
فيما يتعلق بالوساوس في العبادات فربما يكون للشيطان دور أيضاً في إقناع مريض الوسواس القهري بتقصيره في حق الله حتى يزيد من قلق المريض . كما ربما يوهمه الشيطان أن معاناته بسبب ضعف إيمانه مما أدى إلى تغلب الشيطان عليه ، وليس ذلك بسبب علة مرضية أصابته .(73/25)
والعجيب في الأمر أن بعض الصالحين اجتهاداً منهم وعن حسن نية قد ينصرون الشيطان على أخيهم الموسوس لأنهم يعاتبونه على وسواسه ( النوع الثالث ) وكيف سمح للشيطان أن يتغلب عليه فيزيدون من معاناته وهم لا يشعرون ، وذلك لأن زيادة قلق الموسوس تزيد من وسواسه والذي يؤدي ثانية إلى زيادة القلق ، فيظل الموسوس يطوف في دائرة مغلقة من القلق والوساوس حتى تنهكه الهموم .
ومما يرجح الصفة المرضية لهذا النوع من الوساوس (النوع الثالث ) حدوثه في غير أمور العبادات بشكل كبير ، رغم أننا ندرك أن الشيطان عدو للإنسان في شؤون دينه ودنياه . إضافة إلى ذلك فإن إصابة بعض من لم يعهد عنهم زيادة في تدين أو صلاح ببعض الوساوس القهرية في أمور العبادات ما يدعم الصفة المرضية لهذا المرض . كما إن انتقال هذا النوع من الوساوس ( النوع الثالث ) عن طريق الوراثة في بعض الأحيان ، أو بسبب أسلوب تربية الوالدين أو أحدهما في أحيان أخرى وكذلك انتشار ذات المرض عند أقارب المريض ما يدعم بشكل جلي وجود اضطراب مرضي عند تلك الفئة من الناس .
ويختلف هذا النوع من الوساوس عن النوع الأول في أنه لا يدعو الإنسان إلى محبوبات النفس بل يجبر النفس على فعل أشياء تعرف في قرارها بأنها خاطئة وذات طابع بغيض وغير مرغوب فيها وبلا معنى لكن النفس لا تستطيع مقاومتها في أغلب الأحيان . كما يختلف أيضاً عن النوع الثاني في أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم لا تكفي في العادة لعلاجه .
ولعل إصابة المسلم بمرض الوسواس القهري يعد ابتلاءاً من الله سبحانه وتعالى – كما يبتلي بغيره من الأمراض ، ويندرج مثل غيره من الأمراض تحت قوله صلى الله عليه وسلم : " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب و هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .(73/26)
ولقد كتب عدد من العلماء في الوسواس مثل الإمام الجويني في كتابه (التبصرة في الوسوسة ) والإمام النووي في ( المجموع شرح المهذب ) وأبو حامد الغزالي في كتابه ( إحياء علوم الدين ) والإمام ابن الجوزي في كتابه ( تلبيس إبليس ) وكذلك الإمام ابن القيم في كتابه ( إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ) .
كما اختلف العلماء في نظرتهم للوسواس ، فقد ذكر الجويني في التبصرة في الوسوسة ) أن الوسواس يحدث بسبب نقص في غريزة العقل أو جهل بمسالك الشريعة .
والذي يبدو أن معنى الوسواس عند معظم العلماء السابقين – رحمهم الله – معنى واسع يشمل جميع أنواع الوسواس التي ذكرناها ابتداءاً لكنهم نسبوها جميعاً إلى الشيطان ولم يقبل أحد منهم – حسب بحثي – أن هناك وسواساً مرضياً سوى ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل " أن رجلاً قال له : أنغمس في الماء مراراً كثيرة وأشك : هل صح لي الغسل أم لا ، فما ترى في ذلك ؟ فقال له الشيخ أذهب ، فقد سقطت عنك الصلاة . قال : وكيف ؟ قال : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رُفع القلم عن ثلاثة المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ " ومن ينغمس في الماء مراراً ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون " .
ولا أدري حقيقة هل أراد أبو الوفاء بن عقيل – رحمه الله – تأديب السائل وزجره بجوابه ذلك أم أنه يرى حقيقة أنه مريض . وإذا قبلنا الثانية فإنه يبدو أن معظم هؤلاء العلماء لم يكونوا يتعاملون مع الحالات الشديدة من الوسواس على أنها حالات وسواس مرضي خارج عن إرادة الفرج ، وإنما على أنها لون من الجنون أو نقص في غريزة العقل كما مر بنا .
وقد نقل الغزالي – رحمه الله – في إحياء علوم الدين بعض اختلاف العلماء في حال الوسواس عند الذكر حيث قال :" اعلم أن العلماء المراقبين للقلوب الناظرين في صفاتها وعجائبها اختلفوا في هذه المسألة على خمس فرق:(73/27)
فقالت فرقة : الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجل لأنه عليه السلام قال : " فإذا ذكر الله خنس " ، والخنس هو السكوت فكأنه يسكت .
وقالت فرقة : لا ينعدم أصله ولكن يجري في القلب ولا يكون له أثر لأن القلب إذا صار مستوعباً بالذكر كان محجوباً عن التأثر بالوسوسة كالمشغول بهمه فإنه يتكلم ولا يفهم ، وإن كان الصوت يمر على سمعه .
وقالت فرقة : لا تسقط الوسوسة ولا أثرها أيضاً ولكن تسقط غلبتها للقلب ، فكأنه يوسوس عن بعد وعلى ضعف .
وقالت فرقة : ينعدم عند الذكر في لحظة وينعدم في لحظة ، ويتعاقبان في أزمنة متقاربة يظن لتقاربهما أنهما متساوقة ، وهي كالكرة التي عليها نقط متفرقة فإنك إذا أدرتها بسرعة تواصلها بالحركة ، واستدل هؤلاء بأن الخنس قد ورد ونحن نشاهد الوسوسة مع الذكر ولا وجه له إلا هذا .
وقالت فرقة : الوسوسة والذكر يتساوقان في الدوام على القلب تساوقاً لا ينقطع ، وكما أن الإنسان قد يرى بعينيه شيئين في حالة واحدة فكذلك القلب قد يكون مجرى لشيئين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد إلا وله أربعة أعين : عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه " وعلى هذا ذهب المحاسبي .
والصحيح عندنا أن كل هذه المذاهب صحيحة ولكن كلها قاصرة عن الإحاطة بأصناف الوسواس ، وإنما نظر كل واحد منهم إلى صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه " انتهى كلام الغزالي .
ولعله مما سبق يتبين لنا اختلاف معظم المسلمين السابقين في وصف الدور الحقيقي للشيطان في الوسوسة وكذلك حيرة بعضهم في التعامل مع بعض أنواع الوسواس كما حدث للإمام أبي الوفاء بن عقيل – رحمه الله - . ولذلك فلعله من المطلوبة أن نركز في البحث الشرعي وأن نسخر ما توصل إليه العلم الحديث حول هذه المسألة .
وباستقراء جملة الأحاديث النبوية الواردة في شأن الوسواس يمكننا أن نصنفها إلى ما يلي :
تلك الأحاديث التي تنتهي بنسبة الوسواس إلى الشيطان :(73/28)
عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلى من أن أتكلم به ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ".
تلك الأحاديث التي تقدم علاجاً عملياً إضافة إلى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم :
حديث عثمان بن أبي العاص الذي سبق ذكره في النوع الثاني من أنواع الوساوس .
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ، من خلق كذا ، حتى يقول من خلق ربك . فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته " .
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله ، فإذا جاءه شيء من ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل آمنت بالله " .
تلك الأحاديث التي تقدم علاجاً عملياً وليس الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم رغم نسبة الوسواس إلى الشيطان في بعضها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه : أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " .
عن عبد الله بن زيد – رضى الله عنه – قال : شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، قال " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً "
عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" " الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " .
وفي لفظ أبي داود " إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له : إنك قد أحدثت ، فليقل له : كذبت إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو سمع صوتاً بأذنه " .(73/29)
تلك الأحاديث التي تقدم علاجاً وقائياً للوسواس قبل حدوثه :
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن للوضوء شيطاناً يقال له ولهان ، فاتقوا وسواس الماء " .
عن عبد الله بن مغفل قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل في مستحمه فإن عامة الوسواس منه " .
تلك الأحاديث التي تخبر عن وقوع التعدي في الوضوء لكنها لم توضح طبيعة هذا التعدي هل هو وسواس أم تشدد وهو إلى التشدد أقرب وسنفصل في الفرق بينهما لاحقاً .
عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء " .
وباستقراء جميع هذه الأحاديث يمكننا أن نستنتج ما يلي :
لو كانت الاستعاذة وحدها كافية لجميع أنواع الوساوس دون فعل أسباب أخرى لأرشد إليها الرسول صلى الله عليه وسلم – وهو الرحيم بأمته – في جميع الأحاديث لأنها أهون بكثير من مقاومة الوساوس التي دعا إلى نهجها في المجموعة الثانية من أحاديث الوسواس .
وجه النبي صلى الله عليه وسلم في المجموعة الثالثة من الأحاديث إلى وسائل علمية للعلاج وهي منع الاستجابة ، والتي تعتبر أحد التقنيات المستخدمة طبياً في علاج الوسواس القهري .
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المجموعة الثانية من الأحاديث بين الاستعاذة والعلاج العملي ( مثل إيقاف الأفكار وفنيات صرف الانتباه ) ، في حين اقتصر في المجموعة الثالثة على العلاج العملي ، مما يدل على أنه ربما كان غير الشيطان مصدراً للوسواس القهري في بعض الأحيان على الأقل ، رغم إدراكي لفائدة العلاج العملي في علاج وساوس الشيطان سواءاً كان مقروناً بالاستعاذة ( وهو الأفضل ) كما جاء في حديث عثمان بن أبي العاص ( فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً ) أو بدون الاستعاذة كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري .(73/30)
مما سبق ربما نستنتج أيضاً أن أي إجراء عملي أو خطوة علاجية مباحة سواءاً بالعقاقير أو الوسائل العلاجية النفسية مشروعة إن ثبت نفعها في علاج الوسواس القهري .
ولعل ما يلاحظه الأطباء النفسانيون من شفاء عدد ليس بالقليل من مرضى الوسواس القهري عند علاجهم بالعقاقير أو الوسائل العلاجية النفسية الأخرى أو الجراحة ما يدعم الصفة المرضية لهذا الداء . إضافة إلى ذلك فإن الأبحاث العلمية أثبتت وجود تغير في أنسجة المخ واضطراب في مستوى بعض النواقل العصبية خصوصاً مادة السيروتونين عند بعض المصابين بمرض الوسواس القهري والذي يتبدل عند التداوي بالعلاج المناسب سواءاً كان عقاراً نفسياً أو برنامجاً علاجياً سلوكياً .
ومما يدعم ذلك أيضاً إصابة بعض الكفار بهذا المرض وهم من خلت قلوبهم من التوحيد أصل الإيمان فلا حاجة للشيطان أن يصيبهم بالوسواس فيما هو دون ذلك من أمور الدنيا .
ولعل توافق اسم هذا المرض (الوسواس القهري ) لفظاً مع كلمة وسواس التي تنسب عادة إلى الشيطان جعل بعض الناس يربطون هذا المرض دائماً بالشيطان .(73/31)
ومما يؤلم المصابين بداء الوسواس القهري ( النوع الثالث من الوساوس ) ما يقرؤونه في كتب بعض العلماء عن ذم الوسوسة والموسوسين لأنهم كانوا – رحمه الله – يطلقون ذلك الوصف على جميع أنواع الوسواس دون تخصيص ، فالوصف الذي يطلقونه كان وصفاً عاماً لكن يتأكد عندهم في النوع الثالث – حسب تصنيفنا – أكثر من سواه ، ولم يكونوا أيضاً – كما مر بنا – يرون أن هناك وسواساً مرضياً كما يراه الأطباء في العصر الحديث . ولذلك يتألم مريض الوسواس القهري جداً حينما يقرأ للإمام ابن القيم – رحمه الله – قوله : " فإن قال ( أي الموسوس ) : هذا مرض بليت به ، قلنا : نعم ، سببه قبولك من الشيطان ، ولم يعذر الله أحداً بذلك ، ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أُخرجا من الجنة ، ونودي عليهما بما سمعت ، وهما أقرب إلى العذر لأنهما لم يتقدم قبلهما من يعتبران به وأنت قد سمعت وحذرك الله من فتنته وبين لك عدواته وأوضح لك الطريق فما لك عذر ولا حجة في ترك السنة والقبول من الشيطان " .
ولعلك تلاحظ أخي القارئ أن الإمام ابن القيم – رحمه الله – قد جمع في مقولته بين النوع الأول وهو ما حدث لأبينا آدم وأمنا حواء ، وبين النوع الثالث وهو حال مرضى الوسواس القهري ، وناقش النوعين على أنهما نوع واحد إن صح ابتداءاً تصنيفنا للوسواس إلى تلك الأنواع الثلاثة .(73/32)
ومما يؤلم الموسوسين أيضاً اجتهاد بعض طلبة العلم بالاستشهاد بالأحاديث التي تنهي عن التنطع والغلو في الدين في حق الموسوسين مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فتشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار : رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " . ولو وقفنا مع كلمة واحدة من هذا الحديث ( لا تشددوا ) لربما بان لنا الفرق بين التشدد والوسواس القهري . فالتشدد هو الغلو والتنطع في الدين النابع من ذات الفرد وبإرادته وتقرباً منه إلى الله ، بل ويستنقص غيره ممن لا يفعلون فعله مثلما كان من أولئك النفر الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم أنه يصوم ولا يفطر وقال الآخر أنه يصلي ولا ينام وقال الثالث بأنه لا يتزوج النساء فأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
أما الموسوس فأمره مختلف تماماً ، فهو يشكو لكل أحد من وسوسته ، ويتألم منها ، ويستفتي العلماء في حاله ، ويتردد على الأطباء ، ويدعو الله أن يخلصه منها ، ويقاومها فيفرح أشد الفرح إذا تغلب على الوسواس ويحزن أشد الحزن إذا غلبه الوسواس .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – حفظه الله – السؤال الثالث : إذا ترك رجل متزوج الصلاة لمدة تقارب عشرة أشهر فما الذي يجب عليه ، وهل يقضي تلك الصلوات علماً بأنه تركها بسبب الوسواس ، وهل يؤثر على صحة زواجه ؟ فأجاب – حفظه الله - : لا يؤثر هذا على صحة نكاحه لأنه عندما تزوج لم يكن تاركاً للصلاة إنما طرأ عليه ترك الصلاة بعد العقد . ثم إن ظاهر سؤاله أن تركه للصلاة ليس باختيار منه لكنه عن مرض نرجو أن يكون النكاح باقياً … وخلاصة الجواب أنه لا يلزمه قضاء الماضي من الصلوات وأنه لا يلزمه إعادة عقد نكاحه " . والشاهد في هذه الفتوى قوله حفظه الله ( ليس باختيار منه لكنه عن مرض ) .(73/33)
كما سئل – حفظه الله - : هل يعذر الإنسان بالتصرفات المحرمة بسبب الوسواس ؟ فأجاب : إذا كانت ليست تحت طاقته فيعذر لقول الله تعالى : ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) ، وأما إذا كان في طاقته ويمكن أن يتخلص منه بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة والإعراض فلا يعذر .
وعلى الرغم من كل ما أسلفناه من الدلائل التي تدعم عدم علاقة الشيطان بالوسواس القهري فإننا لا يمكن أن نقطع بذلك – رغم غلبة الظن – وذلك لأننا نبحث في أمور غيبية نؤمن بمجمل تأثيرها لكن لم يُنقل لنا طبيعة وخصوصية ذلك التأثير .
وإن قلب الطبيب النفساني المسلم ليتألم حينما يرى بعضاُ من بني أمته يصارع مرض الوسواس القهري لسنوات عديدة ويرفض زيارة الطبيب النفساني إما لقناعته بعدم فائدة العلاج النفسي في علاج علته ، أو بسبب النظرة الاجتماعية السلبية تجاه الطب النفسي .
وفي الوقت نفسه فإن قلب الطبيب ليبتهج حينما ينجح في إقناع مريض الوسواس القهري بالعلاج ، وتغمره الفرحة حينما يعود إليه المريض بعد عدة أسابيع وهو في أحسن حال .
وإن أنس لا أنس مقولة تلك السيدة المسنة التي قالت بعد أن شفاها الله من الوسواس القهري بعد تناول العلاج: " إنني لم أذق طعم الراحة منذ عشرين سنة إلا اليوم " .
المفهوم الحادي عشر : اعتقاد بعض الناس بأن الطبيب النفساني لا يؤمن بأثر القرآن ودوره في العلاج ، وأنه منكر لأثر الجن والسحر والعين .
ويستنتج بعض بسطاء التفكير من هذا الاعتقاد أن الطبيب النفساني هو من اتباع فرويد والكفار وأن الرقاة هم أنصار الله والقرآن !!
وقبل أن نناقش هذا الاعتقاد يجب أن نتذكر أن الإيمان بالجن والسحر والعين يمكن أن ننظر إليه على ثلاثة مستويات :
الإيمان بوجود الجن وحقيقة السحر والعين .
الإيمان بتأثير الجن والسحر والعين .
الإيمان بالأعراض التي يصفها بعض الرقاة والمعالجين لأثر الجن والسحر والعين .(73/34)
فالأول والثاني يجب الإيمان بهما دون شك أو نظر ، ومن أنكرهما فهو منكر لصريح الكتاب والسنة .وأما الثالث فلم يرد في الكتاب ولا في السنة وصف تفصيلي لأعراض معينة لكل من أثر الجان والسحر والعين بمثل ما يتناقله الناس ، وإنما هي اجتهادات من بعض الخلف بشك خاص .
ولعلنا هنا نقف مع ذلك الاعتقاد الخاطئ عدة وقفات :
أن الأطباء النفسانيين المسلمين يختلفون بشكل كبير في إيمانهم بتلك الغيبيات عن غير المسلمين .
أن بعض الأطباء النفسانيين غير المسلمين يؤمن بتلك الأمور الغيبية ، فما بالك بالأطباء النفسانيين المسلمين .
أن نقاش أحد الأطباء النفسانيين للمستوى الثالث ( ماهية الأعراض ) لا يعني إنكاره للمستويين الأول والثاني ( وجود وتأثير تلك الأمور الغيبية ) . ولذلك إنه إذا ما حاور طبيب نفساني بعض الرقاة حول المستوى الثالث فإن أول سؤال يواجهونه به هو : هل تنكر وجود الجن والسحر والعين وتأثيرها ( المستوى الأول والثاني ) ؟؟!!. ولذلك يضطر ذلك الطبيب إلى توضيح تلك المستويات الثلاثة ، وأنه مؤمن بتلك الأمور الغيبية وتأثيرها ، ولكنه يسأل عن دليل شرعي أو علمي يربط تلك الأعراض التي يعاني منها مريض ما بأنها حدثت بسبب أحد تلك الأمور الغيبية . ورغم عدم وجود دليل واضح يربط تلك الأغراض بسببها الغيبي الذي يفترضه بعض الرقاة فإن العقلاء من الأطباء النفسانيين لا ينكرون احتمالية ذلك ، كما أنهم يتوقفون عن قبوله في آن واحد .
