(6) فضائل الأوقات، للبيهقي: 439.
(7) رواه ابن حبان: 8/394، ح/3631. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده على شرط مسلم.
(8) رواه البخاري، ح/2006، ولا يعني هذا تفضيله على يوم عرفة، فإنه يكفر سنتين، ويتميز بمزيد فضل لما يقع فيه من العبادات والمغفرة والعتق، ثم إنه محفوف بالأشهر الحرم قبله وبعده، وصومه من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم. (انظر: بدائع الفوائد: 4/211، والفتح: 4/292، ومواهب الجليل 2/403).
(9) لطائف المعارف، لابن رجب: 110، وأخرج أثر الزهري البيهقي في الشعب: 3/367.
(10) انظر: اللطائف: 102 ـ 109. (11) انظر: الفتح: 4/289.
(12) رواه مسلم، ح: 1125، واللفظ له، والبخاري، ح:2002.
(13) رواه مسلم: ح 1136، 2/798 . (14) كالبيهقي، في فضائل الأوقات: 444، 445.
(15) رواه البخاري: ح/2003، الفتح: 4/287. (16) الفتح: 4/290. وانظر: زاد المعاد: 2/71،72.
(17) انظر: التمهيد: 7/203، 22/148. (18) رواه البخاري: ح: 2006، الفتح:4/287.
(19) الفتح: 4/290. (20) البخاري: ح/1892، الفتح4/123، ومسلم: ح/1126.
(21) انظر: الفتح: 4/289. (22) كما صح عن ابن عباس في البخاري: ح 5917. وانظر مبحثاً مفيداً في المسألة في اقتضاء الصراط المستقيم: 1/466 ـ 472.
(23) رواه مسلم، ح/1134 .
(24) أخرجه الترمذي3/128،، ح/755، وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح/603، وانظر: صحيح الجامع، ح/3968.
(25) أخرجه عبد الرزاق (7839)، والبيهقي (4/287)، من طريق ابن جريج عن عطاء. وهذا إسناد صحيح.
(26) أخرجه البزار، انظر: مختصر زوائد البزار، لابن حجر: 1/406، ح 672، وقال الحافظ: إسناده صحيح.
(27) رواه مسلم: 1133. (28) زاد المعاد: 2/ 75 ـ 76.
(29) المسند: 1/241. وقال شاكر: إسناده صحيح. واحتج به من أهل العلم: الحافظ في الفتح (4/289)، وابن القيم في الزاد (2/76)، وغيرهما. وضعف إسناده محققا المسند، وقالا: "إسناده ضعيف .ابن أبي ليلى ـ واسمه محمد بن عبد الرحمن ـ: سيئ الحفظ، وداود ابن علي ـ وهو ابن عبد الله بن عباس الهاشمي ـ روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، وقال الإمام الذهبي: وليس حديثه بحجة"، ثم خرجاه من مصادره، وبينا أن الثابت عن ابن عباس موقوفًا هو بلفظ: "صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود". انظر المسند ح/ 2154، 3213 (4/52، 5/280).
(30) ذكر هذا اللفظ: الهيثمي في مجمع الزوائد: 3/188، وقال: "رواه أحمد والبزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام" وذكره المجد ابن تيمية في المنتقى، وعزاه لأحمد، قال الشوكاني في نيل الأوطار: 4/330: "رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة، من طريق داود بن علي، عن أبيه، عن جده، رواها عنه: ابن أبي ليلى". وذكره ابن رجب في لطائف المعارف: 108. والذي وقفت عليه في المسند هو اللفظ المتقدم، ـ وهو بـ (أو) وليس بالواو ـ، وقد ضعف الرواية التي بالواو الألباني في ضعيف الجامع، ح/ 3506، وذكرها محتجًا بها الشيخ ابن باز، انظر: فتاوى إسلامية: 2/169.
(31) رواه مسلم، ح: 1131، 1/796. (32) لطائف المعارف: 112.
(33) وهو المشهور عن ابن عباس ومقتضى كلام أحمد، ومذهب الحنفية. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 1/470 ـ 471، ورد المحتار، لابن عابدين 3/336 ـ 337.
(34) بل إن الحافظ ابن حجر (الفتح4/289) وابن القيم (الزاد2/72) جعلا المراتب ثلاثة، أفضلها صيام الثلاثة الأيام، يليها صوم التاسع والعاشر، والثالثة صوم العاشر وحده. وانظر: المغني، لابن قدامة 4/441، ولطائف المعارف، ص 109.
(35) ويتحقق الاتباع بموافقة العمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ستة أمور:
أ - كون سبب العمل مشروعاً، فالتهجد في ليالي معينة كليلة عاشوراء دون غيرها.. سببه غير مشروع؛ لأنه لم يرد في تخصيصها به نص شرعي.
ب - الجنس؛ فالتضحية بفرس غير مقبولة؛ لأنها لم تشرع.
ج - القدر أو العدد، فإذا صلى المغرب أربعاً لم تصح؛ لمخالفة الشرع في العدد.
د - الكيفية، فإذا توضأ وضوءاً منكساً لم يُقبل.
هـ - الزمان، فلو ضحى في شعبان لما صحت منه.
و - المكان، فلو اعتكف في بيته لما صح منه ذلك؛ لمخالفة الشرع في المكان.
(انظر: الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع، لابن عثيمين: 21-22).
(36) انظر في بدع عاشوراء: المدخل، لابن الحاج: 1/208، 209، وتنبيه الغافلين، لابن النحاس: 303، والإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ: 268-272، والسنن والمبتدعات، للشقيري: 118-121، وردع الأنام من محدثات عاشر المحرم الحرام، لأبي الطيب عطاء الله ضيف . وانظر: معجم البدع، لرائد بن أبي علفة: 391 ـ 395.
(37) انظر: الإبداع ، لعلي محفوظ: 270. (38)انظر: السنن والمبتدعات، للشقيري: 120.
(39) هم الذين يناصبون آل البيت العداء، في مقابل الرافضة الذين غلوا فيهم.(/6)
(40) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 2/129 ـ 134، وانظر: اللطائف: 112، وشعب الإيمان: 3/367، وضعيف الجامع، ح/5873. (41) انظر: السابق.
(42) منهاج السنة النبوية 7/39، وانظر: مواهب الجليل 2/403 ـ 444.
(43) انظر: البداية والنهاية، لابن كثير: 8/201 ـ 203، والفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية: 25/307 ـ 314، واقتضاء الصراط المستقيم: 2/129-131.
(44) لطائف المعارف: 113. (45) وهو محمد حسين فضل الله.
(46) صحيفة: الخليج، العدد 7224، الأحد 12/11/1419هـ .
(47) رواه البخاري، ح: 1592، الفتح:3/531. (48) انظر: الفتح: 4/289.
(49) انظر: الفتح: 7/184. (50) الفتح: 4/289.
(51) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/199 وما بعدها .
(52) رواه أبو داود: ح/ 4031، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ح: 341 .
(53) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/270. (54) انظر: السابق: 1/284، 474، 92 ـ 94 .
(55) صحيح البخاري، ح/ 5917، موقوفًا على ابن عباس ـ وتقدم ـ.
(56) الفتح: 4/291، وانظر: 288. (57) هذا لفظ مسلم: ح/1130.
(58) انظر: اللطائف: 109، والزاد: 2/69،70، والفتح: 4/291.
(59) انظر مدارج السالكين: 2/254. (60) في ظلال القرآن، لسيد قطب: 5/2899.
(61) كما تقول العرب. ومعنى المثل: أن شعور الإنسان بحاجته لشيء يولد له الحيلة والطريقة التي توصله إلى حاجته.
كاتب المقال: عبد اللطيف بن محمد الحسن
المصدر: مجلة البيان(/7)
يوم عاشوراء
الكاتب: الشيخ د.علي بن عمر بادحدح
يوم عاشوراء هو اليوم الذي سنّ المصطفى صلى الله عليه وسلم صيامه ونوّه بفضله
كما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان" [ رواه البخاري ]، كما أضاف صلى الله عليه وسلم تعليلات وحِكَماً لصومه فيما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوماً يعني عاشوراء فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجّى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون فصام موسى شكراً لله فقال: "أنا أولى بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه" [متفق عليه]،
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" [ رواه مسلم ]، وقال ابن حجر: " مَا هَمَّ بِهِ مِنْ صَوْم التَّاسِعِ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ يُضِيفُهُ إِلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إِمَّا اِحْتِيَاطًا لَهُ وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُوَ الْأَرْجَحُ، وَبِهِ يُشْعِرُ بَعْضُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا صُومُوا يَوْم عَاشُورَاء وَخَالِفُوا الْيَهُود , صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ، وَهَذَا كَانَ فِي آخِر الْأَمْرِ، وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِف فِيهِ أَهْل الْأَوْثَان، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّة وَاشْتُهِرَ أَمْر الْإِسْلَام أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ، فَوَافَقَهُمْ أَوَّلًا وَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتهمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْله وَيَوْمٌ بَعْدَهُ خِلَافًا لَهُمْ ".
والمسلمون يستنبطون - من كل ما سبق - عِبراً كثيرة منها ما يلي:
1- الحرص والجد في شكر النعم بالطاعات والتقرّب إلى الله عز وجل، والله يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [ إبراهيم:7] .
2- العمل على اجتناب سخط الله بشكر نعمه واستقامة على أمره، والله جل وعلا يقول: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً) [ النساء:147]، ذكر السعدي أن الله: " يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه، والشكر هو خضوع القلب، واعترافه بنعمة الله، وثناء اللسان على المشكور، وعمل الجوارح بطاعته، وألاّ يستعين بنعمه على معاصيه".
3- الإدراك العميق لفضل أمة الإسلام، والحرص الأكيد على تميّزها، والله جل وعلا يقول: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [ آل عمران:110]، ويقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [ البقرة:143]، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فُرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد) [ رواه البخاري ].
4- متابعة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والتزام سنته، واقتفاء أثره في الصيام، وتميّز المسلم عن غير المسلمين، وطلب الأجر والمثوبة، كما ورد في حديث عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: ( يكفّر السنة الماضية) [رواه مسلم].(/1)
يوم كنا خير أمة أخرجت للناس
عبد الرحمن حمود السميط
لماذا استطاع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفعل كل ما فعله وأن يكون سببا في هداية مليار ونصف إنسان للإسلام بعد 1400 سنة من وفاته وهو آدمي مثلنا ؟ بينما نحن لا نستطع أن نحافظ على الأرض تحت أقدامنا بحيث تنتقص يوما بعد يوم؟ في الوقت الذي نغرق فيه في السبات كان صلى الله عليه وسلم إذا نامت عيناه لم ينم قلبه.
كان أثقل في الميزان من أمة بكاملها، شغله عزمه، وهم هذا الدين عن التمتع بالدنيا، وركل الدنيا يوم جاءته قريش تعرض عليه الملك والمال والنساء .
كان حسن المعاملة، حسن الخلق مع الجميع، مع الأعراب الأجلاف و مع اليهود والكافرين فضلا عن إخوانه من المؤمنين.
لماذا استطاع تحقيق هو وتلاميذ مدرسة النبوة أعظم حضارة عرفها العالم، إمتدت من الصين إلى الأندلس في مائة عام ؟ .
ولماذا لم نستطع حتى المحافظة على ما ورثناه من الآباء والأجداد. لقد ادعينا أننا مؤمنون، ولكننا مع الأسف فقدنا ثقتنا بالله ثم برسوله ! هم يحدثوننا عن جنة عرضها السماوات والأرض، لمن باع نفسه وماله لله، ونحن نبيع أنفسنا للدرهم والدينار.
نحن في عداء مع الحكمة التي امرنا الله سبحانه أن نأخذ بها في الدعوة ، وأصبح احدنا يقرأ كتابين أو ثلاثة فيظن أنه أعلم أهل الأرض ، وأن الحق معه يدور معه حيث دار ، وأن جميع أهل الأرض عليهم أن يأخذوا برأيه.
اذكر تجربة لنا مع مجموعات من متطرفي الصوفية وأقطاب المشعوذين في جنوب تشاد، سجنوا بعض دعاتنا 52 يوما في السجن، وحرقوا كل الكتب التي وزعناها باللغات المحلية لأننا وهابيين كما ذكروا، وناصبونا العداء.
عاملناهم بالحسنى، وتقربنا لهم بالمعاملة الطيبة، وكنت اهدي كل شيخ من مشايخهم كيسا من الرز و أعطيه خروفا كلما زرت جنوب تشاد، وكلما زادوا في حربهم لنا زدنا في الإحسان إليهم.
وبعد سنوات أصبحوا هم يرسلون أولادهم لمدارسنا، ويشجعون الناس على الالتحاق بمراكزنا بل و يوزعون كتبنا بأنفسهم !.
أنا قد أجد العذر لهم بعض الشيء فهم قد تربوا طول عمرهم على أسلوب معين في الحياة وفهم للإسلام، فمثلا إذا رغب شخص في إشهار إسلامه كان واجبا أن يعطيهم بقرة أو يعمل لديهم سنة بدون راتب فجئنا نسمح لكل من رغب بالإسلام أن يعلن الشهادتين بدون مقابل، فقطعنا رزقهم. وكانوا يبيعون التمائم ويعيشون من دخلها فكان لابد أن يثأروا لهؤلاء القادمين الجدد الذين يريدون تغيير مفاهيم الناس .
فنحن نعمل على أهداف بعيدة إذ أن أبناء هؤلاء يدرسون في معاهدنا وبالتالي فلن يفعلوا شيئا من الشركيات إذا كبروا، وسيعرفون حقيقة الدعوة ولن يستعجلوا النتائج.
إن الحكمة في الدعوة كلها خير كما قال الله ، وهي مصدر عزنا ولكننا احتكمنا إلى الهوى فقادنا ذلك إلى الذل.
فكم من مخالف كسبنا قلبه بالحكمة والمعاملة الحسنة
يا شباب الإسلام نطالبكم بأن تساهموا في هبوب رياح الإيمان ، لتقتلع جذور الشيطان ، وتقضي على الشهوات وطرق الملهيات وتزرعوا بذور الإيمان وتكونوا سفراء دين الرحمن ... ويكون كل منا وسط أمته، التي أصبحت مجموعة من الأصفار رقما على يسار هذه الأصفار.
إننا أمة قادرة على أن نلتزم بأوامر الرحمن ونرفض مزالق الشيطان.(/1)
يوم من تاريخ المسلمين .. !!
فتح عموريه
كم من واامُعتصماه انطلقت ملأ أفواة البناتِ اليُتّمِ
لامست أسماعهُم ولكنها لم تُلامس نخوة المُعتصمِ
سمعنا كثيراً هذا الشعر ورأيتُ أننا نحيا ذات الواقع المُر، فرأيت أن نتذاكر هذا اليوم من أيام الإسلام، نسأل الله أن يُقيض لهذة الأُمة قائداً يقوُدُها بكتابه وسُنة نبيه لإعلاء دينه وتحكيم شريعتُه، اللهم آمين..
