ومدة ولايته تتراوح غالبا بين تسعة أشهر وسبعة أعوام ، وبعد عزله أو اعتزاله كان يتولى حكم مصر والمجر غالبا ، لأنهما أهم ولايات الدولة العثمانية.
وأول من تولى هذا المنصب هو خليل باشا، ابن على باشا، فى سلطنة مراد الثانى(2) وقيل بل علاء الدين باشا(3).
وقد بقى هذا المنصب قائما حتى انتهى نظام السلطنة والخلافة العثمانية، وآل الحكم إلى تركيا الحديثة تحت قيادة كمال أتاتورك سنة 1344هـ-1925م.
أ.د/عبد العزيز غنيم عبد القادر
ـــــــــــــــــ
الصدق
لغة: ضد الكذب ، يقال: هو رجل صدق ،وصديق صدق أى صادق الرجولة والصداقة لا يخون صدق يصدق صدقا، صدقا ، فى وعده أو وعيده: أنفذه وصدقه: قبل قوله والمصدق: هو الذى يصدقك فى حديثك والصديق: الدائم التصديق ، وهو أيضا الذى يصدق قوله بالعمل.
واصطلاحا: هو من الصفات الحميدة فى الإنسان، بل إنه من أفضل الصفات الإنسانية على الإطلاق ، ذلك أن من يتحلى بالصدق فى القول وفى العمل ، فهو لبنه صالحة فى بناء المجتمع الإنسانى ، لأن الصدق من أهم الدعائم التى تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط بين الناس فى المجتمع ،ولذا حث الإسلام عليه ، ووعد الصادقين جنات النعيم ، فقد ورد مدح الصادقين فى القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، منها قوله تعالى: {ليجزى الله الصادقين بصدقهم}الأحزاب:24 ، وقوله: {قل أؤنبئكم بخيرمن ذلكم ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذابا النار الصابرين والصادقين...}آل عمران:15-17.
كما ورد أن الصدق من صفات هؤلاء الذين سينعمون بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفورالعظيم}المائدة:119.(2/152)
كذلك ورد فى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو المسلمين إلى التحلى بالصدق فى القول والعمل ، فقد روى أبو هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أفتى بغيرعلم كان إثمه على من أفتاه ، ومن أشاربعلم وهو يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) رواه أبو داود.
فالصدق صفة مطلوبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك ، كان جزاؤه النار وبئس المصير، فقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (رواه البخارى).
وكما حث الإسلام المسلمين على الالتزام بالصدق فى القول ، ووعد من التزم به جزاء فى الدنيا والآخرة، كذلك أمرهم بالصدق فى العمل ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) أى أن يكون صادقا فيما يقوم به من عمل فى جميع المجالات سواء كانت دينية أم دنيوية.
أ.د/محمد شامة
ـــــــــــــــــ
الصدقة
• فضائل الصدقة :
1. أن الإنفاق استجابة لأمر ربنا تبارك وتعالى .
2. أنها برهان على صحة الإيمان .
3. أن صاحبها يذوق طعم الإيمان .
4. أنها تطهير للنفس .
5. أنها تزكية للنفس .
6. مضاعفة الحسنات .
7. مغفرة الذنوب وتكفير السيئات وإطفاء الخطايا .
8. أن أجرها ثابت ولو كانت النفقة على النفس .
9. أن درجة البر تنال بالإنفاق .
10. أنها من صفات المتقين .
11. الأمان من الخوف يوم الفزع الأكبر وعدم الحزن على ما فاتهم .
12. أن صاحب الصدقة موعود بالخير الجزيل والأجر الكبير .
13. أن الله تكفل بتربية الصدقات للعبد .
14. أن الله يخلف الصدقة .
15. أنها تزيد في العمر .
16. أنها تمنع ميتة السوء .(2/153)
17. أنها تذهب الكبر والفخر .
18. أنها تزيد المال ولا تنقصه .
19. أنها سبب في الرزق .
20. أنها سبب في النصر .
21. أنها تطفئ غضب الرب .
22. أنها أفضل الأعمال الصالحات .
23. أنها تظلل صاحبها يوم القيامة .
24. أنها تفك صاحبها من النار .
25. أنها تسد سبعين باباً من السوء .
26. أن صاحب النفقة يده خير الأيدي .
27. أنها تلحق صاحبها بركب السابقين الذين سلموا من الشح وأفلحوا .
28. أنها سبب لدعاء الملائكة للمتصدق .
29. أنها سبب في استجابة الدعوة وكشف الكربة .
30. أن المتصدق والعامل على الصدقة لهما أجر المجاهد .
31. أن المتصدق له أجر الصائم .
32. أنها سبب في مجاورة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة .
33. أنها سبب في بناء بيت للمتصدق في الجنة .
34. أنها سبب في إطعام الله للعبد من الجنة وسقيه وكسائه .
35. أنها تطفئ عن صاحبها حر القبور .
36. أنها تدفع البلاء .
37. أن الصدقة الجارية تبقى للعبد بعد موته .
38. أنها سبب لمحبة عباد الله للمتصدق .
39. أنها أمارة من أمارات الجود وعلامة من علامات الكرم والسخاء .
40. أنها من أسباب دخول الجنة بسلام .
41. أنها من أسباب نيل غرف في الجنة .
42. أن أجرها ثابت ولو كانت الصدقة على البهائم أو الطيور .
43. أنها خير ما يهدى للميت وأنفع ما تكون له .
44. أنها شفاء وعلاج .
45. أن المتصدق من خيار الناس .
46. أن ثوابها لكل من شارك فيها .
47. أن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
48. أنها من أسباب ترابط الأمة الإسلامية وتراحمها .
49. أنها سبب سرور المتصدق ونضرة وجهه يوم القيامة .
50. أن الرجال والنساء من المؤمنين والمؤمنات المتصدقين والمتصدقات موعودون بمضاعفة الأجر .
51. أن الله تعالى ضرب أحسن الأمثلة للمتصدق .
52. أنها سبب تيسير العبد للخير .
53. أنها من المبشرات بحسن الخاتمة .
54.أنها علاج لقسوة القلب .(2/154)
المرجع : التذكرة في فضل الصدقة – عبد العزيز الخطابي – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
الصفات
لغة: جمع صفة ، وهى الاسم الدال على بعض أحوال الذات وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها.
واصطلاحا: الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذى يعرف بها.
والمصدر الأول لأسماء الله وصفاته هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}الأعراف:180.
ومشكلة الأسماء والصفات تحتل مركزا وثقلا كبيرين فى مؤلفات الفلاسفة والمتكلمين المسلمين.
ويندرج تناول مشكلة صفات الله عز وجل تحت باب التوحيد خاصة عند المعتزلة والأشاعرة ومن تابعهم من الفلاسفة المسلمين.
ويقسم المعتزلة الصفات المنسوبة لله تعالى إلى قسمين:
أحدهما: صفات الذات ، وتعرف بأنها الصفات التى لا تنفك عنها الذات وهى خمس صفات: الوجود والحياة والقدرة والعلم والإرادة
والثانى: صفاته الأفعال وهى كل ما تعلق بالجوارح أو الحواس التى لا تنسب إلى الله عز وجل إلا على سبيل المجاز.
أما بالنسبة للإنسان فهى تكون على وجه الحقيقة ولا يجوز وصفه تعالى بعكس صفات الذات ولا صفات الأفعال التى تليق بذاته ، أما صفات الأفعال الأخرى فيمكن وصفه تعالى بأضدادها مثل المحيى والمميت ، والرحيم والمنتقم ، والعاطى والمانع أما صفة العدل فلا يجوز وصفه تعالى بأضدادها، وكذلك صفة الكمال والجمال والإحسان وما إلى ذلك مما لا يتصور ضدها فيه تعالى.
لم ينكرأحد المسلمين ثبوت صفات الجلال لله عز وجل ، وإنما وقع الخلاف فى كيفية نسبتها إلى ذاته بحيث لا توحى بالتعدد أو التغير فى ذاته تعالى.(2/155)
وقد حرصت المعتزلة على عدم إشراك أى مع الله فى صفة القدم ونتج عن ذلك تقارب فى الآراء بين المعتزلة أنفسهم وبينهم وبين الفرق الأخرى من جانبه آخر. وعرف فى هذا المجال ما يسمى بنظرية المعانى التى قال بها معمر بن عياد السلمى (320هـ) وأبو على الجبائى (303هـ-924م) وأخد بها الأشاعرة. كما عرفت نظرية الأحوال التى قال بها أبو هاشم عبد السلام الجبائى (321هـ-941م). ومضمون نظرية المعانى أن الصفات عبارة عن معان قائمة بالذات لا ينتج عن قيامها بالذات لا تعددا ولا تغيرا.
أما الأحوال فتعنى أن الذات الإلهية تكون على حال ثم تكون على حال أخرى، فتكون تارة على حال عالمة ثم على حال قادرة ثم أخرى مريدة وهكذا ، وقد قوبلت هذه النظرية بنقد شديد من كثير من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من متكلمى أهل السنة والفلاسفة.
أما أول محاولة جادة لتفسير علاقة الصفات بالذات الإلهية فقد قام بها أبو الهذيل العلاف المعتزلى (227هـ-842م) حيث روى عنه أنه كان يقول بأن الله قادر بقدرة ليست هى هو ولا هى غيره ،وكذا فى سائر الصفات فأثبت له تعالى حق القدرة ولكنه لم يستطع بيان علاقة القدرة أو أية صفة أخرى من صفات الذات بذاته تعالى فقال بما يتناقض مع نفسه ، فهذه القدرة ليست هى هو ولا هى غيره ماذا تكون إذن؟!
وكانت هذه المقولة سببا فى اتهام المعتزلة بأنهم نفوا الصفات عن الله عز وجل وأنهم مُعَطِّلة وكان من المعتزلة من يذهب إلى القول بضد الصفة لإثباتها لذاته تعالى، فنفى ، العجز يتضمن الوصف بالقدرة، ونفى الجهل عنه تعالى يعنى إثبات صفة العلم لله تعالى، وهكذا فى باقى صفات الذات ومن هنا جاء وصفهم من قبل متكلمى أهل السنة بأنهم نفوا الصفات عن الله عزوجل.(2/156)
أما أشد أنواع الجدل فقد دار حول الصفات التشبيهية مثل تفسير اليد والوجه والاستواء وما شابه ذلك. حيث توقف أهل السنة والجماعة عن الخوض فيها، وآمنوا بها كما جاءت فى القرآن الكريم دون السؤال عن الكيف.
أما المعتزلة فقد لجأوا فى تفسير ذلك إلى ما عرف بقياس الغائب على الشاهد، وفسروها أحيانا بأنها منسوبة لله عزوجل على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، ففسروا الوجه بالوجود واليد بالقدرة والرؤية (رؤية البارى عز وجل فى الآخرة) على أنها تكون بالروح لا بحاسة البصر، وقد اختلف معهم فى هذه الطريقة أيضا متكلمو السنة.
ويرى أبو الحسن الأشعرى أن إثبات الصفة عن طريق نص ضدها حسبما كان يذهب إليه إبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850م) قد دخل الفكرالاسلامى عن طريق الفلسفة اليونانية ومن تأثر بها من المسلمين. وقد أيد أبو حامد الغزالى ما ذهب اليه أبو الحسن الأشعرى فى حق الفلاسفة لنفيهم الصفات بحجة أن إثباتها يؤدى إلى التعدد فى الذات الإلهية.
وكذلك يرفض ابن رشد تفسيرالمعتزلة للصفات وعلاقتها بالذات ويدلل على بطلانه وتناقضه مع ذاته ثم جاء ابن تيمية (728هـ) ليرد على المعتزلة والأشاعرة والفلاسفة ويضع حدا للخوض فى هذه المسألة وإثبات استحالة القطع فيها عن طريق العقل.
أ.د/السيد محمد الشاهد
ـــــــــــــــــ
الصلاة ما يكره ويستحب ويباح فيها
ما يكره في الصلاة:
1- الالتفات
• يكره للمسلم في الصلاة الالتفات بوجهه وصدره، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد } [رواه البخاري].
• إلا أن يكون ذلك لحاجة، فلا بأس به، كما في حالة الخوف أو كان لغرض صحيح.
• فإن استدار بجميع بدنه، أو استدبر الكعبة في غير حالة الخوف بطلت صلاته، لتركه الاستقبال بلا عذر.(2/157)
• تبين بهذا أن الالتفات في الصلاة في حالة الخوف لا بأس به، لأن ذلك من ضروريات القتال وإن كان في غير حالة الخوف، فإن كان بالوجه والصدر فقط دون بقية البدن، فإن كان لحاجة فلا بأس، وإن كان لغير حاجة فهو مكروه، وإن كان بجميع البدن بطلت صلاته.
2- رفع بصره إلى السماء
• يكره في الصلاة رفع بصره إلى السماء؛ فقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على من يفعل ذلك، فقال: { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! }، واشتد قوله في ذلك، حتى قال: { لينتهن أو لتخطفن أبصارهم } [رواه البخاري].
• ينبغي أن يكون نظر المصلي إلى موضع سجوده، فلا ينبغي له أن يسرح بصره فيما أمامه من الجدران، والنقوش، والكتابات، ونحو ذلك، لأن ذلك يشغله عن صلاته.
3- تغميض العينين
• يكره في الصلاة تغميض عينيه لغير حاجة، لأن ذلك من فعل اليهود.
• وإن كان التغميض لحاجة، كأن يكون أمامه ما يشوش عليه صلاته كالزخارف والتزويق، فلا يكره إغماض عينيه عنه، وهذا معنى ما ذكره ابن القيم رحمه الله.
4- الإقعاء في الجلوس
• ويكره في الصلاة إقعاؤه في الجلوس، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : { إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب } [رواه ابن ماجه].
5- الاستناد إلى جدار أو نحوه حال القيام
• يكره في الصلاة أن يستند إلى جدار أو نحوه حال القيام، إلا من حاجة، لأنه يزيل مشقة القيام، فإن فعله لحاجة - كمرض ونحوه - فلا بأس.
6- افتراش الذراعين حال السجود
• يكره في الصلاة افتراش ذراعيه حال السجود، بأن يمدها إلى الأرض مع إلصاقهما بها؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : { إعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه إنبساط الكلب } [متفق عليه].
7- العبث
• يكره في الصلاة العبث - وهو اللعب - وعمل ما لا فائدة فيه بيد، أو رجل، أو لحية، أو ثوب، أو غير ذلك، ومنه مسح الأرض من غير حاجة.(2/158)
• يكره في الصلاة مسح جبهته وأنفه مما علق بهما من أثر السجود، ولا بأس بمسح ذلك بعد الفراغ من الصلاة.
• يكره في الصلاة العبث بمس لحيته، وكف ثوبه، وتنظيف أنفه، ونحو ذلك، لأن ذلك يشغله عن صلاته.
8- التخصر
• يكره في الصلاة التخصر، وهو وضع اليد على الخاصرة.
• ذلك لأن التخصر فعل الكفار المتكبرين.
• ثبت في الحديث المتفق عليه النهي عن أن يصلي الرجل متخصراً.
9- فرقعة الأصابع وتشبيكها
• يكره في الصلاة فرقعة أصابعه وتشبيكها.
10- الانشغال عن الصلاة
• يكره أن يصلي وبين يديه ما يشغله ويلهيه؛ لأن ذلك يشغله عن إكمال صلاته.
• يكره أن يدخل في الصلاة وهو مشوش الفكر بسبب وجود شيء يضايقه، كاحتباس بول، أو غائط، أو ريح، أو حالة برد أو حر شديدين، أو جوع أو عطش مفرطين؛ لأن ذلك يمنع الخشوع.
• يكره دخوله في الصلاة بعد حضور طعام يشتهيه، لقوله عليه الصلاة والسلام: { لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان } [رواه مسلم].
11- الصلاة في مكان به تصاوير
• تكره الصلاة في مكان فيه تصاوير، لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام، سواء كانت الصورة منصوبة أو غير منصوبة على الصحيح.
12- اختصاص الجبهة بما يسجد عليه
• يكره للمصلي أن يخص جبهته بما يسجد عليه، لأن ذلك من شعار الرافضة، ففي ذلك الفعل تشبه بهم.
ثانيا: ما يستحب أو يباح فعله في الصلاة:
1- رد المار من أمامه قريباً منه
• يسن للمصلي رد المار من أمامه قريباً منه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { إذا كان أحدكم يصلى، فلا يدعن أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين } [رواه مسلم].
• لكن إذا كان أمام المصلي سترة (أي: شيء مرتفع من جدار أو نحوه) فلا بأس أن يمر من ورائها.
• إذا كان يصلي في الحرم، فلا يمنع المرور بين يديه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( كان يصلي بمكة والناس يمرون بين يديه وليس دونهم سترة) رواه الخمسة.
2- اتخاذ السترة(2/159)
• واتخاذ السترة سنة في حق المنفرد والإمام، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : { إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها } [رواه أبو داود وابن ماجه].
• أما المأموم فسترته سترة إمامه.
• ليس اتخاذ السترة بواجب، لحديث ابن عباس { أنه صلى في فضاء ليس بين يديه شيء } [رواه أحمد وأبو داود].
• ينبغي أن تكون السترة قائمة قدر ذراع، سواء كانت دقيقة أو عريضة.
• الحكمة في اتخاذها، لتمنع المار بين يديه، ولتمنع المصلي من الانشغال بما وراءها.
• وإن كان في الصحراء، صلى إلى شيء شاخص من شجر أو حجر أو عصا، فإن لم يمكن غرز العصا في الأرض؛ وضعه بين يديه عرضاً.
3- التصحيح على الإمام إذا التبس عليه
• إذا التبست القراءة على الإمام، فللمأموم أن يسمعه القراءة الصحيحة.
4- بعض الأفعال المباحة
• يباح للمصلي لبس الثوب ونحوه، وحمل شيء ووضعه، وفتح الباب، وله قتل حية وعقرب، لأنه صلى الله عليه وسلم: { أمر بقتل الأسودين في الصلاة - الحية والعقرب } [رواه أبو داود والترمذي وصححه].
• لكن لا ينبغي له أن يكثر من الأفعال المباحة في الصلاة إلا لضرورة.
• إن أكثر منها من غير ضرورة، وكانت متوالية أبطلت الصلاة.
• إذا عرض للمصلي أمر كاستئذان عليه، أو سهو إمامه، أو خاف على إنسان الوقوع في هلكة فله التنبيه على ذلك، بأن يسبح الرجل وتصفق المرأة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : { إذا نابكم شيء في صلاتكم؛ فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء } [متفق عليه].
• لا يكره السلام على المصلي إذا كان يعرف كيف يرد، وللمصلي حينئذ رد السلام في حال الصلاة بالإشارة لا باللفظ، فلا يقول: وعليكم السلام، فإن رده باللفظ بطلت صلاته، لأنه خطاب آدمي، وله تأخير الرد إلى ما بعد السلام.
• يجوز للمصلي أن يقرأ عدة سور في ركعة واحدة، لما في الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعة من قيامه بالبقرة وآل عمران والنساء.(2/160)
• يجوز له أن يكرر قراءة السورة في ركعتين، وأن يقسم السورة الواحدة بين ركعتين، ويجوز له قراءة أواخر السور وأوساطها؛ لما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية [البقرة:136]، وفي الثانية الآية من سورة آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية [آل عمران:64]، ولعموم قوله تعالى: { فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20]، لكن لا ينبغي الإكثار من ذلك، بل يفعل أحياناً.
• للمصلي أن يستعيذ عند قراءة آية فيها ذكر عذاب، وأن يسأل الله عند قراءة آية فيها ذكر رحمة، وله أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قراءة ذكره، لتأكد الصلاة عليه عند ذكره.
المرجع: ما يكره ويستحب ويباح في الصلاة -صالح بن فوزان الفوزان-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
الصلاة
مقدمة:
- الصلاة من أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
- قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ{10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{11} المؤمنون9-11 .
- وقال تعالى :{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً{60} مريم59-60.
- قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، لكن معنى أضاعوها أخروها عن أوقاتها ، وقال تعالى :{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الماعون4-5 .أي غافلون عنها متهاونون بها حتى يفوت وقتها.(2/161)
- وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ).
- وقال - صلى الله عليه وسلم - :( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ).
- وقصة ابن أم مكتوم الأعمى وعدم ترخيص النبيّ له بالصلاة في بيته لأنه يسمع الأذان.
- وصلاة الخوف كل ذلك يدل على وجوب الصلاة مع الجماعة وأن المتخلف عنها بلا عذر فاسق ساقط العدالة لا تقبل شهادته.
- وأما من ترك الصلاة أو بعضها فهو كافر ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ). وقال عمر:(لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ).
- وقال الله تعالى: مخبراً عن أصحاب النار { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ{44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ{46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ{47} فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ{48} المدثر42-48.
- ومما يجب التنبه له أمور هامة:
أولاً:
- منها ما ابتلي به بعض الأئمة من التخفيف في الصلاة وعدم الطمأنينة فيها ، وقد ورد في الحديث: ( من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم ) وفي رواية: (من أم قوماً فليتق الله وليعلم أنه ضامن مسئول ، فإن أحسن كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه ، وإن أساء فعليه وزره ووزرهم ) فليتق الله من أم قوماً وليحسن الصلاة طلباً لبراءة ذمته والحصول على الأجر العظيم .
ثانياً:(2/162)
- ما ابتلي به بعض المأمومين من مسابقة الإمام في الصلاة. فهذا من كيد الشيطان لإبطال عمل الإنسان ، وقد ورد في الحديث: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أو يسجد قبله أن يجعل الله رأسه رأس حمار ، أو صورته صورة حمار ) وفي الرواية الأخرى ( الذي يخفض رأسه قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشيطان ).
- ومن كيد الشيطان ومكره الالتفات في الصلاة ، ورفع البصر فيها إلى السماء.
- وقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الالتفات في الصلاة ، فقال:(هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) وفي صحيح مسلم.
ثالثاً:
- ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فيه فصلى الرجل ثم جاء فسلم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فرد عليه السلام ثم قال له أرجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات فقال له في الثالثة والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معك (إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم أركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً وافعل ذلك في صلاتك كلها ) وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ) وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قيل وكيف يسرق من صلاته ، قال لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها ) .
رابعاً:
- كثير من الناس إذا مرض ترك الصلاة مدة مرضه ويدعي أنه سيقضيها.(2/163)
- هذا والعياذ بالله تفريط وإضاعة للصلاة التي هي عمود الإسلام ، وقد قال الله تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء103.
- ربما مات في مرضه وهو تارك للصلاة فيختم له بشر خاتمه ، وقد قال الله تعالى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}التغابن16. وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وقال: ( صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك).
- فما دام العقل ثابتاً فالواجب لا يسقط بحال، وأداؤه على حسب الاستطاعة.
- تنبهوا أيها المسلمون لهذه المسائل فإن خطرها عظيم ، فكيف يكون حال من مات تاركاً للصلاة.
المرجع-أهمية الصلاة في الإسلام.
ـــــــــــــــــ
الصلاة
لغة: الدعاء، لقوله تعالى: {وصل عليهم}التوبة:103 ، أى ادع لهم.(1).
واصطلاحا: قال الجمهور(2): هى أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وعند الأحناف هى عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة(3) وعليه فإذا ورد فى الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق بها، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية.
والصلاة مفروضة شرعا، دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فآيات كثيرة منها: قوله تعالى فى غير موضع من القرآن: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}البقرة:110.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن عمر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) (متفق عليه)(4).
وأما الاجماع: فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة(5).(2/164)
والصلوات المكتوبات خمس فى اليوم والليلة ، وهى: الظهر، أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات ، والصبح ركعتان.
ولا خلاف بين المسلمين فى وجوبها، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر، وذلك لما رواه أنس بن مالك قال: (فرضت على النبى - صلى الله عليه وسلم - الصلوات ليلة أسرى به خمسين ،ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودى يا محمد، إنه لا يبدل القول لدى، وإن لك بهذه الخمس خمسين)(6).
والصلاة أفضل أركان الإسلام بعد الإيمان ، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة(7).
والصلوات المكتوبات معلومة من الدين بالضرورة، فمنكرها كافر، حيث إن تارك الصلاة حالين:
الأولى: أن يتركها جحودا لفرضيتها، وفى هذه الحالة أجمع العلماء على أنه كافر مرتد يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل كفرا.
الثانية: أن يترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا ، وفى حكم هذه الحالة اختلف الفقهاء، فذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد إلى أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا لا كفرا. أى أن حكمه بعد الموت حكم المسلم ،فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
وذهب الإمام أحمد فى الرواية الثانية وهى أرجح الروايتين عنه ، وعبد الله بن المبارك ، وابن راهويه ، وهو وجه عند الشافعية إلى أن حكم المتكاسل عن الصلاة يستتاب ، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. وذهب أبو حنيفة والإمام المزنى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل ، بل يعزر ويحبس حتى يصلى(8).
وللصلاة شروط يجب توافرها ، وهى نوعان: شروط وجوب ، وشروط صحة.
أولا: شروط الوجوب ، هى:
1- الإسلام: فتجب الصلاة على كل مسلم ، ذكرا أو أنثى، ولا تجب على الكافر ولكن يعاقب على تركها فى الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
2- العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون باتفاق الفقهاء.(2/165)
3- البلوغ: اتفق على أن البلوغ شرط لوجوب الصلاة، فلا تجب على الصبى حتى يبلغ ، ولكنه يؤمر بها تعليما له عندما يبلغ سبع سنوات ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنوات.
ثانيا: شروط الصحة، هى:
(أ) طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقية.
(ب) الطهارة من الحدث ، وتكون بالوضوء، أو الغسل ، أو التيمم.
(ب) العلم بدخول وقت الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا أديت قبل دخول وقتها.
(د) ستر العورة، فتبطل الصلاة مع كشف العورة للقادر على سترها، ولو كان منفردا فى مكان مظلم ، والعورة من الذكر ما بين السرة والركبة، ومن الأنثى جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
(هـ) استقبال القبلة، فيجب على المصلى أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام(9).
أقوال الصلاة وأفعالها تنقسم إلى أركان وسنن ، فالأركان هى التى لا تصح الصلاة بدونها ، والسنن تصح الصلاة بدونها على خلاف بين الفقهاء.
نكتفى بذكر الأركان إجمالا، أما تفصيلها ومعرفة السنن فيرجع إليها فى كتاب الصلاة من كتب المذاهب.
والأركان هى: النية، وتكبيرة الإحرام ،والقيام للقإدر عليه ، وقراءة الفاتحة، وآيات من القرآن ، والركوع ، والرفع من الركوع والاعتدال ، والسجود ، والرفع من السجود ،والجلوس بين السجدتين ، والطمأنينة فى الأركان ، والجلوس الأخير، والتشهد الأخير، والسلام ، وترتيب أركان الصلاة(10).
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
الصلح
لغة: اسم من الصلاح وهو التوفيق ، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس ، فهو قطع المنازعة(1).
وشرعا: هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه ، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها(2).
والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع.(2/166)
أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}النساء:114 ، وقوله تعالى: {والصلح خير}النساء:128 ، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه.
وأما السنة: فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال (الصلح جائز بين المسلمين)(3) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.
وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور(4).
أما عن درجة المشروعية: فالأصل أنه مندوب ، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها ، أو يترجح جانب المفسدة(5).
وللصلح أنواع خمسة:
(أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى.
(ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق.
(ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية.
(د) الصلح بين المسلمين والكفار.
(هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال.
وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه(6).
ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم ، وإلا فلا يردهم ، بل ينفذ القضاء فيهم ، لأنه لا فائدة فى الرد(7).
وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته ، بل هو متفرع عن غيره ، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون ، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع ، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته ،وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور (8).
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة:
1- الصيغة (الإيجاب والقبول).
2- والعاقدان.
3- والمحل (المصالح به والمصالح عنه).(2/167)
وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء.
فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه ، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط.
كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام: صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت.
(أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون ، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح
إسقاص وإبراء ، وصلح معاوضة(9).
(ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين:
القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق ، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه ، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع.
وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة(10).
والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى(11).
(ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه ، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان (12).
8- وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك ،كما أن الصلح يعتبربأقرب العقود إليه ، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه ؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى.
كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب ، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده (13).
أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه على نحو ما ذكرت من مراجع.
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
الصيدلة(2/168)
لغة: الصيدلانى، فارسى معرب ، والجمع صيادلة كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: فن علمى يبحث فى أصول الأدوية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو أدوية مصنعة كيميائيا، من حيث تركيبها وتحضيرها ومعرفة خواصها الكيميائية والطبيعية، وتأثيرها فى علاج الأمراض والوقاية منها، كما تختص الصيدلة بكيفية استحضار الأدوية المركبة من هذه الأصول.
ويدل المصطلح العربى "صيدلى" أو "صيدلانى" -طبقا لما ذهب إليه العالم المسلم البيرونى- على المحترف بجمع الأدوية على أحد صورها واختيار الأجود من أنواعها مفردة أو مركبة؛ لاستعمالها فى علاج الأمراض.
ويرى البيرونى أن كلمة "صيدلانى" تعريب لكلمة "جندولانى" بقلب الجيم صادا ، وكلمة "جندن "و" صندل " تدل على أفواه الطيب العطر، وقد تنسب كلمة "صيدلانى" أيضا إلى "الصندل " وفى كلتا الحالتين فإن المصطلح يدل على أن "الصيدلى" هو الشخص الذى يجمع الأعشاب النافعة للتطبيب.
ولقد عرف الإنسان الدواء منذ فجر التاريخ ، حيث اهتدى الإنسان البدائى بالفطرة إلى اكتشاف الدواء الذى يسكن آلامه ويعالج مرضه ، فقد استعمل الكحول والأفيون لتسكين الآلام ، كما استخدم "السنكونا " لعلاج الملاريا ، ونبات عرق الذهب لعلاج الدوسنتريا.
وتعتبر الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات التى زخرت بالكثير من العلوم الطبية، والتى كان لها الفضل فى اكتشاف بعض الأدوية التى لا يزال يستعمل عدد منها حتى الآن ، وتشهد بعض البرديات التى يرجع تابخها إلى (1600) سنة قبل الميلاد، على أن قدماء المصريين قد توصلوا إلى علاج أمراض عديدة ومتنوعة، حيث تزخر البرديات الطبية بما يزيد عن (700) وصفة علاجية تشمل طريقة تحضير الدواء، وكيفية إعطائه للمريض ، منها استعمال الحنظل والزعتر والزعفران والثوم والبصل وزيت الزيتون والسمسم والقرنفل ، وغير ذلك مما يدل على أنهم قد برعوا فى مجال الطب والصيدلة.(2/169)
وقد توصل الهنود فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الوقاية من مرض الجدرى باستعمال وسيلة التطعيم ، وعلاج بعض الأمراض باستعمال النباتات والأدوية الطبيعية، كما كانوا يعتقدون فى العلاج بالسحر.
كما توصل أيضا قدماء اليونانيين إلى علاج بعض الأمراض باستعمال الأدوية الطبيعية والنباتات ، كما كانوا يعتقدون كذلك فى العلاج بالسحر.
ولقد استطاع العالم اليونانى أبقراط (460-377 ق م) وأتباعه أن يحرروا الطب من الخرافات والخزعبلات ، وأوصى أبقراط بالوقاية من الأمراض وعلاجها بتناول الغذاء الأمثل والتعرض للهواء النقى وتدليك الجسم ، كما أوصى باستعمال الأدوية المسهلة والحقن الشرجية وبعض الأدوية فى علاج الأمراض.
وفى العصر الرومانى انتقل التراث الطبى من اليونان إلى روما ، ويعتبر العالم جالينوس -وهو يونانى المنشأ- من أشهر علماء الطب والصيدلة فى العصر الرومانى، حيث كان له أبلغ الأثر فى تقدم الصيدلة، فهو أول من أدخل المستحضرات الدوائية المركبة فى مجال الصيدلة، وأول من حضر صبغة الأفيون ومستحضرات بعض النباتات الطبية، التى أطلق عليها فيما بعد اسم "الجالينات".
ولقد كان للإسلام أبلغ الأثر فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة، حيث حث المسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء، ولقد شهد العالم الإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، وبذلك استقل مبحث الصيدلة عن مبحث الطب ،ويشهد لعلماء العصر الإسلامى ببراعتهم فى فن تحضير الدواء، وكان المسلمون هم أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ولقد أسهم الأطباء والصيادلة العرب والمسلمون إسهاما كبيرا فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة فى مختلف دول العالم بما قدموه من دراسات ومؤلفات ، مما كان له أثر كبير فى تطورها، وكانت تعد من أهم المراجع الطبية والصيدلية فى أوروبا إلى ما بعد القرن السابع عشر.(2/170)
ولقد شهد العصر الحديث تطورا مذهلا فى علوم الصيدلة، حيث شيدت آلاف الأدوية الكيميائية، واكتشفت الآثار الطبية العديد من الأدوية الطبيعية، كما تنوعت وتقدمت وسائل العلاج الدوائى، وتحضير الأدوية والمركبات الصيدلية، كما شهد هذا العصرتقدما علميا وتقنيا فى الصناعات الدوائية ودراسات وبحوث الصيدلة.
أ.د/عز الدين الدنشارى
ـــــــــــــــــ
الصيرفة
لغة: مشتقة من الصرف ، وهو صرف الذهب والفضة فى الميزان ، أى فضل الدرهم على الدرهم ، والدينار على الدينار ، لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه ، ويقال بين الدرهمين صرف أى فضل لجودة فضة أحدهما ، والصرف أيضا بيع الذهب بالفضة، ويقال صرفت الدراهم بالدنانير(كما فى اللسان).(1)
واصطلاحا: وظيفة من وظائف كتاب الأموال فى الدول الإسلامية.
والصراف والصريف والصيرفى هو الذى كان يتولى قبض الأموال وصرفها ونقدها ،والجمع صيارف وصيارفة، وقد يجمع شخص واحد مهمة الصيرفى والجابى.
ونظرا لأهمية وظيفة الصيرفة ألفت كتب لإرشاد الصيارفة، منها:
كتاب "المختار فى كشف الأسرار" للجويرى، وهو من علماء النصف الأول من القرن الهجرى، وقد تناول هذا الكتاب كشف أسرار الغش والتدليس فى الصناعات ، وعنى بصفة خاصة بأعمال الصيارف.
كتاب "الباهر فى الحيل والشعبذة" لأحمد بن عبدالملك الأندلسى. واهتم الكتاب بتنبيه الصيارفة إلى تجنب التصرفات المخالفة للشرع ، فحذرهم السباكى مثلا من خلط أموال الناس بعضها ببعض ،وعدم بيع النقدين بالآخر نسيئة، بل نقدا، وذكرهم أيضا بأن من حق الصيرفى معرفة عقد الصرف ،وألزم بضمان ما يتلف فى يده من النقد للغير. ومن الأمورالتى لفت السباكى نظر الصيرفى إليها انه إذا سلم صبى درهما إلى صيرفى لينقده لم يحل للصيرفى رده إليه ، وإنما يرده إلى وليه.(2/171)
ومن الملاحظ أن كثيرين من اليهود والنصارى مارسوا الصيرفة فى مصر فى العصر الإسلامى، وأثروا منها ثراء كبيرا، وحصلوا عن طريقها على كثير من النفوذ.
وحدد ديوان الإنشاء فى عصر المماليك ألقابا الصيارف من اليهود والنصارى، وذكر أنها تصدر "بالشيخ" كما كانوا يتخذون ألقابا مضافة إلى الدولة مثل ولى الدولة وشمس الدولة،وربما قيل: الشيخ الشمسى للتفخيم.
وكان الصيرفى إذا أسلم أضيف لقبه إلى الدين بدلا من الدولة، فيقال مثلا شمس الدين ، وإذا كان لقبه لا ينالب الإضافة إلى الدين نعت بلقب قريب ، مثلا الشيخ السعيد، قد يقال له سعد الدين.
هذا.. واشتهر بعض الأعلام بلقب الصيرفى مما يرجح اشتغالهم بهذه الوظيفة، أو انتسابهم إلى من اشتغل بها، ومن أمثلة هؤلاء: الصيرفى على بن بندار الصوفى والصيرفى عمرو بن عدى، والشيخ أبو القاسم على بن منجب الصيرفى الكاتب ،مؤلف كتاب "قانون ديوان الرسائل" وشهرته ابن الصيرفى، وقد ورد اسمه بمسجد مهدم بقرية الحصن.
وقد وصلتنا بعض شواهد قبور تشتمل على أسماء مصحوبة بهذه الوظيفة، منها: شاهد رخام من ترابانى مؤرخ ربيع الأول سنة 474هـ باسم سيدة الأهل بنت عبدالعزيز الصيرفى من أهل مازر.
شاهد حجر جيرى مؤرخ آخر رجب سنة 583هـ من جبانة باب الشاغور بدمشق باسم الحاج أبو المكارم بن جامع بن على الصيرفى.
هذا ويطلق حاليا فى مصروغيرها من البلاد العربية على شركات تغيير العملات أو استبدالها شركات الصرافة.
أ.د/حسن الباشا
ـــــــــــــــــ
الضرر
لغة: اسم من الضر، وهو نقص يدخل على الأعيان ، فهو ضد النفع ، وهو النقصان يقول الأزهرى: "كل ما كان سوء حال وفقر وشدة فى بدن فهو ضر بالضم ، وما كان ضد النفع فهو بفتحها(1).
واصطلاحا: هو إلحاق مفسدة بالغير(2).(2/172)
والضرر قد يكون بالقول: كرجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء ، وقبض المدعى للمال ، فلا يفسخ الحكم ، ويضمنان ما أتلفاه على المحكوم عليه ، وقد يكون الضرر ناشئا عن الفعل كتمزيق الثياب ، وقطع الأشجار(3).
وقد يكون بالقول والفعل كما سبق.
وقد يكون بالترك ، ومثاله امرأة تصرع أحيانا، فتحتاج إلى حفظها، فإن لم يحفظها الزوج حتى ألقت بنفسها من شاهق ، فعليه ضمانها(4).
والأصل أن سائر أنواع الضرر حرام إلا ما قام الدليل على إباحته ، وتزداد حرمته كلما زادت شدته ، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة،منها:
قوله تعالى {لا تضار والدة بولدها}البقرة:233، وقوله تعالى {ولا تمسهكوهن ضرارا لتعتدوا}البقرة:231.
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "لا ضر ولا ضرار"(5). فهذا الحديث يشمل كل أنواع الضرر؛ لأن النكرة فى سياق النفى تعم ،ومعناه أنه لا يجوز شرعا إلحاق ضرر أو ضرار بالنفس أو بالغير إلا بموجب خاص.
وتجدر الإشارة إلى أن الضرر يباح استثناء فى أحوال منها: إدخال الضرر على أحد يستحقه لكونه تعدى حدود الله ، فيعاقب بقدر جريمته ، ومنها ارتكاب الضرر فى حالة الضرورة، أو ارتكاب ضرر أخف تجنبا لضرر أشد إلى غيرذلك.
وهناك قواعد فقهية ضابطة لأحكام الضرر، تناولها الفقهاء وفصلوها وبينوا أحكامها ، وسنذكرها إجمالا ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب القواعد.
فمن هذه القواعد: "الضرر يزال " فيبنى على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب ، والخيار بأنواعه ،والحجر والشفعة، وقسمة الجبر وغير ذلك (6) ويتفرع عن هذه القاعدة قاعدتان:
الأولى: الضروات تبيح المحظورات وبناء عليها يجوز أكل الميتة للمضطر.
الثانية: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، ويتفرع عليها أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق (7).
وهناك قواعد تقيد من تلك القاعدة العامة -الضرر يزال- من هذه القواعد:(2/173)
"الضررلا يزال بمثله " ذلك أن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فإزالته إما بلا ضرر أصلا أو بضرر أخف ، أما إذا كان الضرر لا يزال إلا بضرر مثله أو أشد فلا يجوز. ومن أمثلتها: ما لوهدد المسلم بالقتل إذا لم يقتل جاره المسلم ، فإنه لا يجوز له فعل ذلك ، بخلاف ما لو أكرهه على أكل ماله.
ومن هذه القواعد آيضا: "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضررالعام ". وهذه القاعدة مقيدة لقاعدة "الضرر لا يزال بمثله ". أى لا يزال الضرر بالضرر إلا إذا كان آحدهما عاما والآخر خاصا، فيتحمل حينئذ الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
ومن هذه القواعد أيضا: "الضرر الأشد يزال بالأخف " أو بمعنى آخر " يختار أهون الشرين " ومن أمثلتها: جواز شق بطن الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته (8).
ويجوز شرعا ترك الواجب وذلك إذا تعين طريقا لدفع الضرر، وذلك كالفطر فى نهار رمضان ، وترك ركعتين من الصلاة الرباعية لدفع ضرورة السفر.
كما قد يفعل المحرم دفعا للضرر، كأكل الميتة فإنه حرام ، ولكنه يجوز فى حال الاضطرار دفعا لضرر التلف. أما إذا أمكن تحصيل الواجب ، أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات فلا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم (9).
ويجب على كل مسلم محاولة دفع الضررعن غيره ، فيجب قطع الصلاة لإغاثة ملهوف وغريق وحريق(10).
فينقذه من كل ما يعرضه للهلاك. فإن كان الشخص قادرا على ذلك دون غيره وجبت عليه ، الإغاثة وجوبا عينيا، أما إذا كان هناك من يقدر على ذلك ، كان الوجوب عليه كفائيا، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء.
وإنما اختلفوا فى تضمين من امتنع عن دفع الضرر عن المضطر مع القدرة على ذلك.
فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا يلزمه الضمان ، وقد أساء؛ لأنه لم يهلكه ولم يكن سببا فى هلاكه ،كما لولم يعلم بحاله.(2/174)
بينما ذهب المالكية وأبو الخطاب من الحنابلة إلى أن الممتنع مع القدرة يلزمه الضمان ، لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه ،فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب(11).
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
الضمان
لغة: له عدة معان: منها الكفالة، فنقول: ضمنته الشئ ضمانا إذا كفله.
ومنها الالتزام ، فتقول: ضمنت المال ، إذا التزمته.
ومنها التغريم ، تقول ضمنته الشىء تضمينا إذا غرمته(1).
واصطلاحا: يطلق على المعانى التالية:
(أ) يطلق على كفالة النفس ، وكفالة المال عند جمهور الفقهاء.
(ب)كما يطلق على غرامة المتلفات والمغصوبات والمتعيبات والتغيرات الطارئة.
(ج) كما يطلق على ضمان المال والتزامه سواء كان بعقد وبغيرعقد.
(د) كما يطلق على وضع اليد على المال ،بغير حق أو بحق.
وقد عرف الفقهاء الضمان بتعريفات كثيرة نقتصرعلى اثنين منها:
الأول: التزام دين أو إحضار عين أو بدن(2).
الثانى: شغل ذمة أخرى بالحق(3).
والضمان جائز شرعا ، حفظا للحقوق ، ورعاية للعهود، وجبرا للضرر، دلت على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ومن ذلك:
(أ)قوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}يوسف:72، فزعيم: أى ضامن ، فقد ضمن يوسف رضى الله عنه لمن جاء بسقاء الملك قدرما يحمله البعيرمن الطعام.
(ب) ما رواه أنس رضى الله عنه قال: أهدت بعض أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى النبى طعاما فى قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - (طعام بطعام ،وإناء بإناء)(4).
(ب) ما رواه سمرة بن جندب رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (على اليد ما أخذت حتى تؤدى)(5) أى ضمانه.
ولكى يتحقق الضمان شرعا، ويجب على من التزم به ، لابد من توافر ثلاثة أركان هى:
التعدى، الضرر، علاقة السببية بين التعدى والضرر " الافضاء".(2/175)
- فالتعدى: هو مخالفة ما حده الشرع أو العرف ، فيشمل التعدى: المجاوزة، والتقصير، والإهمال ، وقلة الاحتراز، كما يشمل العمد والخطأ(6).
- أما الضرر: فهو إلحاق مفسدة بالغير، وهذا يشمل الإتلاف والإفساد. والضرر قد يكون ناشئا عن القول أو الفعل ، كما أنه قد يكون بالقول والفعل أو بالترك.(7).
- أما علاقة السببية: فيشترط أن يكون التعدى مفضيا إلى الضرر، سواء كان بالمباشرة أو بالتسبب ، ويشترط أيضا أن لا يتخلل بين السبب وبين الضرر فعل فاعل مختار، فإذا وجد هذا الفاعل الأجنبى فإنه يضاف الضمان إليه ، وينقطع التعدى عن الضرر(8).
وللضمان أسباب ، ذكر الشافعية والحنابلة أنها قد تكون:
(أ) العقد: كالمبيع ، والثمن المعين قبل القبض ، والسلم فى عقد البيع.
(ب) اليد: مؤتمنة كانت كالوديعة والشركة، فى حالة حصول التعدى، أو غير مؤتمنة كالشراء الفاسد.
(ج) الإتلاف: سواء كان للنفس أو المال(9).
أما المالكية فقد ذكروا أن أسباب الضمان هى:
(أ) الإتلاف مباشرة ؛ كإحراق الثوب.
(ب) التسبب فى الإتلاف: كحفر بئر فى موضع لم يؤذن فيه فيترتب عليه فى العادة إتلاف.
(ج) وضع اليد غير المؤتمنة: ويندرج فيها يد الغاصب ، والبائع يضمن المبيع الذى يتعلق به حق توفيته قبل القبض(10).
والأمانات يجب تسليمها بذاتها ، وآداؤها فور طلبها، لقوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}النساء:58. وتضمن الأمانات فى حالة التعدى، وإلا فلا ضمان فيها.
أما المضمونات فتضمن بالإتلاف وبالتلف ولوكان سماويا(11).
هذا وأحكام الضمان كثيرة ومتفرعة فى سائر أبواب الفقه ، فيرجع إليها لمن أراد الاستزادة من سائر كتب المذاهب.
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
الضمير
لغة: هو ما دل على متكلم كـ "أنا" أو مخاطب كـ "أنت " أو غائب كـ "هو" ومنه البارز والمستتر، فالبارز "قمت " أما المستتر فهو كالمقدر نحو قولك "قم " كما فى اللسان.(2/176)
ولم يرد هذا اللفظ فى القرآن الكريم ولا فى السنة المطهرة ولم أجد كذلك لفظا قرآنيا يشترك مع هذا اللفظ فى الأصل سوى لفظ "ضامر" وهو ما جاء فى قوله تعالى: {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}الحج:27.
واصطلاحا: فيعرف الضمير بأنه خاصية يصدر بها الإنسان أحكاما مباشرة على القيم الأخلاقية لأعمال معينة، فإن تعلق فيما لم يقع بعد فقد يكون أمرا بالفعل أو نهيا عنه.
وقد عنى به من الفلاسفة أصحاب المدرسة الحدسية، واعتبروه قوة فطرية يميز بها الإنسان بين الخير والشر تلقائيا دون خبرة مسبقة أو توجهيه من الآخرين ، أما أصحاب المدرسة الطبيعية (المادية) فقد أرجعوا أحكام الضمير إلى التجربة أى الخبرة السابقة وربطوا قيمة الفعل الأخلاقى بنتائجه دون غيرها.
أما فى الفكر الإسلامى فيستخدم لفظ الضمير، بالمعنى اللغوى فى الدرجة الأولى.
أما المعنى الاصطلاحى للضمير فيعبر عنه بلفظ النفس اللوامة وهو المصطلح القرآنى المأخوذ من قوله تعالى {ولا أقسم بالنفس اللوامة}القيامة:2 ، حيث تقوم النفس اللوامة بمحاسبة الإنسان عما بدر منه ، فى هذا المعنى يقول الحسن البصرى ت: (110هـ) فى النفس اللوامة: إن المؤمن والله لا نراه إلا لائما لنفسه ، ما أردت بكلمتى؟ ما أردت بأكلتى؟ ما أردت بحديث نفسى؟ وإن الفاجر يمضى قدما لا يعاتب نفسه.
أما ابن جرير الطبرى فيعرف النفس اللوامة بأنها: التى تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات.
بذلك يتفق المعنى المقصود بالنفس اللوامة فى القرآن الكريم مع المعنى المقصود بلفظ "الضمير" فى الاصطلاح فى الفكر الحديث.
فالمقصود من كلا المصطلحين أنه جهاز مراقبة ومحاسبة داخل الإنسان السوى، يقيم ويقوم أعماله السابقة واللاحقة ويصدر عليها حكما أخلاقيا بالخير أوالشر.
وللشاعر المصرى المعروف "المنفلوطى" قصيدة بعنوان " الضمير" نشرت ضمن ديوانه الشعرى (ديوان أتى النصر).(2/177)
أ.د/السيد محمد الشاهد
ـــــــــــــــــ
الطريقة المولوية
المولوية طريقة صوفية تنسب إلى مؤسسها مولانا جلال الدين الرومى.
مركزها مدينة "قونية" بتركيا.
مؤسسها هو محمد جلال الدين محمد بن حسين بهاء الدين البلخى القونوى، المولود فى بلخ (من أعمال خراسان) عام 604هـ - 1207م الذى ينتهى نسبه إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه واشتهر والده بلقب سلطان العلماء، عاش مولانا جلال الدين عهد اضطرابات وحروب من فتنة جنكيز خان حتى الحروب الصليبية، وما صاحب ذلك من مظاهر القتل والتخريب ومن جانب آخر ظهرت عدة فرق ومذاهب مختلفة مثل المعتزلة، والمشبهة، والمرجئة والخوارج ، فرأى مولانا ضرورة ظهور دعوة تهدف إلى الحفاظ على الإسلام فى النفوس ، وحث المسلمين على التماسك والحفاظ على وحدتهم ، ومن هنا ظهرت الطريقة المولوية، خاصة وأن مولانا كان قد تتلمذ على يد العارف العالم "شمس الدين التبريزى" الذى حول مسار مولانا جلال من علم القال إلى علم الحال والخلوة والذكر قام شمس الدين تبريزى بتدريب مولانا جلال على أصول التوحيد الصوفى مع الاحتفاظ بالثقافة الشرعية.
اشتهرت الطريقة المولوية بما يعرف بالرقص الدائرى لمدة ساعات طويلة يدور الراقصون حول مركز الدائرة التى يقف فيها الشيخ ، ويندمجون فى مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحى فيتخلصون من المشاعر النفسانية ويستغرقون فى وجد كامل يبعدهم عن العالم المادى ويأخذهم إلى الوجود الإلهى كما يرون.
اشتهرت الطريقة المولوية بالنغم الموسيقى عن طريق الناى، وكان مولانا يرى فيه وسيلة للجذب الإلهى، ويعتبره أكثر الآلآت الموسيقية ارتباطا بعازفه ، ويشبه انينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله السماوى فى عالم الأزل.(2/178)
كان آخر ملهم لمولانا جلال مؤسس المولوية مريده وتلميذه "حسام الدين جلبى" الذى أحبه مولانا كثيرا ووصفه بأنه مفتاح خزائن الفرس ، "وبايزيد الوقت ، وجنيد الزمان "، ووصفه أنه نوره (أى نور مولانا) ، وبصره ، وسنده ، ومعتمده.
اشتهرت المولوية بكتاب المثنوى الذى ألفه مولانا، بناء على طلب مريده حسام الدين وكان أشهر كتبه على الإطلاق ،واشتهرت الطريقة المولوية بتسامحها الواضح مع أهل الذمة ومع غير المسلمين أيا كان معتقدهم وعرقهم كما يقول: عرق كنت كرديا أو روميا أو تركيا لابد أن تتعلم لغة من لغة لهم وقوله "إن كنت مؤمنا أو كافرا.. بوذيا أو مجوسيا.. فتعالى أكينا".
وعندما توفى مولانا فى ديسمبر عام 1273م شيعه مريدوه فى الطريقة من كل جنس وملة ودين ، وكان الحاخامات يقرؤون التوراة والمسيحيون يقرؤون الإنجيل جنبا إلى جنب مع المسلمين دفن مولانا جلال فى مسجده المسمى بالقبة الخضراء فى قونية بجوار والده بهاء الدين.
ويعد كتاب المثنوى أشهر أعمال مولانا جلال الدين مؤسس المولوية، وهو كتابا شعرى يضم 26 الف بيت شعر مزدوج ويشتمل على275 قصة وكلها مستقاة من القرآن الكريم وقصص الأنبياء ويعض قصص ألف ليلة وليلة وبعض نوادر جحا وطبعت فى ستة أجزاء.
يصف مولانا جلال كتابه المثنوى بأنه إلهام ربانى ، وفتح روحانى من معانى الكتاب والسنة كتب المثنوى بالفارسية وترجم إلى عدة لغات منها العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية.
وظهر فى المولوية مدى تأثر مولانا جلال الدين مؤسس المولوية بالعديد من كبار المتصوفين أمثال الغزالى، محى الدين بن عربى، شهاب الدين السهروردى، وفريد الدين العطار، ويحيى بن معاذ ، وأبو يزيد البسطامى، والحلاج ، والشبلى وإبراهيم بن أدهم وغيرهم.(2/179)
أثرمولانا جلال الدين أيضا فى علماء كثيرين ،مثل كمال الدين الخوارزمى وإسماعيل الأنقروى، وعبد العلى محمد بن نظام ، وعبدالعزيز آل جواهر، والشاعر إقبال ، وغيرهم. كما أثر فى العديد من المستشرقين أمثال جورج روزن الألمانى، وسير جيمس رد هاوس الانجليزى، ورينولد نيكلسون الإنجليزى أيضا.
من أشهر العلماء المعاصرين لجلال الدين العالم أوحد الدين الكرمانى، وبهاء الدين زكريا، نجم الدين الرازى، ومحي الدين بن عربى، وصدر الدين القونوى، وأبو الحسن الشاذلى، وعزيز الدين النسفى.
لقيت المولوية عناية فائقة من علماء المسلمين والمستشرقين ،وذلك لجمع مؤسسها بين الصوفية والشريعة متمشيا مع القرآن والسنة.
خلف مولانا جلال فى الطريقة حسام الدين جلبى الذى نصبه رسميا قبل وفاته بإحدى عشرة سنة.
اتخذت الطريقة الشكل المتماسك بفضل الحلقات التى كان يقيمها مولانا لمريديه وتلاميذه. ومن خلال الطريقة كان مولانا يهاجم الأراء الفلسفية المتناقضة مع الإسلام وكانت استدلالاته جميعها مستقاة من القرآن والسنة.
لاتزال الطريقة المولوية مستمرة حتى يومنا هذا فى مركزها الرئيسى فى قونية. ويوجد لها مراكز أخرى فى استنابول ، وغاليبولى، وحلب ، ورغم منع الحكومة التركية كل مظاهر التصوف إلا أن الجهات الرسمية فى تركيا تستخدم مراسم المولوية كجزء من الفولكلور التركى.
ويحضر جلسات ذكر المولوية كل من يريد من كل الأجناس ومع كل الأديان ويلقى الجميع تسامحا ملحوظا من المولويين.
أ.د/هدى درويش
----------------------
قلت : كل ما خالف الشريعة مردود كائنا من كان قائله أو فاعله
------------
الطريقة المولوية
المولوية هي إحدى الطرق الصوفية التي تنتشر بشكل خاص في تركيا وسوريا، وتنسب إلى جلال الدين الرومي، المعروف عند أصحابه باسم "مولانا" أو "مولوي"، وتشتهر هذه الطريقة بالرقص الدائري والغناء واستعمال الناي.
النشأة(2/180)
ولد مؤسس هذه الطريقة جلال الدين محمد بن محمد الحسين البلخي سنة 604هـ (1207م)، في مدينة بلخ (من أعمال خراسان)، فهو إذاً فارسي الأصل، لكنه هاجر وهو صغير مع والده حتى استقر في قونية (عاصمة الدولة السلجوقية) والواقعة في جنوب تركيا، وبها أقام وتوفي سنة 672هـ (1273م).
وبعد أن كان مدّرساً للفقه، تحول المولوي إلى التصوف على يد شمس الدين التبريزي، الذي سأله: لماذا تأخذ نفسك بدراسة الفقه؟ فأجاب المولوي: لأعرف الشرع، فقال التبريزي: أليس الأجدى أن تعرف صاحب الشرع!
وبهذا المنطق الغريب صرف التبريزي المولوي عن دراسة وتدريس العلوم الشرعية، إلى براثن التصوف بحجة أن الأجدى هو معرفة الله - سبحانه وتعالى - لا معرفة الشريعة، ويعلق الدكتور عبد المنعم الحفني على هذا الفهم فيقول: "وهذه مغالطة، إذ كيف أعرف صاحب الشرع إن لم أعرف لأي شيء يشرّع، ولماذا يشرع، وما الذي يشرّع له"؟ ([1]).
وقد تعلق المولوي بأستاذه التبريزي تعلقاً كبيراً إلى الدرجة التي جعلته يحبس نفسه معه في حجرة واحدة أربعين يوماً([2]).
وإضافة إلى تتلمذه على يد التبريزي، فقد زار جلال الدين المولوي دمشق، واتصل بشيخ الصوفية الأكبر محيي الدين بن عربي (560ـ 638هـ) وتلاميذه، ومنهم سعد الدين الحمومي، وصدر الدين القونوي. وقد عاصر المولوي عدداً من شيوخ الصوفية أبرزهم أبو الحسن الشاذلي، مؤسس الطريقة الشاذلية.
وقد ترك المولوي عدداً من المؤلفات أشهرها:
1ـ المثنوي: ويضم أكثر من 25 ألف بين من الشعر، تم جمعها في ستة مجلدات ضخمة، وهو ذو مكانة خاصة عند الصوفية، وقد وصف الرومي كتابه هذا بأنه "فقه الله الأكبر"! والفرس يسمونه "قرآن بهلوي" أي قرآن الفارسية.
2ـ ديوان شمس تبريز: ويحتوي على آلاف الأبيات الشعرية، والرباعيات في الغزل الوصوفي.
3ـ كتاب "فيه ما فيه": وهو كتاب قصص وأمثال ومواعظ وذكريات.(2/181)
4ـ المجالس السبعة: ويشمل على سبع مواعظ دينية وخطب ألقاها أثناء اشتغاله بالتدريس.
أهم العقائد والأفكار والسلوكيات
تتشابه عقائد المولويين مع عقائد عموم الصوفية وطرقهم، التي تم الحديث عنها أو عن بعضها في الحلقات الماضية، كالإيمان بوحدة الوجود، وصرف بعض أنواع العبادات لغير الله، كالاستغاثة بالأولياء وطلب العون والشفاء والحاجات من شيوخهم، ونحن في معرض حديثنا عن الطريقة المولوية، وشيخها جلال الدين الرومي، نود أن نشير إلى عقائدها البارزة وأفكارها التي عبّر عنها الرومي بوضوح في مؤلفاته وأشعاره، ومن ذلك:
1ـ إيمان المولوي بوحدة الأديان، وأنه لا فرق بين الإسلام والنصرانية واليهودية، وسائر الأديان، كما يتضح ذلك في هذه الأبيات:
نفسي، أيها النور المشرق، لا تنء عني لا تنء عني
حبي، أيها المشهد المتألق، لا تنء عني لا تنء عني
انظر إلى العمامة أحكمتها فوق رأسي
بل انظر إلى زنار زرادشت حول خصري
أحمل الزنار، وأحمل المخلاة
لا بل أحمل النور، فلا تنء عني لا تنء عني
مسلم أنا، ولكني نصراني وبرهمي زرادشتي
توكلت عليك أيها الحق الأعلى، فلا تنء عني لا تنء عني
ليس لي سوى معبد واحد، مسجداً كان أو كنيسة أو بيت أصنام
ووجهك الكريم فيه غاية نعمتي، فلا تنء عني لا تنء عني([3])
والأبيات السابقة للرومي تحمل المعاني ذاتها التي صرح بها شيخ الصوفية الأكبر، ابن عربي الذي قال:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت الأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني([4])
ويقول الرومي في موضع آخر:
أيها المسلمون ليت شعري ما التدبير؟ أنا لا أدري من أنا:
فلا أنا مسيحي ولا يهودي ولا زرادشتي ولا مسلم
ولا شرقي ولا غربي ولا علوي ولا سفلي
ولا أنا من عناصر الطبيعة
ولا أنا من الفلك الدوّار([5])
ولذلك دخل في الطريقة المولوية العديد من اليهود والنصارى ([6])(2/182)
2ـ تكرر في كلام جلال الدين الرومي الإيمان بوحدة الوجود([7])، ولعلّ الأبيات السابقة تكشف عن جزء من ذلك ووجه الربط في ذلك وبحسب الشيخ محمود القاسم فإن "عقيدة وحدة الوجود، هي التي ترى كل الأديان صحيحة، لأن كل المعبودات هي الله وكل شيء هو الله"([8]).
وفي أبيات ونصوص أخرى يتضح لنا أكثر اعتقاد المولوية بوحدة الوجود إذ يقول الرومي:
ولا بهذا الكون ولا ذلك، ولا في الجنة ولا النار موطني
ولا طردت من عدن ولا يزدان، ولا من آدم أخذت نسبتي
بل مقام ما أبعده من مقام، وطريق خفي المعالم
تجردت عن بدني وروحي، فمن جديد أحيا في روح محبوبي([9])
ويقول أيضاً: "إن الله هو ماتراه فيّ بعين قلبك، لأنه اختارني بيتاً له، فإذا رأيتني فقد رايته، وطفت حول الكعبة الحنفية، وإذا عبدتني فقد عبدته، وسبّحت له، فلا تظن أنني شيء غيره"([10]). ولم تكن وحدة الوجود عقيدة محصورة في جلال الدين المولوي، إذ أن الرحالة الأمريكي w.seabrook الذي زار بلاد الشام في العشرينيات من القرن الماضي والتقى فيها بعض شيوخ المولوية وحضر حضراتهم وطقوسهم، ينقل عن شيخ المولوية في مدينة طرابلس، شفيع المولوي ما يفيد إيمانه هو وطريقته والصوفية بهذه العقيدة إذ يقول الشيخ شفيع: "الغاية القصوى للصوفي هي الاتحاد بالله، غير أن السبل إلى ذلك متشعبة....وأما نحن المولوية فنؤمن بأن الروح والجسد متساويان في القداسة، بأن الروح تنمو مثل زهرة على ساق الجسد. نحن نتقبل الجمال المادي والحسي باعتباره مرآة حقيقية للجمال المادي"([11])
3ـ للرومي ميول شيعية واضحة وغلو في علي - رضي الله عنه - وآل البيت، شأن معظم المنتسبين إلى الطرق الصوفية، ومن ذلك قوله:
منذ كانت صورة تركيب العالم.... كان عليّ
منذ نقشت الأرض وكان الزمان.... كان عليّ
ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بجملة واحد... كان عليّ
كلما تأملت في الآفاق ونظرت فيها أيقنت بأنه في الموجودات... كان عليّ(2/183)
إن من كان هو الوجود ولولاه لسرى العدم في العالم الموجود.... كان عليّ
إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي في شمس تبريز..... كان عليّ
يقول الدكتور الحفني بعد إيراده لهذه الأبيات: "فهل لهذا الكلام معنى آخر سوى أن عليّاً هو الله؟!! " ([12]).
4ـ الدعوة إلى الاستغناء عن العلم الشرعي، وتفضيل علوم التصوف وخرافاته، وقد سبق الحديث عن أن شمس الدين التبريزي أقنع جلال الدين الرومي بترك دراسة وتدريس الفقه والاتجاه إلى التصوف بحجة معرفة الله لا معرفة شريعته. وقد أورد الرومي قصة في كتابه "المثنوي" مفادها أن رجلاً جلس في حضرة حبيبه، فأخرج كتباً في الغرام وأخبار العشاق، وأخذ يقرأ فيها، فقال المعشوق منكراً: إن كان هذا من أجلي، وبعد أن وصلت إليّ فهو تضيع للعمر، أنا حاضر إلى جوارك وأنت تقرأ الكتب؟! أنا معك وأنت منشغل عني، ما هذه أمارة العاشقين.
يقول الدكتور القصيّر: "وترمز هذه القصة إلى اعتقاد المتصوفة استغناءهم عن العلم الشرعي بعد الوصول إلى حقيقة، وبلوغ مرتبة اليقين"([13]).
5ـ الانحلال والاستهانة بأحكام الشرع، فقد مرّ بنا أن علاقة الرومي بشيخه التبريزي كانت مبنية على الشذوذ، وتكرر في أشعاره ذكر العشق.
كما أن أذكار المولوية قائمة على الرقص والموسيقى ـ كما سيأتي بيانه ـ وينقل الرّحالة سيبروك شيئاً من ولع شيخ المولوية في طرابلس بالتدخين، بعد أن حلّ ضيفاً عليه، فيقول: "كان واضحاً أن ضيافة الدراويش لا تقشف فيها، إذ سرعان ما وجدنا أنفسنا ندخن سجائر من القاهرة فاخرة مذهبة الأعقاب، ونرشف شراباً ضارباً إلى الخضرة من عصير العنب الأبيض والليمون المعمول حديثاً. دخّن الشيخ المولوي وشرب معنا".(2/184)
ويقول الرّحالة في موضع آخر: "... ووجدت صعوبة في التوفيق بين هذه الصورة الذهنية (زهد الصوفية) والحقيقة التي أمامي (تمتع شيخ المولوية بالطعام والشراب والملذات) وأنا أراقب الشيخ شفيع وهو يدخن سيجارة ومذهبة العقب تدخين مترف، ويحتسي القهوة احتساء خبير حسن الذوق"([14]).
أذكارهم ورقصاتهم
ارتبط اسم المولوية بالغناء والموسيقى والرقص. ولآلة الناي مكانة كبيرة عند المولوية وشيخها الرومي الذي يقول: "استمع للناي كيف يقص حكايته، فهو يشكو آلام الفراق في صوت هو شكاية، ويقول به إنه منذ قطعوه من الغابة والناس يبكون ببكائه، وصدره يمزقه الفراق،... "([15]).
ويتميز المولوية بالرقص الدائري من قبل الدراويش المصاحب للموسيقى، ويعتقدون أن رقصهم هذا يوصلهم إلى الله، بل والاندماج معه - سبحانه تعالى - الله عن ذلك علواً كبيراً ـ.
يقول شيخ المولوية السابق في طرابلس شفيع المولوية مخاطباً الرحالة الأمريكي سيبروك: "إن جميع الدروب تنتهي إلى الله، وعلى كل إنسان أن يختار الدرب الذي يراه أفضلها له. ولكنك تريدني أن أتكلم على الدرب الذي اخترناه نحن المولوية، كيف نسعى من خلال الرقص إلى الاندماج في الانسجام العلوي"([16]).
ونظراً لانغماس المولوية في الموسيقى والغناء الذي حسبوه ذكراً لله، كان أبرز الملحنين الموسيقيين الأتراك من المولوية. وقد أطلق على المغني أو المنشد أو الدرويش الذي يؤدي أغانيهم اسم "سَماع زَن" sema zen، أو مَولد خان([17]).
انتشارها وأهم شخصياتها
تنتشر المولوية بشكل خاص في تركيا، وبدرجة أقل في سوريا وفلسطين ولبنان، وبعض الدول الأخرى.
1ـ تركيا: تعتبر مدينة قونية التركية مركز هذه الطريقة في العالم، ذلك أن جلال الدين الرومي قضى معظم حياته بها، كما أنه دفن فيها، في مسجده المسمى بالقبة الخضراء.(2/185)
وإضافة إلى مدينة قونية، فللطريقة مراكز أخرى في استانبول وغاليبولي، كما أن التكايا المولوية انتشرت في قيصرى وسيواس وآقسراي.
وبالرغم من أن تركيا العلمانية تقف بوجه الحركات والتيارات الإسلامية، إلاّ أن المولوية تحظى بشيء من الدعم والتسهيل بحجة اعتبار الدولة مراسم المولوية (الغناء والرقص... ) كجزء من الفولكلور التركي([18]).
2ـ سوريا: تعتبر مدينة حلب القريبة من تركيا أهم مركز للمولوية في سوريا، وخصوصاً مسجد المولوية في باب الفرج بحلب. وفي العاصمة دمشق يتركز المولويون في جامع المولوية في أول شارع النصر، مقابل محطة الحجاز، والجامعان لا يزالان موجودين إلى الآن([19]).
3ـ لبنان: حيث تعتبر مدينة طرابلس أهم مراكز المولوية هناك.
4ـ فلسطين: حيث تعبتر التكية المولوية من أهم التكايا التي أقامها العثمانيون في القدس، وقد بناها قومندان القدس خداوند كاربك سنة 995هـ. وكان تعيين شيخ التكية يأتي من الشيخ الأعلى للطريقة المولوية في قونية بتركيا، وكان لها أملاك وأوقاف للإنفاق عليها اندثرت كلها.
وفي السبعينيات من القرن الماضي، توفي آخر شيوخها عادل المولوي، الطرابلسي الأصل، وكانت الطريقة موجودة في القدس قبل الوجود العثماني فيها، وقد ثبّت السلطان العثماني سليم ـ عندما زار القدس ـ رئيس الدراويش المولوية أخفش زادة، في وظيفته، ومنحه 500 أقجة صدقات. وفي القرن الحادي عشر الهجري، كان في القدس عدد كبير من أتباع المولوية، يتقاضى الواحد منهم 500 أقجة([20]).
أما شخصياتها:
فبعد جلال الدين الرومي، تولى رئاسة الطريقة تلميذه حسام الدين الحلبي، ويقول المولوية أن الرومي كان شديد التعلق بتلميذه! وان التلميذ هو الذي أشار على الأستاذ بكتابة مؤلفاته.
وبرز في هذه الطريقة محمد باقر الشلبي الذي كان شيخاً لها في قونية في العشرينات من القرن الماضي، والشيخ شفيع المولوي شيخ الطريقة في طرابلس، وغيرهم.
للاستزادة(2/186)
1ـ الموسوعة الصوفية ـ عبد المنعم الحفني
2ـ الكشف عن حقيقة الصوفية ـ محمود عبد الرؤوف القاسم
3ـ عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية ـ د. أحمد القصير
4ـ مغامرات في بلاد العرب ـ ويليام سيبروك
مقالات
1ـ المولوية ـ د. هدى درويش www.Alazhr.org.
2ـ المولوية وبدائع "سماع زن" التركية سعد عبد المجيد www.Islam- online.Net.
3ـ المولوية ـ أحمد بوبس ـ الملحق الثقافي لصحيفة الثورة السورية.
4ـ تكايا الصوفية في فلسطين ـ نافذ أبو حسنة ـ المركز الفلسطيني للإعلام.
--------------------
[1])) ـ الموسوعة الصوفية ص 95.
[2])) ـ يصف الدكتور الحفني في المصدر السابق ص 95 مكوث المولوي إلى جانب التبريزي 40 يوماً بقوله "وهذا شذوذ صريح"، ويتحدث عن شيء من خبايا العلاقة بينهما فيقول: " وحدثت بين التبريزي وأهل الرومي وأصحابه مغاضبات، وتركهم مره وسافر إلى الشام، وأرسل الرومي ابنه وراءه ليعيده،... ولما عاد التبريزي كانت فرحة كبرى للرومي، وزوّجه من إحدى بنات الأسرة ليخرس الألسن ويمنع القيل والقيل، ولكن المضايقات عادت، فغادرهم التبريزي هذه المرة إلى غير رجعة. وقد تبين بعد الزواج أن التبريزي شاذ فعلاً وفضحه الزواج، وكان جلال لوطياً والتبريزي مأبوناً" ص95ـ96. ويضيف الحفني (ص98) "قيل: إن هذه الفضيحة التي موضوعها العشق واللواط بين شمس تبريزي وجلال الدين الرومي قد دفعت ابن جلال، المدعو علاء الدين إلى أن يقتل التبريزي، وكتموا الأمر عن جلال بدعوى أن شمساً قد رحل، ويبدو أنهم اكتشفوا أخيراً في قونية البئر التي أخفى فيه علاء الدين جثمان شمس، وعثروا فيه على بقاياه".
[3])) ـ الكشف عن حقيقة الصوفية ص 152 نقلاً عن "التصوف الإسلامي وتاريخه".
[4])) ـ المصدر السابق ص 152، نقلاً عن ديوان ترجمان الأشواق.
[5])) الموسوعة الصوفية ص 254.
([6]) انتشار الإسلام بين المغول، رجب محمد عبد الحليم، ص91.
[(2/187)
7]) ـ عقيدة صوفية فاسدة تعني أن الله - تعالى -والعالم شيء واحد (عقيدة الصوفية للقصير ص 28).
[8])) ـ الكشف عن حقيقة الصوفية ص 152ـ 153.
[9])) ـ المصدر السابق ص 153 نقلاً عن "في التصوف الإسلامي وتاريخه".
[10])) ـ المصدر السابق 154 نقلاً عن "في التصوف الإسلامي وتاريخه".
[11])) مغامرات في بلاد العرب ص 245ـ 246.
[12])) ـ الموسوعة الصوفية ص 256.
[13])) ـ عقيدة الصوفية ص 283.
[14])) ـ معامرات ص 242ـ 246.
[15])) ـ الموسوعة الصوفية ص 253، نقلاً عن المثنوي.
[16])) ـ مغامرات ص 250.
[17])) ـ مقال سعد عبد المجيد.
[18])) ـ مقال د. هدى درويش.
[19])) ـ مقال أحمد بوبس.
[20])) ـ مقال نافذ أبو حسنة ـ المركز الفلسطيني للإعلام.
---------------
عقيدة وحدة الوجود عند جلال الدين الرومي مؤسس الطريقة المولوية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
فسوف نذكر في هذا المقال البسيط نتفاً عن عقيدة جلال الدين الرومي أحد الصوفيين الذين كانت لهم صولة وجولة وأتباع ومريدون في المعمورة، وسوف ننظر في هذه العقيدة هل هي مما أمر الله عباده أن يدينون به ويعتقدون، أم أن هذه العقيدة مما أمر الله أن يكفر بها الإنسان ويحاربها.
يقول جلال الدين الرومي([1])، مؤسس الطريقة المولوية:
نَفْسي، أيها النور المشرق، لا تَنْء عني لا تَنْءَ عني
حبي، أيها المشهد المتألِّق، لاتَنْءَ عني لاتَنْءَ عني
انظرْ إلى العمامة أحكمتُها فوق رأسي
بل انظر إلى زنار زرادشت حول خصري
أحملُ الزنار، وأحمل المخلاة([2])
لا بل أحمل النور، فلا تَنْءَ عني، لا تَنْءَ عني
مسلمٌ أنا، ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي
توكلتُ عليك أيها الحق الأعلى، فلا تَنْءَ عني لا تَنءَ عني
ليس لي سوى معبدٍ واحد، مسجداً كان أو كنيسة أو بيت أصنام
ووجهك الكريم فيه غاية نعمتي، فلا تَنْءَ عني لاتَنْء عني([3])
* ملحوظات:(2/188)
عقيدة وحدة الوجود هي التي ترى كل الأديان صحيحة؛ لأن كل المعبودات هي الله وكل شيء هو الله.
- ولنا أن ننتبه إلى قوله: (نفسي أيها النور المشرق لا تنء عني)، ثم سيره بخطابه لنفسه حتى يقول: (أيها الحق الأعلى لا تنء عني)، حيث نلاحظ أسلوباً جديداً في العبارة وتدرجها، ولننتبه إلى العبارة (لا تنء عني).
ويقول جلال الدين الرومي أيضاً:
مجهول أنا عند نفسي، بربك خبِّرني ما العمل
ولا بهذا الكون ولا ذاك، ولا في الجنة ولا النار موطني
ولا طردت من عدن ولا يزدان، ولا من آدم أخذت نسبتي
بل من مقام ما أبعده من مقام، وطريق خفي المعالم
تجردت عن بدني وروحي، فمن جديد أحيا في روح محبوبي([4]).
- ما يجب ملاحظته قوله: (من مقام ما أبعده من مقام، وطريق خفي المعالم)، وقوله: (فمن جديد أحيا في روح محبوبي).
ويقول أيضاً:
يظهر الجمال الخاطف كل لحظة في صورة، فيَحْمِلُ القلبَ ويختفي، في كل نفسٍ يظهر ذلك الصديق في ثوب جديد، فشيخاً تراه تارة وشاباً تارة أخرى... انظر إليه وقد خرج من طينة الفخار، وانتشر في الوجود، ظهر بصورة نوح وأغرق الدنيا بدعاء منه...وفي نهاية المطاف ظهر بصورة عربي، ودان له ملك العالم...ذلك الجميل فتان القلوب قد ظهر بصورة سيفٍ في كف علي، وأصبح البتَّار في زمانه، لا لا! بل هو الذي ظهر في صورة إنسان، وصاح أنا الحق، ليس (منصور) هو الذي صُلِبَ على الدار، ولو ظن الجاهلون خلاف ذلك([5])...اهـ. (منصور هو الحلاج).
ويقول: أنا سَرِقَة اللصوص، أنا ألم العصا، أنا السحاب وأنت الغيث، أنا الذي أمطرتُ في المروج([6])...
ويقول على لسان قطبٍ يخاطب البسطامي:
إن الله هو ما تراه فيَّ بعين قلبك؛ لأنه اختارني بيتاً له، فإذا رأيتَني فقد رأيته، وطفْتَ حول الكعبة الحنفية، وإذا عبدتَني فقد عبدتَه وسبَّحت له، فلا تظنَّ أنني شيء غيره([7]).
* ملحوظة: الكلام -وخاصة النص الأخير- واضح جدّاً.(2/189)
وبعد: فهذه نتفق من عقيدة جلال الدين الرومي في وحدة الوجود، ولا يتسع المقام لذكرها كاملة، ولكن اللبيب تكفيه الإشارة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
اقتبس هذا المقال من كتاب: (الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ) للمؤلف: (محمود عبد الرؤوف القاسم).
----------------
([1]) مؤسس الطريقة المولوية، بلخي انتقل إلى سيواس، ثم إلى تركيا، ومات في قونية سنة: (672هـ).
([2]) جملة (وأحمل المخلاة) يشير بها إلى الهندوسية، لأن البراهمة منهم يحملون المخلاة للاستجداء.
([3]) كتاب في التصوف الإسلامي وتاريخه، (ص:94).
([4]) في التصوف الِإسلامي وتاريخه، (ص:95).
([5]) في التصوف الِإسلامي وتاريخه، (ص:105)، (106).
([6]) فىِ التصوف الِإسلامي وتاريخه، (ص:152).
([7]) في التصوف الِإسلامي وتاريخه، (ص:157).
------------------
الطريقة المولوية
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة(2/190)
الإنشاد الديني..الذي أصبح اليوم فرعاً هاماً من فروع الغناء، يستخدم القوالب الغنائية العربية. فهناك القصيدة الدينية والموشح الديني.. هذا الإنشاد خرج من عباءة الطرق الصوفية، وما يتبعها من زوايا يقدم فيها الإنشاد الديني، وتقام حلقات الذكر. وكانت الزوايا الصوفية منتشرة بشكل خاص في دمشق وحلب، وبشكل أقل في بقية المناطق الأخرى, ومن أهم الطرق الصوفية التي كانت منتشرة,الطرق الرفاعية والقادرية والهلالية والنقشبندية والمولوية وغيرها. وكان لكل طريقة أتباعها وزواياها الخاصة التي تقدم فيها حلقات الذكر وقد تكون هذه الزوايا في المساجد، أو لها مقراتها الخاصة بعيداً عن المسجد. ويقام في حلقة, الذكر طقس ديني يطلق عليه (الذكر) الذي هو مجموعة من الابتهالات والأدعية والأناشيد الدينية. ولكل حلقة ذكر رئيس يسمى رئيس الزاوية..وتبدأ حلقة الذكر بتلاوة عشر من القرآن الكريم، ثم الابتهالات والأدعية (الأوراد) حسب كل طريقة صوفية. ويبدأ رئيس الزاوية هذه الأوراد بدعاء (فاعلم أنه لا إله إلا الله). ويقوم أفراد الحلقة بترديدها، ثم يقول مستغيثاً (يافتاح ياعليم المدد يارسول الله المعتمد)، ثم تتوالى بعد ذلك فقرات حلقة الذكر ويمنع استخدام الالات الموسيقية باستثناء الدفوف والمزاهر. المولوية لكن أهم الطرق الصوفية وأشهرها وأكثرها انتشاراً هي الطريقة المولوية أو الدراويش، ومؤسسها مولانا جلال الدين الرومي ( 1207- 1272). وهو فارسي الأصل والمولد عاش معظم حياته في مدينة قونية التركية، وقام بزيارات إلى دمشق وبغداد. وهو ناظم معظم الأشعار التي تنشد في حلقة الذكر المولوية. وكانت حلقات الذكر المولوية تقام في مساجد أنشئت خصيصاً لهذه الطريقة، منها جامع المولوية في باب الفرج بحلب، وجامع المولوية بدمشق في أول شارع النصر مقابل محطة الحجاز, والجامعان لايزالان موجودان.(2/191)
وتختلف حلقة الذكر في الطريقة المولوية عن غيرها، في أنها تنفرد بالحركة الدائرية التي يقوم بها عدد من الدراويش وفيها تستخدم آلة الناي في طقوسها ومن عازفي النادي في أواخر القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين الشيخ علي الدرويش والحاج عبد اللطيف النبكي. وتبدأ حلقة الذكر المولوية بتلاوة من القرآن الكريم من أحد المنشدين الجالسين في السدة، ثم يؤدي رئيس الزاوية بعض الأدعية والابتهالات. بعد ذلك ينشد أحد الدراويش شعراً يقول فيه: إذا رمت المنى يانفس رومي لمولانا جلال الدين الرومي وعند كلمة مولانا تضرب ثلاث ضربات، ويبدأ العزف بالنايات، ثم ينهض الدراويش ويبدؤون بالدوران بطريقة فنية خاصة. فينزعون عنهم العباءات ليظهروهم يرتدون ألبسة بيضاء فضفاضة على شكل نواقيس. ويبدؤون بالدوران على ايقاعات الإنشاد الديني ويكون دورانهم سريعاً فتنفرد ألبستهم الفضفاضة وتصبح نتيجة الدوران السريع على شكل ناقوس، ويضعون على رأسهم اللبادة أو القلبق وأثناء الدوران يقومون بأيديهم بحركات لها معان صوفية ويشكلون بأيديهم ورأسهم لفظ الجلالة (الله) ويشترط أثناء الدوران ألا تتلامس أرديتهم. أما الإنشاد المرافق للمولوية فيبدأ بنشيد (يا امام الرسل ياسندي/أنت باب الله معتمدي/وبدنيايا وآخرتي/يا امام الرسل خذ بيدي). ثم يردد المنشدون عبارة (مدد مدد يارسول الله/مدد مدد ياحبيب الله..) وتتزايد سرعة الراقصين في الدوران بشكل مذهل حتى تصل إلى قمتها مع ترديد المنشدين لعبارة (يارسول الله مدد/ياحبيب الله مدد) وتتخللها من رئيس الزاوية عبارة (حي) وتختم وصلة الدوران بعبارة (الله الله..الله الله..الله الله يا الله) التي تتردد مرات عديدة قبل أن تختم وصلة الدوران. وقد تحولت المولوية إلى فقرة فنية مستقلة تقدمها الفرق الفنية، منها فرقة أمية للفنون الشعبية وفرقة الحاج صبري مدلل الذي رحل عنا منذ فترة.(2/192)
الانشاد الديني ظل الإنشاد الديني محصوراً ضمن حلقات الأذكار إلى أن جاء الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي (0461-1371) فأخرج الإنشاد من الزوايا وجعله فناً مستقلاً وهو الذي تخرج من الطرق الصوفية، فأخذ الطريقة الكيلانية عن الشيخ عبد الرزاق الحموي الكيلاني، وأخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ سعيد البلخي لكنه كان يتبع الطريقة القادرية. وأبدع الشيخ النابلسي الكثير من الموشحات الدينية الجميلة, منها موشح يقول: ياجمال الوجود طاب فيك الشهود البرايا رقود إن عيني تراك ما لقلبي سواك وهو الذي وضع تقاليد الجامع الأموي بدمشق مثل الصمدية الشريفة التي تفصل ما بين الأذان الأول والثاني عند صلاة الجمعة، وهو واضع التسابيح والتراحيم التي تسبق أذان الفجر. ويقول مطلع التسابيح: سبحان الأول بلا بداية سبحان الآخر بلا نهاية سبحان من له في كل سورة آية تدل على أنه واحد أحد فرد صمد دائم على الدوام أما التراحيم فمطلعها: ياأرحم الراحمين ياقابل التائبين ياغياث المستغيثين ياسند العاجزين يا أكرم الأكرمين وكذلك وضع النابلسي الأذان الجماعي في الجامع الأموي الذي تؤديه جماعة المؤذنين في المسجد ولاتزال هذه الطقوس متبعة حتى الآن في المسجد الأموي. والنابلسي أيضاً مؤسس طريقة الإنشاد الديني المعروف حالياً في دمشق. وقد تتلمذ على يديه الكثير من المنشدين، وشكلوا فرق الإنشاد التي تؤدي موشحاته وأضافوا عليها موشحات جديدة من ألحانهم وقد عرفت دمشق في القرن العشرين العديد من المنشدين الكبار، منهم مسلم البيطار وسعيد فرحات وتوفيق المنجد الذي كان لكل منهم فرقته الإنشادية الخاصة، ثم كونوا مع بعضهم رابطة المنشدين الخاصة بالجامع الأموي.(2/193)
وسعيد فرحات أبدع الكثير من الموشحات الدينية البديعة التي لاتزال تقدمها فرق الإنشاد وكان في نفس الوقت منشداً جميل الصوت وتوفيق المنجد كان أكثرهم شهرة بصوته الصداح فقد كان له فرقته الخاصة كما تولى رئاسة رابطة المنشدين في الجامع الأموي حتى رحيله عام 1989 وانضم إلى رابطة المنشدين سليمان داوود وحمزة شكور الذي يتولى حالياً رئاسة رابطة المنشدين ويقوم بجهود كبيرة لنشر تقاليد الإنشاد الديني الدمشقي من خلال فرقته الخاصة، ومن خلال رابطة المنشدين ومن المنشدين الأساسيين في رابطة المنشدين حالياً إضافة إلى حمزة شكور عبد الوهاب أبو حرب وحامد داوود بن سليمان داوود ومحمد الشيخ. وتقوم رابطة المنشدين بإحياء المناسبات الدينية مثل ذكرى المولد النبوي الشريف، وليلة الاسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان ولكل مناسبة من هذه المناسبات أناشيدها الخاصة كما تحيي فترة السحور في الجامع الأموي الكبير في دمشق.
ـــــــــــــــــ
الطفل
القسم الأول : الطفل والطفولة في القرآن الكريم :
الباب الأول : صدى الطفل في القرآن :
الفصل الأول : الطفولة ومراحل الحياة .
الفصل الثاني : همسات من حب الطفل في القرآن .
الفصل الثالث : من حقوق الطفل في القرآن .
الفصل الرابع : الرعاية القرآنية للطفل .
الباب الثاني : اهتمام القرآن بالطفل وتأديبه .
الفصل الأول : من معاني كلمة الطفل في القرآن .
الفصل الثاني : من الطفولة إلى الأشد .
الفصل الثالث : من صور تأديب الطفل في القرآن .
الفصل الرابع : الطفل ودعاء الأنبياء .
الباب الثالث : أضواء من طفولة الأنبياء في القرآن :
الفصل الأول : قصص طفولة الأنبياء وأهميتها .
الفصل الثاني : طفولة نبي الله إسماعيل عليه السلام .
الفصل الثالث : طفولة نبي الله يوسف عليه السلام .
الفصل الرابع : طفولة نبي الله موسى عليه السلام .
الفصل الخامس : طفولة نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - .(2/194)
الباب الرابع : من وسائل تربية الطفل في ضوء القرآن :
الفصل الأول : مرحلة الطفولة بين الفطرة والتربية .
الفصل الثاني : الطفل وتربية الغرائز والحواس :
1. الحب والكراهية .
2. الخوف والرجاء .
الفصل الثالث : الطفل وتربية المهارات الروحية والعقلية والجسمية :
1.التربية الروحية .
2. التربية العقلية .
3. التربية الجسمية .
الفصل الرابع : الطفل وحب القرآن .
الباب الخامس : ألوان من التربية القرآنية لأخلاق الطفل :
الفصل الأول : الطفل وأخلاق القرآن .
الفصل الثاني : الطفل والتربية الخلقية مع الله ورسوله :
- التربية مع الله عز وجل :
1. إيقاظ الفطرة وتوجيهها .
2. مراقبة الله عز وجل سراً وعلانية .
3. معرفة نعم الله وشكرها .
4. الصلاة وأهميتها .
- التربية مع الرسل :
1. مكانة الرسول والأنبياء .
2. الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعته والاقتداء به .
الفصل الثالث : الطفل والتربية الخلقية مع المسلمين وغيرهم :
1. التربية الخلقية للطفل مع الوالدين .
2. التربية الخلقية للطفل مع إخوته .
3. التربية الخلقية للطفل مع الأقارب .
4. التربية الخلقية للطفل مع الأصدقاء والأصحاب .
5. التربية الخلقية للطفل مع العلماء والمعلمين .
6. التربية الخلقية للطفل مع غير المسلمين .
الفصل الرابع : الطفل والتربية الخلقية في الطعام والشراب .
الفصل الخامس : الطفل والتربية الخلقية في النظافة ، وهي نوعان :
1. نظافة مادية .
2. نظافة معنوية .
- الطفل وتعليمه أنواع النظافة :
1. الطفل ونظافة الجسد والملبس .
2. الطفل ونظافة اليدين .
3. الطفل ونظافة الفم والأسنان .
4. الطفل وآداب قضاء الحاجة .
5. الطفل ونظافة البيئة .
الفصل السادس : الطفل والتربية الخلقية في النوم :
1. تربية الطفل على النوم بعد صلاة العشاء .
2. يمنع المربي الطفل من النوم في النهار .
3. يعود المربي الطفل على أن ينام على جنبه الأيمن .(2/195)
4. يدعو المربي الطفل إلى سنة مستحبة عندما يأخذ مضجعه .
الفصل السابع : الطفل وآداب تربوية قرآنية متنوعة :
1. أدب الاستئذان وتربية الطفل عليه .
2. أدب المجلس والضيف وتربية الطفل عليه .
3. أدب الحياء وتربية الطفل عليه .
4. أهمية الوقت وتربية الطفل على الاستفادة منه .
5. أهمية اللعب وتربية الطفل على الاستفادة منه .
القسم الثاني : الطفل والطفولة في السنة النبوية :
الباب الأول : الطفل والهدي النبوي :
الفصل الأول : النبي - صلى الله عليه وسلم - والطفل .
الفصل الثاني : من حقوق الطفل في الحديث النبوي .
الفصل الثالث : صور من ألوان العناية النبوية بالطفل :
1. الأطفال الذكور .
2. الأطفال الإناث .
الفصل الرابع : الطفل ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الباب الثاني : أطفال حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
الفصل الأول : علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
الفصل الثاني : زيد بن حارثة - رضي الله عنه - .
الفصل الثالث : زيد بن أرقم - رضي الله عنه - .
الفصل الرابع : أنس بن مالك - رضي الله عنه - .
الفصل الخامس : زيد بن ثابت - رضي الله عنه - .
الفصل السادس : عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - .
الفصل السابع : عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - .
الفصل الثامن : فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
الفصل التاسع : أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنه - .
الباب الثالث : النبي القدوة في تربية الطفل وتعليمه :
الفصل الأول : من معاني التربية ومدلولاتها .
الفصل الثاني : أثر تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الفصل الثالث : بواكير تعليم الطفل في عصر النبوة .
الفصل الرابع : توجيهات نبوية في تربية الطفل .
الباب الرابع : تربية الطفل روحاً وسلوكاً في ضوء الإسلام :
الفصل الأول : مقومات تأديب الطفل .
الفصل الثاني : الأسرة وتربية الطفل المثالي .(2/196)
الفصل الثالث : نشأة الطفل من الألف إلى الياء ، ومن أسس تربية النشء تربية إسلامية :
1. غرس الإيمان بالله في نفس الطفل .
2. تعهد الطفل منذ نشأته الأولى .
3. تدريبه على محاسن الفضائل .
4. تربية الطفل على الصراحة والشجاعة في القول .
5. غرس حب الخير بنفس الطفل .
- ومن الأخطاء التي نمارسها في تربية أطفالنا ما يلي :
1. تجاهل مشاعر الطفل وعواطفه .
2. تخويف الطفل لينام .
3. ترك الحبل على الغارب للطفل دون مراقبة .
الفصل الرابع : الطفل بين السلوك والعمل .
الباب الخامس : السلف وعنايتهم بالطفل :
الفصل الأول : منهج السلف في تربية الطفل .
الفصل الثاني : صور من تربية السلف للطفل .
الفصل الثالث : السلف وحب الطفل .
الفصل الرابع : قبسات من طفولة المشاهير :
1. طفولة أسامة بن زيد - رضي الله عنه - .
2. طفولة عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - .
3. عمر بن عبد العزيز رحمه الله .
4. الإمام الشافعي رحمه الله .
5. الإمام النووي رحمه الله .
القسم الثالث : الطفل والطفولة في الأدب وفنونه :
الباب الأول : الطفل وأنداء اللغة والأدب .
الفصل الأول : الطفل في رحاب اللغة .
الفصل الثاني : الطفل وأدب النشأة .
الفصل الثالث : ميل الطفل إلى الأدب .
الباب الثاني : الطفل في همسات الرجال والنساء :
الفصل الأول : الطفل في أدب الرجال قديماً .
الفصل الثاني : الطفل في أدب الرجال حديثاً .
الفصل الثالث : همسات نسائية للطفل من الأدب القديم .
الفصل الرابع : همسات نسائية للطفل من الأدب الحديث .
الباب الثالث : الطفل والحياة الاجتماعية :
الفصل الأول : الطفل وأدب الحياة الاجتماعية عند الشعراء .
الفصل الثاني : الطفل وأدب الحياة الاجتماعية عند الشاعرات .
الباب الرابع : موضوعات أدب الطفل وأهميتها :
الفصل الأول : بناء أدب الطفل وأهمية تنوعه .
الفصل الثاني : الطفل والأدب الديني والحماسي .
الفصل الثالث : الطفل وأدب الحكاية .(2/197)
الفصل الرابع : الطفل وأدب التعلم والتعليم .
الفصل الخامس : الطفل وأدب الحوار .
الفصل السادس : الطفل وأدب الألغاز والأحاجي .
الفصل السابع : الطفل وأدب التلفزيون :
1. التلفزيون أداة مثيرة .
2. التلفزيون بين الإيجاب والسلب ، وتنقسم برامجه إلى قسمين رئيسيين هما :
أ برامج معدة للكبار وتخصهم وحدهم .
ب برامج تخص الصغار ومعدة لأجلهم .
3. التلفزيون والعلاقات الاجتماعية .
4. من أضرار التلفزيون :
أ يفسد التلفزيون تربية الطفل التي يتعب فيها المربي والأسرة زمناً طويلاً .
ب إعطاء الطفل صورة مضطربة وغير حقيقية عن الأطفال أو البالغين .
ت يتأثر الطفل بما يسمع من عبارات غير تربوية .
ث الأفلام الكرتونية جوانب سيئة .
ج تعطيل أفراد الأسرة الواحدة عن تبادل الأحاديث فيما بينهم .
ح تعلق الأطفال بالدعاية المصوغة في قالب غنائي مثير وجميل .
خ أفلام العنف تؤثر في مسلك الطفل .
5. التلفزيون وحياة الطفل الاجتماعية .
6. هل تحل مشكلة التلفزيون نهائياً ؟
7. هل يمكن التخلي عن التلفزيون نهائياً ؟
الباب الخامس : قطوف أدبية للطفل :
الفصل الأول : أناشيد وقصائد للطفل والطفولة .
الفصل الثاني : وصايا ونصائح للطفل .
الفصل الثالث : قصص وخواطر عن الطفل والطفولة .
1. جئتكم من عند خير الناس .
2. سخاء المسلمين وإيثارهم .
3. بطولة الأطفال المسلمين .
4. فزت ورب الكعبة .
5. ما عند الله خير .
المرجع : الطفل في ضوء القرآن والسنة والأدب – أحمد خليل جمعه – اليمامة .
ـــــــــــــــــ
الطُّولُونِيَّة (الطُّولونيُّون)(2/198)
أسرة حاكمة تولت حكم مصر فى الفترة بين سنتى 254هـ-868م ،292هـ-905م تنسب إلى مؤسسها الوالى التركى أحمد بن طولون نشأ ابن طولون فى سامراء (سُرّ من رأى) التى شيدها بالعراق الخليفة المعتصم بالله سنة 222هـ/836م ليقيم فيها جنوده وأتباعه من الأتراك لتحاشى التنافسن بينهم وبين أهل بغداد وقد أثرت هذه النشأة كثيرا فى حياة ابن طولون.
ونشأ مع استيلاء الأتراك على مقاليد السلطة فى سامراء نوع من الإقطاع الإدارى، بلغ أوجه فى زمن الخليفة المعتمد وشقيقه الموفق طلحة ، فقد تطلب تحقيق السيطرة على الجيش التركى الجديد كسبا لولاء أكثر قادته قوة، فعين كل واحد من هؤلاء القادة واليا على ولاية، وفضل بعضهم البقاء فى سامراء وإيفاد من ينوب عنه من صغار الضباط الموالين له مصحوبا ببعض قواته لإدارة الولاية وحمل عائدها إليه.
وتصادف أن منح الخليفة المعتز ولاية مصر إلى القائد التركى باكباك الذى عهد بها إلى غلامه أحمد بن طولون سنة 254هـ-868م وكان ابن طولون من الأتراك الطُغزغُز شابا طموحا فى الرابعة والثلاثين من عمره ، وكان مدركا تماما للصعوبات والمشاكل التى كانت تمر بها الخلافة العباسية فى العراق (الحركات الانفصالية فى الولايات الشرقية وبداية ثورة الزنج) ووجد فى ذلك فرصة مواتية لإعلان استقلاله بمصر بعد أن تخلص من منافسه القوى متولى الخراج أحمد بن المدبر الذى سيره إلى الشام.
وترجع أهمية الدولة الطولونية التى أسسها فى مصرأحمد بن طولون ، إلى أنه لأول مرة من خلالها تحاول مصر أن تكون ولاية مستقلة، ولكن طموحات ابن طولون لم تدفعه أبعد من تأسيس أسرة حاكمة تتوارث الحكم فى مصر وتعترف بالسيادة الاسمية للخلافة العباسية، فلم تكن لابن طولون أية أهداف استراتيجية مماثلة لتلك التى حملت الفاطميين بعد ذلك بقرن على تأسيس مدينة القاهرة.(2/199)
وعلى ذلك فإن دار الإمارة بمدينة العسكر، العاصمة العباسية، لم تعد تناسب طموحات الحاكم الجديد الذى أخذ يبحثه عن مقر جديد يجعله عاصمة لدولته فوقع اختياره على الفضاء الممتد شمال شرق العسكر عند سفح المقطم تحت الشرف الذى كانت تقوم عليه حينئذ قبة الهواء وحيث أقام صلاح الدين بعد ثلاثة قرون قلعة الجبل ،ليشيد مدينة "القطائع ".
إن تأسيس هذه المدينة وتطورها يذكرنا تماما بمدينة سامراء (سر من رأى) العراقية، فمثلما كان الحال فى سامراء قسمت المدينة فى مصر إلى عدد من القطع يسكن فيها عبيد ابن طولون وعساكره وغلمانه وجعلت كل قطيعة لطائفة، فكانت بمنزلة الحارات التى قسمت إليها القاهرة فيما بعد.
وقد بدأ ابن طولون فى عام 256هـ-870م ببناء "القصر" و "الميدان " الذى كان يضرب فيه بالصوالجة، وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله ،فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء جنوبا بعمارة الفسطاط ، وكانت مساحة القطائع ميلا فى ميل.(2/200)
كان موقع القصر الذى شيده ابن طولون هو الميدان السلطانى تحت قلعة الجبل فيما بعد، وكان "الميدان" فيما بين القصر والجامع الذى شهر باسم "جامح ابن طولون ". فهذا الجامع هو الأثر الذى خلد اسم ابن طولون والذى بقى وحده من مدينة القطائع بعد أن خربها جنود العباسيين سنة 229هـ-904م وفعل فيها الاهمال فعله ، وقد فرغ من بنائه وافتتح للصلاة فى رمضان سنة 526هـ-مايو879م. ويعد هذا الجامع أقدم جوامع مصر الإسلامية المحتفظة بتفاصيلها المعمارية وتخطيطها الأصلى، بنى على طراز جامع سامراء فى العراق مع مئذنته الفريدة، وأصبح تخطيطه هو النموذج الذى أثر فيما بعد فى تخطيط وبناء المساجد الجامعة فى مصر الإسلامية، حتى جامع المؤيد شيخ الذى بنى سنة 818هـ-1415م. كما أنه يعد نقطة تحول هامة فى تاريخ العمارة الإسلامية، لأنه بنى من مواد جديدة تماما وليس من أنقاض الكنائس والمعابد القديمة، حيث أستخدم فى بناء عقوده ودعائمه الآجر بدلا من استخدام الرخام حتى يتمكن من مقاومة الحريق.
عمل ابن طولون بعد استقرار أمره فى مصر على مد نفوذه إلى بلاد الشام ، فقد كان يعلم تماما أن أى خطر يمكن أن تتعرض له مصر لن يأتى إلا من الشام ، وأن السلطة المركزية فى العراق لو فكرت فى مناؤاته فستسلك إليه طريق الشام. ودفعه إلى ذلك أيضا حرصه على أن يقوم بدور بارز فى السياسة الإسلامية المعاصرة، فحصل ابن طولون على ولاية الثغور الشامية وأصبحت له بذلك صفة المدافع عن حدود الشام حامى دار الإسلام من الخطر البيزنطى.(2/201)
وبلغت الدولة الطولونية أوج عظمتها فى عهد خمارويه بن أحمد بن طولون وخليفته فى حكم مصر، الذى بلغ فى إضفاء مظاهر البذخ والأبهة على عاصمته ،وقد ترك لنا المقريزى فى الخطط ، وصفا تفصيليا للأعمال التى قام بها خمارويه ،والتى استغل فيها العائد الكبير الذى كانت تدره عليه مصر والذى كان هو المستفيد الوحيد منه.وإذا كانت فترة حكم خمارؤيه 270:282هـ-884:895م تمثل فترة ازدهار الدولة فإنها حملت فى طياتها عوامل تداعيها، فقد قادت النفقات الباهظة التى أنفقها خماروته -خاصة عند زفاف ابنته قطر الندى إلى الخليفة العباسى المعتمد- مالية الدولة إلى الإفلاس. وظهرت نتيجة ذلك فى أعقاب وفاته المفاجئة سنة 282هـ-895م فلم يخلف ولدا بالغا يخلفه فى حكم مصر، فكان الانهيار المالى وثورة الجنود عوامل أسهمت فى وضع نهاية للحكم الطولونى حيث أرسل العباسيون جيشا بقيادة محمد بن سليمان الكاتب سنة 292هـ-905م وضع نهاية لاستقلال الطولونيين وأعاد مصر ولاية عباسية من جديد.أ.د/أيمن فؤاد سيد
ـــــــــــــــــ
الظن
لغة: هو التردد الراجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم وجمعه ظنون وأظانين. وقد يوضع موضع العلم.
واصطلاحا: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ، ويستعمل فى اليقين والشك وقيل ، الظن أحد طرفى الشك بصفة الرجحان.
وقد ورد لفظ الظن بالمعنى السابق أكثر من ستين مرة، إضافة إلى ثمانى مرات بمعنى اليقين فى مثل قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون}البقرة:46 ، وكذلك فى قوله تعالى: {إنى ظننت أنى ملاق حسابيه}الحاقة:20.
استخدم لفظ الظن فى الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام بالمعنى الغالب فى آيات القرآن الكريم ومقابلا للعلم أو الحق طبقا لما ورد فى قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لايغنى من الحق شيئا}يونس:36.(2/202)
والظن درجة من درجات العلم الذى لا يصل إلى درجة اليقين. وقد قسم المفكرون المسلمون العلوم إلى علوم ظنية، وعلوم يقينية. فالعلوم الظنية: هى العلوم التى يحصلها الإنسان بإدراكاته الحسية والعقلية.
أما العلوم اليقينية فهى العلوم التى يأتى بها الوحى كما ورد فى قوله تعالى {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}الكهف:65.
أما فى الحديث الشريف فقد ورد هذا اللفظ عدة مرات معظمها بمعنى الظن أو الاعتقاد الراجح وبعضها الآخر يتضمن اليقين ، كما ورد فى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبى بكر وهما فى الغار: (ما ظنك بأثنين الله ثالثهما) (البخارى فى تفسير سورة التوبة). وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث القدسى: (أنا عند ظن عبدى بى إن خيرا فخير وإن شرا فشر) وفى رواية آخرى: (فليظن بى مايشاء) (البخارى فى التوحيد ومسلم فى التوبة). أما فيما يفيد الاعتقاد الراجح فى مقابل اليقين فقد ورد عن عروة بن الزبيرعن عائشة رضى الله عنها فى تفسيرقوله تعالى {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جأءهم نصرنا}يوسف:110 قالت عائشة: "كذبوا، قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت: أجل ،لعمرى لقد استيقنوا بذلك فقلت لها: وظنوا أنهم كذبوا، فقالت: معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها" (انظر البخارى فى تفسير سورة يوسف الآية 110).
وقد ورد الظن مرادفا للشك فى بعض الأحاديث النبوية الشريفة، فى مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن شك فى عدد الركعات التى صلاها: (...فشككت فى ثلاث أو أريع وأكبر ظنك على أربع تشهدت) (انظر سنن الدرامى باب الصلاة).(2/203)
وقد استخدم "الظن " للدلاله على أولى مراحل العلم فى إطار مايسمى بنظرية المعرفة الإسلامية، فتعرف مرحلة "الظن" بأنها تكون حينما تتعادل دلالات الإثبات مع دلالات النفى. أما المرحلة التى تلى مرحلة "الظن " فهى مرحلة "غلبة الظن " وتأتى هذه المرحلة بعد البحث والتمحيص فى أدلة النفى وأدلة الاثبات ، فترجح إحدى الكفتين دونما دليل قطعى يقينى فيبقى هناك مجال للنظر.
وفى الفقه تعتبر"مظنة" الحرج والمشقة الوصف المناسب الملائم للجمع بين الصلاتين عند المطر والسفر.
ويعبر بعض الفقهاء، كما يروى عن الإمام أبى حنيفة النعمان ، عن هذه المرحلة بالمقولة المشهورة عنه ، مذهبنا صحيح يحتمل الخطأ، ومذهب الآخر خطا يحتمل الصواب وتلى مرحلة غلبة الظن مرحلة تسمى مرحلة "التصديق "ويعتمد فيها على الثقة فى صدق القائل ثم تأتى مرحلة "الإيمان " الذى ينبنى على التصديق بالخبر على شرط الثقة ثم مرحلة "حق اليقين" وهو التصديق التام بالخبر عن طريق كمال الثقة فى مصدر الخبر، كما ورد فى قوله تعالى: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}الحاقة:49-52 ، وتلى هذه المرحلة مرحلة "علم اليقين " عندما يجتمع صدق مصدر الخبر مع القوة الاقناعية بالبراهين العقلية مثلما ورد فى قوله تعالى {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لوتعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين}التكاثر:3-7.
وتمثل الآية رقم 7 من سورة التكاثر {ثم لترونها عين اليقين}المرحلة القصوى من مراحل العلم حيث تجتمع كل شروط المراحل السابقة مع المشاهدة العينية لموضوع المعرفة.
أما فى علم الكلام فقد فصل القاضى عبدالجبار الحديث فى هذا الموضوع حيث قرر أن النظر العقلى لايولد الشك أو الظن ،وهو يفرق بين لفظى الشك والظن.
أ.د/السيد محمد الشاهد
ـــــــــــــــــ
العادات الشعبية(2/204)
لغة: العادات جمع عادة، والعادة: كل ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جهد، والعادة: الحالة تتكرر على نهج واحد(1).
والشعبية نسبة إلى شعب ، والشعب: الجماعة الكبيرة ترجع لأب واحد، وهو أوسع من القبيلة، والشعب: الجماعة من الناس تخضع لنظام اجتماعى واحد وتتكلم لسانا واحدا كما فى الوسيط (2).
واصطلاحا: يقصد بالعادات الشعبية أو السنن Folkways السلوك المكتسب الذى يشترك فيه أفراد شعب معين ، وهى معايير ذات قيمة اجتماعية، من شأنها أن تثير رد فعل فى المجتمع ، يتمثل فى الفزع والاستهجان والاستياء، الأمر الذى يبرر توقيع جزاءات على المخالف الذى يعتدى على حرمتها.
والعادات الشعبية يتلقنها الفرد من الآخرين بحسب المقتضيات والمناسبات الاجتماعية، ولذا فهى تختلف عن العادات الفردية التى يكتسبها الفرد وفقا لحاجته ،مما يعنى أنها لا تقوم الا كعلاقة اجتماعية، تعمل على الانسجام مع مثيلاتها ، نتيجة للتكرار الدائم لبعض الأفعال التى تصدر عن عدد كبير من أفراد المجتمع فى مواقف معينة فتبدو العادات الشعبية من ثم ذات صبغة جمعية تنمو تلقائيا، وتظهر بالتدريج حتى تتمكن من النفوس ، وتصبح أشبه بالدستور غير المكتوب الذى يتمتع بقوة الإلزام.
وهناك غير قليل من التداخل بين هذا المصطلح ومصطلحات العرف ، والعادة المستحدثة، والتقليد، وما إلى ذلك من الممارسات الاجتماعية التى لا تخضع إلى التقنين.
ولعل أهم ما يميز العادات الشعبية أنها تلب دورا هاما فى بقاء المجتمع الإنسانى واستمراره عن طريق تحديدها لأنماط الفعل وقواعد السلوك واللياقة، كما أنها كثيرا ما تقاوم العادات المستحدثة خاصة تلك التى تكون تعبيرا عن نزوات الساعة، إضافة إلى أنها مكملة للقانون وتمهد لظهوره ،وإن اختلفت عنه من حيث التلقائية فى الظهوروالسرعة فى الجزاء.(2/205)
ومع ذلك فلم يعد مصطلح العادات الشعبية مما يتوافق مع المجتمعات التى قطعت شوطا بعيدا فى التغير الاجتماعى والثقافى، ولكنها تلب دورا كبيرا فى تلك المجتمعات التى تتسم بالبساطة، وإن كان من المهم القول مع ذلك بأن هناك بعض هذه العادات التى تبدو منافعها وصلاحيتها، مما يلزم معه وضعها فى دائرة البحث للتعريف الأعمق بها وبإيجابياتها وسلبياتها؛ لما لها من أهمية فى تنظيم الحياة الاجتماعية، على اعتبار أن السنن هى آخر الأمرالمناهج العامة التى تتخذ كطريقة للمعيشة،مما يوجد ضميرا عاما يربط الجماعة بمقاييس واحدة فيما يجوز وما لا يجوز ، و هو ما يوجد فى النهاية ذلك الحياء الذى وصفه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأنه شعبة من الإيمان ، الذى من بين وظائفه توحيد العادات العامة، وإسباغ طريقة للحياة يمارسها الجميع بشكل واحد،،وهو ما يكسب الحياة الإسلامية قدرة خاصة على التحمل وعلى المقاومة، باعتبار أن توحد العادات يؤدى إلى توحد الفهم والقضاء على المنازعات ، نظرا لمعرفة الجميع مقدما بما يجب فعله فى مختلف المناسبات.
أ.د/محمود أبوزيد
ـــــــــــــــــ
العباسيون
العباسيون: هم أبناء عباس(1) بن عبدالمطلب القرشى الهاشمى، عم النبى - صلى الله عليه وسلم - وكافله بعد أخيه أبى طالب وصاحب السقاية والعمارة.(2/206)
ولد قبل النبى عليه الصلاة والسلام بسنتين ، ودخل فى دينه قبل هجرته إلى المدينة، وكان يكتم إسلامه بناء على توجيه منه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد شهد العقبة الثانية ليستوثق لابن أخيه من الأنصار، وشهد معه مشاهدكثيرة، منها: فتح مكة، وغروة حنين ،والطائف ، وغروة تبوك ، وعاش - صلى الله عليه وسلم - حتى شارك فى دفن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصلاة عليه ،وتوفى سنة اثنتين وثلاثين هجرية ستمائة واثنتين وخمسين ميلادية، وله من العمر ثمان وثمانون سنة، بعد أن أدرك خلافة الشيخين ، والشطر الأكبر من خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى صلى عليه وشارك فى دفنه.
والعباس (2) وإن كان أقرب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - من علىّ كرم الله وجهه ، فإنه لم يستشرف للخلافة ، لعدم توافر شرطها الأساسى فيه وهو السبق إلى الإسلام ، ووقف بجانب على رضى الله عنه يؤيده ويحضه على المطالبة بحقه ونسج على هذا المنوال نفسه أبناؤه العشرة من بعده ، وهم:
1- الفضل ، وبه كان يكنى.
2- عبدالله.
3- عبيدالله.
4- قثم.
5- عبدالرحمن.
6- معبد.
7- الحارث.
8- كثير.
9- عون.
10- تمام.
فأطاعوا عليا، وشاركوا فى حكومته ومعاركه التى دارت رحاها بينه وبين معاوية ابن أبى سفيان ، ولما مالت كفة الصراع إلى غير صالحه أخذوا يتوجهون إلى الأمويين ،ففارقه (3) عبدالله مستقيلا من البصرة، وفارق أخوه عبيدالله ولده الحسن ، وآوى إلى معاوية.
ولما تنازل الحسن رضى الله عنه عن الخلافة، ونزل أخوه الحسين على إرادته ، اعتقد العباسيون أن حقهم فيها قد سقط ، وأنهم وحدهم صاروا أصحاب هذا الحق ، فهادنوا الأمويين ونالوا جوائزهم ، وفى الوقت نفسه راحوا يعدون أنصارهم للدعوة إليهم وأخذه عنوة من الأمويين وكانوا ينتظرون ثلاث علامات (4)، إحداها: هلاك الطاغية يزيد بن معاوية، والثانية: مجىء العام المكمل للمائة، والثالثة: قتل يزيد ابن أبى مسلم وانتفاض البربر.(2/207)
ولما تم لهم ما أرادوا أخذوا فى الدعوة إلى أنفسهم وفق برنامج غاية فى الدقة والعمق ،فجعلوا للدعوة مراكز ثلاثة: الحميمة، وفيها يقيم الإمام ، والكوفة، وفيها يقيم نائبه الأول على العراق ، وخراسان ، وفيها يقيم نائبه الثانى وأتباعه من الدعاة والنقباء،وكان الاتصال بين هذه المراكز مرتبا ترتيبا دقيقا ، إذ تخرج التوجيهات من الإمام فى الحميمة إلى نائبه فى الكوفة، ومنه إلى نائبه الثانى فى خراسان ، ولكى لا يخفى على الإمام شىء من أخبار الدعوة وأسرارها فإنه كان يلتقى فى موسم الحج من كل عام بنائبيه فى العراق وخراسان والدعاة السبعين ونقبائهم الاثنى عشر، الذين كان ثمانية منهم من العرب وأربعة من الموالى.
كانت الدعوة فى بدايتها للرضا من أهل البيت ، وذلك حتى لا يشغب أبناء فاطمة على العباسيين ويجهضوا دعوتهم قبل أن تبلغ الهدف وتدرك الغاية.
تبقى المراحل التى عبرتها الدعوة حتى أتت أكلها وهى المرحلة السرية: وكانت أطولها فقد بدأت سنة مائة وانتهت سنة مائة وتسع وعشرين.
أما المراحل الخمس الأخرى هى:
1- الجهرية.
2- المواجهة المسلحة.
3- الفتح.
4- قيام الدولة.
5- الانتقام.
وقد مرت عبرثلاث سنين ما خلا مرحلة الانتقام فقد استغرقت خلافة السفاح ،وهو أول من بويع له بالخلافة من بنى العباس.
وقد حكمت الخلافة العباسية العالم الإسلامى من سنة مائة واثنتين وثلاثين هجرية سبعمائة وتسع وأربعين ميلادية إلى سنة ستمائة وثمان وخمسين هجرية الف ومائتين وستين ميلادية.
حيث سقطت على أيدى المغول ، الذين خربوا بغداد، وألقوا ما فى مكتباتها فى دجلة، وحرموا العالم من تراث علمى وفنى، لو أنه بقى لغير وجه الدنيا، وعدل مسار التايخ.(2/208)
والذى يستعرض إنجازات هذه الخلافة يلاحظ أنها رفعت صرح الحضارة الإسلامية، ونشرت أضواءها شرقا وغربا، ففيها ترجمت إلى العربية ما تفتقت عنه العقول البشرية من الآداب ، والعلوم ، والفنون ،وفيها ازدهرت النهضة الفقهية والمذهبية التى لم ير العالم لها نظيرا من قبل ولا من بعد.
وبعد، فهؤلاء هم العباسيون وهذه هى دولتهم التى رعت الحضارة، ورفعت ألوية المدنية، وأخرجت العالم كله من ظلام الجهل إلى نور العلم.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
ـــــــــــــــــ
العثمانيون
العثمانيون نسبة إلى عثمان مؤسس دولتهم التى حكمها 36 سلطانا واستمرت 624 سنة ونيفا ينتسبون إلى قايى من قبائل الغز، ثم شاعت صفة عثمانى على كل مواطن ينتمى إلى دولتهم العثمانية بصرف النظر عن دينه وثقافته وعرقه كونوا إمارة ثغر تابعة لدولة سلاجقة الروم فى الأناضول على حدودها مع الدولة البيزنطية ثم استقل أميرها عثمان عام 699هـ-1299م وأسس إمارته على العلم والفتوحات. وفى عهده برز الشاعر عاشق باشا أول شعراء العثمانيين.
ثم توسع عثمان بالغرو والجهاد على حساب البيزنطيين ، ولما مات خلفه ابنه أورخان الذى اتخذ من مدينة بورصة عاصمة سياسية وثقافية. واتبع أورخان سياسة أبيه فى نشر العلم وفى الفتح ، ووصل إلى مضيق الدردنيل. ومن أبرز شعراء عصره سليمان جلبى صاحب قصيدة المولد.
وتولى مراد بن أورخان الإمارة العثمانية والتى تمتد بين الأناضول والبلقان ، وفى عهده تأسست فرقة الإنكشارية أول جيش نظامى فى العالم ، وفتحت أدرنة من أكبر المدن البيزنطية 764هـ-1362م، وظلت عاصمة للعثمانيين حتى عام 857هـ-1453م وأنجب عصره الشاعر نسيمى الذى نشأ فى العراق العثمانى، ونظم بالتركية فى لهجتها الآذرية. وانتصر مراد على تحالف القوى الأوربية ضده فى معركة قوصوه (كوسوفا) إلا أنه استشهد عقبها.(2/209)
وفى عهد ابنه بايزيد الصاعقة انتهى عهد الإمارة لتتحول رسميا إلى سلطنة الخليفة العباسى فى القاهرة بتنصيبه بايزيد سلطانا على الروم إلا أن هزيمته أمام تيمور لنك فى موقعة أنقرة 805هـ-1402م تسببت فى تفرق الدولة مدة إحدى عشر عاما، بعدها لم ابنه السلطان محمد الأول شمل الدولة من جديد. وهو الذى اعتنى بالتوحيد السياسى وبالمعرفة وظهر فى عهده شيخى الشاعر المجدد صاحب خرنامة آما ثم جاء السلطان مراد الثانى وبعده محمد الثانى الذى لقب بالفاتح لفتحه القسطنطينية (استانبول) عام 857هـ-1453م واتخاذها عاصمة. وبه انتهى رسميا وجود الدولة البيزنطية وبدأ عهد الدولة الحديثة فى أوربا. وبه أيضا بدأ التاربخ الحديث.
واشتهرالفأتح كقائد عسكرى وشاعر وأديب وراع للفنون والأدب ، فبالإضافة إليه نفسه كشاعر صاحب ديوان نجد فى عهده العالم آق شمس الدين ، الذى عرف الميكروب وكتب عن السرطان ، والشاعر أحمد باشا وكذلك سنان باشا رائد النثر التركى العثمانى، والشاعرتين مهرى خاتون وزينب خاتون. وإذا كان الأمير عثمان المؤسس مات عن إمارة تبلغ 800 كم2 فقد توفى الفاتح عن دولة 2.000.000كم2 أى مدى 154 سنة فقط بين الاثنين.(2/210)
وإذا كانت الفتوحات العثمانية قد توقفت فى عهد بايزيد الثانى ابن الفاتح إلا أن سليم الأول الذى كان شاعرا فى لغته العثمانية وله ديوان بالفارسية وظهر فى عهده العالم اللغوى الفقيه المؤرخ ابن كمال ، أعاد سليم حركة الفتوحات مرة أخرى بضمه مصر والبلاد العربية إلى الدولة. وبسليم تحولت الدولة من سلطنة إلى سلطنة وخلافة استمرت حتى عام 1342هـ-1923م تخللها الذروة التى وصلت فيها الدولة على عهد سليمان القانونى عصرها الذهبى من حيث توسع الدولة وسيطرتها على أوربا ، ومن حيث الثقافة والفنون والأدب ، فالقانونى نفسه كان أول شعراء عصره الذى أنجب فضولى أمير الشعر التركى القديم ، ولامعى الشاعر، وخيرالدين باريماروس القائد البحرى، وبيرى رئيس العالم صاحب كتاب البحرية، والمعمار سنان بانى جامع السليمانية فى أدرنة قمة الفن الإسلامى المعمارى، والذى استخدم قبة الجامع التى لا تستند على أعمدة وإنما على أنصاف قباب ، ثم أرباع قباب ، ثم الجدار وفى ذلك توسعه لمساحة الجامع.
وفى عهد سليمان قضى على نشاط فرسان القديس يوحنا بعد الفتح العثمانى لجزيرة رودوس أما هو نفسه فقد قاد 13 حملة عسكرية بدات بفتح بلغراد وانتهت بحصار قلعة سيكتوار عام 974هـ-1566م والذى مات عن 73 سنة وهو على فرسه يحاصرها، تاركا لابنه سليم الثانى دولة بلغت مساحتها 13.000.000 كم2.(2/211)
وبعد قرن كامل من الوصول إلى الذروة حكم خلاله عدة سلاطين أبرزهم سليم الثانى، ومراد الثالث ،الذى ظهر فى عهده المورخ خوجه سعد الدين ، صاحب كتاب تاج التواريخ وأول المؤرخين الرسميين ، فتح فيه العثمانيون روسيا ووصلوا إلى مشارف موسكو لكنهم فشلوا فى حصار مدينة فيينا وعندها سقطت عنهم صفة "المنتصرون دائما"، بدأت فترة التوقف التى بدأ فيها العثمانيون فقد أراضيهم لصالح الأوربيين مثل المجر وترانسلفانيا ، بموجب معاهدة كارلو فجه فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، أما فى معاهدة كوجوك قاينارجه بعد ذلك فقد بات واضحا هزيمة العثمانيين أمام روسيا فبدات فترة الانهيار مما جعل الدولة تبدأ مرحلة التجديد لاستعادة القوة، وهى التى بدأت بعبد الحميد الأول ، وبرزت فى عهد سليم الثالث صاحب "النظام الجديد" نظرا لإحلاله النظم الأوربية الحديثة محل العثمانية القديمة فى الجيش والإدارة ومظاهر الحياة، مما أثار عليه جنود الإنكشارية فعزلوه وقتلوه.
نشطت الحركة الثقافية فى عهده وترجم عاصم ، قاموس برهان قاطع من الفارسية.(2/212)
ومن علماء عصره خوجه إسحق عالم الهندسة، ومصطفى بهجت عالم الطب جاء بعد محمود الثانى الذى هيأ الدولة لتجديد أوسع على النمط الأوربى مثلما فعل واليه على مصر محمد على باشا،مما سهل على ابنه عبد المجيد إعلان "التنظيمات" رسميا وذلك يعنى إعادة تنظيم شئون الدولة العثمانية على أسس أوربية وجعل الفرنسية لغة الثقافة تولى بعده مراد الخامس ثم عبد الحميد الثانى الذى تولى والدولة فى غاية ضعفها، مما أطمع فيها دول أوربا وبضغط من النخبة الحاكمة كرجال دولة والمثقفة على أسس غربية أعلن قيام النظام النيابى،"مجلس المبعوثان"، إلا أن هذه النخبة دفعت الدولة إلى الحرب العثمانية الروسية رغما عن إرادة السلطان وبنكبة هذه الحرب ألغى السلطان العمل بالنظام النيابى واهتم بالشئون الثقافية والدينية والعلمية طوال عهده 33 عاما وصلت فيه الثقافة والفنون والنظم التعليمية إلى درجة عالية وظهر فى عهده أساطين الأدب والفكر والفن منهم:
نامق كمال ، أول دعاة الجامعة الإسلامية، وضيا باشا ، وعبدالحق حامد وتوفيق فكرت لكن الجيش بقيادة حزب الاتحاد والترقى أجبر السلطان عبدالحميد على ترك العرش عام 1327هـ-1909م ليحل محله السلطان محمد رشاد بتوجيه الاتحادين الذين أدخلوا الدولة فى حرب البلقان وإيطاليا ثم بمغامرة عسكرية منهم دون علم السلطان والصدر الأعظم أشركوا الدولة فى الحرب العالمية الأولى التى خرجت منها منهارة وقامت على أنقاضها دولة تركيا فى 29 أكتوبر 1342هـ-1923م.
أ.د/محمد حرب
ـــــــــــــــــ
العرف
لغة: المعروف وهو خلاف النكر، والعرف: ما تعارف عليه الناس فى عاداتهم ومعاملاتهم(1).
واصطلاحا(3): هو ما اعتاده الناس وساروا عليه من فعل شاع بينهم ، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لم يوضع له فى اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماع ذلك اللفظ.
فالعرف: ما يعرفه كل أحد، والعادة: ما يتكرر معاودتها مرة بعد أخرى.(2/213)
والعرف من الأدلة الشرعية عند الفقهاء، وإليه يحتكم فى كثير من أحكام الفقه الفرعية، وخاصة فى أحكام الأيمان والنذور، والطلاق(3).
والعرف منه عملى وقولى(4) فالعرف العملى، قيل: اعتياد الناس بيع المعاطاة من غير وجود صيغة لفظية، وتعارفهم على قسمة المهر فى الزواج إلى مقدم ومؤخر، وتعارفهم على أكل القمح ولحم الضأن.
والعرف القولى، مثل: تعارف الناس إطلاق لفظ "الولد" على الذكر دون الأنثى مع أنه فى الاستعمال اللغوى يطلق عليهما معا، وكذلك تعارفهم على عدم إطلاق لفظ "اللحم" على السمك.
وهناك فرق بين العرف والإجماع(5). إذ الاجماع هو اتفاق مجتهدى الأمة فى أى عصر، وأما العرف فما يعتاده أكثر الناس من العوام والخواص ، فلا يشترط فيه الاتفاق ويكون فيه حظ للعوام أيضا بخلاف الإجماع.
والعرف سواء أكان قوليا أم عمليا نوعان(6): عرف عام وعرف خاص ، فالأول: ما تعارفه غالبية أهل البلدان فى وقت من الأوقات ، مثل: تعارفهم عقد الاستصناع واستعمال لفظ الحرام بمعنى الطلاق لإزالة عقد الزواج.
والثانى وهو العرف الخاص: هو ما يتعارفه أهل بلدة أو إقليم أو طائفة معينة من الناس ، كإطلاق الدابة فى عرف أهل العراق على الفرس ، وجعل دفاتر التجار حجة فى إثبات الديون.
وينقسم ثانيا إلى عرف صحيح وعرف فاسد، فالأول: ما تعارفه الناس دون أن يحرم حلالا أو يحل حراما كتعارفهم تقديم عربون فى عقد الاستصناع ، والثانى ما تعارفه الناس ولكنه يحل حراما أو يحرم حلالا كتعارفهم أكل الربا ، واختلاط الناس بعضهم ببعض رجالا ونساء فى الحفلات والأندية العامة.
والأصل فى اعتبار العرف قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}الأعراف:199.
وقول ابن مسعود: إما راه المسلمون حسنا فهو عندالله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ)(7).أ.د/على جمعه محمد
ـــــــــــــــــ
العزة
- تمهيد :
? أسباب اختيار الموضوع :(2/214)
1- عدم وجود بحث متكامل في هذا الموضوع .
2- حتى يبين للناس مفهوم العزة وأنها ليست للذات .
3- حتى يعلم الناس بأن ما معهم هو الخير .
4- أن العبد إذا رزق العزة رزق الاستعلاء على ركام الأرض .
5- أن العزة تعتبر صمام أمان للمجتمع من الشرور والأخطار .
? تعريف العزة :
أ - لغة : القوة والشدة والغلبة وهي خلاف الذل .
ب - اصطلاحاً : ارتباط بالله تعالى وارتفاع بالنفس عن مواضع المهانة والتحرر من رق الأهواء .
? العزة لا بد أن يجتمع فيها الأمور الآتية :
1. القوة حتى لا يغلب – القوة الإيمانية والجسدية والعلمية - .
2. القناعة حتى يستغني بها عن الناس .
3. أن يمده الله بنصره وقوته .
4. أن يسير على وفق ما أراده الله .
? معاني العزة في كلام العرب :
1. الغلبة والقهر .
2. الشدة والقوة .
3. نفاسة القدر .
? معاني العزة في القرآن :
1. العظمة .
2. المنعة .
3. الحمية .
- أقسام العزة :
أ- عزة شرعية :
ب- عزة غير شرعية :
- صور من العزة غير الشرعية :
1. الاعتزاز بالكفار من يهود ونصارى ومنافقين وعلمانيين وحداثيين وغيرهم .
2. الاعتزاز بالآباء والأجداد .
3. الاعتزاز بالقبيلة والرهط .
4. الاعتزاز بالكثرة سواء كان بالمال أو بالعدد .
5. الاعتزاز بالجاه أو المنصب .
6. الاعتزاز عند النصح والإرشاد .
7. الاعتزاز بجمال الثياب .
8. الاعتزاز بالأصنام والأوثان .
- مصادر العزة : مصدر واحد وهو الله جل جلاله .
- أسباب العزة :
1. الإيمان بالله تعالى وطاعته .
2. الإيمان باليوم الآخر .
3. الإيمان بالملائكة .
4. الإيمان بالرسل والانتماء إليهم .
5. الجهاد في سبيل الله .
6. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
7. التواضع .
8. العلم .
9. العفو عن الناس مع المقدرة .
10. اليقين بأن المستقبل لهذا الدين .
- مواقف وأحداث في طريق العزة :
1. إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
2. أسامة بن زيد مع حكيم بن حزام .(2/215)
3. عمر بن الخطاب مع أبي عبيدة رضي الله عنهما .
4. ربعي بن عامر وحذيفة بن محصن والمغيرة بن شعبة مع رستم .
5. الغلام المؤمن .
6. عبد الله بن حذافة السهمي .
7. حماد بن سلمة بن محمد بن سليمان .
8. سعيد بن المسيب مع عبد الملك بن مروان .
9. مالك بن أنس مع هارون الرشيد .
10. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب مع المهدي .
11. طاووس مع هشام بن عبد الملك .
12. سالم بن عبد الله مع هشام بن عبد الملك .
13. الإمام البخاري مع أمير بخارى .
14. الشيخ عبد الحميد الجزائري والمندوب السامي .
15. الشيخ حسن العدوي أمام السلطان السامي .
16. أحد علماء الأزهر والسلطان عبد العزيز .
17. الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي مع خورشيد .
المرجع: العزة – محمد الهبدان – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
العزلة
هي آفة يصاب بها بعض العاملين في الدعوة، وعليهم أن يعملوا جاهدين على التطهر منها.
أولاً : معنى العزلة أو التفرد :
- لغة : العزلة أو التفرد في اللغة تعنى الابتعاد أو التنحي جانباً.
- اصطلاحاً : أما في اصطلاح الدعاة فيراد بها إيثار حياة التفرد على حياة الجماعة، وذلك بأن يكتفي العامل بإقامة الإسلام في نفسه، غير مبال بالآخرين، وبما هم فيه من ضياع وهلكة، أو أن يقيم الإسلام في نفسه، ويسعى جاهداً لإقامته في الناس، ولكن بجهود فردية بعيدة عن التعاون والتآزر من بقية العاملين في الميدان.
ثانياً : أسباب العزلة أو التفرد :
هناك أسباب تؤدى إلى هذه العزلة أو التفرد نذكر منها :
1- الوقوف عند بعض النصوص الشرعية المرغبة في العزلة، مع الغفلة عن موقعها من النصوص الأخرى الداعية إلى حياة الجماعة:
- جاءت بعض النصوص الشرعية مادحة للعزلة، ومرغبة فيها كقوله - صلى الله عليه وسلم - :( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) أخرجه البخاري.(2/216)
- وكإجابته - صلى الله عليه وسلم - للذي سأل : أي الناس أفضل ؟ قائلاً :( رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه ، قال : ثم من ؟ قال : مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ربه ويدع الناس من شره ) أخرجه مسلم.
- وكقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حذيفة بن اليمان :(.. فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك ) أخرجه البخاري.
- كذلك جاءت بعض النصوص الشرعية الأخرى داعية إلى السير تحت لواء الجماعة، والعيش في كنفها كقوله تعالى :{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } المائدة2.
- وقال تعالى :{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } آل عمران103.
- وكقوله - صلى الله عليه وسلم - :( ... إياكم و الفرقة، وعليكم بالجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ) .
- والعامل الذي يقف عند النصوص الأولي المرغبة في العزلة ناسياً أو متناسياً صلتها بالنصوص الأخرى الداعية إلى مخاطبة الجماعة، والعيش في رحابها ، يبتلى أو يصاب لا محالة بآفة العزلة أو التفرد.
2- الوقوف عند ظاهرة العزلة التي أثرت عن بعض السلف مع الغفلة عن الظروف التي دعت إلى ذلك :
- قد يكون الحامل على العزلة ما أثر عن بعض السلف : أنهم آثروا العزلة على مخالطة الجماعة، ومعايشتها ، فها هو نبي الله إبراهيم- عليه السلام - يقول لقومه كما حكى القرآن الكريم قال تعالى : {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً} مريم48 .
- وقد كان الحامل له على ذلك استنفاذ وسائل التغيير والإصلاح ، ثم إصرار قومه على الكفر، الأمر الذي خشي معه الفتنة في الدين، ففر منهم واعتزلهم.(2/217)
- وها هو أبو ذر، وابن عمر، ومعهما جمع من الصحابة يعتزلون جماعة المسلمين، ويعيشون وحدهم لما وقعت الفتنة، وقد كان الباعث لهم على ذلك، صيانة أيديهم أن تغمس في دماء زاكية، طهرها الله - عز وجل - ولا يعرف : من المصيب ومن غير المصيب.
- وهذا هو الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ، يقضى أخريات أيام حياته في عزلة بعيداً عن الناس ، وقد كان عذره، تجنب مصادمة السلطات حقناً لدماء المسلمين.
- وإن العامل الذي يقرأ عن هذه العزلة، التي عاشها هؤلاء وينسى ظروفها وملابساتها يتولد في نفسه معنى الإقتداء و التأسي، أو على الأقل المحاكاة والتشبه، فيلجأ إلى حياة العزلة، بعيداً عن جو الجماعة حتى وإن لم يكن لهذه العزلة ما يبررها وما يدعو إليها .