ولقد أدى هذا الاعتقاد عند بعض الرقاة إلى التأثير على النظرة الاجتماعية العامة
للطب النفسي ، لما لهم من تأثير فعال ، خصوصاً على بسطاء وعامة الناس ، وهم العدد الأكبر في الشعوب عامة .(73/35)
إن وجود طبيب نفساني واحد أو أكثر ينكر تأثير تلك الأمور الغيبية ، بل ربما ينكر وجودها أصلا، فإن ذلك لا يعني أن كل الأطباء النفسانيين كذلك . فالأطباء النفسانيون مثلهم مثل غيرهم من الناس ، حيث إن هناك بعضاً من الناس – من غير الأطباء – ينكرون تلك الأمور الغيبية جملة وتفصيلاً . ولست هنا أعلل لأولئك الأطباء فهم مخطئون ولا شك ، وإنما أرفض وصم جميع الأطباء النفسانيين بإنكار تأثير الجن والسحر والعين.
المفهوم الثاني عشر : اعتقاد بعض الناس بأن الطب النفسي وكذلك علم النفس موروثان غربيان ولا يمتان إلى الإسلام بصلة .
وينتج عن ذلك : الاعتقاد بأن الطبيب النفساني إنما هو تابع لفرويد يطبق نظرياته دون فكر أو نظر ، وأن الطبيب النفساني لا يؤمن بالجوانب الروحية والدينية في العلاج !! .
ولعلنا نناقش هذا الأمر من خلال هذه الوقفات :
أن الطبيب النفساني المسلم هو فرد من أفراد مجتمعه يدين ما يدينون به ويعتقد ما يعتقدونه ، وما دراسته وممارسته للطب النفسي إلا محاولة منه في الانتفاع من هذا التخصص في خدمة مجتمعه مؤطراً ذلك كله بضوابط دينه .
إذا كان فرويد قد أخطأ في مسألة أو أكثر ، سواءاً كان ذلك عمداً أو جهلاً منه ، فليس معنى ذلك أن نخطئ كل ما قاله فرويد ، وأن نرفض كلامه جملة وتفصيلاً ، فهذه فلسفة العاجز الضعيف في التعامل مع المستجدات . بل يجب على المسلم الواثق من علمه ودينه أن ينتفع من كل ما حوله ، وأن يبحث ويدقق النظر في كل ما يعرض له ، ولعله أن يجد فيه ما يفع به نفسه وأمته .
أننا حينما نقبل شيئاً من كلام فرويد – رغم كونه يهودياً – فليس معنى ذلك أننا نقبل دينه كما يظن بسطاء التفكير الذين لا يدركون روح الإسلام ويتعاملون بحذر وخوف مفرط لم يأمر به الدين مع أبسط مستجدات الحياة .(73/36)
ليس من الصواب الاعتقاد بأن ما ورد في الكتاب والسنة يغني عن الاستفادة من خبرات الأمم السابقة التي لا تتعارض مع أصول الدين ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لقد هممت أن أنهي عن الغيلة ، ولكني نظرت فإذا فارس والروم يغيلون ولا يضر أولادهم .
المفهوم الثالث عشر : اعتقاد بعض الناس بأن الطبيب النفساني غير مستقر نفسياً فكيف ننشد العلاج عنده .
وهذا الاعتقاد إنما هو موروث غربي تلقفته المجتمعات الشرقية ، وذلك لأن العلاج النفسي في بداياته كان يعتمد على التحليل النفسي والنظر في مشاعر الفرد وخلجاته التي ربما لا يشعر بها وتقديم تحليل نفسي لها ، وهو ما جعل المعالج يبدو في نظر بعض الناس غريباً وذا قدرات خاصة ، مما جعلهم ينسجون حوله الخيالات والأساطير.
وفي الحقيقة فإن الطبيب النفساني ما هو إلا إنسان عادي تماماً ، قد درس الطب البشري فأعجبه الطب النفسي فاختار التخصص فيه دون سواه .
ولا أنكر أبداً أن من الأطباء النفسانيين من هو غير مستقر نفسياً ، لكنهم ندرة ولله الحمد ، مثلهم في ذلك مثل أي أطباء في أي تخصص آخر أو أي مجموعة أخرى من الناس . ولقد أجريت بعض الدراسات العلمية حول هذا الأمر فلم يوجد فرق إحصائي واضح يثبت أن أطباء النفس أكثر اضطراباً نفسياً من غيرهم . ويبدو أن تركيز الناس في نقدهم على الأطباء النفسانيين دون غيرهم من الأطباء له دور كبير في ذلك ، إضافة إلى أنه ربما أن هناك بعضاً من الأطباء النفسانيين – وهم ندرة حسب رأي – اختاروا الطب النفسي لما يعانونه من بعض المشاعر التي يبحثون لها عن علاج ، والتي قد تبدو على تصرفاتهم بعض الشيء ، فيلاحظها الناس ثم يفسرونها طولاً وعرضاً ، ولو كانت عند غيرهم من الأطباء لما لاحظوها .(73/37)
وفي المقابل فليست هناك إحصائيات موثوقة تثبت أن الأطباء النفسانيين أكثر استقراراً نفسياً من غيرهم ، ولكنهم – بلا شك – أكثر إدراكاً للنفس البشرية ويستطيعون أن يتعاملوا معها بطريقة أفضل من غيرهم .
ويعتقد بعض الناس بأنه قد تتأثر مع الزمن نفسية الطبيب النفساني فتصيبه بعض العلل النفسية !! وفي الحقيقة أن هذا اعتقاد لا أصل له ، وإنما هو مجموعة من الأوهام نشأت بسبب النظرة الاجتماعية المتوجسة من الطب النفسي . ولعلي هنا أذكر مقولة أحد زملائي الأفاضل الذي اعتاد أن يجيب من يسأله عن مثل ذلك بقوله : إذا كان طبيب النساء والولادة ينتابه الحيض والنفاس بعد فترة ممارسة تخصصه ، ون طبيب الأطفال كلما زادت خبرته صغر حجمه حتى يعود في بطن أمه ، فإن الطبيب النفساني- ولاشك يعتريه ما تشاء من الأمراض النفسية !!.
خاتمة :
في الحقيقة أن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي لم نعرض لها إما لدقتها ، أو لأنها تخص فئة اجتماعية دون سواها ، ولذلك فقد رأيت أنه ربما كان من الأنسب أن أقتصر على ما ذكرت .
ومن أجل تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة فإنه يجب أن يكون هناك انتفاضة توعوية شاملة ، والتي تتم بشكل أساسي من خلال ما يلي :
وسائل الإعلام .
الأطباء النفسانيين .
من انتفع من الطب النفسي من المرضى وذويهم .
وقد تحدثنا سلفاً عن وسائل الإعلام واتضح لنا أن ضررها – في الحقيقة – أكثر من نفعها في تقديم صورة جيدة للطب النفسي ، رغم أن الأمر قد بدأ يتغير بعض الشيء في الآونة الأخيرة خصوصاً على المستوى المحلي ، فنلاحظ أن وسائل الإعلام على مختلف أشكالها أخذت في تقديم بعض البرامج التي قد تساهم بعض الشيء في تصحيح نظرة المجتمع تجاه الطب النفسي .(73/38)
وأما الأطباء النفسانيون – ولا أبرئ نفسي – فلأسف أنهم مازالوا يغطون في سبات عميق رغم الحاجة الاجتماعية الملحة لبذل بعض الجهد في توعية الناس . ومن المبهج المحزن في الوقت نفسه أن بعضاً من الأطباء النفسانيين بدأوا يبذلون بعض الجهد في هذا الأمر ، إلا أنها – وللأسف – جهود فردية متفرقة ينقصها التنسيق والتخطيط .
وأما المرضى وذووهم الذين نفعهم الله بالعلاج النفسي فإنهم في الغالب جداً يحمدون الله على السلامة والعافية ويسترون ما أصابهم ، ولا يذكرون ذلك المعالج أو الطب النفسي بخير حتى لا يشك الناس بأنهم قد زاروا نفسانياً يوماً ما . ولعل أقصى ما يفعله بعضهم أن يقول : " سمعت أن فلاناً نفساني متميز ، أو أن تلك العيادة أو ذلك المستشفى النفسي يقدم خدمات جيدة ، والعهدة على الراوي !! "
ولعل السبب المباشر وراء عدم وجود دعاية كافية هو قلة الأطباء المتميزين في هذا التخصص ، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها :
صعوبة هذا التخصص نوعاً ما .
أن التميز في التخصص في الطب النفسي يحتاج أيضاً إلى مميزات شخصية معينة .
قلة إقبال الأطباء على التخصص في الطب النفسي لأسباب عديدة أهمها عدم القبول الاجتماعي له .
ارتباط هذا التخصص بموروثات غربية تتعارض في بعض الأحيان مع مفاهيم الدين الإسلامي ، وفي أحيان أكثر مع طبيعة المجتمع العربي المسلم ، مما يستدعي تمحيص ذلك كله بشكل يتناسب مع عقيدة وطبيعة المجتمع العربي المسلم لكنه للأسف لم ينجح في ذلك إلا القليل من الأطباء النفسانيين .(73/39)
مقالة عن السحر والسحرة
من منتدى الساحات
<![endif]--> فارس نت الساحة العربية <![endif]-->الساحات <![endif]-->الساحة المفتوحة <![endif]-->
فضيلة الشيخ محمد المنجد .. يفضحهم !!!!!!!
المكيظم
16-3-2001 05:58
أحبتي :
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لن أعلق في البداية ولا في النهاية فالموضوع من شيخ فاضل نفع الله به الأمة وجزى الله خيراً الأخ النشيط يوسف البواردي على طرح هذا الموضوع وأترككم مع فضيلة الشيخ محمد المنجد :
Friday 16th March,2001 العدد 10396 جريدة الجزيرة - الطبعة الأولى - أفاق اسلامية الجمعة 21 ,ذو الحجة 1421
الشيخ المنجد في فضيحته للسحرة والمشعوذين:
كتب : يوسف بن ناصر البواردي:
لا يزال الذهاب إلى أولئك النفر من الناس منزلقاً خطيراً لم يجن البشر من ورائه الا ثمرات مرة، فقد سقط الكثير من الضحايا في شباك اولئك السحرة والمشعوذين وتنوع الضحايا، فهناك ضحايا في العقيدة والدين وهناك ضحايا في الأعراض وهناك ضحايا في الأنفس وهناك ضحايا في الاموال!
وكان المؤمل ان يكتشف البشر في عصرنا الحاضر ضلال اولئك السحرة فينبذوا دجلهم وباطلهم، بعد ان بلغنا في هذا العصر مكانة متقدمة في العلم، ولكن انّى للعلم المادي ان يكتشف حقيقة الدجل و الدجالين!
وعلى هذا فإن (الرسالة) انطلاقاً من رسالتها السامية في توعية المجتمع تجاه خطر السحرة والمشعوذين تعرض هذه الجملة من كشف لحقائق هؤلاء الشرذمة يعرضها فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد الداعية الاسلامي وامام وخطيب جامع عمر بن عبدالعزيز بالخبر الذي اوضح كثيراً من الخفايا والملابسات فإلى نص كلام فضيلته:(74/1)
في البداية تحدث الشيخ المنجد مشيراً ان الحديث سيكون حول خلق من خلق الله منهم المؤمن ومنهم الكافر عمد كفارهم الى اغواء المسلمين وحرفهم الى الشرك واستعملوا من اجل ذلك أنواع القدرات التي عندهم لاضلال الإنس فاستجاب لهم كثير من الا نس واستعانوا من اجل تحقيق غرضهم بأمر الشيطان كبيرهم وسائل متعددة، ومن ذلك هؤلاء الكهان والعرافون المنتشرون والمشعوذون وغير ذلك.. منبهاً ان سبب طرح هذا الموضوع ما سمعته من بعض الناس الذين سألوا عن اشخاص يذهبون اليهم لمعرفة مكان السحر فيدلونهم عليه وعلى مكان المسروقات والمفقودات ويجرون عمليات بدون جراحة ويستأصلون الاورام ويزيلون العاهات ويقرأون البطاقات الشخصية ويعدون النقود في الجيب ويخبرون الانسان بأحوال خاصة ربما لا يعرفها الا هو ويكون كلامهم صحيحاً، وبدأت تجد الناس يصطفون طوابير عند هؤلاء المشعوذين المتصلين بالشياطين رجاء شفاء او معرفة مفقود وبعضهم عن فضول وحب استطلاع، فنريد ان نتعرف على طرق هؤلاء الشياطين ووسائلهم وماهي ألاعيبهم، وماهي القدرات التي عندهم لكي يبين بعد ذلك ويستبين للمسلم حقيقة هؤلاء ولكي يكون الانسان على بصيرة من امره خصوصاً وان القضية قد دخلت ايضاً عالم الالعاب، فما هي الحقيقة اذاًَ؟! وما حكم الشرع في هذه الاشياء؟!
تأصيل وإيضاح(74/2)
ويضيف فضيلته انه لابد ان نعود للجذور، وان نعود الى الكلام عن الجن هذا العالم الذي خلقه الله تعالى كما خلق عالم الانس وعالم الملائكة فقد اخبرنا الله تبارك وتعالى انهم خلقوا من نار فقال:(والجان خلقناه من قبل من نار السموم) وقال تعالى:( وخلق الجان من مارج من نار) ومارج النار طرف اللهب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم) رواه مسلم.. ويضيف فضيلته ان خلق الجن متقدم على خلق الانسان فكانوا قبلهم في الارض بدليل قوله تعالى (ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم)..مضيفا كذلك ان الجن سموا جناً لاستتارهم (فلما جن عليه الليل) واستجن بالشيء اي اتقى به واختفى وراءه، واخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن اصنافهم وعن شيء من قدراتهم فقال في الحديث الصحيح (الجن ثلاثة اصناف، صنف يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويضعنون) فأخبرنا بقدرتهم على الطيران وعلى التشكل في هيئة حيات وكلاب ولا مجال للتكذيب بعالم الجن البتة، ومن انكر وجود الجن فهو كافر، لانه كذب الله تعالى الذي قال في محكم تنزيله (قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن) فالمكذب بوجود الجن كافر، ولم يكذب به الا طائفة من الفلاسفة والعقلانيين، وبعضهم زعموا ان الجن نوازع الشر في النفس البشرية وانهم ليسوا خلقاً مستقلاً وانكروا وجودهم وهؤلاء ولا شك ضلاّل فان المعرض عن كلام الله ورسوله لا يكون الا ضالاً، فقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم (انه التقى بهم ودعاهم الى الله تعالى وقال انه اتاني وفد نصيبين وهي بلدة ونعم الجن، فسألوني الزاد فدعوت الله لهم الا يمروا بعظم ولا روثة الا وجدوا عليها طعاماً).. فكان منهم المؤمنون الذين انطلقوا في الارض يستمعون لاي شيء يدل على سبب منع استراق الخبر من السماء، (واذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه(74/3)
قالوا انصتوا، فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً انزل من بعد موسى) ودعوا قومهم الى الله تعالى وكان منهم الفقهاء.. ولما قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن فكان اذا مر بقوله تعالى (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا:( ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد). مؤكداً الشيخ المنجد ان كثيراً منهم كفار وضلال وفسقة ولذلك فإنهم شياطين، وهم كثيرون جداً، وكانوا يسترقون الخبر من السماء يركب بعضهم فوق بعض ليستمعوا الخبر من السماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( اذا قضى الله الامر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان يعني كصوت جر السلسلة على الصخرة وهو صوت عظيم فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقوا السمع فالجن الذين يركب بعضهم فوق بعض الى السماء يستمعون شيئاً من كلام الملائكة عن اوامر الرب في مرض فلان او شفاء فلان او موت فلان او زلزال في مكان كذا ونحو ذلك من الاحداث الارضية فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا واحداً فوق الآخر.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فربما ادرك الشهاب المستمع قبل ان يرمي بها الى صاحبه، اي الذي تحته يخبر بعضهم بعضا فيحرقه، وربما لم يدركه اي الشهاب حتى يرمي بها الى الذي يليه، الى الذي هو اسفل منه حتى يلقوها الى الارض فاذا وصلت الكلمة الى الارض من خبر غيبي سيحدث فتلقى على فم الساحر فهؤلاء الجن الشياطين المتعاونين مع الساحر يأتون اليه بالخبر الى هذا الكاهن فيكذب معها مائة كذبة فيصدق من قبل المغفلين في الارض من الانس الذين يأتون طوابير فيقولون الم يخبرنا يوم كذا وكذا بكذا وكذا فوجدناه حقاً للتي سمعت من السماء) رواه البخاري في صحيحه.. ويستطرد فضيلته بقوله: فالناس لا يذكرون من كلام الكاهن الا الشيء الذي حصل ويقولون اخبرنا بوقوع كذا ووقع، ولا يذكرون(74/4)
الكذبات الكثيرة التي يخبرهم عن اشياء متوقعة الحصول واشياء لا يبعد وقوعها تعرف بالاستنتاج مثلاً فلا يكتشفون امره، لو فرضنا ان كاهناً او عرافاً او ساحراً اخبر شخصاً بانه سيقع حدث وهذا الحدث لا يمكن استنتاجه ولا معرفته او توقعه ووقع كما قال فربما يكون مما زوده به شيطانه من الاخبار التي يسترقها الجن من السماء، ولكن كم نسبة الصدق في كلامهم؟ انه واحد في المائة، وكم نسبة الكذب في كلام الكهان؟ تسعة وتسعون في المائة لكن المغفلين لا ينتبهون الا لهذا الخبر الواحد الذي تحقق ويقولون يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب الا الله...
