الدعوة السلفية والواقع المعاصر (1)
أهداف الدعوة ومنطلقاتها
دراسة أعدها:
د. محمد إسماعيل المقدم
ونشرت بمجلة صوت الدعوة
إعداد وتنسيق:
براحة الدورات الشرعية والبحوث العلمية
بمنتدى البراحة
(
الدعوة لغة: مأخوذة من الدعاء، وهو النداء لجمع الناس على أمر ما، وحثهم على العمل له. الدعوة إلى قضية يراد إثباتها أو الدفاع عنها حقاً كانت أم باطلاً:
فمن الدعوة إلى الباطل: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}، ومنها: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم).
ومن الدعوة إلى الحق: قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}، وقوله صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى هرقل: (أدعوك بدعاية الإسلام) أي دعوته، وقال مؤمن آل فرعون: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}.
ومن معاني الدعوة: المحاولة القولية أو الفعلية والعلمية لإمالة الناس إلى مذهب أو ملة.
ومن معانيها: الابتهال والسؤال: دعوت الله أدعوه: أي أبتهل إليه بالسؤال، وأرغب فيما عنده من الخير، وقال تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} قال في لسان العرب: (ودعاء الله خلقه إليها كما يدعو الرجل الناس إلى مَدعاة أي إلى مأدبة يتخذها، أو طعام يدعو الناس إليه).
فدعوة الله عز وجل عباده إلى دار السلام الجنة هي دعوته عباده إلى أسباب دخولها من الالتزام بدينه، فمن استجاب صار من حزب الله {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، أما المعرضون فهم أتباع الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
أهداف الدعوة إلى الله
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}
1. بيان الحق والبلاغ المبين:(1/1)
{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، (بلغوا عني ولو آية).
2. الدعوة إلى الاستجابة للدعوة وامتثالها قولاً وعملاً:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}، مفتاح دعوة الأنبياء: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، {اتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}، (إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجليّ، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلاً، فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً، ثم بنى فيه بيتاً، ثم جعل فيها مائدة، ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فالله هو الملك والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول، من أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها).
3. التبشير والإنذار:
هو مفتاح النفس الإنسانية فهي مجبولة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}، قال صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق) متفق عليه.(1/2)
البشارة: في الدنيا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
في الآخرة: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
النذارة: في الدنيا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.
في الآخرة: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
حسبك أن تطالع كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري رحمه الله، وتقرأ منه على إخوانك ومن تدعوهم إلى الله، ثم انظر إلى أثر هذا في نفسك وفي نفوس السامعين.
4. إصلاح النفوس وتزكيتها:(1/3)
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}، {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..}.
تزكية النفوس: تطهيرها وتطيبها وتنقيتها من قبائحها - زكا الزرع: نما وأينع، رائحة زكية: طيبة.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} بعد أحد عشر قسماً.
لا يستحق الجنة إلا من زكى نفسه: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.
التزكية: مهمة من مهمات النبي وغاية أساسية من رسالته:
سبب وجدان طعم الإيمان: (وأن يزكي المرء نفسه: أن يعلم أن الله معه حيث كان).
هي السبب في دخول الجنة {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}.
أعلى التزكية: تطهير القلب من نجس الشرك وتزكيته بالتوحيد: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}، {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}.
الصلاة تزكية: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} - فتوى الإمام أحمد ببطلان الصلاة في الأرض المغصوبة.(1/4)
المرأة التي أخبر عنها أنها تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها (هي من أهل النار) - (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) - {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} - {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} - {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} - {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} - (كان خلقه القرآن) - (إنما بعثت لأتم صالح الأخلاق).
ومما يتفرع على ذلك من أهداف: إيجاد المسلم الحقيقي أو صناعة الرجال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ} من خلال التعليم والتربية.
5. تقويم الفكر المنحرف ودحض العقائد الزائفة:
التوحيد هو الأصل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً (على الإيمان والتوحيد -أي فاختلفوا-) فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}، (وكل مولود يولد على الفطرة)، (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم).
محاربة الانحراف عن الصراط المستقيم صوره:
التصدي للغزو الفكري:
القديم: الفرق الضالة - الشيعة - الصوفية - القاديانية - البهائية.(1/5)
الجديد: العلمانية - الليبرالية - الوجودية - الماركسية - الديمقراطية.
6. إقامة الحجة والإعذار إلى الله بأداء الأمانة:
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، وأتباع الرسل يخلفونهم في هذه المهمة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي...}، (لا أحد أحب إليه العذر من الله)، {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى}، {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا، يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا}.(1/6)
والذين يرفضون دعوة الرسل، لا يملكون إلا الاعتراف بظلمهم إذا وقع بهم العذاب في الدنيا: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ، لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ، فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}، وفي يوم القيامة أيضاً يسألون عن ذنبهم فيعترفون: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ، فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وحين يدخلون جهنم: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا...}، وإذا أحاط بهم العذاب من كل جانب: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}.
المدعو: إما أن يستجيب ويهتدي فيتحقق هدف هداية الناس إلى الحق، وإما أن يعاند ويكفر فيتحقق هدف إقامة الحجة لله تبارك وتعالى وينقطع عذر المعاند أمام ربه يوم القيامة: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ}، {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ}.(1/7)
إقامة الحجة شاملة: للتوحيد والإيمان ثم الأركان والفروع والآداب والمستحبات، هذا الشمول يتميز به المنهج السلفي {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}، تجزئة الدين اتباع لخطوات الشيطان، كل خير في اتجاه آخر يوجد عند أهل السنة والجماعة.
هناك جماعات تضيع حظاً من الدين {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} لأنهم لا يرجعون عن غيهم {قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
أما هداية الناس: فهو بأمر الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}، {وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ}.
وإقامة شرع الله في الأرض: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء}.
منهج أهل السنة والجماعة: لا يضع أمامه هدفاً محدوداً يحصر طاقته فيه فإذا لم يقدر يبقى عطلاً من وظيفة وهدف، منهج لا يعرف اليأس لأن عمله لن يذهب سُدى، ولا يجزِّئ قضايا الإسلام.
7. سياسة الأمة وإقامة المجتمع الإسلامي:(1/8)
{فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ}، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}، (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي قام نبي).
وقال تعالى في التوراة: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ}، ولله تعالى أحكام في المعاملات والحدود والسياسات العامة والحكم لا يمكن تطبيقها إلا بأن يدين المجتمع بدين الله، ويذعن لشريعته.
المنهج السلفي يعي العقبات التي تقف في سبيل تحقيق ذلك، ويبني طريقه على أساس الجهاد والصبر الطويل، الأمة التي بلغت من القوة والمجد بحيث استغرقت قروناً لتنهار.. هل تبنى من جديد بين عشية وضحاها؟
منطلقات الدعوة
أولاً: أعمال الدعوة عبادة يتقرب بها إلى الله، لا يعملها المسلم لهوى في نفسه، أو رغبة في العلو في الأرض، لكن يندفع إليها وينقاد امتثالاً لقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وقوله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وطمعاً في ثواب الله عز وجل: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وفي رواية: (خير لك مما طلعت عليه الشمس)، وفي الحديث: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها والحيتان في البحر يصلون على معلم الناس الخير)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الدال على الخير كفاعله)، {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
من مظاهر الانحراف عن هذا المنطلق:(1/9)
(أ) هيجان الرعونات النفسية والحظوظ الشخصية وقيام حجاب الأنانية وحب الذات - علاجه: ذكر الله بقلب حامد: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
(ب) تحول هذه العبارة إلى مجرد فكرة أو مذهب سطحي يقارع به المذاهب الأخرى، دون أن يعيش في الحقيقة الإسلامية الكلية {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
(جـ) الانفصال بين الفكر والسلوك: بعض الناس يتذاكرون أمور الدعوة إلى الإسلام، وينسون في غمار حديثهم أهم الواجبات الدينية القيام إلى الصلاة في وقتها، ثم ما يتنبهون إليها إلا آخر الوقت متثاقلين فيصلون بسرعة خلطفة شان من يريد أن يسرع ليتخلص من عبء يلازمه.
ثانياً: أن تنبعث أعمال الدعوة من شعور غامر بالشفقة والرحمة على عباد الله أجمعين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، (لا تنزع الرحمة إلا من شقي)، (لا يرحم الله من لا يرحم الناس)، (إنا مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيه)، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
وهذه سيرة الأنبياء عليهم السلام:(1/10)
نوح: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لم يغضب لنفسه وأجابهم جواباً مشحوناً بالرحمة والشفقة واللطف - {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي}.
أكثر ما يصد المنحرفين عن الحق ما قد يشعرون به في تضاعيفها من التعالي والأنانية، وحب الانتصار للنفس أو للجماعة، فيكون رد الفعل تعالياً أشد وأنانية أقوى واندفاعاً أسرع إلى الانتصار للذات.
بعض الآثار: (لا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية).
ثالثاً: اليقين بأن القيام بأعباء الدعوة (البيان - الحكمة - الموعظة الحسنة - التضحية) واجب من جلة التكليفات التي خاطب الله بها المسلمين، بغض النظر عن النتائج والآمال.
بعض الناس يحملون أنفسهم ما لك يكلفهم الله تعالى به جلباً للنتائج وتطلعاً إلى الغايات، وربما قفزوا ووثبوا في غمار تطلعاتهم فوق كثير منا لأسباب والوسائل الواجبة عليهم مما يدخل تحت إمكانهم ويخضع لطاقاتهم، ومن هذه الواجبات:
(أ) الالتجاء الشديد إلى الله عز وجل، وكثرة ذكره في الخلوات والجلوات، ومراقبة النفس، والسعي إلى تزكيتها بكل الوسائل.(1/11)
(ب) مراقبة بيوتهم والقيام بدقة على إصلاح حال الأهل والأولاد، وإشاعة ذكر الله وعبادته بين أعضاء الأسرة (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه..).
فإذا طبقوا الإسلام واستقاموا عليه ثم فعلوا ذلك مع أهليهم ومن يلوذون بهم يكافئهم الله بالتمكين {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.
ليست طبيعة دعوة الإسلام كغيرها من المذاهب والأنظمة، فأصحاب هذه المذاهب والأنظمة، فأصحاب المذاهب لا يعتمدون إلا على أنفسهم في تطبيقها وإشاعتها في المجتمع، لأنها مذاهب وضعية ابتدعوها، وهم المسئولون عن رعايتها وتطبيقها وصبغ المجتمع بها فينجرف كثير من المسلمين الذين يمارسون الدعوة إلى الإسلام إلى السبيل ذاته، ويسعون بالطرق والأساليب نفسها، فتراهم يتنافسون أو يتصارعون معاً هم وأصحاب المذاهب الأخرى على طريق واحدة من الأسلوب والمعالجة والتصور، وينسون في الحقيقة أنهم ليسوا إلا موظفين لله جل جلاله للقيام بمهام معينة تدخل في حدود طاقتهم، مقابل ما يمنن به عليهم من تحقيق المجتمع الإسلامي المنشود.(1/12)
وآية ذلك أنك ترى بعضهم -في غمار هذا التقليد والنسيان لهويتهم- لا يهتمون من الإسلام إلا بما فيه من الواجهة الاجتماعية التنظيمية -مثلاً- ليقارعوا به الأنظمة الأخرى، وعندئذ يسقط الفرق بينهم وبين أولئك الآخرين في ميزان الله تعالى وحكمه، إذ لا قيمة لشيء من الأحكام والأنظمة الإسلامية إلا من حيث هي دين يخضع من خلاله الإنسان لسلطان الله وألوهيته.
وهذا هو السر في أن هؤلاء الناس لا يفهمون كلمة (الحكم بما أنزل الله) في نطاق الدعوة الإسلامية إلا ما يبرز منه في واجهة المجتمع، ويتكون منه النظام العام، فأما الحكم بما أنزل الله في معاملة الإنسان نفسه، وأهل بيته، وأسرته، وأولاده، وعلاقاته مع الآخرين فما أكثر ما يغفلون عنه، بل ربما أعرضوا عنه تماماً.
ونظرة واحدة إلى مبحث الحكم في أي من كتب أصول الفقه ندرك عمومها لتشمل كل حياة المسلم كفرد، والمسلمين كمجتمع ودولة.
الحكم:
1. تكليفي: الأحكام الخمسة، فلا يخلو المسلم في شيء من تصرفاته عن أحد الأحكام الخمسة.
الحاكم: هو الله تعالى.
المحكوم عليه.
المحكوم فيه.
2. وضعي.
لماذا منهج الأنبياء؟
1. لأن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم فقال جل وعلا بعد ما ذكر جملة من الأنبياء عليهم السلام في سورة الأنعام: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، وقال جل وعز: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وأرشد المؤمنين جميعاً إلى التأسي به عليه السلام فقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}.(1/13)
كان صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة: للشاب المستقيم في شبابه، وللداعية في دعوته، وللزوج والوالد في حنو العاطفة وحسن الخلق، وللمربي في تربية أصحابه، وللمجاهد الشجاع، والقائد المنتصر، والسياسي الناجح، والجار الأمين، والمعاهد الوفي، والحاكم المستقيم، والعالم العامل، وهي صفات لا تجتمع أبداً في أي زعيم أو مصلح، ولهذا أمر الله عز وجل بطاعته مطلقاً: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}، {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
أما غيره صلى الله عليه وسلم فطاعته مشروطة بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
2. لأن الأنبياء معصومون من الشرك والأضلال، والزيغ والأهواء، والفسق والعصيان، وهم أشرف الناس نسباً وأفضلهم أخلاقاً، وأعظمهم أمانة، وأقواهم حجة: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.
3. جميع الأنبياء دعاة إلى الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.(1/14)
جميع الأنبياء دعاة إلى حزب الله: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}، {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ (أي نوح) لَإِبْرَاهِيمَ}.
4. أنه المنهج الوحيد الكفيل بإعادة الخلافة على منهاج النبوة (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
المنهج = السبيل = الصراط المستقيم
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي}، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}.
بعض الناس ينظرون إلى بذل المال والنفس على أنها أعلى المراتب دون مراعاة ما يجعل بذل المال والنفس مجدياً، إذ ليس الأمر مجرد بذل وكفى، إذ البذل لا يعطي نتائجه إلا بشروطه.
الوعي والعلم هو الوقود الذي يجعل الاستمرار ممكناً كيلا ينقطع العمل في بدايته كما ينطفئ المصباح حين يفقد وقوده.
??
??
??
??
أهداف الدعوة ومنطلقاتها د. محمد إسماعيل المقدم
16
www.albraha.com(1/15)
الفتور في حياة الداعية
مظاهره – أسبابه – آثاره – وعلاجه
أبوأحمد – المفكرة الدعوية
أولا : المظاهر :
كسل يصيب الروح والجسم والعقل .
قلة قراءة القرآن الكريم بل استثقال القراءة وعدم التأثر لما يقرأ .
عدم الإخلاص وعدم الخوف من الرياء وقلة الدعاء في تخليص النفيس من الرياء .
روابطه بالله متقطعة وضعيفة .. تعظيمه لله قليل والعياذ بالله .
لا يتأثر بنصح ولا ينفعه ذلك شيئا .
تتحول دعوته كالوظيفة جمود ورسميات .
الانشغال بالتوافه من أمور الدنيا من شراء للكماليات والتسوق والنوم والسفر الزائد عن الحد.
كثرة التفكير بمشاكل الدنيا وهمومها .
الإسراف في المباحات من أكل ونوم
إضاعة الأوقات بما لا يعود بالفائدة .
تبني الرخص فكرا أو عدم الشعور بالإشكال في تتبعها .
اهتزاز بعض المفاهيم لديه .. مثل الرزق والابتلاء وغيرها .
شدة حب المال وإنشاء مصادر مالية أخرى مما يضيع عليه بعض الفرص الدعوية.
سوء تنظيم في حياة الدعية .
استثقال العمل الإسلامي وصدود في صحبة الصالحين .
قلة العلم أو انعدامه مع عدم محاولة الاستزادة.
التقصير في حضور حلق العلم والدروس .
التقصير في الإعداد للدروس والموضوعات الدينية التي يتواصى عليها هو وإخوانه .
الاعتقاد الخاطئ باكتفاء الأخ من الناحية العلمية ووصف وضعه بالوضع الصحيح .
الملل من الأسلوب التربوي الذي يتلقاه والمطالبة بالتجديد دائما .
إخلاف الداعية مواعيده مع إخوانه الدعاة وأهله والوسط الذي يعيش فيه .
إلقاء المسئولية والتكاليف الدعوية على الغير ، أو التقصير فيها وعدم تحملها .
فقد التركيز في الأعمال التي يقوم بها الداعية .
عدم تقديم مصالح الدعوة العامة ولكنه يدعو بأسلوب يرضي هواه .
الاسترسال في الأحاديث العادية مع المدعوين واستشراف النفس لها .
التبرير لما يقع فيه من أخطاء ولو اعترف بالخطأ.
عدم تطبيق ما يدعو إليه من الأعمال .
لا تتحرك نفسه بالإنكار عند رؤية المنكر .(2/1)
عدم القدرة على مقاومة شهوات النفس في تلبية رغباتها .
ضعف الوازع الديني مما يؤدي لارتكاب معصية ما .
ارتباك في علاقاته الاجتماعية مع والديه وزوجته وغيرهم فتتحول بعد الرحمة إلى جفاف (وصراخ).
الغفلة عن تذكر الموت ولا اليوم الآخر وعن ذكر الله تعالى أو البكاء من خشية الله .
تفويت الكثير من السنن وأعمال الخير والنوافل وعدم التأسف على ذلك .
التسويف في أعمال الدعوة أو الخير .
إهمال توجيه الأهل .
حب الظهور ويحب أن يمدح بما لا يفعل .
الإقدام على قرارات لها خطورة على حياة الداعية دون مشاورة .
كثرة المزاح .
فقدان المبادرة في الابتكار والتجديد في العمل .
الاهتمام بالدعوة العامة وعدم الاهتمام بالدعوة الخاصة والاعتماد على التربية .
التضايق من الارتباط والرغبة في حرية التصرف والفوضوية .
التحفظ في بعض الأمور خشية التكليف بها والتقدم في أمور رغبة في التكليف بها هوى بها.
العزلة والهروب من الواقع .
مدح النفس والاعتداد بها .
إعطاء الدعوة فضول الوقت .
فقدان الشعور بالحزن بسبب انتكاسة بعض إخوانه .
نشر الأخبار والإشاعات وتحول الداعية إلى آلة تسجيل يطلق كل ما يسمع وعدم استشعار الوعيد من ذلك .
بعض مظاهر النفاق من إرضاء الغير على حساب الشرع أو الدعوة .
ومنها تكون بعض أعماله الدعوية سببها إرضاء الآخرين .
الشك في المفاهيم الأساسية في الدعوة إلى الله تعالى .
عدم الرغبة في الالتقاء بإخوانه الدعاة الصالحين أو من يوجهه من العلماء أو غيرهم خجلا وتقصيرا.
ثانيا : آثار فتور الداعية :
والآثار هي النتائج القريبة والبعيدة المدى .. والتي سببها الأول فتور خفيف وخلال هذه الفترة تظهر مظاهر الفتور ثم تظهر آثار الفتور بعد زمن إذا أصبح الفتور مزمنا .. وقد يزيد كلما أهمل الأخ العلاج.
ومن آثار الفتور :
نقض العهد مع الله والميثاق ثم مع إخوانه الدعاة
العاقبة السيئة للانتكاس اقرأ قوله تعالى :
(ويوم يعض الظالم على يديه ..(2/2)
(إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ..
(ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ..
(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ..
ضعف في الوسط الدعوي الذي يعيش فيه الداعية الفاتر في مجالات شتى
ضعف في الشباب الذين يتولى الداعية تربيتهم
ضعف في النشاط الذي يتولى الداعية إعداده
تأثر أهله بفتوره
تساقط الفاترين الذين هم من حول هذا المنتكس
السماح لأعداء الإسلام للدخول على الإسلام من خلال الثغرة التي تكون من قبل الداعية الفاتر.
تحول الداعية المتحرك للإسلام إلى شخص عادي منتكس ، إضافة إلى إضاعة الأوقات والجهود التي بذلت لتربيته .
فقد الدعوة لشخص يمكن أن يشغل ثغرة وينفع المسلمين
يتحول المنتكس إلى وسيلة لنشر الأسرار .
انتقاد الدعاة الآخرين ومنهجهم (يتحول أسلوب دعوته إلى انتقاص وانتقاد للآخرين فقط) بل ينتقد القيادة والمنهج ولا ينصح لهم .
يصبح هذا الداعية حجة (لأعداء الإسلام ) على عدم صلاحية الرجوع للإسلام .
فتح مجال للسخرية والتندر بالصالحين .
الوقوع في أزمات نفسية .
سهولة استقبال الشبهات والأفكار الخاطئة الأخرى .
ثالثا : الأسباب :
أسباب إيمانية :
ضعف الصلة بالله والتعلق به وقلة ذكره ودعائه وعدم تعظيمه واللامبالاة في ذلك وكسل في الجانب التعبدي.
التقصير في عمل اليوم والليلة
عدم العيش مع كتاب الله وترك تلاوته وتدبره
عدم الشعور بمعية الله وأنه المعين والنصير
إهمال الدعاء بالتثبيت
الوقوع في صغائر الذنوب مع الاستصغار لها
اللامبالاة بعد العمل أهو قبل عند الله أم لم يقبل
قلة تذكر الموت والدار الآخرة
طول الجهاد وتأخر النصر .
أسباب من الوسط :
العيش في بيئة مليئة بالفاترين
ضعف الجانب التربوي القديم للداعية مما يؤدي إلى استعجال للنتائج أو إهمال أو غيره
عدم وجود موجه قوي
التأثر بانتكاس قدوات للشخص .
الصحبة المؤثرة للفرد سلبا .(2/3)
عدم وضع الفرد في مكانه الصحيح أو عدم إعطائه الأعمال المناسبة له
عدم توظيف كافة الأفراد وإشغالهم بما ينفعهم
عدم وجود المتابعة الفردية
التأخر في حسم الأمور بسرعة (ولا يقصد العجلة الزائدة)
عدم تقدير الشخص لطاقته أو تقدير الموجه لطاقة الشخص
مقارنة النفس بمن هم أقل منه مستوى
المشكلات والصراعات وقد يوجد بين الشباب من يثير الفتن
الاستهزاء بالشخص عند الخطأ
الإشاعات المختلفة على الملتزمين بالإسلام
عدم مراعاة النفسية عند النصيحة فقد يكون حساسا أو يكون حديث عهد بإيمان وصلاح
الاتكالية إما لكسل أو لكثرة العاملين في الوسط أو غيرها ..
أسباب شخصية :
الكبر والعجب بالنفس وتضخيم الذات وتصور الشخص أنه يمكنه السير بدون توجيه ونصح وتواصي ، بل وتصور أن لديه طاقات هائلة (ليست عنده في الواقع) وذلك بسبب الثناء المفرط عليه .. والظن بعدم الحاجة إلى حلق العلم والذكر ..
عدم الانضباطية
حب الرياسة وطلبها
الغلو أو التساهل
الانبهار بالعلم والمعرفة التي يحوز عليها الداعية في أول طريق الدعوة ومن ثم يتبنى الكبر أو يتبنى الآراء الشاذة أو غيرها ..
محاولة الوصول إلى المثاليات .. وعندما لا يستطيع ينسحب من الصلاح عموما
البعد عن الجو الإسلامي .
إلقاء مسئولية رفع الإيمان أو ضعف الإيمان على الغير من مسولين أو أوضاع أو ظروف (وهو ما يسمى الإسقاط)
التعود على حياة رتيبة في لادعوة مما يؤدي إلى الملل
نسيان الداعية نفسه في طريق الدعوة
تراكم مشكلات وأمور غير مقتنع بها دون أن يناقشها بسبب المجاملة .
انتقال الداعية إلى حياة اجتماعية جديدة كالزواج مثلا أو الانتقال إلى وظيفة أخرى أو بلد آخر قد يكون سببا في الضعف إذا لم يتدارك الداعية نفسه .
عدم الثقة بالمنهج أو الموجه .
عدم التنظيم وسوء وضع الأولويات .
مضايقة الداعية من قبل أهله أو عشيرته .
عدم وضوح الهدف .
عدم التوازن في حياة الداعية(2/4)
الخوف من أعداء الإسلام ومن التهديدات ومن مشاق الطريق .
كثرة مخالطة العوام والاستئناس بفضول الكلام والنظر والأكل والنوم .
التحدث عن الأخبار المثبطة للهمم .
قلة المحاسبة الصحيحة .
الإحساس بأن الدعوة نفل وتطوع وعدم استشعار أن الدعوة مسئولية ملقاة على عاتق كل فرد.
الاغترار بزهرة الحياة الدنيا وزينتها .
رابعا : العلاج
تنمية الجانب العبادي (في الفرد) :
الحرص على الفرائض (صلاة ، صوم ، زكاة ، حج )
وتكون الصلاة جماعة مع الخشوع و حضور صلاة الفجر مع التبكير ..
ويهتم في العبادات عموما الجوانب التي تزيد في تأثيرها الإيماني ...
ويبتعد عن الجوانب التي تنقصها الأجر أو الإيمان .
الحرص على النوافل من صلاة وصيام وتصدق وإنفاق في سبيل الله وعمرة وحج وغيره من الطاعات مع معرفة الأعمال من صحيح السنة .
التعلق بكتاب الله وقراءته _ مع تفسيره – والعيش في ظلاله وقيام الليل به . وتدبر القصص القرآني وما حل ببني إسرائيل من قسوة قلوبهم . وتدبر بطش الله بالأمم السابقة لإعراضهم عن منهج الله تعالى.
الحرص على أن يكون هناك حزب يومي .
التدبر في القراءة .
الحرص على التجويد .
الاطلاع على كتب فضائل وآداب القرآن مع التأكد من صحة الأحاديث.
الإكثار من ذكر الله تعالى على جميع الأحوال . والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودوام الاستغفار .
…
حفظ بعض الأذكار الصحيحة والتي يحتاج إليها (كأذكار الصباح والمساء وما بعد الصلاة ..
تأصيل موقف العبودية مع الله بدعائه لجميع حوائجنا
حفظ جوامع الكلم والدعاء .. وحفظ الأدعية القرآنية..
فهم الأدعية والأذكار ومقاصدها
التذكير بالأدعية المأثورة
يمكن اللجوء إلى عمل المسابقات لزيادة حفظ الأحاديث والأذكار والتشجيع على الفوز بها .
قراءة السيرة النبوية مع تدبر أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم .
قراءة الحديث النبوي مع التدبر أخذ العبر
التعرف على مواقف الصحابة وسيرهم(2/5)
مراقبة الله وتنمية هذه الصفة في النفس .
تنمية جانب الخوف والرجاء في الفرد .
استغلال الأوقات والمناسبات التي تمتاز بالنفحات الإيمانية مثل :
رمضان والعشر الأواخر فيها
العشر الأوائل من ذي الحجة
أوقات الحج والعمرة
البلد الحرام
قراءة الكتب الإيمانية الموثوق بها ككتب ابن القيم وتهذيب موعظة المؤمنين .. وغيرها ..
التفكر في مخلوقات الله الكونية وغيرها ..
ذكر الموت وزيارة المقابر .
تهيئة أوقات للعزلة وتكون متزنة مع الخلطة مت ترك فضول الخلطة
المحاسبة الإيمانية الصحيحة
الجلوس إلى من في قلبه كثير من الإيمانيات والإخبات والتائبين والداخلين إلى الإسلام حديثا .. ودعوة الشباب للجلوس إليهم وذلك للتأثر بهم .