أيا رب لا تجعل وفاتي إن دنت على مضجع تعلوه حسن المطارفِ
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائفِ
معركة عمورية
كتب بابك الخرمي إلى حليفه إمبراطور الروم البيزنطيين 'تيوفيل بن ميخائيل بن جورجس' عندما ضيّقت عليه جيوش 'المعتصم' الحصار قائلاً : "إن ملك العرب 'المعتصم' قد جهّز إليّ جمهور جيشه ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها.
فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعاً إلى ما حولك من بلاده فخذها، فإنك لا تجد أحداً يمانعك عنها. فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس في وجهك أحد يمنعك".
كل ذلك طمعاً من 'بابك' في أن يتحرك الروم للتخفيف عنه وكشف بعض ما هو فيه، فخرج 'تيوفيل' في سنة 223هـ بعد سنتين من رسالة بابك، وانقضّ 'تيوفيل' على مدينة 'زبطرة' وأعمل بها السيف، وقتل الصغير والكبير بلا إنسانية ولا رحمة، وسبى من النساء أكثر من ألف امرأة بعد ذبح أطفالهن، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسمل أعينهم، وقطّع آذانهم وآنافهم، ثم أغار على 'ملطية' فأصابها ما أصاب 'زبطرة'، فضجّ المسلمون في مناطق الثغور كلها، واستغاثوا في المساجد والطرقات، وبلغ الخبر 'المعتصم' فاستعظمه، وبلغه أن هاشمية صاحت وهي في أيدي الروم: وامعتصماه.
فأجاب وهو على سريره: لبيك لبيك، ونادى بالنفير العام، ونهض من ساعته.
وأورد أحد المؤرخين: أن صاحب عمورية من ملوك الروم كانت عنده شريفة من ولد فاطمة رضي الله عنها، مأسورة في خلافة 'المعتصم بن الرشيد'، فعذبها فصاحت الشريفة فعذّبها، فصاحت الشريفة: وامعتصماه، فقال لها الملك: لا يأتي لخلاصك إلا على أبلق -فرس فيه سواد وبياض-.
فبلغ ذلك 'المعتصم' فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدمة عسكره أربعة آلاف أبلق، وأتى عمورية وفتحها، وخلّص الشريفة وقال: "اشهدي لي عند جدّك أني أتيت لخلاصك، وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق".
ولما انتهى الخبر بما جرى في الثغور إلى 'المعتصم' فصاح في قصره: النفير النفير، وأحضر القاضي عبد الرحمن بن إسحاق وشعيب بن سهل ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلاً من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من ضياع، فجعل ثلثاً لولده، وثلثاً لله، وثلثاً لمواليه، ثم أرسل نجدة لأهل الثغور يؤمّنون الناس حتى عادوا إلى قراهم.
وعندما سار 'المعتصم' باتجاه الثغور تساءل: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟
فقيل: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية، فسار باتجاهها، بجهاز عظيم من السلاح والعدد وآلات الحصار والنفط، وعندما وصل الجيش الإسلامي بلاد الروم أقام على نهر اللامس -الحد الفاصل بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية، على ضفتيه كانت تتم مبادلة الأسرى- ومن ضفاف نهر اللامس سيّر 'المعتصم' 'الأفشين' شمالاً وهدفه أنقرة، وسيّر خلفه 'أشناس'، ثم سار خلفهما، فكان معهما قبالة أنقرة في 25 شعبان 223هـ، ففتحها بسهولة، اتجه بعدها إلى عمورية.
واجتمعت كل العساكر بقيادة 'المعتصم' عند عموريّة، فركب ودار حولها دورة كاملة، وقسّمها بين القوّاد، جاعلاً لكل واحد منهم أبراجاً من سورها، وذلك على قدر كثرة أصحابه وقلتهم، وصار لكل قائد منهم ما بين البرجين إلى عشرين برجاً.
أما أهل عمورية فقد تحصّنوا داخل أسوار مدينتهم، متّخذين ما استطاعوا من الحيطة والاحتراز.
وعلم 'المعتصم' من عربي متنصّر، تزوّج في عمورية وأقام بها، أن موضعاً من المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السور في ذلك الموضع فكتب ملك الروم إلى 'ياطس' -عامله على عمورية- أن يعيد ذلك الموضع ويعيد تشييده، تحسّباً لنتائج فعلته في "زبطرة' والثغور الإسلامية، فتوانى باطس في بنائه وترميمه، وعندما علم أن "تيوفيل' خرج من القسطنطينية إلى بعض المواقع متفقداً، تخوّف "ياطس' أن يمر 'تيوفيل' على عمورية فيرى جانباً من سورها لم يرمم، فوجّه "باطس' الصنّاع والبنائين فبنوا وجه السور بالحجارة حجراً حجراً، وتركوا وراءه من جانب المدينة حشواً ثم عقدوا فوقه الشرف، فبدأ كما كان.
ولما علم 'المعتصم' بذلك، أمر بضرب خيمته تجاه هذا الموضع، ونصب المجانيق عليه، وبدأت المجانيق الضخمة مع آلات الحصار الأخرى تعمل عملها، فانفرج السور من ذلك الموضع، فلما رأى أهل عمورية انفراج السور دعّموه بالأخشاب الضخمة كل واحدة إلى جانب الأخرى لا فرجة بينهما، فكان الحجر إذا وقع على الخشب تكسر فيهرع المحاصرون لتدعيم السور بأخشاب ضخمة جديدة ليحموا السور من الانهيار.(/1)
وعندما توالت قذائف المجانيق على هذا الموضع الواهن، انصدع السور، فكتب 'ياطس' إلى 'تيوفيل' كتاباً يعلمه فيه بأمر السور وحرج الموقف وقوة الحصار، ووجّه الكتاب مع رجل يتقن العربية ومعه غلام رومي، فانكشف أمر الرجلين للمعتصم، واستمر جند 'المعتصم' يبيتون بالتناوب على ظهور الدواب في السلاح ودوابهم بسروجها حتى انهدم السور ما بين برجين، من الموضع الذي وصف للمعتصم أنه لم يحكم عمله.
ودوى في فضاء عمورية صوت اهتزت له جنباتها، إثر تهدم جانب السور، فطاف رجال المسلمين يبشرونهم أن الصوت الذي سمع، صوت السور فطيبوا نفساً بالنصر.
لقد فعلت المجانيق فعلتها في السور وتنبه المعتصم إلى سعة الخندق المحيط بعمورية وطول سورها ، فأمر ببناء مجانيق ضخمة كبيرة يعمل على كل منها أربعة رجال ، وللوصول إلى السور كان لا بد من ردم أجزاء من الخندق، فدفع لكل جندي شاة لينتفع من لحمها وليحشو جلدها تراباً ، ثم جمع (سلاح المهندسين) الجلود المملوءة تراباً وطرحها في الخندق.
كما أمر 'المعتصم' 'مفارز' الفعلة بأن تردم جوانب من الخندق المحيط بسور عمورية مستفيدة من جلود الغنم المملوءة تراباً، كي يمكن الدبابات من الوصول إلى السور، وكلف 'مفارز' من الرجالة بحماية العاملين وبردم الخندق، وحماية العاملين في الدبابات أثناء قيامها بالواجبات المترتبة على كل منها.
وطرح العاملون من الفعلة الجلود فلم تقع مستوية منضدة بسبب تكثيف الروم رميهم الحجارة على العاملين بردم الخندق فجاءت الجلود في الخندق غير مستوية فطرحوا فوقها التراب حتى أصبحت مستوية.
وفي صباح يوم جديد من الحصار، بدأ القتال على الثلمة التي فتحت في السور ولكن الموضع كان ضيقاً لم يمكنهم من اختراق الثلمة، فأمر 'المعتصم' بالمنجنيقات الكبار التي كانت متفرقة حول السور فجمع بعضها إلى بعض، وجعلها تجاه الثلمة، وأمر أن يرمى ذلك الموضع لتتسع الثلمة، ويسهل العبور، وبقي الرمي ثلاثة أيام فاتسع لهم الموضع المنثلم، واستخدمت أكباش الدبابات أيضاً لتوسيع الثلمة.
وركب 'المعتصم' حتى جاء فوقف حذاء البرج الذي يقاتل فيه 'ياطس' فصاح بعض الجند العرب : يا 'ياطس'، هذا أمير المؤمنين، فصاح الروم من فوق البرج: ليس 'ياطس' هاهنا، فغضب 'المعتصم' لكذبهم وتوعد فصاحوا: هذا 'ياطس'، هذا 'ياطس'، فصعد جندي على أحد السلالم التي هيئت أثناء الحصار، وقال لياطس: هذا أمير المؤمنين فانزل على حكمه، فخرج 'ياطس' من البرج متقلداً سيفاً حتى وقف على البرج، و'المعتصم' ينظر إليه فخلع سيفه من عنقه، ودفعه إلى الجندي العربي الذي صعد إليه، ثم نزل 'ياطس' ليقف بين يدي 'المعتصم'، معلناً سقوط عمورية بيد 'المعتصم' وجنده.
لقد سقطت عمورية بعد أهم معركة عربية استخدمت فيها أدوات الحصار الضخمة الكبيرة كالدبابات والمجانيق والسلالم والأبراج على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يوماً، من سادس رمضان إلى أواخر شوال سنة 223هـ.
ثم أمر المعتصم بطرح النار في عمورية من سائر نواحيها، فأحرقت وهدمت، وجاء ببابها الرئيسي إلى سامراء، وعاد بعدها المعتصم بغنائم كبيرة جداً إلى (طرسوس)، ومنها إلى (سامراء) منتصراً ظافراً، راداً على 'تيوفيل' فعلته كاسراً مخالبه التي تطاولت على (زبطرة)، ومستجيباً لصيحة الهاشمية الحرة ( وامعتصماه )، جاءها على خيل بلق، فخلّصها وقتل الرومي الذي لطمها، ثم أمر ببناء زبطرة وشحنها بالرجال والعتاد والميرة، فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(/2)
يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ويوم مولد دولته
12 ربيع الأول: يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ويوم مولد دولته،
ويوم وفاته ومولد الخلافة الراشدة
لفت انتباهي توافق غريب، وربط عجيب، بين مولد رسول صلى الله عليه وسلم ، ويوم دخوله المدينة واستلامه الحكم فيها، ويوم وفاته عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
كلها كانت في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول (على أصح الروايات) .
ألا تستغربون من هذا التوافق، وهل لديكم تفسير يربط بين هذه الثلاث.
إن الرسول محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمة التي أرسلها الله للعباد، لينقذهم من الظلمات إلى النور، وليرشدهم إلى طريق الحق، وليبلغهم خاتمة الرسالات التي لن تأتي بعدها رسالة سماوية، وليطبق عليهم شريعة الإسلام ليسعدوا في الدارين الأولى والآخرة.
فكان مولده في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول صلى الله عليه وسلم إيذاناً بوجود هذه الرحمة، وبداية لوجود هذه النعمة.
ولما بعث عليه الصلاة والسلام، بدأ دعوته في مكة المكرمة، وكان يعمل من أجل أن يقيم دولة الإسلام أي من أجل تمكين دعوته، ليباشر ما أمره الله به وما حمله الله إياه، وجعله تبعة على أمته من بعده، وهو حمل الإسلام إلى البشر، من أجل دعوتهم إليه وتطبيقهم عليهم.
وهكذا ظل يعمل عليه السلام حتى أقام دولة الإسلام في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وأسس قواعدها، وجعلها بذرة لدولة عالمية تسوس العالم بالحق والعدل.
ولما حان وقت رحيله عليه السلام، كان موعد وفاته في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، إيذاناً بقيام دولة الخلافة الراشدة التي خلفت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهمته التي بعثه الله من أجلها، وهي حمل الإسلام للبشر عن طريق الدولة، التي أقامها وتلقفها صحابته من بعده.
سبحان الله،،،
- مولد الرحمة في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول
- مولد الدولة في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول
- مولد الخلافة في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول
وقد يقول قائل إن هذا التوافق الغريب كان هكذا دون ترتيب، وأرد على هذه النقطة أنه فضلا عن أن كل شيء بمشيئة الله تعالى، فإن ما حصل لم يكن ليحصل لولا ترتيب مقصود من الله عز وجل، وإليك البيان:
عندما يهم جماعة للسفر إلى مكان ما للقيام برحلة صيد أو غيرها، وصادف وجودهم في مكان الرحلة يوم كذا كيوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا، يتساءلون فيما بينهم: ألا تلاحظون أننا تجمعنا في يوم مولد الرسول عليه السلام بدون قصد، فيرد الآخرون: نعم، بدون قصد، فنحن لم نتقصد أن نتجمع في هذا اليوم بالذات.
فهل كانت هجرة رسول الله عليه السلام من هذا القبيل؟
لا، فالرسول عليه السلام هو الوحيد الذي لم يهاجر إلا بإذن من ربه، بل إنه ظل منتظراً حتى يأذن الله له، بل إن أبا بكر كان يستأذنه بالهجرة بعد أن رأى جل الصحابة قد هاجروا والرسول عليه السلام يقول له: انتظر، عسى أن يجعل الله لك صاحبا. فهذه قرينة على أن الهجرة لم تكن إلا بترتيب مسبق من رب العالمين لحكمة تقتضيها مشيئته جل وعلا.
ثم إن يوم وفاته عليه الصلاة والسلام كان بأجل حدده الله تعالى، فالآجال مؤقتة ومحددة لا تتأخر ولا تتقدم.
إن عمر بن الخطاب والصحابة عليهم رضوان الله جميعا، جعلوا التأريخ عند المسلمين من يوم الهجرة ولم يجعلوه من يوم مولد الرسول عليه السلام ولا وفاته ولا بعثته، رغم أن بعضهم قد عرض ذلك ليؤخذ به. وما ذلك إلا لإجماع الصحابة رضوان الله عليهم على أهمية هذا اليوم في تاريخ المسلمين، بل في تاريخ البشرية جمعاء، وقد لخص مراد الصحابة عمرُ بقوله: ذاك يوم نصر الله فيه الحق وأزهق الباطل.
إنه ليس توافقا غريبا ولكنه ربط عجيب، بين مولد الرسول عليه السلام ويوم هجرته ويوم وفاته وبداية دولة الخلافة الراشدة.
إن المسلمين سيتذكرون حتما يوم مولد الرسول عليه السلام، سيتذكره منهم من يجيز الاحتفال بيوم المولد، وسيتذكره منهم من لا يجيزه، فكلهم في ذلك سيان، ولا ينكر هذا أحد.
فكان تذكر يوم مولده عليه السلام هو تذكر لازم ليوم دخوله المدينة وإقامته الدولة فيها، وهو تذكر لازم أيضا ليوم وفاته عليه السلام، وترك الصحابة له مسجى في فراشه الشريف، وانشغالهم عن دفنه باختيار خليفة، لإدراكهم أن هذا هو الذي يرضي ميتهم وهو أفضل ميت (فداه أبي وأمي وولدي ونفسي) وأنهم بانشغالهم عنه فإنهم يرضونه لا يعصونه.