قدرات عجيبة(74/5)
بعد ذلك ينتقل الشيخ المنجد لينبه ان الله قد اخبرنا انهم اصحاب قدرات عجيبة وسخر الجن لنبيه سليمان فكانوا يقومون له بالأعمال الكثيرة قال الله عز وجل (ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه، ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) فقد سخرهم الله وسلطه عليهم فلا يستطيعون ان يخالفوا امر سليمان ومن خالف اذاقه الله من عذاب السعير وهو الحريق فيحرقه.. والمحاريب هي المساجد والابنية الكبيرة، والتماثيل قيل من غير ذوات الارواح ولو كانت من ذوات الارواح فيحمل على انه لم يكن حراماً في شريعة سليمان (وجفان كالجواب) اي انهم يعملون له احواض كبيرة جداً للماء (وقدور راسيات) يعني ثابتات في اماكنها لا تتحرك من عظمها واتساعها، فهي قدور يطبخ فيها طعام جيش سليمان الذي كانت تحمله الريح (غدوها شهر ورواحها شهر) فهو ملك لا ينبغي لاحد من بعده ولا يكون عند الكفار المتقدمين ولا المتأخرين.. واضاف فضيلته ان من قدراتهم استطاعتهم نقل الاشياء عبر الجدران والطيران بها في المسافات الشاسعة واحضارها وادخالها عبر الجدران مرة اخرى الى مكان ما، ولذلك قال سليمان وهو يفكر في طريقة لدعوة ملكة سبأ الى الله وكيف يقنعها، قال وهو يستشير من حوله من اولياء الله الصالحين ومن الجن الذين سخرهم الله له (ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين.. قال عفريت من الجن انا آتيك بها قبل ان تقوم من مقامك) فهذا الجني الشديد كان يستطيع ولم يكن يكذب في دعواه، كان يستطيع بأن يأتي بعرش ملكة سبأ من داخل قصرها في اليمن ويضعه داخل قصر سليمان في الشام قبل ان يقوم سليمان من مقامه..فقضية استطاعتهم لنقل الاشياء عبر الجدران والاجسام الصلبة والطيران بها تلك المسافة الشاسعة في وقت قصير جداً للغاية امر مقدور له اخبرنا الله عنه ولا مجال للتكذيب به فاستخدمت الشياطين هذه القدرات في اضلال الانس(74/6)
(وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) وهذا هو المنطلق الذي ننطلق به في اسكتشاف كل القصص التي يأتي بها الناس ويتداولونها عن اشياء خارقة خرقت العادة التي يعرفونها ونقول للناس انتبهوا فليس كل خارقة كرامة من الله وليس كل خارقة تدل على صلاح صاحبها.. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يمتحن الدجالين فقد ذهب الى عبدالله ابن صياد وكان قد ظن انه الدجال وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على كشف امره فقال له قد خبأت لك خبأ فقال عبدالله بن صياد (الدخ الدخ) والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد خبأ له سورة الدخان فقيل: ان شيطان عبدالله بن صياد قد اوصل له الخبر من السماء ولكن الخبر وصل ناقصاً فما وصلت كلمة الدخان كاملة لعبدالله بن صياد..ولذلك قال له عليه الصلاة والسلام (اخسأ فلن تعدو قدرك) يعني انك من اخوان الكهان، فالشياطين يأتون بهذا الخبر ويخلطون فيه، فلذلك اتوه به ناقصاً وترجح وعرف بعد ذلك ان عبدالله بن الصياد ليس هو الدجال المنتظر الاكبر وانما هو دجال من الدجاجلة يعينه الشياطين، وهكذا اعانت الشياطين مدعي النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم من اجل فتنه الناس، فهذا الاسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين، فقد ثبت تاريخياً من يخبره ببعض الامور المغيبة، وكذلك مسيلمة الكذاب، كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الامور.
مواقف وعبر(74/7)
ويتطرق فضيلة الشيخ المنجد بعد ذلك الى قول شيخ الاسلام رحمه الله في الفتاوى كاشفاً زيف هؤلاء فمن كلامه رحمه الله ننقل هذه الدرر النفيسة والتجارب العظيمة له مع هؤلاء في كشف احوالهم ينقل تاريخياً من واقعه قوله:( وامثال هؤلاء كثيرون مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن عبدالملك ابن مروان وادعى النبوة وكان الشياطين يخرجون رجله من القيد وهو مقيد ويخرج من القيد وتمنع السلاح ان ينفذ) فيه، فالشياطين تمنع السيوف والرماح من النفوذ في جسد هذا الدجال، وهذا يذكرنا بما يفعله بعض اصحاب الطريقة الرفاعية الصوفية الضلال من ضرب اجسادهم بالشيش وما يفعله بعض الذين يستعينون بالشياطين في بعض السيركات او الحفلات التي يعملونها من ضرب انفسهم بسكاكين او بسيوف ولا يخرج منه قطرة دم واحدة وليس بخداع نظر، فهو شيء حقيقي ولكن ماهو التعليل؟! عندما يعرف المسلم الحقيقية لا تنطوي عليه الاباطيل، فهو من الاستعانة بالشياطين، فاذا كان الشيطان يستطيع ان يستخرج عرش ملكة سبأ وهو جسم كبير عبر الجدران فكذلك يستطيع ان يمنع اختراق السيف لجسم شخص او ان يخترقه دون ايذاء، كما يخترق بعرش ملكة سبأ جدران قصرها، وكان يرى الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء ويقال هي الملائكة وانما كانت جناً، فالجن تتشكل بأشكال يراها هذا الدجال ويظنها ملائكة تتنزل عليه بالوحي، وفعلاً يلقون في سمعه كلمات وهكذا مسليمة كان يسمع شيئا في اذنيه فعلاً وهو مما تنزلت به الشياطين ولذلك لا يمكن ان تجعل الاحوال الشيطانية هذه على ان هذا الرجل ولي من اولياء الله ولا يمكن ان تجعل اي خارقة من خوارق العادات دليلاً على ان هذا الرجل صالح فانه قد يكون مشركاً عظيماً من المشركين تساعده هؤلاء الشياطين، ويضيف فضيلته ان من طرقهم انهم ربما تكلموا بألسنة مختلفة على لسان هذا الدجال كما يتكلم الجني على لسان المصروع ولذلك يحدثك بعض الاشخاص الذين ذهبوا الى بعض العرافين(74/8)
انهم سمعوا منه مرة صوت طفل ومرة صوت امرأة ومرة صوت رجل ومرة صوتاً غليظاً وانه دخل في غيبوبة وغمض عينه وصار يتكلم وهو نائم وكل ذلك من فعل الشياطين تتكلم على لسانه وربما لا يدري بما يخرج منه، ومن هؤلاء الدجالين يقول شيخ الاسلام رحمه الله من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنه من يطير به الجني الى مكة او بيت المقدس او غيرها ومنهم من يحمله الى عرفة ثم يعيده من ليلته وهذا من ادعاه من يسمون بأهل الخطوة من الصوفية الذين كانوا يذهبون في ليلة ويعودون في نفس الليلة ويخبرون الناس بأشياء في عرفة مما لقوا من فلان وفلان وعندما يعود الحجاج يتبين ان كلامهم صحيح فقد حملته الجن وليس هذا بغريب مادام انهم يستطيعون حمل عرش سبأ من اليمن الى الشام قبل ان يقوم سليمان من مقامه فلا نستغرب ان يحملوا شخصاً الى عرفة ويعودوا به فليس هذا بمستحيل وهو عندنا غريب.. فكثير من هؤلاء الذين يسمون بأهل الخطوة دجالون كذابون لا يستطيعون الاستعانة بالجن اصلاً ومنهم نفر قليل تعينهم الشياطين قليلاً، ومن طرق الشياطين ان المخلوق قد يستغيث بشخص حي او ميت سواءً كان هذا المستغيث مسلماً او نصرانياً او مشركاً فيتصور له الشيطان بصورة ذلك المستغاث فيظن الشخص انه هو فاذا نادى المستغيث وافلاناه او يا فلان اغثني ظهر الشيطان في صورة البدوي او اي ولي من الاولياء المزعومين تشكل الشيطان في صورته والنبي عليه الصلاة والسلام اخبرنا ان الجن يتشكلون بحيات وكلاب اذا يمكن ان يتشكلوا بصورة شخص ايضاً وهنا يلبس على هذا المسكين فيظن ان الاستغاثة صحيحة وان الشيخ اغاثه وان الميت حضر وانجده. قال شيخ الاسلام رحمه الله ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له انا الخضر وربما اخبره ببعض الامور واعانه على بعض مطالبه.. كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب يموت(74/9)
لهم الميت فيأتي الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون انه ذلك الميت يأتيه بصورة ابيه او يأتيه بصورة لا يراها ويقول له انا روح ابيك وبصوت ابيه لان القرين الشيطان الذي مع الاب يعرف صوت الاب ويقلد صوت الاب ويصف له اشياء دقيقة لا يعرفها الا الولد والاب الذي مات وفعلاً يخرج الواحد من عند المشعوذ والعراف مذهولاً بسبب انه لا يعرف حقيقة القضية.
حفلات الزار
بعد ذلك يعود فضيلة الشيخ المنجد ويشير لانتشار قضية العرافين والدجالين والمشعوذين مؤكداً التركيز على هذه القضية وهو تدخل الشياطين لاغواء الانس ويصدق الانسان فعلاً بالعراف ليوقعه في الشرك قال شيخ الاسلام رحمه الله ربما يكونون قد احرقوا ميتهم بالنار كما تصنع كفار الهند فيظنون انه عاش بعد موته، ومن هؤلاء شيخ اوصى خادمه فقال اذا انا مت فلا تدع احداً يغسلني فأنا اجيء واغسل نفسي فلما مات رأى خادمه شخصاً في صورته فاعتقد انه هو دخل وغسل نفسه فلما قضى ذلك الدجال غسله غاب وكان ذلك شيطانه..(74/10)
ومما ذكره شيخ الاسلام رحمه الله انه ربما يرى شخص في المنام ان شعره قد قص وانه لبس طاقية فيصبح وقد قص شعره فعلاً والبس تلك الطاقية ويكون ذلك بفعل الشياطين قصوا شعره في المنام وبعد ذلك يصدق ببقية المنام ويكون منه من الشرك والكفر ما الله به عليم.. وكذلك من هذه الطرق ايضاً مناداة عباد القبور من داخل القبر وهو شيء تفعله الشياطين فلا تكذب من يقول لك سمعت الشيخ يتكلم من قبره فربما يكون ولكن من الذي تلكم انه الشيطان..وقال شيخ الاسلام رحمه الله وقد يضعون مصروعاً عند القبر فيغادره الشيطان ويقوم بعافية ليتوهم الناس ان الولي الذي في القبر عالجه وان ما فعلت ذلك الشياطين وغادرت المصروع ليستقر عند الناس ان الميت الذي في القبر هي البركة التي عالجت ذلك المصروع واذا قرأت آية الكرسي بصدق بطل هذا فان التوحيد يطرد الشيطان ولهذا حُمل بعضهم في الهواء حملته الشيطان فقال لا اله الا الله فسقط على الارض.. ومثل ان يرى احدهم ان القبر انشق وخرج منه بعض الناس فيسمعون اصواتاً من داخل المغارات والكهوف وماهي الا شياطين.. قال شيخ الاسلام رحمه الله ومن اعظم ما يقوي الاحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين وهذا هو الذي يفعل في حفلات الزار لمن سمع بها وهي الحفلات التي يجتمع فيها اناس يضربون بالطبول العظيمة بأصوات عالية جداً ويرقصون رقصات جنونية حتى يؤدي بهم الامر الى الوقوع في حالة اغماء ونحو ذلك ثم تتكلم الشياطين على السنتهم وتحضر حفلات الزار لان الغناء والطبل يجر الشياطين كما ان القرآن يطردهم وربما خاطبه من عصفور او من ثمرة او من حجر ونحو ذلك وربما جاءه بصورة جميلة وزعم انه ملك يريد ان يزوره وبعد ذلك تأتي الشركيات والامر بالشرك والامر بالسجود له والصلاة له وذبح شيء له، ولذلك بعض الدجالين يقول من شرط العلاج ان تذبح ديكاً اسود لكن لا تقول بسم الله الرحمن الرحيم الله لو قلت بسم الله ما ينفع(74/11)
العلاج مشيراً فضيلته كذلك الى كلام شيخ الاسلام الذي جاء فيه: واخبر بعض الشيوخ الذين قد جرى لهم قوله: يورونني الجن شيئاً براقاً مثل الماء والزجاج ويمثلون له فيه ما يطلب من الاخبار.. مستدلاً فضيلته بهذه الحادثة بأن هناك شخصا قد ذهب الى احدى الدول وكان يقصد ساحراً فوضع له طستاً فيه زئبق (اي سطح عاكس لماع للغاية) فقال له الرجل اريد ان ارى اهلي في البلد، قال فجعل يتمتم بأشياء ثم صفى ذلك السطح وظهرت صورة البلد ثم ظهرت صورة الحي ثم ظهرت صورة الحارة ثم ظهرت صورة العمارة ثم ظهرت صورة الشقة قال فرأيت اولادي يلعبون.. فليس في هذا شيء مستنكر من جهة الوقوع اذا كان الانس قد نقلوا الاشياء عبر الهواء بالبث المباشر حياً على الهواء.. فالجن يستطيعون ان ينقلوا على هذا السطح صورة اولاده.. ولكن القضية فيما بعد ذلك فيما يأمره به هذا الدجال والساحر من الكفر والحرام، وبعضهم يقول ان المشعوذين لا يأخذون نقوداً او لا يأخذون نقوداً في البداية فهم يقولون ما فعلنا ذلك الا خدمة وواجبا علينا وطاعة وتفريج كربة ويظهرون العفة وهم يتعاملون مع الشياطين..
ومن الاشياء انهم يقولون للساحر بكتابة العزائم لكي يساعدونه ليكتب القرآن بدم الحيض والنجاسات وهذا مستخدم عندهم ويعكسون السور من اولها الى آخرها وبعض هذه الاوراق لو فتحتها وجدت فيها استغاثات واضحة بجني او شيطان.. ومن ذلك ان هؤلاء المشعوذين اصحاب فواحش ولذلك اذا قال لاحد هؤلاء الذين يدعون انهم يقرأون على المصروعين ويخرجون السحر ويفكونه اذا قال لا تدخل مع زوجتك لابد ان اقرأ عليها لوحدها فاعلم انه دجال كذاب اشر وانه افاك اثيم (ما خلا رجل بامرأة الا كان الشيطان ثالثهما)،
=====
لكم من ( المكيظم ) تحية عطرة .(74/12)
* مقالة عن السحر والسحرة :
العدد 10396 جريدة الجزيرة - الطبعة الأولى - أفاق اسلامية الجمعة 21 ,ذو الحجة 1421
الشيخ محمد المنجد يفضح السحرة والمشعوذين:
كتب : يوسف بن ناصر البواردي:
لا يزال الذهاب إلى أولئك النفر من الناس منزلقاً خطيراً لم يجن البشر من ورائه الا ثمرات مرة، فقد سقط الكثير من الضحايا في شباك اولئك السحرة والمشعوذين وتنوع الضحايا، فهناك ضحايا في العقيدة والدين وهناك ضحايا في الأعراض وهناك ضحايا في الأنفس وهناك ضحايا في الاموال!
وكان المؤمل ان يكتشف البشر في عصرنا الحاضر ضلال اولئك السحرة فينبذوا دجلهم وباطلهم، بعد ان بلغنا في هذا العصر مكانة متقدمة في العلم، ولكن انّى للعلم المادي ان يكتشف حقيقة الدجل و الدجالين!
وعلى هذا فإن (الرسالة) انطلاقاً من رسالتها السامية في توعية المجتمع تجاه خطر السحرة والمشعوذين تعرض هذه الجملة من كشف لحقائق هؤلاء الشرذمة يعرضها فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد الداعية الاسلامي وامام وخطيب جامع عمر بن عبدالعزيز بالخبر الذي اوضح كثيراً من الخفايا والملابسات فإلى نص كلام فضيلته:(75/1)
في البداية تحدث الشيخ المنجد مشيراً ان الحديث سيكون حول خلق من خلق الله منهم المؤمن ومنهم الكافر عمد كفارهم الى اغواء المسلمين وحرفهم الى الشرك واستعملوا من اجل ذلك أنواع القدرات التي عندهم لاضلال الإنس فاستجاب لهم كثير من الا نس واستعانوا من اجل تحقيق غرضهم بأمر الشيطان كبيرهم وسائل متعددة، ومن ذلك هؤلاء الكهان والعرافون المنتشرون والمشعوذون وغير ذلك.. منبهاً ان سبب طرح هذا الموضوع ما سمعته من بعض الناس الذين سألوا عن اشخاص يذهبون اليهم لمعرفة مكان السحر فيدلونهم عليه وعلى مكان المسروقات والمفقودات ويجرون عمليات بدون جراحة ويستأصلون الاورام ويزيلون العاهات ويقرأون البطاقات الشخصية ويعدون النقود في الجيب ويخبرون الانسان بأحوال خاصة ربما لا يعرفها الا هو ويكون كلامهم صحيحاً، وبدأت تجد الناس يصطفون طوابير عند هؤلاء المشعوذين المتصلين بالشياطين رجاء شفاء او معرفة مفقود وبعضهم عن فضول وحب استطلاع، فنريد ان نتعرف على طرق هؤلاء الشياطين ووسائلهم وماهي ألاعيبهم، وماهي القدرات التي عندهم لكي يبين بعد ذلك ويستبين للمسلم حقيقة هؤلاء ولكي يكون الانسان على بصيرة من امره خصوصاً وان القضية قد دخلت ايضاً عالم الالعاب، فما هي الحقيقة اذاًَ؟! وما حكم الشرع في هذه الاشياء؟!
تأصيل وإيضاح :(75/2)
ويضيف فضيلته انه لابد ان نعود للجذور، وان نعود الى الكلام عن الجن هذا العالم الذي خلقه الله تعالى كما خلق عالم الانس وعالم الملائكة فقد اخبرنا الله تبارك وتعالى انهم خلقوا من نار فقال:(والجان خلقناه من قبل من نار السموم) وقال تعالى:( وخلق الجان من مارج من نار) ومارج النار طرف اللهب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم) رواه مسلم.. ويضيف فضيلته ان خلق الجن متقدم على خلق الانسان فكانوا قبلهم في الارض بدليل قوله تعالى (ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم)..مضيفا كذلك ان الجن سموا جناً لاستتارهم (فلما جن عليه الليل) واستجن بالشيء اي اتقى به واختفى وراءه، واخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن اصنافهم وعن شيء من قدراتهم فقال في الحديث الصحيح (الجن ثلاثة اصناف، صنف يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويضعنون) فأخبرنا بقدرتهم على الطيران وعلى التشكل في هيئة حيات وكلاب ولا مجال للتكذيب بعالم الجن البتة، ومن انكر وجود الجن فهو كافر، لانه كذب الله تعالى الذي قال في محكم تنزيله (قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن) فالمكذب بوجود الجن كافر، ولم يكذب به الا طائفة من الفلاسفة والعقلانيين، وبعضهم زعموا ان الجن نوازع الشر في النفس البشرية وانهم ليسوا خلقاً مستقلاً وانكروا وجودهم وهؤلاء ولا شك ضلاّل فان المعرض عن كلام الله ورسوله لا يكون الا ضالاً، فقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم (انه التقى بهم ودعاهم الى الله تعالى وقال انه اتاني وفد نصيبين وهي بلدة ونعم الجن، فسألوني الزاد فدعوت الله لهم الا يمروا بعظم ولا روثة الا وجدوا عليها طعاماً).. فكان منهم المؤمنون الذين انطلقوا في الارض يستمعون لاي شيء يدل على سبب منع استراق الخبر من السماء، (واذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه(75/3)
قالوا انصتوا، فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً انزل من بعد موسى) ودعوا قومهم الى الله تعالى وكان منهم الفقهاء.. ولما قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن فكان اذا مر بقوله تعالى (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا:( ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد). مؤكداً الشيخ المنجد ان كثيراً منهم كفار وضلال وفسقة ولذلك فإنهم شياطين، وهم كثيرون جداً، وكانوا يسترقون الخبر من السماء يركب بعضهم فوق بعض ليستمعوا الخبر من السماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( اذا قضى الله الامر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان يعني كصوت جر السلسلة على الصخرة وهو صوت عظيم فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقوا السمع فالجن الذين يركب بعضهم فوق بعض الى السماء يستمعون شيئاً من كلام الملائكة عن اوامر الرب في مرض فلان او شفاء فلان او موت فلان او زلزال في مكان كذا ونحو ذلك من الاحداث الارضية فيسمعها مسترقو السمع ومسترقو السمع هكذا واحداً فوق الآخر.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فربما ادرك الشهاب المستمع قبل ان يرمي بها الى صاحبه، اي الذي تحته يخبر بعضهم بعضا فيحرقه، وربما لم يدركه اي الشهاب حتى يرمي بها الى الذي يليه، الى الذي هو اسفل منه حتى يلقوها الى الارض فاذا وصلت الكلمة الى الارض من خبر غيبي سيحدث فتلقى على فم الساحر فهؤلاء الجن الشياطين المتعاونين مع الساحر يأتون اليه بالخبر الى هذا الكاهن فيكذب معها مائة كذبة فيصدق من قبل المغفلين في الارض من الانس الذين يأتون طوابير فيقولون الم يخبرنا يوم كذا وكذا بكذا وكذا فوجدناه حقاً للتي سمعت من السماء) رواه البخاري في صحيحه.. ويستطرد فضيلته بقوله: فالناس لا يذكرون من كلام الكاهن الا الشيء الذي حصل ويقولون اخبرنا بوقوع كذا ووقع، ولا يذكرون(75/4)
الكذبات الكثيرة التي يخبرهم عن اشياء متوقعة الحصول واشياء لا يبعد وقوعها تعرف بالاستنتاج مثلاً فلا يكتشفون امره، لو فرضنا ان كاهناً او عرافاً او ساحراً اخبر شخصاً بانه سيقع حدث وهذا الحدث لا يمكن استنتاجه ولا معرفته او توقعه ووقع كما قال فربما يكون مما زوده به شيطانه من الاخبار التي يسترقها الجن من السماء، ولكن كم نسبة الصدق في كلامهم؟ انه واحد في المائة، وكم نسبة الكذب في كلام الكهان؟ تسعة وتسعون في المائة لكن المغفلين لا ينتبهون الا لهذا الخبر الواحد الذي تحقق ويقولون يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب الا الله...