3- الظن أن حياة الجماعة تلغي دائماً ذاتية المنتمى إليها، وتؤثر على شخصيته مع الغفلة عن منهج الإسلام في التوفيق بين الفردية والجماعة :
- وقد يكون الحامل على العزلة ظن بعض العاملين أنه يعيش مع الجماعة وانتمائه إليها يلغى ذاتيته، وتذوب شخصيته فيبقى إمعة، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء، مع الغفلة عن منهج الإسلام في التوفيق بين الفردية والجماعية، إذ يقول هذا المنهج على دعوة الفرد إلى أن يعيش في كنف الجماعة، ويستظل بظلها على النحو الذي قدمنا في الوقت الذي يؤكد فيه أنه مسئول مسئولية كاملة عن كل تصرف يقع منه قال تعالى :{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }الأنعام164، وقال تعالى :{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38.(2/218)
- وأن عليه أن يبذل النصيحة بشروطها وآدابها لكل واحد في الجماعة مهما علا كعبه، ومهما عظمت مكانته، قال - صلى الله عليه وسلم - ( الدين النصيحة قلنا لمن ؟قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) أخرجه أبو داود. وقال - صلى الله عليه وسلم - ( المؤمن مرآة أخيه و المؤمن أخو المؤمن يكف عن ضيعته ويحوطه من ورائه ) وفي رواية :( المؤمن مرآة أخيه إن رأي فيه عيباً قومه ).
- ولقد عاش الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعاش المسلمون بعضهم مع بعض فما رأينا فرداً ذابت شخصيته أو تلاشت فرديته في الجماعة وإنما رأينا النصيحة والشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما قول بعضهم لعمر :( لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا ) عنا ببعيد .
- بهذه الدعوة ينشأ ويبنى في نفس المسلم كيان داخلي متميز واضح المعالم والحدود، وتبقى أعصابه صاحية منتبهة لكل ما يمسه، ولو من بعيد.
4- الغفلة عن طبيعة تكاليف مخالطة الجماعة والعيش بين الناس :
- قد يكون الحامل على العزلة الغفلة عن طبيعة تكاليف مخالطة الجماعة والعيش بين الناس، إذ أن طبيعة هذه التكاليف، أنها كثيرة ضخمة، تستوعب حياة الإنسان من أول يوم إلى آخر يوم، وقد لا تنتهي، وغالباً ما تكون على خلاف ما تهوى الأنفس، وما لم يكن العامل منتبهاً إلى ذلك، فإنه يهمل نفسه من التزكية والتربية، و المجاهدة وتسيطر عليه الأهواء و الشهوات وبمرور الأيام يضعف ويعجز عن القيام بهذه التكاليف، وحينئذٍ يبحث عن مخرج أو ملجأ فلا يجد سوى العزلة أو التفرد.
5- التذرع بأن مخالطة الناس تشغل عن التفرغ للعبادة مع الغفلة عن المفهوم الصحيح للعبادة :(2/219)
- قد يكون الحامل على العزلة التذرع بأن مخالطة الناس تشغل عن التفرغ للعبادة من صلاة إلى صيام إلى قراءة القرآن إلى ذكر إلى دعاء، إلى استغفار إلى تفكر .... الخ مع الغفلة عن المفهوم الصحيح للعبادة، إذ المفهوم الصحيح للعبادة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -( أنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من القوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج عبادة، والدعاء والاستغفار و الذكر وتلاوة القرآن عبادة، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام عبادة والوفاء بالعهود عبادة والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين عبادة، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والخادم والرحمة بالضعيف والرفق بالحيوان عبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه والرضا بقضائه والتوكل عليه و الرجاء في رحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك كله عبادة).
- مخالطة الناس لا تمنع أن يكون للمسلم أوقات يخلو فيها بنفسه ليؤدى واجباً، أو يتقرب إلى الله بنفل أو يحفظ علماً، أو يحقق مسألة ، أو يتلو قرآناً ، أو يذكر ويتفكر، أو يحاسب نفسه، وذلك هو معنى قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه :( خذوا حظكم من العزلة ).
- أن غياب المفهوم الصحيح للعبادة عن بال المسلم العامل ، وحصره العبادة في دائرة الشعائر التعبدية، متوهماً أن حياة الجماعة تحول بينه وبين التفرغ الكامل لأداء هذه الشعائر، كل هذا يوقع لا محالة في آفة العزلة أو التفرد .
6- الاعتذار بانتشار الشر والفساد مع الغفلة عن دور المسلم حين ينتشر الشر و الفساد :(2/220)
- قد يكون الحامل على العزلة الاعتذار بانتشار الشر و الفساد مع الغفلة عن دور المسلم حين ينتشر الشر والفساد، إذ أن دور المسلم في هذه الحال أن ينشط للمقاومة بكل الأساليب المتاحة، والوسائل الممكنة ولا يلجأ إلى العزلة إلا عند تمكن الداء وعجز الوسائل وخوف الفتنة.
- إذا ما غفل المسلم العامل عن حقيقة هذا الدور فإنه يفر لأول وهلة إلى العزلة أو التفرد، وتتحول الأرض إلى بؤرة من الشر و الفساد، قال تعالى : { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} البقرة251 .
- وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( مثل القائم على حدود الله و الواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ) أخرجه البخاري.
7- الاطلاع على صور من المحن والشدائد ابتلى ويبتلى بها العاملون لدين الله على مدار التاريخ، مع الغفلة عن موقف هؤلاء العاملين.
- وقد يكون الحامل على العزلة الاطلاع على صور من المحن والشدائد ابتلى ويبتلى بها العاملون لدين الله على مدار التاريخ ، مع الغفلة عن موقف هؤلاء العاملين من هذه الصور، إذ أن موقف هؤلاء إنما كان اليقين التام بأن الابتلاء سنة من سنن الله في الدعوات، ثم الاعتراف بالتقصير واللجوء إلى الله أن يثبت أقدامهم على الطريق، وأن ينصرهم وقد قبل الله منهم فثبتهم ونصرهم.(2/221)
- قال تعالى :{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } * {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }* {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران146-148.
- نعم إن العامل إذا اطلع على هذه الصور ، وكان في غفلة عن موقف أولئك الممتحنين يسيطر عليه الخوف و الهلع، ويحاول أن يجد مخرجاً، وحينئذٍ تسول له نفسه، ويزين له الشيطان أن المخرج إنما يكون في العزلة أو التفرد فيركن إلى ذلك .
8- صحبتة نفر من المسلمين منهجهم العزلة، وسيرتهم التفرد :
- قد يكون الحامل على العزلة صحبته نفر من المسلمين منهجهم العزلة، وسيرتهم التفرد نظراً لأن المرء شديد التأثر بقرينه، لاسيما إذا كان هذا القرين ذا شخصية مؤثرة وممن يقتدي أو يتأسى به.
9- تعدد الهيئات والجماعات العاملة لدين الله :
- قد يؤدى تعدد الهيئات و الجماعات العاملة لدين الله إلى أن يقع المسلم العامل في حيرة من أمره، مع أي من هذه الهيئات وتلك الجماعات يعمل، وعن أي منها يبتعد ؟ وتنتهي به هذه الحيرة إلى العزلة أو التفرد، لاسيما إذا لم يكن يعرف حقيقة هذه الهيئات وتلك الجماعات وموقفه منها، غير أن حقيقة هذه الهيئات وتلك الجماعات وإن كانت على خير غير أن هذا الخير متفاوت، فمنها ما هو على جزء يسير من الخير، ومنها ما هو على كثير من الخير، وأن موقفه منها يفرض عليه أن يتعرف عليها :( أهدافاً ووسائل ، ثم يسير مع من كانت على الخير كله ).(2/222)
- بأن يكون هدفها تطبيق شرع الله ، ومنهجه في الأرض قال تعالى :{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} الأنعام57. وأن تقصد بكل ما يصدر عنها من أقوال وأفعال وجه الله قال تعالى :{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162. وأن تخلع كل ولاء إلا ولاء الله ورسوله، والمؤمنين المتمسكين بهدى الله قال تعالى :{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}المائدة55. وأن تفهم الإسلام فهماً وسطاً دون غلو أو تشدد ودون تفريط أو إسراف ثم تعمل به كله من السواك إلى الجهاد قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة208.
- وأن تعمل ابتداء على إيجاد الشخصية المسلمة الجامعة لكل خصال الخير، المتأبية على كل خصال الشر المستأهلة لعون الله وتأييده نصره قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}الرعد11.
- وأن تتوسع في تحقيق هذه الشخصية المسلمة بحيث تنتشر وتعم المجتمع كله، بل العالم كله.
- وأن تجتهد في الربط بين هذه الشخصيات المسلمة بحيث تصدر عن رأي واحد وتصير فكراً واحداً وقلباً واحداً وروحاً واحدة ومشاعر واحدة وإن تعددت الأجساد.
- وأن تنطلق من ترتيب واع دقيق مبنى على دراسة وفهم الواقع باستمرار ثم التعامل معه بناء على هذه الدراسة، وهذا الفهم.(2/223)
- وأن تراعى الأولويات في العمل بحيث إذا أصيبت بضيق ذات اليد وقصرت بها إمكانياتها ووسائلها قدمت بعض الأصول على بعض، بل والأصول على الفروع، و الفرائض على النوافل، والمجمع عليه على المختلف فيه، كما صنع - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سعى إلى تحطيم الأصنام الموجودة بداخل النفس البشرية قبل تحطيم الأصنام التي كانت في جوف الكعبة وعلى سطحها.
- وألا تتساهل أو تتهاون في الأصول المجمع عليها، مع التماس الأعذار في الفروع المختلف فيها وبذلك تفتح الباب للتعاون مع جميع العاملين.
- وأن يكون لها منهاج واضح الأركان، محدد المعالم، يأخذ بيد الفرد من طور إلى طور، ومن مرحلة إلى مرحلة، فيشبع تطلعاته، ويجيب على تساؤلاته ويرفع من مستواه.
- وأن يكون قد ظهر ثباتها أو صبرها على مشاق ومتاعب الطريق فصمدت أمام الإرهاب، واستعلت على المحن والشدائد وبذلك استحقت أن تكون إماماً ورائداً لباقي العاملين.
- وأن تكون قد قطعت شوطاً طويلاً في العمل، بحيث صارت ذات دراية وخبرة بالطريق، وبهذا توفر على من يسير معها جهداً ووقتاً ومالاً.
- وأن يكون دأبها التأني، و التروي، وعدم الاستعجال قال تعالى :{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ }الأحقاف35 .
- وأن يكون معها من يوجهها ويرشدها بحيث يرتب العمل وتوضع الأمور في نصابها.
- وأن ينزل جميع أبنائها على رأي من يوجههم مادام في المعروف.
- وأن يكون هناك التناصح بشروطه وآدابه، وقبول هذا التناصح و الرضا به.
- وأن تكون هناك الدقة والأمانة في اختيار العاملين ليقطع الطريق على المتربصين.
- وأن يكون هناك الاتباع لا الابتداع.
10- الغفلة عن الآثار المترتبة على العزلة سواء منها ما يتصل بالعاملين أو بالعمل الإسلامي.
ثالثاً : آثار العزلة أو التفرد :(2/224)
هذا وللعزلة أو التفرد آثار ضارة، وعواقب سيئة، سواء على العاملين، أو على العمل الإسلامي ودونك هذه الآثار :
آثار العزلة أو التفرد على العاملين :
1) جهلهم بأبعاد ومعالم شخصيتهم :
- ذلك أن الإنسان - مهما يكن ذكاؤه، ومهما تكن فطنته - لا يمكنه وحده أن يعرف أبعاد ومعالم شخصيته معرفة دقيقة، بل لابد من آخرين يعينونه على ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يستطيع الإنسان أن يكتشف ما في شخصيته من أثرة وأنانية أو إيثار، وتعاون، إلا إذا عاش بين الناس وخالطهم، ورأي أصحاب الحاجات منهم، ثم تأمل في نفسه، هل تقسو وتجمد، فتشح وتبخل؟ وحينئذٍ تكون الثرة والأنانية، أو ترق وتلين فتجود وتعطى؟ وحينئذٍ يكون الإيثار والتعاون.
- وكذلك لا يمكنه أن يقف على ما في شخصيته من حلم وأناة، أو حمق وعجلة، إلا إذا خالط الناس وصادف طبقات من غير أولى الكياسة، ونظر : هل يقابل خشونة ألسنتهم باللين، وغلظة قلوبهم بالرفق؟ وهنا يكون الحلم والأناة، أو يقابلها بمثلها أو أشد؟ وهنا يكون الحمق و العجلة.
- وأيضاً لا يعرف الإنسان ما لديه من الشجاعة الأدبية أو الجبن و الخور إلا إذا لزم الجماعة، ورأي من يخطئ ثم تبصر في نفسه : هل يهون عليها أن تقول لهذا المخطئ : إن الصواب في غير ما نطقت، والحق في غير ما رأيت، و الخير في غير ما أتيت؟ وهنالك تكون الشجاعة الأدبية، أو يعز عليها أن تقول ذلك فتصمت وتخرس؟ وهناك يكون الجبن و الخور.
- وبالمثل لا يدرك الإنسان ما تنطوي عليه شخصيته من صدق وكذب، من أمانة وخيانة، من نظام أو فوضى، إلا إذا عاش في وسط الجماعة، وحدَّث أفرادها، أو ائتمنوه على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، أو ضرب لهم موعداً، أو أعطى من نفسه عهداً لهم، ثم نظر: هل يحدثهم بما يوافق الحقيقة والواقع ؟ فيكون صدوقاً، أو بما يخالفها فيكون كذوباً .
- وهل يحافظ على دمائهم وأموالهم وأعراضهم فيكون أميناً، أو يعتدي عليها ويهدرها؟ فيكون خائناً.(2/225)
- وهل يحافظ على عهده، ويفي بوعده؟ فيكون دقيقاً منضبطاً منظماً أو يهمل ويخلف ؟ فيكون فوضوياً غير دقيق ولا منظم ولا منضبط.
- كما أن المسلم إذا عاش في عزلة أو منفرداً فإن شخصيته تبقى مجهولة لديه، إذ ربما يفعل الشر ظاناً أنه الخير، وربما يترك الخير، معتقداً أنه الشر قال تعالى : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} الكهف103-104 .
2) تعطيل بعض طاقاتهم وإمكاناتهم، الأمر الذي يجعلهم فريسة لإغواء الشيطان وإضلاله، ووسوسته.(2/226)
- فضلاً عما يلحق شخصيتهم من الانفصام أو الخلل، ذلك أن الإنسان - كما هو معلوم - مؤلف من جسد وعقل وروح،أو بعبارة أخرى من مادة وروح، و الروح مزود بطاقة من الغرائز تشبه الخيوط الدقيقة المتقابلة المتوازية، كل غريزتين منهما متجاورتين في النفس، وهما في الوقت ذاته مختلفتان في الاتجاه، الخوف و الرجاء، الحب والكر ، الاتجاه إلى الواقع والاتجاه إلى الخيال، الطاقة الحسية والطاقة المعنوية، الإيمان بما تدركه الحواس والإيمان بما لا تدركه الحواس، حب الالتزام و الميول إلى التطوع، الفردية والجماعية، السلبية والإيجابية....الخ، كلها غرائز متوازية ، ومتقابلة - كما ترى - وهي بتوازيها وتقابلها - تؤدى مهمتها في ربط الكائن البشرى بالحياة ، كأنما هي أوتاد متفرقة ، متقابلة تشد الكيان كله ، وتربطه من كل جانب يصلح للارتباط ، وهي في الوقت ذاته توسع أفقه وتفسح مجال حياته، فلا ينحصر في نطاق واحد، ولا في مستوى واحد، بيد أن تحقيق التوازن والتكامل في حياة الإنسان مرهون بإعطاء كل غريزة من هذه الغرائز حقها، دون زيادة أو نقص. والجماعة هي المجال الوحيد الذي يوظف سائر طاقات المسلم ويعمل كل الغرائز بدرجات متساوية ومتوازية في نفس الوقت، فتتكون الشخصية السوية المتكاملة، الخالية من أي انفصام أو اعوجاج والمحصنة ضد كيد الشيطان وإغوائه.
- وإذا حدث أن ابتعد المسلم عن الجماعة وآثر حياة العزلة أو التفرد فإنه تتعطل - لا محالة - بعض طاقاته وإمكاناته، وحينئذٍ يكون الخلل أو الانفصام في شخصيته، فضلاً عن وجود الفراغ الذي يمكن أن يستغله شياطين الإنس والجن في إغوائه وإضلاله، ولعل هذا الثر هو ما لفت النبي - صلى الله عليه وسلم - النظر إليه بقوله : قال - صلى الله عليه وسلم - ( ... فمن أحب منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ... ).(2/227)
3) قلة رصيدهم من الخبرات و التجارب التي تعينهم على مواجهة كل ما يعترض طريقهم من صعاب وعقبات :
- ذلك أن العمل لدين الله طريق مليئة بالأشواك محفوفة بالمخاطر، والمسلم الحصيف الذكي هو الذي تكون لديه الخبرة أو التجربة التي تمكنه من التغلب على هذه المخاطر، و النجاة من تلك الأشواك.
- ليس هناك مجال أرحب وأوسع - يكتسب فيه المسلم الخبرات ويتعلم التجارب - سوى العيش مع الناس ومخالطتهم.
- حين ينأى المسلم العامل بنفسه عن الجماعة، ويرضى بالعزلة أو التفرد فإنه يحرم هذه الخيرات، وتلك التجارب ، ويبقى ضيق الأفق قاصر النظر، لا يعرف كيف يواجه أبسط المشكلات، فضلاً عن أمهاتها وعظائمها.
4) سيطرة اليأس و القنوط على نفوسهم، الأمر الذي قد ينتهي بهم إلى الفتور.
- لك أن المسلم العامل لدين الله - لاسيما في هذا العصر - يأتيه الشيطان بين الحين والحين ويلقى عليه هذه التساؤلات :
- ما المخرج وأعداء الله - في داخل الأمة الإسلامية وفي خارجها - كثير ؟ وهم الآن ممسكون بخناق العالم الإسلامي ، ولديهم خطط ماكرة وأساليب خبيثة ؟
- ويستطيع المسلم المخالط للناس والعامل من خلال جماعة دفع هذه التساؤلات ، بأنه ليس وحيداً في هذا الميدان، وإنما هناك آخرون سواه يسيرون في نفس الطريق، وأولئك لهم من الأساليب والإمكانات ما يعينهم على مواجهة أعدائهم، وإحباط مكائدهم ومخططاتهم.
- أما إذا كان في عزلة أو يعمل وحده، فإن هذه التساؤلات تظل تلح عليه وليس هناك ما يدفعها به، حينئذٍ يدب اليأس في قلبه و القنوط إلى نفسه فيفتر وربما ترك العمل لدين الله.
5) قلة رصيدهم من الأجر و الثواب :(2/228)
- ذلك أن الذي يعيش مع الناس ويخالطهم يجد أمامه مجالات رحبة، وميادين واسعة لتحصيل الأجر والثواب ، فهناك مجالس العلم للإفادة أو الاستفادة، وهناك عيادة المرضى وزيارة الإخوان تأكيداً لمودتهم أو تهنئة بنعمة، أو تعزية على مصيبة، وهناك إرشاد للناس وتوجيههم إلى الخير، ومد يد المعونة على ما يسد حاجاتهم، أو تقوى به شوكتهم .... وهكذا .
- أما الذي يعيش منفرداً أو منعزلاً فإنه يحرم من هذه الميادين وتلك المجالات، وبالتالي يقل رصيده من الأجر و الثواب.
6) عدم تمكنهم من إقامة دين الله في أنفسهم اليوم أو غداً :
- ذلك أن الباطل لا يفتأ لحظة عن العمل بهدف أن تتحول الأرض إلى بؤرة من الشر والفساد، فلا يستطيع المسلم العامل أن يؤدى دوراً أو أن يقوم بواجب، وما يمكن أن يتحقق للباطل مثل ذلك، إلا إذا فرَّ أهل الحق من الميدان، أو عملوا متفرقين، والمعتزل واحد فرَّ من الميدان، أو آثر أن يعمل وحده، ومن كان كذلك فإنه سيضيق عليه حتماً اليوم أو غداً .
7) تعريضهم أنفسهم للإثم و الغضب الإلهي
- بسبب اعتزالهم الناس ومفارقتهم الجماعة ، وأنى للمسلم أن يطيق ذلك أو يتحمله؟
ولعل هذا الأثر هو ما تفهمه من قوله - صلى الله عليه وسلم - :( من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة فمات ، مات ميتة جاهلية ... ).
آثارها على العمل الإسلامي :
1) سهولة ضربه والقضاء عليه أو على الأقل إجهاضه فلا يؤتى ثماره إلا بعد تكاليف كثيرة وزمن طويل نظراً لضعفه بسبب تفرق العاملين وعدم تضامنهم ولعل ذلك هو السر في حرص أعداء الله على أن يظل المسلمون منقسمين على أنفسهم تحت شعار : ( فرق تسد).
ولعله السر أيضا في الأمر بالوحدة ونبذ الفرقة والتنازع. قال تعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } المائدة2. وقال تعالى :{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } آل عمران103.(2/229)
2) الحرمان من العون أو المدد الإلهي ذلك أن العمل الإسلامي مهما تكن طاقاته وإمكاناته فهو بحاجة إلى عون وتأييد من الله عز وجل وقد وعد الله أنه لا يعطى هذا العون وذلك التأييد إلا إذ كان القائمون على العمل الإسلامي متضامنين متكاتفين.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (يد الله مع الجماعة ). ولئن ترتب على هذا الحرمان امتحان أو ابتلاء فإنه يكون رحمة وبركة على العاملين المتضامنين ونقمة وعذاباً على القاعدين وكذلك على العاملين المتفرقين، قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم ) أخرجه البخاري.
رابعاً : الطريق للخلاص والوقاية من العزلة :
1) الفهم التام للعلاقة أو الصلة القائمة بين النصوص الشرعية المرغبة في العزلة والأخرى الداعية إلى مخالطة الناس ولزوم الجماعة، فإن ذلك الفهم كفيل بانتزاع المسلم إن كان صادقاً مع نفسه من حياة العزلة وإلقائه في أحضان الجماعة نظراً لأن مخالطة الجماعة هي الأصل والعزلة أمر طارئ لا يكون إلا عند الضرورة التي لا يبقى معها دين ولا حياة.
2) الفهم التام للظروف أو الأسباب التي دعت بعض السلف إلى العزلة أو التفرد فإن ذلك الفهم كثيراً ما يحول بيننا وبين الاقتداء بهم في هذا الشأن لا سيما إذ عرفنا أن عزلة هؤلاء لم يكن من ورائها ضرر فقد كانت دولة الإسلام قائمة والراية مرفوعة والدين كله لله أما عزلتنا الآن فمن ورائها ضرر كثير نظراً لغياب دولة الإسلام وإمساك أعداء الله بخناقنا وصدهم عن سبيل الله كثيراً وحاجتنا إلى سواد كثير وجهود ضخمة متعاونة متآزرة لإعادة السلطان لله.
3) الإلمام الدقيق بمنهج الإسلام في التوفيق بين الفردية والجماعية، فإن ذلك كفيل بدفع السلم إلى أن يعيش في أحضان الجماعة في الوقت الذي يحافظ فيه على ذاتيته أو فرديته.
4) الوقوف على المفهوم الصحيح للعبادة.(2/230)
فإنه كاف في القضاء على العزلة والحمل على ملازمة الجماعة ومخالطة الناس دون أن يكون هناك أدنى حرج في أن الأوقات تنفق في غير الطاعة والعبادة.
5) مجاهدة النفس وأخذها دوما بالشدة والحزم.
لئلا تسيطر عليها الأهواء وتستبد بها الشهوات فتدفعها إلى العزلة والفرار من تكاليف مخالطة الجماعة والعيش بين الناس.
6) فهم الدور الواجب على المسلم حين ينتشر الشر ويعم الفساد فإن ذلك كاف في إخراج أي عامل من عزلته وحمله على مخالطة الناس واقتحام الخطوب من أجل القضاء على الشر ومقاومة الفساد أو على الأقل تحجيمهما.
7) اللجوء التام إلى الله عز وجل والاستعانة الصادقة به فإن من يستعين بالله يعينه الله.
8) التخلص من صحبة من كان منهجهم العزلة وسيرتهم التفرد مع ملازمة صف العاملين.
9) الإلمام التام بحقيقة الهيئات والجماعات العاملة لدين.
10) الوقوف على حقيقة المنهج الذي سلكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تشييد صرح ودولة الإسلام الأولي.
11) إدراك أن أعداء الله من الكافرين والمنافقين يتعاونون فيما بينهم ويعملون لضرب الإسلام مجتمعين لا متفرقين في شكل أحلاف عسكرية : ( حلف وارسو - حلف الأطلنطي ) وفي شكل أسواق تجارية : ( السوق الأوروبية المشتركة ) وفي شكل برلمانات وهيئات سياسية : ( البرلمان الأوروبي ) وفي شكل اتحادات جمهورية وولاياته ( جمهوريات الاتحاد السوفيتي ، والولايات المتحدة الأمريكية ).
وإذا كان هذا شأن أعداء الله وهم على الباطل وبينهم من خلافات جوهرية فأولى بنا نحن المسلمين لا سيما أننا على الحق وليست لدينا خلافات جوهرية أن نواجههم بنفس الأسلوب أي مجتمعين لا متفرقين، قال تعالى:{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }الأنفال73.(2/231)
12) التأمل في حياة المخلوقات المحيطة بنا الموجودة حولنا فهي تعيش مجتمعة متعاونة لتؤدى دورها فها هي المجموعة الشمسية تتعاون لتوفير الضياء والدفء لسائر الكائنات الحية وها هي جماعة النحل تتعاون في بناء بيوتها وتنظيفها وتوفير الحماية لها ثم تسرح لتمتص رحيق الأزهار ولتخرجه في النهاية عسلا مصفي
النمل تبنى قراها في تماسكها والنحل تجنى رحيق الشهد أعوانا
13) الوقوف على حقيقة الآثار المترتبة على العزلة أو التفرد.
المرجع: آفات على الطريق-السيد محمد نوح.
ـــــــــــــــــ
العزيمة
لغة: القصد المؤكد، يقال عزمت على فعل كذا، أى قصدت اليه قصدا مؤكدا(1)، ومنه قوله تعالى: {فنسى ولم نجد له عزما}طه:115.واصطلاحا: هى الحكم الثابت على وفق الدليل ، أو على خلاف الدليل لغير عذر(2).فالحكم: جنس يشمل الرخصة والعزيمة، ويقصد بالثابت: أنها لابد وأن تكون ثابتة بدليل.
وقوله: "على وفق الدليل" لإخراج الرخصة: فهى حكم مثبت على خلاف الدليل.
أما قوله: "أو على خلاف الدليل لغير عذر" فيقصد به إدخال بعض أنواع العزيمة فى تعريفها، مثل: وجوب الصلاة والزكاة و الحج وغيرها من باقى التكاليف ، فإنها أحكام شرعت على خلاف الأصل ، وهو الأدلة الشرعية، لكن تلك المخالفة ليست لعذر؛ لأن المراد من العذر: الحاجة والمشقة أو الضرورة، وهذه التكاليف لم تشرع للحاجة والمشقة، وإنما شرعت للابتلاء والاختبار.
وفى ضوء هذا التعريف يعلم تنوع العزيمة إلى نوعين:
الأول: أحكام ثابتة على وفق الدليل ، مثل: إباحة الأكل والشرب وسائر الطيبات ، فإنها تثبت على وفق الدليل الأصلى، إذ الأصل فيها الإباحة.
الثانى: أحكام ثابتة على خلاف الدليل لغير عذر، مثل أحكام سائر التكاليف الشرعية، فإنها تثبت ابتداء على خلاف الدليل الأصلى ، إذ الأصل عدم التكليف ، لكن بثبوتها ليس لأعذار العباد.
وقد ذهب بعض الأصوليين إلى أنها تشمل الأحكام الخمسة، على الوجه التالى:(2/232)
1- الإيجاب: كإيجاب الصيام ، والحج ،وغير ذلك من الواجبات.
2- الندب: مثل صلاة ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد صلاة المغرب.
3- التحريم: مثل تحريم السرقة، والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها من المنهيات.
4- الكراهة: مثل الصلاة فى مرابض الإبل والغنم.
5- الإباحة: مثل إباحة الأكل والشرب ،وغيرهما من كل ما خير الشارع فيه بين الفعل والترك.
والعزيمة تقابل الرخصة.والرخصة لغة: التيسير، يقال: رخص الشارع فى كذا إذا يسره وسهله.
واصطلاحا: هى أسم لما بنى على أعذار العباد، وهو ما يستباح بعذر مع قيام المحرم(3).
وقال الغزالى: هى ما وسع للمكلف فى فعله لعذر مع قيام السبب المحرم(4).
وبقية تعريفاتها تدور على معنى التيسير لى العباد بسبب ما يعرض لهم من أعذار.
ودليلها من القرآن قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسرولا يريد بكم العسر}البقرة:185.
ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"(5).
وقوله - صلى الله عليه وسلم - "ما بال أقوام يرغبون عما رخص لى فيه"(6).أ.د/عبد الصبور مرزوق
ـــــــــــــــــ
العشق
- تعريف العشق :
o لغة : يدل على تجاوز حد المحبة .
o اصطلاحاً : هو فساد الإدراك والتخيل والمعرفة فإن العاشق يخيل له المعشوق على خلاف ما هو به حتى يصيبه ما يصيبه من داء العشق .
- من أسماء العشق ، وذكر ابن القيم خمسين اسماً للعشق منها :
( المحبة ، العلاقة ، الهوى ...)
- أنواع العشق :
o عشق الرجال للنساء .
o عشق النساء للرجال .
o عشق الرجال للرجال .
O عشق النساء للنساء .
- خطر العشق وضرره .
- أسباب العشق :
1. الإعراض عن الله عز وجل .
2. الجهل بأضرار العشق .
3. الفراغ .
4. وسائل الإعلام .
5. التقليد الأعمى .
6. الانحراف في مفهوم الحب والعشق .
7. الاغترار ببعض الأقوال التي تبيح العشق .
8. التهتك والتبرج والسفور .
9. إطلاق البصر .
10. المعاكسات الهاتفية .(2/233)
- كيفية التوبة من العشق .
- الأسباب المعينة على التخلص من العشق :
1. الإخلاص لله عز وجل .
2. الدعاء .
3. غض البصر ، ومن فوائد غض البصر :
تخليص القلب من ألم الحسرة .
أنه يورث القلب نوراً .
أنه يورث صحة الفراسة .
أنه يفتح له طرق العلم .
أنه يورث قوة القلب .
أنه يورث القلب سروراً وفرحاً .
أنه يخلص القلب من أسر الشهوة .
أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم .
أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته .
أنه يخلص القلب من سكر الشهوة .
4. التفكر والتذكر .
5. البعد عن المحبوب المعشوق .
6. الاشتغال بما ينفع .
7. الزواج .
8. عيادة المرضى .
9. مواصلة مجالس الذكر .
10. قطع الطمع باليأس ، وقوة العزم على قهر الهوى .
11. المحافظة على الصلاة .
12. زجر الهمة الأبية .
13. شرف النفس وزكاؤها وحميتها .
14. التفكر في عيوب المحبوب .
15. تصور فقد المحبوب .
16. النظر في العاقبة .
17. أن يعلم المبتلى أن الابتلاء سبب في ظهور جواهر الرجال .
18. النظر فيما يفوته التشاغل بالعشق من الفضائل .
19. النظر في حال العشاق .
العشق
المظاهر والأسباب:
• عندما بَعُدَ الناس عن دين الله القويم، واستحبوا الدنيا على الآخرة، استحوذ عليهم الشيطان، وصدّهم عن السبيل، وأصابهم بآفات في قلوبهم جعلتهم يجهلون ما يصلحون به أنفسهم، ومن ذلك " العشق"، أو ما يسمى بـ"التعلق" و"الإعجاب"، وهو: الإفراط في المحبة. وتتركز فتنته – غالباً - على الشكل والصورة، أو انجذاب مجهول السبب، لكنه غير متقيد بالحب لله، سواء كان المعشوق من الرجال أو النساء، ويدعي بعضهم أنها صداقة، وهي ليست كذلك، لأنها صداقة فاسدة؛ لفساد أساس الحب فيها بعدم انضباطها بضوابط الشرع.(2/234)
• العشق رغم سهولة بداياته إلا أنّ نهايته انتكاس للعاشق، وخروج عن حدود الشرع، ولهذا كان بعض السلف يستعيذ بالله من العشق، فهو إفراط في الحب في أوله، وعبودية للمعشوق في نهايته، تضيع معها عبودية العبد لله عز وجل.
• سقوط الشاب أو الفتاة في شباك العشق من أخطر الأمور، إذ إن من صفات الهوى أنه يهوي بصاحبه، وإذا ما استحكم في القلب سيطر على العقل والفكر، وهنا يقع الإنسان في عبودية هواه ـ والعياذ بالله - قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } [الفرقان:43].
مظاهر الإعجاب:
من أبرز مظاهر الإعجاب:
• تعلق القلب بالمعشوق، فلا يفكّر إلا في محبوبه، ولا يتكلم إلا فيه، ولا يقوم إلا بخدمته، ولا يحب إلا ما يحب.
• ويكثر مجالسته والحديث معه الأوقات الطويلة من غير فائدة ولا مصلحة.
• وتبادل الرسائل ووضع الرسومات والكتابات في الدفاتر وفي كل مكان.
• ويقوم بالدفاع عنه بالكلام وغيره، ويغار عليه.
• ويشاكله في اللباس، وهيئة المشي والكلام وكل شيء.
• ولو خُيّر بين رضاه ورضا الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربه.
• ولكن إن كان عنده قليل من الإيمان، وتبقّى من وقته فضلة؛ صرف تلك الفضلة في طاعة ربه.
• وأصل ذلك كله من خلو القلب من محبة الله تعالى والإخلاص له، والإشراك بينه وبين غيره في المحبة.
أسباب الإعجاب:
من أهم أسباب الوقوع في الإعجاب المذموم، والعشق الشيطاني، ما يلي:
1- ضعف الإيمان: وخلو القلب من حب الله ورسوله، فإن العشق يتمكن من القلب الفارغ فيقوم فيه، ويعمل بموجبه بالجوارح، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذف في النار } [متفق عليه].(2/235)
2- فقدان العاطفة والحنان في محيط البيت: وبخاصة من الأبوين، فيبحث الابن أو البنت عمن يجد عنده ما فقده في البيت، هذا الحرمان يكون سبباً في سرعة انخداعهم ووقوعهم في وحل العشق الشيطاني. فيستسلمون بسرعة إلى ما يُظهره الآخرون من عشق ومحبة.
3- ضعف الشخصية: فلا يستطيع صاحب الشخصية الضعيفة التحكم في عواطفه ومشاعره، بل تنجرف مع التيّار.
4- عدم وجود القدوة الصالحة التي توجه عواطف الشباب أو الفتيات إلى ما ينبغي حبه: كحب الله عزّ وجل ورسوله، والصالحين من الصحابة والعلماء.
5- الفراغ: فإنّ الوقت إذا لم يُشغل بالطاعة أُشغل بالمعصية، والشخص الفارغ يكثر التفكير والخواطر، فيوسوس له الشيطان ويغرس المعصية في قلبه.
6- التقليد الأعمى للغير: فقد تكون البداية مجرّد تقليد لأصدقاء السوء، فهذه لها رفيق وعشيق، وذلك له رفيقة وعشيقة، وكل ينافس بما يتعلق به، وبخاصة بين صفوف طالبات المدارس والكليات؛ لأنّ البنت عاطفية بطبعها، تحبُّ التعلق، فإذا فقدت العاطفة في البيت ووجدت تلك البيئة التي تشجع على ذلك؛ قلدت غيرها باتخاذ العشيق أو العشيقة من البنات وتعلقت بها.
7- المبالغة في المظهر والزينة: سواء من الشباب أو الفتيات، فيلفت القلوب والأنظار إليه، الأمر الذي يؤدي إلى الإعجاب ومن ثمّ إلى العشق.
8- وسائل الإعلام: فهي تبث القصص والحكايات عن العشاق والمعجبين، وتزيّن ذلك في عيون الناس، وتجعل الحب والعشق من ضروريات الحياة، وتمجّد الشواذ، وقد تجرى معهم مقابلات وندوات تبيّن طبيعة الأمر، فيتأثر الشباب والفتيات بما يُعرض لهم.
مخاطر العشق:
إنّ للإعجاب مفاسد دينية ودنيوية، وذلك من عدة وجوه، منها:(2/236)
1- الاشتغال بذكر المحبوب المخلوق عن ذكر الله تعالى: فمن المعلوم أنه لا يجتمع مع حبّ الله حب غيره، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ }البقرة 165. لذا فإنّ العاشق لا يجد حلاوة الإيمان التي من شروطها كما قال صلي الله عليه وسلم: { أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله } [متفق عليه]. وسبب ذلك: خُلوُّ القلب مما خُلق له من عبادة الله تعالى التي تجمع محبته وتعظيمه والخضوع والذل له، والوقوف مع أمره ونهيه ومحابه ومساخطه، فإذا كان في القلب وجدان حلاوة الإيمان وذوق طعمه؛ أغناه ذلك عن محبة الأنداد وتأليهها، وإذا خلا القلب من ذلك احتاج إلى أن يستبدل به ما يهواه ويتخذه إلهه.
ولا يأمن العاشق أن يجرّه ذلك إلى الشرك كما جرّ ذلك الشاعر الخاسر حين قال:
وصلك أشهى إلى فؤادي *** من رحمة الخالق الجليل
نعوذ بالله من الخسران المبين.
2- العذاب والحسرة والشقاء لتعلق القلب بالمعشوق: وهذه من العقوبة الدنيوية، فمن أحبّ شيئاً غير الله عُذّب به، وفي الآخرة يتبرأ بعضهم من بعض، قال تعالى{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } [البقرة:165-166].(2/237)
3- إبقاء العيوب: فحينما تصل المحبة العادية إلى مرحلة التعلق والعلاقات القوية المتأصلة، يظهر فيها أثر ستر العيوب وحجبها بصورة عجيبة، حتى يصل الوضع أن يواجه كلُّ من يقدّم نصيحة لهذا الشخص بالرد العنيف، ويضمر حقده في قلبه، لكن عندما ينقطع هذا العشق يكون الندم والحزن.
4- الانشغال بالمعشوق عن مصالح الدين والدنيا: فمعشوقة هو شغله الشاغل لا يفكّر إلا فيه، ولا يعمل إلا له، نسي الله فأنساه مصلحة نفسه، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: { من تعلّق شيئاً اُكل عليه (أو إليه) } [رواه الإمام أحمد والنسائي].
5- فساد الحواس: مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب } [متفق عليه]، فإنّ القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان، فيرى القبيح حسناً.
5- ارتكاب الفواحش كالزنا واللواط والسحاق وغيرها: لأنّ الفواحش أصلها المحبة لغير الله، سواء كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:268].
علاج الإعجاب:
1. دواء هذا الداء الفتّاك أن يعلم من ابتلى به أن ذلك من جهله وغفلة قلبه عن الله، فعليه أن يعرف توحيد ربَّه وسننه وآياته أولاً.
2. ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر في المعشوق، ويكثر اللجوءَ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وعليه بالإخلاص في ذلك، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }يوسف24.(2/238)
3. ومن أنفع الأدوية للتخلص من هذا الداء، أن يبتعد المبتلى به عن معشوقه، أو من يحرّك كوامن الشهوة فيه، بحيث لا يراه ولا يسمع كلامه، فالابتعاد عنه أهون بكثير من الاسترسال معه والوقوع في الآثام والمعاصي.
4. وجدير بالذكر أنه ينبغي توجيه عاطفة الأبناء والبنات لما هو مفيد، وإعطاؤهم الحنان الكافي منذ الصغر، ومتابعتهم في الكبر.
5. وعدم إهمال تربيتهم ومشاعرهم، واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة هذه الظاهرة، وعدم التغاضي عنها؛ لأنَّها قد تؤدي إلى ظواهر أخرى سيئة.(2/239)
6. تقول صاحبة القصة: "عندما كنت أدرس بالمرحلة الثانوية انضمت إلى مدرستنا معلِّمة جديدة، وكانت هذه المعلِّمة جميلة وأنيقة، ومنذ بدأت وأنا أبدي لها اهتماماً وحرصاً؛ لأنَّني معجبة بشكلها ومظهرها، فأصبحتُ أهتم بالمادة التي تدرسها، وأجتهد في حلّ الواجبات ومذاكرة الدرس حتى برزت، فأصبحت محل احترامها وثنائها، كل ذلك كان طبيعياً؛ لأنَّني كُنت مجتهدة عندها، لكنَّ الفراغ الذي أعيشه جعلني أعتقد بأنَّها تحبني. ومرّت الأيام وأنا أفكّر فيها وأتحدَّث عن مواقفي معها حتى تعلَّق قلبي بها كثيراً، فأصبحت حياتي بين مد وجزر، فإذا رضيت عني وأثنت سعدت كثيراً، وإذا غضبت علي لتقصيري أو لم تبالِ بي ـ وهذا يحدث كثيراً ـ حزنت حزناً شديداً، حتى انتهى العام الدراسي، وجاءت العطلة الصيفية، ومع قدومها شعرت بفراغ كبير فشكوت ذلك إلى إحدى صديقاتي، فاقترحت علي أن أذهب معها إلى إحدى دور تحفيظ القرآن الكريم وأخذت تشجِّعني، وفعلاً ذهبت معها ودرسنا سوياً وحفظنا القرآن الكريم، ودرسنا التجويد وحضرنا المحاضرات، وتعرَّفنا على كثير من الأخوات الصالحات - نحسبهن كذلك - وفي الدار بدأت حياتي تتغير، لأوَّل مرَّة أحس بالسعادة والطمأنينة تغمر قلبي، لأوَّل مرَّة أشعر أنَّني أستثمر وقتي في عمل مفيد، تعلَّمت في الدار الكثير من الدروس والعبر، والتي من أهمها أنّ حبّ الله عزّ وجلّ ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أثمن وأغلى حبّ، وأنّ السعادة الحقيقية في طاعة الله جلّ وعلا وطلب مرضاته. انتهت الدورة ورجعت إلى مدرستي بهدف سام وروح معنوية عالية، وبالرغم من أنّ نفس المعلِّمة أصبحت تدرِّس لنا في المرحلة الثالثة إلاَّ أنَّني أصبحت أعاملها كبقية المدرسات باحترام وتقدير فقط، فقد وجدت ضالتي وسعادتي الحقيقية مع حبي لربِّي عز وجل وكتابه الكريم ورسوله.
الخاتمة:(2/240)
• إنّ السعادة والراحة والطمأنينة في محبَّة الله سبحانه والأنس به والشوق إلى لقائه والرضا به وعنه، فمحبَّته تعالى من أعظم واجبات الدين وأكبر أصوله وأجلّ قواعده.
• ومن أحب معه مخلوقاً مثل ما يحبَّه فهو من الشرك الذي لا يُغفر لصاحبه ولا يُقبل معه عمل.
• وإذا كان العبد لا يكون من أهل الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحبُّ إليه من نفسه وأهله وولده والنَّاس أجمعين، ومحبَّته تبع لمحبَّة الله؛ فما الظن بمحبته سبحانه؟ وهو سبحانه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته التي تتضمن كمال محبَّته وكمال تعظيمه والذل له، ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه، وعلى ذلك وضع الثواب والعقاب، وأُسست الجنّة والنار، وانقسم الناس إلى شقي وسعيد.
• وكما أنَّه سبحانه ليس كمثله شيء، فليس كمحبَّته وإجلاله وخوفه محبَّة وإجلال ومخافة، فالمخلوق كلَّما خفته استوحشت منه وهربت منه، والله سبحانه كلما خفته أنست به وفررت إليه، والمخلوقُ يخاف ظلمه وعدوانه، والربُّ سبحانه إنَّما يخاف عدله وقسطه، وكذلك المحبَّة، فإنّ محبَّة المخلوق إذا لم تكن لله فهي عذاب للمحبّ ووبال عليه.
• فيا حسرة المحبّ الذي باع نفسه لغير الحبيب الأوَّل، بثمن بخس وشهوة عاجلة، ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها، فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة، وزالت النشوة وبقيت الحسرة، حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم، وحسرة ما يقاسيه من النصب والعذاب الأليم.
المرجع:العشق الشيطاني – الإعجاب-حمود بن إبراهيم السليم -دار الوطن.
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ 337
وللاستزادة : العشق – محمد بن إبراهيم الحمد – دار الوطن
ـــــــــــــــــ
العصمة(2/241)
لغة: عصم إليه عصما: لجأ، وعصم القربة وجعل لها عصاما يشدها به ، وعصم الله فلانا: حفظه ومنعه ووقاه من الشر والخطايا، واعتصم به: امتنع به ولجأ، واستعصم طلب العصمة وتأبى وامتنع ، ومنه قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}يوسف:32 ،تأبى وامتنع ، واعتصم بالله: امتنع بلطفه من المعصية(1).
واصطلاحا: ملكة إلهية تمنع من فعل المعصية، والميل إليها مع القدرة عليها، وتمنع من خطأ الرسول ، أو نسيانه فيما يبلغه عن ربه ، ولذلك يجب الإيمان بكل ما يخبر الرسل به عن ألله تعالى، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به.
والعصمة بهذا المعنى ليست لأحد غير الأنبياء صلوات الله عليهم ، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7.
وقد وردت العصمة فى القرآن الكريم أيضا بمعنى المنع والحفظ ، قال تعالى: {والله يعصمك من الناس}المائدة:67. أى يمنعك ويحفظك ، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحرس فلما نزلت هذه الآية قال: (يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا الله عز وجل)(2).
والعصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامى، ومنه قول الله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمرالله إلا من رحم}هود:43.
قال الزجاج: وأصل العصمة الحبل وكل ما أمسك شيئا فقد عصما، قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}آل عمران:103 ،أى تمسكوا بعهد الله ، وقال: {ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم}آل عمران:101 ، أى من يتمسك بحبله وعهده.(2/242)
والعصمة: عقد النكاح ، أو رباط الزوجية يحله الزوج متى شاء، ومنه قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}الممتحنة:10 ، أى لا تتمسكوا بعقود نكاحهن ،والعصمة أيضا قيد النكاح وهو الأثر المترتب على عقده ، وهو حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وأن يكون استمتاع الزوج بالزوجة على سبيل الملكية لا يشاركه فيه أحد، فللزوج ملك التمتع بالمرأة أى اختصاصه بذلك (3) فالعصمة بهذا المعنى فى يد الزوج ، وهى عقدة النكاح ، وفى الحديث (ولى عقدة النكاح الزوج)(4).
وللزوج أن ينقل العصمة إلى المرأة إذا اشترطت ذلك ، وقبل هذا الشرط منها، أو بأن يخيرها قبل الدخول أو بعده بينه وبين نفسها، فإذا اختارت نفسها فقد طلقت أو يفوضها فى طلاق نفسها منه متى شاءت فتنتقل العصمة إليها، ولها أن تطلق نفسها منه متى أرادت ، ولا يسقط ذلك حقه فى أن يطلقها إذا أراد.
أ.د/عبدالرحمن العدوى
ـــــــــــــــــ
العلمانية
العلمانية مصطلح ترجم بمصر والمشرق العربى للكلمة الانجليزية(SECUL ARISM) بمعنى: الدنيوى والواقعى، والعالمى ذلك لأن العلمانية هى نزعة فلسفية وفكرية وسياسية واجتماعية ترى العالم مكتفيا بذاته ، تدبره الأسباب الذاتية المودعة فيه فالعالم والواقع والدنيا هى مرجعية التدبير للاجتماع الإنسانى والدولة والحياة، ومن ثم فإن الاجتماع والحياة والدولة ليست فى حاجة إلى مدبر من خارج هذا العالم ومن وراء هذه الطبيعة والإنسان مكتف بذاته ، يدبر شئونه ويبدع قيمه ونظمه بواسطة العقل والتجربة، وليس فى حاجة إلى شريعة سماوية تحكم هذا التدبير.
فالعلمانية -لذلك- تضبط بفتح العين ،لأنها نسبة إلى العالم وهناك فى المغرب العربى من يترجمها بالدنيوية.(2/243)
ولقد نشأت العلمانية -بأوربا- فى سياق النهضة الحديثة، وكانت من أبرز معالم فلسفة التنوير الوضعى الغربى، التى جابه بها فلاسفة عصر الأنوار -فى القرنين السابع عشر والثامن عشر- سلطة الكنيسة الكاثوليكية بعد أن تجاوزت هده الكنيسة الحدود التى رسمتها لها النصرانية، وهى خلاص الروح ،ومملكة السماء،وترك ما لقيصر لقيصر والاقتصارعلى ما لله.. لقد تجاوزت الكنيسة حدود رسالتها واختصاصاتها ، فبعد عصور من سيادة نظرية "Theory of The Tow Swords" أى السيف الروحى -أو السلطة الدينية للكنيسة- والسيف الزمنى أى السلطة المدنية للدولة جمعت الكنيسة السلطتين معا فضمت ما لقيصر إلى ما للكنيسة واللاهوت فى ظل نظرية "السيف الواحد Theory of one Sword" وتحت حكم "البابوات الأباطرة" أضفت الكنيسة قداسة الدين وثباته على المتغيرات الدنيوية والاجتماعية -أفكارا وعلوما ونظما- فرفضت وحرمت وجرمته كل ما لا وجود له فى الأناجيل ، وبذلك دخلت أوربا عصورها المظلمة، الأمر الذى استنفر رد الفعل العلمانى، الذى حرر الدنيا من كل علاقة لها بالدين. ففى مواجهة الكهنوت الكنسى الذى قدس الدنيا وثبتها ، وجعل اللاهوت النصرانى المرجع الوحيد للسياسة
جاء رد الفعل العلمانى لينزع كل قداسة عن كل شئون الدنيا ، وليحرر العالم من سلطان الدين ، وليعزل السماء عن الأرض ، جاعلا العالم مكتفيا بذاته ، والاجتماع والدولة والنظم والفلسفات محكومة بالعقل والتجربة، دونما تدخل من الدين.
ولقد ساعدت الملابسات التى نشأت فيها العلمانية على هزيمة الكنيسة وتراجع اللاهوت النصرانى أمام النزعة العلمانية. وكان التخلف الأوربى شاهدا على فشل الحكم الكنسى الكهنوتى وكانت هذه الملابسات الواقعية والمواريث الدينية والفلسفية -فى أوربا- عونا لانتصار العلمانية على الكنيسة وسلطانها.
ولقد تميز تياران فى إطار فلاسفة العلمانية الأوربية:(2/244)
أولا: تيار مادى ملحد، طمح إلى تحرير الحياة -كل الحياة- من الإيمان الدينى.
وكانت الماركسية أبرز إفرازات هذا التيار.
ثانيا: تيار مؤمن بوجود خالق للكون والإنسان ، لكنه يقف بنطاق عمل هذا الخالق عند مجرد الخلق فيحرر الدولة والسياسة والاجتماع من سلطان الدين ، مع بقإء الإيمان الدينى علاقة خاصة وفردية بين الإنسان وبين الله.. ومن فلاسفة هذا التيار "هوبر (1588/1679م)، ولوك (1632/1716م) وليبيز (1646/1716م) ، وليسينج (1729/1871م) ، ورسو (1712/1778م)".
ولقد ظلت العلمانية خصوصية غربية حتى القرن التاسع عشر، عندما جاءت إلى بلادنا الإسلامية فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الغربى الحديث.. وإذا كانت مصر بحكم موقعها قد مثلت طليعة الأقاليم الشرقية فى التأثر بالفكر الأوروبى ومنه العلمانية فلقد كان وفود العلمانية إليها نموذجا لتسللها من أوربا إلى بلاد الشرق الإسلامى فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الحديث.
فبعد تحطيم النظام الحمائى للصناعة والتجارة الدى أقامه محمد على باشا فى مصر، زاد نفوذ التجار الأجانب ، ونشأت على عهد الخديوى سعيد، فى سنة 1272هـ/1855م أول محكمة تجارية مختلطة بين المصريين والأجانب "مجلس تجار" تسلل إليها القانون الوضعى الفرنسى.
ومع تزايد أعداد الجاليات الأجنبية ونفوذها وخاصة بعد عقد اتفاقية حفر قناة السويس نشأت المحاكم القنصلية لتقضى فى المنازعات الناشئة بين المصريين وبين الأجانب ، وقضاتها أجانب ولغاتها أجنبية، وقانونها وضعى علمانى.
ولما زادت فوضى القضاء القنصلى تم إنشاء المحاكم المختلطة بقضاة أجانب ولغة فرنسية وشريعة نابليون.(2/245)
وبعد أن كان هذا الاختراق فى المحاكم القنصلية ثم المختلطة مقصورا على المنازعات التى يكون أحد طرفيها أجنبى حدث تعميم لبلوى هذا الاختراق العلمانى فى كل القضاء الأهلى أى فيما عدا المحاكم الشرعية، التى انحصر اختصاصها فى شئون الأسرة والأحوال الشخصية وكان ذلك عقب الاستعمار الإنجليزى لمصر، فيما سمى بالإصلاح القضائى سنة 1883م.
ولقد استعان الغرب الاستعمارى بنفر من أبناء الأقلية المارونية الذين تربوا فى مدارس الإرساليات التنصيرية بلبنان فى الدعوة إلى نموذجه الحضارى العلمانى، فكان فرح أنطون 1874-1922م أول دعاة العلمانية فى بلادنا.. ثم تخلق للعلمانية تيار فكرى بلغ ذروته فى كتاب الشيخ على عبد الرازق (1887/1966م) عن (الإسلام وأصول الحكم) الذى صدر سنة1925م
مصورا الإسلام كالنصرانية دينا لا دولة، ورسالة لا حكما، يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
وفى مواجهة هذا التسلل العلمانى إلى بلادنا كانت مقاومة تيار الإحياء والتجديد الدينى لعلمانية القانون والنهضة.. فلقد رأى هذا التيار الإحيائى التجديدى فى العلمانية عدوانا على شمولية المنهاج الإسلامى لأنه دين ودولة وجامع بين ما لقيصر وما لله.
ولأن نطاق عمل الذات الإلهية -فى التصور الإسلامى- لا يقف عند مجرد الخلق ، وإنما هو سبحانه وتعالى خالق ومدبر للعالم والاجتماع بواسطة الشرائع والرسالات: {ألا له الخلق والآمر}الأعراف:54 ، {قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له}الأنعام:162-163.
فكان رفاعة الطهطاوى (1801/1873م) أول من انتقد تسلل القانون التجارى لنابليون إلى المجلس التجارى فى الموانى التجارية، ودعا إلى تقنين فقه المعاملات الإسلامية الوافى بتنظيم المنافع العمومية، لأن بحر الشريعة الغراء لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها.(2/246)
ونهض القانونى البارز محمد قدرى باشا (1821/1888م) وهو من تلامذة الطهطاوى بتقص فقه المعاملات للمذهب الحنفى، ليقدم البديل الإسلامى فى القانون ،كجزء من الرفض والمقاومة للقانون الوضعى العلمانى.
ولقد عبر الإمام محمد عبده (1849/1905م) بلسان مدرسة الاحياء والتجديد الإسلامى عن ضرورة إسلامية النهضة ، لأن الإسلام على عكس النصرانية منهاج شامل ، فهو: كمال للشخص وألفة في البيت ، ونظام للملك ، وسبيل الدين لمريد الإصلاح فى المسلمين سبيل لا مندوحة عنها".
ومنذ ذلك التاريخ ، ظل التدافع سجالا، فى واقعنا الفكري والقانونى والسياسى بين دعاة العلمنة لمشروعنا النهضوى وبين دعاة إسلامية هذا المشروع.
وعندما أعادت مصو صياغة قانونها المدنى ، الذى وضعه الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1895/1971م) والذى طبق عقب إلغاء الامتيازات الأجنبية سنة 1948م ،زادت فى هذا القانون مرجعية الشرعية الإسلامية عنها فى سابقه الذى وضع سنة 1883م.
ولما وضعت مصردستورها الجديد سنة 1971م نصت مادته الثانية على أن مبادىء الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للقوانين وفى التعديل ، الذى تم الاستفتاء عليه ، لهذه المادة سنة 1980م غدته الشريعة هى المصدر الرئيسى للقوانين ، فانفتح بذلك الباب الدستورى أمام المشروع المصرى لأسلمة القانون ، ولإجلاء العلمانية عن المواقع التى احتلتها فى بلادنا تحت نفوذ وحراب الاستعمار.
أ.د/محمد عمارة
ـــــــــــــــــ
العمارة
لغة: من الإعمار والتعمير، وهى كل ما يبنى على وجه الأرض من مبان (لسان العرب).
واصطلاحا: كل ما يبنى على وجه الأرض بهدف التنمية العمرانية التى تسعى إلى خدمة الفرد والمجتمع ، وتستجيب لكافة متطلباته ، سكنية وإدارية وثقافية..الخ. ولا تتعارض مع العقيدة الاسلامية.
وعلى ذلك فليس منها ما يبنى لتخليد الإنسان ، كما قال تعالى فى قوم عاد: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون}الشعراء:128-129.(2/247)
والعمارة فى الإسلام تشمل كل ما يبنيه المجتمع من مبان على قدر حاجته فيها، وإلا فقد المبنى وضعه الإسلامى، فقد أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه الناس عند بناء الكوفة بالحجارة ألا يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم عن القصد.
وتمتاز العمارة فى الإسلام بعدة أشياء، منها:
1- لا تتقيد بشكل ، فالشكل يتغير بتغير المكان والزمان حضاريا وبيئيا ، أما العقيدة فثابتة ولا يحدها زمان أو مكان.
2- توفر الخصوصية الشخصية أو الفردية فى الداخل ، وتتوافق مع قيم الجماعة من الخارج.
الأمر الذى يضعها فى نظرية عالمية كعالمية الإسلام.
أما ما يطلق عليه جوازا العمارة الإسلامية، فهى تنحصر فيما بنى من تراث فى منطقة محددة من الأرض أطلق عليها العالم الإسلامى، وفى فترة من الزمن أطلق عليها العصر الإسلامى، كما تنحصر فيما يبنى من مبان تحمل بعض العناصر المعمارية المميزة مثل القبة والقبو والعقد مضافة إليها الزخارف الهندسية أو النباتية، وهذا ما يتعارض مع عالمية الإسلام وانتشاره فى بيئات وحضارات مختلفة شرقا وغربا ، جنوبا أو شمالا لها خصائصها المعمارية.
وعمارة المسجد لها أصولها الفقهية والإنشائية التى تحرص على توفير الصفاء النفسى خلال أداء الصلاة، كما تحرص على الإقلال من الأعمدة التى تقطع الصفوف باستعمال نظم البناء المتقدمة.
وعمارة المسكن توفر الخصوصية للساكنين ولا تعلو إلى ما هو أكثر من أدوار قليلة تفاديا للخلل الاجتماعى والأمنى، وتبنى المساكن فى مجموعات للجوار يحددها الحديث النبوى الشريف (ألا إن أربعين دارا جار) (رواه الطبرانى) مما ينمى وحدة الجوار والتاخى والتراحم والتكافل بين السكان دون تمييز بين الطبقات ، قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الحجرات:13.(2/248)
وللفقراء نصيب من ثمار العمارة فيما يسمى بعمارة الفقراء، والإنفاق على عمارة الفقراء يعتبر من مصارف الزكاة كما جاء فى فتوى د/محمد سيد طنطاوى للجمعية المركزية لإيواء المحتاجين.
د.م/عبدالباقى إبراهيم
ـــــــــــــــــ
العمرة وصفتها
• هذه نبذة مختصرة عن أعمال مناسك العمرة:
1- الاغتسال التنظف.
• إذا وصل من يريد العمرة إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتنظف.
• هكذا تفعل المرأة ولو كانت حائضاً أو نفساء، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل.
• يتطيب الرجل في بدنه دون ملابس إحرامه.
• إن لم يتيسر الاغتسال في الميقات فلا حرج، ويستحب أن يغتسل إذا وصل مكة قبل الطواف إذا تيسر ذلك.
2- التجرد من المخيط، وكشف الرأس.
• يتجرد الرجل من جميع الملابس المخيطة.
• يلبس إزاراً ورداء، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين. ويكشف رأسه.
• أما المرأة فتحرم في ملابسها العادية التي ليس فيها زينة ولا شهرة.
3- النية للدخول في النسك.
• ثم ينوي الدخول في النسك بقلبه.
• ويتلفظ بلسانه قائلا: (لبيك عمرة) أو (اللهم لبيك عمرة).
• وإن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه؛ لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه شرع له أن يشترط عند إحرامه فيقول: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)؛ لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أنها قالت: { يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال : حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني } [متفق على صحته].
• ثم يلبي بتلبية النبي وهي: { لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } ويكثر من هذه التلبية، ومن ذكر الله سبحانه ودعائه.
• إذا وصل إلى المسجد الحرام سن له تقديم رجله اليمنى ويقول: (بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك)، كسائر المساجد.
• ثم يشتغل بالتلبية حتى يصل إلى الكعبة.(2/249)
4- الطواف.
• إذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية.
• ثم قصد الحجر الأسود واستقبله.
• ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر ذلك.
• ولا يؤذي الناس بالمزاحمة.
• ويقول عند استلامه: (بسم الله والله أكبر) أو يقول: (الله أكبر)، فإن شق التقبيل استلمه بيده أو بعصا أو نحوها وقبل ما استلمه به، فإن شق استلامه أشار إليه وقال: (الله أكبر)، ولا يقبل ما يشير به.
• ويشترط لصحة الطواف: أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطواف مثل الصلاة غير أنه رخص فيه في الكلام.
• ويجعل البيت عن يساره.
• ويطوف به سبعة أشواط.
• وإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه إن تيسر، ويقول: (بسم الله والله أكبر)، ولا يقبله، فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه، ولا يشير إليه ولا يكبر؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي . أما الحجر الأسود فكلما حاذاه استلمه وقبله وكبر - كما ذكرنا سابقاً - وإلا أشار إليه وكبر.
• ويستحب الرمل - وهو: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى - في جميع الثلاثة الأشواط الأولى من طواف القدوم للرجل خاصة.
• كما يستحب للرجل أن يضطبع في طواف القدوم في جميع الأشواط، والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر.
• ويستحب الإكثار من الذكر والدعاء بما تيسر في جميع الأشواط. وليس في الطواف دعاء مخصوص ولا ذكر مخصوص، بل يدعو ويذكر الله بما تيسر من الأذكار والأدعية، ويقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} في كل شوط؛ لأن ذلك ثابت عن النبي .
• ويختم الشوط السابع باستلام الحجر الأسود وتقبيله إن تيسر، أو الإشارة إليه مع التكبير حسب التفصيل المذكور آنفاً.
• وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على كتفيه وطرفيه على صدره.
7- الصلاة ركعتين خلف المقام.
• ثم يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر.(2/250)
• إن لم يتمكن من ذلك صلاهما في أي موضع من المسجد. يقرأ فيهما بعد الفاتحة الْكَافِرُونَ في الركعة الأولى، والإخلاص في الركعة الثانية، هذا هو الأفضل، وإن قرأ بغيرهما فلا بأس.
• ثم بعد أن يسلم من الركعتين يقصد الحجر الأسود فيستلمه بيمينه إن تيسر ذلك.
8- السعي بين الصفا والمروة.
• ثم يخرج إلى الصفا فيرقاه أو يقف عنده.
• والرقي أفضل إن تيسر.
• ويقرأ عند بدء الشوط الأول قوله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}.
• ويستحب أن يستقبل القبلة على الصفا، ويحمد الله ويكبره، ويقول: (لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم يدعو بما تيسر، رافعاً يديه، ويكرر هذا الذكر والدعاء (ثلاث مرات).
• ثم ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلي العلم الثاني.
• أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع؛ لأنها عورة.
• ثم يمشي فيرقى المروة أو يقف عندها، والرقي أفضل إن تيسير.
• ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا، ما عدا قراءة الآية المذكورة، فهذا إنما يشرع عند الصعود إلى الصفا في الشوط الأول فقط؛ تأسيا بالنبي ، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا، يفعل ذلك سبع مرات ذهابه شوط ورجوعه شوط.
• إن سعى راكبا فلا حرج ولا سيما عند الحاجة.
• ويستحب أن يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر.
• وأن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر، ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك.
9- الحلق أو التقصير.
• إذا كمل السعي يحلق الرجل رأسه أو يقصره.
• والحلق أفضل. وإذا كان قدومه مكة قريباً من وقت الحج فالتقصير في حقه أفضل، ليحلق بقية رأسه في الحج.
• أما المرأة فتجمع شعرها وتأخذ منه قدر أنملة فأقل.(2/251)
• إذا فعل المحرم ما ذكر فقد تمت عمرته - والحمد لله - وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
صفة العمرة-عبدالعزيز بن عبدالله بن باز-دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
العمل المؤسسي
مقدمة:
• من أخطر ما تعانيه الأمة الإسلامية: غياب الروح الجماعية.
• لقد انعكس هذا الواقع على الفكر - كما للأخير انعكاس عليه - فصار من عللنا الفكرية: ممارسة التفكير بطريقة فردية، ومنها أيضاً: نمو التفكير في شؤون الفرد على حساب التفكير بشؤون المجتمع.
• وعليه: فإن الفقه المتعلق بشؤون الفرد وحركته وحقوقه وواجباته ظل أكثر نمواً من الفقه الذي يهم الجماعة، ففُصِّلت الفروض العينية، وبقيت الفروض الكفائية - والتي تصير عينية بالتقصير فيها - بقيت عند بعضهم عائمة، كمسألة: كفاية الأمة في كل جوانبها، وكمسألة: أهل الحل والعقد، وبيان تشكيلهم، ودورهم.
• وبقيت الدراسات التي تتناول أبنية المجتمعات الإسلامية التاريخية ومشكلاتها وأطوارها محدودة؛ ونتيجة لذلك فقد رأينا سجل التاريخ حافلاً بالمآثر الفردية ضامراً في الأعمال الجماعية.
• والسبب أن الوعي المدني لم يتم تنظيمه بشكل كافٍ، فهو بحاجة إلى المؤسسات المختلفة.
• لقد تأصلت فكرة الفردية اليوم، ثم تأزم الموقف حين ورث كثير من الدعاة إلى الله-تعالى- ذلك المرض من أمراض التخلف الحضاري، فلا تزال ترى اليوم كثيراً من التجمعات الإسلامية محكومة بعقلية الفرد، تعيش مركزية القرار، رغم ازدياد التحديات، وتوالي المحن، وتفاعل الأزمات.
• ولئن كان بعض الدعاة في العقود الماضية يسعون إلى مجرد الانتشار الأفقي للدعوة، فإنه لا يقبل من أحد اليوم التفكير بعقلية تلك المرحلة.
• فلقد صارت الصحوة اليوم معادلة صعبة في الموازين العالمية، والخطر الأوحد أمام الأنظمة الغربية، بل نستطيع القول: إن كثرة الأتباع غير الواعين أصبح يمثل هاجساً للدعاة والمصلحين أنفسهم.
• وعليه فلا بد من مراجعة أساليب العمل الدعوي اليوم.(2/252)
• كما أنه من الضروري العناية بتنمية الفكر الجماعي، وأسلوب العمل المؤسسي المحكم الذي صار أسلوب القوة والتحدي في هذا الزمان.
• يكفي برهاناً من الواقع أن الدول الكبرى في الوقت الحالي دول مؤسسية ليست مرتبطة ارتباطاً كلياً بالأفراد؛ فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً هي بجملتها مؤسسة ضخمة تضم في ثناياها عدداً هائلاً من المؤسسات مختلفة التخصصات، ولا تتغير استراتيجياتها الرئيسة بتغير أفراد حكوماتها إلا من منطلق جماعي.
• في هذه المقالة: محاولة لتأصيل الفكر الجماعي، وبيان معنى العمل المؤسسي، وتحديد المراد به، ثم عرض شيء من مزاياه وفوائده، وبعض أسباب تقصير الدعاة في الأخذ به، ثم ذكر مقومات نجاحه.
نحو وعي أعمق للروح الجماعية:
• إن تغيير واقع الأمة يتطلب في المستوى الأول تغيير النفوس.
• ومن عناصر ذلك التغيير: تعميق الفهم، وتجديد الفكر، وتصحيح المفاهيم التي من أهمها: مفهوم الفرد، والجماعة، وهو - بحمد الله - مفهوم في غاية الوضوح.
• إن الفرد هو العنصر الأساس في بناء الأمة، ولكن شرط قيامه بدوره الأكمل هو تعاونه مع بقية أفراد الأمة.
• الأمة التي يتعاون أفرادها هي أمة الريادة؛ لأن تعاونهم يضيف كل فرد إلى الآخر إضافة كيفية لا كمية، ومن ثم تتوحد الأفكار والممارسات من أجل تحقيق رسالة الأمة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي صحابته على الروح الجماعية، روح الأمة، كما ضرب مثلاً - للمجتمع - بقوم أقلَّتهم سفينة، إن أراد أحدهم خرقها وجب على الجميع الأخذ على يده، وإلا غرقوا جميعاً.
• فالمسؤولية في بلوغ الريادة تقع على الأمة جميعاً في مقابل أمة الكفر.
• العودة بالناس إلى روح الأمة يستدعي إجراءات.
1. أولها: فك الارتباط القائم بين العمل الإسلامي والأُطُر الحزبية الضيقة؛ ليتقبل العمل الإسلامي الإستراتيجية الصائبة الموصلة إلى الهدف، سواء انبعثت من داخله أو خارجه.(2/253)
2. ثانيها: تنمية الصفات التي تحقق التفاعل بين الأفراد وتعميقها، كالأخوة، والشورى، والتواصي بالحق وبالصبر، والعطاء المتبادل، والقدرة على التجميع، مع موالاة الأمة، لا الحزب. ولا بد من تحقيق التوازن بين الروح الفردية والروح الجماعية، وهذه مهمة التربية المتوازنة التي لا تحيل الأفراد أصفاراً، وأيضاً لا تنمي فيهم الفردية الجامحة، بل توفر لهم المناخ المناسب لتنمية شخصياتهم، مع اختيار أساليب العمل التي تحول دون التسلط، وتنمي المبادرات الذاتية، وترسخ الشورى.
3. ثالثهما: تحويل العمل من أسلوب المركزية في اتخاذ القرار وتطبيقه ومراقبة تنفيذه إلى أسلوب المشاركة التي تُحسِّن الأداء وتنمي الشخصية، فيلتقي نموها مع روح الفرد التي أثمرها التعاون فيزداد التفاعل وتتكامل الجهود. إن الجماعة والتنظيم في الإسلام يعني كلٌ منهما: التعاون والعلمية أي تعاون الجهود في خطة يضعها العلم؛ فجوهر الجماعة وحقيقة التنظيم إنما هو التعاون بين المسلمين، والتكامل بين نشاطاتهم في طريق التمكين لشريعة الله، وإقامة دولة الإسلام، وإحياء الأمة الإسلامية.
تعريف العمل المؤسسي:
كل تجمع منظم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل، لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبرى وفرق عمل وإدارات متخصصة: علمية، ودعوية، واجتماعية؛ بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرار في دائرة اختصاصها.. يعتبر عملاً مؤسسياً.
وليس المراد بالعمل المؤسسي العمل الجماعي المقابل للعمل الفردي؛ إذ مجرد التجمع على العمل، وممارسته من خلال مجلس إدارة، أو جمعية أو مؤسسة لا يجعله مؤسسياً، فكثير من المؤسسات والمنظمات والجمعيات التي لها لوائح ومجالس وجمعيات عمومية إنما تمارس العمل الفردي؛ لأنها مرهونة بشخص منها؛ فهو صاحب القرار، وهذا ينقض مبدأ الشورى الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي.
مزاياه وفوائده:(2/254)
1. تحقيق مبدأ التعاون والجماعية الذي هو من أسمى مقاصد الشريعة.
2. تضييق الفجوة بين عمل الدعاة، وردم الهوة بينهم بتحقيق ذلك المبدأ، وتأسيس الأعمال المشتركة بينهم؛ فإن ذلك يقلل التصادم والنزاع، وهي الطريقة المتبعة بين ادول في تأسيس اللجان والمجالس المشتركة، وهو ما لم يشعر بعض الدعاة بأهميته وضرورته بعد.
3. تحقيق التكامل في العمل، وذلك في عمل الفرد عزيز، فكثيراً مما يحصل من القصور في عمل الفرد يتلاشى في عمل المؤسسة؛ إذ المفترض حدوث التكامل باجتماع الجهود، والمواهب، والخبرات، والتجارب، والعلوم، مع التزام الشورى، والتجرد للحق. وأيضاً: فإن العمل الفردي يصطبغ بصبغة الفرد، بينما المفترض أن يخلو العمل المؤسسي من ذلك.
4. الاستقرار النسبي للعمل، بينما يخضع العمل الفردي للتغير كثيراً - قوة وضعفاً أو مضموناً واتجاهاً - بتغير الأفراد، أو اختلاف قناعاتهم.
5. القرب من الموضوعية في الآراء أكثر من الذاتية؛ حيث يسود الحوار الذي يَفْرض قيامُه وضعَ معايير محددة وموضوعية للقرارات تنمو مع نمو الحوار، في حين ينبني العمل الفردي على قناعة صاحبه.
6. دفع العمل نحو الوسطية والتوازن؛ إذ اجتماع الأفراد المختلفين في الأفكار والاتجاهات والقدرات يدفع عجلة العمل نحو الوسط، أما الفرد فلو توسط في أمر فلربما تطرف - إفراطاً أو تفريطاً - في آخر.
7. توظيف كافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية؛ وذلك لأن العمل المؤسسي يوفر لها جو الابتكار والعمل والإسهام في صنع القرار، بينما هي في العمل الفردي أدوات تنفيذية رهن إشارة القائم بالعمل، ويوم أن أعرض المسلمون عن هذا العمل خسروا كثيراً من الطاقات العلمية والعملية، فانفرد أصحابها بالعمل، أو فتروا عنه.
8. ضمان استمرارية العمل - بإذن الله تعالى - لعدم توقفه على فرد يعتريه الضعف والنقص والفتور، ويوحشه طول الطريق وشدة العنت وكثرة الأذى.(2/255)
9. وللمثال: فقد كان من أقوى أسباب استمرار التعليم قوياً في الدولة الإسلامية - حتى في عصور الضعف السياسي: قيامه على المؤسسات العلمية القوية التي تمدها الأوقاف، كما تمد سائر الجهود الدعوية والإغاثية - التي لم يُتجرأ عليها إلا في العصر الحديث - واليوم نرى استمرار المؤسسات الغربية قوية تساندها جمعيات كثيرة.
10. عموم نفعه للمسلمين؛ لعدم ارتباطه بشخصية مؤسسه، وهذا بدوره ينمي الروح الجماعية الفاعلة، ويحيي الانتماء الحقيقي للأمة، وهذا مكمن قوتها.
11. مواجهة تحديات الواقع بما يناسبها؛ فإن الأمة اليوم يواجهها تحدٍّ من داخلها، في كيفية تطبيق منهج أهل السنة مع الاستفادة من منجزات العصر، دون التنازل عن المبادئ، كما يواجهها تحدٍّ من خارجها مؤسسي منظم؛ والقيام لهذا وذاك فرض كفاية لا ينهض به مجرد أفراد لا ينظمهم عمل مؤسسي، كما لا ينهض أفراد الناس لتحدي العمل المؤسسي في مجالات الحياة الاقتصادية، أو السياسية، أو الإعلامية، أو غيرها.
12. الاستفادة من الجهود السابقة والخبرات التراكمية، بعد دراستها وتقويمها بدقة وإنصاف وحيادية، وبذلك يتجنب العمل تكرار البدايات من الصفر الذي يعني تبديد الجهود والعبث بالثروات.
سبب الإحجام عن العمل المؤسسي:
1. طبيعة المجتمعات الإسلامية المعاصرة عامة، وعدم ترسخ العمل المؤسسي في حياتها؛ لما اعتراها من بُعد عن الدين أدى إلى تأصل الفردية، وضعف الروح الجماعية، والحوار والمناقشة والمشاركة، ولما حلّ بها من تخلف حضاري أقعدها عن الأخذ بأسباب الفاعلية والنجاح، فأصابها التأخر وتبدد الطاقات.(2/256)
2. ضعف الملكة الإدارية لدى كثير من العاملين في الحقل الإسلامي، بسبب إهمال العلوم الإنسانية التي أفاد منها الغرب، وهذا مما ورثه العاملون عن مجتمعاتهم. وقد أدى هذا الضعف إلى الجهل بالعمل المؤسسي ومقوماته وأسباب نجاحه فتلاشت الخطط، وأغلقت دراسة الأهداف وإقامة المشاريع، وصار العمل مجرد ردود أفعال غير مدروسة أو عواطف غير موجهة.
3. حاجة الدعوة إلى الانتشار، مع قلة الطاقات الدعوية المؤهلة؛ مما حدا بكثير من الدعاة إلى التركيز على الكم لا الكيف، والغفلة عن قدرة العمل المؤسسي على الموازنة بين الكم والكيف، وتحقيق أكبر قدر منهما.
4. الخلط بين العمل الجماعي والمؤسسي، والظن بأن مجرد قيام الجماعة يعني عملاً مؤسسياً، في حين أن كثيراً من التجمعات والمؤسسات لا يصدق عليها حقيقة هذا الوصف؛ لانعدام الشورى، والمركزية في اتخاذ القرار.
5. الشبهات العارضة التي يتذرع بها المانعون من العمل الجماعي، بحجة بدعيته؛ فأحجموا بذلك عن العمل المؤسسي انطلاقاً من هذه الشبهة.
6. حداثة العمل الإسلامي المعاصر، فإنه إذا ما قورن عمره بعمر المؤسسات الغربية بان قصيراً جداً. يقال هذا لئلا تُهضم الحقوق، ولكي نقترب بالحديث من الإنصاف لهذه الصحوة المباركة؛ حيث نرى بوادر الاهتمام بالمجالات الإدارية أكثر من ذي قبل.
مقومات نجاح العمل المؤسسي:
للتربية الإيمانية المتكاملة أكبر الأثر في بناء الطاقات، وتنميتها، واستثمارها استثماراً مناسباً، وهذا عماد العمل المؤسسي، ويمكن تفصيل المقومات اللازمة لنجاحه على النحو الآتي:
1- توفر القناعة الكافية بهذا الأسلوب من العمل؛ بإدراك ضرورته، وخاصة في زمن القوة، وبمعرفة مزاياه وثمراته، وفهم مقومات نجاحه للوصول به إلى المستوى المطلوب.(2/257)
2- صدور القرارات عن مجالس الإدارة، أو اللجان ذات الصلاحية، حرصاً على خروجها من أدنى مستوى ممكن، لتكون أقرب إلى الواقعية وقابلية التنفيذ، ولا يجوز أن يكون المصدر هو الفرد أو المدير؛ فإنه يستمد صلاحياته - هو أيضاً - من المجالس، لا العكس، ويجب أن تملك المجالس واللجان صلاحية مراجعة قرارات المديرين ونقضها.
3- أن تكون مجالس الإدارة أو اللجان غير محصورة في بيئة واحدة محكومة بأطر تنشئة وتربية وتفكير محددة مما يؤثر على طبيعة اتخاذ القرار، فوجود أفراد من بيئات مختلفة ضمن هذه المجالس يثري العمل المؤسسي بتوسيع أنماط التفكير وتعديد طرق التنفيذ.
4- أن تسود لغة الحوار، حتى تتلاقح الآراء للخروج بأفضل قرار، وأيضاً حتى يخضع الرأي الشخصي لرأي المجموعة. ويذكر هنا بالمناسبة:نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأي أصحابه في أحد،وخروجه من المدينة تلبية لرغبتهم، مع ميله للبقاء في المدينة، وتأييد رؤياه لرأيه)، وبعدما حصل ما حصل لم يصدر منه لَوْم لأولئك المقترحين للخروج.
5- تحديد ثوابت ومنطلقات مشتركة للعاملين في المؤسسة تكون إطاراً مرجعياً لهم، توجه خطة العمل، وتناسب المرحلة والظروف التي تعيشها المؤسسة.
6- التسامي عن الخلافات الشخصية، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وهذا يتم بتحسين الاتصال والتواصل بين أفراد المؤسسة بعضهم مع بعض، وبينهم وبين سائر العاملين في الحقل الإسلامي.
وهذا أساس قوي للنجاح؛ ففي استفتاء لعدد من القياديين الناجحين اتضح أن الصفة المشتركة بينهم هي القدرة على التعامل مع الآخرين، ولن يتم ذلك لأحد ما لم تتربَّ أنفسنا على العدل والإنصاف، ومعرفة ما لدى الآخرين من حق، ومحاولة فهم نفسياتهم من خلال نظرتهم هم لأنفسهم، لا من خلال نظرتنا نحن.(2/258)
7- الاعتدال في النظرة للأشخاص؛ فإنه في حين يصل الأمر لدى المنحرفين عن أهل السنة والجماعة في نظرتهم للأشخاص إلى حد الغلو والتقديس، فإنَّا نجده عند بعض أهل السنة - الذين سلموا من الغلو - بالغاً إضفاء هالة على بعض الأشخاص تؤثر في مدى استعدادهم لمناقشة رأيهم، أو احتمال رفضه مع بقاء الاحترام الشخصي، وهؤلاء يشكلون ضغطاً على العمل المؤسسي وتوجيهاً غير مباشر للآراء. وكأن هذا ما أراده عمر - رضي الله عنه - حين عزل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - خشية تعلق الناس به، وربطهم النصر بقيادته.
8- إتقان التخطيط، وتحديد الأهداف لتنفيذها، وتوزيع الأدوار، وهذا يتطلب مستوى جيداً في إعداد القادة والمسؤولين، وتدريب العاملين مع الاستفادة من كل الإمكانات، وتوظيف جميع الطاقات، بعد التعرف عليها جيداً.
والمهم هو التركيز في جداول الأعمال على المنطلقات والأسس والخطوط العامة، دون الانهماك في المسائل الإجرائية، والتي قد لا تحتاج إلا لمجرد قرار إداري أو إجراء تقليدي، ودون المسائل التي يكثر الجدل والخلاف حولها.
ولضبط الخطط، وإتقان تنفيذها، وبلوغ الأهداف، يراعى الآتي:
أ - الأناة في التخطيط، والحماسة في التنفيذ؛ فالأول: لمراعاة القدرات والإمكانات، ومعرفة التحديات وحسن تقدير العواقب، وتحاشي مخاطر السرعة، والثاني: لاستباق الخيرات، وكسب الزمان، واغتنام الهمة، ومبادرة العزيمة.
ب - أهمية قيام المؤسسات بأداء أعمالها بأساليب علمية حكيمة تكفل استمرارها وأداءها لعملها على الوجه المطلوب، وحتى لا تتعرض لكيد الكائدين وأساليب المغرضين، ولا ينبغي أن يكون أهل النفاق أكثر حنكة منا؛ فكم نالوا أهدافهم من جمعياتهم وأعمالهم حتى بلغوا مناهم.
المرجع: العمل المؤسسي-عبد الحكيم بلال.
ـــــــــــــــــ
العهد(2/259)
لغة: الوصية يقال: عهد إليه إذا أوصاه ،والعهد: الأمان والموثق والذمة، ومنه قيل للحربى يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد(1).
واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك.
والوفاء بالعهد واجب شرعا، والأدلة على ذلك كثيرة.
فمن الكتاب ، قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان
بعد توكيدها}النحل:91 ، وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}الإسراء:34 ، وقد وصف الله تعالى: الذين ينقضون العهد بالخسران ، فقال تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه يقطعون ما أمرالله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون}البقرة:27، وأما السنة: فقد نفى النبى - صلى الله عليه وسلم - الدين عمن لا عهد له ، فقال عليه السلام: (لا دين لمن لا عهد له) أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك(2) أضف إلى ذلك التزام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسائر عهوده وعدم مخالفتها ،ومن ذلك وفاؤه بالوثيقة التى عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، والتزامه بما اتفق عليه مع المشركين فى صلح الحديبية.
وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقض العهد بالنفاق ، ولا شك أن النفاق محرم ، فيكون ما أدى إليه ، وهو نقض العهد نفاقا محرما فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) (3) فمن الأدلة السابقة يتضح أنه يجب على المؤمن الوفاء بالعهد، سواء كان هذا العهد بين المسلمين أنفسهم ، أو كان بين المسلمين وغيرهم ممن عقدوا لهم العهد والأمان.(2/260)
ويجب على المسلم إتمام مدة العهد إلى معاهده ، فيمتنع بذلك عن ظلمه امتثالا لقوله تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}التوبة:4 ، واتباعا لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ظلم المعاهد بقوله: (من ظلم معاهدا أو انتقصه أوكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)(4).
فإذا خالف المسلم ذلك فإنه يكون ناقضا للعهد، وهو من الغدر، وقد شهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغادر، فيما رواه عنه عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال عليه السلام: (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)0(5).
ومع ذلك إذا غدر المعاهد ونقض عهده فللمسلم أن ينبذ العهد، أى ينقض العهد جهرا لا سرا، ويعلم المعاهد بنقض العهد، ثم بعد ذلك يجوز للمسلم أن يخالف العهد وأن يوقع بالمعاهد.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}الأنفال:58.
وما رواه عمر بن عبسة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدا ولا يشدنه حتى يمضى أمده أو ينبذ إليهم على سواء)(6).
ومن صور غدر المعاهدين ونقضهم للعهد: قتالهم للمسلمين ، أو امتناعهم عن إعطاء الجزية، ومن إجراء حكم الإسلام عليهم ، أو من دل أهل الحرب على عورة المسلمين -تجسس عليهم- أو فتن مسلما فى دينه(7).
.... إلخ.
وقد اتفق الفقهاء على أن الحلف بعهد الله يعتبر يمينا، يترتب على الحلف به الآثار التى تترتب على كل يمين من وجوب البر بها، أو الكفارة الواجبة عند الحنث إلا أن الشافعية اشترطوا لاعتبار هذه الصيغة يمينا أن ينوى الحالف بها اليمين ، لاستحقاق الله للعهد الذى أخذه على بنى آدم(8).
ويعتبر من صور الوفاء بالعهد ، ما يعهد به الحاكم إلى من بعده ، كما عهد أبو بكر إلى عمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى رضى الله عنهم(9).
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
الغرور
- التواضع وحاجتنا إليه .(2/261)
o معنى التواضع : أن لا ترى لنفسك قيمة .
- معنى الغرور : ما اغتر به من متاع الدنيا .
- أسباب الغرور :
1. إهمال النفس .
2. الأسرة وخاصة الأب .
3. تأثر الإنسان بالمحاضن التي يعيش فيها غير الأسرة .
أ - المدرسة .
ب - الصحبة وإن كان ظاهرها الصلاح .
ت - مكان العمل .
4. سرعة الافتتان .
أ - الفتنة بالمال .
ب - الفتنة بحسن الهيئة واللباس .
5. معرفة الإنسان لأهل الوجاهة .
6. الغفلة عما أعد الله للمغرورين من العقاب وللمتواضعين من الأجر والثواب .
7. تواضع الآخرين المفرط .
8. الانصراف للدنيا وطلبها .
9. الغفلة والتساهل في النصيحة .
10. الإعجاب بالعمل وإن كان على طاعة الله .
11. التعمق في تحصيل المعرفة وإن كانت شرعية .
- مظاهر الغرور :
1. النظر إلى الآخرين نظرة ازدراء وتنقص .
2. كثرة ذكر محاسن النفس .
3. عدم خضوعه لصولة الحق .
- آثار الغرور :
1. إن الله تعالى يبتلي المغرور بنفسه .
2. عدم التوفيق والتمكين من الله سبحانه وتعالى .
3. ابتعاد الناس عن المغرور والأنفة من ذكره ومن مخاطبته .
4. الوقوع في المراء والجدال .
5. حب الاستبداد بالرأي .
6. إن المغرور لا يبحث إلا عن النقائص والعيوب .
7. الانهيار في أوقات المحن وقلة الصبر .
8. الضيق وعدم راحة النفس واضطرابها .
- العلاج :
1.النظر في عواقب الغرور وآثاره .
2. الوقوف مع النفس وقفة المحاسبة .
3. الاهتمام بالنصيحة .
4. دوام النظر في كتاب الله تعالى .
5. التأمل في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
6. النظر في سيرة السلف .
7. الاعتدال في المدح والثناء .
8. الابتعاد عمن يعين على هذا الداء .
9. دعاء المغرور لنفسه ودعاء غيره له .
المرجع : وقفات مع الغرور – إبراهيم بوبشيت – دار الوطن .
الغرور
الغرور
أولاً : معنى الغرور
• لغة : يطلق الغرور في اللغة على عدة معان أهمها :
أ- الخداع سواءً كان للنفس أو للغير ، أو للنفس وللغير معاً.(2/262)
قال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }النساء120.
ب- ما يؤدى إلى الغرور، وما يوقع فيه، قال الجوهري، والغرور بالضم ما اغتر به من متاع الدنيا.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }لقمان33.
• اصطلاحاً : أما في اصطلاح الدعاة أو العاملين فإن الغرور : هو إعجاب العامل بنفسه إعجاباً يصل إلى حد احتقار أو استصغار كل ما يصدر عن الآخرين بجنب ما يصدر عنه، ولكن دون النيل من ذواتهم.
ولا شك أن من كان بهذه المثابة فهو مخدوع، وتبعاً لذلك فإننا يمكن أن نفهم مدى التلاقي بين المعنى الاصطلاحي و المعنى اللغوي.
ثانياً : أسباب الغرور
1- إهمال النفس من التفتيش والمحاسبة:
• قد يكون السبب في الغرور إنما هو إهمال النفس من التفتيش والمحاسبة ذلك أن بعض العاملين قد يبتلى بالإعجاب بالنفس ولإهماله نفسه من التفتيش والمحاسبة يتمكن الداء منه ويتحول إلى احتقار أو استصغار ما يقع من الآخرين بالإضافة إلى ما يقع منه وبذلك يصير مغروراً.
• أوصى الإسلام بالتفتيش في النفس ومحاسبتها أولاً بأول.
• قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18.
2- الإهمال أو عدم المتابعة والأخذ باليد من الآخرين
• قد يكون السبب في الغرور إنما هو الإهمال أو عدم المتابعة والأخذ باليد من الآخرين.(2/263)
• ذلك أن بعض العاملين قد يصاب بآفة الإعجاب بالنفس ويكون من ضعف الإرادة وخور العزيمة وفتور الهمة بحيث لا يستطع التطهر بذاته من هذه الآفة وإنما لابد له من متابعة الآخرين ووقوفهم بجواره وأخذهم بيده وقد لا يلتفت الآخرين إلى ذلك فيقعدون عن أداء دورهم وواجبهم وحينئذ تتمكن هذه الآفة من النفس وتتحول بمرور الزمن إلى غرور.
• قد أكد الإسلام على النصيحة حتى جعل الدين كله منحصراً فيها وراجعاً إليها ، إذ يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (الدين النصيحة ) قلنا : لمن ؟ قال : الله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسمين وعامتهم ) أخرجه مسلم.
• يقول الله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2.
• يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه).
3- الغلو أو التشدد في الدين :
• وقد يكون السبب في الغرور إنما هو الغلو أو التشدد في الدين ذلك أن بعض العاملين قد يقبل على منهج الله في غلو وتشدد وبعد فترة من الزمان ينظر حوله فيرى غيره من العاملين يسلكون المنهج الوسط فيظن لغفلته أو عدم إدراكه طبيعة هذا الدين أن ذلك منهم تفريط أو تضيع ويتمادى به هذا الظن إلى جد الاحتقار والاستصغار لكل ما يصدر عنهم بالإضافة إلى ما يقع منه وذلك هو الغرور.
• دعا الإسلام إلى الوسطية بل وحذر من الغلو أو التشدد في الدين.
• يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للرهط الذين عزموا على التبتل واعتزال الحياة: ( أنتم قلتم كذا وكذا : أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منى ) أخرجه البخاري.
4- التعمق في العلم لاسيما غرائب وشواذ المسائل مع إهمال العمل(2/264)
• قد يكون السبب في الغرور إنما هو التعمق في العلم لاسيما غرائب وشواذ المسائل مع إهمال العمل.
• وربما لاحظ أثناء طرح هذه المسائل غفلة بعض العاملين عنها وعدم إلمامهم بها إنما لأنها ثانوية لا يضر الجهل بها وإما لأنه لا يترتب عليها عمل فيخطر بباله أن هؤلاء لا يتقنون من مسائل العلم شيئا وإن أتقنوا فإنما هو قليل في جانب ما لديه من الغرائب والشواذ وما يزال هذا الخاطر يتردد في نفسه ويلح عليه حتى يتحول إلى احتقار واستصغار ما لدى الآخرين بالإضافة إلى ما عنده وذلك هو داء الغرور.
• وقد دعوى الإسلام إلى أن يكون السعي في طلب العلم دائما حول النافع والمفيد.
• كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها) أخرجه مسلم.
5- الوقوف عند الطاعات مع نسيان المعاصي والسيئات
• قد يكون السبب في الغرور إنما هو الوقوف عند الطاعات مع نسيان المعاصي والسيئات ذلك أننا جميعا بشر وشأن البشر سوى النبيين الصواب والخطأ وإذا غفل العامل عن ذلك فإنه كثيراً ما يقف عند الطاعة أو الصواب في الوقت الذي ينسى فيه المعصية أو الخطأ وتكون العاقبة الإعجاب بالنفس المقرون باحتقار ما يقع فيه الآخرون إلى جانب ما يصدر عنه وهذا هو الغرور.
• لفت المولى سبحانه وتعالى النظر إلى هذا السبب أو إلى هذا الباعث وهو يمدح صنفا من المؤمنين يؤدى الطاعة ويخاف أن يكون قد وقع منه ما يحول بينه وبين قبولها فقال : { إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{60} أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{61} المؤمنون57-61.(2/265)
• تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: قلت يا رسول الله : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال : ( لا يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلى ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل ) أخرجه الترمذي في السنن.
• كما لفت النبي - صلى الله عليه وسلم - النظر إلى ذلك حين دعا إلى أن يكون التعويل بعد الفراغ من العمل على فضل الله ورحمته لا على العمل نفسه وإلا كان الغرور والضياع فقال : ( لن ينجى أحدا منكم عمله ) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) أخرجه البخاري.
• قال عبد الله بن مسعود ( إن المؤمن من يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا أي نحاه بيده ودفعه عنه ).
6- الركون إلى الدنيا
• وقد يكون السبب في الغرور هو الركون إلى الدنيا : ذلك أن بعض العاملين قد يفطن إلى أنه مبتلى بآفة الإعجاب بالنفس بيد أنه لركونه إلى الدنيا وانغماسه فيها ربما يعتريه الكسل فلا يستطيع أن يجمع همته لمداواة نفسه بل قد يأخذ في التسويف وتأخير التوبة.
• قال تعالى في ذم الدنيا والتحذير منها {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }الحديد20.(2/266)
• وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة : إن أعطى رضى وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله وأشعت رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع ) أخرجه البخاري.
• و كان - صلى الله عليه وسلم - حين يقوم من مجلس يدعو بهذا الدعاء لأصحابه: ( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منها واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ) أخرجه الترمذي في السنن.
• يقول على رضي الله تعالى عنه :( ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهم بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل).
• يقول الحسن رحمه الله : ( من نافسك في دينك فنافسه فيه ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره).
• يصور بعضهم هذا الوعي وذلك الإحساس قائلا :
إن لله عبادا فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيا فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوه لجة واتخذوا صالح العمال منها سفنا
7- رؤية بعض ذوى الأسوة والقدوة على حال دون الحال التي ينبغي أن يكونوا عليها
• وقد يكون السبب في الغرور إنما هي رؤية بعض ذوى الأسوة والقدوة على حال دون الحال التي ينبغي أن يكونوا عليها.
• ذلك أن بعض ذوى الأسوة والقدوة قد ينزلون لسبب أو لآخر عن الحال التي ينبغي أن يكونوا عليها من أخذ أنفسهم بالعزيمة في غالب الأحيان إلى حال أقل منها من أخذ أنفسهم بالرخص في بعض الأوقات.(2/267)
• وربما رأي ذلك من يحاول الإقتداء والتأسي بهم ولقلة رصيده من الفقه أو لعدم اكتمال تربيته يتوهم أو يظن أنهم بذلك دونه في العمل بمراحل ويظل هذا الوهم أو هذا الظن يلاحقه ويلح عليه حتى يتحول والعياذ بالله إلى الإعجاب بالنفس ثم الغرور.
• وقد دعا الإسلام إلى البعد عن مواطن التهم من خلال بيان وجه الحق في سائر التصرفات المباحة التي ربما تؤدى إلى سوء الظن.
• عن صفية بنت حيى زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها أنها جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ( على رسلكما :إنما هي صفية بنت حيى )فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :( إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ) أخرجه البخاري.
• (صلى يزيد الأسود مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام شاب فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال : ( ما منعكما أن تصليا معنا )؟ قالا : قد صلينا في رحالنا فقال: لا تفعلوا إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصلى فليصل معه فإنها له نافلة ) أخرجه أبو داود في السنن.
• قال ابن دقيق العيد: (وهذا أي التحرز من كل ما يوقع في التهم متأكد في حق العلماء ومن يقتدي بهم فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلا يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم وقد قالوا : أنه ينبغي للحاكم أن يبين وجه الحق للمحكوم عليه إذا خفي عليه وهو من باب نفي التهمة بالنسبة إلى الجور في الحكم ).(2/268)
8- مبالغة بعض العاملين في إخفاء ما يصدر عنهم من أعمال
• وقد يكون السبب في الغرور إنما هي مبالغة بعض العاملين في الإخفاء ما يصدر عنهم من أعمال.
• ذلك أن بعض العاملين قد يحمله الحرص على تحقيق معنى الإخلاص إلى أن يبالغ في إخفاء ما يصدر عنه من عمل فلا يظهر منه إلا أقل القليل وربما لا حظ أو رأي بعض من لم تتضح تربيتهم بعد هذا الذي يظهر فقط فيتوهم أن عمل هؤلاء قليل في جنب عمله ويظل هذا الوهم يساوره ويلح عليه حتى يقع في الإعجاب بالنفس ثم الغرور.
• وقد دعا الإسلام إلى إبراز الأعمال الطيبة والتعرض بها للناس فوق كونها تحريضاً لهم على الإقتداء والتأسي فيها إشارة إلى هذه السبب أو إلى هذا الباعث مع بيان طريق الخلاص منه : إذ يقول الله تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }البقرة271.
• ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة ).
• قال صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء) أخرجه مسلم.
9- تفرقة بعض ذوى الأسوة والقدوة في معاملة المتأسين أو المقتدين(2/269)
• ذلك أن بعض ذووا الأسوة والقدوة قد تغيب عن بالهم الأسلوب الأمثل في معاملة المتأسين أو المقتدين فتراهم يقربون البعض ويفسحون صدورهم له ويتغاضون عن هفواته وأخطائه في الوقت الذي يعرضون فيه عن البعض الآخر ويضيقون به ذرعاً ويفتحون عيونهم على أدنى الهفوات والزلات التي تقع منه وربما كان في الصنف الأول من لم تكتمل تربيتهم ولم تنضج شخصياتهم بعد ويشاهد هذه الفرقة في المعاملة فيخطر بباله أنها نابعة مما لديه من إمكانيات ومواهب لا توجد عند الآخرين ويظل هذا الخاطر يلح عليه حتى يكون الإعجاب بالنفس ثم الغرور.
• لقد سد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الباب من خلال حرصه على معاملة أصحابه بالسوية إذ كان من هديه صلى الله عله وسلم ما يقول واصفوه : ( أن يعطى كل جلسائه نصيبه ولا يحسب جليسه أن أحد أكرم عليه منه ).
• ويوم أن كانت الحاجة تلجؤه - صلى الله عليه وسلم - إلى التفرقة في المعاملة ولا يفهم جليسه الحكمة من وراء ذلك يبين ذلك صراحة
• يروى سعد بن أبى وقاص فيقول :( أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطا وأنا جالس فترك رجلا هو أعجبهم إلي فقلت يا رسول الله مالك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمناً ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( أو مسلماٍ ) فسكتّ قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي فقلت : مالك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمناً وعاد - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : ( يا سعد إني لأعطى الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار ).
المرجع: آفات على الطريق-السيد محمد نوح.
ـــــــــــــــــ
الغرور
لغة: كل ما غر الإنسان من مال ، أو جاه أو شهوة أو إنسان أو شيطان.(2/270)
واصطلاحا: هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع (التعريفات للجرجانى) وتجىء مادة "الغرور" بصيغ مختلفة فى القرآن الكريم ، لتدل على معان أهمها الانخداع والتعالى المؤدى إلى البطر، ونكران نعم الله على الإنسان ، الأمر الذى يحاسب عليه بقوله: {ما غرك بربك الكريم}الانفطار:6 ، ولأن هذا الموقف مبنى على باطل ، كان النهى عن كل أنواع الغرور والاغترار بالدنيا أو بالدين (1).
أما فى السنة الشريفة فيتركز التنبيه على روافد الغرور، وهى الإعجاب بالنفس وهو ظن كاذب بالنفس فى استحقاق منزلة هى غيرمستحقة لها وكذلك الكبر الذى ينبنى على الإعجاب الخادع ، ويؤدى إلى الغرور والتعالى وغمط الحق وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات: شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه)(2) (لا يدخل الجنة من كان فى قلبة مثقال ذرة من كبر)(3).
وما ذلك إلا لأن الكبر والعظمة صفة الرحمن وحده.
وتبين السنة العلاج حين تدعو إلى التواضع ، وإلى أن يعرف الإنسان أصل خلقته ومصيره الذى سيئول إليه.
والربط بين مولدات الغرور وبينه ، موضع اهتمام علماء المسلمين الذين كتبوا فى الأخلاق والتربية فمسكويه يقرر أن الغرور جهل من الإنسان بعيوبه وجهل بحقيقة هامة هى أن الفضل مقسوم بين البشرلا يكمل الواحد منهم إلا بفضائل غيره (4).
والماوردى يذكرأن الغرور المبنى على الكبروالإعجاب يضر بصاحبه قبل
غيره لأن غروه يمنعه من أن يستفيد من علم غيره لغروره ، ولا يألفه أحد
لتكبره فهو معزول عن مجتمعه ممقوت فيه (5).
أما الأصفهانى فيظهر نقص المغرور لأنه يغتر بما ليس يملك من علم أوعمل أومال ونحو ذلك لأن هذا عطية من الله ، والعاقل يشكرولا يغتر، فكيف به إذا استطال أو صلف (اغتر)(6).(2/271)
أما ابن حزم فيدعو الإنسان المغرور المعجب بما عنده أن يفكر ملئا فى حاله كيف هو وفى النعم التى عنده ، من أين أتت؟ وهل هى كاملة دائمة؟ إلى غير ذلك مما يعيد إليه توازنه ، والا فمصيبته إلى الأبد(7).
أما الحارث المحاسبى فقد فصل القول فى الكبروالإعجاب والغرور باعتبارها أمراضا نفسية لها خطرها على العقيدة والعبادة وممارسة الحياة، مبينا كيف يكون العلاج وسائله وضوابطه (8).
أ.د/أبواليزيد العجمى
ـــــــــــــــــ
الغزنويون
اصطلاحا: يقصد بهم جماعة من الأتراك الذين سكنوا الجزء الجنوبى الشرقى من التركستان وهضاب أفغانستان وجبالها ، وهى الجهات التى سبق أن فتحها القائد الأموى قتيبة بن مسلم الباهلى سنة 90هـ/709م.
أخذ نفوذ أولئك الأتراك يعلو فى الدولة الإسلامية منذ استخدمهم الخليفة العباسى المعتصم 218هـ/833م فى حرسه الخاص ، حتى آل إليهم أخيرا حكم كثير من ولايات الخلافة العباسية.
ونبغ من أولئك الأتراك زعيم يسمى "ألبتكين" أقامه السامانيون الذين أقاموا لهم دولة مستقلة فى ظل الخلافة العباسية حاكما على خراسان ، ثم اختلف معهم ، فاتجه إلى غزنة فى أقصى بلاد الإسلام شرقا، وأنشأ لنفسه مع إخوانه الأتراك دولة هى المعروفة باسم الدولة الغزنوية وذلك فى سنة 351هـ/962م)وطال عمرها حتى سنة (582هـ/1186م) وامتد سلطانها حتى شمل كل أفغانستان وإقليم البنجابا، وهو حوض نهرالسند بالهند.
وتعد هذه الدولة من دول الفتوح فى الإسلام فاشتهر من حكامها "سبكتكين" (366/387هـ) ثم ابنه "محمود" 388-421هـ الذى استطاع أن يضيف بجهاده إلى دار الإسلام قدر ما أضاف عمربن الخطاب فى المساحة تقريبا إذ أنه فتح شمال الهند كله بما فى ذلك نهر الكنج إلى مصبه ، ووصل بالإسلام إلى سفوح الهملايا شمالا، وتسلق هضبة الدكن جنوبا.
وفى هذه المساحة كلها زالت الوثنية وحلت محلها عبادة الله وقامت المساجد.(2/272)
وكان "محمود" وافيا لوحدة الإسلام ،فاعترف بالتبعية للخليفة العباسى القادر بالله 381-422هـ وتلقى منه التفويض وخلع السلطنة، ولقبه الخليفة بلقب الأمير كما عرف "بالغازى" وهو أول من حمل هذه التسمية.
وفى أيام الغازى محمود أصبحت غزنة من العواصم العظام فى دار الإسلام فازدانت بالمساجد السامقة والمبانى الدينية العظيمة.
كما ظهر فى بلاطه العديد من علماء المسلمين مثل أبو الريحان البيرونى الذى صحب الغازى محمود فى حملاته إلى بلاد الهند، وظهر أيضا أبو القاسم الفردوسى وهو الشاعر الإيرانى الكبير مؤلف الشاهنامة.
وقد تفككت هذه الدولة بسبب اتساعها الكبير وقامت فى لاهور شمال الهند دولة جديدة تعرف باسم "دولة الغوريين" وهم منسوبون إلى "الغور" من أقاليم جنوب أفغانستان ، وتمكن الغوريون من إخضاع منافسيهم فى شمال شرقى الهند ثم وسعوا حدود بلادهم ، وجعلوا عاصمتهم مدينة "دهلى" التى تسمى الآن "دلهى".
وتابع الغوريون مطاردة آخر سلاطين الغزنويين بالهند وهما السلطان خسرو وابنه بهرام شاه الثانى حتى قتلوهما، وبذلك انتهت سيرة الدولة الغزنوية التى عمرت قرنين من الزمان.
أ.د/إبراهيم أحمد العدوى
ـــــــــــــــــ
الغضب آداب وأحكام
مقدمة:
• الغضب عدو العقل.
• الغضب من الصفات التي ندر أن يسلم منه أحد بل تركه بالكلية صفة نقص لا كمال.
• الغضب ينسي الحرمات، ويدفن الحسنات، ويخلق للبريء جنايات.
• كثير منا لا يحسن الغضب إن غضب, ولم نرب أنفسنا وأولادنا كيف نغضب ولماذا نغضب.
تعريف الغضب:
• عَرَّف الغضبَ جمعٌ من علماء اللغة وغيرهم ، واختلفت العبارات ، واتفقت الثمرة فكلمة ( الغضب ) يدرك معناها الصغير ، والكبير بلا تكلف أو تعب.
• والغضب في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة؛ لشدتها.
• والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها ".
أسباب الغضب:(2/273)
بواعث الغضب ، وأسبابه كثيرة جداً، والناس متفاوتون فيها، فمنهم مَن يَغضب لأمر تافه لا يُغضب غيره وهكذا، فمِن أسباب الغضب:
أولاً: العُجب
فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين وذلك برده ودفعه.
• مخاطر العجب:
- العجب قرين الكِبْر وملازم له., والكِبْر من كبائر الذنوب فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ( لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر ).
- عن ابن عباس –رضي الله عنهما – مرفوعاً: ( المهلكات ثلاث إعجاب المرء بنفسه وشح مطاع وهوى متبع ).
- وجاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى بن مريم -صلى الله عليهما وسلم- فقال: أخبرني بما يُقرِّب من رضا الله، وما يُبعد من سخط الله ؟ فقال: " لا تغضب " . قال : الغضب ما يبدئه وما يعيده ؟ قال: " التعزز والحمية والكبرياء والعظمة ".
ثانيا: المراء
المراء رائد الغضب
• مخاطر المراء:
- قال عبد الله بن الحسين : " المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب ".
- نهى الشارع عن المراء قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ).
ثالثا : المزاح
• قال الشاعر:
إن المزاح بدؤه حلاوة *** لكنما آخره عداوة
يحتد منه الرجل الشريف *** ويجتري بسخفه السخيف
• بعض المكثرين من المزاح يتجاوز الحد المشروع منه، إما بكلام لا فائدة منه، أو بفعل مؤذ قد ينتج عنه ضرر بالغ ثم يزعم أنه كان يمزح.
• قال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جاداً ولا لاعباً ).
• قال أبو هقان:
مازح صديقك ما أحب مزاحا *** وتوق منه في المزاح مزاحا
فلربما مزح الصديق بمزحة *** كانت لباب عداوة مفتاحا
• ذكر خالد بن صفوان المزاح فقال: يَصُكُّ أحدكم صاحبه بأشد من الجندل, ويُنشقه أحرق من الخردل, ويُفرغ عليه أحرَّ من المرجل ثم يقول: إنما كنت أمازحك.
• قال محمود الوراق:(2/274)
تَلََقَّى الفتى أخاه وخدنه *** في لحن منطقه بما لا يُغتفر
ويقول كنت ممازحاً وملاعباً *** هيهات نارك في الحشا تتسعر
ألهبتها وطفقت تضحك لاهيا *** مما به وفؤاده يتفطر
أو ما علمت ومثل جهلك يتقى *** أن المزاح هو السباب الأكبر
• قال عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى – " إياك والمزاح فإنه يجر القبيح ويورث الضغينة".
رابعا : بذاءة اللسان وفحشه
بشتم أو سب أو تعيير مما يوغل الصدور, ويثير الغضب.
• قال النبي –صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يبغض الفاحش البذيء ).
خامساً: شدة الحرص على فضول المال والجاه
قال الغزالي: " ومن أشد البواعث عليه عند أكثر الجهال: تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكِبر همة ".
أنواع الغضب:
الأول: الغضب المحمود
• وهو ما كان لله –تعالى- عندما تنتهك محارمه.
• هذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان.
• الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان.
• قال تعالى عن موسى-عليه السلام وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه العجل: ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) .
• أما غضب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله تعالى.
• عن عائشة رضي الله عنها قالت : (ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل).(2/275)
• ما أكثر ما تنتهك محارم الله تعالى في هذا الزمان علناً، فكثير من وسائل الإعلام لا همَّ لها سوى نشر الرذيلة، ومحاربة الفضيلة، وإشاعة الفاحشة، وبث الشبهات، وتزيين المنكر، وإنكار المعروف، والاستهزاء بالدين وشعائره فهذا كله مما يوجب الغضب لله –تعالى- وهو من الغضب المحمود.
• هذا الغضب علامة على قوة الإيمان، ويؤدي لحفظ الأوطان، وسلامة الأبدان، وتظهر ثمرة الغضب هنا بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
• أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير فسبب للهلاك.
• عن زينب بنت جحش –رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو يقول : (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :(نعم إذا كثر الخبث).
• من الغضب المحمود: الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء، وانتهاك للأعراض، واستباحة للأموال، وتدمير للبلدان بلا حق.
الثاني: الغضب المذموم
• هو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية.
الثالث: الغضب المباح
• هو الغضب في غير معصية الله –تعالى- ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد.
• كظم الغضب هنا خير وأبقى، قال تعالى ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران : 134).
• ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء , فتهيأ للصلاة , فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه , فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل - يقول :(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي . قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة.
درجات الناس في قوة الغضب(2/276)
الأولى: التفريط ويكون ذلك بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها.
الثانية: الإفراط ويكون بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ولا تبقى للمرء معها بصيرة ونظر ولا فكرة ولا اختيار.
الثالثة: الاعتدال وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين.
علاج الغضب:
أولا: الاستعاذة بالله من الشيطان
• قال تعالى: ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36).
• عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه – قال : (كنت جالساً مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه , وانتفخت أوداجه , فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) فقالوا له: إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال :( تعوذ بالله من الشيطان ) فقال : وهل بي جنون).
ثانيا: تغيير الحال
• عن أبى ذر -رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
ثالثا: ترك المخاصمة والسكوت
• عن ابن عباس -رضي الله عنهما -عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال ( علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ).
• قال الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبح *** فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما *** كعود زاده الإحراق طيبا
• قال سالم ابن ميمون الخواص :
إذا نطق السفيه فلا تجبه *** فخير من إجابته السكوتُ
سكتُّ عن السفيه فظن أني *** عييتُ عن الجواب وما عييتُ
شرار الناس لو كانوا جميعا *** قذى في جوف عيني ما قذيتُ
فلستُ مجاوبا أبدا سفيها *** خزيتُ لمن يجافيه خزيتُ
رابعا: الوضوء(2/277)
• عن عطية السعدي -رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)
خامسا: استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ
فمن استحضر الثواب الكبير الذي أعده الله تعالى لمن كتم غيظه وغضبه كان سببا في ترك الغضب والانتقام للذات , وبتتبع بعض الأدلة من الكتاب والسنة نجد جملة من الفضائل لمن ترك الغضب منها :
1/ الظفر بمحبة الله تعالى والفوز بما عنده.
• قال تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134) ومرتبة الإحسان هي أعلا مراتب الدين .
• وقال تعالى ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى:36-37) .
• عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( ثلاثة مَن كنَّ فيه آواه الله في كنفه , وستر عليه برحمته وأدخله في محبته ) قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال : ( مَن إذا أُعطي شكر , وإذا قَدر غفر , وإذا غَضب فتر).
2/ ترك الغضب سبب لدخول الجنة
• عن أبي الدرداء -رضي الله عنه – قال : (قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة . قال : (لا تغضب ولك الجنة).
3/ المباهاة به على رؤوس الخلائق
• عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال (مَن كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء).
4/ النجاة من غضب الله تعالى(2/278)
• عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله ما يمنعني من غضب الله ؟ قال (لا تغضب).
5/ زيادة الإيمان
• قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( وما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا).
6/ كظم الغيظ من أفضل الأعمال
• عن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- (ما من جرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله ).
سادسا : الإكثار من ذكر الله تعالى
• قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).
سابعا : العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
• عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أوصني . قال ( لا تغضب ) فردد مرارا قال (لا تغضب ).
• قال ميمون بن مهران : جاء رجل إلى سلمان -رضي الله عنه -فقال : يا أبا عبد الله أوصني . قال : لا تغضب . قال : أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك . قال : فإن غضبت فاملك لسانك ويدك.
ثامنا : النظر في نتائج الغضب
• كثير الغضب تجده مصابا بأمراض كثيرة كالسكري والضغط والقولون العصبي وغيرها.
• بسبب الغضب تصدر من الغاضب تصرفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب.
• عن علي -رضي الله عنه- قال " لذة العفو يلحقها حمد العاقبة , ولذة التشفي يلحقها ذم الندم.
• قال الكريزي :
ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم *** عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب
• كم ضاع من خير وأجر وفضل بسبب الغضب، وكم حلت من مصيبة ودمار وهلاك بسبب الغضب، وبسبب ساعة غضب قطعت الأرحام، ووقع الطلاق، وتهاجر الجيران، وتعادى الإخوان.(2/279)
• كتب عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى-إلى عامل من عماله " أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ".
• قال المعتمر بن سليمان: كان رجل ممن كان قبلكم يغضب, ويشتد غضبه فكتب ثلاث صحائف, فأعطى كل صحيفة رجلاًً, وقال للأول: إذا اشتد غضبي فقم إلي بهذه الصحيفة وناولنيها. وقال للثاني: إذا سكن بعض غضبي فناولنيها. وقال للثالث: إذا ذهب غضبي فناولنيها. وكان في الأولى: اقصر فما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا. وفي الثانية: ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء. وفي الثالثة: احمل عباد الله على كتاب الله فإنه لا يصلحهم إلا ذاك.
تاسعا : أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده
• عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).
عاشراً: قبول النصيحة والعمل بها
• على من شاهد غاضباً أن ينصحه، ويذكره فضل الحلم، وكتم الغيظ، وعلى المنصوح قبولُ ذلك.
• قال ابن عباس -رضي الله عنهما- استأذن الحر بن قيس لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزْل( أي العطاء الكثير) ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى همَّ به . فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) وإن هذا من الجاهلين . والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه, وكان وقافا عند كتاب الله.
الحادي عشر : أخذ الدروس من الغضب السابق
• لو استحضر كل واحد منا قبل أن يُنفذ غضبه الحاضر ثمرةَ غضبٍ سابقٍ ندم عليه بعد إنفاذه لما أقدم على ما تمليه عليه نفسه الأمارة بالسوء مرة ثانية.
• منع الغضب أسهل من إصلاح ما يفسده.(2/280)
• قال ابن حبان –رحمه الله تعالى – " سرعة الغضب من شيم الحمقى كما أن مجانبته من زي العقلاء, والغضب بذر الندم فالمرء على تركه قبل أن يغضب أقدر على إصلاح ما أفسد به بعد الغضب ".
الثاني عشر: اجتناب وإزالة أسباب الغضب
• قال الشيخ السعدي –رحمه الله تعالى – " ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم : السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم , وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور , وذلك بنسيان ما مضى من المكاره التي لا يمكنه ردُّها , ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال , وأن ذلك حمق وجنون ".
الثالث عشر: معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة فتركهما إغلاق لباب من أبواب العصيان
• قال ابن القيم رحمه الله تعالى " ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة , وكان نهاية قوة الغضب القتل , ونهاية قوة الشهوة الزنى جمع الله –تعالى- بين القتل والزنى , وجعلهما قرينين في سورة الأنعام , وسورة الإسراء , وسورة الفرقان , وسورة الممتحنة , والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة ".
الرابع عشر: معرفة أن الغضبان لا رأي له
• قال ابن حبان -رحمه الله تعالى- " لو لم يكن في الغضب خصلة تذم إلا إجماع الحكماء قاطبة على أن الغضبان لا رأي له لكان الواجب عليه الاحتيال لمفارقته بكل سبب ".
• قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ).
صور من هدي السلف عند الغضب
• سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما – فلما فرغ قال : يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى.
• وقال أبو ذر –رضي الله عنه- لغلامه : لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس ؟ قال : أردت أن أغيظك . قال : لأجمعن مع الغيظ أجراً أنت حر لوجه الله تعالى.(2/281)
• وأسمع رجل أبا الدرداء – رضي الله عنه- كلاماً, فقال: يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
• قال الأحنف بن قيس –رحمه الله تعالى – لابنه : يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه, فإن أنصفك وإلا فاحذره.
• قال الشاعر:
إذا كنت مختصا لنفسك صاحبا *** فمن قبل أن تلقاه بالود أغضبه
فإن كان في حال القطيعة منصفا *** وإلا فقد جربته فتجنبه
• روى عطاء بن السائب عن أبيه قال: صلى بنا عمار بن ياسر -رضي الله عنه- صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم : لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم ( اللهم بعلمك الغيب, وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي, وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة, وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب, وأسألك القصد في الفقر والغنى, وأسألك نعيماً لا ينفد, وأسألك قرة عين لا تنقطع, وأسألك الرضاء بعد القضاء, وأسألك برد العيش بعد الموت, وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غي ضراء مضرة ولا فتنة مضلة, اللهم زينا بزينة الإيمان, واجعلنا هداة مهتدين ).
المصدر: الغضب آداب وأحكام-د. نايف بن أحمد الحمد.
ـــــــــــــــــ
الغضب
مقدمة:
- تحدث الناس كثيراً عن قضية قصاصٍ عجيبة، فقد أدى إختلافٌ على ريالٍ واحد بين بائع ومشترٍ إلى أن قام المشتري بضرب البائع بحديدةٍ كانت بجواره فشج بها رأس البائع الذي بدأ ينزف دماً حتى مات.
- عندها حكمت المحكمة الشرعية بوجوب قتل القاتل جزاء فعله! ونفذ الحكم فيه.
- السبب ليس الريال كما يظن البعض.(2/282)
- السبب داء خطير ومرض استشرى في بعض النفوس وأدى إلى خروجها عن طورها وتفكيرها وعقلها، إنه مرض أدى إلى القتل، وإلى طلاق الزوجات وفراق الأولاد، أدى إلى تنازع الأحبة وخلاف الإخوة والأقارب.
- إنه داء ومرض الغضب.
- دخل رجلٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أوصني! قال: { لا تغضب } فردد مراراً قال: { لا تغضب } [رواه البخاري].
- والغضب يُحدث هيجاناً حاداً عند الإنسان ينتج عنه احمرارٌ في الوجه، وخفقانٌ في القلب، وزيادة في النبض، وتتابعٌ في الأنفاس، إنه تحولٌ عجيب يخرج الإنسان عن طوره فينقلب إلى شكل مخيف تأباه النفوس، وتكرهه القلوب.
- ترى رجلاً في المجلس متزناً عاقلاً، ذا هندام يرتبه ويعتني به بين الحين والآخر، ثم إذا غضب تغير شكله، وانتفخت أوداجه وسقط ما على رأسه من اللباس، وأكثر من حركات اليدين، والضرب بالرجلين، وهكذا....!
- والغضب - والعياذ بالله - مرتبط بالكبر والاستعلاء والظلم والتعدي، ولهذا كان طريقاً مهلكة وأرضاً موحشة! تأباه القلوب الكريمة، والعقول الكبيرة، والفطر السليمة.
- قد مدح الله عز وجل المؤمنين في هذا المجال قال تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].
- هذه ثلاث صفات عظيمة:
• أولها: كظم الغيظ وإيقافه.
• والثانية: العفو والصفح مع المقدرة والتمكن.
• والثالثة: وهي أعلاها مرتبة: الإحسان إلى الناس مقابل إساءتهم.
- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله } [متفق عليه].
- من أولى الناس بالرفق والداك وزوجك وأبنائك وإخوانك المسلمين.
- البعض اليوم يكون مستعداً لنتائج الغضب الوخيمة، فتراه يجعل بجواره في السيارة مثلاً حديدةً أو خشبة أعدها لهذه المواقف.
العلاج(2/283)
1. هذا الداء الخطير جعل له النبي - صلى الله عليه وسلم - له دواء نافعاً وعلاجاً شافياً والمسلم مطالب بكسر حدة الغضب وإبعاده .
2. تتبع وصية النبي في ذلك الأمر، فقد جاءه رجلٌ وقال: أوصني. قال النبي صلى الله عليه وسلم: { لا تغضب }، فردد مراراً وقال: { لا تغضب }.[رواه البخاري]
3. إيقاف الغضب ودواعيه قبل بدايته، خير من التمادي فيه ومحاولة إصلاح نتائجه الوخيمة.
4. معرفة فضل الله عز وجل لمن تجرع الغضب وكتمه، قال تعالى: { ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى } [رواه ابن ماجه].
5. معرفة أن الغضب من الشيطان، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { إن الغضب من الشيطان... } والشيطان يورد الإنسان موارد الهلاك.
6. الطمع فيما أعد الله عز وجل لمن كتم غيظه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: { من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخبره من الحور العين ما يشاء }[رواه أبو داود].
7. الالتزام بالهدي النبوي، ومن ذلك تغير الهيئة التي عليها الغضبان وليلصق بالأرض، فذلك أدعى لإذلال النفس وطرح الكبر، قال : { ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض } [رواه أحمد].
8. الوضوء، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: { إن الغضب من الشيطان، خُلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ } [رواه أبو داود].
9. السكوت حال الغضب وحبس اللسان وإلجامه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : {علموا وبشروا ولا تعسروا، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت } [رواه أحمد].(2/284)
10. التعوذ من الشيطان الرجيم فهو رأس البلاء، قال تعالى: {و َإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف:200]. وعن سلمان ابن صرد قال: ( إستب رجلان عند النبي فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. } [رواه مسلم].
11. ذكر الله في كل موطن خاصة عند حالات الغضب، { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون } [الأعراف:201].
12. أنت في حالة كتم الغيظ في مراتب أعلى من غيرك، وقد مر حديث الشديد الذي يكتم الغضب وكذلك أمر الله تعالى:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف:199]. وقوله تعالى: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43].
13. إنك في حالة الغضب قد تظلم وتتعدى فتأثم، قال : { كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه } [ رواه مسلم].
14. التقرب إلى الله عز وجل بحسن الخلق مع المؤمنين والتجاوز عن مسيئهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: { إن المؤمن ليُدرك بحُسن خلقه درجة الصائم القائم } [ رواه ابوداود].
15. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { ألا أخبركم بمن يحرُمُ على النار؟ - أو بمن تحرم عليه النار؟ - تحرم على كل قريب هينٍ لينٍ سهل } [ رواه الترمذي].
16. معرفة نتائج الغضب وعواقبه ! وكيف أودى ريال بحياة رجلين، وكيف أدت كلمة في ساعة هيجان إلى فراق الزوجة، وحرمان الأبناء، وتضييع الحقوق، والاعتداء على الضعفاء والإخوان.(2/285)
17. عن ابن مسعود قال: ( لما كان يوم حنين آثر الرسول الله ناساً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائه من الإبل، وأعطى عُينيةُ بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشرف العرب وآثرهم يومئذ في القسم. فقال رجل: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن رسول الله فأتيته فأخبرته بما قال، فتغير وجهه حتى كان كالصيرف ( صبغ أحمر ) ثم قال: { فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله }، ثم قال: { يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر }، فقلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثاً} [ رواه البخاري ].
خاتمة:
- ما كان من قبل فهو من الغضب المذموم شرعاً وعقلاً.
- الغضب المحمود والمطلوب فهو ما كان لله وفي الله، إذا انتهكت محارم الله كما كان النبي يغضب وذلك كثير في حياته عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة رضي الله عنها: {ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيىء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى} [ رواه مسلم ].
المرجع: لا تغضب-عبدالملك القاسم-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
الغضب
لغة: غضب عليه غضبا سخط عليه وأراد الانتقام منه(1).
واصطلاحا: تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفى للصدر(2).
وتختلف دلالة لفظ الغضب وما تصرف منه فى القرآن الكريم حسب جهته ومصدره ،فإذا كان من الله سبحانه كان بمعنى النقمة والعقاب ، وإذا كان من البشر فهو هيجان النفس لأمر يتصل بالشخص ذاته ، وهو ما يعالج بالعفو والحلم والمغفرة، ويمكن أن ينسى بمرور الوقت ، وقد يكون الغضب من أجل حرمة لله تنتهك ، فهو هيجان نفس لكنه محمود وينبغى أن يستمر.
وفى السنة الشريفة بيان وتفصيل لأمور تتصل بالغضب الذى هو هيجان النفس.(2/286)
ففيها أن هذا الغضب نار فى القلب تفقد صاحبها أناته حين تشتعل ، وينبغى أن يعالجه صاحبه فورا (ألا وإن الغضب جمرة فى قلب ابن آدم ، أما رأيتم إلى حمره عينيه ، وانتفاخ أوداجه ، فمن أحس بشىء من ذلك فليلصق بالأرض)(3).
وفى السنة بيان أنه (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب)(4)
وفى السنة ما يفيد خطرهذه الحالة النفسية حيث يوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويكرر على سائله الذى قال له: أوصنى، بقوله: لا تغضب وكلما ردد: أوصنى، قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لا تغضب (5).
وفى السنة كذلك أن العلاج هو الحلم والرفق وتذكر الندم الذى يعقب الغضب (6).
وللغضب الذى هو انتصار للنفس ، وهيجان من أجلها أسباب كثيرة منها: العجب والافتخار، والزهو، والمراء ، والجدال ، والاستهزاء بالآخرين ، وفى جميعها تبدو شهوة الانتقام ، ومن لواحقه الندامة وتوقع العقاب عاجلا أو آجلا، وربما كان سببا لأمراض صعبة، فضلا عن أنه يمنع من التفكير، أو المنطق الصائب(7).
وعلاج الغضب باللجوء إلى تفكير فى الحلم ، ومراجعة للنفس فيما أغضبها، وتذكر عفوالله عنا حين نخطىء قال سلطان لحكيم: كيف لى ألا أغضب؟ قال: بأن تكون فى كل وقت ذاكرا أنه يجب أن تطيع لا أن تطاع فقط ، وأن تخدم لا أن تخدم فقط ، وأن تحتمل لا أن تحتمل فقط ، وأن تتحقق أن الله يراك دائما، فإذا فعلت ذلك لم تغضب وإن غضبت كان قليلا(8).
أ.د/أبواليزيد العجمى
ـــــــــــــــــ
الغلو
لغة: مجاوزة حدالاعتدال ،وفى مقابل طرفه هذا طرف آخر هو التفريط أو
التسيب ، وكلا طرفى قصد الأمور ذميم.
واصطلاحا: نجد النصوص الشرعية تقرن بين "الغلو" و "التشدد" و "التنطع" وكأنها جميعا مجاوزة حد الاعتدال المطلوب من المسلم أن يلتزم به.
والغلو قديم قدم انحراف الفكر والسلوك حين يتجاوزان حد الاعتدال لسبب أو لآخر.(2/287)
وفى القرآن الكريم نهى لأهل الكتاب عن الغلو لأنه انحراف عن الحق فى الدين ، وقد جاء هذا فى آيتين هما: {يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ، ولا تقولوا على الله إلا الحق ، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فآمنوا بالله ورسله ،ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد له ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا}النساء:171.
{قل يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غيرالحق ، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل}المائدة:77.
وتدل الآيتان على أن الغلو والانحراف كان فى باب العقيدة، فيما يخص الذات الإلهية وصفاتها، وفيما يخص اعتقاد النصارى فى المسيح بما يخرجه عن حقيقته غلوا وتجاوزا(1).
لذا كانت الوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام ، وهى إحدى المعالم الأساسية التى ميز الله بها أمته - صلى الله عليه وسلم - عن غيرها {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}البقرة:143.
فهى أمة العدل والاعتدال التى تشهد فى الدنيا والآخرة على كل انحراف يمينا أو شمالا عن خط الوسط المستقيم (2).
وفى السنة تحذير واضح من الغلو والتنطع والتشدد لمخالفتها وسطية الإسلام
واعتداله.
وفى الوقت ذاته تحفل السنة القولية والعملية بالأمر بالتيسير والرفق والتسامح.
وحسبنا أن نشير إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربط بين الغلو والهلاك وكذا التنطع والتشدد (إياكم والغلو فى الدين ، فإنما هلك من قبلكم بالغلوفى الدين)(3) (هلك المتنطعون)(4) (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ،فتلك بقاياهم فى الصوامع والديارات) (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)(5).(2/288)
أما التيسير والأمر به فأشهر من أن لا يعلم ، فقد عاتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - معاذا حين شكا أحد الناس أن معاذا يطيل فى الصلاة فقال والمسلمين جميعا (يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا).
وقد وقعت فى تاريخ المسلمين مظاهر غلو بعث عليها فهم معين ، أو مبالغة مرذولة، فكان موقف الأمة بيان خطأ أصحاب هذه المظاهر حتى ولو كانت اجتهادا بشكل أو بآخر.
ففى باب العبادات لم يقبل النبى - صلى الله عليه وسلم - موقف النفر الذى قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أصلى ولا أنام ، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء بل بين الرسول الكريم خطأهم وقال: (أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى)(7).
وفى بابا الحكم على الآخرين حين كفر الخوارج مرتكب الكبيرة، ورتب بعضهم على هذا جواز قتله ، واعتبر بعضهم ديار مخالفيه ديار كفر، وقفت الأمة منهم علماء وحكاما موقف المحاور لهم ، ثم رفض هذه الآراء(8).
وفى باب الغلو فى المعتقدات، حين ألهت السبئية عليا رضى الله عنه ، وحين قالت بعض فرق الشيعة بتناسخ الأرواح ، والرجعة ونحو هذا، عدهم مؤرخو الفرق من الغلاة الذين حادوا عن العقيدة الحقة(9) وكذلك حين غالى بعض الصوفية فى فهم التوحيد وقالوا بوحدة الوجود، أو الاتحاد، أو الحلول أو وحدة الأديان ،هوجموا من الصوفية المعتدلين وقيل إنهم غلطوا فى كذا وكذا(10).
وفى باب الممارسات الحياتية، حين انعزل بعض الزهاد عن الحياة، وسكنوا الكهوف ووقعوا فى رهبانية لا يقبلها الإسلام ، نظر إليهم على أنهم سقام الفهم للزهد والتوكل مضطربو السلوك (11).
وأما خطر الغلو فيكمن فى ضرره بالدعوة ووجه الإسلام.
فهومن جهة ينفرعامة الناس حيث لا يطيقه الناس ، فينصرفون عن الارتباط
بالجماعة أو الاستمرار فى العبادة، وهو من جهة أخرى أصعب من أن يستمر صاحبه عليه ، فيفتر فيفقد مصداقيته أمام من عرفوه.(2/289)
وهو من جهة ثالثة يضر بالتوازن المطلوب فى شخصية المسلم ، أعنى أنه يضيع بعض الحقوق ، ولعل هذا هو الذى جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لعبدالله بن عمرو حين بلغه صوم النهار وقيام الليل باستمرار: (لا تفعل ،صم وأفطر وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا....الحديث)(12).
فإذا أضفنا إلى ما سبق تعصب صاحب الغلو لرأيه وجموده عليه ، وعدم اعترافه بالرأى الآخر، والتسرع فى الحكم على الآخرين فى عقائدهم.
أقول: إذا علمنا هذه المظاهر أدركنا خطر الغلو فى الدين بكل مناحيه ومجالاته ، وهو خطر يكتوى به صاحبه قبل الآخرين.
أما أسباب الغلو فكثيرة، وحسبنا أن نشير إلى أن هناك أسبابا تتصل بذات
الشخص وأسبابا تتصل بالجو العام.
وعلى رأس ما يتصل به قلة العلم ، وما يتفرع عنه من جهل بأدب الحوار، وضوابط الاختلاف وعدم التمكن من روافد الفهم الصحيح للإسلام ، وأخذ الإسلام من كتب معينة دون غيرها وتتصل به كذلك الظروف النفسية التى تكون عليها وتأثر بها جمودا، أو زعامة، أو حبا للشهرة ونحو هذا(13).
وهذا ما نبه إليه الشاطبى حين ذكرأن أسباب الابتداع وأخطرها أن يعتقد إنسان فى نفسه أو يعتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد فى الدين ، وهو لم يبلغ تلك الدرجة(14)
أما ما يتصل بالجو العام ، فانتشار الفساد، وغياب العدالة، والتضييق فى الحريات ، وعدم الاهتمام بالتربية الحوارية، فكل هذا يحدث رد فعل يتسم بالغلو.
ولاشك أن علاج هذه الظاهرة الخطرة لابد أن تقوم به كل أجهزة التربية والتثقيف من تعليم وإعلام وثقافة ومؤسسة دينية، وكلها على التوازى مع البيت والأسرة.
