النسخة السابعة من كتاب : الموضوعات ،للحسن بن محمد الصغاني .
النسخة الثالثة من كتاب : مجالس الأبرار و مسالك الأخيار ، لأحمد بن عبدالقادر الأقحصاري .
النسخة الوحيدة من سنن ابن ماجة القزويني .
النسخة الوحيدة من كتاب : شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، لمؤلف مجهول .
النسخة الوحيدة من كتاب : نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض ، لأحمد بن محمد الخفاجي .
النسخة الأولى من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك .
النسخة الأولى من كتاب : بستان العارفين ، لأبي الليث السمرقندي .
النسخة الوحيدة من كتاب : مجموعة الأحاديث الشريفة و الأخبار اللطيفة ، لمؤلف مجهول .
النسخة الوحيدة من كتاب : خلاصة الأخبار في أحوال النبي المختار ، للشيخ عزيز الأسكداري .
النسخة الوحيدة من كتاب : الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين ، لابن الجزري .
النسختان الأولى و الثانية من كتاب : الترغيب و الترهيب ، للحافظ المنذري.
النسخة الوحيدة من كتاب : الميسر في شرح مصابيح السنّة ، لشهاب الدين التوربشتي .
و النسخة الأولى من كتاب : السراج المنير بشرح الجامع الصغير ، لعلي بن أحمد العزيزي .
النسخة الأولى من كتاب : الجامع الصغير من حديث البشير النذير ، لجلال الدين السيوطي .
النسخة الوحيدة من مختصر رفع الخفاء عن ذات الشفاء ، للملا علي القاري.
النسخة الثالثة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي .
و جزآن حديثيان لمؤلّفين مجهولين ، في أحدهما جملة من الأحاديث المختارة بلا عنوان ، و هو محفوظ تحت رقم ( 561/2246 ) في مكتبة الغازي خسرو بيك.
و في الثاني أربعون حديثاً لمؤلّفٍ مجهولٍ أيضاً ، و هو محفوظ ضمن مجموع ، تحت رقم ( 1892,2/2071 ) في مكتبة الغازي أيضاً .
المخطوطات المنقولة من مكتبة عبد الله قنطميري ( القنطميريّة ) في سراييفو :
النسخ الثلاثة الأولى من الجامع الصحيح للإمام البخاري .
النسخة الثالثة من كتاب : شرح مصابيح السنة ، لزين العرب .
النسخة الحادية عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك .
النسخة الأولى من كتاب : مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار ، لعلاء الدين المصري .
النسختان الثانية و السادسة من كتاب : الموضوعات للحسن بن محمد الصغاني .
النسخة الأولى من كتاب : حدائق الأزهار بشرح مشارق الأنوار ، للأرزنجاني .
النسخة الوحيدة من جزء : بلوغ الأمنية في شرح حديث ( إنما الأعمال بالنية ) ، لأحمد بن محمد المرهومي .
النسخة الوحيدة من كتاب : الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة ، للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي .
النسخة الوحيدة من كتاب : تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة ، للبيضاوي .
النسخة الوحيدة من كتاب : الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ،لجلال الدين السيوطي .
المخطوطات المنقولة من مكتبة ألجي إبراهيم باشا ( الفيروزية ) بترافنيك:
النسخة الثالثة عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك .
النسخة الرابعة من كتاب : الشمائل النبويّة ، لأبي عيسى الترمذي .
النسخة الثانية من كتاب : الأذكار ، للإمام النووي .
النسختان الثانية و السادسة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي .
النسخة الرابعة من كتاب : الشمائل النبويّة ، لأبي عيسى الترمذي .
النسخة الوحيدة من كتاب : أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل ، لابن حجر الهيثمي .
النسخة الوحيدة من كتاب : الفتاوى و الأجوبة الحديثية ، لفخر الدين عثمان الديلمي .
النسخة الوحيدة من كتاب : إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، للخطيب القسطلاني .
النسخة الوحيدة من كتاب : روضة الأخيار في شرح مشارق الأنوار ، للأرزنجاني .
النسخة الخامسة من كتاب : مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي.
النسخة الوحيدة من كتاب : اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة ، لبدر الدين الزركشي .
جزء فيه أربعون حديثاً ، لا يعرف اسم جامعها ، و هو محفوظ حالياً في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم ( 6254/2317 ) .
المخطوطات المنقولة من مكتبة محمد أنور قاضيتش :
النسخة السابعة من كتاب : مصابيح السنة ، للإمام البغوي .
النسخة الوحيدة من كتاب : مجموعة الأحاديث المئة و العشرين ، لكاتب الفتوى.
النسخة الوحيدة من كتاب : رسالة في بيان أسماء الحديث على وجه الإيجاز ، لمؤلف مجهول .
النسخة الوحيدة من كتاب : اللباب في الحديث ، لمؤلف مجهول .
النسخة الثانية من كتاب : أسماء أهل بدر ، لمؤلّف مجهول .
النسخة الخامسة من كتاب : بستان العارفين ، لأبي الليث السمرقندي .
المخطوطات المنقولة من الشيخ محمد بن محمد الخانجي ( خانجيتش ) :
النسخة السابعة من كتاب : مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي .
النسخة الرابعة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي .
النسخة الوحيدةشرح مصابيح السنة ، لمؤلف مجهول .(/64)
النسخة الوحيدة من كتاب : البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير ، للشيخ عبد الوهاب الشعراني .
المخطوطات المنقولة من المكتبة الفيضيّة :
النسخة الخامسة من كتاب : مصابيح السنة ، للإمام البغوي .
النسخة الأولى من كتاب : الأذكار ، للإمام النووي .
جزء فيه أربعون حديثاً لمؤلف مجهول ، و هو وحفوظ حالياً في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع ، تحت رقم ( 1624,4/945 ) .
المخطوطات المنقولة من مكتبات خاصة متفرّقة :
تم نقل النسخة الثانية من كتاب : مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار ، لعلاء الدين المصري ، من مكتبة عثمان أفندي صوقولوفيتش .
و نقلت النسخة الثالثة من كتاب : مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار لعلاء الدين المصري و النسخة الوحيدة من كتاب : مشكاة الاستنارة في معنى حديث الاستخارة ، لعبد البر بن عبد القادر الفيومي ، من مكتبة بسيم أفندي كركت .
النسخة الخامسة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي من مكتبة حسن أفندي يويو زاده .
النسخة العاشرة من كتاب : الشفا ( السابق ) من مكتبة الحاج خليل الغرادتشانيتسوي
النسخة الثانية من كتاب : جمع الوسائل في شرح الشمائل ، للملا علي القاري إهداء من السيدة منيبة مؤيدوفيتش .
النسخة الوحيدة من جزء بعنوان : فضائل شهر رجب ، لمؤلّف مجهول من مكتبة إسماعيل سليموفيتش ، إمام مسجد ( زفورنيك ) .
النسخة الوحيدة من كتاب : أنس المنقطعين إلى عبادة ربّ العالمين ، لمعافى بن إسماعيل الشيباني ، من مكتبة عبد الباقي محمد بن الحاج محمد آغا الشهير بجنتيتش .
النسخة الثانية من كتاب : مجالس الأبرار و مسالك الأخيار ، لأحمد بن عبدالقادر الأقحصاري ، مكتبة المفتي عيني بيك بيرقداروفيتش .
و بهذا نكون قد وقفنا على ما بذله المسلمون البوشناق من جهود جليلة في جلب المخطوطات إلى بلادهم ، أو نسخها محلّياً ، و اقتنائها أو وقفها على من يرجى انتفاعه بها ، و نقلها إلى حيث يمكن أن يعتنى بها على الوجه اللائق و المطلوب .
سبحانك اللهم و بحمدك
أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك و أتوب إليك(/65)
مداخل الشيطان على الصالحين
رئيسي :الرقائق :
يتناول الدرس الأبواب التي يدخل منها الشيطان على الصالحين ليصدهم أو يفسد عليهم أمرهم،ثم ذكر العوامل التي تساعد الشيطان في أداء وظيفته، وبين الوسائل التي تعصم من كيد الشيطان وتفسد عليه حيله .
أولا : التحريش بين المسلمين :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : [إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ]رواه مسلم والترمذي وأحمد من حديث جابر رضي الله عنه.
وجاء عن سليمان بن صرد رضي الله عنه أنه قال : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ] ، فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَقَالَ وَهَلْ بِي جُنُونٌ . رواه البخاري ومسلم وأحمد.
ثانياً : إساءة الظن
عن عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا ؛ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ] ، فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا ] رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد .
ثالثاً : تزيين البدعة للإنسان .
رابعاً : تضخيم جانب على حساب جانب آخر .
أ-على المستوى الفردي ، مثل :
_ كمن ارتكب ذنوباً كثيرة ، فيهتم بالصلاة دون غيرها من الأعمال الدعوية بحجة أنها عمود الدين ، وهي أول الأعمال التي ينظر فيها يوم الحساب .
_ الاهتمام بالمعاملة مع الناس أكثر من الاهتمام بالمعاملة مع الخالق من صلاة أو نحوها بحجة أن النبي r قال : [ الدين المعاملة ] .
_ الاهتمام بالنية الطيبة دون غيرها .
ب-على المستوى الاجتماعي ، مثل :
_ الاهتمام بالقضايا السياسية والفرق المعاصرة أكثر من الاهتمام بباقي الشريعة .
_الاهتمام بقضايا العبادة والجوانب الروحية أكثر من باقي أمور الشريعة .
_ الاهتمام بوحدة الصف اعتماداً على قوله تعالى : ] وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[103][ سورة آل عمران ، ويجعلون هذا شغلهم دون بيان معايب الجماعات والفرق الأخرى المخالفة للشرع .
خامساً : التسويف والتأجيل .
سادساً : الكمال الزائف ، مثل :
_ النظر لما دونه من الأعمال الصالحة .
_ الإعجاب بالأعمال التي يقدمها ثم يشغله بالمباحات .
سابعاً : عدم التقدير الصحيح للذات وقدراتها ، وذلك من طريقين :
أ- نظرة الإعجاب والغرور بالذات ، وأن بعض الأعمال الصالحة يقوم بها من هو دونه لاترقى لدرجة أعماله .
ب-نظرة التواضع والاحتقار للذات ؛ حتى يدفعها لعدم العمل بدعوى أنه ليس بكفء لبعض الأعمال الصالحة .
ثامناً : التشكيك ، وذلك مثل :
_ التشكيك في صحة طريقة التربية مع خلال قلة الأتباع مع أن الله سبحانه وتعالى يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ] وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ[103] [ سورة يوسف .
ويقول التابعي نعيم بن حماد : ' إن الجماعة ماوافق طاعة الله عز وجل ، وإذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد ، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة '.(/1)
_ التشكيك في نيته وإخلاصه ، وعلاج هذا قول الحارث بن قيس رضي الله عنه : ' إذا أتاك الشيطان وأنت تصلى ، فقال إنك ترائي ، فزدها طولا ً' .
تاسعاً : التخويف ، وذلك إما بالتخويف من :
أ-أولياء الشيطان ، يقول الله تعالى : ] إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[175][ سورة آل عمران .
ب-الفقر ، يقول الله تعالى : ] الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[268][ سورة البقرة .
العوامل التي تساعد الشيطان في آداء وظيفته
أولاً : الجهل .
ثانياً : الهوى وضعف الإخلاص ، يقول الله تعالى عن الشيطان : ] قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[82]إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[83][ سورة ص .
ثالثاً : الغفلة وعدم التنبه لمداخل الشيطان .
العلاج من كيد الشيطان
1-الإيمان بالله ، يقول الله تعالى : ] إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[99][ سورة النحل .
2-طلب العلم الشرعي من مصادره الصحيحة .
3-الإخلاص في هذا الدين ، يقول الله تعالى عن الشيطان : ] قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[82]إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[83][ سورة ص .
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم من الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم
وعن الحسن رضي الله عنه قال : [ لا تلقى المسلم إلا يحاسب نفسه،ماذا أردت تعملين ؟ وماذا أردت تأكلين ؟ وماذا أردت تشربين ؟ والفاجر يمشي قدماً ،لا يحاسب نفسه ] .
4-ذكر الله والاستعاذة من الشيطان الرجيم ، يقول الله تعالى : ] وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[200][ سورة الأعراف .وكذلك قراءة المعوذتين وآية الكرسي .
كتاب : مداخل الشيطان على الصالحين
تأليف : عبد الله الخاطر(/2)
مدح الرسول صلى الله عليه وسلم)
شعر: إلياس طعمة
أعاهدُ ربي أن أصلِّيَ مسلماً
هداني هواها حُبِّبَ iiشرعُه
فمن قومه أدينُ iiبدينهِ
توسّلتُ بالقربى إليهِ فلم iiتَضِعْ
* * ii*
يا أحمدُ المُرتضى والمُرتجى أبداً
يا أرفعَ الناس عندَ اللهِ iiمنزلةً ... على أحمدَ المختارِ من خيرِ iiأمةِ
إليَّ فَصَحَّتْ مثلَ حبّيْ iiعقيدتي
لأني أرى الإسلامَ روحَ iiالعروبةِ
لدى العربيّ الهاشميِّ iiشفاعتي
* * ii*
ألستَ من سَطواتِ الروم تَحمينا
متى نرى السيفَ مسلولاً iiليشفينا(/1)
مدخل إلى فقه السيرة
الكاتب: الشيخ د.علي بن عمر بادحدح
تعريف السيرة:
والسيرة لغة: السنة والطريقة (المعجم الوسيط،ومختار الصحاح).
وتطلق ويراد بِها طريقة سير الإنسان في هذه الحياة، ومعنى سيرة فلان أي طريقته ومسيرته وما كان عليه شأنه في حياته.
السيرة النبوية من حيث اللغة مسيرة حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيف سارت أيامه ولياليه.
التعريف بالاصطلاح: هي ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من مولده إلى وفاته، إلا أن أهل السير ضموا إلى سيرته العطرة ما قبل ولادته صلى الله عليه وسلم، لأنه له ارتباط بسيرته من وجهين:
1- وصف الحالة قبل مولده ومبعثه لينظر ما كان فيها من انحراف في الاعتقاد وانحلال في السلوك، وكيف آلت الأمور بعد ذلك.
2- لوجود بعض الإرهاصات والعلامات والبشارات ذات الصلة بمولده.
ومن هنا قسم العلماء سيرته صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام، هي:
1-المبتدأ: والمراد به مبتدأ العالم من خلق آدم والرسالات من بعده، وقصص السابقين من الأمم الغابرة.
2- المبعث: والمراد به ما كان قبل مبعثه من المولد والرضاعة والنشأة قبل البعثة.
3- المغازي: وهي التي تشكل جزءاً كبيراً من السيرة في الفترة المدنية.
العلوم ذات الصلة بالسيرة:
أولاً: السنة:
والسنة هي ما أضيف إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلْقية أو خُلِقُية.
وتعنى كتب السنة في الغالب بتتبع الألفاظ والأحوال المتعلقة بالعقائد والأحكام، وليس لها ارتباط بالأحداث والتاريخ.
ثانياً: الدلائل:
والدلائل جمع دليلة وهي العلامة على الشيء، وتسمى أيضاً علامات النبوة. والمقصود بها ما كان علامة إثبات وصدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويدخل في الدلائل مايلي:
1- تبشير الرسل والأنبياء به صلى الله عليه وسلم.
2- تبشير الكتب السابقة به صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل والزبور وقبل ذلك صحف إبراهيم- عليه السلام-.
3- ما أخبره الكهان والرهبان بقرب مبعث نبي وأنه يكون من أمره كذا وكذ.
4- طهارة النبي- صلى الله عليه وسلم- في آبائه وأجداده ونسبه وكونه مصطفى.
5- ما ورد في شأن ولادته.
6- إخباره صلى الله عليه وسلم بالأمور الغيبية، والتي حدثت أو ستحدث.
وممن صنف في هذا المجال:
1- الإمام أبو نعيم الأصبهاني في كتابه دلائل النبوة( مطبوع في مجلد واحد، تحقيق د. القلعجي).
2- دلائل النبوة للإمام البيهقي( مطبوع في سبع مجلدات).
ثالثاً: الخصائص:
والخصائص هي جمع خصيصة: وهي ما كان مختصاً بشيء أو مختصاً به ذلك الشيء. والخصائص هي ذكر ما انفرد به النبي -صلى الله عليه وسلم- من غيره:
1-من الأنبياء مثل كونه خاتم الأنبياء والمرسلين، ونزول القرآن عليه المعجزة الخالدة وغيرها.
2- من سائر أمته في الأحكام الخاصة به، مثل جواز التعدد له بأكثر من أربع وغيرها.
3- ما انفردت به أمته عن غيرها من الأمم مثل حل الغنيمة وأنها شاهدة على الأمم السابقة.
وأشهر كتب الخصائص: كتاب الخصائص الكبرى للإمام السيوطي، وكتاب( الأنوار بخصائص المختار) للإمام ابن حجر العسقلاني.
رابعاً: المعجزات:
والمعجزات جمع معجزة وهي كل ما يعجز عنه الغير. وفي الإصطلاح هو الأمر الخارق للعادة، يظهر على يدي مدعي النبوة تصديقاً لنبوته، يتحدى به غير أو يتحدى به أتباعه.
والمعجزات حسية ومعنوية: القرآن الكريم معجزة حسية ومعنوية:
ومن المعجزات الحسية للنبي- صلى الله عليه وسلم- انشقاق القمر-نبع الماء من بين أصابعه- سلام الحجر عليه وتسبيح الحصى له.
ومن أشهر من كتب في هذا الشيخ عبد العزيز السلمان في كتابه معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
خامساً: المغازي:
والمغازي جمع غزوة والفرق بين الغزوة والسرية هي أن الغزوة ما كان فيها، مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم، والسرية تكون فيها بعث أصحابه. ومن أشهر من كتب في هذا: (1) مغازي ابن إسحاق. (2) مغازي الواقدي.
سادساً: السير:
والسير جمع سيرة، وهو في الحقيقة يعني جزء من الغزوات، إلا أن يكون التصنيف في هذا النوع تميز بدراسة النظام الإسلامي في مسائل الدولة والنواحي العسكرية والتعامل مع المنهزمين والجهاد وشؤونه، وما ينبغي قبل لقاء العدو وأحكام الحرب والسلم. ومن أشهر من كتب في هذا: (1) كتاب السير للإمام الأوزاعي. (2) كتاب السير الكبير والصغير لمحمد بن الحسن الشيباني. (3) كتاب شرح السير الكبير للسر خسي.
سابعاً: حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم:
وهو ما يتعلق بالآداب والحقوق اللازمة للرسول- صلى الله عليه وسلم- ويبدأ هذا الباب بـ
1- وجوب تصديقه والإيمان تصديق ما جاء به ووجوب محبته.
2- وجوب نصرته ونصرة دينه ووجوب محبة آله.
3- وجوب الاقتداء به.
ومن أشهر من كتب في هذا:
(1) كتاب الشفا بحقوق المصطفى للقاضي عياض. (2) المواهب اللدنية في المنح المحمدية لشهاب الدين القسطلاني.
ثامناً: الشمائل:(/1)
وهي الخصال الحسنة والطبائع الحسنة في السيرة، فهي التي تتعلَّق بصفات النبي -صلى الله عليه وسلم- الباطنة والظاهرة، ومنها دوابه وسيوفه وأحواله الحياتية من شرابه وطعامه ومن أخلاقه تواضعه وحلمه وصدقه وشجاعته. ومن فوائد ذكر الشمائل:
1- معرفة الشمائل المحمدية وسيلة إلى امتلاء القلب بتعظيمه، وذلك وسيلة إلى تعظيم شريعته، وتعظيم الشريعة واحترامها وسيلة إلى العمل بها.
2- معرفة الشمائل سبب لمعرفة حسنه وإحسانه صلى الله عليه وسلم، وذلك داع إلى محبته، ومحبته صلى الله عليه وسلم هي روح الإيمان.
3- العمل بهذه الشمائل ونشرها بين الناس فيه خدمة عظيمة له صلى الله عليه وسلم.
4- نشر شرعه فيه كل الخير والسعادة.
5- حصول التلذذ بذكر شمائل النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أشهر من كتب في هذا:
(1) شمائل النبي- صلى الله عليه وسلم- للإمام الترمذي.
(2) الأنوار في شمائل النبي المختار صلى الله عليه وسلم للإمام البغوي.
فوائد دراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم:
1- معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وتعميق الإيمان به، وفهم شخصيته صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني مات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم. والسيرة تظهر من خلال أحداثها صدق نبوته وصحة رسالته، وتدفع كل الشبه التي تثار حول هذه النبوة التي يجب الإيمان والتصديق بها، ولا يكمل إيمان المرء وإسلامه إلا بها، فهو لم يكن عبقرياً متميزاً ولا مصلحاً.
وهاهو الصحابي الجليل سلمان الفارسي، كان مجوسياً ثم صار نصرانياً، وظل يبحث عن الحقيقة حتى وصل إليها بالتعرف على النبي صلى الله عليه وسلم، والتأكد من أنه رسول الله. يقول سلمان: (خرجت أبتغي الدين فوقعت في الرهبان بقايا أهل الكتاب، قال الله عز وجل:
(يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) فكانوا يقولون هذا زمان نبي قد أطل يخرج من أرض العرب له علامات من ذلك شامة مدورة بين كتفيه خاتم النبوة، فلحقت بأرض العرب وخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- فرأيت ما قالوا كله ورأيت الخاتم، فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) [رواه الطبراني ورجاله ثقات 8/241].
2- تعظيم محبته صلى الله عليه وسلم.
ومحبته طريق لمحبة الله تعالى} قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله{ وهي فرض لازم وأمر مؤكد، عن أنس- رضي الله عنه- قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري.
وعندما أخبر عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:" يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن والله أنت أحب إلي من نفسي،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن ياعمر" رواه البخاري.
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"رواه البخاري.
والمحبة ليست أراجيز وأشعاراً،ولكنها أحاسيس ومشاعر يصدقها العمل ويثبتها الاتباع.
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا محال في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
قال حسان بن ثابت:
والله ما حملت أنثى ولا وضعت *** مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا بنى الله خلقاً من بريته *** أوفى بذمة جار أو بمعياد
من الذي كان فينا يستضاء به *** مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
ياأفضل الناس إني كنت في نهر *** أصبحت كمثل المفرد الصادي
3- تيسير الاقتداء به صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.." فالسيرة تبرز صورة للمثل الأعلى من الكمال الإنساني في كل شأن من شئون الحياة الفاضلة، فقد تجمع في شخصه ما تفرق من كمال في الصفات والخلال، والأقوال والأفعال. وفي الحديث:" من أحب الله، ومن أحبني أطاعني ومن أطاعني دخل الجنة". وقال تعالى:" من يطع الرسول فقد أطاع الله".
4- تعريف بأنواع من العلوم والأحكام الإسلامية:
"صلوا كما رأيتموني أصلي""خذوا عني مناسككم" وهذا يحصل لدارس السيرة على قدر كبير من المعارف في علوم الإسلام المختلفة من عقيدة وشريعة وأخلاق وتفسير وحديث وسياسة وغيرها، وكل ذلك من خلال تطبيق عملي واقعي.