التوبة الدائمة .
الرحلات الإيمانية .
معالجة الملاحظات على الجانب الروحي وعدم تركها بدون دراسة أسباب وعلاج .
تعظيم جانب الله سبحانه وتعالى في النفوس
التقلل من الدنيا والزهد فيها والتخفف من الشواغل غير المهمة.
البعد عن فضول النظر وغض البصر مما حرم الله أم مما يلهي
ومما يضعف الإيمانيات عدم التألم من وجود الكفار والفسقة على حالهم .. فالواجب علينا إنكار ذلك بالقلب على أقل حد ودعوتهم .
مسح رأس اليتيم والاهتمام بالفقراء والمحتاجين
سماع الأشرطة الوعظية .
تنمية حي الله بتذكر النعم .
استشعار التقصير في الطاعات في كل وقت .
البعد عن مشابهة الفسقة والمبتدعة والكفرة .
الدعاء .. وخصوصا بزيادة الإيمان وتثبيت القلوب والاستعاذة من زيغ القلب والعياذ بالله .
الزيارة في الله تعالى .
صلة الأرحام وبالأخص الوالدين .
عمل الخير للناس ابتغاء وجه الله تعالى.
الوسائل العلاجية (لتنمية سلوك الغير عليها)
التذكير بما سبق من الأعمال –كل فقرة سابقة يحاول التذكير بها وتشجيع الشباب عليها وإعانتهم-
الاهتمام بالسنة الصحيحة
التخول بالموعظة وقصرها وعدم التعليق عليها .
التعويد على العبادة والمجاهدة(2/6)
استغلال الأحداث في تنمية الجانب الإيماني .
التحذير من الجلوس إلى ضعاف الإيمان حتى من صحبة الخير وتوجيه الشباب للبحث عن أهل النفوس العالية.
القدوة الصالحة والصحبة المتميزة بالعبادة .
التواصي والتذكير بأهمية الموضوع .
الترغيب والترهيب
تنمية المجاهدة الفردية لتحقيق الغاية المنشودة.
الضوابط :
يجب معرفة الحد الأدنى وعدم الهبوط عنه . والتشجيع على الزيادة .
تبني الأعمال على علم صحيح .
اتفاق الأعمال مع الأقوال .
التوازن (لا تفريط ولا إفراط)
البعد عن الإيحاء بالإلزام في النوافل .
لا بد من اختيار الوقت المناسب للتذكير .
كتب نافعة في هذا المجال :
الخشوع في الصلاة
لذة المناجاة
مختصر منهاج القاصدين أو تهذيب موعظة المؤمنين .
صحيح الترغيب والترهيب
الفتاوى الكبرى ج2 ص 18
الوابل الصيب
تهذيب مدارج السالكين
صحيح الكلم الطيب
الجواب الكافي
كتاب الدعاء
وغيرها كثير فليحرص الداعية على الكتب الإيمانية الموثوقة ..
موضوعات في علاج هذا الجانب :
آفات على الطريق ... سيد نوح
ظاهرة ضعف الإيمان .. محمد المنجد
معالم في الشخصية الإسلامية ... عمر الأشقر
ضعف الإيمان .. ناصر العمر
وغيرها كثير ..(2/7)
منتدى
نور الإسلام
http://www.noor-alislam.com
يقدم لكم ...
كتيب
البرنامج اليومي للصائمين في رمضان
إعداد
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
إصدارات دار نشر منتدى نور الإسلام
* كتيب البرنامج اليومي للصائمين في رمضان .
* كتيب البرنامج اليومي لربة المنزل في رمضان .
* كتيب البرنامج اليومي للمرأة الحائض في رمضان .
* كتاب دعوة على منهاج النبوة (1) .
* كتاب دعوة على منهاج النبوة (2) .. 10 محاضرات
رمضانية مفرغة للدعاة .
* قصة أختاه .. متى الالتزام ؟! (1) .
* كتيب كيف تجذب لموضوعك آلاف الزوار ؟
لتحميل هذه الكتب يرجى الدخول إلى هذا الرابط :
http://daralnashr.noor-alislam.com
أو
http://saaid.net/book/index.php
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
منتدى نور الإسلام
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
اخوتي و أخواتي القراء الكرام .. سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ،،
قبل أن نقوم بالتقديم لهذه السلسلة، دعونا نتعرف سوياً على منتدى نور الإسلام..
1 - من نحن؟
نور الإسلام منتدى إسلامي تم تشييد بنائه على منهج أهل السنة و الجماعة بفهم السلف الصالح - و نحمد الله على أن وفقنا لذلك- و ينقسم المنتدى إلى خمسة أقسام رئيسية و هي:
مسجد نور الإسلام
مكتبة نور الإسلام
إعلام نور الإسلام
دار إفتاء نور الإسلام
زهرات الإسلام ( قسم الأخوات )
وتتجانس هذه الأقسام مع بعضها البعض و يتم توظيفها توظيفاً دقيقاً للوصول بها إلى أرقى صورة ممكنة لكي تصل إلى القارئ بطريقة سلسة واضحة.
و يأتي الآن سؤالاً هاماً ..
2 - لماذا سعينا لعمل ورشة تأليف للكتب في المنتدى ؟(3/1)
إن السبب الرئيسي لإنشاء مثل هذا القسم المتميز من نوعه و الذي يتفرد به نور الإسلام - على ما نعلم - هو الهمة العالية التي يتمتع بها القائمين على المنتدى و رغبتهم الصادقة في تسخير الطاقات المخزنة لدى الشباب في خدمة الإسلام و المسلمين و لو كان من خلال عمل بسيط الذي هو سيكون بداية لأعمال أكبر و أضخم في المستقبل بإذن الله .
3 - ما هي أعمالنا الحالية أو المستقبلية ؟
قد تبنى نورالإسلام في الفترة الحالية سلسلة ممتدة إن شاء الله تعالى - و ندعو الله تعالى أن يعيننا على استكمالها إلى أن يتوفانا الله تعالى - و هي سلسلة (دعوة على منهاج النبوة ) و الكتيب الذي بين أيدينا الآن هو جزء من هذه السلسلة .
و تبّنى نور الإسلام إصدارات أخرى أيضاً سيقوم بإصدارها تباعاً إن شاء الله و الإفصاح عنها في وقتها المحدد.
4 - كيف تنضم إلى قافلة نور الإسلام المباركة ؟
يمكنك الدخول على هذا الرابط : http://www.noor-alislam.com و التسجيل معنا و أن تعرض علينا أفكارك و تشاركنا في أقسام نور الإسلام .. فنحن ننتظرك بفارق الصبر و لإبداء أي ملاحظات يسعدنا أن نتلقاها على هذا البريد :
noor-alislam.com@hotmail.com
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
تنويه
أخي / أختي في الله .. سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ،،
حرصاً منا على رضا الله تعالى و كثرة الثواب .. فقد أخرجنا هذا العمل المتواضع الذي نسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم .
و كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " صححه الشيخ الألباني
فنحن ندعوكم أخوتاه ..(3/2)
إلى توزيع هذا الكتيب في كل مكان سواء بطباعته و تعليق محتواه في المساجد و المنازل و على الأبنية أو بتوزيعه إلكترونياً أو كتيبات صغيرة للمارة و العائلة و الأصدقاء .. نسأل الله العليّ العظيم أن يضاعف حسناتكم و أن يوفقكم لما يحبه و يرضاه .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
البرنامج اليومي للصائمين في رمضان
المقصود من البرنامج : الكيفية المثالية لاغتنام المسلم يومًا من رمضان حقًا كما ينبغي مستغلاً كل ساعة فيه بأداء طاعة وعبادة أو نفع متعدي للآخرين يتقرب به إلى الله تعالى راجيًا بذلك الأجر والثواب .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه , نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي ) .
فاليوم الواحد من رمضان يعد فرصة سانحة ومجالاً واسعًا للتقرب إلى الله بأنواع من الطاعات وتنوع العبادات فيكون الأجر أعظم والثواب أكبر .
فيا أخي الصائم / أختي الصائمة :
إن استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله في هذا الشهر فافعل .
ملاحظة :
البرنامج التالي يمكن فيه ختم القرآن الكريم مرة أو مرتين أو ثلاث بإذن الله خلال شهر رمضان , وإن كنتم تستطيعون الزيادة في عدد الختمات خلال الشهر فقد أصبتم خيرا أكثر بإذن الله , ويجب التأكيد إن هذا البرنامج لا يقيد المسلم بأوقات معينة لقراءة القرآن أو الذكر , فالذكر وقراءة القرآن عبادات مباحة في جميع الأوقات والأماكن .
البرنامج المقترح بعد طلوع الفجر
إجابة المؤذن لصلاة الفجر .
" اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " . صححه الألباني رقم: 6423 في صحيح الجامع .
أداء سنة صلاة الفجر في المنزل ركعتان .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " رواه مسلم .(3/3)
" و قد قرأ النبي صلى الله عليه و سلم في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد " صححه الألباني
أداء صلاة الفجر في المسجد جماعة للرجال مع الحرص على التبكير إلى الصلاة .
قال صلى الله عليه وسلم : " ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا " متفق عليه , " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " رواه الترمذي وابن ماجه و صححه الألباني رقم: 2823 في صحيح الجامع .
الانشغال بالدعاء أو الذكر أو قراءة القرآن حتى إقامة الصلاة .
قال صلى الله عليه وسلم : " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " رواه أحمد والترمذي وأبو داوود و صححه الألباني رقم: 3408 في صحيح الجامع .
الجلوس في المسجد للرجال / المصلى للنساء :
- للذكر و قراءة أذكار الصباح .
كان النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس الحسناء " رواه مسلم
- تلاوة القرآن
قال تعالى : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاِ ) [الإسراء:78[.
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
- بعد طلوع الشمس ( بثلث ساعة تقريبًا ) الصلاة ركعتين مستشعرا ثواب وأجر عمرة وحجة تامة .
** ملاحظة : صلاة الإشراق هي نفسها صلاة الضحى أول وقتها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " رواه الترمذي و صححه الألباني .
تذكر استصحاب نية الخير طوال اليوم الرمضاني
البرنامج المقترح بعد الخروج من المسجد / مغادرة المصلى
النوم مع الاحتساب فيه.(3/4)
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : " إني لأحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي" .
أداء صلاة الضحى ولو ركعتين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميده صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى "رواه مسلم .
الذهاب إلى العمل أو الدراسة مع الاحتساب فيه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"رواه البخاري .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له به طرقا إلى الجنة "رواه مسلم .
الانشغال بذكر الله تعالى طوال اليوم .
قال تعالى: ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُِ ) [الرعد:28[.
قال صلى الله عليه وسلم : " أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله " حسنه الألباني رقم: 165 في صحيح الجامع .
تذكر استصحاب نية الخير طوال اليوم الرمضاني
البرنامج المقترح بعد الظهر
إجابة المؤذن لصلاة الظهر , ومن ثم أداء الصلاة في المسجد جماعة .
أداء السنة الراتبة لصلاة الظهر أربع ركعات قبل فرض الظهر و ركعتين بعدها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة "رواه مسلم .
تذكر استصحاب نية الخير طوال اليوم الرمضاني
البرنامج المقترح بعد العصر
إجابة المؤذن لصلاة العصر , ومن ثم أداء الصلاة في المسجد جماعة .
تلاوة القرآن
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.(3/5)
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
سماع موعظة المسجد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته " رواه الطبراني حسن صحيح .
أخذ قسط من الراحة مع احتساب النية الصالحة فيه
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإن لبدنك عليك حق ".
البرنامج المقترح قبيل المغرب
- الاهتمام بشئون المنزل والعائلة
- المذاكرة
- حفظ القرآن
- سماع الخطب أو المواعظ والرقائق أو الدعوة عبر النت
- تقديم المساعدات والعون في تفطير الصائمين في المساجد
الاشتغال بالدعاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " صححه الألباني رقم: 3407 في صحيح الجامع .
البرنامج المقترح بعد غروب الشمس
إجابة المؤذن لصلاة المغرب
تناول الإفطار على رطيبات أو تمرا وترا أو ماء مع احتساب أجر إتباع السنة مع ذكر دعاء الإفطار.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" صححه الألباني رقم: 4678 في صحيح الجامع .
أداء صلاة المغرب (جماعة في المسجد للرجال)
أداء السنة الراتبة لصلاة المغرب - ركعتان
الاجتماع مع الأهل حول مائدة الإفطار مع شكر الله على نعمة إتمام صيام هذا اليوم
قراءة أذكار المساء
الاستعداد لصلاة العشاء والتراويح بالوضوء والتطيب ( و يكون التطيب للرجال فقط ) واستشعار خطوات المشي إلى المسجد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية " رواه أبو داود، الترمذي والنسائي وغيرهم و صححه الألباني رقم: 2701 في صحيح الجامع .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " أي صلاة العشاء رواه مسلم .(3/6)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات " أي غير متطيبات رواه أحمد وأبو داود و صححه الألباني رقم: 7457 في صحيح الجامع .
قال صلى الله عليه وسلم: " من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة " رواه مسلم .
البرنامج المقترح بعد العشاء
إجابة المؤذن لصلاة العشاء وأداء صلاة العشاء جماعة في المسجد
أداء السنة الراتبة لصلاة العشاء - ركعتان
أداء صلاة التراويح جماعة كاملة في المسجد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " رواه أهل السنن وقال الترمذي حسن صحيح .
تلاوة القرآن
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة جزء واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
- جلسة عائلية / صلة الرحم / سمر رمضاني هادف .
- سماع الخطب أو المواعظ والرقائق في المساجد .
- الدعوة عبر النت أو غيره .
- المذاكرة .
- حفظ القرآن .
البرنامج المقترح في الثلث الأخير من الليل
أداء صلاة التهجد مع إطالة السجود والركوع فيها وتصلى جماعة في المسجد في العشر الأواخر من رمضان
أداء صلاة الوتر إن لم تصلى مع الإمام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " رواه أهل السنن وقال الترمذي حسن صحيح .
تلاوة القرآن
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة جزء واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.(3/7)
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
السحور مع استشعار نية التعبد لله تعالى وتأدية السنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه .
الجلوس للدعاء والاستغفار حتى أذان الفجر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له " رواه البخاري والمسلم .
البرنامج اليومي للصائمين في رمضان
( إعادة عرض البرنامج السابق بدون استخدام الجداول لتسهيل نشره في المنتديات )
المقصود من البرنامج : الكيفية المثالية لاغتنام المسلم يومًا من رمضان حقًا كما ينبغي مستغلاً كل ساعة فيه بأداء طاعة وعبادة أو نفع متعدي للآخرين يتقرب به إلى الله تعالى راجيًا بذلك الأجر والثواب .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه , نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي ) .
فاليوم الواحد من رمضان يعد فرصة سانحة ومجالاً واسعًا للتقرب إلى الله بأنواع من الطاعات وتنوع العبادات فيكون الأجر أعظم والثواب أكبر .
فيا أخي الصائم / أختي الصائمة :
إن استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله في هذا الشهر فافعل .
ملاحظة :
البرنامج التالي يمكن فيه ختم القرآن الكريم مرة أو مرتين أو ثلاث بإذن الله خلال شهر رمضان , وإن كنتم تستطيعون الزيادة في عدد الختمات خلال الشهر فقد أصبتم خيرا أكثر بإذن الله , ويجب التأكيد إن هذا البرنامج لا يقيد المسلم بأوقات معينة لقراءة القرآن أو الذكر , فالذكر وقراءة القرآن عبادات مباحة في جميع الأوقات والأماكن .
البرنامج المقترح بعد طلوع الفجر
* إجابة المؤذن لصلاة الفجر :(3/8)
" اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " , صححه الألباني رقم: 6423 في صحيح الجامع .
* أداء سنة صلاة الفجر في المنزل ركعتان :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " , رواه مسلم .
" و قد قرأ النبي صلى الله عليه و سلم في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد " صححه الألباني .
* أداء صلاة الفجر في المسجد جماعة للرجال مع الحرص على التبكير إلى الصلاة :
قال صلى الله عليه وسلم : " ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا " متفق عليه , " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " , رواه الترمذي وابن ماجه و صححه الألباني رقم: 2823 في صحيح الجامع .
* الانشغال بالدعاء أو الذكر أو قراءة القرآن حتى إقامة الصلاة :
قال صلى الله عليه وسلم : " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " , رواه أحمد والترمذي وأبو داوود و صححه الألباني رقم: 3408 في صحيح الجامع .
* الجلوس في المسجد للرجال / المصلى للنساء :
- للذكر و قراءة أذكار الصباح :
كان النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس الحسناء " , رواه مسلم .
- تلاوة القرآن :
قال تعالى : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاِ ) [الإسراء:78[.
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
- بعد طلوع الشمس ( بثلث ساعة تقريبًا ) الصلاة ركعتين مستشعرًا ثواب وأجر عمرة وحجة تامة :
** ملاحظة : صلاة الإشراق هي نفسها صلاة الضحى أول وقتها .(3/9)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " , رواه الترمذي و صححه الألباني .
* تذكر استصحاب نية الخير طوال اليوم الرمضاني .
البرنامج المقترح بعد الخروج من المسجد / مغادرة المصلى
* النوم مع الاحتساب فيه :
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : " إني لأحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي" .
* أداء صلاة الضحى ولو ركعتين :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميده صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " , رواه مسلم .
* الذهاب إلى العمل أو الدراسة مع الاحتساب فيه :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده " , رواه البخاري .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له به طرقا إلى الجنة " , رواه مسلم .
* الانشغال بذكر الله تعالى طوال اليوم :
قال تعالى: ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُِ ) [الرعد:28 [.
قال صلى الله عليه وسلم : " أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله " , حسنه الألباني رقم: 165 في صحيح الجامع .
* تذكر استصحاب نية الخير طوال اليوم الرمضاني .
البرنامج المقترح بعد الظهر
* إجابة المؤذن لصلاة الظهر , ومن ثم أداء الصلاة في المسجد جماعة .
* أداء السنة الراتبة لصلاة الظهر أربع ركعات قبل فرض الظهر و ركعتين بعدها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة " , رواه مسلم .
* تذكر استصحاب نية الخير طوال اليوم الرمضاني .
البرنامج المقترح بعد العصر(3/10)
* إجابة المؤذن لصلاة العصر , ومن ثم أداء الصلاة في المسجد جماعة.
* تلاوة القرآن :
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
* سماع موعظة المسجد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته " , رواه الطبراني حسن صحيح .
* أخذ قسط من الراحة مع احتساب النية الصالحة فيه :
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإن لبدنك عليك حق ".
البرنامج المقترح قبيل المغرب
* القيام بأحدى الأنشطة التالية :
- الاهتمام بشئون المنزل والعائلة .
- المذاكرة .
- حفظ القرآن .
- سماع الخطب أو المواعظ والرقائق أو الدعوة عبر النت .
- تقديم المساعدات والعون في تفطير الصائمين في المساجد .
* الاشتغال بالدعاء :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " , صححه الألباني رقم: 3407 في صحيح الجامع .
البرنامج المقترح بعد غروب الشمس
* إجابة المؤذن لصلاة المغرب .
* تناول الإفطار على رطيبات أو تمرا وترا أو ماء مع احتساب أجر إتباع السنة مع ذكر دعاء الإفطار:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" , صححه الألباني رقم: 4678 في صحيح الجامع .
* أداء صلاة المغرب (جماعة في المسجد للرجال) .
* أداء السنة الراتبة لصلاة المغرب - ركعتان .
* الاجتماع مع الأهل حول مائدة الإفطار مع شكر الله على نعمة إتمام صيام هذا اليوم.
* قراءة أذكار المساء .(3/11)
* الاستعداد لصلاة العشاء والتراويح بالوضوء والتطيب ( و يكون التطيب للرجال فقط ) واستشعار خطوات المشي إلى المسجد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية " , رواه أبو داود، الترمذي والنسائي وغيرهم و صححه الألباني رقم: 2701 في صحيح الجامع .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " أي صلاة العشاء , رواه مسلم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات " أي غير متطيبات , رواه أحمد وأبو داود و صححه الألباني رقم: 7457 في صحيح الجامع .
قال صلى الله عليه وسلم: " من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة " , رواه مسلم .
البرنامج المقترح بعد العشاء
* إجابة المؤذن لصلاة العشاء وأداء صلاة العشاء جماعة في المسجد .
* أداء السنة الراتبة لصلاة العشاء - ركعتان .
* أداء صلاة التراويح جماعة كاملة في المسجد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " , رواه أهل السنن وقال الترمذي حسن صحيح .
* تلاوة القرآن :
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
* القيام بأحدى الأنشطة التالية :
- جلسة عائلية / صلة الرحم / سمر رمضاني هادف.
- سماع الخطب أو المواعظ والرقائق في المساجد.
- الدعوة عبر النت أو غيره .
- المذاكرة.
- حفظ القرآن .
البرنامج المقترح في الثلث الأخير من الليل(3/12)
* أداء صلاة التهجد مع إطالة السجود والركوع فيها وتصلى جماعة في المسجد في العشر الأواخر من رمضان .
* أداء صلاة الوتر إن لم تصلى مع الإمام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " , رواه أهل السنن وقال الترمذي حسن صحيح .
* تلاوة القرآن :
الالتزام قدر الإمكان بـ :
- قراءة نصف حزب من القرآن لإكمال ختمة واحدة خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال ختميتن خلال شهر رمضان.
- أو قراءة حزب واحد من القرآن لإكمال 3 ختمات خلال شهر رمضان.
ومن استطاع الزيادة في مقدار التلاوة فقد حصد خيرا كثيرا إن شاء الله .
* السحور مع استشعار نية التعبد لله تعالى وتأدية السنة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " , متفق عليه .
* الجلوس للدعاء والاستغفار حتى أذان الفجر :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له " , رواه البخاري والمسلم .
??
??
??
??
16(3/13)
تحية للفضائيات العربية
تأليف
أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي
إمام وخطيب جامع الملك فهد بمحايل عسير
1-
يا معشرَ السادةِ في الأعاربِ
وحاملي الأفكار والتجارب
2-
وصانعي القرار للشعوب
وواهبي اللحوم والحبوب
3-
ما ذلكَ الإعلام والفضاءُ
علاه في زماننا الغثاءُ
4-
وحلَّة الأنكادُ والأرزاءُ
وسَامه الهباءُ والوباءُ
5-
وبَاءَ ذا الفساد للأخلاقِ
وطمس ذاك النور والإحقاقِ
6-
وديمة الإلهاء للأناسي
وكثرة التمييع والإيناس
7-
بمنكر الفنون والآدابِ
وشرخ حصن النسوة الكعابِ
8-
ما هذا بالنافعِ والإعلامُ
تسوده الألحانُ والأنغامُ؟!
9-
تسوسه رسالة الإمتاعِ
بكل ما انحط من الأنواع
10-
باللعب واللهو وبالنساءِ
والكرة الراقيةِ الشمَّاءِ
11-
ورُفقةِ الإضحاك والتنيفس
ومعشرِ الإضلالِ والتنكيسِ
12-
الدَّمُ كالماء وكالربيعِ
فعش مع الناس بلا تشنيعِ
13-
واستمتِعنْ بلذةِ الحياةِ
في ذلك التلفاز والقناةِ
14-
قناتُنَا تغص بالترويحِ
والليلة (الليلاء) والتمديحِ
15-
ليلتُهُم تموجُ بالغناءِ
وزينة الغواني والنساءِ
16-
وساحة الرقص والاختلاط
من غير آداب ولا انضباطِ
17-
يفقد ذا (الإعلامُ) في الإعلامِ
موائدَ الإقدام و(التنامي)
18-
لا علم لا إرشاد لا تفهيمُ
وإنما التطبيل والتنغيمُ
19-
لم يخدمِ الأمةَ والإسلاماَ
واستتبع الإيهامَ والإجراماَ
20-
واستحلى ذا الخلودَ والركودا
واستمطر الرقود والجمودا
21-
لم يأت للأمة بالفوائدِ
وتلكم الحسانِ والفرائدِ
22-
وإنما قد جاء بالمصائبِ
وعمنا (بالسوء) والغرائبِ
23-
لا يبتغي (الدقةَ) والإفادا
ولا (المروءات) ولا الإنجادا
24-
وهمه الإضلالُ والتطريبُ
ونهجه التشويه والتغييبُ
25-
خائنُ للأمة والشعوبِ
ويدعي الإرفاد للمنكوبِ
26-
ونكبة الأنام في إعلامِ
لا يحفظ الحقوق في الإسلام
27-
لم يخدم الإسلام والأعرابا
واستطعم الفساد والتبابا
28-
هذا هو الإعلام في الأوطان
من غير تطبيل ولا أغاني
29-(4/1)
لم يعكس الصورة للإسلام
وإنما عاش على تعامي
30-
وانماعَ في مهاوي الفنونِ
يُشيدُ بالميون والظنونِ
31-
وساند الشباب بالألعابِ
وليس بالتوظيف والإنجابِ
32-
يحطّم الطاقاتِ بالإلهاءِ
ويُشغلُ القامات بالإرجاءِ
33-
وهمه التثبيتُ للكراسي
بكل ما كان من المآسي
34-
تنميةُ الحياة في مسير
والطقس في حُسْنٍ وفي مطيرِ
35-
والماءُ قد جاء إلى النائيِّ
والهاتفُ اليومَ إلى القاصيِّ
36-
كذا هو الإعلام في (البلدانِ)
يحتضن الشعوب بالجنان
37-
وقدَّمَ الخدمةَ بارتقاءِ
وعمَّتِ النعمةُ في الأرجاءِ
38-
هذا هو نشاطُهُ التثقيفي
والمعبَرُ الإعلاميْ والتعريفي
39-
أما عموم البث والبرامجِ
فغاية الإسفاف و(التغانِج)
40-
لا تعرف الأخلاق والآدابا
وتدعم الإرجافَ والإرهابا
41-
إرهاب أمريكا لذي الشعوب
الماضي في الناس بذي الخيوب
42-
خيَّبه الله بهذا البطلِ
وعُدةِ البُزْلِ وأهلِ الأملِ
43-
مَنْ ثبتوا في زمنِ الشدائدِ
واعتصموا بالذكر والمواردِ
44-
وعاشوا للهِ بذا القرآنِ
وقاوموا معاولَ الطغيانِ
45-
بالأمس قد ضاقوا بذي اليهودِ
واليومَ يدعونَ إلى الحيودِ
46-
ونصر ما يُسمَّى (بالسلام)
لينعمَ الإجرام في الأنامِ
47-
وفرقوا قضية الأعاربِ
وأزمةَ الإسلام بالتحاربِ
48-
وقصّروا الأقصى بلا تعميمِ
وغنََّوا للمعتدي الرجيمِ
49-
كذا هو (الفكر) لدى الإعلام
يمضي بلا نفعٍ ولا استقامِ
50-
ليس به خيرُ ولا استرشادُ
وإنما الأضرار والأنكادُ
51-
ليسَ له (رسالةُ الحقائقِ)
ويقضي في الشأنِ بلا وثائقِ
52-
يحترفُ المينَ مع الجنايةْ
ويرتدي الزورَ مع الإهانةْ
53-
لا يمنَحُ الفضاءَ و الحوارا
ويتبع الإقصاء والحصارا
54-
ويمنَعُ الحريةَ في التعبيرِ
ويبصر الأنامُ كالقطميرِ
55-
لا رأي لا حوارَ لا تعبيرُ
وإنما التبغيل والتحميرُ
56-
كذا هو الإعلامُ للعروبةْ
في غايةِ الإحسان و(العذوبة)
57-
يحلو بذي الأفكار والتتظيرِ
ويأتي بالعجيب والمثيرِ
58-(4/2)
وربما اجترَّ إلى القناةِ
تلك التي تغلي بلا أناة
59-
تغلي بذاك (الفيلمِ) والمسلسلِ
والملتقى المزيَّن المحلَّلِ
60-
وقصة اللوعة والغرامِ
وصاحب الهيام والأنغامِ
61-
وبائع الدنيا بذي البناتِ
وطالب الصحة والراحاتِ
62-
والبلطجي الجاريِّ في الأسواقِ
يلتاعُ بالحور وبالرقاقِ
63-
ومن أضاع العلمَ بالأفيونِ
وتاجر العيون والمجونِ
64-
يمجَّدون الفنَّ والجواري
ويُشهرون الحسن والعواري
65-
وليس للحياة من أهدافِ
سوى النسا وهزّةِ الأردافِ
66-
فيديو كليب يسمو بالجميعِ
والسينما كالمرتعِ الرفيعِ
67-
لا تعرف الحياءَ والفضيلةْ
وتنشر الفسوقَ والرذيلةْ
68-
وجعلها ثقافة الأعصار
وطلبة الكبارِ والصغارِ
69-
وإنها سراجُ ذي الإعصارِ
وطلبة الكبارِ والصغارِ
70-
ومبلغ التقدمِ المطلوبِ
ومسلك التمدن المرغوبِ
71-
إن شئنا ذاك المنهجَ الحضاري
فلنجعل النساء كالعواري
72-
يسرحنَ بالغناءِ والتلويح
وخِفَّة الدم وبالتمليحِ
73-
وليعش الشبابُ في هناءِ
ويحمل الخمرَ بلا حياءِ
74-
ليُذهبَ الغموم والأحزانا
ويبلغ الأفنان والإمعانا
75-
ثقافة الجنس بذي الحياةِ
مطالب الشباب والبناتِ
76-
فدعها فى الناس بلا تحجر
وليعش الكل بلا تذّمرِ
77-
فذا هو الإعزاز والإسعاد
لكل ما كان وما يُرادُ
78-
أما حياة الكبت والتضييقِ
فإنها ثقافةُ التحريق
79-
لا تخدم الإبهاجَ والانماءَ
وتمنعُ الهناءَ والإلهاءَ
80-
وذا هو مسْلكُنا الحميدُ
ورأيُنَا المطيَّبُ السديدُ
81-
نَخَتطُ من مسترشد متينِ
وليس بالضّيق والمهَينِ
82-
أستاذنا الغربيُّ والحضاري
وليس من ناد بذا الخمارِ
83-
تقدَّم الغربُ بعد افتراسِ
لمنبع التدين الأساسي
84-
إذ كان ذا حقدٍ وذا وتدميرِ
وعاش للتحريق والتجييرِ
85-
فثارت الأمةُ والأحرارُ
وانزاحت الصلاةُ والأذكارُ
86-
وصارَ ذا الدينُ بالانتهاءِ
من شاء في الكنيسة الحسناءِ
87-
تلك التي تحفل بالزينات
ويصطلي الشباب بالبناتِ
88-(4/3)
وتوقَدٌ الشموع والأفراحُ
فلا تنطع ولا نباحُ
89-
هذي هي ديانة الأعاجمِ
وقد سَمَوا للمجد والمعالمِ
90-
وأطَّوروا فى غاية العمرانِ
وعاشوا في خير وفى اطمئنانِ
91-
كذا يقولُ شيخة الأغرابِ
وقائمي الأقمار والإعجابِ
92-
قد أُعجبوا بساحة الأجانبِ
فغاصوا في التقليد والتحاببِ
93-
وها هم اليومَ على اتباعِ
دون تقهقر ولا انقطاعِ
94-
ساروا على طرائق الكفارِ
مَنْ رجموا الأمةَ بالدمارِ
95-
واستعمروا البلادَ والعبادا
وحَّملونا الفقرَ والنكَادا
96-
وهؤلاء في إثرهم بالأثَرِ
دون مماراةٍ ولا تفكّر
97-
الغربُ مولاهم بلا تفكيرِ
والفنّ مفتوحُ بلا تحجيرِ
98-
مَنْ حرَّم الفنونَ للإنسانِ
وذاك من روائعِ الأفنانِ
99-
ليفعل الإنسانٌ ما يريدُ
ما دامَتِ النفسُ له تُجيدُ
100-
الرقصُ والغناءُ والتواجدُ
والحسن والأماني والتواددُ
101-
مقَاصِدٌ من أنبلِ المقاصدِ
في زمن الطفرة والتقاعدِ
102-
وذا هو الواقعُ والمفيدُ
والمنهج المعسول والسعيدُ
103-
فامضِ مع الهواءِ بالسواءِ
وارقُصْ مع الفتاة بانثناءِ
104-
وانضمَّ للهناء فى ( ستار )
فذاك من مواطن الفخار
.