أ.د/أبواليزيد العجمى
ـــــــــــــــــ
الغنائم
لغة: جمع غنيمة، وهى من الغنم ، وهو الفوز بالشىء كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: المأخوذة من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة والانتصار، بقتال وركوب خيل ونحوها(2).(2/290)
وقد شرعها الله تعالى لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، واختصها بها، قال تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}الأنفال:41 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى...... وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى) رواه البخارى ومسلم (2).
وقد ظهر من هذه الآية الكريمة، ومن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الغنائم تقسم على خمسة أسهم:
1- سهم منها يقسم على خمسة مصارف هى:
(أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ب) أقاربه - صلى الله عليه وسلم - من بنى هاشم وبنى المطلب.
(ج) اليتامى.
(د) المساكين.
(هـ) ابن السبيل.
فلكل جهة من هؤلاء الخمسة خمس خمس الغنيمة.
2- سهم للمشاة من المقاتلين يقسم بينهم.
3- سهم للفرسان يقسم بينهم.
4 ، 5 - سهمان للخيول الصحيحة التى يقاتلون عليها.
وقد يعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد المقاتلين شيئا من الغنيمة قبل التقسيم يسمى نفلا ، لأنه زيادة على ما يستحقه من التقسيم ، لتفوقه فى بعض الأعمال ، وتسمى الغنيمة كلها نفلا وأنفالا ، لأنها منحة من الله تعالى لهذه الأمة، قال تعالى {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول......}الأنفال:1 ، وقد روى أنها فى أول الإسلام كانت للنبى - صلى الله عليه وسلم - وحده يصنع فيها ما يشاء، ثم نسخ ذلك بآية التقسيم على المقاتلين (3).
وهناك أيضا الرضخ من الغنيمة، وهوعطاء يعطيه الإمام ونائبه لمن حضر القتال ولم يستوف الشروط التى يستحق بها المقاسمة فى الغنيمة كالنساء والصبيان ونحوهم.
وهناك أيضا السلب ، وهو ما يكون على العدو المقتول من ملابس وآلات
حربا وما يركبه من فرس ، فإن ذلك يكون لقاتله فوق نصيبه من الغنيمة ، لحديث (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) رواه البخارى (4).(2/291)
ويدخل فى الغنيمة كل ما حصل عليه المسلمون من الكفار، نتيجة قهرهم والانتصار عليهم من أموال منقولة أو أسلحة أو أراض أو فداء للأسرى أو سابقة للمسلمين (5).
والتقسيم على المقاتلين بالنسب السابقة فيكون للأموال المنقولة والأسلحة والفداء، أما ما استرده المسلمون من أموالهم ، فترد إلى أصحابها، ولا تدخل فى التقسيم إذا عرفها أصحابها، فإن لم يعرفوها قسمت ، وأما الأراضى ففيها خلاف فقيل: بالتقسيم ، وقيل: بعدمه ، وقيل: الإمام مخير فى الأراضى بين التقسيم ، أو يتركها لأهلها بالخراج.
ويجب على أمير الجيش حفظ الغنائم ،وتكليف من يقوم بحفظها حتى يقسمها بين أصحابها، وجمهور الفقهاء على أن التقسيم يكون فى محل الغزوة بعد الانتصار وانتهاء الحرب ، ليدخل السرور على المقاتلين ، إلا إذا كان الموقع غير آمن ، فينتقل بهم إلى موقع آخر يكون آمنا، ثم يقسمها عليهم (6)، وفى التعجيل بالتقسيم حكمة أخرى، وهى وقاية الغنيمة من السرقة والفلول.
ويشترط فيمن يستحق الغنيمة شروط وهى:
أن يكون مسلما ، بالغا ، عاقلا ، ذكرا ، حرا ،صحيحا، وأن يشهد المعركة ولو لم يقاتل فإن اختل شرط أو أكثر من هذه الشروط بأن حضر المعركة صبى أو ذمى.. رضخ له الإمام أى أعطاه نصيبا من المال العام
قبل التقسيم ، ولا يبلغ هذا الرضخ قدر سهم من السهام الخمسة التى تقسم عليها الغنيمة.
ويخرج من الغنائم قبل التقسيم: الأسلاب ،وأموال المسلمين المعروفة التى استردوها والأراضى على خلاف ، وأجرة حفظ الغنيمة،والأرضاخ والأنفال (7) ثم تقسم على مستحقيها كما سبق ويقسم خمس الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد موته على الأربعة الباقين ، أو يعتبر فيئا يعطى منه الغنى والفقيرعلى خلاف بين الفقهاء(8).
أ.د/محمد نبيل غنايم
ـــــــــــــــــ
الغيبة
أولا : تمهيد .
ثانيا : تحرم الغيبة والأمر بحفظ اللسان .
ثالثا : تعريف الغيبة : أن تذكر أخاك بما يكرهه . تكون :
- أما البدن .(2/292)
- أما النسب .
- أما الخلق .
- أما في أفعاله المتعلقة بالدين .
- أما فعلة المتعلق بالدنيا .
- وأما في ثوبه .
رابعاً : أنواع الغيبة :
أ - بالقول .
ب - بالفعل .
ت - بالإشارة .
خامساً : الأسباب الباعثة على الغيبة ومنها :
1- قلة الخوف من الله والوقوع في محارمه .
2- تشفي الغيظ .
3- موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم .
4- إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره .
5- الحسد .
6- اللعب والهزل .
7- إرادة التصنع والمباهاة .
سادساً : بيان ما يباح من الغيبة وهي ستة أسباب :
1- التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم عند السلطان .
2- الاستعانة على تغيير المنكر .
3- الاستفتاء .
4- تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم .
5- أن يكون مجاهر بفسقه أو بدعته .
6- التعريف فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب كالأعمش جاز ذلك .
سابعاً : كفارة الغيبة :
• التوبة شروطها ثلاثة :
1- الإقلاع عن المعصية .
2- العزم على أن لا يعود .
3- أن يندم على فعلها .
4- الاستحلال من الرجل إن كان قد بلغه أو الاستغفار له .
ثامناً: درر من أقول السلف .
تاسعاً : بيان العلاج من الغيبة :
1- أن المغتاب متعرض لسخط الله ومقته وعقابه .
2- أن حسناته تنقل إلى من اغتابه .
3- ينبغي للمغتاب أن يتفكر في عيوب نفسه .
4- إن لم يكن عيب المغتاب في ذات نفسه فليحمد الله ويشكره
5- أن يتذكر وهو يغتاب أنه كمن يأكل لحم أخيه .
6- لابد من إسكات المغتاب وعدم تركه يقول ما بدا له .
7- تذكر الآيات والأحاديث الواردة في الغيبة .
عاشراً : فضل من حفظ غيبة أخيه المسلم .
المرجع : الغيبة - عبد الملك القاسم - دار القاسم .
ـــــــــــــــــ
الغيبة
لغة: الغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن يحوج إلى ذكره ، ولا يبعد المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى لمفهوم الغيبة.(2/293)
وهذا ما وضحه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى قوله: (أتدرون ما الغيبة ، قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره ،قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)(1).
ومن هنا قيل: واعلم أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة، ويزيد عليه فى الأذى والمضرة، وهى: الغيبة، والنميمة والسعاية(2).
وقد نهى القرآن عن الغيبة، مصورا ممارستها بما ينفر منها، ويظهر خطر الوقوع فيها فقال: {ولا يغتبا بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه
ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}الحجرات:12.
يعنى إذ كنتم تعافون أكل لحم الميت طبعا، فعافوا الغيبة شرعا لأنها أشد وأخطر.
وقد وضحت السنة القولية والعملية خطر الغيبة والنميمة فى سياق بيان خطر الكلمة التى يتفوه بها الإنسان لا يلقى لها بالا فتجره إلى قاع جهنم ، وفى سياق أن ريح الغيبة حين يوجد فى الأمة كريح الجيفة النتنة.
ومن أجل أن يتوقى الإنسان إثم هذه الرذيلة نهت السنة عن حضور مجالس يغتاب فيها المسلم (3)، بل لابد من رد غيبة المسلم وإلا فترك هذه المجالس هو اللائق بالمسلم ،فهما لقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين}القصص:55.
والغيبة محرمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما فى الجرح والتعديل والنصيحة.
كقوله - صلى الله عليه وسلم - لما استأذن عليه الرجل الفاجر (ائذنوا له بئس أخو العشيرة)(4).
فالغيبة رذيلة تخالف ما تقرر فى الإسلام من حرمة الإنسان الذى هو أعظم حرمة عند الله من الكعبة، وحرمة دم المسلم وعرضه وماله ، كما جاء فى خطبة الوداع وفى أحاديث كثيرة تبين حق المسلم على المسلم ، وضرورة
سلامته من لسانه ويده (5).(2/294)
ثم هى من جهة أخرى تظهر نقصا نفسيا عند مقترفها، فقد قيل: ما وجد عائب إلا كان معيبا، وهى تقطع العلاقات الطيبة، وتفتح باب التعقب والبحث عن العيوب فقد قيل: إن من اغتاب اغتيب ومن عاب عيب ،فبحثه عن عيوب الناس يحمل الناس على البحث عن عيوبه (6)
وقيل "لا تعن الناس على عيبك بسوء غيبك".
وقيل "الغيبة رعى اللئام"
فإذا وضح ما أشرنا إليه ، كان على المسلم أن ينأى بنفسه من هذا الداء، وأن يتقى الله ويتوب إذا كان قد قارفه والله تواب رحيم.
أ.د/أبواليزيد العجمى
ـــــــــــــــــ
الغيرة
لغة: الغيرة المصدر من قولك غار الرجل على أهله.
قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأته ، والمرأة على بعلها تغار غيرة وغيرا ، وغارا وغيارا(1) بفصل ابن منظور القول فى الصيغ والاشتقاقات ، ويحكى من النثر والشعر ما يؤدى المعنى يقول وهى الحمية والأنفة.... والعرب تقول: أغير من الحمى، أى أنها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها(2).
واصطلاحا: الغيرة ثوران الغضب حمية على أكرم الحرم ، وأكثر ما تراعى النساء.
وفى أدبيات الفضائل العربية والإسلامية تذكر الغيرة على أنها خلق فطرى كثر فى العرب ، وربط بينه وبين الجوار، واتسع نطاقه ليشمل كل حرمة يأنف المسلم أن تمس.
وجعل الله سبحانه هذه القوة فى الإنسان سببا لصيانة الماء وحفظا للإنسان ، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة فى رجالها وضعت العفة فى نسائها.
وقد يستعمل ذلك فى صيانة كل ما يلزم الإنسان صيانته فى السياسات الثلاث التى هى سياسة الرجل نفسه ، سياسة منزله وأهله ، وسياسته مدينته وضيعته ، ولذلك قيل: ليست الغيرة ذب الرجل عن امرأته ولكن ذبه عن كل مختص به...فقد كثرت فى العرب خاصة إن من دخل دار أحدهم والتجأ إلى فنائه ولو كان عدوا فله حرمة وجوار وذمار(3).(2/295)
لم يرد فى القرآن لفظ الغيرة وإنما جاء فى القرآن لفظ "الحمية" وفى سياق يدل على أنه غيرة يبغضها الله سبحانه ، لأنها غضب من أجل باطل ، ونعرة كاذبة، لذا وصفت بأنها "حمية الجاهلية" {إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهليه}الفتح:26(4).
ذلك أن قريشا فى صلح الحديبية رفضت أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن يكتب محمد رسول الله قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لعلى ابن أبى طالب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو: لا ندرى بسم الله الرحمن الرحيم اكتب: بسمك اللهم وحين قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلى اكتب: (محمد رسول الله ، قال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك وقال اكتب اسمك واسم أبيك ،فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - اكتب: من محمد بن عبد الله)(5).
أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها لفظ "الغيرة" بصيغ مختلفة، وفى سياقات
متعددة، نشير إليها فيما يلى:
1- غيرة فطرية: غيرة الرجال على النساء، إذ يقول سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتى لضربته بالسيف غير مصفح ، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغيرمنه والله أغير منى)(6).
ومثله الحديث عن على رضى الله عنه: (ألا تستحيون أو تغارون فإنه بلغنى أن نساءكم يخرجن فى الأسواق يزاحمن العلوج)(7).
غيرة النساء على الرجال ،وقد غارت عائشة رضى الله عنها على النبى - صلى الله عليه وسلم - حين سألها النبى: (أغرت يا عائشة؟ قالت: ومالى ألا يغارمثلى على مثلك؟ فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - أفأخذك شيطانك؟) الحديث (8).
غيرة المرأة على المرأة ضرتها، وقد غارت عائشة رضى الله عنها من ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لخديجة بعد وفاتها(9).
وهذه كلها غيرة فطرية ومحمودة شريطة ألا تخرج عن حد الاعتدال كى لا تكون عدوانا على حقوق الآخرين.(2/296)
2- غيرة دينية وأخلاقية تكتسب بالتربية وقد ربطت السنة بين غيرة المؤمن وغيرة الله تعالى (إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتى المؤمن ما حرم عليه)(10).
والتربية تعنى بها أن المؤمن يغار إذا انتهكت حرمات الله ، وهذا لا يكون إلا إذا ربى على هذا، وعلم مقاصد الشريعة (الحفاظ على العقل ، النسل ، المال ، الدين ، العرض)وقد ذكرت السنة أن جزاء غيرة المؤمن فى الآخرة عظيم حيث جاءت بأنه قصر فى الجنة(11).
3- الغيرة منها ما يحمد ومنها ما يذم ولأن الغيرة حمية وغضب ، فكان من اللائق بالمسلم أن يعلم الدوافع و الغايات فإذا كانته الدوافع رعاية حق الله ، والأهداف إزالة الريب ،وتحقيق مقاصد الشرع كانت هى الغيرة التى يحبها الله ، وإذا كانت غير ذلك كانت الغيرة التى يبغضها الله سبحانه "إن من الغيرة ما يحبه الله ، ومنها ما يبغض الله... فأما الغيرة التى يحب الله فالغيرة فى ريبة، وأما الغيرة التى يبغض الله فالغيرة فى غير ريبة"(12).
بقى أن نشير إلى حقيقتين مهمتين:
الأولى أن التاريخ يحفظ للعرب والمسلمين مواقف كانت الغيرة فيها دفاعا عن الحق ، أو حرصا على الكرامة، فغيرة عمرو بن كلثوم حين صاحت أمه واعمراه كانت فى موضعها ،وغيرة الصحابة الكرام من أجل دين الله غيرة المعتصم حين استنجدت به المرأة المسلمة قائلة: وا معتصماه ، وغيرة صلاح الدين من أجل تحرير القدس ، وغيرة جنودنا من أجل تحرير سيناء، هذه كلها نماذج لها ولنظائرها فى التاريخ موقع معلم.
الثانية أن التربية على القيم الدينية والوطنية الحقة أساس صحيح لتكوين الغيرة المحمودة التى تصون المقدس من دين أو عرض أو مال أو وطن ، والتى تقف عند حدود الشرع تضبط به البواعث وتحدد به الأهداف ، وترشد السلوك كى لا تكون الغيرة نعرة أو حمية جاهلية.
أ.د/أبواليزيد العجمى
ـــــــــــــــــ
الوقت وتنظيِمه
مقدمة:(2/297)
• مربعات تنظيم الوقت تعني أن نقسِّم الأنشطة التي تنتظرنا أو نتوقع القيام بها على حسب أهميتها, وحسب السرعة المطلوبة بها إلى أربعة أقسام (مربعات) كالتالي:
المربع الأول: أنشطة هامة وعاجلة:
• هي الأعمال المطلوبة على وجه السرعة ولا تحتمل التأجيل، مثل : الأزمات الطارئة سواء على مستوى العائلة أو المؤسسة, والأعمال المطلوب تسليمها فوراً, وبعض المكالمات التليفونية والإجتماعات الهامة فعلاً!
المربع الثاني: أنشطة هامة وليست عاجلة:
• مثل التخطيط للمستقبل وتوقع الأزمات ومعالجتها قبل وقوعها.
• الاهتمام بالصحة وممارسة الرياضة واكتساب الثقافة والمعرفة.
• الاهتمام بشؤون الأسرة والأصدقاء، وغيرها.
المربع الثالث : أنشطة عاجلة وليست هامة:
• كالرد على المكالمات التليفونية العادية والخطابات سواء الشخصية أو المتعلقة بالعمل, أو الاجتماعات الدورية التي لا تقدم ولا تؤخر كثيراً بالنسبة لأهداف العمل, أو مثلا مشاهدة البرامج التلفزيونية والمباريات الرياضية.
المربع الرابع : أنشطة غير عاجلة وغير هامة :
• مثل معظم المكالمات التليفونية وأنشطة الترفيه وإضاعة الوقت.. كالتلفزيون والفيديو وممارسة ألعاب الكمبيوتر. وغيرها.
كيف يقضي الناس أوقاتهم؟
1- يقضي الكثير من الناس معظم وقتهم في معالجة الأزمات والمشاكل الطارئة (المربع الأول) , بالتأكيد الكثير منا يفعل ذلك بعض الأحيان.
• لكن المشكلة هي أن تتحول حياتنا إلى سلسلة من الأزمات العاجلة.
• إن هؤلاء الذين لا يهتمون بأمر إلا إذا حان موعده أو كان مطلوباً على وجه السرعة يعيشون في توتر دائم, ولا يجدون الوقت الكافي للإعداد الجيد لهذه الأعمال، وفي الغالب لا يجدون وقتًا كافياً للاهتمام بشؤونهم الصحية أو العائلية, وكثيراً ما تتفكك العائلات لهذا السبب.(2/298)
2- أما النوع الثاني من الناس فهم من يقضون حياتهم في المربع الثاني، غير مدركين أن صفة عاجل لا تعني بالضرورة هام حيث أن الرد على كثير من المكالمات التليفونية ومشاهدة البرامج التليفزيونية أو المباريات الرياضية قد يكون عاجلاً، إلا أنه ليس هاماً على الإطلاق - إلا إذا كان داخل نطاق عملهم.
• مع الأسف فإن الكثيرين تستغرقهم هذه الأعمال فلا يجدون الوقت الكافي للاهتمام بالأنشطة الهامة فعلا في حياتهم!
3- هناك نوع ثالث من الناس ممن يقضون معظم أوقاتهم في أنشطة المربعين الثالث والرابع ( الأنشطة الغير هامة, سواء كانت عاجلة أم غير عاجلة ).
• هؤلاء عادة يتسمون بعدم المسؤولية , لأنهم يضيعون معظم أوقاتهم في أنشطة لا تسهم في الوصول لأهدافهم , أو تحدث أي تقدم ملحوظ في حياتهم.
4- أما الأشخاص الأكفاء حقيقة فهم الذين يبتعدون بقدر الإمكان عن أنشطة المربعين الثالث والرابع مهما كان إغراؤها لهم, كما لا يقضون معظم أوقاتهم في أنشطة المربع الأول (الهام والعاجل).
• بل يحاولون قضاء أكثر وقتهم في أنشطة المربع الثاني (الهام وغير العاجل) لكي يقوموا بالإعداد الجيد للأمور قبل أن يحين موعدها.
• بمعنى آخر : يقومون بالإعداد للمستقبل قبل أن يأتي بوقت كاف.
• كثير منا يشعر بأهمية بعض الأنشطة في حياته إلا أنه يؤجلها حتى تصبح عاجلة ولا يستطيع أن يعطيها الكم الأفضل من العناية والاهتمام.
خاتمة:
• هل يمكنك أن تسأل نفسك سؤالاً هاماً : ما هو الشيء الذي تتمنى أن تفعله بانتظام أكثر سواء في حياتك الشخصية أو العملية, والذي تعتقد بأنه سوف يؤثر تأثيراً إيجابياً كبيراً على نجاحك في حياتك وعملك؟
• أغلب الظن أنك لو أجبت على هذا السؤال بأمانة وبتفكير عميق سوف تجد العديد من الأنشطة التي تقع في المربع الثاني (الهامة غير العاجلة) والتي يجب أن تخصص لها الكثير من وقتك.
المرجع: تنظيِم الوقت-ستيفن كوفي.
ـــــــــــــــــ
الفتاة المسلمة(2/299)
مقدمة:
- لو دون المرء الأمور المهمة في حياته فسيجد قائمة طويلة.
- لكنه حين يعمد إلى ترتيبها حسب الأولويات فسيأتي في رأس القائمة أولاده و ذريته فهم أغلى من المال ، من الراحة ، من رغباته و شهواته. والدليل على ذلك يا بنتي أنه حين يمرض أحد أولاده مرضاً مزعجاً فهو يسهر و يسافر هنا وهناك و يدفع من أمواله ما يدفع بل ربما اقترض و استدان، كل ذلك من أجل و لده.
- لذلك فهو حين يخاطب و لده ويناصحه فسوف يكون صادقاً غاية الصدق ومخلصاً غاية الإخلاص و قديما ً قيل " الرائد لا يكذب أهله " .
يا بنتي
- واقع بعض فتيات المسلمين يدعوا للحسرة عليهن.
- تعيش في دوامة من الصراع.
- فتسمع تارة ذلك الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الإرتكاس والتخلي عن كل معاني العفة.
- و تسمع أخرى الصوت الصادق يهز من داخلها هزاً عنيفاً ليقول لها رويدك فهو طريق الغواية و بوابة الهلاك.
- و تتصارع هذه الأصوات أمام سمعها وتتموج هذه الأفكار في خاطرها.
يا بنتي
- لنكن صريحين صراحة منضبطة بضوابط الشرع.
- واضحين وضوحاً محاطاً بسياج الحياء والعفة لتكون خطوة للتصحيح و نقلة للإصلاح .
- بعيداً عن العاطفة وعن سرابها الخادع.
- لو كانت هذه الفتاة التي تقيم هذه العلاقة المحرمة منطقية مع نفسها وطرحت هذا السؤال.
- ماذا يريد هذا الشاب ؟ ما الذي يدفعه إلى هذه العلاقة ؟ بل ماذا يقول لزملائه حين يلتقي بهم ؟ و بأي لغة يتحدثون عني ؟
- إنني أجزم يا بنتي أنها حين تزيح وهم العاطفة عن تفكيرها فستقول و بملء صوتها إن مراده هو الشهوة و الشهوة الحرام ليس إلا.
- إذن ألا تخشين الخيانة ؟ أترين هذا أهلاً للثقة ؟
- شاب خاطر لأجل بناء علاقة محرمة، شاب لا يحميه دين أو خلق أو وفاء.
- شاب لا يدفعه إلا الشهوة أولاً و آخراً ، أتأمنه على نفسها بعد ذلك ؟
- لقد خان ربه ودينه وأمته ولن تكون هذه الفتاة أعز ما لديه.(2/300)
- و ما أسرع ما يحقق مقصوده لتبقى لا سمح الله صريعة الأسى والحزن و الندم .
- وحين يخلو هؤلاء الشباب التائهون يا بنتي بأنفسهم تعلو ضحكاتهم بتلك التي خدعوها.
- أو التي ينطلي عليها الوعد الكاذب والأحاديث المعسولة.
يا بنتي
- إن الله حكيم عليم ما خلق شيء إلا لحكمة.
- لقد شاء الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة.
- تتجاوب مع ما يثيرها لتتفجر رصيداً هائلاً من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه .
يا بنتي
- ماذا بقي في قلب هذه الفتاة من حب الله و رسوله و حب الصالحين بحب الله ( ماذا بقي لتلاوة كتاب الله و التلذذ به ؟ )
- أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر في وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الآخر !؟
- أين هي عن الوقوف بين يدي الله والتلذذ بمناجاته ؟
- إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانه.
- وبعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشئون نشأة شاذة و يتربون تربية نشازاً .
- إن العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه.
- فما بالها تهدر هذه العواطف و المشاعر فتصرفها في غير مصرفها و هي لا تقارن بالمال، و لا تقاس بالدنيا ؟
يا بنتي
- لقد خص الله سبحانه و تعالى الفتاة بهذه العاطفة و الحنان لحكم يريدها الله سبحانه.
- ومنها أن تبقى هذه العاطفة رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار والطمأنينة.
- رصيداً يدر على الأبناء والأولاد الصالحين حتى ينشئوا نشأة صالحة.
- فلم تهدر هذه العواطف لتجني صاحبتها وحدها الشقاء في الدنيا وتضع يدها على قلبها خوفاً من الفضيحة في النهاية ؟
يا بنتي
- حين تعودين إلى المنزل.
- تفضلي على نفسك بدقائق فاسترجعي صورة الفتاة الصالحة القانتة، البعيدة عن مواطن الريبة.(2/301)
- وقارني بينها وبين الفتاة الأخرى التي أصابها من لوثة العلاقات المحرمة ما أصابها.
- بالله عليك أيهما أهنأ عيشاً وأكثر استقراراً ؟
- أيهما أولى بصفات المدح والثناء تلك التي تنتصر على نفسها ورغبتها وتستعلي على شهواتها وهي تعاني من الفراغ كما يعاني غيرها، و تشكو من تأجج الشهوات كما يشتكين.
- أم الأخرى التي تنهار أمام شهواتها ؟
- تساؤل يطرح نفسه ويفرضه الواقع ، لماذا هذه الفتاة تنجح و تلك لا تنجح ؟
- لماذا تجتاز هذه العقبات و تنهزم تلك أمامها ؟
يا بنتي
- لقد عجبت أشد العجب عندما رأيت فتاة الإسلام تسير بلهاث مستمر وراء ما يريده الأعداء.
- فتساير الموضة ، وتتمرد على حجابها و حيائها.
- وها نحن نرى كل يوم صورة جديدة و لوناً جديداً من ألوان هذا التمرد.
- إنها يا بنتي تتحايل على الحجاب بحيل مكشوفة.
- لكن المؤمن الحق يا بنتي يخاف الله و يتقيه ورائده قول الرسول صلى الله عليه و سلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "
- و هو يدرك أن الالتفاف على الأحكام و الاحتيال عليها لن ينفعه يوم يلقى الله العليم بما تخفي الصدور .
يا بنتي
- ها أنت تغدين و تروحين و أنت تتمتعين بوافر الصحة وقوة الشباب.
- و لكن ألم تزوري جدتك يوماً ، أو تري عجوزاً قد رق عظمها ، و خارت قواها ؟!
- لقد كانت يوماً من الدهر شابة مثلك، وزهرة كزهرتك.
- و لكن سرعان ما مضت السنون وانقضت الأيام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة و مضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة.
- وها أنت يا بنتي على الطريق، وما ترينه من صورة شاحبة و شيخوخة ستصيرين إليها بعد سنوات.
- إذاً فإياك أن تهدري وقت الشباب وزهرته ، وتضيعي الحيوية فيما لا يعود عليك إلا بالندم و سوء العاقبة.
يا بنتي(2/302)
- لو فكر أهل الشهوات و المتاع الزائل في الدنيا بحقيقة مصيرهم لأعادوا النظر كثيراً في منطلقاتهم. تصوري يا بنتي من حصل كل متاع الدنيا وذاق لذائذها ولم ير يوماً من الأيام ما يكدره.
- إن كل هذا سينساه لو غمس غمسة واحدة في عذاب النار حمانا الله و إياك .
- والآخر الذي عاش من الحياة أشقاها سينسى هذا الشقاء لو غمس غمسة واحدة في النعيم.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط " رواه مسلم.
لكل فتاة
- هل حمدت الله عز وجل على أعظم نعمة أنعم الله بها عليك ألا وهي نعمة الإسلام؟
- هل تؤدين الصلوات الخمس على وقتها؟
- لان أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة الصلاة فان صلحت صلح سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم.
- هل تقرأين القران الكريم بتدبر وخشوع وحضور قلب وهل تعملين به ؟
- قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( خيركم من تعلم القران وعلمه ) رواه البخاري.
- هل أنت بارة بوالديك ؟ هل تصلين أرحامك ؟
- هل أحببت الخير للمسلمين ؟ وهل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟
- هل تكرمين الأيتام والأرامل والضعفاء والفقراء والمساكين وتتواضعين لهم وترحمينهم وخصوصا الأقارب؟
- هل حافظت على أذكار الصباح والمساء ؟ وهل راقبت الله في السر والعلن؟
- هل تحافظين على حجابك الشرعي الذي أمرك به الله الذي خلقك ؟
- هل اتخذت جليسات صالحات تذكرك بالله رؤيتهن ؟(2/303)
- هل تجنبت رفيقات السوء لأنهن سبب الضلال والضياع فاحذريهن حفظك الله ؟
- هل تجنبت الاختلاط بالرجال وهل قللت الخروج إلى الأسواق ؟
- هل تجنبت الإكثار من المزاح وكثرة الضحك وهل بكيت من خشية الله ؟
- هل طهرت قلبك من أمراض ( النفاق ، الرياء ، العجب ، الغل ، الحقد ، الحسد والبغضاء)؟
- هل نظفت لسانك من ألفاظ ( الشرك ، الكذب ، الغيبة ، النميمة ، واللغو) ؟
- هل ابتعدت عن مزامير الشيطان ( الغناء ) ؟
- فإنها محرمة بالقران والسنة وهي بريد الزنا وسبب لقسوة القلب وسوء الخاتمة نعوذ بالله من سوء الخاتمة ؟
- هل أخذت حذرك من المكالمات الهاتفية ؟
- فكم من القصص المؤلمة بدأت بمكالمة وانتهت بمأساة والضحية الأخت المسلمة فاحذري الذئاب البشرية ؟
أخيراً
- س : ما حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي ؟
- أقول وأنا كاتبه محمد بن صالح العثيمين ، أنه لا يجوز للرجل أن ينفرد بالمرأة الواحدة بالسيارة إلا أن يكون محرما لها لان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ". أما إذا كان معه امرأتان فأكثر فلا بأس لأنه لا خلوة حينئذ بشرط أن يكون مأموناً ، وأن يكون في غير سفر والله الموفق.
المرجع: فتاوى ورسائل للفتيات-أحمد بن صالح بن فهد الخليف.
-----------------------
الفتاة المسلمة
مقدمة:
هذه رسالة مفتوحة ونصيحة مسداة إلى الأخت المسلمة، الباعث عليها أمران:
الأول: حديث تميم الداري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال:(الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم•
الثاني: ما يلاحظ على بعض الأخوات المسلمات من أمور تخالف هدي الدين في أحكام النساء من جهة، وتنافي آداب طالبة العلم الشرعي من جهة أخرى.
• ولا يفهم من هذا التنبيه أن كل المسلمات بهذه الصفة.(2/304)
• بل إن هناك كثيراً من الأخوات على مستوى رفيع من الدين والأدب والعلم مع حسن السمة وكريم الخلق.
• والأخت المسلمة تنتظرها مسؤوليات جسام، ويتأمل منها القيام بدور بارز في المجتمع، وقبل بيان ذلك الدور المطلوب، أود أن أقدم بمقدمتين موجزتين بين يدي الموضوع:
المقدمة الأولى: المسؤولية مشتركة:
• لقد قرر الشرع المطهر اشتراك الرجال والنساء في التكاليف الشرعية والمسؤولية الدينية:
• أما الاشتراك في التكاليف الشرعية: فقد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الأحزاب35 ، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71 وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تؤكد عموم الخطاب الشرعي للمكلفين من الرجال والنساء•
• وقال الخطابي: فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص، مما يؤكد اشتراك الرجال والنساء في التكاليف الشرعية إلا ما استثنى بالدليل•(2/305)
• أما الاشتراك في الحساب والجزاء: فقد قال سبحانه وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }آل عمران195 ، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }غافر40 .
• وقال صلي الله عليه وسلم: (ألا كلكم راع وكلكم مؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده ومسئولة عن رعيتها) متفق عليه.
• وقال أيضاً: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أخرجه النسائي.
• هذا يقرر بكل وضوح المسؤولية الثابتة والجزاء الحتمي لكل ما يصدر من المكلفين- ذكوراً وإناثاً- من خير أو شر•
المقدمة الثانية: الخطورة جسيمة:
• فعن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم في أضحى أو فطر فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن- جاء في لفظ مسلم وأكثرن الاستغفار - فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن: وبم يا رسول الله ؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير).(2/306)
• وهذا الحديث يبين الخطر العظيم الذي يتهدد النساء بسبب ذنوبهن وتساهلهن في كثير من الأمور، ومن هنا فمسؤولية الأخت المسلمة الداعية مضاعفة، حيث إن عليها أن تزكي نفسها بالصفات الحميدة وموجبات الرحمة والمغفرة مع قيامها بواجبها الدعوي من تحذير أخواتها المسلمات من أسباب الوقوع في النار مما تعلمه النساء من أنفسهن،
• المسؤوليات التي تنتظر الأخت المسلمة كثيرة ومتنوعة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- أن تكون متعلمة:
- أولى أوليات الأخت المسلمة العناية بالعمل الشرعي لقول صلي الله عليه وسلم (من سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب).
- وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وقال: وليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، والمقصود به علم الشريعة إذ إنه الذي وردت في فضله النصوص وحثت على طلبه•
- ومن أهم أولويات الأخت المسلمة العناية بالقرآن الكريم حفظًا وتجويداً، وقد كان السابقون يعتنون بالقرآن الكريم حفظًا وتجويداً قبل البدء بدراسة العلوم الأخرى، قال ابن أبي حاتم: لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن، وقال الوليد بن مسلم: كنا إذا جلسنا عند الأوزاعي فرأى فينا حدثا قال: أي غلام قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم قال: اقرأ: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ }النساء11 وإن قال: لا، قال له: تعلم القرآن قبل أن تطلب الحديث.
- وقد كان في نساء السلف عالمات فقيهات مثل أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وغيرهن وأم سليم بنت ملحان وزينب بنت أم سلمة ومعاذة العدوية وغيرهن، وممن بعدهن كريمة بنت محمد بن حاتم راوية صحيح البخاري التي رحل إليها أفاضل العلماء وكان لها مجلس بمكة للحديث، وفاطمة بنت علاء الدين السمر قندي من الفقيهات الجليلات أخذ عنها الكثير من الفقهاء.
2- أن تكون عابدة:(2/307)
- زينة العلم والعالم (العمل الصالح)، فالعمل الصالح ثمرة العلم وفائدته، وقد ذم الله تعالى الذين لا يعملون بعلمهم فقال سبحانه وتعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة44 .
- وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }الأعراف175، قال المفسرون: في هذه الآية الترغيب في العمل بالعلم وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به وأنه نزل إلى أسفل سافلين وتسليط للشيطان عليه.
- وللعبادة معنى واسع فأداء نوافل الصلاة والصيام والصدقة من العبادة، وقراءة القرآن والمحافظة على الذكر والدعاء من العبادة، حسن الخلق وصلة الرحم والقيام بحق الزوج وتربية الأبناء من العبادة، وقد كان في نساء سلف الأمة من العابدات اللاتي يضرب بعبادتهن المثل في قيام الليل وصيام النهار والمداومة على قراءة القرآن والمحافظة على الذكر أناء الليل وأطراف النهار.
- وهكذا ينبغي أن تكون الأخت المسلمة في حرصها على عمارة وقتها بالطاعة والعبادة لا أن تكون مع الغافلات اللاهيات فقد حذر الله من إتباع الغافلين فقال سبحانه وتعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28 .
- وقال: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } الأعراف205.
3- أن تكون داعية:(2/308)
- من بركة الله تعالى على العبد وتوفيقه له أن ييسر له تكميل نفسه وأن يسعى في تكميل غيره، فهذا من قمة التوفيق.
- ومن أهم واجبات الأخت المسلمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه وظيفة الرسل وأتباع الرسل كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108.
- وبعض الناس قد يحصر هذا الواجب في الرجال فقط دون النساء، والواقع أن النصوص الشرعية لم تفرق بينهما في وجوب القيام بهذه الفريضة، كما أن التاريخ يشهد بقيام طائفة كبيرة من النساء بالدعوة إلى الله تعالى وكان لهن الفضل العظيم في هداية من دعونه.
- فهذه أم سليم تعرض الإسلام على زوجها مالك من النضر وعلى ابنها أنس، وعلى أبي طلحة عندما جاء لخطبتها وجعلت إسلامه مهرها، ولحقت أم حكيم بنت الحارث بزوجها عكرمة بن جهل وكان قد فر إلى اليمن وحثته على الإسلام والقدوم على النبي بعد أن أخذت له الأمان، والدعوة إلى الله تعالى ليست عشوائية، وإنما تقوم على العلم والحلم والرفق والصبر مع مراعاة الحكمة وتقدير المصالح والمفاسد.
4- أن تكون مربية:
- وظيفة المرأة الأولى هي تربية الأطفال، وهي مهمة عظيمة لمن يحمل رسالة ومبدأ يريد غرسه في أجيال المسلمين.
- ولا شك أن مهمة الأخت المسلمة الداعية في هذا المجال أعظم إذ إنها قد حصلت من المفاهيم الشرعية والأحكام الدينية ما يجعل مهمتها أسهل ومسؤولياتها أعظم في توصيل هذا العلم لأبنائها وأسرتها.
5- أن تكون قدوة:(2/309)
- قال صلي الله عليه وسلم: (إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة)، أخرجه أحمد وأبو داود، والسمت هو الهيئة ويطلق على السكينة والوقار، فمراعاة الهيئة الإسلامية والصبغة الخاصة من الحشمة والوقار والسكينة والخلق الرفيع والبعد عن سفاسف الأمور مطلوب شرعاً، لأن ذلك من توقير العلم والسنة.
- ومن أبلغ سبل الدعوة حيث إن كثيراً من الناس يتوقف في قبول الحق حتى يراه واقعاً ماثلاً أمامه، فالقدوة الصالحة من أعظم وسائل الدعوة كما قال الحسن البصري: عظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك وقال: الواعظ من وعظ الناس بعمله لا بقوله، وقد جعل الله تعالى رسوله قدوتنا في كل مجالات الخير، في العبادة والزهد والورع والصبر والشجاعة وحسن الخلق، وهكذا صحابته الكرام من بعده، وهكذا ينبغي أن يكون أتباعه على مثل هديه وسمته في السكينة والوقار.
المرجع: رسالة مفتوحة إلى الأخت المسلمة-موقع الرواق.
ـــــــــــــــــ
الفتور
معناه :
لغة : يطلق الفتور على معنيين :
• الانقطاع بعد الاستمرار أو السكون بعد الحركة .
• الكسل أو التراخي أو التباطؤ بعد النشاط والجد .
اصطلاحا :
• أما في الاصطلاح فهو داء يمكن أن يصيب بعض العاملين بل قد يصيبهم بالفعل . أدناه : الكسل أو التراخي أو التباطؤ . وأعلاه : الانقطاع أو السكون بعد النشاط الدائب والحركة المستمرة .
أسبابه :
يمكن أن يدخل الفتور إلى النفس بسبب من الأسباب التالية :
الغلو والتشدد في الدين :
• بالانهماك في الطاعات وحرمان البدن حقه من الراحة والطيبات فإن هذا من شأنه أن يؤدى إلى الضعف أو السأم والملل وبالتالي الانقطاع والترك.
• ربما أدى إلى سلوك طريق أخرى عكس الطريق التي كان عليها فينتقل العامل من الإفراط إلى التفريط ومن التشدد إلى التسيب وهذا أمر بديهي إذ للإنسان طاقة محدودة فإذا تجاوزها اعتراه الفتور فيكسل أو ينقطع(2/310)
• لعل ذلك هو السر في تحذير الإسلام الشديد ونهيه الصريح عن الغلو ، والتنطع ، والتشديد.
• يقول - صلى الله عليه وسلم - ( إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين ) ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاث يعنى : المتعمقين المجاوزين الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
• عن أنس رضي الله عنه - قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في السر ، فلما أخبروها كأنهم تقالوها ، وقالوا أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قال أحدهم : أما أنا فأصلى الليل أبداً ، وقال الآخر : وأنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال الثالث : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم إلى لله وأتقاكم له ، لكنى أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس منى ).
• عن عائشة رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة، فقال من هذه ؟ قالت : هذه فلانة تذكر من صلاتها ، قال - صلى الله عليه وسلم - : مه عليكم بما تطيقون ، فوالله لا يمل الله حتى تملوا ) .
• عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - قال : كانت مولاة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تصوم النهار ، وتقوم الليل ، فقيل له : إنها تصوم النهار وتقوم الليل فقال - صلى الله عليه وسلم - :( إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل ) .
السرف ومجاوزة الحد في تعاطى المباحات :
• هذا من شأنه أن يؤدى إلى السمنة وضخامة البدن ، وسيطرة الشهوات ، وبالتالي التثاقل، و الكسل و التراخي، إن لم يكن الانقطاع و القعود.(2/311)
• لعل ذلك هو السر في نهي الله ورسوله ، وتحذيرهما من السرف.
• قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } الأعراف31.
• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه ... ) أخرجه الترمذي.
• أدرك سلف الأمة ما يصنعه السرف والتوسع في المباحات بصاحبه ، فحذروا منه.
• تقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - :( أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم ، فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم )
• يقول أبو سلمان الداراني: ( من شبع دخل عليه ست آفات : فقد حلاوة المناجاة ، وحرمان الشفقة على الخلق - لأنه إذا شبع ظن أن الخلق كلهم شباع - وثقل العبادة - وزيادة الشهوات ، وأن سائر المؤمنين يدورون حول المساجد ، والشباع يدورون حول المزابل ).
مفارقة الجماعة ، وإيثار حياة العزلة و التفرد
• ذلك أن الطريق طويلة الأبعاد ، متعددة المراحل ، كثيرة العقبات في حاجة إلى تجديد، فإذا سارها المسلم مع الجماعة، وجد نفسه دوماً، متجدد النشاط، قوى الإرادة، صادق العزيمة، أما إذا شذّ عن الجماعة وفارقها، فإنه سيفقد من يجدد نشاطه، ويقوى إرادته، ويحرك همته، ويذكره بربه فيسأم ويمل، وبالتالي يتراخى ويتباطأ، إن لم ينقطع ويقعد.
• لعل هذا بعض السر في حرص الإسلام وتأكيده وتشديده على الجماعة ، وتحذيره من مفرقتها
• قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ }آل عمران103
• يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( .... عليكم بالجماعة، وإياكم و الفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ) أخرجه الترمذي.(2/312)
• قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من فارق الجماعة شبراً ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ) أخرجه البخاري.
• وقد أدرك سلف الأمة ذلك فلزموا الجماعة ، ورغبوا فيها ، وأكدوا عليها ، يقول علىّ رضي الله عنه :_( كدر الجماعة خير من صفو الفرد ).
قلة تذكر الموت و الدار الآخرة :
• فإن ذلك من شأنه أن يؤدى إلى فتور الإرادة، وضعف العزيمة، وبطء النشاط و الحركة، بل قد يؤدى إلى الوقوف والانقطاع.
• في ضوء هذا نفهم الحكمة من أمره - صلى الله عليه وسلم - بزيارة القبور بعد النهي و التحذير، إذ يقول - صلى الله عليه وسلم - :( إني نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإن فيها عبرة ) أخرجه الترمذي.
التقصير في عمل اليوم و الليلة :
• مثل النوم عن الصلاة المكتوبة بسبب السمر الذي لا مبرر له بعد العشاء، ومثل إهمال بعض النوافل الراتبة، وترك قيام الليل، أو صلاة الضحى، أو تلاوة القرآن، أو الذكر أو الدعاء، أو الاستغفار، أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد، أو عدم حضور الجماعة بدون عذر، فكل ذلك وأمثاله له عقوبات ، وأدنى هذه العقوبات : الفتور بأن يكسل ويتثاقل أو ينقطع ويتوقف.
• أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه إلى شيء من هذا إذ يقول : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد : يضرب كل عقدة، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) متفق عليه.
دخول جوفه شيء محرم أو به شبهة :
• إما بسبب تقصيره وعدم إتقانه للعمل اليومي الذي يتعيش منه، وإما بسبب تعامله فيما نسميه
• شبهة، وإما بسبب غير ذلك، فمثل هذا يعاقب من سيده ومولاه، وأدني عقاب في الدنيا، أن يفتر فيقعد ويرقد عن الطاعات، أو على الأقل يكسل ويتثاقل فلا يجد للقيام لذة، ولا للمناجاة حلاوة.(2/313)
• لعل هذا هو سر دعوة الإسلام إلى أكل الحلال وتحريه، والابتعاد عن الحرام، وما كانت به أدنى شبهة، إذ يقول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة168.
• يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :( كل جسد نبت من سحت - أي من حرام - فالنار أولى به ).
• يربى النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عملياً على ذلك حين يجد تمرة في الطريق ويرفض أكلها قائلاً :( لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها ).
• على هذا المنهج سار سلف الأمة ، فكانوا يفتشون ويتحرون عن كل ما يتعلق بحياتهم من الطعام و الشراب واللباس و المركب .... الخ.
اقتصار العامل على جانب واحد من جوانب الدين :
• كأن يجعل همه العقيدة فحسب، ملغياً كل شيء غيرها من حسابه، أو يجعل همه الشعائر التعبدية، تاركاً كل ما سواها، أو يقتصر على فعل الخيرات وراعية الآداب الاجتماعية، غاضاً الطرف عما عداها فكل هؤلاء وأمثالهم تأتى عليهم أوقات يصابون فيها لا محالة بالفتور، وهذا أمر بديهي، نظراً لأن دين الله موضوع لاستيعاب الحياة كلها، فإذا اقتصر واحد من الناس على بعضه فكأنما أراد أن يحيا بعض الحياة، لا كل الحياة، ثم إذا بلغ الذروة في هذا البعض يتساءل : وماذا بعد؟ فلا يجد جواباً سوى الفتور إما بالعجز وإما بالكسل .
الغفلة عن سنن الله في الكون والحياة :(2/314)
• نرى صنفاً من العاملين لدين الله يريد أن يغير المجتمع كله - أفكاره ومشاعره، وتقاليده وأخلاقه وأنظمته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في يوم وليلة بأساليب ووسائل هي إلى الوهم والخيال أقرب منها إلى الحقيقة والواقع، مع شجاعة وجرأة وفية ، لا تستكثر تضحية وإن غلت، ولا تعبأ بالموت سعت إليه أو سعى إليه ، ولا تهتم بالنتائج أياً كانت ، ما دامت نيتها لله ، وما دام هدفها إعلاء كلمة الله، غير واضعين في حسابهم سنن الله في الكون والحياة : من ضرورة التدرج في العمل، ومن أن الغلبة إنما تكون للأتقى، فإذا لم يكن فللأقوى، ومن أن لكل شيء أجلا مسمى لا يقدم ولا يؤخر .... الخ فإذا ما نزلوا إلى أرض الواقع ، وكان غير ما أملوا ، وما أرادوا وما عملوا ، فتروا عن العمل إما بالكسل و التواني و التراخي ، وإما بالقعود والانسلاخ و الترك.
التقصير في حق البدن بسبب ضخامة الأعباء وكثرة الواجبات وقلة العاملين :
• ذلك أننا نجد بعض العاملين ينفقون كل ما يملكون من جهد ووقت وطاقة في سبيل خدمة هذا الدين، ضانين على أنفسهم بقليل الراحة والترويح فهؤلاء وأمثالهم، وإن كانوا معذورين بسبب ضخامة الأعباء، وكثرة الواجبات وقلة العاملين، إلا أنه تأتى عليهم أوقات يفترون عن العمل لا محالة.
• لعل هذا هو سر تأكيده - صلى الله عليه وسلم - على حق البدن مهما تكن الأعذار و المبررات إذ يقول : " إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه " أخرجه البخاري.
عدم الاستعداد لمواجهة معوقات الطريق :(2/315)
• ذلك أننا نجد بعض العاملين يبدءون السير في الطريق دون أن يقفوا على معوقاته، من زوجة أو ولد، أو إقبال دنيا، أو امتحان، أو ابتلاء،أو نحو ذلك، و بالتالي لا يأخذون أهبتهم، ولا استعدادهم، وقد يحدث أن يصدموا أثناء السير بهذه المعوقات، أو ببعضها، فإذا هم يعجزون عن مواجهتها، فيفترون عن العمل إما بالكسل والتراخي، وإما بالوقوف والانقطاع .
• هذا سر تنبيه القرآن الكريم ، وتحذيراته المتكررة من معوقات الطريق إذ يقول سبحانه : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }محمد31.
صحبة ذوى الإرادات الضعيفة و الهمم الدانية :
• فقد يحدث أن يصحب العامل نفراً ممن لهم ذيوع و شهرة، وحين يقترب منهم ويعايشهم يراهم خاوين فاترين في العمل، كالطبل الأجوف، فإن مضى معهم عدوه- كما يعدى الصحيحَ الأجربُ - بالفتور و الكسل .
• هذا هو سر تأكيده - صلى الله عليه وسلم - على ضرورة انتقاء واصطفاء الصاحب، إذ يقول :( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم إلى من يخالل ) أخرجه أبو داود.
العفوية في العمل سواء على المستوى الفردي أو الجماعي :
• ذلك أن كثيراً من العاملين أفراداً كانوا أو جماعات يمارسون العمل لدين الله بصورة عفوية لا تتبع منهجاً، ولا تعرف نظاماً، فيقدمون الأمور الثانوية أو التي ليست بذي بال ويؤخرون بل ويهملون الأمور الرئيسية والتي لابد منها من أجل التمكين لدين الله، وهذا يؤدى إلى أن تطول الطريق وتكثر التكاليف و التضحيات، فيكون الفتور غالباً.(2/316)
• ولعلنا في ضوء هذا نفهم سر وصيته - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما وجهه إلى اليمن إذ قال له : إنك تأتى قوما من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوك لذلك ، فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب .
• هذا الحديث قاعدة رئيسية في منهجية العمل ، وترتيبه ودقته .
الوقوع في المعاصي و السيئات ولاسيما صغائر الذنوب مع الاستهانة بها :
• ذلك ينتهي بالعامل لا محالة إلى الفتور.
• {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى30
• يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي :( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهن مثلاً ، كمثل قوم نزلوا إلى أرض فلاة، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود و الرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً ، وأججوا ناراً ، وأنضجوا ما قذفوا فيها ) أخرجه أحمد.
آثاره :
للفتور آثار ضارة، ومهلكة سواء على العاملين أو على العمل الإسلامي :
آثار الفتور على العاملين :
• قلة رصيدهم - على الأقل - من الطاعات، وربما قبض أحدهم وهو فاتر كسلان، فيلقى الله مقصراً مفرطاً.
• لذا كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - :( اللهم إني أعوذ بك من الهم و الحزن وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن و البخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ). أخرجه أبو داود.
• كان من بشرياته لأمته :( إذا أراد اله بعبد خيراً استعمله ، قيل كيف يستعمله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه ) أخرجه الترمذي.
آثاره على العمل الإسلامي :(2/317)
• من آثاره على العمل الإسلامي طول الطريق ، وكثرة التكاليف و التضحيات ، إذ مضت سننه سبحانه : ألا يعطى النصر و التمكين للكسالى و الغافلين و المنقطعين.
• قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69.
علاجه :
لما كان الفتور يؤدى إلى الآثار و المخاطر التي ذكرنا لزم التحرز و التطهر منه ويستطيع العاملون التحرز و التطهر منه على النحو التالي :
1. البعد عن المعاصي و السيئات كبيرها وصغيرها، فإنها نار تحرق القلوب، وتستوجب غضب الله، ومن غضب عليه ربه فقد خسر خسراناً مبينا { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}طه81.
2. المواظبة على عمل اليوم و الليلة : من ذكر ودعاء وضراعة، أو استغفار، أو قراءة قرآن، أو صلاة ضحى، أو قيام ليل، ومناجاة ولاسيما في وقت السحر، فإن ذلك كله مورد إيماني جيد ، ينشط النفوس ويحركها ويعلى الهمم، ويقوى العزائم.
• قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً } المزمل 1-2 .
• قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :( من نام عن حزبه من الليل ، أو على شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل ) أخرجه مسلم.
3. ترصد الأوقات الفاضلة والعمل على إحيائها بالطاعات، فإن هذا مما ينشط النفوس، ويقوى الإرادات يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ..... فسددوا وقاربوا وأبشروا واستيعنوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ).(2/318)
4. التحرر من التشدد والغلو في دين الله، فإن ذلك مما ينشط ويساعد على الاستمرار، ولا جرم أن نشير هنا إلى أن التحرر من التشدد و الغلو لا يعنى الترك والإهمال، بل يعنى الاقتصاد والتوسط مع المحافظة على ما اعتاده من العمل، ومع اتباع السنة، قال عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل )، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).
5. اللجوء إلى أحضان الجماعة، وعدم اعتزالها أو الشذوذ عنها بحال من الأحوال.
• قال - صلى الله عليه وسلم - :( الجماعة رحمة والفرقة عذاب ) أخرجه أحمد.
• وقال - صلى الله عليه وسلم - ( يد الله مع الجماعة ) أخرجه الترمذي.
• وقال علي رضي الله عنه -:( كدر الجماعة خير من صفو الفرد ).
6. الانتباه إلى سنن الله في الإنسان والكون قال تعالى: { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }فاطر43 .
7. عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه - خامس الخلفاء الراشدين ، فقد أراد أن يعود بالحياة إلى هدى الخلفاء الأربعة ، لكن بعد أن يتمكن ويمسك الخيوط في يديه ، وكان له ابن يقال له عبد الملك ، فيه فتوة وحماس وحيوية وتقى ، فأنكر على أبيه البطء ، وعدم الإسراع في إزالة كل بقايا الانحراف والمظالم، حتى تعود الحياة سيرتها الأولي أيام الراشدين ، إذ قال له يوماً :( ما لك يا أبت لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي، لو أن القدور غلت بي وبك في الحق). فكان جواب الأب الفقيه :( لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه جملة فيكون من ذا فتنة ) .(2/319)
8. الوقوف على معوقات الطريق من أول يوم في العمل : حتى تكون الأهبة، ويكون الاستعداد لمواجهتها والغلب عليها فلا يبقى مجال لفتور أو انقطاع.
9. الدقة والمنهجية في العمل على معنى مراعاة الأولويات وتقديم الأهم، وعدم الدخول في معارك جانبيه، أو مسائل جزئية هامشية.
10. صحبة الصالحين المجاهدين من عباد الله : إذ أن هؤلاء لهم من الصفاء النفسي والإشراق القلبي ، والإشعاع الروحي ، ما يسبى، ويجذب بل ما يحرك الهمم و العزائم ، ويقوى الإرادات ، وقد لفت النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنظار إلى ذلك حين قال :( ألا أخبركم بخير الناس ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من تذكركم رؤيته بالله عز وجل ) أخرجه ابن ماجه.
11. إعطاء البدن حقه من الراحة و الطعام والشراب مع الاعتدال في ذلك ، فإن هذا مما يجدد نشاط الجسم ويعيد إليه قوته وحيويته .
• أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - العاملين إلى ذلك ، فقد دخل مرة المسجد فرأي حبلاً ممدوداً بين ساريتين ، فقال :( ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلقت به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :( حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد ) متفق عليه.
12. الترفيه عن النفس بالمباحات، من مداعبة الأهل، أو ملاعبة الأولاد، أو القيام ببعض الرحلات النهرية للتجديف، أو القمرية للرياضة، و التدبر و التفكر، أو الجبلية للصعود والتسلق، أو الصحراوية للتمرس والتعود على مواجهة مشاق الحياة، أو الحقلية أو غير ذلك ، فإن هذا مما يطرد السأم والملل، ويقضى على الفتور والكسل، بحيث يعود المسلم إلى ممارسة نشاطه،(2/320)
• عن أبى ربعي حنظلة ابن الربيع الأسيدى الكاتب، أحد كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لقيني أبو بكر - رضي الله تعالى عنه- فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قلت نافق حنظلة ، قال : سبحان الله ما تقول ؟ قلت : نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة و النار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا الأزواج والأولاد، والضيعات ونسينا كثيراً، قال أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :وما ذاك ؟ قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد، والضيعات ونسينا كثيراً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي و في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) ثلاث مرات. أخرجه مسلم.
13. دوام النظر و المطالعة في كتب السيرة و التاريخ و التراجم ، فإنها مشحونة بكثير من أخبار العاملين المجاهدين، أصحاب العزائم القوية والإرادات الصادقة التي تسرى عن النفس، وتسليها وتولد فيها حب الاقتداء و التأسي.
14. تذكر الموت وما بعده من سؤال القبر وظلمته ووحشته ، و البعث و الحشر ... الخ فإن هذا مما يوقظ النفس من نومها ، ويوقفها
15. تذر الجنة و النار، وما فيهما من النعيم و العذاب ، فإن ذلك مما يذهب النوم عن الجفون، ويحرك الهمم الساكنة و العزائم الفاترة، جاء عن ابن هرم بن حيان أنه كان يخرج في بعض الليالي، وينادى بأعلى صوته :( عجبت من الجنة كيف ينام طالبها ، وعجبت من. النار كيف نام هاربها)(2/321)
16. حضور مجالس العلم ، إذ العلم حياة القلوب وربما سمع العامل كلمة من عالم صادق مخلص، فنشطته سنة كاملة، بل الدهر كله.
17. أخذ هذا الدين بعمومه وشموله، دون التخلي عن شيء منه ، فإن ذلك يضمن الدوام والاستمرار، حتى تنقضي الحياة ونلقى الله.
18. محاسبة النفس و التفتيش فيها دائماً، فإن ذلك مما يبصر بالعيوب في بدايتها، فتسهل معالجتها.
المرجع: آفات على الطريق-السيد محمد نوح.
ـــــــــــــــــ
الفتوى
لغة: الفتوى هى الجواب عما يُشكل من المساك الشرعية أو القانونية، والجمع: فتاوٍ وفتاوى ويقال أفتى فى المسألة: أبان الحكم فيها، فالإفتاء هو إبانة الأحكام فى المسائل الشرعية أو القانونية أو غيرها مما يتعلق بسؤال السائل ، والمفتى: هو من يتصدر للإفتاء والفتوى بين الناس ، وهو فقيه تعينه الدولة ليجيب عما يُشكل من المسائل الشرعية والجمع مفتون ، ودار الفتوى: هى مكان المفتى، والفتيا هى الفتوى فى المسألة المشكلة(1).
شرعا: لايختلف المعنى الشرعى للفتوى والإفتاء عن هذه المعانى اللغوية، فالفتوى: هى بيان الحكم الشرعى فى مسألة من المسائل مؤيدا بالدليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الاجتهاد.
وهى ضرورية للناس لأنهم لايمكن أن يكونوا جميعا علماء بالأحكام ، ولو انقطعوا لتحصيل ذلك حتى يبلغوا مرتبة الاجتهاد، لتعطل العمل وتوقفت الحياة فكان من رحمة الله تعالى بالأمة أن جعل منها علماء ومقالدين وأوجب على العامة من المقلدين أن يستفتوا العلماء فيما يجهلونه فقال: {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}الأنبياء:7.
وأوجب على العلماء أن يفتوهم ويجيبوهم ويبينوا لهم الأحكام فقال صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (أخرجة أبو داود والترمذى وابن ماجه)(2).(2/322)
ويجب على العامى أن يتوجه بالسؤال إلى من يثق بعلمه وعدالته فإذا جهل حاله كفاه أن يراه مشهورا بين الناس بذلك ، ومع هذا الا تبرأ ذمته بالعمل بفتواه إلا إذا أطمأن قلبه إليها ، فإذا كان يعلم أن الأمر فى الواقع على خلاف الفتوى لم يبرأ من الإثم ، وإن كان المفتى أعلم العلماء.
وعن مكانة المفتى ومسئوليته يقول الشاطبى، رحمه الله (ت 790هـ): "المفتى قائم فى الأمة مقام النبى - صلى الله عليه وسلم - والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النقل الشرعى فى الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء
لم يورثوا دينارا ولادرهما وإنما ورثوا العلم) (أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه)(3).
الثانى: أنه نائب عنه فى تبليغ الأحكام ، بقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)(4) وقوله: (بلغوا عنى ولو آية)(5).
الثالث: أن المفتى شارع من وجه ، لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول من صاحبها وإما مستنبط من المنقول: فالأول: يكون فيه مبلغا، والثانى: يكون فيه قائما مقامه فى إنشاء الأحكام ، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع.
وعلى الجملة، فالمفتى مخبر عن الله كالنبى وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبى، ونافذ أمره فى الأمة بمنشور الخلافة كالنبى، ولذلك سموا أولى الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله فى قوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}النساء:59 ، والأدلة على هذا المعنى كثيرة(6).
وتحصل الفتوى من المفتى من جهة القول كأن يسأل فيجيب ، ومن جهة الفعل كأن يفعل ويقتدى به ، ومن جهة الإقرار كأن يرى عملا من شخص فيقره عليه ، ولاتصح الفتيا إذا خالفت مقتضى العلم سواء كانت قولا أم فعلا
أم تقريرا.
والمفقى البالغ ذروة الدرجة هو الذى يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال(7).
صفات المفتى:(2/323)
ينبغى أن يتصف المفتى بخمس صفات نقلها ابن القيم عن الإمام أحمد فقال: "لا ينبغى للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ماهو فيه وعلى معرفته ، الرابعة: الكفايه وإلا مضغه الناس ، الخامسة: معرفة الناس"(8).
فإن هذه الخمسة هى دعائم الفتوى وأى شىء انقضى منها ظهر الخلل فى المفتى بحسبه.
واجبات المفتى:
يجب على المفتى أمور منها ما أشار إليه ابن القيم فى كتابه "إعلام الموقعين" قال: "ليس للمفتى الفتوى فى حال غضب شديد،أو جوع مفرط ، أو هم مقلق ، أو خوف مزعج ،أو نعاس غالب ، أو شغل مسئول عليه ، أو حال
مدافعة الأخبثين ، بل متى أحس من نفسه شيئا من ذلك يخرجه عن حال اعتداله ،وكمال تثبته وتبينه أمسك عن الفتوى(9).
ومنها أن يتحرى الحكم بما يرضى ربه ،ويجعل نصب عينيه قوله سبحانه: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن
بعض ما أنزل الله إليك}المائدة:49.
فلا يصح له أن يعتمد فى فتواه على مجرد وجود الحكم بين أقوال الفقهاء، بل يجب عليه أن يتحرى ماهو أرجح منها تبعا لقوة الدليل(10).
ويجوز لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يفتى بما حفظه من مذاهب الفقهاء المعروفين إذا فهم أصولهم وأحسن التصرف فى تطبيقها، وتتفق الفتوى مع القضاء فى أنه لابد لكل من القاضى والمفتى من أمرين أولهما: فقه الحادثه التى يريد الإفتاء أوالقضاء بها.
ثانيهما: فقه الحكم الشرعى لهذه الحادثة.
ويفترقان فى أمور:
1- أن الإفتاء أوسع مجالا من القضاء، فيصح الإفتاء من الحر والعبد والرجل والمرأة والبعيد والقريب والأجنبى والصديق ، بخلاف القضاء ففيه خلاف فى:
2- أن القضاء ملزم للخصوم ، ونافذ فيهم بخلاف الإفتاء.(2/324)
3- أن القضاء بما يخالف فتوى المفتى نافذ ولا يعد نقضا لقضاء سابق بخلاف القضاء بما يخالف قضاء سابقا فلا ينفذ.
4- المفتى لا يقضى إلا إذا ولى القضاء، ولكن القاضى يفتى بل ويجب عليه الإفتاء إذا تعين له.
أ.د/محمد نبيل غنايم
ـــــــــــــــــ
الفداء
لغة: فَدَيتهُ فدىّ وفداء وافتديته ، وهذا يدل على البذل من النفس والمال لتخليص الآخرين ، وقال الشاعر:
فلو كان ميت يفتدى، لفديته * بمالم تكن عنه النفوس تطيب (1).
وإنه لحسن الفدية. والمفاداة: أن يرد أسر اليد ويسترجع منهم من فى أيديهم ، كأن يدفع رجلا ويأخذ رجلا.
والفداء: أن يشتريه ، يقال: فديته بمالى فداء، وفديته بنفسى. قال تعالى: {وإن يآتوكم أسارى تفادوهم}البقرة:85.
وافتدى: قدم الفدية عن نفسه. يقول الله تعالى فى شأن الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وخصاله ، وظلموا غيرهم بالعدوان عليهم: {ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعا ومثله معه لا فتدوا به}الزمر:47 ، فما يرونه من أهوال القيامة يهون معه أن يقدموا مافى الأرض ومثله لوكانوا يملكونه ولكن يبقى هذا فى دائرة الأمانى ويقول الله تعالى: {يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه}المعارج:11 ، فإن الله لا يقبل منهم هذا يقول الله تعالى: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به}آل عمران:91.
واصطلاحا: ما يقدم من مال ونحوه لتخليص المفدى. يقول الله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم}الصافات:107 ، أى جعلنا الذبح فداء له ، وخلصناه من الذبح.
والفداء والفدية: فيما يقى به الإنسان نفسه من مال يبذله فى عبادة. قصر فيها، ككفارة الصوم ، والحلق ولبس المخيط فى الإحرام ، فيقول الله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}البقرة:184 ، ويقول سبحانه: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}البقرة:196.(2/325)
وافتدت: اختلعت. يقول الله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}البقرة:229.
والخلع: طلاق يعوض بلفظ الخلع أو الطلاق أو مافى معناهما، ويجوز الخلع على كثير المال وقليلة(3).
والفدائى: المجاهد فى سبيل الله ، مضحيا بنفسه ، والفدائية: عمل الفدائى. ويعد هذا المفهوم بهذه الدلالات ثمرة من ثمرات العقيدة الإسلامية والعبادات ومظهرا من مظاهر الأخلاق وحسن المعاملات فى الإسلام ، حيث يطهر القلب من الأثرة وحب الذات فيفكر فى غيره من الناس ، فإن وجد غيره مكبلا بقيود الرق بذل من ماله ليفك قيده وأسره وإن دعاه الواجب لرفع كلمة الله فى حياة الناس كان فدائيا فى بذل لنفسه وماله وإن اتجه بالتفكير فى نفسه فإنما ينظر إليها نظرة الناقد البصير ليفتديها من عذاب يوم القيامة حتى لاتهلك فيه.
وإن لم تطب الحياة للزوجة مع زوجها كان هذا العطاء منها لزوجها، إنهاء لحياة زوجية غير صالحة.
كما يدل مفهوم الفداء على سبيل المحبة وتقويتها بين الناس عندما يسمع بعضهم من بعض عبارة: (فداك نفسى) أو (فداك أبى وأمى) أو (بأبى أنت وأمى) وقد خوطب النبى - صلى الله عليه وسلم - بهذه المعانى من أصحابه رضوان الله عليهم.
أ.د/محمد رأفت سعيد
ـــــــــــــــــ
الفرض
لغة: ما أوجبه الله عزوجل على عباده كما فى الوسيط (1) ، وهو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب تاركه ، ويأتى الفرض بمعنى الإلزام أو التقدير كما فى اللسان (2).
واصطلاحا: ذهب جمهور الفقهاء على أنه لا فرق بين الفرض والواجب إلا فى الحج فقط.
وأما الحنفية فإنهم يعرفون الفرض بأنه ما عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا، أما ما عرف وجوبه بدليل ظنى فإنه يطلق عليه الواجب (3).
وهذا الاختلاف الواقع بين جمهور الفقهاء والحنفية فى المراد بالفرض والواجب خلاف لفظى. لأن الفرض والواجب يدلان على معنى الثبوت والتقدير، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.(2/326)
وينقسم الفرض باعتبار المكلف به إلى فرض عين وفرض كفاية، وثمة فروق بينهما هى:
1- فرض العين هو ما يطالب به كل إنسان بعينه ولا يجوز أن يؤديه بدلا منه أحد، ولا يسقط عن المكلف إلا بأداء ما فرض عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج.
أما فرض الكفاية فهو مايطلب حصوله دون النظر إلى فاعله ، لكنه يسقط بفعل البعض، ويأثم الكل إن تركوه جميعا، إما إذا قام به البعض ولم يقم به الآخر، فإن من فعله يثاب ، وأما تاركه فإنه لايعاقب لسقوطه بفعل الغير، وذلك كصلاة الجنائز، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الثابت بقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}آل عمران:104 ، وكذلك تعليم الحرف وتعلمها فإنها من فروض الكفاية ،لأنه ليس مطلوبا من الناس جميعا تعلم حرفة واحدة.
2- فرض العين لايمكن أن يتحول إلى فرض كفاية، لأنه متعلق بعين الإنسان ذاته.
أما فرض الكفاية فإنه يتحول من كفاية إلى فرض عين ، وذلك إذا تعين ، مثال ذلك:
صلاة الجنازة فهى فرض كفاية، ولكن إذا لم يوجد غير مسلم واحد فى المكان الذى مات فيه مسلم تحول فرض الكفاية إلى فرض العين ، لعدم وجود من يقوم بالفعل سواه (4).
3- والفقهاء متفقون على أن فرض العين أقوى من فرض الكفاية، وإن اختلفوا فى أفضلية أحدهما على الآخر، لأن من ترك فرض العين أجبرعلى فعله كما فعل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه مع مانعى الزكاة فإنه قاتلهم على تركها، وأجمع الصحابة على فعل أبى بكر دون إنكار.
أما فرض الكفاية فإن الإنسان لا يجبر على فعله إلا إذا تعين فى حقه دون غيره (5).
4- وفرض العين إذا شرع الإنسان فى فعله ، فإن الواجب عليه أن يتم هذا الفعل ، إلا إذا طرأ عليه عذر يمنعه من إتمام هذا الفعل ، كمن صام نهار رمضان ، واشتد به المرض فله أن يقطع الصيام بسبب المرض.(2/327)
أما فرض الكفاية إذا قام به الإنسان ، فله أن يقطعه ، ولا يستمر فى أدائه ، كمن أراد أن يتعلم حرفة معينة ووجد أن غيره قد قام بتعلم هذه الحرفة، فله أن يقطع هذا الفعل لقيام غيره ، ولا إثم عليه (6).
5- نقل العطار فى حاشيته: إن قطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة مكروه ، لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، فإذا تزاحم فرض الكفاية وفرض العين فى وقت واحد، وكان الوقت لايسع إلا واحدا منهما، وجب تقديم فرض العين إلا إذا كان له بدل ، كما فى سقوط صلاة الجمعة عن إنسان له قريب يمرضه ولايوجد سواه يقوم بتمريضه والنظر فى مصالحه ورعايته.
6- ونرى أن لفرض الكفاية أمورا تتعلق بها مصالح دينية كصلاة الجنازة وغيرها، ومصالح دنيوية كتعلم الحرف وعلم الطب ونحو ذلك ، وهذه الأمور قد قصد الشرع الحكيم تحصيلها لما لها من أثرطيب فى حياة الفرد والمجتمع ، وهو فى نفس الوقت لم يكلف آحاد الناس بتحقيق هذه الأمور، وترك الأمر لكل إنسان على حسب رغبته فى تحصيل الخير، وتحقيق النفع العام لنفسه ولأبناء مجتمعه الذى يعيش فيه ، وذلك يختلف تماما عن فرض العين الذى كلف الشرع الحكيم كل إنسان بالقيام به ، وكلما حقق الإنسان فرض العين وأتى به ممتثلا لأمر ربه عز وجل ، كلما نال الأجر والثواب
من الله تعالى، فكان الغرض من فرض العين هو الخضوع والامتثال لأمر رب العالمين ،وذلك بخلاف فرض الكفاية فإنه فى الغالب لايتكرر.
د/صبرى عبدالرؤوف محمد
ـــــــــــــــــ
الفن
تعنى كلمة (الفن) مجمل الوسائل ، و المبادىء التى يقوم الإنسان بواسطتها بإنجاز عمل يعبر عن مشاعره وأفكاره ،فالعمل الفنى تجسيد لفكرة ما بأحد الأشكال التعبيرية.(2/328)
والتعبير الفنى قائم بالفطرة الإنسانية منذ بدء الخليقة، فأقدم نموذج عرفة التاريخ هو تمثال لامرأة عارية من الحجر الجيرى ، عثر عليه فى النمسا، ويعرف باسم "فينوس ويللندوروف" ويرجع تاريخه إلى خمس وعشرين أو خمس وثلاثين ألف سنة، وهى الفترة التى يطلق عليها العصر الحجرى، أو ما قبل التاريخ ، والتى تنتهى مع بدايات التقويم الحالى، فقد كان الفن هو اللغة السائدة بين البشر قبل أن يعرف الإنسان الكتابة ويستخدمها فى التعبير.
والفن وثيق الارتباط بالتقدم الاجتماعى و بالعقل الإنسانى الذى كلما تقدم باتساع معرفته ، تأثر نتاجه بنفس هذا التقدم والأتساع.
ومن هنا كان الارتباط للفن بالحضارات إذ أنه يمثل مختلف قيمها ورقيها الفكرى والتعبيرى، وبالتالى أصبح لكل حضارة فنها الذى يحمل سماتها المميزة، لأنه يمثل الشكل الذى أضفاه الإنسان على تطلعاته ومشكلاته عبر مشواره الطويل فى البحث عن المعرفة والسيطرة والتعبير عن أحلامه ومخاوفه ،لذلك نجد أن الفن يمثل فى كل مجتمع إنسانى عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للعقائد والطقوس ، والأعراف الأخلاقيه والاجتماعية، فهو يقع فى مفترق الطرق بين الفكر العلمى والفكر الفطرى، بين عالم الشهادة وعالم الغيب ، وبين الواقع والأمل ، لذلك لايمكن فهم وإدراك الفن بعيدا عن إطاره الاجتماعى وبيئته الزمانية.
وانطلاقا من ارتباط الفن بالحضارات يتم تقسيم تاريخ الفن وفقا لحقبات تطورها إجمالا، حيث إن التطورالإنسانى لا يخضع للتقويم الدقيق وإنما لمراحل إنجازاته وتآثيرها على المجتمع.
وقد جرى العرف على تقسيم الحضارات بفنونها على النحو التالى:
أوروبا الغربية من عصرما قبل التاريخ إلى الفن السلى.(2/329)
الشرق القديم ، مصر القديمة، كريت ، اليونان ، الفن الفارسى (وقد ضمت هذه الحقبة عصر جوستينيان ومعركة الايقونات (تحريم التصوير) بين اليهودية والمسيحية) فن الاستب ، الفن الأتروسكى، الفن الرومانى، الفن المسيحى القديم ، الفن االبيزنطى، الفن الإسلامى، الفن الأوروبى القديم ، الفن القوطى، الفن فيما بين القرن الثالث عشروحتى المدرسة التكلفية،الفن الباروكى والروكوكو، من الكلاسيكية الجديدة إلى أواخر القرن التاسع عشر مرورا بمذاهب الانتكائية والرومانسية والواقعية والتأثيرية والرمزية والفن الجديد وما بعد التأثيرية والتعبيرية.
أما الفن فى القرن العشرين فقد بدأ بأزمة انعكست على الفن بفصل الشكل عن المضمون ، وعرف هذا الاتجاه بالفن الحديث أو الفن التجريدى،وتنعكس هذه الأزمة على مئات المذاهب الفنية والتيارات التى تشابكت وتكررت بأسماء مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الحوشية والدادية والتكعيبية والتأليفية والمستقبلية والسريالية واللافن واللاشكل. وفن الكولاج (اللصق) وفن القمامة وفن الخردة وما إلى ذلك.
وينتهى هذا التقسيم الإجمالى للفن بالفنون الشعبية والفن الأفريقى والفن الهندى والفن فى جنوب شرق آسيا وفى الصين و فى كل من فيتنام وكوريا وفى اليابان و الفنون فى أوتيانيا، لينتهى بالفن لدى هنود الأمريكتين.
لقد قام الفن الكريتى واليونانى على أسس وانجازات الفن المصرى القديم و كامتداد له. كما يعتبرالفن الإسلامى وحضارته هو همزة الوصل نين العالم القديم والعالم الغرربى الحديث وتميز بتنوع شديد فى أساليبه و تفاصيله وتعرض لمختلف المجالات الفنية سواء أكانت من الفنون الأساسية أو من
الفنون التطبيقية.(2/330)
ويتسم الفن الإسلامى إجمالا ناتجاهين أساسيين رغم تباعدهما شكلا، وهما الاتجاه القائم على الفنون لممارسة فى الأقطار والحضارات التى امتد إليها الإسلام حيث أثر الإسلام فى تلك الفنون دون إلغائها، والاتجاه القائم على الأشكال المجردة النباتية أو الهندسية، وهو خط جديد مرتبط بالرؤية الكلية للمسلمين للإنسان والكون والحياة، متأثرا بالفلسفة الإسلامية، وبأفكار المتصوفة المسلمين ويمكن تلخيصه بعبارة (المركز فى الإشعاع) إشارة إلى الخالق والمخلوق ، وهو كلا يمثل فرقا جوهريا بين المدارس التجريدية
فى الغرب التى تفرض العبث والضياع ولبين التجريد فى الفن الإسلامى القائم على الربط بين الإنسان وخالقه ، لأن استبعاد المضمون عن الفن هو فى الواقع استبعاد للوجود الإنسانى برمته.
وأهم ما يميز الفن الإسلامى فى الفنون الأساسية هو: العمارة الدينية المتمثلة فى المساجد والمدارس والأسبلة، وكل ما يتعلق بهذا الجانب ، والعمارة المدنية من قصور ومنشأت عامة وأسواق وحمامات ومدافن ،والعمارة العسكرية من قلاع وحصون وأسوار. ووصلت براعة الفنان فى النقوش والزخارف التى تكسوها إلى درجة مذهلة سواء فى دقة تناوله ومعالجته الفنية للمواد الصلبة كالرخام والحجز أو فى فن الفسيفساء ولوحاته الجدارية التى وصلت ألوان بعضها إلى تسعة وعشرين لونا مختلفا،وهو رقم غير مسبوق انذاك.
ومن أهم إنجازاف الفن الإسلامى وإسهاماته فن الخط العربى بإمكانيات تشكيلاته اللانهائية، وفن المنمنمات ، وفن الكتب والأغلفة ، والمصاحف وزخارفها ، ويمثل فن الخزف والأوانى ذات البريق المعدنى، وفن الزجاج ملمحا متميزا إلى جانب فن المعادن والعاج والحلى والأحجار الكريمة والنسجيات بمجالاتها المختلفة من سجاد وملبوسات.أ.د/زينب عبد العزيز
ـــــــــــــــــ
الفىء
لغة: مصدر فاء يفىء بمعنى رجع ، فالفىء هو الرجوع كما فى المعجم الوسيط(1).(2/331)
واصطلاحا: ما يرجع من أموال الكافرين إلى المسلمين بدون قتال ولا ركوب خيل ، وقد ذكره الله فى كتابه: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير}الحشر:16 ، وذلك مثل الأموال المبعوثة مع رسول إلى إمام المسلمين ،والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب (2) والفرقي بينه وبين الغنيمة من جهتين:
1- أن الغنيمة تكون بالحرب وإيجاف الخيل ، والفىء يكون بدون ذلك.
2- أن تقسيم الغنيمة يختلف عن تقسيم الفىء، مع أن الجميع من أموال الكافرين.
وقد شرعه الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته قال تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}الحشر:7 ، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكانت للنبى خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقى يجعله فى الكراع والسلاح.
وقد اختلف الفقهاء فى قسمة الفىء فقال قوم: أن الفىء لجميع المسلمين ، الفقير والغنى، وإن الإمام يعطى منه للمقاتلة وللحكام وللولاة، وينفق منه فى النوائب التى تنوب المسلمين ، كبناء القناطر وإصلاح المساجد، وغيرذلك ، ولا خمس فى شىء منه ، وبه قال الجمهور-عدا الشافعى- وهو الثابت عن أبى بكر وعمر (4)وهذا هو المعنى العام للآية الكريمة، حيث بينت أنه لله وللرسول ، فما لله فهو لمصالح المسلمين ، وما للرسول فهو لنفقته - صلى الله عليه وسلم - فى حياته ، ثم لمصالح المسلمين بعد مماته ، وكذلك ذووا القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا وله حق فى مال الفىء.(2/332)
أما الشافعى فيرى أن الفىء يخمس أى يقسم على خمسة أسهم: سهم منها يقسم على المذكورين فى آية الفىء وهم أنفسهم المذكورون فى آية الغنيمة، وأربعة أخماس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واجتهاد الإمام بعده ، ينفق منه على نفسه وعلى عياله ومن يري.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول الشافعى فى القديم: أن الفىء لا يخمس وإنما كله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذكروا معه فى قوله {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان..}الحشر:10.
فيكون عاما لجميع المسلمين بناء على اجتهاد الإمام ، قال ابن المنذر: ولا نحفظ من أحد قبل الشافعى فى الفىء الخمس كخمس الغنيمة(5) وقد روى أن عمر لما قرأ آية الفىء قال: "استوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال حق"(6).
وعلى قول الشافعى يقسم الفىء على خمسة أسهم:
الأول: لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - ينفق منه على نفسه وأهله وما فضله جعله فى سائر المصالح.
الثانى: لذوى القربى (بنى هاشم وبنى المطلب).
الثالث: لليتامى.
الرابع: للمساكين.
الخامس: لأبناء السبيل.
والأخماس الأربعة الباقية بعد تقسيم الخمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حياته ، ولمصالح المسلمين بعد مماته توضع فى بيت المال ويصرف فى مصالح العامة.(7).
والخلاف بين الشافعى والجمهور بسيط لأن كليهما يعود إلى مصالح المسلمين فى حياته وبعد مماته - صلى الله عليه وسلم - كما رأينا.
وقد ذكر البهوتى من الحنابلة ما يؤكد ذلك فى بيانه لمعنى الفىء وموارده ومصارفه فى الفقرة التالية:
وموارد الفىء عديدة منها:
1- ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب كما سبق.
2- الجزية.
3- الخراج.
4- زكاة نصارى تغلب.
5- عشر مال تجارة الحربى.
6- نصف العشر من تجارة الذمى.
7- ما تركه الكافرون فزعا وهربا.
8- خمس خمس الغنائم.(2/333)
9- مال من مات منهم ولا وارث له.
10- مال المرتد إذا مات على ردته.
ويصرف كل ذلك الفىء فى مصالح المسلمين للآيتين ، ولهذا لما قرأ عمر الآيات (7-10) من سورة الحشرقال: "هذه استوعبت المسلمين"، وقال: أيضا "ما من أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال نصيب إلا العبيد".
وذكر أحمد الفىء فقال: فيه حق لكل المسلمين ، وهو بين الغنى والفقير، ولأن المصالح نفعها عام ، والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلا لها، ويبدأ بالأهم فالأهم من المصالح العامة(8).
أ.د/محمد نبيل غنايم
ـــــــــــــــــ
الفُسْطاط
أول عواصم مصر الإسلامية اختطها الفاتح العربى المسلم عمرو بن العاص سنة 20هـ-642م لتكون مقرا لولاة مصر المسلمين. تقع على الجانب الشرقى للنيل فى الفضاء المجاور لحصن بابليون ، عند رأس الدلتا فى نقطة التقائها بجنوب الوادى. وقد ظلت العواصم المصرية تدورفى هذا الموقع وتنتقل فيه من موقع إلى آخر (ممفيس ، بابليون ، ثم العسكر ، القطائع ، القاهرة) ولكنها لم تخرج عنه إلا فى فترات عابرة فى التاريخ القومى (طيبة - الإسكندرية).
وفى بداية عهدها ضمت الفسطاط مسجدا جامعا يعرف بالجامع العتيق وتاج
الجوامع ، وجامع عمرو هو أول جامع ينشأ فى إفريقيا، واختطت القبائل العربية التى تألف منها جيش القائد الفاتح حول الجامع ودار الإمارة، فاختير لكل جماعة "خطة" تنزل بها.
وعندما بنى العباسيون مدينة "العسكر" سنة 132هـ/750م ثم أحمد بن طولون مدينة "القطائع" سنة 254هـ-868م إلى الشمال من "فسطاط عمرو" أصبح مجموع المدن الثلاث يمثل مدينة مصر ، الفساط ، وأصبح
هذا التجمع العمرانى أكثر وضوحا بعد بناء مدينة "القاهرة" الفاطمية سنة 358هـ-969م.(2/334)
كانت الفسطاط تنقسم جغرافيا إلى قسمين: "عمل أسفل" و "عمل فوق"، وكان بكل منها مسجد جامع: جامع عمرو فى عمل أسفل وسمى لذلك بـ "الجامع السفلانى" وجامع ابن طولون فى عمل فوق وسمى لذلك بـ "الجامع الفوقانى". كان عمل أسفل يمثل المنطقة الجنوبية الغربية للفسطاط ، ورغم
كونه أكثر رطوبة، فإنه كان يحوى أغلب مبانى المدينة الهامة، ففيه كان المسجد الجامع ودار الضرب والأسواق والقياسر، وظل هذا الحى الغربى للمدينة شاهدا على الأحداث الأليمة التى عرفتها الفسطاط طوال تاريخها.
أما الجزء الآخر للمدينة فكان يشمل مساحة كبيرة فى اتجاه الشرق ويمتد حتى المقابر القديمة فى سفح المقطم ، وتمثل بركة الحبش الحد الطبيعى الجنوبى لهذا القسم من المدينة حيث توجد اليوم ضاحية القاهرة الجنوبية: البساتين ، بينما لم يكن لهذا القسم حد معين؟ ففى ذروة ازدهار ونمو الفسطاط خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة/العاشر والحادى عشر للميلاد كان هذا القسم يمتد إلى ما يلى الخليج المصرى فى منطقة يصعب تحديدها تعادل ميدان السيدة زينب الحالى فيما وراء جبل يشكر، حيث يوجد
منذ القرن الثالث الهجرى/التاسع الميلادى جامع ابن طولون. كان هذا القسم فى الأساس حيا سكنيا رغم حرمانه من المراكز التجارية والحرفية التى كانت مركزة كلها فى القسم الآخر للمدينة القريب من مجرى النيل.
ورغم أن القسم الغربى للمدينة أو عمل أسفل قد دمر أكثر من مرة، إلا أنه كان يعاد بناؤه دائما ولم يفقد أهميته الاقتصادية والتجارية، وظل حتى نهاية العصر المملوكى حيث كان يعتبر المدينة الثانية للإقليم بعد القاهرة بسبب قربه من النيل. أما القسم الشرقى للمدينة أو عمل فوق فقد دمر تماما منذ النصف الثانى للقرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى ولم يعاود سكنه بعد ذلك بسبب الأوبئة والمجاعات والاضطرابات التى اجتاحت مصر كلها فى هذه الفترة.(2/335)
وبسبب ذلك فقد تخرب القسم الشرقى كله فيما عدا منطقة المشاهد بين المشهد النفيسى وباب زويله التى تمثل الضاحية الجنوبية للقاهرة الفاطمية.
وطوال العصر الفاطمى (358-567هـ/969-1171م) كانت الفسطاط تعد مدينة مصر الرئيسية ومركز نشاطها الاقتصادى والصناعى والعلمى ، بينما كانت القاهرة هى مقر الحكومة الفاطمية ومركز الدولة الإدارى والسياسى والمعقل الرئيسى لنشر الدعوة الإسماعيلية، ويكون مجموع المدينتين العاصمة المصرية فى العصر الفاطمى.
وقرب نهاية العصر الفاطمى اجتاح الفسطاط حريق متعمد فى سنة 564هـ/1168م ، بناء على أوامر الوزير شاور السعدى، استمر أكثر من أربعة وخمسين يوما وأتى على أغلب المواضع الواقعة حول جامع عمرو، وعلى المناطق الشمالية الغربية المعروفة بالحقروات ، بينما كانت المناطق
الشرقية قد تخربت كلية منذ أزمة منتصف القرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى. ولم يأت عام (572هـ/1176م) إلا وكانت هذه الأقسام قد أعيد بناؤها كما يذكر ابن جبير فى رحلته.
ورغم أن القاهرة فقدت مكانتها كمركز للحكم فى العصرالأيوبى، بعد بناء قلعة الجبل ، وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها، فإن قوة جذب الفسطاط كمركز صناعى واقتصادى ظلت كما هى حتى نهاية القرن السابع الهجرى/الثالث عشر الميلادى، بسبب قربها من مجرى النيل حيث كانت تلتقى عندها طرو التجارة القادمة من الإسكندرية والبحر الأحمر وداخل إفريقيا.(2/336)
ولكن القاهرة بلغت أقصى ازدهارها كمركز تجارى وعلمى فى العصر المملوكى وخاصة فى زمن الناصر محمد بن قلاوون ، وحلت تدريجيا محل الفسطاط التى لم يبق منها فى مطلع القرن التاسع الهجرى/الخامس مجر الميلادى إلا ما بساحل النيل وما جاوره إلى ما يلى جامع عمرو وما قرب منه ، ودثرت أكثر خططها القديمة وتغيرت معالمها. ولم تجر أية محاولة للنهوض بالمدينة وإحياء دورها بسبب تحول طاقة التجارة المصرية ابتداء من عصر السلطان برسباى (825-742هـ/1421-1438م) واعتمادها على تجارة البحر المتوسط بعد أن كانت حتى هذا الوقت تعتمد على تجارة البحر الأحمر عبر الطريق التقليدى (عيذاب - قوص - الفسطاط) وعلى الأخص بعد تخرب ميناء عيذاب نهائيا فى أواسط القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
وقد أدى ذلك بالضرورة إلى فقدان الفسطاط لأهميتها الاقتصادية وهجر الناس لها وتخربها نهائيا فى نهاية القرن التاسع الهجرى، وبالطبع لم يكن هذا ممكنا إلا بعد إنشاء ميناء آخر للعاصمة فى طرفها الشمالى الغربى هو ميناء (بولاق) الذى بدأ فى الظهور اعتبارا من سنة 713هـ-1313م ولكنه لم يلعب دورا فى الحياة الاقتصادية للمدينة إلا ابتداء من القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
أ.د/أيمن فؤاد سيد
ـــــــــــــــــ
القبة
لغة: مفرد قباب ، وهى بناء مستدير، أو خيمة صغيرة أعلاها مستدير(كما في اللسان)(1).
واصطلاحا: عنصر إنشائى كروى يغطى مساحة معينة من المبنى ليزيد من ارتفاع فراغها الداخلى.
وقد ظهرت القبة فى المبانى قبلي ظهور الإسلام وبعده ، كما ظهرت فى عمارة المسلمين وفى عمارة غير المسلمين ، وهى ليست بالضرورة عنصرا مميزا فى العمارة الإسلامية على الرغم من انتشارها فى تراث هذه العمارة.
وقد اشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام.(2/337)
وتبنى القباب إما بالطوب اللبن أو الحجر أو بنظم الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط ، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية.
وينتقل الشكل النصف كروى بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصورمثل قصرالحمراء بغرناطة، وقد تختفى كما فى بعض مساجد القاهرة.
وتتخذ القبة أشكالا مختلفة: منها ما هو تام التكور، ومنها ماهو مدبب ، ومنها ما هو فى شكل بصلى كما فى العمارة الهندية، ومنها ما هو مخروطى الشكل.
وتزين القباب من الداخل والخارج فى بناء المساجد، وعادة ماتعلو القبة بيت الصلاة فى المساجد أو تعلو قاعات الاحتفالات الكبرى ، وأشهر القباب فى تاريخ العمارة الإسلامية:
القبة الخضراء على قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقبة الصخرة عند المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله.
وبناء القباب على الأضرحة والقبور يتنافى مع العقيدة الإسلامية باستثناء قبة المسجد النبوى الشريف.
د.م/عبدالباقى إبراهيم
ـــــــــــــــــ
القبلة
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامه قبلة. جهة. وأين جهتك؟.
واصطلاحا: التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى
صلاتهم (1). وقد جعل الله التوجه إليها شرطا يجب على المصلى الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}البقرة:144.
والحاضر بالمسجد الحرام يجب عليه أن يستقبل الكعبة ذاتها والذى يقيم بعيدا عنها عليه أن يستقبل جهتها لأن هذا هو المستطاع له ، وقد يسر الله على عبادة كل ما يتصل بعبادتهم فعن أبى هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق.(2/338)
وأما أهل مصر فقبلتهم بين الشرق والجنوب ، وأما أهل اليمن فالمشرق عن يمين المصلى والمغرب عن يساره ، وأهل الهند، المشرق يكون خلف المصلى والمغرب أمامه وهكذا ، ويستعان فى معرفة الاتجاه نحو الكعبة فى كل مكان ببيت الإبرة (البوصلة)، وإذا لم يتمكن المصلى من تحديد الاتجاه
الصحيح نحو الكعبة بسبب غيم مثلا فعليه أن يسأل ويجتهد، فإذا فعل ذلك وأخطأ، فلا يعيد صلاته ، وإذا تبين الخطأ أثناء الصلاة صار إلى الصواب وهو فى صلاته ولا يقطعها، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال: بينما الناس بقباء فى صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ولا يسقط شرط استقبال القبلة الا فى الحالات الآتية:
1- صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى على راحلته حيث توجهت به". رواه البخارى ومسلم ، وزاد البخارى: يومى، والترمذى: ولم يكن يضيف فى المكتوبة وعن أحمد ومسلم والترمذى: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى على
راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به ، وفيه نزلت {فأينما
تولوا فثم وجه الله}البقرة:115.
2- صلاة المكره والمريض والخائف ، إذا عجروا عن استقبال القبلة لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال "إذا أمرتكم بأمرفأتوا منه ما استطعتم" وفى قوله تعالى {فإن خفتم فرجالا أوركبانا}البقرة:239.
قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أوغيرمستقبلها.(رواه البخارى).(2/339)
وإذا كان التوجه إلى القبلة يحقق للأمة هذا التوحد، فإنه يحقق لها. أيضا هذا التواصل مع أنبياء الله ورسله حيث كانوا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة، ولذلك لما أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بالتوجه إلى بيت المقدس كان منه السمع والطاعة وكانت اختبارا للناس فى حسن الاستجابة لأمر الله عز وجل فى سائر الأحوال ، وعلى السمع والطاعة من النبى - صلى الله عليه وسلم - و المؤمنين.
كانت الرغبة مع الرجاء فى أن يحقق الله لهم التوجه إلى أول بيت وضع للناس ،فاستجاب الله وحقق الرجاء، وأمر بالتوجه إلى القبلة التى يرضاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصار الحال إلى ماحكاه ابن عباس ، وذكره البغوى: "البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة أهل المشرق والمغرب" وهو قول مالك رحمه الله.
وفى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان
يحب أن يوجه إلى الكعبة" فأنزل الله عز وجل: {نرى تقلب وجهك فى السماء}البقرة:144.
فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها}البقرة:142.
فقال الله تعالى {قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم}البقرة:142.
أ.د/محمد رأفت سعيد
ـــــــــــــــــ
القذف
لغة: الرمى مطلقا، فيقال: قذف بالحجارة قذفا من باب ضرب أى رمى بها، وقذف المحصنة قذفا: رماها بالفاحشة، والقذيفة: القبيحة وهى الشتم. (1).
واصطلاحا: هو الرمى بزنا أو لواط أو شهادة بأحدهما عليه ولم تكمل البينة(2).
واتفق الفقهاء(3)على أن قذف المحصن والمحصنة حرام شرعا ، وأنه من الكبائر، والأصل فى تحريمه الكتاب والسنة.
فأما الكتاب فآيات كثيرة منها قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم
يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون}النور:4.(2/340)
وأما السنة فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات ، قال يا رسول الله: وما هن؟ قال:......وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"(4) فأمر الرسول باجتنابه واعتباره من الكبائر، وتشديد العقوبة عليه كما فى الآية المطهرة دليل تحريمه.
والقذف على ثلاثة أضرب: صريح وكناية وتعريض ، وذلك لأن اللفظ الذى يقع به القذف إما أن يدل بوضعه عليه دون احتمال لمعنى آخر غيره ، فهذا هو الصريح ، وإما أن يدل بوضعه على القذف مع احتمال لمعنى آخر غيره فهذا هو الكناية، وإما أن لا يدل بوضعه على القذف وإنما يفيد ذلك بقرائن الأحوال ، فهذا هو التعريض. (5).
واتفق الفقهاء على وجوب حد القذف بصريح الزنا .أما فى القذف بلفظ كنائى: كقوله يا فاجر أويا خبيثة فقد اختلف الفقهاء فى موجبه ،فذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه لا يجب به الحد. وذهب المالكية والرواية الثانية عن أحمد، إلى أنه يجب الحد إذا فهم منه القذف ، أو دلت القرائن على أن القاذف قصد منها القذف. وذهب الشافعى والخرقى من الحنابلة، وابن المنذر إلى أن القذف بالكناية يجب به الحد إن نوى القاذف بعبارته القذف.
وأما التعريض بالقذف - كأن يقول شخص لآخر ما أنا بزان فالفقهاء فى موجبه على قولين:
الأول: أن ذلك لا يعد قذفا ولا يجب به الحد، وبهذا قال الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد.
الثانى: أن ذلك يعد قذفا يجب به الحد ، وإليه ذهب الإمام مالك ورواية عن أحمد.(6).
وإذا ثبت القذف فى حق شخص فإن القاذف يجب عليه حد القذف ، وهو ثمانون جلدة إذا كان حرا. ولكن لا يطبق هذا الحد إلا إذا توافرت شروط وجوبه ، وهى شروط فى القاذف ، وشروط فى المقذوف. أما ما يشترط فى القاذف -فى الجملة- فهو البلوغ ، والعقل ، والاختيار. ويشترط فى المقذوف أن يكون محصنا ، أى يشترط فيه البلوغ والعقل والإسلام والحرية والعفة عن الزنا. (7).
أ.د/محمد شامة(2/341)
ـــــــــــــــــ
القرآن الكريم
لغة: مصدر للفعل "قرأ" بمعنى تلا، ثم نقل من هذا المعنى المصدرى وجعل اسما لكلام الله تعالى.
واصطلاحا: هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - المكتوب فى المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته.
وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها:
(أ) الفرقان: وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل ، قال تعالى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نديرا}الفرقان:1.
(ب) الكتاب: كما فى قوله تعالى {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا}الكهف:1.
(ج) الذكر: كما فى قوله عز وجل {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}الزخرف:44.
(د) التنزيل: كما فى قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح
الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين}الشعراء:192-195.
هذه أشهر أسماء القرآن الكريم ، وقد ذكر له بعض العلماء أسماء أخرى إلا أنها فى الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له.
وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لمقاصد سامية من أهمها:
(أ) المقصد الأول ، أن يكون هداية للناس، يهديهم إلى ما يسعدهم فى دنياهم وفى آخرتهم.
وتمتاز هداية القرآن بتمامها وعمومها ووضوحها:
تمتاز بتمامها لأنها اشتملت على جميع ما تحتاج إليه البشرية فى عقائدها وعباداتها ومعاملاتها ، وسلوكها ، وآدابها ، وأخلاقها ،ومطالبها الروحية والمادية.
وتمتاز بعمومها، لأنها شملت الإنس والجن فى كل زمان ومكان ، لأن رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - الذى نزل القرآن على قلبه من ربه كانت رحمة للعالمين.
وتمتاز بوضوحها ، حيث يدركها الإنسان الذى رسخ فى ألوان العلوم والمعارف ، كما يدرك منها الأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة ما ينفعه ويصلحه.(2/342)
ب) المقصد الثانى: الذى من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم أن يكون معجزة ناطقة فى فم الدنيا بصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه وشاهدة بأن هذا القرآن ليس من كلام مخلوق ، وإنما هو من كلام الخالق عز وجل ، والدليل الساطع على أن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول - صلى الله عليه وسلم - التى تحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فنكصوا على أعقابهم وانقلبوا خاسرين. قال تعالى {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ،وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}البقرة:23-24.
وإذا كانا العرب وهم أرسخ الناس قدما فى البلاغة والفصاحة والبيان ، قد عجروا عن أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم ، فغيرهم أشد عجزا، ولو أن أحدا أتى بمثل سورة واحدة من القرآن ، لنشرها أعداء الإسلام ، ولكننا لم نقرأ ولم نسمع بأن أحدا قد أتى بمثل هذه السورة، ومادام الأمر كذلك ، فقد ثبت أن هذا القرآن من عند الله: {ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}النساء:82.
(ج)المقصد الثالث: الذى من أجله أنزل الله القرآن الكريم ، هو التقرب إليه سبحانه بتلاوته بمعنى أن قراءة القرآن ، ترفع درجات المسلم ، وتزيد فى ثوابه وفى تهذيب أخلاقه ، وفى تنقية عقيدته وسلوكه ونطقه من كل ما لا يليق.
قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. يرجون تجارة لن تبور}فاطر:29.
وفى الصحيحين عن عاتشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به -أى: يقروه قراءة صحيحة- مع الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له آجران عند الله تعالى).(2/343)
وفى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
والقول الصحيح: إن أول ما نزل من القرآن ،هو صدر سورة "اقرأ" بدليل الأحاديث التى ،وردت فى ذلك.
وأما آخر ما نزل من القرآن فهو قوله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ، ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون}البقرة:281.
وهذا هو الرأى الراجح بين المحققين من لعلماء، لأن هذه الآية قد نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبيل وفاته بتسع ليال ،كما جاء فى بعض الروايات.
أما الآية التى يقول الله تعالى فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا}المائدة:3. فقد نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة فى حجة الوداع ، وفى السنة لعاشرة من الهجرة، وكان نزولها قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من شهرين. والمراد بإكمال الدين فى الآية الكريمة: إتمام النعمة، وإكمال تشريعاته التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغير ذلك من الأحكام.
ولاشك أن الإسلام فى حجة الوداع ، كان قد ظهرتف شوكته ، وعلت كلمته.
والقرآن ينقسم إلى مكى ومدنى:
فالقرآن المكى: هو الذى نزل على لرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة ولو كان نزوله فى غير مكة.
والقرآن المدنى: هو الذى نزل على لرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة ولو كان نزوله فى غير المدينة.
والسور المكية الخالصة عددها اثنتان وثمانون سورة، والسور المدنية الخالصة عددها عشرون سورة، وهناك اثنتا عشرة سورة منها ما يغلب عليه النزول قبل الهجرة، وبذلك يكون عدد سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة.
والسور المكية نراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه ،وعلى أن يوم القيامة حق.(2/344)
أما السور المدنية فنراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة التى تتعلق بسمو الشريعة الإسلامية، فى معاملاتها ، وفى عباداتها ، وفى تنظيمها للأسرة وللعلاقات بين المسلمين وغيرهم.
ومن المتفق عليه بين المسلمين أن نزول القرآن الكريم على النبى - صلى الله عليه وسلم - استغرق مدة تزيد على عشرين سنه ، وقد ذكر العلماء
حكما وأسرارا لنزول القرآن مفرقا من أهمها:
1- تثبيت قلب النبى - صلى الله عليه وسلم - وتسليته عما أصابه من قومه عن طريق قصص الأنبياء السابقين.
2- التدرج فى تربية الأمة دينيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعقليا.
3- الإجابة على أسئلة السائلين الذين كانوا يسألون النبى - صلى الله عليه وسلم - أسئلة معينة، فينزل القرآن بالإجابة عليها.
4- لفت أنظار المؤمنين إلى ما وقعوا فيه من أخطاء حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى.
5- تيسير حفظ القرآن فقد كان الصحابة كلما نزلت آية أو آيات حفظوها عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وأكثر سور القرآن وآياته نزلت للهداية والسعادة الإنسانية فى حاضرها ومستقبلها ،ومنه ما نزل لبيان ما هو حق فى أحداث خاصة حدثت بين المسلمين فيما بينهم ، أو حدثت بينهم وبين غيرهم ، كالآيات التى نزلت فى أعقاب حديث الإفك ، الذى أشاعه المنافقون عن السيدة عائشة رضى الله عنها وكالآيات التى نزلت فى أعقاب ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر أهل مكة بأن المسلمين يعدون العدة لفتح مكة.
والتفسير معناه: التوضيح والتبيين لشىء يحتاج إلى ذلك ، وقد عرف العلماء علم التفسير للقرآن: بأنه علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى فى كلامه بقدر الطاقة البشرية. ويعد علم التفسيرمن العلوم التى لايستغنى عنها، فعن طريقه يستطيع المسلم أن يعرف ما إشتمل عليه القرآن من هدايات وتوجيهات.(2/345)
وكتب التفسير للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة، منها القديم ومنها الحديثه ، ومنها الكبير، ومنها المتوسط ، ومنها الوجيز، ومنها التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ ، وتفسير"الدر المنثور فى
التفسير بالمأثور" للسيوطى المتوفى سنة 911هـ ، ومنها تفسير الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774هـ ، ومنها التفسير بالرأى: كتفسير "البيضاوى" وتفسير الفخر الرازى، وتفسير الكشاف ، وتفسير الألوسى وغيرهم. ولكل تفسير من هذه التفاسير مزاياه التى قد لا توجد فى غيره.
أ.د/محمد سيد طنطاوى
ـــــــــــــــــ
القراءات
لغة: جمع قراءة ، وهى مصدر سماعى لقرأ كما فى اللسان.(1)ويراد بها الفعل الذى يفعله القارئ (2) ويراد بها الأثر المترتبه على الفعل ، وهو الحروف والكلمات بمعانيها ، وهو المقروء، وهما متلازمان.
والمقروء هو القرآن إذا كان القارئ ينطق بكلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فحينئذ تكون القراءة والمقروء والقرآن شيئا واحد (3).
واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة مخالفا به غيره فى النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه ، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف أم فى نطق هيئاتها. (4).
وتذكر القراءة والرواية والطريق والوجه ، فيراد بالقراءة ما ينسب إلى إمام من السبعة أو العشرة أو الأربعة عشرة أو غيرهم كفتح سين {مرساها}هود:41 ، لعاصم ، والرواية: ما ينسب إلى الراوى عند الإمام كإمالة {مجراها}هود:41 ، لحفص عن عاصم ، والطريق ما ينسبه إلى من دون الراوى كإدغام {إركب معنا}هود:42 ، من طريق الشاطبية، أو للهاشمى عن حفص عن عاصم (5) ، أما الوجه فلا ينسب إلى أحد، إذ هو مخير فيه عند الجميع ، كالوقف على {نستعين}الفاتحة:5 ، بالسكون ، أو الروم وهو الإتيان ببعض الحركة، أو الإشمام وهو هنا الإشارة إلى ضمة النون بضم الشفتين من غير صوت. (6).(2/346)
وإضافة القراءات إلى الشخص إضافة ملازمة واعتناء واختيار من بين القراءات الواردة، حسب ظروفه لا لأنه اخترعها.(7).
وقولهم: قراءة النبى - صلى الله عليه وسلم - يعنون أن أهل الحديث نقلوها عنه ولم يدونها القراء من طرقهم ، وهو اصطلاح للمفسرين ومن تبعهم ، وإلا فجميع القراءات المعمول بها قراءة النبى - صلى الله عليه وسلم - .
وقراءات القرآن: مركب إضافى، والغريب فيه أنه من إضافة الأجزاء المخصوصة إلى الكل.(8).
وقد ظهرت القراءات بعد الهجرة بظهور الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها، إذ هى فروع من الأحرف. وزاد عدد الفروع عن الأحرف لأمرين.
الأول: أن الأحرف كانت تتيح سبع ختمات ، ثم تداخلت إذ جاز أن تقرأ سورة البقرة مثلا على حرف وبقية الختمة على غيره ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)(9) فنتجت ختمة ثامنة بقراءة ليست على حرف واحد من السبعة ولا خارجة عنها إلى حرف ثامن ، وعلى هذا النحو من التركيب الجائز واختلاف مواضعه فى القرآن تكثر القراءات.
الأمر الثانى: أن الأحرف السبعة لغات سبع ، واللغة الواحدة تسمح بنطقين أو أكثر فى اللفظ ، فتكون القراءات أكثر عددا من اللغات ، مثال ذلك لفظ (جبريل) قرئ فى العشر بكسر الجيم والراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم وكسر الراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة وياء مد، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة غير ممدودة.
فالقراءتان الأوليان على لغة لا تهمز كأهل الحجاز ، والأخريان على لغة
تهمز كتميم.
والقراءات توقيفية تلقينا أو إذنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {وهذا لسان عربى مبين}النحل:103. مع ما عرف من أن لسان العرب نهج منهج تعدد وجوه النطق ،وهو مناهج البيان العربى، وبيان القرآن معجز، وقراءاته من محاسن وجوه إعجازه.(2/347)
ومنها: أن أسانيد القراء على اختلاف قراءاتهم متصلة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفصيلها فى الكتب المختصة.
ومنها الأحاديثه المروية فى نحو كتاب المستدرك للحاكم المتضمنة لقراءاته - صلى الله عليه وسلم - {مالك}بالألف الفاتحة:4 ، و {ملك}بدونها(10) {وما كان لنبى أن يغل}آل عمران:161 ، بفتح الياء وضم الغين ، وبضم
الياء وفتح الغين {إنه عمل غير صالح}هود:46 (عمل) بفتح الميم والتنوين والرفع ،(غير) بالرفع ، و (عمل) بفتح اللام وكسر الميم فعلا ماضيا ، و (غير) بالنصب (11)و {أيحسب}البلد:5،7 بفتح السين وكسرها ، وتواتر فى الأحاديث قراءة البسملة فى الصلاة، وتواتر ترك قراءتها أيضا.
ومنها إجماع أئمة الدين على أن الله تعالى أباح للصحابة رضى الله عنهم القراءة على لغتهم بشرط الأخذ عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ومنها العقل ، فإن الضرورة قاضية بقراءة لتبليغ القرآن ، ولو كانت واحدة وما عداها ليس من البلاغ النبوى لكانت ملتبسة علينا بغيرها، ومحال أن يلتبس لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بغيره والأمة أحرص ما تكون على متابعته حتى فى عادته التى لا يظهر لهم أن فيها تعبدا، مع خشيتهم الابتداع وائتمارهم بأن يقرءوا كما علموا، وتلاحيهم إذا سمعوا ما لم يسمعوه منه فالقراءات المعمول بها متساوية وتوقيفية.(12).
وتنقسم القراءات -عموما- إلى متواترة، وشاذة. فالمتواترة هى القراءات المعمول بها من طرقها المعينة عن القراء العشرة، المعروفة فى الفن ، والشاذة ما عداها فى الفن ، والشاذة ما عداها.
أ.د/عبد الغفور محمود مصطفى
ـــــــــــــــــ
القصر
لغة: يدور حول معنيين: الحبس ، وألا يبلغ الشىء مداه ونهايته ، كما فى اللسان ، ومن الأول قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف عين}الصافات:48.
ومن الثانى: قوله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}النساء:101 ، ودلالة القصر، والحصر، والاختصاص متقاربة.(2/348)
واصطلاحا: دلالة: قريبة من معنى الحبس اللغوى، لأنه تخصيص شىء بشىء بطريقة مخصوصة.
فجملة القصر المكونة من موصوف وصفة، تنتظم حكمين ، إثبات الحكم للمقصور عليه ، ونفيه عن غيره ، فهى تنحل إلى جملتين فى المعنى، وتغنى غناءهما، وتداخل النفى والإثبات فى القصر، يجعله مركزا ذا إشعاع
وظلال وقوة حسم لأنه من أقوى طرق التوكيد.
وينقسم القصر إلى:
أولا: القصر الحقيقى، والإضافى: وهذا التقسيم راجع إلى اعتقاد المتكلم ، وواقعه النفسى وإلى الواقع الخارجى، فالقصر إثبات شىء لشىء لايتعداه إلى غيره ، وهذا الغير المنفى: إذا كان عاما فى الواقع كان القصر حقيقيا وإن كان خاصا معينا كان قصرا إضافيا.
فالحقيقى كقوله تعالى {والهكم إله واحد لا إله إلا هو}البقرة:163.
بقصر الألوهية على الله تعالى، بمعنى نفى كل فرد من الآلهة ثم حصرذلك المعنى فيه تبارك وتعالى.
والقصر الإضافى: تخصيص شىء بشىء دون غيره أومكانه.
وينقسم الإضافى إلى قصر قلب ، وإفراد وتعيين ، حسب حال المخاطب واعتقاده.
فقصر القلب إنما يكون فى المتقابلات فى الصفات ، والموصوفات: إذا كان المخاطب يعتقد عكس مايثبته المتكلم. كموقف المشركين من القرآن الكريم كما سجل القرآن على ألسنتهم قال تعالى {إن هذا إلا قول البشر}المدثر:25، وقوله: {إن هذا إلا أساطير الأولين}المؤمنون:83 ، وقوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق}ص:7، دلالة الحيرة والاضطراب والكذب بأنه غير حق.
أما قصر الإفراد، فالمخاطب يعتقد إشتراك الموصوف فى صفتين أو قيام الصفة بموصوفين ، فيكون أسلوب القصر إفرادا لأحدهما ونفيا للثانى، كقولة تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}الغاشية:21-22 ، والصفة المنفية الإكراه والإجبار.
وقصر التعيين حين يكون عند المخاطب إيهام وتردد كقولنا: إنما التحلل من القيم داء الأمم ، لمن يسوى أو يتردد بين آثار التخلق بالقيم والتحلل منها.(2/349)
ثانيا: وينقسم باعتبار الطرفين: إلى قصر صفة على موصوف ، وقصر موصوف على صفة، والصفة مطلق المعنى القائم بالغير، وليس الصفة النحوية. والموصوف وما قام بنفسه ، سواء كان ذاتا أو معنى موصوفا.
فمن قصرالصفة على الموصوف قوله تعالى {ياك نعبد وإياك نستعين}الفاتحة:5.
وهو قصر حقيقى إخلاصا فى العبادة، وطلب الإعانة.
ومن قصرالموصوف على الصفة قوله تعالى {وماتسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين}يوسف:104.
وهو قصر إضافى،أما قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا، دون غيرها من الصفات ، فقالوا إنه لايكاد يوجد لتعذر الإحاطة بالصفات ، إلا بضرب من المبالغة.
كقولك: ماشوقى إلا شاعر. فقد بلغ فى الشعر المدى حتى كأنه لاصفة له إلا الشعر ، وهذا كثير فى اللغة والاستعمال البليغ وإثبات صفة. دون سواها ، أو موصوف دون غيره فى القصر، إنما هو تحييد وتحديد يلتقط ما له خطر، ويدفع المنفى تمييزا وإظهارا للمعنى.
والطرفان من صفة أو موصوف قد يطول أحدهما استيفاء للمعنى وهو كثير فى القرآن الكريم قال تعالى {وماتكون فى شأن ، وماتتلوا منه من قرآن ولاتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه}يونس:61.
وهو قصر لهذه الحالات الثلاث على كونها مشهودة مراقبة من الله تعالى غرسا للمراقبة فى أعماق الإنسان.
وطرق القصر كثيرة وهى الوسائل التى تحدث فى الأسلوب هذه الخصوصية ،ومنها: ضمير الفصل كقوله تعالى عن المتقين {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}البقرة:5.
ومنها تعريف الطرفين كقوله تعالى {إننى أنا الله لا إله إلا أنا}طه:14.
وأشهر هذه الطرق أربعة:
1- النفى والاستثناء ويكون غالبا فى المقامات القوية الجهيرة، كقوله تعالى {وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم}الحجر:21، والمقصور عليه: المؤخر.(2/350)
2- "إنما" -حملا على النفى والاستثناء- فى المقامات الجلية أو المنزلة منزلتها، وكثيرا ما تفيد التعريض -باقتضاء المقام- كقوله تعالى {إنما يستجيب الذين يسمعون}الأنعام:36 والمقصور عليه المؤخر.
3- تقديم ماحقه التأخيركقول تعالى {لكم دينكم ولى دين}الكافرون:6.
وقوله تعالى {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير}الممتحنة:4.
والمقصورعليه المقدم.
4- العطف ب "بل" ولكن و "لا"،ويشترط فى بل ولكن تقدم نفى، ومن شواهد هذا الطريق قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون}البقرة:154. وقول عز وجل {وماظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون}آل عمران:117 ، والواو لثانية لا تمنع القصر عند كثير من العلماء وتقول فى العطف بلا: شوقى شاعر لاخطيب.
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامة قبلة، جهة.
أ.د/صبّاح عبيد دراز
ـــــــــــــــــ
القضاء
لغة: القطع والفصل ،يقال: قضى يقضى قضاء، فهو قاض إذا حكم وفصل ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: إلزام من له إلزام بحكم الشرع (2).
وقد ثبتت مشروعية القضاء بالكتاب والسنة والإجماع:
1- قال تعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}ص:26.
2- وقد كان النبى - صلى الله عليه وسلم - متوليا بنفسه أمر ، القضاء بالوحى الإلهى ، لأنه المبلغ عن الله عز وجل ، فكان - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس للقضاء يتمثل العدل فى أسمى وأجمل المظاهر، وكان القضاء منحصرا فيه دون غيره ،ولكن عندما انتشر الإسلام كان مضطرا لتعيين القضاة ، وقد ثبت أنه بعث سيدنا عليا وسيدنا معاذا إلى اليمن قاضيين (رواه أبوداود والترمذى)(3).(2/351)
3- ولما تولى سيدنا أبوبكر الخلافة تولى بنفسه السلطة الدينية والسياسية، وكان يرجع فى كل أموره إلى كتاب الله أوسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يأخذ بالقياس ، وإذا تعذر عليه الفصل فى المنازعة التى عرضت عليه ،يجع إلى الشورى، وأخذ بها بعد عرض الأمر على أهل العقد والحل ، كذلك كان يفعل عمر، مع تعيين القضاة فى سائر الأمصار الإسلامية لاتساعها، وكان يختار القضاة من حفظة القرآن الكريم ومن المعروفين بالورع والتقوى، ممن ضربوا أروع الأمثله فى العدل (4).(2/352)
وقد شرع القضاء لأجل الفصل فى الخصومات ، وإحقاق الحق ، وإزهاق الباطل وإقامة العدل بين الناس ، وهو ضرورة من الضروريات التى تحتاج الأمة إليها لعدم الاستغناء عنها ، لأنه الوسيلة الوحيدة لرد النوائب ، وقمع المظالم ، ونصر المظلوم ، وإنهاء الخصومات ، ولذلك قال الفقهاء: يكره نحريما تقلد القضاء لمن يخاف الحيف فيه ، بأن يظن أنه قد يجور فى الحكم ، أو يرى فى نفسه العجز عن سماع دعاوى كل الخصوم ،وهذا إذا لم يتعين عليه ، فإن تعين عليه ، أو من الخوف فلا يكره ، وقالوا كذلك: يحرم على الشخص تولى القضاء إذا كان جاهلا ليس له أهلية القضاء أومن أهل العلم لكنه عاجز عن إقامة وظائفه ، أو كان متلبسا بما يوجب فسقه ، أو كان قصدء الانتقام من أعدائه ، أو أخذ الرشوة أو نحو ذلك (5).والقضاء فى الإسلام له أهميته ومكانته ،لأنه يقوم على تحقيق العدل بين الناس ورفع الظلم عن المظلومين ، وعدم المحاباة أو المجاملة، وكل هذا نراه فى كتاب سيدنا عمر إلى أبى موسى الأشعرى الذى جاء فيه "إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة آس بين الناس فى مجلسك ووجهك وعدلك حتى لايطمع شريف فى حيفك ولايخاف ضعيف من جورك ، والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه ، فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل ، واجعل للمدعى حقا عائنا أوبينة فاضرب له أمدا ينتهى إليه ، فإن أحضر بينته أخدت له بحقه ، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك اتقى للشك ،وأجلى للعمى ثم إياك والقلق والضجر والتأذى بالناس والتنكر بالخصوم فى مواطن الحق التى يوجب بها الأجر ، فإنه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تعالى -ولو على نفسه- يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه ، هتك الله ستره ،وأبدى فعله ، والسلام"(6).
ولهذا رأينا الفقهاء يوجبون على القاضى:(2/353)
1- عدم الحكم لوالديه أو لأحد أولاده لأجل التهمة، ولكنه يجوز له أن يحكم على أحد أبويه ، أو أحد أبنائه لانتفاء التهمة.
2- عدم الحكم على عدوه ، ويجوز له أن يحكم له.
3- لا يجوز للقاضى أن يفاضل بين الخصوم فى المجلس ، ولا أن يخلو بأحد الخصوم دون الآخر لما فى ترك العدل فى ذلك من كسر قلب الآخر ويؤدى إلى التهمة(7).
4- وعلى القاضى أن ينظم وقته الذى يقضى فيه بين الناس ، ليعطى لنفسه وقتا للراحة.
5- يستحب له أن يتخذ كاتبا يكتب له ،لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك ، فقد اتخذ زيد بن ثابت ليكتب له ، لأن القاضى فى الغالب يكون مشغولا بسماع دعوى الخصوم ومتابعة أقوالهم ، ولهذا فإنه يكون محتاجا لكاتب يكتب له الوقائع حتى لا يقع القاضى فى خطأ بسببه النسيان.
6- ينبغى للقاضى أن يتخذ أعوانا يعاونونه فى إحضار الخصوم وتنفيذ أحكامه بشرط أن يكون هؤلاء الأعوان من المعروفين بالتقوى والصلاح والأمانة والبعد عن الطمع (8).
7- ليجوز للقاضى تأخير الحكم فى الخصومة إلا فى ثلاث: الريبة، ولرجاء صلح الأقارب ، وإذا طلب أحد الخصوم مهلة لتقديم ما يؤكد قوله أمام القاضى(9).
8- على القاضى ألا يميز بين مسلم أو غير مسلم فى مجلس القضاء لأن الإسلام هو دين العدالة، والتى كانت سببا فى انتشار الإسلام شرقا وغربا، فهذا هو القاضى شريح الذى كان يقضى بالعدل ، ولا يفرق بين مسلم وغير مسلم ، ولا بين حاكم أو محكوم حينما تخاصم إليه سيدنا على ويهودى فى
رمح ، وادعى سيدنا على أن الرمح رمحه ،وادعى اليهودى أن الرمح رمحه ، عند ذلك(2/354)
طلب القاضى من سيدنا على -وهو أمير المؤمنين- أن يحضر الشهود على أن الرمح رمحه ، فأحضر ابنه الحسن ، فلم يقبل القاضى شهادة الحسن لأبيه ، وطلب من سيدنا على أن يحضر شاهدا آخر، ولم يجد شاهدا غيره ، فحكم القاضى بأن الرمح لليهودى ، فلما رأى اليهودى ذلك تعجبه مما رأى ، وأعاد لسيدنا على رمحه ، وأعلن إسلامه فى الحال ، بسبب ما رآه من عدل القاضى، الذى لم يفرق بين مسلم وغير مسلم ، ولو كانت الخصومة بين يهودى وبين أمير المؤمنين.
أ.د/صبرى عبدالرؤوف محمد
ـــــــــــــــــ
القضية الفلسطينية
فلسطين التى تنسب لها هذه القضية، هى أرض باركها الله سبحانه ،بأن جعل فيها المسجد الأقصى فى بيت المقدس ،وأسرى بعبده محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين إليه من المسجد الحرام وعرج به منه إلى السماء ليرى من آيات ربه الكبرى ، وبارك حوله ، وهى الأرض التى بعت الله فيها عيسى ابن مريم وعددا من النبيين ،وعاش فيها أبو الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن ،عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. وفلسطين هذه تشكل الشطر الجنوبى الغربى من بلاد الشام وتجاورجزيرة العرب ومصر.
والقضية الفلسطينية مصطلح برز قانونيا منذ عام 1336هـ ، عام 1917 م ، حين احتلت بريطانيا فلسطين ودخل الجنرال اللنبى مدينة القدس يوم 18 /12 /1917 قال كلمته "الآن انتهت الحروب الصليبية". ويدل هذا المصطلح على جميع ما يتصل بفلسطين ، شعبا وارضا، وحضارة وهى تواجه مع وطنها العربى ودائرة حضارتها الإسلامية تحالف قوى الهيمنة الغربية ، القارونيين الجدد ، مع الصهيونية العنصرية فى غروة لها بغية اغتصابها وجعلها "وطنا قوميا لليهود" على حد تعبير تصريح بلفور،وقاعدة استعمارية استيطانية عنصرية للتسلط على الوطن العربى بخاصة والعالم الإسلامى بعامة.
كانت بريطانيا قد ركزت أطماعها على فلسطين والأقطار العربية فى الدولة(2/355)
العثمانية منذ أوائل القرن الثالث عشر الهجرى مطلع القرن التاسع عشر الميلادى، إثر انتصار بلاد الشام ومصر على الغزوة الفرنسية التى قادها نابليون بونابرت ،وعمدت فى نهاية ذلك القرن إلى تشجيع إقامة الحركة الصهيونيهة عام 1897م ومساعدتها فى تهجير اليهود إلى فلسطين كما قامت عام 1916م/1335هـ ، بإبرام اتفاق سايكس بيكو مع فرنسا لتجزئة بلاد الشام واستعمارها، متنكرة لوعودها للشريف حسين باستقلال بلاد العرب ، ولم تلبث حكومة بريطانيا أن أصدرت يوم 2 /11 /1917 تصريحا بالعمل على جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود. وقامت بريطانيا بعد انهيار الدوله العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى باستعمار فلسطين تحت اسم "الأنتداب" الذى قررته عصبة الأمم فى 24 /7 /1922م وأقرت له "صكا" لتنفيذ التصريح ، وباشرت بريطانيا استعمارا قمعيا ظالما وحشيا غير إنسانى استهدفت به شعب فلسطين العربى بغالبيتة المسلمة والمسيحية.
القضية الفلسطينية إذا فى ضوء ماسبق هى قضية جهاد الشعب العربى الفلسطينى لتحرير وطنه المحتل ، فلسطين الذى رسم "الانتداب" حدودا سياسية له تفصله عن بقية أقطار بلاد الشام ومصر، وتبلغ مساحته حوالى سبعة وعشرين ألف كيلو مترا مربعا، وقد برزت فيه عوامل دينية وحضارية وقومية واستراتيجية، وأبعاد محلية واقليمية ودولية.
استمر هذا الجهاد طيلة مرحلة الاستعمار البريطانى الذى انتهى يوم 15 /5 /1948م وواجه فيه الشعب العربى الفلسطينى العدو المزدوج بريطانيا والحركة الصهيونية، مدافعا عن بيت المقدس والوطن والعرض والمال وحضارته العربية الإسلامية والدين. واتبع فيه مختلف الوسائل القانونية والسياسية والانتفاضات والثورات التى منها ثورة البراق عام 1348هـ،عام 1929م وثوره القسام بعدها بأربع سنين والثورة العربية الكبرى بين عامى 1335،1337هـ/1936،1938م وقد حظى هذا الجهاد بمساندة أبناء الأمة العربية والعالم الإسلامى الذين أدركوا أن تحالف قوى(2/356)
الهيمنة الغربية والصهيونية لم يستهدفوا فلسطين لذاتها فحسب ، وإنما للسيطرة على الوطن العربى وديار الإسلام بعامة. وتجلت هذه المساندة فى صور، كان منها إنعقاد المؤتمر الإسلامى فى بيت المقدس عام 1350هـ الموافق 1931م ، وكان منها أيضا مشاركة مجاهديه فى الثورة العربية الكبرى.
وكاد هذا الجهاد أن يحقق بعض أهدافه لولا نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م ،وبروز قوى الهيمنة الأمريكية التى تبنت الحركة الصهيونية. وكان للولايات المتحدة دور خاص فى صدور قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين يوم 29 /11 /1947م ، ثم فى إقامة "إسرائيل" فى 15 /5 /1948 م ، خدمة للمصالح الأمريكية المتنامية فى الوطن العربى والعالم الإسلامى المتعطلة، للسيطرة على النفط بخاصة.
مرت القضية الفلسطينية بمراحل بعد إقامة دولة إسرائيل ، امتدت واحدة منها بين عامى 1948م و1967م ، وشهدت تدعيم الكيان الصهيونى بالمهجرين اليهود وبالسلاح ، وتوظيف قوى الهيمنة الغربية فى مقاومة ثورة التحرير فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، وأحد تجليات ذلك العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م الذى دبرته بريطانيا وفرنسا وشاركت إسرائيل فى تنفيذه. كما شهدت هذه المرحلة استمرار جهاد شعب فلسطين العربى للتماسك بعد النكبة التى حلت به عام 1948 م من جهة ولإبراز كيانه من جهة أخرى. وقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية تجسيدا لهذا الكيان فى 28 /5 /1964 م بدعم من الدول العربية.
ومرحلة أخرى امتدت منذ نكسة حرب يونيو حزيران عام 1967م حتى زلزال الخليج عام 1991م وبرزت فى هذه المرحلة قضية الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل فى سيناء المصرية والجولان السورية إلى جانب القضية الفلسطينية التى دخل فيها احتلال إسرائيل لبقية فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة).(2/357)
وشهدت هذه المرحلة حرب رمضان لعام 1493هـ عام 1973م كما شهدت قيام "إسرائيل" باحتلال شريط فى جنوب لبنان عام 1978م وبغزو الجنوب اللبنانى عام 1982م وبرزت منذ ذلك الحين المقاومة اللبنانية المباركة واستمرت الثورة الفلسطينية فى هذه المرحلة، وحدثت الانتفاضة فى آخر عام 1978م وشهدت المرحلة إبرام اتفاق كامب دافيد بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عام 1978 م الذى أوصل إلى إبرام معاهده السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 م.
المرحلة الراهنة فى القضية الفلسطينية بدأت بعد زلزال الخليج بانعقاد مؤتمر مدريد يوم 30 /10 /1991م الذى باشر ما أسمته الولايات المتحدة الأمريكية "عملية سلام الشرق الأوسط" وشهدت هذه المرحلة اعتراف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية "بإسرائيل" فى 9 /9 /1993 وإبرام اتفاقات
أوسلو بإقامة "حكم ذاتى انتقالى فلسطينى محدود فى الضفة الغربية وقطاع غزة" وإبرام الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل فى 26 /10 /1994م.
وباتفاقات أوسلو انحصرت القضية الفلسطينية فى مسائل أربع تتعلق بما أسمته الولايات المتحدة الوضع النهائى، هى القدس والمستعمرات الاستيطانية الصهيونية فى الضفة والقطاع واللاجئون والحدود كما شهدت هذه المرحلة المحاولة الأمريكية لإقامة "نظام الشرق الأوسط" فى دائرة الحضارة الإسلامية بقيادة إسرائيل.(2/358)
دلائل كثيرة تشير إلى أن "عملية سلام الشرق الأوسط" حتى وإن وصلت إلى إبرام إتفاقات بشأن هذه المسائل الأربع ، فإن القضية باقية وتدخل مرحلة جديدة يأخذ فيها الصراع العربى الصهيونى شكلا مختلفا عما كان عليه طوال القرن الأول وذلك لأن "الحل العنصرى" للقضية الذى صممته قوى الهيمنة الأمريكية مع الصهيونية لم يعالج جوانب القضية بل جعلها تتفاقم ، وبخاصة فيما يتعلق ببيت المقدس الذى يستهدف هذا "الحل العنصرى" تهويدها وينذر بوقوع جريمة هدم المسجد الأقصى فيها واقامة هيكل فى موضعه. وهكذا فإن من المتوقع أن تستمر القضية الفلسطينية وتدخل مرحلة أخرى فى صراع النفس الطويل التى تخوضها الأمة العربية والشعوب الإسلامية ضد قوى الهيمنة الغربية والصهيونية العنصرية إلى أن
يتم تحرير فلسطين والقدس وينبذ اليهود الصهيونية فيعيشوا مستأمنين فى ظل الحضاره العربية الإسلامية.
أ.د/أحمد صدقى الدجانى
ـــــــــــــــــ
القنوت
لغة: هو مصدر من باب قعد، وهو العبادة أو الدعاء مطلقا، ويطلق على القيام فى الصلاة وأقنت: أى دعا على عدوه(1).
وشرعا: هو ما اشتمل على دعاء وثناء ولو آية قصده بها(2).
واعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت فى أربع صلوات من غير سبب ، وهى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يبق الخلاف إلا فى صلاة الصبح من المكتوبات وفى صلاة الوتر من غيرها(3).
أما عن مشروعية القنوت فى الصبح ، فقد ذهب المالكية والشافعية وابن أبى ليلى والحسن بن صالح والأوزاعى والخلفاء الأربعة ومعهم بعض الصحابة والتابعين ، إلى أن القنوت مشروع فى الركعة الثانية من صلاة الصبح فى جميع الأزمان ، سواء كانت هناك نوازل أم لم تكن ، فهو سنة(4).
بينما ذهب الحنفية والحنابلة والثورى وروى عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود إلى أن القنوت غير مشروع فى صلاة الصبح ،إلا إذا أنزل بالمسلمين نازلة، فالإمام له أن يقنت فى صلاة الصبح (5).(2/359)
وأما القنوت فى الوتر، فقد ذهب الحنفية، وبعض الشافعية، والمنصوص عن أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى الركعة الواحدة فى جميع السنة.
بينما ذهب الشافعية فى الراجح عندهم ، ورواية عن الإمام أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى النصف الأخير من شهر رمضان فقط (6).
وهل يقنت قبل الركوع أو بعده؟ بكلٍّ قيل.
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
القول بالموجَب
لغة: الموجب مأخوذ من: أوجب يوجب ، أى: أتى بموجبه من السيئات أو الحسنات ، وأوجب الرجل: إذاعمل عملا يوجب الجنة أوالنار(1).
واصطلاحا: تسليم ما جعله المستدل موجبا لعلته مع استبقاء الخلاف (2).
ومعنى ذلك: أنما يسلم الخصم الدليل الذى اسستدل به المستدل ، إلا أنه يقول: هذا الدليل ليس فى محل النزاع إنما هو فى غيره ، فيبقى الخلاف بينهما كقول الشافعى: المحرم إذا مات لم يغسل ، ولم يمس بطيب ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رجل مات وهو محرم: (لا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)(3).
فيقول المالكى: سلمنا ذلك فى لك الرجل ، وإنما النزاع فى غيره ،لأن اللفظ لم يرد و بصيغة العموم (4).
والقول بالموجب من قوادح العلة، والموجب بفتح الجيم أى: القول بما أوجبه دليل المستدل واقتضاه ، أما الموجب بكسرها فهو: الدليل المقتضى للحكم ،وهو غير مختص بالقياس ،ومنه الآيه الكريمة {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}المنافقون:8 ، فقد ذكرها رأس النفاق ابن سلول وقت أن كان المسلمون فى غزوة بنى المصطلق ، فقال: لئن رجعنا إلى المدينة من هذه الغزوة ليخرجن الأعز -يقصد نفسه- منها الأذل يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأجابه الله تبارك وتعالى بموجب قوله مع عدم تسليمه له فقال تعالى {ولله العزه ولرسوله وللمؤمنين}المنافقون:8.(2/360)
فإنه لما ذكر صفة، وهى العزة، وأثبت لها حكما ، وهو الإخراج من المدينة، رد عليه رب العزة تبارك وتعالى بأن هذه الصفة ثابتة لكن لا لمن أراد ثبوتها له ، فإنها ثابتة لغيره باقية على اقتضائها للحكم وهو الإخراج ، فالعزة موجودة لكن لا له بل لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين (5).
وجمهور الأصوليين على أن القول بالموجب قادح فى العلة مفسد لها، ومن صرح بذلك إمام الحرمين ، وابن السمعانى، والفخر الرازى، والآمدى، لأن المعترض إذا قال بموجب العلة أصبحت فى موضع الإجماع ،ولا تكون متناولة لوضع الخلاف ، ولأنه إذا كان تسليم موجب ما ذكره من الدليل لايرفع الخلاف ، علم أن ما ذكره ليس بدليل الحكم الذى أراد إثباته.