قدرات عجيبة :(75/5)
بعد ذلك ينتقل الشيخ المنجد لينبه ان الله قد اخبرنا انهم اصحاب قدرات عجيبة وسخر الجن لنبيه سليمان فكانوا يقومون له بالأعمال الكثيرة قال الله عز وجل (ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه، ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) فقد سخرهم الله وسلطه عليهم فلا يستطيعون ان يخالفوا امر سليمان ومن خالف اذاقه الله من عذاب السعير وهو الحريق فيحرقه.. والمحاريب هي المساجد والابنية الكبيرة، والتماثيل قيل من غير ذوات الارواح ولو كانت من ذوات الارواح فيحمل على انه لم يكن حراماً في شريعة سليمان (وجفان كالجواب) اي انهم يعملون له احواض كبيرة جداً للماء (وقدور راسيات) يعني ثابتات في اماكنها لا تتحرك من عظمها واتساعها، فهي قدور يطبخ فيها طعام جيش سليمان الذي كانت تحمله الريح (غدوها شهر ورواحها شهر) فهو ملك لا ينبغي لاحد من بعده ولا يكون عند الكفار المتقدمين ولا المتأخرين.. واضاف فضيلته ان من قدراتهم استطاعتهم نقل الاشياء عبر الجدران والطيران بها في المسافات الشاسعة واحضارها وادخالها عبر الجدران مرة اخرى الى مكان ما، ولذلك قال سليمان وهو يفكر في طريقة لدعوة ملكة سبأ الى الله وكيف يقنعها، قال وهو يستشير من حوله من اولياء الله الصالحين ومن الجن الذين سخرهم الله له (ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين.. قال عفريت من الجن انا آتيك بها قبل ان تقوم من مقامك) فهذا الجني الشديد كان يستطيع ولم يكن يكذب في دعواه، كان يستطيع بأن يأتي بعرش ملكة سبأ من داخل قصرها في اليمن ويضعه داخل قصر سليمان في الشام قبل ان يقوم سليمان من مقامه..فقضية استطاعتهم لنقل الاشياء عبر الجدران والاجسام الصلبة والطيران بها تلك المسافة الشاسعة في وقت قصير جداً للغاية امر مقدور له اخبرنا الله عنه ولا مجال للتكذيب به فاستخدمت الشياطين هذه القدرات في اضلال الانس(75/6)
(وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) وهذا هو المنطلق الذي ننطلق به في اسكتشاف كل القصص التي يأتي بها الناس ويتداولونها عن اشياء خارقة خرقت العادة التي يعرفونها ونقول للناس انتبهوا فليس كل خارقة كرامة من الله وليس كل خارقة تدل على صلاح صاحبها.. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يمتحن الدجالين فقد ذهب الى عبدالله ابن صياد وكان قد ظن انه الدجال وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على كشف امره فقال له قد خبأت لك خبأ فقال عبدالله بن صياد (الدخ الدخ) والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد خبأ له سورة الدخان فقيل: ان شيطان عبدالله بن صياد قد اوصل له الخبر من السماء ولكن الخبر وصل ناقصاً فما وصلت كلمة الدخان كاملة لعبدالله بن صياد..ولذلك قال له عليه الصلاة والسلام (اخسأ فلن تعدو قدرك) يعني انك من اخوان الكهان، فالشياطين يأتون بهذا الخبر ويخلطون فيه، فلذلك اتوه به ناقصاً وترجح وعرف بعد ذلك ان عبدالله بن الصياد ليس هو الدجال المنتظر الاكبر وانما هو دجال من الدجاجلة يعينه الشياطين، وهكذا اعانت الشياطين مدعي النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم من اجل فتنه الناس، فهذا الاسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين، فقد ثبت تاريخياً من يخبره ببعض الامور المغيبة، وكذلك مسيلمة الكذاب، كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الامور.
مواقف وعبر :(75/7)
ويتطرق فضيلة الشيخ المنجد بعد ذلك الى قول شيخ الاسلام رحمه الله في الفتاوى كاشفاً زيف هؤلاء فمن كلامه رحمه الله ننقل هذه الدرر النفيسة والتجارب العظيمة له مع هؤلاء في كشف احوالهم ينقل تاريخياً من واقعه قوله:( وامثال هؤلاء كثيرون مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن عبدالملك ابن مروان وادعى النبوة وكان الشياطين يخرجون رجله من القيد وهو مقيد ويخرج من القيد وتمنع السلاح ان ينفذ) فيه، فالشياطين تمنع السيوف والرماح من النفوذ في جسد هذا الدجال، وهذا يذكرنا بما يفعله بعض اصحاب الطريقة الرفاعية الصوفية الضلال من ضرب اجسادهم بالشيش وما يفعله بعض الذين يستعينون بالشياطين في بعض السيركات او الحفلات التي يعملونها من ضرب انفسهم بسكاكين او بسيوف ولا يخرج منه قطرة دم واحدة وليس بخداع نظر، فهو شيء حقيقي ولكن ماهو التعليل؟! عندما يعرف المسلم الحقيقية لا تنطوي عليه الاباطيل، فهو من الاستعانة بالشياطين، فاذا كان الشيطان يستطيع ان يستخرج عرش ملكة سبأ وهو جسم كبير عبر الجدران فكذلك يستطيع ان يمنع اختراق السيف لجسم شخص او ان يخترقه دون ايذاء، كما يخترق بعرش ملكة سبأ جدران قصرها، وكان يرى الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء ويقال هي الملائكة وانما كانت جناً، فالجن تتشكل بأشكال يراها هذا الدجال ويظنها ملائكة تتنزل عليه بالوحي، وفعلاً يلقون في سمعه كلمات وهكذا مسليمة كان يسمع شيئا في اذنيه فعلاً وهو مما تنزلت به الشياطين ولذلك لا يمكن ان تجعل الاحوال الشيطانية هذه على ان هذا الرجل ولي من اولياء الله ولا يمكن ان تجعل اي خارقة من خوارق العادات دليلاً على ان هذا الرجل صالح فانه قد يكون مشركاً عظيماً من المشركين تساعده هؤلاء الشياطين، ويضيف فضيلته ان من طرقهم انهم ربما تكلموا بألسنة مختلفة على لسان هذا الدجال كما يتكلم الجني على لسان المصروع ولذلك يحدثك بعض الاشخاص الذين ذهبوا الى بعض العرافين(75/8)
انهم سمعوا منه مرة صوت طفل ومرة صوت امرأة ومرة صوت رجل ومرة صوتاً غليظاً وانه دخل في غيبوبة وغمض عينه وصار يتكلم وهو نائم وكل ذلك من فعل الشياطين تتكلم على لسانه وربما لا يدري بما يخرج منه، ومن هؤلاء الدجالين يقول شيخ الاسلام رحمه الله من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنه من يطير به الجني الى مكة او بيت المقدس او غيرها ومنهم من يحمله الى عرفة ثم يعيده من ليلته وهذا من ادعاه من يسمون بأهل الخطوة من الصوفية الذين كانوا يذهبون في ليلة ويعودون في نفس الليلة ويخبرون الناس بأشياء في عرفة مما لقوا من فلان وفلان وعندما يعود الحجاج يتبين ان كلامهم صحيح فقد حملته الجن وليس هذا بغريب مادام انهم يستطيعون حمل عرش سبأ من اليمن الى الشام قبل ان يقوم سليمان من مقامه فلا نستغرب ان يحملوا شخصاً الى عرفة ويعودوا به فليس هذا بمستحيل وهو عندنا غريب.. فكثير من هؤلاء الذين يسمون بأهل الخطوة دجالون كذابون لا يستطيعون الاستعانة بالجن اصلاً ومنهم نفر قليل تعينهم الشياطين قليلاً، ومن طرق الشياطين ان المخلوق قد يستغيث بشخص حي او ميت سواءً كان هذا المستغيث مسلماً او نصرانياً او مشركاً فيتصور له الشيطان بصورة ذلك المستغاث فيظن الشخص انه هو فاذا نادى المستغيث وافلاناه او يا فلان اغثني ظهر الشيطان في صورة البدوي او اي ولي من الاولياء المزعومين تشكل الشيطان في صورته والنبي عليه الصلاة والسلام اخبرنا ان الجن يتشكلون بحيات وكلاب اذا يمكن ان يتشكلوا بصورة شخص ايضاً وهنا يلبس على هذا المسكين فيظن ان الاستغاثة صحيحة وان الشيخ اغاثه وان الميت حضر وانجده. قال شيخ الاسلام رحمه الله ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له انا الخضر وربما اخبره ببعض الامور واعانه على بعض مطالبه.. كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب يموت(75/9)
لهم الميت فيأتي الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون انه ذلك الميت يأتيه بصورة ابيه او يأتيه بصورة لا يراها ويقول له انا روح ابيك وبصوت ابيه لان القرين الشيطان الذي مع الاب يعرف صوت الاب ويقلد صوت الاب ويصف له اشياء دقيقة لا يعرفها الا الولد والاب الذي مات وفعلاً يخرج الواحد من عند المشعوذ والعراف مذهولاً بسبب انه لا يعرف حقيقة القضية.
حفلات الزار :
بعد ذلك يعود فضيلة الشيخ المنجد ويشير لانتشار قضية العرافين والدجالين والمشعوذين مؤكداً التركيز على هذه القضية وهو تدخل الشياطين لاغواء الانس ويصدق الانسان فعلاً بالعراف ليوقعه في الشرك قال شيخ الاسلام رحمه الله ربما يكونون قد احرقوا ميتهم بالنار كما تصنع كفار الهند فيظنون انه عاش بعد موته، ومن هؤلاء شيخ اوصى خادمه فقال اذا انا مت فلا تدع احداً يغسلني فأنا اجيء واغسل نفسي فلما مات رأى خادمه شخصاً في صورته فاعتقد انه هو دخل وغسل نفسه فلما قضى ذلك الدجال غسله غاب وكان ذلك شيطانه..(75/10)
ومما ذكره شيخ الاسلام رحمه الله انه ربما يرى شخص في المنام ان شعره قد قص وانه لبس طاقية فيصبح وقد قص شعره فعلاً والبس تلك الطاقية ويكون ذلك بفعل الشياطين قصوا شعره في المنام وبعد ذلك يصدق ببقية المنام ويكون منه من الشرك والكفر ما الله به عليم.. وكذلك من هذه الطرق ايضاً مناداة عباد القبور من داخل القبر وهو شيء تفعله الشياطين فلا تكذب من يقول لك سمعت الشيخ يتكلم من قبره فربما يكون ولكن من الذي تلكم انه الشيطان..وقال شيخ الاسلام رحمه الله وقد يضعون مصروعاً عند القبر فيغادره الشيطان ويقوم بعافية ليتوهم الناس ان الولي الذي في القبر عالجه وان ما فعلت ذلك الشياطين وغادرت المصروع ليستقر عند الناس ان الميت الذي في القبر هي البركة التي عالجت ذلك المصروع واذا قرأت آية الكرسي بصدق بطل هذا فان التوحيد يطرد الشيطان ولهذا حُمل بعضهم في الهواء حملته الشيطان فقال لا اله الا الله فسقط على الارض.. ومثل ان يرى احدهم ان القبر انشق وخرج منه بعض الناس فيسمعون اصواتاً من داخل المغارات والكهوف وماهي الا شياطين.. قال شيخ الاسلام رحمه الله ومن اعظم ما يقوي الاحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين وهذا هو الذي يفعل في حفلات الزار لمن سمع بها وهي الحفلات التي يجتمع فيها اناس يضربون بالطبول العظيمة بأصوات عالية جداً ويرقصون رقصات جنونية حتى يؤدي بهم الامر الى الوقوع في حالة اغماء ونحو ذلك ثم تتكلم الشياطين على السنتهم وتحضر حفلات الزار لان الغناء والطبل يجر الشياطين كما ان القرآن يطردهم وربما خاطبه من عصفور او من ثمرة او من حجر ونحو ذلك وربما جاءه بصورة جميلة وزعم انه ملك يريد ان يزوره وبعد ذلك تأتي الشركيات والامر بالشرك والامر بالسجود له والصلاة له وذبح شيء له، ولذلك بعض الدجالين يقول من شرط العلاج ان تذبح ديكاً اسود لكن لا تقول بسم الله الرحمن الرحيم الله لو قلت بسم الله ما ينفع(75/11)
العلاج مشيراً فضيلته كذلك الى كلام شيخ الاسلام الذي جاء فيه: واخبر بعض الشيوخ الذين قد جرى لهم قوله: يورونني الجن شيئاً براقاً مثل الماء والزجاج ويمثلون له فيه ما يطلب من الاخبار.. مستدلاً فضيلته بهذه الحادثة بأن هناك شخصا قد ذهب الى احدى الدول وكان يقصد ساحراً فوضع له طستاً فيه زئبق (اي سطح عاكس لماع للغاية) فقال له الرجل اريد ان ارى اهلي في البلد، قال فجعل يتمتم بأشياء ثم صفى ذلك السطح وظهرت صورة البلد ثم ظهرت صورة الحي ثم ظهرت صورة الحارة ثم ظهرت صورة العمارة ثم ظهرت صورة الشقة قال فرأيت اولادي يلعبون.. فليس في هذا شيء مستنكر من جهة الوقوع اذا كان الانس قد نقلوا الاشياء عبر الهواء بالبث المباشر حياً على الهواء.. فالجن يستطيعون ان ينقلوا على هذا السطح صورة اولاده.. ولكن القضية فيما بعد ذلك فيما يأمره به هذا الدجال والساحر من الكفر والحرام، وبعضهم يقول ان المشعوذين لا يأخذون نقوداً او لا يأخذون نقوداً في البداية فهم يقولون ما فعلنا ذلك الا خدمة وواجبا علينا وطاعة وتفريج كربة ويظهرون العفة وهم يتعاملون مع الشياطين..
ومن الاشياء انهم يقولون للساحر بكتابة العزائم لكي يساعدونه ليكتب القرآن بدم الحيض والنجاسات وهذا مستخدم عندهم ويعكسون السور من اولها الى آخرها وبعض هذه الاوراق لو فتحتها وجدت فيها استغاثات واضحة بجني او شيطان.. ومن ذلك ان هؤلاء المشعوذين اصحاب فواحش ولذلك اذا قال لاحد هؤلاء الذين يدعون انهم يقرأون على المصروعين ويخرجون السحر ويفكونه اذا قال لا تدخل مع زوجتك لابد ان اقرأ عليها لوحدها فاعلم انه دجال كذاب اشر وانه افاك اثيم (ما خلا رجل بامرأة الا كان الشيطان ثالثهما).
@@@@(75/12)
مقالات حول أخطاء الأطباء
احذروا أخطاء الأطباء
قصص ومقالات لها علاقة ببعض الأخطاء الطبية
في مقال لهيئة الإذاعة البريطانية " القسم العربي " بي بي سي أن لاين .
في تاريخ 20/3/2000م
تشير مجلة بريطانية مختصة بالشؤون الطبية إلى أن عددا قد يصل إلى ثلاثين ألف شخص يتوفون سنويا في بريطانيا بسبب أخطاء طبية .
ودعت المجلة إلى إعادة النظر في إجراءات السلامة الطبية وإلى مزيد من التدريب للأطباء للتقليل من أخطاء الأطباء والوصول بها إلى حد أخطاء الطيارين أو عمال المحطات النووية.
وأوضح محرر المجلة ريتشارد سميث في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية أن عدد المتضررين سيرتفع إذا ما أضيف إليه من يعانون من عواقب وخيمة من جراء تلك الأخطاء دون أن تصل بهم إلى حد الوفاة، موضحا أن تلك النسبة قدرت مقارنة بالنسب الأمريكي التي تصل إلى حد مائة ألف شخص هناك يتوفون نتيجة أخطاء يمكن تجاوزها
وقد أدت هذه الأرقام -حسب تصريحاته- إلى ذعر في الولايات المتحدة وذلك أنه يفوق مجموع عدد من يتوفى أو يصاب نتيجة حوادث السيارات والطائرات و الانتحار أو التسمم أو الغرق أو السقوط من الأماكن الشاهقة، ونبه الدكتور سميث إلى عدم إلقاء اللوم بشكل تلقائي على الأطباء وحدهم موضحا أن الأخطاء ليست دائما بسببهم بل إنها قد تحدث بسبب الطاقم الطبي المساعد للطبيب في المستشفيات والعيادات داعيا إلى إعادة النظر في النظام برمته.
وتدعو المقترحات المقدمة إلى تحسين التدريب في مجالات كصور الأشعة وتطوير آليات جديدة لتخفيف عبء اتخاذ القرارات عن الأطباء وحدهم
وتدعو مقالات طرحت في المجلة إلى أهمية إحداث تغيير في السلوك وثقافة العمل داخل العاملين في القطاع الطبي بحيث يركز النظام الجديد على الإقرار بالأخطاء بشكل طوعي دون خوف من توجيه توبيخ عليها(76/1)
ويرى رئيس أحد الهيئات الطبية أن من المستحيل افتراض عدم وقوع هذه الأخطاء مستقبلا إلا من الممكن تجنبها قدر الإمكان . أ.هـ.