105-
برنامجُ ( ستار ) ( وبيق بروذر )
وشِبَهِها من موضع التطورِ
106-
الفتى والفتاةُ في سرور
وفي حياة الود والزهورِ
107-
يحصُلُ ذا الوصال والتعارفُ
ويلتغي العَداءُ والتجانفُ
108-
وذا هو الواقعُ للإنسانِ
فلنعشَ اليوم بلا أضغانِ
109-
وليقم العالَمُ بالتحاببِ
ولنهجرَ البغضاء بالتعاقبِ
110-
ما أجملَ الحبَ والانشراحاَ
ونزهة الغرام والفِساحا!
111-
يحصُلُ ذاك الأمرُ بالتراضي
والحكمُ في فهم وفي تغاضي
112-
وتزدهي الشواطي والمسارحُ
وتمتلي المقاهي والمطارِحُ
113-
ونحيَا بالوصالِ والوثوقِ
وليس بالحروب والعقوقِ
114-
فحققوا سعادة النساءِ
وعيشوا للبناتِ والأبناءِ
115-
واستلهِموا معالم الأغراب
إذ جاءوا بالحسنِ وبالعُجَابِ
116-
وحققَّوا الخارق والمعدوما
واخترقوا المجهول والمعلوما(4/4)
117-
أمّا حياةُ العالمِ القديمِ
ومنهجِ التدين السقيمِ
118-
فّذاكَ لا يصلحُ للحياةِ
بعدَ اختلاف العصرِ والحصَاةِ
119-
إذ مَرَد العصرُ بذي الحضارةْ
واستفرشَ الإبداعَ والنضارةْ
120-
فكيف بعد الحِذق والتطوّرِ
نعودُ للنقص وللتحجّرِ؟!
121-
كذا يقول عصبة الأقمار
ومشرفو الدشوش في الأقطارِ
122-
العِلمُ ما تقوله أمريكا
فِدعك ذا الصُراخَ والتشكيكاَ
123-
واأسفى على حجى الأعرابِ
ومنبع الأفذاذ والأنجاب !!
124-
تخوض امريكا بذي القذارةَْ
هل نتبعَ السفالَ والضرارةْ؟!
125-
تقدَّموا بمالنا ودارِنا
واستأسدوا بعزنا وعاِرنا
126-
إذ فَّرقونا عنوةً أشتاتا
وأطعمونا التُرْب والفُتاتا
127-
وسَرَقوا البترولَ والمزارعا
واستوهَبوا المواني والمواقعا
128-
وضربوا الصغيرَ بالكبير
ونفّروا الشياه بالحميرِ
129-
نظامهم ( فرق تسد ) بالزمن
واستحمروا الكل بهذا ( الرسن)
130-
وأبرزوا القومي والعروبي
وأمطروا الإسلامَ بالعيوبِ
131-
وأنهّ لا يُرجَى للحياةِ
ما دامَ ذا نكُرٍ وذا سَوَءآتِ
132-
لكنما اجعلوه في المساجدِ
وليس في الحياة والمعاهدِ
133-
وسوَّغوا للمرء ما يشاءُ
فإنما الدنيا له رجاءُ
134-
كذا يقول عصبةُ الصُّلبانِ
وتَابِعوهُم بلا تواني
135-
وغَفلوا عن (قيمة) الإسلام
وأنه مُحرََّك الأنامِ
136-
ومشعل الإقدام والغاراتِ
وبيرق التغيير والثوراتِ
137-
وأنه مهما طغا الكفارُ
وآزر الأزلامُ والأخسَارَُ
138-
فالأمةُ الغرَّاءُ في إيابِ
لمنهجِ الرسول والكتابِ
139-
تحمل ذا الدينَ على اعتزازِ
وليس بالإيهام والألغاز
140-
فرَغمَ ما شَاعَ من الفجورِ
فإنها تَبزُغُ كالبدورِ
141-
فى ظُلَم التيه والإنحلالِ
لتعلن الإسلامَ في جَلالِ
142-
فتقمع الكافر والعميلا
وتسحق الخائنَ والذليلاِ
143-
مَنْ أمرك الإعلام والتعليماَ
وأوهم الإصلاحُ والترميما
144-
فربنا القاضي بذا التمكين
لأمة الضياءِ والتبيين
145-
اختارها الرحمنُ للقيادةِ(4/5)
وخصَّها بموطن الريادةِ
146-
وإنّها تُبلى ولا تموتُ
ويُنكأ الجُرْحُ ولا تفوتُ
147-
والفتحُ آتٍ رغمَ هذا الشرِّ
ورغمَ ضرَّ قد عتا ونُكْرِ
148-
لأننا نصحوا بذى الجراحِ
والأمة الغراءُ في كفاحِ
149-
ورغم ما حلَّ من الإذلالِ
فالكفرُ في رُعبٍ وفي إجلال
150-
يخشى قيام أمة الإيمانِ
وعودةِ الأنام للقرآنِ
151-
لأنَّه واعظُ هذي الأمةِ
وكاشفُ الكرب وكل غمّةِ
152-
به انجلاءُ سائر الغمومِ
وصولِة الأحزان والهمومِ
153-
كذا يحُلُّ النصرٌ والتمكينٌ
.
ويعتلي القسطاسُ والتبيين
154-
والله أرجانا بالانتصارِ
في زمن العبيدِ والأحرارِ
155-
بَدَّدت الأمةٌ ذي الروماناَ
والهندَ والمغولَ والفرساناَ
156-
وقام ربعي بأرض فارسِ
مقامَ ذي الأبطال والفوارسِ
157-
وقال ما أبانه المختارُ
وأن ديننا هو الفخارُ
158-
سيخُرجُ العبادُ من ظلامِ
ليعبد الرحمنَ بالتمامِ
159-
ويحيا بالعزةِ والإقدامِ
ويفصم المحتل باصطلام
160-
وقد بَدَت طلائعُ البشائرِ
وموضع السرور والمنائرِ
161-
فها هُمُ شبابُ هذا الفنَّ
وزمرةُ اللاعب والمغني
162-
قد فاءوا للإله بالإذعانِ
وأطربوا الأنامَ بالقرآنِ
163-
وسالت الدموعُ والخضوعُ
عَلاَ بهم وتَمَّ ذا الرجوعُ
164-
وأنهم طلائعُ الراياتِ
وقاصمو الكفار بالآياتِ
165-
كانوا بذا الضلال والهوانِ
فاستيقظوا بيقظةِ القرآنِ
166-
وهبُّوا للنجدة والتوحدِ
وقمعةِ المحتل والتجردِ
167-
انتشروا في ساحة الآفاقِ
وليس في مصرَ ولا العِراقِ
168-
بَلْ إنهم في سائر البلدان
بالعلم والفكر وبالسنانِ
169-
فهاهم منافذ العملاقِ
ليرتقي مراقي الأشواقِ
170-
ويُصلحَ العالم والتحضّرا
ويورق الحياةَ والتطورا
171-
شَبابُنا يا معشرَ الفضائي
آتٍ إلى الدنيا بلا استحياءِ
172-
سيصَلُحَ الإعلام والفضاءُ
ويُنسف البذاء والعواءُ
173-
ويُجعل التلفازفى أنوار
وليس فى أطمار أو قَذار
174-
كما صنعتٌم صَنعة الآماسِ
وبعِتمُ الإسلامَ بالأفلاسِ
175-(4/6)
وعُدتمُ رغم انفتاح الفجر
لموطنِ التفليسِ والتهذري
176-
فها هُمُ الشبابُ في الإسلامِ
عادوا لدينِ الواحدِ العّلامِ
177-
واطّلبوا الحياءَ والفضيلةْ
والخصلةَ الوافيةَ النبيلةْ
178-
ما أفلح الجنس ولاالإفسادُ
وخابت الأفلامُ والسِفادُ
179-
لأنَّها ثقافةُ الأوقاتِ
ولحظة الأحيانِ والساعاتِ
180-
تمحوها ذي المواعظُ الرقاقٌ
واللُّمَع المتينة الدقاقُ
181-
لدينا منُ مشَاعلِ القرآنِ
ومن ربيع السنة الريانِ
182-
ما يوقظ القلوبَ والبصائرا
ويدفع الأرزاءَ والمخاطرا
183-
وعندنا تاريخُنا المجيدُ
تذكارُه المؤرَّقُ الشديدُ
184-
وعندنا محاسنُ الحضارةِ
وباهر الأخلاق والمهارةِ
185-
وعندنا من قيم الشعوب
روائعُ تقضي على الكَذوبِ
186-
يهيجها التذكير والتنبيه
وذلك التاريخ والتوجيهُ
187-
تحيا ذِهِ المعاني في الشبابِ
بمنطقِ الهداة والأنجابِ
188-
من أشفقوا لأمة الإسلامِ
وعاشوا بالنصح والاهتمامِ
189-
ليس الذي قد أوهم الشبابا
وأفسد الأخلاق والكِعابا
190-
وصَّير الإعلام للترفيهِ
لمطلق الإشغال والتفكيهِ
191-
وجاء بالمليون والمليارِ
لمطلقِ الترويح والدمارِ
192-
تُبذَل ذي الأموالُ للقناة
للرقص والأفلام واللهاةِ
193-
لم تخدم الفكرَ ولا العلوما
أو أوسعت في دهرِنا الفهوما!
194-
تُخصَّصُ الأموالُ فالأموالُ
كيما يطيب الجنسَ والخبال
195-
أموالٌ لا تبذل للفقيرِ
وليس للإنماء والتطويرِ
196-
وإنما لمطلق الإفسادِ
وجعل ذي العقولِ كالرماد
197-
نعيشُ للشهوة والأغاني
وليس للأمجاد والمعاني
198-
ونبتغي منازلَ الفخارِ
بالخلق الرديء والشَنارِ
199-
العِزُّ في ثقافة الإلهاءِ
وليس في العلومِ والبناء !!
200-
والفخرُ الاستمتاعُ بالملاعب ِ
ورؤية الكوميدي والمشاغبِ
201-
وليس في علم وفي مراتبِ
في زمن اللقاء والتحاببِ
202-
أموالُنا تُبذلُ للغناءِ
والكره البيضاء والصفراءِ
203-
وليس في مواضع الحضارةِ
ومنبعِ الإتقان والإنارةِ
204-(4/7)
كذا هي سياسة الإعلامِ
في عالم الأعراب والنعامِ
205-
لا دينَ لا إسلامَ لا عروبةٌ
وإنما الهُراء والأكذوبةُ
206-
لم تنطل أكاذب الدشوشِ
إلا على الدجاج والجحوشِ
207-
إذ فقُه الشبابُ والنساءُ
وزاد ذا الوعي وذا الذكاءُ
208-
والفضلُ للمهيمن العلامِ
ثم لدور الشيخة الأعلامِ
209-
مَنْ نصحوا بالصدق والوضوحِ
وليس بالإضلال والنزوحِ
210-
كذلكَ الأبناء في انتباهِ
قد ضَاقُوا بالجنسِ وبالملاهي
211-
لأنَّها لم تصنعِ السرورا
بل زادت الجروح و الشرورا
212-
إذ فخر المغرور بالخلائل
وغصَّ فى الإيدز و الغوائلِ
213-
ولم يزل أداء ذي الفواحش
في موكبِ محتشد ورائش
214-
حتى بدا شباب هذا اليومِ
في أدمع سيالة وضَيْمِ
215-
واشتدتِ البطالةُ الغراءُ
وامتدت الخطابةُ البأساءُ
216-
وانفجرَ العاَلمُ بالحقائقِ
ولم يَعُدْ فى غيهبِ الزوارقِ
217-
والفضل (للنتّ) وللإعلامِ
البازغ اليومِ بذي الظلامِ
218-
واحدة أو ثنتين في آلافِ
تنشر ذا الحق بالاعتساف
219-
فيغضَبُ المنحَلَّ والإباحيِ
من منهج التحقيق والإفصاحِ
220-
لأنه ازرى به إزراءَ
قلده البكاءَ والغبَاءَ
221-
لأنه يَسبحُ في الميونِ
وفي جمالِ النهدِ والعيونِ
222-
وهّمه السينما والكليبُ
والطرَفُ البهيج والحبيب
223-
مَنْ قُبحْه فى عالم البيان
يفصُل ذي الأغاني ( بالأذان )
224-
وينقل الخطبة والصلاةَ
ويوهم الإحسان والنجاةَ
225-
يخلَّط الحقَ بهذا الباطلِ
ويوسِعُ البلواء بالتهازلِ
226-
وأن ذا الفسوق لا يجرَّمُ
كذلك السينما لا تُحَرَّمُ
227-
ونرضيَ الجميعَ بالمنوعِ
وليسَ باللازمِ والمقرع
228-
فنهجنا إجابة الرغَباتِ
للحورِ والفسَّاقِ والهداةِ
229-
وذي هي السياسةُ الرشيْدة
والحكمةُ النبهاءُ والسديدةْ
230-
بها تُحَلَّ سائَر الأشكال
وحامل الأغلاطِ والإنكالِ
231-
ونفرح الأنام والشعوبا
ونقنع المعرضَ والغضوبا
232-
والمقصِدُ الترويح والتنفيسُ
وليس ذا التنكيد والتيئيسُ
233-(4/8)
تلك هي الرسالة الحسناءُ
وإننا بضعفها أحياءُ
234-
نَمُدها في زمن التعولمِ
بالمثلِ العليا وبالتفهمِ
235-
فالأمرُ ليس بالعنادِ
وإنما باللفَّ ( والحيادِ)
236-
كذلك الفهمُ لذا الزمانِ
وعيش ذي الحياة باطمئنانِ
237-
لِنسلمَ الحروبَ والكروبا
وندفعَ الإرهابَ والعيوبا
238-
أمَا ترى العراقيِ والأفغاني
صار بدنيا عالم العدوانِ
239-
لو أنهم قد قبلوا التعاونا
لاستوجبوا الإمدادَ والتضامنا
240-
والآن ذا الطريقُ في (لبنانِ )
تُضَرَّم النيرانُ في الجنانِ
241-
وتذهب المتعةُ عن بيروتاِ
وتصطلي الخرابَ والفُتوِتا
242-
فقدَّمَنْ تنازلَ الفرسانِ
سلام ذي الأبطال والشجعان
243-
فإنَّه الفهمُ الصحيح الألمَعُ
والمسلك الأحمدُ والمروَّعَُ
244-
كذا يعَيشُ ساسة الإعلام
وواهبي الأطباقِ للأنامِ
245-
لم يرفعوا الوعي ولا الإعلاما
أو ابتغوا الإحسانَ والإفهاما
246-
وإنما يمضون بالتقليدِ
للمسلكِ الآذمّ والنكيدِ
247-
ما رفعوا الإعلامَ للمعالي
وما أتوا بالدُّرر الغوالي
248-
في العلم والحكمة والتطويرِ
والمنهج الحضاري والتنويرِ
249-
ونهضةِ الأمةِ للإبداعِ
وغرسِ روحِ المسلم المسراعِ
250-
مَنْ يغدو للجدِ وللفضائل
ويسعى للأمجادِ والنوائلِ
؛1
251-
ويرتقي مراقي النجاحِ
في موكب الإنتاج والإصلاحِ
252-
فالأمةْ غضَّة بذي الطاقاتِ
تحتاج للتفجير والحداةِ
253-
وجعل ذا الإعلام كالأمانةْ
يخشى وباءَ الهُوْنِ والخيانةْ
254-
وينزوي عن مذهب اللئامِ
وناشري الإسفاف والحرامِ
255-
من بدلوا الأمورَ والشرائعا
وهوَّنوا المنكرَ والفظائعا
؛1
256-
وشَّيدوا تلفاز هذا الواقعِ
لجعلِه ذِريعةَ الوقائعِ
257-
في الخنا والإفلاس والفجورِ
ومهبِط المطروحِ والمنكورِ
258-
وذا هو الطريق للنهوضِ
مِنُ رقدةٍ بلهاءَ أو غموضِ
259-
متى يكونُ المنهجُ الإعلامي
للأمةِ الغراءِ والفِهامِ
260-
لا ينأى عن دينِ وعن أصولِ
وعن تعاليمٍ وعن نقولِ
261-
يحلّي ذي الأمة بالإصلاحِ(4/9)
وليس بالتدليس والأتراح
262-
ويرقى في الطرح وفي الإنتاجِ
وفى الإفادات وفي الإبهاجِ
263-
بالمنطقِ السديدِ والإحسانِ
وليس بالعرايا والأغانيِ
264-
وجعل ذي القناة للنساءِ
والميل في الأرض وفي الهواءِ
265-
والغُنجْ في الحديث والحوار
والغُنجْ في المطبخ والأخبارِ
266-
كذا هي برامجُ القناةِ
تسعى لخطف الشاب والفتاةِ
267-
وجعلِهم ( كعالم الحيوان )
من غير أخلاق ولا إيمانِ
268-
وربنا المسئول بالحفاظ
لجيل هذي الأمةِ الأيقاظِ
269-
لأنهم منابعُ الإنقاذِ
وموئل التقدم الأخّاذِ
270-
لكنه حضَّ على التفاعلِ
وحمل هذا الدين والتواصلِ
271-
والجِد في الخير وفي الأعمالِ
وقفو سعي همة الأوالي
272-
من أخذوا القرآن باهتمامِ
والهِمَّة العلياءِ والتسامي
273-
وأنهم آتونَ دون شكِ
لحل هذا الفسق والتشكي
274-
وقلب ذا الإعلام في الخيراتِ
وجعِلها الملاذ في الحياةِ
275-
بالنور والذكرِ وبالإبداعِ
في عالم التقدمِ المُذاعِ
276-
يسير في مناهج الفضائلِ
وليس في مناكد الرذائلِ
277-
ويرفعُ الأمة للمعالىِ
وليس للحضيضِ والسَفالِ
278-
فهُبّوا يا معاشرَ الشبابِ
ويا عفافَ النسوةِ الكعابِ
279-
واستنكروا الإسفاف بالإنسانِ
وجعله كالهائجِ الحيوانِ
280-
وقولوا للَمبدل الخوّانِ
تباً وتباً دائمَ الأزمانِ
281-
سئمنا من برامج الضياعِ
ومن بريق المشهد ( المصياع )
282-
وعُدنا للباري وللسموِ
وعالم السرور والنموِ
283-
في دوحة الإيمان والقرآنِ
وعزةِ المسلم والنبهانِ
284-
وأنتم الساعونَ للخرابِ
موئلكم حرائقُ التبابِ
285-
جزاء ما كان من التبديلِ
ومنهجِ التخريف والتطبيل
286-
والعاَلمُ الآن إلى ازدهارِ
في ( عالم التقنية ) الحضاري
287-
إذ ثار ذا التصنيع والحاسوبُ
وانفجر العلم كذا المحجوبُ
288-
وانزاحَ ذا المنْعُ وذا التضييقُ
وانفتَحَ المجالُ والطريقُ
289-
والسبقُ للنافع والحضاري
وليس للإخلال والضرارِ
290-
والصحوةُ الغراءُ في ابتهاجِ(4/10)
وفي بهيّ العلم وانبلاجِ
291-
وإنها تنساقُ في الختام
(للنصر ) والعز وللتسامي
292-
وإنها في عالم الصراع
وفي حياة الدفع والدفاعِ
293-
وكذا هي الحياةُ ( للبلاء )
وليس للراحة والصفاءِ
294-
مطبوعةً بسائر الأقذاءِ
وقِلة الإسعاد والهَنَاءِ
295-
وإننا فيها على جهاد
نقاوم الفسادَ بالرشادِ
296-
وننشر الضياءَ للإنسانِ
بردّهِ للمنهجِ الربانيِ
297-
قرآنُنا منائرُ السلوانِ
وبلسم الشفاء والأمانِ
298- 2
ومنهجُ السرور للشعوبِ
ففففففم
ودافعُ اللأواء والكروب
الجمعة 1 صفر 1426 هـ
11/3/2005 م
تمت المنظومة بعون الله تعالى وتوفيقه ،،
فمن له لان وقد وعاه
…هداه ذا القرآن واستهداه
??
??
??
??(4/11)
كيف تكسب الناس
الفهرس
الموضوع
الفرع
المقدمة
الوسائل النبوية في كسب قلوب البرية
الوسيلة الأولى: خدمة الناس وقضاء حوائجهم
الوسيلة الثانية: الحلم وكظم الغيظ
الوسيلة الثالثة: السماحة في المعاملة
الوسيلة الرابعة : المداراة
الوسيلة الخامسة :إدخال السرور على الآخرين
الوسيلة السادسة:احترام المسلمين وتقديرهم والتأدب معهم وتبجيلهم وإجلالهم
الوسيلة السابعة : حسن الكلام
الوسيلة الثامنة : التواضع ولين الجانب
الوسيلة التاسعة : الجود والكرم
الوسيلة العاشرة : الرفق
المنفرات
أولا : عدم مراعاة أحوال الناس وظروفهم
ثانيا : التعلق بمتاع الدنيا وزخرفها
ثالثا : الغلظة والفظاظة
رابعا : مخالفة القول العمل
خامسا : التعسير والتعقيد
الخاتمة
بسم الله الرحمن الرحيم
التقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى التابعين لهم بإحسان.
أما بعد:
فقد اطلعت على هذه الرسالة الموجزة للشيخ الفاضل مازن بن عبد الكريم الفريح فوجدتها دراسة نفيسة وتحفة تربوية منطلقها القرآن ودليلها السنة وغايتها بذر الإيمان في القلوب ونشر الوئام والسلام لصلاح الحياة .
ولاشك أن الدعاة أحوج الناس إلى معرفة طرق ووسائل رد القلوب الشاردة إلى حياض الهدى ومناهل التقوى فشكر الله له سعيه ورزقنا وإياه الإخلاص والتقوى ونفع بعمله هذا جميع المسلمين.
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وصحبه وسلم تسليماً كثيراً...
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران الآية 102.(5/1)
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالا كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) النساء الآية : 1.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) الأحزاب، الآيتان 70، 71
أما بعد :
فإن كسب قلوب الناس ليكونوا بعد ذلك للدعوة محبين وإليها مقبلين ولجندها مناصرين من الموضوعات المهمة التي ينبغي أن يوليها الدعاة عنايتهم واهتمامهم .. وأن يكون لها نصيب كبير من تفكيرهم وتخطيطهم ..
وتأتي أهمية هذا الموضوع من جوانب عدة منها :
أولاً : أن كسب قلوب الناس طريق ووسيلة إلى تقبلهم الحق وبعض الناس معرض عن دعوة الله لعدم انسجامه مع الداعية نتيجة لبعض تصرفاته الخاطئة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (( يا أيها الناس إن منكم منفرين ))
ثانياً: صنف من الدعاة لا يهتم بمعاملة الناس ولا يبالي بموقف الناس منه ولهذا نشأت بينه وبينهم هوة كبيرة حالت دون تبليغ دعوة الله في الوقت الذي نجد فيه بعضاً من أصحاب الأفكار المنحرفة أوجدوا لأفكارهم أتباعاً ولمبادئهم جنوداً وأنصاراً لأنهم عرفوا كيف يتعاملون مع الناس فكسبوا قلوبهم وحركوا نفوسهم إلى ما لديهم من باطل .