ونقل الرركشى عن ظاهر كلام الجدليين أنه ليس من قوادح العلة، لأن القول بموجب الدليل تسليم فكيف يكون مفسدا(6).
أ.د/على جمعه محمد
ـــــــــــــــــ
الكتابة كصناعة
لغة: كتب الكتاب كتبا وكتابا وكتابة خطه ، الكتابة: صناعة الكاتب ، كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: الكتابة -كخط- يستخدم فى تسجيل المعلومات قديمة جدا وترجع إلى الألف السادسة قبل الميلاد، وقد بدأت الكتابة بتصويرالأفكار ثم بتصوير الكلمات ثم بترميز الأصوات بالشكل الأبجدى، وإن كانت هناك حتى اليوم كتابات تصويرية بالكلمات.
والكتابة العربية -كخط- اشتقت من الكتابة النبطية فى نحو القرن الثالث الميلادى ودخلت إلى شمالى الجزيرة العربية فى نحو القرن الخامس الميلادى وأوائل السادس الميلادى.
وقد استخدمت الأبجدية العربية كفن زخرفى مع مطلع القرن (الثانى الهجرى، الثامن الميلادى)، وتأنق الخطاطون المسلمون فى ذلك تأنقا شديدا. وتفرع عن الكتابة العربية عشرات من الخطوط والأقلام مع مرورالوقت.
أما الكتابة كصناعة فقد عرفها العرب باسم صناعة الإنشاء. وقد برع العرب(2/361)
فى تأليف الكتب حول هذه الصناعة وذلك بعد أن انتشر تدوين الكتب فى نهاية القرن الثانى الهجرى. ومن بين الكتب الهامة فى هذا الصدد كتاب ابن جماعة "تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم" وكتاب القلقشندى "صبح الأعشى فى صناعة الإنشا".
ولقد أجمع العلماء المسلمون على أن صنعة الكتابة فضيلة والاشتغال بها عمل محمود، والنصوص فى هذا الصدد كثيرة.
وقد وضع العلماء المسلمون لصنعة الكتابة ظوابط وقواعد وآداب بعضها قواعد مادية،إبعضها قواعد معنوية. ومن أهم تلك القواعد:
1- إذا كتب الكاتب شيئا من العلوم الشرعية، يجب أن يكون على طهارة مستقبلا القبلة، طاهر البدن والثياب و الحبر والورق ويبتدىء كل كتاب بكتابة البسملة. وإذا فرغ من كتابة الكتاب أوالجزء فليختمه بالحمد له و الصلاة على النبى، وكلما كتب اسم لله تعالى أتبعه بالتعظيم مثل: تعالى، سبحانه ، ويتلفظ بذلك.
وكلما كتب اسم النبى كتب بعده - صلى الله عليه وسلم - ولا يسأم من تكريرها ولايختصرها، ويجب أن يتلفظ بها وهو يكتبها، وإذا مر بذكر أحد من الصحابة كتب بعده رضى الله عنه أو رضوان الله عليه. أما إذا مر بذكرأحد من الأئمة كتب بعده رحمه الله أو رحمة الله عليه أو تغمده الله برحمته.
2- لايهتم الكاتب بالمبالغة فى حسن الخط وإنما يهتم بصحته وتصحيحه ويتجنب التعليق وهو خلط الحروف التى ينبغى تفرقها والمشق وهو سرعة الكتابة مع بعثرة الحروف. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
شر الكتابة المشق وشر القراءة الهدرمة (التصفح السريع دون تدبر المعنى) وأجود الخط أبينه.
3- يكره فى الكتابة فصل مضاف اسم الله تعالى منه: عبدالله ، عبدالرحمن ، رسول الله ،فلا يكتب عبد أو رسول فى نهاية السطر والله أو الرحمن فى بداية السطر التالى لقبح صورة الكتابة.(2/362)
4- وإذا كان الكاتب ينسخ كتابا فعليه مقابلة النسخة على أصل موثوق صحيح فالمقابلة متعينة للكتاب الذى يرام به النفع. قال عروة بن الزبير لابنه هشام رضى الله عنهما: كتبت؟ قال: نعم ، قال: عرضت كتابك؟ (أى على أصل صحيح) قال: لا، قال: لم تكتب.
وإذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصل صحيح أو على شيخ فينبغى أن يعجم المعجم ،ويشكل المشكل ، ويضبط الملتبس ، ويتفقد مواضع التصحيف.
5- على الكاتب أن يكتب على ماصححه وضبطه فى الكتاب (صح) صغيرة. ويكتب فوق ماوقع فى التصنيف وهو خطأ (كذا) صغيرة أى هكذا رأيته ، ويكتب فى الحاشية (صوابه كذا) إن كان يتحققه أو(لعله كذا) إن غلب على ظنه ، ويكتب على ما أشكل عليه ولم يتبين صحته (ضبة) وهى صورة رأس صاد مهملة مختصرة(ص).
6- لايكتب الكاتب الكتابة الدقيقة لأنه ربما لم ينتفع بها وقت الحاجة من كبر وضعف بصر، ثم محله فيمن عجزعن ثمن ورق أو حمله فى سفر فيكون معه خفيف المحمل فلا كراهة فى ذلك ولا منع للعذر، والكتابة بالحبر أولى من المداد.
7- ينبغى ألا يكون القلم صلبا جدا فيمنع سرعة الجرى، ولا رخوا فيسرع إليه الحض ،وقال البعض إذا أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمتها، وحرف قطتك وأيمنها، ولتكن الساكين حادة جدا لبراية الأقلام وكشط الورق
ولا تستعمل فى غير ذلك. وليكن مايسقط عليه القلم صلبا وهم يحمدون القصب الفارسى جدا والأبنوس الصلب الثقيل.
8- ينصح الكاتب عادة بكتابة الأبواب بالحمرة فإنه أظهر فى البيان وفى فواصل الكلام ، وكذلك لابأس به على أسماء أو مذهب أو أقوال أو طرف أو أنواع أو لغات أو أعداد أو نحو ذلك.
ومن أدوات الكتابة عند المسلمين: القلم - المداد - الدواة - المدية - المقط - المفرشة - الممسحة - المقلمة.
وقد تطورت مواد الكتابة عند المسلمين مع مرور الزمن: من مواد طبيعية مثل العسب والكرانيف ، والعظام ، واللخاف ، وقطع الفخار ، إلى مواد مصنعة كالمهارق ، والبردى، والرق ، ثم الورق.(2/363)
أ.د/شعبان عبدالعزيز خليفه
ـــــــــــــــــ
الكذب
أولاً : تعريف الكذب :
أ لغة : الكذب نقيض الصدق .
ب اصطلاحاً : الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع .
ثانياً : ذم الكذب وأهله :
ثالثاً : من مظاهر الكذب :
1- الكذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - :
2- الكذب في البيع والشراء .
3- الكذب لإفساد ذات البين .
4- الكذب لإضحاك السامعين وتشويقهم .
5- الكذب للمفاخرة في إظهار الفضل .
6- الكذب على المخالفين ، تشفياً منهم ونكاية بهم .
7- الكذب المقرون بالحسد .
8- الكذب في المطالبات والخصومات .
9- الكذب للتخلص من المواقف المحرجة .
10- المبالغة في القول .
11- حذف بعض الحقيقة .
12- الكذب على النفس .
13- الكذب لتسويغ الأخطاء .
14- الكذب لاستدرار العطف وكسب المؤيدين .
15- التملق لأرباب الثراء وأصحاب المناصب .
16- الكذب في دعوى المحبة والصداقة .
17- نقل الأخبار الكاذبة .
18- الكذب السياسي .
19- الدجل الإعلامي .
20- التوسع في باب المصلحة .
21- المبالغة في المعاريض .
22- الكذب على الأولاد .
رابعاً : دوافع الكذب :
1- الخوف من النقد .
2- إيثار المصلحة العاجلة .
3- قلة مراقبة الله والخوف منه .
4- اعتياد الكذب وألفه .
5- البيئة والمجتمع .
6- سوء التربية .
خامساً : الحث على لزوم الصدق .
سادساً : الأمور المعينة على الصدق :
1- الاستعانة بالله عز وجل .
2- مراقبة الله واستشعار اطلاعه جل وعلا .
3- تعويد النفس على الصدق وتوطينها عليه .
4- النظر في العواقب .
5- تنشئة الصغار على الصدق .
6- الحرص على أداء الصلاة وتكميلها وإعطائها حقها من الخشوع وغيره .
7- معاشرة الصادقين ومجانبة الكاذبين .
8- الإكثار من قراءة القرآن بالتدبر والتعقل .
سابعاً : أثر الصدق في سعادة الفرد :
1- شرف القدر وعلو المنزلة .
2- طيب العيش .
3- صفاء البال .
4- عزة النفس .
5- الشجاعة والثقة بالنفس .
ثامناً : أثر الصدق في سعادة الجماعة .(2/364)
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ
ـــــــــــــــــ
الكذب
الكذب: نقيض الصدق ، والصدق مطابقة الخبر للواقع ولو بحسب اعتقاد
المتكلم فى لسان العرب: كذب يكذب كذبا، تقول: رجل كاذب ، وكذاب ، وفى قوله تعالى: {ليس لوقعتها كاذبة}الواقعة:2.
وجاء فى لغة العرب تَكَذّبوا عليه: زعموا أنه كاذب وتُكذّب فلان: إذا تكلف الكذب ،و الكذابة: ثوب يصبغ بألوان ينقش كأنه موشى.
والكذابان: مسيلمة الحنفى، والأسود العنسى(1).
وللكذب دوافع منها:
1- الاعتزاز بخداع النفس، ومحاولة اجتلاب النفع مع أن فيه الهلكة، قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لأن يضعنى الصدق ، وقلما يضع ، أحب إلى من أن يرفعنى الكذب وقلما يفعل.
2- أن يؤثر فيكون حديثه مستغربا وكلامه مستطرفا.
3- أن يقصد بالكذب التشفى من عدوه ،فيسمه بقبائح يخترعها عليه.
4- أن يتعود الكذب ، حتى يصير الكذب سجية له.
ولقد حرم الإسلام الكذب لكن السنة المطهرة وردت بإرخاصه فى الحرب
وإصلاح ذات البين على وجه التورية، والتأويل دون التصريح به ، فإن السنة لم ترد بإباحة الكذب على وجه التصريح قط، كما أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة ، كالغيبة والنميمة.
أما الآثار السلبية للكذب على الفرد وعلى الأمة:
1- تضيع به الحقوق ، فمنه شهادة الزور.
2- تفقد به الثقة، فتفقد الطمأنينة إلى الكاذب فيحجم الناس عن التعامل معه.
3- الكذب عنصر إفساد كبير للمجتمعات الإنسانية وسبب هدم لأبنيتها الحضارية ، وتقطيع لروابطها وصلاتها ، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ.(2/365)
4- إن الكذب طريق إلى النار فيه يخسر الإنسان آخرته بعد خسارة دنياه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجوز وإن الفجور يهدى إلى النار ومايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
ولهذا استحالت صفة الكذب على الرسل ،ووجبت لهم صفة الصدق ، فلو جازت عليهم صفة الكذب ، لما وثق الناس فى أخبارهم فتضيع الفائدة من الرسالة، فكان رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ نعومة أظفاره موصوفا بالصادق الأمين ، بقدر ما أتخذ من الصدق صفة له دليلا لايقبل الجدل لإثبات كونه رسول الله تعالى.
أ.د/عبدالسلام محمد عبده
ـــــــــــــــــ
الكرامة
لغة: تعنى العزازة حيث تقول: فلان كريم على، بمعنى عزيز لدى والمكرمة: فعل الكرم ، والمكرم: الرجل الكريم على كل أحد.
واستكرم الشىء: أى طلبه كريما ،وكريم: ورد فى التنزيل {إنى ألقى إلى كتاب كريم}النمل:29 ، أى حسن معناه ، محمود ما فيه(1).
واصطلاحا: فى منظور رجال التوحيد هى أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم بمتابعة نبى، كلف بشريعة، مصحوبا بصحيح الاعتقاد ، والعمل الصالح عمل بها أم لم يعمل. والمكرمة سواء
أعلم بها أم لم يعلم لايتحدى بها كالمعجزة.
وفى مسألة وقوع الكرامة من ولى أو عدم ظهورها على يديه مذهبان: المذهب الأول وهو لأهل السنة:
فهم يرون الكرامة جائزة عقلا ، وواقعة فعلا فى الحياة، وبعد الممات ، بل إن بعضهم يذهب إلى أن حدوثها بعد الموت أولى لصفاء النفس حينذاك من الأكدار، ويستندون فيما ذهبوا إليه من جواز وقوعها على أنه لا يلزم من فرض وقوعها محال ، وكل ما كان كذلك يكون جائزا.(2/366)
ويستدلون على ذلك بما ورد فى القرآن الكريم من قصة مريم حيث أنبتها الله تعالى نباتا حسنا، وكان زكريا (عليه السلام) كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا كثيرا.
وقصة أهل الكهف الذين لبثوا فى الغار ثلاثمائة سنين وإزدادوا تسعا دون طعام أو شراب فضرب الله على آذانهم لأن الأذن موطن الإيقاظ فى الإنسان ، والشمس تطهر كهفهم من الأمراض فإذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين.
كذلك ماذكره القرآن عن الذى عنده علم الكتاب الذى أحضر عرش بلقيس من اليمن إلى بلاد الشام فى طرفة عين وغير ذلك.
أما المذهب الثانى للمعتزلة:وهم يرون عدم جواز الكرامة ولهم على مذهبهم أدلة لديهم فيها:
1- لو ظهرت الكرامة على يد الولى لالتبس بالنبى ويرد هذا بمنع الالتباس ذلك لأن المعجزة مقرونة بدعوى النبوة بخلاف الكرامة.
2- لو ظهرت الكرامة على يد الولى كثرت بكثرتهم فلا تكون خارقة ويرد من لدليل بأن الكثرة لاتؤدى إلى تحويل خارق العادة إلى معتاد ، ويظل الخارق للعادة رغم كثرته خارقا للعادة.
وبناء عليه فيسلم قول جواز وقوع الكرامة للولى تكريما على طاعة الله تعالى.
أ.د/عبدالسلام محمد عبده
ـــــــــــــــــ
الكراهية
الكراهية نقيض الحب فهى شعور الإنسان ببغضه للآخرين ، وحبه لنفسه فقط ، وهى داء وبيل ينجب الكثير من الأمراض الخلقية الخطيرة مثل: الحسد، والبغضاء،والشحناء، والغيبة، والنميمة، وقد لا يكبح جماحها فيكون الظلم والعدوان ، وغيرها من الرذائل.
وقد ذكر الله تعالى الكرة بالفتح والكرة بالضم فى غير موضع من كتابه العزيز {كتب عليكم القتال وهو كره لكم..}البقرة:216. ويقول نافع: إن كره فى القرآن الكريم لم ترد مضمومة الكاف إلا فى هذه الآية.
والكَره ، والكُره لغتان ، فبأى لغة وقع فهو جائز ومعناهما واحد، وهو إجبار النفس على ما لا تهوى، إلا الفراء: فإنه زعم أن الكره بالضم ما أكرهت نفسك عليه ، والكره بالفتح ما أكرهك غيرك عليه.(2/367)
ويقول ابن سيده: الكرة بالفتح الإباء والمشقة تكلفها فتحتملها، والكرة بالضم
المشقة تحتملها من غير أن تكلفها(1).
ومن ثم كانت للكراهية هذه الآثار السلبية:
1- أنها تشقى صاحبها قبل أن تنال من الآخرين.
2- أنها تجلب القلق والاضطراب إلى قلب صاحبها فتورثه العديد من الأمراض النفسية والجسدية.
3- أنها تبعد بصاحبها عن الإيمان الصحيح ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخية مايحب لنفسه). وقال صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم ،أفشوا السلام بينكم".
4- الكراهية تهوى بصاحبها إلى أدنى درجات البشر فتثير كراهية الناس له
والكراهية ليست من أخلاق المسلمين الذين يحبون الله وملائكته ثم يوضع لهم القبول فى الأرض ، لكنها قد تكون مطلوبة أحيانا وذلك فيما يلى:
(أ) كره أعداء الله تعالى وأعداء دينه ،وعدم مودتهم.
(ب) كره الشر والرذيلة والفساد والباطل.
(ج) كره النفس الأمارة بالسوء الداعية إلى الفجور فكراهية القبائح والمعاصى والشرور، وأعداء الله تعالى كراهية حكيمة عاقلة.
وأشد أنواع الكراهية جرما كره الله ورسوله ثم كره المسلمين.
أ.د/عبدالسلام محمد عبده
ـــــــــــــــــ
الكهانة
لغة: كَهَنَ وكَهُنَ يَكهُنُ ، يَكُهن كهانة،وتكهن تكهنا له: أى قضى له بالغيب وحدثه به.
وكهن كهانة: صار كاهنا، أو صارت الكهانة له طبيعة وغريزة ورجل كاهن من قوم كهنة وكهان: من يدعى معرفة الأسرار أو أحوال الغيب ، وعند اليهود وعبدة الأوثان:
الذى يقدم الذبائح والقرابين ، فقد ورد فى التوراة: "... وتلبس هارون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لى...." (خروج 40:13).
وعند النصارى: من ارتقى إلى درجة الكهنوت.(2/368)
ففى الإنجيل: "... فنظر وقال لهم: أذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة...." (لوقا 17:14) واللفظ إما من كهن بالعبرانية، أو من كهنا بالسريانية.
والكهانة: حرفة الكاهن ، وهو الذى يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل
الزمان ، ويدعى معرفة الأسرار.
الكهنوت: طبقة الكاهن أو رتبته. وسر الكهنوت: هو أحد أسرار الكنيسة المقدسة السبع ، يتولى به الكاهن أن يقدس جسد المسيح ، ودمه فى تلاوة القداس ، وأن يحل من الخطايا.
كان فى العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما ، فمنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب ، يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأل ، أو فعله ، أو حاله ،وهذا يخصونه باسم العراف.
والكاهن فى كلام العرب: هو الذى يقوم بأمر الرجل ويسعى فى حاجته ، والقيام بأسبابه وأمر حزتته. والكاهنان: حيان ، يقال لقريظة والنضير -وهم أهل كتاب وفهم وعلم- وهما قبيلتان يهوديتان كانتا تسكنان بالمدينة. والعرب تسمى كل من يتعاطى علما دقيقا كاهنا، ومنهم من كان يسمى المنجم والطبيب كاهنا.
ووردت كلمة: الكاهن فى القرآن الكريم مرتين ، فى قوله تعالى: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون}الطور:29 ، أى لست بحمد الله بكاهن ، كما تقول الجهلة من قريش. والكاهن الذى يأتيه الرئى من الجن بالكلمة يتلقاها من خبر السماء، كما يعتقد ذلك كثير من الناس. وفى قوله تعالى: {ولابقول كاهن قليلا ما تذكرون}الحاقة:42.
وكانت الكهانة فى العرب على ثلاثة أضرب:
الأول: يكون للإنسان ولى من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء،وهذا القسم بطل من حين بعث الله محمد - صلى الله عليه وسلم - .
الثانى: أن يخبره بما يطرأ، أو يكون فى أقطار الأرض ، وما خفى عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده ، ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما (أى جعلاهما مستحيلين).(2/369)
الثالث: المنجمون ، وأغلبهم كاذب ، ولذا شاع بين الناس هذا المثل: "كذب المنجمون حتى ولو صدقوا" وقد حرم الإسلام إتيان الكاهن لسؤاله عن الغيب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد" (1).
أ.د/محمد شامة
الكون
لغة: كَوّنه فتكوّن: أحدثه فحدث ، والكون: الحدث ، والكائنة: الحادثة، والله مكون الأشياء: يخرجها من العدم إلى الوجود كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: هو اللفظ المستخدم للدلالة على كل ماحولنا، من النجوم التى
نراها ليلا فى السماء، والتى تتجمع فى مجموعات تعرف بالمجرات ، إلى الفضاء الواقع بين هذه المجرات ، ومايوجد به من غازات وغبار كونى ، بالإضافة إلى أى شىء يقدر له الوجود وراء حدود مانراه.
ولم يشعر الإنسان شعورا حقيقيا بوجود الكون إلا فى نهاية القرن الثامن عشر، عندما اكتشف أنه يسكن على سطح كوكب صغير، فى مجموعة شمسية تمثل جزءا من مجرة تحتوى على ألوف الملايين من النجوم ، وأن
هناك مجرات مشابهة تقع فى الفضاء، الذى يمتد وراء هذه المجرة، والتى عرفت فى ذلك الحين باسم "الجزر الكونية".
ويعرف علماء الفلك اليوم مايزيد على مائة ألف مليون مجرة، تفصل كل مجرة عن الأخرى مساحة هائلة، وأقرب المجرات إلينا مجرة "المرأة المسلسلة" أو "الأندروميدا" وتفصلنا عنها مسافة تقدر مليونى سنة ضوئية، بمعنى: أن الشعاع الصادر منها والمنطلق بسرعة 000 ، 300 كم فى الثانية لا يصل إلينا إلا بعد مليونى سنة، مما يدل على أننا لانعرف شيئا عن هذه المجرة حتى الآن ، فنحن نراها كما كانت فى الماضى، وربما تكون قد انفجرت ، أو اختفت فى الفضاء.(2/370)
وهذه الحقيقة محيرة إلى حد كبير، فنحن عندما ننظر إلى ماحولنا من نجوم أو مجرات ، إنما نراها كما كانت فى الزمن الماضى، كذلك أقرب نجم إلى مجموعتنا الشمسية ويدعى "ألفاسنتورى" تفصلنا عنه نحو 3، 4 سنة ضوئية، أى تفصلنا عنه ملايين من الكيلومترات ويذكرنا ذلك بالآية الكريمة {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}الواقعة:75،76.
وبتقدم العلم والمعرفة توصل الإنسان بفكره إلى نظرية خاصة بنشأة هذا الكون ، وهى تنص على أن كل مايحتويه هذا الكون من مجرات وغازات وسحب الغبار الكونى كانت ملتحمة معا فى زمن مغرق فى القدم على هيئة كتلة مركزية شديدة التماسك والانضغاط ، ثم انفجرت هذه الكتلة، وتناترت
شظاياها فى جميع الاتجاهات ، ثم تحولت بمرور الزمن إلى المجرات الحالية التى يتكون كل منها من ملايين النجوم ، وتعرف هذه النظرية باسم "الانفجار العظيم" وهى تتمشى مع المعنى المفهوم من الآية الكريمة {أو لم ير الدين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حى أفلا يؤمنون}الأنبياء:30.
وتدل هذه النظرية على أن هذا الانفجار العظيم قد حدث منذ نحو 15.000ألف مليون سنه على وجه التقريب ، وأن هذه المجرات مازالت تندفع فى الفضاء بسرعات كبيرة جدا، مما يدل على أن الكون يتمدد ويتسع بمرور الزمن ، وهذا المعنى نفسه الذى ورد فى الآية الكريمة {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}الذاريات:47 ، ولكن هل يمتد ويستمرهذا الاتساع الى الأبد، أم هل يتوقف هذا التمدد فى المستقبل عندما تبطىء سرعة المجرات وتبدأ عملية التجاذب بينها، فينكمش الكون مرة أخرى، ويوصف عندئذ بأنه كون مغلق.(2/371)
ويعتقد بعض العلماء أن الكون يحتوى على قدر كبيرمن المادة، سواء منها المادة المضيئة التى توجد على هيئة سحب من الغازات والغبار الكونى، وهو مايكفى لحدوث التجاذب بين مكوناته وانكماشه مرة أخرى، وسيستمر هذا الانكماش مدة طويلة ، وتقترب المجرات بعضها من بعض لتندمج معا فى نهاية الأمر فى كتلة مركزية واحدة ثم تعود إلى الانفجار مرة أخرى لتكون كونا جديدا ، ويذكرذلك بقوله تعالى: {يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}الأنبياء:104.
وقد وضع عالمان هما: "إدوارد نايرون" و "ألكساندر فيلينكين" نظرية تفترض أن الكون عندما ينكمش سيصل إلى حجم متناه فى الصغر، لايزيد على حجم البرتون ، ثم يختفى فجأة فى العدم ، وطبقا لنظرية "ميكانيكا الكم" سيظهر الكون من العدم "Out of nothingness" مرة أخرى ليتمدد بشكل نهائى مدة من الزمن ، ويصعب تصور هذه النظرية، ولكنها تتمشى مع قوله تعالى {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}البقرة:117.
أ.د/أحمد مدحت إسلام
ـــــــــــــــــ
الكونفوشيوسية
لغة: نسبة إلى "كونفوشيوس" ، وهذ الاسم يتألف من لفظين: كونج ، اسم القبيلة التى ينتمى إليها ، وفوتس ، ومعناها: الرئيس ،أو الفيلسوف. فاسم كونفوشيوس يعنى: زئيس كونج ، أو فيلسوفها ، أو حكيمها.
واصطلاحا: تعاليم أخلاقية ودينية ظهرت فى القرن السادس قبل الميلاد على يد رجل يدعى كونفشيوس، صارت فيما بعد مذهبا دينيا، وقد التزمته الصين كدين رسمى للدولة حتى أوائل القرن العشرين.(2/372)
ولد "كونفوشيوس" فى المقاطعة الصينية التى تسمى اليوم "شانتونج" فى عام 551 ق.م. من أسرة عريقة، إذ كان أبوه ضابطا فى الجيش ، إلا أنه كان فقيرا ، ومات وابنه "كونفوشيوس" فى الثالثة من عمره ، فاضطر الغلام إلى الاشتغال برعى الغنم عند أحد الأمراء. ولما رأى الأمير جدَّه واجتهاده أسند إليه أحدى الوظائف ، فكان يقضى أوقات فراغه فى دراسة الآداب القديمة والفلسفة والموسيقى.
وفى الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة ليتلقى فيها الشبان ذوو المواهب الخاصة أصول الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وبجانب عمله هذا كان يقوم بوظيفة المستشار السياسى لبعض الأمراء والولاة الذين كانوا ينتفعون بآرانه فى حل ما يصادفهم من مشكلات.
وفى سنة 496ق.م عين رئيسا للوزراء فى ولاية "لو" فأعدم المشاغبين من الوزراء ورجال السياسة، وأدب اللصوص وقطاع الطرق ، كما وضع مراقبة صارمة على التجار ليمنع الغش والاحتكار، ولكن حساده دسوا بينه وبين أمير "لو" فاضطر "كونفوشيوس" إلى ترك هذه الولاية، وأخذ يتنقل من إقليم إلى إقليم يعلم الشبان وينصح الولاة.
ولم يدع "كونفوشيوس"ا أنه نبى يوحى اليه ،فقد كان مصلحا أكثر منه رجل دين. احترم الآلهة، وحرص على إقامة الشعائر والطقوس ،وكانت عنايته متجهة إلى إصلاح النفس الإنسانية، وتكوين مجتمع سليم ، قوامه المحبة والإخاء والعدل.
ويرتكز القانون الأخلاقى عنده على أربع فضائل رئيسية هى:
1- وجوب طاعة الوالد والخضوع له.
2- وجوب طاعة الحاكم والانقياد له.
3- على الأخ الأصغر أن يطيع أخاه الأكبر.
4- على الأصدقاء أن يخلصوا فى معاملة بعضهم بعضا.
وهذه الفضائل فى نظر "الكونفوشيوسيين" خالدة، ويجب على كل فرد فى المجتمع أن يتحلى بها باستمرار لأن الأستمرار فى التحلى بالفضيلة هو نفسه جزء لا يتجزأ من الفضيلة.(2/373)
التعليم عند "الكونفوشيوسيين" من أهم العوامل التى تجعل الأفراد يفهمون القانون الأخلاقى: ويسيرون عليه. ولذلك يجبط أن يتعلم الأفراد آراء القدماء وحكمهم ، وما ورد عنهم من قصص ، وعليهم كذلك أن يطلعوا على مؤلفات الكونفوشيوسيين ، حتى يلموا إلماما جيدا بآرائهم الفلسفية والدينية والسياسية.
عاش "كونفوشيوس" حوالى ثمانين عاما (توفى 498 ق.م) قضاها فى نشر الفضائل ، ومحاولة إصلاح المجتمع الصينى، ولم يكن له فى حياته تأثير كبير، إذ كان الناس يعتبرونه مصلحا اجتماعيا، لأنه كان ينادى بالتمسك بحكمة القدماء، ويدعو الى إحياء التراث القديم والسير على قواعده ومبادئه وكان يؤلف الكتب فى هذا المجال وينشر تعاليمه متنقلا من ولاية الى آخرى ، حتى أطلق عليه معاصروه اسم: "معلم الجنس البشرى".
وبعد قرون عدة من وفاته أعلنت الدولة -بناء على أسباب سياسية أن تعاليمه مقدسة يجب الالتزام بها، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى عبادته ، فأعلنت الدولة أن "الكونفوشيوسية" هى الدين الرسمى للدولة، فانتشرت دور عبادته فى كل المدن والقرى والنجوع الصينية، وتقدم فيها القرابين له فى صورة أضحية (ثيران ، وأغنام ، وخنازير)، وفى بعض الأحيان يقدم القربان فى صورة أقمشة حريرية.
لم ينفرد "كونفوشيوس" بالعبادة عند العامة، بل يعبدون معه آلهتهم القديمة،فيقدمون القرابين لها ولقديسيهم المنتشرين فى أنحاء الصين.
وتنقسم مصادر "الكونفوشيوسية" إلى قسمين:
القسم الأول: كتب صينية قديمة قام "كونفوشيوس" بنقلها ، ومن أهمها:
1- كتاب الأغانى: ويحتوى على مئات الأغانى والقصائد الدينية.
2- التاريخ: ويشتمل على الوثائق التاريخية لتاريخ الصين القديم.
3- كتاب التغيرات: وهو كتاب يعالج موضوع ظهورالأحداث الإنسانية.
القسم الثانى: مؤلفات "كونفوشيوس"، ومن أهمها:
1- الأخلاق السياسية: وهو يتضمن أقوالا مختلفة لـ "كونفوشيوس" وتلاميذه ، مع شرح لهذه الأقوال.(2/374)
2- الانسجام المركزى: وهو مأثورات مشروحة.
3- المنتخبات: ويطلق العلماء عليه اسم: "إنجيل كونفوشيوس"، لأنه يتضمن تلخيصا وافيا لأقوال "كونفوشيوس" فى مختلف المناسبات على نحو ما سجلها تلاميذه. وإن كان كثير من الحكم والأمثال التى تضمنها قد وضعت بغير ترتيب أو اقتطعت من المناسبة التى قيلت فيها.
ورغم أن نفوذ "الكونفوشيوسية" خضعت للتغير حسب الظروف المختلفة، إلا أنها احتفضت بقيمتها دائما، ففى عصورها الأولى أنشئت المعابد باسم "كونفوشيوس" كما أنشئت كليات لتدريس مبادئه ، تمنح الدرجات العلمية فيها، واعتبرالحصول على تلك الدرجات شرطا لتولى الوظائف العامة.
وبدأ نجمها فى الأفول من الناحية السياسية والدينية فى أوائل القرن العشرين فألغيت دراستها، ولم تعد شرطا للوظائف -وإن بقيت أساسا للحياة الخلقية- ولاسيما بعد سقوط الإمبراطورية وقيام الجمهورية فى عام 1912م ، ومنذ ذلك الحين فإن الشباب التقدمى فى الصين يرى فى ال "كونفوشيوسية" عقبة فى سبيل التقدم ، لارتباطها بالملكية، وكذلك لما تدعو إليه من تقديس الآباء والمحافظة على التقاليد.
هذا وقد اختفت ال "كونفوشيوسية" فى الصين باستيلاء الشيوعيين على الحكم فى عام 1949م ، وإن كان بعض الباحثين يعتقدون أن روحها الأصيلة فى الشعب الصينى سوف تنجح فى تلوين شيوعية الصين بلونها الخاص ، وتزحزحها عن بعض مبادئها، كما فعلت ذلك فى البوذية.
أ.د/محمد شامة
ـــــــــــــــــ
الكيمياء
لغة: اسم صنعة، مثل السيمياء ، قال الجوهرى، هوعربى ، وقال ابن سيده: "أحسبها أعجمية"، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: علم يختص بدراسة خواص المواد وتفاعلاتها.(2/375)
ويتعذر علينا اليوم أن نسجل البداية الحقيقية لعلم الكيمياء، فقد كانت الكيمياء قديما صنعة يتداولها الناس ، وتقوم أساسا على الخبرة والمران ، ولم تكن علما قائما بذاته ، وقد زاول بعض الناس هذه الصنعة فى بعض الحضارات القديمة مثل حضارة الصين والفرس ومصر القديمة.
وكانت أغلب المحاولات التى قام بها أهل هذه البلاد تتصل بالبحث عما سمى "بحجرالفلاسفة" وكان من المعتقد أن هذا الحجر-إن وجد- له القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نبيلة ،مثل الفضة والذهب ، بالإضافة إلى قدرته على شفاء الأمراض والعلل ، ولذلك كان يطلق عليه أحيانا اسم "الاكسير".
ولقد أدت هذه المحاولات إلى اكتشاف بعض أسرار الكيمياء وأساليبها، خاصة فى مصر القديمة، فعرفت بعض طرق الدباغة، وصناعة الأصباغ ومواد التحنيط وغيرها.
وقد كانت أفكار الإغريق فى هذا المجال أفكارا نظرية بحته ، ولكنها اندمجت مع معارف المصريين القدماء فى مدينة الإسكندرية، وعندما فتحها العرب عام 642 ميلادية أطلق على هذه المعارف اسم "الخيميا" وهى اسم مشتق من "ال" العربية و"خيميا Khemia" هو الاسم الإغريقى لمصر.
وقد ساهم علماء العرب والمسلمين مساهمة كبيرة فى علم الكيمياء، وبرز منهم كثيرون مثل: جابربن حيان ، وأبى بكر الرازى وغيرهم ، وترجمت أعمالهم إلى اللغات الأوروبية فى العصور الوسطى، وسمع منها الأوروبيون لأول مرة عن التجارب المقننة، وعن استخدام الميزان ، وعن المنهج العلمى، وعن ابتكار الأنبيق المستخدم فى التقطير والتصعيد.
كما وصف العلماء العرب فى كتبهم ورسائلهم أصنافا متعددة من الأدوات المعملية التى ابتكروها، كما وصفوا عشرات من العمليات الكيميائية مثل: التحليل والتركيب والتنقية والتقطير وقاموا بتحضير الأحماض المعدنية الثلاثة ، وحمض الطرطير، وحمض الأترج ، وغيرها.(2/376)
وقد تقدم علم الكيمياء بعد ذلك تقدما كبيرا، وأسهمت الكيمياء فى كثير من المجالات ، فازدهرت صناعة الأدوية والأصباغ ، وصناعة الحمضيات الزراعية ، ومبيدات الحشرات ، وابتكرت الألياف الصناعية، وغيرها من المركبات التى ساعدت البشرية، وأدت إلى الوصول إلى المستوى الحضارى الذى نعرفه اليوم.أ.د/أحمد مدحت إسلام
ـــــــــــــــــ
اللؤلؤ (الجوهر)
قال تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا}الحج:23. وقد ذكر ، أن المراد ترصيع السوار باللولؤ، ولا يستبعد أن يكون فى الجنة سوار من لؤلؤ مصمت ،وهو ظاهر القرآن بل نصه.
ويطلق البعض على الجوهر اللؤلؤ ، وقيل: إن الكبير من اللؤلؤ يسمى درا والصغير لؤلؤا. ويتكون اللؤلؤ داخل الأصداف.
وتوجد مصائد اللؤلؤ بمحاذاة شواطى الهند وسيلان والخليج العربى والبحر الأحمر ،واليابان واستراليا وأمريكا وبعض جزر المحيط الهادى وغيرها.
ويختلف اللؤلؤمن حيث الشكل والتسمية فمنه المدحرج والمستدير والمستطيل والمخروط وغير ذلك.
وأجود اللآلئ ذات شكل كروى براقة متلونة بألوان قوس قزح وخالية من العيوب وعلى شىء من الشفافية، وغالبا مايكون اللؤلؤ أبيض أو قليل الصفرة أو الزرقة، وقد يكون أصفر أو أحمر أو أخضر، وقد يكون نصف شفاف أو قاتما، ونظرا لنعومته قد يخدش ، وتؤتر الأحماض والعرق على اللؤلؤ ، وقد يتلف لطول الزمن.
وقد مهر اليابانيون فى صناعة تزريع الؤلؤ فى برنس الصدفة، ويكثر التحلى باللؤلؤ المصطنع الذى يصنع من الزجاج.
أ.د/حسن الباشا
ـــــــــــــــــ
اللاهوت(2/377)
لغة: أله يأله إلاهة، وألوهة، وألوهية: عبد، ومنه قرأ ابن عباس رضى الله عنهما: {ويذرك وإلهتك}الأعراف:127. بكسر الهمزة، أى وعبادتك ومنه قولنا: الله وأصله: إله ، فهو فعال ، بمعنى مفعول ، لأنه مألوه ، أى معبود، وكل ما اتخذ من دونه إله عند متخذه ، والجمع: آلهة، والآلهة: الأصنام سموا بذلك لاعتقاد العابدين أن العبادة تحق لهم ، وأسماؤهم تتبع اعتقاداتهم ، لا ما عليه الشىء فى نفسه.
واصطلاحا: الألوهية، والإ لاهية، والإلهية والألوهية والإلهانية. كون ، أو صفة الذات الإلهية، والإلهيات: علم يبحث عن الله وما يتعلق به تعالى، وهى ترجمة لكلمة "Theologie" ، وهى مأخوذة من الكلمة اليونانية القديمة "Theologia" وهى مركبة من مقطعين "Theo" ومعناها: الله ، و "logia" ومعناها: علم ، فكانت الكلمة بمقطعيها تطلق عند قدماء اليونانيين ويراد بها: علم الآلهة، وما يتعلق بالألوهية، وعندما انتقلت إلى اللغات الأوروبية أصبح معناها: تعاليم الله ، أو علم العقائد الإلهية، ثم ترجمت إلى العربية "اللاهوت" أو "الإلهيات" على غير قياس.
وقد اهتم الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض بقضية الألوهية، إذ احتلت المركز الأول فى تفكيره على امتداد التاريخ الإنسانى، فكان الإله شاغله من زوايا متعددة، باعتبار ذاته ، أو باعتبار علاقته بالمخلوقات كخالق ، وكذا باعتبار علاقته بالإنسان ، أو علاقة الإنسان به ، فتصوره بصور شتى ، لأنه لم يره بعينه ، وإنما آمن بوجوده وتوجه إليه بالعبادة بأدلة متنوعة: بباعث الخوف أو الرجاء، أو بالظواهر الكونية والإنسانية، وآمن بمعتقدات متعددة، وصلت إلى حد الاعتقاد بتعدد الآلهة، وأنهم يتوالدون ، ويتناكحون ، وأن أشكالهم وهيئاتهم تشبههم ، وأنهم يرتدون ملابس مثلهم ،ويتحدثون بلغتهم ومن هنا نشأ -فى مجال البحث الفلسفى فى الألوهية- ما أطلق عليه مشكلة تصورالإله فى الدين.(2/378)
غير أن الأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام ، وضحت للإنسان مفهوم "الإله" بأنه: الأول ، والآخر، والخالق.... وغير ذلك من الصفات التى تصور الله غنيا بنفسه ،أبديا واسع القدرة والمعرفة محيطا بكل شىء، وأنه الحق وحده ، وهو المحيى والمميت والمبدئ والمعيد.... إلى غير ذلك من النعوت التى تبين أنه الخالق المطلق ، المدبر الحكيم ،الملك الذى لا قوة ولا سلطان غير سلطانه فى الوجود، ومع ذلك فهو الرحمن الرحيم ، والغافر والغفور والرازق والمعطى... وغير ذلك من الأوصاف التى تدل على أن صلة احتياج تربط العبد بربه ، فالعبد محتاج إلى عفوه وتدبيره ، والله هو الرقيب والحسيب عليه ، المهيمن على عباده جميعا، يعينهم ويهديهم ، فهو مصدر الرزق بأوسع معانيه.
فالله بأوصافه كلها، سواء كانت متعلقة بذاته ، أو بصلته بمخلوقاته ، أو كانت مبنية لعلاقته بالإنسان ، وعلاقة الإنسان به هو موضوع علم "الألوهية" أو علم "اللاهوت" كما جاء فى ترجمة الكلمة اليونانية الأصل:
Theologia ويطلق على هذا العلم فى مجال الدراسات الإسلامية: علم العقيدة أو الإلهيات ، فى مقابل القسمين الآخرين: النبوات والسمعيات التى يتكون منها جميعها -الإلهيات والنبوات والسمعيات- علم التوحيد.
أ.د/محمد شامة
ـــــــــــــــــ
اللواط
- تعريف عمل قوم لوط ، ومن تعريفاته :
1. أنه إتيان الذكور في الدبر .
2. اكتفاء الرجال بالرجال .
3. وطء الذكرِ الذكرَ .
- أسماؤه الأخرى :
1. عمل قوم لوط .
2. الفاحشة .
3. اللواط .
4. الشذوذ الجنسي .
5. الجنسية المثلية .
6. المدابرة .
- تحريم عمل قوم لوط وعقوبة مرتكبه .
- الآثار الواردة في عمل قوم لوط .
- أضرار عمل قوم لوط :
1. أضراره الدينية .
2. أضراره الخلقية .
3. أضراره النفسية :
الخوف الشديد والوحشة والاضطراب .
الحزن والعذاب والقلق .
هذه الفاحشة تجعل صاحبها عرضة للإصابة بأمراض عصبية شاذة .
الرغبة في العزلة والانطواء .(2/379)
تقلب المزاج وضعف الشخصية .
الانهزامية .
الشعور بالذنب .
كثرة الوساوس والأوهام .
الإصابة بمرض الهوس الجنسي .
التوتر النفسي ، والتردد والتخاذل وعدم المبالاة .
الارتباك واليأس والتشاؤم والملل والتبلد العاطفي .
التأثير على الأعصاب .
4. أضراره الصحية :
الرغبة عن المرأة .
ارتخاء عضلات المستقيم وتمزقه .
التيفوئيد والدوسنتاريا .
الزهري .
السيلان .
الهربس .
الإيدز ، وخطورة هذا المرض ترجع لأسباب منها :
أ - أن نسبة المصابين به ونسبة الوفيات عالية جداً
ب - الغموض المريع الذي يكتنفه .
ت - قلة العلاج أو انعدامه بالكلية .
ث - سرعة انتشار هذا المرض .
فيروس الحب .
- سبل الوقاية والعلاج :
1. التوبة النصوح .
2. الإخلاص لله عز وجل .
3. الصبر .
4. مجاهدة النفس ومخالفة الهوى .
5. استشعار اطلاع الله عز وجل .
6. امتلاء القلب من محبة الله تعالى .
7. المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين .
8. الصوم .
9. الإكثار من قراءة القرآن .
10. الإكثار من ذكر الله .
11. احفظ الله يحفظك .
12. المبادرة للزواج .
13. تذكر الحور العين .
14. غض البصر .
15. البعد عن المعشوق المحبوب .
16. البعد عن المثيرات عموماً .
17. الاشتغال بما ينفع وتجنب الوحدة والفراغ .
18. دفع الوساوس الشيطانية والخواطر السيئة .
19. تقوية الإرادة وترك اليأس والقنوط .
20. علو الهمة .
21. الحذر من العلاجات الغريبة .
22. الحياء ، ومن الأمور المعينة على اكتسابه :
قراءة سير الصحابة .
تذكر الثمرات الجميلة المترتبة على الحياء .
الإمساك عما تقتضيه قلة الحياء من قول أو عمل .
مجالسة أهل الحياء .
تكلف الحياء مرة بعد أخرى .
23. الحرص على الستر والعفاف والبعد عن التكشف والعري .
24. الاعتدال في التجمل وترك المبالغة فيه خصوصاً من الأحداث .
25. الإقلال من المزاح .
26. محاسبة النفس .
27. النظر في العواقب .(2/380)
28. أن يدرك المبتلى أن هذه الشهوة لن تقف عند حد .
29. مجالسة الأخيار ومجانبة الأشرار .
30. عيادة المرضى وتشييع الجنائز وزيارة القبور والنظر إلى الموتى والتفكر في الموت وما بعده فإن ذلك يطفئ نيران الشهوة .
31. عدم الاستسلام للتهديد والإبلاغ عمن هدد .
32. قراءة القصص في العفة وقصص التائبين .
33. سماع الأشرطة الإسلامية النافعة .
34. عرض الحال على من يعين .
35.الدعاء .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – ص
ـــــــــــــــــ
اللوح
لغة: ما يكتب فيه ، وهو كل صفحة من خشب أوعظم أو ورق أو نحو ذلك ، وجمعه ألواح.
شرعا: هو جسم مخلوق نورانى عظيم ، فوق السماء السابعة، وقد كتب فيه القلم: ما كان ، وما يكون إلى يوم القيامة. وهو اللوح المحفوظ وقد سمى "لوح القدر".
وقد وردت كلمة "لوح" فى القرآن الكريم مرة واحدة فى قوله عز وجل: {بل هو قرآن مجيد. فى لوح محفوظ}البروج:21-22، ومعنى "قرآن مجيد" أى عظيم كريم ، "فى لوح محفوظ": أى هو فى الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل. ولا يجوز شرعا أن يسمى اللوح المحفوظ "بالنفس الكلية" ولا "بالعقل الأول" وغير ذلك مما هو تابع لفلسفة الفيض ، وهى غير إسلامية، هذا ويجب الإيمان باللوح (المحفوظ) دون الخوض فى تعيين حقيقته دون نص شرعى.
كذلك لا يجوزالاعتقاد بأن اللوح خلق لضبط ما يخاف نسيانه فذلك أليق بالبشر وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد
ـــــــــــــــــ
المؤاخاة
لغة: أخا فلانا - أخوة، وإخاوة: اتخذه أخا (آخى فلانا مؤخاة وإخاء: اتخذه أخا) المعجم الوسيط مادة (أخو)(1).
واصطلاحا: الأخوة فى الدين الإسلامى أعلى رباط اجتماعى، ذلك أن الأخوة فى الدين ناتجة عن الإيمان العميق به ، بحيث يخضع لأوامر ربه دون سواه ، ومن ثم تكون هناك عاطفة قوية موحدة تجمع المسلمين جميعا.(2/381)
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فى قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}الحجرات:10 ، كما أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوله: (المسلم أخو المسلم) وقوله: (وكونوا عباد الله إخوانا) بمعنى كونوا حريصين على أخوة الدين التى تجمع بينكم.
والحب الذى يجمع بين الأخوة فى الدين ليس حبا ينصب على الذات ، وإنما هو منصب على الإيمان الذى يربط بين المؤمنين ،بحيث يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ،فالإيمان هو الرباط الدائم بين إخوة الدين ،وهو الذى يضبط سلوك المؤمنين وعاداتهم.
إذ يقول الله تعالى: {لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}المجادلة:22.
كذلك يوضح الله نعمته إذ جعل المؤمنين إخوانا يجمعهم الإيمان ، وعظم فضل الأخوة التى ارتبطت بفضل الإيمان ارتباطا وثيقا، إذ يقول تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}آل عمران:103.
هكذا حرص الإسلام على المؤاخاة بين المسلمين ، حتى فى أكثر الأمور خصوصية مثل الميراث ، إذ كان الميراث فى بداية الإسلام بالأخوة فى الدين لا فى النسب ، ولم يكن المسلمون الأوائل يبخلون بمالهم على إخوانهم المسلمين الفقراء الذين عانوا وطأة الاضطهاد بسبب دينهم.
ولذلك فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - حين رأى مجتمع المدينة ممزقا حينما هاجر إليه بسبب الخلافات بين الأوس والخررج من ناحية، وبسبب فقر معظم المهاجرين وعوزهم من ناحية أخرى، طبق مبدأ أخوة الإسلام بحيث يشعر كل مسلم أنه مكفول كفالة تامة فى المجتمع الإسلامى.(2/382)
ويقوم مبدأ المؤاخاة الذى طبقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أساس أن المسلمين جميعا أخوة، يعطى الغنى منهم فقيرهم بالمعروف ويعين القادر منهم غير القادر، إذ أمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يتأخوا فى الله اثنين اثنين ، أو أخوين أخوين ، فقد أخذ بيد على بن أبى طالب وقال: هذا أخى، وكان حمزة بن عبدالمطلب أسد الله ، وزيد بن حارثة مولى النبى أخوين ،وأبو بكر وخارجة بن زيد الخزرجى أخوين.
وهكذا تآخى كل واحد من المهاجرين مع رجل من الأنصار.
كانت المؤاخاة بهذا المفهوم الاقتصادى الاجتماعى درسا فى التنظيم الاجتماعى ولم يكن معناها أبدا أن يركن المهاجرون إلى الدعة، ويتوقفوا عن السعى وراء الرزق بل كان الهدف ترسيخ قيمة التكافل الاجتماعى بين من يشتركون فى أخوة الدين الإسلامى، بحيث يعين المسلم أخاه المسلم في وقت الحاجة الملحة دون تواكل على الغير بدون لببه أو ضرورة، ولذلك اشتغل بعض المهاجرين بالتجارة، على حين عمل البعض الآخر، فى حقول الأنصار ومزارعهم.
ونخلص من هذا كله بأن الأخوة فى الإسلام منَّ بها الله على المؤمنين ، كما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طبقها عمليا فى المؤاخاة التى قام بها بين المهاجرين والأنصار تثبيتا لدعائم المجتمع المسلم ، وترسيخا للأسس التى قامت عليها أمة المسلمين.
أ.د/قاسم عبده قاسم
ـــــــــــــــــ
المتشابه
لغة: أشبه الشىء الشىء: ماثله ، وشابهه: أشبه ، تشابه الشيئان: أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا، والمتشابه: النص القرآنى يحتمل عدة معانى كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: يطلق المتشابه ، ويراد به عدة إطلاقات:(2/383)
أحدها: وهو ما لم يأت فى القرآن بلفظه البتة ما يقصده علماء القرآن من وقوع النظم الواحد على صور شتى، وتتشابه فى أمور، وتختلف فى أخرى، ومن ثم يطلقون عليه متشابه النظم ، أو متشابه اللفظ ، قال الزركشى: "ويكثر فى إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف فى الكلام ، وإتيانه على ضروب ، ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك مبتدأ به ومتكرر(3). ومن أمثلة ذلك قوله تعالى {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل}البقرة:48، مع قوله {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة}البقرة:123 ، وقد عنى بتوجيه هذا اللون من نظم القرآن قلة من المفسرين فى تفاسيرهم ، ومنهم: شهاب الدين محمود الألوسى فى تفسيره المعروف بروح المعانى، وعلامة المغرب الطاهر بن عاشور فى تفسيره الموسوم بالتحرير والتنوير.
كما أفرده بعض العلماء بالتصنيف ، يقول السيوطى "رحمه الله" أفرده بالتصنيف ،خلق: أولهم -فيما أحسب-: الكسائى، ونظمه على بن عبد الصمد السخاوى المتوفى سنة 643هـ فى كتابه "هداية المرتاب فى المتشابه من الكتاب": وهى منظومة تعرف "بالسخاوية"، وألف فى توجيهه الكرمانى فى كتابه "البرهان فى متشابه القرآن" وأحسن منه "درة التنزيل وغرة التأويل" لأبى عبد الله الرازى... وفى كتاب أسرار التنزيل المسمى."قطف الأزهار فى كشف الأسرار" الجم الغفير(3).
ثانيهما: أن يطلق المتشابه صفة مدح لجميع القرآن ، ولفظ المتشابه بهذا المعنى هو الوارد فى قوله تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}الزمر:23.
أما تبيان كيف أن المتشابه بهذا الإطلاق نعت كمال لجميع القرآن ، فإنه من الجلى أن صوغ مادة التشابه فى هذه الآية على صورة التفاعل يقضى بأن الكتاب الكريم ذو أجزاء كلها يشبه بعضه بعضا على ماهو الكثير الغالب فى صورة التفاعل.(2/384)
وقد بين المفسرون الكمالات التى تتشابه فيها أبعاض الكتاب العزيز، ومن خير وأسد ما فى المقام من عبارات عبارة الزمخشرى، فقد قال فى تفسيرالآية (ومتشابها) مطلق فى مشابهة بعضه بعضا، فكان متناولا لتشابه معانيه فى الصحة والإحكام والبناء على الحق والصدق ومنفعته الخلق ، وتناسب ألفاظه وتناسقهما فى التخير والإصابة، وتجاوب نظمه ،وتأليفه فى الإعجازوالتبكيت (4).
والتشابه بهذا المعنى الذى يعم جميع القرآن على نحو ما رأينا لا يتنافى بحال مع وصف الإحكام المذكور فى قوله تعالى {كتاب أحكمت آياته...}هود:1 ، والذى يعم هو الآخر القرآن الكريم بأسره ، بل يجب الأخد بكلا الوصفين جميعا فى كتاب الله عز وجل دون أن يأتى كلام الحق فى ذلك باطل من بين يديه أو من خلفه؟ ذلك بأن التناقض إنما يلزم إذا كان بين المادتين فى هاتين الآيتين تقابل التضاد، وكيف وكل منهم صفة مدح لا يمكن أن تدل على ما يضاد الأخرى، وإنما على ما يؤاتيهما ويشد من أزرهما وبانطوائهما معا فى صفته شاهد صدقه وآية تنزيل رب العالمين.
وأما الإحكام فمعناه أن آى القرآن كلها قد نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ، ولا من جهة المعنى، ولا من جهة الهدف والغاية، أو أنها أحكمت بالحجج والدلائل ، أو جعلت حكمة فنقول حكم إذا صار حكما ، لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية(5) وإذن فالقرآن بهذا المعنى محكم فى تشابهه ، متشابه فى إحكامه على نحو ما ألمحت إليه عبارة الزمخشرى السابقة.
ثالثهما: أن يرد لفظ المتشابه فى القرآن مقولا على بعض منه مخصوص ، مقابلا وقسيما للبعض الآخر الذى يقال عليه وصف المحكم ، وبحيث لا يجتمع هذان الوصفان المتقابلان فى شىء واحد ألبتة، وذلك هو ما جاء فى قوله تعالى {هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}آل عمران:7 ، وهذا المعنى هو الذى ينصرف إليه لفظ المتشابه عند الإطلاق والتجرد من القرينة.(2/385)
وإن الناظر فى هذين الوصفين المتقابلين واللذين لا يصدق واحد منهما على ما يصدق عليه الآخرمن الكتاب المجيد، ليرى اختلافا عظيما بين العلماء فى تبيان هذا المعنى.
وأمثل ما اختاره المحققون فى شرح حقيقة القسمين الكريمين ما أفصحت عنه عبارة الفخر الرازى، إذ يقول: "اللفظ الذى جعل موضوعا لمعنى: إما أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى، وإما أن لا يكون. فإذا كان اللفظ موضوعا لمعنى ولا يكون محتملا لغيره فهذا هو النص.
وأما إن كان محتملا لغيره فلا يخلو: إما أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر، وإما أن لا يكون كذلك بل يكون احتماله لهما على السواء، فإن كان احتماله لأحدهما راجحا على الآخر سمى ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجح ظاهرا، وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا، وأما إن كان احتماله لهما على السوية كان اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا ، وبالنسبة لكل واحد منهما على التعيين مجملا.
فقد خرج من التقسيم الذى ذكرناه أن اللفظ إما أن يكون نصا أو ظاهرا أو مؤولا أو مشتركا أو مجملا، أما النص والظاهر فيشتركان فى حصول الترجيح إلا أن النص راجح مانع من الغير، والظاهر راجح غير مانع من الغير، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمحكم.
وأما المجمل والمؤول فهما مشتركان فى أن دلالة اللفظ عليه غير راجحة، فالمجمل إن لم يكن راجحا لكنه غيرمرجوح ، والمؤول مع أنه غير راجح فهو مرجوح لا بحسب الدليل المنفرد، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمتشابه؟ إما لأن الذى لا يعلم يكون النفى فيه مشابها للإثبات فى الذهن ، وإما لأجل أن الذى يحصل فيه التشابه يصير غيرمعلوم ، فأطلق لفظ المتشابه على ما لا يعلم إطلاقا لاسم السبب على المسبب ، فهذا هو الكلام المحصل فى المحكم والمتشابه"(6).(2/386)
وخلاصة هذا القول أن المحكم ما كان راجح الدلالة على معناه بنفسه (7)، احتمل مرجوحا كالظاهر أو لم يحتمل كالنص ، المتشابه ما ليس كذلك -أى ما كان غير راجح الدلالة بنفسه مرجوحا كان كالمؤول ، أو مستوى الدلالة كالمجمل- وهو كلام سديد، لأن مدار الإحكام على ما تفهمه الآية الكريمة نفسها(8). إنما هو على الوضوح والتعاصى على الزائغ ، وكذلك شأن النص والظاهر اللذين جعل المحكم هو القدر المشترك بينهما، وأن مدار التشابه حسبما صرحته على عون الكلام خفيا ومتبعا للزائغ يبتغى به الفتنة، وإنما يظفر الزائغ بهذه الطلبة فى المجمل والمؤول اللذين جعل المتشابه هو القدر المشترك بينهما كذلك ، ثم إن الناس اختلفت اختلافا عظيما كذلك فى قضية العلم بتأويل المتشابه بهذا الإطلاق هل مقصور على الله تعالى، أو هو بحيث يتأتى للراسخين فى العلم أيضا ، والصواب الثانى ومن أبرز المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن ما يعرف لدى العلماء بآيات الصفات الخبرية، أو متشابه الصفات كالآيات التى جاء فيها ذكر الوجه واليد والجنب والروح والنفس والاستواء والفوقية والرضا والغضب وما إلى ذلك من كل ما فيه نسبة البعض أو العرض إليه تعالى جسمانيا كان ذلك أو نفسانيا.(2/387)
ومن حكمة ورود المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن والسنة ما ذكره صاحب الكشاف فقال: لو كان كله (يعنى القرآن) محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ولا عرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال. ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذى لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلا به ، ولما فى المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والممتزلزل فيه ، ولما فى تقادح العلماء، وإتعابهم القرائح فى استخراج معاينة، ورده إلى المحكم من الفوائد الجلية والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله. ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة فى كلام الله ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض فى ظاهره وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح الله عليه ، وتبين مطابقة المتشابه المحكم ازداد طمأنينة إلى معتقده وقوة فى إيقانه (8).
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة
ـــــــــــــــــ
المتن
لغة: متن كل شىء، غايته ، وجلد له متن: صلابة وقوة، ومتنت الكبش: إذا شققت جلدة بيضته واستخرجتها ، والمتن: ماصلب وارتفع عن الأرض(1).
واصطلاحا: مرَّ بمرحلتين:
1- الأولى فى بداية القرن الثانى الهجرى، ظهر مصطلح المتن كقسيم للسند فى الصناعة الحديثة، وذلك ضمن كلام لمحمد ابن سيرين المتوفى سنة (110هـ/728م) حين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة ، قالوا: سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظرإلى أهل البدع فلا يؤخد حديثهم (3) وكانوا أحيانا فى تلك الفترة يطلقون على المتن لفظ الخبز والمروى والمتن.
2- وفى القرون المتأخرة فى القرن السابع الهجرى وما بعده ، حاول العلماء أن يضعوا تعريفا محددا للمتن ، ويربطوا بينه وبين المعنى اللغوى، فقال الطيبى المتوفى (743هـ/1343م): المتن: ألفاظ الحديث التى تقوم بها المعانى(3).(2/388)
وقال ابن جماعة المتوفى سنة (767هـ/1367م): ما ينتهى إليه غاية السند من الكلام (4).
ووجه الترابط بين المعنى الاصطلاحى والمعنى اللغوى السابق ، أنه إما مأخوذ من المماتنة أى المباعدة فى الغاية، لأنه غاية السند، أو من المتن وهو: ما صلب وارتفع من الأرض ، لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله ، أو من متنت الكبش إذا شققت جلدة بيضته واستخراجتها، فكأن المسند استخرج المتن بسنده.
ولقد قسم العلماء المتن إلى ثلاثة أقسام:
1- مرفوع: وهو ما أضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة من قول أو فعل.. مثل: (إنما الأعمال بالنيات)(5)، ويدخل فى المرفوع: المتصل والمنقطع ، والمرسل والمعضل والمعلق.
2- موقوف وهو ما يروى عن الصحابى من أقوال وأفعال وتقريرات ، ونحو ذلك ،فيوقف عليهم لا يتجاوز به إلى الرسول عليه السلام مثل قولى أبى بكر رضى الله عنه عنه (والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه)(6).
3- مقطوع وهو ما جاء عن التابعين فمن دونهم ، موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم مثل قول الحسن البصرى: (رحم الله رجلا لم يغره ما يرى من كثرة الناس ، ابن آدم ، إنك تموت وحدك ،وتدخل القبر وحدك ، وتبعث وحدك. 00)(7).
والفرق بين المقطوع والمنقطع أن المقطوع من أقسام المتن ، والمنقطع من أقسام السند.
أ.د/مصطفى محمد أبو عمارة
ـــــــــــــــــ
المحاسبة
لغة: العد والتقدير، وحسن التدبير، ويعرف من يقوم بهذه الأعمال بالحسيب أو المحاسب (1) وفى القرآن الكريم {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}الإسراء:14 ، أى محاسبا ، {والله سريع الحساب}البقرة:202 ، أى لا يشغله حساب أحد عن محاسبة الآخر كما فى اللسان (2).
واصطلاحا: وينصرف معنى المحاسبة فى الفكر الإسلامى إلى مفهومين:(2/389)
1- المحاسبة الذاتية المعنوية، وهى: أن يحاسب المرء نفسه ، وهو ما أكد عليه عمر بن الخطاب بقوله (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا).
2- المحاسبة المادية، وتعنى المحاسبة على العمليات ذات الصفة العينية والمالية، وتختص بكتابة وقياس الأشياء بغرض الاستفادة منها فى مجالات مختلفة من ضمنها حساب زكوات الأموال.
وقد كانت للدولة الإسلامية فى عصورها الزاهرة نظم محاسبية تساعد المسئولين على إدارة حركة الأموال العامة النقدية والمالية، بحيث تحفظ الأموال وتضبط الغلال فتتحقق رقابة فعالة عليها، وتتم المحاسبة كتابة امتثالا لقوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}البقرة:282.
أما المحاسبة فى العصر الحديث فتختص بتحديد وقياس الأنشطة المختلفة وتوصيل معلومات عن نتائج تلك الأنشطة إلى من يهمه الأمر بهدف الاستفادة منها فى اتخاذ القرارات.
وتتمثل إجراءات المحاسبة فى:
1- حصر وتجميع البيانات عن الأنشطة المتعددة.
2- تسجيل وتصنيف وتحليل تلك البيانات فى ضوء مفاهيم وأسس معينة، ووفقا للأهداف المرجوة.
3- توصيل المعلومات الناتجة عن التسجيل والتصنيف والتحليل إلى من يريد معرفتها لاستخدامها فى اتخاذ القرارات (3).
وعن أهمية المحاسبة يقول الحريرى "إن صناعة الحساب موضوعة على التحقيق ، وإن قلم المحاسب ضابط ،وإن الحسبة هم حفظة الأموال ، ولولا قلم الحاسب لاتصل التغابن إلى يوم القيامة، ولكان من نظام المعاملات محلولا، وجرح الظلامات مطلولا، وجيد التناصف مغلولا، وسيف التظالم مسلولا"(4).
مما يعنى أنه لولا المحاسبة على حركة الأموال الواردة والمنصرفة وتسجيلها بواسطة المحاسبين ، لما أمكن معرفة نتيجة النشاط من مكسب أو خسارة، ولما وجدنا نظاما سليما للمعاملات أو لإظهار الحقوق ، أو لمنع الظلم.
أ.د/حمدى عبدالعظيم
ـــــــــــــــــ
المحدث(2/390)
لغة: اسم فاعل من التحديث مأخوذ من حدث يحدث فهو محدث ، وهو وصف لمن يشتغل بالحديث ويقضى وقته فى دراسته (1).
واصطلاحا: فقد مر هذا المصطلح بعدة مراحل: فكان فى بداية أمره ، وصفا لمن تصدر لرواية الحديث مطلقا،. وفى القرن الثانى الهجرى، ظهر الكلام على رواة الحديث ، وأصبح للحديث الواحد طرق متعددة، واختلفت ألفاظ الحديث الواحد ، تبعا لاختلاف الطرق ، وظهر بين العلماء من يجيد تمييزالطرق ،ونسبة كل لفظ إلى طريقه ، فأمثال هؤلاء جديرون بأن يطلق عليهم لقب "محدث" وقد نالوا احترام الناس الذين يشتغلون بالحديث.. قال الإمام البخارى: ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين (2).
وكان بعضهم يطلق لقب "محدث" على الحافظ.
ونسب إلى الزركشى القول بأن الفقهاء، كانوا يطلقون لقب "محدث" على من حفظ الحديث وعلم عدالة رجاله أو جرحهم ، دون المقتصر على السماع (3).
وفى القرن الثامن الهجرى، حاول العلماء أن يضعوا ضوابط للقب "محدث" فقد سئل الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس المتوفى سنة (734هـ/1334م) عن المحدث فقال: المحدث فى عصرنا: من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع بين رواته ، واطلع على كثير من الرواة والروايات فى عصره ، وتميز فى ذلك ، عرف فيه حفظه ، واشتهر فيه ضبطه (4).
ووصفه بعض العلماء بقوله: إنه الذى قرأ، وكتب ، وسمع ، ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولا، وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التى تقرب من ألف تصنيف (5).
ومن ذلك يتبين لنا أن لقب المحدث هو وصف لمن يشتغل بدراسة السنة دراسة علمية دقيقة، وهو ما يعرف اليوم بلغة العصر الحاضر: التخصص الدقيق.(2/391)
فكل من اهتم بدراسة الأسانيد والعلل ، وأسماء الرجال ، والعالى والنازل من الأسانيد ،وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون ، مع العلم بما يجب كونه عليه من الضبط ، أو التيقظ ، والمعرفة بأداء الحديث وشرائطه ، والتحرز من أن يدخل عليه ما لم يسمعه ، مثل هذا جدير بلقب "محدث" على أن هناك طائفة أخرى توصف بأنها "أهل الحديث" وهم الذين يهتمون بمعرفة دلالات الألفاظ ، وكيفية الاستنباط من النصوص مع تقديمها على الرأى، وإن لم تكن لهم إحاطة بالطرق والرجال.
أ.د/مصطفى محمد أبو عمارة
ـــــــــــــــــ
المحراب
لغة: الغرفة، وصدر البيت أو المجلس وأكرم موضع فيه ، والموضع الذى ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس. (لسان العرب).
وجاءت اللفظة فى القرآن الكريم بصيغة المفرد فى قوله تعالى {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا}آل عمران:37 ، وكذلك فى (آل عمران:39) (مريم:11)(ص:21).. ومعنى المحراب هنا: الحجرة التى فى مقدمة المعبد.
وجاءت اللفظة بصيغة الجمع (محاريب) فى قوله تعالى {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب}سبأ:13.
وفسرت المحاريب فى هذه الآية بالقصور، والمساجد يتعبد فيها.
واصطلاحا: علامة القبلة فى جدار المسجد ، وجرت العادة أن تكون فى وسط جدار القبلة.
وكانت القبلة عند بناء مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة أولا فى الجدار الشمالى نحو المسجد الأقصى ، ثم أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - فى السنة الثامنة من الهجرة أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام ، ومن ثم نقلت القبلة من الجدار الشمالى إلى الجدار الجنوبى، وهكذا
صارت قبلة جميع المساجد فى الجدار الموجه نحو المسجد الحرام فى مكة المكرمة، يقول الله تعالى {قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره}البقرة:144.(2/392)
ولم ليكن المحراب فى مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم - مجوفا بل كان مسطحا تسطح الجدار نفسه ،ولكنه كان محددا ومعلما، وظل فى مكانه بعد توسعة المسجد فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - فى السنة السابعة بعد الهجرة، وكان من جراء ذلك أن صار أقرب إلى الجدار الشرقى منه إلى الجدار الغربى ، وذلك لأن توسعة المسجد نحو الغرب كانت أطول من توسعته نحو الشرق.
وفى خلافة عمر بن الخطاب نقل جدار القبلة نحو الجنوب بمقدار خمسة أمتار تقريبا، ومن ثم نقل مكان المحراب إلى الجدار الجديد، ولكن على نفس المحور.
وحدث الشىء نفسه فى خلافة عثمان بن عفان حين نقل جدار القبلة إلى الجنوب نحو خمسة أمتار أخرى، وبذلك صار فى موضعه الحالى. ومع ذلك فقد ظل مكان محراب النبى - صلى الله عليه وسلم - الأول موضع حفاوة المسلمين الذين يحرصون على الصلاة والدعاء أمامه ، وقد أقيم فى المكان نفسه محراب بعيد عن الجدارالحالى على يد السلطان المملوكى قايتباى.
وقد ظل المحراب مسطحا إلى أن أجرى الوليد بن عبدالملك عمارته فى مسجدالنبى - صلى الله عليه وسلم - سنة 88هـ ، حين أمر بإعادة بنائه ،وتجديده تجديدا شاملا، ففى هذه العمارة أدخلت فى مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم - وحدة معمارية جديدة هى المحراب المجوف ،وكان ذلك إيذانا بانتشاره بعد ذلك فى المساجد.
وقيل كثيرمن الآراء بشأن الحكمة من المحراب المجوف ،منها: أنه يفيد فى تعيين اتجاه القبلة، وفي تحديد مكان الإمام عند الصلاة، وفى توسيع طاقة المسجد بما يقرب من صف من المصلين فى الصلاة الجامعة، ويساعد على تجميع صوت الإمام وتكبيره ، وإيصاله للمصلين الذين يوليهم ظهره أثناء الصلاة، لا سيما قبل اختراع مكبرات الصوت.(2/393)
ونال المحراب عناية مؤسسى المساجد الجامعة من حيث العمارة والزخرفة، وإقامة المنبر إلى يمينه ، وتزويده بمقصورة، والحفاوة بالبلاطة التى تليه ، التى عرفت ببلاطة المحراب ، وبالبلاطة المؤدية إليه من الصحن والتى أطلق عليها أحيانا المجاز القاطع.
وكان المحراب فى بعض الأحيان يكتنفه عمودان من الرخام يحملان عقدا ويسقف أعلاه بنصف قبة تعرف بطاقية المحراب كانت تزين بالمقرنصات ، وقد يكسى المحراب ، بالجص المزخرف بالحفر البارز والغائر، أو بالرخام والمرمر، أو ببلاطات القاشانى، أو بالفسيفساء الرخامية أو الخزفية أو الزجاجية المشكلة بالحليات الهندسية والنباتية المحورة، وكان يكرم بالآيات القرآنية المناسبة لوظيفته.
وتتعدد المحاريب فى بعض المساجد، ومن ذلك مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة ، إذ يشمل على خمسة محاريب بالإضافة إلى المحراب الرئيسى فى منتصف جدار القبلة، ومن هذه المحاريب أربعة محاريب مسطحة من
الجص على بعض دعائم المسجد فى رواق القبلة.
هذا.. ولم تقتصر المحاريب على المساجد، بل وجدت أيضا فى الخانقاوات والمدارس والأضرحة وغيرها من الأماكن التى تقام بها الصلاة، أو يحتاج فيها إلى تعيين موضع القبلة.
إضافة إلى ذلك عرفت محاريب غير ثابتة يمكن نقلها من مكان إلى آخر عند الضرورة، فمثلا فى فصل الصيف الحار كانت تنقل إلى صحن المسجد، وكانت هذه المحاريب تصنع من الخشب ، وكان يعتنى بزخرفتها، ومن أمثلة هذه المحاريب محراب السيدة رقية بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة 533هـ.
هذا واستخدم شكل المحراب عنصرا زخرفيا فى العمارة الإسلامية ولا سيما فى المقرنصات. وليس من شك فى أن المحاريب تعد من أقيم الآثار الإسلامية سواء من حيث القيمة الروحية، أو من حيث الأهمية المعمارية والزخرفية، ومن المحاريب التى تتمثل فيها أساليب العمارة والزخرفة الإسلامية:
- محراب قبة المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله بالقاهرة.(2/394)
- محراب الجامع الأزرق بشارع باب الوزير بالقاهرة.
- محراب مسجد ابن طولون بالقاهرة.
- محراب مدرسة قجماس الإسحاقى بشارع الدرب الأحمر بالقاهرة.
- محراب جامع محمد على بقلعة صلاح الدين بالقاهرة.
- محراب مسجد نابين بإيران (من القرن الرابع الهجرى).
- محراب مسجد ميدان فى قاشان بإيران.
- محراب ضريح بابا قاسم فى أصفهان بإيران.
- محراب المسجد الجامع بصنعاء اليمن.
- محراب جامع قرطبة من عهد الخليفة الحكم.
أ.د/حسن الباشا
ـــــــــــــــــ
المدارس
تعتبر المدارس فى الإسلام امتدادا للمساجد، فكان المسلمون فى عصورهم
الأولى يتوسعون فى مهمة المسجد، فاتخذوه مكانا للعبادة ومعهدا للتعليم ، ودارا للقضاء، وساحة تتجمع فيها الجيوش ، ومنزلا لاستقبال السفراء.
وقد ميز الجامع عن المسجد بأن الجامع هو الذى يجتمع فيه الناس لصلاة الجمعة أو الجماعة، أما المسجد فهو مكان الصلاة ولو كان حجرة خاصة بالمنزل.
وقد اشتهر من بين الجوامع الإسلامية ثلاثة هى:
1- جامع المنصور ببغداد، وقد كان هذا المسجد قبلة أنظار الأساتذة والطلاب ، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الخطيب البغدادى والكسائى والفراء(1).
2- جامع دمشق ، وكان للمالكية به زاوية للتدريس فى الجانب الغربى، وللشافعية مدرسة على يمين الخارج من باب البريد، وهناك كذلك مقصورة برسم الحنفية يجتمعون فيها للتدريس وبها يصلون (2).
3- جامع عمرو بن العاص: وقد بنى هذا الجامع سنة 21هـ فهو أقدم جامع فى قارة إفريقية، ومن العلماء الذين جلسوا. للتدريس به سليمان بن عتر التجيبى، وقد سجل المقريزى بعض تفاصيل عن أهم الزوايا العلمية بهذا المسجد، وهى زاوية الإمام الشافعى، والزاوية المجدية والزاوية الصاحبية، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الإمام محمد بن جرير الطبرى(3).(2/395)
أما العلوم التى كانت تدرس فى المسجد فكثيرة أهمها: العلوم الدينية، والعلوم اللغوية، والأدبية، ومبادئ علم الكلام ، والعروض ، وعلم الطب ، والميقات (الفلك).
وقد انتقل التعليم من المساجد إلى المدارس بسبب ما يحدثه التدريس من أصوات ومناقشات تحدت قليلا أو كثيرا من الضوضاء التى تؤثرعلى ما يلزم من وقار الصلاة وخشوعها ، ثم إن العلوم تطورت بتطور الزمن فأصبح الجدل والمناظرة من العلوم المهمة مع ما يحدثه من أصوات تتناقض مع ما يحتاجه المسجد من هدوء وجلال.
وهناك فروق واضحة بين المدرسة والمسجد هى:
1- فى المدرسة يعين المدرس وذلك بخلاف معلمى المساجد.
2- وجود الإيوان بالمدارس وهو الاسم الذى يرادف قاعة المحاضرات ولم يوجد فى المسجد باستثناء المساجد الكبرى التى تهتم بالتعليم.
3- كان عدد التلاميذ محددا فى المدرسة بخلاف حلقة المسجد التى كانت مفتوحة لمن يجلس فيها(4).
أما أقدم المدارس الإسلامية فهى مدارس الوزير العظيم نظام الملك الذى وزر لألب أرسلان وملكشاه ،وسميت هذه المدارس النظامية نسبة لنظام الملك ،وكانت هذه المدارس كثيرة لم تخل منها مدينة أو قرية.
واقتفى نور الدين زنكى أثر نظام الملك فأنشأ المدارس فى الشام. وسار صلاح الدين الأيوبى وأفراد أسرته على هذا النهج فأنشأوا المدارس فى مصر.
أ.د/أحمد شلبى
ـــــــــــــــــ
المدرس
الفصل الأول : ماذا يعني لنا التعليم ؟
- صور لحقيقة واحدة : اتخاذ التعليم وسيلة للكسب .
- الصورة الثانية : دائم الشكوى من التعليم .
- الصورة الثالثة : تبلد الإحساس في واقع الطلاب .
- الصورة الرابعة : التدريس عن كراهية .
- المدرس الذي نريد .
- التعليم يعطي امتداداً لعمل الإنسان بعد موته .
- المدرس صاحب اللبنة الأولى .
- المدرس يمتد أثره خارج أسوار المدرسة .
- صلاة الله وملائكته .
- له مثل أجر من تبعه .
- النضارة .
- من تلميذك البار .(2/396)
الفصل الثاني : هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعليم .
- لماذا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
1. إيجاد الدافع للتعلم .
2. جمعه بين التعليم والتربية .
3. عنايته بتعليم النهج العلمي ، ومن معالم تعليمه المنهج العلمي :
أ كان يعودهم على معرفة العلة ومناط الحكم .
ب كان يعودهم على منهج السؤال وأدبه .
ت كان في إجابته لا يقتصر على موضع السؤال بل يجيب بقاعدة عامة .
ث تربيته لأصحابه على منهج التلقي .
ج تربيتهم على منهج التعامل مع النصوص .
ح تعويدهم على الاستنباط .
خ تعويدهم على المناقشة والمراجعة .
4. تربيته لأصحابه على القيام بواجب التبليغ .
5. تشجيع الطالب والثناء عليه .
6. العناية بالمتعلم .
7. معرفته لقدرات تلاميذه وإدراكهم العقلي .
8. مراعاة الفروق الفردية .
9. التوجيه للتخصص المناسب .
10. الجمع بين التعليم الفردي والجماعي .
11. العناية بتعليم المرأة .
12. التشويق والتنويع في عرض المادة .
13. الربط بين المواقف التعليمية .
14. استعمال الوسائل التعليمية .
15. تأكيد ما يحتاج للتأكيد .
16. البعد عن مشتتات الفهم .
17. مراعاة نشاط الطلاب واستعدادهم .
18. مراجعة العلم والحفظ .
الفصل الثالث : من صفات المدرس :
المبحث الأول : صفات إيجابية :
1. الإخلاص لله وحده .
2. التقوى والعبادة .
3. حث الطالب على العلم وتحريضه عليه .
4. حسن المظهر .
5. حسن المنطق .
6. الانضباط واتزان الشخصية .
7. القدوة الصالحة .
8. الوفاء بالوعد .
9. الإسهام في إصلاح نظام التعليم .
10. حسن المعاملة للطالب ، ومن ذلك :
أ توقير الطالب وتقديره .
ب الثناء عليه حين يحسن .
ت العدل بين الطلاب .
ث الاعتدال في معالجة الأخطاء .
ج الاهتمام بالطالب .
ح التواضع .
خ العناية بالطالب الموهوب ، ونرسم لأنفسنا هدفين للتعامل معه :
أن نسلك به طريق الاستقامة والصلاح .(2/397)
إذا عجزنا عن ذلك فلا أقل من أن نزرع لديه حب الخير وأهله .
المبحث الثاني : صفات سلبية :
1. الاستكبار عن قبول الحق .
2. حسد الطالب .
3. الفتيا بغير علم .
4. كثرة المزاح .
5. استخدام الطلبة في الأمور الشخصية .
6. الوقوع في مواطن التهم .
7. سرعة الانفعال ولغة التهديد .
8. السخرية من الطالب واحتقاره .
9. غيبة الطلاب .
10. إملال الطالب .
11. تعليم الطالب ما لا يدركه .
12. انتقاد المدرسين الآخرين أو موادهم .
الفصل الرابع : المدرس والتوجيه :
1.المنهج الدراسي الأول ، مع مراعاة ما يلي :
أ الاستيعاب الجيد للمادة العلمية .
ب الاجتهاد في حسن عرضها وإيصالها للطالب .
ت أداء ما يترتب على ذلك من الواجبات النظامية .
2. لا تحتقر الكلمة .
3. المدرس والبذرة الخفية .
4. التلقي فرع عن المحبة .
5. اقتصد في الموعظة .
6. حدث الناس بما يعرفون .
7. تنويع أساليب الخطاب والموعظة .
8. التربية من خلال الأحداث .
9. هل جربت النصيحة الخاصة .
الفصل الخامس : معوقات التوجيه ، ومن أهمها :
- معوقات من داخل المدرسة :
1.الفهم الخاطئ لقوة الشخصية ، وسبب ذلك في انعكاسات سلبية على المدرس ومنها :
أ هاجس خوف الفشل وضياع الشخصية .
ب انعكاس هذا الهاجس لدى المدرس على سلوكه داخل الفصل .
2. الفهم القاصر لدور المدرس .
3. الحواجز المصطنعة .
4. النظرة المتشائمة .
5. التركيز على النقد .
6. كثرة التكاليف .
- معوقات من خارج المدرسة :
1. التربية الأسرية الخاطئة ، ونصورها في ما يلي :
أ الأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية .
ب لا يقف دور الأسرة عند مجرد توجيهات تعارض ما يطرحه المدرس ، بل هي تنشئ التلميذ وفق معايير تتحول إلى جزء من تفكيره .
ت نظرة التلميذ لأستاذه ابتداءً تتحكم بها الأسرة .
ث قد تسهم الأسرة في نقض كلام المدرس وتقويمه .
ج قد يسهم الجو العام للمنزل في التأثير اللاشعوري .(2/398)
2. وسائل الإعلام ، وتمتاز بما يلي :
أ مخاطبتها لأكثر من حاسة لدى التلميذ .
ب يتعامل التلميذ مع هذه الوسائل بنفسية تختلف كلياً عن تلك التي يتعامل فيها مع توجيه أستاذه .
ت تطرح هذه الوسائل على التلميذ طرحاً يلبي داعي شهوته .
ث تمثل الاختبارات وأعمال السنة والواجبات المدرسية ومطالبة الأستاذ بالانضباط داخل الفصل عاملاً مهماً يقلل من دور الأستاذ التوجيهي – في نظر الطالب - .
ج تراكم عدد كبير من الوسائل الإعلامية بطرق مشوقة على موقف أو سلوك معين يكسر الحواجز النفسية بين الجمهور وبين ذلك الموقف أو السلوك .
ح وترقى خطورة وسائل الإعلام لتقاوم أيضاً دور الأسرة .
3. الصحبة السيئة ، ومما يزيد من أهمية دور الرفقة :
أ كونها اختيارية في الغالب .
ب الرفقة تغذي حاجة اجتماعية لدى الشاب .
ت وجود التشابه والتلاقي بينه وبين رفقته وخاصة في الطبائع والأحاسيس والمشكلات
ث طول الوقت الذي يقضيه التلميذ مع رفقته .
- مقترحات لتجاوز هذه المعوقات :
1. تربية الإيمان والتقوى .
2. تنمية الاستقلالية في التفكير والرأي .
3. التجديد في الوسائل ولغة الخطاب .
4. الواقعية في الأهداف والطموحات .
5. رصيد الفطرة .
6. العاطفة الصادقة .
7. القلوب بيد الله وحده .
8. استثمار الأنشطة الطلابية ، ومن ذلك ما يلي :
أ لقاء الأستاذ بطلابه خارج الإطار الرسمي .
ب أن هذه الأنشطة غالباً ما تحوي الفئات الجادة من الطلاب .
ت تسهم هذه البرامج في تشكيل صداقات للطلاب .
ث تحوي هذه الأنشطة خيرة العناصر من الطلاب .
ج غالباً ما تتضمن هذه الأنشطة التربوية برامج لها آثارها الإيجابية على الطالب .
ح توفر هذه الأنشطة البدائل المنضبطة لكثير من الأنشطة التي ربما مارسها الطالب في أجواء شاذة .
الفصل السادس : المدرس والتوجيه الذي نريد :
- ومن أساليب التوجيه ونظرات المدرسين تجاهه ما يلي :
1) تلك الرؤية التي ترى أن الحق واضحاً أبلج .(2/399)
2) الرؤية التي ترى أن مجرد التوجيه العام لا يكفي .
3) تلك الرؤية المتشائمة التي ترى أن لا مجال ولا مناص من هذا الواقع الذي يعيشه الطلاب .
- مقترحات للأخوة المدرسين :
1) تحديد الأهداف ، ويعني ذلك :
أن جهده أنضج ثمرة .
أن هذا يتطلب منه تفكيراً هادئاً .
أن هذا التوجيه ينطلق من اعتبار عوامل عده منها :
1. المرحلة الدراسية والعمرية للطلاب .
2. التركيبة الاجتماعية للطلاب .
3. طبيعة المادة التي يدرسها المدرس .
حين يسلك هذا المنهج فإنه يسعى للوصول إلى هدفه من طرق عدة وأبواب شتى .
2) العناية ببناء المفاهيم والتصورات ، فهي مهمة لما يلي :
أن الغزو المكثف الذي واجهته الأمة ولد نتاجاً هائلاً من الأفكار والمفاهيم الشاذة .
أن المفاهيم الشاذة ليست نبتة مجتثة في العراء كالخطأ ، بل هي نواة تنمو وتورق ما يليق بها .
قد تكون الدعوة للسلوكيات المحددة فعلاً وتركاً صعبة النتاج بطيئة الأثر .
أن المفاهيم الصائبة حين تغرس باقتناع لدى الناشئة يصعب اقتلاعها بإذن الله
ومن المفاهيم التي يعنى به المدرس ببنائها وتوسيعها لدى الطالب :
1. شمولية الشريعة الإسلامية وأنها جاءت لتحكيم سائر حياة البشر .
2. التثبت والتبين من الأخبار والشائعات .
3. الولاء للإسلام وقضيته مهما كان تدين المرء .
المرجع : المدرس ومهارات التوجيه – محمد بن عبد الله الدويش – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
المذاهب (الفقهية)
لغة: ذهب مذهب فلان: قصد قصده وطريقته ، وذهب فى الدين مذهبا: أى رأى فيه رأيا (1).
واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك المعنى اللغوى.(2/400)
وحكم الاجتهاد فى الإسلام مشروع ، فقد اجتهد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل ما لم يجدوا فيه نصا، وكذلك اجتهد التابعون ومن بعدهم فى الحوادث التى عرضت لهم مما لم يجدوا فيه نصا من الكتاب أو السنة فنشأ عن هذا الاجتهاد اختلاف فى الرأى، ثم زاد هذا الاختلاف بعد الفتنة التى أدت إلى مقتل سيدنا عثمان ثم الإمام على رضى الله عنهما، فكان أن انقسم المسلمون إلى طوائف ثلاثة: شيعة، وخوارج وأهل السنة.
وكان السبب الرئيسى لاختلافهم هو الخلافة والأحق بها، وما صاحبها من التحكيم فى النزاع بين الإمام على ومعاوية فكان لكل طائفة رأى يخالف رأى غيرها، وحاولت كل فرقة أن تعمل لنصرة مبادئها، فتولد عن ذلك اختلاف آخر فى بعض الأحكام العملية ، مما أدى إلى وجود فقه للخوارج وآخر للشيعة، وثالث لأهل السنة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى وجود اختلاف بين كل طائفة ، فتعددت المذاهب الفقهية.
والمذاهب الفقهية كثيرة ومتعددة منها ما اشتهر وكتب له البقاء، ومنها ما لم تدون فيه مراجع خاصة به كمذهب الإمام الليث بن سعد ، والإمام ابن جرير الطبرى، والإمام الأوزاعى وغيرهم ، أما المذاهب المشهورة والتى لها ذيوع وانتشار فهى ثمانية مذاهب وهى: المذهب الإمامى والمذهب الزيدى وهما لطائفة الشيعة، والمذهب الإباضى وهو لطائفة الخوارج ، والمذهب الظاهرى، ومذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهى لأهل السنة والجماعة. (3).
والمذهب الشيعى الإمامى وهو لبعض الشيعة، وهم الذين يعتقدون أن الرسول أوصى بالخلافة لعلى بالذات ثم من بعده لولده ، وأن الأئمة معصمون من الخطأ... الخ ، فهم يختلفون مع أهل السنة فى كثير من الفروع والأحكام ، فضلا عن إنكارهم القياس وينتشر هذا المذهب فى إيران والعراق ، والهند(4).(2/401)
والمذهب الشيعى الزيدى: فهو لطائفة ينتسبون إلى زيد بن على زين العابدين بن الحسين ، ومن مبادئهم أن الإمامة لا تكون بالنص عليها -كما يقول الإمامية- وإنما تكون لكل فاطمى عالم زاهد شجاع فى الحق. والزيدية أعدل فرق الشيعة فى تعاليمها ، ومع ذلك فقد خالفوا فقه أهل السنة فى كثيرمن الفروع والأحكام ،ولهم كتب كثيرة منها المجموع المنسوب للإمام زيد ، وشرحه الروض النضير، وأتباع هذا المذهب موجودون الآن فى بلاد اليمن ، وقد تشعب هذا المذهب إلى شعب منها: القاسمية والناصرية والهادويه (5).
والمذهب الإباضى: وهو مذهب طائفة معتدلة فى الخوارج وهو منسوب إلى عبد الله بن إباضى الذى توفى سنة 80هـ ، وهم يرون أن الخلافة تكون بالاختيار الحر من المسلمين ،وهذا المذهب يتفق فى كثيرمن الفروع مع أهل السنة، وإن خالفوهم فى بعض الأحكام ، ومن أهم كتب هذا المذهب كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف بن أطفيش ، وينتشرهذا المذهب فى بعض بلاد المغرب العربى، وكذلك سلطنة عمان (6).
والمذهب الظاهرى: ومؤسسه أبو سليمان داود بن على الأصفهانى، وهذا المذهب يعتمد على ظواهر النصوص من القرآن والسنة، ويترك كل أنواع الرأى والقياس ، ومن علماء هذا المذهب أبو على محمد بن حزم ، والذى له كتاب "المحلى" فى الفقه ، وكتاب "الإحكام فى أصول الأحكام" فى أصول الفقه.(7)
المذهب الحنفى: هو من مذاهب أهل السنة أسسه الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150هـ ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع ، وقول الصحابى فيما ليس للاجتهاد فيه مجال ثم القياس والاستحسان ، وهذا المذهب له كتب كثيرة مشهورة ومعروفة، وينتشر هذا المذهب فى العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان وتركيا ومصر(8).(2/402)
المذهب المالكى: ومؤسسه إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحى المتوفى سنة 179هـ ، ويعتمد هذا المذهب أيضا على الكتاب والسنة والإجماع ، والقياس ، وعمل أهل المدينة، والعمل بالمصالح المرسلة. وهذا المذهب أيضا له كتب كثيرة ومشهورة، وينتشر فى صعيد مصر والسودان والكويت وقطر والبحرين وبلاد المغرب العربى كلها(9).
المذهب الشافعى: وهو من مذاهب أهل السنة أيضا، أسسه الإمام محمد بن إدريس الشافعى المتوفى سنة 204هـ ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع ، فقول الصحابى ثم القياس ، وللإمام الشافعى كتاب فى الفقه وهو "الأم" وكتاب آخر فى الأصول وهو "الرسالة" ويعد به الشافعى أول من دون فى علم الأصول وكتب المذهب كثيرة، وينتشر بالوجه البحرى بمصر وفلسطين وحضرموت وأندونيسيا(10).
المذهب الحنبلى: وهو من مذاهب أهل السنة، أسسه الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى المتوفى سنة 241هـ ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة المتفق منها والمختلف ، فالحديث المرسل ،فالقياس ، ولهذا المذهب كتب كثيرة مشهورة وينتشر هذا المذهب فى السعودية.
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
المرض وما عليه من الأجر وبعض أحكام المريض
مقدمة:
- قد يبتلى الله البعض بالشدائد والكروب.
- كم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه.
- وكم من محروم من نعمة حرمانه شفاؤه.
وقفات مطعمة بنور الوحي، ومعطرة بعبير الرسالة.
الوقفة الأولى: الدنيا متاع زائل.
- الدنيا التي اغتر بها كثير من الناس فجعلها منتهى أمله، و أكبر همه.. وصفها ربها بقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185 .(2/403)
- بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حاله مع الدنيا بقوله: { ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها } [رواه الترمذي].
- وقال - صلى الله عليه وسلم - : { لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء } [رواه الترمذي].
- هي مع ذلك لا يدوم لها حال، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً وإن سرت يوماً أبكت أياماً ودهوراً.
- لا يسلم العبد فيها من سقم يكدر صفو حياته، أو مرض يوهن قوته.
- لذلك كانت وصية من عرف قدرها، قال - صلى الله عليه وسلم - : { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل } [رواه البخاري].
- من عرف حقيقة الدنيا زهد فيها.. ومن زهد فيها هانت عليه أكدارها ومصائبها.
الوقفة الثانية: البلاء عنوان المحبة.
- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : { إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما إبتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط } [رواه الترمذي].
- فالبلاء والأسقام إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه ورزقه صبراً عليها كانت علامة خير ومحبه.
- من تأمل سير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة السلام - وهم من أحب الخلق إلى الله - وجد البلاء طريقهم، والشدة والمرض ديدنهم.
- دخل عبدالله بن مسعود على الرسول وهو يوعك، فقال: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: { أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم } [متفق عليه].
- سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الرسول الله عليه الصلاة والسلام : أي الناس أشد بلاء؟ قال : { أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً إشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة } [رواه الترمذي].(2/404)
- تأمل السلف فعدوا البلاء نعمة، والمرض والشدة بشارة، ولهذا لما مر وهب بمبتلى، أعمى مجذوم، مقعد عريان، به وضح، كان يقول: الحمد لله على نعمه، فقال رجل كان مع وهب: أي شيء بقي عليك من النعمة تحمد الله عليها؟، فقال له المبتلى: إرم ببصرك إلى أهل المدينة، فانظر إلى أكثر أهلها، أفلا أحمد الله أنه ليس فيها أحد يعرفه غيري.
الوقفة الثالثة: البلاء طريق الجنة.
- إن الأمراض والأسقام من جملة ما يبتلي الله به عباده، امتحاناً لصبرهم، وتمحيصاً لإيمانهم.. بل هي - لمن وفق لحسن التأمل والتدبر - نعمة عظيمة توجب الشكر.
- قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-156].
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقارض } [رواه الترمذي].
الوقفة الرابعة: الأجر الجاري.
- علاوة على ما يكتب للمرضى من الأجر جزاء ما أصابهم من شدة ومرض وصبرهم عليه.
- يعطيهم الله ثواب ما إعتادوا فعله من الطاعات إذا قصروا عنها بسبب المرض.
- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : { إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما } [رواه البخاري].
الوقفة الخامسة: لا بد للعسر من يسر.
- هذه سنة الله تعالى في خلقه.. ما جعل عسراً إلا جعل بعده يسراً
- قال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء.(2/405)
- قال تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6،5].
الوقفة السادسة: غنيمة المرض.
- المريض يحصل له في حال مرضه من أوقات الفراغ ما لا يحصل له فيما سواه.
- احرص - رعاك الله - على استغلال أوقاتك في ما يقربك من الله، من قراءة للقرآن وحفظه. وطلب للعلم واستزادة من النوافل، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ودعوة إلى الله... واعلم - شفاك الله وعافاك - أن المسلم مأمور باتباع أوامر الله تعالى في سرائه وضرائه، وفي حال صحته وبلائه.
الوقفة السابعة: النعم المغبونة.
- لا يقدر نعم الله تعالى إلا من فقدها.
- إذا أنهك المرض جسدك، وأذهب السقم فرحك، أدركت قول الرسول الله عليه الصلاة والسلام : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ } [رواه البخاري].
- الصحة من أجل النعم التي أنعم الله بها علينا، لا يقدرها إلا المرضى.
- وهكذا.. فكم من النعم قد غفلنا عنها، وكم من النعم قد قصرنا بواجب شكرها.
- أجل تلك النعم وأعظمها.. نعمة الإيمان والهداية.
- حين تلوح لك بوادر الشفاء، وتسعد ببدء زوال البلاء، اقدر لهذه النعم قدرها، واعرف فضل وكرم منعمها، وتدبر حالك عند فقدها أو نقصها، فأعلن بذلك توبة نصوحا من تقصيرك في شكر كل نعمة، وتفريطك في استعمالها فيما يرضي ذا الفضل والمنة.
- اجعل توبتك الآن.. نعم، الآن.. عل هذه التوبة أن تكون سبباٍ في رفع ما أنت فيه من كربة، ودفع ما تعانيه من شدة.. قال علي رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة".
- وإن لم يكتب لك من مرضك شفاء، فنعم العمر يختم بتوبة صادقة.
الوقفة الثامنة: لكل داء دواء.
- من رحمة الله تعالى أن المرض مهما بلغ من الشدة والعناء، وشاء الله للعبد الشفاء، يسر له دواء ناجحاً، وعلاجاً نافعاً.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء } [متفق عليه].(2/406)
- لكن الشفاء - بعد توفيق الله - لا بد له من أمور:
- حسن التوكل على الله والالتجاء إليه وحسن الظن به.. فهذا خليل الرحمن يصدع في يقين الواثق: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].
- لا شافي إلا الله، ولا رافع للبلوى إلا هو سبحانه.
- الراقي والرقية والطبيب والدواء أسباب قد يسر الله تعالى بها الشفاء.
- فاجعل توكلك على الله وتعلقك به لتظفر بالصحة والعافية في الدنيا، والسلامة والفوز في الآخرة.
- مما ورد من الأدعية والأذكار:
- جاء عن عائشة رضي الله عنها: { أن رسول الله كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح قال النبي بأصبعه هكذا - ووضع سفيان بن عيينة - أحد الرواة - سبابته بالأرض ثم رفعها - وقال: "بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذن ربنا"} [متفق عليه].
- وعن عائشة أيضاً رضي الله عنها: { أن النبي كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف، أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً " } [متفق عليه].
- عن عثمان بن العاص رضي الله عنه: { أنه شكا إلى رسول الله وجعا يجده في جسده، فقال : "ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"} [رواه مسلم].
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: { من عاد مريضاً لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات: أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض } [رواه أبو داود والترمذي].
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،{ أن جبريل أتى النبي فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم، قال: "بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك" } [رواه مسلم].(2/407)
- عن ابن عباس رضي الله عنه، { أن النبي كان يدعو عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم" } [متفق عليه].
- لكن هده الأدعية والرقى تريد قلباً خاشعاً، وذلاً صادقاً، ويقيناً خالصاً، لا ترديداً على سبيل التجربة والاختبار.
- الدعاء.
- ارفع يديك وأسل دمع عينيك، وأظهر فقرك وعجزك، واعترف بذلك وضعفك، تفز برضى ربك وتفريج كربك.
- الاستعانة بالصلاة.
- قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة:45].
- { وكان رسول الله إذا حزبه أمر صلى } [رواه أحمد].
- الإكثار من الصدقة.
- عن أبي أمامة رضي الله عنه، { أن النبي قال: "داووا مرضاكم بالصدقة" } [صحيع الجامع].
- التداوي بما ورد أنه شفاء.
- كالعسل والحبة السوداء وماء زمزم والحجامة.
- التداوي بما أحله الله من الأدوية المباحة.
الوقفة التاسعة: احذر مزالق الشيطان.
فهو لا يفتأ يتربص بالمسلم في حال قوته وضعفه.. فاحذر - رعاك الله - من مزالقه.. ومنها:
- إساءة الظن بالله أو التسخط والجزع.. قال الرسول الله عليه الصلاة والسلام : { إن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله } [رواه أحمد وبن حبان]، يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به.
- إشاعة المرض، أو استطالة زمنه.. فاحرص على كتم آلامك وأحزانك، واحذر من إشاعة مرضك، والتحدث به على سبيل الشكوى والاعتراض.. لا على سبيل الإعلام والإخبار.
- إضاعة الأوقات فيما لا ينفع، أو فيما يسخط الله من إستماع أو نظر أو فعل محرم.
- التهاون في ستر العورات.
- التداوي بالمحرمات.. قال الرسول الله عليه الصلاة والسلام: { إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام } [رواه أبو داود].(2/408)
- من أشد هذه المحرمات.. إتيان السحرة والكهنة، قال الرسول الله عليه الصلاة والسلام : { من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بها أنزل على محمد } [رواه أحمد والحاكم]. وهو طريق الخزي والمحق في الدنيا، والخسارة والذلة في الآخرة.. ولئن يصبر العبد على مرارة المرض وشدته خير له من أن يسلك طريقاً يفضي به إلى النار.
الوقفة العاشرة: من أحكام المرضى
- الطهارة.
- يجب على المريض أن يتطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر، فإن لم يستطع ذلك لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه تيمم، وذلك بأن يضرب بيده على تراب طاهر له غبار ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه.
- العاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].
- إن كان مرضه يسير لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً، ولا مرضاً مخوفاً، ولا إبطاء برء، ولا زيادة ألم، ولا شيئاً فاحشاً، كصداع وألم ضرس، ونحوهما، أو كان بإمكانه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه فلا يجوز له التيمم.
- إن كان لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم. فإن كان لا يستطيع التيمم يممه غيره.
- إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا تراباً ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حسب حاله.
- إن تلوث بدنه أو ملابسه أو فراشه بالنجاسة ولم يستطع إزالتها أو التطهر منها، جاز له الصلاة على حالته التي هو عليها ولا إعادة عليه.
- لا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بأي حال من الأحوال بسبب عجزه عن الطاهرة أو إزالة النجاسة أو عدم توفر الماء أو التراب.
- من به جروح أو حروق أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، وتيمم للباقي.(2/409)
- المريض المصاب بسلس البول أو استمرار خروج الدم أو الريح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن تيسر، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته. وما خرج في الوقت من البول فلا يضره بعد وضوءه إذا دخل الوقت.
- وله أن يفعل في الوقت ما تيسر من صلاة وقراءة في مصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت وجب عليه أن يعيد الوضوء، أو تيمم إن كان لا يستطيع الوضوء.
- إن كان عليه جبيرة يحتاج إلى بقائها مسح عليها في الوضوء والغسل، وغسل بقية العضو، وإن كان المسح على الجبيرة أو غسل ما يليها من العضو يضره كفاه التيمم عن محلها وعن المحل الذي يضره غسله.
- يبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوماً.. والله أعلم.
- الصلاة.
- أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام له أن يصلي جالساً، فإن عجز عن الصلاة جالساً صلى على جنبه مستقبلاً القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً.
- من قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود.
- إن كان بعينه مرض، فقال ثقات من الأطباء: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقياً.
- من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود.
- إن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع، فمتى أراد الركوع زاد في إنحنائه قليلاً، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر من الركع ما أمكنه ذلك.
- من لم يقدر على الإيماء برأسه كفاه النية والقول.(2/410)
- متى قدر المريض قي أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه، من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء، انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
- إذا نام عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها متى اسيقظ أو ذكر.
- لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يحرص عليها أيام مرضه أكثر من أيام صحته، فلا يجور له ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها ولو كان مريضاً ما دام عقله ثابتاً، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته، فإذا تركها عامداً وهو عاقل مكلف يقوى على أدائها أو أماء بها فهو آثم. وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك.. وهو الصحيح.
- إن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو جمع تأخير، حسبما تيسر له.. والله أعلم.
- الصيام.
- للمريض مع الصوم ثلاث حالات.
• أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره فيجب عليه الصوم.
• أن يشق عليه الصوم فيكره له أن يصوم.
• أن يضره الصوم فيحرم عليه أن يصوم.
- إذا كان لا يمكنه القضاء لكون مرضه مما لا يرجى برؤه أطعم عن كل يوم مسكينا. أما إن كان يمكنه القضاء فيصوم بعدد الأيام التي أفطرها بسبب المرض.
- يفسد صومه إذا صام بكل ما في معنى الأكل والشرب كحقن الإبر المغذية، وحقن الدم... أما الإبر التي لا تغذي فلا تفطر سواء استعملها في العضلات أم الوريد، وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجده.
- يفسد صومه- على الراجح- بالحجامة ونحوها، فأما خروج الدم بنفسه كالرعاف أو خروجه بقلع سن ونحوه فلا يفطر.
- القيء إن قصده أفطر، وإن قاء من غير قصده لم يفطر.
- يجوز للصائم قلع ضرسه أو مداواة جرحه، والتقطير في عينه أو أذنيه، أو أن يبخ في فمه ما يخفف عنه ضيق التنفس، ولا يفطر بذلك.. والله أعلم.
خاتمة:
أخي المريض..
شفى الله سقمك، وعظم أجرك، وكفر ذنبك، ورزقك العافية في دينك وبدنك.
المرجع: أبشر أيها المريض-محمد الركبان-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ(2/411)
المريض كيف يتطهر ؟
1) يجب على المريض أن يتطهر بالماء فيتوضأ من الحدث الأصغر ويغتسل من الحدث الأكبر .
2) فان كان لا يستطيع الطهارة بالماء لعجزه أو خوف زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم .
3) كيفية التيمم: أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة يمسح بهما جميع وجهه ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض .
4) إن لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه أو ييممه شخص آخر .
5) إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه مسحا فيبل يده بالماء و يمررها عليه ، فان كان المسح يؤثر عليه فانه يتيمم عنه .
6) إذا كان في بعض أعضاءه كسر مشدود عليه خرقة أو جبس فإنه يمسح عليه بالماء بدلا عن غسله ولا يحتاج للتيمم لأن المسح بدل عن الغسل .
7) يجوز أن يتيمم على الجدار أو على شيء آخر طاهر له غبار فإن كان الجدار ممسوحا بشيء من غير جنس الأرض كالبوية ( الأصباغ ) فلا يتيمم عليه إلا أن يكون له غبار .
8) إذا لم يمكن التيمم على الأرض أو الجدار أو شيء آخر طاهر له غبار فلا بأس أن يوضع تراب في إناء أو منديل ويتيمم منه .
9) إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية لأنه لم يزل على طهارته ولم يوجد ما يبطلها .
10) يجب على المريض أن يطهر بدنه من النجاسات فإن كان لا يستطيع صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه .
11) يجب على المريض أن يصلي بثياب طاهرة , فإن تنجس مكانه وجب غسلها أو إبدالها بثياب طاهرة ، فان لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
12) لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة بل يتطهر بقدر ما يمكنه ثم يصلي ا لصلاة في وقتها ولو كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة يعجز عنها
ـــــــــــــــــ
المريض كيف يصلي ؟(2/412)
1) يجب على المريض أن يصلي الفريضة قائما ولو منحنيا أو معتمدا على جدار أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليه .
2) فان كان لا يستطيع القيام صلى جالسا والأفضل أن يكون متربعا في موضع القيام والركوع .
3) فان كان لا يستطيع الصلاة جالسا صلى على جنبه متوجها إلى القبلة , والجنب الأيمن أفضل ، فان لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه .
4) إن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقيا رجلاه إلى القبلة والأفضل أن يرفع رأسه قليلا ليتجه إلى القبلة ، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانت ولا إعادة عليه.
5) يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته ، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه ويجعل السجود أخفض من الركوع ، فإن استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع وأومأ بالسجود ، وان استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود وأومأ بالركوع .
6) إن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أشار بعينيه فيغمض قليلا للركوع ويغمض تغميضا أكثر للسجود ، وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح ولا أعلم له أصلا من الكتاب والسنة ولا من أقوال أهل العلم.
7) فان كان لا يستطيع الإيماء بالرأس ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه فيكبر ويقرأ وينوى الركوع والسجود والقيام والقعود بقلبه ولكل امرئ ما نوى .
8) يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر والعشاء إلى المغرب , وإما جمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له ، أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها.(2/413)
9) إذا كان المريض مسافرا يعالج في غير بلده فانه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر والعصر والعشاء على ركعتين ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواء طالت مدة سفره أم قصرت .
المرجع: كيف يصلي المريض-محمد صالح العثيمين.
ـــــــــــــــــ
المزاح
مقدمة:
- الإنسان اجتماعي بطبعه.
- توسع كثير من الناس في المزاح مع بعضهم البعض دون ضابط.
- أدى هذا الأمر إلى بعض المهالك، وقد يورث العداوة والبغضاء.
- اعتبر بعض الفقهاء المزاح من المروءة وحسن الصحبة.
- قال ابن تيمية: (من استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة).
تعريف المزاح:
الملاطفة والمؤانسة، وتطييب الخواطر، وإدخال السرور.
صور من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المزاح.
- عن أنس أن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله احملني. فقال النبي : { إنا حاملوك على ولد الناقة } قال وما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي: { وهل تلد الإبل إلا النوق }رواه أبو داوود.
- وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: { يا ذا الأذنين } يمازحه [رواه الترمذي].
للمزاح ضوابط منها:
- ألا يكون فيه شيء من الإستهزاء بالدين.
- لأن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ{65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ{66} [التوبة:66،65].
- كذلك من نواقض الإسلام الاستهزاء ببعض السنن.
- مما انتشر الاستهزاء باللحية أو الحجاب، أو بتقصير الثوب أو غيرها.
- ألا يكون المزاح إلا صدقاً.
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له } [رواه أبو داود].(2/414)
- قال - صلى الله عليه وسلم - محذراً من هذا المسلك الخطير الذي اعتاده بعض المهرجين: { إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا } [رواه أحمد].
- عدم الترويع.
- خاصة ممن لديهم نشاط وقوة.
- أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد.
- أو يستغلون الظلام وضعف بعض الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف.
- عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول: { لا يحل لمسلم أن يروع مسلما } [رواه أبو داود].
- عدم الاستهزاء والغمز و اللمز.
- الناس مراتب في مداركهم وعقولهم وتتفاوت شخصياتهم.
- بعض ضعاف النفوس - أهل الاستهزاء والغمز واللمز - قد يجدون شخصاً يكون لهم سلماً للإضحاك والتندر والعياذ بالله وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }الحجرات11.
- البعض يستهزئ بالخلقة أو بالمشية أو المركب. ويخشى على المستهزئ أن يجازيه الله عز وجل بسبب استهزائه قال صلى الله عليه وسلم: { لا تظهر الشماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك } [رواه الترمذي].
- أن لا يكون المزاح كثيراً.
- البعض يغلب عليهم هذا الأمر ويصبح ديدناً لهم.
- هذا عكس الجد الذي هو من سمات المؤمنين.
- لأنه يورث الضحك وقسوة القلب.
- ويشغل عن ذكر الله تعالى.
- معرفة مقدار الناس.
- البعض يمزح مع الكل بدون اعتبار وهذا خطأ.
- للعالم حقه، وللكبير تقديره، وللشيخ توقيره، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل.(2/415)
- لا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يعرف.
- أن يكون المزاح بمقدار الملح للطعام.
- قال - صلى الله عليه وسلم - : { لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب } [صحيح الجامع:7312].
- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به ).
- ألا يكون فيه غيبة.
- هذا مرض خبيث.
- البعض يغتاب ويقول أنه مازح.
- هذا داخل في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة قال{ ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته} [رواه مسلم].
- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح.
- كأن تكون في رحلة أو سمر أو عند ملاقاة صديق أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو داخل الأسرة.
خاتمة:
- قال رجل لسفيان بن عيينة رحمه الله: المزاح هجنة - أي مستنكر - فأجابه قائلا: ( بل هو سنة، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه ).
- قال بلال بن سعد يصف بعض من عاشرهم من الصالحين: ( أدركتهم يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهباناً ).
- وسئل ابن عمر رضي الله عنهما: ( هل كان أصحاب رسول الله يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال ).
المرجع: نحن والمزاح-عبدالملك القاسم-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
المسارعة في الخيرات
أولاً : معنى المسارعة إلى الخيرات : المبادرة إلى الطاعات والسبق إليها .
ثانياً : الآيات الواردة في المسارعة إلى الخيرات .
ثالثاً : الأحاديث والآثار الواردة في المسارعة إلى الخيرات .
رابعاً : فوائد المسارعة إلى الخيرات :
- الدخول إلى الجنة .
- الدرجات العالية من الجنة .
- الصفاء الدنيوي والأخروي .
خامساً : مظاهر المسارعة إلى الخيرات .
- الاطمئنان القلبي .
- علو الهمة .
- إذا فتر سرعان ما يعود .(2/416)
- إذا عصى سرعان ما يتوب .
- الاهتمام بالقلب .
- المراقبة .
- فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات وبعض المباحات .
- يعمل ويخشى عدم القبول .
- لا تشغلهم الدنيا من الآخرة .
سادساً : أسباب المسارعة إلى الخيرات :
- الاجتهاد
- الهمة العالية .
- اغتنام الوقت .
- معرفة قدر الدنيا بالنسبة للآخرة .
- المجاهدة .
- الفرار إلى الله .
- صحبة الأخيار .
- عدم التوسع في المباحات .
- الحزم وأخذ الكتاب بقوة .
- قراءة سير السلف .
- الإكثار من العبادة وقت الفراغ .
سابعاً : المعوقات المسارعة إلى الخيرات .
- الغفلة .
- حب الراحة والكسل .
- عدم الجدية .
- الانشغال بالدنيا .
المسارعة في الخيرات – د. عبد الرحمن العايد – دار الوطن للنشر
ـــــــــــــــــ
المسجد(الجامع)
المسجد مبنى أسس خصيصا لتقام فيه الصلاة، وورد اللفظ بهذه الدلالة فى القرآن الكريم: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}التوبة:108 ، ويقال له أيضا الجامع ، واختص الأزهر بذلك فقيل: الجامع الأزهر.
وعمارة المسجد من أفضل القربات إلى الله ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة)(1). ولم تقتصر وظيفة المسجد فى أول الأمر على الصلاة بل كان المسجد أيضا مركز الحكم والإدارة والدعوة والتشاور، كما كان محل القضاء والإفتاء والعلم والإعلام ، وغير ذلك من أمور الدين والدولة، ومن ثم علت منزلة المسجد عند المسلمين. وظهرت هذه المهام فى المسجد النبوى الشريف فى المدينة المنورة الذى خطط بحيث يناسب تصميمه إقامة شعائر الصلاة بصفة خاصة ، ومن ثم صار تصميمه أساسا لتصميم المساجد الجامعة التى كانت تقام فيها صلاة الجمعة بالإضافة إلى الصلوات الخمس ولا سيما فى القرون الأربعة الأولى بعد الهجرة، كما صار أهم الطرز المعمارية لبناء المساجد فى العصور والأقطار الإسلامية المختلفة.(2/417)
ويتألف هذا الطراز بصفة عامة من فناء أو صحن مكشوف ذى تخطيط مربع أو مستطيل تحيط به فى جوانبه الأربعة ظلات اصطلح على تسميتها أحيانا بالأروقة، وأكبرها رواق القبلة، وتقوم الأروقة على أعمدة أو دعائم قد تعلوها عقود، ومن أشهر المساجد التى بنيت حسب هذا الطراز: جامع القيروان ، والمسجد الجامع بقرطبة، ومسجد القرويين بفاس والمسجد الجامع بسامراء، ومسجد ابن طولون بالقاهرة.
ثم ظهر طراز ثان لبناء المساجد ربما تطور عن تصميم المدرسة، وهو يشتمل على صحن أوفناء مربع قد يكون مكشوفا أومسقوفا تحيط به أربعة إيوانات فى شكل متعامد أكبرها إيوان القبلة، وسقف الإيوان عادة على شكل قبوة ترتكز على جدران الإيوان.
ونشأ هدا الطرازفى إيران ، ومن المحتمل أنه تطور عن الطراز الأول الذى كانت المساجد المبكرة فى إيران تشيد على نمطه كما يتضح فى مسجد دمغان الذى يرجع إلى القرن الثانى بعد الهجرة (حوالى منتصف القرن الثامن الميلادى) وكذلك فى جامع نايين الذى شيد فى القرن الرابع الهجرى(10م) ثم تطور هذا الطراز فى إيران ، وذلك بتزويد رواق القبلة بقبة، وظهر ذلك فى جامع أصفهان.
ومن أمثلة المساجد ذات الإيوانات الأربعة فى مصر مسجد آل مالك الجوكندار بالقاهرة (719هـ/1319م)، ومسجد جانى بك الأشرفى بالمغربلين بالقاهرة (830هـ/1426م)، ومسجد القاضى يحيى زين العابدين بشارع الأزهر (848هـ/1444م)، ومسجد قجماس الإسحاقى بالدرب الأحمر بالقاهرة (885هـ/1480م).(2/418)
وفى العصر العثمانى ظهر طراز جديد لعمارة المساجد مشتق من تصميم أيا صوفيا باستانبول ، ومتأثر فى الوقت نفسه بطراز المساجد السلجوقية فى آسيا الصغرى، وفى هذا الطراز كان المسجد يسقف بقبة كبيرة تحف بها قباب صغيرة أو أنصاف قباب ،ويقام فى كل ركن من أركانه الأربعة مئذنة ممشوقة عالية مسننة القمة، ويتقدمه صحن فسيح مستطيل ربما تحف به أروقة ذات بلاطة واحدة. وانتشر هذا الطراز فى مختلف أنحاء الدولة العثمانية ، ومن نماذجه:
جامع بايزيد ، وجامع سليمان ، والسلطان أحمد فى إستانبول ، ومسجد الملكة صفية ومسجد أبى الذهب ، ومسجد محمد على بالقاهرة.
ويزود المسجد عادة بمئذنة أو أكثر، ومن أهم أثاثاته منبر على يمين المحراب الذى يعين اتجاه القبلة، ودكة المبلغ فى رواق القبلة، وميضأة فى وسط الصحن عادة، وقد يلحق بالمسجد ضريح أو منشآت أخرى، واشتملت بعض المساجد الجامعة التى كان يدرس بها على أروقة لإقامة الطلاب الغرباء مثل الجامع الأزهر.
أ.د/حسن الباشا
ـــــــــــــــــ
المصالح المرسلة
لغة: المصالح: جمع مصلحة، وهى المنفعة، والمصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى، فالمراد بها لغة: جلب المنفعة، ودفع المضرة، والمرسلة: أى المطلقة(1).
واصطلاحا: عبارة عن المصلحة التى قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ، ونفوسهم ، وعقولهم ، ونسلهم ،وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها(2).
فهذا التعريف صرح بأن المصلحة: هى جلب منفعة مقصودة للشارع الحكيم ،وإن كان لم يصرح بأن دفع الضرر من المصلحة أيضا، إلا أن تعريفه ينوه به ويلزم منه(3).
وقد عرفها الآمدى فقال: هى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء(4). ولذلك سميت مرسلة.
وتنقسم المصالح من حيث مقصودالشارع إلى ثلاث(5):
1- ضرورية: وهى التى ترجع إلى حفظ النفس ، والعقل ، والما ل ، والدين ، والعرض ،والنسب ،وإذا اختل منها أمر اختلت المعايش به ، وعمت الفوضى.(2/419)
2- حاجية: وهى الأمور التى تقتضيها سهولة الحياة، أوما أدى إلى حرج كبيرمن غير خوف على فوات ما سبق من المصالح الستة.
3- تحسينية: وهى الأمورالتى تجعل الحياة فى جمال ، ومرجعها إلى تهذيب الأخلاق وتحسين الصورة والمعاملات.
وتنقسم المصالح من حيت اعتبار الشارع لها أو عدمه - أيضا - إلى ثلاث:
1- المصالح المعتبرة شرعا: كما سبق فى المصالح الست الكلية.
2- المصالح الملغاة شرعا: كمصلحة آكل الربا فى زيادة ماله ، ومصلحة المريض أو من ضاقت معيشته فى الانتحار ونحوها.
3- المصالح المرسلة: وهى المقصودة فى هذا البحث ، وهى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا بإلغاء.
ومما ذكره الأصوليون كمثال للمصالح المرسلة: جمع القرآن فى مصحف واحد، والقول بقتل الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع ، وضمان الرهن ، واتخاذ السجون ،وغيرها من المسائل التى لا يوجد فيها نص و لا إجماع.
وهى محلها لا تصلح مثالا للمصلحة المرسلة ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يترك مصلحة إلا وقد نص عليها جنسا كالكليات الست ، أو على أنواعها أيضا ، ومصالح هذه المسائل المذكورة وغيرها مشروعة جنسا، وليس شىء منها مرسلا.
فجمع القرآن فى مصحف واحد لمصلحة حفظ الدين وهى مشروعة، وقتل الجماعة بالواحد لمصلحة حفظ النفس وهى مشروعة، وتضمين الصناع لمصلحة حفظ الأموال وهى مشروعة، وكذا ضمان الرهن ، والأمثلة الباقية كلها تندرج تحت المصالح المعتبرة شرعا ضرورة أو حاجة أو تحسينا كما سبق ،ولايتصور خروج شىء منها أصلا(6).
ولكن يمكن أن نمثل للمصلحة المرسلة، وهى التى لم يشهد الشرع لها بالاعتبار أو بالإلغاء بجواز الضرب فى التهمة، فقد جوز هذا جماعة من الفقهاء، وهى مصلحة مرسلة عن الدليل الجزئى من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس ، وكذا مرسلة عن الأصل الكلى، فنصوص الشريعة على إجمالها لا تجوز هتك حرمة المسلم ، بأن تمتهن كرامته ويضرب لمجرد اتهامه فى حادث من الحوادث.(2/420)
فالمقصود بالمصالح المرسلة هى التى أرسلت عن الدليل الجزئى من الأصول الشرعية المتفق عليها، ومن الدليل الكلى الذى يؤول بدوره إلى مفهوم النص والإجماع ، وعموما فقد اشترط الأصوليون شروطا للمصلحة حتى تقبل ويعمل بها، ومن هذه الشروط(7):
1- أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع بحيث لا تنافى أصلا من أصوله ولا تعارض نصا أو دليلا من أدلته القطعية.
2- أن تكون معقولة، فى ذاتها ، جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التى يتقبلها العاقل ، بحيث يكون ترتب الحكم عليها مقطوعا لا مظنونا، ولا متوهما.
3- أن تكون تلك المصلحة عامة للناس ،وليس اعتبارها لمصلحة فردية أو طائفية معينة ، لأن أحكام الشريعة للتطبيق على الناس جميعا.
ومن نافلة القول أن أذكر بأن هذه المسألة - المصالح المرسلة - من الأدلة الشرعية المختلف فيها، فقد قال بها جماعة من الأصوليين كالمالكية وغيرهم ، ومنعها جماعة آخرون كالشافمية ومن لف لفهم.
أ.د/على جمعة محمد
ـــــــــــــــــ
المصحف
لغة: أصحف الكتاب: جمعه صحفا(1).
واصطلاحا: عنوان على الطراز المخصوص المتمحض للقرآن الجامع لجميع أطرافه بين دفتيه.
وقد بدأت الكتابة للقرآن مبكرة فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وبأمر منه فكان له كتاب معروفون ،يأمرهم بكتابة كل ما ينزل عليه من القرآن فيكتبونه بين يديه ، قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى: "وروى أحمد وأصحاب السن الثلاثة وصححه ابن حبان والحكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يأتى عليه الزمان ينزل من السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشىء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول هذا فى السورة التى يذكر فيها كذا"(2).(2/421)
وكانوا يكتبون على ما اتفق لهم وما تيسر من الحجارة والعظم وجريد النخل وقطع الجلد وما إلى ذلك(3)وكذلك توفرت همم الصحابة رضى الله عنهم على كتابته لأنفسهم ، ومما يجدر التنبيه إليه أن حديث عثمان السابق كما يفيد أنه كان له - صلى الله عليه وسلم - كتاب يكتبون له ما يتنزل عليه من نجوم القرآن ،فكذلك يفيد أنه كان يأمرهم - عند وقوفه على الترتيب أن يرتبوا النجوم فى مواضعها من السور "بل ذاك صريح الدلالة من منطوقه. وهذا هو عين المقصود أيضا من التأليف فى الرقاع فى قول زيد بن ثابت. قال الزركشى رحمه الله (أسند البيهقى فى كتاب "المدخل" و "الدلائل" عن زيد بن ثابت قال: كنا حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نؤلف القرآن ، زاد فى "الدلائل" نؤلف القرآن فى الرقاع ، قال: وهذا يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة فى سورها وجمعها، وفيها بإشارة النبى - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه الحاكم فى المستدرك وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".(4).
وبطبيعة الحال لم يكن ممكنا - مع هذا الترتيب للآيات - ترتيب ما كان يكتب فيه عن الأشياء المتنوعة المختلفة حجما وكيفا بحيث يمكن وضعها بين دفتين كأوراق الكتاب الواحد، بل بقيت تلك الأشياء بحكم طبيعتها مفرقة غير مرتبة. وإلى جانب هذه الضرورة التى حالت وقتئذ دون كتابة القرآن فى مصحف واحد جامع لجميع أطرافه ، كانت ضرورة أخرى تمثلت فى أن القرآن قد استمر نزوله نجما فنجما منذ بعثته - صلى الله عليه وسلم - إلى قريب جدا من ؤفاته. فلم يكن يمكن - والحال هذه - قيام المصحف الجامع ، وضرورة ثالثة تمثلت فيما سبق التنبيه إليه من كتابة نجوم القرآن مرة متفرقة حسب نزولها، ومرة مرتبة عند الوقوف على الترتيب ، ورابعة تتمثل فى احتمال وقوع نسغ فيحتاج الأمر معه إلى محو المنسوغ ، ثم إلى إثبات الناسخ إن كان النسخ إلى بدل.(2/422)
أما الباعث على كتابة القرآن وقتئذ مع كون النبى - صلى الله عليه وسلم - بين ظهرانى القوم يحفضه ويدارسه إياه جبريل ، كما حفظه -ولو من حيث الجملة - العدد الكثير من أصحابه ، فهو بذل أقصى العناية فى المحافظة عليه والتوثق لسلامة نصه جملة وتفصيلا من أى تحريف.
لا ثم كان العهد البكرى ومافيه من حروب الردة فخشى عمر رضوان الله عليه أن تفنى تلك الحروب الكثير من قراء القرآن وحفاظه ، فيضيع شىء منه ، أو تذهب الثقة به بانخرام تواتره. ولاسيما مع عسر الرجوع فيه إلى ما كتب عليه من الأشتات المبعثرة التى لا يجمعها جامع فضلا على إمكان ضياع شىء منها، فجاء إلى الصديق وطلب إليه جمع القرآن مرة أخرى. لكن هذه المرة فى صحف من جنس واحد، متماثلة الحجم يمكن جمعها بسهولة برباط واحد، ولم يزل الصديق رضى الله عنه يستنكف مباشرة أمر فى ذلك لم يباشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر. فدعى زيد بن ثابت الشاب العاقل الثقة المتمرس بكتابة الوحى للنبى - صلى الله عليه وسلم - فأمر بجمع القرآن على النحو الذى أشار به عمر.
وبعد تردد شديد لعين السبب الذى تردد له الصديق شرح الله صدر زيد لما شرح له صدر الشيخين فنهض لهذه المهمة(5) يعاونه الشيخان والأكابر من الصحابة حتى قام بها على خير وجه. وهكذا تم الجمع البكرى لباعثه المذكور، ومن فوائده ما لخصه شيخنا غزلان فقال:
1- البحث عن القطع المختلفة التى كتب فيها القرآن من قبل وجمعها قبل ضياع شىء منها أو تأكل حروفها.
2- تجديد كتابتها فى صحف مجتمعة صالحة للاحتفاظ بها دائما.(2/423)
3- اتصال السند الكتابى بالأخذ عن الصحف التى كتبت بين يدى النبى - صلى الله عليه وسلم - كاتصال السند المتواتر فى الرواية والتلقى عن الشيوخ ، فتكون كتابة أبى بكر بمثابة الطبقة الثانية من الشيوخ ، وكتابة عثمان بمثابة الطبقة الثالثة. وهكذا مرات الإنتاج من المصاحف العثمانية، ولا يخفى ما فى ذلك من الاهتمام بشأن القرآن والعناية به.(6) ولقد ظلت الصحف التى فيها جمع القرآن عند أبى بكرحتى مات ، ثم عند عمر حتى مات ،ثم انتقلت إلى حفصة إحدى أمهات المؤمنين.(7).
ثم كان عهد عثمان وفيه من التساهل ما لم يكن فى عهد الشيخين من قبله ، وكانت رقعة الإسلام قد اتسعت بكثرة الفتوح ودخول كثير من أهل الأمصار المفتوحة فى الإسلام ،وتوزع تبعا لذلك الأصحاب على الأمصار ما بين مقيم وغاز، فكانوا يقرؤون القرآن ويقرؤونه للناس ، كل على حسب الحرف الذى سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربما تساهل البعض منهم فذكر أثناء قراءته تفسيرا لشىء مما يقرأ أو ذكر منسوخا أو دعاء لحصول الأمن من التباس غير القرآن بالقرآن ، كما كان الأمر فى مصاحفهم الخاصة التى كتبوها لأنفسهم ،والتى اشتملت فوق هذا على حذف بعض السور كالفاتحة والمعوذتين ثقة بكمال حفظها وأمنا من نسيانها كما قيل فى شأن مصحف ابن مسعود، أو إدماج سورة فى أخرى دون ذكر البسملة بينهما كسورتى الفيل وقريش حسبما قيل فى مصحف أُبَىٍّ على ما فى الإتقان وغيره.
فكان أهل الأمصار إذا اجتمعوا فى مناسبة من غزو أو حج أو عمرة واختلفوا فى قراءة القرآن تبعا لاختلاف مصادرهم فى القراءة من الصحابة ففضل البعض قراءة نفسه على قراءة غيره ، ويرى أن قراءته مصحوبة بشىء مما قلناه ، خير من الخالية من ذلك ، على حين يرى الآخر أن القراءة المتمحضة للقرآن المتجردة للمقروء منه عن كل ما سواه أفضل. وقد يصل هذا التفضيل إلى حد التضليل والتفسيق ، بل ربما التكفير.(2/424)
فلما اشتد الخلاف ، وخشيت الفتنة رأى عثمان رضى الله عنه أن يجمع الناس جميعا على قراءة واحدة هى ما تمحضت للقرآن وتجردت من غيره.
حدث أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازى أهل الشام فى فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أميرالمؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها فى المصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف ، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا.
حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أومصحف أن يحرق(8).
هكذا كان أول العهد بالمصحف الإمام الجامع الذى أجمع عليه الصحابة وصوبوا صنيع عثمان به غاية التصويب(9)، والذى كان الأصل لما نسخ منه من المصاحف إلى يومنا هذا، أما عدد المصاحف التى نسخها عثمان وأرسل بها إلى الأمصار فالمترجح فيه أنه كان بحيث يعم جميع الأقطار التى دخلها الإسلام ، قال صاحب البيان عليه الرحمة بعد ما ذكر الأقوال المختلفة فى عدد المصاحف معزوة إلى مصادرها: فظهر من هذا أن الذين ذكروا هذه الأقوال لم يذكروا منها دليلا يؤيده ، إلا أن العقل والنقل كليهما يؤيدان من يزيد فى عدد المصاحف لا من يقلل منها.(2/425)
أما العقل فهو أن الغرض من إرسال المصاحف إلى الأمصار هو القضاء على الفتنة التى كانت قائمة حينئذ بسبب اختلاف المسلمين فى القراءة، والمنع من حدوث هذه الفتنة مرة أخرى فى بلد ما من بلاد المسلمين ، وهذا الغرض لا يتحقق بإرسال المصاحف إلى بعض الأمصار دون بعض.
وأما النقل فهو قول أنس بن مالك فى الحديث السابق الذى رواه البخارى أنهم لما نسخوا الصحف فى المصاحف أرسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، فكلمة إلى كل أفق تدل بعمومها على أنه أرسل المصاحف إلى جميع الأمصار لا إلى بعضها دون بعض(10).
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة
ـــــــــــــــــ
المضاربة
لغة: ضاربه - ولفلان - فى ماله: اتجر له فيه ، أو اتجر فيه على أن له حصة معينة فى ربحه ،كما فى الوسيط(1).
والمضاربة والقراض اسمان لمسمى واحد ، فالقراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق.
وشرعا: هى توكيل مالك يجعل ماله بيد آخر ليتجر فيه ، والربح مشترك بينهما(2).
والمضاربة جائزة شرعا ، والأصل فى مشروعيتها عموم قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}البقرة:198 , وفى المضاربة ابتغاء لفضل الله.
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قسم ربح ابنيه فى المال الذى تسلفاه بالعراق فربحا فيه بالمدينة فجعله قراضا، عندما قال له رجل من أصحابه: لو جعلته قراضا ففعل(3).
وقد قام الإجماع على جواز المضاربة، فيقول الشوكانى بعد نقله لآثار عن الصحابة التى تدل على تعاملهم بالمضاربة: "فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير، فكان ذلك إجماعا منهم على الجواز(4).
وللمضاربة أركان تقوم عليها، وهى :
1- الصيغة: فلابد من وجود إيجاب وقبول يفصح بهما الطرفان عن رغبتهما فى التعاقد، كأن يقول شخص لآخر ضاربتك أو قارضتك أو عاملتك بألف جنيه على أن يكون الربح بيننا نصفين(5).(2/426)
2- العاقدان: فالمضاربة لا تتم إلا بتلاقى إرادتين على إنشائه ، وهما المضارب ورب المال ، ويشترط فيهما أن يكون كلا منهما أهلا للتعاقد، وهى أهلية التوكيل والوكالة(6).
3- رأس المال: وهو ما يدفعه رب المال للمضارب ليتجر فيه ، ويشترط فيه أن يكون معلوما، وأن يكون نقدا رائجا، وأن يكون عينا لا دينا، وأن يسلم إلى المضارب(7).
4- العمل: وهو ما يقوم به المضارب من أعمال لتنمية رأس المال ، ويشترط أن يختص المضارب بالعمل ، فينفرد به دون صاحب رأس المال ، فلا يجوز لرب المال أن يشترط عليه العمل معه ، وتفسد المضاربة بهذا الشرط(8).
ويرى الشافعية أن عمل المضارب مقيد بالأعمال التجارية فقط "أى البيع والشراء" فلا يجوزأن يشترط عليه العمل مع التجارة(9).
بينما ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن عمل المضارب غير مقيد بالبيع والشراء، فيجوز له أن يستأجر ويغرس وغير ذلك(10).
5- الربح: وهو ما زاد عن رأس مال المضاربة ، نتيجة لعمل المضارب فى ذلك المال واستثماره ، فهو ثمرة لالتقاء رأس المال بالعمل البشرى، لذا كان مشتركا بين العاقدين ، رب المال مقابل ما قدمه من مال تحتاجه المضاربة والمضارب ، لأنه قام بالعمل والاستثمار، والاشتراك فى الربح هو الهدف من المضاربة، لذا فقد اهتم الفقهاء ببيان شروطه ، والتى نوجزها فيما يلى: يشترط فى الربح أن يكون مشتركا بين العاقدين ، وأن يكون مختصا بها، أى قاصرا عليهما لا يعدو الشريكين ، وأن يكون نصيب كل منهما معلوما عند التعاقد، وأن يكون نسبة شائعة من جملة الربح ، كنصف الربح أو ثلثه ، ولا يجوز أن يحدد بمبلغ معين كمائة جنيه مثلا(11).