تفكروا معي قليلا في هذه الأيام الثلاثة:
- مولد الرحمة المهداة محمد عليه الصلاة والسلام
- مولد دولة الإسلام التي أقامها الرسول عليه الصلاة والسلام
- مولد دولة الخلافة الراشدة.
وهل خطر في بالكم أن تقولوا للناس ولأهلكم ولأولادكم إن اليوم هو يوم مولد رسول الله، ويوم إقامة أول دولة في الإسلام، وهو يوم بداية ميلاد الخلافة الراشدة. أين من يعتبر؟؟؟
ولنقف وقفة أخرى مع ذكرى المولد:
يقول شوقي رحمه الله:(/1)
سَرَت بشائرٌ بالهادي ومولِدِه ...
... في الشرقِ والغربِ مسرى النورِ في الظُّلَمِ
تخطفتْ مهجَ الطاغينَ منْ عربٍ ...
... وطيَّرتْ أنفسَ الباغينَ من عجمِ
ريعت لها شرف الإيوانِ فانصدعت ...
... من صَدْمةِ الحقِّ لا مِن صدمةِ القدمِ
أتيتَ والناسُ فوضى لا تمرُّ بهمْ ...
... إلا على صنمٍ قد هام في صنمِ
والأرضُ مملوءةٌ جوراً مسخرةٌ ...
... لكلِّ طاغِيةٍ في الخلْقِ محتَكِمِ
مُسيطرُ الفرسِ يبْغي في رعيَّتهِ ...
... وقيصرُ الرُّومِ مِن كِبْرٍ أصمُّ عمِ
يعذّبانِ عبادَ اللهِ في شبهٍ ...
... ويذبَحانِ كَما ضحَّيْت بالغَنَمِ
لم يكن أي مولد، بل مولد رسالة يحملها رسول، رسالة ختم بها الله رسالاته لخلقه، وأنهى بها الله وحيه الذي لم ينقطع عن البشر منذ آدم عليه السلام.
لقد خلق الله الخلق، وجعل من طبيعتهم القدرة على اختيار طريق الخير أو طريق الشر: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } وأرسل لهم الرسل بالشرائع ليهدوهم إلى طريق الخير، ويمنعوهم من الوقوع في مزالق الشر.
ولكنه جل وعلا لم يجعل طريق الشر والخير للبشر متساويين في الترغيب والترهيب، بل شاء جل وعلا أن يرسل رسوله رحمة للبشر، يوجههم ويعينهم ويسلك بهم الخير، بل ويجهد من أجل إدخالهم الجنة، قال عليه الصلاة والسلام : «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي» . وكان إذا مرت عليه جنازة يهودي أو نصراني يتقلب وجهه، فيسأل في ذلك فيقول: «نفس فلتت مني إلى النار» يتحرق عليه الصلاة والسلام على النصارى واليهود يحب لهم أن يدخلوا الجنة.
إنني عندما أتحدث عن المولد فإنني لا أبحث موضوع الاحتفال بالمولد (وهي مسألة خلافية لست بصدد الحديث فيها) ولكني بصدد القول إن كل مسلم قد شغف قلبه بحب محمد عليه الصلاة والسلام، مهما كان هذا المسلم عاصياً، أو ظالماً، أو قاسياً قلبه، وأذكر قصة قرأتها في شبابي عن مسلم يعيش في أوربا، ولديه مجموعة من الأصدقاء النصارى، وكانوا يسهرون ويشربون الخمر مع بعضهم، وحصل أن اتفق أصدقاؤه النصارى على أن يستدرجوه لسب الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وحاشاه الله ونزهه من كل منقصة، فقالوا لصديقهم المسلم الفاسق: بصحتك يا فلان. فقال: بصحتي. وشربوا الخمر، ثم قالوا له: بصحة عيسى. فقال: بصحة عيسى. فقالوا: بصحة محمد. وهنا ذهبت السكرة، وانتفض المسلم شارب الخمر العاصي، ورفس الطاولة برجله، وقذف الخمر وقام يضربهم ويحذفهم بما في يديه، وقال: عليكم لعنة الله يا أنجاس يا ملاعين، أتذكرون محمداً هنا. وظل يصرخ ويزبد ويبصق عليهم وهم يهدئونه ويقولون: لم غضبت؟ لقد قلنا بصحة عيسى مع أنه ابن الرب عندنا ونقدسه. فقال: أنتم أحرار فيما تقولون، ولكن أن تذكروا محمداً في هذا المجلس فهذا ما لا أقبله أبداً، ولن أعاقر الخمرة بعد اليوم. ثم خرج غاضباً.
هذا مثال عفوي بسيط عن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أنها تشربت في قلوب المسلمين، ولا أقول في أي مسلم، إلا أنه يحب رسول الله ويحب رؤيته في الدنيا قبل الآخرة، إلا من طمس الباطل قلوبهم، وأعمى إبليس بصائرهم.
كيف لا ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صميم الإيمان، قال عليه السلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» وقال عليه السلام: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه» متفق عليهما.
وذكرى مولد رسول الله عليه السلام محفورة في القلوب، احتفلنا بها أم لم نحتفل، نتطلع إليها فنتذكر سيدنا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا، الذي أمرنا الله بمحبته، وأوجب علينا طاعته، تذرف الدموع لذكراه، وتخشع القلوب لسيرته، تتطلع النفوس للقياه، وتتذكره في سنته.
ولكن يبقى السؤال الذي سيظل مربوطا برقابنا حتى نلقى الله.
ماذا تعني محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام وما معنى تذكر يوم مولده.
هل تعني محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نتذكر يوم مولده فنذبح الذبائح ونمد السمط، ونقرأ البردة والهمزية والمدائح النبوية، ثم نعرج على صفات الرسول الخلقية (بفتح الخاء) والخلقية (بضم الخاء) فنخرج من هذا كله بالروحانية، ظانين في أنفسنا أننا أعطينا رسول الله عليه السلام حقه، ثم نعود إلى دنيانا، غافلين عن سيرته، مضيعين أحكامه، لاهين بالدنيا عن إقامة دولته، ملتفتين عن طريقته الشرعية الوحيدة إلى طرق الواقعية والديمقراطية.
كيف نقابل الله ورسوله يوم القيامة، وقد عصينا وتخلينا، كيف نقابل الله ورسوله يوم القيامة، وقد أهملنا وضيعنا.
رحم الله سيدنا الشافعي عندما قال:(/2)
... تعصي الإله وأنت تظهرُ حبَّهُ ...
... ... هذا لعمري في القياس بديعُ
... لو كان حبُّك صادقاً لأطعتهُ ...
... ... إن المحب لمن يحب مطيعُ
في كل يوم يبتديك بنعمةٍ ...
... ... منه وأنت لشكر ذاك مضيعُ
سأل رجل من أهل بغداد أبا عثمان الواعظ: متى يكون الرجل صادقاً في حب مولاه؟ فقال: إذا خلا من خلافه كان صادقاً في حبه. فوضع الرجل التراب على رأسه وصاح وقال: كيف أدعي حبه ولم أخلُ طرفة عين من خلافه. فبكى أبو عثمان وأهل المجلس، وصار أبو عثمان يقول في بكائه: صادق في حبه مقصر في حقه. أورده البيهقي.
إن محبة رسول الله وكل ما يرتبط بيوم مولده تناقض كل ما يعيشه المسلمون اليوم في حياتهم.
أتانا الرسول عليه السلام بالمحجة البيضاء، فأين نحن منها الآن؟!
عمل ثلاث عشرة سنة كاملة بأيامها من أجل إقامة دولة للإسلام، ولم يلق ربه إلا بعد أن شرع لنا أحكامها، وبيّن لنا أجهزتها، فأين نحن من دولته؟!
أمرنا أن نحمل رسالته من بعده، كي نكون شهداء على الأمم، ويكون هو علينا شهيداً، فأين نحن من هذا، وماذا سيشهد علينا رسول الله أمام رب العزة في موقف الحشر العظيم؟!
أمرنا بالعزة، وها نحن نتجرع المهانة في كل يوم، فأين نحن من عزته؟!
أمرنا أن نحافظ على أخوتنا في الإسلام، وأن نكون وحدة واحدة، وأن نكون يداً واحدة على من يريد شق صفنا، فأين نحن من ذلك كله؟!
زرع فينا الشرف والكرامة والتضحية بالغالي والنفيس، من أجل العرض، ومن أجل الغيرة، وها نحن أعراضنا تنتهك في كل مكان، فأين نحن من هذا كله؟!
آه، لو يدرك الكفار النعمة التي أرسلها الله للبشر، والرحمة التي أنعم الله بها عليهم، والله لجالدونا على اتباعه، ولكن لا تنفع الآهات.
إن مهمتنا عظيمة، وأعباءنا جسيمة، وكلما تمعنّا فيما ألقي علينا من تبعة تحسرنا على أعمارنا التي مضت، وتمنينا زيادة في العمر لنعوض ما فات.
فإلى تذكر حقيقي لمولد المصطفى عليه السلام، أدعوكم أيها المسلمون، وإلى موقف مهيب أناديكم، للوقوف في حضرته يوم القيامة، وقد أبى إلا أن يقف على الكوثر، يمسك الأقداح بيديه الكريمتين، يسقي بها أتباعه قبل أن يدخلوا الجنة، إلى هؤلاء أستصرخكم أن تكونوا.
وأحذركم وأحذر نفسي المقصرة من أن نكون من أولئك الذين يمرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموقف نفسه، وفي اللحظة نفسها، وهو واقف على الكوثر، ولكن تسوقهم الملائكة إلى النار، فيستعجب، فداه أبي وأمي وولدي ونفسي، ويصرخ قائلاً: أمتي، أمتي ، فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. فيقول عليه الصلاة والسلام: بعداً، بعداً. وفي رواية: سحقاً، سحقاً.
إن الواحد منا إذا تذكر يوم مولد أو وفاة والده أو والدته، فإنه يترحم عليه وعليها، ويسأل الله لهما الجنة.
فماذا أنت فاعل إن تذكرت يوم مولد رسول الله عليه الصلاة والسلام ويوم وفاته.
سأترك لمحبة رسول الله في قلبك أن تتولى الإجابة نيابة عنك قرآن كريم
نور الدين التميمي(/3)
يومئذ تعرضون
الحمد لله ، تفرد بالحول والقدرة ، وعظم فلا يقدر أحد قدره ، خلق الإنسان من نطفة ، وأحصى عمره ، وقضى عليه بالموت ، فأراه قبل مماته قبره . أحمده سبحانه ، فكم أقال من عثرة ، وأنزل القرآن موعظة وذكرى ، فكم أسالت آياته من عبرة . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من قلب وجل يترقب أن ينجو بها من سؤال الحفرة ، ويدخرها ليستظل بها في ظل العرش يوم الحسرة . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بعثه بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ، فضمن له نصره . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ، ومن سار على نهجهم وترسم خطاهم ، فلم يتجاوزوا نهيه واتبعوا أمره ، وسلم تسليما . أما بعد ، فاتقوا الله عباد الله ، فإن تقوى الله تجلب الرزق ، والفرج ، ومحبة الله تعالى ، ومعيته ، وجنته . وتقوى الله تيسر الأمور ، وتكفر السيئات ، وتعظم الأجور ، وتورث الأمان يوم النشور . أيها المسلمون : إن من المستقر في العقول السليمة أن لا بد لهذا العالم من صانع ، دلت آيات إحكامه لصنعته ، وما غمر العالم به من شآبيب رحمته ، وما أظهر فيه من عجائب قدرته ، أن وراء الخلق غاية ، وأن لهذا العالم نهاية ، وأن الموت قد آذن برحيل الدنيا ، وأثبت أن الآخرة هي دار القرار ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور . يقول الحق تبارك وتعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ، وعرضوا على ربك صفا ، لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ، بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا . قف أيها المسلم ، أيها العاقل ، قف وتأمل حالك وأنت معروض على الحق جل وعلا ، موقوف بين يديه ، لا تخفى منك خافية . إنه والله لأشد مواقف القيامة هولا ، وأعظمها فزعا ، تهون عنده زلزلة الأرض ، وتشقق السماء ، وتدكدك الجبال ، وانكدار النجوم . إنه لمشهد رهيب ، وموقف عصيب ، حضور المرء بين يدي الجبار للحساب ، يسأله عن عمره وشبابه وماله ، هان عندها سؤال الملكين ، وضغطة القبر ، وطول الموقف يوم الحساب . و تبدأ أهوال يوم القيامة مع النفخ في الصور ، ومن ثم تبعثر القبور ، وقيام الناس لرب العالمين ، ثم ما يعقب ذلك من طول القيام ، ودنو الشمس من الرؤوس ، ثم يلي ذلك شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في القضاء بين العباد ، ويتحقق قوله تعالى : وقفوهم ، إنهم مسؤولون . فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون . وجاء ربك ، والملك صفا صفا . لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا . ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، يومئذ تعرضون ، لا تخفى منكم خافية . أيها المسلمون : تصور لنا هذه الآية صورة مفزعة لكل منا وهو معروض ، بين يدي الخالق ، أمام أعين الخلائق ، معروض أمامهم مكشوف لهم ، عار الجسد ، مبلي السريرة ، مفضوح الضمير ، قد تساقطت عنه الحجب والأستار ، وظهرت للخليقة كلهم ما كان يخفيه من خبايا وأسرار . برز منه كل غائب ، واستنطق الشهود فكل عضو منه مستنطق وعائب . يا لها من فضيحة ، كم حاول المسكين أن يسترها حتى عن نفسه ، فكم خادعها ، وكم مناها ، وكم سول لها وأعطاها . كم غفل عنها فما زكاها ، وكم أملى لها ودساها ، نسي أو تناسى : إنه على رجعه لقادر . فها هو اليوم ، أمام الجبار مكبلا بذنوبه ، قد افتضح منه ما كان يستره ، واحتاج في وقفته تلك لعمل قد كان يحقره ، وما أقساها من فضيحة أمام أعين الملأ ، وما أخزاها أمام أعين الحساد والشامتين ، وعلى مرأى الأعداء والناقمين ، إنه لموقف عصيب ، أن يقف الإنسان ، ذلك المخلوق الضعيف ، عاريا جسده ، عاريا شعوره ، عاريا تأريخه ، مكشوفا عمله ، ظهر منه ما استتر ، ولم يبق منه شيء إلا ظهر ، أمام الحشود الهائلة من خلق الله ، جنهم وإنسهم ، بل أمام الملائكة المقربين ، بل وأجل من ذلك وأعظم ، أن يقف مفتضحا بين يدي رب العالمين . كيف تراك أخي الحبيب وأنت في ذلك الموقف ؟ بلا ساتر يسترك ، وبلا ناصر ينصرك . يوم تبلى السرائر ، فما له من قوة ولا ناصر . فيا ترى من أي الفريقين أنت ؟ فريق الجنة ، أم فريق السعير ؟ ويا ترى في أي الجانبين أنت ؟ جانب الأبرار ، أم جانب الفجار ؟ فاليوم يسعد المؤمن ، ويشقى الكافر . اليوم بعثر ما في القبور ، وحصل ما في الصدور ، فجثت الأمم ، ونطقت الكتب ، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون . إخوة الدين والعقيدة : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نحن آخر الأمم ، وأول من يحاسب ، يقال : أين الأمة الأمية ونبيها ؟ فنحن الآخرون الأولون . أخرجه ابن ماجة ، وصححه الألباني . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة يقضى لهم قبل الخلائق . أخرجه مسلم(/1)