ثالثاً : أن كسب الدعاة لقلوب الناس يبدد الجهود المضنية لأعداء الدين على اختلاف مشاربهم وتباين نحلهم والتي يبذلونها في تشويه صورة دعاة الحق بما يبثونه من إشاعات وافتراءات كاذبة عبر وسائل الإعلام المختلفة.. فمعاملة الداعية للناس معاملة الأب الشفيق الرحيم الذي يحرص عليهم كما يحرص على نفسه ويحب لهم ما يحب لها يسد الأبواب أمام أهل الباطل فلا يستطيعون النيل منه أو إثارة الشبهات حوله..(5/2)
رابعاً: حاجة الدعوة للتفاعل مع الناس ، وهذا التفاعل لن يثمر الثمار المرجوة منه إلا إذا أخذنا بأساليب كسب القلوب التي سنها لنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) أنه قال: " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"
خامساً: أن قيام الدعاة بكسب قلوب الناس من حولهم يزيد في ترابط أفراد المجتمع المسلم ، ويجعلهم أفراداً متراحمين متعاطفين وهذا مطلب شرعي في حد ذاته: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
كل هذه الأمور وغيرها تجعل الحديث عن موضوع" كيف تكسب الناس" في غاية الأهمية .. وقد تناولنا الموضوع من خلال استعراض بعض الوسائل النبوية في كسب قلوب البرية ثم أتبعناها بذكر بعض المنفرات التي تنفر الناس من الداعية وتمنع استجابتهم له .
أسأل الله ، عز وجل ، أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه:
مازن بن عبد الكريم الفريح
20/12/1412هجرية
الوسائل النبوية في كسب قلوب البرية
الوسيلة الأولى: خدمة الناس وقضاء حوائجهم
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ، والميل إلى من يسعى في قضاء حاجاتها ؛ ولذلك قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
وأولى الناس بالكسب هم أهلك وأقرباؤك ؛ ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وعندما سئلت عائشة- رضي الله عنها- ما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يفعل قالت " كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة".(5/3)
ومنا من لا يبالي بكسب قلوب أقرب الناس إليه كوالديه وزوجته وأقربائه فتجد قلوبهم مثخنة بالكره أو بالضغينة عليه لتقصيره في حقهم، وانشغاله عن أداء واجباته تجاههم. ومن أصناف الناس الذين نحتاج لكسبهم ولهم الأفضلية على غيرهم الجيران لقوله (صلى الله عليه وسلم ) "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ". وأي إكرام أكبر من دعوتهم إلى الهدى والتقى ؛ بل قال عليه أفضل الصلاة والسلام-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه" . ولذلك ينبغي أن نتحبب إلى الجار فنبدأه بالسلام ونعوده في المرض ، ونعزيه في المصيبة ، ونهنئه في الفرح ونصفح عن زلته ، ولا نتطلع إلى عورته، ونستر ما انكشف منها ، ونهتم بالإهداء إليه وزيارته ، وصنع المعروف معه، وعدم إيذائه.. وقد نفى الرسول (صلى الله عليه وسلم) الإيمان الكامل عن الذي يؤذي جاره فقال:" والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قال قائل من هو يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه".
والبوائق هي الشرور والأذى .
ومن أصناف الناس الذين ينبغي أن نكسبهم إلى صف الدعوة- أخي الحبيب- من تقابلهم في العمل ممن هم بحاجة إليك.. فإذا كنت طبيباً فالمرضى ، وإذا كنت مدرساً فالطلاب ، وإذا كنت موظفاً فالمراجعون . فلا بد من كسب قلوبهم من خلال تقديمك لأقصى ما تستطيعه من جهد في خدمتهم و إنجاز معاملاتهم وعدم تأخيرها.. وكم منا من يسمع من يدعو على موظف لم يكلف نفسه في تأدية ما عليه من واجبات في عمله ويؤخر معاملات الناس . وعند الترمذي وأبي داود- بإسناد صحيح -عنه (صلى الله عليه وسلم)" من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة".(5/4)
وبالجملة فإن الوظيفة مجال خصب لكسب قلوب الناس وتبليغهم دعوة الله .. و إنما خصصت هذه الأصناف الثلاثة من الناس بالذكر وهم الأهل أو الأقرباء والجيران ومن نلقاهم في وظائفنا لسببين هما: كثرة اللقاء بهم، والثاني كثرة التقصير أو الإهمال لحقوقهم مماله الأثر السلبي في تقبلهم لما ندعوهم إليه؛ إذن فالمسلم فضلا عن الداعية ينبغي أن يسع الناس كلهم بخلقه وتضحيته ولذلك وصفت خديجة الرسول( صلى الله عليه وسلم) فقالت :"إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".
الوسيلة الثانية: الحلم وكظم الغيظ
يخطئ بعض الناس- أحياناً - في حقك.. يوعد فيخلف أو يتأخر أو يجرحك بلسانه فلا بد لكسبه من حلم وكظم للغيظ لأنك صاحب هدف وغاية تريد أن تصل إليها ؛ ولذا لابد من حسن تصرفك والله -عز و جل- يمتدح هذا الصنف من الدعاة فيقول : (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) آل عمران، الآية: 134 . وعن أنس - رضي الله عنه -قال : "كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى أزالت الرداء إلى صفحة عاتق رسول (الله صلى الله عليه وسلم) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك .. فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وضحك ، وأمر له بعطاء". وهذا الموقف من سيد الخلق -عليه أفضل الصلاة والسلام - لا يحتاج منا إلى تعليق سوى أن نقول : ما قاله الحق عز و جل في وصف نبيه(وإنك لعلى خلق عظيم)القلم، الآية: 4.
الوسيلة الثالثة: السماحة في المعاملة(5/5)
يوجز الرسول( صلى الله عليه وسلم)أصول المعاملة التي يدخل فيها المسلم إلى قلوب الناس ويكسب ودهم وحبهم فيقول : "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" وفي رواية "وإذا قضى" . فالسماحة في البيع : ألا يكون البائع شحيحاً بسلعته ، مغالياً في الربح ، فظاً في معاملة الناس .
والسماحة في الشراء أن يكون المشتري سهلا مع البائع فلا يكثر من المساومة ؛ بل يكون كريم النفس وبالأخص إذا كان المشتري غنيا والبائع فقيراً معدماً. والسماحة في الاقتضاء : أي عند طلب الرجل حقه أو دينه فانه يطلبه برفق ولين.. وربما تجاوز عن المعسر أو أنظره كما في حديث أبي هريرة مرفوعا :" كان رجل يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه" والسماحة في القضاء : هو الوفاء بكل ما عليه من دين أو حقوق على أحسن وجه في الوقت الموعود وانظر كيف دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قلب هذا الرجل الذي روى قصته الإمام البخاري في صحيحه عن أبى هريرة قال: ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فتقاضاه فأغلظ فهمّ به أصحابه فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً ثم قال أعطوه سناً مثل سنه قالوا يا رسول الله لا نجد إلا أفضل من سنه فقال أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء ) فقال الرجل ( أوفيتني أوفى الله بك ) .
ومن السماحة في المعاملة : عدم التشديد في محاسبة من قصر في حقك . فعن أنس قال (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي : أف قط ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا )
الوسيلة الرابعة : المداراة(5/6)
المداراة وليست المداهنة .. والمداراة هي لين الكلام والبشاشة وحسن العشرة لأناس عندهم شيء من الفجور والفسق لمصلحة شرعية . روى البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها : (( أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال بئس أخو العشيرة .. فلما جلس تطلق له وجه النبي صلى الله عليه وسلم وأنبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة يا رسول الله رأيت الرجل قلت كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم يا عائشة متى عهدتني فاحشا ، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه ) .
قال ابن حجر رحمه الله نقلا عن القرطبي ( وفي الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى .. ثم قال - لا زال الكلام للقرطبي تبعا لعياض : والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا والعياذ بالله إذن فنحن بحاجة إلى كسب قلوب الفسقة أيضا بلين الكلام والقيام بحسن العشرة لهدايتهم إلى الصواب - أو على الأقل - لاتقاء شرهم )..
وبعض الفسقة اليوم أدوات بيد أهل العلمانية يجولون بهم ويصولون بسبب بعد أهل الخير عنهم أو عدم مداراتهم كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم
الوسيلة الخامسة :إدخال السرور على الآخرين
وهي من أهم الوسائل في تقوية الروابط وامتزاج القلوب وائتلافها .. كما إن إدخال السرور على المسلم يعد من أفضل القربات وأعظم الطاعات التي تقرب العبد إلى رب الأرض والسموات .. ولإدخال السرور إلى القلوب المسلمة طرق كثيرة و أبواب عديدة منها ما ورد في حديث ابن عمر :(5/7)
( أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن !! ولكن كيف تدخله؟! قال : تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً . ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف شهراً في المسجد ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء الله أن يمضيه أمضاه ملأ الله في قلبه رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل فيه الأقدام ) وإن سوء الخلق ليفسد الأعمال فلا أقل من الابتسامة والبشاشة فابتسامتك بوجه من تلقاه من المسلمين لها أثر في كسب قلوبهم ؛ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) والوجه الطلق هو الذي تظهر على محياه البشاشة والسرور .. قال عبد الله بن الحارث ( ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال جرير ( ما حجبني رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم ) .
كما كان صلى الله عليه وسلم ينبسط مع الصغير والكبير يلاطفهم ويداعبهم وكان لا يقول إلا حقا وإليك هاتين الصورتين من صور مداعبته صلى الله عليه وسلم وكسبه لقلوب صحابته .
الأولى - مع كبار السن :
أخرج أحمد عن أنس - رضي الله عنه - ( أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً وكان رسول الله يحبه وكان دميماً (قبيحاً) فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل فقال : أرسلني .. من هذا ؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من يشتري العبد ؟) فقال : يا رسول الله - إذن - والله تجدني كاسدا فقال رسول الله لكن عند الله لست بكاسد أو قال عند الله غال .(5/8)
أما الصورة الثانية : فهي ملاطفته للأطفال وإدخال السرور عليهم .. فعند البخاري من حديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ فطيم يسمى أبا عمير لديه عصفور مريض سمه النغير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاطف الطفل الصغير ويقول ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) .
وهكذا أخي الداعية ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) سبيلاً إلى قلوب الناس إلا وسلكه ما لم يكن حراماً ، فإذا كان كذلك كان أبعد الناس عنه(صلى الله عليه وسلم).
الوسيلة السادسة:
احترام المسلمين وتقديرهم والتأدب معهم وتبجيلهم وإجلالهم فقد كان صلى الله عليه وسلم يجل من يدخل عليه ويكرمه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى وينزل الناس منازلهم ويعرف فضل أولي الفضل وقال عليه أفضل الصلاة والسلام يوم الفتح ( من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ) وقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ) ومما ينبغي أن نذكرك به - أخي الداعية - في هذا المقام :
احترام من خالفك في الرأي مما فيه مجال للاختلاف ومتسع للنظر .. وعدم انتقاصه ورميه بالجهل وقلة الفقه وسوء الظن به ما دام ظاهره السلامة .
احترام المتحدث وعدم مقاطعته . قال ابن كثير رحمه الله وكان صلى الله عليه وسلم إذا حدثه أحد التفت إليه بوجهه وجسمه وأصغى إليه تمام الإصغاء ولا يقطع الحديث حتى يكون المتكلم هو الذي يقطعه .
الوسيلة السابعة : حسن الكلام(5/9)
لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على طيب القول وحسن الكلام ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم (( الكلمة الطيبة صدقة )) لما لها من أثر في تأليف القلوب وتطييب النفوس إنه ليس من المهم توصيل الحقيقة إلى الناس فقط ولكن الأهم هو الوعاء الذي سيحمل تلك الحقيقة بها .. فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ((زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا)) فمن باب أولى أن نقول للدعاة زينوا الدعوة بحسن كلامكم فان الكلام الحسن يزيد الدعوة حسنا وجاذبية .. وخاصة عند النصح .. أن النصح علاج مر فليصحبه شئ من حلو الكلام فكن من الذين يعملون الحق ويرحمون الخلق واسمع إلى يحيى بن معاذ يقول : (( أحسن شئ كلام رقيق يستخرج من بحر عميق على لسان رجل رقيق )) وكم من كلمة سوء نابية ألقاها صاحبها ولم يبال بنتائجها وبتبعاتها فرقت بين القلوب ومزقت الصفوف وزرعت الحقد والبغضاء والكراهية والشحناء في النفوس ؛ ولذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ) .
أيها الأخ الكريم .. وأختم هذه الوسيلة بهذا الموقف التربوي الذي دار فيه الحوار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها قالت عائشة رضي الله عنها : (( دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم قالت عائشة ففهمتها فقلت :عليكم السام واللعنة قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلاً يا عائشة فقلت يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا ؟ قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قلت وعليكم )) فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل الفجور والفسوق والكفر يحتاج منا إلى دراسة متأنية ففيه البصيرة النافذة والحكمة البالغة .
الوسيلة الثامنة : التواضع ولين الجانب(5/10)
لقد كسب رسول الله صلى الله عليه وسلم بتواضعه ولين جانبه قلوب الناس من حوله .ذكر أنس رضي الله عنه صورة من صور تواضعه عليه الصلاة والسلام فقال (( إن امرأة كان في عقلها شئ جاءته فقالت إن لي إليك حاجة قال اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك قال فجلست فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إليها حتى فرغت من حاجتها)) وعند البخاري : إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضي حاجتها ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد )) وبهذا الأسلوب والتواضع ولين الجانب دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شغاف قلوب الناس من حوله .
أما الظهور بمظهر الأستاذية والنظر إلى المسلمين نظرة دونية فهي صفة شيطانية لا تورث إلا البغض والقطيعة . ((قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ص، الآية :76 .وقد قال صلى الله عليه وسلم (( من كان هيناً ليناً سهلاً حرمه الله على النار))
الوسيلة التاسعة : الجود والكرم
إليك - أخي الحبيب - هذا السخاء وذلك الجود يأسر القلوب ويطيب النفوس... فعن أنس رضي الله عنه قال: (( إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى بلده وقال :أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى فاقة )) فانظر وفقك الله كيف أثر هذا السخاء النبوي على قلب هذا الرجل وجعل منه - بإذن الله - بعد أن كان حرباً على الإسلام أصبح داعية إليه .
وعن جابر رضي الله عنه قال (( ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا)) ومن الجود الهدية وقد قال صلى الله عليه وسلم (( تهادوا تحابوا )) فالهدية باب من أبواب كسب القلوب وتنمية التآلف بينها .
الوسيلة العاشرة : الرفق(5/11)
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )) بل الرفق مفضل على كثير من الأخلاق؛لذا كان ما يعطيه الله لصاحبه من الثناء الحسن في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة أكثر مما يعطيه على غيره .. لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه )) .
ومن المواطن التي يتأكد فيها الرفق عند تقويم خطأ الجاهل. وانظر الي هذه الصورة المعبرة في تقويم الأشخاص عند خطئهم والتي يملؤها الرفق والرحمة .
فعن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه- قال ((بينما أنا أُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوا الله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القران )) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان قال (( فلا تأتهم ))قلت ومنا رجال يتطيرون قال (( ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم )) .
والأمثلة على ذلك كثيرة كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد ومعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للشاب الذي استأذنه بالزنا وحسن تصرفه عليه الصلاة والسلام معه .
وفي الجملة ؛ فإن الذي ينظر إلى هذه الوسائل يجد أنها لا تكاد تخرج عن دائرة الأخلاق ، فالتزامها إنما هو التزام بالخلق الحسن الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا))(5/12)
وقبل هذا وكله و بعده لا بد أن نذكرك بملاك ذلك كله وهو الإقبال على الله الإقبال على رب القلوب ونيل محبته لحديث أبى هريرة - رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض) ) وحسبك بداعية قد وضع الله له القبول في أهل الأرض قال ابن حجر رحمه الله ((والمراد بالقبول : قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه بالرضا عنه ))
وزاد الإمام مسلم رحمه الله (( وإذا أبغض عبداً دعا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض )) والعياذ بالله .
المنفرات
لا شك أن مساوئ الأخلاق عموماً من أشد الأمور تنفيراً للناس عن الداعية ،إذا اتصف بشيء منها،بيد أننا سنخص بعض المنفرات لما لها من الأثر الكبير في تنفير الناس وانفضاضهم ،ومن هذه المنفرات:
أولا عدم مراعاة أحوال الناس وظروفهم.. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأمر فقال لمعشر الدعاة (( إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء )) فهي وصية من داعية هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام لجميع الدعاة بضرورة مراعاة أحوال الناس في ركن من أهم أركان هذا الدين ؛لذا فمراعاة الناس فيما دون ذلك مرتبة من العبادات والمعاملات من باب أولى .
وإليك هذه الحادثة التي تدل على أن إغفال هذه الوصية يؤدي إلى نفرة الناس وربما يسبب تركهم للعمل الصالح أو تأخرهم عنه .(5/13)
كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له أنافقت يا فلان ؟ قال لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وأن معاذاً صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال : (( أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا ( وفي رواية : أفتان أنت ثلاثا ؟! اقرأ الشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوهما ))
ثانياً التعلق بمتاع الدنيا وزخرفها : وهذا المنفر أصله حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (( ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )) فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نكسب الناس وننال محبتهم وذلك بالزهد فيما في أيديهم لأننا إذا تركنا لهم ما أحبوه أحبونا وقلوب أكثرهم مجبولة مطبوعة على حب الدنيا ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريما على الناس ما لم يطمع فيما بين أيديهم فحينئذ يستخفون به ويكرهون حديثه ويبغضونه .
وقال أعرابي لأهل البصرة من سيدكم ؟ قالوا الحسن قال بم سادكم ؟ قالوا احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم ، فقال: ما أحسن هذا.
ثالثاً الغلظة والفظاظة : وهذا المنفر أصله قول الحق عز وجل لسيد الدعاة عليه أفضل الصلاة والسلام ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) آل عمران الآية 159. وما من شيء أشد تنفيراً للناس عن الحق والخير مثل دعوتهم إليه بالغلظة والخشونة .(5/14)
ولقد انحسر أثر بعض الدعاة المخلصين في الناس ولم يوفقوا إلى إيصال ما لديهم من حق إلى عموم المسلمين وغيرهم لأنهم أخطأوا الأسلوب الذي يفتحون به قلوب الناس وعقولهم فغلب عليهم الجدل بالتي هي أخشن والمواجهة بالغلظة والحدة .
رابعاً : مخالفة القول العمل : ما أشد بغض الناس لداعية خالفت أفعاله أقواله وما أعظم نفرتهم ؛ بل ما أكبر مقت الله عز وجل لهذه الصفة الخسيسة ، حيث يقول عز وجل: ( يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف الآيتان : 2 ،3
ولقد أنكر الله سبحانه على أقوام يأمرون الناس بالبر ويدعون أنفسهم في غيها ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) البقرة الآية : 44
ولذلك قال شعيب لقومه ما أخبرنا الله به حيث يقول الله تعالى على لسانه : ( و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد الاّ الإصلاح ما استطعت ) هود الآية 88 . ولكن لابد من الإجابة على شبهة يرددها بعض الناس نعرضها على شكل سؤال.. وهو هل يترك الداعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة عدم تمكنه من فعله ؟
قال ابن كثير رحمه الله : فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قول العلماء من السلف والخلف . وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها ، وهذا ضعيف . والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه ، قال سعيد بن جبير : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر . قلت القائل -ابن كثير - : لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة فانه ليس من يعلم كمن لا يعلم " .(5/15)
خامساً : التعسير والتعقيد : هناك فريق من الناس يبحثون عن كل صعب ومعسر ليقدموه للناس على أنه الإسلام ، دون مراعاة ليسر الإسلام ورفعه للحرج عن الناس . وهذا خلاف لما كان عليه أفضل الصلاة والسلام حيث قالت عنه عائشة رضي الله عنها :" ما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ؛ فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه" ولما للتيسير - في حدود الشرع - من أثر في تأليف القلوب وزيادة ربطها بهذا الدين نادى الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعاة قائلا : " يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ". قال النووي : لو اقتصر على يسروا لصدق على من يسر مرة وعسر كثيراً فقال :"ولا تعسروا " لنفي التعسير في جميع الأحوال ، وكذلك في قوله :" ولا تنفروا " والمراد تأليف من قرب إسلامه ، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطيف ليقبل ، وكذلك تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشي إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه ، وتلقاه بانبساط ، وكانت عاقبته غالباً الازدياد بخلاف ضده.))
الخاتمة
وبعد :
فإن كسب قلوب الناس مهمة ليست باليسيرة إلا لمن يسرها الله له ؛ ولذا علينا أن نلح على الله بالدعاء ليفتح قلوبنا و قلوبهم للحق ويجعلنا وإياهم أنصاراً لدينه وحملة دعوته. ومع هذا الدعاء لابد من الأخذ بالأسباب التي توصلنا بإذن الله إلى كسب القلوب الشاردة ؛ولعل العمل بما ذكرناه من وسائل واجتناب ما استعرضناه من منفرات يعين على رد تلك القلوب الشاردة ؛ إلى الهدى رداً جميلا ً.
وأخيراً أسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يجعلنا هداةًًًً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(5/16)
الشواهد على ذلك من الكتاب والسنة
1- قال الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } .
2 - وقال تعالى : { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } .
3 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس الغنى عن كثرة المال ولكن الغنى غنى النفس » .(6/1)
السعادة ليست في الماديات فقط
إن السعادة في المنظور الإسلامي ليست قاصرة على الجانب المادي فقط ، وإن كانت الأسباب المادية من عناصر السعادة . ذلك أن الجانب المادي وسيلة وليس غاية في ذاته لذا كان التركيز في تحصيل السعادة على الجانب المعنوي كأثر مترتب على السلوك القويم .
وقد تناولت النصوص الشرعية ما يفيد ذلك ومنها :
أ- قال الله تعالى : { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } . { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } .
ب- وقال الله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
ج- وقال صلى الله عليه وسلم : « من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح » .(6/2)
1- السعادة الدنيوية :
فقد شرع الإسلام من الأحكام ووضح من الضوابط ما يكفل للإنسان سعادته الدنيوية في حياته الأولى, إلا أنه يؤكد بأن الحياة الدنيا ليست سوى سبيل إلى الآخرة ، وأن الحياة الحقيقية التي يجب أن يسعى لها الإنسان هي حياة الآخرة قال الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } وقال تعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } وقال تعالى : { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } .(6/3)
2- السعادة الأخروية :
وهذه هي السعادة الدائمة الخالدة ، وهي مرتبة على صلاح المرء في حياته الدنيا قال الله تعالى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } وقال تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ } .
مستوى4 الحياة الدنيا ليست جنة في الأرض
الحياة الدنيا ليست جنة في الأرض(6/4)
لقد حدد الإسلام وظيفة الإنسان في الأرض بأنه خليفة فيها يسعى لإعمارها وتحقيق خير البشرية ومصالحها التي ارتبطت بالأرض ، إلا أن هذا الإعمار وتحصيل المصالح تكتنفه كثير من الصعاب ويتطلب من الإنسان بذل الجهد وتحمل المشاق في سبيل ذلك كما أن الحياة ليست مذللة سهلة دائما كما يريدها الإنسان ويتمناها بل هي متقلبة من يسر إلى عسر ومن صحة إلى مرض ومن فقر إلى غنى أو عكس ذلك ، وهذه ابتلاءات دائمة يتمرس عليها الإنسان في معيشته فيحقق عن طريقها المعاني السامية التي أمر بها من الصبر وقوة الإرادة والعزم والتوكل والشجاعة والبذل وحُسْن الخلق وغير ذلك وهذه من أقوى أسباب الطمأنينة والسعادة والرضا قال الله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } . { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } وقال صلى الله عليه وسلم : « عجبا لأمر المؤمن فإن أمره كله خير فإن أصابته(6/5)
سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له »(6/6)
أسباب تحصيل السعادة
1- الإيمان والعمل الصالح : وتحصل السعادة بالإيمان من عدة جوانب :
أ - إن الإنسان الذي يؤمن بالله تعالى وحده لا شريك له إيمانا كاملا صافيا من جميع الشوائب ، يكون مطمئن القلب هادئ النفس ، ولا يكون قلقا متبرما من الحياة بل يكون راضيا بما قدر الله له شاكرا للخير صابرا على البلاء . إن خضوع المؤمن لله تعالى يقوده إلى الراحة النفسية التي هي المقوم الأول للإنسان العامل النشط الذي يحس بأن للحياة معنى وغاية يسعى لتحقيقها قال الله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } .
ب- إن الإيمان يجعل الإنسان صاحب مبدأ يسعى لتحقيقه فتكون حياته تحمل معنى ساميا نبيلا يدفعه إلى العمل والجهاد في سبيله وبذلك يبتعد عن حياة الأنانية الضيقة ، وتكون حياته لصالح مجتمعه وأمته التي يعيش فيها ، فالإنسان عندما يعيش لنفسه تصبح أيامه معدودة وغاياته محدودة أما عندما يعيش للفكرة التي يحملها فإن الحياة تبدو طويلة جميلة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتها لوجه الأرض ، وبذلك يتضاعف شعوره بأيامه وساعاته ولحظاته .(6/7)
ج - إن الإيمان ليس فقط سببا لجلب السعادة بل هو كذلك سبب لدفع موانعها . ذلك أن المؤمن يعلم أنه مبتلى في حياته وأن هذه الابتلاءات تعد من أسباب الممارسة الإيمانية فتتكون لديه المعاني المكونة للقوى النفسية المتمثلة في الصبر والعزم والثقة بالله والتوكل عليه والاستغاثة به والخوف منه وهذه المعاني تعد من أقوى الوسائل لتحقيق الغايات الحياتية النبيلة وتحمل الابتلاءات المعاشية كما قال الله تعالى : { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ } .(6/8)
2- التحلي بالأخلاق الفاضلة التي تدفعه للإحسان إلى الخلق : إن الإنسان كائن اجتماعي لا بد له من الاختلاط ببني جنسه ، فلا يمكنه الاستغناء عنهم والاستقلال بنفسه في جميع أموره فإذا كان الاختلاط بهم لازم طبعا ,ومعلوم أن الناس يختلفون في خصائصهم الخلقية والعقلية فلا بد أن يحدث منهم ما يكدر صفو المرء ويجلب له الهم والحزن ، فإن لم يدفع ذلك بالخصال الفاضلة كان اجتماعه بالناس -ولا مفر له منه - من أكبر أسباب ضنك العيش وجلب الهم والغم . لذلك اهتم الإسلام بالناحية الأخلاقية وتربيتها أيما اهتمام ويظهر ذلك في النماذج الآتية :
أ - قال الله تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
ب - وقال تعالى في ذلك أيضا : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } .
ج - وقال تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } .(6/9)
د - وقال تعالى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } . { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } .
هـ - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » .
و- وقال صلى الله عليه وسلم : « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر » .(6/10)
3- الإكثار من ذكر الله تعالى والشعور بمعيته دائما : إن الإنسان يكون رضاه بمتعلقه بحسب ذلك المتعلق به وعظمته في نفس المتعلق والله تعالى هو أعظم من يطمئن له القلب وينشرح بذكره الصدر ؛ لأنه ملاذ المؤمن في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره لذلك جاء الشرع بجملة من الأذكار تربط المؤمن بالله تعالى مع تجدد الأحوال زمانا ومكانا عند حدوث مرغوب أو الخوف من مرهوب , وهذه الأذكار تربط المؤمن بخالقه فيتجاوز بذلك الأسباب إلى مسببها فلا يبالغ في التأثر بها فلا تؤثر فيه إلا بالقدر الذي لا يعكر عليه صفوه ، كما أنه لا يستعظمها فيجاوز بها أقدارها إذ لا تعدو أن تكون أسبابا لا تأثير لها بذواتها وإنما أثرها بقدر الله تعالى .
ومن النصوص التي تدل على ذلك :
أ - قال الله تعالى : { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } .
ب - أمر النبي (ص) أن يقول المسلم عند زواجه من المرأة : « اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه » .
ج - وأن يقول عند هيجان الريح : « اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به » .(6/11)
د - وقال (ص) في بيان وجوب الأخذ بالأسباب والاستعانة بالله وعدم الحزن على تخلف النتائج المرغوبة : « احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان » .(6/12)
4- العناية الصحية : والصحة هنا تشمل جميع الجوانب البدنية والنفسية والعقلية والروحية .
الصحة البدنية : إن الصحة البدنية مما فطر الناس على الاهتمام به لأنها تتعلق بغريزة البقاء كما أنها السبيل لتحقيق الغايات المادية من مأكل ومشرب وملبس ومركب .
وقد اهتم الإسلام بالإنسان فنهى عن قتله بغير سبب مشروع كما نهى عن كل ما يضر ببدنه وصحته ، كما قال الله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } وقال تعالى : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } وقال (ص) : « لا ضرر ولا ضرار » .
الصحة النفسية : يغفل كثير من الناس أهمية الصحة النفسية أو يغفلون السبيل لرعايتها والحفاظ عليها مع أنها ركن أساسي في تحقيق السعادة لذلك حرص الإسلام على تربية النفس الفاضلة وتزكيتها بالخصال النبيلة فكان أهم ما سعى إليه هو تكوين النفس السوية المطمئنة الواثقة . وقوام استواء النفس يكون بالإيمان ثم بالتحلي بالأخلاق الفاضلة والابتعاد عن الخصال الذميمة من الغضب والكبر والْعُجْبِ والبخل والحرص على الدنيا والحسد والحقد وغير ذلك مما يكسب الاضطراب والقلق .(6/13)
قال الله تعالى : { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه » وقال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ }(6/14)
الصحة العقلية : إن العقل هو مناط التكليف في الإنسان لذلك أمر الشارع الحكيم بالحفاظ عليه وحرم كل ما يؤدي إلي الإضرار به أو إزالته ومن أعظم ما يؤدي إلي ذلك المسكرات والمخدرات لذلك حرمها الله تعالى بقوله : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }(6/15)
الصحة الروحية : لقد اعتنى الشرع بوضع الوسائل الكفيلة بالحفاظ علي الصحة الروحية فندب المؤمن إلى ذكر الله تعالى على كل حال كما أوجب عليه الحد الأدنى الذي يكفل له غذاء الروح وذلك بشرع الفرائض من الصلاة والصيام والزكاة والحج ثم فتح له بابا واسعا بعد ذلك بالنوافل وجميع أنواع القربات . هذه العبادات تربط الإنسان بربه وتعيده إليه كلما جرفته موجات الدنيا لذا كان الرسول (ص) يقول : « وجعلت قرة عيني في الصلاة » وكان يقول : « يا بلال , أرحنا بالصلاة » وقد نهى الشارع عن الأمور التي تؤدي إلى سقم الروح وضعفها فنهى عن اتباع الأهواء والشبهات والانهماك في الملذات ؛ لأنها تعمي القلب وتجعله غافلا عن ذكر الله لذلك قال الله تعالى في وصف الكفار : { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } وقال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } .(6/16)
5- السعي لتحقيق القدر المادي اللازم للسعادة : لقد تقرر فيما سبق أن الإسلام لا ينكر أهمية الأسباب المادية في تحقيق السعادة إلا أن هذه الأشياء المادية ليست شرطا لازما في تحقيق السعادة وإنما هي من جملة الوسائل المؤدية لذلك . وقد تناولت كثير من النصوص هذه الحقيقة منها : قال الله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } وقال صلى الله عليه وسلم : « نعم المال الصالح للعبد الصالح » وقال صلى الله عليه وسلم : « من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح » .(6/17)
6- تنظيم الوقت : يعتبر الوقت رأس مال الإنسان ، فهو فترة بقائه في هذه الدنيا لذلك اعتنى الإسلام بالوقت وجعل المؤمن مسئولا عن وقته وأنه سوف يسأل عنه يوم القيامة . وقد جاءت شرائع الإسلام بحيث تعين الإنسان على ترتيب وقته وإحسان استغلاله وذلك بالموازنة بين حاجاته الحياتية والمعيشية من جانب وحاجاته الروحية والعبادية من جانب آخر وقد حث الإسلام المؤمن على استثمار وقته وإعماره بالخير والعمل الصالح .
قال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } . { مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } .(6/18)
وقال صلى الله عليه وسلم : « لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به » . وقال صلى الله عليه وسلم : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ » وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى التوازن فقال : « روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي »(6/19)
سلسلة نصائح للشباب والفتيات
( 2 )
فحتى لا نفقدها
بقلم /
متعب بن سريان العصيمي
تقديم /
فضيلة الشيخ الدكتور / ستر بن ثواب الجعيد
حقوق الطبع لكل مسلم
دار الطرفين
الطائف - ت / 7329572 / 02
جوال / 0505704808 - 05035124990
موقعنا على الإنترنت www.tarafen.com
البريد الإلكتروني tarafen @ maktoob .com
حقوق الطبع لكل مسلم
فحتى لا نفقدها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
الحمد لله عدد خلقه ، زنة عرشه ، مداد كلماته ، رضا نفسه ، وصلى الله على عبد
الله ورسوله ، وعلى آله وصحبه القائل : " أفلا أكون عبداً شكوراً " رواه الشيخان .
وبعد ...
فإني قرأت رسالة الأخ / متعب العصيمي ، - وفقه الله - ( فحتى لا نفقدها ) ،
وموضوعها التذكير بنعم الله وشكرها ، وهي محاولة جادة لتقريب المعاني المؤثرة ،
والكلمات الدالة إلى الخير بطريقة سهلة تلامس القلب ، وتذكر بالحقائق ، فجزى الله
كاتبها خيراً ، ونسأل الله أن نراه كاتباً متميزاً مؤثراً ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ،
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه .
كاتبها :
د / ستر بن ثواب الجعيد
كلية الشريعة بجامعة أم القرى
26 / 6 / 1424 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله أهل الحمد والثناء والتمجيد ، وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد ، وأشهد أن لا
إله إلا الله ، فلا كفو له ولا نديد ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، الداعي إلى التوحيد ،
الساعي بالنصح للقريب والبعيد ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الوعيد .
أما بعد ..
فمع تتابع النعم ، وضعف الهمم ، قل الشكر للمنعم ، مما قد يؤذن بزوال النعم ، وحلول
النقم ، (( فحتى لا نفقدها )) آثرت أن أنشرها بين أيديكم رسالة عاجلة ، براءة للذمة ،
ونصيحة للأمة من سوء كفران النعمة وجحودها .
والله أسأل أن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، وأن يعيننا على شكرها .
إن وجدت عيباً فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا(7/1)
فما كان من صواب فمن الله الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان ، والله
ورسوله منه بريئان ، والله المستعان ، وعليه التكلان .
وكتبه /
متعب بن سريان العصيمي
مكة المكرمة (حرسها الله )
في 15 / 6 / 1424 هـ
لما ذا الحديث عن الشكر ؟
من الأسباب التي دعتني إلى الكتابة في مثل هذا الموضوع ما يلي /
1. الشكر أصل من أصول الإيمان التي يجب العمل بها ، فكما قيل : الإيمان نصفان
نصف شكر ، ونصف صبر .
2. ورود نصوص كثيرة من القرآن والسنة تحثنا على الشكر ، وتحذرنا من الجحود .
3. قلة السالكين في طريق الشكر ، كما قال تعالى : (( وقليل من عبادي الشكور)) (1)
4. انتشار ظاهرة الإسراف والتبذير في مجتمعنا مما قد يؤذن بأن ما نحن فيه من نعم
في خطر فلنتنبه جيداً . قال تعالى : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم )) (2).
5. غفلة كثير من الناس عن مثل هذا الموضوع ، وعده نافلة من نوافل القول والعمل .
6. إن الشكر من أخلاق الأنبياء ، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (( .. شاكراً
لأنعمه )) (3) ، وقال عن نوح عليه السلام : (( إنه كان عبداً شكوراً )) (4) .
(1) سورة سبأ ، (13) .
(2) سورة الرعد ، ( 11) .
(3) سورة النحل ، ( 121) .
(4) سورة الإسراء ، (3) .
7 . إن الله وعد الشاكرين بالمزيد ، والجاحدين بالوعيد الشديد ، قال تعالى : (( وإذ تأذن
ربكم لئن شكرتم لأ زيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )) (1).
8. عدم شكر النعم هدف يسعى الشيطان إلى تحقيقه . قال تعالى : (( ... ولا تجد أثرهم
شاكرين )) (2).
9. الشكر يجلب النعم ويزيدها ، ويدفع حلول النقم .
10. مدى أهمية حاجتنا إلى معرفة نعم الله علينا ، فنرد الجميل إلى المنعم بالشكر
والعرفان بفضله ، قال تعالى : (( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا
يشكرون )) (3) .
11. إن كثيراً من النعم - وللأسف الشديد - استعملت في معصية الله ، وهذا من أشد(7/2)
أنواع الجحود والكفران .
(1) سورة إبراهيم ، ( 7) .
(2) سورة الأعراف ، ( 17) .
(3) سورة البقرة ، ( 243) .
تعريف الشكر
الشكر لغة /
مصدر شكر يشكر ، وهو عرفان الإحسان ونشره .
والشكر من الله / المجازاة والثناء الجميل .
والشكور / كثير الشكر ، والجمع شُكُر ، وفي التنزيل : (( إنه كان عبداً شكوراً )) (1) ،
وهو من أبنية البالغة .
وأما الشكور في صفات الله - عز وجل - فمعناه أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد
فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده مغفرته لهم ، وقولهم :
( شكر الله سعيه ) أي بمعنى أثابه الله على ذلك . (2)
( 1) سورة الإسراء ،3 .
(2) لسان العرب ، ابن منظور ( 4/426 ) ، تاج العروس ، الزبيدي ( 6/50 ) مادة شكر .
الشكر اصطلاحاً /
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبه ثناءً واعترافا ً ، وعلى قلبه شهوداً ومحبة ،
وعلى جوارحه انقياداً وطاعة . (1)
وقال السعدي - رحمه الله - في تفسيره :
( الشكر / اعتراف القلب بمنة الله تعالى ، وتلقيها افتقاراً إليها ، وصرفها في طاعة الله
تعالى ، وصونها عن صرفها في المعصية ) (2)
وعرفه آخرون بقولهم : الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف .
حقيقة الشكر /
أخي الحبيب :
إن حقيقة الشكر لا يمكن لنا أن نحيط بها إلا إذا أمعنا النظر في النعم وعرفنا قيمتها إذ لو
فقدت مثلاً ، ولكن قبل هذا وذاك دعونا نتأمل ما قاله صاحب كتاب إذا صح الإيمان عن
حقيقة الشكر فيقول :
(( إذا صح إيمان العبد قامت في قلبه حقيقة الشكر لله و الاعتراف له بالفضل و المنة
واستشعر قوله
(1) مدارج السالكين ، ( 2/244 ) .
(2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، ( 623 )
تعالى : ((وما بكم من نعمةٍ فمن الله )) (1) واستحضر أن كل ما به من قوة وسمع و بصر
و حركة و قدرة، و ذكاء و عقل، و أكل و شرب، و نفس وأن ما احتوى عليه هذا الجسم(7/3)
من خلايا وعروق ، وأنسجة و أعصاب ، وما يجري فيه من دماء ، أن كل ذلك وغيره
مما نعلم وممالا نعلم أنه من الله وبتدبيره و فضله ، و رعايته وحفظه ، ليس فقط على
المتقين بل على الناس أجمعين .
قال الله تعالى : ((إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ))(2)
ويقول أيضاً :
" إن من قامت في قلبه حقيقة الشكر استشعر أنه بين نعمة و ذنب ولا تصلح
النعمة إلا بالحمد و الشكر، ولا يصلح الذنب إلا بالتوبة والاستغفار" (3).
(1)سورة النحل :53
(2)سورة النحل :18
(3)إذا صح الإيمان ، عبدالله السلوم (91،93)
فضل الشكر
لقد ذكر الله الشكر في اكثر من خمسين موضعاً من كتابه الكريم ، فمرة قرنه سبحانه
بالإيمان به وأخبر أنه لا غرض ولا حاجة له في عذاب خلقه إن شكروا و آمنوا به ،
فقال تعالى : (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم ....)) (1)
وتارة أخرى يخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده
فقال تعالى:
(( وكذالك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهولاء من الله عليهم من بيننا أليس
الله بأعلم بالشاكرين))(2)
بل إن الله وصف عباده الشاكرين بأنهم قلة من عباده فقال تعالى :
((وقليل من عبادى الشكور ))(3)
ومما يدل على فضل الشكر وعلو منزلته أن رضا الله معلق بالشكر .
(1) سورة النساء :147
(2) سورة الأنعام :53
(3) سورة سبأ:13
يقول ابن القيم : ( رحمه الله )
ومن منازل (( إياك نعبد وإياك نستعين )) منزلة الشكر ، وهي من أعلى
المنازل ، وهي فوق منزلة (( الرضا )) وزيادة فالرضا مندرج في الشكر إذ يستحيل
وجود الشكر بدونه (1)
وقال رسول الله ( :
( إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة
فيحمده عليها ) ( 2)
وعلق سبحانه زيادة النعم بشكره عليها ومن جحدها كان له العذاب الشديد من الله ،
فقال تعالى :
( ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد))(3).(7/4)
فبين سبحانه أنه متى ما شكرت نعمه يزيدك بغير حساب ، وزيادته لا حد لها ، كما أنه لا
نهاية لشكره .
قال علي بن أبي طالب ( لرجل من همذان :
( 1) مدارج السالكين، (2/244 ) .
(2) رواه مسلم ، (2734) .
(3) سورة إبراهيم ، 7 .
" إن النعمة موصولة بالشكر ، والشكر يتعلق بالمزيد ، وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع
المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد " (1)
وقال الحسن البصري - رحمه الله - : ( إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء ، فإذا لم يشكر عليها
قلبها عذاباً ) .
وعن معاذ ( أن رسول الله ( أخذ بيده وقال :
" يا معاذ والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم أعني
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " (2)
فهذا الحديث يدل على عظم منزلة الشكر وفضله ، إذ جعل الشكر مدار الخير وعنوانه ،
ولهذا أوصى معاذاً بطلب العون من الله على هذه العبادة ، وجعل موضع الطلب في دبر
كل صلاة تشريفاً ، وتكرار الطلب في اليوم خمس مرات دلالة على أهميته وفضله .
(1) كتاب الشكر ، ابن أبي الدنيا ، ص 16 .
(2) رواه أبو داوود (1522) ، والنسائي (3/53 ) ، بإسناد صحيح .
الشيطان يحول بينك وبين الشكر
ولما عرف عدو الله إبليس - اللعين - قدر مقام الشكر وفضله ، وأنه من أجل المقامات
وأرفعها ، جعل غايته ومناه أن يحول بين العباد وبين الشكر ، وصرفهم عنها بأي وسيلة
كانت ، فعندما أمره الله - سبحانه وتعالى - بالسجود لآدم - عليه السلام - امتنع
للاستجابة لهذا الأمر ، فطرده وجعله من الملعونين وتوعده بدخول النار ، ولكنه لم يكتف
بسماع أوامر الطرد والإبعاد ، وإنما قام بكل وقاحة وخبث بسرد خطته لإغواء بني آدم .
يقول الله تعالى :
(( لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم
وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين )) (1) .
فهنا يكشف إبليس حقيقة تخفى على كثير من الناس وهي أن معظم الناس لا يقومون بشكر(7/5)
الله والناجي منهم هو الذي يقوم بأداء الشكر .
(1) سورة الأعراف ، 16 -17
يقول الشيخ / عبد الرحمن السعدي ( رحمه الله ) :
" وإنما نبهنا الله على ما قال وعزم على فعله لنأخذ حذرنا ونستعد لعدونا ، ونحترز
منه بعلمنا بالطريقة التي يأتي منها ، ومداخله التي ينفذ منها ، فله تعالى علينا بذلك
أكمل نعمة . (1)
وذكر الأستاذ / سيد قطب ( رحمه الله ) كلاماً لطيفاً حول هذه الآية فقال :
" ويجيء الشكر تنسيقاً مع ما سبق في مطلع السورة (( ولقد مكناكم في الأرض
وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون )) ] الأعراف [ لبيان السبب الحقيقي في قلة
الشكر ، وكشف الدافع الحقيقي الخفي من حيلولة إبليس دونه وقعوده على الطريق إليه
ليستيقظ البشر للعدو الكامن الذي يدفعهم عن الشكر والهدى . (2)
(1) تيسير الكريم الرحمن ، (247 ) .
(2) في ظلال القرآن الكريم ، ( 2/1267 ) .
أمور معينة على الشكر
الأمور المعينة على الشكر كثيرة ، ولكن نجملها في هذه الأسباب على سبيل المثال لا
الحصر لها /
(1) إمعان النظر في كثرة النعم التي نرفل فيها ليلاً ونهاراً ، وسراً وجهاراً ، وأننا
مطالبون بشكر الله عليها سواءً كانت حسية أو معنوية .
(2) النظر في أمور الدنيا إلى من هو دونك ، وإلى أمور الآخرة في من فوقك ،
كما أرشدنا إلى ذلك النبي ( في قوله : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ،
ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " (1) .
(3) مقارنة ما نحن اليوم فيه من النعم وبين ما كان عليه سلفنا وأجدادنا في
الماضي .
(4) التحدث بالنعم ، قال تعالى : (( وأما بنعمة ربك فحدث )) (2)
قال الحسن البصري : " أكثروا من ذكر هذه النعم ، فإن ذكرها شكر " .
(1) متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم ( 2963 ) .
(2) سورة الضحى ، 11
(5) الاقتصاد في النعمة وصرفها في الخير .
(6) النظر في سير الصالحين ، وكيف كانوا يشكرون الله على نعمه .(7/6)
(7) زيارة دور الإعاقة والمصحات النفسية وغيرها ، والنظر في حال أولئك
المرضى لنستشعر قيمة ما نحن فيه من نعم كثيرة قلّ لها شكرنا . (1)
(8) محبة النعمة واحترامها طريق إلى الشكر .
(9) تذكر الماضي من جاهلية وضلال وفقر ، وكيف توالت عليك نعم الله ، قال
تعالى مذكراً نبيه ( بعض نعمه عليه : (( ألم يجدك يتيماً فأوى ، ووجدك
ضالاً فهدى ، ووجدك عائلاً فأغنى )) (2) .
(10) التفكر في حقيقة الشكر .
(1) مأجوراً غير مأمور ، استمع إلى شريط بعنوان دار أهلها يتكلمون ،عبدالله المطرود.
(2) سورة الضحى :6-7-8
كيف يتحقق الشكر لله؟
لكي يتم لك تحقيق الشكر على أكمل وجه لا حظ أن الشكر يقوم على ثلاثة
أركان وهي :
الركن الأول :
الاعتقاد الصادق بالقلب بأن الله وحده هو واهب النعم فيزداد
معها حبك للمنعم ، لأن القلوب جلبت على محبة من أحسن إليها .
الله أكبر كم يكون حبنا لله مقابل نعمه علينا ، وهو الذي قال : (( وما بكم من
نعمه فمن الله ))(1)
الركن الثاني :
الاعتراف باللسان ، أي بالتحدث بالنعمة ونسبتها إلى منعمها وكثرة
الحمد والثناء عليه كلما لاحت لنا نعمة نقول : الحمد لله....الحمد لله
الركن الثالث :
استعمال النعم في طاعة الله وبذلها فيما يرضيه ، وكفها عن
معاصيه ، فاليحذر المسلم من أن يستعين بنعم الله على معاصيه أو يتقوى بها
لبلوغ شهواته فهذا عين النكران والجحود
(1) سورة النحل :53.
الشكر والبلاء
اعلم أن النعمة ليست وحدها التي تستحق الشكر فقط ، بل اعلم أن في كل فقر ومرض
وخوف وأي بلاء في الدنيا كان خمسة أشياء ينبغي أن يفرح العاقل بها ويشكر الله عليها .
الأولى :
أن كل مصيبة ومرض يتصور أن يكون هناك أكثر منها شناعة وفداحة لأن
مقدرات الله لا تتناهى فلو ضاعفها الله على العبد فما كان يمنعه؟! فليشكر العبد ربه إذ لم
تكن أعظم .
الثانية :
أن المصيبة لم تكن في الدين ، قال رجل لسهل بن عبد الله : دخل اللص بيتي(7/7)
وأخذ متاعي ، فقال ، اشكر الله تعالى ، لو دخل الشيطان قلبك فأفسد عليك إيمانك ماذا
كنت تصنع ؟!.
الثالثة :
أنه ما من عقوبة أو مرض إلا كانت للمؤمن كفارة له ورفعة في درجاته يوم
القيامة ، كما جاء ذلك عن النبي ( أنه قال : (( ما يصيب المسلم من نصبِِ ولا وصبِ ولاهم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ))(1) [متفق عليه]
(1) النصب : التعب ، الوصب : المرض .
الرابعة :
أن هذه المصيبة كانت مكتوبة عليه في أم الكتاب ولا بد أن تصل إليه فقد
وصلت ولم يعدم الرضا واستراح منها فهي نعمة .
الخامسة :
أن الابتلاء دلالة على محبة الله للعبد ،ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه.
قال( : (( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم ،
فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ))(1)
قال الغزالي : ( رحمه الله )
" وكل عبد سئل عن حاله فهو بين أن يشكر أو يشكو أو يسكت ، فالشكر طاعة
، والشكوى معصية قبيحة من أهل الدين ، وكيف لا تقبح الشكوى من ملك
الملوك وبيده كل شيء؟! فالأحرى بالعبد إن لم يحسن الصبر على البلاء
وأفضى به
(1) رواه الترمذي ،قال : حديث حسن ، والحديث صحيح بشواهده .
الضعف إلى الشكوى أن تكون شكواه إلى الله تعالى فهو القادر على إزالة البلاء،
وذل العبد لمولاه عز والشكوى إلى غيره ذل " (1)
أخي المسلم :
إذا أصبت ببلاء فعليك بالصبر والشكر ،ثم وإياك والتسخط والضخر ، ( واعلم
أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك )(2).
(1) المهذب من إحياء علوم الدين ، صالح الشامي (2/288).
(2) رواه أحمد (1/293)، وأبو يعلى (2556) بسند صحيح .
موانع الشكر
الأمور التي تمنع المسلم من الشكر وتصرفه عن هذه العبادة كثيرة ، ومنها :
1. عدم استشعار قيمة النعمة ، وما ذاك إلاّ أنه لم يذق طعم حرمانها ، أو لجهله بحقيقة
الشكر .(7/8)
2. الغرور بدوام النعمة ، وكثرة التقلب فيها ، فيغفل عن زوالها أو مفارقته إياها .
3. طلب المثالية في النعم ، فإما أن يطلب المستحيل أو ما ليس له وجود على أرض
الواقع (1) فيشغل نفسه عن شكرها .
4. عدم القناعة بما هو فيه من نعمة ، فتجده ينظر إلى من هو أحسن منه حالاً وأوفر
نعمة ، فيزدري نعمة الله عليه فلا يرى لها حق شكر عليه .
(1) فمثلا : نحن في هذه البلاد - حرسها الله - نعيش في نعم كثيرة لا تجدها في أي بلد من البلدان ، ومع هذا ترى بعض الناس - هداهم الله - ممن لا يقدرون هذه النعم ، فيتحدث بسخط ، وينظر إليها بعين الشؤم ، ويطالبون بالأمر المستحيل والمثالية الخيالية في النعم .
5. الأمن من مكر الله ، فترى كثيراً من ضعاف الإيمان ينظر إلى الكفرة والطغاة وهم
يرفلون بوافر من النعم مع ما هم عليه من الكفر والطغيان ، فيأمن على نفسه ،
لأنه يرى أنه أحسن منهم حالاً .
6. عدم أخذ العظة والعبرة ممن حُرم بعض النعم ، إما وُلد فاقداً لها ، أو قدر الله عليه
بحادث أفقده بعض ما كان ينعم به .
7. الكِبر والبطر ، فتجد بعض من اغتنى بعد فقر يرى أنه اغتنى على استحقاق منه
، كما قال تعالى على لسان قارون : (( قال إنما أوتيته على علم عندي ... )) (1) .
8. الاستهزاء بأصحاب البلاء وعدم ذكر الدعاء الوارد عند رؤية المبتلى . (2)
(1) سورة القصص ، 78 .
(2) كان النبي ( إذا رأى مبتلى قال في نفسه ولا يسمع صاحب البلاء : " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً "
العلاقة بين الحمد والشكر
الفرق بين الحمد والشكر محل نزاع بين أهل العلم واللغة ، فمنهم من قال : أن الشكر مثل
الحمد إلاّ أن الحمد أعم منه ، فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة ، وعلى معروفه ولا
تشكره إلا على معروفه دون صفاته .
قال ثعلب : " الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد وعن غير يد " .(7/9)
وقال القرطبي : " وتكلم الناس في الحمد والشكر ، هل هما بمعنى واحد ؟ أو بمعنيين ؟ .
فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما بمعنى واحد سواء ، وهذا غير مرضي ، والصحيح أن
الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكر ثناء على المشكور بما
أولى من الإحسان ، وهذا قول علماء اللغة الزجاج والقتبي وغيرهما "
وقال ابن القيم ( رحمه الله ) :
الحمد أخص من الشكر مورداً ، وأعم منه متعلقاً ، فمورد الحمد اللسان فقط ،
ومتعلقه النعمة وغيرها ، ومورد الشكر اللسان والجنان والأركان ، ومتعلقه
النعمة ، والفرق بينهما /
أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه ، وأخص من جهة متعلقاته ، والحمد أعم
من جهة المتعلقات ، وأخص من جهة الأسباب . (1)
فالحمد لا يكون إلاّ باللسان فقط ، وأما الشكر فإنك تشكر بلسانك وبقلبك بحبك له
، وبفعلك تعبيراً لصاحب المعروف عن شكرك له .
(1) مدارج السالكين ، 2/ 246 .
التفكر يقودك إلى الشكر
فيم تفكر ؟ .......... وعلام تشكر ؟
أخي الحبيب /
إنك إذا أطلقت العنان للفكر ، واستدام بك النظر في نعم الله عليك ، فلا بد أن يدفعك إلى
الشكر .
أخي الحبيب /
دعني أحلق بك سريعاً في نظرة تأمل خاطفة لنعمة واحدة من بين سائر النعم لنرى عجيب
صنع الله ومنته علينا ، فمع نعمة الأكل فإلى هناك .