5- الإعانة على فهم القرآن الكريم وتذوقه:(/2)
فالسيرة تصوير لأحوال نزول القرآن الكريم وبيئته، وبيان لأسباب النزول، وإظهار لتفاصيل ما أجمل في القرآن من الأحداث، وإبراز لحكمة التشريع ونحو ذلك، من ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره( 2/49) عن عروة( قال: قلت لعائشة: أرأيت قول الله تعالى:" إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما" قلت فو الله ما على أحد جناح أن يتطوف بهما فقالت عائشة بئسما قلت يا ابن أختى إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ولكنها إنما نزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها ثم المشلل وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فسألوا عن ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله -عز وجل- إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما" قالت عائشة:
قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما فليس لأحد أن يدع الطواف بهما) أخرجاه في الصحيحين البخاري:1643ومسلم:1277), ومن ذلك ما أشكل على بعض التابعين في قوله تعالى" لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم". قال مروان بن الحكم وكان والياً على المدينة اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منّا فرح بما أتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم) مسلم( 4/2142).
6- تعليم لفقه الدعوة وبيان مراحلها:
كيف بدأت الدعوة سراً،ثم تحولت جهراً وكيف كانت سلماً وكفاً ثم صارت جهاداً وحرباً، وكيف تنوعت الأساليب الدعوية التي كان لها الأثر الكبير في دخول الناس في دين الله أفواجاً، وكيف تكون طرائق التعليم النافعة؟ وأساليب التربية الناجحة؟ وفي وصيته لمعاذ دليل على ذلك: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لّما بعث معاذاً إل اليمن قال له إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، وإياك وكرائم أموالهم واتَّقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
وكذلك وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى، قال لهما:( يسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا،قال أبو موسى يا رسول الله إنا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع وشراب من الشعير يقال له المزر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كل مسكر حرام) البخاري 5/2269.
7- فهم حقيقة وطبيعة هذا الدين:
ليس بالإيمان والصلاح، ولا بالذكر والدعاء وحده يقوم الدين، فضلاً عن أن يكون بمجرد الانتساب، والتبرك بالقبور والتمسح بالأعتاب، ولكن الدين لابد له من مؤمنين يحملونه وينشرونه ويجاهدون في سبيله وإن لاقوا في سبيله ما لاقوا.
يقول حذيفة واصفاً ما لاقاه الصحابة الكرام في غزوة الأحزاب، مخاطباً أحد التابعين: يا ابن أخي، والله لو رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم يشترط له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع أدخله الله الجنة، قال فما قام رجل، ثم صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال مثله فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل ثم التفت إلينا فقال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم
يرجع يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال صلى الله عليه وسلم يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا) ابن كثير (3/472). فالرسول يضمن لمن يذهب العودة، ويكون رفيقه في الجنة، ومع ذلك من شدة الجهد والجوع والخوف لم يقم أحد.(/3)
وفي غزوة أحد يقاتل النبي- صلى الله عليه وسلم- المشركين، ويتكاثرون عليه ، ولم يثبت معه من الصحابة إلا نفر قليل ، ويصاب صلى الله عليه وسلم في وجهه الشريف، وتدخل حلقة المغفر في وجهه، وتكسر رباعيته، ويمسح الدم عن وجهه الشريف، وهو يقول: (كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى الله عز وجل فنزلت" ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"(1)
8- تجلية الحقائق وتعرية الشبهات:
في شأن الجهاد، وضع المرأة في الإسلام، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن حقيقة الوحي والنبوة والرسالة.
- لم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- يحب القتال لمجرد سفك الدماء، فهو صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداه،ولم يكن يلجأ صلى الله عليه وسلم للقتال إلا لدفع الأعداء الذين يقفون في وجه نشر دعوة الإسلام التي أمره الله بتبليغها، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)(2)، فجعل للقتال غاية وهدفاً، وهي إزالة العقبات التي تعيق نشر الدعوة للقضاء عليه.
- وهاهي وصاياه صلى الله عليه وسلم لأمرائه على الجند تتجلى فيها الرحمة بكل صورها، فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول ال-له صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال:اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن بجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فأسألهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا) مسلم 3/1357, - وفي قضية المرأة، فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة حقها، ومات وهو يوصي بها ويقول: (استوصوا بالنساء خيراً) شهد له بذلك الناس كلهم حتى الكفار منهم.
- وأما ما يقال في حقه صلى الله عليه وسلم من أنه كان شهوانياً لأنه كان تزوج من عدد من النسوة فكلام لا رصيد له من الواقع. ولو كان كذلك لما تزوج وهو شاب في الخامسة والعشرين وفي عنفوان الشباب وربيع العمر من خديجة وهي في الأربعين، ولما تزوج سودة وقد قاربت الستين، ولما تزوج امرأة ثيباً، وكل أزوجه ثيبات عدا أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- فقد كانت البكر الوحيدة بينهن، ومن حكم زواجه صلى الله عليه وسلم منها تقوية الصلة بأبيها أبي بكر، ولتكون وعاءً للسنة النبوية تنقلها للأجيال من بعده صلى الله عليه وسلم،فلم يكن صلى الله عليه وسلم يتزوج إلا لحكمة، كمواساة أرملة أو تأليف قوم أو تقريب شخص، أو غير ذلك من الحكم التي ليس هذا موضع بيانها.
9- تمييز السنن والمبتدعات:
تجلية العقيدة الصحيحة، ونشر السنة ومحاربة البدعة،كان هدفاً للنبي- صلى الله عليه وسلم- تجلى في مواطن كثيرة من سيرته صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول" من أحيا سنة قد أميتت بعدي له من الأجر مثل أجر من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة لا ترضي الله ورسوله فإن له مثل إثم من عمل بها من الناس لا ينقص من آثامهم شيئا" رواه الترمذي والنسائي. واليوم كثير من السنن اندثرت، وكثير من البدع انتشرت، وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة لمن أراد محاربتها. ذكر ابن كثير: ( عن أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول ال-له صلى الله عليه وسلم- قبل حنين فمررنا بسدرة فقلت: يانبي الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة إنكم تركبون سنن من قبلكم) أورده ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده مرفوعاً) ابن كثير(2/244).(/4)
وعن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال:قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) مسلم( 71/83).
10- معرفة الموازين الصحيحة وتصحيح الأوضاع السقيمة:
لا سيما في بيئة قبلية يتفاخر أفرادها بأنسابهم، فجاءهم بالميزان الصحيح وهو التفاضل بالتقوى، لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى) وآخى بين أصحابه، وزوج زينب الشريفة من مولاه زيد، وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم -على زيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه وكانت أيم قريش قال: فإني قد رضيته لك فتزوجها زيد. الحديث) المستدرك(4/25).
فآخى صهيباً وآوى بلال ***ونادى بسلمان في الأقربين
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين ضحكوا على حمش ساق ابن مسعود وهو يصعد النخلة تضحكون من ساق توزن بعمل أهل الأرض) القرطبي(11/67). وعن سهل قال مر رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ماتقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح: وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) البخاري(2308/1958).
11- معرفة طبيعة الجاهلية والكفر ومعاداته للحق وأهله
لقد أخبر الله رسوله والمؤمنين عن طبيعة الكفر وأهله، وموقفهم من الإسلام وأهله، ألا وهو موقف العداوة المستمرة، قال تعالى:"ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" ومن المواقف التي تجلت فيها هذه العداوة:
- إخراج كفار قريش المهاجرين من بيوتهم في مكة، وأجبروهم على الهجرة إلى الحبشة، لأن الباطل لا يقبل التعايش مع الحق،قال تعالى:" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله". وقال تعالى:" وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد"فهاجر الصحابة إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة، وهاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد أن حاولت قريش قتله ومنعه، وحاول الكفار اجتثاث الإسلام في بدر وأحد والخندق،ولكن"ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً".
-لم يكتف كفار قريش بإخراج المهاجرين إلى الحبشة، بل أرسلوا وفداً إلى النجاشي ملك الحبشة يستعديه عليهم، ويحرضه ضدهم، ليردهم إلى مكة ليواصلوا تعذيبهم وصدهم عن دينهم.
- وكما كان موقف المشركين كان موقف اليهود والنصارى،قال تعالى:"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم،قل إن هدى الله هو الهدى".
12-معرفة جيل الصحابة وقدرهم:
- ومعرفة ما قدموه لدعوة الإسلام من تضحية حتى نالوا رضا الله تعالى:"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم""لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" وحتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري (3470،3/1343) ومسلم(2540،4/1967).
- ومن الأمثلة العظيمة أنس بن النضر، عن أنس رضي الله عنه قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال يا رسول الله: غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء( يعني أصحابه) وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجدر ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين حصولاً بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" إلى آخر الآية) رواه البخاري(2651، 3/1032).
مصادر السيرة القديمة:
أولاً: القرآن الكريم:
وذلك لاشتمالة على كثير من الأحداث ووقائع السيرة، وهو المصدر الموثق والثابت بالتواتر والمقطوع بكل ما جاء فيه من الآيات:
ومن المعالم الواضحة للسيرة في القرآن الكريم:(/5)
أ- تناول القرآن للملامح العامة للأحداث الأساسية: دون التفصيل في جزئيات السيرة، والقرآن لا يذكر أحداث السيرة بتسلسل تاريخي مثل ذكر غزوة بدر في سورة الأنفال. قال تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) (الأنفال : 5 )(يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ) (الأنفال : 6 )(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) (الأنفال : 7 )(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال : 8 )(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال : 9 )(وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : 10 )(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) (الأنفال : 11 )(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال :12)
وفي أحد يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران :121)(إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران : 122 )(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران : 123)(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ) (آل عمران : 124 )(بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (آل عمران : 125 )(وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران : 126 )
وفي غزوة الأحزاب نزلت سورة الأحزاب، كما نزلت سورة الحشر في غزوة بني النضير،ونزلت سورة التوبة في غزوة تبوك، وحنين.
وكما ذكرت الغزوات ذكرت طفولة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى، وموقفه من ابن مكتوم في سورة عبس، وغير ذلك من المواقف.
ب- تميز الأسلوب القرآني بالإعجاز البياني والتأثير الإيماني: فنحن نعلم أن القرآن الكريم معجز في أسلوبه البلاغي، وهذا له تأثير إيماني عميق على الإنسان ومشاعره عندما يستمع إلى حدث من أحداث السيرة في القرآن الكريم، وتأمل في ذلك قول الله- تعالى- مخاطباً المؤمنين بعد غزوة أحد: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (آل عمران : 145 )(وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران : 146 )(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (آل عمران : 147 )(فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران : 148 )
ج- إبراز اللفتات التربوية وإظهار السنن الربانية: فليست الآيات القرآنية تذكر الأحداث مجردة ولكن هناك تعقيب رباني للأحداث في ذكر لفتات تربوية أو ذكر سنة ربانية، مثل ذكر الآيات المذكورة في أعقاب الغزوات بدر وأحد.(/6)
مثل قوله تعالى: ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين" ومثل قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) وذكره سبحانه لقوانين النصر في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ) (الأنفال : 45 )(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال : 46 )(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (الأنفال : 47 )
وكذلك بيانه لسبب الهزيمة في أحد، في قوله تعالى: ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)
د- العناية والتحليل النفسي والربط التاريخي: فالآيات القرآنية تذكر الصفات النفسية لليهود وتحليلاتها من الجبن والخوف والحقد والحسد، وكذلك ذكرت الآيات المنافقين وحللت نفوسهم في سورة التوبة، وكذلك حللت نفوس المؤمنين واشتياقهم لطاعة الله ورسوله وتأثيرهم في ذلك. ففي نفسية اليهود يقول تعالى: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الحشر : 13 )(لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (الحشر : 14 )
ويقول تعالى في نفسية المنافين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون : 4 )(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) (المنافقون : 5 )(سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (المنافقون :6)
ووصف نفسية الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك:
(وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة : 118 )
وقد حاول بعض المعاصرين رسم ملامح السيرة في القرآن الكريم منهم:
1- السيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم لمحمد عزة دروزة 2- السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لمحمد محمد أبو شهبة.
ثانياً: كتب السنة النبوية المطهرة:
وأيضاً للسيرة معالم في كتب السنة منها:
1- عدم التقيد بالسرد التاريخي المتتابع لأحداث السيرة.
2- العناية الكاملة بالأسانيد لجميع الروايات الواردة في أحداث السيرة.
3- ليس بالضرورة وجود الروايات مسندة أنها صحيحة إلا الروايات الموجودة في الصحيحين.
4- الاجتزاء من أحداث السيرة بحسب ما يحتاجه في الرواية.
من أشهر كتب السنة التي ذكرت أحداث السيرة هي:
1- صحيح الإمام البخاري: وهو من أشهر من جمع في السيرة، وقد جمع أبواباً كثيرة في السيرة، مثال ذلك كتاب الجهاد وكتاب المغازي وكتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وقد نهج البخاري أن يختار الراوي من الصحابة للرواية ممن شهد الحادثة أو كان جزءاً منها مثل رواية عائشة في حادثة الإفك، ورواية كعب بن مالك في حادثة المخلفين عن غزوة تبوك وغيرها.
2- صحيح الإمام مسلم. 3- سنن الترمذي. 4- سنن أبي داود. 5- سنن ابن ماجه. 6- سنن النسائي. 7- مسند الإمام أحمد. 8- كتب الطبقات: التي تذكر سير الصحابة، فقد كانت هذه الكتب تروي في سيرة كل صحابي الأحداث التي حدثت معه.
ثالثاً: كتب الشمائل:
فقد تروي أحداثا،ً حيث إن من مواد الشمائل مثل كتاب الأدب والاستئذان وغيرها مثل كتاب الشمائل للإمام الترمذي وكتاب الأنوار من شمائل النبي المختار للإمام البغوي.
رابعاً: كتب الدلائل والمعجزات:
وهي كتب تذكر أحداث السيرة من خلال عرض المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمداً
-صلى الله عليه وسلم- ومن أشهرها كتاب دلائل النبوة للبيهقي..
خامساً: كتب المغازي والسير:
حيث إن كتابة أحداث السيرة والمغازي قديم من القرن الأول، وأول من كتب وروى السير أبان بن عروة، ثم يزيد بن رومان الأسدي وموسى بن عقبة.(/7)
ثم جمعت جميع هذه الروايات في سيرة ابن إسحاق(3):
-سيرة ابن إسحاق: امتازت بعدة مميزات منها:
1-أنه أخذ نهج التسلسل التاريخي للسيرة من المبعث ثم المولد ثم المغازي.
2- يذكر جميع الروايات التي وجدت لديه في الحدث الواحد.
3- شهرة ابن اسحاق وعلمه وتميزه في علم السيرة.
-سيرة ابن هشام: وامتازت بعدة مميزات:
1- اختصر سيرة ابن اسحاق في المبدأ فلم يذكر إلا سيرة إسماعيل عليه السلام.
2- اختصر الأحداث التي وقعت في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يكن له ارتباط وثيق بها.
3- اختصر ولم يذكر الكثير من الأشعار الموجودة في سيرة ابن إسحاق.
4- اختصر ولم يذكر أشياء يشنع الحديث بها إما لمبالغات أو تناقضات أو شطحات.
-مغازي الواقدي.
- الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر.
- السيرة الحلبية لعلي برهان الدين الحلبي.
-السيرة الشامية لمحمد بن يوسف الصالحي.
سادساً: كتب التاريخ العام:
وهذه لم تتناول أحداث السيرة وحدها بل ذكرت أحداثاً قبل السيرة وبعدها ومن أشهر هذه الكتب:
- كتاب تاريخ الأمم والرسل والملوك للإمام الطبري.
- كتاب الكامل في التاريخ لابن أثير.
- كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثي،ر وقد امتازت بمميزات كثيرة منها:
1- الإمام الحافظ ابن كثير محدث فقد كان يذكر الروايات الكثيرة في الحدث الواحد.
2- تعليقه على الأحداث واستخراجه الدروس والعبر.
سابعاً: كتب الأدب والشعر:
حيث أنها أرخت لكثير من الشعراء في التاريخ، وجمعت شعرهم وعرجت على بعض المناسبات التي قبلت فيها هذه القصائد كما في شعر الصحابة مثل شعر حسان بن ثابت وابن رواحة وغيرهم غير أن هذا قليل.
-------------
(1) تفسير الطبري، 4/87.
(2) رواه البخاري، رقم 25)1/17، ومسلم(رقم 22) 1/53
(3) ينظر: هو محمد بن إسحاق، بن يسار، ولد سنة 80هـ، في المدينة وشب فيها وهو من أوائل من كتب العلم فيها قبل الإمام مالك، ثم رحل إلى الأسكندرية عام115، ومنها إلى الكوفة والجزيرة والري والبصرة واستقر به المقام في بغداد، ت سنة 151هـ، قال ابن عدي : لو لم يكن لأبن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الأشتغال بكتب لا يحصل منها شيء للاشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن إسحااق). سير أعلام النبلاء للذهبي 7/37.(/8)
مدخل إلى موقف القرآن
الكريم من العلم
د. عماد الدين خليل
مع تحيات
موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
www.55a.net
بسم الله الرحمن الرحيم
الفهرست
المقدمة
ملاحظات
اهداف العلم والمباديء الاسلامية الأساسية
المنهج
الحقائق
التطبيق
المقدمة
كتبت ابحاث كثيرة ، بعضها على درجة كبيرة من الاهمية ، استهدفت الافادة من معطيات العلم الحديث لتعزيز الايمان بالله ورسالاته عموماً وبالاسلام وكتابه الكريم على وجه الخصوص .. كما ان عدداً من التفاسير المعاصرة للقرآن مارست الاسلوب نفسه بهذا القدر او ذاك .. هذا فضلاً عن عدد من المحاولات (التطبيقية) التي اريد بها ادراك بعض الجوانب المعجزة في القرآن ، كتلك المحاولة التي قام بها عالم مصري باستعمال جهاز (الكمبيوتر) في التعامل مع مطالع السور التي اختلف حولها الدارسون والمفسرون .
وقد اتخذت تلك الابحاث والمحاولات اتجاهات سياسية ثلاثة تمثل اولها في تفحص البنية الدقيقة المحكمة للكون والعالم والحياة على ضوء كشوفات العلم الحديث ،وتأكيد القول بان هذا الأعجاز (البنائي) لايمكن ان يتحقق الا على يد قدرة مريدة مدبرة ومتفردة هي الله سبحانه . وهذا مانجده في ابحاث عديدة من مثل ( العلم يدعو للايمان ) لموريسون ،
و(الله يتجلى في عصر العلم) لجماعة من العلماء ، و(مع الله في السماء) لأحمد زكي
وغيرها ...
وتمثل ثاني تلك الاتجاهات في شرح وتحليل مجموعة الاشارات القرآنية الى هذا الاحكام في الكون والعالم والحياة .. والقرآن الكريم يعود المرة تلو المرة لكي يؤكد هذه الحقيقة الكبيرة الخطيرة ويدعو الانسان الى التمعن فيها وادراك ابعادها التي كادت لبداهتها ووضوحها ان تغيب عن العيان .. !!
وأما ثالث الاتجاهات واكثرها ارتباطاً بالموضوع فيتمثل بالمحاولات العديدة ، الخصبة لتفسير الآيات ، والمقاطع القرآنية التي كشفت عن عدد من الحقائق في الكون والحياة والعالم، ماكان الانسان يومها بقادر على الكشف عنها ، وجاء العلم أخيراً لكي يزيح عنها النقاب ويؤكد باساليبه الخاصة صدق المقولات القرآنية . ونستطيع ان نعثر على نماذج للأتجاهين الاخيرين في مؤلفات : عبد الرزاق نوفل ونديم الجسر ومصطفى محمود
ووحيد الدين خان ومحمد قطب ومحمد رشيد رضا وطنطاوي جوهري وموريس بوكاي .. وغيرهم ...
ونريد في هذا البحث الموجز ان نقدم اجابة تتميز جهد الأمكان بقدر من التنظيم الاكاديمي (المدرسي) وبالشمولية في نفس الوقت ، عن السؤال الملح في هذا المجال ، وماهي طبيعة العلاقة بين القرآن والعلم ؛ ماهو موقف القرآن من العلم بصورة عامة والعلم الحديث بشكل اخص ؟ وبعبارة اخرى ، ماهي أبعاد المسألة العلمية في المنظور القرآني ، وماهي ابعاد المعطيات القرآنية في المنظور العلمي ؟
ان الانسان المعاصر اليوم بأمس الحاجة الى يقين ديني يعيد اليه وحدته الضائعة وسعادته المفقودة وأمنه المسلوب .. ومادامت القناعة المبنية على (الحقائق العلمية) هي اليوم من اكثر القناعات فاعلية للتحقق بهذا اليقين ، وما دام كتاب الله يمنحنا هذا القدر الكبير المعجز من هذه الحقائق التي راحت تتكشف عقداً بعد عقد وقرناً بعد قرن ، فلماذا لا نتحرك على ضوء هذه المعادلة المؤكدة لأنقاذ الانسان المعاصر من ورطته بفقدان اليقين ؟
والطالب في مؤسساتنا المدرسية والاكاديمية في حاجة اكثر الحاحاً لأدراك طبيعة العلاقة بين دينه الذي ينتمي اليه وبين العلم الحديث الذي يمثل مساحة واسعة من ممارسات عصرنا الراهن .. بأمس الحاجة الى معرفة المواقف المتبادلة بين القرآن الكريم وبين الرؤية العلمية من اجل ان يزداد ايماناً وأصالة وتوحداً .
وما يحدث يتحرك للأسف بأتجاه مضاد ، غير علمي ، ولامسؤول ، مستهدفاً احداث قطيعة تربوية وتثقيفية ين العلم والدين تؤول الى هدفين كلاهما سيء ممقوت: انتشار خرافة الالحاد ، وتعميق الازدواجية النفسية بين العقل والروح ..
انه ما من كتاب مدرسي او مؤلف جامعي ، ما من مجلة او صحيفة او موسوعة ، ما من ندوة او محاضرة او نشاط اعلامي ، الا وهي تتحرك وفق هذا الاسلوب النكد الذي يسعى متعمدا او غير متعمد ، الى تدمير شخصية الانسان المؤمن وتفكيكها ، وكأن هناك قوى خفية لا يستطيع احد ان يرفض لها طلبا ، تدفع الاقلام والالسنة ، او تأمرها ، بتأكيد هذا المصير المحزن .
قد يكون هذا الموقف مبررا ازاء التعامل مع معطيات الاديان (المنحرفة) سماوية كانت ام وضعية والتي لا نجد فيها أيما اهتمام جاد بالعلم ، ولا اي موقف (منهجي) ازاء الكون والعالم والحياة يتسم بقدر من العلمية . ولكن الامر يختلف تماماً مع القرآن الكريم الذي يحتضن المسألة العلمية - كما سنرى - بكافة ابعادها ، يؤكد عليها مراراً وتكراراً ، ويدعو الى اعتمادها من اجل تحقيق كلمة الله في العالم كي لاتكون فتنة ويكون الدين لله .(/1)
وما هذه الصفحات سوى محاولة متواضعة ، ضمن محاولات عديدة بذلها كثير من الكتاب والباحثين بصدد تأكيد هذه الحقيقة .. وقد تعمدت ان أنسقها بالشكل الذي يجعلها اقرب الى ان تكون كتاباً (مدرسياً) يستهدف التعامل مع الطالب في المدرسة او الجامعة بأكبر قدر ممكن من التنظيم والتركيز . ولعل هذا ، فضلاً عن القيام باستقراء وتنسيق الحقائق العلمية في القرآن وفهرستها وفق الموضوعات التي تعالجها هما اهم مافي المحاولة من جديد .