ثمانية وتسعون ألف حالة وفاة سنوياً بسبب الأخطاء الطبية في أمريكا
من موقع أخبار محيط
تاريخ الخبر : 5/18/00
جنيف - ا.ف.ب : أعلنت وزيرة الصحة الأميركية دونا شلالا أن حوالي 98 ألف شخص يتوفون سنوياً في الولايات المتحدة نتيجة الأخطاء الطبية التي تعتبر ثامن سبب للوفيات فيها. وقالت شلالا خلال ندوة منعقدة في جنيف في إطار الجمعية الصحية العالمية، أعلى هيئة في منظمة الصحة العالمية، أن "صانعي السيارات لا يسمحون بهذه النسبة من الأخطاء الطبية التي نرتكبها". وأضافت "يجب أن تشكل هذه القضية وسيلة لتحسين مستوى العناية الصحية عموما" موضحة ان الولايات المتحدة بدأت بتطبيق خطة هدفها تحسين العناية الصحية لتقلل الأخطاء الطبية التي يمكن أن تشمل حالات لمرضى أعطوا أدوية غير مواتية. ويفيد تقرير لمعهد الطب أن اقل التقديرات الخاصة بالأخطاء الطبية تفوق معدلات الوفيات السنوية بسرطان الثدي أو الإيدز في الولايات المتحدة. وقال مدير الوكالة الأميركية للأبحاث وتحسين الرعاية الصحية جون ايزنبرج انه "بالرغم من أن الولايات المتحدة تقدم افضل عناية صحية في العالم، فان مستوى الأخطاء الطبية فيها مرتفع بصورة غير مقبولة بتاتا". وقالت شلالا أن بلادها مستعدة للتعاون عبر منظمة الصحة العالمية مع الدول الأخرى الراغبة في تقليل الأخطاء الطبية
وهذه مقالة أخرى من منتدى الساحات :
وامصيبتاه ... هذا ما يحدث في غرفة العمليات
سعيد الكثيري - 06:07pm Feb 19, 2000 توقيت_مكة_المكرمة(76/2)
قرأت بالأمس في جريدة عكاظ خبرا أوقف الدم في عروقي ، فقد ذكر كاتب أحد الأعمدة في تلك الجريدة ما يقشعر له الأبدان حيث أشار نقلا عن إحدى الطبيبات الملتزمات وصفا لما يحدث في غرف العمليات من اطلاع على عورات الناس و تهكم على ما يرون و ذكر أن هذا لا يقتصر على الأطباء فقط بل يتعداه حتى يقوم بذلك الممرضين و الممرضات بل وحتى بعض العمال – على حد قول الكاتب – و أضاف أن الأمر قد يتطور إلى لمس بعض أجزاء الجسم . كما أنني اطلعت اليوم على مقال آخر في جريدة المدينة ، ذكر فيه الكاتب والذي يبدو أنه طبيب بعض المبالغات في التعقيم و ضرورة أن يرتدي المريض روبا لا يكاد يستر العورة المغلظة ، و أنتقد الكاتب – و هو كما أشرت طبيب – تلك الإجراءات في شرح تفصيلي يندى له الجبين . إنني هنا أناشد جميع المسئولين من ولاة الأمر و كذلك أناشد وزير الصحة أن يشكل لجنة من أطباء و رجال دين على أن يكونوا محايدين لبحث الأمر والتأكد منه و وضع أساليب محترمة تراعي أدميتنا و تعدل من بعض الإجراءات غير الضرورية ، و الضرب بيد من حديد على كل من يتلاعب بأعراض المسلمين و المسلمات . أصدقائي الكرام أرجو من كل من يستطيع أن يساهم في إثراء هذا الموضوع أن يبادر بذلك و له من الله الأجر و الثواب ، كذلك من يستطيع أن يؤيد إجراء عمل حازم لوقف تلك الممارسات فقد يكون ذلك المريض الخاضع للعملية أنا أو أنت أو أمهاتنا أو أخواتنا أو زوجاتنا ،،،،،، ألا هل بلغت اللهم فاشهد .
ومن الردود على هذا المقال :
نقلاً من الموقع الذي أشار اليه أخينا الفاضل عبدالعزيز الظفيري جزاه الله خيراً على غيرته ( وهو كاتب رائع رائع و قوي ويحمل هم هذه الأمه في جميع مشاركاته المفيد ومواضيعه القيّمة)هذه الشكوى كتبت في الموقع الذي دلنا عليه أخي الحبيب عبدالعزيز تقول الرساله :(76/3)
حكت إحدى الصديقات الحميمات وهي طبيبة جراحة استشارية متدينة عن مشكلة تؤرقها وتتمنى أن يوضع لها حل .. وقد طلبت مني الكتابة حول هذا الأمر الهام جداً . ألا وهو مشكلة تكشف المرضى في غرف العمليات الجراحية ، وقالت صديقتي أنها من خلال عملها لسنوات طويلة كانت تتألم دائما من الوضع الحاصل داخل غرف العمليات ، حيث إن المريض أو المريضة خاصة بعد سريان مفعول العقار المخدر الذي يعطى لهم قبل إجراء العمليات يقوم المسؤولون عن تعقيم المريض بكشفه بالكامل أحيانا وبطريقة غير لائقة لتعقيمه وتشبيك الأجهزة اللازمة له ، حيث يقومون بكشف صدر المريض أو المريضة لتوصيل تلك الأجهزة ثم لايحرص أكثرهم على إعادة التغطية ، ومن المعروف أن النظام في غرف العمليات يمنع المريض من ارتداء أي ملابس داخلية تحت روب العمليات إلا نادرا .
وقالت أيضا إن الكثير من الأطباء لايهتمون بهذا الأمر ولايحرصون على تغطية المريض إلا من رحم ربي .
وهناك أيضا بعض ضعفاء النفوس من الممرضين أو الموجودين في غرف العلمليات لا يتورعون عن الفرجة والحملقة وتبادل التعليقات على هذا الجزء من الجسم أو ذاك .. وأضافت أنها في كل مرة تجري فيها عملية تحاول تغطية المرضى بقدر الإمكان ولا تسمح بحدوث المهازل أمامها . وأقسمت أنها في إحدى العمليات التي كانت تحضرها في أحد المستشفيات الخاصة شاهدت بنفسها طبيب التخدير وهو ينادي صديقة ويخبره عن وجود مريضة رائعة الجمال على طاولة العمليات ورفع له قناع الأكسجين عن وجهها بعد تخديرها لكي يتأمل جمالها !! ثم ما حدث أثناء إجراء العملية من تكشف لتلك الفتاة فهو .....(76/4)
وهناك أمر آخر أهم هو أن بعض الأطباء حينما ينتهون من عملياتهم فانهم يمرون على بقية غرف العمليات الأخرى للدردشة مع أصدقائهم الأطباء أو التعرف على سير العمليات التي يجرونها بغض النظر عن حرمة المريض الموجود في تلك الغرفة وسواء كان المريض مستور العورة أو مكشوفها ، وحتى طلبة الطب والممرضون وعمال النظافة يدخلون من غرفة لأخرى أثناء إجراء العمليات الجراحية دون تحفظ .
وأضافت صديقتي الطبيبة أن هذا إن كان يحدث في المستشفيات الحكومية بنسبة خمسين بالمائة فهو يحدث في المستشفيات الخاصة بنسبة مائة بالمائة .....
الصمت أبلغ من الكلام
جريدة الإتحاد – العدد 9060
ونواصل حديثنا الذي بدأناه بالامس عن الاخطاء الطبية القاتلة وتبادل المسؤوليات والاتهامات اذا ظهر الموضوع للعلن وغير ذلك فالصمت ابلغ من الكلام·
ذات مرة كنت عند احدى جمعياتنا الخيرية وجدت طفلا جميلا ووجهه البريء ينبىء عن ألم يفوق ان تحمله سنواته الخمس مع والده الذي روى لي كيف فقد طفله القدرة على التحكم في اخراج فضلات جسمه والحركة في رجله اليمنى اثر خطأ طبي فادح، وعندما علم مدير المستشفى المعني انني بصدد الكتابة عن الحالة طلب مني وفي ساعة متأخرة عدم الاشارة الى اسم مستشفاه الحكومي مقابل وعد باجراء تحقيق مباشر في اليوم التالي والاتصال لنشر نتائجه، وها هما عامان يمضيان دون ان اسمع من المدير الهمام اية كلمة عن الامر·(76/5)
وفي مستشفاه ايضا ادخل الاطباء الرعب في قلب احدهم عندما شخصوا حالته على انها اصابة بالسرطان، فما كان من الرجل الا ان استقل اول طائرة وتوجه للخارج ليكتشف ان علته بسيطة لا تقارن بالرعب الذي عاشه حتى يطمئن لنتائج التحاليل، والمسؤول راض عما يدور فهو يتدثر بالحكمة الذهبية بأن الصمت ابلغ من الكلام، فيما تغير في مستشفى آخر ثلاثة مدراء خلال فترة قصيرة لانهم لا يشاركون الاول قناعته في الحكمة التي يؤمن بها، والتي تدفعه لاحراق مساعديه لأنهم دوما في الواجهة أمام ما يظهر من اخطاء·
أحدهم ظل يحدثنا عن تقرير نشرته الصحف عن نسبة الاخطاء التي تحصل في المستشفيات الاميركية والبريطانية والفرنسية واعداد من يموتون جرائها والتي لا تقارن بالنسبة المحلية، تفكرت في امر المبرر الذي لا يندرج الا تحت بند العذر الأقبح من الذنب·
الكمال لله وحده، وما افسده الدهر لا يصلحه النطاسي وان كان فلتة زمانه، هذه تفسيرات يمنى بها اقارب المتضررين من الاخطاء الطبية ولكنها لا تعني ان يغض الطرف عما يجري في بعض المنشآت الطبية الحكومية او الخاصة والتي لا تتوازن اطلاقا مع المستوى الرفيع للصروح الطبية التي ظهرت في الدولة وتعكس مستوى ما توليه من اهتمام ورعاية للانسان الذي هو اغلى الثروات كما تراه قيادتنا الرشيدة، ولن يتصدى للأمر الا وجود جهة مهمتها النظر في مثل تلك التجاوزات حتى ذلك الوقت ندعو الله ان ينعم على الجميع بالصحة·
* علي العمودي
ali_alamodi@emi.co.ae
المسلسل الدامي يتوالى فصولاً!!
حقنة بنج تقتل الطفل سعود
جريدة الإتحاد – العدد 9072
دبي ــ ماجد الحاج:(76/6)
ملف محمد عبده حسين الذي قضى نحبه بسبب خطأ طبي فتح الجروح الملوثة للخدمات الطبية في القطاعين العام والخاص والتي يدفع ثمنها الأبرياء· هرب المواطنون من الاهمال وعدم الرعاية في القطاع العام الى القطاع الخاص ليتلقفهم القطاع الطبي الخاص وتجار المرض وأنصاف الأطباء ليقبضوا على أرواحهم ويقبضوا أيضا الثمن حتى ولو كان في المشرحة، المسلسل الدامي يتوالى فصولاً·· واليوم يدفع طفل بريء حياته ثمناً لخطأ طبي في أحد المستشفيات الخاصة في دبي·
أدخل المواطن محمد سالم بالعبد الكتبي طفله الرضيع سعود والبالغ من العمر شهرين مستشفى خاصاً في دبي لاجراء عملية الفتق بناء على مشورة احدى طبيبات المستشفى واستجاب الأب بعاطفة الأبوة وأدخل فلذة كبده المستشفى لاجراء العملية الجراحية بعد تنزيلات من المستشفى على سعر العملية الجراحية والتي قررها المستشفى بخمسة آلاف درهم باستثناء المبيت والأدوية والملحقات الأخرى·
ويروي الأب المفجوع مأساته لـ الاتحاد بعد عشر دقائق من ادخال الطفل غرفة العمليات·· خرج علينا أحد الأطباء ليقول: ان فرصة بقاء الطفل على قيد الحياة لا تتجاوز 1% ولم نكن نعلم أن سعوداً قد فارق الحياة بسبب خطأ من طبيب التخدير الذي يدعي الخبرة الطويلة والذي أعطاه حقنة تخدير عام لم يتحملها الطفل وفاضت روحه الى بارئها، والأغرب من هذا ان الكتبي قد ذاق المرارة ولوعة الألم في نفس المستشفى حيث أجرى عملية جراحية عاجلة لزوجته الحامل وأخرجوا له طفله الوليد اربا ــ اربا ورفض المستشفى تسليمه الطفل رغم انه دفع 21 ألف درهم أتعاب العملية الجراحية!!(76/7)
وعلمت الاتحاد ان الأب قد تقدم ببلاغ ضد المستشفى وان سعادة اللواء ضاحي خلفان تميم أمر بتشكيل لجنة للتحقيق في حين اعرب الدكتور أحمد الهاشمي مدير منطقة دبي الطبية والدكتور ابراهيم القاضي مدير ادارة مزاولة المهن الطبية بالصحة عن الاستعداد للتحقيق في الموضوع اذا تقدم والد الطفل بطلب بذلك الاتحاد حاولت الوقوف على رأي مدير المستشفى واتصلت به هاتفياً في فرنسا حيث يشارك في مؤتمر طبي وقال انه لا يملك المعلومات عن الحادث!·
مسلسل الأخطاء الطبية الدامية يتوالى فصولاً!!
عملية لطبيب زائر تصيب طفلاً بنزيف دماغي!
المستشفى الخاص يطالب والد الطفل بدفع 92 ألف درهم؟!
جريدة الإتحاد – العدد 9081
رأس الخيمة ـ عبدالرحمن نقي:
يتواصل مسلسل الأخطاء الطبية بالامارات وتنكشف يوما بعد يوم أخطاء الأطباء في تشخيص واجراء العمليات وأحدثها قصة اليوم حيث تسببت عملية جراحية لأحد الأطفال المواطنين في نزيف استمر ثلاثة أيام دون اكتشافه لتكون رحمة القدر ولطفه منجاة له من الموت·
المواطن عادل ابراهيم محمد ابراهيم والد الطفل ابراهيم يتحدث لـ الاتحاد عن القضية المأساوية لطفله مع أحد المستشفيات الخاصة بالشارقة التي يتهمها بالاهمال والتسبب في حدوث النزيف لطفله وتعريضه لخطر الموت وتعريض والديه لحالة نفسية عصبية بسبب هذه الحادثة مطالباً المستشفى بتعويضه وحفظ حقه في الوقت الذي يرفض المستشفى الأمر وتطالب ادارة المستشفى الجهة التي تحملت علاج الطفل بتسديد مبلغ 92 ألف درهم أجرة العملية والاقامة بالمستشفى·(76/8)
وعن قصة ابنه يقول عادل: ولد طفلي في السادس من ابريل عام 1994 باحد المستشفيات الحكومية وهو في الشهر السابع وبقي في (الحضانة الطبية) لمدة شهر ونصف الشهر حتى اكتمال صحته ونموه وتسلمناه وعدنا به للبيت لنكتشف بعد فترة وجود ماء برأس الطفل وضغط في أعلى رأسه أدخل على أثره مستشفى الجزيرة عام 1995 حيث أجريت له عمية تركيب أنبوب استمر ثلاثة أسابيع موصلا بين الرأس والجسم وبعد فترة مع نهاية عام 1995 عادت للطفل آلامه فأدخلته مستشفى راشد في دبي، حيث أعادوا تركيب الأنبوب له مرة أخرى استمر معه حتى العام 1999 ومع متابعتي لحالته قرأت اعلانا صحافيا لمستشفى خاص بالشارقة عن قدوم بروفيسور من الخارج يدعى (توريل) متخصص في مرض ابني وسارعت بالطفل اليه، وطلب مني اجراء أشعة مغناطيسية أكد لي بعدها استمرار وجود الضغط الكبير في رأس الطفل وأن علاجه يتطلب اجراء عملية فوافقت عليها حيث تم اجراؤها في الخامس من فبراير العام 1999 بعد أن أجريت لابني أشعة ستي سكان وبعد اجراء العملية طمنني الطبيب قائلا: الولد بخير والحمد لله· ولكن ابني لم يفق من غيبوبته بعد العملية حتى اليوم الثالث لها وبعد الكشف عليه من أكثر من طبيب تقرر اجراء الأشعة السابقة له مرة أخرى لاكتشاف المأساة الكبرى لابني واصابته بنزيف داخلي فطلبوا تحويله لمستشفى حكومي بعد سفر الطبيب المعالج بعد اجراء العملية مباشرة ولا يوجد متخصص يتابع الحالة التي وصل اليها طفلي بعد العملية ليتم نقله الى مستشفى راشد الذي تعجب أطباؤه من عدم اكتشاف النزيف الذي حدث لطفلي بعد العملية مباشرة وأن وصوله مستشفى راشد بات متأخراً وفي مرحلة خطرة على حياته وليس أمامهم سوى اجراء عملية عاجلة له لوقف النزيف وان نسبة نجاحها لا تتعدى الواحد بالمئة فوافقت عليها موكلا أمري إلى الله ونجحت العملية والحمد لله وبقى ابني أسير غرفة العناية المركزة لمدة أربعة أسابيع وأنا جالس معه طوال هذه الفترة(76/9)
انتظر فرج المولى وشفاءه من هذه المشكلة الجديدة على حالته قبل عملية الطبيب الخبير الزائر حتى تماثل للشفاء بعد تأثره بعدم القدرة على المشي والتي تم علاجها بمستشفى راشد·
وبعد أن مرت هذه الأزمة الثقيلة علينا ذهبت للمستشفى الخاص بالشارقة مطالبا تعويضنا عما حصل لابننا لأجد تأكيدا من رئيس المستشفى بخطئهم بسفر الطبيب الزائر قبل ان يطمئن على حالة ابني وأحالني الى العلاقات العامة بالمستشفى التي لم تستجب لمطالبي بالغاء الفاتورة السابقة وتعويضنا عما حصل للطفل· متسائلا هل أرواح أبنائنا رخيصة لديهم الى هذه الدرجة وهل تستجيب ادارة المستشفى لطلبي هذا وفقا لما يقره القانون أم أن الأمور لا تستوى الا بالمحاكم؟؟
اقول لكم
جريدة الإتحاد – العدد 9087
أفضل شيء فعلته والدة الطفلة التي توفيت الاسبوع الماضي في رأس الخيمة بعد عملية قيصرية أجريت لأمها بعد ان رأى الاطباء صعوبة اخراجها بالولادة الطبيعية هو إنها طلبت من زوجها التنازل عن البلاغ الذي رفعه ضد المستشفى لأنها أرادت ان تدفن طفلتها بسرعة ودون ان تعبث بجسدها أيدي الأطباء ففضلت اكرامها على الحصول على حقها والذي اعتقد انها كانت توقن بأنها لن تحصل عليه فالسيناريو معروف وسيتكرر وهو أن تشكل الوزارة لجنة تحقيق في الحادث ويجتمع اعضاء اللجنة مرتين أو ثلاثاً ثم يعلنون عن النتائج التي ستؤكد ان ليس هناك خطأ طبي ويغلق ملف التحقيق بعد ان تشرح الجثة وتبقى لأيام دون أن تدفن··· واعتقد لو أصر أهل كل مريض أو مصاب يتوفى في مستشفياتنا على التحقيق في وفاة قريبهم فإن نصف الموتى سيدفنون مشرحين·(76/10)
الأمر الآخر الذي نتناوله عن وزارة الصحة هو أمر غريب حدث منذ أيام فقد اكتشف مواطن في مدينة العين أن الدواء الذي صرفته صيدلية المستشفى بعد فحص طفله المريض منتهي الصلاحية!! ومن حسن حظ هذا الطفل أن والده اكتشف تاريخ انتهاء الصلاحية قبل ان يسقيه الدواء··· ونضع بعد هذا الحادث علامة استفهام كبيرة فوزارة الصحة تقوم بحملات تفتيشية على الصيدليات التجارية في الأسواق وتصادر الأدوية منتهية الصلاحية أما التي تقارب على الانتهاء فإنها تطلب من الصيدلية الانتباه لتاريخها وسحبها قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها ومن يخالف فلا يلوم إلا نفسه·
وإذا كانت الاجراءات الرقابية صارمة على الصيدليات التجارية فمن باب أولى أن تنتبه وزارة الصحة للأدوية التي تضعها على رفوف صيدلياتها!! هذه الحالة مرت بسلام لأن الأب يعرف القراءة فإذا كان الأب جاهلاً والأم لا تقرأ أو متعلمين يعرفان القراءة والكتابة ولكن لم ينتبها لتاريخ انتهاء الصلاحية فماذا كان يمكن أن يحدث؟!·
إذا كانت المشكلات التي تناولناها في الفترة الماضية ترى الوزارة أن فيها قضاء وقدرا وإنها أمور طبيعية تحصل في أرقى المستشفيات وبأيدي أمهر الأطباء فبماذا ستبرر صرف دواء انتهت صلاحيته؟!·
سيف سالم(76/11)
مقالات لها علاقة بالضرب والسحر ومس الجان
"المقالات نقلتها نصاً من مواقعها"
1. مقالات لها علاقة بالضرب والسحر ومس الجان.