. وهذه صورة من صور الحساب يوم القيامة بين يدري رب العالمين ، تبين لنا أناسا ممن يفتح يوم العرض الأكبر على الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد ، فأتي به فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : ما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال : فلان جريء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : هو قارىء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل وسع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . رواه مسلم . وصورة أخرى من صور الحساب يوم القيامة : من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجيء الرجل آخذا بيد الرجل ، فيقول : يا رب ، هذا قتلني ، فيقول : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لك . فيقول : فإنها لي . ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل ، فيقول : أي رب ، إن هذا قتلني . فيقول الله : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لفلان . فيقول : إنها ليست لفلان ، فيبوء بإثمه . أخرجه الترمذي . ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ، ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دما ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة . وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء . رواه البخاري . قال ابن حجر : وفي الحديث عظم أمر الدم ، فإن البداءة إنما تكون بالأهم ، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة ، وتفويت المصلحة ، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك . اهـ . ولا تعارض بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته . أخرجه أصحاب السنن . فحديث البخاري في حقوق الخلق ، وهذا الحديث في عبادة الخالق . يبين ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند النسائي : أول ما يحاسب العبد عليه صلاته ، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء . أيها المسلم : ستسأل في ذلك الموقف عن الصلاة ، فإن صلحت فقد أفلحت ونجحت ، وإن فسدت خبت وخسرت ، فانظر موقع الصلاة من قلبك ، وهل أتممتها أم نقصتها ، وهل لك من تطوع ؟ فإن التطوع يتمم ما نقص من فريضتك ، ثم تؤخذ بقية الأعمال على ذلك . وستسأل عن الزكاة ، فإن كنت بخلت بها فاقرأ قوله تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ، ولله ميراث السموات والأرض ، والله بما تعملون خبير . ولا يغب عن ذهنك قوله عز وجل : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون . ومن حديث علي رضي الله عنه عند الطبراني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ، ويعذبهم عذابا أليما . معاشر المسلمين : إن ممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله ، آكل الربا ، قال جل وعلا : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس . ومدمن الخمر ، وعاق والديه ، والديوث ، والمنان ، والمسترجلة من النساء . فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق ، والديوث ، الذي يقر في أهله الخبث . وفي حديث آخر : ثلاثة لا يدخلون الجنة ، العاق لوالديه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطى . أخرجهما الإمام أحمد . وعند الطبراني من حديث عمار : ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا ، الديوث ، والرجُلة من النساء ، ومدمن الخمر . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله المتكبرون ، قال عليه الصلاة والسلام : يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة ، في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان . رواه الترمذي . ومن المتكبرين من جر إزاره ، قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره ، والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه ، والمنفق سلعته(/2)
بالحلف الكاذب . ويقول الحق تبارك وتعالى : أليس في جهنم مثوى للمتكبرين . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : الغادرون ، فلكل غادر لواء عند استه يوم القيامة . رواه مسلم من حديث أبي سعيد ، رضي الله عنه . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء ، فقيل : هذه غدرة فلان بن فلان . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : أصحاب الغلول ، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة . ومعنى الآية : أن كل من غل يأتي يوم القيامة حاملا ما غله على ظهره أو رقبته ، معذبا بما حمله ، مما يزيد في فضيحته ، ويزيد من هوانه على رؤوس الأشهاد . فليحذر الحكام ، والعمال ، والموظفون ، ومندوبو المشتريات ، ورؤساء المشاريع ، والمديرون ، والمنتدبون ، ومن ولي أمرا من أموال العامة ، فهي بين أيديهم ، فإن رجلا دخل النار ، وقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شملة غلها . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : آكل مال اليتيم ، ومغتصب أرض الغير ، قال جل وعلا : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ، وسيصلون سعيرا . وقال صلى الله عليه وسلم : من أخذ شبرا من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة من سبع ارضين . رواه البخاري . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : العلماء يكتمون علمهم ، من سئل علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة . والحكام يحتجبون عن رعاياهم ، قال صلى الله عليه وسلم : من ولي من أمور المسلمين شيئا فاحتجب دون خلتهم وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم ، احتجب الله عنه يوم القيامة دون خلته وحاجته وفاقته وفقره . رواه أبو داود والحاكم بإسناد صحيح . وأناس يكذبون في أيمانهم ، وفي رؤاهم ، قال عليه الصلاة والسلام : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم : رجل حلف على سلعته ، لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي ، وهو كاذب . ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم ، ورجل منع فضل ماء ، فيقول الله يوم القيامة : اليوم أمنعك فضلي ، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك . رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وفيه أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : من تحلم بحلم لم يره ، كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه ، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة . والسحرة والمشعوذون ، فالساحر : ماله في الآخرة من خلاق . والسحر أحد السبع الموبقات . والقاذفون للمحصنات الغافلات المؤمنات ، قال تبارك وتعالى : إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ، ولهم عذاب عظيم ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، ويعلمون أن الله هو الحق المبين . وممن يفتضح يوم العرض الأكبر على الله : الذي يسأل الناس وعنده من الرزق ما يكفيه ، فيسأل تكثرا . قال عليه الصلاة والسلام : من يسأل وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوما في وجهه , قيل : يا رسول الله ، وما يغنيه ؟ قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب . رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني . فاتقوا الله عباد الله ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية . جعلني الله وإياكم ممن قال فيهم : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون . بارك الله لي ولكم ..... الخطبة الثانية : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا كما أمر ، واشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إرضاء له ، وإرغاما لمن جحد به وكفر . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الشافع المشفع يوم المحشر ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر ، وسلم تسليما . أما بعد ،،، فأوصيكم بتقوى الله ، فمن اتقى الله وقاه ، ومن توكل على الله كفاه ، ومن سأل الله أعطاه ، ومن اكتفى به أعزه وأغناه ، ونصره وآواه . واعلموا أن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ن وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ،،، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة ، ومن شذ شذ في النار ، ثم اعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم ، وسيتخطى غيركم إليكم فخذوا حذركم ، وقدموا عذركم ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية . أيها المسلمون : في ذلك اليوم العصيب يأمن أناس فلا يخافون ، ويهنأ أناس فلا يحزنون ، منهم سبعة يظلهم الله في ظله ، وأناس تحابوا في جلال الله ، وأناس مشوا إلى الصلاة في دياجير الظلمات ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وأناس كانوا إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت(/3)
عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون . وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . كانوا يسبحون الله بالغدو والآصال ، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله ، أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها . رواه أبو داود . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله : أهل الصدقات ، وأهل الصبر ، والقنوت ، والشهداء ، الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار . ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله ، العلماء الربانيون ، والدعاة المخلصون قال تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات . وقال جل وعلا : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله من أنظر معسرا ، قال جل وعلا : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة . وقال صلى الله عليه وسلم : من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . رواه أحمد . وعند مسلم : من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة . ومن الآمنين يوم العرض الأكبر على الله المصلحون بين الناس ، قال تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما . وقال عليه الصلاة والسلام : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين . معاشر المسلمين : من أحق الناس بالأمن يوم العرض الأكبر على الله ، من أكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام من صلى علي حين يصبح عشرا ، وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة . رواه الطبراني . وقال عليه الصلاة والسلام : من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا . وقال صلى الله عليه وسلم : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات . رواه النسائي والحاكم . وأحمد دون رفع له عشر درجات . وعند الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ، هذا ، وقد قال الله تبارك وتعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .(/4)
يوميات معاذ .. صدمة ثم إفاقة
رئيسية :عام :الأحد 26 رجب 1427هـ – 20 أغسطس 2006م
أحداث هذه القصة ربما حدثت وربما لم تحدث، ولكنها مستوحاة من واقع الحياة اليومية للكثير من شباب المسلمين، وقبل أن أبدأ في سرد أحداث هذه القصة أحب أن أعرفكم بالبطل [بطل هذه السلسلة من الأحداث] 'معاذ'
معاذ واحد من شباب المسلمين، يعيش كغيره من الشباب حياة عادية ليس فيها جديد، فهو أيام الدراسة مشغول بمذاكرته ومحاضراته، وفي الصيف يعيش في فراغ كبير، وأحيانًا يشغل وقته في اللعب واللهو والخروجات مع أصدقائه.
بالمناسبة:
أصدقاء معاذ لمعلوماتكم ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: أيمن وأصدقاؤه.
القسم الثاني: أحمد وأصدقاؤه.
أيمن وأصدقاؤه باختصار من فئة الشباب الذي يحيا بالطول وبالعرض كما يقال في مصطلحات الشباب, أو 'شاب روش' بمعنى آخر.
فهو يقضي أيامه في اللعب واللهو، ولا يحمل همًا في الحياة ولا هدفًا لها.
أما أحمد وأصدقاؤه فهم على النقيض تمامًا من أيمن وأصدقاؤه، فهم أشخاص ملتزمون في كل شيء، دنيا ودين، علاقاتهم بخالقهم جيدة، فهم يحافظون على الصلوات، ولا ينخرطون فيما ينخرط فيه الشباب من لهو ومجون، وفي ذات الوقت لهم لهوهم وترفهم المباح، الذي لا يُعصى فيه الله عز وجل، ولا تنتهك محارمه.
والعجيب أن معاذ كان مصاحبًا للنوعين؛ فتارة يخرج مع أيمن، ويتصرف كما يتصرفون، وتارة يخرج مع أحمد، ويتصرف كما يتصرفون.
وفي كل مرة كان قلب معاذ يختلج بمشاعر شتى؛ فهناك نداء بعيد داخل عقله يلح عليه أن يسلك مسلك أحمد، وأن يبتعد عن أيمن، وهناك أيضًا نداء أقوى يلح عليه أن يستمتع بأيامه وحياته؛ لأنه أيام الشباب تذهب ولا تعود، فليستغلها في تحقيق شهواته وملذاته قبل أن يكون غير قادر على هذا.
وكان معاذ يعيش صراعًا داخليًا، وهو يشعر بالحيرة بين هذين الداعيين، وينتظر ما ستسفر عنه الأيام.
وحدث ما توقعه:
ففي يوم من الأيام كان في نزهة مع أيمن، وحدثت مشادة بين صديقين من أصدقاء أيمن، كانت الشلة تتحدث عن متانة العلاقة بينهما وقوتها، فهما صديقان منذ الطفولة، ولكن حدثت مشادة بينهما تطورت بعد ذلك إلى سب وتنابز بالألقاب، ثم تطورت إلى الضرب.
كل هذا وباقي أعضاء الشلة يجلسون مندهشين بما يحدث، والذي أصابهم بالذهول ما قاله كل صديق من المتعاركين لصديقه.
فكل واحد منهما أخذ يذكر صديقه بمواقف فعلها معه تدل على نذالة ونقص في الرجولة، وأن كلا منهما يحمل للآخر مواقف أخرى، ولكنه كان يسكت عنها من أجل العشرة.
وتعجب معاذ بشدة من هذا الموقف، كيف يمكن أن يحدث هذا بين صديقين من المفترض أن يكونا من أفضل الأصدقاء، وكيف تهاوت العلاقة التي دامت سنوات أمام موقف واحد من الغضب؟
وبعد هذا الموقف نما شعور قوي بداخل معاذ أنه هناك شيء غير صحيح بين هؤلاء الشباب، وأسرها معاذ في قرارة نفسه ولم يبدها لهم.
ويشاء العزيز القدير أن يخرج معاذ مع أحمد وأصدقائه في نزهة قصيرة، ويحدث مشادة بين صديقين من أصدقاء أحمد ويعلو صوتهما.
وهنا ينتبه معاذ بشدة، ويصغي أذنيه ليرى ماذا سيحدث بينهما، هل ستنقلب الأمور إلى تطاول الأيدي والأرجل والألسن، أم ماذا سيحدث؟
ويبدأ أصدقاء أحمد في التهدئة بين الصديقين المتنازعين، وعلى الفور ينتهي الموقف وينقضي الخلاف، بل ويعتذر كل صديق لصديقه على هذا الموقف الذي حدث بينهما.
وينظر معاذ إلى هذا الموقف بدهشة، وعلى الفور تراءى له صورة المشادة التي حدثت بين أصدقاء أيمن وصورة هذه المشادة، وعقد المقارنة بينهما، وأيقن أن العلاقة بين هؤلاء الشباب علاقة صافية نقية، ولا يوجد بينهم من يحمل ضغينة لأحد على عكس أصدقاء أيمن.
وعندما عاد معاذ إلى بيته جلس في غرفته وحيدًا، وأخذ يسترجع شريط حياته من ذكريات وأحداث، ومرت على ذهنه أحداث كثيرة، ولاحظ أن غالبية الأحداث التي تركت في نفسه آثارًا سلبية كانت مع أيمن وأصدقائه، أما الأحداث التي تركت في ذهنه آثارًا إيجابية كان أكثرها مع أحمد وأصدقائه.
كما لاحظ أن أحمد وأصدقائه لم تربطهم به مصلحة دنيوية على الإطلاق فقد كانت العلاقة دائمًا بينهم مرتبطة بحضور مجالس العلم والتحفيظ وغيرها من تلك الأماكن المباركة.
كما لاحظ أيضًا أنه يشعر براحة نفسية شديدة عقيب أي لقاء بينه وبين أحمد وأصدقائه، على العكس من أيمن وأصدقائه، الذين يشعر معهم بمتعة لحظية ثم بعد ذلك يصاب بالاكتئاب والحزن والضيق عندما يتركهم ويذهب.
العديد والعديد من الذكريات والأحداث مرت على ذهن معاذ، وشعور داخلي يتعمق ويقوى بأن الصواب مع أحمد وأصدقائه، وأنه بحاجة إلى أن يأخذ قرار مصيري في حياته.
هل ينهي العلاقة مع أيمن وأصدقائه، أم أنه لن يستطيع أن يبتعد عنهم؟
ثم استعان بالله واتخذ أهم قرار في حياته؛ قراره بأن يودع ماضيه ويبدأ مرحلة جديدة في حياته
مرحلة شعارها الالتزام بدين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وقرر أن يبلغ أحمد بهذا القرار المصيري.
يوميات معاذ [2](/1)
مفكرة الإسلام: قرر معاذ أن يسلك الطريق الذي سلكه أحمد صديقه من قبل، هكذا توقفنا في الحلقة السابقة من يوميات معاذ وبعد أن أخذ معاذ القرار ذهب إلى صديقه أحمد ليبشره بهذا الخبر السعيد، ودار بينهما هذا الحوار داخل منزل أحمد
قال معاذ في قلق: السلام عليكم يا أحمد.
رد أحمد في بشاشة: وعليكم السلام يا معاذ، كيف حالك، وما هذه الزيارة السعيدة؟
تساءل معاذ في حرج: أرجو ألا أكون قد أزعجتك بزيارتي؟
أجاب أحمد في دهشة: كلا يا أخي الحبيب أنت دائمًا على الرحب والسعة.