فعسى ان يتاح لهذه الصفحات خدمة مافي المؤسسات المذكورة ، وعسى ان اكون قد وفقت لبعض ما توخيته من كتابتها .
والحمد - أولاً وآخراً - لله ، الذي علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم ...
الموصل : عماد الدين خليل
ملاحظات
ان الذي يقرأ كتاب الله بتمعن ، في محاولة للألمام بطبيعة موقفه من (العلم) ، يجد نفسه امام حشد من الآيات البينات ممتدة وفق ابعاد اربعة توازي المسألة العلمية في اتجاهاتها كافة يتناول اولها مسائل تتعلق بطبيعة العلم وآفاقه واهدافه فيما يعرف بفلسفة العلم ونظرية المعرفة ، ويتناول ثانيها منهج الكشف عن الحقائق العلمية المختلفة ، ويعرض ثالثها لمجموعة من السنن والقوانين في مجالات العلم المختلفة . وبخاصة الطبيعة والجغرافية وعلوم الحياة ، فيما يسمى بالعلوم المحضة او الصرفة ، ويدعو رابعها لاستخدام هذه السنن والقوانين ، التي كشف عنها منهج تجريبي في البحث ، من اجل ترقية الحياة وتنميتها على طريق خلافة الانسان لأعمار الارض ، فيما يعرف بالعلوم التطبيقية (التقنية) .
وما من شك في ان هناك ارتباطاً وثيقاً ومحكماً بين هذه الابعاد ، يقود احدها الى الآخر ، " فالفلسفة تحلل اهداف العلم ، والمنهج يطرح طريقة عمل للكشف عن الحقائق " : السنن والنواميس التي تحكم الكون والعالم والحياة وتحمي صيرورتها الزمنية ذات النظام المعجز .. وهذه السنن والنواميس تمنح الانسان - بدورها - (المعادلات) التي يتمكن بها من ان يدخل الى صميم التركيب المعجز هذا لبنية الكون والعالم والحياة من اجل اعتماد تلك السنن والقوانين لتنفيذ قدر من (التطبيقات) العلمية ، تمضي بالحضارة البشرية قدماً صوب الاحسن والارقى ، وتتيح للأنسان التحرر من شد الضرورات لكي يكون اكثر قدرة على رفع رأسه الى فوق ومحاورة السماء وتلبية حاجاته الروحية التي بها يتميز الانسان عن سائر الخلائق ويتمكن من تنفيذ اكثر امتداداً لمقتضيات خلافته (العمرانية) في العالم .
صحيح ان القرآن الكريم ماجاء لكي يكون كتاباً (علميا) ، كما هو معروف تماماً ، كما انه ما جاء لكي يكون كتاب جغرافية او تأريخ او اي من حقول المعرفة المتنوعة ، وصحيح ان الحاح بعض المفكرين المعاصرين على تحميل آيات الله معان ؛ وتفاسير (علمية) لم تقصد اليها البتة ، قد دفع بعضهم الآخر ، وبرد فعل يتميز بالالحاح نفسه ، الى نفي ان تكون للقرآن أية صلة بأيما حقيقة علمية .
فان الامر الذي لاريب فيه هو ان كتاب الله عالج مسألة العلم بطريقة مركبة تمتد الى كافة الابعاد بما لا يقبل لجاجة او انكاراً .
ان الفعل الخاطيء - كما هو معروف - يولد رد فعل خاطيء يساويه في المقدار ويخالفه في الاتجاه ، وهكذا فان مبالغة طائفة من المفكرين في تحويل القرآن الكريم الى كتاب رياضيات وفلك وطب وتشريح ، دفع طائفة اخرى الى وضع جدار عازل بين القرآن وبين المعطيات العلمية ، وكأن كتاب الله جاء لكي يخاطب الانسان بمعزل عن العالم الذي هيء له والكون الذي يتحرك فيه .. ان هذا التضاد المتطرف يجب ألا يضَيع علينا الرؤية الصحيحة لموقف القرآن من المسألة العلمية ، وهو موقف واضح ومحدد من اية زاوية
نظرنا ... ان القرآن يظل في حالة (حضور) دائم في قلب العالم والحياة والكون ، يعايش سننها ونواميسها ، ويحدثنا عنها ..
وانه لأمر بديهي ان تتعانق معطيات القرآن ، ومعطيات العلم وتتوازيان ، لا ان تتضادا وتقوم بينهما الحواجز والجدران .. ذلك ان مصدر العطاء واحد ، وهو الله جل وعلا، صانع السنن والنواميس ومنزل القرآن .. خالق الكون والانسان وباعث الأنسان } قل: كل من عند الله { ليس هذا فحسب ، بل ان الانسان باعتباره معنياً بصنع السنن ونزول القرآن ، الانسان بما انه المستخلف في هذا العالم ، واليد التي تسعى لأعماره وترقيته ، كما تؤكد المباديء القرآنية ، يقود الى هذا اللقاء الأكيد بين كتاب الله وسننه في هذا العالم ، اذ كيف يستطيع الانسان ان يؤدي دوره ، في اطار تعاليم القرآن وشرائعه، ان لم يتحرك، ابتداء- لفهم هذا العالم والكشف عن سننه ونواميسه ..!؟(/2)
ان مفهوم (الحركة) في الاسلام، على خلاف عدد من المذاهب والاديان، ينبثق اساسا من هذا التناغم والتلاحم بين الثنائيات: الروح والمادة، الطبيعة وماوراء الطبيعة، الارض والسماء، العلم والايمان ، وان افتقاد اي طرف من اطراف هذه المعادلة المنطقية سوف يقود الى الفوضى والضياع، وسوف يجرد دين الله من القدرة على الحركة والانتشار .
وها هنا، بصدد الحديث عن الموقف من العلم ، يبدو اكيداً ذلك التناغم والتلاحم ين كتاب الله وحقائق العلم ومعطياته .. لكن ذلك لا يمنعنا من رؤية الابعاد الشاملة لكل من (الحقيقة) القرآنية ذات المصدر الآلهي ، ومايمكن تسميته مجازاً -(بالحقيقة) العلمية ذات المصدر البشري .. فثمة خط فاصل، نظراً لتغاير المصدرين، يمتد بين العلم الآلهي والعلم البشري ... العلم الآلهي الذي يمنحنا بعض معطياته في القرآن الكريم يتضمن حقائق ومسلمات مطلقة لايأتيها الباطل من بين يديها ولامن خلفها ، بينما تظل معطيات العلم البشري أسيرة نسبيتها وقلقها وتحولها ..
ي العلم البشري ما من حقيقة نهائية ، والعلماء الكبار انفسهم ، بعد قضاء اعمار كاملة في ساحات المختبر وبين اجهزته ، انتهوا الى هذه النتيجة .. ان معطيات العلم مجرد (احتمالات) قد تخطيء وقد تصيب ، وان كشوفاته هي وصف للظاهرة و ليست تفسيراً لها .
يقول سوليفان: " لقد اصبح العلم شديد الحساسية ومتواضعاً نسبياً . ولم نعد نلقن الآن ان الاسلوب العلمي هو الاسلوب الوحيد الناجح لأكتساب المعرفة عن الحقيقة .. ان عددا من رجال العلم البارزين يصرون بمنتهى الحماس على حقيقة مؤادها ان العلم لا يقدم لنا سوى معرفة جزئية عن الحقيقة ، وان علينا لذلك ان لانعتبر ، او يطلب الينا ان نعتبر كل
شيء يستطيع العلم تجاهله مجرد وهم من الاوهام . ان الحماسة التي يظهرها
رجال العلم هؤلاء فيما يتعلق بفكرتهم القائلة بان للعلم حدوداً ليست مما يثير العجب في حقيقة الامر !! "(1).
ويقول: " لقد قبل جسم جديد - يقصد الكهرباء - في الفيزياء لانعرف عنه شيئاً سوى بنيته الرياضية Mathematicl Structure وقد بدأت منذ ذلك الوقت تدخل في الفيزياء اجسام اخرى بنفس الشروط . ووجد ان هذه الاجسام تلعب دوراً يماثل بالضبط ذاك الذي تلعبه الاجسام القديمة فيما يتعلق بتشكيل النظريات العلمية . لقد اصبح الآن واضحاً ان معرفة طبيعة الاجسام التي نتحدث عنها لم تعد مطلباً لازماً بالنسبة للفيزياء ، بل تكفي
معرفة بنيتها الرياضية وهذا بحق هو كل معرفتنا حولها . وقد جرى التحقق الآن من ان معرفة البنى الرياضية هي كل المعرفة العلمية المتوفرة لدينا حتى فيما يتعلق باجسام نيوتن المألوفة ، وان اقتناعنا باننا نعرف هذه الاجسام بصورة قريبة ماهو الا مجرد وهم "(2) ، ويتساءل : " لماذا يترتب على الانسان ان يفترض بان الطبيعة يجب ان تكون شيئاً يستطيع مهندس القرن التاسع عشر ان يستحضره في ورشته ؟ "(3).
ونقرا في كتاب (عقائد المفكرين في القرن العشرين): " ان العلماء التجريبيين عادوا الى القوانين الطبيعية التي تحكم الحرارة والحركة والضوء وكل مافي عالم المادة من كهارب وذرات فوجدوا ان لها قانوناً واحداً هو الخطأ والاحتمال . اما القائمون بهذه التجربة فقد كانوا ثلاثة من اقطاب العلوم في مطلع القرن العشرين : ماكس بلانك Max Plank البولوني وورنر هايزنبرج W. Heisenberg الالماني وأروين شرودنجر A. Schrodinger النمسوي ، والأولان منهم صاحبا جائزة (نوبل) في العلوم الطبيعية عن سنة 1918 ، وسنة 1932 ، والثالث مكمل النظريات التي اشتهر بها الأولان ، وحجة لاتعلو عليه حجة في مسائل الطبيعيات على العموم .. ان التجربتين - يقول هايزنبرج - في اية قاعدة من قواعد العلم الطبيعي لا تأتيان بنتيجة واحدة بالغاً ما بلغ المجرب من الدقة وبالغاً ما بلغ المسبار من الاتقان "(4).
ويختتم سوليفان الفصل الثالث القيم من كتابه (حدود العلم) ، بقوله: " لقد بحثنا حتى الآن في حدود العلم بأعتباره اسلوباً لأكتساب المعرفة حول الحقيقة . وقد رأينا كيف أدت الحساسية الجديدة للعلم الى الاقرار بان ادعاءاته السابقة قد بولغ فيها كثيراً . لقد جعلت الفلسفة المبنية على العلم من المادة والحركة الحقيقة الوحيدة . وبهذا العمل فقد جرى استبعاد جميع العناصر الاخرى الواقعة في مجال خبراتنا . هذه العناصر التي تحمل ، كما يتراءى لنا ، المغزى الاكبر والتي تجعل الحياة في النهاية جديرة بأن تعاش قد جرى استبعادها على انها محض اوهام .. " . ثم يخلص الى القول: " ان دوافعنا الدينية لا يمكن ان يقنعها اي شيء اقل من الاعتقاد بأن للحياة مغزى خارقاً . وهذا الاعتقاد هو بالضبط ماجعلته الفلسفة القديمة امراً مستحيلاً وهكذا يمكننا ان نستنتج ان الاهمية الحقيقة للتغيرات التي حصلت في العلوم الحديثة ليست في قدرتها المتزايدة على دفع عجلة تقدم الانسان ، بل في تغير الأسس الميتافيزيقية التي تقوم عليها "(5).(/3)
وهذا ينقلنا الى مسألة اخرى بصدد العلاقة بين العلم والدين ، ان العلم الحديث لم يعد يرفض الحقيقة الدينية او يشكك فيها ، كماحدث في القرون السابقة ، وهو يعترف بان ليست له الكلمة النهائية في موضوع هو اكبر من حجمه بكثير .. ثم يعود لكي يؤكد - بامكاناته المحدودة - ان الحياة البشرية لا تستحق ان تعاش اذا ما نحن جردناها من بعدها الكبير الذي يتجاوز حدود المادة والحركة .. يعود العلم لكي يتعانق مع الدين ويتوظف لديه .. ذلك هو الانقلاب الكبير الذي شهدته فلسفة العلم المتمخضة عن الكشوف الاخيرة في مجال البحث العلمي ، وبخاصة الطبيعة والذرة وطريقة عمل الدماغ البشري .
وثمة مسألة اخرى لاتقل خطورة .. ان الكشوفات العلمية الاخيرة حطمت جدار المادة، وأطلت وهي تتوغل في صميم الذرة على عالم الروح الكامن في بنية العالم وتركيب الاشياء .. ان العلم يلتقي هاهنا مع الدين ، مرة اخرى والحقائق كثيرة ، وقد ناقشناها في كتابنا (قراءة في كتاب سوليفان: حدود العلم) .. ويكفي هنا ان نشير الى بعضها .ان بعض العلماء يرون ان الموجات الالكترونية التي تشكل بنية المادة ، كما هو معروف حتى الآن يمكن ان تكون موجات احتمالية Waves of Probability من غير وجود مادي مهما كان نوع هذا الوجود(6). ويتفق علماء آخرون مثل ادينغتون وجينز على ان الطبيعة النهائية Ultimate Natural للكون هي طبيعة عقلية(7) ، وفي هذا يقول ادينغتون : " ان مادة العالم هي مادة عقلية " ويردف" ان المادة العقلية ليست منتشرة عبر المكان والزمان ، بل ان المكان والزمان جزء من المخطط الدوري الذي هو في نهاية المطاف مشتثق من المادة العقلية نفسها " . أما جينز فيذهب مسافة ابعد ، ويعتبر العالم كله طبيعة عقلية كاملة ، بل يجعله فكرة في ذهن الله(8).
وأحدث النظريات التي طرحها عدد من كبار العلماء في مطلع السبعينات ونشرت خطوطها العريضة مجلة العلم والحياة الفرنسية(9) ، تقول بالمقابل او المعادل اللامادي للتراكيب المادية في البنية السديمية والذريةعلى السواء وانه ما من الكترون ، اوبروتون ، اونيوترون ، اوجسم كوني كذلك ، الا وتتواجد قبالته معادلاته اللا مادية .
ومعنى هذا ان اكثر النظريات الفيزيائية حداثة تقدم تأكيداً أشد على تهافت المادية ، وتشير بلسان العلم المختبري ومعادلاته الرياضية المركبة الى التواجد الروحي في
قلب الكون ، وفي صميم الذرة . وأننا لنقف هنا خاشعين امام واحدة من جوانب
الاعجاز القرآني ، تلك المجموعة الكريمة التي تحدثنا عن (تسبيح) الكون والذرات للخالق العظيم:
{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(10).
{ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }(11).
{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ }(12).
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }(13)
{ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(14)
{ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ .... }(15)
{ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ }(16).
{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ و الْآصَالِ }(17).
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُوا ظِلاَلُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ(48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}(18)
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ... }(19)
{ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ }(20).
{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ }(21).
{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }(22).(/4)
ان (التسبيح) او (السجود) ها هنا لايقتصر على كون الذرات والأجسام الفضائية تخضع للنواميس التي وضعها الله فيها ، فهي بهذا تسبح الله سبحانه وتسجد لأرادته . فقد يكون هنالك ما هو ابعد من هذا واقرب الى مفهوم التسبيح الحر والتقديس الواعي ، ان هذه الموجودات تمارس تسبيحها وتقديسها بالروح ، وربما بالوعي الذي لا نستطيع استيعاب ماهيته، وان هذا ليقودنا ثانية الى مقولة أدينغتون : " ان مادة العالم هي مادة عقلية " ، كما يقودنا الى الآية الكريمة : { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } !!.
حقاً ! ان ادراك الطرائق التي تعمل بها الذرات والاجسام لمما يصعب تحقيقه .. ومهما تقدم العلم وخطا خطواته العملاقة فسيظل جانب من اكثر جوانب التركيب المادي بعيداً عن التكشف النهائي ، مستعصيا على البوح بالسر المكنون .
ومهما يكن من أمر ، فهاهو العلم الحديث ، في كشوفاته الاخيرة يؤكد على الحقائق الاساسية التالية:
ليس بمقدور العلم التوصل الى الحقائق النهائية .. ليس بمقدور العلم الحديث ان ينفي الدين او أيا من الخبرات الانسانية اللامادية الأكبر حجماً منه .. ما يجهله ليس اقل حقيقية من معطيات العلم نفسه !!
يؤكد بالمقابل اهمية التجرية الدينية وضرورتها للحياة البشرية ، ويكشف العلم عن البطانة الروحية للعالم فيلتقي ثانية مع الدين ..
ان الكشوف العلمية الحديثة جاءت ، كما يقول سوليفان: " لكي تقطع الطريق على تلك المناقشات التي قامت لتثبت ان أياً من التفسيرات (الدينية) ماهو الامجرد وهم . لقد فعلت هذا عندما اظهرت ان العلم لا يعالج الا ناحية جزئية من الحقيقة ، وانه لايوجد ادنى سبب يبرر الافتراض بان كل ما يجهله العلم ، او يتجاهله هو اقل حقيقة مما يعرفه .. "(23).
ثمة تساؤل يفرض نفسه هنا: اذا كانت آيات القرآن ومقاطعه تتضمن حقائق ومسلمات مطلقة لايأتيها الباطل من بين يديها ولامن من خلفها ، بينما تضل معطيات العلم أسيرة نسبيتها وتغيرها وقلقها وتحولها ، فكيف يلتقي المطلق بالنسبي ، والكلي بالجزئي ، والشامل بالمحدود ؟ وهل يصح ان نفسر بعض آيات القرآن على ضوء نظرية اوكشف علمي قد يتعرضان في اية لحظة للتشكيك والنقض ؟ ألا يقود هذا الى نوع من التشكك والتناقض يمتد الى صميم المعطيات القرآنية نفسها ؟.
سيقودنا الجواب الى استقراء القرآن نفسه لتفحص الابعاد الاربعة التي تناول من خلالها مسألة العلم هذه كما رأينا ، والتي تشكل موضوع هذا البحث الموجز ، وسنضطر ، بين الحين والحين ، الى اعتماد مقاطع وفقرات سبق وان التقى بها القاريء في كتب اخرى ، وبخاصة (التفسير الاسلامي للتأريخ) ، لانها اذ وردت هناك متفرقة لخدمة سياقات منهجية اخرى .. فانها تأتي هاهنا كضرورة لأستكمال الصورة عن الموضوع الذي بين ايدينا ، كما سنضطر احياناً اخرى الى مجرد الاحالة تجاوزاً للتكرار ..
اهداف العلم والمباديء الاسلامية الأساسية
تعنى فلسفة العلم بتفحص وتحليل الاهداف التي يسعى لتحقيقها وطبيعة ارتباطاتها بأنشطة الانسان الحضارية من جهة وبرؤيته للكون والحياة والعالم من جهة اخرى .
وعلى ذلك يبدو البحث العلمي ، ومناهجه التجريبية في الكشف والتطبيق (ضرورة) من ضرورات الحياة الاسلامية ، وليست مسألة (كمالية) او امراً ثانويا .
ذلك انها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنشاط الجماعة المسلمة وبطبيعة مهمتها في العالم وبعقيدتها الشاملة عن الكون والحياة والعالم والانسان .
ونستطيع –ها هنا- ان نضع بين ايدينا على عدد من المباديء الأساسية في الحياة والرؤية الاسلامية ، تحتم اعتماد طرائق العلم ومناهجه ، والافادة من السنن والنواميس التي تكشف عنها الحقائق التي تصل اليها والتطبيقات التي تتمخض عن هذا وذاك .
تحتمها لأنها تسهم اسهاما اكيداً في (تعزيز) هذه المباديء وتأكيد عناصر تلك الرؤية الشاملة ، وتساعد على السير بها صوب مزيد من التنفيذ في ارض الواقع والتحقق في مجرى الفعل الحضاري .
(مبدأ الأستخلاف)
ومبدأ (الأستخلاف) الذي يطرحه الأسلام في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام هو واحد من هذه المباديء التي يرفدها العلم ويمكن لها في الأرض .
ان الانسان المسلم مستخلف في العالم ، بُعث لتطويره واعماره وتذليل صعابه والاستجابة لتحدياته من اجل تسوية ارضيته كي تكون اكثر ملائمة لحياة مطمئنة تعلو على الضرورات ، بعدان تتحرر منها ، وتكون اكثر قدرة على التوجه الى فوق .. الى خالقها جل وعلا ، دون ان تنكس رؤوسها أو تحني ظهورها ثقل الجاذبية وضرورات الوحل والطين .
ان مسألة الاستخلاف في الأرض تتكرر اكثر من مرة في القرآن الكريم:
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا }(24)(/5)
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }(25) ، { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(26) ، { قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }(27) ، { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}(28) ،{ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }(29) ،{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ }(30).
ومسألة الاستخلاف تبدو خلال هذه الآيات مرتبطة بالخيط الطويل العادل من طرفيه: العمل والابداع ومجانبة الافساد في الارض ، وتلقي القيم والتعاليم والشرائع عن الله والالتزام الجاد بها خلال ممارسة الجهد البشري في العالم ، والعلاقة بين هذين الطرفين علاقة اساسية متبادلة بحيث ان افتقاد اي منهما سيؤول الى الخراب والضياع في الدنيا والآخرة ، ويقود الى عملية أستبدال للجماعة البشرية بغيرها ممن تقدر على الامساك بالخيط من طرفيه :العمل والجهد والأبداع ، والتلقي الدائم عن الله لضبط وتوجيه هذا العمل وألأبداع في مسالكه الصحيحة التي تجعل الأنسان يقف دائماً بمواجهة خالقه كخليقة مفوض عنه لأعمار العالم
{ قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }(31).
ويبلغ من تأكيد القرآن على العمل والجهد البشري لأعمار العالم ، على عين الله وتوجيهه ، ان ترد اللفظة بتصريفاتها المختلفة ، فيما يزيد على الثلاثمائة والخمسين
موضعاً ، وهي كلها تشير - سلباً او ايجاباً - الى ان المحور الأساسي لوجود الأنسان - فرداً و جماعة - على الأرض هو العمل الذي يتخذ مقياساً عادلاً لتحديد المصير في الدنيا والآخرة ، وهو موقف ينسجم تماماً مع فكرتي (الأستخلاف) و (الأستعمار) الأرضي .. إن القرآن الكريم يحدثنا ان مسألة خلق الموت والحياة اساساً انما جاءت لأبتلاء بني آدم ،
ايهم احسن عملاً : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }(32) ، كما يحدثنا في سورة العصر أن موقف الانسان من العالم سيؤول الى الخسران بمجرد افتقاد شرطيه الأساسيين (الأيمان والعمل الصالح) ، ويصدر امره الحاسم الى الأمة المسلمة ان تلتزم دورها الايجابي في قلب العالم { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ }(33). وفي مكان آخر يصف (هذه الأمة بأنها { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُون بِاللَّهِ }(34).
وفي مقابل هذا يندد القرآن بكل نشاط او عمل خاطيء من شأنه ان يؤول الى الفساد في الأرض والى هدم وتدمير المكتسبات التي يصنعها العمل الصالح بالصبر والدأب والمثابرة.. وهو من موقفه هذا يسعى الى حماية منجزات الانسان الحضارية ، ووقف كل مايعوق مسيرتها ونموها ، وملاحقة اية محاولة لأنزال الدمار بها من الداخل تحت اي شعار كانت .. وهذا واضح بيّن في اكثر من آية :{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ(/6)
إِصْلَاحِهَا }(35)، { قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ }(36)، إن القرآن يرفض في نظرته للمسألة الحضارية أشد مايرفض ، موقف التجزئة والفصل وإقامة الجدران بين مساحات التجربة البشرية ، ويرى فيها وحدة حيوية تسري فيها روح واحدة وتجري فيها دماء واحدة .. وأن تجزئتها وعزل بعض جوانبها ، خلال العمل ، عن بعضها ، ليس خطأ فحسب ، لكنه مسالة تكاد تكون مستحيلة ، إذا ما أردنا - مسبقاً - أن نصل الى نتائج صحيحة .