2. ماتت ولم يخرج الجن.
3. الزار وعلاج السحر في اليمن.
4. السحر ينقلب على الساحر.
5. قرية مصرية تعيش على سذاجة النجوم ورجال الاعمال وسيدات المجتمع.
6. ضبط اربعة سحرة افارقة في الكويت..
7. سقوط عصابة جديدة من محتالي مضاعفة الأموال بدبي.
8. الزبائن من المسؤولين وضباط الجيش ، اليمنيون يطاردون العفاريت بالطبول والصراخ والضرب المبرح.
9. تقرير اخباري: رئيس غينيا يطحن معارضية بالسحر الأسود
10. حكم الحبس على ساحرة
11. قتلها بالفأس لأنها ساحرة
12. "رحلة في أوكار الدجالين والمشعوذين"
13. توبة ساحر.
ماتت ولم يخرج الجن
لقيت سيدة مصرية حتفها خلال جلسة لإخراج أربعة من الجن استحوذوا عليها في منزل أحد الدجالين في محافظة الجيزة, جنوب القاهرة . وقال مصدر في الشرطة أمس ان شمروخ محمد عبد العزيز اصطحب زوجته فاتن محمد السيد (40 عاما) المصابة بالصرع أمس الأول إلى رجل اشتهر بقدرته على (علاج الممسوسين) . وأضاف المصدر إن المشعوذ حامد محمود (54 عاما) أكد للزوج ان أربعة من الجن يسيطرون على زوجته ووعده باخراجهم. وقام المشعوذ بإشعال البخور وبدأ يصيح بالجان ليخرجوا وعندما رفضوا اخذ عصا وراح يضرب المرأة بها ليرغمهم على تركها. وقالت الشرطة ان فاتن لم تحتمل الضرب, وتوفيت متأثرة باصاباتها امس الاول, اما محمود فاوقف اربعة ايام على ذمة التحقيق.
الزار وعلاج السحر في اليمن(77/1)
وسجل في محافظة لحج جنوبي اليمن حادثة قتل لمريض قام أربعة بضربه حتى الموت بحجة إخراج الجان من جسده. وكان الأربعة قد قاموا بربط المريض واستمروا في ضربه حتى فارق الحياة, ولكنهم لم يكتفوا بهذا بل أصروا على أن الجان قد خرج من جسمه إلى جسم إنسان آخر وأصروا على ملاحقة هذا الأخير في محاولة للقضاء عليه لولا أن أجهزة الأمن ألقت القبض عليهم وأودعتهم السجن. وعلى الرغم من تعدد المنابر الإعلامية المنتشرة في اليمن وبدء حملات إعلامية حكومية وغيرها لتنوير المجتمع بمخاطر الانسياق لاستخراج السحر والشعوذة إلا أن الجدل حول جدوى العلاج لاستخراج السحر أو الزار لا يزال يثير جدلا واسعا في اليمن أساسه البحث عن رابط بين الخرافة والعقل.
السحر ينقلب على الساحر
أعلن مصدر قضائي مصري أمس الخميس أن رجلين قتلا مشعوذا اشتهر بإخراج العفاريت من أجساد المرضى بعد أن أصيب بحالة هستيرية دفعتهما إلى الاعتقاد بأن جنيا استحوذ عليه فحاولا معالجته بالطرق التي يستخدمها بنفسه. وقال المصدر ان وليد مسعد الامام (20 عاما) وهو طالب في معهد التمريض ذهب الى قرية دخميس بالقرب من طنطا (120 كيلومترا شمال القاهرة) الثلاثاء بناء على طلب المزارع محمد علي مصطفى (35 عاما) لمعالجة زوجة الاخير من عفريت كان يستحوذ عليها. وبعد ان انتهى المشعوذ من معالجة السيدة اصطحبه الزوج في سيارته مع أحد أقربائه جمال علي (18 عاما) الى منزله في المحلة الكبرى في المنطقة نفسها. وفي الطريق اصيب المشعوذ بحالة هستيرية وهياج جعلت الرجلين يعتقدان ان الجني الذي اخرجه من السيدة سيطر عليه فقاما بانزاله من السيارة واخذا يضربانه بالاحزمة لاخراج الجني كما شاهداه يفعل من قبل. لكن الشاب لم يحتمل الضرب ومات, فتركاه بالقرب من الطريق وهربا. تمكنت النيابة الاربعاء من القبض على الرجلين اللذين اوقفا رهن التحقيق لاربعة ايام.(77/2)
قرية مصرية تعيش على سذاجة النجوم ورجال الاعمال وسيدات المجتمع
الممثلون القلقون على مستقبلهم الفني ورجال الاعمال الذين تملكهم العشق وسيدات المجتمع الذين تخلى عنهن احباؤهن والفلاحون الذين يعتقدون ان الجن سيطر عليهم , لا يتوقفون عن التدفق بالسيارة او حتى بالطائرات المروحية صوب قرية بدلتا النيل اشتهر سكانها بانهم يعملون بالسحر. ويقول يوسف بدوي, موظف من سكان القرية, (43 عاما) عرف عنه في نفس الوقت قدرته على علاج الاشخاص الذين مسهم الجن بالقران, (لدينا في قريتنا 300 معزم) يطهرون الجسد من الارواح الشريرة. وتزدهر في الواقع في قرية طناه التي تبعد 150 كلم الى الشمال من القاهرة, كافة فروع علوم السحر والتنجيم سواء كانت قراءة الفنجان, او عمل الاحجبة او طرد الارواح الشريرة او التداوي بالقران الى جانب جلسات فتح المندل التي تسمح بالكشف عن امور تحدث في اماكن اخرى عن طريق النظر مليا في بقعة زيت. وتقول منى, بائعة ذرة مشوية, (انهم في كل مكان بالقرية: ستجدون واحدا خلف هذا المسجد واخر بالقرب من المدرسة) ثم اشارت الى امراة قائلة (انها ايضا مشعوذة) . ولا احد يعلم كيف اصبحت هذه القرية على مر القرون مركزا للسحرة ولكن الاهالي يرشدون دائما الوافدين الى القرية الى (المتخصص) في علاج حالتهم وان كان الامر يتوقف اساسا على ما تحويه محفظة النقود لان استشارة الساحر يتراوح ثمنها ما بين عشرة جنيهات (3 دولار) الى 600 دولار. وتقول بائعة سمك تدعى كريمة ان (الشيخ ابراهيم لا يستقبل سوى النجوم اللامعة ومواطني دول الخليج وتكلف زيارته على الاقل 2000 جنيه مصري (600 دولار)) وتقسم مؤكدة (لقد رايت طائرات مروحية تحط على سطح منزلي) . ولا يعد السحر المهنة الرسمية لاولئك (الشيوخ) وانما يعمل اغلبهم كموظفين ويقبضون رواتبهم في نهاية الشهر. ولا ينبغى على مريدي سحرة طنطه ان يغفلوا ان يجلبوا معهم اي (اثر) للشخص الذي يريدون علاجه او(77/3)
الحاق الاذى به ويمكن ان يكون هذا الاثر خصلة شعر او منديل او قطعة ملابس او صورة فوتوغرافية. ويعمل محمد العدل موظفا بوزارة الزراعة في الصباح ومعزما في المساء في شقته حيث اخذ يتلو ايات قرانية في الوقت الذي امسك فيه بقميص شابة تعيسة تدعى رانا ثم اوضح انها اما وقعت ضحية لقدرها البائس او اصابها مس من الجن. ويمكن ان يقوم بطرد الروح الشريرة خلال جلسة العلاج او يعطي زائره (حجابا) يحوي كتابات سحرية على قصاصة من الورق. من جانبه, يقوم الشيخ يوسف بتعلية صوت جهاز تسجيل يبث ايات قرانية لاقصى حد ثم يضع السماعة على اذني احدى مرضاه تدعى حنان. ولكن بعد مرور نصف ساعة, رفعت حنان السماعة عن اذنيها بعد ان كادت تصاب بالصمم, فضربها الشيخ بالسوط صائحا ان (الجن المارد لا يريد ان ينصت لايات القران) . وتستمر هذه الظاهرة في الازدياد وفي شهر يوليو الماضي, لقى ثلاثة اشخاص حتفهم خلال جلسات لطرد الارواح الشريرة. وترى الباحثة الاجتماعية شهيدة الباز ان (المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالتغيرات الاجتماعية تعد ارضا خصبة للدجالين) . وتضيف (انهم يعرضون القوى الخارقة على هؤلاء البائسين الذين لم يعودوا يؤمنون بقدرة العلم على مساعدتهم ويبحثون عن المعجزات لمداواة همومهم) . وتعبر الجهات الدينية في مصر عن أسفها لإقحام الدين في أمور الدجل ويقول جمال قطب, عالم دين بمؤسسة الأزهر (لا نتفق على الاطلاق مع هؤلاء الدجالين الذين يستغلون الدين في خداع زبائنهم وللاسف لا نملك الحق في منعهم) .
ضبط اربعة سحرة افارقة في الكويت(77/4)
القت الشرطة الكويتية القبض على اربعة من السحرة بعد ضبطهم متلبسين, وكان تحريات المباحث الجنائية قد دلت على قيام السحرة الذين ينتمون إلى جنسيات افريقية وبينهم امرأة باتخاذ احدى الشقق في المناطق الداخلية مقرا لاعمال السحر, كما دلت التحريات وفقا لما اوردته صحيفة (الوطن) امس على وجود (ساحر كبير) ذاع صيته في الكويت وله زبائن اغلبهم من النساء, وبعد مراقبة دقيقة لنشاط هذا الساحر تبين وجود ثلاثة سحرة معه لمعاونته وجميعهم افارقة وكانوا يقومون باعمال السحر بأنواعه (وحسب طلبات الزبائن) والتي كان اغلبها يصب في (تفريق الازواج وربط الالسن والقضاء على الغير) مقابل مبالغ ضخمة, وتم الاتفاق مع احد المصادر وتزويده بمبالغ مرقمة للذهاب للساحر كزبون, ولحظة الاتفاق تمت مداهمة الشقة حيث تم ضبط السحرة وهم متلبسون حيث كان هناك عدد من الزبائن من النساء وتم ضبط ادوات السحر المكونة من اوراق تحتوي على كلمات وجمل مبهمة ورؤوس حيوانات وقطع قماش كتب عليها ارقام وحروف غريبة الشكل وبعض الادوات الاخرى مثل الاقفال والحبال وغيرها وتم اقتيادهم للادارة للتحقيق معهم.
سقوط عصابة جديدة من محتالي مضاعفة الأموال بدبي(77/5)
القت شرطة دبي القبض على ثلاثة نصابين من ادعياء استخدام الدجل والشعوذة لمضاعفة الاموال وذلك في اطار حملتها الرامية لحماية المجتمع من آفة النصب والاحتيال والخداع والتي اخذت تستشري في اواسط ضعاف النفوس حتى شكلت ظاهرة تدعو للقلق . وتعود التفاصيل الى التاسع من شهر يناير الجاري حيث وردت معلومات الى المباحث الجنائية بالادارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية عن تورط ثلاثة اشخاص اثنان منهم يحملان الجنسية الافريقية والثالث يحمل الجنسية الاوروبية في عمليات النصب والاحتيال على البسطاء بادعاء تسخير الجن لمضاعفة اي مبلغ من المال ويستغلون مقر سكنهم باحدى الشقق المفروشة بمنطقة الرفاعة وكرا لممارسة عملياتهم المشبوهة. وفور تلقي المعلومات تم تكليف احدى فرق البحث الجنائي المتخصصة باعداد كمين محكم للقبض على المتهمين متلبسين, وفي اليوم التالي لتلقي المعلومات تم الاعداد للكمين بعد اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة وذلك بعد الاتفاق بين احد عناصر الكمين والمتهمين على عملية المضاعفة. وفي حوالي الساعة الثانية عشر ظهرا حسب الموعد المحدد التقى عنصر الكمين مع المتهمين الثلاثة بمقر سكنهم حيث كان بحوزة المتهمين الاول والثاني صندوق من الالمونيوم وبحوزة الثالث حقيبة سوداء, وزعموا له بأن الصندوق ملىء بدولارات امريكية منتهية الصلاحية وانهم سيقومون بازالة الاختام التي عليها مقابل مبلغ من المال. وتأكيدا لذلك اخرج المتهم الاول ورقة نقدية فئة المائة دولار مختوم عليها حرفين باللغة الانجليزية ( U N) وزجاجة بها محلول كيميائي يقوم بازالة الالغاء لكي تصبح العملة صالحة للتداول حسب زعمهم وبعد الاعداد للعملية خرج كل من المتهم الثاني والثالث بينما بقى الاول بالشقة وبمغادرتهما تم القبض عليهما من قبل افراد الكمين حيث تبين ان احدهما يدعى فيليب سنكلي كامدم (كاميروني الجنسية) والآخر فيصل الحناش (فرنسي) كما تمت مداهمة الشقة(77/6)
من قبل باقي افراد الكمين والقى القبض على المتهم الاول الذي ابدى مقاومة شديدة الا انه تمت السيطرة والقبض عليه ويدعى عثمان محمد (نيجيري الجنسية) كما تم ضبط صندوق الالمونيوم والذي وجدت بداخله 35 رزمة من الاوراق البيضاء وضعت على واجهتها ورقة فئة المائة دولار مختومة للتمويه حتى يظن من يراها بأن الرزم تحتوي على دولارات كما تم ضبط بعض المحاليل والادوات التي يستخدمها المتهمون في عمليات النصب والاحتيال واوقفوا على ذمة القضية.
اليمنيون يطاردون العفاريت بالطبول والصراخ والضرب المبرح
طقوس قد تبدو غريبة لكنها منتشرة في اليمن بشكل كبير, تتضمن حفلات رقص وشرب دماء لاخراج الجان من المصابين بالسحر أو بالزار كما يسميه اليمنيون. والان وصلت الظاهرة إلى المحاكم اليمنية التي يجب عليها أن تفتي فيها , وهو أمر محفوف بالمخاطر خاصة عندما يتعلق الامر بما يسمى بالمعالجين بالقرآن الذين يقال أن بعضهم يلجأ إلى ضرب (المريض) لاخراج الجان منه.
تجري هذه الحفلات في العادة عند سيدة مسنة تسمى الكودية أو العلقة حيث تتجمع عندها النساء الراغبات في التخلص من الجان والعفاريت.(77/7)
تقول إحدى النساء المتمرسات في هذه الطقوس أن حفلات الزار عادة ما تبدأ بدقات الطبول والدفوف مصحوبة بترانيم وتمتمات غير مفهومة, ثم تبدأ طقوس حركات الاجسام واهتزازها مع انتشار الابخرة في أجواء مفعمة بالضجيج والحركة. وتضيف (وتستمر هذه الاعمال حتى تسقط المريضة على الارض, وبمجرد سقوطها تبدأ الكودية بممارسة طقوس إخراج الزار, حيث تقوم بالصراخ بصوت مرتفع على الجن والشياطين والعفاريت وتطلب منهم الخروج من جسد المريضة) . ولا بد أن تتعهد الكودية للجان المتلبسين بالمريضة بتلبية مطالبهم التي عادة ما تكون ديكا أو خروفا بمواصفات معينة يلتزم أهل المريضة بإحضاره, على أساس أن ذلك من مطلب الجان مقابل خروجهم من جسد المريضة. وتقضي التقاليد بألا يتم اللجوء إلى الحفلات لاخراج السحر من المصاب إلا في الحالات التي يعجز فيها المعالجون بالقرآن عن شفاء المصاب. ولعل أبرز ما أفرزته السنوات الاخيرة ما بدأت محاكم البلاد باستقباله من قضايا غريبة وعجيبة لمواطنين يتهمون بعضهم البعض بالقيام بأعمال سحر ضدهم أو ضد أبنائهم أو أقاربهم. ويتولى قضاة محترمون النظر في هذه القضايا, ولكنهم يضطرون في كثير من الحالات إلى اللجوء إلى الصلح بين الخصوم ويستعينون بمشايخ المناطق التي ينتمي إليها المتخاصمون لحلها. ويقول القاضي جلال مقطري, وهو قاض بمحكمة ابتدائية بمحافظة تغز (إن الاشكالية التي تواجهنا هي عدم القدرة على توفير أدلة الاتهامات, إضافة إلى غياب النصوص الخاصة بتلك القضايا في القوانين المعمول بها في اليمن) . ويضيف (ان عدم وجود نصوص قانونية تحدد عقوبات أفعال السحر يجعلنا نلجأ إلى حل تلك الحالات والخصومات بالتصالح) . ويقول القاضي "على الرغم من أنني كقاض سمعت وشاهدت وقائع تؤكد وجود سحر في المجني عليه, إلا أن المسألة تبدو صعبة إذا ما أرادت أن تعرف من الذي وضع السحر) . ويقول الشيخ منير, صاحب عيادة للعلاج بالقرآن في منطقة إب(77/8)
(زبائني من مختلف الشرائح الاجتماعية اكثرهم مسؤولون في الحكومة وضباط في الجيش ومعلمون وغيرهم) . ويضيف الشيخ أن الحالات اليومية لعلاج السحر في تزايد مستمر (ويتراوح عدد القادمين إلى عيادتي يوميا من أربعة إلى خمسة أشخاص للعلاج من السحر معظمهم من النساء المصابات بالمس الشيطاني) . وأشار إلى أنه يقرأ على المصاب سور قرآنية وينصحه بالاكثار من الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن الكريم ويعطيه مجموعة أوراق ملفوفة بأحكام تسمى الرقية ويطلب منه وضعها على رقبته باستمرار. ولكن الشيخ منير ينفي استخدامه لضرب المصاب أو المصابة بالسحر ويقول أن ضرب المريض (هو من الشعوذة والدجل, والذين يقولون أنهم يضربون الشيطان لا المريض مخطئون لان هذه العملية تسبب الاذى للمصابين بالمس الشيطاني) . وكانت قوات الشرطة قد اعتقلت عددا من المعالجين بالقرآن لتسببهم في قتل أشخاص بعد ضربهم حتى الموت بحجة إخراج الجان منهم. وسجل في محافظة لحج جنوبي اليمن حادثة قتل لمريض قام أربعة بضربه حتى الموت بحجة إخراج الجان من جسده. وكان الاربعة قد قاموا بربط المريض واستمروا في ضربه حتى فارق الحياة, ولكنهم لم يكتفوا بهذا بل أصروا على أن الجان قد خرج من جسمه إلى جسم إنسان آخر وأصروا على ملاحقة هذا الاخير في محاولة للقضاء عليه لولا أن أجهزة الامن ألقت القبض عليهم وأودعتهم السجن. وعلى الرغم من تعدد المنابر الاعلامية المنتشرة في اليمن وبدء حملات إعلامية حكومية وغيرها لتنوير المجتمع بمخاطر الانسياق لاستخراج السحر والشعوذة إلا أن الجدل حول جدوى العلاج لاستخراج السحر أو الزار لا يزال يثير جدلا واسعا في اليمن أساسه البحث عن رابط بين الخرافة والعقل.