وللمضارب فى المضاربة خمسة أحوال:
1- فهو أمين كالوديع عند قبضه لرأس المال وقبل التصرف فيه ،لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة.
2- وهو وكيل لرب المال بالتصرف فى مال المضاربة، لأنه يتصرف فى مال الغير بأمره.(2/427)
3- وهو شريك لرب المال فى الربح عند تحققه.
4- وهو أجير لرب المال إن فسدت ،المضاربة لأى سبب.
5- وهو غاصب لمال المضاربة إن خالف شروط رب المال أوالعمل فى ما لا يملك فعله(12).
وقد اتفق الفقهاءعلى أن المضارب أمين على ما بيده من مال المضاربة، فلا يضمن ما يصيبه من تلف أوخسارة إلابتعديه أو تفريطه ،شأنه شأن الوكيل. فإذا حصل تلف أو خسارة فى رأس المال بسبب تعد أو تفريط من المضارب ، فإنه يكون مسئولا عنه ضامنا له(13).
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز اشتراط الضمان على المضارب ، وإذا اشترط فلا يصح.
ويملك المضارب بمقتضى عقد المضاربة العديد من التصرفات التى تعتبر من ضرورات التجارة أو لواحقها مما جرت به عادة التجارة، كالبيع والشراء والمقايضة، والتعامل بمختلف العملات ، والبيع نسيئة، والإحالة والحوالة ، والرهن والارتهان والاستئجار... إلخ(14).
وتفسد المضاربة إذا فات ركن من أركانها، و تخلف شرط من شروط صحتها،كما أنها تفسد إذا دخلها شرط مفسد، والشروط الفاسدة هى التى تنافى مقتضى العقد، أو تلك التى تعود بجهالة توزيع الربح ، أو أن يشترط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه(15).
أ.د/على مرعى
ـــــــــــــــــ
المعاصرة
لغة: على وزن مفاعلة من العصر، وللعصر عدة معان أهمها وقت وجوب صلاة العصر وهو الوقت فى آخر النهار إلى احمرار الشمس. وعاصر فلانا لجأ إليه ولاذ به وعاش معه فى عصر واحد (كما فى المعجم الوسيط)(1).
واصطلاحا: ورد لفظ العصر فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}العصر 1-3.
يقول البيضاوى(2) فى تفسير الآية الأولى من هذه السورة: "أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها، أو بعصر النبوة، أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب".(2/428)
والمعاصرة حسب هذا التعريف هى المعايشة بالوجدان والسلوك للحاضر والإفادة من كل منجزاته العلمية والفكرية وتسخيرها لخدمة الإنسان ورقيه.
وتستخدم المعاصرة فى مقابل الأصالة، فيقال مثلا: "الإسلام بين الأصالة والمعاصرة" بمعنى كيفية تمكن الإسلام من مسايرة العصر والوفاء بمتطلباته والتعامل مع مقتضياته المتغيرة بثوابته الأصلية.
والمعروف أن الإسلام يتضمن إلى جانب ثوابته الأصلية التى تتعلق بأصوله ، مناهج تفتح كل الأبواب للتعامل مع كل المستجدات.
فبجانب ثوابت العقيدة التى تصلح بطبيعتها لكل زمان ومكان لأنها متأسسة على الرسالة الخاتمة ومستمدة من فطرة الله التى فطر الناس عليها، هناك مناهج للتشريع تعتمد فى تطبيقاتها على الاجتهاد بإعمال العقل السليم فيما يجلب المصلحة العامة ويدرأ المفسدة ويسد الذرائع ، فهى توجد ، كما يقول الشاطبى(3) "حيث يكون العمل فى الأصل مشروعا لكن ينتهى عندما يؤول إليه من المفسدة" وقد عمل به الإمام مالك فى أكثر أبواب الفقه. ويعتبر الإمام محمد أبو زهرة ذلك توثيقا لمبدأ المصلحة التشريع الإسلامى.(4).
وينبغى أن نفرق بين المعاصرة التى لا تتناقض من وجهة النظر الإسلامية مع الأصالة وبين العصرانية (العلمانية) التى تعتبر العصر وحده مصدرا للتشريع فى الحياة الاجتماعية العامة، وهذا الاتجاه الفكرى يحاول إبعاد الدين عن الحياة العامة واعتباره مجرد مسألة خاصة بكل إنسان ، ويعتبره - فى أحسن الأحوال - مصدرا للمبادىء الخلقية والمعاملات الشخصية.
أما السياسة وكل ما يتصل بالحياة العامة للإنسان لا للدين بها، أى علاقة وهذا مما يتناقض مع مبادىء التصور الإسلامى الصحيح(5).د/السيد محمد الشاهد
ـــــــــــــــــ
المعتزلة(2/429)
أصلها عزل واعتزل ، وقد وردت هذه الكلمة عشر مرات فى القرآن الكريم كلها تعنى الإبتعاد عن شىء كما فى قوله تعالى: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيل}النساء:90.
والمعتزلة هم أول مذهب فى علم الكلام الإسلامى، بدأ فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى،واختلف المؤرخون لهذا المذهب الكلامى فى تحديد اسم مؤسسه ، فذهب معظمهم إلى أنه واصل بن عطاء (ت131هـ/748م) الذى اعتزل مجلس ،الحسن البصرى(110هـ/727م) عندما سئل الحسن البصرى عن مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أم كافر، وقبل أن يجيب الحسن البصرى على السؤال وقف واصل بن عطاء وقال: إنه فى منزلة بين المنزلتين أى بين الإيمان والكفر، بينما كانت الخوارج تذهب إلى تكفيره ، وذهب أهل السنة إلى أنه مؤمن.
وكان الحسن البصرى يذهب إلى أن مرتكب الكبيرة لامؤمن ولا كافر، وإنما يكون "منافقا" ووافقه بداية عمرو بن عبيد (145هـ /762م)، أما واصل بن عطاء فكان يرفض هذه الصفات الثلاث ، فمرتكب الكبيرة عنده لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا بل يكون "فاسقا" وقد أخذ واصل هذا المذهب عن أبى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية.
وترجع تسمية واصل بن عطاء وأصحابه بالمعتزلة إلى قول الحسن البصرى بعد أن قام واصل من مجلسه وانتحى لنفسه مكانا آخر: "اعتزلنا واصل".
أما القاضى عبد الجبار فيرجع أصل الاعتزال إلى عمرو بن عبيد، حيث يذكر أنه جرت بين واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مناظرة فى مسألة مرتكب الكبيرة، فرجع عمرو بن عبيد إلى مذهب واصل وترك مجلس الحسن البصرى، واعتزل جانبا فسموه معتزليا، وهذا أصل تلقيب أهل العدل بالمعتزلة كما يقول القاضى عبد الجبار.(2/430)
ويذكر ابن المرتضى فى كتابه "المنية والأمل" أن المعتزلة كانوا يسمون أيضا "بالعدلية" لقولهم "بالعدل الإلهى" ، و"الموحدة" لقولهم "لا قديم مع الله"، ويؤكد ذلك جعلهم العدل والتوحيد أول أصلين فى أصولهم الخمسة، حيث يأتى أصل "المنزلة بين المنزلتين" الذى كان سببا فى نشأتهم فى المركز الرابع بعد "الوعد والوعيد" أما الأصل الخامس والأخير فهو "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر".
انقسم الاعتزال إلى مدرستين متوازيتين الأولى فى البصرة (البصريون) والثانية فى بغداد (البغداديون).
وأهم رجالات مدرسة البصرة هم: واصل ابن عطاء ، وعمرو بن عبيد وأبو الهزيل العلاف (227هـ/842م)، وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ/853م)، وعمرو بن بحر الجاحظ ، وأبو على الجبائى (303هـ/924م).وابنه عبد السلام الجبائى (أبو هاشم 321هـ/941م) (أخذ عنهما أبو الحسن الأشعرى (324هـ/944م) الاعتزال فى أول الأمر قبل أن ينقلب على الاعتزال فيما بعد) ثم القاضى عبد الجبار الهمذانى (415هـ/1025م) صاحب موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ، والمحيط بالتكليف ،وشرح الأصول الخمسة، وغيرها من المؤلفات الكبيرة فى شتى العلوم الشرعية.
ومن تلامذة القاضى عبد الجبار: الحسن بن متويه ، وأبو الحسين البصرى (436هـ/1045م) وأبو رشيد سعيد النيسابورى (460هـ/1067م) صاحب كتاب "المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين" ، ثم ركن الدين محمود ابن الملاحمى (536هـ) ومحمود ابن عمر الزمخشرى (538هـ) ثم تقى الدين النجرانى (656هـ) صاحب "الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء".
أما أهم أعلام مدرسة بغداد فهم: بشر بن المعتمر (210هـ/825م) وأبو موسى المردار (226هـ/844م) وثمامة بن الأشرسر (213هـ/831م) وأبو الحسين الخياط (190هـ /818م) وأبو جعفر محمد الإسكافى (240هـ/858م) وأبو القاسم الكعبى (319هـ/938م) وأبو بكر الأخشيدى (326هـ/946م).(2/431)
وقد شهد تاريخ الاعتزال خلافات كثيرة بين مدرستى البصرة وبغداد لخصها أبو رشيد سعيد النيسابورى فى كتابه المعروف:
"المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين". إلا أن الاعتماد على العقل فى تفسيرالنصوص الشرعية كان قاسما مشتركا بين المدرستين.
وكان تمادى المعتزلة فى الاعتماد على العقل والمبالغة في التعويل عليه فى تفسير بعض المسائل الحساسة مثل مسألة الصفات ، مما أوقعهم فى مخالفات بل وعداوات مع متكلمى أهل السنة مثل الأشاعرة وغيرهم من السلفيين مثل ابن تيمية (728هـ/1328م)، وكان السبب فى هذا الخلاف حرص المعتزلة على إفراد الله عز وجل بصفة القدم حتى أنهم رفضوا كل ما من شأنه أن يؤدى إلى القول بقدم أى شىء سوى ذاته تعالى.
وقد قسم المعتزلة الصفات إلى قسمين صفات ذات وهى التى لاتنفك عنها الذات مثل: الوجود والحياة والعلم والقدرة والإرادة، ثم صفات أفعال التى ترتبط بالزمان من حيث الوجود والعدم ، وقد ترتب على مذهبهم هذا القول بخلق القرآن ،وأن كلام الله مخلوق ، مما أثارعليهم غضب أهل السنة خاصة بعدما حدثت محنة الإمام أحمد بن حنبل فى عهد المعتصم.
كما اشتهروا بقولهم: إن الإنسان خالق ،لأفعاله على الحقيقة بقدرة خلقها الله فيه. وجعلوا ذلك أساسا للاستحقاق، والذى يعرف حاليا بمشكلة حرية الإرادة فإنسانية، كما عرف عنهم خلافهم مع أهل السنة فى تفسير رؤية البارى عز وجل فى الدار الآخرة وقد أفرد القاضى عبد الجبار مجلدا لهذه المسألة في موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل (المجلد الرابع).أ.د/السيد محمد الشاهد
ـــــــــــــــــ
المعجزة
المعجزة: هى البرهان الذى يثبت صدق أى نبى أو رسول فى دعواه النبوة أو الرسالة، واشتقاق الكلمة من إعجاز الأمر الخارق الذى يقع على يد النبى أو الرسول للبشر أن يأتوا بمثله.(2/432)
وإنما كانت المعجزة دليلا على صدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فى دعواه أنه مكلف من الله ، ومختار منه بالنبوة والرسالة ، لأن اجتماع المعارضين له على تكذيبه ، وشحذ هممهم وتجميع كل قواهم ، لإثبات بطلان دعواه ، ثم يعجرون عن الإتيان بمثل الفعل الخارق الذى أتى به دليل على أن الفعل الذى جاء به ، أو جرى على يديه خارج عن قدرة البشر فإن معنى ذلك أنه لم يأت بهذا الفعل الخارق من عند نفسه ،لكنه مؤيد من الله ، وأن المعجزة حينئذ تكون - كما قال علماء العقيدة: -بمثابة إعلان الله عز وجل تصديقه لنبيه ، وقائمة مقام قوله "صدق عبدى فيما يبلغ عنى" لأن الذى يستطيع أن يخرق النظام الكونى ، ويعطل قوانينه الثابتة المعتادة، إنما هو خالق النظام الكونى نفسه ، وواضع قوانينه ، لأنه وحده الذى يقدر على ذلك ، ولذلك تعرف المعجزة بأنها: "أمرخارق للعادة يظهره الله على يد مدعى النبوة تصديقا له فى دعواه مقرونة بالتحدى مع عدم المعارضة".
فلكى تعرف المعجزة وتتميز عن غيرها من الأمور- الخارقة ، لابد أن تكون: خارقة للعادة أى خارقة للقوانين الكونية المعتادة، والنواميس الكونية الثابتة كعدم إحراق النار، وإحياء الموتى، وقلب العصا حية تسعى.
- أن تقع على يد نبى أو رسول يعلن دعواه النبوة ة لكى تتميز عن كرامة الأولياء.
- أن تجرى على وفق دعواه ، فتكون تصدلقا له حتى لا تكون إهانة لا معجزة.
- أن تقترن بالتحدى من قبل النبى لقومه ومن قبلهم له.
- أن يعجزوا عن معارضته ، فإذا أتوا بمثلها لا تكون معجزة ، بل تكون حينئذ من قبيل الأمور التى يمكن تعلمها، والإتيان بمثلها كالسحر.
والمعجزة فى حقيقة أمرها رسالة إلى العقل الإنسانى ، لأنها عندما يقبلها العقل يقبل دلالتها على الفور على صدق الرسول، ومن ثم تثبت نبوة النبى أو رسالة الرسول بعد قبول العقل لها، واقتناعه بها.(2/433)
وإذا كانت تثبت بالتواتر بعد ذلك حين تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل بواسطة عدد من الناس يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب وقد قال العلماء فإن العلم بالتواتر هو أحد أقسام الضروريات.
ولما كانت المعجزة تستمد قوتها فى الدلالة على صدق الرسالة من أنها خرق للنظام المعتاد،فإن خرقها لما اعتاده الناس إنما يأتى من تصديق الأئمة الذين بلغوا غاية العلم فيما اعتاده الناس ، لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل المعجزة.
ولذلك جاءت كل معجزة مما برع فيه الناس ،وبلغوا غاية العلم به فى عصره ،فإذا أذعن هؤلاء عرف أن ما أتى به الرسول ليس و من قبيل ما علموه غاية العلم ، وإنما هو من باب آخر غير ما يعلمونه.
ومن ثم جاءت معجزة موسى عليه السلام أشبه بالسحر لكنها ليست منه ، لأن القوم كان قد برعوا فى السحر، فلما انقلبت العصا حية على يد موسى أمام السحرة الذين بلغوا منتهى العلم بالسحرة عرفوا أن ما أتى به موسى ليس سحرا {وألقى السحرة ساجدين}الأعراف:120.
وكذلك جاءت معجزة عيسى عليه السلام أشبه بالطب ، لكنها كانت غيره ،لأن القوم كانوا قد برعوا فى الطب ، فلما أحيا عيسى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص أمام الذين بلغوا غاية ومنتهى العلم فى الطب ، عرفوا أن ما أتى به عيسى ليس من قبيل الطب ،وإنما هو أمر خارق للنظام العام.
وبالنسبة لمعجزة القرآن فقد جاءت متجاوزة حدود البشرية فى أمرين: اللغة والتشريع.
أما اللغة فقد كان نزول القرآن فى وقت بلغت فيه اللغة العربية منتهى إمكان البشر فى التطور اللغوى فى الفكرة والأساليب ، فلما جاء القرآن الكريم جاء متجاوزا حدود الإمكانات البشرية، وأدرك ذلك أئمة اللغة، وفحول الخطباء والشعراء الذين عجروا عن الإتيان بمثل القرآن ونظمه البلاغى.(2/434)
وأما فى التشريع ، فقد أثبتت مقارنته بغيره من النظم التشريعية البشرية عبر العصور تفوق التشريع القرآنى بتوازنه العادل فوق كل الأنظمة التى أنتجتها حكمة البشر وقدرتهم التشريعية.
ذلك مما أعطى القرآن صفة المعجزة الدائمة، وهى سمة تتسم بها معجزة القرآن عما سبقها من معجزات الرسل السابقين.
وهناك سمة أخرى تتميز بها المعجزة القرآنية، وهى أن المعجزات السابقة كانت - كما قال ابن رشد - من غير طبيعة الرسالة، لأن الرسول إنما يأتى ليضع النظام الذى يكفل لمن أرسل إليهم خطة الحياة الفاضلة، ولكن معجزة موسى وعيسى عليهما السلام لم تكن من هذا الباب ، وإنما كانت الأولى مما أشبه بالسحر وكانت الثانية مما أشبه الطب.
أما معجزة القرآن فقد جاءت من قبيل تشريع من نفس فعل الرسالة وطبيعتها. مما أعلطاها من القيمة البرهانية على الرسالة
أكثر مما أعطت المعجزات السابقة من البرهنة على رسالاتها إلى درجة جعلت إماما كابن رشد يقلل من القيمة البرهانية للمعجزات السابقة إلى درجة لا نوافق عليها.
فالقرآن الكريم نفسه يقول عن معجزة اليد والعصا: {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه}القصص:32.
على أن القرآن الكريم أعطى للمعجزات السابقة مصداقية حين صدق بها وبدلالاتها، ولولا روايته لها وتصديقه لدلالاتها ، لربما انقطع تواترها ، ولكنه بإيرادها حملها إلى الأجيال بنفس ما هو عليه من درجة الوثوق والمصداقية.
ثم إن هناك وجوها أخرى لإعجاز القرآن أسهبت فى بيانها كتب العقائد والتاريخ والسنن قديما، وكتب العلوم حديثا.(2/435)
فالقرآن أخبر بوقائع سبقته لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم بها وأخبر بوقائع لحقته ،لم يكن له - صلى الله عليه وسلم - المقدرة على التكهن بها واستنتاجها ، كما أخبر بانتصار الروم على الفرس فى بضع سنين ، مع أن وقائع الأحداث لم تكن تبشر بأدنى شىء من هذا التوقع ، مما جعل المؤرخ الإنجليزى (جيسن) يحدث بأن القرآن لو لم يكن فيه دليل على مصدريته من الله إلا هذا الخبر لكفى.
وكتب العلوم ونظرياتها لم تثبت أى تعارض لمصادر القرآن الكريم ، مما يجعل الثقة قائمة فى أن مصدر القرآن ، ومصدر الحقيقة العلمية عندما تثبت واحد وهو الله ، فخالق الكون ، وواضع سننه وقوانينه هو منزل القرآن.
أما الماديون الذين ينكرون المعجزات فحججهم واهية ، لأنها تقوم على إنكار الوقوع لا على إنكار الإمكان ، لأن إمكانها ضرورى فالذى خلق السموات والأرض وأبدع نظام الكون ، وأقامه على قوانين وسنن قادر على أن يخرق هذه القوانين والسنن ، ويبدلها فى حالة خاصة بقانون خاص.
أما إنكار الوقوع ، وأن المعجزات لم تحدث ،فيقوم عندهم على الطعن فى التواتر أو الطعن فى إفادة التواتر لليقين ، فهى عندهم لا تثبت فى حق الغائبين الذين لم يروها، ويمكن الرد على هؤلاء بأن معجزة القرآن مازالت باقية بين أظهرنا الآن والتحدى بها قائم والعجز عن معارضته مازال مستمرا ، وبالتالى تثبته وقوع المعجزات الأخرى ، لأنه أثبتها.
ومن ناحية أخرى فإن الطعن فى التواتر أو فى إفادة التواتر لليقين طعن فى قانون أساس من قوانين الفكر، فالمتواترات - كما قيل - أحد أقسام الضروريات ولو طعن فى التواتر، وإفادته اليقين لما بقى خير يفيد اليقين إطلاقا، ولم يقل بذلك أحد.
وبذلك لا يبقى للماديين مستند معقول لإنكار المعجزات.
أ.د/عبد المعطى محمد بيومى
ـــــــــــــــــ
المعصية
لغة: الخروج عن الطاعة ومخالفة الأمر(1).(2/436)
واصطلاحا: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله ، ويرادفها: المحظور والحرام.والذنب (2)، وإذا كانت المعصية عبارة عن مخالفة أمر الله وطاعته مما يوجب سخط الله تعالى ويتوجب العقاب فاعلم أنها تنتج عن مجموعة صفات فى الإنسان كل منها يتعلق به أنواع من المعاصى تختلف عن الأنواع الأخرى وهذه الصفات هى(3):
1- صفات ربوبية: ومنها يحدث الكبر والفخر، وحب المدح والثناء ، والعز، وطلب الإستعلاء ، ونحو ذلك ، وهذه ذنوب مهلكات ،وبعض الناس يغفل عنها فلا يعدها ذنوبا.
2- صفات شيطانية: ومنها يتشعب الحسد ، والبغى، والحيل ، والخداع ، والمكر والغش ، والنفاق ، والأمر بالفساد ، ونحو ذلك.
3- صفات بهيمية: ومنها يتشعب الشر، والحرص على قضاء شهوتى البطن والفرج ، فيتشعب من ذلك الزنا ، واللواط ، والسرقة، وأخذ الحطام لأجل الشهوات.
4- صفات سبعية: ومنها يتشعب الغضب ، والحقد ، والتهجم على الناس بالقتل والضرب ، وأخذ الأموال ، وهذه الصفات لها تدرج فى الفطرة.
فالصفة البهيمية هى التى تغلب أولا، ثم تتلوها الصفة السبعية ثانيا، فإذا اجتمعت هاتان استعملت العقل فى الصفات الشيطانية من المكر والخداع ، ثم تغلب الصفات الربوبية، فهذه أمهات المعاصى ومنابعها ، ثم تنفجر المعاصى من هذه المنابع إلى الجوارح ،فبعضها فى القلب كالكفر، والبدعة والنفاق وإضمار السوء، وبعضها فى العين ، وبعضها فى السمع ، وبعضها فى اللسان ، وبعضها فى البطن والفرج ، وبعضها فى اليدين والرجلين ،وبعضها فى جميع البدن ، وهذا كله واضح لا يحتاج إلى تفصيل.
وقد اختلف الفقهاء فى تصنيف الذنوب والمعاصى على ثلاثة أوجه:(2/437)
الأول: أنها تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهو المشهور بين الفقهاء، ويساعدهم إطلاقات الكتاب والسنة، لقوله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}الحجرات: 7 ، فجعل الفسوق وهو الكبائر تلى رتبة الكفر، وجعل الصغائر تلى رتبة الكبائر وقد خصص النبى - صلى الله عليه وسلم - بعض الذنوب باسم الكبائر.
الثانى: أن الذنوب كلها قسم واحد وهو الكبائر، وهو طريقة جمع عند الأصوليين منهم الأستاذ أبو إسحاق ، ونفى الصغائر، وجرى عليه إمام الحرمين فى الإرشاد، وابن فورك فى كتابه "مشكل القرآن" فقال: المعاصى عندنا كبائر، وإنما يقال لبعضها: صغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر منها كما يقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا، وكلها كبائر.
الثالث: أن المعاصى تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- كبيرة: كقتل النفس بغير حق.
2- فاحشة: قتل ذا رحم.
3- صغيرة: سائر الذنوب كالخدشة والضرب مرة أو مرتين.
ويظهر من هذه الأقوال أن الخلاف لفظى، فإن رتبة الكبائر تتفاوت قطعا واختلف العلماء فى تعريف الكبيرة اختلافا كبيرا ، كذلك اختلفوا فى حصرها وعدد أنواعها. لكن الصحيح كما قال الواحدى فى البسيط: إنه ليس للكبائر حد يعرفه العباد،وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحة، ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن العباد ليجتهد كل واحد فى اجتناب ما نهى عنه ، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى فى الصلوات ، وليلة القدر فى رمضان. هل الإصرار على الصغائر يجعلها فى منزلة الكبائر أم لا؟ نجد عند الأصوليين أن الإصرار له معنيان:
أحدهما: العزم على فعل المعصية بعد الفراغ منها.
والثانى: المداومة على فعل الصغائر.(2/438)
وحكم الإصرار بالمعنى الأول حكم من كررها فعلا فيتحمل بذلك إثما، وحكم الإصرار بالمعنى الثانى أنه إن كان على نوع واحد من الصغائر غفرت بكثرة الطاعات ،وإن كان الإصرار على أنواع متعددة لا تغفر بكثرة الطاعات بل لابد من التوبة عنها حتى تغفر.
أ.د/على جمعة محمد
ـــــــــــــــــ
المقاييس
لغة: جمع مقياس وهوالمقدار كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: عبارة عن الوحداته التى تقاس بها الأشياء.
وهى المبادئ الثابتة التى تقاس بها التصرفات الشرعية والمبادئ الأخلاقية.
والمقصود هنا المعنى الأول وهى الواحدات التى تقاس بها الأشياء.
وهده المقاييس تشتمل على نوعين:
1- مقاييس الطول ، وتشمل: الشعيرة ، والأصبع ، والقبضة ، والقدم ، والذراع ، والباع ، والغلوة ، والميل ، والفرسخ ، والبريد.
2- مقاييس المساحة وتشمل: الذراع ،والقصبة،والأشل ، والقفيز، والجريب.
أما مقاييس الحجم فهى المكاييل. انظرالمكاييل.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالمقاييس متعلقة أساسا بالأطوال أكثر من تعلقها بالمساحات ،وذلك كمسافة القصر فى الصلاة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية الأخرى، أما المساحات فلا يتعلق بها سوى أحكام الخراج ، وليس فى تقويمها بالمقاييس المعاصرة الآن ما يفيدة نظرا لقيام قانون الضرائب مقامها فى هذا العصر.
وقد وردت بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مشتملة على ذكر بعض المقاييس ، قال تعالى: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}الزمر:67 ، وقال على لسان السامرى: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها}طه:96. بغض النظرعن تفسير القبضة فى كلام البارى وكلام السامرى وموقف العلماء منها.
وقال تعالى: {ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}الحاقة:32. والذراع من المقاييس الطولية، وغيرها من الآيات كثير.(2/439)
ومن الأحاديث النبوية ما رواه أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) فقد ورد فى الحديث ذكر الميل والفرسخ ، وهما من المقاييس التى تهتم بالأطوال وهناك حاديث أخرى عديدة ورد فيها ذكر مجموعة من المقاييس كتقديرات المسافات معينة تخبر وتنبئ عن حقيقة حكم شرعى أو هيئة متعلقة بالنبى صلى الله عليه وسلم.
والمقاييس الشرعية طولية كانت أو مساحية يناط بها كثيرمن الأحكام الفقهية المتعلقة بفعل العبد، وعلاقته بربه ، وقد أفاض الفقهاء رضوان الله عليهم فى هذه المقاييس كمقادير شرعية مهمة تتعلق بتوفرها صحة كثير من العبادات والتكاليف الشرعية.
ومن المسائل الفقهية المهمة التى للمقاييس دور مهم فى صحتها:
- القصر ومسافته فى الصلاة، ومعلوم أنه يتعلق بمقياسين مهمين وهما: الفرسخ والميل.
- ومسافة طلب الماء لأجل التيمم.
- المسافة بين الإمام والمأمومين خلفه ،والتى تتعلق بها صحة المتابعة من عدمها.
- تغريب الزانى، والميقات المكانى وغيرها كثير من الأحكام الشرعية.
وقد حدد الفقهاء وعلماء اللغة بدقة متناهية المقاييس السابقة وأحكامها الفقهية.
أ.د/على جمعه محمد
ـــــــــــــــــ
المقولات العشر
إن كلمة "مقولة" Category ، اشتقت من مصدر "القول" وهي ترجمة للكلمة اليونانية "كاتيجوريا" Catigorie، ومعناها "العلاقة" ، ويقرب من هذا أيضا لفظ "كلى".
وقد دخلت هذه الكلمة بلفظها تقريبا، فى جميع اللغات ، حتى لدى مفكرى الإسلام التى جاءت عندهم بلفظ "قاطيغورياس"، غير أن هؤلاء أيضا سموها "مقولة".
وكان أرسطو (384-322 ق.م) هو الذى درس أهم مظاهر المعرفة فى عصره ، فوجدها تقوم على عشرة أسس ، ينبنى عليها الفكر المستقيم في اتجاهه نحوالتعميم. وقد جمعها أرسطو وشرحها وسماها "المقولات".(2/440)
وقد تناولها المفكرون من بعده بالعرض والشرح دون أن يملوا منها. كما جعلها مفكروالإسلام أصلا هاما من أصول المنطق الصورى، ولاسيما ما تعلق منها بالجوهر والعرض ، لصلتهما الوثيقة بمباحث التوحيد(2).
واصطلاحا المقولة: هى معنى كلى، يمكن أن تكون محمولا فى قضية ما.
وعليه فالمقولات محمولات ،كما حددها أرسطو من قبل ، وهى عشر، جمعها بعضهم فى بيت واحد هو:
قمر غزير الحسن ألطف مصره * لو قام يكشف غمتى لما انثنى(3).
1- القمر: للجوهر.
2- الغزير: للكم.
3- الحسن: للكيف.
4- ألطف: للإضافة.
5- مصره: للأين.
6- قام: للوضع.
7- يكشف: للفعل.
8- غمتى: للملك.
9- لما: للمتى.
10- انثنى: للانفعال.
وهذه المحمولات موجودة فى الكون(4).
ويلاحظ أن المقولات هى أنواع الصفات أو المحمولات التى نستطيع أن نصف بها فردا معينا كائنا ما كان. فإذا سألت عن أى شىء: ما هو؟ كان حتما أن يقع الجواب تحت واحد منها(5).
ومنها أربع مقولات تقع فيها الحركات وهى: الكم مثل النمو، والكيف مثل السرعة، والوضع مثل حركة الفلك علي نفسه دون انتقال ، والأين مثل النقلة(6)
وإليك التعريف بكل منها باختصار:
أولا: الجوهر: Substance.
هو كل ما له صفة الاستقلال بذاته مثل العناصر(7) كالماء والهواء والنار. وهذا الجوهر هو الأصل ، وما عداه من المقولات التسع أعراض له(8) يقول ابن سينا:
وكل نعت فهو إما جوهر * قوامه بنفسه مقرر(9).
والجوهر أيضا موجود لا فى موضوع ، يقابله العرض: accident بمعنى الموجود فى موضوع ، أى فى محل مقوم لما حل فيه(10).
والجوهر لدى المتكلمين: هو الجوهر الفرد المتميز الذى لا ينقسم ، أما المنقسم فيسمونه جسما لا جوهرا. ولهذا السبب يمتنعون عن إطلاق اسم الجوهر على المبدأ الأول(11).
ومن أهم أحكام الجوهر:
1- أنه قابل للعرض.
2- أنه متحيز، أى تأخذ ذاته قدرا من الفراغ.
3- أنه قابل للبقاء زمانين.
4- أن الجواهر لا تتداخل ، أى لا يدخل جسم فى آخر.(2/441)
5- أن الجواهر تحدث بجملتها عن عدم سابق.
6- أنها تنعدم كذلك ، خلافا للطبائعيين ، كما يصح انعدام بعضها، خلافا لبعض المعتزلة فى أن الجوهر لا ينعدم إلا جملة.
7- وأنها لا تثبت فى العدم ، لأن المعدوم ليس شيئا، خلافا لبعض المعتزلة(12).
ثانيا: الكم: Quantity.
هو العرض الذى يقبل لذاته: المساواة والتفاوت والتجزؤ(13) ويخرج بذلك: النقطة، والواحدة، أى الشىء الواحد الذى لا تعدد فيه.
فهذه المقولة تخضع للقسمه ، وللقياس فيما له حجم ومقدار كقولنا: هذه خمسة كتب. وينقسم الكم إلى:
1- متصل: وهو الذى يكون بين أجزائه حد مشترك ، كالحال في الزمن بين الماضى والمستقبل.
2- منفصل: وهوالذى لايكون بين أجزائه حد مشترك كالعدد، مثل الأربعة إذا قسمت بين اثنين واثنين(14).
وهناك مايسمى"كمية القضية": والمقصود بها استغراق الموضوع فى المحمول ، وينتج عن ذلك:
(أ) القضية الكلية: وهى التى يقع الحكم فيها على جميع أفراد الموضوع ، مثل: كل إنسان فان.
(ب) القضية الجزئية: وهى التى يقع الحكم فيها على بعض أفراد الموضوع مثل: بعض الإنسان كريم.
(
ج) القضية المخصوصة: وهى التى يكون الموضوع فيها واحدا بالعدد، مثل: عمر عادل(15).
ثالثا. الكيف: Quality.
هو هيئة قارة فى الشىء(16)وهو أيضا عرض لا يتوقف تعقله على تعقل الغير(17) ولا يقتضى القسمة في محله اقتضاء أوليا(18).
وللكيف أنواع:
1- كيف الكم: كالزوجية والفردية، و الاستقامة والانحناء ، والطول والعرض.
2- كيف المحسوس:(أ) إما راسخ كحلاوة العسل وحرارة النار(ب) أو غير راسخ:
- سريع الزوال ، يسمى انفعاليا كحمرة الخجل ، وصفرة الوجل.
- بطء الزوال ، كملوحة بعض الماء.
3 - كيف الملكة: وهو نوعان الأول ما يوجب الكمال وهو الناتج عن الاقتدار بلا كلفة، مثل ملكة العلم والكتابة.
والآخر ما لا يوجب الكمال: كاللين المعد أو الموجب للانقسام بسهولة(19).
رابعا: الإضافة: Relation(2/442)
لغة: نسبة الشىء إلى الشىء مطلقا.
اصطلاحا: هى حال تعرض للجوهر، بسبب كون غيره فى مقابلته(20)، ولا يعقل وجودها إلا بالقياس إلى ذلك الغير، كالأبوة بين الأب وابنه(21) وتسمى مقولة الإضافة "بالنسبة المتكررة" ، أى النسبة التى حصل بها التكرر، ولا تعقل إلا بالقياس إليها.
وقد تكون الإضافة بين:
1- متفقين: كالأخوة، وهى لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى الأخوة.
2- أو بين مختلفين: كالأبوة، وهى لا تعقل إلا بأخرى وهى البنوة. وكالعمومة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى ولدية الأخ.
وكالزيادة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى النقص فكل إضافة نسبة، ولا عكس.
ويلاحظ أن النسبة مطلقا: أمر اعتبارى، ليس عرضا موجودا. كذلك فإن الكليات هى من مقولة الإضافة فالجيش مثلا، كالحيوان ، نسبة لا تعقل إلا بأخرى، وهو النوع كالإنسان.
وقد تعرض الإضافة للمقولات كلها:
كالأبوة والبنوة، للجوهر. وكالصغر والكبر للكم. وكالعلو والسفل للأين. والأقدمية والأحدثية، للمتى. وكالأسدية: انحناء وانتصابا، للوضع - أسد الشىء: أغلق خلله.
وكالأكسوية والأعروية ، للملك. وكالأقطعية، للفعل (أى تأثير الشىء فى غيره). وكالأشدية تقطعا ، للانفعال (أى كون الشىء متأثرا عن غيره مادام متأثرا)(22).
خامسا: الأين: Place
هو هيئة تعرض للجسم بسبب نسبته إلى المكان وكونه فيه(23) وهو سؤال عن مكان(24). ويسمى "أينا" لوقوعه جوابا لأين؟ كما يسمى "الكون" أيضا(25).
والأين نوعان:
1- أين أول: مثل كون الماء فى الكوب وهو حقيقى.
2- أين ثان: مثل كون محمد فى البيت وهو غير حقيقى.
سادسا: المتى: Time
هو نسبة الشىء إلى الزمان المحدد: الماضى والحاضر والمستقبل ، مثل: أمس الآن وغدا(27).
وسمى بذلك ، لوقوعه جوابا ل "متى"؟.
ولفظة "متى" تصلح لمطلق الزمان ، بخلاف "أيان" فإنها خاصة بالاستقبال.
وينقسم إلى:
1- متى حقيقى: وهوكون الشىء في زمان يطابقه ، ولا يزيد عليه ، كالخسوف فى ساعة كذا.(2/443)
2- متى مجازى: كالخسوف يوم كذا.
وهما فى الأين أيضا(28).
سابعا: الوضع: Position
هو هيئة تعرض للجسم ، بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ، مثل: القيام ،و القعود، وغير ذلك(29) مثل وصف شخص ما بأنه جالس أو قائم.
ويلاحظ هنا حدوث نسبتين:
الأولى: نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض ، والأخرى: نسبة أجزاء الجسم إلى أمر خارجى عنها.
فالقيام هيئة اعتبر فيها نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض بالطبع. كما اعتبر منها نسبة مجموع تلك الأجزاء إلى أمور خارجية عنها. ككون رأس الإنسان من فوق ورجليه من أسفل(30).
ثامنا: الملك: Habitus
وهو هيئة حاصلة للشىء بالنسبة لما يحيط به ، وينتقل بانتقاله. وذلك كالتعمم والتقمص والتختم والتسلح. والمراد لبس العمامة والقميص والخاتم والسلاح(31).
والملك يقابله الحرمان(32).
ولمقولة الملك شرطان:
الأول: الإحاطة، إما بالطبع ، كجلد الإنسان وإما بغيره: إما بكل شىء، كحال الهرة عند إرهابها، وهو ذاتى. أو ببعض الشىء كحال الإنسان عند تختمه ، وحال الفرس عند إلجامها وإسراجها ، وهو عرضى.
والثانى: أن ينتقل بانتقاله ، كالأمثلة السابقة.
أما إن وجد أحدهما دون الآخر، فلا يكون ملكا، فوضع القميص على رأسه ، وإن كان ينتقل ،لا يكون ملكا: لعدم الإحاطة.
والحلول فى الخيمة، وإن كان مشتملا على الإحاطة، لا يكون كذلك ، لعدم الانتقال(33).
تاسعا: الفعل: Activity
هو كون الشىء بحيث يؤثر فى غيره تأثيرا غير قار الذات ، مثل التسخين والقطع(34).
فالتسخين فعل ، لكونه تأثيرا من المسخن ،مادام مؤثرا(35) .
عاشرا: الانفعال: Passivity
هو قبول أثر المؤثر مادام مؤثرا ، مثل التسخين والانقطاع(36).
فتأثر الشمع ولينه ، انفعال ، مادام هو يتأثر للطابع ويلين(37).
وهناك ما يسمى سلسلة المحمولات وهى تابعة للمقولات العشر، وهى الكليات الخمس ، التى رتبها المناطقة كما يلى:
1- الجنس: Genus(2/444)
وهو ما صدق على كثيرين مختلفين بالحقائق ، فى جواب: ما هو؟ مثل الحيوان فى: الإنسان حيوان(38).
2- النوع: Species
وهو ما صدق على كثيرين متفقين بالحقائق. كلفظ إنسان فى: محمد إنسان(39).
وكل واحد من الجنس والنوع إنما يكون مفهوما بالقياس إلى صاحبه(40)
3- الفصل: Difference
هو جزء الماهية، الصادق عليها مثل: الناطق ، باعتبار ماهية الإنسان(41).
4- الخاصة: Property
هى الكلى المقول على أفراد حقيقة واحدة، مثل: الضاحك للإنسان(42).
5- العرض العام: Accident
هو الكلى الخارج عن الماهية، الصادق عليها وعلى غيرها، مثل المتحرك للإنسان(43).
هذا ، ومن الجدير بالذكر، أن المقولات العشر وما يتبعها من الكليات الخمس ، قد أدت خدمات كبيرة جدا فى تطوير الفكر، خلال عشرين قرنا على الأقل. ومازالت أهميتها ماثلة فى المنطق الصورى وفى البحث العلمى، من ناحية التجريد أو التعميم العلمى(44).
ومع هذ الا يجب النظر إلى مقولات أرسطو على أنها شىء مثالى، مثل كل منطقه الصورى(45) بل لابد من عمل حساب طبيعتها الأدائية عبر العصور(46) كما يجب النظر فيها بالإضافة والحذف والتطوير، حتى لا تكون عائقا أمام التقدم والرقى.
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
ـــــــــــــــــ
المكاييل
لغة: جمع مكيال ، وهوما يكال به ،حديدا كان أو خشبا، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: جاءت من الفعل كال الذى مصدره "كيلا"، والكيل: تقدير الأشياء بحجومها، كما فى معجم لغة الفقهاء(2).
ويكون الكيل للحجم ، أما الوزن فللثقل (انظر الموازين).(2/445)
وقد عرف العرب قبل الإسلام المكاييل لتنظيم المعاملات التجارية فى شبه الجزيرة العربية وخارجها ، وقد أشار القرآن الكريم فى كثير من آياته إلى أنواع كثيرة من هذه المكاييل فى سورة يوسف حيث وردت الإشارة إلى كيل البعير فى قوله تعالى: {ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير}يوسف:65 ، وإلى السقاية فى قوله: {جعل السقاية فى رحل أخيه..}يوسف:70 ، وإلى الصاع أى الصواع(3) فى قوله: {قالوا نفقد صواع الملك}يوسف:72.
وقد جاء الحث بضبط المكيال عند البيع و الشراء ، حفاظا على حقوق الأفراد من الضياع من جراء التطفيف والغش فى آيات قرآنية عديدة منها قوله: {أوفوا الكيل إذا كلتم...) الإسراء:35.
وقد حافظت التشريعات الإسلامية على الأنواع المتعددة من المكاييل التى كانت قائمة فى الجزيرة العربية، والتى أوردها لنا أبو عبيد القاسم بن سلام فى كتابه "الأموال" حصرا لها فى ثمانية أصناف هى: الصاع ، والمد ، والفرق ، والقسنط ، والمدى، والمختوم ، والقفيز، والمكوك ، وترتبط تقديرات هذه المكاييل المذكورة بالمد والصاع بوجه خاص ، وهما وحدتا الاكيل الرئيسة التى أقرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة، واتخذها معيارا لتقييم العبادات والكفارات(4).
ومهما تعددت أنواع المكاييل التى أشارت إليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما تعارفت عليه الجماعات والأقطار المختلفة ، فإنه يمكن لنا أن نحدد أن المكاييل منها مكاييل شرعية أشار إليها القاسم بن سلام فى "الأموال"، ومنها مكاييل عرفية إقليمية تعارف عليها أهل الأقاليم المختلفة.
ويمكن الإشارة إلى أشهر المكاييل المتعارف عليها بأنها الأردب ، والويبة، والكيلة، والربع ، والقدح: وله أجزاء وهى: نصف القدح ، الربعة، الثمنة، الخروبة، القيراط ، الملوة، النصاب ، البطة، المكتل ، الرطل ، الكيلجة، العو، الجريب ، الوسق ، الكسر، وذلك بجانب المكاييل الثمانية التى أشار إليها القاسم بن سلام.(2/446)
وكل هذه مكاييل تستخدمها الجماعات فى تقدير الأشياء، وتتعلق بها كثير من المباحث الفقهية المختلفة، مثل زكاة الزروع والثمار، وصدقة الفطر، وكفارة الجماع فى نهار رمضان وغيرها كثير(5).
أ.د/على جمعة محمد
ـــــــــــــــــ
المكتبات
لغة: جمع مكتبة، وهى مكان بيع الكتب والأدوات الكتابية، ومكان جمعها وحفظها كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: هى تلك المؤسسات الفكرية التى تتجمع فيها الكتب أيا كان نوعها وتنظم وتحفظ وتحلل محتوياتها وتيسر الإفادة منها للمستفيدين.
وهى قديمة قدم الفكر الإنسانى نفسه وقد عرفت فى مصر القديمة والعراق القديم وبرجاموم ولدى الصينيين القدماء واليونان والرومان.
ولما كان الإسلام يقدر العلم والعلماء فقد حث على تحصيل العلم وتدوينه ، ورفع شأن المؤلفين ، وعمل على تشجيعهم. وكان من الطبيعى أن يقوم المسلمون بالتأليف والتدوين فى جميع جوانب العلم الدينية والعلمية على السواء. وكانت هناك منذ نهاية القرن الثانى الهجرى حركة تأليف وترجمة ونشر قوية للغاية، وتبع هذه الحركة بالضرورة إنشاء المكتبات التى تسعى إلى جمع وحفظ وتنظيم وتيسير الإفادة من الكتب. وقد عرفت تلك المكتبات عند المسلمين بتسميات شتى من بينها بيت الحكمة، دار العلم ، خزانة الكتب ،دار الكتب.
والدارس لتاريخ الكتب والمكتبات عند المسلمين يعلم أن الأرض الإسلامية قد زرعت مكتبات ، حيث وصفت "زيجريد هونكه" المسلمين بأنهم "شعب يذهب إلى المدرسة" وقد تنوعت المكتبات عند المسلمين تنوعا شديدا ، لدرجة أنه كانت عندهم أنواع منها انقرضت ولا نعرفها الآن فى أى مكان فى العالم مثل مكتبات المقابر ومكتبات التكايا ومكتبات الربط ومكتبات الخانقاوات. ويمكننا أن نعدد أنواع المكتبات عند المسلمين على الوجوه الآتية:
1- المكتبات الخاصة الشخصية.
2- مكتبات الدولة.
3- المكتبات العامة.
4- مكتبات المدارس.
5- مكتبات البلاطات.
6- مكتبات المساجد والجوامع.(2/447)
7- مكتبات دور الحديث ودور القراءة.
8- مكتبات المستشفيات.
9- مكتبات التربة والمقابر.
10- مكتبات الرباطات.
11- مكتبات الخانقاوات.
12- مكتبات التكايا.
ومن أشهر المكتبات الخاصة مكتبة الصاحب بن عباد الذى كان تلميذا ومصاحبا لابن العميد وكان وزيرا ، وأول من لقب بالصاحب من الوزراء، ويقال: إن مكتبته بلغت حمل أربعمائة جمل أو يزيد. وكان فهرست المكتبة وحده يقع فى عشرة مجلدات. ويقول ول ديورانت عن هذه المكتبة فى قصة الحضارة، وكان عند بعض الأمراء كالصاحب ابن عباد من الكتب بقدر ما فى دورالاكتب الأوريية مجتمعة".
ومن أشهر مكتبات الدولة الإسلامية:
1- مكتبة بيت الحكمة فى بغداد التى بلغت قمة ازدهارها أيام الرشيد وابنه المأمون ، وكان بها عدة أقسام:
- قسم الكتب.
- قسم الترجمة.
- قسم البحث والتأليف.
- قسم المرصد الفلكى.
- قسم النسخ والتجليد.
وكان من بين مديريها سهل بن هارون ،سعيد بن هارون ، سلم الحرانى، أحمد بن محمد ، الحسن بن مراد الضبى. ويقال: إن مجموعاتها قد بلغت أكثر من مليونى مجلد.
2- مكتبة دار العلم بالقاهرة وقد خطط لها الحاكم بأمرالله وافتتحت سنة (395هـ/1005م) وقد قال عنها بابا روما سلفستر الثانى عبارته الشهيرة: "إنه لمن المعلوم تماما أنه لا يوجد أحد فى روما له من العلم ما يؤهله لأن يعمل بوابا لتلك المكتبة، وأنى لنا أن نعلم الناس ونحن فى حاجة لمن يعلمنا ، إن فاقد الشىء لايعطيه". وقد بلغت مجلداتها هى الأخرى نحو مليونى مجلد.
3- مكتبة سابور بن أردشير فى بغداد التى أسسها وأوقفها على الناس سنة 382هـ فى الكرخ فى بغداد وكان أبوالعلاء المعرى من بين المنتفعين بها وبما فيها من ذخائر.(2/448)
4- مكتبة المدرسة النظامية فى بغداد التى يقال: إن الوزير السلجوقى نظام الملك أسسها فى النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى. وهو الوزيرالذى خطط لإنشاء المدارس الرسمية فى الدولة الإسلامية. وقد ضمت هذه المكتبة أكثرمن عشرة آلاف مجلد.
5- مكتبة المدرسة الفاضلية التى أسسها القاضى الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبى والتى يقال: إن مجموعاتها بلغت مائة ألف مجلدة تقف شامخة بين المكتبات المدرسية بالقاهرة حيث لم تبلغ مكتبة مدرسية أخرى مكانتها.
6- ومن بين مكتبات البلاطات كانت مكتبات القصورالفاطمية التى وصفت فى المصادر بأنها من عجائب الدنيا وليس فى بلاد الإسلام جميعها دار كتب أعظم منها. وقد بلغت خزائن الكتب فيها أربعين خزانة.
ومن أسف أن مصائر المكتبات الإسلامية كانت مفزعة حيث كانت النهاية الحرق والتخريب والإغراق والسلب والتهريب للخارج ، ولم يصلنا من مقتنياتها أكثر من 5%.
أ.د/شعبان عبد العزيز خليفة
ـــــــــــــــــ
الملائكة
لغة: الملك والملاك: جنس نورانى لطيف من خلق الله تعالى(1) وجمعها: ملائكة وملائك(2)، كما أن لفظ ملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر مرسله(3) {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}الأنبياء:27.
والملائكة حقيقة مؤكدة من حقائق هذا الكون وقد ورد ذكرهم فى القرآن الكريم ثمانيا وثمانين مرة، لما لهم من دور عظيم فى هذا الكون(4)، حسب المشيئة الإلهية.
والملائكة عالم لطيف غيبى غير محسوس ، خلقهم الله تعالى من نور، فهم من أشرف خلق الله تعالى، وهم عباد مكرمون ، مبرءون من الميول النفسية والأهواء الشخصية، ومطهرون من الشهوات ، ومنزهون عن الخطايا والآثام.
وليسوا كالبشر يأكلون ويشربون وينامون ، وهم أيضا لا يتصفون بذكورة ولا بأنوثة، ولا بأى حالة مادية مما يتصف به البشر.
وللملائكة قدرة على التمثل بصورة بشرية أو غيرها مما يأذن به الله عز وجل.(2/449)
لقد جاء جبريل إلى مريم متمثلا فى صورة بشرية: {واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا. فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا}مريم:16-17.
وحكم الإيمان بالملائكة: أنه واجب ، لأنه يمثل الركن الثانى بعد الإيمان بالله ، كما قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}البقرة:285.
فجعل الله سبحانه وتعالى، الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة: "مؤمنين". كما جعل الكفر بهذه الجملة، فقال عز وجل من قائل: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}النساء:136.
وفى حديث جبريل المتفق على صحته ، حيث سأل النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان ، فأجاب بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم(5).
وقد أوجب الله تعالى، الإيمان بالملائكة هكذا، لما لهم من شأن كبيرفى عالم الروح ،ودور إيجابى فى الكون ومخلوقاته ومنها الإنسان. وإن الإيمان بهم يدفع إلى محاولة المعرفة بأوصافهم والتخلق بشمائلهم ، وفى ذلك تطهير للقلب وتصفية للنفس(6)، وهو من علامات البر، ومن دلائل الصدق والتقوى والتعاون على الخير:
{ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين}البقرة:177.
وكما خلق الله الجان من نار، وآدم من طين ، خلق الملائكة من نور فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم)، أى من طين(رواه مسلم عن عائشة)(7).(2/450)
وخلق الملائكة متقدم على خلق الإنسان ، بدليل أن الله تعالى قد أخبرهم سلفا بأنه سيخلق الإنسان ، ويجعله خليفته فى الأرض: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون}البقرة:30.
ومسكن الملائكة عليهم السلام السماء، وينزلون منها حسب التوجيه الإلهى. فقد أخرج أحمد والبخارى من حديث ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل: (ما يمنعك أن تزونا أكثر مما تزونا؟) قال: فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا}مريم:64.
ويرى بعض العلماء أن البشر عموما أفضل من الملائكة بحسب الظاهر. وحجة هؤلاء أن الملائكة عجروا عن الإجابة على الأسماء التى عرضت عليهم ، بينما أجاب عليها آدم ، فشرف بالعلم الذى خصه الله به.
وكدلك فى أمر الله للملائكة بالسجود لآدم ما يفيد تفضيله عليهم (انظرسورة البقرة من الآية 31 إلى 34)، وأيضا فإن طاعة الملائكة جبلية، وتركهم للمعصية لا يحتاج لأدنى مجاهدة، فهم لا شهوة لهم ، بينما الإنسان يحتاج إلى مجاهدة لمصارعة هواه ،وترقية روحه(8).
وينسب إلى أهل السنة تفضيل الأنبياء وصالحى البشر فقط على الملائكة.
كما ينسب إلى المعتزلة تفضيل الملائكة على البشر.
وكذلك ينسب إلى الشيعة تفضيل أئمتهم على جميع الملائكة.
والواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين ،ولسنا مكلفين بأن نعتقد أى الفريقين أفضل ، وإلا لبينه الكتاب والسنة، مثلما جاء تفضيل بعض الأنبياء والرسل على بعض(9) فى {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض}الإسراء:55 {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض}البقرة:253.(2/451)
أما تفاوت الملائكة فيما بينهم فهو حاصل ، سواء في الخلق أم فى الأقدار، فالتفاوت فى الخلق مثل: {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى الخلق ما يشاء إن الله على كل شىء قدير}فاطر:1 ، أى أن الله خلق الملائكة وجعل لهم أجنحة: فمنهم من له جناحان ، أو ثلاثة، أو أربعة، أو أكثر، فعن ابن مسعود (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح) (رواه مسلم عن ابن مسعود) وإن كثرة الأجنحة دليل على شدة السرعة فى تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالته: {وما منا إلا له مقام معلوم. وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون}الصافات:164-166.
فما من ملك إلا له موضع مخصوص فى السموات ، ومقام فى العبادة لا يتجاوزه ولا يتعداه. كما أنهم يصطفون فيسبحون الرب ويقدسونه وينزهونه ، فهم عبيد له ، فقراء إليه ، خاضعون له.
وفى الملائكة ثلاثة رؤساء مقربين أكثر من سواهم ، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قال تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}البقرة:98. وفى الحديث: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون:
اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم)(رواه مسلم).
وهؤلاء موكلون بالحياة: فميكائيل موكل بالقطر الذى به حياة الأرض والنبات والحيوان ، وإسرافيل موكل بالنفخ فى الصور الذى به حياة الخلق بعد مماته ، أما جبريل عليه السلام فهو موكل بالوحى الذى به حياة القلوب والأرواح: {نزل به الروح الأمين}الشعراء:193. وسمى جبريل روحا ، لأنه حامل الوحى الذى به حياة القلوب ، إلى الرسل من البشر(11) وهو كذلك أمين حق أمين.
وجاء فى وصفه أيضا: {إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثم أمين}التكوير:19-21.(2/452)
وقد دل القرآن والسنة، على أصناف الملائكة، وأنهم موكلون بالسموات والأرض: من جبال وسحاب ومطر: {فالمدبرات أمرا}النازعات:5 ، وقد ظن الكفار أن النجوم هى التى تقوم بهذا التدبير.
والملائكة أعظم جنود الله تعالى، وفيهم طوائف وفرق مثل: المرسلات والعاصفات والناشرت والفارقات والملقيات ذكرا(انظر سورة المرسلات 1-4) والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات والصافات والزاجرات والتاليت ذكرا (انظر سورة الصافات 1-3).
وكل من هؤلاء له مقام معلوم لايتخطاه ، وعمل قد أمربه ، لا يقصر عنه ولا يتعداه ، وهم رسل الله فى خلقه وأمره ، وسفراء بينه وبين عباده ، وهم لكثرتهم يدخل البيت المعمور منهم كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه. والله عز وجل يكرمهم ، ويقرن اسمه باسمهم ،وصلاته بصلاتهم ، ويضيفهم إليه فى مواضع التشريف ، ويصفهم بالطهارة والإخلاص: {هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور}الأحزاب:43.
والملائكة موكلون بكتابة أعمال العباد وأقوالهم ، بل نياتهم ، لأنها فعل القلوب فدخلت فى عموم {يعلمون ما تفعلون}الانفطار:12، ومما يشهد لذلك حديث الشيخين وأحمد والترمذى: (إذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة. وإذا هم عبدى بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرة).
ولا يمر سلوك للإنسان دون أن يسجله الملاثكة عليهم السلام: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}ق:18.
وهم يسجلون ذلك فى سجل لكل فرد، ثم تعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}الإسراء:13-14.
بل إن الملائكة يشهدون على الإنسان يوم العرض بما شاهدوه منه من خيرأو شر: {ونفخ فى الصورذلك يوم الوعيد. وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}ق:20-22.(2/453)
وفى الصحيحين عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون فى صلاة الصبح وصلاة العصر. فيصعد الذين كانوا فيكم فيسألهم - والله أعلم بهم - كيف تركتم عبادى؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون ،وفارقناهم وهم يصلون).
والمرء بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلا: حافظان: واحد من أمامه ، والآخر من ورائه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وكاتبان: صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات(12).
ومما يقوم به الملائكة الكرام التسبيح والخضوع التام لله تعالى (الأعراف 206 ، الزمر75)، وحمل العرش (غافر 7)، والتسليم على أهل الجنة (الرعد 23-24)، وتعذيب أهل النار (المدثر 27-31)، وحفظ الإنسان من بعض الحوادث ومن أذى الجن والشياطين ، وطلب المغفرة للتائبين (غافر 7-9) وتأمينهم مع المصلين: (فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفرله ما تقدم من ذنبه)(رواه أحمد وأبو داود والنسائى).
ويحضرون صلاة العصر والفجر {إن قرآن الفجر كان مشهود}الإسراء:78 ، أى صلاة الفجر. وينزلون عند قراءة القرآن ويستمعون إليه ، كما حدث مع أسيد بن حضير، حين كان يقرأ بالليل فرأى مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت فى الجو، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (تلك الملائكة كانت تسمع لك) رواه الشيخان ، واللفظ لمسلم.
كما أنهم يحضرون مجالس الذكر، كما فى الحديث: (إن لله ملائكة يطوفون فى الطريق يلتمسون أهل الذكر) (رواه البخارى بهذا اللفظ ورواه مسلم بلفظ آخر).
وهم أيضا يصلون على المؤمنين ، ولاسيما أهل العلم منهم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير) (رواه الترمذى، وقال حديث حسن). وفى حديث آخر: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع). أبو داود والترمذى.(2/454)
وقد تحمل الملائكة بشرى إلى شخص صاحب موقف طيب. فقد روى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (زار رجل أخا له فى قرية أخرى، قال: أريد أخا لى فى هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها -أى تصلحها - قال: لا، غير أنى أحببته فى الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك ،كما أحببته فيه).
ومن تكريم الله عز وجل لملائكته أن يعلمهم بمن يحبه وبمن يبغضه ،كما فى الحديث: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل ، فقال: إنى أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادى فى السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض. وإذا أبغض عبدا...). رواه مسلم ومما يقوم به الملائكة من وظائف سامية، أنهم يثبتون المؤمنين بما يلقونه فى قلوبهم من التأييد أثناء الجهاد: {إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا}الأنفال:12.
والملائكة أيضا موكلون بقبض الأرواح بقضاء الله وقدره ،فيتولى ملك الموت قبضها واستخراجها ، ثم يتولاها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ، وهم أعوانه: {قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}السجدة:11.
وتقوم الملائكة بتحية الطيبين عند قبض أرواحهم ، ويبشرونهم بالجنة: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}النحل:32.
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
ـــــــــــــــــ
الملاحظة
لغة: لاحظه ملاحظة ولحاظا: راعاه(1).
وراقبه. ولاحظ عليه كذا: أخذه عليه والملاحظة: النظر بشق العين الذى يلى الصدغ. وتعنى كذلك ما يؤخذ على الرأى أو الكتاب من هنات.
كما أنها تعنى فى مناهج البحث العلمى: مشاهدة يقظة للظواهر كما هى ، دون تغيير أو تبديل.
والملحوظة: كلمة توضع على هامش الكتاب أو غيره عنوانا إلى ما ينبه عليه من خطأ أوسهو أو نقص(2).
هذا ولم ترد كلمة "ملاحظة" ولا مادتها فى القرآن الكريم.(2/455)
واصطلاحا: هى أن يوجه الباحث عقله وحواسه ، إلى طائفة خاصة من الظواهر، لا لمجرد مشاهدتها بل معرفة صفاتها وخواصها ، سواء أكانت شديدة الظهور أو الخفاء(3).
ويفهم من ذلك أن الملاحظة هى المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، مع الاستعانة بأساليب البحث التى تتلاءم مع تلك الظاهرة.
والملاحظة تطلق أيضا على الحقائق المشاهدة التى يقررها الباحث فى فرع خاص من فروع المعرفة، كأن يقال: ملاحظات طبية، لكن يمكن أن يقال "طب إكلينيكى" وهو الذى يقوم على مجرد الملاحظة، فى مقابل "طب تجريبى" الذى يقوم على التجريب.
والملاحظة هى إحدى صور المعرفة التجريبية، التى تستلزم اليقظة والانتباه.
وهى ليست مجرد عملية حسية فى التفكير بل هى تتضمن تدخلا إيجابيا من جانب العقل ، الذى يقوم بنصيب كبير فى إدراك الصلات الدقيقة بين الظواهر، أو ما يسمى "الحدس بالقانون" ولابد فى كل ملاحظة من التفريق بين الذات المدركة والشىء المدرك. فلولا ذلك لما أمكن الانتقال من الذاتى إلى الموضوعى(4)
والملاحظة نوعان:
أ- ملاحظة فجّة: وهى كل ملاحظة سريعة يقوم بها الإنسان فى ظروف الحياة العادية، مثل ملاحظة الرجل العامى لأطوار القمر هلالا ثم بدرا وغير ذلك. لكن ملاحظته هذه لا تعين له السبب فى اختلاف أوجه القمر، وهى لا تهدف إلى تحقيق غاية نظرية أو الكشف عن حقيقة علمية، لكن بعض الملاحظات السريعة قد تكون سببا فى الكشف عن بعض القوانين الطبيعية الكبرى، مثل كشف نيوتن عن قانون الجاذبية، بعد أن شاهد تفاحة تسقط من شجرتها.
ب - ملاحظة علمية: وهى كل ملاحظة منهجية يقوم بها الباحث فى صبر وأناة، للكشف عن تفاصيل الظواهر وعن العلاقات الخفية التى توجد بين عناصرها، أو بينها وبين ظواهر أخرى.
وهنا يمكن التفريق بين نوعين من الملاحظة العلمية:
1- ملاحظة الكيف: وتستخدم فى العلوم التى تعمل على تصنيف الأشياء إلى أجناس أو أنواع ، كعلوم الحيوان والنبات ،بواسطة تحديد الصفات النوعية.(2/456)
2- ملاحظة الكم: وهى معرفة العلاقات بين العناصر التى تتألف منها ظاهرة معينة، ومنها الملاحظات الفلكية والكيميائية والفيزيائية. وهى ترمى إلى التعبيرعن العلاقات التى تكشف عنها بنسب عددية ، محاولة الوصول إلى مرحلة الدقة التى وصلت إليها العلوم الرياضية(5)
والملاحظة فى مقابل التجريب EXPERI-MENTATION الذى هو منهج علمى يقوم على الملاحظة والتصنيف ووضع الفروض والتحقق من صحتها(6).
لكن الملاحظة والتجربة تعبران عن مرحلتين متداخلتين من الناحية العلمية(7).
وكثيرا ما تكون التجربة مجرد ملاحظة لتوليد فكرة جديدة فى ذهن العالم ، لا لاختبار فكرة سابقة موجودة لديه(8).
ويمكن الجمع بين الملاحظة والتجربة بشرطين:
1- الموضوعية: بمعنى الدقة التامة مع التجرد من العاطفة.
2- تحقيق بعض الصفات العقلية: كأن يتسم الباحث ملاحظا أم مجربا بروع النقد والتمحيص والفطنة والحذر وعدم التسرع فى التفسير والتأويل(9).
ولا ينبغى أن يغيب عن الباحث ملاحظا أو مجربا أن البحث عن السبب شىء هام جدا، مع التأكيد على أن المسبب هو الثمرة المنشودة ، فتسخين الحديد مثلا سبب ، لكن تشكيله هو المسبب وهو الغاية(10).
وهناك ما يسمى "الملاحظة المنجدة" وهي التى يستعين بها العالم على اختبار فكرته ، مثلما يستعين بالتجربة تماما.
وأشيرا فإن هناك "الملاحظة فى علم الأخلاق" ويقصد بها المراقبة لسلوك ما ، لمعرفة مدى مطابقته للقواعد المرسومة(11).
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
ـــــــــــــــــ
الموازين
لغة: جمع ميزان ، وهو الآلة التى توزن بها الأشياء كما فى اللسان(1)، كما تطلق على المقادير القياسية التى توزن تبعا لها الأشياء.
وقد تعامل العرب فى الإسلام وما قبله بالأوزان ، وكانت هذه الأوزان كثيرة، لكن الأساس منها يتمثل فى الدرهم والدينار.(2/457)
وقد تنوعت الأوزان واختلفت مقاديرها ،ويلاحظ فيها أن الأوزان الصغيرة تستعمل للأشياء الثمينة، والمتوسطة لمتوسطة القيمة،والكبيرة لدنيئة القيمة.
واصطلاحا: الوزن أصل الكيل ، نلاحظ ذلك فى كلام الفقهاء، فإذا عرف الوزن عرف الكيل. ولذا فإنهم يقدرونه بالمد والصاع - وهما من الكيل - بالرطل والدرهم - وهما من الوزن - وقد خلط الفقهاء بين الكيل والوزن ،فجعلوا - مثلا - الرطل والدرهم وهما من الوزن من أجزاء المد والصاع وهما من الأكيال ، فيجب معرفة الدرهم والرطل أولا حتى يسهل معرفة المد والصاع.
وهناك فرق بين الكيل والوزن ، فالكيل للحجم والوزن للثقل ، قال تعالى: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. وزنوا بالقسطاس المستقيم}الشعراء:181-182. ويظهر من الآية أنهما متغايران ، إذالعطف يقتضى المغايرة.
وقد ورد فى القرآن الكريم والسنة الغراء كثير من الأوزان مثل: المثقال ، القسطاس المستقيم ، والذرة، وحبة الخردل ، والقنطار ، والنقير، والأوقية ، والدرهم ، وغيرها.
وهناك أوزان أخرى عرفت فى صدر الإسلام مثل: الطسوج ، والقيراط ، والدانق ،والدرهم ، وهو أنواع مختلفة منها: الدراهم الطبرية ، والدرهم البغلى، والدرهم الحوراقى، والدرهم الجواز، والدينار وله أنواع عدة منها: الدينار الحرقلى الرومى، والدينار الكروى، دينار عبد الملك بن مروان ، وغيرها ، والنواة،والنش ، والرطل ، والمن.
والأوزان لها مكانة عليا فى معاملات الناس ، إذ تعتبر مقياسا مهما لها، وتتعلق بها بعض الأحكام الفقهية التى تسير بها الحياة، ومن المسائل الفقهية المهمة التى يلاحظ أن الموازين لها دخل وحظ عظيم فيها: زكاة النقدين ، ومقدار نصاب السرقة، وأقل المهر فى النكاح ، وكفارة الجماع فى الحيض ، ودية القتل العمد والقتل الخطأ وغيرها كثير(2).
أ.د/على جمعه محمد
ـــــــــــــــــ
المواقيت(2/458)
لغة: جمع ميقات ، وهو الحد، تقول: وقت الشىء يوقته ، ووقته يقته إذا بين حده ،ثم اتسع فيه ، فأطلق على المكان فقيل للموضع: ميقات ، والميقات بصدد الوقت كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: يطلق على الوقت المضروب للشىء، كما يقال للمكان الذى يجعل منه وقت الشىء كميقات الحج(2).
والمواقيت كما يظهر من التعريف زمانية ومكانية، وهى تعتبر حدودا لأداء العبادات سواء كان ذلك فى بدايتها أونهايتها.
والميقات الزمانى له علم خاص به يسمى "بعلم الميقات"(3) وهو علم يعرف به أزمنة الأيام والليالى وأحوالها ، وفائدته تتلخص فى معرفة أوقات العبادات.
ويهتم علم الميقات الزمانى بتحديد أوائل الشهور القمرية ونهايتها حتى تقام العبادات بناء على ذلك ، كما يهتم بالنظر فى الكواكب والبروج من حيث سيرها،وهوعلم له خطر عظيم ، إذ هو وسيلة إلى المقاصد المطلوبة شرعا لمصالح الدين والدنيا، فالجهل بالأوقات سبب للجهل بأمر الصلاة والزكاة.. فقد يضعها الإنسان فى غير محلها، فيصلى فى غيرالوقت ويصوم وقت الإفطار ويفطر وقت الصوم.. وهكذا مما لا يخفى.
وبدرجة أهمية المواقيت الزمانية تكون درجة المواقيت المكانية وأهميتها ،إذ إن الاهتمام بزمن العبادة يتبعه بالتالى الاهتمام بمكانها.
وتظهر الأهمية بالنسبة للمواقيت المكانية مثلا فى الحج ، فالمسلمون يقصدون الأراضى المقدسة لتأدية فريضة الحج من كل فج عميق ، فوقت لهم الشارع الحكيم مواقيت مكانية لا يتعدونها ، وهناك مواقيت خمسة للحاج أن يراعيها:
- ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة.
- الجُحفة: وهو ميقاف أهل الشام ، ومصر، والمغرب.
- يلملم: وهو ميقات أهل اليمن.
- قرن: وهو ميقات أهل نجد.
- ذات عرق: وهو ميقات أهل العراق ،وخراسان ، والمشرق.(2/459)
وهى مواقيت لأهلها، ولمن مر بها من غير أهلها، فمن مر عليها يريد النسك لزمه أن لا يجاوزها حتى يحرم ، فإذا جاوز الميقات يريد النسك ثم أحرم دونه فعليه دم سواء عاد إلى الميقات أو لم يعد(4).
أ.د/على جمعه محمد
ـــــــــــــــــ
الميراث
لغة: انتقال الشىء من شخص إلى آخر بعد الوفاة، سواء كان الانتقال إلى وارث موجود، أو فى حكم الموجود كالجنين ، كما فى القاموس(1).
واصطلاحا: استحقاق نصيب فى تركة المتوفى، بسبب قرابة أو زوجية أو ولاء(2).
وأسباب الميراث المتفق عليها هى: القرابة والزوجية، ومن أدلة مشروعية الاستحقاق بسببهما: قول الله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون}النساء:7 ، وقوله سبحانه: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد..}النساء:12 ، وما رواه ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) متفق عليه(3).
ونظام الميراث فى الإسلام نظام إلهى، لا دخل للبشر فى ترتيبه الحقوق فيه ، فهى مترتبة من قبل الشارع لكل من قام به سبب الإرث عند وفاة المورث ، حيثه يعطى كل وارث نصيبه المقدر له إن كان من أصحاب الفروض ، أو يأخذ الباقى من أصحاب الفروض إن كان يرث بالتعصيب.
ولا يحرم من الميراث أحد ممن قام به سبب الإرث ، إلا أن يكون قاتلا لمورثه أو مختلفا معه فى الدين.
ولم يمنع الإسلام المرأة من الإرث كما هو الحال فى الشريعة اليونانية أو اليهودية أو الأعراف القبلية القديمة، ولم يمنع الإسلام الطفل أو حتى الجنين فى الرحم من الإرث ،كما هو الحال فى الأعراف القبلية القديمة، حيث كان لا يعطى من التركة إلا الرجال الأقوياء، ولم يميز الإسلام عند توزيع الأنصبة فى الإرث بين الكبير والصغير، كما فى شريعة اليهود، حيث يعطى فيها الابن الأكبر للمتوفى ضعف ما يعطى الأصغر.
ومن خصائص نظام الميراث الإسلامى:(2/460)
1- أنه نظام إجبارى فى حق المورث والوارث ، فليس للمورث حرمان أحد من الميراث ، وليس للوارث رد إرثه من قريبه ،خلافا لبعض النظم التى تجعل حق الإرث اختياريا لكليهما.
2- حرصت الشريعة الإسلامية على حفظ حق الورثة فى مال قريبهم قبل موته ، إذا مرض مرضا يسلمه إلى الموت ، حيث منعته من التصرف فى ماله بما يضر بورثته أو يضيع حقوقهم فى ماله ، بعد أن تركت له الحرية المطلقة فى التصرف فى ثلث هذا المال.
3- وقد جعلت الشريعة الإسلامية تركة الميت لأحب الناس إليه ، وأكثرهم صلة به ،وتعاونا معه فى حال حياته.
4- وجعلت التوارث داخل نطاق الأسرة الواحدة، بما يحقق الترابط بين أفرادها.
5- وجعلت أساس تقديم بعض الورثة على بعض: قوة القرابة، وشدة الصلة بالميت ، واتصال المنافع بين الوارث والمورث.
6- اعتبرت الشرعية الإسلامية الحاجة هى أساس التفاضل فى الميراث عند الاتفاق فى سبب الاستحقاق ، ولهذا جعلت نصيب البنت نصف نصيب أخيها الذكر،لأن حاجته إلى المال أشد من حاجتها إليه ، ومطالب الحياه وتبعتها بالنسبة له أكثرمنها.
7- ونظام الميراث فى الإسلام يحول درن جميع الثروة فى يد واحدة على حساب الآخرين ، ويؤدى إلى تفتيت الثروة على أكبر عدد من المستحقين للتركة، فيستفيد من خيرها طائفة كبيرة من أقارب الميت.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
المَهْر
لغة: هو ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتم زواجه بها. كما فى المعجم الوجيز(1).
واصطلاحا: اسم للمال الذى يجب فى عقد النكاح على الزوج فى مقابل البضع ، إما بالتسمية أو بالعقد(2).
وقد أوجبه الشارع الحكيم للزوجة، كحق مقرر لها بعقد النكاح لقول الله تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}النساء:4 ، وما رواه سهل الساعدى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمريد الزواج من امرأة: (التمس ولو خاتما من حديد) متفق عليه(3).(2/461)
والمهر المسمى هو الذى يتفق المتعاقدان على مقداره ، ويذكر أنه عند التعاقد أو بعده ، وهو يجب للمرأة إذا صح عقد نكاحها، وكان المسمى مالا متقوما معلوما.
ومهر المثل: هو الذى يفرض بحسب العادة فى مثل المرأة التى يراد تزوجها إذا حدث أن فسد تسمية المهر، أو لا يسمى للمرأة مهر، أو يتفق المتعاقدان على نفى المهر، أو يحدث الدخول بالمرأة فى نكاح فاسد ، أو الاشتباه فى حل المدخول بها، فيجب للمرأة فى هذه الحالات مهر مثلها من النساء.
وإيجاب الصداق للمرأة على من يريد الزواج بها فيه إعزاز لها، ورفعة لشأنها عنده ،حيث يبذل لها ما يجهد المرء نفسه فى سبيل اكتسابه وما تضن به النفس عادة، وهذا أدعى إلى دوام العشرة بين الزوجين.
وقد تميز التشريع الإسلامى بذلك عن كثير من الشرائع والأعراف التى لا توجب للمرأة هذا الحق على زوجها، بل قد تفرض عليها بذل المال لمن يتزوجها فى مقابل زواجه بها.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
المِلكيَّة
لغة: مصدر صناعى من المُلك والمِلك والمَلك ، وهو احتواء الشىء والقدرة على التصرف فيه بانفراد، فهو مع القدرة على التصرف(كما فى اللسان) والملك والمالك الحقيقى هو الله تعالى فهو مالك يوم الدين.
واصطلاحا: عند الفقهاء: الاختصاص ، والعلاقة الشرعية بين الإنسان والشىء، التى ترتب له حق التصرف فيه ،وتحجز الغير عن هذا التصرف ، وهو قدرة يثبتها الشرع ابتداء على التصرف إلا لمانع.
وقيل: حكم شرعى يقدر فى عين أو منفعة يقتضى تمكن من ينسب إليه من انتفاعه به ، والعوض عنه من حيث هو كذلك.
- وعند الحكماء: هو هيئة تفرد للشىء بسبب ما يحيط به وينتقل بانتقاله ، ويطلق أيضا على الجدة وعلى القنية.
ويستعمل الملك أيضا فى ملك الرقبة أى ملك الذات ، وملك المنفعة أى الوظيفة، وملك اليمين يغلب استعماله فى الرقيق.
والملك باعتبار صاحبه ثلاثة أنواع:(2/462)
- ملكية الدولة أو ملكية بيته المال: وتضم كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه ، كبيت مال الزكاة بأنواعها ، وبيت مال المصالح ويضم: الخراج والفىء وخمس الغنائم والجزية والعشور والركاز، وبيت مال الضوائع. ويضم: وارث من لا وارث له ،واللقطة، وديات القتلى الذين لا أولياء لهم ،ويتصرف فيه ناظر بيت المال تصرف الملاك الخاصين فى أملاكهم بما يحقق مصلحة الجماعة المسلمة.
- الملكية العامة أو الجماعية: وهى ملكية مشتركة بين مجموع أفراد الأمة دون أن يختص بها أحد منهم ، إما لتجاوز المنفعة من هذه الأشياء على ما يبذل فى سبيلها من جهد ونفقة، وإما لكون نفعها ضروريا لمجموع الأمة ولا غنى لأفرادها عنها. وتشمل الملكية المشتركة المرافق العامة من أنهار وشوارع وطرقات ومراعى وغابات وغيرها. فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المسلمون شركاء فى ثلاث: فى الماء والكلأ والنار" رواه أحمد.
الحمى: وهى أرض لا يملكها أحد وتخصص لمصلحة عامة، كأن تكون مرعى لإبل الصدقة وخيل الجهاد.
والأراضى الموقوفة لمصلحة المسلمين: كالأراضى التى فتحت عنوة ولم توزع على الغانمين.
والمعادن المستقرة فى الأراضى بخلق الله ظاهرة وباطنة، كالذهب والفضة والنحاس والحديد والبترول.
- الملكية الخاصة: ويكون مستحقها وصاحبها فردا أو جماعة على سبيل الاشتراك ، وتشمل كل الأموال الحلال ، من نقود وعروض قنية وعروض تجارة وأصول ثابتة ووسائل الإنتاج ، والتى لا تقع ضمن الملكية العامة المشتركة للمسلمين أو ملكية بيته مال المسلمين.(2/463)
والملكية فى الإسلام ذاته سمة فريدة فهى لجميع أنواعها ملكية استخلاف ، حيث إن الملك والملكية لله تعالى، فهو وحده سبحانه: {مالك يوم الدين}الفاتحة:4 ، وهو جل جلاله {مالك الملك}آل عمران:26. وهو سبحانه: {بيده ملكوت كل شىء}المؤمنون:88 ،يس:83 ، وهو المالك الأوحد {ولم يكن له شريك فى الملك}الفرقان:2 ، كما ذكرت آيات القرآن الكريم فى ثمانية عشر موضعا أنه سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض ، والبشر مستخلفون - فرادى وجماعات - فى الأرض {ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم}النور:55.
وقد قسم العلماء طرق وأسباب اكتساب الملكية إلى أربعة أقسام:
- باعتبار وجود الإرادة وعدمها: إلى أسباب اختيارية كالاستيلاء على المباح بما فى ذلك إحياء الأراضى الموات وسائر- العقود، وأسباب جبرية كما فى الميراث.
- باعتبار الصفة الأصلية إلى أسباب منشئه كالإحياء والصيد ، وأسباب ناقلة كما فى العقود والميراث.
- باعتبارالصيغة إلى أسباب فعلية كالاستيلاء على المباح ،وأسباب قولية كما فى العقود، وأسباب اعتبارية كما فى الميراث.
- باعتبار الشخص الذى تؤول إليه الملكية: إلى ما كان بعمل شرعى من أنواع السعى كالتجارة والصناعة والزراعة والصيد ، وما كان بحكم شرعى كالزكاة والنفقات والإرث والكفارات ، أو ما كان بإرادة الغير كالهبة والصدقة والوقف والإقطاع.
وقد حفظت الشريعة الإسلامية حق الملكية الخاصة والمشتركة وملكية الدولة بتحريم التملك عن طريق وسائل الغش و الخداع كالتلاعب بالأسعار والغرر ، وعن طريق الظلم والاستغلال كالغصب والسرقة و الاختلاس والرشوة والربا والاحتكار، وعن طريق تحديد المصالح التى تبيح تدخل الحاكم لتقييد الملكية الخاصة أو مصادرتها.(2/464)
كما حفظت الشريعة دور الملكية فى المجتمع عن طريق تحريم التملك لكل ما فيه ضرر عائد على الأفراد أو الجماعات فى أعراضهم وأموالهم وعقولهم ، كالإتجار بالأعراض والخمر والميسر وكافة المحرمات.
كذلك حفظت الشريعة السمحاء التوازن الدقيق بين مصلحة الفرد وحق الجماعة بما حددته من مبادىء تحفظ حق كل من الملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة، وكيفية استعمال كل منها، وانتقال الملكية الخاصة من شخص لآخر فى حياته وبعد موته.
أ.د/نعمت عبد اللطيف مشهور
ـــــــــــــــــ
النبوة
لغة: النبوة و النباوة الارتفاع ، أو المكان المرتفع من الأرض. و"النبى": العلم من أعلام الأرض التى يهتدى بها، ومنه اشتقاق "النبى" لأنه أرفع خلق الله ، وذلك لأنه يهتدى به. النبأ: الخبر، يقال: نَبِأ، ونَبأ وأنباء: أخبر، ومنه: النبى ، لأنه أنبأ عن الله.
"النبوءة" و"النبوة": الإخبار عن الغيب ، أو المستقبل بالإلهام ، أو الوحى.
واصطلاحا: عرف الإنسان منذ القدم كلمة: "النبوة"، فقد وجدت فى جميع اللغات واللهجات ، غير أن استعمالاتها تعددت وتنوعت ، ففى اليونانية القديمة كانت تطلق على المتكلم بصوت جهورى، أوعلى من يتحدث في الأمور الشرعية، وعند الفراعنة كانت تطلق علي كهنة آمون ، كما أطلقت على "إيزيس" في مصر القديمة، وعلى زرابيس فى روما، وكلاهما لايخرج عن هذا المعنى.
لم يقتصر الأمر على إطلاقها على من يعمل فى الحقل الدينى، بل أطلقت أيضا على السحرة والمنجمين ، وكذلك على من اختل عقلهم ، وضعف تفكيرهم ، فأتوا من الأعمال ما لايفهمه العقلاء، وقد ذكر علماء مقارنة الأديان عدة أنواع من النبوات ، منها: نبوة السحر، ونبوة الرؤيا والأحلام ، ونبوة الكهانة، ونبوة الجذب ، أوالجنون المقدس ،ونبوة التنجيم.(2/465)
وكانت كلمة النبوة عند بنى إسرائيل تفيد معنى الإخبار عن الله ، ولذا كانت تطلق على من يتخرجون من المدارس الدينية، حيث كانوا يتعلمون فيها تفسيرشريعتهم ، كما كانوا يدرسون أيضا الموسيقى والشعر، لذا كان منهم شعراء ومغنون وعازفون على آلات الطرب ، وبارعون في كل مايؤثر فى النفس ويحرك الشعور والوجدان ، ويثير رواكد الخيال. ومن المسلم به أن خريجى هذه المدارس لم يكونوا على درجة واحدة من الصفاء الذهنى، والإدراك العقلى، كما لم يكونوا كلهم على درجة واحدة من التقوى والصلاح ، ولذا لم تفرق الكتب المقدسة قبل الإسلام فى حديثها عن الأنبياء بين من يتلقون الوحى من الله ، وبين من يدرسون شريعة الله ويشرحونها للناس ، فجاء حديثها - أحيانا - عن أنبياء كذبة ، إذ نجد فى سفر أشعياء حديثا عن النبى الكذاب ، حيث يقول: "الشيخ المعتبر هو الرأس والنبى الذى يعلم بالكذب هو الذنب (9-15)، ويقول متى: "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ، ويضلون كثيرين" (24-11)، ويقول لوقا: "لأنه هكذا كان يفعل آباؤهم بالأنبياء الكذبة" (6-26)، ويصف يوحنا فى رؤيته خروج الأرواح النجسة من فم النبى الكذاب.
وحين نزل القرآن الكريم على محمد - صلى الله عليه وسلم - حدد معنى كلمة "النبوة"، فوضح أن النبى هو مانزل عليه وحى الله وأمر بتبليغه للناس ، فهو ليس ساحرا ، لأن الفلاح لايكون حليفه ، يقول تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى}طه:69 ، كما أن مايبلغه عن ربه ليس شعرا ، يقول تعالى: {وما هو بقول شاعر قليلا ماتؤمنون}الحاقة:41 ، فلا ينبغى أن يقرن النبى بالشاعر، أو بمن يلقى الكلام بصوت جهورى، كما كان ذلك معروفا عند اليونان ، كما أنه ليس كاهنا كما كان معروفا عند قدماء المصريين ، إذ نص القرآن الكريم عنه هذه الصفة، فقال تعالى: {ولابقول كاهن قليلا ماتذكرون}الحاقة:42.(2/466)
فإذا بين القرآن الكريم أن النبى ليس شاعرا ولاكاهنا ، فالأولى أن ينفى عنه وصفا كان يطلقه بعض الناس على المشعوذين باسم الدين ، وهو الجنون المقدس ، فقال تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}القلم:2 ، أى ما أنت بهذا الذى نزل عليك من الله بواحد من هؤلاء الذين كانوا يعرفون بين الناس بأنهم "مجاذيب"، أو لديهم "جنون مقدس". وأخيرا لست ممن يتخذون العرافة
والتنبؤ بالغيب حرفة لهم ، فلا يلتبس ما تبلغه عن الله بكلام من يدعون أنهم يعرفون الغيب ، يقول تعالى: {فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين}يونس:20 ، ويقول: {وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلاهو}الأنعام:59 ، ويقول: {قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ، ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك ، إن أتبع إلاما يوحى إلى، قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}الأنعام:50.
وبهذا فرق الإسلام بين النبوة الإلهية، وبين ملابساتها من الكهانة، والعرافة، والقيافة، والفراسهة، كما أنه حدد استعمالات الكلمة، فلا تطلق إلا على من نزل عليه الوحى من الله ، فلم يعد من المستساغ عقلا، ولا من الجائز شرعا أن تطلق على الكهنة، أو على من يدرسون الشريعة ويعلمونها للناس ، بالتالى لا تطلق على السحرة والمنجمين ، ولاعلى المجانين والمشعوذين فى طريق الدين ،فلم يبق من الاستعمالات القديمة لكلمة "النبوة" إلا إطلاقها على أصحاب الرؤيا الصالحة، التى تكون مقدمة وإرهاصا لنزول الوحى على من اختصه الله بهذه الرؤيا، كما حدث ليوسف عليه السلام ، يقول الله تعالى: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين}يوسف:4.
أ.د/محمد شامة
ـــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم
مقدمة:
• في السيرة يتعرف المسلم على جوانب متعددة من شخصية النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وأسلوبه في حياته ومعيشته، ودعوته في السلم والحرب.(2/467)
• وفيها أيضاً: يتلمس المسلم أسباب الضعف والقوة، وأسباب النصر والهزيمة، وكيفية التعامل مع الأحداث وإن عظمت.
• بدراسة السيرة النبوية يستعيد المسلمون ثقتهم بأنفسهم، ويوقنون بأن الله معهم وناصرهم.
نسبه:
• هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن عبد مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أسماؤه:
• عن جبير بن مطعم أن الرسول قال: { إن لي أسماء، وأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميَّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد } [متفق عليه].
• وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله يسمي لنا نفسه أسماء فقال: { أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة } [مسلم].
طهارة نسبه:
• عن واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: { إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم } [مسلم].
• وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب رسول الله قال: { هو فينا ذو نسب، فقال هرقل: كذلك الرسل تبعث في نسب قومها }.
ولادته:
• ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، قيل في الثاني منه.
• وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر.
• قال ابن كثير: والصحيح أنه ولد عام الفيل.
• قال علماء السير: لما حملت به آمنة قالت: ما وجدت له ثقلاً، فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.
• توفي أبوه وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة، والمشهور الأول.
رضاعه:
• أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً.(2/468)
• ثم استُرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظُّ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك.
• ثم ماتت أمه بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة وهو ابن ست سنين، ولما مرَّ رسول الله بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، استأذن ربّه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وقال: { زوروا القبور فإنها تذكر بالموت } [مسلم].
• لما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزّ نصر وأتم مؤازرة مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات.
صيانة الله تعالى له من دنس الجاهلية:
• كان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته.
• لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه.
زواجه:
• تزوج من خديجة وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها.
• ماتت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت.
• لما ماتت خديجة رضي الله عنها تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة.
• ثم تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يتزوج بكراً غيرها.(2/469)
• ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
• ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها.
• وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها.
• وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها.
• ثم تزوج رسول الله جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.
• ثم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان.
• وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حييّ بن أخطب رضي الله عنها.
• ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولاده:
• كل أولاده من ذكر وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.
• الذكور من ولده: القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أياماً يسيرة، والطاهر والطيب.
• وقيل: ولدت له عبدالله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب.
• أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبله بثلاثة أشهر.
بناته:
• زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها.
• ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه.
• وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
• وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان بعد رقية رضي الله عنهن جميعاً.
مبعثه:
• بعث لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان.(2/470)
• لما نزل عليه الملك قال له: اقرأ.. قال: لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ.. فقال: لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال: { اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5]. فرجع رسول الله إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت: أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر.
• ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً، فاغتم لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله خاف منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني.. دثروني، فأنزل الله عليه: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [المدثر:1-4]. فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله.
• قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة.
• قام عمه أبو طالب بحمايته، فقد كان شريفاً مطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله لما يعلمون من محبته له.
• قال ابن الجوزي: وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: {فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} [الحجر:94]. فأعلن الدعاء.(2/471)
• لما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء:214]، خرج رسول الله حتى صعد الصفا فهتف ( يا صباحاه! ) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ }إلى آخر السورة.
صبره على الأذى:
• لقي - صلى الله عليه وسلم - الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فراراً من الظلم والاضطهاد فخرجوا.
• لما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله من الأذى ما لم تطمع فيه حياته، وروى أبو نعيم عن أبي هريرة قال: { لما مات أبو طالب تجهَّموا رسول الله فقال: يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك }.
• كان - صلى الله عليه وسلم - مرة يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فألقته عن ظهره، فقال حينئذ: { اللهم عليك بالملأ من قريش }.
• في أفراد البخاري: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوماً بمنكبه ، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟
رحمته بقومه:(2/472)
• لما اشتد الأذى على رسول الله بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر الرجوع إلى مكة. قال صلى الله عليه وسلم: { انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً } [متفق عليه].
• وكان رسول الله يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول: { من يؤويني؟ من ينصرني؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي! }.
• ثم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر فدعاهم فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سراً، فلما تمت أمر رسول الله من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً.
هجرته إلى المدينة:
• خرج رسول الله هو وأبو بكر إلى المدينة فتوجها إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثاً، وقريش تطاردهم.
• ثم دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله.
غزواته:
• عن ابن عباس قال: لما خرج رسول الله من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون، لَيهَلِكُنَّ، فأنزل الله عز وجل: { أُذِنَ للَّذينَ يُقَاتَلُنَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } [الحج:39]. وهي أول آية نزلت في القتال.(2/473)
• غزا رسول الله سبعاً وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع: بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف.
• وبعثَ ستاً وخمسين سرية.
حج النبي واعتماره:
• لم يحج النبي بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع.
• أما العمرة: فالأولى عمرة الحديبية التي صدّه المشركون عنها. والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة عمرته مع حجته.
صفته:
• كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون - أي أبيض بياضاً مشرباً بحمرة - أشعر، أدعج العينين –أي شديد سوادهما – أجرد –أي لا يغطي الشعر صدره وبطنه - ذو مَسرُبه – أي له شعر يكون في وسط الصدر والبطن.
أخلاقه:
• كان أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: { َإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} [القلم:4].
• كان أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان يأكل ما وجد، ولا يتكلف ما لم يحضره، وكان لا يأكل متكئاً.
• وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته نار، وكان يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز.
• وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة، وكان في مهنة أهله، وقال صلى الله عليه وسلم: { خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي } [الترمذي وصححه الألباني].
• قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا).
من معجزاته:
• فانشق له القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنَّ إليه الجذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال.
فضله:(2/474)
• عن جابر بن عبدالله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: { أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة } [متفق عليه].
• وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي أنه قال: { أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة }.
• وفي أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال: { أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفع }.
عبادته ومعيشته:
• قالت عائشة رضي الله عنها: { كان رسول الله يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك، فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً } [متفق عليه].
• وقالت: وكان مضجعه الذي ينام عليه في الليل من أَدَمَ محشوّاً ليفاً.
• في حديث ابن عمر قال: لقد رأيت رسول الله يظلُّ اليوم يَلتَوي ما يجد دِقْلاً يملأ بطنه – والدقل ردئ التمر.
من أهم الأحداث:
• الإسراء والمعراج: وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وفيه فرضت الصلاة.
• السنة الأولى: الهجرة - بناء المسجد - الانطلاق نحو تأسيس الدولة - فرض الزكاة.
• السنة الثانية: غزوة بدر الكبرى وفيها أعز الله المؤمنين ونصرهم على عدوهم.
• السنة الثالثة: غزوة أحد وفيها حدثت الهزيمة بسبب مخالفة تعليمات النبي ونظر الجنود إلى الغنائم.
• السنة الرابعة: غزوة بني النضير وفيها أجلى رسول الله يهود بني النضير عن المدينة لأنهم نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين.
• السنة الخامسة: غزوة بني المصطلق وغزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة.
• السنة السادسة: صلح الحديبية، وفي هذه السنة حُرّمت الخمر تحريماً قاطعاً.(2/475)
• السنة السابعة: غزوة خيبر، وفي هذه السنة دخل رسول الله والمسلمون مكة واعتمروا، وفيها أيضاً تزوج رسول الله صفية بنت حُيَيّ.
• السنة الثامنة: غزوة مؤتة بين المسلمين والروم، وفتح مكة وغزوة حُنين ضد قبائل هوازن وثقيف.
• السنة التاسعة: غزوة تبوك وهي آخر غزواته ، وفي هذه السنة قدمت الوفود على رسول الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسمي هذا العام عام الوفود.
• السنة العاشرة: حجة الوداع، و حج فيها مع النبي أكثر من مائة ألف.
• السنة الحادية عشرة: وفاة رسول الله وكان ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول مع اختلاف في تحديد هذا اليوم من الشهر. وتوفي وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة، وثلاث وعشرون سنة نبياً رسولاً، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنين بالمدينة.
المرجع: اعرف نبيك صلى الله عليه وسلم-دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
النسب
لغة: القرابة، ويختص بالقرابة من جهة الآباء كما فى مقاييس اللغة(1)
واصطلاحا: اتصال شخص بغيره ،لانتهاء أحدهما فى الولادة إلى الآخر، أو لانتهائهما إلى ثالث على الوجه الشرعى(2).
ولقد حرص الإسلام على حفظ الأنساب عن الاختلاط ، وجعله من مقاصد الشارع الضرورية ولهذا حرم الزنا ، لما يترتب عليه من اختلاط ، فقال تعالى: {ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل}الإسلراء:32 ، كما حرم انتساب المرء إلى غير أبيه سواء كان بالادعاء أو التبنى أو غيرهما، فقال سبحانه {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم}الأحزاب:4 ، وقال تعالى {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم}الأحزاب:5.(2/476)
وروى عن سعد بن أبي وقاص أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) (رواه البخارى ومسلم عن سعد بن أبى وقاص)(3) ورورى عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ،فليست من الله فى شىء، ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجبا الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) (رواه ابن حبان عن أبى هريرة)0(4).
ونظرا لاهتمام الإسلام بانتساب كل إنسان إلى من كان سببا فى وجوده ، توسع فقهاء الإسلام فى أسباب ثبوت النسب ، فذكروا أنه يثبت:
1- بولادة الطفل على فراش الزوجية الصحيحة.
2- الإقرار بالبنوة.
3- الشهادة على ذلك.
4- نكول المدعى عليه عن اليمين.
5- اليمين المردودة على المدَّعِى عند نكول المدعى عليه.
6- القيافة، وذ لك بتتبع العلامات الموجودة فى شخصين للوصول إلى إثبات القرابة بينهما.
7- القرعة بين المتنازعين على نسبة مولود لهما عند تساوى بيناتهما بنسبته.
8- يثبت بحكم القاضى إذا ثبت عند نسبة الولد إلى رجل بعينه.
9- التحكيم عند اختلاف المدعين فى هذه النسبة.
وقد جعل الشارع الإنسان إلى من كان سببا فى ولادته من العدل ، لذا يقول الحق سبحانه {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}وهو يدل على أن انتساب الإنسان إلى غير أبيه من الجور.
ولقد كان قدماء الرومان يجيزون للرجل الاعتراف بمن يشاء من أولاده ، وإنكار من يشاء حسب رغبته ، وكانوا هم والبيزنطيون والأقباط والروس ينكرون الولد وينفونه ، إذا لم يعجبهم أو لا يشبه أفراد العائلة.
وكان قدماء الرومان واليونان يهدرون نسب المرآة بعد زواجها حيث تلحق بنسب عائلة زوجها ، ومازال هذا معمولا به فى كثير من دول الغرب حتى الآن.
وقد ساد فى الجاهلية انتساب الإنسان إلى غير أبائه ، وذلك بالتبنى أو الاستحاق أو الموالاة، فأبطل الإسلام ذلك كله وحرمه.(2/477)
وحفظ النسب الذى رسمه الإسلام ، يحقق الانتماء إلى الأسرة، والترابط بين أفرادها.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
النسخ
لغة: الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، أى أزالته (لسان العرب)(1).
واصطلاحا: عرف النسخ فى اصطلاح الأصوليين بتعريفات كثيرة، فعرفه البيضاوى بأنه: بيان انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى متراخ عنه(2).
وعرفه ابن الحاجب بأنه: رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر(3).
ومعنى تعريف البيضاوى:(4) أن الحكم الشرعى مُغيا عندالله تعالى بغاية، أو محدد بوقت معين ، فإذا جاءت هذه الغاية أو حل الوقت المعين انتهى الحكم لذاته.
ومعنى تعريف ابن الحاجب:(5) رفع تعلق الحكم الشرعى بأفعال المكلفين لارفعه هو، فإنه أمر واقع ، والواقع لايرتفع.
وللنسخ فى الشريعة الإسلامية حكمة عظيمة: ففيه حفظ لمصالح العباد فى وقت الرسالة، لانتقال المسلمين من فوضى الجاهلية إلى نظام الإسلام ، فاقتضت حكمة الشارع ألا ينقلهم دفعة واحدة إلى ما يستقر عليه التشريع آخر الأمر، لأنهم لايطيقون ذلك ، بل سلك بهم طريق تشريع الحكم الملائم لحالهم أول الأمر، فإذا أذاقوا بشاشته وألفوا الخروج على ما تعودوه بترويض أنفسهم لذلك جاء حكم آخر.
لذا نجد النسخ قد يكون من الأخف إلى الأشد، وقد يكون من الأشد إلى الأخف ، وهذا تمشيا مع المصلحة، فإذا كانت المصلحة فى تبديل حكم بحكم ، وشريعة بشريعة كان التبديل لمراعاة هذه المصلحة، وعموما ففى النسخ رحمة الله لخلقه بالتخفيف عنهم والتوسعة عليهم(6).
وأركان النسخ أربعة:(7).
1- النسخ: وهى الرواية والمعنى الحاصل بالمصدر "الارتفاع" أى ارتفاع الحكم.
2- الناسخ: وهو الله سبحانه حقيقة، وتسمية الدليل ناسخا مجاز.
3- المنسوخ: وهو الحكم الذى انقطع تعلقه بأفعال المكلفين فيما يستقبل من الزمن.
4- المنسوخ عنه: وهو المكلف الذى رفع عنه التكليف بالحكم المنسوخ ، ووقع عليه بالحكم الناسخ.(2/478)
وأكثر أهل الفقه والأصول على جواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا، إلا ما نقل عن أبى مسلم الأصفهانى فقد منع وقوعه وإن قال بجوازه عقلا. وذهب كثير من المحدثين إلى عدم وقوعه فى القرآن الكريم وإن وقع فى السنة المشرفة(8).
أمر الله تعالى المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولا وذلك فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}البقرة:240. ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر كما فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}البقرة:234 ، قد نسخت هذه الآية الآية المتقدمة.
وللنسخ شروط منها ما هومتفق عليه ،ومنها ما هومختلف فيه(9).
أما الشروط المتفق عليها بين العلماء فهى:
1- أن يكون المنسوخ حكما شرعيا، لأن الأمورالعقلية التى مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات.
2- أن يكون النسخ بخطاب شرعى لا بموت المكلف ،لأن إرتفاع الحكم بالموت سقوط تكليف لانسخ.
3- أن يكون الحكم السابق مقيدا بوقت معين.
4- أن يكون الناسخ متراخيا عن المنسوخ ،فإن المقترن بالشرط والصفة والاستثناء لا يسمى نسخا بل تخصيصا.
وأما الشروط المختلف فيها فكثيرة منها:
1- أن لا ينسخ القرآن إلا بقرآن ، ولا سنة إلا بالسنة.
2- أن يكون الناسخ مثل المنسوخ فى القوة، أو أقوى منه لا دونه ، فلا ينسخ القرآن بالآحاد، لأن الأقوى لا يفسخه ضعيف.
3- أن يكون الفعل المراد نسخه قد دخل وقته وتمكن المكلفون من امتثاله ، فلا يجوز نسخ العقل قبل التمكن من الامتثال.
4- أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ ،مقابلة الأمر للنهى، والمضيق للموسع.
5- أن يكون الناسخ والمنسوخ نصين قاطعين.
6- أن يكون النسخ ببدل مساو ، أو بما هو أخف منه.
7- أن يكون الخطاب المنسوخ حكمه مما لايدخله الاستثناء والتخصيص.(2/479)
والراجح أنه لا اعتبار لهذه الشروط ، وإن كان قال بكل واحد منها فريق ، فهناك فريق آخر قال بضده ، ولايحتج بقول على قول ،تعقيب: على أن مسألة النسخ كانت مثار خلاف شديد بين من يثبتونه على ما ورد بصدد هذه الدراسة.
لكن من ينكرونه يستندون إلى ملاحظات جديرة بالاعتبار منها:
1- أن من بعض أوصاف القرآن فى القرآن - آية {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}هود:1.
والإحكام ينافى النسخ.
2- أن تفسير"النسخ" قد يوهم ما لا يتفق وإحكام الحق تبارك وتعالى لكتابه ، كما ينافى مما قد يقع فى الوهم منافيا لجلال الله من تردد أو ارتياب فيما يحكم به ، فيكون نسخه وتعديله.
3- بعض العلماء ومنهم الاستاذ الدكتور محمد البهى رحمه الله على ما حدثنى الأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف من أن الدكتور البهى تتبع لفظ الآية فى القرآن ، فوجد أن كل ما ورد عن الآية فى القرآن جاء بلفظ الجمع (آيات) إلا آية النسخ هذه ، ومن ثم يرجح أن تكون بمعنى العلامة أو لآية كونية(9).
والله أعلم
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
النصيحة
أولاً : تعريف النصيحة :
كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً .
ثانياً : حكم النصيحة .
ثالثاً : ذكر الأدلة الموجبة للنصيحة وشروطها :
- أن يقدر على النصح فلا يكون هناك مانع حسي أو معنوي .
- أن يعلم أن المنصوح سوف يقبل نصحه .
- أن يأمن على نفسه وماله من المكروه الضار .
رابعاً : فضل النصيحة والدلالة على الخير .
خامساً : الأدلة من السنة المطهرة .
سادساً : آداب النصيحة :
أ / الإخلاص في النصح .
ب / مراعاة المقام :
1- ألا يكون المنصوح مشغولا بأمر ما .
2- ألا يكون الشخص مع أحد أصدقائه أو أقاربه .
3- على ذلك يقاس بعض الأحوال .
ج / أن يكون المنصوح منفردا .
د / أن يكون عالما بما ينصح فيه .
هـ / أن يستخدم الحكمة والأسلوب الحسن .
و / ألا يكون هدفه انتقاصا .(2/480)
المرجع : النصيحة شروطها وضوابطها- د.عبد العزيز المسعود- دار الوطن للنشر
ـــــــــــــــــ
النفاق
مقدمة:
• النفاق هو الداء العضال الباطن الذي يكون بداخل نفس الإنسان وهو يشعر به أو لا يشعر.
أنواع النفاق
النفاق نوعان:
• نفاق أكبر
• نفاق أصغر
أولاً: النفاق الأكبر
• هو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله، مكذب به.
• هذا النوع يخرج به العبد من الإسلام.
• ويوجب له الخلود في النار في دركها الاسفل.
• قال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }النساء145.
• هذا النوع لا يغفره الله عز وجل إلا بالتوبة منه.
علامات النفاق الأكبر
1ـ بغض الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الهدى والنور.
2ـ بغض المؤمنين لإيمانهم، وتمسكهم بعقيدتهم محبة الكافرين لكفرهم.
3ـ عدم الإيمان بالقران أو ببعض ما جاء فيه.
4ـ التحاكم إلى الطاغوت وترك التحاكم إلى الله ورسوله.
5ـ كراهية ارتفاع دين الإسلام ومحبة انخفاضه.
6ـ عدم الإيمان بوعد الله ووعيده في الباطن.
7ـ الصلاة مع المسلمين رياء لا عن إيمان وتصديق بوجوبها.
8ـ اعتقاد كذب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض ما اخبر به.
ثانياً: النفاق الأصغر
• هو أن يتصف بصفة من صفات المنافقين العملية، مع تصديق الباطن وايمانه بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وبوعد الله ووعيده.
• هذا النوع لا يخرج به العبد من الإسلام.
• يستحق به صاحبه الوعيد والعذاب دون الخلود في النار.
• صاحبه تحت المشيئة، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له.
من هذه الصفات :
1ـ إخلاف الوعد.
2ـ الكذب في الحديث.
3ـ الخيانة في الأمانة.
4ـ الغدر في العهود.
خاتمة:(2/481)
• قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " ( متفق عليه ).
المرجع: عقبات في طريق المسلم- دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
النفقة
لغة: هي ما ينفقه الإنسان من الأموال كما فى القاموس(1).
واصطلاحا: كفاية من يمونه خبزا وأداما وكسوة ومكسنا وتوابعها(2).
وأسباب النفقة هى:
1- العلاقة الزوجية، فقد أوجب الشارع على الزوج فى جميع الأحوال الإنفاق على زوجته ، غنيا كان أو فقيرا، ولم يوجب الإسلام على الزوجة أن تنفق على نفسها وإن كانت موسرة، أو أن تنفق على زوجها بالأولى من هذا المال وإن كان معسرا ، ولم يوجب عليها أن تتكسب هذه النفقة بالعمل أو نحوه ،فالنفقة حق لها على زوجها بمقتضى عقد النكاح.
ومن أدلة وجوبها قول الله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}البقرة:233 ، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى خطبة الوداع: (اتقوا الله فى النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (رواه مسلم)(3).
ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسكنى، ووسائل النظافة، وتشمل أجر الخادم إن كانت الزوجة ممن تخدم فى بيت أهلها، وكان الزوج موسرا، فيجب لها النفقة فى الوجوه السابقة مقدار كفايتها بالمعروف ،وهذا الحق الذى قرره الإسلام لها، يتحقق به صيانتها وحمايتها من التبذل والامتهان.
بسبب اكتساب أسباب الحياة، حيث كفل الإسلام لها هذه الأسباب فى منزل الزوجية بدون تدخل منها ، لتتفرغ لأداء رسالتها المنوط بها فى الحياة.(2/482)
2- علاقة القرابة ، فقد أوجب الشارع بها على المرء الإنفاف على والديه ، كما أوجب بها على الوالدين الإنفاق على أولادهما ذكورا أو إناثا ، إذا كان للمنفق مال يمكنه الإنفاق منه ،فاضلا عن نفقته ، ولم يكن للمنفق عليه مال ولاكسب يكتفى به عن نفقة قريبه عليه.
ومن الأدلة علي وجوب نفقة الأصول على فروعهم حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم) (رواه الترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح).
ومن الأدلة على وجوب نفقة الفروع على أصولهم حديث هند زوج أبى سفيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها حين اشتكت إليه بخل أبى سفيان: (خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك)متفق عليه(5).
كما أوجب الشارع بمقتضى القرابة نفقة القريب - غير الأصل والفرع - على قريبه بالشروط السابقة فى نفقة الأصول والفروع ، حيث يرى الحنفية وجوب النفقة لكل ذى رحم محرم للمنفق ، ويرى الحنابلة وجوبها لقريبه إن كان يجرى التوارث بينهما، أو كان من ذوى رحمه ، ومن الأدلة على ذلك ماروى عن طارق المحاربى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول ،أمك وأباك ، وأخاك ، ثم أدناك أدنك) رواه ابن حبان فى صحيحه(6)حيث بين فى الحديث أن من المعالين الأخوة والأقرب من الأقارب ، فيجب لهم على أقاربهم المأكل والمشرب والملبس والساكنى ونحوها ، بقدر الكفاية، مراعاة فى ذلك العرف وحال المنفق والمنفق عليه ، وظروف الزمان والمكان.
وإيجاب نفقة الأقارب الذين لامال لهم إذا عجزوا عن الكسب - على قريبهم الموسر، يحقق صلة الرحم ، ويقيم العلائق بين أفراد الأسرة على أساس من الترابط والتكافل ،فينصلح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال
المجتمع بأسره.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
النهى
لغة: المنع كما فى لسان العرب.
واصطلاحا: هو طلب ترك الفعل قولا.(2/483)
وبعبارة أخرى: هو ما دل على طلب الكف عن الفعل ، فخرج به الأمر لأنه طلب فعل غير كف ، وخرج الالتماس والدعاء ، لأنه لا استعلاء فيهما.
وأساليب النهى مختلفة: فمنها: صيغة النهى المعتادة مثل: قوله تعالى: {ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن}الإسراء:34 ، وقوله: {ولاتقربوا الزنى}الإسراء:32 ، وقوله: {ولاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق}الأنعام:151.
ومنها: صيغة التحريم ، مثل قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم}النساء:23.
وقوله: {حرمت عليكم الميتة}المائدة:3.
ومنها: صيغة النفى، مثل قوله تعالى: {لايحل لكم أن ترثوا النساء كرها}النساء:19.
ومنها: صيغة الأمر الدال على الترك ، مثل: قوله تعالى: {وذروا ظاهرالإثم وباطنه}الانعام:120 ،، وقوله تعالى {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}الحج:30.
والنهى عند الجمهور للتحريم ، ولزوم الانتهاء عن مباشرة المنهى عنه ، كما أن موجب الأمر هو الوجوب ، فكون النهى للكراهة، أو الدعاء، أو الإرشاد ، أو التحقير، أوغيرها، إنما يعرف بالقرائن الدالة على تلك المعانى، مثل قوله تعالى: {ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}آل عمران:8.
وقوله تعالى: {لاتعتذروا اليوم إنما تجزون ماكنتم تعملون}التحريم:7.
فإن الأول للدعاء والثانى لليأس.
والدليل على كون النهى المطلق للتحريم قوله تعالى: {ومانهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7 ، أمر الله بالانتهاء عن المنهى عنه ،فيكون الانتهاء واجبا ، وترك الواجب حراما.
وعند الحنفية:النهى إذا كان قطعى الثبوت وقطعى الدلالة فيكون للتحريم ، وإذا لم يكن كذلك فللكراهة التحريمية ، لأن الأمثلة التى تدل على أن النهى للتحريم كلها قطعى الثبوت وقطعى الدلالة من غيرقرينة صارفة عن التحريم إلى غيره من المعانى.(2/484)
والصحيح الراجح مذهب الجمهورة لأن النهى فى اللغة موضوع للدلالة على طلب الترك على وجه الحتم والإلزام ، فلا يدل عند إطلاقه إلا على التحريم ، ولا يدل على غيره إلا بقرينة، وهذا ما يفهمه العقل من الصيغة المجردة عن القرينة، وهو دليل الحقيقة، وهى أن النهى حقيقة فى التحريم.
أ.د/على جمعة محمد
ـــــــــــــــــ
النوافل
مقدمة:
• من عظمة الإسلام أنه أمر على سبيل الوجوب بالحد الأدنى الذي لا بد منه، وهو مقدار الفرض من كل عبادة، ثم شجع على النوافل، وترك الباب مفتوحاً للاستزادة منها من غير أن يضع حداً، أو يقدر مقداراً؛ فالباب مفتوح للتسامي، والأجواء طليقة للتحليق؛ فأين الطامحون؟!.
تعريفات
• النافلة لغة: الزيادة.
• شرعاً: الزيادة في العبادة على مقدار الفريضة، من جنس تلك الفريضة.
• وهنا يجدر التنبيه إلى أن بعض الناس يحسبون أن النوافل محصورة في الصلاة؛ والصواب أن لكل عبادة فروضها ونوافلها؛ فكما أنّ للصلاة نوافلها، فكذلك للزكاة نوافلها، وللصوم نوافله، وللحج نوافله.
غفلة الذي يزهد بالنوافل ويقتصر على الفرائض.
• الذي يزهد بالنوافل يزهد بالخير العميم الذي وعد الله عباده الذين يتقربون إليه بالنوافل.
• ينسى المرء أنه لا يخلو من تقصير في واجب، أو وقوع في معصية، وأنه بحاجة إلى هذه النوافل التي تجبر نقصه، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود114 .
• إن في النوافل من المعاني والدلالات العظيمة ما لا يدركه إلا من فتح الله عين بصيرته، وأزاح الران عن قلبه.
• من غفلة بعض المسلمين التهاون بالنوافل. فإذا طلبت من أحد هؤلاء أن يصلي ركعتين بعد فرض الظهر مثلاً، قال: إنها سنة!. وإذا قلت له: صم يوم عرفة، قال: إنه سنة!.(2/485)
• يوحي هذا الجواب وأمثاله أن معنى السنة عند هذا المسلم طلب الترك، وليس طلب الفعل، وهذا جهل عظيم بالسنة وحقيقتها ووظائفها، وجهل بما في النوافل من أجر وفوائد.
من فضائل النوافل:
أولاً : النوافل سور منيع، وسياج يحمي الفرائض من تسرب الضعف إليها.
1- فمن حافظ على النوافل كان على الفرائض أكثر محافظة، ومن تهاون بها كانت الخطوة التالية إذا تمكن الكسل من المرء أن يفرط بالفرائض، والعياذ بالله.
2- الشيطان يشجع المرء أولاً على ترك النافلة، محتجًا بأنها ليست مفروضة، فإذا نجح في ذلك خطا خطوة أخرى مع العبد الذي انخدع به وخضع لإيحاءاته.
3- أداء النوافل أمارة على أن الفرائض مصونة محمية، والتهاون بها مستبعد، وإن هذا العبد الذي يحرص على أداء النوافل سيكون على أداء الفرائض أشد حرصاً.
ثانياً: النوافل جوابر.
1- يجبر بها يوم القيامة ما قد يكون في الفرائض من نقص أو خلل غير مبطل.
2- عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن أتمها كتبت له تامة، وإن كان قد انتقصها قيل: انظروا هل لعبدي من نافلة تكملون بها فريضته).
3- بما أن عمل الناس لا يخلو غالباً من خلل ونقص وسهو؛ فإن أداءهم للنوافل يعد جابراً لما يصدر عنهم.
4- بعض أهل العلم رأى أن هذه الزيادات على الفرائض لا تعد في حقيقتها نوافل إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن سلوكه وعباداته وأخلاقه قد بلغت الكمال البشري الذي قدره الله له، وهو - صلى الله عليه وسلم - المعصوم عن الوقوع في المعاصي.(2/486)
5- قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }الإسراء79، لاحظ كلمة لك وكأنها إشارة إلى اقتصار المعنى الحقيقي للنافلة على ما يؤديه - صلى الله عليه وسلم - من عبادات زائدة على الفرض، أما بحق غيره فهي مكفرات للذنوب، وجوابر للنقص.
ثالثاً: النوافل دليل العبودية لله تعالى.
1- الإنسان يميل بطبعه إلى الراحة، فما الذي يجعل جنبه يتجافى عن مضجعه؟ وما الذي يبعثه من فراشه ليقف في ليل الشتاء البارد متذللاً خاشعاً بين يدي مولاه؟ إنه الشوق إلى مرضاة الله، والراحة التي يجدها في الخلوة به.
2- النوافل دليل واضح وبرهان ساطع على أن العبد يتذوق حلاوة العبادات ولا يستثقلها، ويدرك أثرها في حياته الدنيا والأخرى.
3- من يكثر من نوافل الصلاة مثلاً يدلل بفعله هذا على أنه يحس بعذوبة المناجاة، ويفهم معنى الوقوف بين يدي ملك الملوك، ولولا هذا لما أكثر من النوافل وهو يعلم أنها ليست مفروضة.
رابعاً: النوافل جعلها الله تعالى سبباً لبلوغ مرتبة المحبوبية.
1- النوافل علامة على أن العبد يرغب بالتقرب إلى الله سبحانه ويبتغي الزلفى لديه عز وجل، وهذا ينقله إلى مرتبة رفيعة؛ إنها مرتبة المحبوب.
2- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54. فلا يكفي أن تكون محباً، فالأهم والأرقى أن تكون محبوباً.(2/487)
3- في الحديث القدسي عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يقول تعالى: (من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
خامساً: النوافل باب واسع للربح وجني الأجر والثواب من غير حدود وقيود.
1- من العجيب أن بعض الناس لا يشبعون من الربح الدنيوي، ولكنهم ربما زهدوا في الربح الأخروي.
2- العاقل يعمل لآخرته كأنه يموت غداً، ويتزود لسفر طويل لا بد منه. والنوافل من خير الزاد وأفضل العتاد.
سادساً: النوافل وسيلة للصلة الدائمة بالله عز وجل.
1- قال تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }طه14. فالنوافل وسيلة للعيش في طاعة الله وفي كنفه.
2- قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162.
3- قال سبحانه في الحديث القدسي: (من تقرب إليّ شبراً تقرّبت إليه ذراعاً....)
المرجع: النوافل طريق العاشقين-محمد إبراهيم زيدان.
ـــــــــــــــــ
النية
لغة: قصد النفس إلى العمل كما فى المعجم الوجيز(1).
واصطلاحا: اعتقاد القلب فعل الشىء وعزمه عليه من غير تردد(2).
ومحل النية القلب ، والتلفظ بها مباح ،وزمنها أول العبادات ، والمقصود بها تمييز العبادات عن بعضها، وتمييز العبادة عن العادة، كالجلوس فى المسجد الذى يكون اعتكافا تارة، وللاستراحة تارة أخرى.
ومن أدلة اشتراط النيه لصحة العبادات ،ما رواه عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخارى(3).(2/488)
وكيفية النية فى العبادات تختلف بحسب كل عبادة، فالنيه في الطهارة مثلا يقصد بها رفع الحدث ، أو استباحة ما يفتقر إلى طهر كالصلاة والطواف ونحوهما ، أو الاغتسال أو التيمم ، فيقول المتطهر: نويت رفع الحدث ، أواستباحة الصلاة... ، ونية الصلاة: يبين فيها الفعل والصلاة التى تؤدى، ونية الزكاة: يظهر فيها المزكى اعتقاده أن ما يخرجه هو زكاة ماله ، أوبدنه ، أو زكاة من يخرج عنه.
واشتراط النية فى العبادات يقتضى استحضار الذهن عند العزم على العبادة، والتجرد من شواغل الدنيا والإخلاص لله تعالى فيها.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
النَّذْر
لغة: ما أوجبه الإنسان على نفسه ، كما في القاموس(1).
واصطلاحا: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى بالقول شيئا غير لازم عليه بأصل الشرع(2).
فالشىء المنذور لم يوجبه الشارع على المكلف ابتداء إلا أن المكلف ألزم نفسه به فصارلازما عليه ، ووجب عليه الوفاء به شرعا، إن كان يمكنه الوفاء به ، كالصيام والصدقة والعمرة والاعتكاف.
وأكثر الفقهاء على أن الالتزام بالنذر مشروع ، ولكن على خلاف بينهم فى صفة مشروعيته فى عدم استحبابه لحديث ابن عمر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (إنه لا يأتى بخير؟ إنما يستخرج به من البخل) (رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر)(3).ومن الأدلة على مشروعيته قول الله تعالى: {وليوفوا نذورهم}الحج:29 ، وقوله تعالى سبحانه فى وصف الأبرار {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا}الإنسان:7 ، وما روته عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) رواه البخارى عن عائشة(4).
وللنذر أنواع سبعة:
1- نذر اللجاج: وهو الذى يمنع الناذر فيه نفسه من فعل شىء،أويحملها على فعله بالتزام قربة، كقوله: إن كلمت فلانا فعلى صوم.(2/489)
2- نذر الطاعة وهو الذى يلتزم فيه الناذر بطاعة الله سبحانه ، سواء كانت عبادة كالصدقة، أو قربة غير مقصودة كعيادة المرضى.
3- نذر المعصية وهو الذى يلتزم فيه الناذر معصية الله تعالى، كنذر شرب الخمر.
4- نذر المباح وهو التزام الناذر بما لم يرغب فيه الشارع كنذر النوم.
5- نذر الواجب وهو التزام المكلف بأداء ما أوجبه الشارع عليه عينا كصوم رمضان ، أو أداء ما أوجبه عليه على الكفاية، كتعلم الطب.
6- نذر المستحيل وهو التزام ما يحيل الشرع أو العقل تحققه ، كنذر صيام الليل وهو ما يحيل الشرع ، أو يحيل العقل تحققه كنذر صيام أمس.
7- النذر المبهم وهو الذى لم يسم مخرجه العمل الذى يلتزم به بالنذر كقوله: لله على نذر.
وليس كل نذر ألزم الإنسان نفسه به يجب عليه الوفاء به ، فإن النذر إن كان فى طاعة الله تعالى وأمكنه الوفاء به لزمه ذلك ، وأما إن كان فى معصية فلا يجب الوفاء به ، لأنه لايصح ، لحديث عائشة السابق ، وكذلك إن عجز الناذر عن الوفاء بالنذر لم يلزمه الوفاء به ، بل يكفر عنه ككفارة اليمين ، لما روى عن ابن عباس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نذر نذرا لم يطقه ، فكفارته كفارة يمين) رواه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس.أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
الهجرة.. احتفالية التغيير
مقدمة:
- تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام، فتهب علينا رياح التغيير العظيمة التي غيرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم الذي يجب أن تكون لنا معه وقفات مهمة؛ لنعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة، وليكون لنا محطة جديدة للانطلاق نحو تغيير أحوال أمتنا والهجرة بها نحو الأفضل.
- هذا هو سر توفيق الله تعالى لسيدنا عمر بن الخطاب بأن اختار الهجرة النبوية عنوانًا للتاريخ الإسلامي، وكان أمامه عدة مناسبات قوية يمكن أن يستخدمها للتأريخ مثل غزوة بدر أو فتح مكة أو ميلاد أو بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.(2/490)
- وكان اختيار الهجرة حتى تكون محطةً للتغيير الدائم لأمة الإسلام عبر السنين وصعودًا نحو المعالي بالهجرة والانتقال من الضعف إلى القوة، ومن قهر الضلال وسيطرة الباطل إلى زيادة الإيمان وأستاذية العالم.
مقومات التغيير الناجح من خلال الهجرة
(1) أن يكون هناك هدف عظيم يسعى الجميع من أجل تحقيقه: وهو إعلاء كلمة الله تعالى وهذا ما وضحه لنا القرآن الكريم في التعقيب على الهجرة {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة: الآية 40).
(2) من أهم دعائم التغيير الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: وكسب الأنصار الجدد وتهيئة الأرض الجديرة بحمل الرسالة, وتمثَّل هذا في بيعتي العقبة الأولى والثانية، وبعثِ سيدنا مصعب بن عمير لنشر الدعوة في المدينة، فكان نشر الدعوة أهم وسائل النجاح وأعظم دعائم البناء الإسلامي.
3) التضحية وتقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى الأرض: وتمثَّل هذا في ترك الأموال والبيوت والديار في مكة المكرمة والذهاب إلى المدينة المنورة، فكان الإسلام هو أغلى شيء في حياة المسلمين، وكانت النتيجة النصر والتمكين.
((2/491)
4) الاعتصام بالله تعالى: فالاعتصام بالله هو الفرج والمخرج، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج من بيته المحاصر بأربعين رجلاً لقتله، وهو يقرأ القرآن{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } (يس: الآية 9) ولا يخرج سالمًا فقط، بل ويضع التراب فوق كل الرؤوس، وهذا شأن المعتصم بالله الآوي إلى ركنه الركين.
(5) تأمين الدعم الاقتصادي وتسهيل وصول الدعم اللوجستي: فأبو بكر الصديق وفَّر المال اللازم لشراء الراحلتين، ودفع أجر الخبير الطوبوغرافي، وأسماء بنت أبي بكر كانت توصل الطعام، واختيارها كامرأة تتحرك بسهولة لا يتعرض لها العرب بطبيعتهم سهَّل وصولَ الدعم اللوجستي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في رحلة الهجرة.
(6) التخطيط الجيد والعمل المنظم: وتتمثَّل في الآتي:
1- تأمين حياة أفراد الأمة: فتأخير هجرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والأمر بخروج الأفراد سرًّا وفرادى حتى لا يعلم أحد مقصودهم الجديد، فينقضوا عليهم جميعًا فيه تأمين لخروجهم.
2- خروج الرسول- صلى الله عليه وسلم- في وقت غير معهودٍ الخروجُ فيه: وقت الظهيرة واشتداد الحر في ومضاء مكة.
3- استئجار خبير في الطوبوغرافيا (عبد الله بن أريقط): حتى لا يسير في طريقٍ معهود، فيسهل الإمساك بهم.
4- استخدام الإخفاء والتمويه: وهو أحد وسائل الحرب الحديثة وتمثَّل ذلك في الآتي:-
أ- مبيت سيدنا علي رضي الله عنه مكان الرسول حتى يظلوا ينتظرون خروجه، وذلك في المرحلة الأولى حتى يتمكن من الخروج من مكة.
ب- عامر بن فهيرة يسير بقطيع من الغنم خلفهم لتغطية الآثار؛ حتى لا يستطيع أحد أن يقتفيَ أثرَهم.
ج-البقاء في الغار ثلاثة أيام في الوقت الذي تنتشر فيه قوى الشر في كل مكان للبحث عنهم.(2/492)
د- تغيير اتجاه المسير فبدلاً من الانطلاق في اتجاه الشمال، وهو التفكير المنطقي لمن يريد الملاحقة، يتجهون إلى الجنوب أولاً حيث لا يخطر ذلك ببال أحد.
(7) توزيع الأدوار:
أ - الكبار يوفِّرون الدعم المادي للمساندة والصحبة.
ب- الشباب والفتيان يقومون بالأعمال الفدائية والاستخباراتية.
ج- المرأة تقوم بالدعم اللوجستي.
د- باقي الأفراد يهيئون الدولة والأرض الجديدة ويرتبون احتفالية الاستقلال: (طلع البدر علينا من ثنيَّات الوداع).
(8) الشجاعة والقوة في الحق وتحدي الباطل وعدم الاستكانة إليه: وتمثَّل ذلك في موقف سيدنا عمر بن الخطاب وبطولته العظيمة، حين صعد على الجبل وأعلن هجرته حتى يعلِّم الظالمين درسًا في قوة الحق، وأن المسلمين لم يهاجروا خوفًا ولا جبنًا، ولكن هاجروا من أجل مصلحة الدعوة، ولبناء دولة الإسلام في أرضٍ جديدة، وكانت هذه رسالةً لا بد من توصيلها في موقف سيدنا عمر بن الخطاب.
(9) رعاية جميع الحقوق حتى حقوق الأعداء: وتمثل ذلك في مقام سيدنا علي في مكة لتوصيل الأمانات إلى أهلها، وهم الكافرون أعداء الدعوة.
(10) الفدائية: يحتاج التغيير إلى شباب فدائي على استعداد لتقديم روحه فداءً لدعوة الله، وتمثَّل هذا في مبيت سيدنا علي في فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في موقف يعرضه للقتل على يد أربعين رجلاً متربِّصين بالخارج.
(11) استشعار معية الله لإنقاذ الأمة في أحلك الأوقات: في لحظةٍ من لحظات الإحساس بقرب سيطرة الأعداء وبطشهم بالأمة وقضائهم عليها واستئصالهم لشأفتها لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، وتأتي النجاة باستشعار معية الله{ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ} (التوبة: من الآية 40).
((2/493)
12) الاستطلاع الجيد والمخابرات النشطة الفاعلة: وتمثل هذا في تكليف عبد الله بن أبي بكر الغلام الصغير أن يعمل (ضابط مخابرات) لحساب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو صغير يجلس في وسط القوم، فلا يعملون له حسابًا، ويتكلمون بما يريدون وينقل هو كل خططهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولسهولة حركته أيضًا كغلام لا يلتفت له أحد، فهو يجلس معهم طوال النهار، وينطلق في الليل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جهاز مخابرات ذكي ونشط وفاعل ولا يخطر على بال أحد.
(13) نفوس قوية لا يصيبها الحزن ولا يعتريها الإحباط: مهما كانت قوة الأعداء ومهما اختلَّت موازين القوى الظاهرة، فمعية الله أقوى من أية قوة، وتأييد الله بجنود غير مرئية يُلقِي في قلوب المؤمنين الهدوء والسكينة والثقة والطمأنينة بحتمية نصر الله {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} (التوبة: من الآية 40).
(14) الأمل في نصر الله: ارجع ولك سوارا كسرى كمن يقول الآن ارجع عن محاربة المسلمين ولك البيت الأبيض كلام يقوله رسول الله لسراقة، وهو خارج مطارد تطلبه قوى الشر في كل مكان.
طريق الهجرة
طريق الهجرة دائم مستمر عبْر نهج رسمه لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد قطعت أمتنا بعض الأشواط في طريق هجرتها، ولكنَّ الأمر ما زال يحتاج إلى جهود كبيرة وأشواط كثيرة حتى نكمل طريق الهجرة، ويتمثل ذلك فيما يأتى:
(1) الجهاد والنية: فلا يكتمل طريق الهجرة بدون النية الصالحة لبناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأكملها، ونجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ولا يكتمل طريق الهجرة بدون جهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية وأصحاب الأهواء الذين يضيِّعون الأمة، وكذلك محاربة المحتلين أعداء الأمة الذين يستذلونها، وبذلك نحقق حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).
((2/494)
2) هجر ما نهى الله عنه: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) (رواه البخاري) فهيا لنهجُر السيئات.. هيا نهجُر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين وعلى كل المستويات بدءًا بالفرد وانتهاءً بالأمة، فتهجر الأمة معاصيَها الكبيرة المتمثلة في الآتي (على سبيل المثال):
1- الاحتلال وتدنيس الأراضي ومقدسات المسلمين من قِبَل الأعداء.
2 - التخلف عن ركب العلم والحضارة وكونها في وسط ما يسمى بالعالم الثالث.
3 - التفرق والتشرذم وعدم اتحاد الكلمة.
(3) الأخذ بمقومات التغيير لإصلاح شأن الأمة: وخاصةً الاهتمام بنشر دعوة الإسلام عبر وسائل الإعلام، فدعوتنا تحتاج إلى الابتكار وتكريس الجهود لتوصيل الفكرة بأسلوب راقٍ ومتميز عن طريق الفضائيات والإنترنت وبشتى لغات العالم، فنقدِّم رسالة الرحمة والإنسانية لكل أمم الأرض.
ومع استمرار الجهود واحتفالنا بالهجرة كل عام عبر التغيير والارتقاء بشأن أمتنا وهجرها لأوضاعها غير السليمة في شئون الدنيا والآخرة سيحدث التغيير المنشود، ويأتي النصر المؤزر المبين بإذن الله.
(4) تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى: هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى، فنقيم الفرائض وننشر الفضائل ونحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعًا.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن معقل بن يسار-:(العبادة في الهرج كهجرة إليَّ).
المرجع:الهجرة احتفالية التغيير-رشاد لاشين.
ـــــــــــــــــ
الهجرة النبوية -من دروس الهجرة النبوية
مقدمة:
- بعث الله نبينا محمداً بدعوة تملأ القلوب نوراً، وتشرف بها العقول رشداً؛ فسابق إلى قبولها رجال عقلاء، ونساء فاضلات، وصبيان لا زالوا على فطرة الله.
- بقيت تلك الدعوة على شيء من الخفاء، وكفار قريش لا يلقون لها بالاً.(2/495)
- لما صدع رسول الله بالدعوة أغاظ المشركين، وحفزهم على مناوأة الدعوة والصد عن سبيلها.
- حاول المشركون أن يفتنوا المؤمنين، ويسومونهم سوء العذاب، حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك، وحتى يرهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين القيّمة.
- من المسلمين من كانت له قوة من نحو عشيرة، أو حلفاء يكفون عنه كل يد تمتد إليه بأذى.
- منهم أيضاً المستضعفون، وهؤلاء هم الذين وصلت إليهم أيدي المشركين، وبلغوا في تعذيبهم كل مبلغ.
- لما رأى الرسول ما يقاسيه أصحابه من البلاء، وليس في استطاعته حينئذ حمايتهم، أذن لهم في الهجرة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم لحق بهم في المدينة.
في الهجرة النبوية حكماً باهرة، ودروساً عظيمة.منها على سبيل الإجمال ما يلي:
- ضرورة الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.
- يتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي لعلي وأبي بكر معه؛ حيث لم يهاجرا إلى المدينة مع المسلمين، فعليّ بات في فراش النبي وأبو بكر صحبه في الرحلة.
- ويتجلى كذلك في استعانته بعبدالله بن أريقط الليثي وكان خبيراً ماهراً بالطريق.
- ويتجلى كذلك في كتم أسرار مسيره إلا من لهم صلة ماسّة، ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم.
- مع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتاً إليها بل كان قلبه مطوياً على التوكل على الله عز وجل.
- ضرورة الإخلاص والسلامة من الأغراض الشخصية.
- فإن عيشته يوم كان الذهب يصبّ في مسجده ركاماً كعيشته يوم يلاقي في سبيل الدعوة أذىً كثيراً.
- الاعتدال حال السراء والضراء.
- يوم خرج عليه الصلاة والسلام من مكة مكرهاً لم يخنع، ولم يذل، ولم يفقد ثقته بربه.
- لما فتح الله عليه ما فتح وأقر عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين لم يطش زهواً، ولم يتعاظم تيهاً.(2/496)
- عيشته يوم أخرج من مكة كارهاً كعيشته يوم دخلها فاتحاً ظافراً، وعيشته يوم كان في مكة يلاقي الأذى من سفهاء الأحلام كعيشته يوم أطلت رايته البلاد العربية، وأطلت على ممالك قيصر ناحية تبوك.
- اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين.
- الذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال.
- لكن الهجرة في حقيقتها تعطي درساً واضحاً في أن العاقبة للتقوى وللمتقين.
- فالنبي يعلّم بسيرته المجاهد في سبيل الله أن يثبت في وجه أشياع الباطل، ولا يهن في دفاعهم وتقويم عوجهم، ولا يهوله أن تقبل الأيام عليهم، فيشتد بأسهم، ويجلبوا بخيلهم ورجالهم؛ فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة.
- أن العاقبة دائماً هي للذين صبروا والذين هم مصلحون.
- ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة.
- ذلك لما قال أبو بكر: والله يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موقع قدمه لأبصرنا. فأجابه النبي مطمئناً له: { ما ظنّك باثنين الله ثالثهما }.