ومهما يكن من أمر ، فان (تنفيذ) مهام (الخلافة) ، ومنحها الضمانات الكافية ، وإعانتها على تحقيق اهدافها في التقدم الدائم ، لن يتأتى بدون اعتماد طرائق البحث العلمي ومناهجه للكشف عن سنن العالم والطبيعة ونواميس الكون من اجل الافادة من طاقاتهما المذخورة وتحقيق قدر اكبر من الوفاق بين الانسان وبين محيطه .
وبدون هذا ، فإن مبدأ الأستخلاف لن يكون بأكثر من نظرية أو عقيدة تسبح في الفراغ .
(مبدأ التوازن)
وثمة ذلك المبدأ الاساس من مباديء الحياة الأسلامية والفكر الأسلامي : التوازن ين الحاجات الروحية والمادية .
إن مسألة التوازن عميقة في نسيج القرآن بحيث أننا نراها تأخذ اكثر من اتجاه ، وتتلبس بأكثر من شكل .. ان احدى الآيات تتحدث عن (الزينة) آمرة بني آدم ان يمارسوها ، وأين ؟ عند كل مسجد حيث يؤدي الانسان غاية تجربته في التجرد والأنسلاخ عن زخرف الحياة الدنيا { يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } تعقب ذلك دعوة صريحة أيضاً إلى الأكل والشرب شرط ألا يبلغ ذلك حد الأسراف { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }(37)، ثم ما تلبث التي تليها ان تتساءل بصيغة استنكارية واضحة { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }(38).(/7)
إن المحرم والمرفوض في الأسلام هو الفاحشة ، أياً كان مصدرها ، الجسد ام الروح ، وليس ثم رفض او تحريم او احتقار ابتداء إلى الجسد بما انه جسد ، والى غرائزه وحاجاته بما انها غرائز وحاجات تقف في طريق الروح !! اننا نقرأ في الآية التي تلي ذلك - وهذا الأرتباط بين الآيات الثلاث يحمل مغزاه الواضح - نقرأ { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }(39)، وما أكثر الايات التي تستنكر على بعض اتباع الديانات المحرفة السابقة تحريمهم الكثير من الطيبات التي أحلها الله ، وماأكثر الآيات التي تدعو الأنسان الى استغلال الطيبات دون إفراط أو تفريط .. وإلا لم كان خلق الله سبحانه لها ، وتفجير خيراتها وتنويعها في انحاء الارض ؟ : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ }(40)، { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا }(41) { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء }(42)، { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ }(43) ... ان الآيتين الاخيرتين تضعان التحريم الاعتباطي جنبا الى جنب مع الشرك بالله ، وتنعى على اولئك الذين يمارسون هذا التحريف بشأن الحقائق الكونية وبحق انفسهم على السواء ، قائلين ان هذا قدر لامفر لهم منه .. ان كبت الغرائز هو تزوير للموقف الانساني في الارض ، والشرك بالله هو اخطر تزوير ، ومن ثم كانت الممارسة البشرية التي تعتمد التزوير مرفوضة في القرآن مهما صغر حجمها أو كبر ..اكثر من هذا ، اننا نجد في الآية التي تقول { فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ }(44)، ان كبت بعض جوانب الغريزة ، او الحد من اشباعها القائم على ضرورة التنويع يجيء بمثابة (عقاب) وليس -كما قد يتصور البعض - قاعدة من قواعد الدين .. على العكس ، ان احدى كبريات البداهات الدينية التي نتعلمها من القرآن الكريم ، ان الحلال هو القاعدة العريضة في ميادين الاشباع الغريزي جميعاً : طعاما وشرابا وجنسا وان التحريم مسألة (استثنائية) محدودة المساحة ، ضيقتها ، حتى ان القرآن ليعتبر توسيعها بشكل اعتباطي كفرا وافتراءا على الله :{ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ }(45)، { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ }(46).. ويحذر المؤمنين من هذا السلوك المنحرف المعارض لطبيعة التركيب البشري الذي صاغه الله وهو أدرى به { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ }(47) { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ؟}(48).. ويبين لهم ان احدى مهام الانبياء الاساسية ، ان يجيئوا دائماً لكي يعيدوا الامور الى نصابها ويقفوا بمواجهة التزوير .. وهنا في مجال التجربة الغريزية , يجيئون لكي يفتحوا الطريق العريض امام متطلباتها مرة اخرى لكي يمضي الانسان المؤمن الى اهدافه الروحية دون ان تعيقه الضرورات :{ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ }(49)، { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ }(50).. وثمة نداء يطرحه القرآن لبني آدم في مواضع كثيرة :{ كُلُوا مِمَّا
فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا }(51) يقودنا الى بديهة اخرى وهي ان الله سبحانه ما دام قد سخر لنا الارض بما ينسجم ودورنا في العالم فانه لمن التناقض الفاضح ، المرفوض في الاسلام
قطعا ، ان يركب الانسان - من قبل الله - تركيبا معينا ، وان تسخر الارض - بارادة الله - لتلبية متطلبات هذا التركيب ، ثم تجيء الاديان - من عند الله ايضا - لكي تنصب الحواجز وتنصب الاسلاك الشائكة ، بين مطالب التركيب الادمي ، وبيين خيرات الارض ومنافعها المسخرة ..
وما دام الامر كذلك .. مادام انه لاحياة اسلامية بمعنى الكلمة ان لم يتحقق ذلك التوازن العادل بين طرفي التكوين الانساني ، بل في نسيج التكوين الانساني ، بشكل ادق ، ومادام قد اريد للتجربة الاسلامية ان تتحرك على ارض الواقع وتصوغ انسانا متوازنا قديرا على الفعل والتغيير والحركة ، غير متأزم او جانح او مكبوت .. فانه لابد من طرائق العلم وحقائقه وتطبيقاته لتنفيذ هذه (الرؤية) التعادلية التي لا نجدها في اي مذهب او عقيدة اخرى في العالم بهذا القدر من التخطيط والشمولية والالتزام ..!!
(مبدأ التسخير)(/8)
ومبدا (التسخير) الذي هو ملمح اساسي من ملامح الرؤية الأسلامية للكون والعالم والحياة والأنسان ، يحتم ولا ريب اعتماد العلم لتحويله الى ارض الواقع والتحقق بعطائه الكريم ..
ان العالم والطبيعة ، وفق النظرة الاسلامية ، قد سخرا للأنسان تسخيرا ، وان الله سبحانه قد حدد ابعادهما وقوانينهما ونظمهما واحجامهما بما يتلائم والمهمة الاساسية لخلافة الانسان في العالم وقدرته على التعامل مع الطبيعة تعاملا ايجابيا فاعلاً .
ان هنالك آيات ومقاطع قرآنية عديدة تحدثنا عن هذا التسخير للعالم والطبيعة لخدمة الدور الذي انيط بألأنسان في الارض ، وهي تمنحنا التصور الايجابي لدور الانسان الحضاري ينأى كلية عن التصورات السلبية لعديد من التفاسير الوضعية التي جردت الانسان من كثير من قدراته الفاعلة وحريته في حواره مع كتلة العالم ، وتطرف بعضها فأخضعه اخضاعا كاملا لمشيئة هذه الكتلة وارادة قوانينها الداينمية الخاصة التي تجيء بمثابة امر لاراد له ، وليس بمقدور الانسان الا ان يخضع ويساير ويتقبل هذا الذي تامر به .. ان الانجاز الحضاري ، في منظور هذه المذاهب يجيء وكأن الانسان جزء او مساحة من مكوناته فحسب، وانه ليس امامه الا ان يتشكل وفق مقتضيات مسيرة اكبر حجما من ارادته وأوسع مدى من قدراته ومطامحه ونزوعاته الذاتية والجماعية على السواء ..
اننا نشهد عبر معطيات القرآن الكريم صيغة اخرى للعلاقة بين الانسان والعالم تختلف من اساسها .. صيغة السيد الفاعل المريد الذي سخرت وأخضعت له مسبقا كتلة العالم والطبيعة لتلبية متطلبات خلافته في الارض واعماره للعالم على عين الله { وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ }(52)، { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا
طَرِيًّا }(53) { وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْأَنهَارَ(32)وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}(54)، { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي
بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ }(55)، { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}(56)، { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}(57).
والتسخير يقودنا الى الحديث عن الموقف (الوسطي) الذي اعتمده الأسلام ازاء الطبيعة ومقارنته بمواقف الغربيين المتطرفة المتشنجة ازاءها ...
لقد تأرحج موقفهم من الطبيعة بين النقيضين ، بلغ التطرف صوب الطرف الخاطيء في كل منهما حدوده القصوى .. فهم بين خوف من الطبيعة وتعبد لها واستسلام لضغوطها وتحدياتها ، وبين حقد عليها وتحقير لها وخصام معها ..
ان تأريخ الحضارالت الاوربية ليشهد بهذه النقلة من اقصى اليمين الى اقصى الشمال .. ان الميثولوجيا اليونانية كانت تعج بالآلهة التي اشتقت من عناصر الطبيعة ونحتت من مكوناتها وعبدت من دون الله الواحد . ونحن نقرا - على سبيل المثال - في المجلد الثاني من كتاب (تأريخ العالم) الذي نشره السير جون . ا . هامرتون هذه الفقرات من بحث (ديانة اليونانيين) للدكتور لويس فارنل : " حيثما وجهنا الطرف ، وبالغا مابلغ بصرنا بعصر ما قبل المسيح نجد ان الرجل اليوناني على شيء من شعور الاحترام للشمس والقمر وللرياح المختلفة، بل لعل عددا قليلا من هيئات المجتمع كان يعبد نجما بعينه كالشعرى اليمانية مثلا ، وكانوا جميعا ميالين من سويداء قلوبهم لعبادة الانهار .. وشعور اليونانيين هذا يبين لنا جلى بيان مراحل الادراك الديني المختلفة ، تلك المراحل التي يمكن ان نميز بينها فنجعلها مراحل سفلى ومراحل عليا .
وربما اظهرتنا عبارة هسيود التي ينصح بها الغريب اذا ما كان يجتاز مخاضة خطرة ان يركع ويبتهل (في الماء المقدس) ، على المرحلة الاولى من مراحل هذا الشعور فهذا هو الذي كانوا يطلقون عليه (حيوية المادة) اي الشعور بان الماء نفسه هو كائن ذو ادراك ، كائن حي والهي من بعض الوجوه . وفي هذه المرحلة كانوا اذا تقربوا الى الماء بالقرابين لم يروا خيرا من القذف فيه بالحيوان ، ثورا كان ام حصانا ، وهو على قيد الحياة ، ليستخلص العنصر الشعوري على النحو الذي يراه .(/9)
وعندما اصبح خيالهم اكثر تحديدا كان يستطيع تصور الروح ثاوية في الماء ، نافذة فيه مسيطرة عليه ، وربما جعل هذا الخيال لتلك الظاهرة ، او هذا الكائن المبهم ، شخصية لاتزال تكبر ثم تكبر حتى تبرز منها آخر الامر شخصية اله من آلهة الانهار له صفات بشرية تختلف قلة وكثرة . فهذه هي حيوية عقيدة المادة التي تحور فتكون عقيدة بوجود اله ذي ذات، ثم يستطيع اله النهر حينما يبلغ هذه المرتبة ان يترك عنصره المائي فيأتي الى مذبح مقام على شاطئه ينسل ذراري بشرية ويدخل في حياة الناس السياسية . ونجد صدى هذه الطرق المختلفة في تخيل آله الانهار وعبادتها في اقدم منظومات الشعر اليوناني " ونقرأ في البحث المذكور " وبأمعان النظر في عبادات الطبيعة المسجلة في الآثار الفنية والادبية تدهشنا حقيقة ذات اهمية عظيمة تشير الى اتحاد معين في ادراك القوة الالهية التي تلوح من تباين الاشخاص تباينا متعدد الصفات ونعني بذلك ان هذا الاله (الآري) الاولي زيوس رب السماء ، لم يكن يقتصر سلطانه وافعاله على السماء وحدها بل كان يشمل ايضا الارض بصفته رباً للأشجار والنباتات .. وكان لزيوس سلطان حتى على البحر واعماقه ... " كما نقرا : " كان الموقد يعتبر بهذه المكانة من التقديس والسمو ، ربما يسبب هذا الشعور البدائي فيما يتعلق بعنصر النار السحري .. ولهذا وجب ان تلقى بضع صغيرة من القربان المخصص للآلهة العليا ، في الموقد بوصفه القوة المركزية الاصيلة للعائلة التي تعيش تحت سقف بيت واحد ، وحينئذ يعمل دافع التجسيد على هذا الاساس فيبدع ربة جميلة عذراء .. " .
واليوم نشهد موقفا نقيضا : ان الغربيين يدعون انهم يرفضون الانحناء للطبيعة ويتمردون عليها ويعدون العدة لغزوها والاجهاز عليها .. نقرأ هذا في صحفهم ومجلاتهم ، كما نقرأه في كتبهم وابحاثهم .. نستمع اليه في اذاعاتهم ونشهده على شاشات تلفازاتهم والموقف اوضح من ان يوثق بنص او شهادة ..
من اله يعبد ويتقرب اليه بالضحايا الى شيطان رجيم يقذف بالحجارة ... أليس ثمة موقف وسط اكثر اقناعا من هذا وذاك ؟
نعم ... انه موقف الاسلام ..
ان الطبيعة في المنظور الاسلامي ليست - كما رأينا - قوة فوقية قاهرة
لا حيلة للأنسان ازاءها الا ان يتعبدها ويسجد لحيثياتها .. ولا هي خصم عنيد يتوجب غزوه وأذلاله .. فبعيدا عن غثاء التطرف وضبابه وزبده وتشنجه .. يمكن ان تبرز الطبيعة بصيغة تختلف تماما .. لا هي بالقوة القهرية ولا بالخصم اللدود .. انها - باختصار - الارضية التي سخرت للأنسان من اجل ان يتحرك الانسان ويبني ويعمر وينشيء ويطور وهو يتقدم
صوب عالم سعيد تتحقق فيه اقصى درجات الفهم والتعاطف والتناغم والوفاق بين الانسان والطبيعة ...
انها علاقة الالفة والصداقة والمحبة والتفاهم والوئام وليست علاقة القسر والارهاب والتحكم والبغضاء والغزو والتنافس والصراع ..
انها علاقة وظيفية هدفها تحقيق اكبر قدر من الكشف عن امكانات الطبيعة وتسخيرها من اجل خدمة دور الانسان في الارض ، وتحرره من الضرورات ، كي يفرغ اكثر للتوجه الى الله سبحانه وتعالى ..
ونحن نمارس وظائفنا مكرهين احيانا ، فلانبدع ولانضيف ، ولكننا نمارسها احيانا اخرى برغبة وانسجام فتكون الاضافة والابداع ..
ولقد ارادها الاسلام علاقة من هذا النوع : الالفة والمحبة والود والتفاهم كيلا ننفر من الطبيعة او تنفر منا وكي تتحقق اقصى درجات التكشف والعطاء ..
إن (التسخير) هو البديل الذي يطرحه القرآن الكريم بصدد الموقف من الطبيعة بدلا من (التعبد) او (الغزو) الذي تطرحه المواقف الاخرى ..
وابتداءا من الرؤية الجمالية للطبيعة وانتهاء باستخدامها للتحقق بالكشف العلمي والتطوير العملي ، نجد الاسلام يؤكد صداقته للطبيعة وتفاهمه معها ..
وكثيرة هي آيات القرآن الكريم ومقاطعه وسوره ، تلك التي ترفد هذا المعنى .. ومن منا لم يلفت انتباهه هذا القسم الذي يكرره كتاب الله بموجودات الطبيعة وافراد عائلتها المنبثين في ارجاء السماء الكبيرة {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ(16)وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ(17)وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ(18)لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ(19) } { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ(2)النَّجْمُ الثَّاقِبُ(3) } ، { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ(77) } { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ(7) } { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1)وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا(2)وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا(3)}، { وَالضُّحَى(1)وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2)مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3) }،{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3)إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4) }(/10)
{ وَالْفَجْرِ(1)وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2)وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3)وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ(4)هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ(5)}..
وكثيرة ايضا مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم المتعاطفة مع الطبيعة المحبة
لها ، المتعشفة لجمالها ، الودودة لعطائها الكريم .. انه يقول وهو يرنو الى شجيرة جميلة في قلب الصحراء (ليتني كنت شجرة تعضد) ويقول مشيرا الى أحد (أحد جبل يحبنا ونحبه) !
انها المحبة اذن .. محبة الانسان للبيئة التي تحتضنه وترضعه وتقدم له الكثير وهو - بدوره - يعتز بها ويحنو عليها كما يحنو الانسان على امه ، وهي تدلف الى الشيخوخة بعد اذ قدمت له نسغ الحياة ومكنته من الوقوف على قدميه .
ان المحبة والتناغم والوئام شيء آخر تماماً لم يذق طعمه الغربيون الذين تدفعهم نزعتهم العلمية الذرائعية (البراغماتية) الى تحديد مواقفهم من القوى والاشياء على ضوء مصلحتهم الصرفة .. فيوم كانت الطبيعة تخيفهم ولا يقدرون عليها كانوا يتملقونها ويتمسحون بها معتقدين ان عبادتها بهذه الصيغة التي لاتتضمن اي قدر من الود والمحبة ستدفع بها الى تنفيذ مطالبهم ، او ستخلصهم على الاقل من غضبها وسطوتها وويلاتها ..
ويوم وقف العالم على قدميه ، وفك الكثير من رموز الطبيعة وخفاياها واسرارها وتمكن من تسنم بعض جبالها ووهادها وسماواتها انتفخ الغربي وصعر خده للسماوات والهضاب والجبال واقسم ان ليغزونها ويذلنها .. ومن ثم بدأ مسلسل الصراع بين (الغربي) والطبيعة دون ان يحمل اي قدر من النبل او المحبة او السماحة .. انهم مستعدون الآن ان يبتكروا اشد انماط الاسلحة تخريبا وفتكا وتدميرا ، وهم مستعدون - كذلك - لاستخدام
هذه الاسلحة في مواجهة الطبيعة نفسها لقتل جمالها وتناسقها ، ولتدمير ملامح الحياة والتجدد فيها .
لقد كشفت لهم عن طاقاتها ، ومنحتهم الكثير فماقدموا لها الشكر الذي تستحقه ولارعوها حق رعايتها .. وجازوها ، كخصوم محاربين بالرفض والعقوق والكفران ..
قد يقول قائل : ان المهم هو النتائج العلمية والتطبيقية التي تتمخض عنها عمليات الكشف في ميدان الطبيعة ، مهما كانت سمة تلك العمليات .. صراعا وغزوا ام تقربا وتعاونا وكشفاً ..
لكنه قول مردود .. لأن (العلم) ليس هدفا بذاته وانما هو وسيلة لقيام عالم سعيد ، متناسق جميل ، والطبيعة كانت وستظل جزءا مهما من هذا العالم .. وفرق كبير بين أن تكون الحضارة البشرية في وفاق مع الطبيعة وبين ان تعلن الحرب عليها وتكون في خصام معها .. هذا الى ان غزو الطبيعة قد يحمل معه جراثيم موقف لا أخلاقي يتذرع بالقوة وحدها لتحقيق مزيد من القوة من اجل سيطرة اكثر على مقدرات الانسان والعالم ، بغض النظر عن طبيعة هذه (القوة) وشروط استخدامها .. بغض النظر عن اية قيمة خلقية او ضابط انساني في ضبطها والتعامل معها ..
ان اضفاء صفة القدسية على الطبيعة والتهيب من اقتحام اسرارها لا يصنع تقدما ولا ينشيء حضارة ..
وان تعرية الطبيعة من كل قيمة جمالية او خلقية لايصنع تقدما ولاينشء حضارة ... قد يتقدم بالمدنية خطوات الى الامام ... اما التحضر بمفهومه الشامل ... فلا ...
وقد جاء الاسلام لكي يطرح طريقا وسطا .. فيعلن للبشرية مبدأ تسخير الطبيعة لخدمة الاهداف الانسانية ، ولكنه - في الوقت نفسه - يضبط صيغ التعامل بين الطرفين بقيم ومباديء واعراف تحقق اقصى درجات التكشف والابداع .. وتتنشيء اكثر الصيغ الحضارية ملائمة لطموح الانسان واخلاقيته ومكانته في الكون ..
ومرة اخرى .. فانه بدون اعتماد قدرات العلم منهجا وحقائق وتطبيقا فلن يكون بمقدور اية جماعة اسلامية ان تنفذ مبدأ التسخير وان تحوله الى فعل تأريخي متحقق ..
( مبدأ الأرتباط المحتوم بين الخلق والخالق )
تبقى -أخيراً - ضرورة اعتماد العلم للتحقق من واحد من اهم المباديء في المنظور الاسلامي والديني عموما .. وهو الارتباط المحتوم بين نظام الخلق المعجز ووجود الخالق سبحانه .. ان العلم هو الاداة التي تكشف عن هذا الارتباط ، وتضيئه ، وتزيده ايضاحا .. ولقد كتب الكثيرون عن معجزة الخلق ، وقطع حشود من العلماء اعمارهم بحثا وتنقيبا
لكي ما يلبثوا ان ينتهوا الى احدى المسلمات الكبرى في تأريخ العلم : انه لابد للخلق من(/11)
خالق .. مسألة محتومة لاتقبل لجاجة ولاأنكارا .. ان الخلق مادام على هذه الدرجة من النظام والضبط والدقة والتوافق والحركة المرسومة والهدف المقصود والارتباطات الهادفة .. فانه لابد ان يكون صدورا عن ارادة فوقية قادرة مدبرة .. انها مسألة محسومة برياضيات العلم ومعادلاته .. والشواهد كثيرة ، والنتائج التي يتمخض عنها السعي العلمي الجاد لاتعد ولاتحصى . وسوف يكون من قبيل التكرار لو أقتبسنا هنا نصوصا للنتائج والشهادات والاقوال .. والمجال - فضلا عن ذلك - لايتسع - ، ويكفي ان يرجع القاريء الى ابحاث من مثل (الله يتجلى في عصر العلم) لحشد من العلماء و(العلم يدعو للأيمان) لكريسي موريسون ، و(القرآن والعلم الحديث) و (الله والعلم الحديث) لعبد الرزاق نوفل ، و(قصة الايمان بين الفلسفة والعلم والدين) للشيخ نديم الجسر ، و(الاسلام يتحدى) لوحيد الدين خان
و(دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة) لموريس بوكاي .. وغيرها لكي يجد الكثير الكثير ..
ومع ذلك فسوف نعرض لعدد من النتائج والشواهد التي يمكن ان تكون مجرد نماذج لمئات ، لا بل ألوف ، غيرها في هذا السياق ..