رئيس غينيا يطحن معارضية بالسحر الأسود(77/9)
يلجأ تيودورو أوبيانج رئيس غينيا الاستوائية بشكل روتيني إلى استخدام وسائل التعذيب والاعتقال ضد أعدائه حتى يحكم قبضته على السلطة, كما تقول منظمات حقوق الانسان. إلا أنه لديه أيضا سلاح أشد فتكا وهو السحر الاسود . وذكر المحللون الغينيون والاسبان في مدريد أن العديد من سكان هذه الدولة الصغيرة الواقعة في وسط أفريقيا يخافون الرئيس الذي يعتقدون أنه ساحر. وليس لدى أوبيانج نفسه مانع من تشجيع هذه الشائعات. ويقول همبرتو ريوشي وهو أحد المحللين الغينيين أنه كان للعديد من ممالك أفريقيا القديمة حكام يعتقد في ألوهيتهم. وبهذا ظل هناك (ميلا للاعتقاد بأن رئيس الدولة يمكن أن يكون خالدا وفوق البشر) . وتعم الدولة التي كانت مستعمرة أسبانية والتي يسكنها 400 ألف نسمة أقاصيص غريبة عن مقابلات أوبيانج مع دجالين وعن اكتشاف جثث ممزقة يزعم أن أوبيانج أكل أعضاءها الداخلية وعن الطقوس السحرية التي تجعل كبار المسؤولين يرتبطون بأوبيانج بروابط لا تنفصم. ويقول زعيم المعارضة سيفيرو موتو يخشى الغينيون السحر حتى أكثر من السلاح ويسعى أوبيانج عمدا لرسم صورة لنفسه باعتباره (رئيس الدولة الساحر) ليبث الرعب في قلوب الناس. وينكر مسؤولو حكومة غينيا الاستوائية اتهامات السحر والشعوذة في تصريحات للصحف الاسبانية. ألا أن المراقبين يعتقدون بأن هؤلاء المسؤولين يستخدمون الاقاصيص والمزاعم المنتشرة حول السحر كسلاح سياسي. ولكن بعض المحللين يعتقدون جزما بأن أوبيانج يمارس السحر بالفعل. ويقول خوسيه مانويل نوفوا وهو كاتب أسباني له العديد من الكتب عن غينيا التي تبلغ مساحتها 28 ألف كيلومتر مربع ان هناك أدلة وهناك شهادات موثقة من أطباء سحرة قبليين قاموا بتدريب أوبيانج. فهناك شخص اسمه سيفيرو موتو رفع شكوى ضد أوبيانج أمام القضاء الاسباني يتهمه فيها بأكل أعضاء الملازم بيدرو موتو, زعيم المعارضة الشعبي الذي توفي عام 1993 والذي يقال انه قتل بناء(77/10)
على أوامر أوبيانج. ويقول نوفوا ان جنود أوبيانج من جماعة فانج العرقية عرفوا عادة أكل لحوم البشر وأنهم كانوا يأكلون أعضاء معينة من أجساد أعدائهم مثل المخ والاعضاء التناسلية بهدف اكتساب قوتهم. وزعم نوفوا أن هذه الممارسات أصبحت نادرة الان ولكن ما زال أوبيانج يحب أن يشرب كوبا من الدم البشري خلال زيارات السجون ليعزز قوته. وقال مراقب أسباني آخر لا طريقة لدينا لمعرفة ما إذا كانت هذه القصص صادقة أم لا. وتذكر صحيفة البايز اليومية أنه عندما زار ملك أسبانيا خوان كارلوس غينيا عام 1979 أصر أوبيانج على سفر العاهل الاسباني إلى مدينة باتا, في المنطقة التي تم فيها أسر ماكياز, لأنه يعتقد أن شخصية الملك لديها القوة الكافية لطرد الشبح. د. ب.أ
جميع هذه المقالات من جريدة البيان في اٌلإنترنت
حكم الحبس على ساحرة
حكم في الإمارات على امرأة بالحبس أربعة اشهر لقيامها بتسليط الجان على زوجها السابق وشقيقته !!!!!! وذكرت صحيفة (( خليج تايمز )) أن المرأة التي لم تنشر اسمها أكدت أمام محكمه إسلامية في إمارة راس الخيمة أنها استعانت بعراف عماني في محاولة يائسة لاستعادة زوجها .
وأضافت الصحيفة أن العراف قدم لها مشروبا تضع قطرات منه في طعام وشراب زوجها وشقيقته !!!!!
وأكد أعضاء لجنه رجال الدين انهم اتصلوا بواحد من (( الجان )) ابلغهم بأن الزوجة ألقت (( عملا )) على الضحيتين .
واشارت الصحيفة الى انها المرة الاولى التي يصدر فيها حكم من هذا النوع في الامارات مؤكدة ان الرجل الذي طلق زوجته طالب بتعويض مادي عن سنوات العذاب !!!!!! هذا الموضوع من جريدة الرايه القطريه // ليوم الثلاثاء // تاريخ 4/ 4 /2000
قتلها بالفأس لأنها ساحرة
البيان - الأربعاء 9 شعبان 1420هـ الموافق 17 نوفمبر1999(77/11)
ذكرت تقارير أمس الثلاثاء أن رجلا قتل جارته في ولاية أوريسا بشرق الهند بالفأس للاشتباه في أنها تسببت في وفاة ابنه عن طريق السحر. وقالت وكالة يونايتد نيوز الهندية للانباء أن دينبدرا سيكو اشتبه في أن جارته سورياماني هي المسئولة عن وفاة ابنه الرضيع البالغ من العمر شهرين .
وقالت الشرطة أن سيكو الذي فقد في وقت سابق أربعة من أبنائه, اعتقد أن جارته استخدمت السحر لقتل ابنه الرضيع. وقال التقرير أن الشرطة ألقت القبض على سيكو فور قتله جارته أواخر الاسبوع الماضي وضبطت بحوزته الفأس الملطخة بالدماء.
"رحلة في أوكار الدجالين والمشعوذين"
دجّالون يستغلون ضعفنا البشرى هذه المقالات من مجلة فواصل(53)
كشف زيفهم: محمد علي الحربي
إدعينا المرض.. دخلنا إلى أوكارهم.. تقمصنا الضعف البشري في حالاته المختلفة.. سافرنا هنا.. وهناك.. أمسكنا بخيوط كثيرة.. غامرنا بكل احتمالاتنا.. كشفنا ما لم نكن نعرفه وما لم يكن يعرفه معظمكم.. توصلنا إلى حقائق مبهرة..
ع.م. حسان - القاهرة (المنشية) - 80 عاماً - مصري:
- أدواته المطلوبة: )50 جرام عنبر خام) - وقية لبان ذكر - زعفران .
- القضية: تفريق زوج وزوجته.
- الأشخاص: وهميون - طلب أسمائهم الأولى وأسماء أمهاتهم فقط.(77/12)
- السيناريو: هذا الرجل يسكن في أحد أحياء القاهرة الشعبية مع أسرته في بيت ضيق جداً مع أنه ثلاثة أدوار.. والدور الثالث عبارة عن غرفة واحدة وسطوح ليس إلا حظيرة مواشي به ثلاث من الماعز ومجموعة من الأرانب والدجاج.. ولكنه معروف لدى أهالي الحي بأنه يستطيع تسخير الجن لعمل ما لا يمكن عمله.. وصلنا إليه وادعيت بأن لدي مشكلة تكمن في أن فتاتي التي أحببتها قد تزوجت عنوة وبدون إرادتها وقد أخبرني بعض المشايخ الذين زرتهم قبله بأنها تزوجته تحت تأثير السحر وطلبت منه إعادتها لي بأي ثمن طالما أن الموضوع "سحر في سحر" فطلب أسماءنا وقال عودوا غداً.. عدنا إليه فأخبرنا بأن السحر واقع على الفتاة "الوهمية طبعاً" وأنني أنا شخصياً مسحور من نفس الشخص مع أنه لا يعرفني وطلب منا أدواته وطلب مني الإقامة لديه لمدة يومين.. وفعلاً أسكنني في غرفة الدور الثالث ومنعني من أكل أي شيء فيه روح واكتفى بتقديم الخبز والخضار لي.. أعطاني مجموعة من الأوراق المكتوبة وطلب مني وضع اللبان فيها ومن ثم التبخر بها وكأساً به ماء لأشربه وفعلت وبينما أنا أفعل كان يتمتم بقراءات بعضها مفهوم وبعضها طلاسم لم أفهمها ثم طلب مني أن أنام وذهب.. وبينما أنا لوحدي سمعت أصواتاً وضجيجاً وكأن هناك عراك بين عدة أشخاص وكانت الحيوانات في حالة هياج شديد ولم أحرك ساكناً وبقيت مكاني بناءً على طلبه وفي نهار اليوم الثاني كرر عملية البخور وأعطاني مجموعة من الأوراق لتعليقها عندما أعود إلى بلدي وقارورة ماء لكي أرشها أمام منزل الفتاة وعندما سألته عما حدث ليلة البارحة أخبرني بأنه عراك بين الجن الذين يحرسون سحر ذلك الرجل وهم من المردة الذين لم يستطيع التغلب عليهم إلا بمشقة شديدة وبين الجن الذين يسخرهم هو وإن كنت أعتقد أنه من افتعل ذلك. أما هذه الأوراق فبعضها للتفريق بين الزوجين أحضرها بنفسه ليلة البارحة وهذا أقوى ما يمكنه عمله حسب قوله ولايعمله إلا لعزيز لديه(77/13)
وأنا "صعبان عليه بصراحة لأنني مظلوم وحالتي بالبلا" والأوراق الأخرى بها حرز لي من أي سحر في المستقبل.. وقال لي: "إرجع إلى بلدك وستجدها مطلقة وفي انتظارك ومتنساش الحلاوة الكبيرة لما يحصل اللي بالي بالك.." وخرجت من عنده بعد أن حضر الزملاء لأخذي وقد عرفنا أحد الذين يفترون على الجن ويستغلون ضعفنا أسوأ استغلال.. حاربه الله.
عبدالوهاب. أ.ق - (....) - (50 عاماً) - نيجيري.
أدواته المطلوبة: (150 جرام زئبق أبيض) - مستكه - عنبر خام - عود.
القضية: كشف على مريض يعاني من حالة صداع دائم - وتخيل لصور مخيفة وأحلام مزعجة أثناء النوم.
الأشخاص: اسم وهمي - طلب الاسم الأول واسم الأم.(77/14)
السيناريو: تقمصت حالة شديدة من المرض وادعيت أنني أتخيل صوراً وأرى أحلاماً مزعجة ومخيفة منذ سنتين فطلب اسمي واسم والدتي وطلب إلي العودة إليه في اليوم التالي وفعلاً عدت إليه ليخبرني بأنني "ممسوس" أي أن الجن قد تلبستني لأنني قد آذيتها بأن أحببت فتاة يحبها هذا الذي يسكن في داخلي وحرمني النوم والأدهى والأمر من ذلك أن هذا الجني العاشق ينوي القضاء علي تماماً ليستأثر مني بحبيبته وأن هذا التشبث يحتاج إلى استحضار جماعته المواليين له من الجن لكي يتمكنوا من إقناع صاحبهم بالخروج وعدم مضايقتي وردعه عن قتلي وطلب مني إحضار مجموعة من الطلبات باهظة الثمن يبلغ إجماليها حوالي "000،40 ريال" إضافة إلى اسم الفتاة واسم أمها.. خرجت من عنده وأنا لا أنوي الرجوع إليه ولكن خطرت ببالي فكرة بأن أستمر في مماطلته للحصول على كمية أكبر من الكذب والدجل وأحضرت معي صورة وهمية لحبيبتي الوهمية التي أسميتها مريم.. كانت في الواقع صورة عارضة الأزياء العالمية "سيندي كراوفرد" من أرشيف المجلة وذهبت إليه لأرى ما نتج عن طلبه لاسمها ولأريه صورتها عله أن يصنع لها شيئاً أكثر.. وأعطيته الصورة بالفعل وقرأ وتمتم عليها ثم قال نعم إن صاحبها يقول لن يفارقها وعليك أن تسرع بإحضار المطلوب قبل أن يتفاقم الأمر.. لا أخفيكم استهوتني المغامرة ولكن دجله وكذبه كان واضحاً ولا يستحق المغامرة بمثل هذا المبلغ.
خ. س - (عمان) - (75 عاماً) - عماني.
- أدواته المطلوبة: أثر ملابس (لم تغسل بعد لبسها) لكلا الشخصين.
- القضية: موافقة أهل الفتاة على الزواج منها.
- الأشخاص: وهميون - طلب أسماؤهم الأولى وأسماء أمهاتهم.(77/15)
- السيناريو: هذا الرجل ذو شأن كبير في بلدته ويسكن فيلا فخمة ويمتلك أربع سيارات فاخرة وحديثة.. وصلت إليه ولا أخفيكم أنه أصابني شيء من الخوف عند مقابلته الأولى فهو أبيض العينين تماماً ولكنه يرى بشكل جيد.. استقبلني وأكرمني بدعوة طعام.. مجلسه يحتوي على مكتبة ضخمة جداً أطلعني على أكثر من أحد عشر كتاباً عن السحر والنجوم وتسخير الجن.. حكيت له حكايتي بشخصياتها الوهمية فطلب الأسماء كما يفعل معظم هؤلاء الدجالون واتصل بفندق في البلدة وحجز لي غرفة على أن أقابله في اليوم التالي.. ذهبت إليه وعندما جلست خلع من يده خاتماً ووضعه على الأرض ثم أخذ بالتمتمة وأقسم لكم بأني رأيت الخاتم يسير نحوي حتى وصل إلي فقال لي: "ضعه في خنصر يدك اليمنى ولا تخلعه حتى إذا قابلت أهل الفتاة وافقوا عليك دون قيد أو شرط ولا أريد منك مالاً إلا بعد أن يتحقق طلبك. هذا رقم حسابي في البنك ضع فيه 15 ألف ريال" فقلت له وماذا لو لم أرسل لك المال فقال: "بتسير إلى عندي غصيبة" تملكني فضول عجيب حول هذا الرجل فأخذت أسأله عن قدراته وإمكاناته وهو يجيب ولا يمانع ومن أغرب ما قال لي إنه يمكنه أن يزور كل بلدان العالم في يوم واحد وأن الجن تحمله بسرعة فائقة إلى أي مكان في العالم بلمح البصر.. لم أصدقه.. حاولت استفزازه أكثر فقال لي "يا ولدي روّح بلادك وأجيبلك البشارة بنفسي وانت راقد في فراشك" خرجت من عنده وأنا أعلم أنه أحد الدجالين ولكنه كان أغرب الذين قابلتهم ولأني أعلم أن السحر حق والجن حق شككت أن تكون حركة الخاتم إياها بمفعول السحر ولكن لا يلغي هذا أنه تورط في قبول حالة وهمية دون أن يهتدي إلى أنها كذب كسابقيه طبعاً.. ولم أعد إليه لا أنا ولا آثار الملابس التي طلبها مني..حاربه الله.
موسى. المجتمع - (....) - (40 عاماً) - نيجيري.
- أدواته المطلوبة: عنبر خام - لبان ذكر - زعفران - زئبق أبيض.(77/16)
- القضية: فرض سلطة على رؤساء في العمل وطلب ترقية وظيفية لا يمانع في الحصول عليها بعد عمل السحر.
- الأشخاص: وهميون طلب صورهم واسم الزبون واسم أمه.
- السيناريو: حضرت إليه وحكيت له قصة وهمية عن مضايقة رؤسائي في العمل لي وعن ظلمهم لي وأنني أرغب في أن أعمل لهم شيئاً من السحر كي أحظى برضاهم وأحصل منهم على ما أريد فطلب كالعادة اسمي وأسمائهم وأسماء أمهاتنا وطلب مني الحضور في اليوم التالي وحضرت إليه فأخبرني بأن الأمر بسيط للغاية وممكن حدوثه على أن أحضر له طلباته ولأنها لم تكن مكلفة بصراحة أردت خوض التجربة هذه المرة خصوصاً بعد أن أخبرني بأنه سيعقد بهذه الطلبات وليمة للجن في منزلي لكي يرضوا عني ويمنحوني القبول لدى رؤسائي بعدها وطلب مني أن لا أفزع مما سأرى أو أسمع.. أحضرت طلباته وعدت إليه في اليوم الذي يليه فأعطاني قدراً نحاسياً ملفوفاً بكيس من النايلون وطلب مني وضعه تحت سريري أثناء النوم وفعلت وبالفعل استيقظت أثناء النوم وكأن سرباً من النحل يجوب أنحاء غرفتي.. أسمع أصواتاً ولا أرى شيئاً.. استمر هذا الأمر قرابة الثلاث ساعات وفي اليوم التالي أخرجت الكيس وإذا بالقدر قد أصبح رماداً والكيس النايلون كما هو رغم الحرارة العالية.. عدت إلى الرجل فأعطاني ورقة مكتوب بها طلاسم لم أفهمها مثل ".... وستر البها ومركز الجور وهوتٍ لها كما حيرت ألباب أهل النهى دلالة في منتهاها وها قيومها تلهوت خلف الكل بطور سيناً دكةٍ في دورةٍ لما تجلّت بابتداء نورةٍ وجلجوت جلت في دوره وكل اسم قام في دوره قيومه يعطي به من سأل كفا هواني فانظروا حالتي قد زاد ذلي وانطوت هامتي.... إلخ" وطلب مني قراءته على من أريد بشرط أن أراه ولا يراني "ثلاث مرات" وسأحصل على ما أريد وعندما سألته عن سر الكتابة قال إن هوت وتلهوت وجلجوت هم الجن الذين تناولوا طعامهم في بيتي وهذا بمثابة استحضار لهم.. وتملكني الفضول أكثر وأكثر وقرأت الاستحضار على(77/17)
أحد رؤسائي في العمل كما طلب ولكن "كأنك يا أبو زيد ما غزيت" وضمّت القائمة دجالاً آخر من أولئك الذين يتلبسون الجن ويدعون عليهم بهتاناً وباطلاً.. حاربه الله.