خلق الله لك الطعام ، ومن ثم خلق لك شهوة إليه ، ولا يكفي بل خلق لك حس الذوق إذ به
تعلم ما ينفعك وما يضرك ، ثم خلق لك الأعضاء التي تتناول بها الأكل ، ثم هب أنك
أخذت الطعام باليد فكيف يصل إلى بطنك ؟!
فجعل لك الفم واللحيين وركب فيهما الأسنان ، ثم انظر كيف أنعم الله عليك بخلق اللسان
فإنه يطوف في جوانب الفم ويحرك الأكل بحسب الحاجة ، ثم هذا الطعام المطحون من
يوصله إلى المعدة وهو في الفم ؟!
فهيأ الله لك المريء والحنجرة ، فإذا ورد الطعام إلى المعدة وهو خبز وفاكهة مقطعة فكيف
يصير لحماً ودماً ؟؟!(7/10)
فجعل الله المعدة كالقدر يقع فيها الطعام فينضج بالحرارة ويصير مائعاً يصلح للنفوذ في
تجاويف العروق ثم ينصب الطعام من العروق إلى الكبد فيستقر فيها ريثما ينضج تماماً ،
ثم يتفرق في الأعضاء ويبقى منه الرجيع ، فيخرج فضلة زائدة عن حاجتك إليها .
كل ذلك يصير وأنت بمجرد أن بلعت اللقمة لا تشعر بها ، من أدار هذه المصانع ؟ ؟!
وأنت لا تعرف سوى أنك تجوع فتأكل ، والبهيمة تعرف أيضاً أنها تجوع فتأكل ، وتتعب
فتنام ، فإذا أنت لم تعرف من نفسك إلاّ ما يعرف الحمار ، فكيف تقوم بشكر الله على نعمه
التي لا تحصى ؟؟! (1) .
(1) مختصر منهاج القاصدين ، المقدسي ، ص 311 - 314 بتصرف.
لماذا لا نشكر ؟
إننا حينما نشاهد المرضى والمبتلين ، وقد فقدوا الصحة والعافية ، والذين يُقتّلون
ويُشرّدون ، وقد فقدوا نعمة الأمن والاستقرار وغيرهم ، فنشكر الله على اللطف والسلامة
، إذ لم نكن نحن هم ، ونحضر إلى المقابر فنعلم أن أحب الأشياء إلى الموتى هو أن
يرجعوا إلى الدنيا ليتدارك من عصى عصيانه ، وليزيد في الطاعة من أطاع ولكن هيهات
لهم .
فالواجب علينا أن نشكر الله الذي بسط علينا الحياة والصحة والفراغ لنعمل صالحاً ونتوب
إليه .
معاشر الإخوة /
إن من نعم الله علينا أنه ما من أحد إلاّ ويعرف من دسائس أمور نفسه وخفاياها الكثير من
القبائح والذنوب المستورة ، ولو كشف الغطاء ورفع الستير ستره عنا ، واطلع عليها فرد
من الخلق لا فتضحنا وما ربحنا ، فكيف لو اطلع الناس كلهم عليها في (( يوم تبلى السرائر
)) ، فلماذا لا نشكر الله بالستر الجميل على مساوئنا حيث أظهر الجميل وستر القبيح ؟
بل إننا قبل هذا وذاك نشاهد خلقاً كثيراً قد ابتلوا ببلاء أفظع وصنيع أشنع من ذلك
كله ، ألا وهو الانحراف في الدين والوقوع في الشرك والبدع والخرافات (1) وفي
قاذورات المعاصي ، والله قد حفظك منها ، فلماذا لا تشكر الله على جميل فضله
وإنعامه ؟(7/11)
وهاهو الرسول ( يترجم لنا الشكر إلى عمل ، فحينما سألته أم المؤمنين - رضي
الله عنها - وهي تتعجب من قيامه حتى تتفطر قدماه فتقول له : وتفعل هذا وقد غفر
الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟!
فيقول : ( " أفلا أكون عبداً شكوراً " (1)
أخي الحبيب /
اشكر الله على نعمه ولا تكفرها ، واعقل ولا تغفل عن قول الحق تبارك وتعالى :
(( ... هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن
كفر فإن ربي غني كريم )) (1)
(1) ومن ذلك الطواف على القبور ، وإقامة المواليد .
(2) رواه البخاري ( 8/ 449 ) ، ومسلم ( 282 ) .
(3) من الملاحظ عند كثير من الناس عندما يتم بناء بيته يضع لا فتة مكتوب عليها قوله تعالى : ( هذا من فضل ربي ) ولا يكمل : ( ليبلوني أأشكر أم أكفر ) ، وهذا خطأ ، إذ أن العلة من إسداء النعمة هو الابتلاء ، فإما أن يكون صاحبها من الشاكرين أو من الجاحدين للفضل .
حوار مع نعمة
لو وقفت مع نفسك - أخي الحبيب - وقفة تدبر وتأمل وحاورت النعم التي ترفل فيها
وافترضتها تقبل الحوار ، فليكن هذا الحوار :
من أنت ؟
قالت :
أنا النعمة التي ترفل فيها (( وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة )) . ] لقمان ، 20 [
ومن أين جئت إليّ ؟
قالت :
أتيتك من عند مولاك هبة لك ، (( وما بكم من نعمة فمن الله )) . ] النحل ،53 [
عددك قليل أم كثير ؟
قالت :
لا يحصيني إلاّ الذي خلقني ، (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور
رحيم )) . ] النحل ، 18 [
بم تزيدين وبم تنقصين ؟
قالت :
أزيد بالشكر وأنقص بالكفر ، (( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )) ]
إبراهيم ، 7 [
هل أنت خير على كل أحد ؟
قالت :
لا ... فربما كنت نقمة في صورة نعمة ، (( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير
لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين )) ، ] آل عمران 178 [
من المحروم منك ؟
قالت :(7/12)
المحروم من فقدني أو حُرم شكري ، (( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )) ] القلم 44[
أي يسبغ عليهم النعم ويحرمون الشكر .
هل نسأل عنك يوم القيامة ؟
قالت :
نعم وربي ، (( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم )) ، ] التكاثر 8 [
الخاتمة
وبعد ..... فإننا والله لفي نعم كثيرة لا تقدر بثمن ، ولا تجزئها أعمالنا مهما طال بنا الزمن
، فإذا كان نبينا محمد ( وهو أعظم الشاكرين ، قد اعترف بتقصيره وعجزه عن شكر
نعم الله فقال : ( لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ، فما ذا نقول نحن ؟ !
وبعد هذا كله اعلموا - يا رعاكم الله - أن الحجة قامت علينا علمنا هذا أم تجاهلنا ، ولا
يبقى إلاّ أن نسأل أنفسنا بكل صراحة ووضوح ، ما هو حالنا مع شكر نعم الله علينا ؟؟!
أخي / إذا لم تسأل نفسك اليوم وتحاسبها ، فسوف تُسأل غدا ً(( ثم لتسألن يومئذ عن
النعيم )) ]التكاثر 8 [ .
سدد الله الخطى وبارك في الجهود ، وهدى إلى الصواب من القول والعلم والعمل ، والله
أسأل أن ينفعنا بما نقول ونسمع ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قاله وكتبه /
متعب بن سريان العصيمي
مكة المكرمة ( حرسها الله )
ص. ب ( 12680 )
الفهرس
تقديم الشيخ / د . ستر بن ثواب الجعيد .....................................................3
المقدمة ............................................................................................4
لما ذا الحديث عن الشكر ؟ ....................................................................5
تعريف الشكر ....................................................................................7
حقيقة الشكر .................................................................................... 8
فضل الشكر .................................................................................... 10(7/13)
الشيطان يحول بينك وبين الشكر ............................................................13
أمور معينة على الشكر .........................................................................15
كيف يتحقق الشكر لله ..........................................................................17
الشكر والبلاء ...................................................................................18
موانع الشكر ................................................................................... 21
العلاقة بين الحمد والشكر ...................................................................23
التفكر يقودك إلى الشكر .................................................................... 25
لماذا لا نشكر ؟! .............................................................................. 27
حوار مع نعمة .............................................................................. 29
الخاتمة ........................................................................................31(7/14)
خصوصية الشريعة الإسلامية
في
المفاهيم والتصورات
محاضرة ألقيت في غرفة أهل السنة والجماعة لدعوة النصارى ( Islam Or Christianity ) بالقسم العربي في البالتوك ، لدكتور / محمد جلال القصاص . والمحاضرة منقولة من موقع الغرفة
Islam Or Christianity.org
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمدٍ النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
ثم أما بعد:
اللفظُ أو الكلامُ الذي نتكلمُ به يدور معناه على ثلاثة أشياء :
اللغة
والشرع
والعرف .
وغالبا ما يقف الشرع من اللغةِ موقف المخصص لها .
فالشرع الحنيف وإن كان قد استخدم اللغة العربية لبيان مراد الله من عباده على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أنه لم يستخدمها بذات المعاني اللغوية , وإنما بمعانٍ أخرى في الغالب .
- وغالبا - وأقول وغالبا - ما يخصص الشرع المعنى اللغوي .
فمثلا :
كلمة الآذان في اللغة : الإعلام .. مطلق الإعلام .
ومنه قول الشاعر :
آذنتنا بِبَينِها أسماء رب ثاوٍ يَمَلُّ منه الثِّواء 1
آذنتنا تعني أعلمتنا ، والبين هو الفراق والبعد ، والثاوي هو المقيم ، ومنه قول الله تعالى : " وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آيتنا ولكنا كنا مرسلين " أي وما كنت مقيما بينهم كمقام موسى وشعيب ـ عليهما السلام ـ حتى تعرف هذه الأخبار التي نوحيها إليك ولكن إنما عرفتها عن طريق الوحي ، وهذا من نوع الإخبار بالغيب الدال على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .(8/1)
هذا هو المعنى اللغوي لكلمة الآذان ... الإعلام .
أما في الشرع فقد خصص الشرع المعنى ، وجعله ( إعلام مخصوص عن شيء مخصوص بصيغة مخصوصة ) .
فإذا قلت لفظ الآذان ينصرف الذهن إلى الآذان الحالي بالصيغة الحالية ( الله أكبر الله أكبر . الله أكبر الله أكبر . أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله . أشهد أن محمد رسول الله . حي على الصلاة . حي على الصلاة . الله أكبر الله . أكبر لا إله إلا الله .
فحين ترد لفظة الآذان على ذهن المستمع ينصرف الذهن إلى الآذان المعروف بالصيغة المعروفة للإعلام عن شيء مخصوص وهو دخول وقت صلاة مخصوصة , يحددها وقت الآذان .
وكذا الصوم . مطلق الإمساك في اللغة ، ومنه قولِ الله تعالى على لسان مريمَ عليها السلام ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) [ مريم : 26 ] .
وفي الشرع : إمساك مخصوص ( عن الطعام والشراب والشهوة ) في وقت مخصوص ( من الفجر حتى غروب الشمس ) . بنية مخصوصة ، وهي نية القربى من الله تعالى .
وكذا التيمم في اللغة القصد . . . مطلق القصد .
ومنه قول الشاعر :
تيممتُ مصر أطلب الجاه والغنى *** فنلتهما في ظل عيش مُمنَّع
وزرت ملوك النيل ارتاد نيلهم * * * فأحمد مرتادي وأخصب مربعي
فكلمة تيممت هنا تعني قصدت .
وفي الشرع تستخدم كلمة التيمم للدلالة على أمر مخصوص ، وهو بديل الوضوء عند فقده حقيقة أو حكما ، وهو مشروح تفصيله في كتب الفقه .
أدلل على ماذا أنا الآن ؟
أدلل على أن الشرع وإن كان قد استخدم اللغة العربية لبيان مراد الله من عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يستخدمها بذات المعاني اللغوية ، وإنما بمعان أخرى وغالبا ما يخصص الشرع المعنى اللغوي .
وضربت مثالا على ذلك بكلمة الآذان ، وكلمة التيمم وكلمة الصوم .
وأزيد الأمر وضوحا بهذا المثال .(8/2)
كلمة الإيمان في اللغة التصديق الجازم ومنه قوله تعالى " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " قولةُ إخوةُ يوسف لأبيهم ، استعمل فيها الإيمان بمعناه اللغوي أي ( بمصدق لنا ) 2.
ولكن إذا أطلقت لفظة الإيمان في الشرع فإنها تدل على تصديق مخصوص . وهو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم المستلزم للإذعان بالجوارح .
أو قل معرفة بالقلب والتي يسميها علماء العقيدة " قول القلب " تولد هذه المعرفة يقينا في القلب وهو ما يسمى بـ " عمل القلب " تنضبط بموجبه به الجوارح . قوة وضعفا . . . وجودا وعدما .
أو قُلْ الإيمان في الشرع : هو اعتقاد بالقلب ( قوله وعمله ) ، وقول اللسان ، وعمل الجوارح .
فهما ثلاثة أشياء :
المعرفة والقبول والعمل .
فجاهل الشيء لا يمكن أن يصدقه أو يكذبه ، ولا يمكن للمرء أن يمتثل للأمر وهو لا يعلمه ، أو ينتهي عن شيء وهو لا يعرف أنه حرام .
كونه معذور أو غير معذور هذه قضية أخرى ، ليست محل الكلام الآن .
وقد يعرف المرء ، ويصدق ويستيقن ولا يتبع ، كما هو حال فرعون " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " [ النمل : 14 ]
" فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " [ الأنعام :33] .
وهذا كله ليس من الإيمان في شيء ، بل لا بد من المعرفة والقبول والدخول في الأعمال بعد ذلك . ولا نقول بأن الأعمال كلها شرط صحة في الإيمان .
هذا هو دلالة لفظ الإيمان حين يستخدمه الشرع ( على تفصيل لا يناسبه المقام )
فهكذا ترى أن اللفظ وإن كان يستخدمه أهل اللغة , ويستخدمه الشرع إلا أن بينهما فرق , دلالته اللغوية غير دلالته الشرعية , وإن تقاطعت المعاني .
ولهذا أنكر فريق من العلماء ـ منهم شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب الإيمان وابن عثيمين رحمه الله في شرح نظم الورقات للعمريطي ـ المجاز . أنكرا المجاز هكذا بإطلاق وقالوا الكلام حقيقة في عرف المتكلم مجاز باعتبار آخر !(8/3)
فالمتكلم ملزم بظاهر كلامه ، ما لم تأت قرينة أخرى صارفة لهذا الظاهر .
وهذه من القواعد الأصولية .. . الكلام على ظاهرة ما لم تأت قرينة صارفة ، والقرائن معروفة والكلام فيها منضبط عند أهل الأصول .
وأهل الأصول يفرقون بهذه القاعدة بين الأمر والندب . . . بين المأمور به والمندوب إليه ، إذ الاثنان بصيغة الأمر ، ويفرقون بهذه القاعدة بين المكروه والمحرم ، إذ الاثنان بصيغة النهي . ولا أريد الاسترسال .
فقط أقول إن طبقت هاتين القاعدتين وهي ( النص على ظاهرة ما لم تأت قرينة صارفة ) ، و ( الكلام حقيقة في عرف المتكلم مجاز باعتبار آخر ) على النصوص الواردة في كتاب النصارى التي يصفون بها ربهم بأنه دودة ولبؤة ، وخروف ، وكذا على ما ورد في نشيد الإنشاد من بذاءة يدَّعون أنها وحي من الله ... وكذا النصوص التي تدل صراحة على أنه المسيح عبد الله ورسوله . تجد أنه لا يمكن قبول التأويل الذي يأتوننا به ، وأن سياق الكلام مُلزم لهم .
ومن أراد إثباتا لهذه القاعدة وشرحا أوفى فعند شيخ الإسلام بن تيمية في كتاب الإيمان ، وعند الشيخ بن عثيمين في شرح نظم الورقات .
إذا قلنا الآن أن هناك خصوصية للشريعة الإسلامية في استعمال الألفاظ . فهي وإن كانت تستعمل الألفاظ العربية إلا أن لها خصوصية في استعمال هذه الألفاظ .
وأحيانا يستعمل الشرع الألفاظ بذات الدلالة اللغوية لها ، فمثلا كلمة الآذان التي تكلمنا عليها ، جاءت بمعناها اللغوي في القرآن الكريم " فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء ، وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون " [ الأنبياء : 109] . فآذنتكم هنا بمعنى أعلمتكم ، استخدمت بمعناها اللغوي .
وقول الله تعالى " فأذنوا بحرب من الله " أي كونوا على علم . أو : أعلموا كل من لم يترك الربا بحرب من الله ورسوله . 3(8/4)
وكذا كلمة التيمم جاءت في سورة البقرة ، " يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد " أي ولا تقصدوا الخبيث وتنفقوا منه ، .
وكلمة الصلاة " إن الله وملائكته يصلون على النبي . يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "
قال بن كثر في تفسير هذه الآية ، قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثنائه عليه ـ أي على النبي صلى الله عليه وسلم ـ ، وصلاة الملائكة الدعاء .
إذا كيف يتضح المعنى ؟
كيف أعرف أن المراد هو المعنى اللغوي أم المعنى الشرعي ؟
هذا يتبين من دِلالة السياق .
وخلاصة القول : أن للشرع استقلالية . . . خصوصية . . . في استعمالاته للألفاظ ،وهو ـ أي الشرع ــ قد يستعمل الألفاظ بذات المعاني أحيانا ، وقد يضيف عليها وقد يخصص . والمعول في ذلك على دِلالة السياق والقرائن اللفظية أو النصوص الصارفة .
ولذا يجب علينا :
الوقوف على المعنى الشرعي للفظ ، وعدم تفسير اللفظ بمعان لغوية أو عرفية ، أو الانضباط حين استعمال اللفظ . ووضوح المرجعية في المعنى المستخدم هل هو الشرع أم اللغة أم العرف .
وهذه القضية مهمة جدا يا إخوان ـ وهي ما أريد بيانه اليوم .
كل ما أردت أن أوصله لكم اليوم هو هذا المفهوم . . . أنه يحب علينا الوقوف على المعنى الشرعي للفظ ، وعدم تفسير اللفظ بمعان لغوية أو عرفية ، أو الانضباط حين استعمال اللفظ . ووضوح المرجعية في المعنى المستخدم هل هو الشرع أم اللغة أم العرف .
وحتى يتبين لك مرادي تدبر حال المرجئة تجد أن سبب ضلالهم هو أنهم اعتمدوا في تفسيرهم للفظ الإيمان على المعنى اللغوي مدعين بأن القرآن نزل بلسان عربي مبين .
استخدموا المقدمات المنطقية العقلية لإثبات باطلهم ، فقالوا القرآن نزل بلسان عربي مبين أليس كذلك ؟
بالطبع هو كذلك . لا أحد ينكر هذا .(8/5)
فقالوا إذا العرب تُعرف لفظ الإيمان بالتصديق الخبري أو ما يقولون عنه المعرفة .إذا الإيمان هو التصديق أو المعرفة ، وذهبوا إلى النصوص وحَمَلوها حملا على القول بباطلهم ، والنصوص من كلام العرب الذي ترد فيه الاحتمالات ويدخله التأويل بأدنى الحجج .
نقول : وهو حق أريد به باطل .
فنعم الشرع استعمل اللغة العربية في بيان مراد الله من عبادة ولكنه خصص وأضاف ، ولا بد من الوقوف عند المعنى الشرعي وعدم تجاوزه . ولست هنا معنيا بمناقشة مذهب المرجئة وإنما أريد أن أنبه على أنه لا بد من الرجوع للمعنى الشرعي في تفسير معان الكلمات ، وليس الاكتفاء فقط بالمعنى اللغوي أو العرفي .
والآن أريد أن يزيد الأمر بيانا بهذه النقطة ، وهي ما أسمية :
المناعة الفكرية :
أقول : يجب على المسلم أن يكون مستيقنا بأن الدين كامل " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " . وليس فقط بل عليه أن يستيقن من أن الأحكام الشرعية في غاية الحكمة ، وذلك لأنها من الله العليم الخبير الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .
وعليه أن يرد كل ما أشكل عليه لأهل العلم من العلماء الربانيين ،
" وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " [ النساء : 83 ]
فهنا أمرٌ برد كل أمر سواء أكان فيه خوف أم كان فيه أمن . إلى الرسول وإلى أولي الأمر
" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا " . [ النساء : 83 ]
فهنا جعل الرد لله والرسول شرط لصحة الإيمان . . . " فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر .
والمعنى من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليرد الأمر لله والرسول .(8/6)
وليس هذا الرد مقتصرا على الأمور العظام بل على كل شيء . فانظر كيف أتى التعبير بكلمة شيء التي هي نكره ، وفي سياق الشرط لتفيد العموم . فكل شيء يجب أن يرد إلى الكتاب والسنة ، ومن لا يعرف يسأل .
ثم انظر بما ختمت الآية الكريمة ، " ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا "
فالخير وحسن العاقبة في الرد إلى الله ورسوله .. . في الوقوف عند قول العلماء الربانيين . الذين لا يخافون في الله لومة لائم .
حين يعرف المسلم هذا الأمر تتكون عنده مناعة فكرية ، فلا يقبل كل ما يسمع بل يكون عنده خاصية الانتقاء ... القبول والرد .
وللأسف نجد أن كثيرا من المسلمين يردد كثيرا من الكلمات وهي بمعان مستحدثه لا نعرفها . بل ننكرها .
مثلا كلمة ( الحرية ) و كلمة ( المساواة ) ، تردد على لسان كثير من أبناء الأمة الإسلامية , وهي كلمات غربية بدلالات غير إسلامية . هذا أقل ما يمكن أن يقال فيها .
فـ ( الحرية ) تعني حرية المرأة في التبرج والسفور بل والعري ، ومخالطة الرجال في أماكن العمل وفي أماكن اللهو بما لا يخفى ، والحرية عندهم تشمل حرية الكلمة وإن كانت سبا لله ورسوله وطعناً في الدين ،أو غمزا لعباد الله الموحدين .
وعندنا " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " " إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلق لها بالا يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يكتب الله به رضاه إلى يوم يلقاه "
و( المساواة ) عندهم تشمل تسوية الرجل بالمرأة في كل شيء . وعندنا للمرأة ما ليس للرجل ، وللرجل ما ليس للمرأة ، وعلى كلٍ من الحقوق ما ليس على الآخر ، تبعا للاختلافات الجسمية والنفسية .( ... وليس الذكر كالأنثى ..... ) حكمة العليم الحكيم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ،(8/7)
والمساواة عندهم تعني أيضا مساواة أهل الكفر بأهل الإيمان ، وعندنا " أفنجعل المسلمين كالمجرمين . مالكم كيف تحكمون . أم لكم كتاب فيه تدرسون " ؟؟!!." .
فبينهما فرق : بين معاني الألفاظ الحديثة فيما هي مستعملة اليوم فيه , ومعناها في الشرع , فرق يجب الوقوف عليه , ولا يردد هكذا دون تدبر .
فلو علموا أن هناك هناك خصوصية للشريعة الإسلامية في المفاهيم والتصورات ، ما رددوا هكذا بدون وعي بل لرجعوا إلى الشريعة الإسلامية يستنطقونها ماذا تقول في كل ما يعرض عليهم .
وقبل أن أكمل الكلام في البرهان على أن للشريعة الإسلامية خصوصية في المفاهيم والتصورات ، وحيث أنني ذكرت أهل الإرجاء أريد الآن أن أقف مع رأس الإرجاء الجهم بن صفوان فهو نموذج يبين كيف أن الجهل بخصوصية الشريعة الإسلامية في المفاهيم والتصورات باب عظيم من أبواب الضلال والعياذ بالله .
الجهم بن صفوان نموذجا عمليا .
ولمن لا يعرف الجهم بن صفوان أقول هو :
أبو محرز الجهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسب . وبني راسب هؤلاء من ألازد ، ومنهم عبد الله الراسبي أول زعيم للخوارج .
كان يعمل كاتبا مع ( الحارث بن سريج التميمي وهو أحد من خرجوا على الدولة الأموية في أوائل القرن الثاني الهجري ) ، والحارث بن سريج هذا له قصة هو الآخر معروفة في كتب التاريخ الإسلامي .
لم يكن الجهم بن صفوان من أهل العلم والفضل ، بل تكلم أكثر من نفر ممن عاصره أنه كان من أجهل الناس بأمور الدين حتى البسيط منها ، فلم يكن يجلس إلى العلماء وإنما إلى أهل الأهواء والبدع .
الجهم بن صفوان هذا هو الذي قال أن الإيمان هو المعرفة ، وأن الكفر هو الجهل .
وهو الذي قال بنفي الصفات عن الله عز وجل ، فالله عند الجهم ومن تبعه ليس له صفة إلا ذاته ، لأن إثبات الصفات ــ على حد قول جهم يعني مشابهة الله للحوادث .(8/8)
وقال بأن الجنة والنار تفنيان, لأن ثبات البقاء الدائم لنعيم الآخرة وعذابها فيه مشاركة لله في اتصافه وحده بصفة البقاء والأزلية
من أين جاء الجهم بهذا الكلام ؟
كان هذا الرجل لسنا مجادلا ، مجبولا على الاعتراض والمراء ، وكان هذا الرجل لا يجلس إلى العلماء ، ولا يعرف بعلم ولا عبادة بل قيل أنه لم يحج البيت قط ، وكان يجلس إلى أهل الفلسفة والجدل ، اتصل ذات يوم بطائفة من الزنادقة الهنود ، يقال لهم : " السمنية " وراح جهم يجادلهم وهو صفر من العلم معتمدا فقط على عقله .
وابتدؤوا الكلام معه بالسؤال عن مصدر المعرفة ( و هي أكبر قضية فلسفية على الإطلاق ، وأصل كل بحث و نظر ) و كانت فلسفتهم تقوم على أن المصدر للمعرفة هو الحواس الخمس
ونحن نقول أن المصدر اليقيني في المعرفة هو الوحي ، وصدق الخبر نستدل عليه بصدق المخبر إن كتابا وإن سنة ، ونقول أن الحواس لا تدرك الأشياء على حقيقتها أحيانا بل غالبا ، فللعين مدى في الرؤيا لا تتجاوزه ، وللأذن مدى في السمع لا تتجاوزه ... وهكذا .
والعلم التجريبي نظريات يكذب بعضها بعضا ، فنظريات اليوم تعدل أو تكذب نظريات الأمس ، في الكمياء وفي الصيدلة وفي الطب وفي الفلك ... الخ .
فالمصدر الوحيد المتيقن للمعرفة هو الوحي .
ولما كان الجهم جاهلا سلم لهم بأصلهم الفاسد هذا ، فسألوه سؤالا آخر مبنيا على هذا الأصل ، وهو صف لنا ربك يا جهم ؟ بأي حاسة أدركته من الحواس ، أرأيته أم لمسته - أم سمعته ... الخ ؟!
و سقط فى يد هذا الضال المسكين ، وطلب منهم مهلة ليفكر في الأمر ، ولم يستطع أن يستلهم حجة ، و لم يسأل العلماء فيداووه ويلقنوه .
و قادته الحيرة إلى الشك في دينه ، فترك الصلاة مدة ، ثم استغرق فى التفكير و التأمل ، حتى انقدح في ذهنه جوابا خرج به عليهم قائلا : " هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شئ و لا يخلو من شئ .!!(8/9)
وهذا الجواب الذي هو أساس نفي الصفات ، ومن يبحث يجد أن نفي الصفات هو من قول طائفة من زنادقة الهند .
ثم دخل الجهم في قضية أخرى كان الجدال محتدما حولها وهي قضية الإيمان ، واعتمادا على عقله أخذ يفكر ثم خرج بما قاله في الإيمان ، وهو أن الإيمان المعرفة فقط بالقلب ، فمن عرف الله بقلبه فهو مؤمن ، دونما حاجة إلى قول باللسان ولا عمل بالجوارح .