إن ا . كريسي موريسون ، الرئيس السابق لأكاديمية العلم بنيويورك ، ورئيس المعهد الامريكي لمدينة نيويورك ، وعضو المجلس التنفيذي لمجلس البحوث القومي بالولايات المتحدة ، والزميل في المتحف الامريكي للتأريخ الطبيعي ، والعضو مدى الحياة للمعهد الملكي البريطاني ، يركز نتائجه في هذا الميدان عبر كتابه الشهير Man Does Not Stand Alone المترجم الى العربية بعنوان (العلم يدعوا للأيمان) (58).. ونقرا في صفحاته عبارات كهذه : " ان الانسان ليكسب مزيدا لاحد له من التقدم الحسابي في كل وحدة للعلم . غير ان تحطيم ذرة التون - التي كانت تعد اصغر قالب في بناء الكون - الى مجموعة نجوم مكونة من جرم مذنب والكترونات طائرة ، قد فتح مجالا لتبديل فكرتنا عن الكون والحقيقة تبديلا جوهريا . ولم يعد التناسق الميت للذرات الجامدة يربط تصورنا بما هو مادي . وان المعارف الجديدة التي كشف عنها العلم لتدع مجالا لوجود مدبر جبار ، وراء ظواهر الطبيعة . وهذا ضوء يلقى على الخفاء الوسيع الذي يحيط الآن بما هو غير معروف لنا ظاهريا ، وقد يقودنا هذا الضوء الى الاعتراف بوجود عقل عام اسمى ، اي الى وجود الخالق(59).
" لقد جاء نظامنا الشمسي من خليط مضطرب للعناصر التي انفصلت عن الشمس عند درجة حرارة قدرها 000, 412 ، وتبعثرت في فضاء غير محدود ، بعنف لا يتصوره العقل . وقد أحل النظام محل الفوضى بدقة تجعلنا نستطيع ان نقدر بـ (الثانية) المكان الذي سيحتله اي جزء . وبلغ التوازن من الكمال الى حد انه لم يعتوره اي تغيير في مدى بليون سنة وانه يدل على الدوام الى الابد . كل ذلك بحكم قانون . وبهذا القانون يتكرر هذا النظام الذي نراه في النظام الشمسي في نواح اخرى "(60).
" ان الهواء سميك بالقدر اللازم بالضبط لمرور الاشعة ذات التأثير الكيميوي التي يحتاج اليها الزرع والتي تقتل الجراثيم وتنتج الفيتامينات ، دون ان تضر بالانسان ، إلا اذا عرض نفسه لها مدة اطول من اللازم . وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الارض طول الدهور ، ومعظمها سام ، فان الهواء باق دون تلوث في الواقع ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الانسان وعجلة الموازنة العظيم هي تلك الكتلة الفسيحة من الماء ، اي المحيط الذي استمدت منه الحياة والغذاء والمطر والمناخ المعتدل والنباتات ،
واخيرا الانسان نفسه . فدع الذي يدرك ذلك يقف في روعة امام عظمته ، ويقر بواجباته شاكراً ! "(61).
" ان الاوكسجين والهيدروجين وثاني اوكسيد الكاربون والكاربون - سواء اكانت منعزلة ام على علاقاتها المختلفة بعضها مع بعض - هي العناصر البيولوجية الرئيسية . وهي عين الاساس الذي تقوم عليه الحياة . غير انه لاتوجد مصادفة من بين عدة ملايين ، تقضي بان تكون كلها في وقت واحد وفي كوكب سيار واحد ، بتلك النسب الصحيحة اللازمة للحياة ! وليس لدى العلم ايضاح لهذه الحقائق . اما القول بان ذلك نتيجة المصادفة فهو قول يتحدى العلوم الرياضية "(62).
" ان مئات الآلاف من الخلايا تبدو كانها مدفوعة لأن تفعل الشيء الصواب في الوقت الصواب وفي المكان االصواب ، والحق انها طائعة ! والحياة تدفع الى الامام ، بانية مصلحة متوسعة ، وخالقة ما هو حديث وما هو افضل ، بنشاط لايفتر ولامثيل له في الاشياء الجامدة. فهل هذا ناشيء عن ادراك ؟ ام عن غريزة ؟ ام انه امر يحدث فحسب ؟ يمكنك ان تجيب عن ذلك بنفسك بيد انك قد تقول الآن ان كل ماورد بهذا الفصل لايفسر لنا كيف بدات الحياة اي كيف جاءت الى الارض . والكاتب لايعرف كيف ، ولكنه يؤمن بانها جاءت كتعبير عن القوة الآلهية وبأنها ليست مادية "(63).(/12)
" ونحن اذا فكرنا في الفضاء الذي لايفتأ يمتد امامنا ، وفي الزمن الذي لابداية له ولانهاية ، وفي الطاقة المفيدة والمحبوسة في الذرة ، وفي الكون الذي لاحد له بعوامله التي لاتحصى ونجومه التي لا تعد ، وفي الاهتزازات التي نسميها بالضوء والحرارة والكهرباء والمغناطيسية وفي النشاط المستمر للنجوم ، وفي الجاذبية وسيطرة القوانين الطبيعية على العالم ، اذا فكرنا في ذلك كله ، ادركنا اننا لا نعرف في الحق الا القليل فالى اي حد يجب ان يتقدم الانسان حتى يدرك تماما وجود الخالق الاعلى ، ويحاول ان يرتفع الى اعلى ما
يستطيع بلوغه من الفهم دون ان يحاول تفسير حكمة الله ومقاصده او يصف الصفات التي له تعالى ؟ "(64).
" والطبيعة اذا لم تنلها يد التشويه ، تبدو كأنها اعدت لكي تستدر أسمى الشعور في نفوسنا وتلهمنا الاعجاب بصنعة الخالق الذي وهبنا نعمة الجمال ، تلك التي لا يدركها
بكل كمالها غير الانسان والجمال هو الذي يرفع الانسان وحده إلى مرتبة يكون فيها اقرب إلى الله – ويبدو ان (الغاية) جوهرية في جميع الاشياء ، من القوانين التي تحكم الكون ، إلى تركيبات الذرة التي تدعم حياتنا واذا لم يكن للتطور من غرض سوى اعداد اساس مادي لتلقي الروح ، فان هذه غاية مدهشة في حد ذاتها . واذا كانت حقيقة الغاية مقبولة بالنسبة لكل الاشياء ، واذا آمنا بان الانسان هو اهم مظهر لتلك الغاية ، فان الاعتقاد العلمي بان جسم الانسان وجهاز مخه ماديان ، قد يكون سليما . فان الذرات والهباءات في المخلوقات الحية تفعل افعالا مدهشة ، وتبني اجهزة عجيبة ، ولكن هذه الادوات عديمة النفع ما لم يحركها العقل حركات ذات غرض فهناك اذن خالق للكون لا يرقى اليه تفسير العلم ، ولا يقدر ان ينسبه الى المادة "(65).
" لقد قال هيكل Haeckel ( اعطني هواء ومواد كيمياوية ووقتا ، وانا
اصنع انسانا) ، ولكنه اغفل وحدات الوراثة (الجينات) ، واغفل الحياة نفسها . لقد كان
عليه - لو استطاع ! - ان يجد وينظم الذرات غير المرئية ووحدات الوراثة (الجينات) ويمنحها الحياة ! وحتى في هذه الحالة كانت النتيجة ، بنسبة ملايين الى واحد ، انه كان يأتي بوحش لامثيل له . ولو لنه نجح في ذلك لقال ان الامر لم يكن مجرد مصادفة ، ولكن ثمرة عقله ! حقا ان الله يخلق معجزات باساليب تخفى على الاذهان "(66).
" والانسان اذ يتقرب من الادراك الكامل للزمن ، يقترب في الوقت نفسه من ادراك بعض قوانين الكون الابدية ، ومن معرفة الخالق سبحانه وتعالى . ومالم توجد حياة عقلية اخرى في بعض نواحي الكون فان الانسان ينفرد وحده بمعرفة الزمن . ومن سيطرته على الزمن تقرب به من شيء اعظم من المادة . فمن اين تاتي هذه القفزة العظيمة التي يقفزها الانسان بعيدا عن الفوضى ، وعن جميع تركيبات المادة وعن كل الكائنات الحية الاخرى ؟ انها لابد ان تأتي من شيء اسمى من المصادفة "(67).
" لقد رأينا ان هناك 999,999,999 فرصة ضد واحد ، ضد الاعتقاد بان جميع الامور تحدث مصادفة . والعلم لاينكر الحقائق كما بيناها : وعلماء الحساب يقرون بان هذه الارقام صحيحة "(68).
" ان اية ذرة او جزيئة لم يكن لها فكر قط ، واي اتحاد للعناصر لم يتولد عنه
راي ابداً . واي قانون طبيعي لم يستطع بناء كاتدرائية . ولكن كائنات حية معينة قد خلقت تبعا لحوافز معينة للحياة ، وهذه الكائنات تنتظم شيئا تطيعه جزيئات المادة بدورها ، ونتيجة هذا وذاك كل مانراه من عجائب العالم . فماهو هذا الكائن الحي ؟ هل هو عبارة عن ذرات او جزيئات ؟ أجل ؟ وماذا ايضاً ؟ شيء غير ملموس ، اعلى كثيرا من المادة لدرجة انه يسيطر على كل شيء ، ومختلف جدا عن كل ما هو مادي مما صنع منه العالم ، لدرجة انه لا يمكنه رؤيته ولا وزنه ولا قياسه . وهو فيما نعلم ليست له قوانين تحكمه . إن (روح الانسان هي سيدة مصيره) ، ولكنها تشعر بصلتها بالمصدر الاعلى لوجودها . وفد اوجدت للأنسان قانونا للأخلاق لا يملكه اي حيوان آخر ولايحتاج اليه ، فإذا سمى احد ذلك الكيان بانه فضلة لتكوينات المادة ، لا لشيء سوى انه لا يعرف كنهه بانبوبة الاختبار ، فهو انما يزعم زعما لا يقوم عليه برهان . انه شيء موجود ، يظهر نفسه باعماله ، وبتضحياته ، وبسيطرته على المادة ، وعلى الاخص بقدرته على رفع الانسان المادي من ضعف البشر وخطئهم الى الانسجام مع الله . هذه هي خلاصة القصد الرباني ، وفيها تفسير للأشتياق الكامن في نفس الانسان ، للأتصال بأشياء اعلى من نفسه ، وفيها كشف عن اساس حافزه الديني . هذا هو الدين "(69).
إن كتاب موريسون كله ، من الغلاف الى الغلاف ، هو في حقيقة الامر شهادة قيمة على صدق معادلة الارتباط المحتوم بين معجزة الخلق ووجود الخالق .. جل في علاه ..(/13)
وفي كتاب ( الله يتجلى في عصر العلم ) (70)، نلتقي بشهادات العديد من العلماء ، تصب جميعا في الهدف نفسه .. ولن يتسع المجال لأستعراضها واحدة واحدة ،ولكننا سنلتقي بنماذج منها فحسب ، مركزة موجزة .. والكتاب ، بعد ، مفتوح لمن يريد ان يستزيد ..
فرانك ألن : عالم الطبيعة البيولوجية - ماجستير ودكتوراه من جامعة كورنل - استاذ الطبيعة الحيوية بجامعة مانيتوبا بكندا من سنة 1904 الى سنة 1944 - اخصائي في البصريات الفسيولوجية وانتاج الهواء السائل وحائز على وسام توري الذهبي للجمعية الملكية بكندا .
" انه لابد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية ، عليم محيط بكل شيء ، قوي ليس لقدرته حدود ، ولابد ان يكون هذا الكون من صنع يديه ، ان ملائمة الارض للحياة تتخذ صورا عديدة لا يمكن تفسيرها على أساس المصادفة او العشوائية .. " ولكن البروتينات ليست الا مواد كيميوية عديمة الحياة ، ولا تدب فيها الحياة الا عندما يحل فيها ذلك السر العجيب الذي لا ندري من كنهه شيئاً . انه العقل اللانهائي ، وهو الله وحده ، الذي استطاع ان يدرك ببالغ حكمته ان مثل ذلك الجزيء البروتيني يصلح لأن يكون مستقرا للحياة فبناه وصوره واغلق عليه سر الحياة "(71).
روبرت موريس بيج : عالم الطبيعة - حاصل على دكتوراه من جامعة هاملين - كان اول من اكتشف الرادار في العالم سنة 1934 - سجل نحو 37 بحثا معظمها في
الرادار - الف كثيرا من الكتب ..
" اذا اراد الانسان ان يتثبت من صحة المعلومات الغيبية التي يخبره بها شخص
آخر ، فلابد من ان يشترك في التجربة ويتهيأ لها حتى يستطيع ان يحكم عليها ، وكذلك الحال فيما يتعلق بالايمان بالله ، فلابد ان يدرس الانسان اولا نوع العلاقات التي يمكن ان تكون بينه وبين خالقه ، وماينبغي ان تكون عليه هذه العلاقات : فاذا درس الانسان الشروط التي يلزم توافرها لقيام هذه العلاقة واتجه بقلبه وكليته نحو تحقيق هذه الشروط فانه
سوف يشاهد الحقيقة كاملة ، عندئذ يغمر الايمان قلبه ويؤثر في حياته ولايدع في نفسه مجالا للشك ، ومن ذلك يكون الله اقرب من نفسه ويصير ايمانه به يقيناً "(72).
ميريت ستانلي كونجدن : عالم طبيعي وفيلسوف - دكتوراه من جامعة بورتون - أستاذ سابق بكلية ترنيتي بفلوريدا - عضو الجمعية الامريكية الطبيعية - اخصائي في الفيزياء وعلم النفس وفلسفة العلوم والبحوث الانجيلية .
" ان جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه وتعالى ويدل على قدرته وعظمته ، وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها ، حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية فاننا لا نفعل اكثر من ملاحظة آثار ايادي الله وعظمته . ذلك هو الله الذي لا نستطيع ان نصل اليه بالوسائل العلمية المادية وحدها ، ولكننا نرى آياته في انفسنا وفي كل ذرة من ذرات هذا الوجود . وليست العلوم الا دراسة خلق الله وآثار قدرته "(73).
جون كليفلاند كوثران : من علماء الكيمياء والرياضة - دكتوراه من جامعة كورنل - رئيس قسم العلوم الطبيعية بجامعة دولث - اخصائي في في تحضير النترازول وفي تنقية التنجستين .
" قال لورد كيلفلي - وهو من علماء الطبيعة البارزين في العالم - هذه العبارة القيمة (إذا فكرت تفكيرا عميقا فان العلوم سوف تضطرك الى الاعتقاد في وجود الله) ولابد ان اعلن عن موافقتي كل الموافقة على هذه العبارة " " ان الكون المادي يسوده النظام وليس الفوضى ، وتحكمه القوانين وليس المصادفة او التخبط ، فهل يتصور عاقل او يفكر او يعتقد ان المادة المجردة من العقل والحكمة قد اوجدت نفسها بنفسها بمحض المصادفة ؟ او انها هي التي اوجدت هذا النظام وتلك القوانين ثم فرضته على نفسها ؟ لاشك ان الجواب سوف يكون سلبيا. بل ان المادة عندما تتحول الى طاقة ، او تتحول الطاقة الى مادة ، فان ذلك يتم طبقا لقوانين معينة والمادة الناتجة تخضع لنفس القوانين التي تخضع لها المادة المعروضة التي وجدت قبلها وتدلنا الكيمياء على ان بعض المواد في سبيل الزوال او الفناء .. وعلى ذلك فان المادة ليست ابدية ومعنى ذلك ايضا انها ليست ازلية ، اذ ان لها بداية ، وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على ان بداية المادة لم تكن بطيئة او تدريجية ، بل وجدت بصورة فجائية وتستطيع العلوم ان تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد . وعلى ذلك فان هذا العالم المادي لابد ان يكون مخلوقاً وهو منذ ان خلق يخضع لقوانين وسنن كونية محددة ليس لعنصر المصادفة بينها مكان .. ان التقدم الذي احرزته العلوم منذ ايام لورد كيلفن يجعلنا نؤكد بصورة لم يسبق لها مثيل ماقاله من قبل ... "(74).
ادوارد لوثر كيسيل : اخصائي في علم الحيوان والحشرات - حاصل على دكتوراه من جامعة كاليفورنيا - استاذ علم الاحياء ورئيس القسم بجامعة سان فرانسيسكو - متخصص في دراسة الحشرات والسلامندر والحشرات ذوات الجناحين .(/14)
" اضاف البحث العلمي خلال السنوات الاخيرة ادلة جديدة على وجود الله زيادة على الادلة الفلسفية التقليدية .. وانا بوصفي ممن يؤمنون بالله ارحب بهذه الادلة الجديدة لسببين فهي اولا تزيد معرفتنا بآيات بالله وضوحا . وهي ثانيا تساعد على كشف الغطاء عن اعين كثير من صرحاء الشكيين حتى يسلموا بوجود الله " لا يتسع المقام لسرد ادلة اخري لبيان الحكمة والتصميم والابداع في هذا الكون ولكنني وصلت الى كثير من هذه الادلة فيماقمت به من البحوث المحدودة حول اجنحة الحشرات وتطورها . وكلما استرسلت في دراستي للطبيعة والكون ، ازداد اقتناعي بهذه الادلة . فالعمليات والظواهر التي تهتم العلوم بدراستها ليست الا مظاهر وآيات بينات على وجود الخالق المبدع لهذا الكون . وليس التطور الا مرحلة من مراحل عملية الخلق .. ان فكرة التطور الخلقي لا يمكن ان تكون منافية للعقيدة الدينية . بل على النقيض من ذلك نجد من الحماقة والتناقض في الرأي ان يسلم الانسان بفكرة التطور ويرفض ان يسلم بحقيقة وجود الخالق الذي اوجد هذا التطور "(75).
ان البحث العلمي - على ضوء هذه الحقائق والمسلمات - يعد ضرورة من ضرورات الحياة الاسلامية ، لايقل اهمية عن العبادة نفسها ، مادام انه يمارس هذه الوظيفة الكبيرة في الكشف عن سر الكون والحياة والعالم ، ويقود الى صانع الكون والحياة والعالم وفق اشد الطرائق اقناعا .. وما دام انه يلتقي مع العبادة نفسها في التسبيح للخالق العظيم ..
المنهج
في هذا الاتجاه يطرح القرآن الكريم منهج عمل في الكشف عن سنن العالم والحياة ، ونواميس الكون ، وهو منهج شامل مرن لا يخضع لتقلبات الزمان والمكان لانه مجرد طريقة او اداة للبحث والتنقيب ، ومن ثم فانه يعلو على المتغيرات النسبية ويظل ساري المفعول في اي عصر وفي اية بيئة .
لقد دعا القرآن الناس الى التبصر بحقيقة وجودهم وارتباطاتهم الكونية عن طريق (النظر الحسي) الى ماحولهم ، ابتدءا من مواضع اقدامهم وانتهاءا بآفاق النفس والكون .. وأعطى (للحواس) مسؤوليتها الكبرى عن كل خطوة يخطوها الانسان المسلم في مجال البحث والنظر والتأمل والمعرفة والتجريب .. قال له { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }(76). وناداه ان يمعن النظر الى ما حوله .. إِلى طعامه { فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا(26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}(77) الى خلقه { فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5) }(78).. الى الملكوت
{ أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }(79) { انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ }(80){ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا }(81) الى التأريخ
{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ
قُوَّةً }(82).. { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }(83).. الى خلائق الله { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ؟ }(84).. إلى آياته المنبثة في
كل مكان { انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الْآيَاتِ }(85) .. { انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ
يَصْدِفُونَ }(86)..{ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }(87)… إلى النواميس الاجتماعية { انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }(88).. إلى الطبيعة وهي تنبعث
من قلب الفناء برحمة من الله ومقدرة { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }(89) .. إلى الثمار وهي تتدلى من غصون الاشجار { انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَيَنْعِهِ }(90).. إلى الحياة الاولى ، كيف بدأت ، وكيف نمت وأرتقت { قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ }(91).
ودعاه ان يحرك سمعه باتجاه الاصوات لكي يعرف ويميز ، فيأخذ او يرفض ، فمن الاختيار البصير ينبعث الايمان :
{ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ }(92).
{ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا(1)يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ .. }(93).
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ .. }(94).
{ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ }(95).(/15)
{ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ }(96).
{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ .. }(97).
{ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ...} (98).
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ..} (99).
{ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ ؟ }(100).
{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }(101).
{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً } (102).
{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ ؟ }(103).
{ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ }(104).
{ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا..} (105).
{ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ..} (106).
{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ .. }(107).
{ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ }(108).
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }(109).
{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ؟}(110).
{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا .. }(111).
{ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ..} (112).
{ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ }(113).
{ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ }(114).
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }(115).
{ وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا }(116).
وانتقل القرآن خطوة اخرى ، وسألهم ان يحركوا بصائرهم ، تلك التي تستقبل في كل لحظة مدركات حسية ، سمعية وبصرية ولمسية ، لاحصر لها . ومن ثم تتحمل البصيرة مسؤوليتها الاساسية في تنسيق هذه المدركات وتمحيصها وموازنتها وفرزها من اجل الوصول الى الحق الذي تقوم عليه وحدة نواميس الكون والخليقة :
{ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا }(117).
{ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ ؟ }(118).
{ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ؟ }(119).
{ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ ؟ }(120).
{ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ }(121).
{ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ }(122).
{ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ ؟ }(123).
{ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ }(124).
{ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ }(125).
{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ }(126).
{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي }(127).
{ بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }(128).
{ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ }(129).
{ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }(130).
{ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ }(131).
{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ }(132).
{ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ }(133).
{ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ؟ (3)ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } (134).
{ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ؟ }(135).
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ }(136).
{ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (137).
{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ }(138).
{ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ }(139).(/16)
ان العقل والحواس جميعا مسؤولة ، لا تنفرد احداها عن الاخريات في تحمل تبعة البحث والتمحيص والاستقراء والاختيار .. والانسان مبتلى بهذه المسؤولية لأنه من طينة اخرى غير طينة الانعام { إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا }(140).. ومن ثم تتوالى الآيات ، تؤكد مرة تلو المرة على ان السمع والبصر والفؤاد جميعا هي التي تعطي للحياة الانسانية قيمتها وتفردها ، وان الانسان (بتحريكه) هذه القوى والطاقات ، بفتحه هذه النوافذ على مصاريعها .. باستغلال قدراتها الفذة العجيبة حتى النهاية ، سيصل الى قمة انتصاره العلمي والديني على السواء ، ان هذه الانتصارات ستبوءه مركزه المسؤول سيدا على العالمين وخليفة في الارض . وانه بتجميد هذه الطاقات ، وقفل نوافذها ، وسحب الستائر والاغشية عليها ، يكون قد اختار بنفسه المنزلة الدنيا التي ماأرادها الله له يوم منحه السمع والبصر والفؤاد ، منزلة البهائم والانعام { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ }(141) .. ولنقرأ معا هذا الحشد من الآيات ذات الدلالة الواضحة في هذا المجال :
{ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(142).
{ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ }(143).
{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ }(144).
{ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا }(145).
{ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا }(146).
{ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }(147).
{ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ }(148).
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ؟}(149).
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }(150) .
{ أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ
وَقَلْبِهِ ؟}(151).
{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }(152).
{ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ }(153).
{ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ }(154).
{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ..} (155).
وحشد آخر من الآيات ، بلغ ما يقرب الخمسين ، حث على تحريك العقل ، المفتاح الذي منحه الله لبني آدم وقال لهم : افتحوا به ابواب الملكوت ، وادخلوا ساحة الايمان بالله الذي سخر لكم مافي السماوات والارض :
{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }(156).
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }(157).
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }(158).
{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ }(159).
{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ }(160).
{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا }(161).
وآيات اخرى دعت الانسان الى التفكير ، التفكير العميق المتبصر المسؤول ، بكل مايحيط به من شواهد وأشياء وموجودات :
{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ ؟ }(162).