- هذا مثل من أمثلة الصدق والثبات، والثقة بالله، والاتكال عليه عند الشدائد، واليقين بأن الله لن يتخلى عنه في تلك الساعات الحرجة.
- هذه حال أهل الإيمان، بخلاف أهل الكذب والنفاق؛ فهم سرعان ما يتهاون عند المخاوف وينهارون عند الشدائد، ثم لا تجد لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً.
- أن من حفظ الله حفظه الله.
- يؤخذ هذا المعنى من حال النبي لما ائتمر به زعماء قريش ليعتقلوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فأنجاه الله منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب، وخرج من بينهم سليماً معافى.
- هذه سنة ماضية، فمن حفظ الله حفظه الله، وأعظم ما يحفظ به أن يحفظ في دينه، وهذا الحفظ شامل لحفظ البدن، وليس بالضرورة أن يعصم الإنسان؛ فلا يخلص إليه البتة، فقد يصاب لترفع درجاته، وتقال عثراته، ولكن الشأن كل الشأن في حفظ الدين والدعوة.
- أن النصر مع الصبر.(2/497)
- كان الله عز وجل قادر أن يصرف الأذى عن النبي جملة، ولكنها سنة الإبتلاء يؤخذ بها النبي الأكرم؛ ليستبين صبره، ويعظم عند الله أجره.
- ليعلم دعاة الإصلاح كيف يقتحمون الشدائد، ويصبرون على ما يلاقون من الأذى صغيراً كان أم كبيراً.
- الحاجة إلى الحلم، وملاقاة الإساءة بالإحسان.
- لقي النبي عليه الصلاة والسلام في مكة قبل الهجرة من الطغاة أذىً كثيراً، ولما عاد إلى مكة فاتحاً ظافراً عفا وصفح عمن أذاه.
- استبانة أثر الإيمان.
- حيث رفع المسلمون رؤوسهم به، وصبروا على ما واجهوه من الشدائد، فصارت مظاهر أولئك الطغاة حقيرة في نفوسهم.
- انتشار الإسلام وقوته.
- وهذه من فوائد الهجرة، فلقد كان الإسلام بمكة مغموراً وكان أهل الحق في بلاء شديد.
- جاءت الهجرة ورفعت صوت الحق على صخب الباطل، وخلصت أهل الحق من ذلك الجائر، وأورثتهم حياة عزيزة ومقاماً كريماً.
- من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه.
- ترك المهاجرون ديارهم، وأهليهم، وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم، تركوا ذلك كله لله.
- عوضهم الله بأن فتح عليهم الدنيا، وملّكهم شرقها وغربها.
- ظهور مزية المدينة.
- المدينة لم تكن معروفة قبل الإسلام بشيء من الفضل على غيرها من البلاد.
- أحرزت فضلها بهجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأصحابه إليها، وبهجرة الوحي إلى ربوعها.
- سلامة التربية النبوية للصحابة الكرام.
- دلّت الهجرة على ذلك، فقد صار الصحابة مؤهلين للاستخلاف، وتحكيم شرع الله، والقيام بأمره، والجهاد في سبيله.
- التنبيه على عظم دور المسجد في الأمة.
- يتجلى ذلك في أول عمل قام به النبي فور وصوله المدينة، حيث بنى المسجد.
- لتظهر فيه شعائر الإسلام التي حوربت من قبل.
- لتقام فيه الصلوات التي تربط المسلم برب العالمين.
- ليكون منطلقاً لجيوش العلم، والدعوة والجهاد.
- التنبيه على عظم دور المرأة.(2/498)
- يتجلى ذلك من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة.
- لم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة.
- لم يفشيا سرّ الرحلة لأحد.
- لم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً.
- عظم دور الشباب في نصرة الحق.
- يتجلى ذلك في الدور الذي قام به علي بن أبي طالب حين نام في فراش النبي ليلة الهجرة.
- ويتجلى من خلال ما قام به عبدالله بن أبي بكر؛ حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزود بها النبي وأبا بكر.
- حصول الأخوة وذوبان العصبيات.
- قيام الحكومة الإسلامية والمجتمع المسلم.
- اجتماع كلمة العرب وارتفاع شأنهم.
- التنبيه على فضل المهاجرين والأنصار.
المرجع: من دروس الهجرة النبوية-محمد بن إبراهيم الحمد-دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
الهجرة.. احتفالية التغيير
مقدمة:
- تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام، فتهب علينا رياح التغيير العظيمة التي غيرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم الذي يجب أن تكون لنا معه وقفات مهمة؛ لنعيد قراءة واقعنا على أضواء دروسه العظيمة، وليكون لنا محطة جديدة للانطلاق نحو تغيير أحوال أمتنا والهجرة بها نحو الأفضل.
- هذا هو سر توفيق الله تعالى لسيدنا عمر بن الخطاب بأن اختار الهجرة النبوية عنوانًا للتاريخ الإسلامي، وكان أمامه عدة مناسبات قوية يمكن أن يستخدمها للتأريخ مثل غزوة بدر أو فتح مكة أو ميلاد أو بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- وكان اختيار الهجرة حتى تكون محطةً للتغيير الدائم لأمة الإسلام عبر السنين وصعودًا نحو المعالي بالهجرة والانتقال من الضعف إلى القوة، ومن قهر الضلال وسيطرة الباطل إلى زيادة الإيمان وأستاذية العالم.
مقومات التغيير الناجح من خلال الهجرة(2/499)
1) أن يكون هناك هدف عظيم يسعى الجميع من أجل تحقيقه: وهو إعلاء كلمة الله تعالى وهذا ما وضحه لنا القرآن الكريم في التعقيب على الهجرة {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة: الآية 40).
(2) من أهم دعائم التغيير الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: وكسب الأنصار الجدد وتهيئة الأرض الجديرة بحمل الرسالة, وتمثَّل هذا في بيعتي العقبة الأولى والثانية، وبعثِ سيدنا مصعب بن عمير لنشر الدعوة في المدينة، فكان نشر الدعوة أهم وسائل النجاح وأعظم دعائم البناء الإسلامي.
(3) التضحية وتقديم الغالي والنفيس من أجل الفكرة وترك التثاقل إلى الأرض: وتمثَّل هذا في ترك الأموال والبيوت والديار في مكة المكرمة والذهاب إلى المدينة المنورة، فكان الإسلام هو أغلى شيء في حياة المسلمين، وكانت النتيجة النصر والتمكين.
(4) الاعتصام بالله تعالى: فالاعتصام بالله هو الفرج والمخرج، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج من بيته المحاصر بأربعين رجلاً لقتله، وهو يقرأ القرآن{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } (يس: الآية 9) ولا يخرج سالمًا فقط، بل ويضع التراب فوق كل الرؤوس، وهذا شأن المعتصم بالله الآوي إلى ركنه الركين.(2/500)
5) تأمين الدعم الاقتصادي وتسهيل وصول الدعم اللوجستي: فأبو بكر الصديق وفَّر المال اللازم لشراء الراحلتين، ودفع أجر الخبير الطوبوغرافي، وأسماء بنت أبي بكر كانت توصل الطعام، واختيارها كامرأة تتحرك بسهولة لا يتعرض لها العرب بطبيعتهم سهَّل وصولَ الدعم اللوجستي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في رحلة الهجرة.
(6) التخطيط الجيد والعمل المنظم: وتتمثَّل في الآتي:
1- تأمين حياة أفراد الأمة: فتأخير هجرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والأمر بخروج الأفراد سرًّا وفرادى حتى لا يعلم أحد مقصودهم الجديد، فينقضوا عليهم جميعًا فيه تأمين لخروجهم.
2- خروج الرسول- صلى الله عليه وسلم- في وقت غير معهودٍ الخروجُ فيه: وقت الظهيرة واشتداد الحر في ومضاء مكة.
3- استئجار خبير في الطوبوغرافيا (عبد الله بن أريقط): حتى لا يسير في طريقٍ معهود، فيسهل الإمساك بهم.
4- استخدام الإخفاء والتمويه: وهو أحد وسائل الحرب الحديثة وتمثَّل ذلك في الآتي:-
أ- مبيت سيدنا علي رضي الله عنه مكان الرسول حتى يظلوا ينتظرون خروجه، وذلك في المرحلة الأولى حتى يتمكن من الخروج من مكة.
ب- عامر بن فهيرة يسير بقطيع من الغنم خلفهم لتغطية الآثار؛ حتى لا يستطيع أحد أن يقتفيَ أثرَهم.
ج-البقاء في الغار ثلاثة أيام في الوقت الذي تنتشر فيه قوى الشر في كل مكان للبحث عنهم.
د- تغيير اتجاه المسير فبدلاً من الانطلاق في اتجاه الشمال، وهو التفكير المنطقي لمن يريد الملاحقة، يتجهون إلى الجنوب أولاً حيث لا يخطر ذلك ببال أحد.
(7) توزيع الأدوار:
أ - الكبار يوفِّرون الدعم المادي للمساندة والصحبة.
ب- الشباب والفتيان يقومون بالأعمال الفدائية والاستخباراتية.
ج- المرأة تقوم بالدعم اللوجستي.
د- باقي الأفراد يهيئون الدولة والأرض الجديدة ويرتبون احتفالية الاستقلال: (طلع البدر علينا من ثنيَّات الوداع).
((3/1)
8) الشجاعة والقوة في الحق وتحدي الباطل وعدم الاستكانة إليه: وتمثَّل ذلك في موقف سيدنا عمر بن الخطاب وبطولته العظيمة، حين صعد على الجبل وأعلن هجرته حتى يعلِّم الظالمين درسًا في قوة الحق، وأن المسلمين لم يهاجروا خوفًا ولا جبنًا، ولكن هاجروا من أجل مصلحة الدعوة، ولبناء دولة الإسلام في أرضٍ جديدة، وكانت هذه رسالةً لا بد من توصيلها في موقف سيدنا عمر بن الخطاب.
(9) رعاية جميع الحقوق حتى حقوق الأعداء: وتمثل ذلك في مقام سيدنا علي في مكة لتوصيل الأمانات إلى أهلها، وهم الكافرون أعداء الدعوة.
(10) الفدائية: يحتاج التغيير إلى شباب فدائي على استعداد لتقديم روحه فداءً لدعوة الله، وتمثَّل هذا في مبيت سيدنا علي في فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في موقف يعرضه للقتل على يد أربعين رجلاً متربِّصين بالخارج.
(11) استشعار معية الله لإنقاذ الأمة في أحلك الأوقات: في لحظةٍ من لحظات الإحساس بقرب سيطرة الأعداء وبطشهم بالأمة وقضائهم عليها واستئصالهم لشأفتها لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، وتأتي النجاة باستشعار معية الله{ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ} (التوبة: من الآية 40).
(12) الاستطلاع الجيد والمخابرات النشطة الفاعلة: وتمثل هذا في تكليف عبد الله بن أبي بكر الغلام الصغير أن يعمل (ضابط مخابرات) لحساب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فهو صغير يجلس في وسط القوم، فلا يعملون له حسابًا، ويتكلمون بما يريدون وينقل هو كل خططهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولسهولة حركته أيضًا كغلام لا يلتفت له أحد، فهو يجلس معهم طوال النهار، وينطلق في الليل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جهاز مخابرات ذكي ونشط وفاعل ولا يخطر على بال أحد.(3/2)
13) نفوس قوية لا يصيبها الحزن ولا يعتريها الإحباط: مهما كانت قوة الأعداء ومهما اختلَّت موازين القوى الظاهرة، فمعية الله أقوى من أية قوة، وتأييد الله بجنود غير مرئية يُلقِي في قلوب المؤمنين الهدوء والسكينة والثقة والطمأنينة بحتمية نصر الله {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} (التوبة: من الآية 40).
(14) الأمل في نصر الله: ارجع ولك سوارا كسرى كمن يقول الآن ارجع عن محاربة المسلمين ولك البيت الأبيض كلام يقوله رسول الله لسراقة، وهو خارج مطارد تطلبه قوى الشر في كل مكان.
طريق الهجرة
طريق الهجرة دائم مستمر عبْر نهج رسمه لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد قطعت أمتنا بعض الأشواط في طريق هجرتها، ولكنَّ الأمر ما زال يحتاج إلى جهود كبيرة وأشواط كثيرة حتى نكمل طريق الهجرة، ويتمثل ذلك فيما يأتى:
(1) الجهاد والنية: فلا يكتمل طريق الهجرة بدون النية الصالحة لبناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأكملها، ونجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ولا يكتمل طريق الهجرة بدون جهاد النفس والشيطان ومقاومة المادية وأصحاب الأهواء الذين يضيِّعون الأمة، وكذلك محاربة المحتلين أعداء الأمة الذين يستذلونها، وبذلك نحقق حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).
(2) هجر ما نهى الله عنه: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) (رواه البخاري) فهيا لنهجُر السيئات.. هيا نهجُر كل ما نهى الله عنه في كل الميادين وعلى كل المستويات بدءًا بالفرد وانتهاءً بالأمة، فتهجر الأمة معاصيَها الكبيرة المتمثلة في الآتي (على سبيل المثال):
1- الاحتلال وتدنيس الأراضي ومقدسات المسلمين من قِبَل الأعداء.(3/3)
2 - التخلف عن ركب العلم والحضارة وكونها في وسط ما يسمى بالعالم الثالث.
3 - التفرق والتشرذم وعدم اتحاد الكلمة.
(3) الأخذ بمقومات التغيير لإصلاح شأن الأمة: وخاصةً الاهتمام بنشر دعوة الإسلام عبر وسائل الإعلام، فدعوتنا تحتاج إلى الابتكار وتكريس الجهود لتوصيل الفكرة بأسلوب راقٍ ومتميز عن طريق الفضائيات والإنترنت وبشتى لغات العالم، فنقدِّم رسالة الرحمة والإنسانية لكل أمم الأرض.
ومع استمرار الجهود واحتفالنا بالهجرة كل عام عبر التغيير والارتقاء بشأن أمتنا وهجرها لأوضاعها غير السليمة في شئون الدنيا والآخرة سيحدث التغيير المنشود، ويأتي النصر المؤزر المبين بإذن الله.
(4) تحقيق العبادة هجرة إلى الله تعالى: هيا نأخذ بيد أمتنا إلى عبادة الله تعالى، فنقيم الفرائض وننشر الفضائل ونحقق العبادة بمعناها الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعًا.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن معقل بن يسار-:(العبادة في الهرج كهجرة إليَّ).
المرجع:الهجرة احتفالية التغيير-رشاد لاشين.
ـــــــــــــــــ
الهجرة رحلة الصعود
مقدمة:
• كل عام وبعد موسم الحج المبارك، موسم المغفرة والرحمات، يبدأ العام الهجري الجديد، ويتجدد معه تذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
• تلك الهجرة التي أنجبت دولة حضارية في زمن قياسي في تاريخ الأمم، وسادت قوانين السماء الربانية أرجاء المعمورة، وأينع البناء الحضاري في كل روضة وربوة من فيحاء هذه الدنيا.
• مع إشراقة كل عام جديد يقف المسلم بين يدي هذا الحدث، متأملاً معتبرًا محللاً، علّه يرتقي بنفسه وبمن حوله إلى مستوى الحدث الضخم في تاريخ البشرية، يستمطر الرحمات لواقع مؤلم ونفس جموح، وتشتت في الجهود والإمكانات.
معني الهجرة:
• للهجرة معنيان: حسي ومعنوي.(3/4)
• في معناها اللغوي هي الانتقال، وقد يكون الانتقال حسيًّا بترك مكان لآخر، وقد يكون معنويًّا بالانتقال من ثقافة إلى أخرى.
• ومن معاني هذا الأخير قول الله تعالى: {والرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر: 5). وقوله عز وجل: {واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً} (المزمل: 10).
• فهي مراجعة لكافة الموروثات الثقافية والبنائية، واكتشاف الجوانب التي عدا عليها الخطأ أو الفساد في الفهم والتطبيق، مراجعة عملية فاعلة.
• والهجرة إن هي إلا رديف لمعنى التزكية، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) [أبو داود بسند صحيح].
• إن الحديث عن الهجرة يجب ألا نقف فيه عند مظاهر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ونسرد التفاصيل التي وردت عنها، بل نحن مطالبون بالغوص في عميق جذرها، وتحليل نفسية الهجرة وفلسفتها، كي نعي وندرك منها بعضًا من سبل الخلاص لأنفسنا وأمتنا الكريمة.
• إن التلازم بين معنيي الهجرة -الجسدي والنفسي- لا يزال قائمًا ما دام المؤمنون لم يمسكوا بزمام الأستاذية العالمية، ولا يزالون حتى ذلك الوقت يحتاجون إلى المعين المزدوج للهجرة النبوية العطرة، ولا يتوقف أبدًا المعنى النفسي أو المعنوي، لأنه بمثابة الزاد والتزكية للأنفس والمجتمعات.
• فالهجرة النبوية نهر جاري العطاء في كل حين بإذن ربه، يغرف منه المؤمن رواء له حينًا بعد حين، يربط الحداثة بالواقع، ويتلقط منها ما يريد.
أهمية الهجرة:
تكمن أهمية الهجرة في:
1- تخليص المؤمنين من حالة العوَز وقلة الأمن(3/5)
• ومن ثم إطلاق قدراتهم الإنتاجية في حالتَي السلم والحرب معًا، قال تعالى: {ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً} (النساء: 100)، والمراغم هو المنعة والقوة، أو ما يرغِم به المؤمنون أعداءهم على مساومتهم ومنعهم من العدوان عليهم، والسعة هي سعة العيش، وقال تعالى: {والَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ولأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (النحل: 41).
• فالمهاجر في سبيل الله اليوم إنما يهاجر ليطلق لنفسه قدراتها، ويتحلل من كل قيد يلزمه بالقعود، والمهاجر في سبيل الله اليوم مطالَب بأن يطلق لفكره وعقله وعلمه كل الآفاق الرحبة الواسعة.
• والأمة تقف أمام أمر إطلاق الطاقات هذا وتتمعن في نفسها، وما يكبلها من آثار الأغلال الثقيلة التي جعلتها في آخر الأمم.
• وتمعن الأمة النظر في الأمن والحريات التي هي أول مدارج الصعود نحو الهجرة؛ لتعي الهوة الكبيرة بينها وبين الهجرة النبوية العطرة.
• كذا المسلم -بل الداعية- يقف ليراجع فكره ونفسه، ويستخرج الأغلال التي تحيط به أن ينطلق الانطلاقة المباركة وفق شرع ربنا الحكيم، وقدوته صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام.
• إن الأعداد الكبيرة من المسلمين التي تهاجر اليوم الهجرة العكسية إلى بلاد الغرب، ثم تظل تدور حول نفسها متأثرة بالمحيط الذي تعيش فيه، غاب عنها معنى إطلاق الطاقات هذا، وفات عليها لُباب الأمر في فقه الهجرة.
2- الهجرة بمعناها الشامل حركة تجديد مستمر.
• وهي عامل من عوامل قوة الأمة الفكرية والمادية؛ كونها تتمحور حول المثل الأعلى عليه الصلاة والسلام، ولا تزال الأمة بعافية ما دامت على صلة قوية بهذا المثل الأعلى، سواء في إنضاج فكرها أو تقدم مدنيتها.(3/6)
• من تدبَّر أحداث الهجرة ودقائقها أدرك أهمية حركة التجديد، وترك البيئات المغلقة إلى البيئات المفتوحة، سواء أكانت بلدًا أو مؤسسة، أو حتى نفس المؤمن ذاته، إذ المثل الأعلى يحث دائمًا على أسمى الغايات، ويدفع لإنجاز أرقى الحضارات، ولن يتحقق ذلك إلا بالتجدُّد المنفتح، المتعلق بالمثل الأعلى عليه الصلاة والسلام.
3- الهجرة مطلب قوي لتماسك الجبهة الداخلية في الأمة.
• إذ هي المراجعة والمحاسبة، سواء الذاتية أو الجماعية أو المؤسسية.
• إذ جوهر الهجرة يقوم على هَجْر كل ما لا يليق، وبهذه النظرة الواعية لمعنى الهجرة يكون النقد البناء، وتكون المراجعات الربانية للسَّيْر، والتفرس في الأخطاء، وهذا من أقوى عوامل النهوض الحضاري.
• إن حالة الأمة اليوم -وحال أفرادها في الغالب- لفي أشد الحاجة إلى إطلاق الطاقات الكبيرة التي تحوزها في أبنائها، وتوفير الأمن والاستقرار لهم؛ فما سعى النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدينة إلا بعد سنوات من الكبت والتضييق؛ فكانت المدينة المنورة البيئة التي انطلق فيها البناء الحضاري، ونلمس اليوم إما كبتًا لمجتمعات كاملة، أو فقدانًا للدور في كثرة من أفراد الأمة.
• حركة التجديد التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (أبو داود بسند صحيح) هذه الحركة تحتاج إلى تجديد في الأفراد والمؤسسات.
• والنقد الداخلي والتوبة والمراجعة قوة تتماسك بها الأمة، وتسترد بها عافيتها، ويتنفس بها كل فرد أنسام البناء الحضاري.
• ما أصدق قول شاعر الدعوة وليد الأعظمي حين قال:
يا هجرة المصطفى والعين باكيةٌ والدمع يجري غزيرًا من مآقيها
يا هجرة المصطفى هيّجت ساكنةً من الجوارح كاد اليأس يطويها
هيجت أشجاننا والله فانطلقت منا حناجرنا بالحزن تأويها(3/7)
• إنها دموع الداعية تنهمر من مآقيه على واقع أمته، وتعطل منابع الخيرات فيها، لكن الأمل يتجدد دائمًا بهجرة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام مصدر الاقتداء في المحن والمنح.
• مع إدراك فقه الهجرة وأبعادها يُطوَى اليأس، وتُطوَى معه مراحل في النفس وفي الآفاق الدعوية، وما ثمة مكان للحزن،قال تعالي: {إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة 40].
المرجع: الصعود نحو الهجرة-عبد الحميد الكبتي.
ـــــــــــــــــ
الهجرة(3/8)
يقصد بها: الخروج من أرض إلى أرض ، وانتقال الأفراد من مكان إلى آخر سعيا لتحقيق أغراض للمهاجر. ولما كان الانتقال جهدا لأصحابه نفسيا ومادياة حيث يترك أرضه الأولى وماله فيها من ذكريات ومنافع ،إلى أرض أخرى جديدة لا يدري ماذا يحدث له فيها: كان التوجيه القرآنى والترغيب النبوى مصاحبا للمهاجرين الذين اضطهدوا فى أرضهم لإيمانهم بربهم وما اقتضاه إيمانهم من إنتقالهم إلى العبادة الصحيحة والمعاملة الحسنة ومكارم الأخلاق ، فأخرج المؤمنون من ديارهم ، وأوذوا فى سبيل الله ، فكان التوجيه النبوى أن تكون الهجرة لله وحده "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" ، يؤجرعليها بما جاء من الوعد الصادق، "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، من أغراض محدودة. قال تعالى فى بيان مكانة المهاجربن فى سبيله: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}البقرة:218. وقال سبحانه: {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}آل
عمران:195.
وكما أثنى الله على المهاجرين أثنى على من أحسنوا استقبالهم ونصرتهم قال جل شأنه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصاروالذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}التوبة:100 ، وقال سبحانه: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجرإليهم ، ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}الحشر:6.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار"(1).(3/9)
وقد هاجر المؤمنون عندما اشتد بهم تعذيب المشركين بمكة المكرمة إلى الحبشة مرتين قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمعذبين: "إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده ، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه".
تقول السيدة أم سلمة رضى الله عنها: "فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار،أمنا على ديننا ولم نحس منه ظلما)(3). ثم بلغ المهاجرين إلى الحبشة أن أهل مكة أسلموا فرجع بعضهم فلم يجدواالخبر الصحيح فرجعوا إلى الحبشة، وهاجر معهم فى الهجرة الثانية جماعة آخرون.
وكان المهاجرون يعبرون عن دينهم وما دعاهم إليه خير تعبير مما يدعو الآخرين إلى احترامهم وتقديرهم إذ أحسنوا فى عرض عقيدتهم وأخلاقهم ، دون تضليل أو كذب ولو كان فيما يقولون بعض المخالفة لما كان عليه أهل الحبشة من تحريف فى المعتقدات.(3/10)
وكانت الهجرة الكبرى والتى أذن الله فيها لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بتحقيقها وأراه موضعها - إلى المدينة المنورة، فاتخد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها أسبابها ، واختار فيها الرفيق ، والدليل الخبير، وأمن مصدر الزاد ، والأخبار والمتابعة، ورد الأمانات إلى أصحابها ، وواجه طغيان المشركين بتدبير محكم ، ومضى فى طريق هجرته ومعه الصديق أبو بكر، وفشلت محاولات المشركين فى تتبعه وإعادته وتجلت عناية الله فى الطريق وشهدت بذلك "أم معبد" كما شهد سراقة حتى وصل إلى المدينة المنورة فاستقبل بفرح المؤمنين ، وأقام مسجدا وحمل فيه الحجارة مع أصحابه ،وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع ميثاقا عظيما لتنظيم العلاقة بين المقيمين من المهاجرين والأنصار واليهود فى المدينة المنورة وظهرت آثار الهجرة فى مغالات التأسيس للدولة والأمة، وسميت المدينة بدار الهجرة والسنة كما فى صحيح البخارى، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء الأخرى التى بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال النبى - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة ودخول الناس فى دين الله أفواجأ: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا"(متفق عليه) وبقى معنى الهجرة فى هجر مانهى الله عنه ،
وبقت تاريخا للأمة.
أ.د/محمد رفعت سعيد
ـــــــــــــــــ
الهندوسية
"الهندوسية" أو "الهندوكية": دين يعتنقه معظم سكان الهند، وقد أطلق عليها ابتداء من القرن الثامن ق.م. اسم: "البرهمية" نسبة إلى "براهما" وهو القوة العظيمة السحرية الكامنة التى تطلب كثيرا من العبادات ، كقراءة الأدعية والأناشيد وتقديم القرابين ، و"البرهميون" أو"البراهمة": هم أصحاب الطبقة الأولى من عبدة "براهما"الذين ولدوا منه ، أو ممن انبثق عنه: "برهمان".(3/11)
قامت "الهندوسية" على أنقاض "الويدية" ، وتشربت أفكارها، وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة، والأساطير الروحانية المختلفة التى نمت فى الهند قبل دخول الآريين ، ومن أجل هذا عدها الباحثون امتدادا لـ "الويدية" وتطورا لها.
ليس لـ"الهندوسية" مؤسس يمكن الرجوع إليه كمصدر لتعاليمها وأحكامها ، فهى مجموعة من التقاليد والأوضاع تولدت من تنظيم الآريين لحياتهم جيلا بعد جيل بعد ما وردوا على الهند، وتغلبوا على سكانها. ويعتقد الهنود أنها دين أزلى لا بداية له وملهم به قديم قدم الملهم ،ويرى الباحثون الغربيون والمحققون من الهندوس أنه قد نشأ فى قرون عديدة متوالية لا تقل عن عشرين قرنا بدأت قبل الميلاد بزمن طويل وقد أنشأه أجيال من الشعراء، والزعماء الدينيين والحكماء الصوفيين عقبا بعد عقب ، وفق تطورات الظروف ، وتقلبات الشئون ، ف" الهندوسية" أسلوب فى الحياة أكثر مما هى مجموعة من العقائد والمعتقدات ،وتاريخها يوضح استيعابها لشتى المعتقدات والسنن ، وليست لها صيغ محددة المعالم ، ولذا تشمل من العقائد ما يهبط بها إلى عبادة الأحجار والأشجار والحيوان ، وما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة.(3/12)
"الفيدا " هو كتاب "الهندوسية" المقدس ، ويقال: إنه أقدم من التوراة بآلاف السنين ،وإنه دون فى زمن موغل فى القدم ، ربما يرجع إلى ثلاثين ألف سنة مضت ، وتعكس نصوصه حياة الآريين فى الهند فى عهدهم القديم ومقرهم الجديد، ففيه حلهم وترحالهم ، دينهم وسياستهم ، حضارتهم وثقافتهم ، معيشتهم ومعاشرتهم ، مساكنهم وملابسهم ، مطاعمهم ومشاربهم. وترى فيه مدارج الارتقاء للحياة العقلية من سذاجة البدوى إلى شعور فلسفى، فتوجد فيه أدعية بدائية، مثل: "أيتها البقرة المقدسة، لك التمجيد والدعاء، فى كل مظهر تظهرين به.. "ونصوص ترتقى إلى وحدة الوجود، مثل": إنى أنا الله ، نور الشمس ، وضوء القمر وبريق اللهب ،ووميض البرق، وصوت الرياح ، وأنا الرائحة الطيبة التى تنبعث فى أنحاء الكون ، والأصل الأزلى لجميع الكائنات ، وأنا حياة كل موجود، وصلاح الصالح لأنى الأول والآخر والحياة والموت لكل كائن".
بلغ تعدد الآلهة عند الهنود مبلغا كبيرا؛ إذ يوجد لكل ظاهرة طبيعية تنفعهم أو تضرهم إله يعبدونه ، يستنصرون به فى الشدائد ، غير أنهم جمعوا الآلهة فى إله واحد، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء: فهو "براهما" من حيث هو موجد، وهو "فيشنو" من حيث هو حافظ، وهو "سيفا" من حيث هو مهلك.
و"براهما"، هذا عند فلاسفتهم ليس خالقا، فهو فكرة ذهنية أكثر منه إرادة عاملة، فالعالم -حسب تصورهم- خلق على النحو التالى: أخذ "براهما" يتأمل ويفكر، وعن تفكيره هذا نشأت بذرة مخصبة، تطورت إلى بيضة ذهبية، ومن تلك البيضة نشأ العقل الخالق ، يطلقون عليه أيضا "براهما".
من المعتقدات الهندوسية:
1- التناسخ ؛ إذ يعتقد الهنود أن الأرواح جائلة متنقلة فى أطوار شتى من الوجود، تنتقل من جسد إلى آخر، سواء أكان فى الإنسان ، أو فى الحيوان ، حتى تصل إلى هدفها الأخير، وهو استجلاء طلعة "براهما" التى لا تكتسب إلا بالاندماج فيه كما تندمج قطرة الماء فى المحيط.(3/13)
2- "كارما" وهى متممة لفكرة تجوال الأرواح. وتقوم نظريتها على أساس أن كل عمل يأتيه الانسان له ثمرته حتما، وأن كل شىء يكتسبه الإنسان فى كل طور من أطوار الوجود المتكرر، تحدده الأعمال التى يقوم بها فى الوجود السابق ؛ فأعماله الصالحة ترفع درجته فى الأطوار اللاحقة، حتى إلى النهاية، وهو الاتحاد مع "براهما". والأعمال الشريرة تهبط بدرجته إلى أسفل ، فيظل دائرا فى أطوار الوجود المؤلمة لا يتخلص منها أبدا بل تزداد انحدارا به إلى أسفل طبقات الوجود.
3- نظام الطبقات: يعتبر "البراهمة" رجال الدين أنفسهم من عنصر إلهى ، فهم كهنة الأمة التى لا تجوز الذبائح إلا فى حضرتهم وتحت أيديهم ، لذلك قسموا المجتمع إلى ثلاث طبقات:
(أ) طبقة الكهنة.(ب) طبقة المحاربين والتجار.(ج) طبقة الخدم ، فلا يجوز لفرد أن يأكل مع آخر من طبقة أخرى، أو يزاوجه ، أو يختلط به. ولم يظهر هذا النظام إلا فى قوانين "مينو" حوالى القرن السادس قبل الميلاد وهناك طبقة رابعة لم تدخل التقسيم وهى طبقة المنبوذين ؛ إذ هم سكان الهند الأصليون الذين لا يجرى فى عروقهم الدم التوارنى. أو الدم الآرى، ويسمون: "زنوج الهنود"، وقد سلبهم المجتمع الهندوسى حقوقهم الإنسانية، فنزل بهم إلى مستوى أقل -أحيانا- من مستوى الحيوان ، فيعتقد الهندوسى فى أحيان كثيرة أن الدنس والرجس يلحقه ، إذا مر به المنبوذ على بعد بضعة أمتار. ولم ترجع الفلسفة الهندية نشأة نظام الطبقات إلى نزعة الجنس والعنصر، بل ربطته بنص مقدس ،يقول "مينو": "...ثم خلق البرهمى من فمه ،و"الكشتريا" وهم المحاربون التجار من ذراعه، و"الويشا" وهم الخدم من فخذه ، و"السودرا"، وهم المنبوذون من رجله ، فكان لكل من هذه الطبقات منزلة على هذا النحو".(3/14)
ومن ثم اتجه المنبوذون فى تدينهم إلى الأمور البدائية، فأصبح دينهم أشبه بعبادة الأزوات التى اعتصمت بها الأقوام الفطرية الساذجة ، فأعظم الآلهة عندهم يظهر فى شكل كومة من الآجر، أو فى هيئة أخرى ساذجة. وهذا الإله هو الذى يمنح الخصب للعواقر، ويحمى المحصول من الآفات ، ويرعاهم برعايته وعنايته ، ولكل مدينة إلهها.أ.د/محمد شامة
ـــــــــــــــــ
الوتر
لغة: الفرد أو ما لم يتشفع من العدد، كما فى القاموس(1).
واصطلاحا: عبادة زائدة شرعت لنا لا علينا(2).
والوتر صلاة مسنونة، لا أذان لها ولا إقامة ، ولا جماعة فيها،ويجوزأن تؤدى على الراحلة، ووقتها بين العشاء وطلوع الفجر، يدل على مشروعيتها ماروى عن خارجة بن حذافة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قد أمدكم الله بصلاة هى خير لكم من حصر النعم وهى الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء والآخر إلى طلوع الفجر)(رواه الحاكم وصححه عن حذاقة)(3) و وأقل الوتر ركعة، لما روى عن ابن عمرأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الوترركعة من آخر الليل) (رواه مسلم عن أبن عمر)(4)إلا أنه يجوز الزيادة عليها: فتصلى ثلاث ركعات بتسليمه وأحدة،لحديثه عائشة(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث لايسلم إلا فى آخرهن) (رواه الحاكم وصححه عن عائشة)(5).(3/15)
وأجاز بعض الفقهاء أن يصلى ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، أو تسع ركعات ، أو سبعا، أو خمسا، ويسلم فيها بعد كل ركعتين ، ويوتر بواحدة أو ثلاث أو خمس من الثلاث عشرة أو الإحدج عشرة، وله أن يوتر بثلاث من التسع والسبع ، فإن أوتر بخمس لم يجلس إلا فى آخرهن ، وقد ثبت ذلك بنصوص صحيحة عن عائشة، منها قولها (كأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة، يوترمنها واحدة) وقولها: (كان يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك خمس لا يجلس إلا فى آخرها)، وحديثها (ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ،ثم يصلى ثلاثا) (رواه مسلم عن عائشة).
وروى عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فاوتر بواحدة) متفق عليه(7).
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
الوديعة
لغة: هى ما يتركه الانسان عند غيره ، يقال: أودعه مالا إذا دفعه إليه ؛ ليكون عنده وديعة، أو قبله منه وديعة، كما فى المختار(1).
واصطلاحا: توكيل فى حفظ مال مملوك(2).
والوديعة قد تكون نقدا أوعينا لها قيمة مالية، يبيح الشارع حيازتها، وهى لاتتصور إلا فيما ينقل ويحول عن موضعه إلى موضع آخر.
وترك المالك ماله عند غيره ليحفظه له أمرمشروع ، وقبول الغيرحفظ هذه الوديعة مستحب ، إذا كان قادرا على الحفظ ورد الوديعة إلى صاحبها عند طلبها.
ومن الأدلة على مشروعية الايداع ، وقبول الودائع قول الله تعالى: {إن الله يأمركم اًن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}النساء:58 ، وما روى عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك) (رواه أبو داود والترمذى والحاكم والدار قطنى والطبرانى وصححه السيوطى)(3).(3/16)
وترغيب الشارع فى حفظ مال الغير بالإيداع ، يحقق مصلحة ضرورية، قصد إليها من تشريع الأحكام ، وهى حفظ المال ، فإن صاحب المال قد يعجزعن حفظه أو يعنُّ له ما لايتمكن معه من حفظه بنفسه كسفر أوتعرض للمخاطر، فلو لم يشرع إيداعه لدى الغير لضاع على مالكه.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
الوسطية
مقدمة:
• الوسطية: مصطلح شائع، وذو قوة في دوائر البحث العلمي، ووسائل الإعلام اليوم، ولا جدل حول أهمية الوسطية والإقرار بها كمبدأ، فذلك محل اتفاق عند عموم المسلمين.
معنى الوسطية:
• والوسط قد يكون بمعنى العدل، كقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، أي عدولاً خياراً، فهذا النص يدل على أن الوسط هو العدل الخيار غير أن هناك نصوصاً شرعية أخرى يدل سياقها على أن الوسط يقصد به التوسط بين طرفين متباعدين متنافرين.
• الوسط غالباً ما يكون محفوفاً برذيلتين، كما يقول الحكماء والفلاسفة رذيلة الإفراط والمبالغة، ورذيلة التفريط والإهمال.
• فالوسط هو الاهتمام المقتصد المعتدل بالأشياء، سواءٌ كانت تعبدية أو أخلاقية أو دينية أو دنيوية.
• كثير من الناس الذين ابتلوا بالتعصب قد يعتبر نفسه في موقع الوسط؛ لأنه يرى نفسه في تعصبه بين من هو أكثر تطرفاً وبين من هو أقل منه فيحسب أن ذلك كافٍ لإثبات أنه يسير في خط الوسطية والاعتدال، وذلك مقياس غير منضبط؛ لأنه لن يعدم أن يجد أحداً أشد منه تعصباً، ولن يعدم أن يجد من هو أقل منه تفريطاً وتساهلاً.
• فالوسطية لا تعني أن يضع الإنسان المسلم نفسه مركزاً للكون والحياة، ويصنف الناس على حسب موقعه، بل هي أن يلتزم خط الاعتدال في كل شيء وعدم المبالغة:
ولا تغلُ في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ
• وسِمة التطرف ينبغي أن لا تكون ملكاً وذوقاً خاصاً لفئة معينة توزع ذلك الوصف على من تريد.(3/17)
إنما يجب أن يكون هناك معايير واضحة لهذا الاستخدام، كيلا يصح ذلك ضرباً من التنابز بالألقاب، والذي لا يفيد أكثر من أننا متعصبون في تعاملنا مع بعضنا، وفي معالجة اختلافاتنا.
معالم الوسطية:
• نحن لا نملك تعريفاً دقيقاً للوسطية، لكننا مع هذا الحديث نجد ضبطاً لبعض معالمها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري.
• فوصف الدين باليسر لنجد أن من معالم الوسطية: التيسير، لأنه هو الذي يستوعب الناس، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فسددوا) فيه المطالبة بسداد عين الشيء وعين الحق إشارة إلى الالتزام بالنص الشرعي، وجعله مصدراً للعلم والعمل، وعدم الأخذ بنص والمبالغة فيه على حساب نص آخر، بل الوسطية في ذلك.
• (وقاربوا) بمعنى القرب من الصواب، إشارة إلى قصور العقل البشري عن إدراك كل الحق والصواب، فطلب الكمال المطلق والمطالبة به يناقض الوسطية، فالوسطية ممنوحة لمن يسدد الهدف تماماً أو يقاربه بما أوتي من قدرة.
• (وأبشروا) : إشاعةٌ لروح الاستبشار في معنى الوسطية، وعدم التنفير والمبالغة في التخويف والترهيب.
• (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) إرشاد للاستعانة بما تيسر، في إشارة إلى معنى التعددية والسعة؛ لأن القدرات تختلف، وهذا يؤصل أن الوسطية ليست لوناً واحداً أو منهجاً محدد المعالم في كل دقيق وجليل، بحيث لا يمكن لأحد أن يخالفها أو يختلف فيها، وإنما هي إطار واسع وجمعية تحتوي أطيافاً ملونة ضمن ضوابط وأصول شرعية معتبرة.
معنى الوسطية يعتمد على قاعدتين:
الأولى: النص الشرعي المحكم؛ لكي لا يدع مجالاً للتحكم والتشهي.(3/18)
الثانية: طبيعة التكوين النفسي والعقلي للمتلقي الذي يفسر به النصوص ويتلقاها سواءً كان عالماً أو فقيهاً أو داعيةً، فيتطلب ذلك نوعاً من الوسطية والاعتدال في قراءة النصوص وفهمها والعمل بها وتفسيرها.
• الوسطية طريقة في التفكير والتعامل والنظر، فهي ترسم معالم الاعتدال في القراءة والطرح والتناول فهي تدخل حتى في الأخلاق، يقول الله تعالى: { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}، فهذا اعتدال بين الإفراط في التعلق بالماديات وبين إهمالها.
• وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان:67] اعتدال بين الإسراف وبين البخل.
• وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - المتفق عليه: (إكْلَفُوا من العمل ما تطيقون) اعتدال في العمل، واعتدال في العبادة، وأن الإنسان لا يحمل نفسه فوق طاقتها.
• وعن الاعتدال العاطفي يقول علي بن أبي طالب : أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
• وللأوزاعي كلمته المشهورة : ما من أمرٍ أمر الله به إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى إفراط وإما إلى تفريط، والوسط ما يحبه الله عز وجل.
عليك بأوساط الأمور فإنها نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعباً
• إن الوسطية وفكرها ومنهجها تتطلب نوعاً من المناخ المعتدل والأجواء الهادئة والتناول الموضوعي وتعويد المجتمع والناس على ذلك.
• والمناخ المفتوح في المجتمعات الإسلامية يسهم في صناعة الوسطية، فالانغلاق والانعزال وسد الأبواب والمنع كل ذلك يشحن النفوس ويدفعها للتطرف ويساعدها على ذلك ويقدم لها تبريراً كافياً لذلك، فالنفوس المتوترة مستعدة لكل أشكال الغلو والتطرف، والإنسان المغضب أو المقهور لا يستمع إلى العقل والمنطق والموضوعية؛ لأنه مشوش التفكير مضطرب النفس.(3/19)
• والأزمات الحالية تساعد على صناعة المناخ الذي يولد فيه التطرف ويتكاثر، كالأزمات التي يعانيها المسلمون في فلسطين والعراق ولبنان، فهي تشحن النفوس بالغضب والانفعال والشعور بالقهر، مما يجعله أكثر استعداداً للتطرف وأقرب قابلية له.
• إن مسؤوليتنا جميعاً أن نشيع الأجواء الهادئة المعتدلة، وننشر القراءة الموضوعية للأشياء، وللعلماء والمصلحين والمؤثرين دورٌ بارزٌ في نشر الوسطية، وصناعة القدوة في التعامل مع الأحداث والأشخاص والأشياء والأفكار، دون تنابز، ولا سخرية، ولا خصام، ولا اتهام.
• يجب أن لا تكون الوسطية شعاراً نرفعه ضد خصومنا، بل أن تكون منهجاً معتدلاً في قراءة الأشياء؛ لنحقق الشهادة التي فرضها الله على هذه الأمة؛ كي تقوم بواجبها، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة:143].
المرجع:الوسطية - د.سلمان العودة.
ـــــــــــــــــ
الوصية
- تعريف الوصية : التبرع بالمال بعد الموت والتصرف بالحق .
- مشروعية الوصية ، حالات تؤكدها ، حالات وجوبها ، حالات استحبابها ، حالات كراهيتها ، حالات تحريمها .
- استحباب تعجيل الوصية قبل أمارات الموت .
- مقدار الموصى به .
- وصية الجنف .
- حكم تغيير الوصية من غير الموصي .
- واجب كاتب الوصية وشهودها .
- بعض الفروق بين الوقف والوصية .
- مبطلات الوصية .
- ثبوت الوصية بخط الموصي .
- حكم الإشهاد على الموصي .
- لزوم الوصية لغير الوارث .
- صحة الوصية بما زاد على الثلث .
- وقت اعتبار النظر في الموصى له كونه وارثاً أو غير وارث .
- ما يبدأ به في الإخراج من التركة
- من يتولى تصريف التركة .
- تعيين الوصي أو الوكيل على الوصية .
- صفة الوكيل أو الوصي .
- حكم قبول الوصية .
- الوصية بمعين .
- من له الولاية على غيره .
- معلومية الوصية .(3/20)
- تصرف الوصي في غير ما وصى به إليه .
- تعدد الأوصياء .
- وصية الكافر للمسلم والعكس .
- انتفاع الوصي بالوصية .
- صرف الوصية إلى ورثة الموصي .
- التصرف في تركة من لا وصي له ولا وارث ولا حاكم .
- لفظ الوصية .
- الوجوه التي تصرف فيها الوصية .
المرجع : الوصية – صالح الأطرم – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
الوقت وأهميته
فإنَّ أساس السعادة الدنيوية والأخروية تقوى اللهِ سبحانه، وتحقيق العبودية له – جل وعلا -, فمن اتقى اللهَ وعملَ بطاعتهِ أفلح ونجا, وجعل له من كلِّ ضيقٍ مخرجاً, ومن كلِّ همٍّ فرجاً, ورزقَهُ الله من حيثُ لا يحتسب, ومصداق ذلك في كتاب الله سبحانهُ في مواضع كثيرة, يقولُ تعالى: (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) (سورة الطلاق :2 -3),
ويقول: (( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )) (سورة النور :52).
وقت الإنسان وساعات ليله ونهاره، هي حياته ورأس ماله, وكلَّ يوم يمضي يهدمُ جُزءاً من العُمر, ويقربُ إلى القبر.
قال الحسن- رحمهُ الله-: (يا ابن آدم إنَّما أنت أيَّام, كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك).
فوقت الإنسان إذاً هو عُمرهُ في الحقيقة, وهو كما تُشاهدون يمرُّ مرَّ السحاب، ويمضي بسرعة, فما كانَ من هذا الوقت في طاعة الله وما يُقربُ إليها فهو النافع وهو الحياة الحقيقية, وما عدا هذا فليس محسوباً من الحياة، وإن تمتع فيه الإنسان كما تتمتَّعُ البهائم .
إنَّ الإنسان الجادَّ هو الذي يسعى في الاستفادة من وقته وشغله بما يعودُ عليه بالنفع العاجل والآجل, يسارع إلى استغلال الفراغ قبلَ الشُغل, والصحَّة قبل السّقم.
في صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( نعمتانِ مغبونٌ فيهمَا كثيرٌ من النَّاسِ, الصِّحَّةُ والفَراغُ )).(3/21)
والمؤمن الجاد ليسَ لطاعته وعملهِ الصَّالح نهايةً إلاَّ بالموتِ، كما قالَ تعالى: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)) (سورة الحجر :99).
والسَّاعات أغلى من أن تُنفَق في أحاديث فارغة, أو مجالس لا غية، يُشاهَدُ فيها ما حَرَّم الله من صورٍ ونحوها, ويُسمعُ فيها المنكرُ من غناءٍ يُفسد القلب, وأفكارٍ تنحرفُ بصاحِبها عن الصِّراطِ المستقيم, وليس أضر على المرء من قُرناء السوء, فهم يُثبطون عن الخير، ويفتحُونَ على من يُجالسهم أبواباً من الشُّرورِ والفتن, ويهونون عليه المعصية, وهل آفةُ النَّاس إلاَّ من النَّاس, وهل كانَ على (أبي طالب) عندَ الوفاة أضر من قرناءِ السُوءِ، فلم يزالوا به حتى حالوا بينهُ وبين سعادة الأبد , فإيَّاكَ ومجالس المُثبطين من أصحاب اللهو والعبث والبطالة والمعاصي, فإنَّ طبعك يُسرقُ منهم وأنتَ لا تدري, وليس إِعْدَاء الجليسِ جليسَهُ بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظرِ إليه، والنظر في الصورِ يُورِثُ في النفوسِ أخلاقاً مُناسبةً لخُلق المنظور إليه, ومن المُشاهد أنَّ الماءَ والهواءَ يفسدان بمجاورة الجيفة, فما الظنُّ بالنفوس البشرية الضعيفة . أهـ [صلاح الأمة 7/226] .
وَلا تَجْلِسْ إِلى أهلِ الدَّنَايَا فَإِنَّ خَلائِقَ السُّفَهَاءِ تُعِْدي
الأيَّامُ ثلاثةِ: الأمسُ قد مضى بما فيه, وغداً لعلكَ تُدركهُ, وإنَّما هو يومكَ هذا فاجتهد فيه، قال يحيى بن معاذ: إضاعةُ الوقت أشدُّ من الموت, لأنَّ إضاعةَ الوقت انقطاعٌ عن الحقّ, والموتُ انقطاعٌ عن الخلق.(3/22)
من غفَل عن نفسهِ وأضاع دينَه, تصرَّمت أوقاتهُ, وعظُمَ فواتَه, واشتدَّت حسراتهُ, مسكينٌ كلَّ المسكنة, من ضيَّعَ الصلوات, وأكل المال الحرام, وظلمَ الناس, وتكلَّم بالباطل, وشاهدَ المُنكر, فيا تُرى ماذا ستكونُ حالهُ عندما يتحقَّقُ نزول الموت وحضور الأجل, وعندما يوقنُ بما عاشهُ من ضياعٍ يطلبُ الرُجعى فلا يُطاع، قد حِيلَ بينهُ وبين الاسترجاع, نعم، هيهات كيف يطلبُ الفائت, وكيف يردُّ الأمس الذاهب, (( وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيد)) (سورة سبأ :52) , (( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)) (54) سورة سبأ .
فيَا حسرات مَا إِلى ردِّ مِثلهَا سبيلٌ وَ لو رُدَّت لَهان التَّحسُّرُ
هيَ الشَّهواتُ اللاءِ كانَت تحوَّلَتْ إلى حسراتٍ حينَ عَزَّ التَّبَصُّرُ
فلَو أنَّهَا رُدَّتْ بِصبرٍ و قوَّةٍ تحوَّلنَ لذَّاتٍ وذو اللُّبِّ يُبصِر
ُ[صلاح الأمة 7/155]
فاعمل ما شئت لترى نتيجة العمل , واختر لنفسك ما يعود عليك من وقتك فإنَّه عائد عليك لا محالة, ولهَذا يُقالُ للسعداء: (( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)) (سورة الحاقة :24) .
ويُقال للأشقياء: ((ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ)) (سورة غافر: 75).
سَأل الفُضيل بن عِياض- رحمه الله- رجلاً، فقال له : كم عمرك ؟ فقال الرجل : ستُّون سنة، فقال الفضيل: فأنت منذُ ستين سنة تسير إلى ربكَ تُوشك أن تصل . فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: من عرف أنَّهُ عبد لله وأنَّه راجعٌ إليه، فليعلم أنهُ موقوفٌ ومسؤولٌ، فليعد للسؤالِ جواباً، فقال الرجلُ: ما الحيلةُ؟ فقال الفضيل: يسيرة , تُحسنُ في ما بقيَ , يُغفر لك ما مضى, فإنَّكَ إن أسأت في ما بقيَ أُخذتَ بما مضىَ وما بقي .(3/23)
فيا غافلاً عن مصيره, ويا واقفاً في تقصيره, سبقك أهل العزائم, وأنت في اليقظة نائم، سَأل سائلٌ بعض الصالحين فقال: أيجوزُ أن أفسح لنفسي في مُباح الملاهي ؟ فقال لهُ: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها في الملاهي ملاهي , فاحذر البطالة والبطَّالين فإنَّهم قُطَّاع طريق .
يقول ابن الجوزي : ( أعوذ بالله من صُحبةِ البطَّالين, لقد رأيتُ خلقاً كثيراً يجرون معي فيما اعتادهُ النَّاس من كثرة الزيارة, ويُسمون ذلك التردد خدمة, ويُطيلون الجلوس, ويُجرون فيه أحاديث الناس وما لا يُغني , ويتخللهُ غيبة, وهذا شيءٌ يفعلُه في زماننا كثيرٌ من الناس, وربما طلبه المَزور، وتشوَّقَ إليه، واستوحشَ من الوحدةِ، وخُصوصاً في أيامِ التَّهاني والأعياد, فتراهُم يمشي بعضهم إلى بعض, ولا يقتصِرُون على الهناء والسلام, بل يمزجُون ذلك بما ذكرتُه من تضييع الزمان, فلَّما رأيت أنَّ الزمانَ أشرفُ شيءٍ, والواجبُ انتهابهِ بفعل الخير, كرهت ذلكَ، وبقيت معهم بينَ أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشةٌ لموضعِ قطْع المألوف, وإن تقبَّلتهُ منهم ضاعَ الزمان, فصرت أدافعُ اللقاء جهدي, فإذا غُلبتُ قصَّرتُ في الكلامِ لأتعجَّل الفراق, ثم أعددتُ أعمالاً لا تمنع من المحادثة لأوقاتِ لقائهم, لئلاَّ يمضي الزمانُ فارغاً, فجعلتُ من الاستعداد للقائهم قطع الكاغد, وبري الأقلام, وحزمُ الدَّفاتر, فإنَّ هذه أشياء لا بدَّ منها، ولا تحتاجُ إلى فكرٍ وحضورِ قلب, فأرصَدتُها لأوقاتِ زيارتهم لئلاَّ يضيعَ شيءٌ من وقتي).(3/24)
ويقولُ أيضاً : (رأيتُ عموم الخلائق يدفعونَ الزمانَ دفعاً عجيباً: إن طالَ الليلُ، فبحديثٍ لا ينفع, أو بقراءةِ كتابٍ فيهِ غزاة وسمر, وإن طالَ النَّهارُ فبالنوم, وهم أطرافُ النَّهارِ على دجلة أو في الأسواق, فشبهتُهم بالمتحدثينَ في سفينةٍ وهي تجري بهم, وما عندَهُم خبر, ورأيتُ النَّادِرِينَ قد فهمُوا معنى الوجود, فهُم في تعبئةِ الزَّاد والتأهُبِ للرَّحيلِ, إلاَّ أنَّهم يتفاوتُون, وسببُ تفاوتهم قلَّةُ العلم وكثرته، بما ينفقُ في بلدِ الإقامة, فالغافلون منهم يحملُونَ ما اتفق, ورُبَّما خرجوا لا مع خفيرٍ, فكم ممن قد قُطعت عليه الطريق فبقي مفلساً ! .
فاللهَ الله في مواسمِ العمر, والبدار البدار قبلَ الفوات, واستشهدوا العلم, واستدلوا الحكمة, ونافسُوا الزمان وناقِشُوا النفوس, فكأنَّ قد حَدَا الحادي فلم يُفهم صوتهُ من وقع الندم.
هذا في زمنه، فماذا عسانا أن نقولَ في عصرنا هذا وقد اشتدَّت غُربةُ الدين, وانفتحت أبوابُ الشُبهاتِ والشهوات, وصرف بعضُ الناسِ أفضل الأوقاتِ لمُشاهدةِ الفضائيات, والتنقُّل بينَ القنواتِ ومُتابعةِ المُبارَيات, فضُيِّعَت الأوقاتُ، وأُهملت الصلواتُ, ونطقت الرُّويبضَةُ , وضَعُفَ الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُّ عن المنكر، فلا حولَ ولا قوةَ إلاَّ باللهِ.
استعينوا باللهِ, وأدُّوا فرائضَ الله , وأديمُوا ذكرَ الله, واحذروا العجزَ والتَّسويف, واليأس والقنوط, وابذلِوا من أوقَاتكم للدَّعوةِ إلى الله, وإرشاد عباد الله كلٌّ بحسبه, ومن كانَ لديه القدرةُ لمقاومةِ المنكر وكشفه, والردُّ على المُبطلين والعِلمانيِّين الذين يبُثُّونَ سُمُومَهُم في الصُّحفِ والمجلات وغيرها فليفعل, فإنَّ الردَّ على هؤلاءِ جهادٌ مشكورٌ وعملٌ مبرور .(3/25)
أنتَ بيومِكَ لا بغَدِكَ وأمسِك , فاجتهد أن لا يمضي عليكَ يوم دُونَ خيرٍ تعمله, أو قريبٍ تصلُه, أو مريضٍ تزوره, أو مسلمٍ تنفعه, أو شرٍّ تدفعه, أو منكرٍ تنهى عنهُ, أو آياتٍ من القرآن تتلُوها, فإن ضعفْت عن جميعِ ما مضى فكفَّ شرَّكَ عن الناس، فإنَّها صدقةٌ منكَ على نفسك .
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : (ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غرَبَت فيه شمسُهُ نقص من أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي) .
وقال الجُنيد لرجل وهو يَعِظهُ: (جِماعُ الخيرِ في ثلاثةِ أشياء: إن لم تُمضي نهاركَ بما هو لكَ فلا تُمضِهِ بما هُو عليك, وإن لم تصحبِ الأخيارَ فلا تصحبِ الأشرار, وإن لم تُنفقَ مالك في ما للهِ فيه رضا فلا تنفقهُ في ما لله فيه سخط) ، وهذا أقلُّ القليل, وإلاَّ فصاحبُ العزمِ لا يرضى بالقليل، وبابُ المُسابقةِ مفتوح .
قال حمَّادُ بن سلمة: ما جِئنا إلى (سليمان التَّيْمِي) في ساعةٍ يُطاعُ اللهُ فيها إلاَّ وجدناهُ مُطيعاً, إن كان في ساعةِ صلاةٍ وجدناهُ مُصلياً, وإن لم تكن ساعة صلاةٍ وجدناهُ إمَّا متوضِّأً أو عائداً مريضاً, أو مشيِّعاً لجنازة, أو قاعداً في المسجد، قال : (فكُنَّا نرى أنَّهُ لا يُحسنُ أن يعصي الله عزَّ وجل) . [الحلية 2/82] .
حافظُوا على حُدودِ الله, وأدُّوا الفرائضَ مع الجماعة في المساجد, واحذروا السهرَ على ما حرَّمَ الله, ومُجالسة الأشرار, فعمَّا قليلٍ يندمُ المفرِّطون, وينتبهَ الغافلون, ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)).
ـــــــــــــــــ
الوقت عند الصوفية
الوقت عند الصوفية
لغة: وقت العمل جعل له وقتا يؤدى فيه.والوقت: مقدار من الزمان قدر لأمر ما ،وجمعه أوقات(1).
وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}النساء:103،أى مفروضات فى الأوقات(2).(3/26)
والله عز وجل هو الذى يخلق الوقت أو الزمان ويحدده. وكثيرا ما يتحدد بالليلة لارتباطه بالهلال أول الشهر. والوقت يحكم الإنسان ، ولايحكم الله عز وجل(3).
واصطلاحا: الوقت عند الصوفية عبارة عن العبد(4) فى زمان الحال (5) أى عندما يتصل وارد من الحق بقلبه ، ويجعل سره مجتمعا فيه ، بحيث لايذكر في كشفه الماضى ولا المستقبل(6) ويشير القاشانى (ت 735هـ) إلى أن ما حضر العبد في الحال: إن كان من تصريف الحق ، فعلى العبد الرضا والاستسلام.
وإن كان مما يتعلق بكسبه ، فليلزم ما أهمه فيه بعيدا عن الماضى والمستقبل ، فإن تدارك الماضى تضييع للوقت الحاضر.
كذلك الفكر فيما يستقبل ، فعساه ألا يبلغه ، وقد فاته الوقت ، ولهذا قال أهل التحقيق: "الصوفى ابن الوقت" أى إنه مشتغل بما هو أولى به في الحال.
ويشير أبو على الدقاق إلى أن الوقت عند الصوفية ماكان هو الغالب: إن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا ، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى، وإن كنت بالسرور فوقتك السرور،وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن.
وقد يريدون بالوقت: ما يصادف الصوفى من تصريف الحق له دون ما يختاره لنفسه ويقولون: "فلان بحكم الوقت" أى إنه مستسلم لما يبدو له من الغيب ، من غير اختيار له.
وهذا فيما ليس لله تعالى عليه فيه أمر أو اقتضاء بحق الشرع ؛ لأن التضييع لما أمربه ،وإحالة الأمر فيه على التقدير، وترك المبالاة بما يحصل منه من التقصير: خروج عن روح الدين.
ويشير الصوفية كذلك إلى أن "الوقت سيف" أى كما أن السيف قاطع ، فالوقت غالب بما يمضيه الحق.
وقيل: "السيف ليّن مسّه ، قاطع حدّه" فمن لاينه سلم ، ومن خاشنه اصطلم. كذلك الوقت بمفهوم الصوفية: من استسلم لحكمه نجا، ومن عارضه انتكس وتردّى، وأنشدوا:
وكالسيف إن لاينته لان مسه * وحدّاه إن خاشنته خشنان فالصحبة مع السيف خطر: "إما ملك وإما هلك"، ولو حمله صاحبه ألف سنة فلن يفرق فى حال القطع بين رقبة صاحبه ورقبة غيره ، لأن صفته القهر.(3/27)
وقيل أيضا: من ساعده الوقت فالوقت له وقت ، ومن ناكده الوقت فعليه مقت. وسمع القشيرى أبا على الدقاق يقول: "الوقت مبرد يسحقك ولايمحقك": أى يأخذ من العبد، دون أن يمحوه بالكلية. وكان الدقاق ينشد:
كل يوم يمر يأخذ بعضى * يورث القلب حسرة ثم يمضى
وأنشد أيضا:
كأهل النار إن نضجت جلود * أعيدت للشقاء لهم جلود
وهو فى معنى:
ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء
ويرى القشيرى أن الكيس هو: من كان بحكم وقته:
(أ) إن كان وقته الصحو، فقيامه بالشريعة.
(ب) وإن كان وقته المحو، فالغالب عليه أحكام الحقيقة(8).
ويرى علماء الصوفية،أن الخلق تتفاوت قدراتهم وأحوالهم فى مسألة "الوقت"، لكن الصوفية يصرحون بأنهم يعيشون فى الوقت سرورا مع الحق ، فإذا انشغل الواحد منهم بالغد، أوقلب التفكير فى الأمس ، حجب عن الوقت ، والحجاب تشتت.
ويقول أبو سعيد الخراز "لاتشغل وقتك العزيز إلا بأعز الأشياء، وأعز أشياء العبد شغله بين الماضى والمستقبل.
ولهم فى ذلك أسوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عرض عليه فى ليلة المعراج زينة ملك الأرض والسماء، فلم ينظر إلى أى شىء؛ لقوله تعالى: {ما زاغ البصروماطغى}النجم:17، لأنه كان عزيزا ، ولايشغل العزيز إلا بالعزيز، ولم يتجاوز ما أمر به.
ويشير الهجويرى (ت 465هـ) إلى أن أوقاف الموحد وقتان: أحدهما فى حال الفقد، والثانى في حال الوجد، وفى كلا الوقتين يكون الموحد مقهورا ؛ لأنه فى حال الوصل يكون وصله بالحق ، وفى الفصل يكون فصله بالحق.
ويحكى الجنيد أنه رأى درويشا فى البادية يجلس تحت شجرة ذات شوك ، وظل هكذا منذ اثنتى عشرة سنة ، لأنه كان يتوجع على وقت ضاع له فى ذلك المكان. فمضى الجنيد إلى الحج ودعا له فاستجيبت دعوته ، ومع هذا أصر الدرويش على البقاء في نفس المكان الصعب حتى يموت ويخلط ترابه بتراب ذلك الموضع ، ويرفع رأسه يوم القيامة من هذا التراب الذى صار محل أنسه وسروره(9).(3/28)
وقد اهتم الصوفية بالتفريق بين الوقت والحال:
فالحال هو الذى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب ، ومن شرطه أن يزول ويعقبه المثل ؛(10) فالحال وارد على الوقت ، يزينه مثل الروح والجسد والوقت لامحالة يحتاج إلى الحال ؛ لأن صفاء الوقت يكون بالحال ، كذلك فإن الغفلة تجوزعلى صاحب الوقت ،ولاتجوزعلى صاحب الحال(11).
وأخيرا فإن الصوفية لديهم مايسمى الوقت الدائم" أو "الآن الدائم"،(12) وهم بهذا يشيرون إلى حقيقة الزمن بالنسبة لله عز وجل ، حيث لاينقسم الزمن هناك ، ولايتميز إلى ماض وحاضر ومستقبل.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد
ـــــــــــــــــ
الوقت وكيفية تنظيمه للأم العاملة
سؤال:
• تقول أختٌ سائلة: قليلاً ما أجد وقتاً للاستغفار ولذكر الله وقراءة القرآن.. وأشعر بنقص وفراغ؟
• كيف أنظم وقتي بين كوني زوجة وأم وأعمل بوظيفة، وبين كوني مسلمة يلزمها الحرص على فعل الطاعات والتقرب إلى الله؟
الجواب:
• أختاه لا تتصوري أنك أنت الوحيدة بين النساء التي تواجه في حياتها عبء العمل ورعاية الأسرة.
• في الوقت نفسه تحمل في نفسها الشوق لطاعة الله، فالتوفيق بين رعاية الأسرة والعمل، وبين طاعة الله قد فعلته نساء كثيرات قبلك.
• عليك أن تعلمي أن عملك ورعايتك لأسرتك هو نوع من العبادة التي تتقربين بها إلى الله عز وجل، فبالعمل تؤدين خدمة لمجتمعك وأمتك، كما أنه بحصولك على مرتب من هذا العمل تؤدين خدمة لأسرتك حيث ترفعين من مستواها المادي.
• في النهاية فأنت الوحيدة التي تقدرين على التوفيق بين ما ترغبين في فعله من الطاعات للتقرب من الله، وبين ما تؤدينه من واجبات تجاه عملك وأسرتك.
• المهم في الأمر هو أن تجعلي نيتك في عملك ورعايتك لأسرتك في سبيل الله، وبذلك يصبح يومك كاملا في طاعة الله.
• عليك أن تقدري الأمر في حياتك، بحيث تجعلين طاعة الله ثم رعايتك لأسرتك في المرتبة الأولى.(3/29)
• ثم عليك أن تقيسي مدى احتياجك للعمل وأثره على الجانبين السابقين، فإذا كان العمل يؤثر تأثيراً سلبياً على رعايتك لزوجك وأسرتك مثلا فعليك أن تشركي زوجك في الأمر، وتستشيرينه واضعة في اعتبارك أن طاعتك لله ثُم لزوجك مقدمان على أي شيء آخر.
نذكر بعض الخطوات العملية لتنظيم وقتك بين العمل والعبادة ورعاية البيت والزوج:
1. إخلاص النية لله في أداء العمل، ورعاية الأسرة.
2. الحرص على أداء الفرائض في أوقاتها.
3. إتمام النوافل القبلية والبعدية للصلوات المكتوبات
4. عمل قائمةٍ تسمَّى: "أعمالٌ يجب إنجازها اليوم"، صمِّمي جدولاً أو قائمةً بأوقات اليوم بالساعات، ثمَّ ضعي هذه الالتزامات أمامك، حدِّدي منها ما لها مواعيد لا يمكن تأجيلها أو تغييرها كالعمل مثلاً، ضعي هذه المواعيد الثابتة في الجدول، ثمَّ انظري في الباقي، وحاولي ترتيبه في الجدول حسب طبيعته وأفضل أوقاته، وهكذا حتى تنتهي منها كلِّها.
5. بعد ترتيب هذه الأعمال وتحديد أوقاتها، اختاري منها ما يجب إنجازه في هذا اليوم.. فإن كانت أكثر من الوقت المتاح، رتِّبيها حسب أولويَّاتها وضروراتها " وقومي بتنفيذ الأَوْلَى فالأَوْلَى.(3/30)
6. قال - صلى الله عليه وسلم - "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل" متفق عليه. فحددي لنفسك زادا إيمانيا كل يوم واحرصي على الالتزام به ولو كان قليلاً، إذ يخبرنا علماء النفس أنَّ الإنسان لا يستهلك كلَّ طاقته، وبالتالي يبقى في قدرة الإنسان جزءٌ يمكن الاستفادة منه، فحاولي أن تمدِّدي وقت تعبك قليلاً، فإذا كنت متعوِّدةً أن تنهي كلَّ أعمالك والتزاماتك الخارجيَّة والداخليَّة الساعة العاشرة مساءً مثلاً، اجعليها العاشرة والنصف، وهذه النصف ساعة ليست بالوقت الكبير، ولا تحتاج إلى مجهودٍ فائق، فقط ثلاثون دقيقة، خذي فيها زاداً إيمانيّا؛ قيام، قراءة قرآن، قراءة كتابٍ في الرقائق...، وثقي بأنَّ هذه الفترة الزمنيَّة البسيطة ستزوُّدك بالكثير ما التزمت بها.. ولن أذيع لك سرًّا حين أقول: ستجدين –بعد فترةٍ ليست بالطويلة- أنَّ هذه الثلاثون دقيقةً قد تمدَّدت وتطاولت أضعافاً مضاعفة.
7. استثمري يوم الأجازة في التفكر في خلق الله أثناء النزهة، أو حضور درسٍ، أو قراءة قرآن، أو قيام ليلٍ أو ما إلى ذلك.. كما يمكنك عمل جلسة إيمانية للذكر وقراءة القرآن مع زوجك وأولادك، لكي تنمي عند أبنائك الوازع الديني، وتجعلي من زوجك عوناً لكِ، ومشجعاً على القرب من الله تعالى.
8. أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن عمل المرأة في بيتها وتربيتها لأبنائها من أعظم القربات إلى الله عز وجل، ففي الحديث الصحيح قال: - صلى الله عليه وسلم - (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) صححه الألباني.
9. لا تنشغلي عن واجباتك تجاه أبنائك وزوجك، لذا يجب فقط تصحيح النية في هذا الأمر، فلطالما نسمع النساء يتذمرن من أشغال البيت ومن مسؤوليات الأبناء، في حين أن عملهن هذا يؤجرن عليه خاصة إذا صاحب الأمر إتقان.(3/31)
10. اغتنام الأوقات الفاضلة، حيث يضاعف الله تعالى الأجر والثواب ولذا كان توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا بالحرص على التماس هذه النفحات ففي الحديث "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها"، فاغتنمي الأوقات الفاضلة، ومن ذلك وقت السحر (الثلث الأخير من الليل) حيث قرب الزمان والمكان من الله سبحانه وتعالى.
11. اغتنام الأوقات البينية: فاجعلي لسانك دائماً رطباً بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ، فكثيراً ما تضيع منا ساعات طويلة ولا ننتبه إليها، فيمكنك أن تشغلي الوقت الذي يقتطع منك وأنت في طريقك إلى العمل وعند رجوعك يمكن الاستفادة من هذا الوقت بقراءة القرآن أو الاستماع أو شغله بذكر الله تعالى، وكذلك الحال وأن تقومين بأعمال البيت اليومية، فلماذا يخيم عليك الصمت ولماذا لا تجعلين لسانك مرددا للذكر في مثل هذه الساعات؟!
12. الإقدام على فعل الخيرات، ومساعدة المحتاجين قدر الاستطاعة في العمل وغيره.
13. المحافظة على صلة الرحم بالتزاور والاتصال أو المراسلة؛ حسبما تتيسر الظروف.
14. المحافظة على أذكار الأحوال المختلفة التي علمنا إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عند النوم، وعند الاستيقاظ، وقبل الخروج من المنزل، وعند الرجوع للبيت، والمأثور من الدعاء عقب الأذان، والدعاء قبل الطعام وعند الفراغ منه، وقبل دخول مكان قضاء الحاجة وبعده، إلخ.. فهذا هو هديه - صلى الله عليه وسلم - في كل هذه الأحوال المختلفة وبهذا لن تمر عليك ساعة من ليل أو نهار إلا وهي في طاعة الله تعالى.
15. المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
وختاماً:
نذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).(3/32)
فإن استطعت أن تحافظي على هذه الوسطية فأنت في نعمة من الله وتعالى وفضل ، فإذا لم تكن أوقاتك كلها في طاعة الله عز وجل فلا أقل من أن تجتنبي معاصيه.
ـــــــــــــــــ
الولاء والبراء
- المبحث الأول : المعنى اللغوي والشرعي للموالاة والمعاداة :
1. المعنى اللغوي .
• الموالاة : يقال : تولاه أي : اتخذه ولياً .
•المعاداة : يقال : عاداه أي : كان له عدواً .
2. المعنى في الاصطلاح الشرعي :
• الموالاة : الاقتراب من الشيء والدنو منه عن طريق القول أو الفعل أو النية .
• المعاداة : ضد ذلك .
- المبحث الثاني : مشروعية الموالاة والمعاداة
O فئات الناس في العهد النبوي :
المؤمنون الصادقون من المهاجرين والأنصار .
الذين آمنوا ولم يهاجروا وبقوا في ديارهم خارج دولة المدينة .
المنافقون ، في المدينة وما حولها .
اليهود وكانوا في المدينة .
النصارى وكانوا بعيدين عن المدينة .
المشركون من العرب وغيرهم .
- قواعد مهمة :
1. وجوب محبة الله واتباع مراده ، ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
2. المرء مع من أحب .
3. الحق والباطل ضدان .
4. محبة الرحمن تقتضي مغض الشيطان .
- المبحث الثالث : حقيقة المعاداة وحدودها ونوع من يعادى :
1. حقيقة المعاداة وحدودها .
2. من يعادى من الكفار .
- المبحث الرابع : صور الموالاة وأنواعها وحكم كل منها
o التقسيم الأول :
1. الموالاة المطلقة .
2. الموالاة المقيدة .
o التقسيم الثاني :
1. الموالاة القلبية .
2. الموالاة العملية : ومن صورها :
طاعتهم في الأمور الشرعية .
اتخاذهم بطانة .
مداهنتهم .
نصرتهم ضد المسلمين : ومن صورها :
o أن ينضم المسلم إلى لواء الكفار ليقاتل معهم المسلمين .
o أن يستنصر بهم لقتال المسلمين والقيادة له : يقسم إلى :
الاستنصار بهم ضد دولة مسلمة عادلة .
الاستنصار بهم ضد دولة مسلمة جائرة .
استنصار الدولة المسلمة العادلة بهم ضد أهل البغي .(3/33)
o تحريض الكفار على المسلمين .
o نصرتهم في حال الإكراه .
الخضوع والتذلل لهم : ومن صوره :
o القيام بأعمال دنيئة لحساب الكافر .
o العمل لدى الكافر مع وجود الإهانة .
o الدخول في سلطانهم والعمل في ولاياتهم .
o الانحناء لهم عند اللقاء .
O المبالغة في مخاطبتهم بألفاظ التبجيل والتعظيم .
مشاركتهم في أعمالهم الدينية .
الاستغفار لهم .
o التقسيم الثالث : بالنظر للنية :
الموالاة الطبعية .
الموالاة المقصودة .
المرجع : الولاء والبراء في علاقة المسلم بغير المسلم – عبد الله الطريقي – مؤسسة الجريسي
وللاستزادة : الولاء بين منهاج الله والواقع – عدنان علي رضا النحوي – دار النحوي ودار السلام الولاء والبراء في الإسلام – صالح بن فوزان الفوزان – مؤسسة الجريسي
ـــــــــــــــــ
الولاء والبراء
مقدمة:
- الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة.
- وهو شرط من شروط الإيمان.
معنى الولاء: هو حب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم.
معنى البراء: هو بغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق.
- كل مؤمن موحد ملتزم للأوامر والنواهي الشرعية، تجب محبته وموالاته ونصرته.
- كل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته وجهاده بالقلب واللسان بحسب القدرة والإمكان.
- قال تعالى: { َالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }التوبة:71.
- الولاء والبراء من أعمال القلوب لكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح.
- قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: { من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان } [أخرجه أبو داوود].
منزلة عقيدة الولاء والبراء
- هي جزء من معنى الشهادة وهي قول: "لا إله" من "لا إله إلا الله" فإن معناها البراء من كل ما يعبد من دون الله.(3/34)
- هي شرط في الإيمان كما قال تعالى: { تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [المائدة:80-81].
- هي أوثق عرى الإيمان، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - الله: { أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله }.
- هي سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين، قال صلى الله عليه وسلم: { ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار } [متفق عليه].
- هي الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات:10].
- بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله وعادى في الله فإنما، تنال ولاية الله بذلك.
- عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر، قال تعالى: { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة:51].
- كثرة ورودها في الكتاب والسنة يدل على أهميتها.
- يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده.
من صور موالاة الكفار أمور شتى منها:
- مناصرتهم والوقوف معهم ضد المسلمين.
- التشبه بهم في اللبس والكلام.(3/35)
- السفر إلى بلادهم لغرض متعة النفس.
- اتخاذهم بطانة ومستشارين.
- التأريخ بتاريخهم خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم.
- التسمي بأسمائهم.
- مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها.
- مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد.
- الاستغفار لهم والترحم عليهم.
خاتمة:
- على المسلم أن يحذر من أصحاب البدع والأهواء الذين.
- على المسلم أن يفطن إلى الفرق بين حسن التعامل والإحسان إلى أهل الذمة وبين بغضهم وعدم محبتهم.
- تجب مبرتهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودة القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر.
- من برهم لتقبل دعوتنا: الرفق بضعيفهم، وإطعام جائعهم، وكسوة عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف معهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، والدعاء لهم بالهداية.
- ينبغي أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
المرجع: الولاء والبراء-عبدالملك القاسم-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
الوهابية
تنسب الوهابية إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن على الذى ولد فى العيينة بمنطقة نجد بالجزيرة العربية (1115هـ/1703م) والمقصود بالوهابية مجموعة المبادىء التى جهر بها الشيخ ، وتتلخص فى:
1- التوحيد ، والعودة إلى أصول الإسلام الصحيحة.
2- الجهاد فى سبيل ذلك ، وجواز قتال مانعى الزكاة وتاركى الصلاة.
3- ترك زيارة القبورة لأن الميت بعد الدفن أحوج إلى الدعاء، لا أن يدعى به. ويضاف إلى هذا منع اتخاذ التمائم ، والتبرك بالشجر والحجر، والذبح لغير الله ، والنذر لغير الله ، والاستعاذة بغير الله ، والعبادة عند القبور.(3/36)
وهى أمور موافقة لمبادىء الاسلام ، مؤكدة له ، وغير جديدة. أما تجديد الدعوة آنذاك إلى التمسك بها فيعنى أن المجتمع الذى نشأ فيه الشيخ كان قد خرج عليها، أو أنه لم يعد متمسكا بها. وفى هذا يقول معاصروه الذين ترجموا له إن "دعوته" جاءت بعد أن قرأ العلم ورأى "كثرة جهل الناس بدين نبيهم" وأنه رأى الناس فى العراق "مفتونون فى حب الدنيا، ورآهم فى المدينة مفتونون فى عبادة الأوثان. وعندما وصلت أنباء دعوته إلى المدينة المنورة قال أستاذه الشيخ محمد بن سليمان الكردى"أنه شاذ عن السواد الأعظم". وكان أسلوبه في الدعوة يقوم على أخذ العهود والمواثيق علي الناس لإقامة الدين.
ويذهب بعض الدارسين إلى القول بأن "الوهابية" تتشابه مع ما سبق أن نادى به ابن تيمية فى بلاد الشام قبل ذلك بأربعة قرون (الشيخ تقى الدين أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحرانى (661-728هـ/1263-1328م) الذى قال: إن الشهادتين وحدهما لا تكفيان ما لم يلتزم قائلهما بالشرائع والواجبات ، واعترض على المقامات والأنصاب ، وعلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين. وقد أثارت أراء ابن تيمية قلقا فى نفوس العلماء والحكام فى مصر والشام والعراق تحت حكم المماليك وانتهى أمره بالسجن حتى وفاته.
أما الشيخ محمد بن عبدالوهاب فلم يواجه حكومة مركزية شأن ابن تيمية،فالجزيرة العربية آنذاك كانت مجموعة من الإمارات المتناثرة ولا تخضع لسلطة مركزية.
وكانت الإحساء والمناطق الشرقية من الجزيرة ميدانا مثاليا لنشر أفكاره ، فأهل السنة فيها يشكلون أقلية، ويشكل الشيعة والخوارج أغلبية، فضلا عن الإباضية في عمان ، والنجديون حنابلة، وبالتالى كان أولئك جميعا أقرب من غيرهم إلى أراء الشيخ.
وأما أهل الحجاز فهم من الشوافع الذين يرون فى أنفسهم أكثر تفهما للدين وأقدر على تفسير أحكامه.(3/37)
ولقد واجه الشيخ محمد بن عبدالوهاب مصاعب فى نشرأفكاره فى حريملاء التى كان بها عند وفاة والده ، وفى العيينة التى اضطر أميرها عثمان بن معمر إلى إخراجه منها امتثالا لأمير الإحساء (سليمان بن محمد) الذى هدده بقطع الخراج عنه.
وذهب لاجئا إلى الدرعية فى ضيافة الأمير محمد ابن سعود، وسرعان ما تفاهما، إذ قال الأمير للشيخ "أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة". وقال الشيخ للأمير "وأنا أبشرك بالعزة والتمكين". وأصبحت الدرعية دار هجرة لأتباع الشيخ الذين هاجروا إليها. وقبل الشيخ بسلطة الأمير، واحتفظ لنفسه بمقام دينى، وأعطاه حق تقديم نصائح ملزمة للأمير الحاكم ، حتى بدا أن سلطة الشيخ تعلو سلطة الأمير. وهكذا نشأ الإطار السياسى للوهابية. وقد أوفى آل سعود بالعهد لآل الشيخ ولم يتغير تقديرهم لهم على مر السنين إذ احتل آل الشيخ المراكز الرئيسية فى الإفتاء والتعليم فضلا عن رابطة النسب فيما بينهم.
وقد كان الأمير عبدالعزيز بن محمد آل سعود -الحاكم الثانى للدولة السعودية الأولى (1158-1233هـ/1745-1818م)- أقرب آل سعود إلى قلب الشيخ ، وأكثرهم تمسكا بمبادئه وتقيدا بنصائحه ، وهو الذى جعل للشيخ المقام الأول فى الدولة. وعلى هذا نشأ تلازم بين "الوهابية" و"السعودية"، وأصبح المصطلحان وجهين لعملة واحدة، فبفضل الوهابية أقام آل سعود دولتهم الأولى التى شملت جبال شمر (1790م) ، والإحساء (1791م)، وساحل عمان وقطر والبحرين (1799م)، والحجاز وعسير(1802م) وهددت المناطق الجنوبية فى بلاد الشام حتى حوران ، والمناطق الجنوبية الشرقية من العراق. ومن هنا بدأ العالم خارج الجزيرة العربية يسمع عن "الوهابية"، وصار التدخل العثمانى أمرا محتوما فكان ما كان من حملة محمد على باشا والى مصر العثمانى التى حطمت الدرعية وأخرجت آل سعود من أغلب الحجاز (1811-1818م).(3/38)
ثم أعيدت دولة آل سعود مرة ثانية ثم مرة ثالثة على يد الملك عبدالعزيز فى ثلاثينات القرن العشرين.
ولما كانت "الوهابية" تمثل مرجعية لشرعية وجود آل سعود فى الحكم ، فقد حافظوا عليها ، واندفعوا بها ، وحددوا علاقاتهم بالآخرين على أساسها حتى ولو اضطروا لاستخدام العنف فى سبيل إقرارها. وهو أمر صدم ضمير عامة المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم "حسنى الإسلام"، إذ حمل الوهابيون أكثر الأمور الدينية على ظاهرها، فبدا المذهب وكأنه حركة للاحتجاج والإثارة لا للهداية والتقويم.
أ.د/عاصم أحمد الدسوقى
ـــــــــــــــــ
الوَحْى
لغة: الكتاب. وجمعه وُحيٌّ ، مثل: حلى وهو أيضا: الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفى ، وكل ما ألقيته إلى غيرك(1).
ويقال: أوحى إليه وله: كلمه بكلام يخفى على غيره.
ويعلم من هذا، أن كلمة "الوحى" فى اللغة تعنى السرعة والخفاء، أى الإعلام السريع الخفى.
شرعا: هو إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه بحكم شرعى ونحوه ، بواسطة أو غير واسطة(3).
فالوحى إذن: نقل مافى عالم الربوبية إلى نبى أو رسول عن طريق الملائكة ، ليبلغه إلى الناس ،مع ملاحظة أن علم الله ثابت فى اللوح المحفوظ ، وينزل الوحى طبقا لما هو مدون فيه(4).
والوحى أمرهام وجوهرى فى النبوات والأديان ، فهو مثل المعجزة قطب الرحى ، وبدونهما لاتكون نبوة أو رسالة.
ولهذا جاءت مادة "و.ح.ى" في القرآن الكريم وحده ثمانيا وسبعين مرة(5) وفيه دلالة على أن للوحى حقيقة، وأنه أمر ضرورى للديانات السماوية.
والإيمان بالوحى حق وواجب على كل مسلم ومسلمة ، لارتباط ذلك الإيمان بجميع ما أنزل الله من كتاب ، وما آتى بعض رسله من صحف. وكل ذلك وحى من الله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين}الشعراء:192-194.(3/39)
وإن نزول الوحى على هيئة كتب وصحف سماوية، لهو شىء ضرورى لحياة البشر، كى تبقى للأنبياء والرسل آثارهم ، ولاسيما ذلك الأثر الباقى إلى يوم القيامة، والذى كان من أعظم نعم الله تعالى على خلقه ،(6) ألاوهو القرآن الكريم.
{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا داود زبورا}النساء:163.
وملل الوحى هو جبريل عليه الصلاة والسلام.
وقد جاء أسمه نصا فى قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه}البقرة:97.
ويفهم من الآية الكريمة وجوب محبة جبريل عليه السلام وتعظيم دوره على البشرية إلى يوم القيامه.
كما سماه القرآن "الروح الأمين" فى قوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين}الشعراء:192-193.
كما سماه "روح القدس" فى قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}النحل:102.
ويسمى"الناموس" كما جاء على لسان ورقة بن نوفل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أول عهده بالوحى: لقد جاءك الناموس الذى نزل الله على موسى(7).
وفى آية واحدة أشار القرآن الكريم إلى ثلاثة مقامات للوحى،(8) فى قوله عز وجل: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه مايشاء، إنه على حكيم}الشورى:51.
الأول: "وحيا" أى إلقاء المعنى في القلب.
ومعناه أن الله تبارك وتعالى يقذف فى روع النبى صلى الله وسلم شيئا لايمارى فيه أنه من الله عز وجل ،كما جاء فى صحيح ابن حبان عن ابن مسعود، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن روح القدس نفث فى روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله واجملوا فى الطلب".(3/40)
الثانى: "من وراء حجاب ، أى بالتكليم ، كما كلم الله موسى عليه الصلاة والسلام فلما سأل الرؤية بعد التكليم حجب عنها، لكنه سمع النداء من وراء الشجرة: {نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إنى أنا الله رب العالمين}القصص:130.
الثالث: نزول أمين الوحى جبريل على نبينا وعلى الأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فقد روى البخارى، عن عائشة رضى الله عنها، أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: يارسول الله: كيف يأتيك الوحى؟ فقال: "أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده على، فيفصم عنى -أى يقلع - وقد وعيت عنه ماقال - أى حفظت.
وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى مايقول".
قالت عائشة رضى الله عنها: "ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه ،وإن جبينه ليتفصد عرقا".
وإنما كانت حالة الصلصلة أشد؛ لأنها انسلاخ من البشرية واتصال بالروحانية. وكانت الثانية أخف ؛ لأنها انتقال ملك الوحى من الروحانية إلى البشرية بسهولة ويسر، بإذن من الله تعالى. وقد نزل القرآن الكريم بأكمل صورة للوحى، بواسطة إلقاء جبريل عليه السلام.
وروى الشيخان عن أبى هريرة، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من الأنبياء نبى إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى، فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
وما نطق به صريح الكتاب والسنة، من إثبات حقيقة الوحى ومقاماته ، يبطل رأى كل مبطل مرتاب ، يدعى أن الوحى نوع من الصرع ؛ نتيجة مس الشيطان أو مرض فى المخ ، أو تخيل إله ، أو توهم جنة ونار(9). أو كما زعم البراهمة من أن العقل يغنى عن الوحى، أو كما يدعى بعض غلاة الصوفية من أن الوحى نوع من الكشف أو الفيض(10).(3/41)
ولو رجعنا إلى تعاليم الإسلام ، لوجدنا فكرة الوحى أسهل من كل هذا الهراء، وأضبط من جميع ألوان الافتراء على الله وعلى رسله. ومن هنا يجب الحذرمن الفكر الدخيل ،(11) ومن كل غلو فى دين الله.
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
ـــــــــــــــــ
اليهود فظائع وفضائح
مقدمة:
- إن الإسلام دين الله المتين، لا يُقبل من أحد دين سواه.
- ضلّت طوائف عن الصراط المستقيم، ممتطية كبرها أو جهلها.
- اليهود أضلّ الملل، بين الله في كتابه أحوالهم تصريحاً ووضعهم في مقدمة صفوف أعداء المؤمنين.
- قال تعالى: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82].
صور من كفرهم
- جمع الله لهم من الأمكنة أرحبها وأطيبها هواء، سقفهم الغمام الذي يظلهم من الشمس ، وطعامهم السلوى طير من ألذ الطيور، وشرابهم من العسل، ويتفجّر لهم من الحجر اثنا عشرة عيناً من الماء، فكفروا النعم، وسألوه الاستبدال بما هو دون ذلك، طلبوا الثوم والبصل والعدس والقثاء.
- عرضت عليهم التوراة فلم يقبلوها، فأمر الله جبريل عليه السلام، فقلع جبلاً من أصله على قدرهم، ثم رفعه فوق رؤوسهم، وقيل لهم إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم، فقبلوها كرهاً، قال تعالى: { وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأعراف:171].
- نجاهم الله من الغرق مع موسى فلم يشكروا الله، بل سألوا موسى إباءً واستكباراً أن يجعل لهم إله غير الله، قالوا لنبيهم: لن نؤمن لك حتى نرى الله بأعيننا جهرة،{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الذاريات:44].
عداؤهم للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم
- واجهوا الإسلام بالعداء.
- احتضنوا النفاق والمنافقين.
- حرضوا المشركين وتآمروا معهم ضد المسلمين.(3/42)
- لما بعث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حرّضوا الناس عليه وقاتلوه، آذوه ، وتآمروا على قتله والغدر به مراراً.
- همّوا بإلقاء حجر كبير عليه في بني النضير من أعلى بيت كان يجلس تحته، فأتاه خبر السماء.
- أهدوا إليه شاة مشوية فيها سم، فلاك منها عليه الصلاة والسلام شيئاً، وظلّ متأثراً بما لاكه منها حتى توفي.
- مكروا به، فسحروه، حتى كان يخيّل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعل، فكفاه الله وخلصه من ذلك.
صور من أفعالهم
- يشعلون الفتن، ويوقدون الحروب، ويبثّون الضغائن، ويثيرون الأحقاد والعداوات: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ} [المائدة:64].
- يكتمون الحق، ويحرفون الكلم عن مواضعه، أصحاب تلبيس ومكر وتدليس: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71].
- ينقضون العهود، وينكثون المواثيق، قتلوا عدداً من الأنبياء أراقوا دم يحيى، ونشروا بالمناشير زكريا، وهمّوا بقتل عيسى، وحاولوا قتل محمد مرات
- قوم حسد إن رأوا نعمة بازغة على غيرهم سعوا لنزعها، وفي زعمهم أنهم أحق بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { إن اليهود قوم حسد } [أخرجه ابن خزيمة في صحيحه].
- دمروا الشعوب والأفراد بالربا، يستمتعون بأكل الحرام، يستنزفون ثروات المسلمين بتدمير اقتصادهم، وإدخال المحرمات في تعاملهم، يفتكون بالمسلمين لإفلاسهم، ويسعون إلى فقرهم.
- يتعالون على الآخرين، بالكبر تارة، وبالازدراء أخرى، يتعاظمون على المسلمين عند ضعفهم، ويذلون عند قوّتهم، في أنفسهم أنهم شعب الله المختار، وغيرهم خدم لهم، إنما خلقوا لقضاء حاجاتهم.(3/43)
- ألسنتهم لا تتنزه عن الكذب والفحش والبذاءة، قالوا عن العظيم سبحانه: ( يده مغلولة )، وقالوا عن الغني تعالى: ( إنه فقير ونحن أغنياء )، ورموا عيسى وأمه بالعظائم، وقالوا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( إنه ساحر وكذاب )، تتابعت عليهم اللعنات، وتوالت عليهم العقوبات.
- افتتنوا بالمرأة ونشروا التحلل والسفور، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { أول فتنة بني إسرائيل في النساء } [أخرجه مسلم].
- دعوا إلى الإباحية والفساد مع التستر تحت شعارات خداعة كالحرية والمساواة، والإنسانية والإخاء، يلوثون عقول الناشئة بتهييج الغرائز والملذات، تارة بالمرئيات، وأخرى بالفضائيات، يحسدون المرأة المسلمة على سترها وحيائها، ويدعونها إلى السفور والتحلل من قيمها، ويزيّنون لها مشابهة نسائهم في ملبسها ومعاملتها، ليحرفوها عن فطرتها، يزينون للشباب والمرأة الشهوات، لينسلخ الجميع عن دينه وقيمه، فيبقى أسيراً للشهوات والملذات، قال الله عنهم: { وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64].
- يهدفون لهدم الأسرة المسلمة، وتفكيك الروابط والأسس الدينية والاجتماعية.
- جبناء عند اللقاء، قالوا لموسى: { فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة:24]. يفرون من الموت، ويخشون القتال: { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } [الحشر:14].
- يحبون الحياة، ويفتدون لبقائها، ذهبوا في كفرهم شيعاً. { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ } [الحشر:14].
فساد معاصر(3/44)
- ما اتصف به آباء اليهود بالأمس يسير على ركابه الأحفاد اليوم، ظلم في الأراضي المقدسة، إجلاء من المساكن، تشريد من الدور، هدم للمنازل، قتل للأطفال، اعتداء على الأبرياء، استيلاء على الممتلكات نقض للعهود، غدر في المواعيد، استخفاف بالمسلمين، هتك لمقدساتهم.
خاتمة:
- قال تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج:40].
- النصر على الأعداء لن يتحقق إلا براية يستظل فيها المقاتلون براية التوحيد، ولن يكون إلا بالأخذ بالأسباب، والرجوع إلى الله، وتقوية الصلة به سبحانه، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [محمد:8،7] وبهذا تقوى الأمة، وترهب عدوّها، وإذا انغمست الأمة في عصيانها وغفلتها وبعدها عن خالقها، فالأقصى عنها يقصى.
- علينا إصلاح أنفسنا من الداخل بالتسلح بسلاح العقيدة قولاً وعملاً وواقعاً.
- لنحذر دسائس اليهود في تدمير المسلمين.
- واجب علينا الحفاظ على شبابنا وصونهم من المغريات والمحرمات، والاهتمام بنسائنا، وشغلهنّ بما ينفعهن في دينهن، وعدم تعريضهن للفتن، ومنعهن من التبرج والسفور والاختلاط.
- وتحصين الجميع بالعلوم الشرعية.
- فاتقوا الله وخذوا بأسباب النصر وأصلحوا شبابكم ونساءكم، وأصلحوا بيوتكم، وابتعدوا عن مشابهة أعدائكم، واعتزوا بدينكم تنتصروا على عدوكم، واحذروا مكرهم وغدرهم فإنهم لا يألون جهداً في إضعاف المسلمين وإفساد دينهم وعقيدتهم،{ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [يوسف:21].
المرجع: فظائع وفضائح اليهود-عبدالمحسن بن محمد القاسم-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
اليهودية(3/45)
ينسب اليهود إلى يهوذا، أحد أولاد يعقوب الاثنى عشر (الأسباط فى القرآن الكريم) ويعقوب هو إسرائيل. ثم أصبحت كلمة يهودى تطلق على كل من يدين باليهودية.
وكان يعقوب (إسرائيل) قد هاجر هو وعشيرته من أرض كنعان (فلسطين وما إليها) إلى مصر حوألى القرن 17 ق.م ، وكان عددهم سبعين نفسا، تحت ضغط المجاعة والجفاف (سفر التكوين ، إصحاح 46 فقرة 27) واستقبلهم يوسف أحد أبنائه وكان "وزيرا" لدى فرعون مصر، فأكرم وفادتهم ،وأقاموا فى ناحية جاسان (وادى الطميلات بالشرقية) (التكوين ، إصحاح 47 فقرة 11). وخلال ما يقرب من أربعة قرون من إقامتهم فى مصر انقسم بنو إسرائيل (يعقوب) إلى اثنتى عشرة قبيلة كل منها نسبة إلى واحد من الأسباط الاثنا عشر. وعندما بعث موسى برسالة التوحيد إلى بنى إسرائيل وفرعون مصر وقومه ق 14-13 قبل الميلاد تقريبا، آمن بها إسرائيل إلا قليلا منهم. وهنا نشأت الديانة اليهودية. وكان لابد من الصدام مع فرعون وقومه ، فخرج بنو إسرائيل من مصر (البقرة 49،50) ، (طه 77-88) (إصحاح 13-14 من سفرالخروج) حوالي 1280 ق.م فى عهد فرعون مصر رمسيس الثانى على ما يرجح.(3/46)
وبعد خروج اليهود من مصر الفرعونية إلى الصحراء (سيناء)، أغاروا بقيادة يوشع (خليفة موسى) على أرض كنعان ، واستقروا بها. وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكة داود (أسسها عام 990 ق.م) إلى مملكتين: إسرائيل فى الشمال ، ومملكة يهودا فى الجنوب (922 ق.م)، ونشبت بينهما حروب طويلة إلى أن دهمهم بختنصر ملك بابل حين أغار على فلسطين مرتين فى 596، 587 ق.م ، وأخذ عددا كبيرا منهم إلي بابل ، وظلوا هناك حوالى خمسين عاما تعرف فى تاريخ اليهود بالأسر البابلى. فلما تغلب كورش ملك الفرس على البابليين (538ق.م)، أطلق سراح الأسرى الذين عادوا إلى فلسطين ولكن دون دولة، إذ خضعوا للفرس ، ومن بعدهم لخلفاء الإسكندر المقدونى (انطيوخوس)، ثم إلي الرومان. وفى تلك الأثناء ترك عدد منهم فلسطين إلى جهات مختلفة فى آسيا وأوربا.
وفى عام 135م أخمد الرومان فى عهد الإمبراطور هدريان ثورة قام بها اليهود فى فلسطين هدم على أثرها هيكل سليمان ،وأخرج اليهود من فلسطين وكان عددهم حوالى خمسين ألفا ، وبدأت رحلة الشتات الكبير Diaspora.
وقبل الشتات الكبير كان اليهود الذين غادروا فلسطين إلى أوروبا استوطنوا حوض نهر الراين الشمالى والأوسط ، واجتهدوا فى نشر اليهودية بين الوثنيين هناك بين الجرمان والسلاف. وبعد الشتات انتشروا فى افاق كثيرة بين أجناس مختلفة فى فارس وتركستان والهند والصين عن طريق القوقاز، وفى العراق ومصر وبرقة وشمال إفريقية، وشبه جزيرة إيبريا (اسبانيا والبرتغال) والجزيرة العربية حتى اليمن ، والحبشة، وفيما بعد فى أجزاء من إفريقيا السوداء.
وقد أدى هذا إلى اعتناق عناصر وسلالات بشرية كثيرة لليهودية. وهذا التعدد العنصرى فى حد ذاته ينفى مقولة: إن اليهودية قومية،كما ينفى أيضا مقولة "معاداة السامية" التى يشهرها اليهود كلما وقعوا فى كارثة، لأن انتشار اليهودية على ذلك النحو أوجد أجيالا تدين باليهودية ولكن ليسوا من الساميين أصلا.(3/47)
وفى المجتمعات التى عاش فيها اليهود قبل الشتات الكبير وبعده ، كانوا على هامش المجتمع بسبب اختلاف عقيدتهم عن الآخرين ، ومن هنا كانوا دوما أقلية منعزلة ذاتيا تعيش فى مكان خاص (حارة-جيتو)، ولم يتبوأوا مراكز الحكم ،فانصرفوا إلى النشاط الاقتصادى وسيطروا على أسواق المال والتجارة. ولما بدأ عصر الدولة القومية فى القرن التاسع عشر، بدأ يهود القارة الأوروبية التفكير فى وطن خاص يجمعهم وينقلهم من هامش المجتمعات التى يعيشون فيها ليصبحوا قوة مركزية، وهو الأمرالذى تم فى عام 1948 بعد تكوين المنظمة الصهيونية العالمية بمقتضى مؤتمر بازل فى 1897.
ولليهود تسع وثلاثون سفرا من أسفارهم معتمدة يطلق عليه "العهد القديم" وهى أربعة أقسام: (1) التكوين ويختص بتاريخ العالم ، (2) والخروج ويختص ببنى إسرائيل فى مصروخروجهم منها،(3)والتثنية ويختص بأحكام الشريعة اليهودية، وسفر اللاويين ويختص بشؤون العبادات ، (4)
وسفر العدد ويختص بإحصاء اليهود لقبائلهم وجيوشهم وأموالهم. أما القسم الثانى من العهد القديم فيتكون من اثنى عشر سفرا خاصة بتاريخ بنى إسرائيل بعد استيلائهم على أرض كنعان ، والقسم الثالث من خمسة أسفار تختص بالأناشيد والعظات ، والرابع من سبعة عشرسفرا كل منها يختص بتاريخ نبى من أنبيائهم بعد موسى. أما التلمود فهو مجموعة شروح للشرائع المنقولة شفاهة عن موسى وتلمودان: واحد تم تدوينه فى فلسطين ، والثانى كتب فى بابل.
وأنقسم اليهود إلى أكثرمن فرقة اختلفت فيما بينها حول الأخذ بأسفار العهد القديم والأحاديث الشفوية لموسى أوإنكار بعضها.(3/48)
وأهم هذه الفرق خمس فرق: الفريسيون (الربانيون)، الصدوقيون ، والسامريون ،و الحسديون (المشفقون) ، والقراءون (الكتابيون المتمسكون بالأسفار ويعرفون أيضا بالعنانيين نسبة إلى مؤسسها عنان بن داود). ولم يبق من هذه الفرق إلا الربانيون و القراءون وبينهما اختلافات شديدة حول الطقوس والشرائع والمعاملات. أما اليهود المعاصرون فينقسمون بين سفارديم وهم اليهود الشرقيون بما فيهم ذوى الأصول العربية والأسبان والبلقان ،و أشكنازيم وهم اليهود الغربيون.
أ.د/عاصم أحمد الدسوقى
ـــــــــــــــــ
بر الوالدين والتحذير من عقوقهما
1. حث القرآن الكريم على بر الوالدين
• قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24،23].
• قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36].
• قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [العنكبوت:8].
• قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:14].
2. فضل الوالدين
• الوالدان هما اللذان سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان الوالد بالإنفاق والوالدة بالولادة والإشفاق.
• للّه سبحانه نعمة الخلق والإيجاد، ومن بعد ذلك للوالدين نعمة التربية والإيلاد.(3/49)
• يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها..
1) {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [التغابن:12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
2) {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ } [البقرة:43]، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه.
3) {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
• لأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرهما والإحسان إليهما، والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما
• وضحت الآيات السابقة ما للوالدين من جميل عظيم، وفضل كبير على أولادهما، خاصة الأم، التي قاست الصعاب والمكاره بسبب المشقة والتعب، من وحامٍ وغثيان وثقل وكرب.
3. وصف الحديث الشريف للوالدين
• في سنة رسول الله جاء التأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والترغيب فيه، والترهيب من عقوقهما.
• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما } [رواه الطبراني].
• روى أهل السنن إلا الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: { جاء رجل إلى رسول الله فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال رسول الله: "ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما" }.
• روى الإمام أحمد في المسند عن معاوية بن جاهمة السلمي: { أنه استأذن الرسول في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبرَ أُمَّه، ولما كرر عليه، قال : "ويحك.. الزم رجلها... فثمّ الجنة" }.
• روى الصحيحين عن أبي هريرة قال: { جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله ! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال "أمّك"، قال ثم من؟ قال: "أبوك" }.(3/50)
• الحديث السابق مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية.
• صح عن رسول الله أنه قال: { ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى } [رواه النسائي وأحمد].
• مر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قبر والدته آمنة بنت وهب بالأبواء حيث دفنت - وهو مكان بين مكة والمدينة - ومعه أصحابه وجيشه وعددهم ألف فارس، وذلك عام الحديبية، فتوقف وذهب يزور قبر أمه، فبكى رسول الله -بأبي هو وأمي - وأبكى من حوله، وقال: { استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة } [رواه مسلم].
4. مواقف في بر الوالدين
• إبراهيم خليل الرحمن أبو الأنبياء وإمام الحنفاء عليه السلام يخاطب أباه بالرفق واللطف واللين - مع أنه كان كافراً - إذ قال: (يا أبت) وهو يدعوه لعبادة الله وحده، وترك الشرك، ولما أعرض أبوه وهدده بالضرب والطرد، لم يزد على قوله: { سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم:47].
• يحيى بن زكريا عليهما السلام حيث قال تعالى: { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} [مريم:14].
• أبو هريرة كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً.(3/51)
• عبد الله بن مسعود فقد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء، فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.
• ابن الحسن التميمي رحمه الله يهمُّ بقتل عقرب، فلم يدركها حتى دخلت في جحر في المنزل، فأدخل يده خلفها وسد الجحر بأصابعه، فلدغته، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي فتلدغها.
• ابن عون المزني فقد نادته أمه يوماً فأجابها وقد علا صوته صوتها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.
5. صور ومظاهر عقوق الوالدين
• أن يترفع الابن عن والديه ويتكبر عليهما لسبب من الأسباب، كأن يكثر ماله، أو يرتفع مستواه التعليمي أو الاجتماعي ونحو ذلك.
• أن يدعهما من غير معيلٍ لهما، فيدعهما يتكففان الناس ويسألانهم.
• أن يقدم غيرهما عليهما، كأن يقدم صديقه أو زوجته أو حتى نفسه.
• أن يناديهما باسمهما مجرداً إذا أشعر ذلك بالتنقص لهما وعدم احترامهما وتوقيرهما وغير ذلك الكثير.
6. فضل الأم والأب على الابن
• الأم هي التي حملت وليدها في أحشائها تسعة أشهر، مشقة من بعد مشقة لا يزيدها نموه إلا ثقلاً وضعفاً، ووضعته كرهاً وقد أشرفت على الموت.
• علّقت آمالها على هذا الطفل الوليد، رأت فيه بهجة الحياة وزينتها، وزادها بالدنيا حرصاً وتعلقاً، ثم شغلت بخدمته ليلها ونهارها، تغذيه بصحتها، وتريحه بتعبها، طعامه درّها، وبيته حجرها، ومركبه يداها وصدرها، تحوطه وترعاه، تجوع ليشبع، وتسهر لينام، فهي به رحيمة، وعليه شفيقة، إذا غابت دعاها، وإذا أعرضت عنه ناجاها، وإن أصابه مكروه استغاث بها، يحسب أن كل الخير عندها، وأن الشر لا يصل إليه إذا ضمّته إلى صدرها أو لحظَتْه بعينها.(3/52)
• الأب يَكَدُّ ويسعى، ويدفع صنوف الأذى بحثاً عن لقمة العيش لينفق عليه ويربيه، إذا دخل عليه هش، وإذا اقبل إليه بش، وإذا حضر تعلق به، وإذا أقبل عليه احتضن حجره وصدره، يخوف كل الناس بأبيه، ويعدهم بفعل أبيه.
• إن الإحباط كل الإحباط أن يُفاجأ الوالدان بالتنكر للجميل، وقد كانا يتطلعان للإحسان، ويؤملان الصلة بالمعروف، فإذا بهذا الولد - ذكراً أو أنثى - يتخاذل ويتناسى ضعفه وطفولته، ويعجب بشأنه وفتوته، ويغره تعليمه وثقافته، ويترفع بجاهه ومرتبته، يؤذيهما بالتأفف والتبرم، ويجاهرهما بالسوء وفحش القول، يقهرهما وينهرهما، يريدان حياته ويريد موتهما، كأني بهما وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين، تئن لحالهما الفضيلة، وتبكي من أجلهما المروءة.
المصدر: وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوقهما- خالد بن عبد الرحمن الشايع
دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
براعة الاستهلال
البراعة لغة:كمال الفضل.
والاستهلال لغة:الابتداء، كما فى اللسان.(1)
براعة الاستهلال اصطلاحا:ضرب من ضروب الصنعة التى يقدمها أمراء البيان ، ونقاد الشعر، وجهابذة الألفاظ ، بأن يبدأ المتكلم بمعنى ما يريد تكميله ، وإن وقع فى أثناء الكلام(2) وقد ذكر ابن المعتز فنا فى محاسن الكلام سماه (حُسن الابتداءات)(3)، وأراد بهذه التسمية ابتداءات القصائدة إذ ينبغى للشاعر إذا ابتدأ قصيدة ابتدأها بما يدل على غرضه فيها.
وكذلك ينبغى للخطيب إذا ارتجل خطبة، والبليغ إذا افتتح رسالة، أن يكون ابتداء كلامه دالأ على انتهائه ، فالابتدأء أول ما يقرع السمع ، فإن كان عذبا، حسن التركيب ،صحيح المعنى، أقبل السامع على الكلام فوعاه ، وإلا أعرض عنه ، وإن كان الباقى فى غاية الحسن (4).(3/53)
وتعد (براعة الاستهلال) فرعا فرعه المتأخرون مما يسمى (حسن الابتداءات) فيرى السيوطى أن براعة الاستهلال أخص من حسن الابتداء ، لأن البراعة لابد فيها من الإشارة إلى ما سيق الكلام لأجله ، بخلاف حسن الابتداء فلا يشترط فيه ذلك (5).
غير أن الخطيب القزوينى لا يرى فرقا بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال ، فكلاهما شىء واحد، وبأيهما سميت كنت مصيبا، فأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود، ويسمى براعة الاستهلال (6).
وإذا تأملت السور القرآنية ، جملها ومفرداتها ، رأيت من البلاغة والتفنن فى الفصاحة ما لا تقدر العبارة على حصر معناه.(7)
فمن الأمثلة القرآنية، قوله تعالى:
{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم}الإسراء:7.
{ليس لها من دون الله كاشفة}النجم:58.
{صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة}البقرة:138.
ومن أمثال السنة النبوية، قوله صلى الله عليه وسلم:
(الحلال بين والحرام بين)
(خير الأمور أوساطها)
(لا ضرر ولا ضرار)(8)
ومن الأمثال الشهيرة التى سارت على وجه الدهر، قولهم:
(تسمع بالمعيدى خير من أن تراه) يضرب مثلا للذى رؤيته دون السماع به.
وقولهم (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا) أى أسمع جلبة ولا أرى عملا ينفع التمثيل إذا.
وقولهم (مواعيد عرقوب) وهو رجل يهودى من خيبر كان يعد ولا يفى ، فضربت به العرب المثل.
وقد اتفق أصحاب الذوق السليم على أن التمثيل إذا جاء فى أعقاب المعانى ، سواء كان المعنى مدحا أو ذما حجاجا أو افتخارا ، اعتزارا أو وعظا ، كساه أبهة ورفع من شأنه ، فتتحرك النفس إليه ويهفو القلب له ، وهكذا الحكم إذا استقرأت فنون القول وشعوبه.(9)
أ.د/عبد القادر حسين
ـــــــــــــــــ
بنو الأحمر(3/54)
يقصد بهم الأسرة التى حكمت مملكة غرناطة Granada آخر معاقل الإسلام فى الأندلس ، ومؤسس الدولة هو محمد بن يوسف بن نصر، الذى ينتهى نسبه إلى الصحابى سعد بن عبادة الخزرجى رضى الله عنه، ولد سنة595هـ-1198م ، وكان قائدا شجاعا عاش فترة سقوط الحواضر الأندلسية الكبرى بعد هزيمة المسلمين فى معركة العقاب 609هـ-1212م ونشوب الفتن بين زعمائهم ، فاضطر لمصانعة ملك قشتالة فرناندو الثالث والاعتراف بتبعيته له 643هـ-1245م ، ولكنه كان يعتزم لم شتات ما بقى من الأندلس ، فلجأ لغرناطة وحاضرتيها مالقة وألمرية، واستقر ملكه بهذه الرقعة الجبلية التى تبلغ مساحتها عشرشبه الجزيرة.
واستطاع توطيد سلطته والتقوِّى بالمسلمين الهاربين من المدن التى استولى عليها النصارى. وتوفى فى 671هـ-1272م ، وخلفه ابنه محمد الفقيه الذى نظم دواوين الدولة وجباياتها وخلع عليها صفة الملوكية، واستمر حكمه حتى 701هـ-1302م.
وتعاقب بعد ذلك الملوك من بنى الأحمر على مدى القرنين التاليين ، وتراوحت علاقاتهم بجيرانهم من سلاطين بنى مرين بالمغرب وملوك قشتالة وأرغون النصرانيتين بين المواجهة والمحالفة، وبلغت دولتهم فى بعض العهود درجة عالية من القوة والازدهار كما قدر لها أيام محمد الغنى بالله بن يوسف 755-793هـ/1354-1391م ، على أن القرن التالى يشهد تدهور الأحوال بسبب نشوب الثورات وتزايد الحملات النصرانية والتنازع بين أفراد الأسرة الحاكمة. وخلال السنوات الثلاثين الأخيرة نشبت الحرب الأهلية بين السلطان أبى الحسن على بن سعد وأخيه محمد "الزَّغُلّ" ثم مع ابنه أبى عبد الله ، ويأسر جيش قشتالة هذا الأخير ويرغمونه على تسليم غرناطة بعد سقوط معاقلها الكبرى فى سنة 897هـ-1492م.(3/55)
وعلى الرغم من سوء الأحوال المتزايد فى غرناطة الإسلامية فقد كان شعبها من أنشط الشعوب فى استغلال مواردها المحدودة وأكثرها حرصا على الثقافة والفنون ، يشهد بذلك قصر الحمراء الذى يعد درة فنية نادرة، ثم من نبغ فى غرناطة من كبار العلماء والأدباء، مثل الوزير الشاعر المؤرخ لسان الدين بن الخطيب 776هـ-1374م والشاعر ابن زمرك 797هـ-1395م وابن خاتمة 770هـ-1369م ، والفقيهين القاضيين أبى الحسن النباهى ومحمد بن عاصم القيسى 829هـ-1426م ، والنحوى المفسر أبى حيان نزيل مصر 745هـ-1344م.
أ.د/محمود على مكى
ـــــــــــــــــ
ثلاث وثلاثون سبباً للخشوع في الصلاة
أولاً : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه :
1. الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها .
2. الطمأنينة في الصلاة .
3. تذكر الموت في الصلاة .
4. تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها .
5. أن يقطع قرآءته آية آيه .
6. ترتيل القرآن وتحسين الصوت به .
7. أن يعلم أن الله يجيبه في صلاته .
8. الصلاة إلى سترة والدنو منها .
9. وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر .
10. النظر إلى موضع السجود .
11. تحريك السبابة .
12. التنوع في الآيات والسور والأدعية والأذكار .
13. أن يأتي بسجود التلاوة إذا مر بموضعه .
14. الاستعاذة بالله من الشيطان .
15. التأمل في حال السلف في صلاتهم .
16. معرفة مزايا الخشوع في الصلاة .
17. الاجتهاد بالدعاء وخصوصاً في مواضعه في الصلاة .
18. الأذكار الواردة بعد الصلاة .
ثانياً : دفع الموانع والشواغل التي تصرف الخشوع :
1. إزالة ما يشغل المصلي من المكان .
2. ألا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو صور .
3. ألا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه .
4. ألا يصلي وهو حاقن أو حاقب .
5. ألا يصلي وقد غلبه النعاس .
6. ألا يصلي خلف المتحدث أو النائم .
7. عدم الانشغال بتسوية الحصى .
8. عدم التشويش بالقراءة على الآخرين .
9. ترك الالتفاف في الصلاة .(3/56)
10. عدم رفع البصر إلى السماء .
11. ألا يبصق أمامه في الصلاة .
12. مجاهدة التثاؤب في الصلاة .
13. عدم الاختصار في الصلاة .
14. ترك السدل في الصلاة .
15. ترك التشبه بالبهائم .
المرجع : 33 سبباً للخشوع في الصلاة – محمد المنجد – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
ثمرات الصلاة
من ثمرات وفوائد الصلاة ما يلي :
1. أنها أفضل القربات .
2. أنها منهاة عن الإثم .
3. أنها مكفرة للسيئات .
4. أنها مطردة للداء عن الجسد .
5. من أعظم الأسباب في رفع الدرجات .
6. نزول الرحمات للعبد ما دام في صلاته .
7. أنه من دخل النار من المسلمين فإن النار لا تصيب مواضع السجود في صلاته .
8. سبب لحصول السجود يوم القيامة .
9. أنها منشطة للجوارح والنفوس .
10. أنها غذاء للأرواح والقلوب .
11. أنها جالبة للأرزاق .
12. أنها نور للمؤمنين في الدنيا والآخرة .
13. أنها رافعة لأمراض القلوب .
14. أن الله أمر عباده بالفزع إليها والاستعانة بها على مصالح الدنيا والآخرة .
15. أن من صلاها في جماعة كانت له أماناً وحفظاً وخصوصاً صلاة الصبح .
16. أنها تورث ذكر الله تعالى .
17. أن الله عظم أجرها وأمر بها من قبلنا وأمرنا بها .
المرجع : مطوية ثمرات الصلاة – عبد الرحمن اليحيى – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
جمع القرآن
لجمع القران معنيان:
الأول: حفظه عن ظهر قلب.
والثانى: كتابته.
إذن فالجمع بمعنى حفظ القرآن فى الصدر أمر ضمنه الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {إن علينا جمعه وقرآنه}القيامة:17.
وأمر الله النبى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}المائدة:67 ، أما البلاغ العام فإنما هو بالتواتر(1) وقد حصل. ولذلك وجب على الأمة أن تحفظه فى عدد التواتر على الأقل فى مجموعها، وضمن الله تعالى تحقق ذلك حيث قال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}الحجر:9.(3/57)
وقد أجمعت الأمة على أن المراد بقوله تعالى: لحافظون. أى حفظه على المكلفين للعمل به ، وحراسته من وجوه الغلط والخلط (3)، وهذا الحفظ إنما يتحقق بالتواتر(3) ولا حصر للأدلة الدالة على أن القرآن جمع بهذا المعنى، وعلى هذا المستوى(4).
وأقل ما يتيسر للمتطلع أن يلاحظ الواقع التاريخى منذ قيامه - صلى الله عليه وسلم - و بتبليغ القرآن وإقرائه وإقراء الصحابة بعضهم لبعض وهكذا. نجد السادة عثمان بن عفان وعلى ابن أبى طالب وأبى بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبا موسى الأشعرى وأبا الدرداء.
وممن جمعه معاذ بن جبل وأبو زيد وسالم مولى أبى حذيفة وابن عمر وعتبة ابن عامر.
وعرضه على بعض هؤلاء أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب ، والمغيرة بن شهاب المخزومى والأسود بن يزيد النخعى وعلقمة بن قيس وأبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية الرياحى.
وكان عند أبى الدرداء نيف وستمائة وألف يتعلمون القرآن ، على كل عشرة منهم مقرئ.
ولما كان الصوت فى هذا الجمع عنصرا فى تحصيله وضبطه لا غنى عنه فإننا نذكر الجمع الصوتى للقرآن فنقول: الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتل كان له بواعثه ومخططاته وشرحها لنا تفصيلا الدكتور لبيب السعيد(5)، وهكذا أصبحنا نسمع القرآن الكريم المجمع صوتيا من مختلف الإذاعات فى العالم الإسلامى وبأصوات القراء الكثيرين وببعض الروايات المشهورة.
وجمع القرآن بمعنى كتابته وقع ثلاث مرات مشهورة فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضى الله عنهم:(3/58)
المرة الأولى: كانت بإملاء النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان يأمر الكاتب أن يقرأ ما كتب حتى يقوم ما قد يكون من زلل فى حرف. ومن ذلك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بكتابة قوله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فى سبيل الله). وكان ابن أم مكتوم الأعمى حاضرا يسمع فقال: يارسول الله فما تأمرنى؟ فإنى رجل ضرير البصر، فنزلت مكانها: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر}النساء:95.
المرة الثانية: فى عهد سيدنا أبى بكر رضى الله عنه لما كثر الشهداء من القراء فى موقعة اليمامة فخشى ضياغ شىء من القرآن بموتهم فتألفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت واستحضروا ما فى بيوت زوجات النبى - صلى الله عليه وسلم - وما مع الصحابة، واستشهدوا على ما جاء به كل واحد أنه كتب بحضرة النبى - صلى الله عليه وسلم - .
المرة الثالثة: فى عهد سيدنا عثمان بن عفان لما اختلف المسلمون فى القراءة وكاد يكفر بعضهم بعضا وهم فى غروة أرمينية(3).
بل وقع خلاف أيضا عند سيدنا عثمان فكان لابد من جمع ما أجمعوا عليه من القرآن وترك ما اختلفوا فيه ، فتالفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت أيضا وكتبوا ستة مصاحف مشتملة على قراءات موزعة فيها: مثل (سارعوا) فى مصاحف مكة والكوفة والبصرة وبدون الواو فى مصاحف الشام والمدينة.
وبذلك اتخذ الناس فى القراءة بمعنى أنهم أجمعوا على صحه ما عندهم فلا يخطئ بعضهم بعضا فالجميع على صواب.
وقام الناس بالنقل من هذه المصاحف لأنفسهم ، وبقيت هى وما نقل منها إلى أن دون علم الرسم واحتوى على وصف ما فيها تفصيلا(6).
أ.د/عبد الغفورمحمود مصطفى
ـــــــــــــــــ
جهاد النفس
مقدمة:
أمر الله سبحانه بالجهاد وجعله فريضة على جميع العباد.
جعل الله الجهاد حسب الاستطاعة.
يقول تعالى: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [الحج:78].
الجهاد أربع مراتب:
أولها: جهاد النفس.
ثانيها: جهاد الشيطان.(3/59)
ثالثها: جهاد الكفار.
رابعها: جهاد المنافقين.
جهاد النفس.
- إن العبد ما لم يجاهد نفسه أولاً فيبدأ بها ويلزمها بفعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه لم يمكنه جهاد عدوه الخارجي مع ترك العدو الداخلي.
- لهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه }.
- وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبة الحاجة: { ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا }.
- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحصين بن عبيد: { أسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بها }، فأسلم، فقال: { قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي }.
- من لم يسلم من شر نفسه لم يصل إلى الله تعالى لأنها تحول بينه وبين الوصول إليه.
- والناس قسمان:
1- قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار مطيعاً لها.
2- وقسم ظفر بنفسه فقهرها حتى صارت مطيعة له.
وقد ذكر الله القِسمين في قوله تعالى:{ فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات:37-41].
- النفس تدعوا إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا.
- والرب يأمر عبده بخوفه ونهي النفس عن الهوى.
- والعبد إما أن يجيب داعي النفس فيهلك، أو يجيب داعي الرب فينجو.
- النفس تأمر بالشح وعدم الإنفاق في سبيل الله، والرب يدعو إلى الإنفاق في سبيله فيقول سبحانه: { وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [التغابن:16].
- النفس تسمح بالملايين في سبيل البذخ والإسراف، ولا تسمح بالقرش للفقير والمحتاج.(3/60)
- تكون النفس تارة أمّارة بالسوء، وتارة لوّامة تلوم صاحبها بعد الوقوع في السوء، وتارة مطمئنة وهي التي تسكن إلى طاعة الله ومحبته وذكره، فكونها مطمئنة وصف مدح، وكونها أمّارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم.
جهاد النفس يكون بمحاسبتها ومخالفتها.
- في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: { الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني } ومعنى: { دان نفسه }: حاسبها..
- عن عمر بن الخطاب قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم. وتزينوا للعرض الأكبر. { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } [الحاقة:18] ).
- وقال ميمون بن مهران:(لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه ).
- لهذا قيل: ( النفس كالشريك الخوّان إن لم تحاسبه ذهب بمالك ).
- كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله: ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة ).
- قال الحسن: ( وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، ويعين الإنسان على محاسبة نفسه معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً، وأنه إذا حاسبها اليوم ربح سكنى الفردوس غداً، وإذا أهملها اليوم فخسارته بدخول النار غداً ).
- حق العاقل الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه في حركاتها، وسكناتها، وخطواتها، وخطراتها..
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
جهاد النفس أربع مراتب:(3/61)
- أحدها: أن تجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به. ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.
- الثانية: أن تجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم ينفعها.
- الثالثة: أن تجاهدها إلى الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه. وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.
- الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله ) انتهى كلامه رحمه الله.
مراعاة النفس:
- إن النفس إذا أطمعت طمعت، وإذا فوضت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت، فاحذر نفسك، واتهمها على دينك، وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بد له منها.
- وإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق، وإن الأحمق يخير نفسه في الأخلاق فما أحبت منها أحب، وما كرهت منها كره.
- لا شك أن النفس تكره مشقة الطاعة، وإن كانت تعقبها لذة دائمة. وتحب لذة الراحة، وإن كانت تعقبها حسرة وندامة.
- فهي تكره قيام الليل وصيام النهار، وتكره التبكير في الذهاب إلى المسجد.
- كم من شخص يجلس الساعات في المقاهي والأسواق ويبخل بالدقائق القليلة يجلسها في المسجد.
- كم تكره إنفاق المال في طاعة الله، تكره الجهاد في سبيل الله. كما قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة:216].
- تكره الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله.
- تكره القيام بالإصلاح بين الناس، وهكذا ما من طاعة إلا وللنفس منها موقف الممانع المعارض.(3/62)
- إن أنت أطعتها أهلكتك وخسرتها، كما قال تعالى: { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15].
- إن أنت أطعتها فقد ظلمتها، حيث عرضتها لسخط الله وعقابه، وأهنتها وأنت تظن أنك قد أكرمتها حيث أعطيتها ما تشتهي وأرحتها من عناء العمل ومشقته فحرمتها من الثواب.
العدو الثاني بعد النفس الشياطين.
أولاً: إبليس لعنه الله
- عدو أبينا آدم وعدو البشرية كلها، وقد حذرنا الله منه فقال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } [فاطر:5].
- قال تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس:60].
- أمرنا الله بالاستعاذة منه، ومعناها أن تستجير بالله من شره.
- الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا ذكر الله.
- الشيطان قد يكون من الجن وقد يكون من الإنس، وقد يكون من الدواب، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112].
- كلهم يتعاونون على إهلاك بني آدم، شيطان الجن بالوسوسة والإغراء بالشر والتخذيل عن الخير، وهو عدو خفي، لا يراه الإنسان، لأنه يجري منه مجرى الدم..
- قال تعالى: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف:27].
- ولا يمنع منه جدران ولا أبواب. وإنما يمنع منه ذكر الله.
ثانياً: شياطين الإنس.
- الشيطان الإنسي يراه الإنسان، ويجالسه ويكلمه، ويتلبس بلباس الدين والإنسانية، وما أكثر شياطين الإنس اليوم وما أكثر دعايتهم للشر، فهم يدعون إليه بكل وسيلة.
- يدعون إلى الإباحية والرذيلة باسم الحرية.(3/63)
- يدعون الناس إلى الخروج من البيوت وإلى العري والسفور باسم إخراجها من الكبت.
- يدعون إلى سماع الأغاني والمزامير وتعاطي المخدرات وشرب الخمر باسم الترفيه.
- يدعون إلى إضاعة الصلاة وإتباع الشهوات وترك الجمع والجماعات باسم التسامح.
- يدعون إلى تعطيل الشريعة وتحكيم القوانين باسم العدالة والمرونة.
- يدعون إلى الشرك والبدع ويحذرون من التوحيد والتمسك بالسنن باسم حرية الرأي وترك الجمود، ويأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويقفون في طريق الدعوة إلى الله، ويصدون عن سبيل الله، ويشجعون العصاة، ويهينون أهل الطاعات من المؤمنين والمؤمنات، ويحاولون تعطيل الحدود باسم مسايرة الأمم المتحضرة وإن كانت كافرة.
- أولئك هم شياطين الإنس، وهذه أعمالهم وعلاماتهم، وهم من جنود إبليس وأعوانه وإخوانه فاحذروهم، وجاهدوهم حتى توقفوا زحفهم إلى بيوتكم ومجتمعاتكم.
- الشيطان الإنسي تمنع منه الحجب والأبواب، ويدفع بالحذر منه والابتعاد عنه وهجره والرد على ما يدلي به من الشبه والمقالات، والأخذ على يده ومنعه من تنفيذ مخططاته والتنبيه لكيده ومكره.
الخاتمة:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ( فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الآدمي، واختاره من بين سائر البرية، وجعل قلبه محل كنوزه من الإيمان والتوحيد والإخلاص والمحبة والحياء والتعظيم والمراقبة، وجعل ثوابه إذا قدم عليه أكمل الثواب وأفضله، وهو النظر إلى وجهه والفوز برضوانه ومجاورته في جنته، وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة والغضب والغفلة، وابتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه، فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه وهواه على العبد: ثلاثة مسلطون آمرون فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم أن أعانه بجند آخر، يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيده بملك كريم يقابل عدوه الشيطان)
المرجع: احذر الشريك الخوّان-صالح بن فوزان الفوزان-دار القاسم.(3/64)
ـــــــــــــــــ
حسن الخاتمة
- الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة :
1. التسويف بالتوبة .
2. طول الأمل ، ومن النقاط التي تساعد على قصر الأمل ما يلي :
كثرة ذكر الموت .
زيارة المقابر .
تغسيل الموتى وتشييع الجنائز .
زيارة الصالحين .
3. حب المعصية وألفها واعتيادها .
4. الانتحار .
- بشائر تدل على حسن الخاتمة :
1. نطقه بكلمة التوحيد عند الموت .
2. أن يموت شهيداً من أجل إعلاء كلمة الله .
3. أن يموت غازياً في سبيل الله .
4. أن يكون آخر أعماله طاعة الله .
5. الموت في سبيل الدفاع عن الخمس التي حفظتها الشريعة :
الدين .
النفس .
المال .
العرض .
العقل .
6. أن يموت صابراً محتسباً بسبب الأمراض :
الطاعون .
السل .
داء البطن .
ذات الجنب .
7. موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها .
8. الموت بالغرق والحرق والهدم .
9. الموت ليلة الجمعة أو نهارها .
10. عرق الجبين عند الموت .
- موجز الوسائل التي جعلها الله سبباً في حسن الخاتمة :
1. تقوى الله في السر .
2. المداومة على ذكر الله .
المرجع : حسن الخاتمة وسائلها وعلاماتها والتحذير من سوء الخاتمة – عبد الله المطلق – دار الوطن
للاستزادة : مطوية علامات وأسباب حسن الخاتمة وسوء الخاتمة – خالد الشايع – دار الوطن
ـــــــــــــــــ
حسن الخلق
مقدمة:
- مكارم الأخلاق صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين.
- بها تُنال الدرجات، وتُرفع المقامات.
- خص اللّه جل وعلا نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بآية جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقال جل وعلا: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4].
- حُسن الخلق يوجب التحاب والتآلف.
- سوء الخلق يُثمر التباغض والتحاسد والتدابر.
أهمية وفضائل الخلق الحسن.(3/65)
- حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على حسن الخلق، والتمسك به، وجمع بين التقوى وحسن الخلق، فقال عليه الصلاة والسلام: { أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق } [رواه الترمذي والحاكم].
- أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة بوصية عظيمة فقال: { يا أبا هريرة! عليك بحسن الخلق }. قال أبو هريرة رضي اللّه عنه: وما حسن الخلق يا رسول اللّه؟قال: { تصل مَنْ قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتُعطي من حرمك} [رواه البيهقي].
- عظم ثواب هذه المنقبة المحمودة والخصلة الطيبة، فقد قال صلى اللّه عليه وسلم: { إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم } [رواه أحمد].
- عدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حسن الخلق من كمال الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام:{ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً } [رواه أحمد وأبو داود].
- قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: { أحب الناس إلى اللّه أنفعهم، وأحب الأعمال إلى اللّه عز وجل، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً } [رواه الطبراني].
- أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصية جامعة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: { اتق اللّه حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخُلق حسن } [رواه الترمذي].
- قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم: { إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً } [رواه أحمد والترمذي وابن حبان].
مظاهر حسن الخلق
- الكلمة الهيِّنة الليِّنة، قال عليه الصلاة والسلام: { والكلمة الطيبة صدقة } [متفق عليه].
- التبسم الذي لا يكلف المسلم شيئاً، له بذلك أجر: { وتبسمك في وجه أخيك صدقة } [رواه الترمذي ].(3/66)
- سيرته - صلى الله عليه وسلم - نموذج يُحتذى به في الخلق مع نفسه، ومع زوجاته، ومع جيرانه، ومع ضعفاء المسلمين، ومع جهلتهم، بل وحتى مع الكافر، قال تعالى: { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [المائدة:8].
- حُسن الخُلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، هذا مع ما يلازم المسلم من كلام حسن، ومدارة للغضب، واحتمال الأذى.
أصل الأخلاق المحمودة كلها الإيمان وعلو الهمة.ومنها:
- أن يكون الإنسان كثير الحياء.
- قليل الأذى.
- كثير الصلاح.
- صدوق اللسان.
- قليل الكلام، كثير العمل.
- قليل الزلل.
- قليل الفضول.
- براً وصولاً.
- وقوراً، صبوراً.
- شكوراً، راضياً.
- حليماً، رفيقاً.
- عفيفاً، شفيقاً.
- لا لعاناً ولا سباباً، ولا نماماً ولا مغتاباً.
- لا حقوداً ولا بخيلاً، ولا حسوداً.
- يحب في اللّه، ويرضى في اللّه، ويغضب في اللّه.
أصل الأخلاق المذمومة كلها: الكبر والمهانة والدناءة.
1- الأخلاق المذمومة الناشئة من الكبر.
- الفخر والبطر العجب.
- الحسد والبغي والخيلاء.
- الظلم والقسوة والتجبر.
- الإعراض وإباء قبول النصيحة.
- طلب العلو وحب الجاه والرئاسة.
- أن يُحمد بما لم يفعل.
2- الأخلاق المذمومة الناشئة من الدناءة وصغر النفس:
- قطع الأرحام.
- الكذب.
- بذاءة اللسان.
- الخسة والخيانة.
- الرياء.
- المكر والخديعة.
- الطمع والبخل.
- الفزع والجبن.
- العجز والكسل.
- الذل لغير اللّه واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ونحو ذلك.
قال الشاعر:
وإذا بحثتَ عن التقي وجدتَهُ *** رجلاً يُصدِّق قولَهُ بفعالِ
وإذا اتقى اللّه امرؤٌ وأطاعه *** فيداه بين مكارمٍ ومعالِ
وعلى التقي إذا تراسخ في التقى *** تاجان: تاجُ سكينةٍ وجمالِ
وإذا تناسبتِ الرجالُ فما أرى *** نسبًا يكون كصالحِ الأعمالِ
خاتمة:(3/67)
- عجبت لمن يغسل وجهه خمس مرات في اليوم مجيباً داعي اللّه، ولا يغسل قلبه مرة في السنة ليزيل ما علق به من أدران الدنيا، وسواد القلب، ومنكر الأخلاق!
- احرص على تعويد النفس كتم الغضب.
- ليهنأ من حولك مِن: والدين، وزوجة وأبناء، وأصدقاء، ومعارف، بطيب معشرك، وحلو حديثك، وبشاشة وجهك، واحتسب الأجر في كل ذلك.