ومن يطالع في سيرة هذا الرجل وواقع عصره ، يعلم أنه أتى بهذا القول من كلام المتفلسفة من الزنادقة ، الذين لا يعدو الإيمان عندهم مجرد الإقرار النظري بوجود الله ، ومن كلام المرجئة الفقهاء الذين أصروا على نفي دخول الأعمال في الإيمان .
ثم خطا جهم خطوة أسوء من هذا كله ، وهي أنه تعصب لمذهبه هذا وأخذ يبحث في الشاذ والغريب من أقول العلماء ، ولوازم الأقوال ليثبت مذهبه .
فهاتان خطوتان :
الأولى : التكلم عن جهل ، أو أن يعتقد الرجل أن العلم كله عنده فحين يسأل يجيب بما عنده وهو قليل ولا يراجع أهل العلم ، أو يعتمد على عقلة وينشأ أقيسه مغلوطة .
الخطوة : الثانية وهي التعصب لهذا الرأي المنبثق أساسا من الجهل . ويذهب صاحبة للنصوص الشرعية ليحملها على القول بهذا الباطل .
وما أجمل ما قال الشاطبي - رحمه الله - وهو يفرق بين صاحب الحق وصاحب الهوى ، يقول أن صاحب الحق يذهب إلى النصوص الشرعية ينظر ماذا تقول ثم يمتثل ، أما صحاب الهوى فهو يذهب إلى النصوص الشرعية ليأتي بها على هواه .
أو بكلمات أخر . أن أصحاب البدع يعتقدون ثم يستدلون . كما يقول الشيخ بن عثيمين رحمه الله .
فعلى كل من يتصدر لأي قضية من قضايا الدين أن لا يقول على الله بغير علم ، وأن يرجع إلى الشرع موقنا بأن الشرع كامل ، وأن لا يرجع إلى عقله ولا إلى العرف ، ولا غير ذلك ذلك لأن للشرع خصوصية في المفاهيم والتصورات .(8/10)
ثم إن هناك خطوة ثالثة متممة لهذا الأمر وهي من فعل الأعداء ، يذهبون إلى هذه النماذج الشاذة ، ويلمعونها ، وينشرون فكرها . تماما كما حدث مع طه حسين ، ومحمد عبده ، وجمال الدين الأفغاني ، ونصر أبو زيد ، ودارون .
وخلاصة القول :
أنني في هذه المحاضرة كل ما أردته هو أ ن ترسيخ فكرة الخصوصية في المفاهيم ، حتى يرجع كل من أراد الكلام إلى الشرع الحنيف . . . هذا كل ما أردته اليوم ، ولك أن تتوسع في الموضوع ،
مثلا : مفهوم الرزق ... تحصيل الرزق .
الناس لهم أسباب مادية يسلكونها في تحصيل رزقهم .
والشرع له خصوصية في هذا الأمر ، فهو يتكلم عن أسباب أخرى مضافة إلى الأسباب المادية قال تعالى
" ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " [ الأعراف : 96]
وقال تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بي أنفسهم " [ الرعد :: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " [ المائدة : 66 ]
مثال آخر : من أين يأتي البلاء ؟
الناس يقولون كلاما كثيرا . . .
ولكن الشرع يعطي مفهوما آخر : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " [ الشورى : 30] " أو لما أصابتكم مصيبة قلت أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " [ آل عمران : 165]
والنصر والتمكين كيف الوصول إليه " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ... "
والأمر أوسع من هذا فهناك خصوصية في كل المفاهيم تقريبا . الكبر ... البر ... .. الخ .
وما أردت النبيه عليه هو التنبه لهذه الخصوصية ، والرجوع إليها واستنطاقها قبل التحرك حتى لا يكون حالنا كحال الجهم ومن على شاكلته والعياذ بالله .(8/11)
شكر الله لكم حسن استماعكم . سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ،ولا إله غيرك . والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
محمد جلال القصاص
1 مطلع معلقة الحارث بن أبي حلزة
2 وقد فرق شيخ الإسلام بن تيمية في كتاب الإيمان بين التصديق اللغوي وبين الإيمان من أربع وجوه . يرجع إليها من شاء .
3 لسان العرب جـ 13 ص 9
??
??
??
??
خصوصية الشريعة الإسلامية في المفاهيم والتصورات محمد جلال القصاص
16(8/12)
مشكلات في طريق التربية الجادة
لكل شيء مشكلات وسلبيات ينبغي أن تدرس و يهتم بها .. ومن ثم يوضع لها العلاج المناسب .. ومن سلبيات ومشكلات التربية الجادة :
نفور عدد من المتربين غير الجادين من أوساطهم الجادة والذين لا يمكنهم المتابعة لمثل هذا النوع من التربية ..
وعلاج ذلك : بألا نتوقف عن التربية الجادة في المحاضن التربوية أو نقصر في تربية الجادين من أجل هؤلاء .. ولكن يمكن توفير محاضن تربوية وبرامج خاصة بمن هم أقل قدرة لمتابعة هذا النوع من التربية والانضباط ..
فتتم صناعة أوساط وبرامج خاصة وعامة تناسب هؤلاء ولو كانوا كثرة .. ولو كانت البرامج أقل من المستوى المرغوب .. حيث أنه في الحقيقة سيكون بلا شك أفضل من ترك هؤلاء بدون برنامج دعوي ..
ولا شك بقاء هؤلاء في فلك الدعاة خير من تشتتهم في المجتمع وذوبانهم فيه ..
ضيق الصدر لدى المتربين والذين سيهولهم البون الشاسع بين المستوى الجاد الذي وصلوا إليه والمستوى الذي يرونه من خلال معايشتهم المجتمع ..
وعلاج ذلك بأن يغرس في المتربين أن ضيق الصدر لن يحل المشكلة.
بل بتحويل هذا السلوك من السلبية إلى الإيجابية بتدريبهم على وضع خطط عملية وتنفيذية لرفع المستوى العام للمجتمع والتركيز على أصحاب المؤهلات الجيدة فيه وبذل الجهود في الدعوة إلى الله في كل وسائلها الخاصة والعامة.
نفور بعض المدعوين أو بعض أفراد المجتمع من الجدية الزائدة -في نظرهم- لدى بعض المتربين ..
والمشكلة تكمن في جانبين الجانب الأول هو الجاد والذي ينبغي أن يتعرف كيفية الوصول إلى قلوب المجتمع دون ترك للجدية. وذلك من خلال انتقاء الموضوعات والوسائل ونوعية العلاقات التي سينفذها الداعية خلال اتصاله بالمجتمع.
والجانب الثاني يكمن في المجتمع ونظرته الخاطئة للجدية ويمكن علاج ذلك من خلال الوصول النفسي لقلوب المجتمع وزرع الثقة الحب بين الدعاة الجادين ونفعهم للمجتمع وبين أفراده.(9/1)
بل والوصول بالمجتمع إلى مستوى الاقتناع والاتباع للدعاة الصادقين الجادين.
رفض بعض المتربين الذين تلقوا تربية جادة لجميع أنواع التربية الأخرى الأقل ولو كانت مناسبة في زمان أو مكان .. وقد يصل بالبعض إلى ازدراء الآخرين ونقدهم أو بغضهم .. في حين أن غيرهم رأوا أن تخفيف الجدية في مكان أو زمان أو مع أفراد معينين قد يكون له أثر أفضل من تركهم بدون تربية نهائيا.. أو يكون أفضل من إدخالهم في تربية جادة لا يستطيعونها..
وعلاج ذلك : بأن يتولى المربون علاج ذلك من خلال التربية .. وعدم اعتبار مفردات التربية في زمان أو مكان أو غيرها كالوحي المنزل ..
بل يجب أن تفتح التربية مدارك المتربي لتطوير الوسائل وابتكارها حسب الحاجات كما أنه يجب أن يتأقلم المتربي على صناعة الأوساط .. لا أن يصدم بواقع لا يستطيع أن ينفذ ما تربى هو عليه .. فقد يترك الدعوة أو التربية كلياً بحجة أن الزمان تغير والناس غير مؤهلين ..
التأثم من المباحات والشعور بنقد النفس لمن يتلبس ببعض الأمور التي لم يعتد عليها خلال التربية الجادة .. وفرق بين أن نتربى التربية بجدية ونترفع عن كثير مما يخل هذه التربية وبين أن نعتبر مخالفة ذلك إثماً يجب تركه ونفترض ذلك في الآخرين أو نوجبه عليهم ..
وعلاج ذلك : بإدخال التوازن والاعتدال خلال برامج التربية الجادة حتى لا يتناقض بين ما تربي عليه وبين التسهيل الموجود في الشريعة ..
الإحباط عند النظر في المجتمعات اللاهية والضعيفة ..
وعلاج ذلك بأن يتم التبشير بأن المستقبل للإسلام .. وتربية المتربين على أن الأجور تكون ببذل الجهد والاجتهاد .. وأن تتم دراسة أحوال الأنبياء الذين بذلوا جهودهم بين أقوامهم مع كثرة الابتلاء الذي حصل لهم من هؤلاء القوم.(9/2)
بيانات الكتاب
العنوان :
(التربية الإسلامية وتحديات العصر)
المؤلف :
(عبد الرحمن بن عبد الله الفاضل)
نبذة عن الكتاب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ..... وبعد ،
فإن التربية الإسلامية تستمد أصولها ومسلماتها وغاياتها وأهدافها من ديننا الحنيف وتصب في هذا الإطار أساليبها وعملياتها مستخدمة ومسخرة أدوات العصر وتقنياته في خدمة هذه الغايات .
وكما أن للعصر أدوات ، وتقنيات ، فإن فيه صعوبات ، وتحديات، تواجهها التربية الإسلامية التي يمكنها تجاوز الصعوبات والانتصار على التحديات بسبب خصائصها الفريدة ، وصلاحيتها لكل زمان ومكان .
والقضايا المطروحة كمشكلات وصعوبات وتحديات تواجه التربية الإسلامية كثيرة ، والتساؤلات التي تتصل بتلك التحديات كثيرة أيضاً ، وتؤدي هذه الكثرة والتعدد إلى تباين واختلاف وجهات النظر التي تعالج هذه القضايا ، والمعالجة التي ينطوي عليها هذا البحث تفترض مرونة التربية الإسلامية وقدرتها على التعامل مع مختلف التحديات والصعوبات ، بل والإفادة منها أيضاً .
وقد حاول الباحث من خلال فصول هذا البحث أن يوضح الصلة بين عناصر الموضوع والمتمثلة في تحديات العصر ومعالجة التربية الإسلامية لها .
وتنتظم فصول هذا البحث في تسلسل يهدف إلى معالجة القضايا الرئيسة في هذا الموضوع ، حيث تناول الباحث في الفصل الأول تحدي الحرية، ومفهومها في المنهج الإسلامي، وأنواعها، وواقعها،وكيفية تفعيلها .
كما تناول الفصل الثاني تحدي الحوار ، حقيقته ، وأهميته ، وأهدافه ، وأصوله ، وتقنياته ، والتعلم من خلال الحوار .
وتناول الفصل الثالث تحدي الغلو والتطرف الديني ، مفهومه ، ونشأته ، وأنواعه ، وموقف التربية الإسلامية منه ، وإفرازاته السلبية ، وسبل الوقاية والعلاج منه .(10/1)
وتناول الفصل الرابع تحدي الإرهاب الفكري ، مفهومه ، وإشكالية تحديد الإرهاب ، وأنواع الإرهاب ، وأسبابه ، وموقف التربية الإسلامية منه ، وسبل الوقاية والعلاج منه .
وتناول الفصل الخامس تحدي غياب دور المرأة ، ومكانتها في الإسلام ، والفوارق الجوهرية بين المرأة والرجل ، والمرأة المسلمة بين التهميش والتحرير ، وكيفية تفعيل دور المرأة في بناء المجتمع المسلم .
وتناول الفصل السادس تحدي العولمة ، ومفهومها ، الفرق بين العولمة وعالمية التربية الإسلامية ، وسلبيات العولمة وإيجابياتها ، وكيفية الاستفادة من إيجابياتها واتقاء سلبياتها .
وقد حاول الباحث تناول العناصر الرئيسة للبحث وعرضها بطريقة متوازنة ، ويرجوا الباحث أن يكون قد وفق في تحقيق الغرض المنشود ، والثغرات الموجودة هي نموذج من القصور الإنساني ، أسأل الله التوفيق والسداد ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .
أهمية البحث
تنبع أهمية البحث من أهمية التربية الإسلامية التي تعمل كموجه للعملية التربوية والمناهج التعليمية والبرامج الإرشادية للفرد والجماعة ، محققة ما نصبو إليه من إعداد الإنسان الصالح الذي يعتبر قدوة لغيره من البشر في الاستقامة والخلق ، في المجتمع الصالح الذي يعد نموذجاً لغيره من المجتمعات البشرية في الحياة الفاضلة الكريمة .
تساؤلات البحث
التساؤل الرئيس :
ما أبرز التحديات التي تواجهها وتعالجها التربية الإسلامية ؟
التساؤلات الفرعية :
ما هو تحدي الحرية ؟
ما هو تحدي الحوار ؟
ما هو تحدي الغلو والتطرف الديني ؟
ما هو تحدي الإرهاب الفكري ؟
ما هو تحدي غياب دور المرأة ؟
ما هو تحدي العولمة ؟
أهداف البحث
التعرف على أبرز التحديات المعاصرة التي تواجه التربية الإسلامية .
التعرف على تحدي الحرية .
التعرف على تحدي الحوار .
التعرف على تحدي الغلو والتطرف الديني.
التعرف على تحدي الإرهاب الفكري .(10/2)
التعرف على تحدي غياب دور المرأة .
التعرف على تحدي العولمة .(10/3)
العاطفة بين الإهمال والإغراق
...
المحتويات ...
· ... مدخل
· ... إهمال العاطفة
· ... الإغراق في العاطفة
· ... الصورة الأولى
· ... الصورة الثانية: كون العاطفة هي المحرك للعمل
· ... الصورة الثالثة: العلاقات العاطفية
· ... الصورة الرابعة: التربية العاطفية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد ...
مدخل
حديثنا هذه المرة حديث ذو شقين : ـ
حديث حول الإهمال، وحديث حول الإغراق .
وقبل أن ندخل في موضوعنا، لابد لنا أن نقف وقفة سريعة عجلى حول ما قاله بعض أئمة اللغة حول معنى هذا المصطلح الذي شاع حول حديثنا وصار على لسان الصغير والكبير .
يقول ابن فارس " العَطفُ أصل صحيح، يدل على انثناءٍ واعوجَاج، يُقال عَطفتُ الشَيء إذا أَمَلتَه، وانعَطَفَ الشَيءُ إذا انعاَج، وتَعطَّفَ بالرحمة تعطُّفا، والرجل يَعطِفُ الوسادة يُثنيها، ويقال للجانبين العطفَان " .
وقال في اللسان " وتَعطَّف عليه أي وصلَه وبرَّه، وتَعطَّف على رَحِمِه رقَّ لها، والعَاطِفَة الرحِم صفة غالية، ورجل عَاطِف وعَطَوف عائد بِفَضْله حَسَن الخُلق " .
قال الليث " العَطَّاف الرجل الحَسَن الخُلُق العَطُوف على الناس بِفَضلِه وعَطَفتُ عليه اَشْفَقْتُ" .
وهكذا نرى أن " المعنى اللغوي " لا يبتعد كثيراً عما يُطلق عليه بالمصطلح المعاصر " العاطفة " وإن كانت أخذت مدًى أبعد من ذلك .
فحين تُطلق العاطفة فإنها " تطلق على تلك المشاعر المتدفقة السيَّالة التي تدفع الإنسان لاتخاذ مواقف من القبول والرفض، أو الحب أو الكره، تُطلق على تلك الحماسة التي تتوقَّد في نفس صاحبها، لقبول هذا العمل أو رفضه " .(11/1)
وصار الحديث كثيراً حول العاطفة حديث الرفض، وحديث الانتقاد، فصار يكفي أن تجرح فلاناً من الناس أن تصفه بأنه " صاحب عاطفة " أو بأنه " صاحب حماس " أو كما يُقال " متحمِّس "، صارت كلمة جرح مطلقاً، وهذا يعني أن فاقد العاطفة وفاقد الحماس هو الرجل الأولى بالتعديل .
إننا ومع شعورنا " بإغراق " بل ومزيد من الإغراق في العاطفة ومع شعورنا بأن ثمَّة مواقف تدفع إليها العواطف كثيراً لابد أن نحجِّمها ونحُد منها، إننا مع ذلك ينبغي ألاَّ نهمل دور العاطفة وألاَّ نقع في خطيئة الإهمال لها .
إهمال العاطفة
إن الدعوة إلى إهمال العاطفة كما قلنا، دعوة بحاجة إلى مراجعة وإلى إعادة النظر لأمور منها:
أولاً: أن العاطفة خلقها الله في الإنسان أصلاً، فقد خلق الله الإنسان يحمل مشاعر وعواطف من الحب والكره، والقبول والرفض والحماس .
فالدعوة إلى إلغائها دعوة إلى تغيير خلق الله، والدعوة إلى إلغائها أنها خُلقت عبثاً، وحاشى لله عز وجل أن يكون في خلقه عبث، فهو سبحانه ما ركَّبَ هذه العاطفة في نفس الإنسان إلا لحكمة، ولمصلحة لابد أن تتحقق من ورائها .
ثانياً : يتفق العقلاء من الناس على وصف فاقد العاطفة بأنه رجل شاذ؛ فالرجل الذي لا تتحرك مشاعره، فلا يرقُّ قلبه لمشهد يثير الرقة والعطف، ولا يملك مشاعر الحب تجاه الآخرين أو مشاعر الرفض تجاه من يُرفَض، الرجل الذي لا يمكن أن تتوقَّد في قلبه حماسة أيًّا كان الموقف، لاشك أنه رجل شاذ فاقد للإحساس والعواطف .
بل إن الناس يرون أن الرجل الذي لا يحس بالجمال، ولايتذوق الجمال في هذه الدنيا، رجل شاذ، فهو وصف مخالف للفطرة السوية، ولهذا ( حين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورآه يقبِّل صغيراً، قال :تقبِّلون صغاركم ؟! قال صلى الله عليه وسلم "أوأملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟").(11/2)
إنه رجل شاذ بعواطفه، إنه رجل كما قال صلى الله عليه وسلم:"قد نُزعت من قلبه الرحمة" فصار تصرفه وصار سلوكه، سلوكاً غير مرضيٍّ، وسلوكاً مرفوضاً، يستنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الصحابي رضوان الله عليه، أن لا يملك في قلبه الرحمة، والرقة والعاطفة تجاه هؤلاء الصبية الصغار، فصار لا يُقبِّل أحداً منهم .
ثالثاً : حين نقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نجد مواقف شتى تدل على هذا المعنى وسواءً سميناها عاطفةً أو لم نسمها كذلك فلا مُشاحة في الإصطلاح، ولا يجوز أبداً أن نقيم جدلاً وحرباً حول المصطلحات والألفاظ، سمها ما شئت المهم إنها تعني الذي نريد، وإن اصطلحنا نحن على تسميتها بالعاطفة فإن هذا لايعني أن وصف العاطفة لفظ تهمة أصلاً ولفظ جرح، يتردد المرء من أن يصف به فلاناً من الناس فضلاً أن يصف به محمداً صلى الله عليه وسلم .
وإن اخترت أن تبحث له عن لفظ غير هذا فأنت وما تريد لكنا نحن نريد المعنى ولسنا نقيم جدلاً حول هذا المصطلح وحول هذا اللفظ .
النبي صلى الله عليه وسلم كان يملك هذا الشعور: يملك هذا الشعور مع زوجاته، ففي حجة الوداع تأتي زوجه عائشة رضي الله عنها وقد حاضت ولم يتيسر لها أن تأتي بعمرة قبل الحج فتأتي النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: يذهب الناس بحج وعمرة وأذهب بحج؟ ثم تلحُّ عليه صلى الله عليه وسلم، يقول جابر: وكان رسول الله عليه وسلم إذا هوت أمراً تابعها عليه، ويواعدها صلى الله عليه وسلم المحصَّب أو الأبطح ثم تذهب مع أخيها فتعتمر فتأتي إليه صلى الله عليه وسلم فيُوقظ صلى الله عليه وسلم ثم يقول "أفرغتم؟" فتقول: نعم؛ فيؤذن أصحابه بالرحيل .(11/3)
وفي موقف آخر أبعد من هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزاة ففقدت عقداً لها رضي الله عنها وحبس النبي صلى الله عليه وسلم الناس يبحثون عن هذا العقد، ويأتي أبوبكر الصديق رضي الله عنه إليها والنبي صلى الله عليه وسلم نائم على حجرها فيقول : ( حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ؟! ) قالت: ( فما يمنعني أن أتحرك إلا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ) حتى آيسوا من هذا العقد فلما أقاموا البعير وجدوه تحته !!، وتدركهم الصلاة وليسوا على ماء، فتنزل آية التيمم فيقول أسيد رضي الله عنه: ( ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر ) .
إن النبي صلى الله عليه وسلم يحبس الجيش كله، ويبقيه يبحث عن هذا العقد، والقضية ليست قضية رجل يتعلق بالدنيا حاش وكلا، إنما هي مراعاة لمشاعر تلك المرأة، فيحبس النبي صلى الله عليه وسلم الجيش ويحبس الناس، ويأتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه غاضباً إلى عائشة لأنها حبست الناس ويبقيهم صلى الله عليه وسلم حتى أدركتهم الصلاة وليسوا على ماء وليس معهم ماء .
وتأتي رضي الله عنها تنظر الى أهل الحبشة وهم يلعبون في المسجد ويقف صلى الله عليه وسلم يسترها وهي جارية لا يمل حتى تمل اللعب وتنصرف، فينصرف صلى الله عليه وسلم .
ونرى أيضاً هذا الخُلق عنده صلى الله عليه وسلم وتلك الرَّقة مع الأولاد فيأتي إليه الصبيِّ فيُقبّله صلى الله عليه وسلم فيعترض عليه رجل جالس عنده، فيقول : ( تُقبِّلون الصبيان ؟ إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم ) ، فيقول صلى الله عليه وسلم : "أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة".
وفي الحديث الآخر ـ أيضاً ـ يقول صلى الله عليه وسلم "من لايَرحَم لا يُرحَم" .(11/4)
ويُؤتى بالنبي صلى الله عليه وسلم وصبيٌّ يحتضر وروحه تقعقع فيحمله صلى الله عليه وسلم ثم تنزل قطرات من الدمع من عينيه صلى الله عليه وسلم ويتساءل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : يتساءلون كيف لهذا القلب الكبير أن يرق ؟ كيف لهذا القلب الكبير أن يحمل هذه العاطفة لمثل هذا الصبي فيُقال ما هذا ؟! فيقول: ( هذه رحمة يجعلها الله في قلوب من يشاء من عباده ) .
ويموت ولده إبراهيم ويبكي صلى الله عليه وسلم ويقول: ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .
في حين يأتي أحد المتصوفة ويرى أنه سيبلغ هدياً أكمل من هدي النبي صلي الله عليه وسلم وهو يشعر أنه قد أُمر بالصبر على فقدان أولاده والرضا لهم، فحين يموت ولده يقوم هذا الرجل يرقص على قبره !!، فرحاً بهذه المصيبة، ويظن أنه قد بلغ من الرضا بقضاء الله عز وجل وقدره منزلة عالية .
بينما هو قد فقد تلك المنزلة العالية التي سما إليها النبي صلى الله عليه وسلم حين يجمع بين الصبر والرضى بقضاء الله عز وجل ويجمع بين الرحمة والرقة والعاطفة، التي لا يفتقدها إلا إنسان شاذ .
ويأتي الحسن والنبي صلي الله عليه وسلم يصلي ساجداً، فيصعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى النسائي من حديث عبد الله بن شداد رضي الله عنه فيطيل النبي صلى الله عليه وسلم السجود، حتى يقوم هذا الغلام فيسأله أصحابه فيقول:"إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أقوم حتى يقضي حاجته" .
ويدخل وهو يخطب صلى الله عليه وسلم فينزل صلى الله عليه وسلم من على منبره ثم يحمله ويعود إلى خطبته ويقول :"إن ابني هذا سيِّد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين".(11/5)
وتتجاوز رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وعطفه بني الإنسان إلى البهيمة والحيوان، فيروي عبدالله بن جعفر عنه صلى الله عليه وسلم أن أحب ما استتر إليه لحاجته هدف أوحائش نخل، فيدخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لرجل من الأنصار فإذا به جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح دفراه فسكت فقال صلى الله عليه وسلم:"من رب هذا الجمل ؟ لمن هذا الجمل ؟" جاء فتى من الأنصار فقال :لي يارسول الله ,فقال له :" أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكَّك الله إياها فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه" رواه أبو داود .
وفي حديث آخر عند أبي داود من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما عن أبيه قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمَّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمَّرةُفجعلت تفرش فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من فجع هذه بولدها ؟! ردوا ولدها إليها" .
أرأيتم ذلك القلب الكبير، ذلك القلب العظيم، الذي لم تقف رحمته عند حدود زوجته أو عند حدود رعيته، أو حتى عند الأطفال لتتجاوز إلى الحيوان، فيكلم النبي أحد أصحابه في شأن جمل له يجيعه ويذله وكأن هذا الجمل يشعر ويرى هذا القلب الرحيم حين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذرف عيناه مرسلة رسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الرحمة المرسَلِ رحمةً للعالمين بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.(11/6)
فهو رحمة للناس من عذاب جهنم ومن فيح جهنم، وهو رحمة للناس في أمور دينهم وهو صلى الله عليه وسلم رحمة حتى على هذه البهائم، ولهذا يصفه الله عز وجل فيقول : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ............الآية ).( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
ويصفه حسَّان رضي الله عنه بأوصاف يعجز عنها البلغاء : ـ
وأجمل منك لم ترى قط عيني *** وأحسن منك لم تلد النساءُ
خُلقتَ مبرءاً من كل عيب *** كأنك قد خُلقت كما تشاءُ
كان عطوفاً عليهم رؤوفاً بهم صلى الله عليه وسلم ولهذا لاغرو أن يقولوا حين دفنوه صلى الله عليه وسلم : " ما إن نفضنا التراب عن أيدينا حتى أنكرنا قلوبنا " وكيف لا ينكرون قلوبهم...
لقد غيبوا علماً وحلماً ورحمةً *** عشية واروه الثرى لا يوسدُ
وراحوا بحزنٍ ليس فيهم نبيهم *** وقد وهنت منهم ظهورٌ وأعضدُ
ووصف صلى الله عليه وسلم شاعر آخر فقال:
وإذا رحمت فأنت أم وأبُ *** هذان في الدنيا هم الرحماء
وإذ خطبت فللمنابر هزة *** وإذا وعظت فللقلوب بكاء
هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الكبير، القلب الرحيم العطوف الذي مع ما يحمله صلى الله عليه وسلم من عبء الرسالة وهم حمل هذه الديانة والشريعة إلى البشرية كلها مع ذلك كله يجد في قلبه صلى الله عليه وسلم الغلام مكاناً له، والحيوان يجد مكاناً له لرأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم .
أفبعد ذلك كله نطالب الناس أن يتجردوا عن عواطفهم ومشاعرهم وعما جبلهم الله عز وجل عليه(11/7)
رابعاً: للعاطفة أثرها الذي ينكر في إذكاء حماسة المسلمين للجهاد في سبيل الله ونزال العدو، لقد وقف المسلمون في غزوة مؤتة حين بلغهم جمع الروم وقفوا يتشاورون ماذا يصنعون ؟ هل يطلبون مدداً من النبي صلى الله عليه وسلم أم يرجعون ؟
قال ابن اسحاق ثم مضوا حتى نزلوا معانا من أرض الشام فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي مائة ألف منهم عليهم رجل من بلي ثم أحد أراشة يقال له مالك بن رافلة وفي رواية يونس عن ابن إسحاق فبلغهم أن هرقل نزل بمآب في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له، قال: فشجع الناسَ عبدُ الله بن رواحة، وقال: يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة، قال فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس.
وقال ابن إسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال كنت يتيما لعبد الله ابن رواحة في حجره فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله فو الله إنه ليسير ليلتئذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه :
إذا أدنيتني وحملت رحلي *** مسيرة أربع بعد بعد الحساء
فشأنك أنعم و خلاك ذم *** ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني*** بأرض الشام مستنهى الثواء
وردك كل ذي نسب قريب *** إلى الرحمن منقطع الإخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل *** ولا نخل أسافلها رواء
قال زيد فلما سمعتهن منه بكيت فخفقني بالدرة وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل.(11/8)
وكأنك ترى في حال هذا الصحابي الجليل وقد خرج عقد العزيمة ألا يعود ويسأل الله عزوجل أن يخلفه المسلمون بأرض الشام .
وحين قُتل صاحباه وتقدم، تردد وتلكأ فقال أبياتاً يستحث فيها نفسه : ـ
أقسمت يانفس لتنزلنه *** لتنزلنه و لتكرهنة
مالي أراك تكرهين الجنة ***إن أجلب الناس وشدوا رنة
فيخاطب نفسه بهذه الأبيات ثم يدفعها إلى ميدان الشهادة، فيمضي رضي الله عنه مع صاحبيه وهكذا حين تقرأ في السيرة أنه قبل المعركة يجمع القائد جنده وجيشه فيخاطبهم ويحمسهم ويحثهم على الاستشهاد في سبيل الله ويبين لهم فضل الشهادة وفضل الجهاد في سبيل الله، حتى يوقد حماستهم وعزيمتهم إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل أيسوغ بعد ذلك أن ندعوا إلى إلغاء الحماسة والعاطفة وهو يفعل فعله في النفوس ؟
خامساً: العاطفة شيء مهم في التربية، وحين يفقد المربي العاطفة، فإنه ينشأ شاذاً وهي صورة نراها فيمن مات أبوه أو ماتت أمه، وتربى عند زوجة أبيه أو عند غيرها من النساء التي لاتشعر تجاهه بشعور الأم الحنون، كيف ينشأ هذا الشاب ؟.
ذلك أن ثمة حاجة ملحة لهم فقدوها ألا وهي الحنان والعاطفة، ولهذا يتربى هذا الشاب بعقل أبيه وحجر أبيه ويتربى ـ أيضاً ـ بعاطفة أمه .
ولحكمة بليغة خلق الله عز وجل العاطفة في الأم، عاطفة تذوب عندها أي عاطفة تلتقي في نقطة اتزان مع عقل الأب وحصافته فيعيش الشاب ويعيش الطفل بين هذين الخطين المتوازيين فيعيش متوازياً مستقرًّا .
وحين يُشدُ أحد الخيطين أكثر من صاحبه، أو يفقد أحدهما فإنه يعيش عيشة غير مستقرة، ومن ثم فلا غنى للصغير عمن يحوطه بالعاطفة، وعمن يحنّ عليه ويشفق عليه .
وحين ينشأ خلاف ذلك فإن الغالب فيه أن ينشأ فاقداً لهذا الأحساس، وفاقداً لهذا الشعور .(11/9)
إننا مع ذلك كله نسمع من يدعو إلى إلغاء العاطفة، بل من يُدرج العاطفة ضمن مراتب الجرح، فيصف فلاناُ بأنه صاحب عاطفة، أو بأنه متحمس، وكم نرى العتبى واللوم على ذاك الذي أغاظه انتهاك حرمة من حُرم الله عز وجل فدارت حماليق عينه وغضب لله عز وجل، حينئذ يوصف بأنه متحمس، طائش، وبأنه لا يحسب عواقب الأمور .
أما ذاك الذي يرى المنكرات ويرى مصائب المسلمين ويرى جسد المسلمين يُقطع إرباً إرباً ومع ذلك لا تهتز مشاعره، ولا تتحرك عواطفه، ذاك يوصف بأنه رجل حكيم حصيف لبيب يضع الأمور في مواضعها !!
إنني أحسب أن هذه قسمة ضيزى، أحسب أن هذا جوراً في الحكم .
ولقد كان الغضب والحمية لدين الله عز وجل خُلقاً عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، بل قبل ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، كان صلى الله عليه وسلم هيِّناً سهلاً ليِّناً فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء ويوصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا يتناشدون الشعر فإذا أريد أحدهم على دينه ( دارت حماليق عينه ) أليس هذا تعبيراً عن الغضب والغيرة لحرمات الله عز وجل فكيف نصنع بتلك المواقف من سلف الأمة التي وقفوا فيها غضباً وحمية لدين الله عز وجل وقالوا كلمة الحق مدويَّة مجلجلة واضحة صريحة ! قالوها ولا شك أن الذي دفعهم لذلك الحماس والغضب لله .
نعم لكنها عاطفة صادقة و حماسة صادقة، فالمطالبة بإلغاء الحماسة والعاطفة، مطالبة بتغيير خلق الله عز وجل، وتغيير سجية فطر الله سبحانه عباده عليها .
وكما أننا ننكر على من يكون دافعه ووقوده الحماس والعاطفة وحدها، فإننا أيضاً ينبغي أن ننكر وبنفس القدر على ذاك المتبلد الحس، الذي يرى مصائب المسلمين، ويرى دماء المسلمين تجري ويرى حُرُمات الله تُنتهك ويرى دين الله عز وجل يُنقض عروة عروة، ومع ذلك لا يحرك فيه ساكناً، ولا يثير فيه حمية، ولا يغضب لله عز وجل .
ننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الشق الثاني، وهو :(11/10)
الإغراق في العاطفة
إن الوسط سنة الله عز وجل في الحياة، فالمسجد الذي نصلي فيه، حين يزداد فيه التبريد يصبح حدًّا مزعجاً، لا نطيق الصبر عليه، وحين ينقص عن القدر المعقول، يؤلم الناس الحر، ويزعجهم فلا يُطيقون الصبر عليه . وهكذا الطعام حين يكون بالغ العذوبة لا يستسيغه المرء، وحين يكون بالغ الملوحة كذلك، وشأن الله عز وجل في الحياة كلها " الوسط " .
والتطرف أمر مرفوض، و دين الله عز وجل قائم على الوسط.
وهو وسط بين الغلو والجفاء، فكما أن إهمال العاطفة وإلغائها أمر مرفوض، فالإغراق فيها والتحليق في التجاوب معها هو الآخر أمر مرفوض وينبغي أن نكون وسطاً بين هذا وذاك .
وإن كنا أفضنا في الحديث عن الشق الأول إلا أنني أرى أننا ـ معشر جيل الصحوة ـ أحوج ما نكون إلى الحديث عن الشق الثاني وهو الإغراق في العاطفة .
فنحن نعاني من إغراق في العاطفة، تختلف في صورها ومظاهرها، ومجالاتها .
الصورة الأولى
أن تحكمنا العاطفة في الحكم والتقويم، فحين نحكم على فلان من الناس، سلباً أو إيجاباً، وحين نحكم على عمل من الأعمال الإصلاحية، والأعمال الإسلامية، وحين نقوَّم الناس، فإننا لا يسوغ أن نندفع وراء عواطفنا، فنفرط في المدح والثناء، ونُحلِّق في أجوائها بعيداً عن الرؤية الأخرى ـ أي جوانب القصور، وجوانب الخلل ـ .
فلا يسوغ حين نقوَّم أعمالنا وجهودنا، أن تكون العاطفة هي المعيار الأوحد للتقويم والحكم، ومن يحكَّم العاطفة في حكمه، لابد أن يكون شخصية متطرفة إما ثناءً أو ذمًّا، إما سلباً أو إيجاباً. كثيرة هي الأحكام التي نطلقها من وحي العاطفة فقط، في أحكامنا ومواقفنا من الرجال والأعمال والجهود والمواقف، كثيراً ما يكون الحاكم الأول والأخير، والقاضي والشهود والمدعي هو العاطفة وحدها.(11/11)
وحينئذ لابد أن يكون الحكم حكماً جائراً، حكماً بعيداً عن العدل، إننا ومع تأكيدنا على أن الثناء على من يُحسن أمر مطلوب، وأن الإعجاب بمن يستحق الإعجاب أمر لا يُدعى إلى إلغائه والتخلي عنه. لكننا مع ذلك لا يسوغ أن نُفرِط، ولا يسوغ أن تحكمنا العاطفة وحدها في ذلك، وكثيراً ما تتحكم العاطفة في تقويم مواقف كثيرة من مواقف العمل الإسلامي، فتقود إلى نتائج مؤلمة .
اضرب لكم مثالاً : تجربة عشناها، كنا أغرقنا فيها، وتجاوبنا فيها مع العاطفة أكثر مما ينبغي، تجربة الجهاد الأفغاني، لقد بدأ هذا الجهاد، وقد نسيت الأمة الجهاد كله، بدأ وقد ضرب على الأمة الذل والهوان، وظنت الأمة أنها لن تعرف الجهاد ولن ترى الجهاد.
وصار حتى الذين يُدرِّسون الفقه يقفز بعضهم باب الجهاد لأنه لم يعد له مجال وميدان، فجاء أولئك وأحيوا في الأمة هذه الفريضة، وأحيوا سنة قد أُميتت وفريضة قد نسيتها الأمة، وحينئذ استفاقت الأمة، استفاقت على هذا الصوت، واستفاقت إلى داعي الجهاد، وصدمت بأولئك الذين خرجوا في تلك البلاد وقاموا لله عز وجل وأحيوا الجهاد في سبيل الله، وكان جهاداً حقًّا ولا شك، وقام بدور في إحياء الأمة ولا شك، لا يسوغ أبداً أن يُطوى، ولا يسوغ أن يُهمل .
لكن الذي حصل أننا أغرقنا كثيراً في العاطفة .
لقد بدأ الجهاد وفيه أخطاء ـ شأن البشر ـ وفيه انحرافات ـ شأن البشر ـ وفيه خلافات ـ شأن جهود البشر ـ فما بالكم بهذا الواقع الذي تعيشه الأمة، وما الجهاد الأفغاني، وما الأعمال الإسلامية كلها إلا إفراز لواقع الأمة الذي تعيشه(11/12)
وبدأ الجهاد وفيه ما فيه، من خطأ وخلل وفرقة وانحراف وفي الصف منافقون، ومع ذلك كله كان جهاداً شرعيًّا، كان جهاداً يستحق الدعم من الأمة، وأن تقف في صفه، لكن الذي حصل أننا أغرقنا في العاطفة فرفعنا منزلة أولئك إلى منزلة قريبة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الملائكة، وصرنا نفرط في الحديث عن الكرامات، ونستدل بها ومنها ما كان صحيحاً، وما كان منها لا يقبله عقل ولا منطق، بل ما كان منها من رواية أهل الخرافة الذين اعتدنا منهم هذه الأباطيل، وصرنا نتهم من يُشككُ في شيء منها بأنه من المخذلين، صرنا نتهم من يتحدث عن أخطاء الجهاد، وعن أخطاء المجاهدين ومن يُطالب بتنقية الصف، بأنه من المعوقين، فكنا دائماً نسمع التستر على الأخطاء، ودفن العيوب وكنا نتجاوب في عاطفة جيّاشة، ونتصور أن ذكر الأخطاء والحديث عنها لا ينبغي، ولا يحقق المصلحة ويجعل الأمة لا تتجاوب مع هذا الجهاد، وطال عمر الجهاد وجاء وقت قطف الثمر، وما الذي حصل؟! وماذا كان موقف الناس ؟!
إن موقفنا لا يزال، لازلنا غير آسفين على ريال واحد قدمناه للمجاهدين، ولا زلنا غير آسفين على كلمة قلناها في دعمهم لأنا نرى أنها كلمة حق، ولا زلنا لم نغيِّر مواقفنا .
لكننا نرى أنا نحن السبب في هذا الخطأ، حيث كنا نتجاوب مع العاطفة كثيراً، ونرفض الموضوعية، ونرفض النقد، ونرفض المصارحة، حيث إن الجهاد أوقد عاطفة في نفوسنا، لم نستطع أن نضبطها، ونحكمها فيما بعد، حتى وصلنا إلى هذه المرحلة، التي يدمينا جميعاً ويؤلمنا أن نسمع تصريح الزعيم الروسي السابق " جورباتشوف " حين يقول: ( لو علمنا أن الأفغان سيصنعون ما صنعوا لسَلَّمناهم كابول منذ زمن بعيد !! ) .
كم يدرك قلبك المأساة والحزن والأسى وأنت ترى الآن السلاح الذي كان وراءه أموال المسلمين، وترى أولئك الذين صعدوا على جماجم الشهداء من كل بقاع المسلمين، ترى أخاهم يوجِّه السلاح والرصاص لأخيه.(11/13)
إنني هنا لست بصدد تقويم هذا العمل، وهذا الجهاد - وهو مع ذلك لا يزال مفخرة من مفاخر الأمة، وإنجازاً من إنجازاتها- لكن الشاهد هنا أننا في تعاملنا مع هذا الحدث كنا نتجاوب كثيراً مع العاطفة، وكنا نُمارس الإرهاب الفكري ونمارس التثبيط ضد أي صوت ناصح يدعو إلى تنقية الصف ويدعو إلى تصحيح المسيرة، وأخشى ـ أيضاً ـ أن يقع الخطأ مثله وها نحن الآن نشهد الصحوة المباركة، مع ما فيها من إنجازات ففيها أمراض بحاجة إلى علاج، بحاجة إلى مراجعة، بحاجة إلى مصارحة، بحاجة إلى أن تتحدث عن أخطائها، تحت ضوء الشمس وفي وَضَح النهار، فأرجو أن لا تسيطر علينا العاطفة مرة أخرى، فتدعونا إلىالتستر على الأخطاء، ودفن العيوب، حتى تستفحل حينئذ وتستعصي على العلاج والمداواة
إذن من الإغراق في العاطفة أن تكون العاطفة وسيلة للحكم والتقويم .
الصورة الثانية: كون العاطفة هي المحرك للعمل
ومن الإغراق في العاطفة ـ أيضاً ـ أن تكون هي الدافع الوحيد للعمل، أن يتجاوب المرء مع عاطفته، فيعمل عملاً، أو يتخذ قراراً، أو يقف موقفاً، والدافع الأول والوحيد له هو العاطفة، لاغير،وهذا عنوان الفشل والانحراف في العواطف .
ومع عدم إهمالنا لدور العاطفة ومع أننا نرى أنه لا بد أن يدفع المرء إلى أي عمل، حماس، وعاطفة تتوقد في قلبه، ونرى أن من يفقد العاطفة لا يمكن أن يحمل الدافع لعمل وإنجاز - مع ذلك كله - فإنا نرى أن العاطفة وحدها حين تكون الدافع للعمل، فإنها ستقود إلى نتائج غير محمودة، ونرى أن التجاوب والإغراق في التفاعل مع العاطفة وحدها، أنه إهمال للطبيعة الإنسانية حتما، فقد خلق الله الإنسان بعقل وحلم وعاطفة، خلقه الله عز وجل بمشاعر وخصائص شتى، والموقف الذي يقفه المرء ينبغي أن يكون إفرازاً لتفاعل كل هذه الخصائص التي فطر الله عز وجل الإنسان عليها، أما حين يكون إفرازاً لعامل واحد فقط فهذا إغراق في العاطفة وغلو وتطرف .(11/14)
الصورة الثالثة: العلاقات العاطفية
ومن الإغراق في العاطفة : العلاقات العاطفية التي قد تنشأ بين بعض الشباب، أو بعض الفتيات، فقد ينشأ بين شابين أو فتاتين علاقة ومحبة يتجاوز قدرها، وتعلو حرارتها حتى تتجاوز القدر الذي ينبغي أن تقف عنده، فتتحول إلى عاطفة جيَّاشة، وتتجاوز ذلك الدافع الأول الذي دفع إليها ألا وهو الحب في الله .
وهي صور ومواقف نراها جميعاً، وكثيراً ما ترد إليَّ هذه الشكوى، إما سؤال في محاضرة، أو رسالة يحملها إليَّ البريد، وهي رسائل مؤثرة يحكي صاحبها معاناته مع هذا الجحيم الذي يعيشه من لأواء هذه العلاقة العاطفية ويبحث عن الخلاص والمخرج، والكثير من هؤلاء يطلب مني أن لا أنشر رسالته، مع أني أعرف أنه لن يُعرَف من وراء ذلك، لكن ما دمت قد استُؤمنت على ذلك، فلا يجوز أن تخون من ائتمنك، وإلا قرأت عليكم بعض تلك الرسائل التي تصوِّر لكم عمق المعاناة التي يعيشها مثل هذا الشاب .
قد تبدأ هذه العلاقة حبًّا في الله عز وجل ثم تتطور إلى حد يتجاوز بعد ذلك هذا القدر، تتحول إلى مشاعر عاطفية يُبديها فلان والآخر، ويحاول كل منهما أن يُغلَّف هذه العلاقة بغلاف الحب في الله، ويحاول أن يطعَّم هذا اللقاء بشيء من التواصي وشيء من التعاون على طاعة الله عز وجل، وهي مكائد وحيل نفسية شيطانية حتى يَغفُل عن الداء، والمحرك الأساس .
وحين تستحكم حينئذ يصعب ويَعُزُّ الفراق،فحين ترى زيداً فأنت تنتظر قَطعاً أن يأتي عمرو، وحين يعتذر زيد عن المشاركة فهذا يعني بالضرورة أن يعتذر عمرو هو الآخر وليس ثمة سبب إلا أنه قد اعتذر، وحين يكون الأول مشغولاً مع والده، فسيكون الآخر مشغولاً مع والدته، وإن لم يكن كذلك فثمة شغل هنا أو هناك، والقضية تتحول إلى أن يربط مصيره بمصير فلان من الناس، حتى لا يصبر على فراقه، ولا عن لقائه، وهكذا الشأن أيضاً عند الفتيات.(11/15)
إنها صورة من الإغراق في العاطفة والتجاوب معها، صورة تقود إلى نتائج خطيرة، صورة تجعل هذه العاطفة تُحجَبُ عن غير هذا الشاب، فلا يُحب في الله إلا من أحب هذا الرجل ولا يبغض في الله إلا من أبغض هذا الرجل، ويصبح هذا الرجل هو مقياسه والآخر يبادله الشعور نفسه، وأما أصحابه وخِلاَّنه وإخوانه فلم يعد لهم مكان فسيح في قلبه حيث
أتاه هواه قبل أن يعرف الهوى *** فصادف قلباً خالياً فتمكنا
فاستحكمت هذه العلاقة واستحكمت هذه المحبة حتى لم يعد في قلب كل واحد منهما مكان لغير صاحبه، ويكتشف أو يكتشفان الخطأ لكن بعد فوات الآوان، وحين يكون قد انساق مع هذه العاطفة وتجاوب معها فيصعب عليه التراجع حينئذ ويأتي يبثُّ الشكوى ويطرح السؤال كيف الخلاص؟ أشعر أنها ليست محبة خالصة لله، أشعر بعمق المأساة والمعاناة إلى غير ذلك .
لكنه حينئذ أصبح لا يطيق الصبر والفراق، فيبحث عن العلاج حين قد صَعُبَ عليه ذلك، ولو كان منطقيًّا، وجادًّا، وكان مقتصداً في بذل المشاعر العاطفية والعبارات التي ترقق العاطفة، لاعتدل فيها.
نقول ذلك ونحن لا نرفض المحبة في الله، بل لا نرفض الطبيعة التي تجعل فلاناً من الناس يشعر بارتياح لصاحبه، ويشعر أنه يميل إليه أكثر من غيره من الناس وهذه فطرة فطر الله الناس عليها ( الأرواح جنود مجندة ) لكن أيضاً يبقى هذا بقدر معين محدود إذا تجاوزه تحول إلى مرض وداء ـ عافانا الله وإياكم ـ.
وما على من ابتُلِيَ بمثل هذه المشاعر إلا أن يقطع الطريق من أوله، حيث قد يصل إلى مرحلة قد يشق عليه الرجوع بعدها .
الصورة الرابعة: التربية العاطفية(11/16)
فقد تسيطر العاطفة على المربي أيًّا كان أباً أو استاذاً أو معلماً فيتعامل مع من يربيه بعاطفة جيَّاشة ويتجاوب مع مشاعره، وتسهم هذه العاطفة في حجب الرؤية السليمة والصحيحة لهذا المربي، الرؤية لواقع من يربيه، وتسهم هذه العاطفة في حجب ما يحتاج إليه، فهو مع حاجته إلى الترغيب، يحتاج إلى الترهيب، ومع حاجته إلى الحب والحنان، يحتاج إلى نوع من الجفاء حين ينفع الجفاء، والخشونة قد تنفع فهي كاليد تغسل أختها .
إن إغراق المربي في العاطفة، يحجب عنه الأخطاء، ويحجب عنه العيوب، يحجب عنه الموضوعية، يحجب عنه الحزم الذي يُحتاجُ إليه في مواقف الحزم، فينساق حينئذ تجاوباً مع هذه العاطفة الجيَّاشة، ويتخذ مواقفه وقراراته ويرسل برامجه استجابةً لتلك العاطفة، فهو يخشى أن يملَّ الشباب، يخشى أن يتضايق الشباب، يخشى أن يسأم الشباب يريد أن يُنفِّسَ عن الشباب، ولا تكاد تجد عنواناً أدق لهذه الأوهام وهذه المخاوف إلا التربية العاطفية .
وبعد ذلك يتعامل هذا الشاب مع غير صاحبه فلا يطيق الفراق للأول، وحين ترى من تربيه لا يطيق فراقك، ويضمن إليك حنيناً، حنيناً زائداً فهذا عنوان إغراقك في العاطفة، فإنك أيضاً ينبغي أن تربي تلميذك، وينبغي أن تربي من تحتك على أتم الاستعداد أن يتخلى لا كرها، لا رغبةً عنك إنما حين يكون الأولى أن يتخلى، حين يكون الأولى أن يفارق، نعم قد يشعر بحنين
كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منزل
لكن حين يزداد هذا الحنين فيتأثر القرار بهذا الحنين، حين يساوم على هذا القرار فهذا دليل على إغراق في التربية العاطفية، وجَدَلاً نُقنع به أنفسنا أن هذا عنوان نجاحنا، أن هذا عنوان إقناعنا للآخرين، وليس هذا إلا حيلة نفسية نخادع فيها أنفسنا .(11/17)
الله الله في هذا النشأ، الله الله في هذا الجيل، إننا معشر الشباب، معشر المربين بحاجة إلى جيل حازم، بحاجة إلى جيل يتحمل المسؤولية، بحاجة إلى جيل ينتظر أن يُقال له " لا " فيستجيب، بحاجة إلى جيل ينتظر أن يُقال له سر في غير هذا الطريق فيسير في غيرهذا الطريق .
أما الجيل الذي لا يتجاوب إلا مع عواطفه، ومع مشاعره فهذا لا يَثبُت وقت المحنة، ولا وقت الفتنة ولا يؤمل فيه خيرٌ، وحين تغرق العاطفة في هذه الصور أو غيرها، فإننا لن نجني من الشوك العنب.
إننا سنجني أولاً الغلو ومجانبة الاعتدال، الغلو قبولاً أو رفضاً والغلو والتطرف أمر مرفوض، ترفضه الطباع السوية والمستقيمة والسليمة، فضلاً عن المتأدِّب بأدب الشريعة وهديها .
وها أنت ترى أنك بمجرد أن تصف فلاناً بأنه غالٌّ أو متطرف فإن هذا وحده يكفي في التنفير منه، ونقد موقفه وطريقته، إن المحرك الأول للغلو والتطرف والإفراط هو العاطفة، فالغلو في المدح والثناء ليس إلا تجاوباً مع العاطفة والغلو في الحبِّ والتعلق هو الآخر، والغلو في الرفض والرد هو الآخر كذلك.
والإغراق في العاطفة مدعاة لمجانبة العدل والإنصاف، فحين يقبل، يقبل جملة ، وحين يرفض، يرفض جملة .
إن صاحب العاطفة الذي يتجاوب معها لا يملك أن يضع الأمور في نصابها، لا يملك أن يقول هذا صواب وهذا خطأ، لا يملك أن يزن الأمور بميزان العدل، فهو لايحمل إلا حكمين لا ثالث لهما القبول والرفض، الحب المغرق فيه، والبغض المغرق فيه .(11/18)
أما طريق الوسط والعدل والإنصاف فهو لا يملكه، وهذا شأن من يشتط ويتطرف، لقد تطرف هو أولاً فاستخدم ميزاناً واحداً، وسار على طريق واحد، هو طريق العاطفة فقاده إلى هذه النتيجة والنهاية المتطرفة، وهو أيضاً يقودنا إلى الوصول إلى نتائج غير سليمة، وغير منطقية وكثيراً ما نجني من حماسة لم تُضبط ولم توزن، أو نجني من عاطفة لم تحكم ولم توزن بميزان العقل والشرع، كثيراً ما نجني منها المواقف الخاطئة، والنتائج التي لا يقتصر وبالها على صاحبها، ولعلكم تتساءلون بعد ذلك ما العلاج؟!
قد أكون أسهبت وأطلت في وصف المرض والداء، ولكني أشعر أن وصف الداء يتضمن في ثناياه وصف العلاج والداء .
أشعر أننا حين ندرك أن إهمال العاطفة جملةً أمر مرفوض، فإن هذا يعني، أن نضع عواطفنا في مواضعها، وأن نعرف أن من الإيمان أن يتألم المسلم لآلام إخوانه، وأن يرحم، وأن يعطف، وأن يُشفِق، وأن يتحمَّس في مواضع الحماس، ويرحم في مواضع الرحمة، ويُشفق في مواضع الشفقة، ويُحب في مواضع الحب .
ونشعر أيضاً أن الإغراق في العاطفة هو الآخر أمر مرفوض، وأننا كما قلت نُعاني من جيلنا المبارك الإغراق في العاطفة أكثر من الإهمال .
ونعاني من مواقف كثيرة، نكون فيها أكثر تجاوباً مع العاطفة، فالحل يتمثَّلُ في " أن نزن مواقفنا " وأن نزن أعمالنا وأن نفكر فيها، وأن نشعر بأن الله عز وجل كما خلق فينا عواطف فقد خلق فينا أيضاً عقلاً وحلماً وأعطانا سبحانه وتعالى علماً بكتابه سبحانه وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل قد أعطانا موازين وقيم غير هذا الميزان وحده .
وحين لا نملك إلا هذه الصنعة ولا نزن إلا بهذا الميزان، فإن هذا عنوان التطرف والغلو.(11/19)
أرى أن العدل والإنصاف، وزن الأمور والتأمل فيها، والمراجعة مما يُعيننا كثيراً على تجاوز هذه النتائج والآثار السلبية، ويبعدنا عن الشطط والغلو، وكلاهما غلو، الرفض والإهمال غلو، والإغراق والمبالغة في التجاوب هو الآخر أيضاً غلو، والوسط بين هذين الطريقين وبين هذين السبيلين .
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لطاعته وأن يجنبنا وإياكم أسباب معصيته وسخطه ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح؛ إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(11/20)