{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ }(163).
{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }(164).
{ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا }(165).
{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }(166).
{ فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }(167).
{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }(168).(/17)
وما يقال عن التفكر يمكن ان يقال عن التفقه ، وهي خطوة (عقلية) ابعد مدى من التفكير ، اذ هي الحصيلة التي تنتج من عملية التفكير ، وتجعل الانسان اكثر وعيا لما يحيط به واكثر ادراكا لابعاد وجوده وعلائقه في الكون .. كما تجعله متفتح البصيرة دوما ، مستعدا للتحاور المسؤول عن كل مايعرض عليه من اسئلة وعلامات :
{ قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ }(169).
{ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي }(170).
{ فَمَالِ لهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا }(171).
{ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }(172).
{ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }(173).
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا .. }(174).
{ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ .. }(175).
{ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا }(176).
{ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ }(177).
وأكد القرآن على الاسلوب الذي يعتمد (البرهان) و (الحجة) و (الجدال الحسن) للوصول الى النتائج الصحيحة القائمة على الاستقراء والمقارنة والموازنة والتمحيص استنادا الى المعطيات الخارجية المتفق عليها ، والقدرات العقلية والمنطقية لأولئك اللذين بلغوا شأوا بعيدا في هذا المضمار :
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ }(178).
{ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ
رَبِّهِ }(179).
{ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }(180).
{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين }(181).
{ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ }(182).
{ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ }(183).
{ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ }(184).
{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِه }(185).
{ قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا }(186).
{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا }(187).
{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(188).
{ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ
مُنِير }(189).
{ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(190).
وثمة حقيقة قرآنية على درجة كبيرة من الاهمية تلك هي ان كلمة (العلم) وردت في القرآن الكريم مرارا كمصطلح على (الدين) نفسه الذي علمه الله انبياءه (ع) .. على الحقائق الكبرى الموجودة عند الله سبحانه في (ام الكتاب) .. وكاشارة الى القيم الدينية التي تنزلت من السماء . ومن ثم يغدو (العلم) و (الدين) سواء في لغة القرآن .. وهاهي كلمات الله سبحانه وتعالى تعلمنا هذه الحقيقة وتبصرنا بمواقع العلم والدين الفسيحة الممتدة ، المتداخلة ، كما اراد الله لها ان تكون ، لا كما يريد لها اصحاب (الظن) و (الهوى) من الوضعيين ، ولنستمع الى بعض من كلمات الله :
{ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }(191).
{ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ
الظَّالِمِينَ }(192).
{ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ }(193).
{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }(194).
{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ .. } (195).
{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ .. }(196).
{ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ؟ }(197).
{ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ }(198).
{ لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ .. }(199).
{ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }(200).
{ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ؟ }(210).
{ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ }(202).
{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً .. }(203).
{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْمُ }(204).(/18)
{ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ .. }(205).
{ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }(206).
{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }(207).
{ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ }(208).
{ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }(209).
{ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ
سُجَّدًا }(210).
{ يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ .. }(211).
{ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ }(212).
{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ }(213).
{ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ }(214).
{ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ }(215).
{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ }(216).
{ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ }(217).
{ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ }(218).
{ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ .. }(219).
{ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ }(220).
{ يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }(221).
{ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ }(222).
{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا }(223).
{ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا }(224).
{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا }(225).
{ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }(226).
{ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ }(227).
{ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ }(228)
{ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى }(229).
{ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ .. }(230).
{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }(231).
{ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ }(232).
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }(233).
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }(234).
ولا يسعنا هنا استعراض جل ماوردمن آيات في هذا المجال ، ويكفي ان نشير الى ان كلمة (علم) بتصريفاتها المختلفة ، وردت في عدد من الآيات جاوز السبعمائة والخمسين ...!!
ومن ثم فلا يتصورن احد ان القرآن ماجاء الا لكي يؤكد في موقفه من العمل الحضاري على الجوانب الاخلاقية والروحية فحسب ، اننا بازاء آيات عديدة تضع الجماعة البشرية المؤمنة في قلب العالم والطبيعة وتدفعها الى ان تبذل جهدها من اجل التنقيب عن السنن والنواميس في اعماق التربة وفي صميم العلاقات المادية بين الجزيئات والذرات .. اننا بأزاء حركة حضارية ، شاملة ، تربط وهي تطلب من الانسان ان ينظر في السماوات والارض ، بين مسالة الايمان ومسالة الابداع ، بين التلقي عن الله والتوغل قدما في مسالك الطبيعة ومنحنياتها واغاميضها ، بين تحقيق مستوى روحي عال للانسان على الارض ، وبين تسخير قوانين الكيمياء والفيزياء والرياضيات لتحقيق نفس الدرجة من التقدم والعلو الحضاري على المستوى المادي (المدني) .
ولم يفصل القرآن يوما بين هذا وذاك ، انه يقف دائما موقفا شموليا مترابطا ويرفض الفصل والتقطيع والتجزييء في تقييم الموقف (الحيوي) او الدعوة اليه .(/19)
ولقد انعكس هذا (التوحد) بين قيم الروح والمادة بوضوح كامل عبر مسيرة الحضارة الاسلامية التي قطعت القرون الطويلة وهي تحتفظ بتوازنها المبدع بين الطرفين ، وانجزت وابتكرت وكشفت ونفذت الكثير الكثير من المعطيات الحضارية التي لم تهمل جانبا من الجوانب المرتبطة جميعا ، ارتباطا متينا ، بخلافة الانسان ودوره الحضاري في العالم ، وليس من داع لأن نشير هنا الى ان ماحققه ابناء هذه (الحضارة) التي استمدت منهجها من القرآن الكريم نفسه ، في مجالات الطبيعة والفلك والرياضة والطب والصناعة التطبيقية وغيرها ، لا يقل في مستواه ، كما ونوعا ، عما انجزوه في ساحات العلوم والدراسات الانسانية ، فلهذا مجال آخر .. وماكان لها الا ان تكون كذلك وهي تعمل في ظلال مناخ حضاري متوازن نتلمسه بوضوح في الآيات والمقاطع التي اوردناها والتي سنوردها في الصفحات التالية من هذا البحث .
ان القرآن ، من خلال هذه الآيات ، وغيرها كثير ، يريد ان يضعنا في قلب
الطبيعة ، على مستوى الكون والعالم وان يختار لنا موقعا (تجريبيا) يعتمد النظر والتمعن والفحص والتجريب من اجل الكشف والابتكار والابداع ، ومن اجل الا نفقد توازننا الحضاري فنجنح باتجاه الروح او الاخلاق ولنهمل التكييف والتطوير الماديين الملازمين لاية حضارة متوازنة تريد ان تتحقق بالشرط الاكبر للوجود الانساني على الارض وهو عبادة الله ، والتوجه اليه اخذا وعطاءً ..
ان هنالك بداهة من اشد بداهات الايمان اهمية ، تلك هي ان الله سبحانه مادام قد (عبر) عن ابداعه وقدرته الكلية على مستوى الروح والمادة ، الانسان والطبيعة ، فليس ثمة معنى ابدا لأي موقف بشري من المادة او الطبيعة يتميز بالهروب او الاحتقار او السلبية ، او الاستعلاء . ان هذا (الموقف) مهما كانت درجته ، غير مبرر في بداهات الايمان ولافي مقتضيات (الاستخلاف) ، ليس هذا فحسب ، بل انه يقف نقيضا لهذه البداهات والمقتضيات ومن ثم فهو مرفوض في القرآن ابتداء ..
ان القرآن يوجه انظارنا الى اشد الامور مادية وثقلا : الطعام ، النطفة الاولى ، الارض والسماء والجبال ، والى دنيا النبات والحيوان .. ويدعونا لأن نسير بحثا عن سنن هذه العوالم وادراكا لابعاد خلقها المعجزة التي لا تتحقق الا بارادة كلية نافذة لايعجزها شيء.. ان القرآن يدعو الى (حضارة) (تنمو) على كل المستويات الروحية والاخلاقية والطبيعية .. وهو يخصص المقاطع والايات الطوال للمسألة الحضارية في مستواها الطبيعي ، المادي ، ولكن شرط ان تضبطها القيم والمقاييس الدينية الآتية من عند الله .
ان كل آية تتناول مسألة طبيعية او حيوية او مادية تنتهي بافعال التقوى والايمان ، وبالدعوة الى ربط اية فاعلية بالله .. وهذا التأكيد المتكرر له مغزاه الواضح .. ان منطق (التوازن الحركي) الذي يرفض الانحراف او السكون ، هو القاعدة التي نتلمسها في القرآن الكريم بوضوح من خلال عدد كبير من آياته ، والتي تكفل نموا سليما لاية حضارة تستطيع ان تحافظ على نقطة التوازن بين تجربتي الروح والمادة ، ولا تنحرف باتجاه احداهما ، مهملة الاخرى ، او ضاغطة عليها ، مستخدمة ازاءها اساليب الكبت والقمع والتحديد .. التوازن الذي يمكن الحضارة من الحركة الدائمة ، لان الاهداف التي يضعها امامها تأخذ مستويات صاعدة لا يحدها افق ولا يقف في طريقها تحديد صارم ، انها تبدأ بتأمين متطلبات
الحياة اليومية المباشرة ، وتتقدم - بعدها - صوب اعمال الفكر في قلب العالم للكشف عن نواميسه ، او في امداء الكون لادراك سره المعجز .. هذه الفعالية الفكرية التي مالها من حدود تقف عندها ..
ومن ثم توالي خطواتها لتنفيذ اكبر قدر من ضمانات التجربة الروحية الشاملة ، وايصالها الى مطامحها التي تتجاوز الارض الى اعماق السماء ، وتغادر اللحظة الموقوتة العابرة الى عالم الخلود .. ان حضارة تسعى الى تلبية متطلبات الغريزة والفكر والوجدان والروح بهذا القدر من التوازن ، لايمكن ان تبلغ حالة السكون ابدا ، الا اذا وجهت اليها ضربة (خارجية) شديدة القسوة تفوق قدراتها العسكرية على الرد ، وتظل من ثم على حركتها الدائمة تلك ، متجاوزة خطوط الاهداف القريبة والبعيدة التي يستثيرها فيها الايمان المبدع من اجل ان تتجاوزها الى خطوط هدفية اخرى ..
وفي مقابل تأكيد القرآن المتزايد على اعتماد (الموقف العلمي) الشامل ازاء الكون والحياة والعالم ، يعلن رفضه القاطع لكل ما من شانه ان يمس هذا الموقف او يلغيه ، او يصده عن العمل : الهوى والظن والسحر والخرافة .. ان هذه الممارسات (اللا علمية) ، اذا صح التعبير ، تأتي جميعا بمثابة (الضلال) عن الطريق القويم الذي جاء الدين لكي يدعو الانسان للسير فيه الى اهدافه على خط مستقيم . والخط المستقيم - كما هو معروف - اقرب المسافات بين نقطتين ، واي انحراف عن الطريق سيبعد الشقة ويطيل الجهد ويلتوي بالسائرين ..
وقد لا يصل بهم الى اهدافهم ابدا ..(/20)
ان القرآن الكريم يعلن مرارا عن هذه المعادلة الواضحة البينة : انه ليس بعد الهدى الا الباطل والعمى ، ولا بعد الحق الا الضلال المبين .. ولننظر :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرََ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(235).
ويجب ان نلاحظ هنا ان القرآن الكريم يرفض السحر ولكنه لايعلن اعتباره غير موجود ، ان هذه الآيات - بالعكس - تؤكد وجوده في هذا العالم كأسلوب عمل خاطيء .. وفرق بين الرفض وعدم الاعتراف .. ومايقال عن هذا الموضوع يمكن ان يقال عن موقف القرآن ، والاسلام عموما ، من مسأة تسخير الارواح ، او تحضيرها بالمفهوم المعاصر ، انه لا يرفض هذا الاسلوب المضلل لأن الذي (يحضر) ليست ارواح الموتى ولكن الجان والشياطين .. الا انه لا يتغاضى عنه ويعلن عن عدم وجوده .. والعلم الحديث نفسه يقدم التأكيدات المتزايدة ، يوما بعد يوم عن وجود السحر والتحضير وغيرهما من الاسااليب المضللة في هذا العالم(236)، ولكنه هو الآخر يرفض الأخذ بها لأنه - بذلك - يناقض المنهج العلمي الذي يعتمده .. ونرجع الى كتاب الله لمتابعة مواقفه :
{ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(18)قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ }(237).
{ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }(238).
{ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ .. }(239).
{ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ }(240).
{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ }(241).
{ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ }(242).
{ ذلك ظنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ }(243).
{ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ }(244).
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ .. }(245).
{ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ
شَيْئًا }(246).
{ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا }(247).
{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ .. }(248).
{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ .. }(249).
ومع الحملة على (الظن) باعتباره نقيضا للعلم الحق يشن القرآن هجومه على (الهوى) للسبب نفسه :
{ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ ؟ }(250)
{ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا
يَقْتُلُونَ }(251).
{ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ .. }(252).
{ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا .. }(253).
{ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ .. }(254).
{ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }(255).
{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }(256)
{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ }(257)
{ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى .. }(258).
{ أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ؟ }(259).
{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ؟ }(260)
{ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا }(261)
{ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }(262).(/21)
{ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }(263).
{ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ }(264).
{ وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ }(265) .
{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ .. }(266).
{ بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ }(267).
{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }(268).
{ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ }(269).
{ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ
مُنِير }(270).
ومن اجل الا يقف الانسان عند حدود الظواهر فتصده عن التوغل في الاعماق ، وتحجب عنه الرؤية الشاملة لطبائع الاشياء والموجودات ، فتجنح به - بالتالي - بعيدا عن المنهج العلمي الموضوعي ، الذي لايكتفي بالوقوف على سطح الاشياء .. من اجل ذلك بين االقرآن في اكثر من مكان تواجد الجانب الآخر لصفحة الكون والعالم المركبة .. الجانب الباطني الذي لايسعى الى سبر غوره الا أولو العلم الشامل .. المحيط :
{ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ .. }(271).
{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(272).
{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .. }(273).
{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }(274)
{ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ ؟ }(275).
الحقائق
في البعد الثالث يطرح القرآن حشدا من الحقائق والسنن والنواميس في مجالات العلم المختلفة : الفلك والجغرافية والنبات والحيوان والانسان ، في عدد واسع من المقاطع والآيات... وهاهنا يلجا بعض المفكرين او المفسرين المعاصرين الى اعتماد احد الموقفين اللذين سبق وأن اشرنا اليهما : الموقف الاول يتكيء كلية على معطيات العلم الحديث لتفسير آيات القرآن الكريم والوقوع بالتالي في خطأ منهجي يقوم على تحكيم الجزئي بالكلي والمتغير بالدائم والنسبي بالمطلق . فاذا ما حدث ان تبدلت الجزئيات والمتغيرات والنسبيات العلمية ، وهذا شأنها كما يؤكد العلماء انفسهم ، ادى ازاء ذلك الى احداث شرخ ، او قلق ذهني ، ازاء تلك الآيات التي فسرت وفق مقولات لم يتح لها الدوام .
والموقف الثاني يرفض كلية الاعتماد على معطيات العلم الحديث تحسبا من مصير كهذا فيقع في مظنة الخطأ هو الآخر .
والمنهج الاقرب الى الصواب هو ان نتخذ موقفا (وسطا) كما علمنا كتاب الله نفسه ان نتخذ في كافة مساحات الحياة ، فلاهو بالالتصاق الكامل بمعطيات العلم المتغيرة ، ولا هو بالرفض الكامل للتفسير بها .
ان المفسر المعاصر يتوجب عليه ان يعمل عقله وقدراته في مجال تخصصه اذا توفرت لديه ، لادراك طبيعة العلاقة بين طرفي المعادلة : الآية القرآنية والمقولة العلمية ، مستفيدا من جهة اخرى ، من الاتجاهات الحديثة التي نضجت اخيرا في مجال التفسير القرآني تلك الاتجاهات التي تعتمد مفردات القرآن نفسه ومنحنياته البيانية لفهم مضامينه ومعانيه فيما يعرف بالتفسير البياني للقرآن ، والذي من شأنه ان يمنح المفسر ضمانات موضوعية لنشاطه تحميه من الافراط او التفريط في محاولة الوصول الى الدلالات المقصودة للكلمات والتراكيب الجملية .
ومن خلال هذا التوازن في القدرة العلمية (التخصصية) والقدرة التفسيرية (البيانية) يمكن للمفسر ان يتحرك للكشف عن الدلالات المقصودة للآيات العلمية في كتاب الله .
هنالك من الحقائق العلمية مااصبح بمثابة قوانين نهائية ، بل بداهات مسلم بها لا تقبل نقضا ولا تغييرا ، من مثل الدور الي تلعبه الرياح في عملية الامطار ، ومن مثل الدور الذي تلعبه الجاذبية في حركة المجموعة الشمسية ، ومن مثل المراحل التشريحية التي يمر بها الجنين ، وتغير نسب المكونات الغازية قربا او بعدا عن سطح الارض .. وغير هذه الحقائق امور كثيرة ما كان العربي يوم نزول القرآن يلم بابعادها (العلمية) ، ومن ثم فان تفسير الآيات القرآنية التي تناولت هذه الحقائق واكدت عليها ، كما انه سيتكيء على بداهات علمية بالنسبة للقرون الاخيرة على الاقل ، فانه سيكشف - في الوقت نفسه - عن جانب من جوانب الاعجاز العديدة التي تضمنها القرآن وأشار اليها ..
وهنالك من الحقائق العلمية مايحتمل اكثر من وجه ، ولكن هذه الوجوه جميعا انما تدور في اطار واسع مرن ليس ثمة مانع من ان نحيل عليه آيات قرآنية اخرى لأدراك دلالاتها من مثل تلك الآيات التي تؤكد على (النظام) الذي يمسك بناء السماوات المعجز من ان يتفكك ويتبعثر ويضيع ..(/22)
أما النظريات التي لاتزال موضع اخذ ورد والتي لم تتبلور بعد كحقائق وقوانين وبداهات مسلم بها ، فان بمقدور المفسر ان يكون حذرا ازاءها ، وألايتكيء عليها الا بمقدار مايتيح له ذلك تسليط الضوء على جانب من جوانب المضمون الذي تحتويه الآية .
ليست سواء .. معطيات العلم التي تتمخض باستمرار ، ومن ثم فان التعامل معها يجب ان يحاذر عن مظنة الارتباط الكامل او الانفصال الكامل .
ان الارتباط الكامل سيمنح القدرة على الفهم والادراك ، من التحرك بشتى
الاتجاهات ، والانفصال الكامل سيضعف هذه القدرة ويقيم اسلاكا شائكة بين جانب من معطيات القرآن وبين الانسان المعاصر .
ان (الحقائق) التي يطرحها القرآن والتي اريد منها ان تكون (شواهد) تقود الانسان الى الايمان بالله الواحد القادر العالم المريد ، تنتشر وتتوزع على مساحة القرآن كله ، ويمكن تصنيفها بشكل عام وفق الموضوعات التي اعتمدناها في هذا البحث والتي يجدها القاريء فيما يلي :
ويجب ان نلاحظ ان ليس كل ماطرحه القرآن الكريم في واحد من حقول العلم العديدة اريد به ان يكون (اعجازا) للاجيال التالية ، ولم يكن معروفا - بالتالي - في عصر النزول . فثمة صنفان من الآيات نطالعهما في اي حقل من الحقول : صنف جاء على سبيل (الاخبار) ولفت الانظار الى خليقة الله وابداعه في الكون والعالم والنفس ، وهو يعرض لحقائق وظواهر وموجودات كانت موجودة في عصرها ، كما هي معروفة في كل عصر .. وصنف آخر تضمن اشارات لحقائق وسنن ونواميس (علمية) ماكانت معروفة في عصرها ، وتولى العلم - بمرور الزمن - الكشف عنها وهي التي تسمى عادة بالاعجازالعلمي للقرآن .
كما يجب ان نلاحظ ان ماطرحه القرآن لايمثل كشفا بكافة الحقائق العلمية ، فالقرآن الكريم - كما سبق وان ذكرنا - ليس كتاباعلميا - وانما هو يكتفي بالكشف عن بعض الحقائق والاشارة الى بعضها الآخر ، وتبقى حشود اخرى من الحقائق ، اكثر بكثير ، تركت للانسان حرية الكشف عنها ، والمنهج الذي طرحه القرآن نفسه ، كما مر بنا ، يمثل ضرورة ايمانية ملحة لمواصلة هذا الكشف .
وقد سعيت في العرض الذي يتضمنه هذا البحث الى ايراد كافة الآيات والمقاطع سواء تلك التي تنتمي الى هذا الصنف او ذاك ، وتجاوزت (مشاهد القيامة) التي تطرح معطياتها عن المتغيرات التي سيشهدها العالم والكون يومها ، لانها تخرج عن نطاق العرض الذي يستهدف متابعة الآيات التي تتحدث عن الكون والعالم والحياة في سياقها (الطبيعي) قبل (هزة) يوم القيامة التي لايعلم ابعادها الهائلة الشاملة الا الله :
{ يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً }(276).
{ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ }(277).
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }(278).
{ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ .. }(279).
{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ .. }(280).
{ يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا(42)فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا(43)إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا }(281).
كما انني تجاوزت ، للاعتبار نفسه ، مجموعة الصور والمواقف القرآنية التي تتحدث عن (الجنة والنار) .. ولم أشأ - كذلك - ان اعرض للآيات ذات البعد (الغيبي) مادام انه لا العلم ولاسائر الخبرات البشرية بقادرة على سبل غورها بما هيء لها من امكانات .
وبالمقابل فقد اوردت الآيات التي تتحدث عن انماط (العقاب) التي جوبهت بها الاقوام والجماعات البشرية التي اصرت على كفرها وأشراكها وغرورها لان هذه الانماط كانت مستمدة من صيغ جغرافية طبيعية ، بمعنى انها جاءت معتمدة سنن الطبيعة لا (خارقة) لها ، اما (الخوارق) فلم أشر اليها لانها تخرج هي الاخرى عن حدود العرض اللهم الا اذا تضمنت اشارة ما تمس جانبا علمياً(282).
(الفلك)
{ ... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ }(283)
{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ
فَيَكُون }(284)
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(285)
{ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ... }(286)
{ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }(287).
{ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ .. }(288)(/23)
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار }(289)
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ
وَالنُّورَ ... }(290)
{ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ... }(291)
{ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(96)وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }(292).
{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ... }(293).
{ إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }(294).
{ أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ
شَيْءٍ ؟ … }(295).
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ }(296).
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(5) إِنَّ
فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَّقُونَ } (297).
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }(298).
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }(299).
{ قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ }(300).
{ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى }(301).
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ }(302).
{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ .... }(303).
{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ(16)وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)إِلَّا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ }(304).
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(305)
{ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }(306)
{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ
تَفْصِيلًا }(307).
{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا }(308)
{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ... }(309)
{ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا(25)قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
لَبِثُوا ... }(310).
{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا }(311).
{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا
يَصِفُونَ }(312).
{ أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا
فَفَتَقْنَاهُمَا }(313).(/24)
{ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ(32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }(314).
{ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }(315).
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }(316).
{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(317).
{ ... وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }(318).
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ }(319).
{ وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ
فِيهِنَّ ... }(320).
{ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ ؟ }(321).
{ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }(322).
{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ(112)قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ(113)قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }(323).
{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ }(324).
{ أَلَمْ تَر إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا(45)ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا(46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا }(325).
{ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا(61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا }(326).
{ قَالَ يَاأَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(38)قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ(39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ(40)قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنْ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ(41)فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ }(327).
{ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ؟ }(328).
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ(71)قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }(329).