المرجع: حسن الخلق-عبدالملك القاسم-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
حسن معاشرة الزوجة
- الحقوق الزوجية عظيمة ويترتب عليها أمور مهمة.
- هذه الزوجة أمانه عندك، ومسئول عنها يوم القيامة .
ومن أهم حقوقها ما يلي:
1- الوصاية بالنساء خيراً.
2- إعطاؤها حقوقها وعدم بخسها.
- أن يطعمها إذا طعم.
- ويكسوها إذا اكتسى.
- ولا يضرب الوجه.
- ولا يقبح.
- ولا يهجر إلا في البيت.
3- تعليمها العلم الشرعي وما تحتاج إليه من أمور العبادات وحثها وتشجيعها على ذلك.
4- معاملتها المعاملة الحسنة والمحافظة على شعورها وتطييب خاطرها.
من المخالفات عن تلك المعاملة الحسنة:
- بذاءة اللسان.
- تقبيح المرأة خِلقةً أو خُلقاً.
- التأفف من أهلها وذكر نقائصهم.
- سب المرأة وشتمها ومناداتها بالأسماء والألقاب القبيحة.
- إظهار النفور والاشمئزاز منها.
- تجريحها بذكر محاسن نساء أخر، وأنهن أجمل وأفضل، فإن ذلك يكدر خاطرها في أمر ليس لها يد فيه.
ومن المحافظة على شعورها وإكرامها:
- مناداتها بأحب الأسماء إليها.
- إلقاء السلام عليها حين دخول المنزل.
- التودد إليها بالهدية والكلمة الطيبة.
- عدم تصيد أخطائها ومتابعة زلاتها.
- العفو والصفح والتغاضي خاصة في أمور تجتهد فيها وقد لا توفق.
5- المحافظة عليها من الفساد ومن مواطن الشبه.
- إظهار الغيرة عليها.
- حثها على القرار في البيت.
- إبعادها عن رفيقات السوء.
- الحرص على أن لا تذهب إلى الأسواق بكثرة وإن ذهبت فاذهب معها.
- أن لا تسافر بدون محرم.
6- إعفافها وتلبية حاجاتها وإشباع حاجاتها العاطفية.(3/68)
- بالكلمة الطيبة.
- الثناء الحميد.
- اقتطع من وقتك لها، واجعل لبيتك نصيباً من بشاشتك، ودماثة خلقك.
7- التأسي بخير الأزواج في مؤانسة الزوجة وحسن العشرة وإدخال السرور على قلبها.
- روى عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: { كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا: تأديبه فرسه، ورميه بقوسه، وملاعبته أهله }.
8- تحمّل أذاها والصبر عليها.
9- المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها لا تصريحاً ولا تلميحاً ولا وعداً ولا وعيداً إلا برضاها.
10- من حقوق الزوجة التي عدّد زوجها، العدل بين الزوجات.
- في البقاء والمكث مع كل زوجة.
- التسوية في المبيت.
- النفقة.
المرجع: وعاشروهن بالمعروف-عبدالملك القاسم-دار القاسم
ـــــــــــــــــ
حقوق الطريق
? مقدمة
- نهى الإسلام عن الجلوس في الطرقات.
- من احتاج للطرقات فعليه القيام بحقوقها.
? غض البصر.
- الأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حد سواء.
- إطلاق البصر في الحرام يجلب عذاب القلب وألمه.
- ما قد يقع من الإنسان بدون قصد فليصرف بصره ولا يتمادى.
? كف الأذى.
- عدم إيذاء الناس في أبدانهم.
- عدم إيذائهم في أعراضهم من السب أو الاستهزاء والسخرية.
? رد السلام.
- قصّر في هذا الباب خلق كثير.
- البعض اقتصر سلامهم على المعرفة، فمن عرفوه ردوا عليه السلام، ومن لم يعرفوه لم يعيروه اهتماماً.
- الأصل رد السلام عموماً على من عرفت ومن لم تعرف.
? الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- هذا باب عظيم الشأن والقدر.
- به كانت هذه الأمة خير الأمم.
- بتركه يحل بالأمة العقاب.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له فوائد عظيمة للأمة، منها:
• نجاة سفينة المجتمع من الهلاك والغرق.
• قمع الباطل وأهله.
• كثرة الخيرات والحد من الشرور.
• استتباب الأمن.
• نشر الفضيلة وقمع الرذيلة.(3/69)
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مقصوراً على جهة معينة ( كالهيئة مثلاً ) أو أناس معينين ( كرجال الحسبة ).
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد، كلٌ بحسب استطاعته.
- ضوابط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• التدرج في الإنكار: فلا يتحول المرء إلى مرتبة حتى يعجز عن التي قبلها، فلا ينكر بقلبه من يستطع الإنكار بلسانه، وهكذا.
• أن من كانت له ولاية فإنكاره يكون بأعلى مراتب الإنكار: فرب الأسرة هو السيد المطاع في البيت وتغييره يكون بيده فهو قادر على إزالة المنكر بيده ولا يعذر بترك ذلك.
• العلم بالمنكر أنه منكر قبل الإنكار: أم هو من الأمور التي يسوغ فيها الخلاف.
• يجب أن يستشعر المُنكِرُ قاعدة المفاسد والمصالح: وأن لا يبادر إلى الإنكار إلا إذا علم أن مصلحته راجحة على مفسدته، ومتى علم رجحان المفسدة وجب عليه الكف حتى لا يفتح باب شر وإفساد.
• إذا عجز المُنكرُ عن المرتبة الأولى والثانية: فلا يغفل عن قلبه ويمر عليه المنكر دون إنكار بالقلب وظهور آثار ذلك على صفحات وجهه.
? إرشاد السائل عن الطريق.
- سواءً كان ضالاً أو أعمى.
? إزالة الأذى من الطريق.
- إزالة الأذى من الطريق من الصدقات.
- بسبب إزالة الأذى من الطريق أدخل رجل الجنة.
? تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم.
? الرجال أحق بوسط الطريق من النساء.
- حتى لا يختلط الرجال بالنساء وتعظم الفتنة
- سير النساء بمحاذاة جوانب الطريق أستر لهن، وأقرب للحياء.
? إعانة الرجل في حمله على دابته أو رفع متاعه عليها.
المرجع:أعطوا الطريق حقها -فؤاد الشلهوب-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
حقوق المرأة فى الإسلام(3/70)
يكتسب موضوع حقوق المرأة فى الإسلام حيوية متزايدة، بما يثيره من جدل حول الحقوق وممارستها، وما يتصل بذلك من أسانيد وتأويلات ، فضلا عن مساحات تتداخل فى الموضوع من عادات وتقاليد متوارثة فى وقت تتسارع فيه خطى التغيرات وطبيعة التحديات.
ونبادر إلى القول إلى أن الفهم الشامل والواعى لحقوق المرأة فى إطار أهداف الشريعة الكلية يمثل التزاما دينيا وأخلاقيا وإنسانيا أمام المسلمين. ولقد حسمت الشريعة الغراء قبل غيرها المساواة فى الإنسانية دون تمييز بين البشر جميعا أو بين رجل وامرأة {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}الحجرات:13.
وكفلت الشريعة للمرأة حقوقها المدنية والمشاركة فى الحياة العامة كعنصر فعال فى المجتمع الإنسانى، وقضى الإسلام على ما ساد المجتمعات الانسانية قبله من تفرقة بين الرجل ، والمرأة أمام القانون أو فى الحقوق العامة أو فى القيمة، قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم}الإسراء:70. وقال: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرأوأنثى بعضكم من بعض}آل عمران:195.
وقال: {للرجال نصيبا مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}النساء:32.
وسمح الإسلام للمراة بدور فعال فى المجتمع والحياة العامة، ودعاها للعلم والمعرفة، وهى تتمتع -كالرجل- بحقوقها المدنية ومن بينها العمل والاتجار وتولى الوظائف ، كما اعترف بحقوقها السياسية فى قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}التوبة:71.
وجاءت أحوالها الشخصية -من أسرة وزواج وطلاق ورعاية طفل ومسئولياتها- راسخة الصلة بالمنظور الإسلامى للأسرة والمجتمع وتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، لما فيه صلاح المجتمع والأمة فى إطار المساواة فى القيمة والكرامة دون نظرة دونية، تتأسى على سوء الفهم أو البعد عن الممارسة السليمة.(3/71)
ولقد سبق الإسلام غيره فى كل ذلك من عدة قرون حيث تأسست النظرة الإسلامية على مبدأ مساواة المرأة بالرجل ، ومراعاة الاختلاف بينهما فى القدرات الطبيعية كما خلقها الله (1). والتكامل بينهما لخدمة المجتمع ، وهى نظرة عميقة أبعد ما تكون عن دعاوى التهميش.
وللموضوع فضلا عن ذلك أبعاده فى الإطارين الإسلامى والدولى، ففى الاطار الإسلامى اتفقت الدول الإسلامية على إصدار ميثاق حقوق الانسان فى الاسلام ،ومن بين ما يقرره أن الأسرة هى الأساس فى بناء المجتمع ، والزواج أساس تكوينها.. كما تنص المادة السادسة فى الإعلان على أن المرأة مساوية للرجل فى الكرامة الإنسانية(1).
ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات ، ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة، وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها، وأن على الرجل عبء الأنفاق على الأسرة ومسئوليته ورعايتها.. كما تنص المادة الخامسة والعشرون على "أن الشريعة الإسلامية هى المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أى مادة من مواد هذه الوثيقة"(2).
وإذا تناولنا الاطار الدولى للموضوع فالشرعية الدولية لحقوق الإنسان بما فى ذلك حقوق المرأة تتضمنها ثلاثة وثائق رئيسية هى:
1- الإعلان العالمى لحقوق الإنسان 1948.
2- العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966.
3- والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية 1966 ، والاتفاقيات المنبثقة عنها.
وقد انعكست معالم واضحة فى الفكر الغربى(3) فى هذه الإعلانات التى يستهدف حماية مجمل حقوق الانسان اللازمة لممارسة حياة آمنة، وهى أهداف سبقت إليها الشريعة الإسلامية وقررتها وحددتها ، وتبقى الممارسة السليمة علامة هامة على طريق تحقيق هذه الأهداف.
السفير/نبيل محمد بدر
ـــــــــــــــــ
حقوق الوالدين
حقوق الوالدين
مقدمة
- حق الوالدين عظيم.
- قرن الله سبحانه وتعالى حقهما بحقه.
- نص الكتاب والسنة على الترغيب في برّهما والترهيب من عقوقهما.(3/72)
بعض فضائل برّ الوالدين وتحريم عقوقهما:
- قرن الله حقهما بحقه، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }الإسراء23.
- أمر الله بصحبتهما والإحسان إليهما ولو كانا كافرين.
- برهما من الجهاد في سبيل الله.
• في بعض الأحاديث قدّم برّهما على الجهاد.
- طاعتهما من موجبات الجنة.
- رضى الله في رضى الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين.
- برهما سبب مغفرة الذنوب.
- برّهما سبب في تفريج الكربات.
- برهما سبب في سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة.
- دعوة الوالد لولده أو عليه مستجابة.
- الولد وماله لأبيه.
- لا تستطيع مجازاته مهما فعلت. قال رسول الله : { لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه }.
- عقوقهما من أكبر الكبائر.
- العاق ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يدخل الجنة.
- العاق تعجّل له العقوبة في الدنيا.
من طرق برهما:
- المسارعة إلى برّهما.
- تحللهما من التقصير فيما سلف.
- الاجتهاد في صلتهما.
- إدخال السرور عليهما.
- السعي في رضاهما.
- تقديم ما يحبانه على ما تحبه نفسك وتهواه.
- المسارعة في تحقيق مطالبهما.
- الحذر من مضايقتهما وأذيتهما قولاً أو فعلاً.
- خفض الجناح لهما.
- الدعاء لهما.
المرجع: وبالوالدين إحساناً-عبدالله بن علي الجعيثن-دار ابن خزيمة.
حقوق الوالدين
حقوق الوالدين
مقدمة
- حق الوالدين عظيم.
- قرن الله سبحانه وتعالى حقهما بحقه.
- نص الكتاب والسنة على الترغيب في برّهما والترهيب من عقوقهما.
بعض فضائل برّ الوالدين وتحريم عقوقهما:
- قرن الله حقهما بحقه، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }الإسراء23.
- أمر الله بصحبتهما والإحسان إليهما ولو كانا كافرين.
- برهما من الجهاد في سبيل الله.
• في بعض الأحاديث قدّم برّهما على الجهاد.
- طاعتهما من موجبات الجنة.(3/73)
- رضى الله في رضى الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين.
- برهما سبب مغفرة الذنوب.
- برّهما سبب في تفريج الكربات.
- برهما سبب في سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة.
- دعوة الوالد لولده أو عليه مستجابة.
- الولد وماله لأبيه.
- لا تستطيع مجازاته مهما فعلت. قال رسول الله : { لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه }.
- عقوقهما من أكبر الكبائر.
- العاق ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يدخل الجنة.
- العاق تعجّل له العقوبة في الدنيا.
من طرق برهما:
- المسارعة إلى برّهما.
- تحللهما من التقصير فيما سلف.
- الاجتهاد في صلتهما.
- إدخال السرور عليهما.
- السعي في رضاهما.
- تقديم ما يحبانه على ما تحبه نفسك وتهواه.
- المسارعة في تحقيق مطالبهما.
- الحذر من مضايقتهما وأذيتهما قولاً أو فعلاً.
- خفض الجناح لهما.
- الدعاء لهما.
المرجع: وبالوالدين إحساناً-عبدالله بن علي الجعيثن-دار ابن خزيمة.
ـــــــــــــــــ
حلف الفضول
اصطلاحا: المعاهدة التى عقدت بين بنى هاشم وبنى المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة قبل بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - بنحو عشرين سنة.
وسبب تسميتها بهذا الاسم أن ثلاثة من قبيلة جرهم هم الفضل بن فضالة والفضل بن وداعة والفضل بن الحارث قد عقدوا قديما نظيرا لهذه المعاهدة، فلما أشبه فعل القريشيين فعل هؤلاء الجرهميين الأول المسمون جميعا بالفضل سمى الحلف: حلف الفضول.
وسبب قيام هذا الحلف أن رجلا من زبيد باليمن قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمى، ثم رفض أن يؤديه ثمنها، فطلب الزبيدى من الأحلاف أن يعينوه على اقتضاء حقه فأبوا وانتهروه بسبب قدر ومكانة العاص فى قومه. فصعد هذا الرجل إلى أعلى جبل فى مكة وقريش فى أنديتهم حول الكعبة، وصاح بأعلى صوته مرددا شعرا يطلب فيه من آل فهر أن يحموه من الظلم.(3/74)
وكانت النتيجة أن قام الزبير بن عبد المطلب يلبى نداءه واجتمعت هاشم وزهرة وتيم فى بيت عبد الله بن جدعان بمكة وتحالفوا متعاهدين ليكونن يدا واحدة مع المظلوم حتى يؤدى له حقه ، ومشوا إلى العاص ، وانتزعوا سلعة الزبيدى منه ، ودفعوها إليه.
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الحلف: (لقد شهدت فى دارعبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم ، ولو دعيت إليه فى الإسلام لأجبت).
أ.د/عبد الله جمال الدين
ـــــــــــــــــ
خزندار
لغة: يقال خزندار وخازندار وخزينة دار وخزانة دا وخازن الدار أيضا.
واللفظ مؤلف من كلمتين:
1- خزانة العربية.
2- دار الفارسية وهى بمعنى مُمسِك.
والمعنى الكلى: الموكل بالخزانة والمتولى أمرها.
واصطلاحا: موضوع هذه الوظيفة هو الإشراف على خزائن أموال الدولة أو السلطان أو الأمير، وهى بهذه الدلالة معادلة لوظيفة الخازن الذى يمكن اعتبارها الصيغة العربية المحصنة.
بدأ ظهور هذا المصطلح فى العصر العباسى بصيغ قريبة، واستقر فى الصيغة "خزندار" فى عصر الأيوبيين ، وزادت أهميتها فى عصر المماليك واعتبرها القلقشندى الوظيفة الثانية عشرة من الوظائف التى يشغلها عسكريون بحضرة السلطان المملوكى وكان يختار لها من "الخاصكية". وكان كبير الخزندارية يسمى أمير خزندار.
وقد استمر استخدامها حتى العصر العثمانى.
أ.د/حسن الباشا
ـــــــــــــــــ
خصوص السبب
لغة: الخصوص نقيض العموم (1).
والسبب ما يتوصل به إلى أمر من الأمور(2)
واصطلاحا: المراد بالسبب فى قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ليس ما يولد الفعل أو يوجب الحكم ، بل ما كان سببا فى الجواب ، أو داعيا إلى الخطاب بذلك القول وباعثا عليه (3)، قرآنا كان اللفظ أو حديثا.
والمراد بسبب النرول فى علوم القرآن هو:
ما نزلت الآيات متحدثة فيه أو مبينة لحكمه أيام وقوعه (4).(3/75)
والمراد بخصوص الشىء: كونه متعينا له وحدة تخصه فلا شركة للغير فيه (5).
والغرض فى هذا المقام الإجابة على سؤال هو: أن اللفظ العام المستقل (6) بنفسه إذا ورد من أجل سبب خاص هل يعم ، أو يقتصر به على سببه؟
ويرى الجمهور أن العبرة بعموم اللفظ مثل قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}هود:114.
فهذا حكم عام نزل على سببه خاص ، وهو قصة الأنصارى الذى قبل امرأة أجنبية عنه ،فاللفظ يتناوله ويتناول كل مثيل له ، لأنه باق على عمومه وهذا هو الراجح (7).
وغير الجمهور يرى أن العبرة بخصوص السبب ، فاللفظ عام أريد به الخصوص ، فلا يتناول بحكمه إلا صورة السبب ، أما مثيلها فحكمه نفس الحكم لكن من دليل آخر من قياس أو غيره (8).
وعلى الرأيين لم يختلف حكم المثيل عن حكم الصورة، بل أجمعت الأمة على أن الحكم فيهما واحد(9).
أ.د/عبدالغفور محمود مصطفى
ـــــــــــــــــ
خطبة الجمعة
لغة: الخطبة بضم الخاء مصدر(خطب).أى ألقى الكلام إلى الغير لإفهامه ، والجمعة: اليوم المعروف وهو يوم العروبة(1).
واصطلاحا: الخطبة تطلق على معنيين: أحدهما: الكلام المنثور سجعا كان أو مرسلا.
وثانيهما: إلقاء الكلام المنثور مسجوعا كان أو مرسلا لاستمالة المخاطبين إلى رأى أو ترغيبهم فى عمل (3).
وعلى ذلك فخطبة الجمعة عبارة عن: إلقاء الكلام المنثور وتوجيهه إلى الناس فى اليوم المعلوم من إمام الجمعة، أو هى الكلام نفسه الملقى عليهم.
وهى خطبتان قبل الصلاة يجلس بينهما الإمام هنيهة، ولها أركان وشروط ، على خلاف فى بعضها أو إطلاق أو تقييد.
فأركانها: حمد الله تبارك وتعالى، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوصية بتقوى الله تعالى، والدعاء للمؤمنين وهو خاص بالخطبة الثانية، وقراءة شىء من القرآن ولو آية واحدة، والموعظة وهى القصد منها.(3/76)
ومن شروطها: الوقت وهو بعد الزوال ، وتقديم الخطبتين على الصلاة، والقيام فيهما عند القدرة، والجلوس بينهما مع الطمأنينة فيه ، والطهارة عن الحدث والنجس ثوبا ومكانا ، ورفع الصوت بحيث يسمع ، والعدد الذى تنعقد به الجمعة.
وقد اختلف الفقهاء فى حرية الكلام أثناءها.فالجمهور على حرمته ، والشافعى فى الجديد وأحمد فى رواية على عدمها.والله أعلم.
د/عبد الصبورمرزوق
ـــــــــــــــــ
خيال الظل
لغة: الخيال ما تشبه لك فى اليقظة والحلم من صورة.
واصطلاحا: خيال الظل لون من الفن التمثيلى الشعبى.
ويقوم هذا الفن على تحريك شخوص جلدية كاريكاتورية بين مصدر ضوئى وشاشة بيضاء، تسقط عليها ظلال هذه الشخوص التى صممت بحيث تظهرعلى الشاشة نقوشها وألوانها.
وتسمى الواحدة من تمثيليات خيال الظل "بابة" وتجمع لغتها عادة بين الفصحى والعامية، وبين الشعر والسجع ، كما دخلها بعد ذلك الغناء والتلحين ، ويسمى الرجل الذى يحرك هذه الشخوص ب "المخايل" أما منشد أزجال البابة، فيطلق عليه "الحازق".
وقد تكون البابة انتقادا لبعض العيوب الأخلاقية والاجتماعية، أو تصويرا فكاهيا لبعض أرباب الحرف والصناعات ، أو عرضا لبعض الأحداث التاريخية الهامة كمقتل طومان باى، وفتح السودان.
وترجع أصول هذا الفن غالبا إلى الهند أو الصين ،وربما جاء إلينا عبر المغول ،وقد استمرهذا الفن معروفا فى البلاد العربية إلى أوائل القرن العشرين ، وكانت تمثيليات خيال الظل تمثل فى قصور الحكام والكبراء، أو فى بيوت خاصة بها يرتادها الجمهور، كما هو الحال فى المسارح ودور الخيالة اليوم.
ولعل أهم من ألف بابات خيال الظل هو "ابن دانيال" الكحال المشهور فى عصر الظاهر بيبرس ، وهو عراقى الأصل ، لكنه انتقل إلى مصر واستقر بها ، والواقع أن "خيال الظل" يمثل خطوة رائدة لمسرح العرائس وفن الخيال كليهما.
أ.د/إبراهيم عوض
ـــــــــــــــــ
رأس مال (رأسمالية)(3/77)
لغة: اسم للقليل والكثير من المقتنيات من كل ما يتمول ويملك ، ويقصد برأس المال فى اللغة. أصل المال دون ربح أو زيادة، كما فى القرض لتحريره من الربا(1)، وكذلك لقوله تعالى {إن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}البقرة:279.
واصطلاحا: يطلق رأس المال على المال الذى يدفع للعامل فى شركة المضاربة، وعلى الثمن الذى يعجل به فى بيع السلم ، وعلى المبلغ الذى يدفعه كل شريك فى شركة العنان ، وعلى الثمن الأصلى الذى اشترى به البائع فى معاملات التجارة، ويطلق كذلك على النقد ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من العملات (3).
ويطلق فى الفكر الوضعى على أدوات الإنتاج التى لا تستخدم لأغراض الاستهلاك المباشر، وإنما للمساهمة فى إنتاج سلع أخرى، ويطلق على الرصيد المتجمع من الموارد ، والذى يسهم فى إنتاج أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة.
ويعرف كذلك ، بأنه الرصيد الذى يستخدم كاحتياطى لتدعيم مستوى مرتفع من الاستهلاك فى وقت تشتد الحاجة فيه إليه.
ويمكن التفرقة بين رأس المال والدخل ، بأن الدخل هو الإيراد أو الغلة التى تعود على الفرد أو المؤسسة من العمل أو المال ، كما أنه أجر العامل أو إيجار الأرض ، وقد حرص الإسلام على استثمار رأس المال وتنميته.
وقد اعتبر الفقهاء أن الانفاق من رأس المال تبذير، بينما الإنفاق من الربح ليس تبذيرا(3).
ولا يخفى حرص الإسلام على تشجيع التكوين الرأسمالى عندما أعفى رأس المال الثابت من الزكاة وقد حدد الدمشقى وسائل حفظ المال كما يلى:
1- ألا ينفق أكثر مما يكتسب.
2- ألا يكون ما ينفق مساويا لما يكتسب.
3- أن يحذر الرجل أن يمد يده إلى ما يعجز عنه وعن القيام به.
ومن أنواع رأس المال:(3/78)
1- رأس المال المتداول ويقصد به المال الذى تنتهى منفعته الاقتصادية باستعماله مرة أو بضع مرات ، وتحسب قيمته بالكامل فى نفقة إنتاج السلعة المنتجة، مثل القطن الخام الذى يستخدم فى صناعة المنسوجات مرة واحدة.
2- رأس المال العامل ، ويقصد به الموارد السائلة الصافية لمنشاة ما فى السوق ، وهى الأصول الجارية مطروحا منها الالتزامات الجارية وتشمل عروض التجارة، ويستحق عليها الزكاة باعتبارها مالا ناميا بعد حولان الحول.
3- رأس المال الاجتماعى، ويقصد به المرافق العامة ومشروعات البنية الأساسية ومؤسسات حفظ النظام ، والأمن والعدالة، باعتبارها أصولا يتملكها المجتمع.
4- رأس المال المعنوى ويقصد به الشهرة فى التجارة أو التصنيع أو العلامة التجارية، والذى يضمن تحقيق رقم مرتفع من المبيعات ، وعلى ذلك فقد درج المحاسبون على تحديد قيمة نقدية للشهرة ضمن عناصر أصول رأس مال المشروع باعتبارها أصلا رأسماليا معنويا.
5- الأوراق المالية والسندات باعتبارها مساهمات فى رؤوس أموال المشروعات تدر عائدا سواء فى صورة أرباح موزعة على كل سهم ، وفائدة محددة تزاد على أصل قيمة السند فى تاريخ استحقاقه.
ويعتبر رأس المال أحد عناصر الانتاج حيث يشترك مع غيره من العناصرلتحقيق الإنتاج بدرجة تجعله محور التنمية الاقتصادية، ويحتل مكانا بارزا فى النظرية الاقتصادية للإنتاج والتوزيع ، وفى نظرية النمو الاقتصادى فى نفس الوقت.(3/79)
ويطلق تعبير "رأسمالية" للدلالة على النضام الاقتصادى القائم على تطبيق قواعد العرض والطلب فى السوق الحرة، وعلى حرية القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى، وعلى حق الملكية الخاصة للأفراد والمشروعات ، وبحيث يكون تخصيص الموارد وتوزيع الدخل بمعرفة قوى السوق الحرة دون تدخل من السلطات الحكومية،التى تقتصر وظائفها على الدفاع والأمن والعدالة ومراقبة السوق والأسعار، ويعترف النظام الاقتصادى الرأسمالى بدور ثانوى للقطاع العام وفقا لما تقرره السلطات الحكومية فى مجال المنافع العامة، ذات الربحية الاجتماعية، وفى مجال الأنشطة الاستراتيجية.
أ.د/حمدى عبد العظيم
ـــــــــــــــــ
رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم)
عُنِىَ الرسول صلوات الله وسلامه عليه عناية كبيرة بتبليغ الدعوة، وقد استعمل الرسول فى سبيل تحقيق هذا الهدف الدعوة بالكلمة المقولة والكلمة المكتوبة والأسوة الحسنة.
وفى الأسوة الحسنة كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه نموذجا رائعا لكل صفات الخير، ويقول القرآن الكريم عنه: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة}الأحزاب:21. وتقول السيدة عائشة رضى الله عنها: (كان خلقه القرآن)(1).
وبمراجعة أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - نجد فيها أسمى طريق للخلق الحسن فى كل شىء.
وعنى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتربية الحكام والقضاة و الولاة كما عنى أعظم عناية بالتربية الاجتماعية(2).(3/80)
واذا نظرنا إلى الكلمة المكتوبة: نجد رسائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك والرؤساء يدعوهم للإسلام تحقيقا لعالمية الإسلام كما جاء فى قوله تعالى: {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}الفرقان:1 ، ثم توالت الآيات فى السور المكية تؤكد عالمية الإسلام كقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}سبأ:28 ، كما جاءت فى معنى عالمية الإسلام آيات فى سورة الأنبياء والأعراف وإبراهيم وبناء على هذه العالمية أرسل - صلى الله عليه وسلم - رسائله إلى ملوك عصره وأمراء عهده ، وتمتازهذه الرسائل بالنقاط التالية:
1- تجاهل الرسول - صلى الله عليه وسلم - تماما التوسعات الاستعمارية التى كان يقوم بها الروم والفرس ضد بعض المناطق العربية وكتب صلوات الله وسلامه عليه لولاة هذه المناطق مباشرة فكتب لوالى الروم على دمشق والمقوقس والى مصر، وكتب إلى باذان والى الفرس على اليمن ، وتعتبر هذه الخطوة رائعة ذات مغزى عظيم فى الدلالة على عظمة الدعوة.
2- صيغت كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنتهى الحكمة والبراعة فالرسول فيها سمح يدعو ولا يهدد، يخاطب الملوك والروساء بألقابهم ويعترف بمكانتهم ويقرر أن سلطانهم فى ظل الإسلام باق لهم ، وهو بذلك يؤكد أنه ليس طالب ملك ، ثم هو يذكر أن هناك زكاة فى أموال الأغنياء ولكنه يؤكد أن الزكوات والصدقات لا تحل لمحمد ولا آل محمد، وإنما تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقرائهم ، وهو بهذا يؤكد أنه ليس طالب مال.
3- كان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل ملك حسب ظروفه ، فإن كان من أهل الكتاب أشار إلى ما بين الأديان السماوية من روابط ، وإذا كان من غيرهم أشار إلى التزام البشرية بالعودة إلى الله وترك عبادة ما سواه.
4- اختير المبعوثون بحيث يعرف كل منهم لغة من سيرسل إليه.
5- امتدت فترة إرسال الرسل فيما بين الحديبية ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.(3/81)
ونذكر هنا نصوص بعض الرسائل ككتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل ملك الروم:
"من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم:
سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين".
{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ،ولا نشرك به شيئا،ولا يتخذ بعضنا بعضا آربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}آل عمران:64.
كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى فارس:
بسم الله الرحمن الرحيم:
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ، أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس.
كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس عظيم مصر:
بسم الله الرحمن الرحيم:
من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من أتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ،ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولو فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}آل عمران:64.
وتقول الرواية: إن المقوقس لما قرأ الكتاب سأل حامله (حاطب بن أبى بلتعة): ما منع صاحبك إن كان نبيا أن يدعو على من أخرجوه من بلده فيسلط الله عليهم السوء ؟ فقال حاطب: وما منع عيسى أن يدعو على أولئك الذين تآمروا عليه ليقتلوه فيسلط الله عليهم ما يستحقون ؟ قال المقوقس: أنت حكيم جئت من عند حكيم.
كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشى:(3/82)
من محمد رسول الله إلى النجاشى ملك الحبشة: سلام عليك إنى أحمد الله إليك ،الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده ، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى، والسلام على من اتبع الهدى.
وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء.
أ.د/أحمد شلبى
ـــــــــــــــــ
رسالة إلى طالب نجيب
- الرسالة :
1. التقوى .
2. الصبر والمصابرة والجد والمثابرة .
3. تبجيل المعلمين واحترامهم .
4. الحرص على الاستفادة .
5. المحافظة على الوقت .
6. علو الهمة .
7. شرف النفس .
8. العفة العفة .
9. الإحسان إلى الناس .
10. حافظ على أدب المحافظة .
11. قيد العلم بالكتابة .
12. تدرب على الخطابة .
13. لا تجعل الدنيا أكبر همك ولا مبلغ علمك .
14. اعلم ثم اعلم فضل العلم .
15. تجنب الغلظة والشدة ، وإياك التخاذل والرخاوة الزائدة .
16. لا تترفع بحيث تستثقل ولا تتنازل بحيث تستخس وتستحقر .
17. تجنب الوقيعة في الناس .
18. اغتنم زهرة العمر وميعة الصبا .
19. ليكن سرك خيراً من علانيتك .
20. إياك والحسد والحقد .
21. سلامة الصدر .
22. لا تيأسن من استصلاح النفس .
23. إياك والتقليد الأعمى .
24. إياك وصحبة الأشرار .
25. وبالوالدين إحساناً .
26. إياك والتسويف .
27. الحياءَ الحياء .
28. تقبل النقد البناء والنصيحة الهادفة .
29. عليك بالصدق .
30. الإخلاص الإخلاص .
31. الزم الشورى .
32. أقم الصلاة .
33. وأمر بالمعروف وانه عن المنكر .
34. ورتل القرآن ترتيلاً .
35. وخالق الناس بخلق حسن .
36. وإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ
ـــــــــــــــــ
زاد الداعية إلى الله عز وجل
1-تعريف الزاد(3/83)
- زاد كل مسلم هو تقوى الله.
- قال تعالى:{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.
2-تعريف التقوى.
- التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله.
الزاد الأول: أن يكون الداعية على بصيرة فيما يدعو إليه:
- البصيرة في ثلاثة أمور:
الأول: على بصيرة فيما يدعو إليه، بأن يكون عالماً بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه.
الثاني: على بصيرة في حال الدعوة.
الثالث: على بصيرة في كيفية الدعوة.
ملحوظة: قد يقول قائل: هل قولك هذا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «بلغوا عني ولو آية».
فالجواب:
- لا.
- لأن الرسول صلى الله عليه وسلّم، يقول: «بلغوا عني» إذاً فلابد أن يكون ما نبلغه قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
- ليس المقصود أنه لابد أن يبلغ شوطاً بعيداً في العلم.
- ولكن المقصود لا يدعو إلا بما يعلم فقط ولا يتكلم بما لا يعلم.
الزاد الثاني: الصبر على الدعوة.
- أي مثابراً عليها لا يقطعها ولا يمل.
- أن يكون صابراً على ما يعترض دعوته من معارضات ومجادلات.
- كل إنسان يقوم داعياً إلى الله عز وجل لابد أن يعارض.
- كل دعوة حقة لابد أن يقوم لها معارض وممانع ومجادل ومشكك.
- كذلك لابد أن يكون الداعية صابراً على ما يعترضه هو من الأذى.
ومن الأمثلة
- نوح عليه الصلاة والسلام
• كان قومه يمرون به وهو يصنع الفلك ويسخرون منه.
• توعدوه بالقتل.
• توعدوه بالإحراق.
- موسى عليه الصلاة والسلام توعده فرعون بالقتل.
- عيسى عليه الصلاة والسلام
• رماه اليهود بأنه ابن بغي.
• أرادوا قتله وصلبه.
- خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلّم
• حاول المشركون حبسه.
• أو قتله.
• أو إخراجه من الأرض.
الزاد الثالث: الحكمة
- تعريف الحكمة: إتقان الأمور وإحكامها، بأن تنزل الأمور منازلها وتوضع في مواضعها.
- مراتب الدعوة أربع
• الدعوة إلى الله بالحكمة.
• الموعظة الحسنة.
• الجدال بالتي هي أحسن لغير الظالم.(3/84)
• الجدال بما ليس أحسن للظالم.
الزاد الرابع: أن يتخلق الداعية بالأخلاق الفاضلة
- بحيث يظهر عليه أثر العلم في:
• معتقده.
• عبادته.
• هيئته.
• سلوكه.
الزاد الخامس: أن يكسر الداعية الحواجز التي بينه وبين الناس .
الزاد السادس: أن يكون قلب الداعية منشرحاً لمن خالفه.
- لاسيما إذا علم أن الذي خالفه حسن النية.
- وأنه لم يخالفه إلا بمقتضى قيام الدليل عنده.
ملحوظة: هناك مسائل فرعية يختلف فيها الناس
- هي في الحقيقة مما وسع الله فيه على عباده.
- هي ليست من الأصول.
وهنا يجب
• أن نجتمع على بساط البحث، وأن يناقش بعضنا بعضاً على سبيل الإصلاح لا على سبيل الانتقاد أو الانتقام.
• الجدال يجب أن لا يكون بقصد الانتصار لرأيه واحتقار رأي غيره.
المرجع: زاد الداعية- الشيخ محمد بن الصالح العثيمين.
ـــــــــــــــــ
سلامة الصدر
مقدمة
- أمة الإسلام أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات.
- نهى النبي عليه الصلاة والسلام عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة.
- سلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها.
- سلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة.
- سلامة الصدر من أسباب دخول الجنة.
الفرق بين سلامة الصدر والبله والتغفل:
- بعض الناس يظن أن سلامة القلب تكمن في سهولة غشه وخداعه والضحك عليه وهذا خلاف المقصود.
- إن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعمل به.
- البله والغفلة من الجهل وقلة المعرفة، وهذا لا يحمد إذ هو نقص.
- الكمال أن يكون عارفاً بتفاصيل الشر سليماً من إرادته قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لست بخبِ ولا يخدعني الخب.
من أسباب التشاحن والتباغض:
- طاعة الشيطان.
- الغضب.
- النميمة.
- الحسد.
- التنافس على الدنيا.
- حب الشهرة والرياسة.
- كثرة المزاح.
معينات على سلامة الصدر:
- الإخلاص.
- رضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به.(3/85)
- قراءة القرآن وتدبره.
• القرآن هو دواء لكل داء.
• المحروم من لم يتداو بكتاب الله.
• هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.
- تذكر الحساب والعقاب.
- الدعاء.
• يدعو العبد ربه دائماً أن يجعل قلبه سليماً على إخوانه.
• يدعو لإخوانه بذلك أيضاً.
- الصدقة
• فهي تطهر القلب.
• وهي تُزكي النفس.
- تذكر أن من تنفث عليه سُمُومك، وتناله بسهامك هو مُسلم.
- إفشاء السلام.
- ترك كثرة السؤال وتتبع أحوال الناس
- محبة الخير للمسلمين
- عدم الاستماع للغيبة والنميمة.
• حتى يبقى قلب الإنسان سليماً.
- إصلاح القلب ومداومة علاجه.
- السعي في إصلاح ذات البين.
سلامة الصدر-عبدالملك القاسم-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
شرع من قبلنا
لغة: الشرع عبادة عن البيان والأظهار يقال: شرع الله كذا أى جعله طريقا ومذهبا، ومنه المشرعة (لسان العرب)(1).
وإصطلاحا: يراد بشرع من قبلنا.(2) الأحكام التى شرعها الله تعالى للأمم السابقة وجاء بها الأنبياء السابقون ، وكلف بها من كانوا قبل الشريعة المحمدية كشريعة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام.
وهذا الموضوع يمثل مدى صلة الشريعة الإسلامية بالديانات والشرائع السابقة، فمن القضايا المعروفة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - بعث فى سن الأربعين سنة 611 م ، وأن شريعته - صلى الله عليه وسلم - خاتمة الشرائع ، وقد أخبر القرآن الكريم والسنة الشريفة عن قصص الأنبياء السابقين وبعض الأحكام التشريعية فى شرائعهم ، فهل أحكام شرائع الأمم السابقة كاليهودية والنصرانية نطالب بالعمل بها؟(3).
والكلام فى هذا الموضوع يتطلب بحث أمرين:
أولهما(4): هل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة متعبدا بشريعة سابقة ، لأنه إذا كان متعبدا بشرع سابق ، ولم ينسخ فى شريعته بعد نزولها فيكون ذلك مشروعا فى حقنا كمسلمين.(3/86)
ثانيهما: هل النبى عليه الصلاة والسلام وأمته بعد البعثة متعبدون بشرع نبى سابق؟ وللاجابة على هذا نقول: إن تعبده - صلى الله عليه وسلم - بشريعة سابقة من ناحية الجواز العقلى لا مانع منه إذ لا دليل على استحالته ، أما من ناحية الوقوع العقلى والجواز الشرعى فهو محل خلاف بين الأصوليين سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها، فليراجع فى كتبهم.
وأعلم أن شرائع من قبلنا على أربعة أقسام (5):
1- الأحكام التى لم يرد لها ذكر فى شريعتنا لا فى الكتاب ولا فى السنة، فهذه الأحكام لا تكون مشرعا لنا بلا خلاف.
2- الأحكام التى نسختها شريعتنا مثل:
تحريم أكل ذى الظفر، وتحريم الشحوم التى تكون فى بطن الحيوان محيطة بالكرش (6).
وتحريم الغنائم ، فهذه أيضا ليست شرعا لنا بالاتفاق ، بل منسوخة فى حقنا.
3- الأحكام التى أقرتها شريعتنا فلا نزاع فى أننا متعبدون لها ؛ لأنها شريعتنا، لورود التشريع الخاص فيها ، الصياد(7) والاضحية(8) وغيرها.
4- الأحكام التى علم قبولها بطريق صحيح ، ولم يرد عليها ناسخ ، ولكن لم تقرر فى شريعتنا كالتى قصها الله سبحانه فى كتابه ، أو وردت على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - من غير إنكار ولا إقرار لها، مثل آية القصاص فى شريعة اليهود(9)، وهذا النوع هو محل النزاع والخلاف بين الفقهاء.
أ.د/على جمعه محمد
ـــــــــــــــــ
صحيفة المدينة
كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأمل حين هجرته إلى المدنية أن يستميل اليهود الذين بالمدينة إلى دينه ، لأنهم أهل كتاب قد بشر بنبوته ، وهم إن لم يستجيبوا لدينه ، ويدخلوا فيه فلا أقل من أن يسالموه ، ولا يكونوا مثل كفار مكة الذين اعترضوا دعوته ، وحالوا دون نشرها بين الناس.(3/87)
وكان اليهود من جهتهم يطمعون فى أن يستطيعوا بحيلهم ومكرهم من استمالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، واحتواء دينه فى دينهم ،فأظهروا له المسالمة فى أوائل هجرته ، وهم يضمرون فى أنفسهم له ولدينه العداوة والبغضاء.
فلبسوا للمسلمين ثياب النفاق وخالطوهم وتبسطوا معهم ، وبدوا لهم كأنهم قد قاربوا من دينهم ، ورضوا عن شعائره بينهم (1).
وأعلن الكثير منهم الإسلام نفاقا ، ودخلوا المسجد وأدوا الشعائر مع المسلمين ، وهم يظنون أنهم يخادعون الله ورسوله وهو خادعهم.
ونتج عن هذه المعايشة السلمية التى كانت بين المسلمين واليهود والطوائف المشركة الأخرى التى كانت فى المدينة غير المسلمين واليهود أن قام رسول - صلى الله عليه وسلم - بكتابة صحفية تكون بمثابة دستور بين هذه الطوائف يحكمها ويحفظ حق كل طائفة منها، فى أداء شعائرها بحرية تامة، على أن تؤدى كل طائفة واجبات التعايش السلمى مع جيرانها فى البلد الواحد، فلا تساعد الأعداء عليها ولا تحالفهم ولا تجيرهم.
واعترفت هذه الصحيفة بأن المدينة المنورة قد أصبحت دولة صغرى لها كيانها وقوانينها.
وأن النبى - صلى الله عليه وسلم - رئيس تلك الدولة وهو يجمع فى يديه السلطتين الروحية والسياسية.
وقد أورد ابن هشام نصوص هذه الصحيفة فعدد أسماء القبائل التى التزمت بها، ومنه نقتبس بعض السطور:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبى - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ،أنهم أمة واحدة من دون الناس ،المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.(3/88)
وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم ، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف (وعدد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلم قبائل المؤمنين على هذا النمط ، ثم قال: وإنه لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ظلم أو أثم ، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم ،ولا يقتل مؤمن مؤمنا فى كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن ، وإن ذمة الله واحدة(2).
ثم اتجهت الصحيفة للحديث عن اليهود فقالت: وإن اليهود يتفقون ما داموا محاريين ، وإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وإن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف (وعد على هذا النمط قبائل اليهود) ثم استمرت الصحيفة تقول: وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم ، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه ، وإن النصر للمظلوم ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين ، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدثا أواشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل والى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن البر دون الإثم ، وان الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبره " وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم ،وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3).
وخلاصة هذه الصحيفة:
1- أن للجماعة شخصية دينية وسياسية ومن حقها أن تعاقب المفسد وتؤمن المطيع.
2- أن الحرية الدينية مكفولة للجميع.
3- على سكان المدينة من مسلمين وغير مسلمين أن يتعاونوا ماديا وأدبيا وعسكريا، وعليهم أن يردوا متساندين أى اعتداء قد يوجه لمدينتهم.
4- الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو الرئيس الأعلى لسكان المدينة، وتعرض عليه القضايا الكبرى وحالات الخلاف بين الأفراد ليفصل فيها.(3/89)
وعلى الرغم من موقف المسلمين السمح كان اليهود غيرمخلصين لما جاء فى هذه الصحيفة، ويبدو أنهم قبلوها ريثما يدبرون أمرهم كما هو معروف من دراسة مواقفهم من المسلمين بعد ذلك (4).
أ.د/أحمد شلبى
ـــــــــــــــــ
صحيفة المقاطعة
لما رأت قريش أن المسلمين الذين هاجروا للحبشة وجدوا بها ملاذا آمنا طيبا، وأن عمر بن الخطاب دخل الإسلام هو وحمزة وقوى بهما المسلمون ، اجتمعت قريش لتدبر أمرها، واتفقوا على أن يكتبوا صحيفة يتعاقدون فيها ضد بنى المطلب على ألا يزوجوهم أو يتزوجوا منهم ، ولا يبيعون لهم ، ولا يبتاعون منهم ، وأن يقاطعوهم ، وكتبوا هذه الصحيفة، وتعاهدوا وتواثقوا على ذلك ، ثم علقوا الصحيفة فى جوف الكعبة، وكان كاتب الصحيفة هو منصور بن عكرمة بن عامر، ويقال إنه النضر بن الحارث ، وقد دعا عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فشلت يده.
وإزاء ذلك انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبى طالب ودخلوا معه فى شعبه ، وخرج من بنى هاشم أبو لهب (عبدالعزى بن عبد المطلب).
وقد عانى المسلمون من هذه المقاطعة أشد عناء، ومسهم الضر الشديد على الجوع والحرمان ، وقد استمرت هذه المقاطعة حوالى ثلاث سنوات.
انتهاء المقاطعة:
وكان من بين المشركين نفر عارضوا استمرار المقاطعة، إذ أحسوا بالضر الذى يعيش فيه بنو هاشم وبنو المطلب ، فمشوا فى نقض الصحيفة ، ومن هؤلاء هشام بن عمرو بن الحارث ، وأبو البخترى العاص بن هشام ،والمطعم بن عدى، وزهير بن أبى أمية، وزمعة بن الأسود ، وذهب زهير بن أبى أمية إلى البيت الحرام فطاف سبعا ثم صاح قائلا: يا أهل مكة، أناكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى؟
والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة، وعارض أبوجهل هذا الاتجاه ، ولكن جانب الخير كان أقوى.(3/90)
ويروى ابن هشام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبى طالب: (إن الله سلطد الأرضة على هذه الصحيفة فلحستها ولم تدع بها إلا اسم الله جل وعلا)، فخرج أبو طالب إلى القوم وصاح: يا معشر قريش إن ابن أخى أخبرنى أن الأرضة لحست كلمات المقاطعة فإن كان الأمر كما قال ابن أخى فانتهوا عن قطيعتنا، وإن يكن كاذبا فإنى أسلمه لكم ، فقال القوم: رضينا، وتعاقدوا على ذلك وذهبوا للصحيفة فإذا هى كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانتهت بذلك صحيفة المقاطعة، وإن كان كيد قريش للمسلمين لم ينته ،مما جعل المسلمين يلجأون للهجرة إلى المدينة المنورة.
أ.د/أحمد شلبى
ـــــــــــــــــ
صدقة الفطر
لغة: الصدقة ما يعطى على وجه القربى لله تعالى لا المكرمة(1).
والفطر(2): نقيض الصوم ، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا.
وشرعا: صدقة واجبة يقدمها المسلمون إلى المحتاجين بمناسبة عيد الفطر.
وهى تسمى زكاة الفطر، وزكاة الفطرة، فمن قال: زكاة الفطر أوجبها بدخول الفطر، ومن قال: زكاة الفطرة أوجبها على الفطرة، والفطرة الخلقة، قال الله تعالى: {فطرت الله التى فطر الناس عليها}الروم:30 ، أى خلقته التى جبل الناس عليها(3).
ولهذا فهى واجبة على المسلمين إجماعا على الحر والعبد ، الذكر والأنثى ، الصغير والكبير.
والأصل فيها أحاديث كثيرة، منها ما ورد عن ابن عباس (4) قال: (فرض رسول - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات).
وحيث ثبت وجوبها فهى فرض كزكوات الأموال ، وقال أبوحنيفة: هى واجبة وليست فرضا كالوتر، بناء على أصله فى الفرق بين الواجبه والفرض وهذا الخلاف إذا قدر كان خلافا فى العبارة وفاقا فى المعنى، والخلاف فى العبارة مع الوفاق فى المعنى غير مؤثر.(3/91)
ومقدارها على كل مسلم صاع من تمر أو من شعير، كصاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ورد فى ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - (5).
ووقتها قبل صلاة العيد، على خلاف بين الفقهاء فى جوازها فى أيام رمضان (6).
أ.د/على جمعة محمد
ـــــــــــــــــ
صلاة القصر
لغة: قصر من الصلاة وقصر من الشىء على كذا: لم يجاوز به إلى غيره ، والسفر قطع المسافة كما فى الصحاح (1).
واصطلاحا: أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين فى السفر(2).
والصلاة التى تقصر هى: الظهر والعصر والعشاء، أما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما ؛ لأن الالتزام بأحكام الصلاة أمر تعبدى.
وقد ثبتته مشروعية القصر بالكتاب والسنة، قال تعالى {واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}النساء:101، وجاء فى صحيح مسلم (3)عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: (صحبت النبى - صلى الله عليه وسلم - ، فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين ، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك).
وبالنسبة إلى حكم صلاة القصر: ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة(4)، لقول السيدة عائشة رضى الله عنها (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر)(5)ولا يعلم ذلك إلا توقيفا.
وذهب غير الحنفية إلى جواز قصر الصلاة، فقالوا: والمسافر له القصر وله الإتمام ، وذلك لما ورد عن يعلى عن أبيه أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}النساء:101 ، فقد أمن الناس ، قال: عجبت بما عجبت منه ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته)(رواه مسلم)(6).
والقصر والإتمام فى السفر سواء، وإن كنا نرى أن الأولى هو قصر الصلاة مراعاة للخلاف الواقع بين الفقهاء فى حكم قصر الصلاة.(3/92)
ومسافة السفر التى تبيح قصر الصلاة فقد حددها الحنفية بثلاثة أيام سيرا على الأقدام ، وعند غيرهم بيومين ، ولا فرق فى ذلك بين أن تقطع هذه المسافة سيرا على الأقدام أو تقطع بالوسائل العصرية فى ساعة واحدة، لأن العبرة فى ذلك بقطع المسافة المبيحة للسفر(7).
واختلف الفقهاء فى مدة الإقامة التى ترفع حكم القصر:
1- فذهب المالكية والشافعية إلى أن إقامة أربع أيام صحاح تقطع حكم القصر، لأن المسافر يعتبر مقيما.
2- وذهب الحنفية إلى اعتبار الإنسان مقيما إن كانت المدة خمسة عشر يوما، ويبدأ المسافر قصر الصلاة من حين مجاوزة حدود إقامته ، وتنتهى بنية الإقامة، ويظل المسافر يقصر الصلاة مادام على نية سفر، حتى وإن طالت المدة ، لأن العبرة بنية السفر، ومادام قد نوى قطع السفر فإنه لا يجوز له قصر الصلاة بعد ذلك.
وإذا كان الإنسان يعيش فى بلدة، وانتقل إلى بلدة أخرى وأقام بها إقامة دائمة، فإن البلدة الأولى لا تكون له دار إقامة، فإذا سافر إلى بلدته الأولى التى تركها جاز له قصر الصلاة بها، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما فتح مكة قصر الصلاة بها، وكما نعلم جميعا أن مكة هى الموطن الأصلى لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنه بعد أن انتقل إلى المدينة صارت المدينة له وطنا: ولهذا قصر الصلاة بمكة، وأمر أهل مكة بإتمام صلاتهم ، وهذا معناه أن العبرة بالإقامة الدائمة فى مكان معين ، وليست العبرة بمحل الميلاد أو وجود الأقارب.
وعلى المسافر أن يعلم أنه لا يجوز له أن يأتم بمقيم ، فإن اقتدى بمقيم فعليه أن يتم صلاته تابعة لصلاة الإمام عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه) (رواه مسلم)(8).
ولكن يجوز للمقيم ان يأتم بالمسافر؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتموا يا أهل مكة صلاتكم فإنا قوم سفر) (رواه الترمذى)(9).
أ.د/صبرى عبدالرؤوف محمد عبدالقوى
ـــــــــــــــــ(3/93)
صلح الحديبية
اصطلاحا: هو الصلح الذى تم بين قريش وبين النبى - صلى الله عليه وسلم - وألف وأربعمائة من الصحابة، فى وادى الحديبية، فى شهر ذى القعدة من العام السادس للهجرة الموافق لسنة ستمائة وسبع وعشرين ميلادية، بعد مفاوضات شاقة وظروف صعبة، وقد تم الصلح بينهما على شروط أربعة هى:
1- أن توضع الحرب عن الناس عشر سنين.
2- أن من أراد الدخول فى عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - دخل فيه ، ومن أراد الدخول فى عهد قريش دخل فيه.
3- أن يعيد محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة من أتاه مسلما من غير إذن مواليه ، ولا تفعل كذلك قريش.
4- أن يعود محمد - صلى الله عليه وسلم - عامه هذا، ويأتى فى العام المقبل ، فيقيم فى مكة ثلاثة أيام تخليها قريش له ، وليس معه سوى سلاح المسافر، وهو السيوف فى الأغماد(1).
وقد اعترض الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الشرطين الثالث والرابع ، واشتد حتى قال له الصديق: الزم غرزك ، فإنى أشهد أنه رسول الله ، وأن الله لا يضيعه.كذلك اعترض على بن أبى طالب رضى الله عنه على ما أصرعليه سهيل بن عمرو عند كتابة الصلح من كتابة باسمك اللهم بدلا من البسملة، وكتابة اسم محمد وأبيه بدلا من محمد رسول الله (2)، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم ما سيجنيه من المكاسب للإسلام من وراء هذا الصلح ما لا يعلمه غيره ، فقد أجاب سهيلا إلى ما أراده.ولما جاء وقت الحلق والتقصير لم يستجب المسلمون ؛ على أساس أنهم لم يدخلوا المسجد الحرام كما وعدهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل النبى - صلى الله عليه وسلم - على أم سلمة أم المؤمنين وأخبرها الخبر، فأشارت عليه أن يكون هو البادىء بالحلق ، فإن الناس لن يخالفوه ، وكان الأمر كما توقعت.
وقد سمى هذا الصلح فتحا مبينا من قبل الله عز وجل ، ونزلت فى تسجيل أحداثه سورة تحمل هذا الاسم (سورة الفتح)، وذلك لعدة أسباب ، منها:(3/94)
1- اعتراف قريش بالإسلام ، والسماع للمسلمين بزيارة البيت وأداء المناسك للحج.
2- إتاحة الفرصة أمام القبائل لإرسال بعوثها إلى المدينة لزيارة النبى - صلى الله عليه وسلم - والاستماع لما يدعو إليه.
3- إرسال النبى - صلى الله عليه وسلم - الكتب والرسل لدعوة الحكام فى كل مكان إلى الدخول فى الإسلام هم ورعاياهم (3).
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
ـــــــــــــــــ
طيب المساجد وزينة الصلاة
مقدمة:
- المساجد أماكن يشع فيها نور النبوة، ويلتئم فيها صف الأمة.
- المساجد منزهة عن كل لغو ودنس، ومحفوظة من كل ضرر، ملكها بين المسلمين مشاع، وحقها عليهم المحبة والإكرام.
- عمارتها بصالح الأعمال، قال تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ } [التوبة:18].
- المساجد من أحب البلاد إلى الله، وأشرفها منزلة، من أحبَّها لأجل الله كان حبه لها دين وعبادة، وربح وزيادة.
- من تعلق قلبه بها أظله الله تحت عرشه يوم القيامة.
- صيانتها عن الأدناس قربة، وتنظيفها طاعة، وتطييبها عبادة.
- حسن المظهر وجميل الملبس، وطيب الرائحة مطالب إسلامية رغب الشارع فيها عند أداء الصلاة وعند حضور الجمع والجماعات.
- شُرع السواك عند الصلاة لأنه مطهرة للفم ومرضاة للرب.
- من الجهل بآداب المساجد أن يرتادها بلباس نومه، أو بثوب حرفته، أو برائحة كريهة، أو بفعل سيء.
وقفات
الوقفة الأولى: منزلة الطيب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• كان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - التطيب.
• كان يحبه ويكثر منه بل هو إحدى محبوباته الدنيوية ففي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { حُبب إلي من الدنيا، النساء والطيب، وجُعلت قُرة عيني في الصلاة } [رواه أحمد وصححه الألباني].(3/95)
• وكان يُعرف بطيب رائحته إذا أقبل أو أدبر، فمن كانت هذه صفته فهو أبعد الناس عن الرائحة الكريهة.
• ترك - صلى الله عليه وسلم - كثيراً من المباحات كالثوم والبصل والكراث ونحوها لرائحتها الكريهة .
الوقفة الثانية: طيب المساجد.
• كلما شرف المكان وطاب كلما كان أولى أن يُشرف ويحترم، ولما كان الطيب والبخور من علامات الإكرام والتشريف كان حريّا أن نجدها في أماكن العبادة فهي أولى .
• المسلم مأمور بأن يأخذ زينته عند كل مسجد قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف:31].
• الرائحة الطيبة للمسجد مطلب رفيع. وغاية مقصودة في دين الإسلام.
• عن عائشة رضي الله عنها قالت: { أمر رسول ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب } [رواه الخمسة إلا النسائي ورجاله ثقات]. والدور: هي الأحياء.
• يتأكد تطييب المساجد يوم الجمعة لما سبق، ولأن عمر كان يطيب مسجد الرسول كل جمعة قبل الصلاة.
• كما أن عبد الله بن الزبير كان يبخر الكعبة في كل يوم ويضاعف الطيب يوم الجمعة. وسار على هذه السنة السلف والخلف حتى أن معاوية أجرى وظيفة الطيب للكعبة عند كل صلاة.
• قالت عائشة رضي الله عنها: ( لأن أُطيّب الكعبة أحب إليّ من أن أُهدي لها ذهباً وفضة ).
الوقفة الثالثة: الواجب على إمام المسجد ومؤذّنه.
• العناية والرعاية للمساجد بصيانتها وحمايتها من كل ما يشينها ويدنسها ويفرق جماعتها.
• لا تحقروا من المعروف شيئاً.
• إياكم والتخذيل عن القيام بمثل هذا العمل.
الوقفة الرابعة: حكم وضع مباخر العود في قبلة الصلاة.
• قد يعتري بعض المصلين الحرج عند وضع مباخر العود في قبلة المصلين بحجة وضع الجمر فيها وذلك أثناء تطييب المسجد.(3/96)
• أجاب على هذا الإشكال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: ( لا حرج في ذلك ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء، في كراهة استقبال النار فإن الذين قالوا بكراهية استقبال النار علّلوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه، وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلين، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلين أيضاً، لا سيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام ).
الوقفة الخامسة: صور من تطيب السلف للصلاة وعند ارتياد المساجد.
سلفنا الصالح استنار بسيرة المصطفى فسار على دربه حتى أن بعضهم صار يعرف بالرائحة الزكية في ذهابه وإيابه لتزينه بأطيب الطيب حينما يقصد الصلاة والمسجد.
1. كان سلمة إذا توضأ أخذ المسك فمسح به وجهه ويديه.
2. كان عبد الله بن مسعود يعرف بريح الطيب، وكان يعجبه إذا قام إلى الصلاة ( الريح الطيبة، والثياب النقية ).
3. عبد الله بن عباس كان إذا خرج إلى المسجد عرف أهل الطريق أنه مر من طيب ريحه.
4. كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه ( يتطيب للجمعة والعيدين، وكان يأمر بثيابه أن تجمر كل جمعة ).
5. عُرف عثمان بن عروة بن الزبير بكثرة وضع الغالية، وكان حين يقوم من مصلاه يأتي الناس إلى مكانه ويسْلُتون الغالية من على الحصباء مما أصابها من لحيته.
6. قال عثمان بن عبيد الله: ( رأيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا قتادة وأبا أسيد الساعدي يمرون علينا ونحن في الكُتّاب فنجد منهم ريح العبير وهو الخلوق ) [مصنف بن أبي شيبة (2/305) والآداب الكبرى (3/529) وموطأ مالك].
.
الوقفة السادسة: الصلاة وزينة الملبس:
1. تعظيماً الصلاة، تأكد التزين لها بالملبس والتطيب وغيرهما قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31].
2. من آداب الصلاة زينة اللباس.(3/97)
3. التجمل من محبوبات الله سبحانه وتعالى فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { إن الله جميل يحب الجمال } [رواه مسلم] وآكد الجمال ما كان عند مناجاة الله سبحانه وتعالى.
4. التبذل ورثاثة الملبس ليست من الإسلام: رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجلاً عليه ثياب وسخة فقال: { أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟ } [رواه أبو داوود وصححه الألباني].
5. اختيار أحسن الثياب لصلاة الجمعة والعيدين ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع ما بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما } [رواه أحمد وصححه الألباني]
6. عمر رضي الله عنه عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم: حُلّة من حرير ليتجمل بها للجمعة ويستقبل بها الوفود.
7. كان عبد الله بن عمر من أطيب الناس ريحاً، وأنقاهم ثوباً أبيض.
8. وكان تميم الداري قد اشترى حُلة بألف درهم ليصلي بها.
9. قال أبو العالية رضي الله عنه: ( كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا ) إذا كانت هذه حالهم عند التزاور فيما بينهم، فهم عند الصلاة أجمل وأبلغ لعظم حق الله.
10. قال الشافعي رحمه الله: ( أُحب ـ الغسل والطيب والنظافة ـ للجمعة والعيدين وكل مجتمع تجتمع فيه الناس ).
11. يروى أن الإمام أحمد رحمه الله من أنقى الناس ثوباً وأشدهم تعاهداً لنفسه وثوبه.
12. سئل إبراهيم النخعي رحمه الله ما ألبس من الثياب، فقال: ( مالا يشهرك عند الناس، ولا يحقرك عند السفهاء )
13. كان الإمام مالك عند جلوسه لدرس الحديث وهي حال كثير من العلماء، ( كان رحمه الله يتهيأ ويلبس ثيابه وتاجه، وعمامته ثم يُطرق برأسه فلا يتنخم ولا يبزق ولا يعبث بشيء من لحيته حتى يفرغ من القراءة إعظاماً لحديث رسول الله ).(3/98)
المرجع: طيب المساجد وزينة الصلاة-محمد بن صالح الخزيم.
ـــــــــــــــــ
عام الحزن
هو العام العاشرمن بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - وسمى بعام الحزن لأنه كان من المظنون بعد انتهاء المقاطعة الجائرة، التى كانت قريش قد ضربتها على النبى - صلى الله عليه وسلم - ومن انحاز إليه أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرورا بين أحب الناس إليه وآثرهم عنده ، وهما عمه أبوطالب وزوجه خديجة رضى الله عنها إلا أنهما قد توفيا فى هذا العام ، وبوفاتهما وفقد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهما سمى هذا العام بعام الحزن.
فقد مات عمه أبو طالب ، وليس يدرى إلا الله كم كان وجده عليه (1)، إذ كان له خير نصير، يدرأ عنه الأعداء، ويجمع من حوله الأقرباء، ويمكنه من العمل لدينه ، على الرغم من وعيد المشركين وتهديد قريش أجمعين ، وكان إذا أذاه قومه قال - صلى الله عليه وسلم - (والله ما أصابنى هذا إلا بعد موت أبى طالب)(2).
ثم جاءت وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها بعد أيام من وفاة عمه ، فانفطر فؤاده - صلى الله عليه وسلم - واشتدت لوعته ، فقد كانت له نعم العشير والنصير مدة خمس وعشرين سنة، فلم يسمع منها كلمة تؤذيه ، ولا رأى منها نظرة تؤلمه ،جاءها خائفا يرجف فؤاده فتلقته باسمة، واستقبلته راضية، ومازالت به حتى أعادت الأمن إلى نفسه ، وعندما أمره ربه أن يدعو إلى دينه كانت أول من دخل فيه ، ولما قاطعته قريش أبت إلا أن تدخل معه شعب أبى طالب ، وكان إذا اشتد عليه قومه وقفت إلى جانبه تربت على صدره ، وتمسح الأسى عن قلبه ، حتى يشتد عزمه ويعود إليه نشاطه.
وليس يدرى إلا الله كيف استطاع النبى - صلى الله عليه وسلم - احتمال فقد عمه ثم زوجه ، ولا كيف احتمل أن يرى زوجه وهو يدخلها قبرها.
مفتقدا نصرتهما له ، ومواساتهما إياه ، من أجل هذا اعتكف - صلى الله عليه وسلم - فى داره وسمى هذا العام الذى فقدهما فيه عام الحزن (3).(3/99)
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
ـــــــــــــــــ
عام الوفود
اصطلاحا: هو العام التاسع أو العاشر الهجرى، على اختلاف فى تحديده ، لأن العامين قد شهدا وفود القبائل إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كانت فى الأول أكثر منها فى الثانى(1).
والحق أن حركة الوفود كانت سابقة على عام الوفود، فلم يكن العام التاسع الهجرى هو الذى بدأت فيه الوفود انطلاقها إلى المدينة، وإنما كان بداية ذلك إثر صلح الحديبية، حيث انطلقت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وفود دوس ومزينة وبنى سعد، وإنما عُدّ العام التاسع أو العاشر الهجرى باعتبار الكثرة.
وقد بلغت هذه الوفود واحدا وثلاثين ،أقبلت إلى المدينة تخطب ود النبى - صلى الله عليه وسلم - وتعلن إسلامها بين يديه ، ومن الأسباب التى من أجلها توافدت تلك الوفود إلى المدينة المنورة، وكثرث فى العامين المذكورين ؛ أن قريشا قد أسلمت فور فتح مكة، وتحطمت الأصنام القائمة حول الكعبة، وتلتها ثقيف ، وبات العرب أمام أمرين للعناد ؛ إما أن يهجروا البيت الحرام فلا يحجون إليه ولا يعتمرون ، وهو ما لا قدرة لهم عليه ، وإما أن يواصلوا الحرب ، وهو ما لا رغبة لهم فيه ، خاصة وأن الجيش الإسلامى عاد من تبوك بعد إرهاب أقوى دول الأرض ، وهى الروم ، والقبائل المنتصرة على تخوم الشام.
وإن تعجب فعجب أن القبائل الآن تحج إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - طالبة رضاه ، معلنة اعتناقها لدينه ،وقد كان يأتيها قبل هجرته فى مواسم الحج والعمرة يدعوها إلى دينه فتأبى، ويطلب منها الحماية حتى يبلغ آمنا رسالة ربه فترفض (2).
وعلى كل حال فقد كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يستمع لكل وفد ويجيبه إلى ما يريده فى إطار الشرع:
ساًله ممثلو ثقيفه ألا يعشروا، ولا يحشروا، ولا يولى عليهم غيرهم ، وأن ترفع الصلاة عنهم ، ولا يهدم صنمهم إلا بعد ثلاث سنين ، فأجابهم إلى الثلاثة الأولى دون الرابع والخامس (3).(3/100)
ومن الوفود من كان يتجاوز حدوده ، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعامل معه بما يردعه وينهنه من غروره.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
ـــــــــــــــــ
عبدة الشيطان
الحبادة الإبليسية عرفتها البشرية منذ القدم بصور مختلفة وليست مجرد ظاهرة تظهر فى بلاد الغرب أو فى الشرق من حين إلى آخر.
ولكى نلقى الضوء على هذه المسألة من بدايتها نقف أمام قول الحق تبارك وتعالى: {إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خيرمنه خلقتنى من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}ص:71-85.
فى هذه الآيات نرى انطلاق الغواية والصراع بين آدم وذريته وبين إبليس وذريته إلى يوم القيامة.
لكن سير الغواية كان فيما أشارت إليه الآيات: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أوتكونا من الخالدين}الأعراف:19-20.
ثم يأتى التعبير القرآنى ليبين نتيجة الغواية: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقرومتاع إلى حين}البقرة:36.
وبعدها تأتى رحمة الله لآدم ولذريته من بعده فى نافذة التوبة: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}البقرة:37.(3/101)
وبقيت غواية إبليس الذى يترصد لذرية آدم إلى أن تقوم الساعة فى أهم مهام بنى آدم وهى العبادة الحقة لله سبحانه وتعالى والاستخلاف وتعمير الكون.
وانطلقت البشرية فى اتخاذ المعبودات المضلة التى نذكر منها: عبدة الشمس وعبدة الأصنام ، وهناك من عبد النار سواء فى الهند أو عند الفرس ومن قدس الأنهار والمياه وعبد الأفعى، وكان القدماء المصريون يقدمون القرابين للنيل من الشابات الجميلات.
كما كانت هناك حيوانات تعبد على أنها آلهة فى ذاتها ولها معابد خاصة مثل العجل "منفيس" والعجل "أبيس" وفى عهد الاغريق دخلت إلى مصر فى عبادة الأبطال من الرجال.
وهناك من عبد الكواكب مثل الصابئة الذين كان لهم أكبر الأثر فى فرقة اليزيدية.
على أن حصر العبادات المختلفة لدى البشرية وغواية إبليس للإنس على مر العصور والحضارات أمر يجل عن الحصر ومن أشهر الطوائف التى عرفت فى العالم الإسلامى هم فرقة "اليزيدية" أو عبدة الشيطان وهم طائفة ينتمى معظمها إلى الجنس الكردى، ويوجد بعض منهم فى إيران ومعظم هذه الطائفة يسكن المدن والقرى ويشتغل بالزراعة إلا أن بعضها لايزال فى طور البداوة ويؤلف قبائل رحالة تدعى "الكوجر".
وترتبط عقيدتهم بطاووس ملك وهو "الشيطان" أو "إبليس" ولهم كتابهم المقدس "مصحف رش" الذى يحتوى على قصة الخلق وعقائد اليزيدية مما حلل أو حرم عليهم.
وعبادة الشيطان مسألة تتجدد وتنمو مع ظهور الفساد والرغبة فى الانطلاق من قيود وضوابط الأديان وهى مسألة تنمو وتزدهر من حين إلى آخر سواء فى بلادنا العربية والإسلامية أو فى الغرب مما يفزع له أصحاب القيم الحريصون المؤمنون بالعقائد والأديان.(3/102)
وهذه العبادة يوجد لها كنائس ورواد وطقوس من كل لون وفن لإغواء الشباب وتلبية حاجاتهم الغريزية بفنون وطقوس وكهنة وحاخامات يزينون لهم هذه الغواية، وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول: {يابنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}الأعراف:27.
أ.د/آمنة محمد نصير
ـــــــــــــــــ
عقوق الوالدين
أولاً : تعريف العقوق : العقوق ضد البر ، وعق الرجل والده أي شق عصا طاعته .
ثانياً : من مظاهر عقوق الوالدين :
1- إبكاء الوالدين وتحزينهما .
2- نهرهما وزجرهما .
3- التأفف والتضجر من أوامرهما .
4- العبوس وتقطيب الجبين أمامهما .
5- النظر إلى الوالدين شزراً .
6- الأمر عليهما .
7- انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة .
8- ترك مساعدتهما في عمل المنزل .
9- الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا .
10- قلة الاعتداد برأيهما .
11- ترك الاستئذان حال الدخول عليهما .
12- إثارة المشكلات أمامهما .
13- ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما ، وذكر معايبهما .
14- شتمهما ، ولعنهما .
15- إدخال المنكرات للمنزل .
16- مزاولة المنكرات أمام الوالدين .
17- تشويه سمعة الوالدين .
18- إيقاعهما في الحرج .
19- المكث طويلاً خارج المنزل .
20- الإثقال عليهما بكثرة الطلبات .
21- إيثار الزوجة على الوالدين .
22- التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر .
23- التبرؤ منهما ، والحياء من ذكرهما ، ونسبته إليهما .
24- التعدي عليهما بالضرب .
25- إيداعهم في دور العجزة والملاحظة .
26- هجرهما وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي .
27- البخل والتقتير عليهما .
28- المنة وتعداد الأيادي على الوالدين .
29- السرقة من الوالدين .
30- الأنين وإظهار التوجع أمامهما .
31- التغرب عن الوالدين دون إذنهما ، ودون الحاجة إلى ذلك .
32- تمني زوالهما .(3/103)
33- قتلهما والتخلص منهما .
ثالثاً : نماذج من قصص العقوق .
رابعاً : أسباب العقوق :
1- الجهل .
2- سوء التربية .
3- التناقض .
4- الصحبة السيئة للأولاد .
5- عقوق الوالدين لوالديهم ، ويرجع ذلك إلى :
أ - أن الأبناء يقتدون بوالديهم في العقوق .
ب - أن الجزاء من جنس العمل .
6- قلة تقوى الله في حالة الطلاق .
7- التفرقة بين الأولاد .
8- إيثار الراحة والدعة .
9- ضيق العطن .
10- قلة إعانة الوالدين لأولادهما على البر .
11- سوء خلق الزوجة .
12- قلة الإحساس بمصاب الوالدين .
خامساً : سبل العلاج .
سادساً : تعريف البر بالوالدين : ضد العقوق ، والأبرار إنما سموا أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء .
سابعاً : الآداب التي تراعى مع الوالدين :
1- طاعتهما واجتناب معصيتهما .
2- الإحسان إليهما .
3- خفض الجناح .
4- البعد عن زجرهما .
5- الإصغاء إليهما .
6- الفرح بأوامرهما وترك التضجر والتأفف منهما .
7- التطلق لهما .
8- التودد لهما ، والتحبب إليهما .
9- الجلوس أمامهما بأدب واحترام .
10- تجنب المنة في الخدمة أو العطية .
11- تقديم حق الأم .
12- مساعدتهما في الأعمال .
13- البعد عن إزعاجهما .
14- تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما .
15- تلبية ندائهما بسرعة .
16- تعويد الأولاد على البر .
17- إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين .
18- الاستئذان حال الدخول عليهما .
19- تذكيرهما بالله دائماً .
20- الاستئذان منهما ، والاستنارة برأيهما .
21- المحافظة على سمعتهما .
22- البعد عن لومهما وتقريعهما .
23- العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به .
24- فهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك .
25- كثرة الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما .
26- برهما بعد موتهما ، بأمور منها :
أ - أن يكون الولد صالحاً في نفسه .
ب - كثرة الدعاء والاستغفار لهما .
ت - صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما .
ث - إنفاذ عهدهما .
ج - التصدق عنهما .(3/104)
ثامناً : الأمور المعينة على البر :
1- الاستعانة بالله عز وجل .
2- استحضار فضائل البر وعواقب العقوق .
3- استحضار فضل الوالدين على الإنسان .
4- توطين النفس على البر .
5- تقوى الله في حال الطلاق .
6- صلاح الآباء .
7- التواصي بالبر .
8- إعانة الأولاد على البر .
9- أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين .
10- قراءة سير البارين والعاقين .
11- استشعار فرح الوالدين بالبر ، وحزنهما بالعقوق .
تاسعاً : بين الزوجة والوالدين :
أ - دور الابن الزوج :
1- مراعاة الوالدين وفهم طبيعتهما .
2- إنصاف الزوجة .
3- اصطناع التوادد .
4- التفاهم مع الزوجة .
ب - دور زوجة الابن .
ت - دور أم الزوج .
عاشراً : نماذج من قصص البر :
1- نماذج من بر الأنبياء .
2- نماذج من بر السلف .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ
ـــــــــــــــــ
علم الطبيعة
لغة: الطبيعة السجية، وهى القوة السارية فى الجسم التى بها يصل إلى كماله الطبيعى(لسان العرب).
واصطلاحا: العلم المختص بتفهم الظواهر الطبيعية التى تحدث فى الكون معتمدا على الملاحظات التجريبية والقياسات الكمية.
وأهم أهدافه استنباط القوانين التى تحكم الظواهر الطبيعية لتطوير نظريات يمكن لها أن تتنبأ بنتائج التجارب ، وتصاغ القوانين الأساسية لهذه النظريات بلغة الرياضيات التى تمثل الجسر الذى يربط بين النظرية والتجربة.
وعندما يظهر تناقض بين النظرية والتجربة الفيزيقية، تنبثق نظريات جديدة وتجارب جديدة لحل هذا التناقض ، وفى هذا دفع للبحث العلمى.
وتنقسم الفيزيقا إلى ستة مجالات ، هى:
1- الميكانيكا التقليدية التى تختص بحركة الأجسام ذات سرعة تقل كثيرا عن سرعة الضوء.
2- النظرية النسبية التى تصف الجسيمات المتحركة بسرعة تقترب من سرعة الضوء.
3- الديناميكا الحرارية وتختص بدراسة تغير درجة حرارة الأجسام على التركيب الداخلى للمواد.(3/105)
4- الضوء ويتضمن الضوء الفيزيقى والضوء الهندسى والظواهر الضوئية المختلفة، وكذلك علم الليزر الذى ظهر حديثا.
5- الكهرومغناطيسية وتتضمن النظرية الكهربائية والمغناطيسية والمجالات الكهرومغناطيسية.
6- ميكانيكا الكم وهى نظرية تختص بسلوك الجسيمات على المستوى بالغ الصغر (دون المجهر).
وتسمى الفيزيقا التى تم تطويرها قبل عام 1900م "الفيزيقا التقليدية".
ومن العلماء الذين أسهموا بجهد كبير فى تطوير هذه الفيزيقا على مر العصور.
كل من العالم العربى المسلم "الحسن بن الهيثم" (357-430هـ/965-1038م) الذى أنجز معظم أعماله فى مدينة القاهرة، وأهمها نظرية الضوء والتفسير الصحيح لعملية الرؤية، وقد تضمن كتابه "المناظر" بحوثا عديدة تعتبر انقلابا فى علم الضوء.
وترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية بعد وفاته بقرنين من الزمان ، وظل هو المرجع الرئيسى لعلم الضوء حتى القرن السابع عشر.
كما أن العالم المصرى القاهرى "ابن يونس" (399هـ/1008م) هو مخترع الرقاص (بندول الساعة) والذى ينسب خطأ للعالم الإيطالى جاليليو (564-1642م) الذى أسهم فى تطويرعلم الميكانيكا التقليدية.
وإذا كان العالم الإنجليزى إسحق نيوتن (1642-1727م) قد صاغ قانون الجاذبية،وقوانين الحركة الثلاث ؛ فإن مفهوم القانون الأول لنيوتن قد ظهر فى أعمال العلماء المسلمين ابن سينا (ت 428هـ-1037م) والرازى (ت 321هـ-924م) وغيرهم.(3/106)
ومن العلماء المسلمين الذين كان لهم دور كبير فى تقدم علم الفيزيقا "الخازن" القرن السادس الهجرى. القرن الثانى عشر الميلادى) الذى وضع كتابا فى الميكانيكا سماه "ميزان الحكمة" وقد سبق العالم تورشيللى (1608-1647م) فى وزنه الهواء، وفى تفسيره بأن حركة الأجسام فى الهواء لها قوة رافعة كالسوائل ، كما قام الخازن بقياس كثافة كثير من العناصر والمركبات بدرجة من الدقة لم يصل إليها علماء القرن الثامن عشر كما أوضح أن سقوط الأجسام إلى الأرض ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام فى اتجاه مركز الأرض ، وهذا هو قانون الجاذبية الذى ينسب إلى نيوتن.
وبنهاية القرن التاسع عشر بدأت الفيزيقا الحديثة فى الظهور، وسبب ظهورها هو قصور الفيزيقا التقليدية عن تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية التى تم كشفها، مثل تفسير حركة الجسيمات بسرعة تقترب من سرعة الضوء، والذى فشلت قوانين نيوتن فى تفسيرها، فظهرت النظرية النسبية للعالم ألبرت أينشتين (1879-1955م) لتوضح هذا التفسير،كما توضح أن سرعة الضوء فى أقصى سرعة فى الكون ، وكذلك تحدد العلاقة بين الكتلة والطاقة.
وقد فشلت الفيزيقا التقليدية أيضا فى تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية مثل سلوك الذرات والجزيئات والأنوية، فظهر علم ميكانيكا الكم على أيدى مجموعة من العلماء منهم نيلزبور(1885-1962م) وشرودنجر (1887-1961م) وهيزنبرج (1901-1976م).(3/107)
وتعتمد هذه النظرية على مبدأ عدم الحتمية الذى صاغه هيزنبرج ، ويتمثل فى استحالة حساب سرعة جسيم مع تحديد مكانه بنفس الدقة، كما تعتمد على اعتبار أن الجسيم الدقيق يمكن أن يسلك سلوك الموجات ومنه ظهرت معادلة شرودنجر الشهيرة التى تصف حركة الجسيمات عن طريق دراسة الموجات المصاحبة لها. وبحل هذه المعادلة يتم التوصل إلى الوصف الدقيق للذرة ومكوناتها ، وهى النواة الموجبة والإلكترونات السالبة الشحنة، والتى تتحرك على مسافة بعيدة عن النواة -رغم ارتباطها بها- حتى لا تتلاشى الشحنات ، وتتركب النواة من جسيمات البروتون والنيوترون التى تتماسك بقوة هائلة.
وقد ظهرت اشعة الليزر عام 1960 وهى عبارة عن تكبير للضوء ناتج عن إثارة عدد كبير من ذرات عناصر معينة -مثل الهليوم والنيون- والتى عندما تعود إلى حالتها الطبيعية تنطلق هذه الأشعة، واليوم أصبح لها تطبيقات فى معظم فروع العلم والصناعة والطب.
ويمكن تلخيص علم الفيزيقا بأنه يتناول دراسة القوى الأساسية فى الكون وهى كالآتى:
1- القوى النووية القوية: وهى التى تربط بين دقائق النويات (البروتون والنيوترون).
2- القوى النووية الضعيفة: وهى القوى الناتجة عن إشعاع الجسيمات الدقيقة (بيتا) والأشعة (جاما) والجسيمات غير الدقيقة (ألفا) من العناصر المشعة مثل (اليورانيوم).
وتستخدم هذه المصادر فى الطب والصناعة.
3- القوى الكهرومغناطيسية: وهى قوى التجاذب بين الشحنات المتضادة والتنافر بين الشحنات المتشابهة.
4- القوى التثاقلية: وهى الناتجة عن تجاذب الأجسام مثل الأرض والشمس أو الأرض والقمر، وينتج عنها استقرار الحركات الدورانية للكواكب والتوابع.
ومن العلماء المسلمين الذين أسهموا فى تطوير علم الفيزيقا الحديثة العالم الباكستانى عبد السلام (1926-1994م) الذى قام بتوحيد القوى النووية الضعيفة والقوى الكهرومغناطيسية لتصبح مجالا موحدا، وقد نال جائزة نوبل فى الفيزيقا عام 1979م عن نظريته تلك.(3/108)
والعالم المصرى أحمد زويل الذى نال جائزة نوبل عام 1999م بعد أن اكتشف وحدة قياس جديدة لقياس الزمن المتناهى فى الصغر.
أ.د/على حلمى موسى
ـــــــــــــــــ
علم الفلك
لغة: المدار الذى يسبح فيه الجرم السماوى.
واصطلاحا: يتناول دراسة المجرات البعيدة والمذنبات ، والشهب والنيازك والنجوم والكواكب أو مجموعات النجوم ويبحث فيه الفلكيون عن جوهر الكون مستخدمين أعينهم أو المنظار الثنائى أو التلسكوب أو سفن الفضاء.
ويتميز علم الفلك بأنه العلم الذى ليس له حد يفصل بين الهواة والمحترفين ، بل إنه فى أحيان كثيرة تكون لمعلومات الهواة فائدة كبرى للفلكيين فى أبحاثهم.
وبالنظر إلى مجموعات النجوم فى الفضاء، نجد أن كل مجموعة لها حدود ونجوم متألقة ونجوم أقل تألقا ونجم كبير.
والآن يتعرف الفلكيون على 88 مجموعة فى السماء تقع 44 منها فى النصف الشمالى للسماء، و 44 فى النصف الجنوبى.
وعلى مر العصور كان للثقافات المختلفة اهتمامات بمجموعات نجوم خاصة بها.
وللتعرف على هذه المجموعات يجب النظر إلى السماء عندما يكون القمر محاقا، ومع استمرار التحديق فى أى مجموعة نلاحظ حركتها من الشرق إلى الغرب نتيجة لدوران الأرض حول محورها.
وعندما ننظر إلى السماء تظهر لنا على هيئة نصف كرة ولكنها فى الحقيقة كرة كاملة، تسمى القبة السماوية وتحيط بالكرة الأرضية ويظهر لنا القمر والنجوم والكواكب والمجرات وكل ما هو موجود فى الكون كأنه متصل بهذه القبة السماوية. وكما يتم تحديد الأماكن على سطح الأرض بخطوط الطول والعرض يتم تحديد مواقع الأجسام السماوية بعنوان مشابه ، وهما خط الطول وزاوية السمت. ونظرا للعدد الهائل للنجوم ، فإنه من الصعب جدا إيجاد المسافات بينها، ولكن أقصى ما يمكن عمله هو إيجاد المسافات بين أنواع مميزة من النجوم ، أو المسافات التى تفصل بين النجوم فى منطقة صغيرة، فإذا جمعنا هذه البيانات أمكن وضع تصور قريب من الواقع لأبعاد الكون.(3/109)
وقد بدأ اهتمام الإنسان بعلم الفلك منذ خلقه الله ، وقد قام بملاحظة القمر منذ فجر التاريخ وأحيانا كان يقدسه وأحيانا يدرسه ،ومنذ عام 1969 بدأ يمشى على سطحه كما قام بجمع عينات من حجارته.
ولقد كان للعرب والمسلمين دور كبير فى تقدم علم الفلك ، إذ كانت بعض مسائله مما يطالب المسلم بصرفتها كأوقات الصلاة التى تختلف بحسب الموقع ، وتتغير من يوم إلى يوم ، وفوق ذلك فاتجاه المسلمين إلى الكعبة فى صلواتهم يستلزم معرفتهم سمت اتجاه القبلة وكذلك هلال رمضان وأحكام الشريعة والصوم.
وبدأ اهتمام العرب والمسلمين بترجمة كتب الفلك فى العصر الأموى بدءا بكتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم ، ثم بعد ذلك كتاب السند هند الكبير الذى اختصره الخوارزمى (توفى عام 232هـ/846م) فيما بعد وكتاب الأربع مقالات فى صناعة أحكام النجوم لبطليموس الذى نقله أبو يحيى البطريق (توفى عام 200هـ/815م) ، وكتاب المجسطى لبطليموس والذى شارك فى شرحه ونقله وإصلاح أغلاطه عدد من الفلكيين العرب مثل النيريزى (توفى عام 310هـ-922م) والبوزجانى (توفى عام 388هـ-998م) والبيرونى (توفى عام 440هـ-1048م) والطوسى (توفى عام 672هـ-1274م) والشيرازى (توفى عام 710هـ-1311م) ، ثم بعد ذلك أسهم علماء الفلك العرب بمؤلفاتهم القيمة مثل: "ماشاء الله" الذى ألف فى الإسطرلاب ودوائره النحاسية و"يحيى بن ابى منصور" الذى وضع زيجا (جدولا) فلكيا مع "سند بن على". وفى عهد الخليفة المأمون ألف "موسى بن شاكر" و "أحمد بن عبدالله بن حبش" أزياجا (جداول) فى حركات الكواكب.
وقد قام علماء الفلك فى عهد المأمون بتقدير محيط الأرض وتوصلوا لقيمة تقترب من القيمة الحقيقية، كما وضع البيرونى نظرية بسيطة لتقدير محيط الأرض ، ودقق الفلكيون العرب فى حساب طول السنة الشمسية، وأخطأوا فى حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية ويعود سبب الخطا إلى اعتمادهم على أرصاد بطليموس.(3/110)
وقد توصل البتانى (توفى عام 317هـ/929م) إلى تقدير بعد الشمس عن الأرض بأنه يساوى 1070 مرة، مثل نصف قطر الأرض وهذه النتيجة قريبة من القيمة الحقيقية.
وقد وضع الصوفى (توفى عام 376هـ/986م) جداول دقيقة لبعض النجوم الثوابت ، وكان أول من أشار فى عام 964م إلى التجمع النجمى أندروميدا ، ووصفه بأنه سحابة صغيرة، وظلت هذه الحقيقة قائمة حتى وضع عالم الفيزيقا المعاصر واينبرج أفكاره عن الثلاث دقائق الأولى فى عمر الكون عام 1977م.
ويمكن تلخيص فضل العرب والمسلمين على علم الفلك ، بأنهم نقلوا الكتب الفلكية عن اليونان والفرس والهنود والكلدان والسريان ، وصححوا بعض أغلاطها وتوسعوا فيها، وهذا عمل جليل لا سيما إذا عرفنا أن أصول تلك الكتب قد ضاعت ، ولم يبق منها غير ترجماتها العربية، وعن هذه الترجمات نقل الأوربيون أصول علم الفلك ، كما هى وقد أضاف العرب اكتشافات قطع بها علم الفلك شوطا كبيرا، ويذكر أن نصف أسماء النجوم هى من وضع العرب ولاتزال مستعملة بلفظها العربى فى اللغات الأجنبية. كما يشهد للعرب أنهم جعلوا علم الفلك علما استقرائيا يعتمد على المشاهدات ، كما أنهم قد طهروا علم الفلك من أدران التنجيم.
وقد تطور علم الفلك فى عصر النهضة (لقرون 15-17) تطورا كبيرا. فقد كان العلماء فى التاريخ القديم (منذ بطليموس فى القرن الثانى الميلادى) يعتبرون أن الأرض مركز العالم ، ويقول علماء الغرب أن هذا الاعتقاد ظل سائدا لمدة أربعة عشر قرنا حتى اقترح الفلكى البولندى "كورنيقوس" 1473-1543م) أن الأرض والكواكب تدور فى مسارات دائرية حول الشمس ، ثم قام الفلكى الدانيمركى "تيكوبراها" (1546-1601م) بإجراء قياسات فلكية على مدار عشرين عاما كانت الأساس الذى بنى عليه نموذجا للمجموعة الشمسية.(3/111)
وبعد ذلك قام الفلكى الألمانى "تبلر" (1571-1630م) بوضع قوانينه الثلاثة لشرح الحركة الكوكبية، وفى عام 1929 توصل العالم الأمريكى هارلوشيبلى (1885-1972) إلى أن شكل المجرة مفلطح ، وتشبه ساعة المعصم ، وتحتوى على النجوم والسديم والسحب النجمية، وأن الشمس والكواكب لا تقع فى مركزها، وأن رحلة الضوء من مركز المجرة فى اتجاه حدودها حيث الشمس والنجوم المرئية تبلغ أكثر من خمسين ألف سنة.
وفى عام 1977 نشر عالم الفيزيقا ستيفن واينبرج (1933) الحائز على جائزة نوبل فى الفيزيقا كتابا بعنوان الدقائق الثلاث الأولى يشرح فيه فكرة أصل الكون القائمة على أساس نموذج الانفجار العظيم ، المبنى على عدد كبير من نتائج التجارب العملية الفيزيقية المختلفة، كما تعتمد الفكرة على أن الكون فى تمدد مستمر.
وكان الفلكى توماس رايت ، قد قال عام 1750م: "منذ أن كانت الخليقة فإن الخالق نفسه يتجلى فى كل ما حولنا فإننا نستطيع أن نقرر أن هناك 170 مليون عالم مسكون فى مجرتنا. فى هذا الخلق الكونى العظيم فإن كارثة عالم مثل عالمنا أو حتى الاختفاء التام لعدد من النظم الكونية قد يكون ممكنا لمؤلف الطبيعة العظيم تماما كإمكانية حدوث حادث لحياة أحدنا".
وقد ذكر العالم الباكستانى محمد عبدالسلام أنه أنهى حديثه عند استلامه جائزة نوبل فى الفيزيقا بالآيتين التاليتين:
قال تعالى: {الذى خلق سبع سماوات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}الملك:3،4.
أ.د/على حلمى موسى
ـــــــــــــــــ
عمارة الأرض
لغة: عُمر المنزل بأهله كان مسكونا بهم ،فهو عامر، وعمَّر الأرض: بنى عليها وأهلها، واستعمره جعله يعمره ، والعمارة نقيض الخراب ، كما فى الوسيط (1).(3/112)
واصطلاحا: نسبة إلى التعمير والعمران ، بمعنى استمرارية الوظيفة الإنسانية العامة للإنسان ، الذى حمل الأمانة عندما استخلفه الله سبحانه وتعالى فى الأرض كى يعمرها ويستخرج ما فيها بجهده وعمله ، لتنعم بخيراتها الأجيال اللاحقة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها يقول الله فى كتابه العزيز {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة}البقرة:30 ، ويقول سبحانه {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}هود:61 ، كما يقول {ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعدهم}يونس:14.
ويتضح من هذه الآيات الكريمة كما ذهب الإمام ابن حزم الأندلسى أن حكم الإنسان وخلافته هما حكم من الله -جلت قدرته- الذى حكم وقضى بإستخلاف الإنسان فى إقامة العمران ، والنهوض بتكاليفه التى يعمر بها الكون ؛ لتتحقق المصلحة الاجتماعية على الوجه المقرر شرعا {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}الشورى:13 ، وكان الدين بذلك سائدا للعمران ، وبين الاثنين تقوم علاقة أشبه ما تكون بالعلاقة الجدلية فى إطار الدين ترقى بالإنسان وبوضعه.
ويقدم الإسلام أروع صورة لعمارة الأرض فى ظل ثقافة التوحيد لله والاستخلاف للإنسان ، فى داخل إطار المشروعية العليا الإسلامية، ألا وهى العدل المستمد من التوحيد فلقد شاءت إرادة الخالق عندما خلق الكون وسخره للإنسان {وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا}الجاثية:13 ، أن يحدد الطريق لإعمار الأرض ضمن إطار من الأحكام:
فهناك الأحكام المتعلقة بالضرورات وهذه ثابتة لا تتغير، والأحكام المتعلقة بالحاجيات كرفع المشقة، وبالتحسينات الملائمة للذوق ،وهذه شديدة المرونة على حسب الأحوال ،وأرسى بذلك قواعد النظام الاجتماعى فى المجتمع المسلم ، ليكون هديا لبنى الإنسان فى كل مكان وزمان.(3/113)
وليس من شك فى أن عبادة الله هى الأصل والأساس إذ يقول سبحانه وتعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}الذاريات:56. ولكن العبادة المقصودة بحكم النص القرآنى أن الإنسان العابد لابد أن يكون عاملا منتجا، باعتبار أن العمل الجاد هو السبيل لإسعاد الفرد والجماعة، وفى هذا يقول سبحانه {الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}الحج:41.
كما يقول {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين}القصص:77 ، ويقول {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}الجمعة:10.
وكما أن الدين دعوة للتراحم والمودة فإنه كذلك دين وسط يدعو للعمل والإنتاج ، ليعمر الكون ، ويعيش الإنسان فى خير وسعادة عندما يعمر نور الإيمان قلبه ، ويحصن نفسه ويهذب أخلاقه ، فيحيا فى عمله فالله سبحانه وتعالى يقول {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}التوبة:105 ويقول {ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا}المائدة:87 ، وليس أبلغ من هذا موازنة بين المادة والروح وبين الدين والدنيا ، فكما أن الالتزام العام بفروض الكفاية يؤدى إلى التضامن بين أبناء الأمة، كذلك فإن الإنسان بالعمل يكون قدوة للآخرين فقد روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده) رواه البخارى.
فليس فى الإسلام دعوة إلى الرهبنة أو نكران للمتع الحلال المباحة، وإنما هو دعوة صريحة للعمل الذى يتحقق به الإعمار الذى يعود بالخير على العالمين.
أ.د/محمود أبوزيد
ـــــــــــــــــ
غار حراء(3/114)
لغة: بيت منحوت فى الجبل ، فإذا اتسع كان كهفا كما فى اللسان(1).
اصطلاحا: هو البيت الذى كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يثحنث فيه الليالى ذوات العدد من رمضان فى الجبل ، قبل هبوط الوحى عليه ، والذى نزلت فيه الآيات الأولى من القرآن، وكان يسمى حراء فى الجاهلية، ثم سمى جبل النورفى الإسلام.
والسبب فى تغير التسمية هو أن جبريل عليه السلام نزل فيه على محمد صلوات الله وسلامه عليه مخبرا إياه أن الله تعالى قد اختاره خاتما للمرسلين ونبيا للإنس والجن أجمعين ، فانبثاق هذا النور منه هو السبب الذى من أجله عدل الناس عن إطلاق لفظة حراء إلى لفظة نور.
يقول العلماء إن العرب فى الجاهلية كانوا يجلون رمضان ، ويأوون فيه إلى الكهوف والغيران ، لتقديس الله بعيدا عن الناس وما هم منغمسون فيه من شواغل النفس وهموم العيش ، ومن أجل هذا كان محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا أقبل رمضان أعدت له زوجه خديجة رضى الله عنها الزاد والماء، وآوى إلى غار حراء، فأقام فيه ما شاء الله مفكرا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء، باحثا عن الطريق الذى إذا سلكه خلص الناس من الشرك وهداهم إلى الحق.
وكانت إقامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى هذا الغار تزداد من سنة إلى سنة، حتى إذا لم يبق على اصطفائه سوى ستة أشهر، أخذت تظهر
عليه علامات لم تكن تظهرعليه من قبل(2).
منها:
1- طول الإقامة فى الغار.
2- لم يكن يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
3- لم يكن يمرعلى صخرة ولا شجرة إلا صلت عليه(3).
حتى جاءه الروح الأمين وكان قد بلغ أشده ، وبلغ الأربعين من عمره ، وأنزل عليه الآيات الأولى من سورة العلق وهى قوله سبحانه: {اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}العلق:1-5.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
ـــــــــــــــــ
غريب القرآن(3/115)
لغة: يقال غرب الكلام غرابة: غمض وخفى، فهو غريب والجمع غرباء، وهي غريبة، والجمع: غرائب ، والغريب: غير المعروف والمألوف كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد منه من ألفاظ القرآن الكريم أو غيره.
وليس المقصود هنا الغرابة بالمعنى الذى عده علماء البلاغة عيبا مخلا بفصاحة الكلمة ذاهبا بفصاحة وبلاغة ما يشتمل عليه من كلام ، والذى عرفوه بكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، بحيث لا ينتقل ذهن العربى الخالص العروبة إلى معناها بسهولة، أو كونها غير مأنوسة الاستعمال فى
المعنى المراد منها لدى خلص العرب ، بحيث يحتاج تخريج الأمر فيها إلى وجه بعيد(2).
لأن فصاحة الكلام فضلا عن بلاغته متوقفة لامحالة على فصاحة كل كلمة منه ،والقرآن الكريم قد انتهى من البلاغة إلى حد الإعجاز.
وفى ذلك يقول السعد التفتازانى -يرحمه الله-مدافعا عن اشتمال القرآن على كلمات غير فصيحة فيقول فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح ، بل على كلمة غير فصيحة إنما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا(3).
وترتيبا على ما سبق لا يصح بحال ما رواء المتساهلون من الأخبار المؤذنة بجهالة الجماهير من الصحابة لمعانى بعض ألفاظ القرآن ، لأنهم عرب خلص ، وما كانت لتفوت الحمية العربية ولا سيما لدى أهلها أعداء الدين والقرآن فى عصره مطعنا يوجهونه إلى القرآن فى مقتل.
نعم قد يجر العجل الذى خلق منه الإنسان إلى عدم تبصر فى سياق أو تدبر فى قرينة تستوجب الحمل على مجاز، فيقع خطأ الفهم من بعضهم حتى يستبين النبى - صلى الله عليه وسلم - فيبينه له ،كقصة عدى بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود(4) وقصة عائشة في الحساب اليسير(5).(3/116)
وقد يتعنت من سفه نفسه من كفرة العرب تلقاء لفظ من ألفاظ القرآن المجيد فينكر ما فى حقيقته من البيان والهدى، فما يلبث القرآن أن يفضح أمره ببيانه الحاسم أن حقيقة أمر اللفظ معلومة للكافة كقصتهم مع لفظ الرحمن ،(6) وقصتهم مع شجرة الزقوم(7).
وقد بدأت أولى خطوات شرح الغريب والحديث عنه مبكرة في العهد المكى لنزول القرآن متمثلة فى بيان القرآن ذاته تارة، وبيان النبى - صلى الله عليه وسلم - بسنته تارة أخرى، ونتبين من ذلك أن الغريب هنا يراد منه ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد من ألفاظ القرآن الكريم أومن سنة النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم اتسعت خطوات الحديث عن الغريب وشرحه بعد عهد النبوة فى عصر الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم ، فكلما طال بالناس زمان احتاجوا إلى المزيد من البيان ، نظرا لكثرة الفتوحات ودخول الكثير من غير العرب فى الإسلام ، واختلاط العرب بهم ، حتى سرت اللكنة إلى اللسان العربى،
وذهب من العرب الخلص ، وجاء المولدون ، بحيث احتاج أكثر ما كان بينا بنفسه إلى البيان ، لحصول الجهل به ، لا نقول للعامة فقط بل سرى الكثيرمن ذلك إلى بعض الخاصة أيضا.
وهكذا دعت الضرورة إلى تصنيف كتب النحو والصرف والبلاغة ومعاجم اللغة الشارحة لمتنها ، والمصنفات الشارحة لفقهها، وكان من بين ذلك بطبيعة الحال ، ونظرا لفرط رعاية الأمة بقرآنها أن أفردته المصنفات العديدة فيما يختص بغريب القرآن.
ويضاف إلى هذه الضرورة أن بيان اللفظ القرآنى قد لا يتوقف على معرفة حقيقة اللغة فحسب ، بل قد يكون الحمل على الحقيقة اللغوية فيه من أفسد الفسادة أرايت لو حمل حامل لفظ مبصرة فى قوله تعالى {وآتينا ثمود الناقة مبصرة}الإسراء:59 ، علي حقيقته ولم ينظر إلى السياق والقرآئن المضطرة اضطرارا للصرف إلى المجازى كم يقع فى الفساد والباطل.(3/117)
فمن ثم كانت الضرورة -من أكثر من وجه- إلى وضع المصنفات المفردة المختصة بهذا اللون من علوم القرآن ، فأفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون كما قال السيوطى(8).
وأمثل ما بأيدى الناس منها اليوم كتاب "المفردات فى غريب القرآن" للحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهانى المتوفى سنة (50هـ/1108م) على ما اختاره الزركلى فى الأعلام.
يقول الراغب في مقدمته عن سبب تصنيفه لكتابه: "وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن: العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معانى ألفاظ القرآن في كونه أوائل لمن يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللبن فى كونه أول فى بناء ما يريد أن يبنيه ، ليس ذلك نافعا فى علم القرآن فقط بل هو نافع فى كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هى لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء فى أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء فى نظمهم ونثرهم ، وماعداهما وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لباب الحنطة.
ولمجمع اللغة العربية بمصرمصنف نفيس فى هذا الباب فى مجلدين تحت اسم "معجم ألفاظ القرآن الكريم" استرشد فى طريقة وضع الألفاظ فيه بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
هذا بالإضافة إلى جميع كتب التفسير، فما من كتاب فى التفسير إلا ويعنى صاحبه بشرح الغريب مبسوطا كان المصنف أو متوسطا أو موجزا.
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن خليفة
ـــــــــــــــــ
غزوة الأحزاب-مواقف وعبر
مقدمة:
- بعد غزوة أحد أظلت المدينة سحابة حزن لفقد الأحبة شهداء في سبيل الله.
- لم يكن ذلك الهدوء الذي أظل المدينة إلا بداية لتحزب الأحزاب من ملل الكفر والشرك، يتحينون الفرص ويسابقون إلى العداوة!(3/118)
- قال تعالي : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [البروج:10].
- في السنة الخامسة للهجرة خرجت شرذمة من اليهود نحو كفار مكة ليحرضوهم على غزو المدينة. ومحاولة استئصال شأفة الإسلام.
- خرج الرهط بعد ذلك يحمل الحقد والكراهية للمسلمين نحو غطفان ليكتمل عقد الأحزاب.
- تداعت الجموع فخرجت من الجنوب قريش وكنانة وأهل تهامة. ووافاهم بنو سليم وخرجت من الشرق قبائل غطفان وكذلك خرجت بنو أسد.
- اتجهت الأحزاب الكافرة صوب المدينة حتى تجمع حولها جيش يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل! جيش يزيد عدده على سكان المدينة رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً!
- كان الصحابة في جوع شديد، وبرد وزمهرير، وعدة قليلة.
- اجتمع الأحزاب حول المدينة لسبب واحد لا غير قال تعالي : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة:217].
في هذا الكرب الشديد انقسم أهل المدينة إلى قسمين:
1- قسم آمن بوعد الله وصدق بنصر رسالته.
- قال تعالى: { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } [الأحزاب:22].
- فقاموا للقتال وقدموا المهج والأرواح وبذلوا الأسباب بحفر الخندق وحراسة المدينة ليل نهار مع ما أصابهم من الجوع والفاقه.
- كان طعام الجيش قليلاً من الشعير يخلط بدهن سنخ متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه لفرط الجوع، وأحياناً لا يجدون سوى التمر وقد يلبثون ثلاثة أيام لا يذوقون طعاماً!
- وكان أشد أمر عليهم نجم النفاق وفشل الناس وعظم البلاء واشتداد الخوف وخيف على الذراري والنساء فقد أحاطوا بالجميع وادلهم الخطب بالأمة قال تعالى: { إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } [الأحزاب:10].(3/119)
- كان النبي في هذا الوقت العصيب يبشرهم بأمر عظيم!
- قال البراء: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول ، فجاء وأخذ المعول فقال: { بسم الله، ثم ضرب ضربة، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر إلى قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: الله أكبر، أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتح اليمن، والله إني لأبصر صنعاء من مكاني }.
- النبي يبشر ويرفع من عزائم الصحابة وكان أحدهم من شدة الجوع يرفع عن بطنه الحجر فرفع رسول الله عن بطنه الشريف فإذا عليه حجران!
2- أهل النفاق وضعفاء النفوس.
- الذين أثّر فيهم الإرجاف فقد تزعزعت قلوبهم وانخلعت صدورهم لرؤية الجموع والعدد والعدة { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً } [الأحزاب:13].
- قال المنافقون في ما بشر النبي من خزائن كسرى وقيصر: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، وقالوا تنصلاً من الجهاد وهرباً منه: { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً } [الأحزاب:113].
النبي - صلى الله عليه وسلم - ينشغل وأصحابه بمقارعة العدو.(3/120)
- اشتغل النبي وأصحابه بمقارعة العدو وأخذ العدة وحفر الخندق حتى فاتت المسلمين بعض الصلوات، ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش، فقال: يا رسول الله! ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { والله ما صليت } وقد أهم النبي فوات الصلاة فدعا عليهم { ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس }.
- بقيت الساعات العصيبة أياما وليال وزادها سوءاً نقض بني قريظة العهد مع الرسول فاكتمل عقد الأحزاب حول المدينة الصامدة!
- لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدر بني قريظة تقنع بثوبه واضطجع ومكث طويلا حتى اشتد على الناس البلاء ثم نهض يقول: { الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره }!.
- سعى النبي لمجابهة الظرف العصيب وأن يفرق جمعهم فأراد أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة حتى ينصرفوا وتخف الوطأة على المسلمين فيلحقوا بقريش الهزيمة.
- استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ وسعد بن عباده رضي الله عنهما في الأمر، فقالا: يا رسول الله؛ إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً لله وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعزنا بك تعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف. فصوب رأيهما وقال: { إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة }.
- كان النبي في تلك الأيام الصعبة يبعث الحرس إلى المدينة لئلا تؤتى الذراري والنساء على حين غرّه!(3/121)
- كان الأمر مهولاً والأحزاب تسمع أصواتهم، والنبال تصل إلى خيل المسلمين! وقد وصف الله عز وجل تلك الساعات العصيبة بوصف عجيب كأن العين تراهم، فقال تعالى: { وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً } [الأحزاب:10- 11].
- لما أمر الله عز وجل بانجلاء الغمة وتفريج الكربة صنع أمراً من عنده، خذل به العدو وهزم جموعهم وفل حدهم، وساق نعيم بن مسعود للتفريق بينهم! والنبي يرفع يديه إلى السماء { اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم } وكان المسلمون يدعون ربهم "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا".
- استجاب الله الدعاء وبلغ الأمل وأذن بالنصر، وأرسل جنوداً من الرعب والريح قلبت قلوبهم وقدورهم، وقوضت قوتهم وخيامهم ودفنت رحالهم وآمالهم، فلم تدع قدراً إلا كفأتها ولا طنباً إلا قلعته! ولا قلباً إلا أهلعته وأرعبته.
- بعد معركة الأحزاب أزفت البشائر وأشرقت المدينة، بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم }.
خاتمة:
- في اجتماع الأحزاب في أزمنة متفرقة ومرات عديدة خلال العصور، حكمة بالغة في الرجوع إلى الله، وصدق التوكل عليه، والإنابة والذل وإظهار الحاجة، وبذل الغالي لهذا الدين، قال تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة:32].
- قال ابن القيم رحمه الله: "ومن ظن إزالة أهل الكفر على أهل الإسلام إزالة تامة فقد ظن بالله السوء".
- على مر العصور وتقلب الدهور النصر للمؤمنين لكن الأمر مشروط بشروطه، ومقيد بقيوده قال تعالى: { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:17].(3/122)
المرجع:غزوة الأحزاب - مواقف وعبر -عبدالملك القاسم-دار القاسم.
ـــــــــــــــــ
فتح مكة
جاء فتح مكة تحقيقا للبشارة التى جاءت فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة الفتح: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وماتأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا}آية:1-3.
ونزلت هذه السورة الكريمة وهو فى طريق عودته - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية بعد أن عقد مع قريش صلح الحديبية فى العام السادس من
الهجرة فبراير 628م وتبعا لهذا الصلح التحقت خزاعة بالمسلمين ، والتحق بنو بكر بقريش ، وحدث صراع بين خزاعة وبنى بكر ساعدت قريش بنى بكر وطلبت خزاعة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - المساعدة بناء على ما جاء فى اتفاق الصلح.
كان الحال فى مكة انذاك مختلفا عن ذى قبل فقد اتسع نفوذ المسلمين شمالا وجنوبا وأحاط بمكة مما هدد تجارة قريش ، وأهل مكة أنفسهم أحسوا بالخجل لأن أكثر العرب دخلوا الإسلام ولكن أهله بمكة بقوا على الشرك ، ونشأ جيل جديد فى مكة سمع بالإسلام منذ نعومة أظفاره فلم تتعمق عبادة الأصنام فى نفسه.
وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - شديد الحرص على دخول مكة دون قتال كما أن أهل المدينة معظمهم هاجروا إليها من مكة، لو حدث قتال سيكون فيه قطع لصلة الأرحام ، ولذلك أعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدته لفتح مكة دون قتال ،فخرج من المدينة سرا بجيش كبير،ولم تحس قريش بهذه الحركة إلا بعد وصول المسلمين إلى مشارف مكة، وكان ذلك فى العاشر من رمضان سنة 8هـ.(3/123)
وحينئذ خرج أبو سفيان زعيم مكة ليحاول النجاة لأهله فالتقى بالمسلمين فى المكان الذى عسكروا فيه ، ورفض الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقابلته أول يوم ليفت فى عضده ، وفى صباح اليوم التالى قابله ، وفى هذا اللقاء آمن أبو سفيان بالله ورسوله وعاد إلى مكة، بعد أن شاهد عظمة قوات المسلمين ، يحمل لأهلها اليأس من المقاومة والأمان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يطمئنهم على حياتهم وجاء تأكيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أن يبعد كل نزعة إلى الحرب ، ويبعد كل متطرف ولو كان من المقربين ، فلقد سمع سعد بن عبادة، حامل راية الأنصار يقول: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة ،اليوم أذل الله قريشا" ولما علم الرسول الكريم بهذا قال: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعزالله قريشا).
وجاء تعبير"يوم المرحمة" عن فتح مكة قمة آداب الجهاد فى الإسلام ، وتطبيقا عمليا منه عليه السلام بأن الجهاد فى الإسلام يختلف عن كل صور القتال والحرب اختلافا ظاهرا جليا منذ البداية وحتى النهاية.
ثم توج عليه أفضل الصلاة والسلام هذا بالعفو الشامل ، الذى مازال التاريخ يردده ،ليس فى العالم الإسلامى فحسب ، بل وتردده كل الدنيا على مر العصور، حين قال: {يا معشر قريش ماترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال رسول الله: اذهبوا فأنتم الطلقاء}.
أ.د/إبراهيم أحمد العدوى
ـــــــــــــــــ
فقه الحركة-الأصول والمقدمات-
مقدمة:
• الحركة الإسلامية المعاصرة تعاني من العجز الشديد في الأبحاث الفقهية التي تعالج المشكلات التي تفجرها تحديات الموقف الحركي ومفاجآته.
تعريف فقه الحركة:
يعرف المؤلف فقه الحركة بقوله: هو ضبط المواقف الشرعية العملية التي يتوجب على العاملين اتخاذها أو البناء عليها خلال مواجهاتهم المتعددة مع القوى المعادية للإسلام وللدعاة إلى الله.
الفرق بين فقه الحركة وفقه المعاملات:(3/124)
• فقه الحركة أكثر خصوصية من فقه المعاملات، ذلك أن فقه المعاملات يتعامل مع واقع معرض للتحول والتحرك بينما فقه الحركة يتعامل مع واقع متحرك بالأصالة والسكون فيه هو العارض.
• فقه الحركة تضيق به دائرة النصوص المباشرة إلى حد بعيد ويكون المجال فيه عند الاستدلال للمقاصد والروح والاستقراء.
ميزات فتاوى فقه الحركة:
• أن أهم ما يميز فتاوى فقه الحركة أنها لحظية ترتبط بموقف معين غير قابلة للتعدية إلى مكان أو زمان آخر لأنه من غير الممكن أن تتكرر الإشكالات الشرعية الحركية بنفس خصوصياتها ومؤثراتها وتوازناتها.
أمثلة من السيرة النبوية:
1. ما روى الإمام البخاري من حادثة مقتل كعب بن الأشرف اليهودي الحاقد. حيث قال صلى الله عليه وسلم: من لكعب بن الأشرف؟ فقام محمد بن مسلمة وقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: نعم. قال: فأْذَن لي أن أقول شيئاً. قال: قل.
فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يأذن لمحمد بن مسلمة أن يقول فيه ما لا يليق عند كعب بن الأشرف كي يتمكن منه ويقتله ويحقق المصلحة للمسلمين.
2. روى ابن إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توجه إلى الطائف فاتحاً اعتصمت ثقيف بحصونهم المنيعة فضرب حولهم الحصار، فلما طال الحصار واستعصى الفتح نصب لهم المنجنيق فكان أول من رمى بالمنجنيق يوم الطائف.
ومن المعلوم أن رمية المنجنيق لا تتخير من تصيبه، وعلى ذلك قد يؤدي هذا الرمي إلى إصابة نفر غير مشاركين بالقتال كالنساء والأطفال والشيوخ والعجزة، ولكن إحراجات الموقف واستعصاء الحصن استدعى ذلك.
خاتمة:
• أن الاجتهادات الحركية لابد أن تكون متحركة من خلال منهج مضبوط وفق الأصول المستقرأة من رسالة الإسلام ومقاصده، فإذا تجاوزته فهي باطلة وكل ما ينتج عنها باطل.
المرجع:فقه الحركة-جمال سلطان.
ـــــــــــــــــ
فقه التنمية في الإسلام
أولاً - تعريف التنمية :(3/125)
- التنمية من (نما)؛ أي زاد وكثر، وهو مصطلح ارتبط في العصر الحديث بالجانب الاقتصادي والمالي والصناعي، وبقي ثابتًا في الذهن ضمن هذه الدائرة فقط..
- وكثيرًا ما تتردد عبارات (التنمية الزراعية، الاقتصادية، الصناعية، والمالية،..).
- أما النظرة الإسلامية لمفهوم التنمية، فتشمل كل جانب من جوانب الحياة؛ لأن الحياة في نظر الإسلام يجب أن تنمو نموًّا متكاملاً متوازنًا مضطردًا؛ لأن عدم النمو يعني التوقف والتخلف والتراجع، ثم الموت.
- ومن هنا كانت نظرة الإسلام إلى التنمية نظرة شاملة كاملة دافعة ومحرضة على تحقيقها.
- ففي القول المأثور من تساوى أمسه ويومه فهو مغبون.
- وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:(لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).
- وجاء في قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا).
- وعنف عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رجلاً بقي في المسجد، وقد انطلق الناس إلى أعمالهم التنموية المختلفة قائلاً: قم، لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
ثانياً- خصائص التنمية في الفقه الإسلامي :
- التنمية المتكاملة: المادية+ المعنوية.
- التنمية المؤسسية: الرسمية + الجماعية. (ضمان حقوق الإنسان) (الناس شركاء)
- التنمية الفردية: كلكم راع+ كل مواطن مسئول وحارس.
- التنمية المتوازنة: للفرد+ للمجتمع+ للمناطق.
- التنمية الوسطية: كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده.
- الأولوية في التنموية: تقديم التنمية الحاجية على الكمالية (غذائية+ طبية+ تعليمية+ أمنية+ بيئية).
ثالثاً - جوانب التنمية في الإسلام :
1- التنمية العلمية:
- الإسلام يُعنى بالتنمية العلمية عناية فائقة؛ لأن العلم هو الباب الأوسع إلى الإيمان، وإلى معرفة سنن الله تعالى، وإلى التفكير في خلق السموات والأرض، وإلى أعطاء الله حق قدره، ومن قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر: 28).(3/126)
- ومن هنا قول الرسول الأعظم- صلى الله عليه وسلم-: (العلماء ورثة الأنبياء)، وقوله أيضاً:( فضل العالم على العابد كفضل الشمس والقمر).
- ومن الشواهد القرآنية التي تحض على التنمية العلمية:
- قوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).
- وقوله سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11).
- وقوله عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9).
- وقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر: 28).
- ومن الشواهد النبوية التي تحض على التنمية العلمية:
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب).
- وقال: (العلماء ورثة الأنبياء).
- وقال أيضًا: (أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد).
- وقال: (أطلبوا العلم ولو في الصين)، وفي هذا بيان واضح الدلالة على وجوب العناية بالتنمية العلمية.
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم). (رواه أبو داوود).
- ويقول: (لن يشبع المرء من خير يسمعه.. حتى يكون منتهاه الجنة). (رواه الترمذي).
- ويقول: (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها). (رواه الترمذي).
- ويقول: (من تفقه في دين الله- عز وجل- كفاه الله تعالى ما أهمه، ورزقه من حيث لا يحتسب). (رواه الخطيب).
- ويقول: (باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا وما فيها). (أخرجه الطبراني).(3/127)
- ويقول ابن المبارك: عجبت لمن لم يطلب العلم.. كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟، وقال أبو الدرداء: من رأى أن الغدو في طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله.
2- التنمية الإيمانية:
- من ركائز التنمية في الإسلام ما يتصل بالإيمان.
- فالإيمان يجب أن ينمو باضطراد، وكل تعطل في عملية التنمية الإيمانية ينعكس سلبًا في حياة الإنسان وسلوكه ومجمل تصرفاته، كما ينعكس بالتالي على المجتمع كلّه.
• شواهد قرآنية :
- يقول الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (التوبة: 124).
- يقول سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: 2).
- ويقول عز من قائل: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} (مريم: 76).
- ويقول جل جلاله: {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (الإسراء: 107- 109).
- وقال سبحانه: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب: 22).
- وقال عز وجل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173).
• شواهد نبوية :(3/128)
- يقول رسول الله- صلى الله عليه و سلم-: (ما من جرعة أحبّ إلى الله من جرعة غيظ كظمها عبد.. ما كظمها إلا ملأ بها جوفه إيمانًا).
- ويقول- صلى الله عليه و سلم-: (جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله). (رواه أحمد وغيره).
- ويقول: (إن لكل شيء صقالة.. وصقالة القلوب ذكر الله). (رواه البيهقي).
- ويقول: (لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب كزرع يموت إذا كثر عليه الماء). (رواه الطبراني).
- ويقول: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن لا يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه).
- ويقول:(الإيمان يخلق كما يخلق الثوب؛ أي يبلى).
- ويقول: (الإيمان يزيد وينقص).
- ويقول: (يا معشر المسلمين، شمروا فإن الأمر جدٌّ، وتأهبوا، فإن الرحيل قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن وراءكم عقبة كئودًا لا يقطعها إلا المخففون.. أيها الناس، إن بين يدي الساعة أمورًا شدادًا، وأهوالاً عظامًا، وزمنًا صعبًا، يتملك فيها الظََلَمة، ويتصدر فيه الفسقة.. فيضطهد فيه الآمرون بالمعروف، ويضام الناهون عن المنكر، فأعدوا لذلك (الإيمان) عضوًا عليه بالنواجذ، والجئوا إلى العمل الصالح، وأكرهوا عليه النفوس، واصبروا على الضراء، تفضلوا إلى النعيم الدائم).
- ويقول: (لا يبلغ العبد درجة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
- ويقول: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط) (رواه مسلم).
- ويقول عن ربه- عز وجل- في حديث قدسي: (إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة). (رواه البخاري).(3/129)
- ويقول عن ربه- عز وجل- في حديث قدسي:(من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه). (رواه البخاري).
- ويقول:(اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). (رواه الترمذي).
- ويقول: (إن الله تعالى يقول يا ابن آدم: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك). (رواه أحمد والترمذي).
- ويقول: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك). (من حديث طويل لمسلم).
- وصدق الشاعر إذ يقول:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانه
3- التنمية العبادية:
- ويتناول الإسلام الجانب العبادي (العبادات)، فيدعو إلى العناية بها (نوعًا)، والإكثار منها (كمًّا)، وبذلك تبقى العبادة في تجدد وتألق، وفي تنام دائم ومستمر.
• ومن الشواهد القرآنية :
- قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1- 2).
- وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:90).
- وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: 2).
- وقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (الأنبياء: 73).(3/130)
- وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (الأنعام: 92).
- وقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر: 99).
- وقوله تعالى:{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 66).
• ومن الشواهد النبوية :
- قول رسول الله- صلى الله عليه و سلم-: ( من أكثر الاستغفار.. جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب). رواه أحمد في مسنده.
- وقوله- صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة سبحانه وتعالى: (.. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.. إلى آخر الحديث).
- وقوله: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
- وقوله: (اللهم ارزقني عينين هطالتين، تشفيان القلب بذرف الدمع من خشيتك قبل أن تصير الدموع دمًا). (أخرجه الطبراني).
4- التنمية الأخلاقية:
- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا.. فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). (رواه مسلم).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-:( إن أحبكم إلي وأقربكم مني منزلة يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون).
- وقال: ( ما من شيء بأثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء).
5- التنمية الوحدوية والأخوية:
• شواهد قرآنية :(3/131)
- قال الله تعالى: {اعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ.. .} (آل عمران: 103).
- وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10).
- وقال سبحانه: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون: 52).
- وقال سبحانه: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46).
• شواهد نبوية:
- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-: (المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخدعه. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). (رواه الترمذي).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميث العاطس). (متفق عليه).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-: (حق المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده). (رواه مسلم).
6- التنمية الدعوية والرعوية:
- والإسلام يجعل كل مسلم خفيرًا ومسئولاً عن سلامة المجتمع وأمنه الأخلاقي، على قاعدة التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومن خلال مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وبذلك ينعم المجتمع الإسلامي بنعمة العافية، وتتراجع فيه ظواهر الانحراف والانحدار والشذوذ.
• من الشواهد القرآنية:
- قول الله عز وجل: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).
- وقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).(3/132)
- وقوله عز وجل: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114).
• من الشواهد النبوية:
- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:(من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس بعد ذلك حبة خردل من إيمان). (رواه مسلم).
- وقال- صلى الله عليه و سلم-:( لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم).
- وقال:( كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته).
- وقال: (الدين النصيحة).
- وقال: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها، وفي رواية: خير لك من حمر النعم).
7- التنمية الخيرية الاجتماعية:
- والإسلام حلق في مجال التنمية الخيرية والاجتماعية، إلى مستويات لا تبلغها المدارك والعقول البشرية؛ وهو ما جعل البنية الاجتماعية كالبيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا، فالجميع يعيش هَمَّ الجميع، وصفهم الرسول- صلى الله عليه و سلم- بقوله): مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).
- وفي كتاب الله تعالى مئات الآيات التي تحض على الانفاق في سبيل الله؛ بل إن معظم الآيات تصف المسلمين بأنهم آمنوا: {ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (البقرة: 3).
- ويقول الله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (الحديد: 7).
- ويقول تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (آل عمران: 92).(3/133)
- ويقول سبحانه: {وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) (الرعد: 22).
- ويقول سبحانه: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} (البقرة: 272).
- ويقول سبحانه: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} (إبراهيم: 31).
- ويقول سبحانه: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (البقرة: 3).
- ويقول سبحانه: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (الحديد: 7).
- ويقول سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (الإنسان: 8).
- وفي سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشرات الأحاديث التي تحضُّ على مختلف أنواع البر والخير.. كالسير في حوائج الناس، ورفع الظلم عنهم، والمطالبة بحقوقهم، وتيسير عسرهم، وتنفيس كربهم، وكفالة أيتامهم، ورعاية أراملهم، وإيواء مشرديهم، وإطعام الجائعين منهم.
- من ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم-:( إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم (رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية).
- وقوله: (على كل مسلم صدقة، قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة). (متفق عليه).
- وقال: (من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا). (متفق عليه).
- وقوله: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). (متفق عليه).(3/134)
- وقوله: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عنه كربة فرج عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ) .(متفق عليه).
- ومن ذلك قوله: (من حما مؤمنًا من ظالم بعث الله له ملكًا يوم القيامة يحمي لحمه من نار جهنم).
- وقوله: (من نفس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرب الآخرة).
- وقوله: ( من سر مؤمنًا فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله).
- وقوله: (من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته).
- وقوله: ( الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله وكالقائم الليل الصائم النهار).
- وقوله: (إن لله خلقًا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله).
- وهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول عام المجاعة، وقد أقسم على ألا يذوق سمنًا ولا لبنًا ولا لحمًا حتى يحيا الناس: بئس الوالي أنا إذا شبعت وجاع الناس، ولم إذن كنت إمامًا إذا لم يمسسني ما يمسهم؟!.
- وجاء في حق الجوار:
- في القرآن الكريم: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (النساء: 36).
- وفي السنة النبوية الشريفة: قوله- صلى الله عليه و سلم-:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت). (متفق عليه).
- وقوله:(خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره). (رواه الترمذي).
- وقوله: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه). (رواه مسلم).
8- التنمية الإنتاجية:(3/135)
- والإسلام يوجب على كل مواطن أن يعمل، وأن يأكل من كسب يديه، فهو لا يرضى للناس أن يكونوا عاطلين عن العمل، عالة على الآخرين، يستجدون الناس أعطوهم أو منعوهم.
- وفقه التنمية في الإسلام يدعو إلى تحقيق التوازن بين عمارة الدنيا وعمارة الآخرة، على قاعدة قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77).
- ويوم رأى عمر بن الخطاب- رضي الله- رجلاً بقي في المسجد وقد خرج الناس، فخفقه بالدرة (العصا) وقال: قم، لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
- ومن هديه- صلى الله عليه وسلم- قوله: (ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن داوود كان لا يأكل إلا من عمل يده).
- وعندما صافح أحد المسلمين وشعر بخشونة في يده قال: إن هذه يد يحبها الله، هذه يد لن تمسها النار أبدًا.
- وقال:(اليد العليا خير من اليد السفلى).
- ثم إن التشريعات التي تناولت الشئون التجارية المختلفة ووضعت أصولها وقواعدها
- وضوابطها.لتؤكد على مدى اهتمام الإسلام بالتنمية التجارية، من بيع وشراء ومرابحة ومشاركة.
9- التنمية الصناعية:
إن قاعدة الأخذ بكل أسباب القوة التي بينتها الآية الكريمة: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال: 60) لتؤكد وجوب الأخذ بكل مقومات التنمية الصناعية في شتى المجالات التي تعود على الناس بالخير وليس بالدمار والخراب، بسبب وجهة الاستعمال، وبسبب فائض الإنتاج الصناعي الذي أدى إلى تراكم النفايات والتلوث البيئي، الذي يتهدد العالم، بالكوارث الصحية والبيئية.
10- تنمية الإدارة والإتقان:(3/136)
- والإسلام منهج حياة لتنظيم كل شيء، وهو في كل تشريعاته يعتبر التنظيم أساسًا للنجاح والجودة، نتيجة شفافية العمل وأخلاقيته، والتي عبر عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أدق تعبير حين قال:(إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه).
- في ضوء كل هذه المعطيات يتبين أن التنمية في الإسلام سياسة شاملة متوازنة متكاملة، تفرض على الفرد والمجتمع الأخذ بجميع أسباب النماء والارتقاء المادي والمعنوي.
- ووفق القاعدة النبوية الداعية إلى النمو والارتقاء ساعة بعد ساعة ويومًا بعد يوم، والتي تتجلى في القول المأثور: من تساوى يوماه فهو مغبون، وفي رواية: من تساوى يومه وأمسه فهو مغبون.
المرجع-فقه التنمية في الإسلام_موقع الرواق.
ـــــــــــــــــ
فن التعامل مع الناشئة
المبحث الأول : نبذة عن أخلاق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسجاياه :
1. خلقه القرآن .
2. خلقه الرحمة .
3. خلقه لين الجانب .
4. خلقه التواضع .
5. خلقه الصفح والتسامح .
6. خلقه الكرم .
7. خلقه الشجاعة .
المبحث الثاني : منهجه في التربية :
1. الضابط في المعاملة والتعليم .
2. مواقف تربوية من تعاملات المصطفى - صلى الله عليه وسلم - :
قصة الأعرابي الذي بال في المسجد .
قصة الشاب الذي استأذن الرسول في الزنا .
قصة حديث المسيء صلاته .
3. دور المعلم في نقل منهج المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لطلابه :
أن يكون ذا معتقد سليم .
أن يكون ملماً بمهمته وضليعاً في تخصصه .
أن يكون قدوة حسنة لغيره من المعلمين .
أن يجعل هذا المربي من طلابه بذرة صالحة ونواة خير في المجتمع .
أن يشعر المعلم بأن مهنته هي مهنة الأنبياء والرسل .
أن يخاطب المعلم طلابه على قدر مستواهم .
المعلم الناجح هو الذي يتعاون مع زملائه في مدرسته .
التواضع العلمي .
الحذر من كثرة المزاح والاستخفاف أو الكذب مع الطلاب .(3/137)
الصدق من أهم الأخلاق التي تبني شخصية قوية للمعلم في مدرسته وفي حياته ككل .
- الاقتداء بالمصطفى في مواقفه التربوية :
1. النظافة .
2. معاملة الناس .
3. التواضع وقول الحق .
4. الدعوة إلى العلم .
5. الدعوة لبر الوالدين والإحسان إليهما .
المبحث الثالث : تعامل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مع الناشئة :
1- مواقف نبوية مع الناشئة .
2- أسلوب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في تعامله وعنايته بالناشئة :
اختيار الزوجة لطفل أفضل .
حقوق الجنين في بطن أمه وبعد ولادته وكفالته .
المساواة بين الأولاد ضرورة لمعاملة الناشئة .
الرفق في معاملة الناشئة .
3- بعض الأساليب التعليمية التي استخدمها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - :
أمره - صلى الله عليه وسلم - بطلب العلم .
التوجيه المباشر وغير المباشر .
القصص وضرب الأمثال .
الحوار والإقناع .
المزاح والمداعبة .
الحزم والتشديد عند رؤية المخالفة .
4- منهج المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في معالجته لأخطاء الناشئة .
الرحمة والعطف على الصغار .
التلميح وعدم التصريح .
الترغيب والترهيب .
طلب الكف عن هذا الفعل .
العفو والصفح .
5- فتاوى للناشئ المسلم :
إذا طلب المعلم من الطالب رسم ما فيه روح .
إذا كان الطالب مضطراً فالإثم على من أمره .
حكم التصفيق .
حكم قيام الطلاب للمدرس .
المرجع : فن تعامل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مع الناشئة – عبد العزيز آل صايل – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
قطيعة الرحم
أولاً : مظاهر قطيعة الرحم :
- أن تجد بعض الناس ممن آتاه الله علماً ودعوة – يحرص على دعوة الأبعدين .
- أن تجد بعض الأسر الكبيرة قد نبغ فيها طالب العلم ، فيلقى القبول والتقدير من سائر الناس أما أسرته فلا يلقى منها إلا كل كنود وجحود ، مما يوهن عظمه .
- تحزيب الأقارب وتفريق شملهم .
ثانياً : أسباب قطيعة الرحم :(3/138)
1- الجهل .
2- ضعف التقوى .
3- الكبر .
4- الانقطاع الطويل .
5- العتاب الشديد .
6- التكلف الزائد .
7- قلة الاهتمام بالزائرين .
8- الشح والبخل .
9- تأخير قسمة الميراث .
10- الشراكة بين الأقارب .
11- الاشتغال بالدنيا .
12- الطلاب بين الأقارب .
13- بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة .
14- التقارب في المساكن بين الأقارب .
15- قلة تحمل الأقارب والصبر عليهم .
16- نسيان الأقارب في الولائم والمناسبات .
17- الحسد .
18- كثرة المزاح .
19- الوشاية والإصغاء إليها .
20- سوء الخلق من بعض الزوجات .
ثالثاً : علاج قطيعة الرحم .
رابعاً : ما صلة الرحم .
خامساً : بأي شيء تكون الصلة .
سادساً : فضائل صلة الرحم :
1- صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر .
2- صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق .
* ومعنى زيادة العمر ما يلي :
1- أن المقصود بالزيادة أن يبارك الله في عمر الإنسان .
2- أن الزيادة على حقيقتها فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره ويوسع له في رزقه .
3- صلة الرحم تجلب صلة الله للواصل .
4- صلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة .
5- صلة الرحم طاعة لله عز وجل .
6- صلة الرحم من محاسن الأخلاق .
7- أنها مما اتفقت عليه الشرائع .
8- أنها مدعاة للذكر الجميل .
9- أنها تدل على الرسوخ في الفضيلة .
10- شيوع المحبة بين الأقارب .
11- رفعة الواصل .
12- عزة المتواصلين .
سابعاً : الأمور المعينة على الصلة :
1- التفكر في الآثار المترتبة على الصلة .
2- النظر في عواقب القطيعة .
3- الاستعانة بالله .
4- مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان .
5- قبول أعذارهم إذا أخطو واعتذروا .
6- الصفح عنهم ونسيان معايبهم ولو لم يعتذروا .
7- التواضع ولين الجانب .
8- التغاضي والتغافل .
9- بذل المستطاع لهم .
10- ترك المنة عليهم والبعد عن مطالبتهم بالمثل .
11- توطين النفس على الرضا بالقليل من الأقارب .(3/139)
12- مراعاة أحوالهم ، وفهم نفسياتهم ، وإنزالهم منازلهم .
13- ترك التكلف مع الأقارب ورفع الحرج عنهم .
14- تجنب الشدة في العتاب .
15- تحمل عتاب الأقارب وحمله على أحسن المحامل .
16- الاعتدال في المزاح مع الأقارب .
17- تجنب الخصام وكثرة الملاحاة والجدال العقيم مع الأقارب .
18- المبادرة بالهدية إن حصل خلاف مع الأقارب .