قال معاذ وقد بدأت وجنتاه تعلوهما حمرة الخجل: كنت أريدك في موضوع هام.
قال أحمد: تفضل يا صديقي.
اندفع معاذ قائلا وكأنه كان ينتظر هذه الفرصة منذ وقت طويل: أنا أخذت قرارًا هامًا وأريدك أن تساعدني على تنفيذه، فليس هناك أحد غيرك أعرفه يمكنه أن يساعدني على ذلك، فهل يمكنك ذلك؟
قال أحمد وقد زادت دهشته: بالطبع يا صديقي..... ولكن أعرفه أولًا.
قال معاذ في حزم: لقد قررت أن أتخلى عن حياتي السابقة، وأنتقل إلى حياة أخرى كالتي تحياها أنت وأصدقاؤك.
اندفع أحمد ليحتوي معاذ بين ذراعيه وهو يقول في سعادة كبيرة: مبارك يا صديقي، والله كنت أتمنى هذه اللحظة من شهور، فأنا أحبك في الله، وأتمنى لك كل خير.
قال معاذ في حياء شديد: بارك الله فيك يا أخي الحبيب، ولكن المهم هو أني لا أعرف معنى الالتزام وجوانبه وما هي الصورة الصحيحة للملتزم حتى لا أقع في غلو مقيت أخشى منه، أو تفريط مخل يضيع معاني الالتزام.
أطلت نظرة إعجاب من عين أحمد وهو يقول لمعاذ: بارك الله فيك يا معاذ، والله كأنك تحكي عما بداخلي تمامًا، حسنًا يا معاذ هيا بنا.
قال معاذ في حيرة: إلى أين؟
أجاب أحمد: إلى الشيخ يوسف.
تساءل معاذ: ومن هو الشيخ يوسف؟
أجاب أحمد في حماسة شديدة: إنه رجل رائع يا معاذ، كان له فضل كبير بعد الله سبحانه وتعالى في أن يعرفني الطريق الصحيح وأن يعلمني المعنى الحقيقي للالتزام.
قال معاذ في تردد وقد بدأت نبرة صوته يكسوها بعض القلق: ولكني لم أسمع عنه من قبل؟ فهل أنت متأكد منه يا أحمد؟ أنت تعرف أن هناك من يضع لك السم في العسل.
أجاب أحمد ضاحكًا: لا تقلق يا صديقي فأنا لست غبيًا أو جاهلًا حتى يضحك عليَّ أي أحد كائنًا من كان، فأنا أعرض الكلام على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافقه سمعته وما خالفه تركته، والحق يقال لم يخبرني الشيخ يوسف بأمر من الأمور إلى وكان موافقًا لكتاب الله وسنة رسوله.
تردد معاذ قليلا ولكنه حسم أمره وقال: حسنًا يا أحمد سآتي معك وأرى.
قال أحمد: حسنًا، هيا بنا يا معاذ لنصلي معه العشاء في المسجد الذي يصلي فيه دائمًا.
وانطلق الصديقان إلى المسجد الذي يصلي فيه الشيخ يوسف، وبعد الصلاة أخذ أحمد بيد صديقه معاذ واتجه إلى الشيخ يوسف لكي يتم التعارف بينهما وعندما وقفا أمام الشيخ يوسف نظر إليه معاذ في شك وريبة.
كان الشيخ يوسف شاب متوسط القامة ممتلئ نسبيًا قمحي اللون، له لحية سوداء ليست بالكثيفة يرتدي كغيره من الشباب الذين هم في مثل سنه قميصًا وبنطالًا ، تبدو السماحة على وجهة فهو دائم الابتسام.
وبعدها قال أحمد في سرور: هذا صديقي معاذ يا شيخ يوسف الذي كلمتك عنه سابقًا، وهو أعز أصدقائي.
نظر الشيخ يوسف إلى معاذ وهو يبتسم ومد يده إليه قائلا: مرحبًا بك يا معاذ، الحقيقة أنني من كثرة ما سمعت عنك من أحمد تمنيت أن أراك، كيف حالك؟
قال معاذ ولا زال قلبه يحمل بعض الشك والذي بدى واضحًا في نبرات صوته: الحمد لله بخير حال، ولكن ما الذي كان يخبرك به أحمد؟
أجاب الشيخ يوسف بابتسامة رقيقة وقد فهم مقصود معاذ من السؤال: كان يخبرني كثيرًا عنك وأنك من خيرة أصدقائه وأنه يعتقد أن لك عقلًا رشيدًا سيهديك يومًا إلى ما يحبه الله ويرضاه.
قال معاذ وقد بدأ القلق ينسحب تدريجيا من نبرات صوته وبدأ يشعر بالارتياح من كلام الشيخ يوسف: جزاك الله خيرًا، هو أيضًا كان يتكلم عنك كثيرًا بالخير.
تدخل أحمد في الكلام لكي يدخل في الموضوع مباشرة: اسمح لي يا شيخ يوسف... معاذ جاءني منذ قليل وأخبرني بأنه يريد أن يلتزم؛ وأن يصبح إنسانًا مختلفًا، ولكنه لا يعلم معنى الالتزام وحقيقته وجوانبه، كما أنه يخشى من أن يقع منه إفراط أو تفريط فأخبرته أن أفضل من يقوم بشرح هذا الكلام لك هو شيخي الحبيب الشيخ يوسف.
ابتسم الشيخ يوسف في خجل وقال: جزاك الله خيرًا يا أحمد.
ثم مال على أذن معاذ وهو لا زال يحتفظ بابتسامته العذبة: ولكن هل أنت جاد يا معاذ؟
رد معاذ في سرعة وحسم: إن شاء الله يا شيخ يوسف.
قال الشيخ يوسف: حسنًا يا معاذ، ما هو الموعد الذي يناسبك لنبدأ معًا رحلة الالتزام.
رد معاذ قائلًا: هل يناسبك الخميس بعد صلاة العشاء؟
قال الشيخ يوسف: نعم يا معاذ يناسبني.
رد معاذ بسرور: حسنًا جزاك الله خيرًا، إلى اللقاء يا شيخ يوسف إلى موعدنا الخميس القادم.(/2)
قال الشيخ يوسف بابتسامته المعهودة: إلى اللقاء يا معاذ، موعدنا الخميس القادم إن شاء الله.
وودع الشيخ يوسف معاذ وأحمد ثم أكمل حديثه مع باقي شباب المسجد في سرور وابتسامته لا تفارق وجهه.
وانطلق معاذ وهو يؤمل نفسه، ماذا سيعرف عن الالتزام وكيف سيكون شكله وما هي طبيعته وهو ينتظر بفارغ الصبر ماذا سيحدث يوم الخميس القادم.
فإلى لقاء هناك إن شاء الله.(/3)
يَا عُقَلاَءَ الشِّيْعَةِ أَيْنَ علِيٌّ مِنْ قَصْفِ النَّجفِ ؟ ...
الحَمْدُ للهِ وَبَعْدُ ؛
تَابَعَ الجَمِيْعُ مَا قَامَ بِهِ الجَيْشُ الإِمرِيكِي مِنْ قَصْفٍ لِمَدِيْنَةِ النَّجفِ " المُدَنَّسَةِ " بِصُوَرِ الشِّرْكِ المُخْتَلِفَةِ بَدَلاً مِن " المُقَدَّسَةِ " ، وَلاَ نَدْرِيْ مَا وجهُ التَّقْدِيسِ َفِيْهَا ؟؟؟
وَبِالرَّغْمِ مِنْ قَصْفِ الِمَدِيْنَةِ وَالصَّحْن الحَيْدَرِي لا نَرَى عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُدَافعُ عَنْهَا ، وَهُم يَزْعُمُوْنَ أَن عَلِيّاً فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّوَائِبِ يُدْعَى مِنْ دُوْنِ اللهِ !!! ، وَيُرَدِّدُون أَبْيَاتاً شِّرْكِيَّةً مَطْلَعُهَا
نادي علياً مظهر العجائب * * * * تجدهُ عوناً لك في النوائب
يَا عُقَلاَءَ الشِّيْعَةِ
أَيْنَ علِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ لا يُدَافعُ عَنْ قَبْرِهِ ؟
أَيْنَ علِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لا يُدَافعُ عَنْ المَدِيْنَةِ المُقَدَّسَةِ وَالصَّحْنِ الحَيْدَرِي ؟
يَا عُقَلاَءَ الشِّيْعَةِ
اقْرَؤُوا آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ ، وَقِفُوا مَعَهَا وَقفَةَ صِدقٍ وَتَجَرَّدٍ وَتَدَبُّرٍ ، لِتَعْلَمُوا حَقِيْقَةَ مَا أَنْتُم عَلَيْهِ مِن مُخَالَفَةِ الحَقِّ المُبِيْنِ ، وَاُتْرُكُوا أَصْحَابَ العَمَائِمِ الَّذِيْنَ سيَعلنُوْنَ البَرَاءةَ مِنْكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ " إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ " [ البقرة : 166 - 167 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : " وَاِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّهِ آلِهَة لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا " .
وَقَالَ تَعَالَى : " إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ " .
وَقَالَ تَعَالَى : " وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْد رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْد إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاَللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " .
وَأَمَّا الآيَةً فَهِي قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " [ فاطر : 13 - 14 ] .
" مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير" قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ الْقِطْمِير هُوَ : " اللِّفَافَة الَّتِي تَكُون عَلَى نَوَاة التَّمْرَة " ، أَيْ : لَا يَمْلِكُونَ مِنْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض شَيْئًا وَلَا بِمِقْدَارِ هَذَا الْقِطْمِير . ...
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل ...(/1)
{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} الصاحب ساحب ... إلى ... [1]
قالت الفتاة وهي تشكو لي:
كنت أظنها صادقة، كنت أظنها صافية، كانت توهمني أنها تحبني وتحب الخير لي، ولكني اكتشفت الحقيقة أنها ساحرة .. أنها كاذبة، عندما ألحت علي في هذا الطلب .. طلب وأي طلب .. أن أذهب معها للقاء صديق لها تتوهم أنه يحبها وسيتزوجها، هي في الحقيقة توهم نفسها وتوهمني بذلك، وذهبت معها ـ لتأثيرها السحري علي ـ وهناك وجدت آخرًا لي أنا أيضًا.
لا لا أنا لست كذلك .. لا أصاحب شابًا ولا أسير في الطرقات كما تسير الفاجرات.
كيف أفعل ذلك؟ وكيف جرأت صديقتي على دفعي في هذا الطريق؟
لقد عرفت الحقيقة الآن أنها ليست صديقة إنها ليست رفيقة .. إنها ماكرة مخادعة سحبتني، ولكن الله تغمدني بلطفه وفضله ورجعت في الوقت المناسب، وصدق المثل القائل: 'الصاحب ساحب'.
وصدق الله العظيم حيث قال: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً[27]يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً[28]لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27ـ29].
عزيزتي الفتاة المسلمة:
الإنسان اجتماعي بطبعه والرفقة مطلب نفسي لا يستغنى عنه الإنسان خاصة في مرحلة المراهقة .. ولكن!!!
1ـ ما تفسير حاجتي إلى الرفقة؟
2ـ وما أثر الرفقة على سلوكي؟
3-وما سمات الصديقة الصالحة؟
4ـ وكيف أختار صديقتي؟
إجابات هذه الأسئلة هي محور موضوعنا،
فتعالي معي لنتعرف على رأي علم النفس حول حاجة المراهقة إلى الرفقة.
1ـ حاجة المراهقة إلى الرفقة:
من الحاجات الاجتماعية التي تحتاج إليها المراهقة الحاجة إلى الرفقة التي من خلالها تحقق ذاتها والحقيقة تعتبر الرفقة مطلبًا نفسياً لا يستغني عن الإنسان خاصة في مرحلة المراهقة، وبوجود الرفقة المنسجمة يتم قضاء الأوقات وتبادل الآراء والخبرات وبث الآمال والتشارك في الأحاسيس والمشاعر.
وتقوم الرفقة في كثير من الأحيان بإعطاء الرأي وبلورة الفكر ووضع الخطة وتنفيذها, فهي ليست محضًا شعوريًا ونفسيًا فقط بل هي أيضًا ذات بعد عملي وتنفيذي في حياة الشباب ويتعذر منع الشباب المراهق عن الرفقة أو فرض العزلة عليهم، وهو أمر يصطدم مع طبع الإنسان وجبلته ويحرمه من حاجة نفسية مهمة.
والمراهقة تستوحش العزلة وتمقت الانزواء والانطوائية ما لم تلجئها إليها ضرورة أو تفرض عليها فرضًا، فهي تحس بحاجة داخلية ملحة للالتقاء بصويحباتها وبنات مرحلتها، وتشعر أنهن يمدونها بزاد نفسي لا يقدمه لها الكبار أو الأطفال.
ويتجه المراهقون إلى أقرانهم وزملائهم المقاربين لهم في السن ليكونوا رفقة واحدة تشترك في أشياء كثيرة من أهمها التشابه في التحولات الجسدية والعضوية والنفسية والعقلية والاجتماعية، والتشابه في المعاناة والمشكلات، والتشابه في المواقف من الكبار، هذا إلى جانب الاقتران في المرحلة الدراسية أو نوع العمل أو جهة السكن أحيانًا، وينضم إلى ذلك ـ بعد فترة ـ وحدة التجربة ونوع الخبرة التي تكتسب من خلال المواقف المختلفة التي تمر بالرفقة.
ويؤدي الاقتران والتشابه بين الأقران ـ في كثير من الأحيان ـ إلى التوحيد والتعلق بالرفقة بحيث لا يقدم المراهق عليها أحدًا، ويربط مصيره بمصيرها ورأيه برأيها، وربما تعصب لرفقته ضد أي خطر خارجي يرى أنه يهددها.
وذلك لأمرين:
الأول: لأن الرفقة اختيارية في الغالب ـ فهي علاقة يختارها المراهق لنفسه، فهو الذي ينتقي أصدقاءه ويبني العلاقة معهم برغتبه وحسب ميله ويتم هذا الاختيار النفسي إما بصورة عفوية حيث ينشأ مع المراهق خلال طفولته أو مراهقته أو يتم بصورة انتقائية حسبما يتوفر للمراهق من أجراء ومناسبات اجتماعية تجمعه بأبناء مرحلته وهذا بخلاف علاقته بوالديه أو أساتذته أو زملاء صفه, فإنها تكون مفروضة عليه، والاختيار نشاط يريح المراهق ويشعره بحريته وذاتيته.
الثاني: الانسجام بين النفوس والأرواح والتقارب في الخبرات ونوع المشكلات، وهذا أمر يضاعف من أثر الرفقة عليه، ويزيد التوحد والخلة بين الأصحاب.
عزيزتي الفتاة:
يرى بعض المتخصصين أن الشباب الصغار يقاطعون مجتمع الكبار ويتجهون لتشكيل بيئات وثقافات خاصة بهم لها لغتها ورموزها، فهم يتجهون إلى الشركاء المقربين ممن هم في نفس السن للحصول على الأمن والتأييد في وسط مجتمعات الكبار البعيدة عن عالمهم وأحاسيسهم ومشكلاتهم.