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ ؟ }(330).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ .. }(331).
{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا
يُؤْفَكُونَ }(332).
{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا .. }(333).
{ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ؟ .. }(334).
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(335).(/25)
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد }(336).
{ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... }(337).
{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ }(338).
{ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }(339).
{ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ
فُرُوجٍ ؟ }(340).
{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ }(341).
{ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ }(342).
{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ(5)وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ(6)وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ }(343).
{ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ }(344).
{ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }(3345).
{ يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }(346).
{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }(347).
{ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ }(348).
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }(349).
{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3)ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ(4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ }(350).
{ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ }(351).
{ مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ(3)تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(4)فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا(5)إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا(6)وَنَرَاهُ
قَرِيبًا }(352).
{ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا(15)وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ؟ }(353).
{ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا(8)وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا }(354).
{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ .. }(355).
{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا(12)وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا }(356).
{ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا(27)رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28)وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا(29)وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا(30)أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا(31)وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا }(357).
{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا(46) }(358).
{ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ(15)الْجَوَارِي الْكُنَّسِ(16)وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ(17)وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ }(359).
{ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ(16)وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ(17)وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ(18)لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ }(360).
{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ }(361).
{ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ(1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ(2)النَّجْمُ الثَّاقِبُ }(362).
{ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ
رُفِعَتْ ؟}(363).
{وَالضُّحَى(1)وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}(364).
{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1)وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا(2)وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا(3)وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا(4)وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا(5)وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا }(365).
{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى }(366).
وهناك حشود من الآيات الكريمة تتحدث عن مسائل شمولية تتعلق بالكون والفلك ، يمكن تصنيفها الى خمس مجموعات تتناول اولاها قضية خلق الكون ، وتتناول ثانيتها(/26)
قضية التقدير والضبط في عملية الخلق ، اما ثالثتها فتتحدث عن الهيمنة الآلهية على الكون وملكيته ، بينما تتجه رابعتها لتقرير علم الله الشامل باسرار الكون ونواميسه ، وتعرض خامستها للمشيئة الآلهية المطلقة في الخلق . ونكتفي هاهنا بالاحالة الى مواقع هذه الآيات :
أ- خلق الكون(367).
ب- التقدير في الخلق(368).
جـ- الهيمنة والملكية(369).
د- العلم الشامل بالاسرار والنواميس(370).
هـ- المشيئة المطلقة في الخلق(371).
الجغرافيا
{ هو الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ }(372)
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }(373)
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(374).
{ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين }(375).
{ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ
شَيْءٍ ... }(376).
{ فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ... }(377).
{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا
تَشْكُرُونَ }(378).
{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون }(379).
{ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ }(380).
{ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ... }(381).
{ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ(12)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ
يَشَاءُ ... }(382)
{ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ }(383).
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }(384).
{ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
مَوْزُونٍ }(385).
{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }(386).
{ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ }(387).
{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(15)وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }(388).
{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ
لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تُسْلِمُونَ }(389).
{ رَبُّكُمْ الَّذِي يُزْجِي لَكُمْ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }(390).
{ أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا(68) أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا }(391).(/27)
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ }(392).
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا }(393).
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى(53)كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى }(394).
{ وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ(30)وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }(395).
{ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمْ الْغَالِبُون }(396).
{ أَلَمْ تَر أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِأَمْرِهِ ... }(397).
{ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ }(398).
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ(43)يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ }(399).
{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا(48)لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا }(400).
{ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا }(401).
{ وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ }(402).
{ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }(403).
{ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }(404).
{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ... }(405).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(406).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(407).
{ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ }(408).
{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ
دَابَّةٍ ... }(409).
{ وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(410).
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }(411).
{ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ
نَخْسِفْ بِهِمْ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنْ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ
مُنِيب }(412).
{ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُور }(413).(/28)
{ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(414).
{ ... وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ(27)
وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ ... }(415).
{ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(41)وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ(42)وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ(43)إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }(416).
{ أَلَمْ تَر أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي
الْأَرْضِ ؟ }(417).
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }(418).
{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9)وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ }(419).
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ(16)وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(420).
{ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ
الْحَمِيدُ }(421).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ(32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(33)أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِير }(422).
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(10)وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }(423).
{ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ(3)وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(4)وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(424).
{ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(12)وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(425).
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(24)تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }(426).
{ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7)تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ(8)وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ(9)وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ(10)رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ }(427).
{ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ }(428).
{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }(429).
{ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ(41)مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ(42)وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ(43)فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ(44)فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِين }(430).(/29)
{ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ }(431).
{ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنْ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ }(432).
{ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ(11)وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12)وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ(13)تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ }(433).
{ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ(19)تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ }(434).
{ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ }(435).
{ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ }(436).
{ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19)بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21)يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ(22)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(23) وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ(24)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }(437).
{ أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ(68)أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ(69)لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُون }(438).
{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }(439)
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(15) أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ(16)أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ }(440).
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ؟ }(441).
{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ(5)وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6)سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }(442).
{ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }(443).
{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ بِسَاطًا(19)لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا }(444).
{ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَنْصَارًا }(445).
{ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا(25)أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا(26)وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا }(446).
{ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ مِهَادًا(6)وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ؟ }(447).
{ وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا(14)لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا(15)وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا }(448).
{ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا(30)أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا(31)وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا(32)مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ }(449).
{ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا }(450).
{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11)وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ }(451).
{ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19)وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ؟ }(452).
{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا }(453).
النبات
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }(454).
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }(455).
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ }(456).(/30)
{ ... فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(264)وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }(457).
{ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنْ
الْحَيِّ }(458).
{ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }(459).
{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ... } (460).
{... سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(57)وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }(461).
{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ }(462).
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(463).
{ قَالَ : تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ(47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ(48)ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }(464).
{ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(3)وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ }(465).
{ أَلَمْ تَر كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ }(466).
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ
مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ
الْأَنهَارَ }(467).
{ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ(19)وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ(20)وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ }(468).
{ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ(10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(469).(/31)
{ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَذَّكَّرُونَ }(470).
{ وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }(471).
{ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(472).
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا(32)كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا(33)وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا(34)وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا(35)وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا(36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا(37)لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا(38)وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا(39)فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا(40)أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا(41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا(42)وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا }(473).
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا }(474).
{ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى }(475).
{ .... وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }(476).
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }(477).
{ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(19)وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ }(478) .
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ؟ }(479).
{ … وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }(480).
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }(481).
{ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(482).
{ ... وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ }(483).
{ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ؟ }(484).
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ؟ }(485).
{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(15)فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ(16)ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ }(486).(/32)
{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟ قُلْ اللَّهُ … }(487).
{ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2)يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }(488).
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا
أَلْوَانُهَا ... }(489).
{ وَآيَةٌ لَهُمْ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ(33)وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ(34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ(35)سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ }(490).
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ }(491).
{ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ(145)وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ } (492).
{ ... ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ }(493).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(494).
{ .. وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ... }(495).
{ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا .. }(496).
{ ... وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ }(497).
{ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(498).
{... وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج }(499).
{ وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ(9)وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ }(500).
{ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ(11)وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ
وَالرَّيْحَانُ }(501).
{ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ(63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(64)لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا (65)إِنَّا لَمُغْرَمُونَ(66)بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ }(502).
{ أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ؟ (71)أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ(72)نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ }(503) .
{ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ }(504).
{ ... كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ
حُطَامًا .. }(505).
{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ(17)وَلَا يَسْتَثْنُونَ(18)فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20)فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ(21) أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ(22)فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23)أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ(24)وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(25)فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26)بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(27)قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28)قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(29)فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30)قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ(32)كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(506).
{ لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا(15)وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا }(507)(/33)
{ فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا(26)فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا(28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا(29)وَحَدَائِقَ غُلْبًا(30)وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ }(508).
{ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى(4)فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى }(509)
{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1)وَطُورِ سِينِينَ }(510).
(الحيوان)
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } (511).
{ ... فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ... } (512).
{ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ
قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِين }(513).
{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }(514).
{ وَمِنْ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ ... }(515).
{ يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ... }(516).
{ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ .. }(517).
{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }(518).
{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا... }(519).
{ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ(6)وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(7)وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8)وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }(520).
{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ... }(521)
{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ }(522).
{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68)ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(523).
{ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(79)وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }(524).
{ قَالَ : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }(525).
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }(526)
{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }(527).(/34)
{ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(528).
{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ(16)وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(17)حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(18)فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }(529).
{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ(20)لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ(21)فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ... }(530).
{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(531).
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(532).
{ وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ }(533).
{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ
دَابَّةٍ ... }(534).
{ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ؟ }(535).
{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ
الْمُهِينِ }(536).
{ وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ... }(537).
{ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ }(538).
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ(71)
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ(72)وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا
يَشْكُرُونَ ؟ }(539).
{ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ(31)فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ
الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ(32)رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ }(540).
{ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ }(541).
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(79)وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }(542).
{ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ... }(543).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ }(544).
{ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا
تَرْكَبُونَ }(545).
{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }(546).
{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ
أَسْفَارًا ... }(547)
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَانُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }(548).
{ فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ(49)كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ(50)فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ؟ }(549).(/35)
{ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ؟ }(550).
{ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا(1)فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا(2)فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا(3)فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا(4)فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا }(551).
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2)وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3)تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ(4)فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ(5) }(552).
(خلق الانسان)
{ هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء ... }(553).
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ }(554).
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ... }(555).
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ
تَمْتَرُون }(556).
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ؟ }(557).
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ... }(558).
{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }(559).
{ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(560).
{ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ .. }(561).
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ }(562).
{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ ؟}(563)
{ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ }(564).
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(26)وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ(27)وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }(565).
{ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِين }(566).
{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }(567).
{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ
وَحَفَدَةً ... }(568).
{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(569).
{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا }(570).
{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا }(571).
{ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا ؟}(572).
{ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }(573).
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ...} (574).(/36)
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ }(575).
{ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ... }(576).
{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ
قَدِيرًا }(577).
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }(578).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }(579).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون }(580).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ }(581).
{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(582).
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }(583).
{ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ؟}(584).
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير }(585).
{مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(586).
{... وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ...} (587).
{ لَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِنْ طِينٍ(7)ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8)ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ }(588).
{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }(589).
{ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ }(590)
{ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77)وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }(591).
{ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍعَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ }(592).
{ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ }(593).
{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ(71)فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(73)إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ(74)قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ
بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ(75)قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }(594).
{ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ...} (595).
{ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لَا يَعْلَمُونَ }(596).
{... وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ...} (597).(/37)
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }(598).
{ ... وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ...} (599).
{ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا }(600).
{ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }(601).
{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُون }(602).
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ }(603).
{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً...} (604).
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(605).
{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }(606).
{ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ؟}(607).
{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ ؟}(608).
{ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ..} (609)
{ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى }(610).
{ خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ }(611).
{ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ(14)وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ
نَارٍ }(612).
{ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ(58)أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ؟}(613).
{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ }(614).
{ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ...} (615).
{ ... وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }(616).
{ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(23)قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }(617).
{ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا }(618).
{ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ نَبَاتًا(17)ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ
إِخْرَاجًا }(619).
{ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ }(620).
{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى(40) }(621).
{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا(1)إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا }(622).
{ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا }(623).
{ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(20)فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(21)إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ(22)فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُون }(624).
{ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا }(625).
{ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17)مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19)ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(20)ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ(21)ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ }(626).
{ يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ(6)الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }(627).
{ فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ
الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(7)إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ(8)يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ(9)فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ } (628) .(/38)
{ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(1)الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى }(639).
{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8)وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ؟}(630).
{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى }(631).
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4)ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }(632).
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق }(633).
(الطب وعلم النفس) (634)
{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(635).
{ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(636).
{ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(637).
{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم }(638).
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(639).
{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }(640).
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ }(641).
{ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }(642).
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(222)نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ }(643).(/39)
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }(644).
{ ... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى...} (645).
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }(646).
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }(647).
{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ
شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }(648).
{ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(649).
{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا(27)يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا }(650).
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِيالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(651).
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(652).
{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ...} (653).
{مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(654).
{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ... }(655).(/40)
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ }(656).
{ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ ...} (657).
{ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }(658).
{ فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ }(659).
{ قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(145)وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }(660).
{ ... لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ...} (661).
{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ ...} (662).
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ..} (663).
{ ... وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ... }(664).
{ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(10)إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ
مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ
الْأَقْدَامَ }(665).
{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ(14)وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ }(666).
{ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ...} (667).
{ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ }(668).
{... وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ...} (669).
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }(670).
{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(671).
{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ(9)وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ(10) إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(11) }(672).
{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ }(673).
{ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ..} (674).
{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68)ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(675).
{ وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا }(676).
{ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }(677) .
{ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا }(678).(/41)
{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا(83)قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَأَهْدَى سَبِيلًا(84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }(679).
{ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا }(680).
{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا(17)وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ...} (681).
{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا(23)إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ..} (682).
{ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(67)وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ
خُبْرًا ؟}(683).
{ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ...} (684).
{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُورِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }(685).
{ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ }(686).
{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ..} (687).
{ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا }(688).
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }(689).
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ..} (690).
{ وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ..} (691).
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا }(692) .
{ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(79)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }(693).
{ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ }(694).
{ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ؟}(695).
{ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(696).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(697).
{ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ..} (698).
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(699).
{ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقنَطُونَ }(700).
{ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ..} (701).
{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }(702).
{ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ؟}(703).
{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(45)بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ(46)لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ }(704).
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ(41)ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }(705).
{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي(/42)
قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ }(706).
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ }(707).
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا }(708).
{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ...} (709).
{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ }(710).
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ؟}(711).
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }(712).
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }(713).
{ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ
حَرَجٌ ..} (714).
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(11)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ }(715).
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }(716)
{ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(21)لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }(717)
{ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }(718).
{ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }(719).
{ خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ }(720).
{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22)لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }(721)
{ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ..} (722)
{ ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }(723)
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }(724)
{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ
رَهَقًا }(725)
{ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا }(726)
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4)وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }(727)
{ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ }(728)
{ بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }(729).
{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا(9)وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا(10)وَجَعَلْنَا النَّهَارَ
مَعَاشًا }(730)
{ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ }(731)
{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(732)
{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا(19)وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا }(733)
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ }(734)
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }(735)
{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }(736)
{ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى(6)أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى }(737).
{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ
خَوْفٍ(4) }(738)(/43)
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5) }(739)
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)} (740) (741).
التطبيق
في الاتجاه الرابع نطالع في القرآن الكريم دعوة ملحة في اكثر من موضع الى اعتماد حقائق العلم وكشوفاته لتطوير الحياة وترقية الحضارة البشرية بمزيد من التطبيقات (التقنية) على كافة المستويات. وهو موقف مرن هو الآخر ، يتميز بالشمولية والديمومة ، اذ هو دعوة للافادة من الحقائق العلمية (الراهنة) في مدى كل عصر ، لاحداث تطبيقات على مستوى العلاقات (المدنية) لذلك العصر ، فاذا ماحدث وان تغيرت الحقائق العلمية وتبدلت العلاقات المدنية كان بمقدور النداء القرآني ان يمضي لكي يخاطب كل جيل من اجل ان يتحرك لأحداث تطبيقات اخرى على مستوى الحقائق الجديدة ومن خلال العلاقات المتغيرة ..
وهكذا .. فحيثما تلفتنا عبر هذا البعد الرابع من معالجة القرآن للمسألة العلمية ، وجدناه يتخذ دعوة دائمة ، لا تحدها حدود ، ولا تأسرها متغيرات ولا نسبيات ، لدفع الجماعة المؤمنة الى صياغة مزيد من التطبيقات المبنية على حقائق العلم وكشوفاته ومعادلاته .
ألم يدعنا القرآن الكريم الى ان نعد لاعدائنا (القوة) التي نرهبهم بها ، ونحمي - بالتالي - وجودنا ودورنا في الارض ؟ الم تأت هذه الدعوة متضمنة هذا الموقف الشمولي ، الممتد عبر الزمان والمكان ، والذي يلتقي فيه الراهن بالشامل ، والموقوت بالدائم ؟ {واعدوا لهم مااستطعتم من قوة } مطلق القوة ، ومن رباط الخيل ، اكثر الاسلحة مضاء في ذلك العصر على وجه الخصوص { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }(742). ألم يؤكد في (سورة الحديد) على اعتماد هذا الخام الخطير في ميادين السلم والحرب دونما تحديد ملزم لطرائق الاعتماد وصيغه ؟ { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(743).
سورة الحديد ؟ هل ثمة اكثر دلالة على ارتباط المسلم بالارض من تسمية سورة كاملة باسم خام من اهم واخطر خاماتها ؟ هل ثمة اكثر اقناعا لنزعة التحضر والتطبيق العلمي (التقني) والابداع والبناء ، التي جاء الاسلام لكي يجعلها جزءا اساسيا من اخلاقيات الايمان وسلوكيته في قلب العالم من هذه الآية التي تعرض خام الحديد كنعمة كبيرة انزلها الله لعباده ، وتعرض معها المسألة في طرفيها اللذين يتمخضان دوما عن الحديد : (البأس الشديد) متمثلا باستخدام الحديد كأساس للتسلح والاعداد العسكري ، و (المنافع) التي يمكن ان يحظى بها الانسان من هذه المادة الخام في كافة ميادين نشاطه وبنائه (السلمي) ؛ وهل ثمة حاجة للتأكيد على الاهمية المتزايدة للحديد بمرور الزمن في مسائل السلم والحرب ، وانه غدا في عصرنا الراهن هذا وسيلة من اهم الوسائل في ميادين القوة الدولية سلما وحربا ؟ ان الدولة المعاصرة التي تمتلك خام الحديد تستطيع ان (ترهب اعداءها) بما ينتجه هذا الخام من مقدرة على التسلح الثقيل ، وتستطيع - أيضا- ان تخطو خطوات واسعة لكي تقف في مصاف الدول الصناعية العظمى التي يشكل الحديد العمود الفقري لصناعتها وغناها ؟ .
ان كل موقف قرآني يشكل وحدة عضوية لا تنفصم عراها ، يمكن ان نحظى بابعادها وصيغتها النهائية بمجرد ان نجمع الى بعض كل الايات التي تغذي هذا (الموقف) وتشكل مادته الحية ، في الاقتصاد ، في الاجتماع ، في السياسة ، في الادارة ، في النفس ، في العلاقات الدولية ، في العقائد ، في الآداب ، في المعاملات .. نلتقي بعدد من المواقف المتكاملة المحبوكة التي تصنعها وتصورها وتمنحها شكلها النهائي مجموعة من الآيات المنبثة في ثنايا القرآن .(/44)
والان ونحن نتكلم عن الحديد ، نلتقي بسورة كاملة بهذا الاسم ، ونتذكر في الوقت نفسه آيات سورة (سبأ) التي تذكر نعمة الله على داود (ع) بتليين الحديد له ، او تعليمه كيف يلين الحديد - كما سنرى - وهي بصدد الحديث عن البناء والاعمار والتصنيع ، ونتذكر ايضا ذا القرنين وهو ينادي الجماعة المضطهدة لكي يحميها من الغزاة { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(96)فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا }(744).وتفرض آية اخرى نفسها لاتمام المسالة ، تلك التي تنادي الجماعة المسلمة { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ }(745). لكي مايلبث الانسان المسلم والجماعة المسلمة ان يعتمدا الحديد ، هذا الخام الخطير المذكور في عدد من المواضع ، والذي سميت احدى السور باسمه ، مادة اساسية لاعداد (القوة) وارهاب الاعداء ، في عالم يضيع فيه ويداس من لا يملك القدرة على ارهاب اعدائه ، هذه القدرة التي ترتبط دوما بمدى النمو الحضاري ارتباطا عضويا ، وتسير معه في نفس المنحنيات التي يجتازها في اغلب الاحيان .
ولابد ان نلتفت اخيرا الى هذا التداخل العميق والارتباط الصميم في آية الحديد بين ارسال الرسل وانزال الكتب معهم ، واقامة الموازين الدقيقة لأقامة العدل بين الناس ، وبين انزال الحديد الذي يحمل في طياته (البأس) ، ثم التأكيد على ان هذا كله انما يجيء لكي يعلم الله (من ينصره ورسله بالغيب) و (ان الله قوي عزيز) . ان هذا الموقف المتشعب المتداخل يجيء واحدا من مواقف عديدة ، تؤكد على ان الاسلام جاء لكي يشد الانسان الى اعماق الارض ، ويدفعه الى التنقيب فيها ، من اجل اعمارها وحمايتها ، وان المسلم لن تحميه وتنصره الا يده المؤمنة التي تعرف كيف تبحث عن الحديد وتصوغه من اجل الحماية والتقدم والنصر وانه ، بمجرد ان يتخلى عن موقفه الفعال هذا ، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بحركة الجهاد الدائمة ، ويختار بدلا من ذلك مواقع الفرار والاتكال والانتظار السالب لمعونة الله فانه يتناقض مع نفسه وعقيدته ، وانه سيهزم لا محال ما دام قد اعرض عن هذه المواقف القرآنية التي تكاد تصرخ باعلى نبرة انه بدون الاعتماد الواعي ، المسؤول ، الذكي ، الخبير ، على مصادر القوة والبأس فلن يكون هناك (نصر) ولا (تقدم) ولا (حماية) للموازين والقيم العادلة التي جاء الانبياء بكتبهم السماوية ، لتنفيذها في الارض ، حتى ولو حبس المؤمنون انفسهم في المساجد ، السنين الطوال ، يبكون ويتضرعون .
هنالك تلك الصورة الفذة التي يطرحها القرآن عن ذلك التناغم بين الانسان
والطبيعة ، وماوراءها وذلك التوازن بين تسخير القوى المادية (وتصنيعها) وبين عبادة الله سبحانه ، وذلك التقابل المبدع بين النزعتين الجمالية والعملية ، وهذه المعادلة الواضحة بين جبروت الانسان وقدرته الفعالة وبين نسبيته وضعفه وحاجته الدائمة الى الله ، وهذا التأكيد المستمر على حماية الفاعلية البشرية من الجنوح والانحراف بعيدا عن المتطلبات المادية والطبيعية .. الصورة التي يعرضها القرآن عن تجربة داود وسليمان (ع) { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ(10)أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ(12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ(13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ
مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ
الْمُهِين }(746). وفي مقطع آخر نجده في سورة (ص) نقرأ تاكيدا واستكمالا للموقف
{ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17)إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ(18)وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ(19)وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }(747).(/45)
ثم تعود الآيات لكي تتحدث عن سليمان كرة اخرى{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(35)فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ(36)وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(37)وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ(38)هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(748). ثم نقرأ في سورة الانبياء {... وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ(79)وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ(80)وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ(81)وَمِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }(749)
ان هذه المقاطع التي اثرنا الوقوف عندها كنماذج من بين كثير غيرها ، تبين لنا قمة الاندماج الحضاري الفاعل بين الانسان والقوى غير المرئية والطبيعة ، في حوارها الخلاق مع الله سبحانه اخذاً وعطاءاً .. ان طاقات الكون كله تنسجم هنا وتتناغم وتعمل بتوافق رائع في خدمة الانسان الذي يتوجه الى الله في اصغر فاعلياته واكبرها ، حامدا شاكرا ، عابدا ، للمنعم الذي منحه هذا كله لكي يختار موقعه الصحيح الذي انشئت الحياة على الارض من اجله { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }(750)
والعبادة التي تطرحها هذه الآية العريضة ليست علاقة ثنائية سالبة بين الله
والانسان ، كما انها ليست عطاءاً ومنحا ، احادي الجانب ، يشكر الانسان به ماوهبه الله اياه في نفسه وعالمه ، انها حوار ايجابي وجدل فعال وممارسة حضارية تسودها علاقات الاخذ والعطاء .. ان هذه الآيات تجيء لكي تعطينا صورة ، من عشرات الصور التي التي يطرحها القرآن عن طبيعة العلاقة بين الله والانسان ، وعما تؤول اليه على نطاق النفس البشرية والعالم كله ، حيث لاانفصال في الاسلام - بين الانسان والعالم - ، ولا انقطاع بين عالمي الحضور والغياب ، وحيث الارتباط الكلي الذي يضم الانسان الى الطبيعة ، الى ما وراءها ، لكي تتحقق مشيئة الله في اعمار الارض ، والتوجه المسؤول صوب خالق الكون والحياة والانسان وتأدية مسؤولية الخلافة بوعي وامانة .