19- أن يستحضر الإنسان أن أقاربه لحمة منه .
20- أن يعلم أن معاداة الأقارب شر وبلاء .
21- الحرص التام على تذكر الأقارب في المناسبات والولائم .
22- الحرص على إصلاح ذات البين .
23- تعجيل قسمة الميراث .
24- الحرص على الوئام والاتفاق حال الشراكة .
25- الاجتماعات الدورية .
26- صندوق القرابة .
27- دليل الأقارب .
28- الحذر من إحراج الأقارب .
29- الشورى بين الأقارب .
30- يراعى في ذلك كله أن تكون الصلة قربة لله .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار بن خزيمة – صـ
ـــــــــــــــــ
قول الصحابى
لغة: جمعه صحب وأصحاب وصحابة،والأصل فى هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسه (لسان العرب)(1).
واصطلاحا: عند جمهور الأصوليين(2): هو من لقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ولازمه زمنا طويلا، ومات على إسلامه.
وعند جمهور المحدثين: هو من لقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ومات على إسلامه ، سواء طالت صحبته أولم تطل.
وقول الصحابى اصطلاحا: هو مذهبه فى المسألة الفقهية الاجتهادية(2) ،
سواء أكان ما نقل عن الصحابى قولا أم فعلا.
وأعلم أن الصحابه رضى الله عنهم كانوا مرجع الافتاء ومنبع الاجتهاد حينما طرأت حوادث جديدة، ووقعت وقائع لا عهد للمسلمين بها فى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكانوا فى الافتاء متفاوتين بتفاوت نضجهم الفقهى، فأثر عن جملة منهم كثير من الفتاوى بحيث يكون جزءا كبيرا منثورا فى بطون الكتب الفقهية.(3/140)
وقد اتفقت الأئمة من أصحاب المذاهب الفقهية على أنه لا خلاف فى الأخذ بقول الصحابى فيما لا مجال للرأى والاجتهاد فيه ،لأنه من قبيل الخبر التوقيفى عن صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم - ، ولاخلاف أيضا فيما أجمع عليه الصحابة صراحة أو كان مما لايعرف له مخالف ، كما فى توريث الجدات السدس.
ولا خلاف أيضا فى أن قول الصحابى المقول باجتهاد ليس بحجة على صحابى آخر، لأن الصحابة اختلفوا فى كثير من المسائل ، ولو كان قول أحدهما حجة على غيره لما وقع منهم هذا الخلاف.
وإنما الخلاف فى فتوى الصحابى بالاجتهاد المحض بالنسبة إلى التابعى ومن بعده ، هل يعتبرحجة شرعية أم لا؟
فذهب جمهور العلماء من الحنفيه والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة على أنه حجة شرعية مقدمة على القياس ، والراجح من الشافعية على أنه ليس بحجة، وهناك أقوال أخري لكنها ترجع إلى هذين القولين.
والراجح أن مذهب الصحابى ليس حجة، ولا يكون دليلا شرعيا مستقلا فيما يكون بالاجتهاد المحض ، لان المجتهد يجوز عليه الخطأ، ولم يثبت أن الصحابة ألزموا غيرهم بأقوالهم ، فمرتبة الصحبة وإن كانت شرفا عظيما لا تجعل صاحبها معصوما عن الخطأ (4).
أ.د/على جمعة محمد
ـــــــــــــــــ
كبائر الذنوب
كبائر الذنوب
مقدمة:
يقول الله تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31].
وقال سبحانه: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } [النجم:32].
يتعين على كل مسلم أن يعرف هذه الكبائر ويجتهد في اجتنابها.
في هذه الرسالة عدد من الكبائر التي يجدر بكل مسلم أن يوليها اهتمامه، علماً بها وحذراً من اقترافها.(3/141)
1 - الشرك بالله تعالى: قال تعالى: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:72]
الشرك نوعان:
شرك أكبر وهو عبادة غير الله، أو صرف أي شيء من العبادة لغير الله.
شرك أصغر ومنه الرياء، قال تعالى في الحديث القدسي: { أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه } [رواه مسلم].
2 - قتل النفس: قال تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله... } [متفق عليه].
3 - السحر: قال الله تبارك وتعالى: { وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } [البقرة:102]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله... } [متفق عليه].
4 - ترك الصلاة: قال تعالى: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [مريم:60،59]. قال - صلى الله عليه وسلم - : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر } [رواه أحمد والترمذي والنسائي].
5 - منع الزكاة: قال تعالى: { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت:7،6].(3/142)
6 - عقوق الوالدين: قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإسراء:24،23]. وقال عليه الصلاة والسلام: { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟.. } فذكر منها عقوق الوالدين. [متفق عليه]، وقال عليه الصلاة والسلام: { رضا الله في ر ضا الوالد، وسخط الله في سخط الوا لد } [رواه الترمذي وابن حبان].
7 - الزنا: قال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } [الإسراء:32]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه } [رواه أبو داود والحاكم].
8 - اللواط: قال تعالى عن قوم لوط: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { لعن الله من عمل عمل قوم لوط } [رواه النسائي].
9 - أكل الربا: قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة:279،278]، وقال صلى الله عليه وسلم: { لعن الله آكل الربا وموكله } [رواه مسلم].(3/143)
10 - أكل مال اليتيم: قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10]، وقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [الأنعام:152].
11 - الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله : قال تعالى: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [الزمر:60]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } [رواه البخاري].
12 - الكبر والفخر والخيلاء والعجب والتيه: قال تعالى: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } [النحل:23]، وقال صلى الله عليه وسلم: { لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر } [رواه مسلم].
13 - شهادة الزور: قال تعالى: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } [الحج:30]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار } [رواه ابن ماجة والحاكم]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وقول الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت } [متفق عليه].
14 - شرب الخمر: قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة:90]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها } [رواه أبو داود والحاكم].
وقال صلى الله عليه وسلم: {... ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن } [متفق عليه].(3/144)
15 - القمار: قال تعالى: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90].
16 - قذف المحصنات: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور:23]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { من قذف مملوكة بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما. قال } [متفق عليه].
17 - السرقة: قال تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة:38]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن } [متفق عليه].
18 - قطع الطريق: قال تعالى: { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة:33].
19 - اليمين الغموس: قال صلى الله عليه وسلم: { من حلف علي يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان } [رواه البخاري].
20 - الظلم: ويكون بأكل أموال الناس وبالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، قال تعالى: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [الشعراء:227]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة... } [رواه مسلم].(3/145)
21 - قتل النفس: قال تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً} [النساء:30،29]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { لعن المؤمن كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله، ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة } [متفق عليه].
22 - الكذب في غالب الأقوال: قال الله تعالى: { ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [آل عمران:61]، وقال صلى الله عليه وسلم: {.. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا } [متفق عليه].
23 - الحكم بغير ما أنزل الله: قال تعالى: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [المائدة:44].
24 - تشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء: قال صلى الله عليه وسلم: { لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء } [رواه البخاري].
25 - الديوث: قال - صلى الله عليه وسلم - : { ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء } [رواه النسائي والحاكم وأحمد].
26 - عدم التنزه من البول: وهو من فعل النصارى، قال تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مر بقبرين: { إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة } [متفق عليه].
27 - الخيانة: قال تعالى: { وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } [يوسف:52]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له }.(3/146)
28 - التعلم للدنيا وكتمان العلم: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة:159]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة } يعني ريحها. [رواه أبو داود].
29 - المنان: قال تعالى: { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} [البقرة:264]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا: عاق، ومنان، ومكذب بالقدر } [رواه الطبراني وابن أبي عاصم].
30 - المتسمع على الناس ما يسرونه: قال تعالى: { وَلَا تَجَسَّسُوا } [الحجرات:12]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ } [رواه البخاري].
31 - النميمة: قال تعالى{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} [القلم:11،10] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر بقبرين: { إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة... } [رواه البخاري].
32 - اللعن: قال صلى الله عليه وسلم: { لعن المؤمن كقتله } [متفق عليه].
33 - تصديق الكاهن والمنجم: قال صلى الله عليه وسلم: { من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد } [رواه أحمد والحاكم].(3/147)
34 - نشوز المرأة على زوجها: قال الله تبارك وتعالى: { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } [النساء:34]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح } [رواه البخاري].
35 - أذى الجار: قال صلى الله عليه وسلم: { لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوإئقه } [رواه مسلم].
36 - غش الإمام للرعية: قال تعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى:42]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { أيما راع غش رعيته فهو في النار } [رواه أحمد].
37 - الإكل والشرب في آنية الذهب أو الفضة: قال - صلى الله عليه وسلم - : { إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب أو الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم } [رواه مسلم].
38 - لبس الحرير والذهب للرجال: قال - صلى الله عليه وسلم - : { إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة } [رواه مسلم].
39 - الجدل والمراء: قال - صلى الله عليه وسلم - : {...، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع.. } [رواه أبو داود].
40 - نقص الكيل والميزان: قال تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1].(3/148)
41 - الأمن من مكر الله: قال تعالى: { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف:99]، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: { يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك فقيل له: يا رسول الله أتخاف علينا؟ فقال رسول : إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء } [رواه أحمد والترمذي والحاكم].
42 - تكفير المسلم: قال - صلى الله عليه وسلم - : { من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما } [رواه البخاري].
43 - ترك صلاة الجمعة والصلاة مع الجماعة: قال - صلى الله عليه وسلم - : { لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين } [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: { من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر } [رواه ابن ماجة وابن حبان].
44 - المكر والخديعة: قال الله تعالى: { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } [فاطر:43]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : { المكر والخديعة في النار } [البيهقي في شعب الايمان].
45 - سب أحد من الصحابة: قال - صلى الله عليه وسلم - : { لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه } [رواه البخاري].
46 - النياحة على الميت: قال - صلى الله عليه وسلم - : { اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت } [رواه مسلم واحمد].
47 - تغيير منار الأرض: قال - صلى الله عليه وسلم - : {.. ولعن الله من غير منار الأرض } [رواه مسلم].
48 - الواصلة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة والواشمة: قال - صلى الله عليه وسلم - : { لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والنامصات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله } [متفق عليه]، وقال : { لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة } [متفق عليه].(3/149)
49 - الإلحاد في الحرم: قال الله تعالى: { وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]، وسأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما الكبائر؟ قال : { هن تسع: الشرك بالله.. } وذكر منها: واستحلال البيت الحرام قبلتكم [رواه أبو داود والنسائي].
50 - إفطار رمضان بغير محذر، وترك الحج مع الاستطاعة: قال - صلى الله عليه وسلم - : { بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا وسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت } [متفق عليه].
مراجع للاستزادة:
كتاب "الكبائر" للإمام الذهبي.
كتاب "الكبائر" للإمام محمد بن عبد الوهاب.
كتاب "محرمات استهان بها الناس" للشيخ محمد صالح المنجد.
المرجع: التحذير من كبائر الذنوب-دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
كيف تدعو إلى الله في مقر عملك
مقدمة
- الدعوة إلى الله عمل الأنبياء.
- تكون الدعوة إلى الله في جميع الأحوال: العمل، السفر، المنزل، السوق...الخ.
بعض الأمور المعينة على الدعوة إلى الله في العمل :
1- حسن الخلق.
- الخلق الحسن دعوة صامتة.
2- الإخلاص في العمل والقدوة الحسنة.
- إذا كانت من مسلم ٍ ملتزم بدينه ، فهو بذلك يمثّل تعاليم دينه ويدعو إليها بطريقة غير مباشرة .
3- الاهتمام بأفراد القسم دون إهمال لمن هم خارجه.
والمقصود أفراد القسم الذي تعمل فيه. وهذ ا الاهتمام لسببين:
- كسب الثقة .
- ضمان عدم المواجهة.
4- السعي إلى كسب ثقة ومحبة الآخرين.
- من أحبك أطاعك .
- السبيل إلى كسب محبتهم يتمثل في طر ق منها:
• العفو عن زلاتهم.
• إعانتهم في حل مشاكلهم مادياً أو معنوياً.
• تقديم العون لهم.
• إسداء النصيحة لهم.
• مشاركتهم في السراء والضراء .
5- موافقة القول للعمل .
- حتى تكون ذو مصداقية فيما تدعو إليه.(3/150)
- من خالف عملُهُ قولَه فإن الناس يزهدون في نصحهِ وتعليمه.
6- توزيع المواد الدعوية مثل ( الأشرطة ، الكتيبات ، المطويات ، النشرات ).
- اختيار هذه المواد حسب حالة الزملاء في العمل ومستوياتهم الثقافية.
- تعاهد ذلك بين كل فترة وأخرى.
7- إنشاء اللوحات الحائطية.
- تعلّق عليها النشرات المحتوية على :
• الأحكام الشرعية.
• الفتاوى الفقهية.
• الرقائق الإيمانية.
• الأخبار الإسلامية.
• المحاضرات الدعوية.
• الدروس العلمية.
- تغيير هذه النشرات بالجديد بين فترة وأخرى.
8- المناقشة والمحاورة الهادفة.
- مع الزملاء في المهنة وتبيين وجهة نظر الإسلام الصحيحة.
- الاهتمام بوقائع الحياة المتجددة ، فمعظم الناس يقعون في كثير من الحيرة أمام وقائع الحياة المختلفة التي لا يعرفون الحكم الشرعي فيها.
- عدم التعمّق في ذلك حتى لا تأخذ المناقشة منحى مختلف أو يجر إلى تطاول على الدين أو على علماء المسلمين.
- النقاش الفردي أولى وأفضل وأسلم .
9- توفير عدد من المجلات التي تدعو إلى الفضيلة والرفعة في الدارين.
- تعريف الزملاء بها مع تبديل هذه المجلات بعد فترة وأخرى.
- من هذه المجلات على سبيل المثال :
مجلة ( الدعوة - الأسرة - البيان - الشقائق - جودي - المجتمع - الإصلاح - الأصالة - التوحيد - مجلة البحوث الإسلامية ... وغيرها ).
- الابتعاد قدر الإمكان عن المجلات التي فيها انتقاد لبعض الشخصيات أو الدول كي لا يتسبب ذلك مضايقة تذكر والحكمة مطلوبة في مثل هذه المَوَاطن.
10- النصيحة الشخصية الفردية.
- لا تكون هذه النصيحة أمام الملأ.
- النصيحة إلى فعل معروف أوترك منكر.
- النصيحة في مجال العمل .
11- الابتسامة.
- لأنها تفتح مغاليق القلوب .
12- المشاركة في الأفراح و الأتراح.
من ذلك :
- تهنئتهم في الأعياد والأفراح.
- مواساتهم في المصائب والأحزان.
- زيارة مريضهم.
- إعانتهم على حلول مشاكلهم.
- السؤال عن أحوالهم.
13- الزيارة الفردية(3/151)
- لمن يتوسم فيه الخير لمحاولة جذبه.
- مراعاة قبوله لها.
- عدم الإثقال عليه.
- اختيار الأوقات المناسبة.
14- تقديم الهدية.
- لا يشترط أن تكون هذه الهدية شريطاً أو كتاباً .
15- إلقاء الموعظة في مكان العمل.
- حسب الإمكان.
- اختيار الوقت المناسب لها كعقب الصلوات مثلاً.
16- إقامة الرحلات خارج نطاق العمل.
- شريطةَ إعداد البرامج الدعوية لهذه الرحلات مثل :
• استضافة عالم أو داعية.
• إلقاء موعظة.
• إعداد مسابقات ثقافية مدروسة.
• إحضار الأشرطة أو الكتيبات أو المطويات ... وغيرها.
17- الزيارة الجماعية.
- دعوة مجموعة من زملاء العمل لزيارة عالم أو داعية.
18- إقامة مسابقات دورية.
- أسبوعية أو شهرية ورصد جوائز تشجيعية لذلك.
- حسن اختيار الأسئلة المطروحة التي يفترض أن تسهم في البحث والقراءة والاستماع للأشرطة مما يعود نفعه على المشارك في المسابقة ).
19- الفرص الذهبية واستغلالها.
- في التذكير المباشر أو عن طريق الأشرطة والكتيبات.
- المواقف مثل موت قريب لأحد زملاء العمل أو مصيبة حلت عليه أو ضائقة ألمّت به.
- هذه طريقة مجرّبة ونافعة جداً .
خاتمة.
- تعاهد ما زرعت بالري و السقيا.
- احتسب الأجر عند الله فيما تنفقه من مال أو جهد بدني.
- اعلم أولاً و آخراً أنك مطالبٌ بالعمل لا بالنتائج.
- اعلم ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ).
المرجع: كيف تدعو إلى الله في مقر عملك - شبكة المعلومات الإسلامية.
ـــــــــــــــــ
كيف نعيش رمضان
الأعمال الصالحة التي تتأكد في رمضان :
- الصوم .
- القيام .
- الصدقة:
• إطعام الطعام .
• تفطير الصائمين .
- الاجتهاد في قراءة القران :
• كثرة قراءة القران .
• البكاء عند تلاوة القران أو سماعة .
- الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس .
- الأعتكاف .
أولاً : تعريفة .
ثانياً : حكمة التشريع في الاعتكاف .
ثالثاً : حكم الاعتكاف .
رابعاً : شروط الاعتكاف .
1- الإسلام .(3/152)
2- العقل .
3- التمييز .
4- النية .
5- المسجد .
6- الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس .
خامساً : ما يستحب للمعتكف :
1- الإكثار من الطاعات كالصلاة .
2- اجتناب ما لا يعنيه من الأقوال .
3- أن يلزم مكانا من المسجد .
سادساً : ما يباح للمعتكف :
1- الخروج لحاجته التي لابد منها .
2- وله أن يأكل ويشرب في المسجد وينام فيه .
3- الكلام المباح لحاجته .
4- ترجيل شعره وتقليم أظفاره وتنظيف بدنه ولبس الثياب والتطيب .
5- خروجه من معتكفة لتوديع أهلة .
سابعاً: ما يكره للمعتكف :
1- البيع والشراء .
2- الكلام بما فيه أثم .
3- الصمت عم الكلام مطلقا إن اعتقده عباده .
ثامناً : مبطلات الاعتكاف :
1- الخروج من المسجد لغير حاجة عمدا ولو قل .
2- الجماع .
3- ذهاب العقل بجنون أو سكر .
4- الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة لفوات شرط الطهارة .
5- الردة أعاذنا الله منها .
تاسعاً : وقت دخول المعتكف والخروج منه .
عاشراً : تنبيهات :
1- من شرع ف الاعتكاف متطوعا ثم قطعة استحب له قضاؤه .
2- للمرأة الاعتكاف في المسجد إن أمنت الفتنة وبشرط إذن زوجها فإن اعتكفت بغير إذنه فله إخراجها .
3- من نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يجز له الاعتكاف في غيره وإن نذر في المسجد النبوي وجب عليه الاعتكاف في المسجد الحرام او مسجد النبوي وإن نذره في المسجد الاقصى وجب عليه الاعتكاف في أحد هذه المساجد الثلاثة .
- العمرة في رمضان .
- تحري ليلة القدر .
- الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار :
1- عند الإفطار .
2- ثلث الليل الآخر .
3- الاستغفار في الأسحار .
4- تحري ساعة الإجابة يوم الجمعة .المرجع : كيف نعيش رمضان - عبد الله الصالح - دار الوطن للنشر
ـــــــــــــــــ
كُتَّاب الوحى
كتاب: جمع كاتب والكاتب عند العرب العالم ، ومنه قوله تعالى: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون}الطور:41(1).
والوحى فى اللغة: إعلام الغير بشىء فى خفاء.(3/153)
واصطلاحا: إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه ، وهو من خصائص الأنبياء والرسل ، ويكون مباشرة كما فى تكليم الله موسى على الجبل ، أو بواسطة الملائكة الذين يحملون التعاليم الإلهية إلى من اصطفاهم الله من خلقه وهم الرسل ، وقد جاء ذكر الوحى فى الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام ، ويعتبر القرآن الكريم هو الوحى المنزل على النبى - صلى الله عليه وسلم - باللفظ المنقول عنه بالتواتر حفظا وكتابة، ويعتبر إعجاز القرآن اثباتا لنبوته عليه السلام(2).
وقد اتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتابا للوحى، منهم من كان يكتب فى بعض الأحيان ومنهم من كان منقطعا للكتابة ومتخصصا لها، وكلما نزل شىء من القرآن الكريم أمرهم عليه السلام بكتابته مبالغة فى تسجيله وزيادة فى التوثيق والضبط والاحتياط لكتاب الله تعالى، حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ وكان هؤلاء الكتّاب من خيرة الصحابة.
وكان عليه السلام يدلهم على موضع المكتوب من سورته فيكتبونه فيما يسهل عليهم من العسب (جريد النخل) واللخاف (الحجارة الرقيقة) وقطع الأديم (الجلد) والرقاع (من الورق والكاغد) ثم يوضع المكتوب فى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ينقض العهد النبوى إلا والقرآن مجموع على هذا النمط (3).
وكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددا من الكتّاب وصل بهم بعض المؤرخين إلى ستة وعشرون كاتبا ، ووصل بهم البعض الآخر إلى اثنين وأربعين كاتبا منهم فى مكة:
"على بن أبى طالب وعثمان بن غفان. وأبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وعامر بن فهيرة. والأرقم بن أبى الأرقم ، وأبو سلمة عبدالله بن عبد الأسد المخزومى ، وجعفر بن أبى طالب. وحاطب بن عمرو ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبدالله بن أبى بكر".
وأضيف إليهم فى المدينة:(3/154)
"أبو أيوب الأنصارى، وخالد بن زيد. وأُبىُّ ابن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبدالله بن رواحة ، ومعاذ بن جبل ، ومعيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعبدالله بن عبدالله بن أُبّى بن سلول ، وعبدالله بن زيد، ومحمد بن مسلمة،
وبريدة بن الحصيب ، وثابت بن قيس بن شماس ، وحذيفة بن اليمان ، وحنظلة بن الربيع ، وعبدالله بن سعد بن أبى سرج".
وزاد بعد الحديبية:
"أبو سفيان صخر بن حرب ، ويزيد بن أبى سفيان ،ومعاوية بن أبى سفيان ، وخالد بن الوليد ، وجهم بن سعد وجهم بن الصلت بن مخرمة، والحصين بن النمير، وحويطب بن عبد العزى، وعبدالله بن الأرقم ، والعباس بن عبدالمطلب ، وأبان بن سعيد بن العاص ،وسعيد بن سعيد بن العاص ، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة، والعلاء الحضرمى".
هذا وقد أضحى فى المدينة لكل كاتب اختصاص تقريبا، فكان يكتب الوحى على بن أبى طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبىّ بن كعب ويكتب للملوك والأمراء زيد بن ثابت ويكتب للمعاهدات على بن أبى طالب ويكتب لحوائج الناس المغيرة بن شعبة ويكتب المدانيات فى المجتمع عبدالله بن الأرقم ويكتب الغنائم معيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعندما كان يغيب أى
كاتبا من هؤلاء، كان يكتب حنظلة بن الربيع ،لذا عرف بالكاتب(4).
أ.د/عبدالله جمال الدين
ـــــــــــــــــ
لبس الذهب للرجال
مقدمة:
- زين الشيطان للبعض التختم بالذهب وعدم المبالاة بالوعيد والتغليظ فيه .
التحذير من التختم بالذهب للرجال
- عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع ) رواه مسلم .(3/155)
- وعن عبدالله بن عباس أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فقال : ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذ خاتمك فانتفع به قال : لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله ) رواه مسلم .
- وعن أبي موسى الأشعري أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي ، وحرم على ذكورها ). رواه الترمذي والنسائي ، وقال الترمذي : إنه حديث حسن صحيح )
- وعن أبي سعيد: أنه قدم من نجران إلى رسول الله وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : ( إنك جئتني وفي يدك جمرة من النار ) رواه النسائي.
- وعن أبي إمامة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريراً ولا ذهباً ) (رواه أحمد ورواته ثقات).
- وعن عبدالله بن عمر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة ، ومن مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة ). رواه أحمد ورواته ثقات.
- فهذه أحاديث رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) في بعضها نهيه الصريح عن التختم بالذهب المفيد التحريم على الذكور.
- وفي بعضها الوعيد الشديد الدال على تغليظ تحريمه.
- فالناصح لنفسه من يعظم نهى الله ورسوله بالمبادرة إلى اجتناب محارمه وهذا من أوجب الواجبات.
- بل هاهنا واجب فوق هذا الواجب وهو قيام المسلمين لله بإنكار هذا المنكر وغيره من سائر المنكرات وإن كان هذا الواجب يختلف باختلاف الناس .
- وأن يعتصموا بحبل الله جميعاً في بذل الأسباب في حصول دواء هذا الداء العضال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة من غير تقصير في ذلك ولا تجاوز للحد الشرعي فيما هنالك.(3/156)
- وأن يأخذوا على أيدي سفهائهم من قبل أن يعاقبوا على ترك هذا الفرض العظيم بقسوة القلوب وعدم الاكتراث من معضلات المعاصي والذنوب .
- فإذا قام المسلمون بهذا الواجب منحهم الله في علومهم وأفهامهم ودنياهم ودينهم وآخرتهم ما يحبون.
المرجع: حكم لبس الذهب للرجال-محمد بن إبراهيم.
ـــــــــــــــــ
مجمل أصول العقيدة
العقيدة الإسلامية تعني :
- السلف .
- أهل السنة والجماعة .
أولاً : قواعد وأصول في منهج التلقي والاستدلال :
1- مصدر العقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
2- كل ما صح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله .
3- المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص المبينة لها .
4- أصول الدين كلها وقد بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
5- التسليم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا وباطنا فلا يعارض شي من الكتاب أو السنة .
6- العقل الصريح موافق للنقل الصحيح ولا يتعارض قطعيا منها أبدا .
7- يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية .
8- العصمة ثابتة للرسول - صلى الله عليه وسلم - و الأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة .
9- في الأمة محدثون ملهمون والرؤيا الصالحة حق وهي جزء من النبوة .
10- المراء في الدين مذموم والمجادلة بالحسنى مشروعة .
11- يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد .
12- كل محدثة في الدين بدعة .
ثانياً : التوحيد العلمي الاعتقادي :
1- الأصل في الأسماء الله وصفاته إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
2- التمثيل والتعطيل في أسماء الله وصفاته كفر .
3- وحدة الوجود واعتقاد حلول الله تعالى في شي من مخلوقاته كفر .
4- الإيمان بالملائكة الكرام إجمالا وأما تفصيلا فيما صح به الدليل .
5- الإيمان بالكتب المنزلة جميعها وأن القرآن الكريم أفضلها وناسخها .(3/157)
6- الإيمان بأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر ومن زعم غير ذلك فقد كفر .
7- الإيمان بانقطاع الوحي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن اعتقد خلاف ذلك فقد كفر .
8- الإيمان باليوم الآخر وكل ما صح فيه من الأخبار وبما يتقدمه من العلامات والأشراط .
9- الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى .
10- الإيمان بما صح الدليل عليه من الغيبيات .
11- الإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشفاعة الأنبياء .
12- رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة وفي المحشر .
13- كرامات الأولياء والصالحين حق وليس كل أمر خارق للعادة كرامة .
14- المؤمنين كلهم أولياء الرحمن وكل مؤمن فيه ولاية بقدر إيمانه .
ثالثاً : التوحيد الإرادي الطلبي ( توحيد الألوهية ) :
1- الله تعالى واحد أحد .
2- صرف شيء من أنواع العبادة كالدعاء لغير الله شرك .
3- من أصول العبادة أن الله تعالى يعبد بالحب والخوف .
4- التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - .
5- الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر .
6- تقسيم الدين إلى حقيقة وشريعة باطل .
7- لا يعلم الغيب إلا الله وحده .
8- اعتقاد صدق المنجمين والكهان كفر .
9- الوسيلة المأمور بها في القران هي ما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة ، وأقسامه ثلاثة :
• مشروع / التوسل إلى الله تعالى .
• بدعي / التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع .
•شركي / اتخاذ الأموات وسائط في العبادة .
10- البركة من الله تعالى يختص بعض خلقة بما يشاء منها ، فلا تثبت في شي إلا بدليل .
11- التبرك من الأمور التوقيفية فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل ..
12- أفعال الناس عند القبور وزيارتها ، ثلاثة أنواع :
• مشروع / لتذكر الآخرة وللسلام على أهلها والدعاء لهم .
•بدعي / ينافي كمال التوحيد وهو قصد العبادة عند القبور أو التبرك بها ...(3/158)
• شركي / ينافي التوحيد وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر .
13- الوسائل لها حكم المقاصد وكل ذريعة إلى الشرك في العبادة الله .
رابعاً : الإيمان :
1- الإيمان قول وعمل يزيد وينقص .
2- من أخرج العمل عن الإيمان فهو مرجيء .
3- من لم يقر بالشهادتين لا يثبت له اسم الإيمان .
4- الإسلام والإيمان إسمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه ويسمى أهل القبلة مسلمين .
5- مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان فهو في الدنيا مؤمن ناقض الإيمان وفي الآخرة تحت مشيئة الله
6- لا يجوز القطع لمعين من أهل القبلة بالجنة أو النار .
7- الكفر في الألفاظ الشرعية نوعان :
- أكبر مخرج من الملة .
- أصغر غير مخرج من الملة .
8- التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة .
خامساً : القرآن والكلام :
1- القران كلام الله حروفه ومعانيه .
2- الله تعالى يتكلم بما شاء ومتى شاء .
3- القول بأن كلام الله معنى نفسي يكون كفرا .
4- من أنكر شيئا من القرآن و ادعى فيه النقص فهو كافر.
5- القرآن يحب أن يفسر بما هو معلوم من منهج السلف .
سادساً : القدر :
1- من أركان الإيمان : الإيمان بالقدر خيرة وشره .
2- الإرادة والأمر الواردان في الكتاب والسنة نوعان :
- إرادة كونية قدرية .
- إرادة شرعية .
3- هداية العباد وإضلالهم بيد الله .
4- العباد وأفعالهم من مخلوقات الله تعالى .
5- إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى .
6- الآجال مكتوبة والأرزاق مقسومة .
7- الاحتجاج بالقدر يكون على المصائب والآلام ولا يجوز الاحتجاج به على المعايب والآثام .
8- الانقطاع إلى الأسباب شرك في التوحيد .
سابعاً : الجماعة والإمامة :
1- الجماعة هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم بإحسان .
2- لا يجوز التفرق في الدين .
3- من خرج عن الجماعة وجب نصحه ودعوته .
4- إنما يجب حمل الناس على الجمل الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع .(3/159)
5- الأصل في جميع المسلمين سلامة القصد .
6- فرق أهل القبلة الخارجة عن السنة ، متوعدون بالهلاك والنار .
7- الجمعة والجماعة من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة .
8- لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة أو الفجور مع إمكانها خلف غيره ، وإن وقعت صحت .
9- ومن حكم بكفر ، فلا تصح الصلاة خلفه .
10- الإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة .
11- الصلاة والحج والجهاد واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا .
12- يحرم القتال بين المسلمين على الدنيا ...
13- الصحابة الكرام كلهم عدول وهم أفضل هذه الأمة .
14- من الدين محبة آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوليهم .
15- الجهاد في سيبل الله ذروة سنام الإسلام وهو ماض إلى قيام الساعة .
16- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الإسلام .
ثامناً : أهم خصائص أهل السنة والجماعة وسماتهم :
1- الاهتمام بكتاب الله .
2- الدخول في الدين كله والإيمان بالكتاب .
3- الاتباع وترك الابتداع .
4- الاقتداء والاهتداء بأئمة الهدى العدول .
5- التوسط : فهم في الاعتقاد .
6- الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق .
7- الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
8- الإنصاف والعدل .
9- التوافق في الإفهام والتشابه في المواقف .
10- الإحسان والرحمة وحسن الخلق .
11- النصيحة لله ولكتابة ولرسوله .
12- الاهتمام بأمور المسلمين ونصرتهم .
مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة – د.ناصر العقل – دار الوطن .
ـــــــــــــــــ
محاسبة النفس
مقدمة:
- هل خلوت بنفسك يوماً فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟
- هل حاولت يوماً أن تعد سيئاتك كما تعد حسناتك؟
- هل تأملت يوماً طاعاتك التي تفتخر بذكرها؟!
- إن وجدت أن كثيراً منها مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس فكيف تصبر على هذه الحال؟(3/160)
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18 .
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
أمثلة:
- كان السلف يتقربون إلى الله بالطاعات، ويحاسبون أنفسهم على الزلات، ثم يخافون ألا يتقبل الله أعمالهم.
- الصديق رضي الله عنه: كان يبكي كثيراً، ويقول: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ }الطور7. فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه. وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياماً يعاد، يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء!!.
- عثمان بن عفان ـ ذو النورين ـ رضي الله عنه: كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبلل لحيته، وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير!!.
- علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه. وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
أقوال في محاسبة النفس
- كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله: (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة).(3/161)
- وقال الحسن: لا تلقي المؤمن إلا بحساب نفسه: ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه.
- قال الحسن: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته.
- قال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.
- ذكر الإمام أحمد عن وهب قال: مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلوا فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب.
- كان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح، فيضع إصبعه فيه ثم يقول: حس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟
- قال الحسن: المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.
أقسام محاسبة النفس
- محاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل ونوع بعده.
النوع الأول: محاسبة النفس قبل العمل
- فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته.
- لا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه.
- قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر.
النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل.
- وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق الله تعالى، قلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.
- وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور وهي:
1 - الإخلاص في العمل.
2 - النصيحة لله فيه.
3 - متابعة الرسول فيه.
4 - شهود مشهد الإحسان فيه.
5 - شهود منة الله عليه فيه.
6 - شهود تقصيره فيه.(3/162)
- يحاسب العبد نفسه هل وفى هذه المقامات حقها؟
- هل أتى بها جميعاً في هذه الطاعة؟
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.
الأسباب المعينة على محاسبة النفس
- هناك أسباب تعين الإنسان على محاسبة نفسه وتسهل عليه ذلك منها:
1 - معرفته أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استرح من ذلك غداً، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً.
2 - معرفته أن ربح محاسبة النفس ومراقبتها هو سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، ومجاورة الأنبياء والصالحين وأهل الفضل.
3 - النظر فيما يؤول إليه ترك محاسبة النفس من الهلاك والدمار، ودخول النار والحجاب عن الرب تعالى ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث.
4 - صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ويطلعونه على عيوب نفسه، وترك صحبة من عداهم.
5 - النظر في أخبار أهل المحاسبة والمراقبة من سلفنا الصالح.
6 - زيارة القبور والتأمل في أحوال الموتى الذين لا يستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدرك ما فاتهم.
7 - حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير فإنها تدعو إلى محاسبة النفس.
8 - قيام الليل وقراءة القرآن والتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات.
9 - البعد عن أماكن اللهو والغفلة فإنها تنسي الإنسان محاسبة نفسه.
10 - ذكر الله تعالى ودعاؤه بأن يجعله من أهل المحاسبة والمراقبة، وأن يوفقه لكل خير.
11 - سوء الظن بالنفس،فإن حسن الظن بالنفس ينسي محاسبة النفس، وربما رأى الإنسان ـ بسب حسن ظنه بنفسه ـ عيوبه ومساوئه كمالاً.
كيفية محاسبة النفس
- ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن محاسبة النفس تكون كالتالي:
أولاً: البدء بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصاً تداركه.(3/163)
ثانياً: المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.
ثالثاً: محاسبة النفس على الغفلة ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله.
رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح، كلام اللسان، ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته.
فوائد محاسبة النفس
1 - الإطلاع على عيوب النفس، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته.
2 - التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.
3 - معرفة حق الله تعالى فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى.
4 - انكسار العبد وذلته بين يدي ربه تبارك وتعالى.
5 - معرفة كرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يعجل عقوبتهم مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.
6 - مقت النفس والإزراء عليها، والتخلص من العجب ورؤية العمل.
7 - الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد.
8 - رد الحقوق إلى أهلها، وسل السخائم، وحسن الخلق، وهذه من أعظم ثمرات محاسبة النفس.
قطار العمر
- قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تصل!!
- قال أبو الدرداء: إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك.
- يا أبناء العشرين ! كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟!
- ويا أبناء الثلاثين! أصبتم بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم؟
- ويا أبناء الأربعين! ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم!!
- ويا أبناء الخمسين ! تنصفتم المائة وما أنصفتم!!
- ويا أبناء الستين ! أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون؟ لقد أسرفتهم!!
- في صحيح البخاري عن النبي قال: { أعذر الله إلى من بلغه ستين سنة }.
أسأل نفسك:
- كم صلاة أضعتها؟
- كم جمعة تهاونت بها؟
- كم صيام تركته؟
- كم زكاة بخلت بها؟
- كم معروف تكاسلت عنه؟
- كم منكر سكت عليه؟(3/164)
- كم نظرة محرمة أصبتها؟
- كم كلمة فاحشة تكلمت بها؟
- كم أغضبت والديك ولم ترضهما؟
- كم قسوت على ضعيف ولم ترحمه؟
- كم من الناس ظلمته؟
- كم من الناس أخذت ماله؟
خاتمة:
عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؟ فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار } [مسلم].
المرجع: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا-دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
محرمات متمكنة في الأمة
- آثار الذنوب والمعاصي .
- اجتنبوا السبع الموبقات :
1. الشرك بالله .
2. السحر .
3. قتل النفس .
4. أكل الربا .
5. أكل مال اليتيم .
6. التولي يوم الزحف .
7. قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، وقد عاقب الله من رمى بالفاحشة بثلاث عقوبات :
الجلد .
رفض الشهادة .
الحكم عليهم بأنهم فاسقون .
- إياكم ومحقرات الذنوب :
1. السخرية والاستهزاء وإطلاق الكلمات البذيئة .
2. شرب الخمور وتعاطي المخدرات .
3. تعاطي القمار والميسر ، ومن أضرارها :
سبب لعقوبة الله لهؤلاء .
سبب للتهاون بالصلاة .
سبب لتضييع الأوقات .
سبب في السب والشتم والتشاحن والخلافات .
4. سماع الأغاني والموسيقى وغيرها .
5. النظر إلى الصور عبر التلفاز أو الفيديو .
6. تبرج النساء ،
• من مفاسد التبرج :
فساد أخلاق الرجال .
تحطيم الأسر وتفككها .
المتاجرة بالمرأة .
انتشار الأمراض إذا حدث الوقوع في الفاحشة .
أنها سبب في الوقوع في الزنا .
أنها سبب لوقوع العقوبات من الله .
• من دوافع التبرج :
عدم وجود الإيمان الرادع .
عدم الغيرة من أوليائهن والحرص عليهن .
جلب الأولياء لهذه الأجهزة كالتلفاز والدش .
- كيف تحصن نفسك ؟(3/165)
1. بالتربية الحسنة .
2. المحافظة على الصلوات الخمس .
3. كثرة ذكر الله .
4. مجالسة الصالحين .
المرجع: محرمات متمكنة في الأمة – عبد الله بن جبرين – جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني
وللاستزادة : محرمات شائعة في المعاملات – إعداد : عبد الكريم الديوان – دار المسلم .
ـــــــــــــــــ
مداخل الشيطان على الصالحين
أسلوب الشيطان:-
وقد ذكر ابن القيم الجوزية - رحمه الله تعالى - ست مراحل في قضية التدرج في مضمون الدعوة.
المرحلة الأولى: يسعى الشيطان لأن يكفر الإنسان أو يشرك.
المرحلة الثانية: مرحلة البدعة.
المرحلة الثالثة:مرحلة الكبائر.
المرحلة الرابعة:مرحلة الصغائر.
المرحلة الخامسة: أن يشغل الشيطان الإنسان بالمباحات, فلا ينشغل بالأمور الجادة.
المرحلة السادسة:أن يشغل الشيطان الإنسان بالعمل المفضول عما هو أفضل منه.
مداخل الشيطان ومنها:-
أولاً:التحريش بين المسلمين وإساءة الظن.
ثانياً: تزيين البدعة للإنسان.
ثالثاً: تضخيم جانب على حساب جانب آخر.
رابعاً:التسويف والتأجيل.
خامساً:الكمال الزائف.
سادساًُ:عدم التقدير الصحيح للذات وقدراتها.
سابعاً:التشكيك.
ثامناً:التخويف.
العوامل التي تساعد الشيطان في أداء وظيفته:
1- الجهل.
2- الهوى وضعف الإخلاص وضعف الدين.
3- الغفلة وعد التنبه لمداخل الشيطان.
مداخل الشيطان على الصالحين بقلم د/ عبد الله الخاطر - رحمه الله - المنتدى الإسلامي.
ـــــــــــــــــ
مراقبة الله في الخلوة
1- تعريف الخلوة : هي الحالة التي يشعر بها العبد أنه لا رقيب عليه إلا الله .
2- تعريف المراقبة : كون العبد كأنه يرى الله سبحانه وتعالى .
3- أحوال المسلم في الخلوة :
• حاله هي حاله في العلانية ولكن في الخلوة أفضل .
• أن يعمل في الخلوة مالا يليق به كمسلم صالح .
• ينتهك المحرمات وينتهك حرمات الله في الخلوة .
• أن يعمل أعمالاً مباحة لا يعملها حياءً من الناس وهذه لا حرج فيها .(3/166)
4- حرص الإسلام على تنشئة المراقبة وتنميتها :
1. الأمر بتقوى الله في الخلوة .
2. التحذير من ارتكاب المحرمات في الخلوة .
3. ذكر صفات الله المقتضية لتلك المراقبة .
4. التصريح بعلم الله لما يفعله العبد صغيراً كان أم كبيراً سراً أم علانية .
5. الاستنكار على من استخف بعلم الله لما يفعله العبد .
6. الحث على الحياء من الله .
7. ترتب الأجر العظيم على مراقبة العبد لربه .
8. المنزلة العظيمة للإحسان .
5- آثار مراقبة الله في الخلوة .
1. علامة كمال الإيمان وبلوغ مرتبة الإحسان .
2. المحافظة على الحسنات التي يكتسبها العبد المسلم .
3. صلاح السريرة أصل كل قبول .
4. أن من راقب الله في خلوته حفظه في حركات جوارحه .
5. أن من أطاع الله في خلوته أظهر الله فعله الحسن للناس .
6. من أعظم الله في الخلوة أجله في العلانية .
7. من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس .
8. من راقب الله في الخلوة ألقى الله حبه في القلوب .
6- آثار عدم مراقبة الله في الخلوة :
1. الخسارة وضياع الحسنات التي يكتسبها العبد .
2. أن من أخفى سريرة سيئة أظهر الله الناس عليها .
3. أن من لم يراقب الله في الخلوة ألقى الله بغضه في القلوب .
7- الأسباب الباعثة على المراقبة :
1. التعظيم لله عز وجل ومعرفة قدرته المطلقة .
2. تذكر علم الله المطلق وأنه رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله .
3. اليقين بأن الله عز وجل يحصي على العبد كل ما يقع منه .
4. التعبد لله بأسمائه التي تبين مراقبة الله للعبد .
5. المداومة على الطاعات وكثرة الأعمال الصالحة .
6. الفرحة واللذة التي يجدها المسلم إذا ترك معصية الله في السر مع قدرته عليها .
7. لزوم الجماعة الصالحة .
8. الدعاء .
8- نماذج من المراقبة :
1. قصة يوسف مع امرأة العزيز .
2. الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة .(3/167)
3. السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ثلاثة منهم ظهرت مراقبتهم لله عز وجل .
4. أبو بكر يستحي من ربه في الخلاء حتى إنه ليغطي رأسه .
9- بين المراقبة والمجاهرة .
10- المراقبة والتربية .
المرجع : مراقبة الله في الخلوة – عبد الرحمن العايد – دار الوطن
ـــــــــــــــــ
معاجم اللغة العربية
لم يسبق العرب فى صناعة المعاجم - من الناحية التاريخية - سوى عدد قليل من الشعوب القديمة ذات التراث الحضارى العريق كالهنود واليونانيين والصينيين والمصريين القدماء.
وإذا كان المعجم العربى - كغيره من سائر فروع الدراسات اللغوية - لم ينشأ إلا بعد ظهور الإسلام ، وباعتباره ثمرة من ثمار الدرس القرآنى، فقد استطاع - منذ ظهوره - أن يشق لنفسه طريقا مستقلا، وأن يحقق من التفوق والتميز ما جعله ينافس معاجم الشعوب الأخرى وقد كان هذا التفوق نتاج عوامل أربعة هى :
1- التفكير المبكر فى عمل معجم حيث ظهر أول معجم كامل فى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) على يد العالم اللغوى الخليل بن أحمد الفراهيدى (100-175هـ).
2- التفرد بهدف غاب فى معاجم الشعوب الأخرى، وهو تسجيل المادة اللغوية بصورة شاملة، وشرحها بطريقة منظمة، فى حين أن معاجم الشعوب الأخرى مجرد قوائم لشرح الكلمات النادرة أو الصعبة.
3- كثرة ما ظهر من معاجم عربية على امتداد السنوات والقرون حتى إن عدها يكاد يندّ عن الحصر.
4- تنويع أشكال المعاجم العربية بصورة كبيرة، وبشكل يستنفد كل الاحتمالات العقلية الممكنة للترتيب ، كما يبدو من الجدول الآتى:
نوع المعجم ونماذج لكل منهما:
1- معاجم المعانى أو الموضوعات:
أ - الغريب المصنف لأبى عبيد القاسم بن سلام (157-224هـ).
ب - المخصص لابن سيدة (398-458هـ).
2- معاجم الترتيب الصوتى:
أ- العين للخليل بن أحمد (100-175هـ).
ب- تهذيب اللغة للأزهرى (282-370هـ).
3- معاجم الأبنية أو الأوزان:(3/168)
أ- ديوان الأدب للفارابى (000-350هـ).
ب- شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميرى (467-538).
4- معاجم الترتيب الألفبائى حسب أوائل الكلمات:
أ- الجيم لأبى عمرو الشيبانى (94-206هـ).
ب- أساس البلاغة للزمخشرى (467-538هـ).
ج- المصباح المنير للفيومى (000-770هـ).
5- معاجم الترتيب الألفبائى حسب أواخر الكلمات:
أ- الصحاح للجوهرى (00-393هـ).
ب- لسان العرب لابن منظور (630-711هـ).
(أصدرت دار المعارف المصرية نسخة مرتبة ترتيب الألف باء حسب أوائل الكلمات).
ج- القاموس المحيط للفيروزآبادى (729-817هـ).
احتلت المعاجم العربية مكانا مرموقا بين المعاجم عبر عنه خبير المعاجم الأوروبى Haywood بقوله: "الحقيقة أن العرب فى مجال المعجم يحتلون مكان المركز سواء فى الزمان أو المكان بالنسبة للعالم القديم والحديث وبالنسبة للشرق والغرب".
أ.د/أحمد مختار عمر
ـــــــــــــــــ
مفسدات القلب
مقدمة:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما مفسدات القلب الخمسة فهي كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام. فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.
المفسد الأول: كثرة المخالطة.
• إن امتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم يجعله يسود.
• ويوجب له تشتتاً وتفرقاً وهماً وغماً وضعفاً.
• وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم.
• وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم.
• فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟
• وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا، قد تنقلب عداوة.
• قال تعالى: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } [الزخرف:67].(3/169)
• وقال خليله إبراهيم لقومه: { إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ } [العنكبوت:25].
الضابط النافع في أمر الخلطة:
• أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.
• وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.
المفسد الثاني من مفسدات القلب: التمني.
• إن المنى رأس أموال المفاليس.
• وهي بضاعة كل نفس مهينة، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية.
• أما صاحب الهمة العالية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله.
• مدح النبي متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله.
المفسد الثالث من مفسدات القلب: التعلق بغير الله تبارك وتعالى.
• وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق.
• إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به.
• قال الله تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً {81} كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم:82،81].
• أعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله.
• أساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله. ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى: { لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } [الإسراء:22].
المفسد الرابع من مفسدات القلب: الطعام.
والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: المحرمات.
• كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه.
والثاني: ما يفسده بتعدي حده.
• كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط.
• لأنه يثقله عن الطاعات.(3/170)
• ويقوي عليه موارد الشهوة، ومجاري الشيطان لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم.
• والصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها.
• من أكل كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيراً.
المفسد الخامس: كثرة النوم.
• لأنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل.
• منه المكروه جداً، ومنه الضار غير النافع للبدن.
• أنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه.
• من المكروه: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ لأنه وقت غنيمة.
المرجع: مفسدات القلب الخمسة-ابن القيم الجوزية-دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
منكرات الأفراح
من منكرات الأفراح والأعراس
مقدمة
- الزواج من سنن المرسلين.
- ومن حق هذه النعمة الشكر، وألا تتخذ وسيلة للوقوع فيما حرم الله.
مخالفات تتعلق بمبدأ الزواج
- العزوف عن الزواج .
- تأخير تزويج البنات والأخوات.
مخالفات في الخطوبة والعقد
- عدم تمكين الخاطب من الرؤية الشرعية.
- الزيادة في المهور بما لا يطاق.
- دبلة الخطوبة
مخالفات في الأفراح والولائم
- التشريعة عند الزواج.
وهي أن تلبس المرأة ثوبا أبيضاً كبيراً وتلبس معه شرابا أبيض وقافزين أبيضين كذلك، ثم توضع في مكان فسيح وعلى ملأ من الناس، ثم يدخل عليها الزوج ويسلم عليها أمامهم ويعطيها التحف والهدايا.
- النصة .
وهو دخول العريس والعروس وجلوسهما في مكان عال بمرأى من جميع الحاضرين.
-خروج النساء متطيبات.
- الاختلاط.
- التصوير.
من منكرات الوليمة
- دعوة الأغنياء وذوي الجاه، وترك الفقراء.
- الإسراف.
تنبيه على عادتين جاهليتين
- تهنئة الجاهلية.فمن العادات المنكرة تهنئة العروسين بقولهم: (بالرفاء والبنين).
- شهر العسل .المرجع: من منكرات الأفراح والأعراس -دار الوطن.
ـــــــــــــــــ
مواصفات جيل التمكين
?د. أحمد بلوافي
1 - بين يدي الموضوع:(3/171)
عند العودة إلى كتاب الله نجد أن كلمة مكَّن ومشتقاتها وردت في ما يقرب من العشرين آية (16 آية)، أثنتا عشرة آية منها دار مدلول الكلمة فيها حول المعنى الذي نريده؛ وهو أن يجعل الله سبحانه الممكن لهم خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم ولهم تخضع البلاد والعباد، وتصلح في حال تولي المؤمنين[1] .
ومن شأن هذا الأمر أن يسمح للممكن لهم أن تكون لهم اليد الطولي وبسط نفوذهم على من يقع تحت إمرتهم أو إشرافهم، فيستطيعوا من خلال ذلك الموقع فرض أنظمتهم وسن قوانينهم فيسايرهم في ذلك أمماً طوعاً أو كرهاً من يقع تحت دائرة تأثيرهم.
ومن خلال استعراض الآيات في كتاب الله يتضح هذا الأمر بكل جلاء، ويمكن تقسيم هذا الاستعراض إلى أربعة أقسام:
1 - التمكن لنبي الله يوسف عليه السلام، قال تعالى: ?وكذلك مكنا ليوسف في الأرض? [يوسف: 21]، وقال عز من قائل: ?وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين? [يوسف: 56].
2 - التمكين لذي القرنين، قال تعالى: ?ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً? [الكهف: 84]، وقال سبحانه: ?قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينه ردماً? [الكهف: 95].(3/172)
3 – التمكين للذين كفروا، نذكر منه على سبيل المثال بعض الآيات، قال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف، الآية العاشرة بعد أن أقسم جل وعلا أنه سيسأل المرسلين والأقوام الذين أرسلوا فيهم: ?ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون?، وقال في سورة الأنعام [6]: ?ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين?، وقال سبحانه في سورة القصص [57]: ?وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء?، وغير ذلك من الآيات.
4 - التمكين للمؤمنين أو الوعد لهم بذلك، قال سبحانه عن أصحاب موسى عليه السلام: ?وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها? [الأعراف: 137]، وقال في سورة القصص [5 – 6]: ?ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونُمكن لهم في الأرض?، وقال لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والذين يأتوا من بعدهم: ?وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأمر كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً? [النور: 55]، وقال في سورة الحج [41]: ?الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور?.(3/173)
هذه معظم المواطن التي وردت فيها كلمة مكَّن ومشتقاتها وتلك هي معانيها وكلها تدور، كما ذكرنا سابقاً، حول إمامة الناس والتولي عليهم وإخضاعهم لسلطة ونفوذ الأقوام الممكن لهم. ولنا كلمة أو وقفة حول الوعد بالتمكين للمؤمنين حيث أنه عند استعراض الآيات التي يتعلق أمر التمكين فيها للمؤمنين نجد أن الله يتحدث على ما بعد التمكين وما يجب أن يكون عليه أمر الفئة المُمَكَّن لها، وهو الأمر الخطير، وذلك لأن النفوس في حال النصر والتمكين والظفر برقاب الناس قد يخالط سويداء قلوبها ما يجعلها تتكبر على الخلق وتنتقم منهم، فاقتضى المقام التنبيه على ذلك، كما قال موسى عليه السلام لقومه المستضعفين: ?عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون?، وتذكير المؤمنين أن تمكينهم يختلف عن تمكين غيرهم، فهم يمثلون مبدأ ورسالة سماوية وليس منهجاً أرضياً، وهم فوق ذلك مؤتمنون عليها، فهذا الذي ائتمنهم - وهو الله جل جلاله - يقول لهم: هذا هو الحال الذي أطلب منكم أن تكونوا عليه عند حصول التمكين لكم.
ونحن نتطلع إلى ذلك اليوم الذي يعز الله فيه الإسلام وجنده، ويخذل الشرك وأهله، يجب علينا أن نضع هذه المعاني نصب أعيننا حتى نزيل العوائق التي تحول بين هذا الواقع المشرق المضيء وبين واقع الذل والهوان الذي نتجرع كؤوسه كل يوم.
2 - بين الوعد والتهديد:
وعد الله الذين آمنوا بالنصر والتمكين ثم الظفر بأعدائهم في آيات كثيرة من كتابه العزيز، والله لا يخلف وعده، فإذا ما تخلف هذا الوعد وتأخر فعلى المؤمنين أن يراجعوا مسيرتهم وأن يتهموا أنفسهم ليكتشفوا المثالب والأخطاء التي وقعوا فيها حتى يتجنبوها، ويجب عليهم أن يقتلعوها من جذورها حتى لا تألفها النفوس وتعتاد على العيش في مستنقعها الآسن [كما هو واقعنا اليوم فإلى الله المشتكى].(3/174)
فالحق جل في علاه يقول: ?إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد?، ?وكان حقاً علينا نصر المؤمنين?، ?والعاقبة للمتقين?، ?واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفين في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره?، ?وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب?، وغير ذلك مما هو مبسوط في كتاب الله، أو مبين في سنة رسوله عليه السلام.
هذا الرب الرحيم الودود الذي قطع على نفسه هذا الوعد، هو الذي هدد من يتقاعس أو يتوانى أو يرتد عن نصرة هذا الدين بالاستبدال في حال الإقدام على هذه الأمور الذميمة.
فقال في سورة المائدة [54]: ?يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم – إلى قوله – والله واسع عليم?.
وقال في سورة التوبة: ?قل إن كان آباؤكم – إلى قوله – والله لا يهدي القوم الفاسقين?، وقال: ?يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله – إلى قوله – والله على كل شيء قدير?.
وقال في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: ?ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني - إلى قوله - ثم لا يكونوا أمثالكم?، قال القرطبي: "أي في الجهاد وطرق الخير".
وبالعودة إلى أسباب النزول وبعض ما تضمنته هذه الآيات من أحكام نجد ما يلي:(3/175)
1 - ذكر المفسرون عند آيات سورة المائدة بعض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين ما سيقع في هذه الأمة من ارتداد بعض الطوائف عن الإسلام، وذلك لأن هذه الآية كانت من أواخر ما نزل في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من القرآن. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حول هذه الآية وما قبلها في سورة المائدة: "فالمخاطبون بالنهي عن موالاة اليهود والنصارى هم المخاطبون بآية الردة، ومعلوم أن هذا يتناول جميع قرون الأمة، وهو سبحانه لما نهى عن موالاة الكفار، وبين أن من تولاهم من المخاطبين فإنه منهم؛ بين أن من تولاهم وارتد عن دين الإسلام لا يضر الإسلام شيئاً، بل سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، فيتولون المؤمنين دون الكفار، ويجاهدون في سبيل الله؛ لا يخافون لومة لائم - إلى أن قال - فهؤلاء الذين لم يدخلوا في الإسلام، وأولئك الذين خرجوا منه بعد الدخول فيه؛ لا يضرون الإسلام شيئاً، بل يقيم الله من يؤمن بما جاء به رسوله وينصر دينه إلى قيام الساعة" [من وسائل دفع الغربة، ص 63 - 64].
2 - آيات سورة التوبة، جاءت عقب النهي عن موالاة الآباء والإخوة الكفار وختم ذلك بقوله: ?والله لا يهدي القوم الفاسقين?، يقول الألوسي رحمه الله: "أي الخارجين عن الطاعة في موالاة المشركين وتقديم محبة من ذكر على محبة الله عز وجل ورسوله..." اهـ.
3 – ?يستبدل قوماً غيركم?، "وصفهم بالمغايرة لهم لتأكيد الوعيد والتشديد في التهديد بالدلالة على المغايرة الوصفية والذاتية المستلزمة للاستئصال، أي قوماً مطيعين، مؤثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامكم وهم أبناء فارس كما قال سعيد بن جبير، أو أهل اليمن، كما روي عن أبي روق، أو ما يعم الفريقين كما اختاره بعض المحققين" [نفس المرجع: ص 133].(3/176)
4 - آية التوبة: ?يا أيها الذين آمنوا مالكم...?، قال ابن عطية: "ولا اختلاف بين العلماء في أن هذه الآية نزلت عتاباً على تخلف من تخلف عن غزوة تبوك..." اهـ.
يتبين من خلال الجمع بين هذه النصوص؛ نصوص الوعد ونصوص التهديد أن أمر التمكين والظفر بالأعداء لا يستحقه كل من انضوى تحت مسمى الإيمان وهو مع ذلك راكد لا تهز كيانه ولا تحرك مشاعره ووجدانه نداءات الوحي ومتطلبات الإيمان. كلا، إن هذا الأمر لا يستحقه إلا من تخلى عن الصفات الذميمة التي ذكرها الله في معرض التهديد، واتصف بالصفات الإيجابية التي ذكرت في تلك الآيات أو في غيرها، وإليك أخي الكريم بيان موجز لبعض تلك الصفات التي نسأل الله أن يوفقنا لامتثالها في حياتنا وفي أنفسنا حتى يغير الله ما بنا من واقع الذل والهوان.
3 - بعض المواصفات: يصعب حصر تلك الصفات وتناولها بشيء من التفصيل في مثل هذا الحيز المتاح، وما سيرد ذكره هو على سبيل المثال ومما استدعى المقام الإشارة إليه لأهميته وتذكير أنفسنا به.
أ - أولى هذه المواصفات: أنه جيل يحب الله ويحبه الله.
قال تعالى: ?فسوف يأتي الله بقوم يحبهم الله ويحبونهم?، وهذه أول صفة ذكرها الله في معرض تهديد من ارتد عن الإسلام، وبالعودة إلى الآيات التي ذكرناها سابقاً نجد أن هذه الصفة من أهم الخصال التي يجب أن يتحلى بها يريد أن يحقق الله على يديه أمر إعزاز الإسلام والمسلمين.
فتقديم محاب الله ورسوله على الأمور التي جبل الإنسان على محبتها مثل المال والولد والزوج والعشيرة أو النفس أو غيرهما دلالة كذلك على صدق هذه المحبة ومحك لاختبار دعوى من يتشدق بها. ?ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً? لماذا؟ ?إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً?.(3/177)
ولهذا نقل عن السلف قولهم أن قوماً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ادعوا محبة الله فاختبرهم الله جل وعلا بقوله في سورة آل عمران: ?قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله? [آل عمران: 31]، وتسمى هذه الآية آية المحنة لامتحانها القلوب في ادعائها هذا.
ومحبة الله عبده رضاه عنه وتيسير الخير له، ومحبة العبد ربه انفعال النفس نحو تعظيمه والأنس بذكره وامتثال أمره والدفاع عن دينه [ابن عاشور: 236].
وإننا في هذه الأيام وفي هذه الديار لفي أشد الحاجة إلى تذكير هذه المعاني والعمل بمقتضاها وترك ما ينافيها وذلك بعرض أعمالنا وأقوالنا على المحجة البيضاء التي تركنا عليها خير الورى.
وسنعيش لحظات مع بعض المعاني والآثار التي أوردها ابن القيم رحمه الله في كتابه الرائع (مدارج السالكين) وذلك بتناول الأمور التالية:
1 - أهمية المحبة: وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
وهي سمة هذه الطائفة المسافرين إلى ربهم، الذين ركبوا جناح السفر إليه، ثم لم يفارقوه إلى حين اللقاء، وهم الذين قعدوا على الحقائق، وقعد من سواهم على الرسوم.
وهي عنوان طريقتهم ودليلها، فإن العنوان يدل على الكتاب، والمحبة تدل على صدق الطالب، وأنه من أهل الطريق.
كما إنها "معقد النسبة" أي النسبة التي بين الرب وبين العبد، فإنه لا نسبة بين الله وبين العبد إلا محض العبودية من العبد والربوبية من الرب، وليس في العبد شيء من الربوبية، ولا في الرب شيء من العبودية، فالعبد عبد من كل وجه، والرب تعالى هو الإله الحق من كل وجه.(3/178)
ومعقد نسبة العبودية هو المحبة، فالعبودية معقودة بها، بحيث متى انحلت المحبة انحلت العبودية، والله أعلم.
وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها، وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله - يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة - : أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة.
ومضى يقول رحمه الله:
فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطلت منازل السير إلى الله، فإنها روح كل مقام ومنزلة وعمل، فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه، ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها، بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام، فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله، فمن لا محبة له لا إسلام له ألبتة، بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، فإن "الإله" هو الذي يألهه العباد حباً وذلاً، وخوفاً ورجاء، وتعظيماً وطاعة له. بمعنى "مألوه" وهو الذي تألهه القلوب، أي تحبه وتذل له.
2 – حقيقتها: لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لادّعى الخلي حرقة الشجي، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة ?قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله? [آل عمران: 31].
فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة بتزكية: ?يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائمة? [المائدة: 54].(3/179)
فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم. فهلموا إلى بيعة ?إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة? [التوبة: 111].
فلما عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع، عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأناً، فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي، من غير ثبوت خيار، وقالوا: "والله لا نقيلك ولا نستقيلك".
فلما تم العقد، وسلموا المبيع، قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معاً: ?ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله? [آل عمران: 169، 170].
إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب، أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى.
ومن أجمع ما قيل فيها: ما ذكره أبو بكر الكتاني، قال: جرت مسألة في المحبة بمكة أعزها الله تعالى - أيام الموسم - فتلكم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سناً، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي، فأطرق رأسه، ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله.
فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جزاك الله ياتاج العارفين.
3 - الأسباب الجالبة لها: في الأسباب الجالبة للمحبة، والموجبة لها. عشرة:
أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.(3/180)
الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنه والظاهرة، فإنها داعية إلى محبته.
السابع: وهو من أعجبها - انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما تنتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيداً لحالك، ومنفعة لغيرك.
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
فمن هذه الأسباب العشرة: وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب، وملاك ذلك كله أمران: استعداد الروح لهذا الشأن، وانفتاح عين البصيرة، وبالله التوفيق.
4 - بعض الآثار في تبيين حقيقتها وأهميتها: ففي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر - بعد إذ أنقذه الله منه - كما يكره أن يلقى في النار"[2] .(3/181)
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"[3] ، وفي الصحيحين عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله العبد دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"[4] . وذكر في البغض عكس ذلك.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنهما في حديث أمير السرية الذي كان يقرأ ?قل هو الله أحد? لأصحابه في كل صلاة، وقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبروه أن الله يحبه"[5] .
والقرآن والسنة مملوآن بذكر من يحبه الله سبحانه من عباده المؤمنين، وذكر ما يحبه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم، كقوله تعالى: ?والله يحب الصابرين? [آل عمران: 146]، ?والله يحب المحسنين? [آل عمران: 134]، ?إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين? [البقرة: 222]، ?إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص? [الصف: 4]، ?فإنه الله يحب المتقين? [آل عمران: 76].
وقوله في ضد ذلك: ?والله لا يحب الفساد? [البقرة: 205]، ?إن الله لا يحب كل مختال فخور? [لقمان: 18]، ?والله لا يحب الظالمين? [آل عمران: 57، 140]، ?إن الله لا يحب من كان مختالاً كفوراً? [النساء: 36].(3/182)
وكم في السنة: "أحب الأعمال إلى الله كذا وكذا"، و "إن الله يحب كذا وكذا"، وكقوله: "أحب الأعمال إلى الله: الصلاة على أول وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله"[6] ، و "أحب الأعمال إلى الله: الإيمان بالله، ثم الجهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور"[7] ، و "أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه"[8] ، وقوله: "إن الله يحب أن يؤخذ برخصه"[9] .
وبعد؛ لقد حاولنا الطواف والوقوف على بعض المعاني والآثار التي تبين حقيقة وأهمية محبة العبد لله ومحبة الله للعبد، فعلينا أن نلزم تلك الحدود وأن لا نتعداها أو نبخسها حقها، وعلينا فوق ذلك أن نعرض أعمالنا وأقوالنا على هذه الموازين الثابتة لننظر هل نحن فعلاً صادقون في دعوانا أننا نحب الله؟ فإذا كانت إجابتنا إيجاباً حمدنا الله على ذلك وشمرنا على ساعد الجد والاجتهاد لطلب المزيد. وإذا كانت غير ذلك فما علينا إلا أن نسارع إلى تدارك ما فاتنا من نقص حتى لا نكون سبباً في هلاك أنفسنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونكون سبباً في زيادة بلايانا ورزايانا بما كسبت أيدينا من معاص وآثام.
ب - ثاني هذه المواصفات: أنه جيل مجاهد لا تأخذه في الله لومة لائم: قال تعالى: ?يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائمة?، وقال جل شأنه: ?إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن – إلى قوله – ذلك هو الفوز العظيم? [التوبة: 111].
والحديث عن الجهاد وأثره في إعزاز أمة الإسلام يطول، ويكفي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في الأحاديث الصحيحة أن الأمة سيصيبها الذل والصغار إن هي تركت هذه الشعيرة العظيمة وأنه لا يُرفع عنها لباس الهوان هذا إلا العودة الصادقة إلى ممارسة هذه الشعيرة وتربية الأجيال على معانيها وطلب معاليها.(3/183)
يقول سيد رحمه الله معلقاً على آيتي 38 و 39 من سورة التوبة: "والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب الآخرة وحده؛ فهو كذلك عذاب الدنيا، عذاب الذلة التي تصيب القاعدين واستغلالها للمعادين، وهم كذلك يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون من الكفاح والجهاد، ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرام لو قدموا لها الغداء، وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب عليها الذل فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها كفاح الأعداء" اهـ.
وقد مثل جيل الصحابة رضوان الله عليهم النموذج الفذ في تطبيق متطلبات الجهاد والشوق إلى ما عند الله، وهذا الأمر له صلة بما قبله، وذلك لأن هذا الجيل أحب الله وأحب لقاءه، فكان يبحث عن أيسر السبل التي توصله إلى محبوبة، فوجد في حب الشهادة والاستشهاد وامتطاء صهوة جوادها الوسيلة المثلى لتحقيق هذا المبتغى.
فكانت تحيتهم هذه نقيض ما قاله من كانوا مع موسى عليه السلام: ?اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون?، بل قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون".
ولا يتسع المقام إلى العيش مع صور من تلك البطولات فعلى المرء أن يطلبها من مظانها وأن يستلذ بالاطلاع عليها ويجعل ذلك جزءاً من برنامجه التربوي حتى تعلو همته، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون أبناءهم مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يعلمونهم السورة من القرآن.
وقبل أن نترك هذه الخصلة لابد أن نشير إلى أن للجهاد أحكاماً وضوابطاً ليس هذا مجال التفصيل فيها، كما أن له أخلاقاً تبين المجاهد الصادق من غيره. فمن أخلاق المجاهدين الرحمة والشفقة بالناس والأخذ بأيديهم إلى طريق الحق وليس من أخلاقهم التعالى والتكبر واحتقار جهد الآخرين والنظر إليهم بعين الازدراء والسخرية.(3/184)
فقد كان الصحابة أكبر المجاهدين وأفضل المضحين ولكنهم مع ذلك كانوا ?رحماء بينهم? و ?أشد على الكفار?، ?أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين?، أما الذين يزايدون ببعض بطولاتهم ويتشدقون بذلك، فعليهم أن يراجعوا مسيرتهم ويعرضوها على نقاء السيرة التي تركها رجال خير القرون. فهؤلاء الأفذاذ على ما بذلوه من تضحية وجهاد وعلم وعمل كانوا دائماً يخافون من أن تحبط أعمالهم وكانوا دائماً يحتقرون تلك الأعمال مقابل ما أعده الله لهم من جنات النعيم.
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل أمين سر النبي - صلى الله عليه وسلم - حذيفة بن اليمان رضي الله عنه هل ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في عداد المنافقين الذين أسر له بهم؟ وهذا التابعي بن أبي مليكة يقول: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد، كلهم يخشى النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول أن إيمانه على مستوى إيمان ميكائيل وجبرائيل، وغير ذلك من الآثار كثير، التي تبين تواضع القوم وانكسار قلوبهم وإخباتها لربها، على عكس كثير ممن رفعوا شعار هذه الفريضة في هذا الزمان أو تصدوا لأعمال دعوية أخرى تتطلب الشجاعة والإقدام فتباهوا على الناس بها وازدروا أعمال غيرهم الصائبة.
وذكر هذه المسألة والتركيز عليها من شأنه أن يجعلنا دائماً - مهما قدسنا من أعمال وتضحيات - في مراجعة دائمة لسيرنا ومسيرتنا وذلك حتى نتدارك عوامل الخلل والنقص والمواطن التي أتى أعداؤنا إلينا منها، ومن ذلك نذكر القضايا التالية:
1 - التشرذم، فلا يعقل في عصر تكالبت علينا فيه الأمم قاطبة والأعداء بجميع أصنافهم أن ينفرد بأمر المواجهة فئة من الناس غير واضعة في حسابها هذه المعادلة، مع ما أوجبه الله سبحانه وتعالى من ضرورة تراص الصفوف والتصاقها ببعضها في ساحات الوغى ?إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص?.(3/185)
2 - معرفة أحكام الجهاد ومعالمه حتى نسير في كل خطوة نخطوها على بينة من أمرنا، فالله تعبدنا بما شرع لنا هو لا بما شرعت لنا أنفسنا وأهواؤها.
3 - معرفة الراية التي نقاتل تحتها، وهي الراية التي تكون كلمة الله تحت لوائها هي العليا وليس القتال من أجل القومية أو الحزب أو الجماعة أو الحمية والشجاعة وإنما من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.
ج - ثالث هذه الصفات: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين: قال تعالى: ?محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم?، وقال: ?واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين?، ?ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك?، نعم هكذا كان حال الرعيل الأول، وذلك كان حال معلمهم معهم، وهكذا يجب أن يكون حال من يريد اقتفاء أثرهم وتحقيق الثمرة التي حققوها، من خفض الجناح ولين الجانب عندما يتعلق الأمر بالمؤمنين وبالشدة والعزة والإباء عندما يتعلق الأمر بأعداء الله المحاربين.
يقول ابن عاشور عند آية سورة المائدة: "فالمراد هنا بالذل بمعنى لين الجانب وتوطئة الكنف، وهو شدة الرحمة والسعي للنفع، ولذلك علق به قوله ?على المؤمنين?... والأعز جمع العزيز، فهو المتصف بالعزة وهو القوة والاستقلال... وفي [أي الجمع بين صفتي الذلة والعزة] إيماء إلى أن صفاتهم تسيرها آراؤهم الحصيفة [المنقادة للشرع] فليسوا مندفعين إلى فعل ما إلا عن بصيرة، وليسوا ممن تنبعث أخلاقه عن سجية واحدة بأن يكون ليناً في كل حال، وهذا هو معنى الخلق الأقوم، وهو الذي يكون في كل حال بما يلائم ذلك الحال، قال [الشاعر]:
حليم إذا ما الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدو مهيب" اهـ.(3/186)
وهذا الذي ذكره الله في هذا الموضع من ضرورة وإيجاب التصرف في كل حال ومع كل قوم بما يناسب المقام شبيه بقوله سبحانه في سورة هود: ?فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا?، وهي الآية التي شيبت النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر ذلك المفسرون.
قال الألوسي عند نفس الآية [آية سورة المائدة]: "?أذلة على المؤمنين? عاطفين عليهم متذللين لهم... وكان الظاهر أن يقال: أذلة للمؤمنين كما يقال تذلل له، ولا يقال: تذلل عليه للمنافاة بين التذلل والعلو لكنه عدي بعلى لتضمينه معنى العطف والحنو المتعدي بها، وقل: للتنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم، ولعل المراد بذلك أنه استعيرت (على) لمعنى اللام ليؤذن بأنهم غلبوا غيرهم من المؤمنين في التواضع حتى علوهم بهذه الصفة..." اهـ.
قال الشاعر:
ملأ السنابل تنحني لخشوع والفارغات رؤوسهن شوامخ
إن الإيمان إذا سكن في القلب واستجابت لذلك الجوارح تحول المؤمن إلى شجرة طيبة ريحها وثمرها يسقي من ماء غير آسن وأصلها ثابت وفرعها في السماء.
يقول صاحب زبدة التفسير: "أي يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين، ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين، ويجمعون بين المجاهدة في سبيل الله، وعدم خوف الملامة في الدين، بل هم متصلبون لا يبالون بما يفعله أعداء الحق وحزب الشيطان، من الازدراء بأهل الدين، وقلب محاسنهم مساوئ، ومناقبهم مثالب، حسداً وبغضاً وكراهة للحق وأهله" اهـ.
قال ابن كثير رحمه الله عند نفس الآية [آية سورة المائدة]: "وهذه صفات المؤمنين الكُهَّل أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه متعززاً على عدوه كقوله تعالى: ?أشداء على الكفار رحماء بينهم? ومن علامة حب الله تعالى للمؤمنين أن يكون لين الجانب متواضعاً لإخوانه المؤمنين، متسربلاً بالعزة حيال الكافرين والمنافقين" اهـ.(3/187)
وهذا ما تضافرت نصوص الوحي لتثبيته في قلوب الناس وليكون من يريد تحقيق أمر التمكين على يديه مثالاً يحتذى في تطبيق هذه الأخلاق الرائعة والعمل بها، ولقد خوطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لو كان غليظ القلب شديداً مع أصحابه لانفضوا من حوله: ?ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك?.
الفظ: الغليظ السيء الخلق.
انفضوا: تفرقوا.
ونذكر هنا بعضاً من النصوص وأقوال أهل العلم التي تحث المؤمنين على هذه الأخلاق:
1 - بعض النصوص: قال الله تعالى: ?وعباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هوناً? [الفرقان: 61]، أي سكينة ووقاراً متواضعين، غير أشرين، ولا مرحين ولا متكبرين، قال الحسن: علماء حلماء، وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون، وإن سفه عليهم حلموا.
و "الهون" بالفتح في اللغة: الرفق واللين. والهون بالضم: الهوان، فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان، والمضموم: صفة أهل الكفران، وجزاؤهم من الله النيران.
وقال تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين? [المائدة: 54].
لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة "على" تضميناً لمعاني هذه الأفعال، فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل، وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول، فالمؤمن ذلول، كما في الحديث: "المؤمن كالجمل الذلول، والمنافق والفاسق ذليل"[10] وأربعة يعشقهم الذل أشد العشق: الكذاب، والنمام، والبخيل، والجبار.
وقوله: ?أعزة على الكافرين? هو من عزة القوة والمنعة والغلبة. قال عطاء رضي الله عنه: للمؤمنين كالوالد لولده، وعلى الكافرين كالسبع على فريسته، كما قال في الآية الأخرى ?أشداء على الكفار رحماء بينهم? [الفتح: 29].(3/188)
وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إلي: أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد"[11] .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"[12].
وفي حديث احتجاج الجنة والنار: "أن النار قالت: مالي لا يدخلني غلا الجبارون، والمتكبرون؟ وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم" وهو في الصحيح[13] .
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: العزة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني عذبته"[14] .
2 - هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك:
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر على الصبيان فيسلم عليهم[15] .
وكانت الأمة تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت[16].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل لعق أصابعه الثلاث[17] .
وكان - صلى الله عليه وسلم - يكون في بيته في خدمة أهله[18] ولم يكن ينتقم لنفسه قط[19] .
وكان - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله[20] .
ويعلف البعير ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشى مع الأرملة واليتيم في حاجتهما[21]، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، ولو إلى أيسر شيء[22] .
وكان - صلى الله عليه وسلم - هي المؤنة، لين الخلق، كريم الطبع، جميل المعاشرة، طلق الوجه بساماً، متواضعاً من غير ذلة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار؟ - أو تحرم عليه النار - تحرم على كل قريب هين لين سهل" رواه الترمذي، وقال حديث حسن[23] .(3/189)
وقال: "لو دعيت إلى ذراع - أو كراع - لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع - أو كراع - لقبلت" رواه البخاري[24] .
3 - حقيقة الذل والتواضع:
سئل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق، وينقاد له. ويقبله ممن قاله.
وقال الجنيد بن محمد: هو خفض الجناح، ولين الجانب.
وقال ابن عطاء: هو قبول الحق ممن كان، والعز في التواضع، فمن طلبه في الكبر فهو كتطلب الماء من النار.
وقال إبراهيم بن شيبان: الشرف في التواضع، والعز في التقوى، والحرية في القناعة.
وقال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: "يا أمر المؤمنين؛ لا ينبغي لك هذا، فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها".
وولي أبو هريرة رضي الله عنه إمارة مرة، فكان يحمل حزمة الحطب على ظهره، ويقول: طَرِّقوا للأمير.
ومر الحسن على صبيان معهم كسر خبز، فاستضافوه، فنزل فأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله، فأطعمهم وكساهم، وقال: اليد لهم، لأنهم لا يجدون شيئاً غير ما أطعموني، ونحن نجد أكثر ممنه.
ويذكر أن أبا ذر رضي الله عنه عير بلالاً رضي الله عنه بسواده، ثم ندم، فألقى بنفسه، فحلف: لا رفعت رأسي حتى يطأ بلال خدي بقدمه، فلم يرفع رأسه حتى فعل بلال.
وروح التواضع: أن يتواضع العبد لصولة الحق. بأن يتلقى سلطان الحق بالخضوع له، والذل، والانقياد، والدخول تحت رقة، بحيث يكون الحق متصرفاً فيه تصرف المالك في مملوكه، فبهذا يحصل للعبد خلق التواضع، ولهذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الكبر بضده، فقال: "الكبر بطر الحق، وغمص الناس"[25] . فبطر الحق: رده وجحده، والدفع في صدره، كدفع الصائل، و "غمص الناس" احتقارهم، وازدراؤهم، ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم، وجحدها، واستهان بها.(3/190)
ولما كان لصاحب الحق مقالة وصولة: كانت النفوس المتكبرة لا تقر له بالصولة على تلك الصولة التي فيها، ولا سيما النفوس المبطلة، فتصول على صولة الحق بكبرها وباطلها، فكان حقيقة التواضع: خضوع العبد لصولة الحق، وانقياده لها، فلا يقابلها بصولته عليها.
وجمال التواضع إنما يكون بأن ترضى بما رضي الحق به لنفسه عبداً من المسلمين أخاً، وأن لا ترد على عدوك حقاً، وأن تقبل من المعتذر معاذيره.
فإذا كان الله قد رضي أخاك المسلم عبداً، أفلا ترضى أنت به أخاً؟ فعدم رضاك به أخاً: عين الكبر، وأي قبيح أقبح من تكبر العبد على عبد مثله، لا يرضى بأخوته، والله راض بعبوديته؟.
ولا تصح لك درجة "التواضع" حتى تقبل الحق ممن تحب وممن تبغض فتقبله من عدوك كما تقبله من وليك، وإذا لم ترد عليه حقه، فكيف تمنعه حقاً له قبلك؟ بل حقيقة "التواضع" أنه إذا جاءك قبلته منه، وإذا كان له عليك حق أديته إليه، فلا تمنعك عداوته من قبول حقه، ولا من إيتائه إياه.
وكذلك من أساء إليك ثم جاء يعتذر عن إساءته فإن "التواضع" يوجب عليك قبول معذرته، حقاً كانت أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله تعالى، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين الذين تخلفوا عنه في الغزو، فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه، فقبل أعذارهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى[26] .
وعلامة الكبر والتواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه، وقل: يمكن أن يكون الأمر كما تقول، ولو قضي شيء لكان، والمقدور ولا مدفع له، ونحو ذلك.
وتمام التواضع: أن لا يرى العابد لنفسه حقاً على الله لأجل عمله، فإنه في عبودية وفقر محض، وذل وانكسار، فمتى رأى لنفسه على الله حقاً: فسدت عبوديته، وصارت معلولة وخيف منها المقت. ولا ينافي هذا ما أحقه سبحانه على نفسه، من إثابة عابديه وإكرامهم، فإن ذلك حق أحقه على نفسه بمحض كرمه وبره وجوده وإحسانه، لا باستحقاق العبيد، وأنهم أوجبوه عليه بأعمالهم.(3/191)
هذه جملة من المعاني التي تبين حقيقة خفض الجانب والوضع الذي يجب أن يكون عليه المؤمن حيال إخوانه، ونقيض ذلك ينسحب على معاملة غير المعلم على أن لا تتعدى حدود الشرع فنفرق بين المحارب والمعاهد المسالم فنلتزم في كل حالة حسب ما يطلب الشارع سبحانه ولا خيار لنا في ذلك، وهذا الموضوع يطول التفصيل فيه فاعقل هذا الإجمال واعمل به وإذا أردت التفصيل فاطلبه من مظانه.
وعلينا بعد هذا الإيضاح والتبيان أن نعرض حالنا كأفراد وجماعات على هذا الميزان الدقيق: فهل هو موافق أم مخالف لتلك الآثار والمعاني الجميلة؟.
د – رابع هذه الصفات: صابر وثابت على المبدأ مهما ادلهمت الخطوب: قال عز من قائل: ?واصبر كما صبر أولو العزم من الرسل?، وقال: ?وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون? [الأعراف: 137].
اقتضت حكمة الله جل في علاه أن يكون هناك تدافع بين الناس وذلك لوجود الخير والشر والحق والباطل، ومن خلال هذه المدافعة تتمايز الصفوف، قال جل في علاه: ?ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين?، ?ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز?، وهذه الآية الأخيرة جاءت بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أنه يدافع عن الذين آمنوا وأنه أذن لهم القتال لهم قال في محكم كتابه: ?إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير? لماذا قيل لهم هذا ونزل لهم هذا التشريع؟ لأنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق: ?الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله?.(3/192)
فبين سياق هذه الآيات المحكمات وترتيبها أن هناك فريق مظلوم يجب عليه أن يدفع هذا الظلم الذي حصل له وهو فريق الحق، وأن هناك فريق معتد ظالم متكبر وهو فريق الباطل يجب أن يردع وأن يوقف عند حده.
إن هذا الوضع وهذه السنة بالنسبة للمؤمنين تتطلب منهم عدة أكبر من عدة عدوهم، فكان من الله أن أرشدهم إلى ذلك قائلاً: ?يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون?، المصابرة: وهي مقابلة صبر الآخرين والتغلب عليه. وحديثنا عن الصبر يتناول الجوانب الآتية:
1 - الصبر في القرآن:
قال الإمام أحمد رحمه الله: الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً.
وهو واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان ، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر.
وهو مذكور في القرآن على ستة عشر نوعاً.
الأول: الأمر به: نحو قوله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة? [البقرة: 153]، وقوله: ?واستعينوا بالصبر والصلاة? [البقرة: 45]، وقوله: ?اصبروا وصابروا? [آل عمران: 200]، وقوله: ?واصبر وما صبرك إلا بالله? [النحل: 127].
الثاني: النهي عن ضده كقوله: ?فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل به? [الأحقاف: 35]، وقوله: ?فلا تولوهم الأدبار? [الأنفال: 15]، فإن تولية الأدبار ترك للصبر والمصابرة، وقوله: ?ولا تبطلوا أعمالكم? [محمد: 33]، فإن ابطالها ترك الصبر على إتمامها، وقوله: ?ولا تهنوا ولا تحزنوا? [آل عمران: 139]، فإن الوهن من عدم الصبر.
الثالث: الثناء على أهله، كقوله تعالى: ?الصابرين والصادقين? [آل عمران: 17]، وقوله: ?والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون? [البقرة: 177]، وهو كير في القرآن.
الرابع: إيجابه سبحانه محبته لهم، كقوله: ?والله يحب الصابرين? [البقرة: 146].(3/193)
الخامس: إيجاب معيته لهم، وهي معية خاصة، تتضمن حفظهم ونصرهم، وتأييدهم، ليست معية عامة، وهي معية العلم، والإحاطة، كقوله: ?واصبروا إن الله مع الصابرين? [الأنفال: 46]، وقوله: ?والله مع الصابرين? [البقرة: 249، الأنفال: 66].
السادس: إخباره بأن الصبر خير لأصحابه، كقوله: ?ولئن صبرتم لهو خير للصابرين? [النحل: 126]، وقوله: ?وأن تصبروا خير لكم? [النساء: 25].
السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم، كقوله تعالى: ?ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون? [النحل: 96].
الثامن: إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب، كقوله تعالى: ?إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب? [الزمر: 10].
التاسع: إطلاق البشرى لأهل الصبر، كقوله تعالى: ?ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين? [البقرة: 155].
العاشر: ضمان النصر والمدد لهم، كقوله تعالى: ?بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين? [آل عمران: 125]، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن النصر مع الصبر"[27] .
الحادي عشر: الإخبار منه تعالى بأن أهل الصبر هم أهل العزائم، كقوله تعالى: ?ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور? [الشورى: 43].
الثاني عشر: الإخبار أنه ما يلقى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر، كقوله تعالى: ?ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرين? [القصص: 80]، وقوله: ?وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم? [فصلت: 35].(3/194)
الثالث عشر: الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات والعبر أهل الصبر، كقوله تعالى لموسى: ?أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور? [إبراهيم: 5]، وقوله في أهل سبأ: ?فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور? [سبأ: 19]، وقوله في سورة الشورى: ?ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور? [الشورى: 32، 33].
الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنة، إنما نالوه بالصبر، كقوله تعالى: ?والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار? [الرعد: 23، 24].
الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة، سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: بالصبر واليقين تنال الإمام في الدين، ثم تلا قوله تعالى: ?وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون? [السجدة: 24].
السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام، والإيمان، كما قرنه الله سبحانه باليقين وبالإيمان، وبالتقوى والتوكل، وبالشكر والعمل الصالح والرحمة.
ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له، وقال عمرو بن الخطاب رضي الله عنه: "خير عيش أدركناه بالصبر" وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح "أنه ضياء"[28] ، وقال: "من يتصبر يصبره الله"[29] .
وفي الحديث الصحيح: "عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كل له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر، فكان خير له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له"[30] .
وأمر الأنصار رضي الله عنهم، بأن يصبروا على الأثرة التي يلقونها بعده، حتى يلقوه على الحوض[31] .(3/195)
وأمر عند ملاقاة العدو بالصبر، وأمر بالصبر عند المعصية، وأخبر "أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى"[32] .
وأمر - صلى الله عليه وسلم - المصاب بأنفع الأمور له، وهو الصبر والاحتساب، فإن ذلك يخفف مصيبته، ويوفر أجره، والجزع والتسخط والتشكي يزيد في المصيبة، ويذهب الأجر.
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الصبر خير كله، فقال: "ما أعطي أحد عطاء خيراً له وأوسع من الصبر"[33] .
2 - معنى الصبر وأنواعه:
و الصبر في اللغة: الحبس والكف، ومنه قتل فلان صبراً: إذا أمسك وحبس، ومنه قول تعالى: ?واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه? [الكهف: 28]، أي احبس نفسك معهم.
فالصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.
وهو ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.
3 - مراتب الصبر:
وهو على ثلاثة أنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.
فالأول: الاستعانة به، ورؤيته أنه هو المصبر، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: ?واصبر وما صبرك إلا بالله? [النحل: 127]، يعني إن لم يصبرك هو لم تصبر.
والثاني: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه، لا لإظهار قوة النفس، والاستحماد إلى الخلق، وغير ذلك من الأعراض.
والثالث: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه، ومع أحكامه الدينية، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتها، يتوجه معها أين توجهت ركائبها، وينزل معها أين استقلت مضاربها.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه بالصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذى معه.(3/196)
وقال ابن عيينة في قوله تعلى: ?وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا? [السجدة: 24]، قال: "أخذوا برأس الأمر فجعلم رؤساء".
تنبيه هام:
والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافي الصبر، فإن يعقوب عليه السلام وعد بالصبر الجميل، والنبي إذا وعد لا يخلف، ثم قال: ?إنما أشكو بثي وحزني إلى الله? [يوسف: 86]، وكذلك أيوب أخبر الله عنه: أنه وجده صابراً مع قوله: ?مسني الضر وأنت أرحم الراحمين? [الأنبياء: 83].
وإنما ينافى الصبر شكوى الله، لا الشكوى إلى الله، كما رأى بعضهم رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ثم أنشد:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها صبر الكريم فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
4 - الصبر في المحن وكيف نحصله:
أما الصبر في المحن على أذى الظالمين، وعند النوازل فإن العبد يستجلبه ويستعين عليه بثلاث أشياء:
أحدها: "ملاحظة حسن الجزاء" وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخف حمل البلاء، لشهود العوض، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها، لما يلاحظه من لذة عاقبتها وظفره بها، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة، وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس موكلة بحب العاجل، وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب، ومطالعة الغايات.
وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من رافق الراحة، حصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإنه على قدر التعب تكون الراحة.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكريم الكرائم
ويكبر في عين الصغير صغيرها وتصغر في عين العظيم العظائم
والقصد: أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك.
والثاني: انتظار الفرج.(3/197)
أي: راحته ونسيمه ولذته، فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة، ولا سيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرح ونسيمه وراحته: ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل، وبه - يفهم معنى اسمه "اللطيف".
والثالث: تهوين البلية، بأمرين:
أحدهما: أن يعد نعم الله وأياديه عنده، فإذا عجز عن عدها، وأيس من حصرها، هان عليه ماهو فيه من البلاء، ورآه - بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه - كقطرة من بحر.
الثاني: تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه، فهذا يتعلق بالماضي، وتعداد أيادي المنن: يتعلق بالحال، وملاحظة حسن الجزاء، وانتظار الجزاء، وانتظار روح الفرج: يتعلق بالمستقبل، وأحدهما في الدنيا، والثاني يوم الجزاء.
وفي ختام الحديث عن الصبر نقول: "فعلى وهج النار الملتهبة نار الفتنة بجمع أنواعها تتميز معادن الناس، فينقسمون إلى مؤمنين صابرين، وإلى مدعين أو منافقين، وينقسم المؤمنون إلى طبقات كثيرة؛ بحسب شدة صبرهم وقوة احتمالهم" اهـ [سلسلة رسائل الغرباء (3) ص 201].
ثم نضيف: "فالمراحل التي تمر بها حياة المؤمنين المجاهدين؛ من العلماء والدعاة؛ ممن صدقوا في دعوى الإيمان، واستحقوا أن يمنحهم الله قيادة البشرية بالإسلام؛ هي: الابتلاء، ثم الصبر، ثم العاقبة" [نفس المصدر، ص 205].
فاعقل أخي المؤمن هذه المراحل والزمها وتعقبها في سير الأولين لتكون على بينة مما نقول واعلم: أن النصر مع الصبر، وأنه لا يتسع الأمر إذا إذا ضاق، وأنه بعد العسر يسراً.
قال تعالى: ?ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا ميل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين? [الأنعام: 24]???
_________________
[1] - نقلاً عن ابن كثير، مع تصرف يسير.
[2] - رواه البخاري (21)، ومسلم (43).
[3] - تقدم تخريجه.
[4] - رواه البخاري (7485)، ومسلم (3637)، ومالك 2/953، والترمذي 3160 عن أبي هريرة.
[(3/198)
5] - أخرجه البخاري (7375)، ومسلم (813).
[6] – رواه البخاري ومسلم.
[7] – رواه البخاري.
[8] –رواه البخاري.
[9] – صحيح رواه أحمد وابن حبان عن ابن عمر.
[10] - روي بلفظ "إنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما انقيد انقاد" رواه أحمد 4/126، وابن ماجه (43)، والحاكم 1/96 عن العرباض بن سارية في حديث طويل وإسناده قوي.
[11] - رواه مسلم (2865)، وأبو داود (3895)، وابن ماجة (4179)، وله شواهد عن أنس عند البخاري في الأدب المفرد (426)، وابن ماجة (4214).
[12] - رواه مسلم (91)، والبغوي (3587).
[13] - رواه البخاري (4850)، ومسلم (2846)، والترمذي (2564) عن أبي هريرة.
[14] - رواه مسلم (2620)، والبغوي (3592) عن أبي هريرة.
[15] - رواه البخاري عن أنس.
[16] - صحيح، علقه البخاري ووصله أبو داود وغيره عن أنس.
[17] - رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس.
[18] - أخرجه البخاري عن الأسود.
[19] - أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة.
[20] - صحيح، رواه أحمد وابن حبان عن عائشة.
[21] - صحيح، رواه النسائي والحاكم عن ابن أبي أوفى.
[22] - كما في حديث "الأمة" المتقدم تخريجه وغيره من الأحاديث.
[23] - صحيح، أخرجه الترمذي (2490)، وأحمد 1/415، وابن حبان (1096) عن ابن مسعود ورجاله ثقات غير عبد الله بن عمر الأودي لم يوثقه غير ابن حبان، وله شواهد يتقوى بها من حديث معيقب وحديث أبي هريرة وحديث أنس وانظر "مجمع الزوائد" 4/75.
[24] - برقم (5178) عن أبي هريرة، وآخر الترمذي (1338) عن أنس.
[25] - رواه مسلم (91)، وأبو داود (4091)، والترمذي (1999) عن عبد الله بن مسعود، ورواه أبو داود (4092) عن أبي هريرة بسند صحيح.
[26] - أنظر البخاري (4418).
[27] - حسن، رواه أحمد 1/307 ، والحاكم 3/541 و 542، عن ابن عباس.
[28] - روان مسلم (223)، والنسائي 5/5، وأحمد 5/342، عن أبي مالك الأشعري.
[(3/199)
29] - رواه البخاري (6470)، ومسلم (1053)، وأبو داود (1644)، والترمذي (2024)، عن أبي سعيد.
[30] - رواه مسلم (2999)، والدارمي 2/318، وأحمد 6/16، من حديث صهيب.
[31] - رواه البخاري (3792) و (7057)، ومسلم (1845) عن أسيد بن حضير.
[32] - رواه البخاري (1302)، ومسلم (626) (15) عن أنس بن مالك.
[33] - تقدم تخريجه.
ـــــــــــــــــ
نشأة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
الحديث عن نشأة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشمل المدة من مطلع حياته حتى زواجه من السيدة خديجة رضى الله عنها وعمره خمس وعشرون سنة،وهى مدة تمتد بالتاريخ و الميلادى من سنة 571م إلى 595م ،وفى هذا النطاق نسجل الأحداث التالية التى تصور بإيجاز هذه النشأة: ولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل من أبوين كريمين هما عبدالله بن عبدالمطلب ، والسيدة آمنة بنت وهب ، وقد توفى والده ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لايزال جنينا فى بطن أمه. ولما وضعته أمه أرسلت إلى جده عبدالمطلب أن ولد لك غلام (حفيد) فأسرع إلى البيت ، وأخذه و دخل به الكعبة وأخلت يدعو الله ، ويشكرله ما أعطاه ، ومما روى فى ذلك أن عبدالمطلب أنشد أرجوزة مطلعها:
الحمد لله الذى أعطانى هذا الغلام الطيب الأردان وأرضعته امرأة من بنى سعد بن بكر يقال لها حليمة ابنة ذؤيب ،وقد امتلأ ثدياها ، باللبن بعد أخذه ،ونالها خير كثير،وانتقلت حياتها من العسر إلى اليسرويذكرابن إسحاق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان لايقبل إلا على ثدى واحد، وكأنه فطر على أن يدع الثدى الثانى لأخته من الرضاعة.(3/200)
لما تمت رضاعته عادت به حليمة إلى أمه ، بعد سنتين ،وبينما كانت تحرص على أن تعود به لمنازل بنى سعد، لمارأت فى وجوده عندها بى من الخير وتقول حليمة: كلمنا أمه ، وقلت لها: لو تركت ابنى عندى حتى يغلظ ، فإنى أخشى عليه واء مكة.. ولم تزل بها حتى ردته معها، حدثت أحداث عند حليمة تتصل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - خافت حليمة عليه وأعادته ، وقد رعى محمد - صلى الله عليه وسلم - الغنم فى صحبة إخوته من الرضاعة.
توفيت أمه السيدة آمنة وهو فى السادسة من العمر، وكانت وفاتها بالأبواء بين مكة والمدينة، فقد كانت قدمت به على أخوال أبيه من بنى النجار، فماتت وهى راجعة إلى مكة، فتولى جده عبدالمطلب الإشراف عليه ورعايته.
يقول ابن إسحاق: إنه كان لعبد المطلب جد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فراش يوضع له فى ظل الكعبة وكان أبناء عبدالمطلب يتلسون حول هذا الفراش ، ولكن محمدا - صلى الله عليه وسلم - جلس على وهذا الفراش وهو دون الثامنة، فأراد أعمامه أن يؤخروه ، فقال لهم عبدالمطلب: دعوا ابنى إن له شأنا وأجلسه معه على الفراش.
توفى عبدالمطلب ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فى الثامنة من عمره ، فكفله عمه أبو طالب الذى كان الشقيق الوحيد لعبدالله والد الرسول ، ومع أبي طالب واصل محمد - صلى الله عليه وسلم - الرعى لغنم عمه ، ولما اشتد عوده عمل فى تجارة عمه.
وكان محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يرعى الغنم يعنى بأغنامه عناية كبيرة فى مرعاها وسقيها، وإذا ولدت شاة أو مرضت اهتم بها كل الاهتمام ، فكثرت بذلك أغنامه ، حتى كان بعض الناس يطلبون من أبى طالب أن يضموا أغنامهم لأغنامه لتنال عناية محمد - صلى الله عليه وسلم - ولتنمو وتكثرة ولذلك سمى "الأمين".(3/201)
وحفظه الله من أى انحراف ، وروى عنه أنه قال: (لقد رأيتنى فى غلمان قريش ننقل الحجارة لبعض مايلعب به الغلمان ، وكلنا قد تعرى وأخذ إزاره ، فجعله على كتفه ورقبته يحمل عليه الحجارة، فإنى لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمنى لاكم - ما أراه لكمة موجعة، وقال: شد عليك إزارك ، قال فأخذته ولبسته. فكنت كذلك بين أصحابى، وحملت الحجازة على كتفى بدون إزار).
رلما اشتغل بتجارة عمه ، كان صادقا فى عرض السلع وقانعا بربح مناسب ولذلك سمى "الصادق" وأصبح معروفا فى قومه بالصادق الأمين.
ووقعت حرب الفجار وعمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة سنة، وكانت بين قريش ومعها كنانة. وبين قيس عيلان ، وسميت الفجار لحدوثها فى الشهر الحرام مما يعد فجورا ، ويذكر ابن هشام أن حرب الفجار امتدت حتى أصبح الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى العشرين من عمرة\ه وقد شهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعض أيامها ويروى عنه قوله (كنت أنبل على أعمامى فى الفجار).
ووصل محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى عهد الشباب ، وكان واضحا أنه لم يعبد صنما قط ، وبغضت له الأوثان ، ودين قومه ، وتنزه عن مذمومات الجاهلية التى كان يغرق فيها شباب العرب فى ذلك العهد.
طلبت السيدة خديجة محمدا - صلى الله عليه وسلم - ليتاجر فى مالها، فقبل وقبل عمه أبو طالب ، وتهيأ للسيدة خديجة بذلك أن تتعرف إخلاصه وأمانته ، فخطبته لنفسها، وتم زواجه بها، وكان عمره آنذاك خمسا وعشرين سنة، وكانت هى أكبر منه ، وكانت السيدة خديجة تسمى الطاهرة فى الجاهلية والإسلام ،وأنجب منها الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل أولاده الذكور والإناث إلا إبراهيم ، فقد كان ابنه من مارية المصرية.
ولما بلغ - صلى الله عليه وسلم - مبلغ الرجال كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأبرهم جوارا ، وأعظم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأكثرهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش وعن الأخلاق التى تدنس الرجال.(3/202)
ومعرفتنا الدقيقة بمراحل نشأة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تشبه معرفتنا الدقيقة بجميع مراحل حياته ، وهذا الوضوح هو الذى جعل جوستاف ليبون يقول: إذا استثنينا محمدا لانجدنا مطلعين على حياة مؤسس ديانة اطلاعا صحيحا.أ.د/أحمد شلبى
ـــــــــــــــــ
نظرات خائنة
- النظر وخطورته .
- أحاديث وآثار في فتنة النظر .
- حكم النظر للنساء .
- سد الذرائع إلى النظر :
• سد النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ذريعة تفضي إلى تعمد النظر إلى النساء :
1. أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى النساء إذا صلين مع الرجال أن يرفعن رؤوسهن قبل الرجال .
2. أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو أن تصيب بخوراً .
3. أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها وسط الطريق عند المشي حتى لا يراها كل أحد .
4. أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تَنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها .
5. أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجلوس في الطرقات .
6. أن الله سبحانه نهى النساء عن الضرب بأرجلهن عند السير .
- عقوبات النظر إلى المحرمات :
1. فساد القلب .
2. نسيان العلم .
3. نزول البلاء .
4. إبطال الطاعات .
5. الغفلة عن الله والدار الآخرة .
6. إهدار الشارع عين من تعمد النظر في بيوت الناس متجسساً .
- فوائد غض البصر :
1. تخليص القلب من ألم الحسرة .
2. أنه يورث القلب نوراً وإشراقاً .
3. أنه يورث صحة الفراسة .
4. أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه .
5. أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته .
6. أنه يورث القلب سروراً وفرحه .
7. أنه يخلص القلب من أسر الشهوة .
8. أنه يسد عن العبد باباً من أبواب جهنم .
9. أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته .
10. أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة .
11. أنه يورث محبة الله .
12. أنه يورث الحكمة .
13. أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه .
- جاهد نفسك لحظة .(3/203)
- التوبة والنظر .
- أسباب إطلاق البصر :
1. اتباع الهوى وطاعة الشيطان .
2. الجهل بعواقب النظر .
3. الاتكال على عفو الله ومغفرته .
4. مشاهدة الأفلام والمسلسلات .
5. العزوف عن الزواج .
6. كثرة التواجد في الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء .
7. وجود لذة كاذبة يشعر بها الناظر في نفسه .
8. تبرج النساء في الشوارع والأسواق .
9. تشجيع بعض النساء لذلك .
10. كثرة التعامل مع النساء .
- أسباب غض البصر :
1. تقوى الله عز وجل .
2. التخلص من جميع الأسباب التي ذكرنا أنها تؤدي إلى إطلاق البصر .
3. معرفة أن إطلاق البصر يؤدي إلى الأسف والحسرة .
4. معرفة أن النظر زنا العينين .
5. دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزماً ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل .
6. القيام بحقيقة الشكر .
7. الصوم .
8. تأمل ما يستقبح من شأن النساء .
9. التسلي بما أحله الله عز وجل من الشهوة المباحة .
10. الدعاء والاستعانة بالله عز وجل .
11. الخوف من سوء الخاتمة .
12. صحبة الأخيار وترك صحبة الأشرار .
المرجع : نظرات خائنة الداء والدواء – القسم العلمي بدار الوطن .
ـــــــــــــــــ
نقل الأعضاء
لغة: جزء من مجموع الجسد. كاليد والعين والمعدة كما فى المعجم الوجيز(1)
واصطلاحا: اقتطاع جزء من بدن آدمى حى أوميت ، لغرسه فى بدن آدمى حى مريض يحتاج إليه(2).
وهذه الأعضاء المنقولة عن موضعها من بدن الآدمى تسمى بالطعوم ، والطعم جزء من نسيج أو عضو يستعمل كبديل لجزء مماثل ، والنسيج أو العنصرالأصلى إما أن يكون مريضا أومشوها،أوغير قادرعلى أداء وظيفته الطبيعية فى بدن صاحبه ،وأكثر الأنسجة استعمالا لهذا الغرض هى الجلد والعظام والغضاريف والأوردة والشرايين والقرنية.
والطعوم الآدمية نوعان:(3/204)
1- الطعوم الذاتية: هى ما أخذت من الإنسان لمداواة جزء آخر من بدنه ،ومن أمثلتها أخذ جزء من جلده فى موضع مستتر كالفخذة لترقيع جزء آخر فى موضع ظاهر من بدنه كالوجه ،أوأخذ العظام أو الغضاريف منه ، وغرسها فى موضع آخر.
2- الطعوم الجنسية: وهى ما أخذت من جنس المريض ،أى من آدمى آخر حى أو ميت ، وذلك كنقل الكلى من آدمى أو ميت لغرسها فى بدن آدمى حى آخر، تلفت كليته أو لم تعد صالحة للقيام بوظيفتها، ونقل القرنية أو القلب من بدن آدمى ميت وغرسها فى بدن آدمى مريض مفتقر إليها.
ونقل الأعضاء على هذا النحو لا تمنع منه الشريعة الإسلامية، لأنه من قبيل التداوى الذى حض عليه الشارع ، وهذا النقل وإن كان من مستجدات العصر، إلا أن الشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان لا تمنعه ، مما يدل على اتساعها لكل قضايا الناس فى دنياهم إلى أن تقوم الساعة.
وقد وضعت الشريعة الإسلامية الضوابط لهذا النقل ، قصد بها مراعاة مصلحة المنقول إليه العضو، وعدم الإضرار بالمنقول منه أو تعريضه للهلاك إذا كان آدميا حيا، وعدم التمثيل بجثته إن كان ميتا ولمجمع البحوث الإسلامية فى هذا الموضوع بيان شاف حدد - بالتفصيل ضوابط هذا النقل وشروطه بحيث المصلحة للمنقول إليه والمنقول منه عن طريق التبرع الذى تختض معه التجارة انتفاء تاما فليرجع إليه.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
ـــــــــــــــــ
وحدة الوجود
لغة: الوحدة مصدر الفعل "وحد" أى بنفسه. فهى ضد الكثرة(1). ويقال: كل شىء انفرد على حدة: أى متميز عن غيره(2).
والخلاصة أن مادة "وحد" تشير إلى الانفراد والتميز، كما أنها تدل على التقدم فى علم أو بأس(3).
واصطلاحا: تعنى أن الكائن الممكن يستلزم كائنا آخر واجبه الوجود بذاته، ليمنحه الوجود، ويفيض عليه بالخير والابداع. وذلك الكائن الواجب الوجود هو الله جل شأنه ، لأنه موجود أولا بنفسه ، ودون حاجة إلى أى موجد آخر؛ كيلا تمتد السلسلة إلى ما لانهاية.(3/205)
وأن الكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته ، ومنه تستمد الحياة والوجود ؛ ولهذا كان وجودها عرضا وبالتبع.
وبناء على هذا ، فليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة، بل هو الوجود كله ، ولا تسمى الكائنات الأخرى موجودات ، إلا بضربا من التوسع والمجاز(4) هذه هى النظرية التى تدعى "وحدة الوجود". وقد اعتنقها جماعة من الصوفية بعد أن أخذت الدراسات الفلسفية فى الإسلام تضمحل وتتوارى.
وقد تكونته هذه الفكرة فى أوائل القرن الثانى عشر الميلادى. وشاع أمرها فى بلاد الأندلس والمشرق ، بعد ان اختلط فيها وجود التصوف بالفلسفة اختلاطا كبيرا.
وكان من أكبر أنصارها: ابن عربى (ت 638) وجلال الدين الرومى.
وربما دل ظاهر هذا الاتجاه ، على أن مشايعيه قد يلتمسون عذرا للكفار من أمثال فرعون وقوم نوح وغيرهم من المشركين الذين عبدوا الأصنام ، واليهود الذين عبدوا العجل.
ويدعى أنصارمذهب وحدة الوجود، أن هؤلاء الكفار ما عبدوا غيرالله ، وأن خطأهم يكمن فى أنهم خصصوا شيئا دون شىء بالعبادة، وكان الأصل أن يعبدوا كل شىء. لأنه لا شىء موجود على الحقيقة إلا الله.
وحين آمن فلاسفة المتصوفة بوحدة الوجود؛ فإنهم فى نفس الوقت آمنوا بفكرة أخرى هى ما أسموه "وحدة الأديان".
فلذلك يقرون بأن المشركين والوثنيين جميعا على حق ، بحجة أن الله هو كل شىء.
فمن عبد صنما أو حجرا أو شجرا أو إنسان أو كوكبا، فقد عبد الله. لكن يجب أن نفو فى هذا المجال بين وحدة الوجود، وبين وحدة الشهود. فوحدة الوجود نظرية باطلة تنافى التوحيد الصحيح. أما وحدة الشهود فهى حق.
مثال هذا: لو قال شخص إنه يرى الله في كل شىء، فإن كان يعنى أنه يرى آثارة وشواهده ، فتعبيره صحيح. وإن كان يعنى وحدة الخالق والمخلوق ، فالتعبير باطل واعتقاده كفرة لأنه تسليم بوحدة الوجود(5).(3/206)
ولم تكن فكرة وحدة الوجود من ابتكار غلاة فلاسفة الصوفية كابن عربى والحلاج والرومى، بل كان لها جذورها لدى فلاسفة اليونان القدماء، من أمثال طاليس وهيراقليطس والرواقيين ، ثم أصحاب مذهب الفيض فى الأفلاطونية المحدثة(6).
ولقد سرت عدوى وحدة الوجود ، إلى بعض فلاسفة الغرب ، مثل بعض الفلاسفة الفرنسيين الماديين ومنهم "ديدرو" (1713م-1784م) وإلى الفيلسوف الهولندى "سبينوزا" فى القرن الثامن عشر.
كما تأثر بها بعض أدباء أوروبا الغربية، ولاسيما أصحاب النزعة الرومانتيكية، الذين اتخذوا الطبيعة موضوعا للتأمل فى أدبهم(7).
والخلاصة أن وحدة الوجود فكرة خاطئة،لا يقرها عقل سليم ولا دين منزل. وأخطر ما فيها: أنها تنافى التوحيد الصحيح ، وتؤدى إلى القول بوحدة الأديان ، واسقاط التكاليف ،وإلغاء المسئولية والالتزام الأخلاقى ، انطلاقا من فكرة الجبر كما أنها تنبثق منها اعتقادات غير صحيحة مثل "النور المحمدى"، و"الحقيقة المحمدية".و"الإنسان الكامل". وكل ذلك ينكره الإسلام.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد
ـــــــــــــــــ
وصايا لتربية الأبناء
1. الأصل في تربية النشء إقامة عبودية الله في قلوبهم .
2. الأب والأم في عبادة الله عز وجل .
3. لا بد من الإخلاص لله عز وجل في أمر التربية .
4. عليك باصطحاب النية في جميع أمورك التربوية حتى تؤجر .
5. الدعاء هو العبادة .
6. عليك بالمال الحلال .
7. القدوة الحسنة من ضروريات التربية .
8. وجه بعضاً من حرصك على أمور الدنيا ومعرفتها إلى معرفة أفضل السبل في أمر التربية .
9. الصبر .
10. الصلاة الصلاة .
11. لا بد من مراعاة الممتلكات الخاصة والفوارق الفردية بين الأطفال .
12. اغرس في نفوس صغارك تعظيم الله عز وجل ومحبته وتوحيده .
13. احرص على كتم الغضب والانفعال .
14. اختيار الجليس للأبناء .
15. الوقت وإعطاء الأبناء جزء منه .
المرجع : وصايا لتربية الأبناء – عبد الملك القاسم – دار القاسم .(3/207)
ـــــــــــــــــ
وصايا
قال الصالحون يوصونك:
1. الحازم من نظر في العواقب نظر المراقب، وعرف الإضاعة، ولم يجعل الحلم بضاعة، فإنما العمل الحقيق: عمل يصعدك ويرقيك. فالحذر الحذر أن يعجل للنفس سيرها، ويفارق القفص طيرها، وهي بالغرض الفاني متثبطة، وبصحبته مغتبطة.
2. وإنك محتاج إلى جذبة توقد مصباح الهمة، في ديجور هذه الغفلة المدلهمة.
3. فلا تكن مثل فلان، فإنما هو غريق، وتائه لا يبدو له طريق.
4. اجعلن " أقلل من الدنيا " الشعار. فإن الدنيا منزل عبور، لا مستقر حبور، ومعبر وممر، لا وطن ومستقر.
5. أتطلب ما يطغيك، وعندك ما يكفيك؟
6. وما الأموال إلا كالظلال! كل ما أغفل القلوب عن ذكره تعالى فهو... دنيا. وكل ما أوقف القلوب عن طلبه فهو.... دنيا. وكل ما أنزل الهم بالقلب فهو..... دنيا.
7. فاستقم على طريقة السلف، واتجر في أسواق العمل بمالك لا بالسلف.
8. وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها: هل راح منها بغير القطن والكفن؟
9. وانظر كم تركت الفتن من قلب مقلب، وهوى مغلب، وكم سار في طريقها من كادح، وكثر الهاجي وقل المادح، وكم تعددت أسماؤها، واتحدت أرضها وسماؤها.
10. الصدأ قد أتلف من النفوس وجهها الفطري الصقيل، فكيف ستستقبل ما يلقى عليها من قول ثقيل؟
11. الخطب جليل، والمتفطن قليل، ولكن التنسيق يغني بإذن الله عن الكثرة. . وما الكف إلا أصبع ... ثم أصبع.
12. وليس سواء عالم وجهول.
13. وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى.
14. فكن الحر.. وقدها بزمام.
15. والقلب يصدأ إن لم تجله حينا.
16. فجالس من تكلمك صفته، ولا تجالس من يكلمك لسانه.
17. وقصر الأمل... وبالغ في العمل.
18. فإنه ما طلعت شمس إلا وعظت بأمس.
19. وإنك أسير عهد وشعور، وليس لك من فداء.
20. حماك الله من الأوهام الطارقة، والعقول المفارقة.
21. فافخر بزيت مصباحك، وبالأحبار، وليفرح الغافلون بخمر كؤوسهم وبالأوتار.
22. واعلم أن الحصيرة عرش الداعية.(3/208)
23. وأن منابر النهاة ترسم مسار الحياة.
24. وليكن آخر ما تدعو... أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: نحو المعالي-محمد أحمد الراشد
ـــــــــــــــــ
وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
الوفاة: الموت ، فإذا أضيف إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد جرى على النبى - صلى الله عليه وسلم - مايجرى على الناس فى قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}الزمر:30 ، وماذكر به أبو بكر رضى الله عنه المؤمنين الذين اشتد بهم الحزن بموت الرسول - صلى الله عليه وسلم - : أما بعد، من كان منكم يعبد محمدا فإن محمد قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حى لايموت. قال الله تعالى{ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن ماتا أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرالله شيئا وسيجزى الله الشاكرين}آل عمران:144 ، ومع هذه الحقيقة فإن الحزن الشديد قد أخذ بالناس كل مأخذ لحبهم الشديد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والذى عبر فيه آنس رضى الله عنه بقوله: "لما قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء فيها كل شئ ،ولما مات أظلم منها كل شىء" ولذلك وجدنا عمر رضى الله عنه مع قوته وشدته يكلم الناس قبل أبى بكر رضى الله عنه منكرا موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وبعد أن سمع تذكير أبى بكر بالقرآن جلس على الأرض لاتحمله قدماه ، وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة(1).
والسيدة فاطمة رضى الله عنها قالت وهو فى مرض الوفاة: واكرب أباه ، فقال لها: ليس على أبيك كربا بعد اليوم (2) فقالت بعد الوفاة: يا ابتاه. أجابا ربا دعاه ، يا أبتاه فى جنة الفردوس ماواه ، ياأبتاه إلى جبريل ننعاه(3).(3/209)
وسبق موت النبى - صلى الله عليه وسلم - الاطمئنان على أمته بعد أن أكمل الله الدين ، وأتم النعمة حيث كشف فى صلاة الفجر يوم وفاته ستر حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها ونظر إلى المسلمين وهم فى صفوف الصلاة ثم تبسم وضحك وكأنه يودعهم ، وهم المسلمون أن يعبروا عن فرحتهم بخروجه ، وتأخر أبو بكر رضى الله عنه حيث ظن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يريد الخروج للصلاة فأشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.
وكان عندما حضره الموت مستندا إلى صدر أم المؤمنين عائشة، وكان يدخل يده فى إناء الماء كى يمسح وجهه ويقول: لآ إله إلا الله ، إن للموت سكرات ، وأخذته بحة وهو يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم} ويقول: "اللهم فى الرفيق الأعلى" فعرفت السيدة عائشة أنه يخير، وأنه يختار الرفيق الأعلى(4).
ولحق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى وترك للناس ما إن تمسكوا به لن يضلوا أبدا، كتاب الله وسنة نبيه.
أ.د/محمد رأفت سعيد
ـــــــــــــــــ
وقفات يسيرة مع بائع الدخان :
1- تذكر بأنك مسلم .
2- أن الدخان خبيث .
3- أن الدخان ضرر على نفسك وعلى المشتري وعلى الأمة جميعاً .
4- إنك فقير إلى ربك تدعوه بالليل والنهار ، فكيف ترجو منه إجابة الدعاء وقد أكلت الحرام وبعت الحرام .
5- أن أمتك بحاجة إلى الأصحاء الأقوياء .
6- هل ترضى بأن تشيع الأمراض الفتاكة في مجتمعك ؟
7- هل يخطر ببالك أن تقتل نفساً معصومة بغير حق ؟
8- هل يسرك أن ينحرف أبناء المسلمين ؟
9- هل يرضيك أن تعين أعدائك على أمتك ؟
10- ألا تعلم بأن الله هو الذي يرزقك ؟ ألا تؤمن بأنك لن تموت حتى
تستوفي رزقك ؟
11- قد تطمع في المال ، لكن ما فائدته إذا ذهبت بركته ؟
12- أعلم بأن الله هو الذي يجلب الأرزاق وليس الدخان .
13- إذا كان البائع هو الذي يبيع الدخان وليس أنت فالوزر عليك والخطيئة محيطة بك .(3/210)
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ 287.
ـــــــــــــــــ
وهم الحب
أضرار الحب:-
أولاً: الأضرار الدينية ومنها:-
1- الوقوع في الشرك.
2- التشبه بالكفار وتقليدهم.
3- الوقوع في الفاحشة.
4- ضعف الأمة وتقهقرها.
ثانياً: الأضرار النفسية ومنها:-
1- فقدان الثقة بالنفس .
2- الاكتئاب النفسي.
3- فقدان الراحة, والخوف من الفضيحة.
4- الفشل الدراسي.
5- انتظار من لا يأتي.
ثالثاً: الأضرار الصحية.
رابعاً: الأضرار الاجتماعية ومنها:-
1- انتشار الفساد وشيوع الفاحشة .
2- فشل الحياة الزوجية وكثرة الطلاق.
3- خراب البيوت .
4- تفشي العنوسة.
5- الخيانة الزوجية.
6- القتل وفشو الجريمة.
خامساً: الأضرار الأدبية:-
ومن أعظمها: سقوط كرامة المرأة من عين الرجل.
سادساً: الأضرار المادية.
أمور مهمة يجب أن تحذرها الفتاة:-
1- النظر إلى الصور المحرمة .
2- الهاتف.
3- الفراغ النفسي والروحي والعاطفي.
4- العزلة.
5- وسائل الإعلام المختلفة.
6- رفيقات السوء.
7- البحث عن زوج.
8- رفض الزواج بحجج واهية.
9- الإعجاب.
10- التقليد الأعمى.
11- البحث عن مخرج.
12- المراسلة.
13- التسلية وإزجاء الوقت.
14- الاختلاط المحرم.
المرجع : وهم الحب - محمد بن عبد العزيز المسند - دار طيبة .
- - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الأخوة ... 2
الأمانة ... 7
الابتلاء ... 11
الإيثار ... 15
الإيمان ... 18
آداب الإسلام عن زيارة أخيك أو صديقك ... 22
آداب الإسلام في عيادة المريض ... 25
آداب الصداقة والصديق ... 27
آفات اللسان ... 28
آل البيت ... 32
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ... 33
أبو عبيدة بن الجرّاح ... 37
أبواب الأجر ومكفرات الذنوب ... 41
أحاديث الأحكام ... 46
أحكام القرآن ... 48
أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ... 51
أخطاء في التربية ... 55
أخطاء يقع فيها بعض الصائمين والصائمات ... 57
أدب الإسلام في الدخول والخروج من المنزل ... 65
أدب البحث والمناظرة ... 68(3/211)
أدب المسلم مع الكبير والمقارن ... 70
أدب تقديم الضيافة ... 72
أسباب الحياة السعيدة ... 74
أسباب شرح الصدر ... 79
أسباب مغفرة الذنوب ... 81
أشراط علم الساعة ... 84
أعمال اليوم – الأسبوع – الشهر- السنة - العمر-1 ... 88
أمهات المؤمنين ... 94
أمير الأمراء ... 96
أمير المؤمنين ... 97
أهمية بناء النفس . ... 97
أيام العرب ... 101
إعجاز القرآن الكريم ... 103
إفشاء السلام ... 105
إمارة الجيش ... 109
ابن السبيل ... 110
الأحمدية ... 111
الأحوال الشخصية ... 113
الأخذ بالأخف ... 115
الأخلاق الحميدة ... 116
الأخلاق ... 119
الأدارسة ... 121
الأدب الإسلامى ... 123
الأدب ... 125
الأزهر ... 126
الأسرة ... 129
الأسطورة ... 131
الأسماء الحسنى ... 132
الأسواق ... 135
الأسوة ... 137
الأسْطُرُلاب ... 138
الأصول الثلاثة وأدلتها ... 140
الأضحية ... 145
الأعمال المضاعفة ... 146
الأقصوصة ... 150
الأمان ... 151
الأمانة ... 152
الأمانة ... 152
الأمثال ... 155
الأمن ... 157
الأناة ... 159
الأندلس ... 159
الأنصار المهدية ... 162
الأهلية ... 163
الأَعراب ... 164
الأَعراف ... 165
الأَغالبة ... 165
الإحسان ... 167
الإخلاص ... 169
الإدمان ... 172
الإسراف والتبذير ... 174
الإسراف: ... 177
الإسراف ... 185
الإسلام ... 188
الإسماعيلية ... 190
الإصلاح ... 192
الإطناب ... 194
الإعداد الذاتي للداعية ... 195
الإعراب ... 198
الإقطاع ... 200
الإقطاعات ... 202
الإلحاد ... 203
الإمارة ... 204
الإمام ... 205
الإمامة ... 206
الإنكشارية ... 208
الإيوان ... 210
الاتحاد ... 211
الاحتيال والتغرير وأكل أموال الناس عن طريقهما-1 ... 212
الاختلاط ... 214
الاختلاط ... 216
الاستحسان ... 218
الاستصحاب ... 220
الاستعارة ... 222
الاستعجال ... 222
الاستفهام ... 235
الاشتراكية ... 237
الاعتكاف ... 239
الاقتباس ... 240
الاقتصاد الإسلامى ... 240
الانتقام ... 243
الانتكاسة ... 243
البابية ... 248
البدو ... 251
البربر ... 252
البردة ... 254
البرزخ ... 256
البطالة ... 257
البكاء من الله ... 258
البلاغة ... 262
البهائية ... 263
البوذية ... 264
البوسنة ... 266
البيت الحرام ... 268
البيطرة ... 270
البيع ... 271
التأليف ... 274
التأمين أنواعه وأحكامه ... 276
التبتل ... 282
التجويد ... 283
التحليل ... 284
التدخين ... 286(3/212)
التربية الإيمانية للدعاة ... 289
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الخامس-الاندفاع الواثق ... 296
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الخامس-القراءة وأهميتها-1 ... 301
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الرابع-العلم والتزكية والثقة بالله ... 304
التربية الإيمانية للدعاة- ضعف الهمة في بعض مجتمعات الدعاة ... 312
الترف ... 320
الترويح ... 322
التسلط ... 323
التصوف ... 323
التعاون ... 327
التعاون ... 331
التغيير الاجتماعي ... 333
التفريد ... 335
التفسير ... 336
التقاويم ... 338
التقريب ... 340
التقصير في تربية الأولاد ... 342
التقوى ... 348
التقوى ... 352
التكبر ... 354
التكفير ... 355
التميز في حياة المسلم ... 357
التنافس ... 359
التنجيم ... 363
التنوير ... 365
التهكم ... 367
التوازن ... 368
التوبة للداعية إذا أخطأ ... 371
التوبة ... 376
التوثيق ... 379
التوحيد ... 381
التورية ... 384
التوكل ... 385
التيمم ... 389
التّربُح ... 390
الثبات ... 391
الثبات على دين الله ... 395
الثروة ... 408
الثغور ... 410
الثقافة ... 412
الثقة ... 414
الثنوية ... 418
الجاذبية ... 420
الجار ... 421
الجامعة الإسلامية ... 424
الجاهلية ... 426
الجبر(علم) ... 428
الجدية ... 429
الجذب ... 433
الجشع ... 433
الجلال ... 435
الجلوس في المسجد بعد الفجر حتى طلوع الشمس ... 436
الجماعة ... 441
الجمال ... 457
الجنازة ... 459
الجهاد في سبيل الله ... 460
الجهاد ... 465
الجيش ... 469
الحاجب ... 469
الحب الإلهى ... 470
الحجر الأسود ... 473
الحجية فى الكتاب والسنة ... 475
الحرص ... 476
الحزم ... 477
الحساب (علم) ... 478
الحسد ... 479
الحقيقة المحمدية ... 481
الحياء ... 482
الحيل ... 491
الحيل (علم) ... 492
الحُلْم ... 494
الخرقة عند الصوفية ... 497
الخشوع والطمأنينة في الصلاة ... 499
الخضر ... 504
الخطابة ... 505
الخلاف-قواعد في التعامل مع المخالف ... 507
الخلافة ... 513
الخلفاء الراشدون ... 515
الخلق ... 515
الخلوة ... 518
الخلود ... 519
الخيال ... 522
الخيانة ... 523
الخير ... 524
الخيلاء ... 526
الداعية-الشخصية الدعوية المؤثرة ... 527
الدعوة الفردية ... 531
2 الدعوة الفردية ... 534
الدعوة سرًا وجهرًا ... 541
الدلالة ... 543
الدواء ... 545
الدواوين ... 547
الدولة ... 549
الدِّين ... 551(3/213)
الرأفة ... 553
الرؤيا ... 554
الرؤية ... 556
الرحلات والرحالة المسلمون ... 558
الرحمة ... 560
الرزق ... 562
الرقائق ... 563
الركاز ... 565
الرهبانية ... 566
الرهن ... 568
الرِّضاع ... 569
الرِّفق ... 571
الرِّقّ ... 572
الزاجل ... 575
الزاوية ... 576
الزخرفة ... 577
الزكاة وكيفية إخراجها ... 578
الزكاة ... 590
الزنا ومفاسده ... 592
الزَّنْج ... 596
السرايا ... 598
السلفية ... 598
السلفيون ... 601
السنة ... 604
السهر ... 607
السورة ... 610
السياسة ... 612
السَّرْمَد ... 614
السَّلف ... 615
السِّحْر ... 615
الشباب ... 618
الشركات ... 622
الشريعة ... 624
الشعوبية ... 626
الشفعة ... 628
الشُرطة ... 630
الصابئة ... 632
الصبر ... 633
الصحابة ... 634
الصحابى ... 636
الصحة ... 637
الصحوة ... 637
الصدر الأعظم ... 642
الصدق ... 643
الصدقة ... 644
الصفات ... 646
الصلاة ما يكره ويستحب ويباح فيها ... 648
الصلاة ... 652
الصلاة ... 655
الصلح ... 657
الصيدلة ... 660
الصيرفة ... 662
الضرر ... 664
الضمان ... 666
الضمير ... 668
الطريقة المولوية ... 669
الطفل ... 682
الطُّولُونِيَّة (الطُّولونيُّون) ... 688
الظن ... 690
العادات الشعبية ... 692
العباسيون ... 694
العثمانيون ... 697
العرف ... 700
العزة ... 701
العزلة ... 704
العزيمة ... 715
العشق ... 716
العصمة ... 723
العلمانية ... 724
العمارة ... 727
العمرة وصفتها ... 728
العمل المؤسسي ... 731
العهد ... 737
الغرور ... 739
الغرور ... 747
الغزنويون ... 748
الغضب آداب وأحكام ... 750
الغضب ... 759
الغضب ... 762
الغلو ... 762
الغنائم ... 766
الغيبة ... 768
الغيبة ... 770
الغيرة ... 772
الوقت وتنظيِمه ... 773
الفتاة المسلمة ... 776
الفتاة المسلمة ... 780
الفتور ... 785
الفتوى ... 794
الفداء ... 797
الفرض ... 799
الفن ... 801
الفىء ... 803
الفُسْطاط ... 804
القبة ... 808
القبلة ... 809
القذف ... 811
القرآن الكريم ... 812
القراءات ... 816
القصر ... 818
القضاء ... 821
القضية الفلسطينية ... 823
القنوت ... 826
القول بالموجَب ... 827
الكتابة كصناعة ... 828
الكذب ... 830
الكذب ... 832
الكرامة ... 834
الكراهية ... 835
الكهانة ... 836
الكون ... 837
الكونفوشيوسية ... 839
الكيمياء ... 842
اللؤلؤ (الجوهر) ... 843
اللاهوت ... 844
اللواط ... 846
اللوح ... 849
المؤاخاة ... 850
المتشابه ... 852
المتن ... 855
المحاسبة ... 856
المحدث ... 857(3/214)
المحراب ... 858
المدارس ... 861
المدرس ... 863
المذاهب (الفقهية) ... 869
المرض وما عليه من الأجر وبعض أحكام المريض ... 871
المريض كيف يتطهر ؟ ... 879
المريض كيف يصلي ؟ ... 881
المزاح ... 882
المسارعة في الخيرات ... 885
المسجد(الجامع) ... 887
المصالح المرسلة ... 889
المصحف ... 891
المضاربة ... 895
المعاصرة ... 897
المعتزلة ... 898
المعجزة ... 900
المعصية ... 903
المقاييس ... 905
المقولات العشر ... 907
المكاييل ... 913
المكتبات ... 914
الملائكة ... 917
الملاحظة ... 922
الموازين ... 924
المواقيت ... 925
الميراث ... 926
المَهْر ... 928
المِلكيَّة ... 929
النبوة ... 931
النبي صلى الله عليه وسلم ... 933
النسب ... 939
النسخ ... 942
النصيحة ... 945
النفاق ... 946
النفقة ... 948
النهى ... 950
النوافل ... 951
النية ... 954
النَّذْر ... 955
الهجرة.. احتفالية التغيير ... 956
الهجرة النبوية -من دروس الهجرة النبوية ... 961
الهجرة.. احتفالية التغيير ... 965
الهجرة رحلة الصعود ... 970
الهجرة ... 973
الهندوسية ... 975
الوتر ... 977
الوديعة ... 978
الوسطية ... 979
الوصية ... 982
الوقت وأهميته ... 984
الوقت عند الصوفية ... 988
الوقت وكيفية تنظيمه للأم العاملة ... 991
الولاء والبراء ... 994
الولاء والبراء ... 996
الوهابية ... 998
الوَحْى ... 1000
اليهود فظائع وفضائح ... 1003
اليهودية ... 1006
بر الوالدين والتحذير من عقوقهما ... 1008
براعة الاستهلال ... 1012
بنو الأحمر ... 1014
ثلاث وثلاثون سبباً للخشوع في الصلاة ... 1015
ثمرات الصلاة ... 1017
جمع القرآن ... 1018
جهاد النفس ... 1020
حسن الخاتمة ... 1025
حسن الخلق ... 1027
حسن معاشرة الزوجة ... 1030
حقوق الطريق ... 1032
حقوق المرأة فى الإسلام ... 1034
حقوق الوالدين ... 1036
حلف الفضول ... 1039
خزندار ... 1040
خصوص السبب ... 1041
خطبة الجمعة ... 1042
خيال الظل ... 1043
رأس مال (رأسمالية) ... 1044
رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم) ... 1046
رسالة إلى طالب نجيب ... 1047
زاد الداعية إلى الله عز وجل ... 1050
سلامة الصدر ... 1053
شرع من قبلنا ... 1055
صحيفة المدينة ... 1057
صحيفة المقاطعة ... 1059
صدقة الفطر ... 1060
صلاة القصر ... 1061
صلح الحديبية ... 1063
طيب المساجد وزينة الصلاة ... 1063(3/215)
عام الحزن ... 1068
عام الوفود ... 1069
عبدة الشيطان ... 1070
عقوق الوالدين ... 1072
علم الطبيعة ... 1076
علم الفلك ... 1079
عمارة الأرض ... 1082
غار حراء ... 1084
غريب القرآن ... 1085
غزوة الأحزاب-مواقف وعبر ... 1086
فتح مكة ... 1089
فقه الحركة-الأصول والمقدمات- ... 1091
فقه التنمية في الإسلام ... 1093
فن التعامل مع الناشئة ... 1102
قطيعة الرحم ... 1105
قول الصحابى ... 1108
كبائر الذنوب ... 1109
كيف تدعو إلى الله في مقر عملك ... 1115
كيف نعيش رمضان ... 1119
كُتَّاب الوحى ... 1121
لبس الذهب للرجال ... 1123
مجمل أصول العقيدة ... 1125
محاسبة النفس ... 1128
محرمات متمكنة في الأمة ... 1134
مداخل الشيطان على الصالحين ... 1136
مراقبة الله في الخلوة ... 1137
معاجم اللغة العربية ... 1139
مفسدات القلب ... 1141
منكرات الأفراح ... 1143
مواصفات جيل التمكين ... 1144
نشأة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 1164
نظرات خائنة ... 1165
نقل الأعضاء ... 1169
وحدة الوجود ... 1170
وصايا لتربية الأبناء ... 1172
وصايا ... 1173
وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 1175
وقفات يسيرة مع بائع الدخان : ... 1175
وهم الحب ... 1177(3/216)