ويستمد المراهقون السلوك والرأي من أصدقائهم في قضايا ومجالات مؤثرة، تتعلق بأنماط السلوك والملبس، والبرنامج اليومي والهوايات والمشاركة في النوادي وقضاء أوقات الفراغ والرحلات ونوع السيارة .. وغير ذلك وكل هذه قضايا خطيرة ومتجددة تحدث أثرًا تراكميًا عبر الزمن تتأسس عليها شخصية المراهق وسماته وطبائعه.(/1)
إذن هناك أسباب أساسية للجاذبية بين الرفقاء وهي:
1ـ الحاجة النفسية: كون الرفقة تغذي حاجة نفسية ملحة يندر أن يستأنس المراهق بدونها.
2ـ التشابه: وجود التشابه في الطبائع والأحاسيس.
3ـ الاختيارية: أن الرفقة اختيارية لا يلزم بها المراهق، وإنما يحددها باختياره مع مراعاة عوامل تساعد على ذلك مثل الجوار والقرابة والزمالة، وهو توجه عام في مرحلة المراهقة حيث ينزع المراهق إلى الاستقلالية في الرأي والتصرف.
وهناك أسباب وسيطة لجاذبية الرفقة وهي:
1ـ المعايشة 2ـ الجماعية 3ـ الصراع
1ـ المعايشة: حيث يتأثر المراهق برفقته من خلال المعايشة اليومية.
2ـ الجماعية: حيث يكتسب السلوك والرأي قوة جماعية، فتجد الرفقة تجتمع على الرأي والمرء ضعيف بمفرده قوي بأقرانه.
3ـ الصراع: فموقف الأسرة أو المدرسين أو الكبار عمومًا المعارض للمراهقين أو المحتقر لهم يزيد من التصاق المراهق برفقته، فذلك الصراع يؤدي إلى توحد أجزاء الجبهات المتنازعة وتقاربها، والتجابه هنا هو بين مجتمع المراهقين ومجتمع الراشدين.
أيتها الفتاة المسلمة:
تقول الحكمة ' الصاحب ساحب' لما له من أثر كبير على سلوك المراهق فتعالي معي لنرى أثر الرفقة على سلوك الفتاة المراهقة.
2ـ أثر الرفقة على سلوك الفتاة المراهقة: إن للصاحب أثر كبير في تعديل سلوك صاحبه، واقتباس ما عنده، ومن ثم تبادل الخبرات والاهتمامات.
يقول د/ عبد العزيز النقيمشي في كتابه المراهقون:
'إن للجليس أثرًا قويًا متدرجًا على شخصية المرء وأخلاقه، ولابد أن يكون الجليس الذي تكثر مجالسته وملازمته محبوبًا ومقربًا، وكذلك حال المراهقين مع رفقتهم حيث تتحد الأهداف والمشاعر، ويخلص الود وتتطابق الأمزجة والسمات'.
وللدلالة على تأثير الرفقة الخطير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل'. [أخرجه الترمذي] ويقول صلى الله عليه وسلم مبينًا أهمية الصحبة وأثرها: 'المرء مع من أحب' [متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري]
وقلما نجد مراهقًا كان له خلة ومحبة وملازمة لرفقة ما، إلا ويكون على نهجها وطريقتها، يتحد معها في أفكاره ومسالكه وأخلاقه، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر'.
وقال صلى الله عليه وسلم 'الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف'. [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه]
فقد يكون عامل الائتلاف مع الأصدقاء هو السن أو وحدة الاهتمام أو المهنة الواحدة أو ائتلاف الأخيار مع بعضهم، والأشرار مع بعضهم' وقديمًا قيل: 'إن الطيور على أشكالها تقع'.
والصحبة التي تبنى على الأسس السليمة سيكون أثرها متينًا قويًا في حياة المراهق بإذن الله، خلافًا لصاحب السوء.
روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير: فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة' [متفق عليه].
والجليس صيغة مبالغة على وزن فعيل 'من كثرة المجالسة والملازمة'.
وقد بين الحديث الأثر البالغ للجليس في مستويات متدرجة ومثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثال حسن يتضح فيه التأثير ولو كان قليلاً جدًا, حيث جعل المثل في المشمومات من الروائح الطيبة أو الكريهة.
والقرين يؤثر على عقيدة قرينه، وعلى قناعاته الفكرية فكم من صديق قد جر الويلات على صديقه، وكم من قرين كان سببًا في انحراف قرينه وعندها لا ينفع الندم، وانظري إلى هذا المشهد البليغ الذي جسده لنا القرآن حيث قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً[27]يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً[28]لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27ـ29].
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها، إنما هو يداول بين هذه وتلك أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين وهي حركة معهودة يرمز لها إلى حالة نفسية فيجسمها تجسيمًا {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} فسلكت طريقه ولم أفارقه ولم أضل عنه.
عزيزتي الفتاة فلا طريق إلا طريق الله مهما كان فيه من الصعوبات، ولا اختيار إلا مصاحبة الأخيار مهما كان عندهم من سلبيات.
{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} فلانًا بهذا التجهيل ليشمل كل صاحب سوء يصد عن سبيل الرسول ويضل عن ذكر الله {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} لقد كان شيطانًا يضل أو كان عونًا للشيطان {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}يقوده إلى مواقف الخذلان. [في ظلال القرآن ـ سيد قطب ج5].
عزيزتي الفتاة:(/2)
نفهم من الآيات السابقة أن في الصحبة منعطفًا خطيرًا ينبغي أن ينتبه الإنسان له وقد يؤدي بالإنسان إلى مهاوي الهلاك بسبب قرين السوء.
وقال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وللصحبة السيئة أثر خطير، وطرقها خبيثة، فقد يكون تأثيرها بطريق الإغواء، والتأثير غير المباشر كإظهار الحب، ومنح بعض المال أو إدخال المراهق قرينه السينما مثلاً أو الأماكن المشبوهة .. وقد يكون عن طريق القسر والإرهاب، أو التهديد بفضح أمره وأسراره، ومن ثم قد يفرض الأشرار عليه سلوكًا معينًا فيعيش ضحية لهم [مثال لذلك عصابات النشل، والعصابات التي تستغل الصغار في الأمور الجنسية]. [انحراف الصغار ـ سعد المغربي].
وفي التحذير من صحبة الأشرار قال الشاعر:
هل يستوي مَن رسول الله قائده دومًا وآخر هاديه أبو لهب؟
وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب
إن الرذيلة داء شره خطر يعدي ويمتد كالطاعون والجرب
وأعجبني أيضًا قول الشاعر:
فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليمًا حين وافاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه
وذو العر إذا احتك بذي الصحة أعداه
وللشيء من الشي مقاييس وأشباه
وللروح على الروح دليل حين يلقاه
معنى العر: الجرب
[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ـ أبو حاتم السبتي، وابن جماعة: تذكرة السامع والمتكلم]
وللحديث بقية فتابعي معي في الجزء الثاني من المقال
وإلى حين ذلك لك مني خالص الحب والوفاء وحسن الصحبة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الصاحب ساحب 2
فتاتي العزيزة:
مفكرة الإسلام : كثير من الفتيات تحب إقامة صداقات مع الجميلة المرحة الكريمة التي تعزم صديقاتها على البيتزا والآيس كريم وغير ذلك ... والبارعة أيضًا في طريقة التعرف على الشباب، الفتاة الشيك المنطلقة، هذا للأسف هو كل ما تفكر فيه الفتاة وإذا سألتيني أيتها الفتاة كيف أختار صديقتي؟
كانت الإجابة:
انتبهي عزيزتي أن هناك سمات مختلفة تمامًا ينبغي أن تبحث عنها كل فتاة مسلمة عند اختيار الصديق نذكر منها
1ـ الخيرية 2ـ الاتزان والتعقل 3ـ الانسجام
1ـ الخيرية:
وهي نزوع الرفيق إلى الخير قولاً وعملاً وظهر ذلك عليه في سيماه وسلوكه وتوجهاته فالصديق الصالح من كانت صداقته لله، قال صلى الله عليه وسلم مبينًا الأساس الذي تبنى عليه الصداقة: 'ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار' [أخرجه البخاري كتاب الإكراه] وقد عبر رسولنا الكريم عن الصداقة القائمة على الحب في الله في قوله صلى الله عليه وسلم: 'إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي'. [أخرجه مسلم باب فضل الحب في الله]
2ـ الاتزان والتعقل:
ويظهر الاتزان أو عدمه عند تلبية المراهقة لحاجاتها الجنسية والاستطلاعية.
3 ـ الانسجام في الطبع والمزاج:
وهو أن يحمل الرفيق في طبعه ومزاجه من الصفات ما يدعو إلى الانسجام معه والارتياح إليه وهذا يرتبط أيضًا بتأثير البيئة المحيطة على الرفيق، فعلى المراهق اختيار الرفيق من وسط صالح وبيئة طيبة.
قال ابن جماعة في اختيار الأصدقاء وصفات الصاحب الصالح: ' إذا تعرض المرء لصحبة من يضيع عمره معه، ولا يفيده، ولا يستفيد منه، فليتلطف في قطع عشرته من أول الأمر قبل تمكنها، فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها ... فإن احتاج إلى من يصحبه فليكن صاحبًا صالحًا دينًا تقيًا ورعًا ذكيًا، كثير الخير، قليل الشر، حسن المداراة، قليل المجاراة، إن نسى ذكره وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبره' [تذكرة السامع والمتكلم ابن جماعة] وهناك مثل إنجليزي يقول: 'A friend in need is a friend indeed' يعني الصديق عند الضيق، وصديقك من صَدَقَكَ، لا من صَدَّقك في كل شيء.
ومن واجب الصديق على صديقه أن يحفظ غيبته، ويهب لنجدته ويرعى مصالحه، ويقدم له النصيحة في لطف وكياسة، كما أن من واجب الصداقة أن يكون الإنسان سهلاً في محاسبته لأصدقائه، ويتجاوز عما قد يقع منهم أحيانًا من خطأ غير مقصود، ويقبل عذرهم عن خطأ مقصود حتى يحافظ بذلك على بقاء محبتهم ولا يفرقهم من حوله' [الذرية الإسلامية للطفل والمراهق محمد جمال الدين محفوظ]
عزيزتي الفتاة المسلمة:(/3)
لقد ضرب لنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خير مثل على الصداقة وحسن الصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يجمع بينهما الارتباط النفسي والمصيري الذي اقتضته هذه الصحبة الفريدة، فنجد أبا بكر يعيش مع صديقه وحبيبه الرسول صلى الله عليه وسلم الحلو والمر، والسهل والصعب، والغنى والفقر، والأمن والخوف، قال تعالى عن الصديق رضي الله عنه:{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40].
وقد كانا في سن متقاربة بينهما سنتان وكان يجمع بينهما طبع متقارب في العقل والمروءة وبعد النظر، وفي السماحة والنبل والكرم، وفي الشفقة والرقة والعطف، وفوق كل ذلك وحدة الهدف.
وأترك لك عزيزتي الفتاة فرصة فتح القرآن الكريم لتتعرفي على صفات الصالحين من كلام الله لا من كلام من يدعون التقدم والتحرر والانطلاق والحياة الجميلة، في أوائل سور: البقرة والأنفال والمؤمنون وفي أواخر سور: الفرقان وفي سورة المعارج وتفسيرها في تفسير ابن كثير وفي ظلال القرآن لسيد قطب.
وللأم والأب دور في ربط الفتاة المراهقة بالرفقة المناسبة:
عزيزتي الأم المربية لا تنسي في هذا المقام دورك الكبير في ربط ابنتك المراهقة بالرفقة المناسبة فكيف يكون ذلك.
أ ـ التهيئة لوجود الرفقة الصالحة:
على الأم الفاضلة إعطاء ابنتها المراهقة المواعظ والخبرات وتبصيرها بأهمية الرفيق الصالح وجميل أثره، وسوء عاقبة مرافقة الطالحين وخطر مجالستهم.
ب ـ اختيار السكن المناسب:
على الأب اختيار السكن المناسب الذي تجاوره أسر تحرص على صلاح أبنائها واستقامتهم، ولا يضير الأب أن يغير المسكن بسبب سوء الجيران وفساد ذريتهم لئلا يتعدى ذلك على ذريته، وأن يختار المدرسة المناسبة أيضًا التي تعنى باستقامة طلابها وتهتم بالأخلاق إن وضع المراهق في بيئة صالحة كالبلد والحي والجيران والمدرسة هو مفتاح التهيئة لأحداث الرفقة الصالحة المناسبة.
ج ـ ربط المراهقين بالأنشطة الجادة والهادفة:
مثل المكتبات والحلق العلمية وأنشطة تحفيظ القرآن الكريم فهذه المواطن تحتضن طالبات يتسمن بالخلق الرفيع والاتزان والايجابية الاجتماعية، ويسلمون غالباً من التهور والانحراف في إشباع العواطف والحاجات.
د ـ متابعة الوالدين بطريقة غير مباشرة:
فإن المراهقين يرفضون الملاحظات المباشرة ويمقتون الرقابة ولا يستجيبون للأوامر والتوجيهات الآتية بطريقة التلقين.
هـ ـ إكرام الوالدين لصحبة ابنتهما الصالحة وتقبلها:
وذلك بتأييد الفتاة على رفقتها الصالحة واستقبالهم وإكرامهم وتفقد أحوالهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته يختلطون بالشباب والصبيان، ويسلمون عليهم ويكرمونهم ويشركونهم في الأنشطة والمناسبات.
فالسلبية والجفاء مع صديقات المراهقة الصالحات ستشعر الابنة بعدم قبولهم، وعدم الرضا عنهم فتسعى لمقاطعتهم أو تخفي علاقتها بهم مما يكون له انعكاسات سلوكية ونفسية سيئة على الفتاة المراهقة.
وأخيرًا .. أيتها الفتاة المسلمة:
لا تسمعي لمن تقول 'ويفوز باللذات كل مغامر' فإن المغامرة هنا تعني المغامرة بكل شيء، العرض والنفس والحياة ولكن تعاوني أنت وصديقتك على البر والتقوى، يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] خذي بيدك ويدها إلى كل خير وصلاح وجديد ومفيد في غير معصية، صومي معها وأفطري معها، واذهبي لزيارة المريضة معها، واخرجي للتنزه معها في غير معصية، واحفظي القرآن معها، ولا تحرمي نفسك من ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله: ' اثنان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه '.
المراجع:
1ـ المراهقون د/ عبد العزيز بن محمد النغيمشي
2ـ الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة
في مرحلة المراهقة حنان عطية الطوري
3ـ تربية المراهق في الإسلام سيد قطب
4ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير(/4)
يَكْفُرْن العَشِير! د. محمد عمر دولة*
من تأمّلَ فقهَ الشكرِ؛ وجدَ أنه لا يَقتصِرُ على كَونِه صِلةً للخلقِ بربِّهم. بل هو مَنهَجٌ للسلامِ الاجتماعي؛ فمَن لم يَشكُر الناسَ لم يَشكُر الله.
وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم خطرَ جُحُودَ المرأةَ حقَّ وكُفرانَها فضلَه ونُكرانَها إحْسانَه، وحذَّرَ صلى الله عليه وسلم أشدَّ تحذير من كُفرانِ العشيرِ؛ حيث تقول بعضُ الزوجات لزوجِها إذا غضبت منه: (ما رأيتُ منك خَيْراً قَطَُّ)! فلا خيرَ في الجاحِدات.. اللاتي يكفرن الإحسانَ ويكفرن العشير! فإنَّ جُحُودَ النعمة؛ يؤدي إلى النار، والعياذ بالله.
وقد وردَ في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُرِيتَ النارَ؛ فإذا أكثرُ أهلِها النساء؛ يكفرن! قيل: أيَكْفُرْنَ بالله؟ قال: يَكْفُرْن العَشِير ويَكْفُرْن الإحْسان؛ لو أحْسَنْتَ إلى إحْداهُنَّ الدهرَ، ثم رأت منك شيئاً؛ قالت ما رأيتُ منك خيراً قط). فلْتَعْلَم المستَهِيناتُ بحقوقِ أزواجِهنَّ أنَّ العلماءَ قد اعتبَرُوا استجابةَ المرأةِ لِدَواعي غَضَبِها ونُكرانَها فَضلَ زَوجِها كبيرةً من الكبائرِ والعياذ بالله؛ لِحَدِيثِ جابر رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (أتَى النِّساءَ فوَعَظَهنَّ وذَكَّرَهُنَّ فقال: تَصَدَّقْن؛ فإنَّ أكْثَرَكنَّ حَطبُ جهنم... لأنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكاةَ وتَكْفُرْن العَشِير). قال النووي: "فيه أنَّ كُفْرانَ العشيرِ والإحسانِ: مِن الكبائر؛ فإنَّ التوعُّدَ بالنارِ مِن علامةِ كَوْنِ المعصيةِ كبيرةً".
وإنَّ في قصة الخليلِ إبراهيم عليه السلام مع زوجتَي ابنِه إسماعيل عليه السلام لعبرةً للنساءِ وعِظةً بليغةً ودليلاً على أنه لا خيرَ في المرأةِ التي تجحَدُ نِعَمَ ربِّها وتكفُرُ فَضلَ عَشِيرِها.
فقد روى البخاري قال: (جاء إبراهيم بعد ما تزوَّجَ إسماعيلُ يُطالِعُ تَرِكَتَه؛ فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه؟ فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشِهم وهيئتِهم فقالت: نحن بِشَرٍّ نحن في ضِيقٍ وشِدةٍ؛ فشكَتْ إليه، قال: فإذا جاء زوجُك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يُغَيِّر عَتبةَ بابه؛ فلما جاء إسماعيلُ كأنه آنسَ شيئاً، فقال: هل جاءكم مِن أحدٍ؟ قالت: نعم جاءنا شيخٌ كذا وكذا فسألَنا عنك فأخبرتُه، وسألنِي: كيفَ عَيشُنا؛ فأخبرتُه أنَّا في جَهدٍ وشِدة. قال: فهل أوصاك بشيءٍ، قالت: نعَم أمَرَنِي أنْ أقرأ عليك السلام ويأمرك أن تُغَيِّرَ عتبةَ بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقَك؛ الْحَقِي بأهلِ؛ فطلَّقَها وتزوَّجَ منهم أخرى، فلبثَ عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعدُ، فلم يَجِدْه فدخل على امرأته؛ فسألها عنه؟ فقالت: خرجَ يبتغي لنا، قال: كيف أنتم وسألها عن عَيشِهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعةٍ، وأثنَتْ على الله، فقال: ما طعامُكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء؛ قال: اللهم بارِكْ لهم في اللحمِ والماء... قال فإذا جاء زوجُك فاقرئي عليه السلام، ومُرِيه يثبت عتبةَ بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنَتْ عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير؛ قال: فأوصاكِ بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبتَ عتبةَ بابِك، قال: ذاك أبي، وأنت العتبة؛ أمرني أن أُمْسِكَك).
وفي رواية: (فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟ فقال: وما طعامُكم وما شرابُكم؟ قالت: طعامُنا اللحم وشرابنا الماء؛ قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : بركةٌ بدعوة إبراهيم).
وفي رواية الطبري: (فجاء إبراهيم فسأل عن إسماعيل؛ حتى دُلَّ عليه، فلم يجده، ووجد امرأةً له فَظةً غليظةً؛ فقال لها: إذا جاء زوجُك، فقولي له: جاء هاهنا شيخٌ من صِفَتِه كذا وكذا، وإنه يقول لك: إني لا أرضى لك عَتبةَ بابك؛ فحَوِّلْها، وانطلقَ. فلما جاء إسماعيل أخبرَته، فقال: ذاك أبي، وأنت عتبة بابي؛ فطَلَّقَها وتزوَّجَ امرأةً أخرى منهم. وجاء إبراهيم حتى انتهى إلى إسماعيل فلَم يَجِدْه، ووَجَدَ امرأةً له سَهلةً طَليقةً، فقال لها: أين انطلقَ زوجُك؟ فقالت: انطلقَ إلى الصيدِ، قال: فما طعامُكم؟ قالت: اللحم والماء؛ قال: اللهم بارِكْ لهم في لَحمِهم ومائهم، اللهم بارِكْ لهم في لحمهم ومائهم، ثلاثاً. وقال لها: إذا جاء زوجُك فأخبريه: قولي: جاء هاهنا شيخ من صفته كذا وكذا وإنه يقول لك قد رضيت لك عتبةَ بابك؛ فأثْبِتْها).(/1)
وفي روايةٍ أخرى للطبري: (فقال لامرأته: أين صاحبُك؟ قالت: ليس هاهنا؛ ذهب يتصيدُ، وكان إسماعيل يخرجُ من الحرمِ؛ فيتصيد، ثم يرجع. فقال إبراهيم: هل عندك ضيافة؟ هل عندك طعام أو شراب؟ قالت: ليس عندي وما عندي أحد. فقال إبراهيم: إذا جاء زوجُك فأقرئيه السلام، وقولي له: فليغير عتبةَ بابه. وذهب إبراهيم وجاء إسماعيل فوجدَ ريحَ أبيه، فقال لامرأته: هل جاءكِ أحدٌ؟ فقالت: جاءني شيخ كذا وكذا كالمستخفة بشأنه، قال: فما قال لك؟ قالت: قال لي أقرئي زوجك السلام، وقولي له: فليغير عتبة بابه؛ فطلَّقَها وتزوجَ أخرى. فلبث إبراهيمُ ما شاء الله أن يلبث، ثم استأذن سارة أن يزورَ إسماعيل، فأذنت له وشرطتْ عليه أن لا ينزل، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى بابِ إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يصيد وهو يجيء الآن إن شاء الله؛ فانزل يرحمك الله. قال لها: هل عندك ضيافة؟ قالت: نعم، قال: هل عندك خبز أو بر أو تمر أو شعير؟ قالت: لا؛ فجاءت باللبنِ واللحمِ؛ فدعا لهما بالبركة؛ فلو جاءت يومئذ بخبز أو بُر أو شَعير أو تَمر لكانت أكثرَ أرضِ الله بُرا وشَعيراً وتَمرا. فقالت له: انزل حتى أغسلَ رأسَك فلم ينزل، فجاءته بالمقام فوضَعَته عن شقِّه الأيمن، فوضع قدمَه عليه؛ فبقي أثرُ قَدمِه عليه فغسَلَت شِقَّ رأسِه الأيمن، ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر فغسلَت شقَّه الأيسر، فقال لها: إذا جاء زوجُك فأقرئيه السلام، وقولي له: قد استقامت عتبة بابك. فلما جاء إسماعيل وَجَدَ ريحَ أبيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ فقالت: نعم شيخٌ أحسن الناس وجهاُ وأطيبُه ريحاً؛ فقال لي كذا وكذا وغسلت رأسه وهذا موضع قدمه على المقام. قال: وما قال لك؟ قالت: قال لي: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له قد استقامت عتبة بابك؛ قال: ذاك إبراهيم).
وفي رواية ذكرها ابن حجر من حديث أبي جهم: (نحن بخير وسعة)، (نحن في خير عيش بحمد الله، ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب)".
فانظرْ إلى تينك المرأتين.. إلى هذه المرأة الشاكرة كيف أسعدَها الله ورضيَ عنها وأرضَى عنها زوجَها وأهلَه. وإلى تلك الجاحدةِ كيف أبعدَها الله وأقصاها؛ حين تنكرت وكفرت بأنعُمِ الله.
وانظرْ.. إلى موقف المرأتين.. من عَيشِ إسماعيل وطعامِه وشرابِه.. اللحم والماء فهذه قالت: (نحن بخير وسعة)، (نحن في خير عيش بحمد الله، ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب) فبارك الله لها في معيشتها وطعامِها وشرابِها وتلك قالت: (نحن بِشَرٍّ نحن في ضِيقٍ وشِدةٍ) فأذاقها الله الضِّيقَ والشدة؛ حتى فارقت إسماعيل وحُرِمت دعوة إبراهيم عليه السلام .
وتأمل عبارةَ الخليل عليه السلام؛ حين رضي عن زوجةِ ولدِه الحامدة الشاكرة المبارَكة: (أقرئيه السلام، وقولي له: قد استقامت عتبة بابك) فالمرأةُ الحامدةُ العابدةُ الشاكرةُ أساسُ استقامةِ الأسرةِ المسلمة، ومَظِنةُ السعادةِ الزوجية .(/2)
{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً}
لماذا كان العربي في عداء مع الأنثى؟
إذ بشر بها اسودَّ وجهه وهو غضوب يقول تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ[58]يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58ـ59].
ولماذا يمقت كثير منا الأنثى؟ وينشرح صدره للذكر كأن ذلك من الفطرة وما هو من الفطرة في شيء.
فما هي مبررات العربي قبل الإسلام لمقت الأنثى وقد يصل الأمر إلى قتلها؟
لقد مقت العربي قبل الإسلام الأنثى لأنها لا تقاتل الأعداء، ولا تشن الغارات، ولا تمتطي الجياد، ولا تكسب المال، وقد تجر العار وتجلب الهوان.
فأدى ذلك إلى بغض بغيض، فداس الرجل على مشاعر الأبوة وحمل وليدته بين يديه ودفنها حية تتنفس ثم يعود إلى أهله وقد دفن العار كما توهم.
ولقد جاء القرآن مستنكرًا ومستغربًا ذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ[8]بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8ـ9].
وهنا نسأل كيف كان حال الأنثى بعد الإسلام؟
لقد كرم الإسلام الأنثى [المرأة] ورفع قدرها فهي الأم والزوجة والأخت والبنت.
وعندما جاء الإسلام حرم قتل الأنثى وشن من الأحكام ما يضمن حقوقها ويحفظ حياتها ويرفع شأنها، وحث الرجال على حمايتها ورعايتها وضع الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن رزق بناتًا فرباهن وأحسن تربيتهن وكن بابًا من أبواب دخول الجنة والمغفرة له.
ـ وكانت حكمة الله في بقاء الإناث لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون الذكور كأنه نوع من أنواع التكريم لتلك الأنثى التي كانت بالأمس تنتقل من رحم الأم إلى حفرة القبر دون اعتبار لإنسانيتها وكرامتها، وكان هذا أول إكرام للمرأة في خير بيت ـ بيت النبوة ـ فمنح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بناته من حبه وعطفه ما لا يمكن وصفه.
فماذا قال رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فضل رعاية البنات؟
1ـ رعاية البنات حجاب من النار:
كما جاء في الحديث المتفق على صحته من حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها:
[[من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار]].
قال القرطبي في تفسيره: سماهن بلاءً لما ينشأ عنهن من العار أحيانًا.
2ـ رعاية البنات تكون سببًا في الحشر مع الرسول يوم القيامة:
فعن أنس ـ رضي الله عنه قال ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[[من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه]]. [رواه مسلم].
3ـ رعاية البنات تكون سببًا في دخول الجنة:
فعن جابر قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
[[من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين]]. [أحمد والبخاري في الأدب المفرد].
ولكن انتبه أيها الأب ... وأيها الراعي:
هذه الأحاديث مقيدة بقيود ليفوز العبد بهذا الجزاء الجميل.
فما هي الشروط والقيود التي قيد بها هذا الأجر العظيم؟
الشروط اجتمعت في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ [[فأحسن إليهن]].
وقد جاءت الروايات تفصل هذا الشرط الجامع وهو الإحسان.
فكيف تحسن إلى البنات؟
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : [[يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن]] إذن شروط الإحسان إلى البنات ثلاثة الإيواء والكفاية والرحمة.
1ـ الإيواء:
ما المقصود بالإيواء؟ الإيواء يكون على ثلاثة وجوه:
وأولها: إيواؤها إلى أم صالحة تقية عفيفة تصونهن وتحفظهن وتكون قدوة لهن وفي ذلك يقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ [[فاظفر بذات الدين تربت يداك]].
ثانيها: إيواؤها في خدرها، أي تعليمها أن تقر في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة أو طاعة وهذا معنى قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن} فأمر النساء بالقرار في البيت فهو أستر لهن وأحفظ لحياتهن.
ثالثها:ـ الإيواء في بيت عامر بالذكر والطاعة والعمل الصالح.
فبعض النساء لا يخرجن من البيت ولكن بيوتهن عامرة بالاختلاط بين أولادهن وبين أبناء الأقارب بدون حجاب ولا غطاء، وكذلك الاختلاط بالسائق والخادم إن وجدا.
وبعض النساء لا يخرجن من البيوت ولكن بيوتهن عامرة بأجهزة الفساد فتشاهد البنات الفساد وتتعلم الحرام مما يفسد عليها دينها ودنياها.
عزيزي الأب .. إن الإيواء الحقيقي يكفون في خدر ساتر يحافظ على عرضك ويصونه.
[2] الكفاية:
كيف يكفي الأب البنات؟
المراد قد فسره ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وراية مسلم بقوله: [[من عال جاريتين حتى تبلغا]].
قال النووي ـ رحمه الله ـ: [[عالهما]] قام عليهما بالمئونة والتربية.
ويفسره أيضًا: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ [[وكساهن من جدته]].
فكفاية المرأة حاجتها الضرورية من طعام ولباس ومئونة هي من الواجبات ومن أعظم القربات التي يتقرب بها الرجال إلى الله.(/1)
وانتبه أيها الأب فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكفيهن، ولم يقل يطغيهن كما يفعل بعض الآباء فيبالغ في توفير طلبات ابنته كلما اشتهت اشترى لها، فقد يكون هذا الإغداق مهلك للفتاة وسببًا في نشوزها على بعلها لأنها تفتقد ما نشأت عليه.