مصطفى. أ.ف - الفيوم (عين السلين) - 45 عاماً - مصري.
- أدواته المطلوبة - 5 جنيهات ذهب - عنبر خام - لبان ذكر.
- القضية: استرداد حبيبتي التي أصبحت تكرهني بشدة وجعلها تقبل علي كماكانت وأشد حباً من ذي قبل.
- الأشخاص: وهميون - طلب الأسماء الأولى لهم وأسماء أمهاتهم.(77/18)
- السيناريو: هذا الرجل شاب حسن المظهر يدعي أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في أحد مجالات الهندسة الزراعية أخبرته عن صدود حبيبتي ونفورها مني.. وكنت أنا واثنين من زملائي أحدهم يعمل معنا والآخر صديقه.. طلب الأسماء كالعادة وأخبرني عن وجود عمل للتفريق بيننا وأن على إحضار طلباته إضافة إلى مبلغ "500 جنيه" وأحضرت له ما أراد فطلب مني العودة بعد ثلاثة أيام وعندما عدت إليه في منزل أخته حيث يعيش.. أحضر حجرين من الطوب وصينية نحاسية وبخور ثم أخرج من حقيبته تمثالاً لصورة أنثى من الحجر ونجمة سداسية وطلب منا الانتظار في الغرفة المجاورة لمدة خمس دقائق ثم العودة بعد ذلك وعندما عدنا وجدنا الغرفة تعج بدخان البخور وهو يتمتم بصوت عالي ويجهش بالبكاء بشدة استسلمنا للمنظر وانتظرنا ما يسفر عنه وهو لا يزال يبكي ويضرب على صدره وفجأة ضرب بيده على التمثال الموضوع على حجري الطوب وسمعنا صوت رنين على الصينية النحاسية وبعدها هدأ الرجل قليلاً وأخذ الشيء الذي سقط في الصينية وكان عبارة عن ورقة ملفوفة بخيط يكاد يخفي معالمها ومن ثم قام بفتحها ليخرج منها قطعة من الحديد على هيئة ثعبان أبيض ومنطقة الرأس سوداء كُتب عليها بعض الطلاسم والأسماء الوهمية التي أعطيته إياها.. شككت في الأمر وطلبت إليه أن أرى التمثال فرفض بشدة.. فاتهمته بالدجل فإذا به يبدأ بالتلفظ علي وشتمي.. ولكن كان أذكى ما في الموضوع هو ما قام به زميلنا الثالث بأن هجم على الرجل وخطف التمثال منه.. حاول مقاومتنا ولكن حدث بيننا شجار لم أكن أهدف إليه ولا أسعى إلى نشوبه بيننا.. تولى أمره زملائي وأخذت التمثال وإذا بقطعة مغناطيسية في أسفله هي التي أمسكت العمل في تمثيلية حقيرة حاول هذا الدجال أن يمررها علينا ولكن أقسم لكم بالله أنه نال ضرباً من الزملاء لا يحسد عليه وخرجنا منهكين تماماً من هذه التمثيلية القذرة وقد أضفنا إلى قائمتنا دجالاً آخر ولكنه أغباهم وأكثرهم(77/19)
تصنعاً على الإطلاق.. حاربه الله.
راقي متفلسف
مقال من جريدة الجزيرة العدد:10084 الطبعةالاولي الأثنين 4 ,صفر 1421
في محافظة "... " وفي كل مكان تقريباً تجد انك أمام نشرة لأحد الدجالين والمحتالين يدعي فيها صاحبها انه يعالج 42 مرضا سبحان الله مستشفى متكامل وذلك حسب نشراته الدعائية التي وزعها في الأماكن العامة والبقالات.
محتال عجيب يضع القلم على بطن المرأة التي تتأثر بالقراءة ويطلب من وليها أن يكشف عن صدرها وظهرها ينفث عليها وهو مغمض العينين.
الجزيرة التقت بعض ضحاياه ومن قاموا بزيارته وعرفوا مدى جهله بعلوم القراءة فتعالوا معنا لنقرأ تفاصيل الأحداث ونترك لكم الحكم في قضية واحد من هؤلاء المحتالين الذين يتلاعبون بعواطف الناس ويستغلون حاجاتهم للبحث عن الصحة والعافية الموهمة.
كانت بداية لقاءاتنا بضحايا هذا الدجال مع شخص تحتفظ الجزيرة باسمه وعنوانه وأحد الذين ذهبوا الى محتال ...، قال: لي فترة متزوج ولم أرزق بأبناء والحمد لله على كل حال فقد كان لي زميل أتوخى فيه الخير ان شاء الله كنت معه في مناقشة حول الرقية الشرعية فقال لي يوجد شخص يقرأ القرآن وذكر لي فيه صفات الشخص الطيب وفي اليوم الثاني اصطحبنا زوجتي وذهبت لذلك الشخص لكي يقرأ علينا القرآن الكريم وعندما وصلت اليه ودخلنا مع بعض الناس الذين حضروا اليه بزوجاتهم وكان يوجد لديه بيت وقد قسمه على شكل كنترولات صغيرة ويضع كل رجل مع زوجته في هذا الكنترول وبينه وبين الآخر فاصل ويقرأ بشكل جماعي بواسطة مكرفون وفي النهاية اذا حدث ان أحدا من الحضور تأثر بالقراءة فظهر عليه شيء من الصرع أو خلافه سواء كان رجلا أو امرأة يأتي اليه ويركز عليه.
* تحقيق:هلال الثبيتي يضع القلم على بطن المرأة ولكن لاحظت عليه الآتي:
أولاً: انه يأخذ القلم من جيبه ويضعه على بطن المرأة التي تتأثر من القراءة ويستمر في القراءة عليها.(77/20)
ثانياً: عند نهاية القراءة والتي قد تستمر ساعة تقريبا يقول لولي المرأة انه سوف يغمض عينيه ودعها تكشف عن صدرها وظهرها وينفث من الماء المقروء عليه مسبقا وينفث من هذا الماء حتى أحيانا قد تبتل ملابس تلك المرأة وعندما وصلني الدور انا وزوجتي رفضت هذه المخالفات وقبل خروجنا من عنده ذكر لي ان زوجتي عليها سحر ولكنني لم أصدقه في ذلك، وقد طلب من كل الحضور الذين قرأ عليهم مبلغ 210 ريالات مقابل ما يعطيهم من عسل وماء مقروء عليه مع الزيت وكذلك مقابل القراءة وقد اتضح لي ان العسل من العادي والمذكور يقع في مخالفات شرعية وهذه المخالفات لا تمت للرقية الشرعية بصلة.
تذكرته بنشراته أما فوزي بن محمد الحارثي أحد الذين ذهبوا الى هذا الدجال ففي يوم من الأيام قبل 6 شهور حصلت لي وعكة صحية وكانت عبارة عن اكتئاب نفسي وعندما كنت مريضا يذهب بي أهلي الى القراء لقراءة القرآن الكريم عليّ وفي يوم من الأيام ذهبوا بي الى هذا الشخص وحينما ذهبت اليه عرفته وتذكرته حينما كان يوزع منشورات في البقالات والأماكن العامة مضمون ما فيها انه يعالج كل الأمراض حتى الأمراض التي عجز عنها الطب مثل السرطان والحساسية المزمنة والعقم,, الخ من الأمراض الكثيرة التي تصيب الناس.
فجلست عنده ومعي أحد الزملاء وبدأ القراءة بعد صلاة العصر مباشرة ووضع بجانب كل شخص سلة للاستفراغ وكان لديه جهاز صدى وميكرفون وجهاز كهربائي ثم قرأ ويردد القراءة مرات كثيرة ويظهر ذلك بكثرة مع جهاز الصدأ وكان كل من يغفل يضربه بالكهرباء وعندما انتهت القراءة قال كل شخص يدفع مبلغا وقدره 200 ريال كي يبدأ في العلاج معي وعلاجه عبارة عن زيت وعسل وماء تكلفته لا تساوي عشرين ريالا فرفضت ان اعطيه هذا المبلغ لأنه كثير فقال لي لن اعالجك حتى تدفع هذا المبلغ فرفضت فلم يعالجني.(77/21)
فعدت الى المنزل فذكرت لأهلي ما حصل لي مع هذا الرجل وارسلوا أخي الصغير لكي يحضر العلاج بالمبلغ 200 ريال وقال يجب ان يأتي بعد أسبوع من العلاج فذهبت اليه مرة أخرى ومع زميلي السابق وقال: كيف انت قلت انا مثل ما انا لم يتغير أي شيء فقال لي أنت مسحور، فقلت له وما ادراك اني مسحور؟ قال كل الذين يأتون الى هنا مسحورون وسوف أعالجك بمراجعتك معي.
فذهبت الى مستشفى عرفان بجدة وأخذت بعض الأدوية فشفيت تماما والحمد لله ثم ذهبت اليه مرة أخرى فقلت له: انا شفيت تماما ولكني استخدم علاجا من مستشفى عرفان والعلاج من بعد الله سبحانه وتعالى هو السبب في شفائي وقد حذّرني الدكتور من عدم ترك العلاج الا بعد فترة طويلة يقررها الطبيب فقال لي: اترك علاج المستشفى فما هو الا مخدرات تخدر الجن فالجان الذي في رأسك يحتاج الى ان تترك هذا العلاج لكي يظهر الجان ويفتك من التخدير ثم أخرجه وأريحك منه تماما .
فقلت له: لا أستطيع ان اترك العلاج حسب ما قال الطبيب فقال لي: لن أعالجك حتى تترك العلاج فكنت في حيرة من أمري ثم فكرت وتوكلت على الله وأخذت علاجي وتركت هذا الشخص. أ.هـ.
توبة ساحر : صنعاء ( الوفاق ) خالد العنسي
أرغم على امتهان السحر والشعوذة وهو في بداية شبابه بفعل إصرار والده الذي اشتهر بالسحر والشعوذة على أن يورث مهنته لهذا الابن لتذهب جهود والدته التي حاولت إبعاده عن هذا الطريق أدراج الرياح. ذلك هو داوود محمد السلفي الذي برع في أمور السحر والشعوذة وامتلك القدرة على مخاطبة الجان والشياطين وتسخيرهم لصالحه طوال عشرين عاماً، قبل أن يهتدي إلى الحق ويعلن توبته.
جريدة (الوفاق) التقت الساحر والمشعوذ داوود وأجرت معه الحوار التالي:
كيف كانت البداية لامتهانك أعمال السحر والشعوذة؟(77/22)
- لقد نشأت في أسرة متأثرة بالسحر والمردة والشعوذة وكان والدي بارعاً في هذا المجال، وكنت أصغر إخواني، وقبل أن، ابلغ العام من العمر كانت الشياطين تعذبني إلى أن التزم والدي بتسخيري لهذا العمل، في حين كانت والدتي تحاول جاهدة إبعادي ولكنها لم تنجح، وعندما وصلت إلى سن المراهقة بدأ حالي يتغير وبدأت رحلة الشقاء من خلال زيارتي لضريح بن علوان في يغرس بمحافظة تعز (270 كيلو متر إلى الجنوب من صنعاء) ثم زيارة ملك النماردة النارية في منطقة بير برهوت بمحافظة شبوة (300 كيلو متر إلى الشرق من صنعاء).
ماذا حدث بعد ذلك؟
عدت إلى قريتي وشعرت بخوف والدتي وما تعانيه فقررت الهرب إلى السعودية لطلب الرزق وكان هذا في عام 82 وجلست في مدينة جدة ولكني لم أجد أي عمل وحينها اقترح علي بعض اليمنيين من أهل البلاد أن أقوم بما كان يقوم به والدي الذي كانوا يعتقدون أنه يعالج، ولا يقرون بسحره وشعوذته واخبروا أحد السعوديين الذي كان يشتكي من عدم حمل زوجته باني قادر على علاجها، وهذه كانت البداية.
هل عالجت زوجة السعودي؟
نعم، فقد جاء إلى عندي وقبل دخوله أخبرني الشياطين بكل مواصفات زوجته ومعلومات كاملة عن حياتها مع زوجها والمنزل الذي يسكنون فيه، فأخبرت الرجل بما أعرف وحينها أخذني إلى منزله لمده ثلاثة أيام وكان يدفع لي ثلاثة الف ريال سعودي عن كل يوم وكان الجان يحضرون لي بعض الأعشاب التي أصفها لهذه المرأة وبالفعل شفيت، وبعد أشهر عاد إلي الرجل وأكرمني وقال لي أن زوجته حامل وأخذني لأعمل في أحد محلاته التجارية الخاصة بالملابس الجاهزة، وخلال ثلاث سنوات قضيتها في العمل لديه رزق السعودي بثلاثة أولاد وكان لديه اعتقاد تام بأني صاحب الفضل وليس الله سبحانه وتعالى.
هل واصلت أعمال السحر بعد ذلك؟(77/23)
نعم فقد عملت لي زوجة السعودي دعاية كبيرة في أوساط النساء وأخبرتهن بأني أمتلك قدرات خارقة، وهكذا بدأت استقبل أعداد كبيرة من السعوديات وكان بعضهن يطلبن مساعدتي وبركاتي حتى يتمكن من الطلاق من أزواجهن والبعض الآخر يطلبن أن يكونين الوحيدات في حياة أزواجهن خوفاً من زواجهم بأخريات، وبعض ثالث بغرض النصب على أزواجهن أو أن اجعلها محبوبة من الناس أجمعين، وهكذا وكانت هذه النساء تدفع ما أطلب من المال ودون نقاش وبعد أربع سنوات عدت إلى اليمن.
بما أنك نشأت في أسرة تمتهن السحر.. فهل يعني ذلك أنك ورثت السحر عن والدك أم هناك قدرات أو اشتراطات معينة لتصبح ساحراً؟
طبعاً ليس بالوراثة ولكن هناك اشتراطات لمن أراد استخدام الروحانيين لصالحه وردت في مقدمة كتاب الجفر الذي يعتبر الأساس للسحر ومن هذه الاشتراطات الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، المشي على القرآن الكريم، عدم الاغتسال من الجنابة أو التطهر من الدنس والنجاسة وأن لا يكون في منزلك كتاب للقرآن أو الأحاديث النبوية، وعدم الجلوس في مجلس فيه ذكر أو قراءة القرآن، وأن تلعن المؤذن كلما سمعته وأن تقوم بعمل قوم لوط مع النساء والرجال وأن تتقرب لغير الله.
كيف كنت تقنع الناس بما تقوم به؟
كنت أوهمهم بأنني أعلم بكل شيء وبمساعدة الشياطين والجان وازرع في قلوبهم الخوف والرعب من تصرفاتي وأفعالي لأنني أصور لهم أنني اغرس (الجنبية) في جسمي وهذا غير حقيقي طبعاً، وأغلب من يلجأون للمشعوذين هم عديمي الإيمان بالله أو من يعانون من أمراض نفسية وهؤلاء يسهل خداعهم.
هل أنت مقتنع بأن ما تقوم به هو من السحر؟
طبعاً مقتنع وكنت أعمل أسحار بطلب من الناس.
ماهي السحور التي كنت تعملها؟
منها ما يتعلق بالتفريق بين الزوج وزوجته ومنها ايضاً الجمع بين رجل وامرأة... وهكذا.
يقال أن المشعوذين والسحرة يمارسون الجنس مع بعض النساء اللاتي يلجأن إليهم للعلاج... فهل ذلك صحيح؟(77/24)
نعم يحصل ذلك، حيث يقول الساحر للمرأة أنها لا يمكن أن يتم لها الحمل مالم يمارس الجنس معها وأحياناً يقوم بذلك رغماً عنها أثناء اختلائه بها، أو يطلب منها أن تلتقي برجل غير زوجها لتمارس معه الجنس حتى يبطل مفعول السحر، وبعض النساء توافق والبعض الأخر ترفض.
وبالنسبة لك أنت؟
أنا لم أقم بعمل مثل هذا ولكنني مارست الجنس مع شيطانات وجنيات كن يتمثلن لي في صور فتيات جميلات من قريتي.
هل التقيت العوبلي وكيف ترى ما يقوم به؟!
العوبلي ساحر من السحرة ولكنه الآن أصبح شيخ مشايخ السحرة في اليمن، وكنت التقية دائماً في منتصف شهر شعبان من كل عام أثناء زيارتنا السنوية الواجبة لضريح ومسجد ابن علوان وأثناء زيارتنا السنوية لمنطقة بير برهوت التي يجتمع فيها السحرة لدى ملك الجان والنماردة الذي كان يمنحنا بركاته ويقدم لنا التسهيلات والخدم من الجان.
خلال ممارستك لأعمال السحر.. هل التقيت بسحرة من دول أخرى أو تعرفهم؟
نعم كنا نلتقي عند ملك النماردة وضريح ابن علوان بسحرة من إيران ولبنان والسعودية.
ألا يمكن تسخير أعمال السحر أو الشعوذة لأعمال الخير ولصالح الناس؟
هذا غير وارد لأن الخير لا يأتي من ساحر ولا من السحر.
ماذا عنك الآن بعد أن أعلنت توبتك وأقلعت عن السحر والشعوذة؟
أنا الآن أعيش في صراع شديد مع الشياطين وأحياناً أتحاور معهم، ويمارسون ضغوط كبيرة علي لأعود لعملي السابق ويقدمون لي إغراءات كثيرة أيضاً ولكنني وبعد أن اهتديت إلى الله عز وجل لن أعود للسحر مرة أخرى.
قلت أن الشياطين تمارس عليك ضغوط وتعرض إغراءات... مثل ماذا؟
قتلوا أثنين من أبنائي أمام عيني وأخيراً زوجتي، وأحارب في رزقي، وفي المقابل يعرضون علي أموالاً كثيرة في حال عدت إليهم وأطعتهم.
ألا توسوس لك نفسك بالعودة؟
لا... بالرغم من أنني أستطيع بكتابة كلمات قليلة العودة كما كنت بل وأكثر قوة وقدرة.
ـــــــــــــــــــ
اللهم ثبته ياحي يقوم
13 / 8 / 1425 هـ(77/25)
في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع حبذا ذكر المصدر على النحو التالي :
نقلاً عن : لقط المرجان في علاج العين والسحر والجان
http://www.khayma.com/roqia
أخوكم في الله
أبو حمد
ahowaid@gmail.com(78/1)