[3] الرحمة:
كيف يرحم الأب البنات؟
أن يعطف عليهن ويشفق عليهن ولا يضربهن إلى غير ذلك من معاني الرحمة وهذا ما يتبادر إلى الذهن، ولكن الرحمة الحقيقية بالبنات هي:
أولاً: رحمتهن بتجنيبهن النار، وذلك بتربيتهن على شعائر الإسلام وإقام الصلاة والحجاب والستر والعفاف يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
ثانيًا: رحمة غرائزهن ومشاعرهن:
فمن الآباء من لا يرحم مشاعر بناته ولا يراعى غرائزهن فيدخل في بيته ما يثير الشهوات ويحرك المشاعر من مجلات هابطة وقنوات ساقطة، فتقع البنات في صراع داخلي بين شهوتها وغريزتها وبين دينها وخوفها من ربها كالرجل الذي يعرض ألذ المأكولات على بناته وهن جياع ثم لا يطعمهن أرحيم هو أم جبار؟
ـ ومن مظاهر عدم رحمة مشاعر البنات تأخير زواجهن إلى أن يبلغن سنًا كبيرة أو عضل البنات، يعني منع تزويج البنات بغير سبب مشروع.
فاتقوا الله أيها الآباء وأحسنوا إلى بناتكم.
عزيزي الأب ........
ما بالك إذا بشرت بالولد شكرت وحمدت وصليت وسجدت ولم تسعك الدنيا من فرحتك، وكأنه حامي ظهرت ومعين حياتك، ولم تعلم أن هناك من الذكور من يقصم الظهر ولا يعين على نوائب الدهر، ويكون معه ضيق الرزق.
وإذا بشرت بالأنثى عبست وبسرت وحملت هموم الدنيا على رأسك وأنت لا تعلم أن الخير يلازمها ـ غالبًا ـ والزرق يتسع بوجودها دائمًا.
وهي زهرة البيت العطرة ومنبع الحنان والوفاء وسبب من أسباب دخول الجنة إن أحسنت تربيتها.
ألا يستحق ذلك أن تعيد النظر وأن تقبل الهبة من الله بطيب نفس لأنه من سوء الخلق أن تستقبل هبة الله بغضاضة ونفور، ويخفى عليك حال كثير من الناس ممن ينفقون الأموال الطائلة لإنجاب طفل أيًا كان نوعه.
فاحمد الله على هذه الهبة وهبة الرزق من الله ولا تنسى قوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ[49]أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:49ـ50].(/2)
هؤلاء أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين أنصار اليوم؟
شاء اللّه تعالى أن يرسل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً للأنبياء والرسل، وأن يجعل رسالة الإسلام خاتمة الرسالات السماوية، وأن يكون عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة منصباً على الدعوة للإسلام، والعمل لتمكين هذا الدين في كيان سياسي تنفيذي هو الدولة الإسلامية.
وهذه الدولة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل على إقامتها ليتمكن من تطبيق الرسالة التي جاء بها، يمكن بالعقل الإنساني وبالإبداع الخيالي أن تقوم بعدة طرق ووسائل، ولكنها عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم تقم إلا بطريقة واحدة، وهي العمل الفكري السياسي المحض الذي لا تشوبه الأعمال المادية، وفق كتلة سياسية، تعمل لإقامة الإسلام في كيان سياسي تنفيذي، تكون النصرة والتمكين هي طريقة إقامتها. فما كان دور الأنصار وفضلهم في هذه النصرة، وإقامة الدولة وحمايتها.
وقفة مع نصرة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق: فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم. فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً.
فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله، أجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه، وقبلوا منه ماعرض عليهم من الإسلام، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدقوا. فلما قدموا المدينة إلى قومهم، ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم . حتى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب.
عن عبادة بن الصامت، قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثنى عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف. فإن وفَّيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر. فلما انصرف عنه القوم، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير، وأمره أن يُقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، فكان يُسمَّى المقرِىء بالمدينة. وكان منزله على أسعد بن زرارة. ثم إنه حدث أن جرت حادثة، أسلم فيها أسيد بن حضير وسعد بن معاذ، بعد أن صدق مصعب فيهما الله تعالى. وبإسلام سعد أسلم قومه، ففشا الإسلام في المدينة حتى لم يبقَ في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة.
قال ابن إسحاق: ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة، وكان ممن خرج الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك، حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، من أوسط أيام التشريق، حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته، والنصر لنبيه، وإعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله.
فاجتمعوا في الشعب، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبياً، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا، فبايِعْنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر.
فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها يعني اليهود فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم.
قال كعب بن مالك: وقد كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيباً،ليكونوا على قومهم بما فيهم». فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.(/1)
قال ابن اسحاق: إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم؛ قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف، فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة؛ قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف؛ فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك؟ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك؛ فبسط يده فبايعوه.
التضحية في سبيل نصرة الإسلام
لقد أدرك الأنصار، رضي الله عنهم وأرضاهم، أن الرسول بحاجة للقوة والمنعة ليقيم الدولة الإسلامية، ولقد اختاروا أن يكونوا ناصري دين الله ورسوله، وأرادوا لمدينتهم المنورة يثرب أن تكون نقطة الارتكاز للدولة الإسلامية، وهذا والله ليس بالأمر الهين، فهو التضحية بكل أنواعها، بدءاً من النفس إلى المال والأرض والأهل والولد.
قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال/74].
ولم يكتف الأنصار بالنصرة لإقامة الدولة بل إنهم احتضنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين الذين هاجروا معه، فواسوهم وقاسموهم المال والأرض والثمر، وضربوا في ذلك أروع الأمثلة فكانوا بحق أنصار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الحشر/9]، فهل من وصف أروع من وصف الله لهم.
لقد هاجر المسلمون إلى المدينة وتركوا وراءهم أموالهم وبيوتهم، فدخلوا المدينة فقراء لا يملكون شيئاً، فلا بيوت ولا أموال ولا عقار ولا ثمار، ولم يدفعهم لذلك كله إلا الإيمان بهذا الدين واتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فضحوا من أجل ذلك بكل شيء، لقد أدرك الأنصار أن نصرتهم لدين الله ورسوله تعني النصرة في كل شيء فهبوا لمساعدة إخوانهم المهاجرين، وقاسموهم الأموال والثمار، وقدموا كل ما يزيل عن المهاجرين الشعور بالغربة والفقر والحاجة، وليتصور الواحد منا كيف تكون حاله لو كان في تلك الحال، يدخل بلداً لا يعرفها، ويعيش فيها لا يجد ما يملك، وليست قصة صهيب عنا ببعيد فقد قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } [البقرة/207] وقد نزلت هذه الآية في صهيب فإنه أقبل مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش, فنزل عن راحلته, وانتثل ما في كنانته, وأخذ قوسه وقال: لقد علمتم أني من أرماكم, وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي, ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء, ثم افعلوا ما شئتم. فقالوا: لا نتركك تذهب عنا غنياً وقد جئتنا صعلوكاً, ولكن دلنا على مالك بمكة ونخلي عنك; وعاهدوه على ذلك ففعل; فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ } الآية, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ربح البيع أبا يحيى»; وتلا عليه الآية, وقاله سعيد بن المسيب رضي الله عنهما. وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيباً فعذبوه, فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير, لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم, فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا ذلك, وكان شرط عليه راحلة ونفقة; فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ورجال؛ فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى. فقال له صهيب: وبيعك فلا يخسر, فما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا; وقرأ عليه الآية.(/2)
ولقد ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة قال جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي مجهودٌ فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والّذي بعثك بالحقّ ما عندي إلا ماءٌ. ثمّ أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك. حتّى قلن كلّهنّ مثل ذلك، فقال: من يضيف هذا اللّيلة رحمه اللّه فقام رجلٌ من الأنصار فقال أنا يا رسول اللّه فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيءٌ قالت لا، إلا قوت صبياني قال فعلّليهم بشيءٍ فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السّراج وأريه أنّا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السّراج حتّى تطفئيه قال فقعدوا وأكل الضّيف فلمّا أصبح غدا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال قد عجب اللّه من صنيعكما بضيفكما اللّيلة.
وأخرج الترمذي عن أنسٍ قال: لمّا قدم عبد الرّحمن بن عوفٍ المدينة آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الرّبيع فقال له هلمّ أقاسمك مالي نصفين ولي امرأتان فأطلّق إحداهما فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها فقال بارك اللّه لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق فدلّوه على السّوق فما رجع يومئذٍ إلا ومعه شيءٌ من أقطٍ وسمنٍ.
وأخرج أيضاً عن أنسٍ قال لمّا قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا يا رسول اللّه ما رأينا قومًا أبذل من كثيرٍ ولا أحسن مواساةً من قليلٍ من قومٍ نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنإ حتّى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : «لا ما دعوتم اللّه لهم وأثنيتم عليهم».
وأخرج مسلم عن ابن شهابٍ عن أنس بن مالكٍ قال لمّا قدم المهاجرون من مكّة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيءٌ، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كلّ عامٍ ويكفونهم العمل والمئونة، وكانت أمّ أنس بن مالكٍ وهي تدعى أمّ سليمٍ، وكانت أمّ عبد اللّه بن أبي طلحة كان أخًا لأنسٍ لأمّه، وكانت أعطت أمّ أنسٍ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عذاقًا لها، فأعطاها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيدٍ قال ابن شهابٍ فأخبرني أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا فرغ من قتال أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم الّتي كانوا منحوهم من ثمارهم، قال فردّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى أمّي عذاقها، وأعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن مكانهنّ من حائطه.
وأخرج البخاري عن يحيى بن سعيدٍ قال: سمعت أنسًا رضي اللّه عنهم قال: دعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا لا واللّه حتّى تكتب لإخواننا من قريشٍ بمثلها، فقال: ذاك لهم ما شاء اللّه على ذلك يقولون له، قال: فإنّكم سترون بعدي أثرةً فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض.
وأعظم به موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر عندما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل؛ قال: لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك ولا يرونها حقاً عليهم إلا بأن يروا عدواً في بيوتهم وأولادهم ونسائهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: يا رسول الله، فاظعن حيث شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، ثم أعطنا ما شئت، وما أخذته منا أحب إلينا مما تركت، وما ائتمرت من أمر فأمرنا بأمرك فيه تبع، فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوا الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبرٌ في الحرب، صدق في اللقاء. لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشّطه ذلك؛ ثم قال: سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.
فضل الأنصار
وها هو رسول الله يبين فضل الأنصار إضافة لفضلهم في القرآن الكريم:
فقد أخرج مسلم عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن جبرٍ قال سمعت أنسًا قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : «آية المنافق بغض الأنصار وآية المؤمن حبّ الأنصار» وفي رواية له أيضاً: «حبّ الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النّفاق».
وله أيضاً عن عديّ بن ثابتٍ قال سمعت البراء يحدّث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال في الأنصار: «لا يحبّهم إلا مؤمنٌ، ولا يبغضهم إلا منافقٌ، من أحبّهم أحبّه اللّه، ومن أبغضهم أبغضه اللّه».(/3)
وأخرج أحمد عن ثابتٍ البنانيّ أنّه سمع أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : «إنّ الأنصار عيبتي الّتي أويت إليها، فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم، فإنّهم قد أدّوا الّذي عليهم، وبقي الّذي لهم». وله أيضاً عن الزّهريّ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ الأنصاريّ، وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم، أنّه أخبره بعض أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرج يومًا عاصبًا رأسه، فقال في خطبته: «أمّا بعد يا معشر المهاجرين، فإنّكم قد أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيئتها الّتي هي عليها اليوم، وإنّ الأنصار عيبتي الّتي أويت إليها، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم».
وللبخاري: عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه بملحفةٍ، قد عصّب بعصابةٍ دسماء، حتّى جلس على المنبر، فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّ النّاس يكثرون ويقلّ الأنصار حتّى يكونوا في النّاس بمنزلة الملح في الطّعام، فمن ولي منكم شيئًا يضرّ فيه قومًا، وينفع فيه آخرين، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم»، فكان آخر مجلسٍ جلس به النّبيّ صلى الله عليه وسلم .
ولأحمد عن أنسٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«اللّهمّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأزواج الأنصار، ولذراريّ الأنصار. الأنصار كرشي وعيبتي، ولو أنّ النّاس أخذوا شعبًا، وأخذت الأنصار شعبًا، لأخذت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار».
وله أيضاً عن أبي قتادة يقول: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «الأنصار ألا إنّ النّاس دثاري، والأنصار شعاري، لو سلك النّاس واديًا، وسلكت الأنصار شعبةً، لاتّبعت شعبة الأنصار، ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار. فمن ولي من الأنصار، فليحسن إلى محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الّذي بين هاتين، وأشار إلى نفسه صلى الله عليه وسلم ».
هؤلاء هم الأنصار الذي جعل الله حبهم من الإيمان، وبغضهم من النفاق، والذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبنائهم، ولأبناء أبنائهم، ولأزواجهم، لما كانوا عليه من الفضل والنصرة والتضحية.
لقد حاورهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقف مؤثر بليغ، بعد حنين، بيّن فيه فضلهم، وحبه لهم، أذكره لكم، لما فيه من الموعظة والعبرة والتذكر، وأختم به هذه الكلمة:
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه.
فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي. قال :اجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم. فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «يا معشر الأنصار، ما قالة بلغني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم!» قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال: «ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ الله ولرسوله المن والفضل.
قال صلى الله عليه وسلم : «أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم. ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً، وسلكت الأنصار شعباً، لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار».
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا.
هؤلاء هم الأنصار الذين نصروا الدعوة، وحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا بحق أنصار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قيل لأنس بن مالك: أرأيت قول الناس لكم: الأنصار, اسم سماكم الله به أم كنتم تدعون به في الجاهلية؟ قال: بل اسم سمانا الله به في القرآن.(/4)
لقد عاش الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا حكماً ولم يحصلوا على سلطة، فكانت لهم الجنة بحق على نصرتهم، وهم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في العقبة: إن بايعناك فماذا لنا؟ قال: «الجنة»، ولم يزد عليها شيئاً من متاع الدنيا.
إننا عندما نتذكر الأنصار ومواقفهم، رضي الله عنهم، فإن النفس لتحزن على قلة أنصار هذا الدين هذه الأيام، فأين هم القادرون على نصرة دين الله، وإقامة الخلافة الراشدة؟ أين هم الذين باعوا الغالي والنفيس في سبيل أن يدخلوا الجنة؟
إن العاملين لإقامة دولة الإسلام ويترسمون عمل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنهم بحاجة لنصرة أمثال الأنصار، رضي الله عنهم، لإقامة هذه الدولة. وإن من واجب أي مسلم اليوم أن يكون من هؤلاء الأنصار، فإن لم يكن منهم، فإن عليه أن يدل عليهم، ويدعوهم لنصرة هذا الدين، فلنبع أنفسنا لله تعالى، وليخلدنا التاريخ كما خلد الأنصار، وليكن نصيبنا من ذلك كله الجنة ليس غير قرآن كريم
أبو الحارث التميمي(/5)