اننا هنا نلتقي باثنين من عباد الله المصطفين ، داود وسليمان (ع) وقد سخرت لهما قوى الطبيعة الهائلة والطاقات الغيبية التي لايحدها جدار زمني او حاجز مكاني ، والتي أخذ العلم يطأطيء رأسه امامها اخيرا ، سخرت جميعا لكي تعمل تحت امرة الانسان المؤمن المسؤول : الجياد ، الطير ، الحديد ، الريح ، القطر (النحاس السائل) ، الجن .. في عدد مشار اليه من مساحات العمل الحضاري صناعة وعمرانا وبناءاً وفنوناً .. وتثير عجبنا في ميدان هذا النشاط تلك الاشارات الواضحة الى الحديد والنحاس ، اللذين قد تبين لنا في في قرننا العشرين هذا ، كم هما ضروريان للحضارة المعاصرة ، ولكل حضارة تريد ان تعمر وتصنع وتبني وتتفنن وتطبق .. ويثير عجبنا - كذلك - ان الله سبحانه لم يمنح الحديد فحسب لداود ، ولكنه يعلمه كيف يلينه ، فبدون هذا لن تكون ثمة فائدة لهذا الخام الخطير ولن ننسى هنا الاشارة الى (الريح) التي تروح في شهر وتغدو بمثله ، وقد تبين لنا من خلال الدراسات الجغرافية والطبيعية ، كم هي عظيمة خطيرة طاقة الريح هذه في اعمار الارض والحياة او في دمارهما وفنائهما على السواء .(/46)
ان هذه الآيات ، وغيرها كثير ، تقدم لنا الرد الآلهي الحاسم على القائلين بان الاديان السماوية ماجاءت الا لكي تقود المؤمنين الى مواقع الانعزال والسلب والفرار ، وتلقي في روعهم ان الدنيا (قنطرة) وان عليهم ان يعبروها ولا يعمروها .. ومن ثم يغدو (الدين) في تصورهم هذا نقيضا (للتحضر) ، ويقف الايمان بمواجهة الخلق والابتكار والابداع ، وتتحول العلاقة بين الانسان وخالقه الى ممارسة سكونية (ستاتيكية) تاركة للمذاهب الوضعية ان تاخذ زمام الحركة (الديناميك) من اجل تطوير الحياة وترقيتها .. ان هذا التصور الخاطيء مرفوض بالكلية ومستبعد من اساسه ، وامامنا شاهد فحسب من مئات الشواهد القرآنية على هذا الرفض لمواقف اتكالية مهزومة تسعى الى ان تجعل الدين والتطور عدوين لدودين .. اننا هنا نلتقي بالانسان المؤمن ، بل بالنبي ، الذي يبلغ من فهمه عن الله وشكره لنعمائه ان يمنحه خالقه هذا القدر الكبير من القوى المذخورة ، ويكشف له عن هذه الطاقات الطبيعية الهائلة ، ويحشر لخدمته الريح والحديد والنحاس والجان والنار .. من اجل ماذا ؟ من اجل ان يبني ويعمر ويتفنن ويبدع ويبتكر ، ويتقدم بالحياة صعدا على طريق الخلافة المسؤولة ، المؤمنة ، الواعية ، التي لا ينحرف بها هذا النعيم الكبير ، والقدرات المتاحة ، عن التوجه بالشكر للخلاق العظيم ، مصدر القوة والطاقة والفاعلية ، وعن التزام الموقع الصحيح في العلاقة المطلوبة بين الله والانسان . وقليل هم اولئك الذين يظلون في مواقعهم هذه بامانة كاملة .. ولكن الآيات القرآنية ما تلبث - في ختام الصورة - ان تعرض حقيقة اخرى لا تقل
اهمية لانها تفعل فعلها الايجابي في موازنة (الوضع) البشري كيلا ينحرف صوب الكفر والطغيان .. ان الموت بانتظار الجميع ، انبياء كانوا ام اناسا عاديين ، عمالقة كانوا ام اقزاما ، ملوكا ام فقراء .. انه نهاية المطاف لبني آدم جميعا ، والسقطة التي لابد منها للمرور الى يوم الحساب ، وان عليهم ان يتذكروا هذا ، لان الرجل النبي الذي سخرت له طاقات العالم ، ومنح الحديد والنحاس السائل ، وحشرت تحت قدميه النار والرياح والجان ، ينتهي به الامر الى الموت ، لكي ما تلبث الديدان ، اقذر الحشرات واحطها ان تاكل منساته وهو لا يحس ولا يشعر !!.
ان القرآن يقف بنا دائما في نقطة التوازن الخلاقة ، انه في هذه الصورة يبدأ بايصال الانسان الى قلب القوى الطبيعية ويحشرها في خدمته من اجل الاعمار والبناء ، فيسكت القاءلين بالتعارض بين العلم والدين ، ولكن ما يلبث في نهاية العرض ان يوقف الانسان عند حدود (الحكمة) التي يفترضها الايمان بوجود الله الاقدر والاعلم ، والتي تجيء بمثابة (فرامل ضابطة) تنظم سير القوى المسخرة للانسان ، وتمنعه - في الوقت نفسه - من الجنوح باتجاه الجبروت والطغيان واعتماد هذه الطاقات الهائلة للأبادة والدمار ، بدلا من حصانة تفرده وتقدمه في الارض .
وهذا ، لو تحقق ، فانه سيؤول بطبيعة الحال الى وضعية مضادة للتحضر والتطور ، وضعية لاتقل في سلبيتها وخطورتها عن تزييف الموقف الديني ودفعه الى الرفض والفرار بمواجهة الدخول الى قلب العالم والاسهام في تحضيره وتطويره .
ان (الايمان) الذي يقوم عليه بنيان الدين ، يجيء دائما بمثابة (معامل حضاري) ، يمتد افقيا لكي يصب ارادة الجماعة المؤمنة على معطيات الزمن والتراب ، ويوجهها في مسالكها الصحيحة ، ويجعلها تنسجم في علاقاتها ، وارتباطاتها مع حركة الكون والطبيعة ونواميسهما ، فيزيدها عطاءاً وقوة وايجابية وتناسقا .. كما يمتد عموديا في اعماق الانسان لكي يبعث فيه الاحساس الدائم بالمسؤولية ، ويقظة الضمير ، ويدفعه الى سباق زمني لامثيل له لاستغلال الفرصة التي اتيحت له كي يفجر طاقاته ويعبر عن قدراته التي منحه الله اياها ، على طريق (القيم) التي يؤمن بها و (الاهداف) التي يسعى لبلوغها ، فيما يعتبر جميعا - في نظر الاسلام - عبادة شاملة يتقرب بها الانسان الى الله .
ويتحدث القرآن الكريم عن هذا (السباق) عندما يصف المؤمنين بانهم (يسارعون في الخيرات) وانهم (لها سابقون) ، وفي كلا التعبيرين نلمح بوضوح فكرة (الزمن) ومحاولة اعتماده لتحقيق اكبر قدر ممكن من المعطيات ، ما تلبث ان ترتقي - بمقاييس الكم والنوع -بمجرد ان يتجاوز (المسلم) مرحلة الايمان ، الى المراحل الاعلى التي يحدثنا عنها القرآن في اماكن عديدة : (التقوى) و (الاحسان) !! .(/47)
وهكذا تجيء (التجربة الايمانية) لا لكي تمنح الحضارة ، في مرحلة نموها ، وحدتها وتفردها وشخصيتها وتماسكها وتحميها من التبعثر والتفكك والانهيار ، فحسب ، وانما لكي ترفدها بهذين البعدين الاساسيين اللذين يؤول اولهما الى تحقيق انسجامها مع نواميس الكون والطبيعة { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }(751) ... { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ
فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ }(752)... ويعطيها ثانيهما قدرات ابداعية اكثر واعمق ، تتفجر على ايدي اناس يشعرون بمسؤوليتهم ، ويعانون يقظة ضمائرهم ، ويسابقون الزمن في عطائهم لانهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ، { لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ
وَلَا فَسَادًا }(753).
والواقع ان القرآن ، وهو يحض المؤمنين على التسارع الحضاري عملا
وانجازا وابداعا مسؤولا ويعلن رفضه للكسل والقعود والاتكال ، والعبور السالب للعالم دونما انشاء او تغيير او اعمار .. لايتجاوز ، انطلاقا من موقفه الوسطي الشامل ، مسألة في
مقابل هذا كله ، على غاية في الاهمية ، لانها تعد احدى المسائل الاساسية الفاصلة بين التجربتين الحضاريتين : الدينية ، والوضعية ، تلك هي التأكيد الدائم على ان حياة الانسان في الارض ، فردا وجماعة ، ليست ابدية دائمة ، انما هي عابرة موقوتة ، وان معطياته فيها ليست خالدة باقية ، انما هي معرضة في اية لحظة للدمار والزوال بناء على طبيعة (الحياة الدنيا) القائمة على التغير والتنوع ، والصعود ، والهبوط ، والميلاد والموت ، وان الحياة الحقيقية هي الحياة الاخرى التي تتميز بالبقاء والدوام ، والتي كتب للانسان فيها الخلود المطلق ، ومن ثم فان كل مايقدمه في هذه الحياة الفانية من اعمال ومنجزات يجب الا يكون هدفا بحد ذاته ، كما هو الحال في جل التجارب الوضعية ، انما هو وسيلة فقط لتهيئة الحياة الدنيا لعبادة الله وحده وايجاد المناخ المناسب لممارسة مهمة الاستخلاف التي جاء الانسان الى العالم لأدائها . وهكذا يغدو الانجاز الحضاري في الاسلام وسيلة الى غاية اكبر ، ويكتسب في الوقت ذاته اخلاقية كبرى ، لانجدها في سائر الحضارات ، تصده عن استخدام طاقاته وقدراته في غير الطريق الذي تحتمه هذه الغاية الشريفة البعيدة ، التي لا تقف عند حد .
ان القرآن ، من اجل ان نظل دوما في الموقف الوسط الذي يميزنا عن سائر المواقف النسبية ، المتأرجحة ، يحدثنا في اكثر من موضع ، ووفق اشد الصور اثارة ، عن هذه المسألة الا انه يجب الا يخطر ببالنا لحظة ، ان في هذه الصور والآيات ، دعوة للزهد او الفرار ، لان هذا يمثل تناقضا اساسيا مع معطيات القرآن كله وتأكيده في مئات المواضع على ضرورة العمل والابداع .. انما هو تقرير للحقيقة النهائية ، وتثبيت للموازين العادلة ، وعرض مقارن لعالمي الفناء والبقاء ، ورؤية للمؤمنين تصدهم عن الافساد والطغيان .
{ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُالدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(754).
{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي
الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }(755).
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا(45)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ
أَمَلًا }(756).
ويتضح هذا المعنى الاخلاقي الايجابي للمسألة من خلال العديد من الآيات التي تندد بالغرور البشري الذي ينبثق عن الالتصاق الكامل بالحياة الدنيا ، ويتمخض عن الظلم والفساد والطغيان { ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ..} (757).
{ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا }(758).
والغرور احساس مرضي اشبه بالورم الذي يمنع التقدير الموضوعي الصحيح لاحجام الاشياء . وحيثما تلفتنا وجدنا الشيطان ، عدو الانسان يكمن وراءه وينفخ فيه : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }(759).(/48)
ونسبية التجارب البشرية ، وعدم دوامها ، لاتبدوان فقط بعرضهما على مطلقات الآخرة وخلودها ، انما من خلال حركة التاريخ البشري كذلك ، الحركة الدائمة التي ترفع وتخفض ، وتقدم وتؤخر ، وتنشيء وتعيد ، بارادة الله ، ووفق نواميسه في الكون :
{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(760).
*******
ان تأكيد القرآن الكريم في اكثر من موضع على (تسخير) كتلة الكون القريب والطبيعة والعالم للانسان ، انما يمثل دعوة ملحة ، الى اعتماد التطبيق العلمي للافادة من هذا التسخير في اوسع امدائه .. فليس غير العلم بقادر على فهم وادراك السنن والقوانين التي يعمل العالم والطبيعة بموجبها ، وتنفيذ الطاقات الكبيرة التي تمنحها هذه السنن والقوانين المسخرة لخدمة الانسان .
ان الله سبحانه قد حدد ابعاد السماء الدنيا والعالم والطبيعة ، وقوانينها ونظمها واحجامها ، بما يتلاءم والمهمة الاساسية لخلافة الانسان في العالم وقدرته على التعامل (التطبيقي) معها تعاملا ايجابيا فاعلا ، وان القرآن الكريم يحدثنا عن ان هذا (التسخير) سبق مجيء الانسان ، تلبية لمتطلبات خلافته في الارض واعماره للعالم على عين الله وهداه :
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ }(761).
{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا }(762).
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ؟}(763).
{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }(764).
{ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ }(765).
{ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ }(766).
الهوامش
(1) حدود العلم ص32 - 33 ، الدار العلمية ، بيروت - 1972 .
(2) المرجع السابق ص36 .
(3) المرجع السابق ص44 - 45 .
(4) العقاد ص58 - 60 .
(5) حدود العلم ص52 - 54 .
(6) المرجع السابق ص40 - 41 .
(7) المرجع السابق ص45 .
(8) المرجع السابق ص47 - 48 .
(9) انظر بالتفصيل: الترجمة العربية في مجلة (النور) المغربية ، العدد الثامن ، السنة الرابعة، 1977 .
(10) الحديد1 ، الحشر1 ، الصف1 .
(11) الاسراء : 44 .
(12) الرعد : 13 .
(13) النور : 41 .
(14) الحشر : 24 ، وانظر الجمعة : 1 ، التغابن : 1 .
(15) الأنبياء : 79 .
(16) ص 18 .
(17) الرعد : 15 .
(18) النحل : 48 - 49 .
(19) الحج : 18 .
(20) الروم : 26 .
(21) الرحمن : 6 .
(22) الأحزاب : 72 .
(23) حدود العلم ص48 - 49 .
(24) فاطر : 39 .
(25) الأنعام : 165 .
(26) الأعراف : 69 .
(27) الأعراف : 129 .
(28) يونس : 14 .
(29) النمل : 62 .
(30) النور : 55 .
(31) هود : 61 .
(32) الملك : 2 .
(33) آل عمران : 104 - 105 .
(34) آل عمران : 110 .
(35) الأعراف : 56 .
(36) الأعراف : 85 .
(37) الاعراف : 31 .
(38) الاعراف : 32 .
(39) الاعراف : 33 .
(40) آل عمران : : 93 .
(41) الانعام : 150 ، وانظر : الانعام 141 ، 143 - 145 ، يونس 59 .
(42) الانعام 148 .
(43) النحل : 35 .
(44) النساء : 160 .
(45) الانعام : 140 .
(46) النحل : 116 .
(47) المائدة : 87 .
(48) التحريم : 1 .
(49) آل عمران : 50 .
(50) الاعراف : 157 .
(51) البقرة : 168 .
(52) سورة النحل : آية 12 .
(53) سورة النحل : آية 14 .
(54) سورة ابراهيم : آية 32 - 33 .
(55) سورة ص : آية 36 .
(56) سورة لقمان : آية 20 .
(57) سورة العنكبوت : آية 61 .
(58) ترجمة محمود صالح الفلكي ، الطبعة الرابعة ، مكتبة النهضة ، القاهرة - 1962 .
(59) المرجع السابق ص 46 - 47 .
(60) نفسه ص 59 .
(61) نفسه ص 66 .
(62) نفسه ص 73 .
(63) نفسه ص 103 .
(64) نفسه ص 126 .
(65) نفسه ص 136 .
(66) نفسه ص 150 .
(67) نفسه ص 147 .
(68) نفسه ص 195 - 196 .
(69) نفسه ص 203 - 204 .
(70) تحرير جون كلوثر مونسما ، ترجمة الدمرداش عبد المجيد سرحان ، الطبعة الثالثة ، مؤسسة الحلبي ، القاهرة - 1968 .
(71) المرجع السابق ص 6 ، 10 .
(72) نفسه ص 14 - 15 .
(73) نفسه . ص 20 .
(74) نفسه ص 21 ، 24 - 25 .
(75) نفسه ص 26 ، 29 - 30 .
(76) الاسراء : 36 .
(77) عبس 24 - 31 .
(78) الطارق : 5 .
(79) الاعراف : 185 .
(80) يونس : 101 .
(81) ق : 6 .
(82) الروم : 9 .
(83) محمد : 10 .
(84) الغاشية : 17 .
(85) المائدة : 75 .
(86) الانعام : 46 .
(87) الانعام : 65 .(/49)
(88) الاسراء 21 .
(89) الروم : 50 .
(90) الانعام :99 .
(91) العنكبوت : 20 .
(92) الانفال : 21 .
(93) الجن 1 - 2 .
(94) الجن : 13 .
(95) البقرة : 181 .
(96) المائدة : 83 .
(97) القصص : 55 .
(98) فاطر : 14 .
(99) فصلت : 26 .
(100) القصص : 71 .
(101) الملك : 10 .
(102) البقرة : 171 .
(103) مريم : 42 .
(104) الانبياء : 45 .
(105) الجاثية 8 .
(106) فاطر : 14 .
(107) الانعام : 36 .
(108) الاعراف : 100 .
(109) يونس : 67 .
(110) الفرقان : 44 .
(111) البقرة : 93 .
(112) الانفال : 32 .
(113) يونس : 42 .
(114) النمل : 82 .
(115) الزمر : 18 .
(116) الكهف : 101 .
(117) الانعام : 104 .
(118) القصص : 72 .
(119) الذاريات : 21 .
(120) الطور : 15 .
(121) البقرة : 17 .
(122) الاعراف : 19 .
(123) يونس : 43 .
(124) ياسين : 9 .
(125) الصافات : 175 .
(126) الانعام 50 .
(127) يوسف : 108 .
(128) القيامة : 14 - 15 .
(129) الانعام : 104 .
(130) الاعراف : 203 .
(131) ق : 8 .
(132) النمل : 13 .
(133) العنكبوت : 38 .
(134) الملك : 3 - 4 .
(135) الجاثية : 23 .
(136) آل عمران : 13 .
(137) الحج : 46 .
(138) النور : 44 .
(139) الحجر : 15 .
(140) الانسان : 2 .
(141) محمد : 23 .
(142) النحل : 78 .
(143) المؤمنون : 78 .
(144) الاحقاف : 26 .
(145) الاعراف : 79 .
(146) الحج : 46 .
(147) الزخرف : 40 .
(148) هود : 20 .
(149) الانعام : 46 .
(150) ق 37 .
(151) الجاثية : 23 .
(152) البقرة : 7 .
(153) هود : 24 .
(154) المائدة : 71 .
(155) الانعام : 110 .
(156) البقرة : 242 .
(157) العنكبوت : 43 .
(158) البقرة : 171 .
(159) الانفال : 22 .
(160) يونس : 42 .
(161) الحج : 46 .
(162) الروم : 8 .
(163) الانعام : 50 .
(164) البقرة : 266 .
(165) سبأ : 46 .
(166) آل عمران : 191 .
(167) الاعراف : 176 .
(168) النحل : 44 .
(169) هود : 91 .
(170) طه : 28 .
(171) النساء : 78 .
(172) الانعام : 65 .
(173) الانعام : 98 .
(174) الاعراف : 179 .
(175) التوبة : 87 .
(176) الانعام : 25 .
(177) التوبة : 122 .
(178) النساء : 174 .
(179) المؤمنون : 117 .
(180) البقرة : 111 .
(181) النمل : 64 .
(182) القصص : 75 .
(183) القصص 32 .
(184) الانعام : 149 .
(185) الانعام : 83 .
(186) هود : 32 .
(187) النحل : 111 .
(188) العنكبوت : 46 .
(189) الحج : 8 .
(190) النحل : 125 .
(191) البقرة : 120 .
(192) البقرة : 145 .
(193) البقرة : 247 .
(194) آل عمران : 7 .
(195) آل عمران : 18 .
(196) آل عمران : 61 .
(197) آل عمران : 66 .
(198) النساء : 157 .
(199) النساء : 162 .
(200) الانعام : 143 .
(201) الانعام : 148 .
(202) الاعراف : 7 .
(203) الاعراف : 52 .
(204) يونس : 93 .
(205) هود : 14 .
(206) يوسف : 68 .
(207) يوسف : 76 .
(208) النحل : 27 .
(209) الاسراء : 85 .
(210) الاسراء : 107 .
(211) مريم : 43 .
(212) الحج : 3 .
(213) الحج : 54
(214) النمل : 40 .
(215) النمل : 42 .
(216) العنكبوت : 49 .
(217) سبأ : 6 .
(218) الاحقاف : 4 .
(219) الاحقاف : 23 .
(220) النجم : 30 .
(221) المجادلة : 11 .
(222) الانعام : 80 .
(223) يوسف : 22 .
(224) الكهف : 65 .
(225) طه : 114 .
(226) الطلاق : 12 .
(227) البقرة : 255 .
(228) يونس : 39 .
(229) طه : 52 .
(230) البقرة : 31 .
(231) العلق : 4 - 5 .
(232) النساء : 113 .
(233) العنكبوت : 43 .
(234) فاطر : 28 .
(235) البقرة : 102 .
(236) انظر (رأي في الروحية) في كتاب (آفاق قرآنية) دار العلم للملايين ، بيروت - 1979 .
(237) ياسين : 18 - 19 .
(238) الجاثية : 24 .
(239) آل عمران : 154 .
(240) النساء : 157 .
(241) الانعام : 116 .
(242) الانعام : 148 .
(243) ص : 27 .
(244) الفتح : 6 .
(245) الحجرات : 12
(246) النجم : 28 .
(247) يونس : 36 .
(248) فصلت : 23 .
(249) النجم : 23 .
(250) البقرة : 87 .
(251) المائدة : 70 .
(252) الانعام : 71 .
(253) النساء : 135 .
(254) ص : 26 .
(255) النجم : 3 .
(256) النازعات : 40 - 41 .
(257) الاعراف : 176 .
(258) طه : 16 وانظر الكهف : 28 .
(259) الفرقان : 43 ، وانظر الجاثية : 23 .
(260) القصص : 50 .
(261) المائدة : 77 ، وانظر الانعام : 150 .
(262) الجاثية : 18 .
(263) البقرة : 120 ، وانظر الرعد : 37 .
(264) المائدة : 49 .
(265) المؤمنون : 71 .
(266) القصص : 50 .
(267) الروم : 29 .
(268) الشورى : 15 .
(269) الانعام : 119 .
(270) الحج : 8 .
(271) الانعام : 120 ، وانظر الانعام : 151 ، الاعراف : 33 .
(272) الحديد : 3 .
(273) لقمان : 20 .
(274) الروم : 7 .
(275) الرعد : 33 .
(276) الاعراف : 187 .
(277) االنحل : 77 .
(278) الحج : 1 .
(279) الاحزاب : 63 .(/50)
(280) فصلت : 47 .
(281) النازعات : 42 - 44 .
(282) ان بمقدور باحث او مجموعة باحثين القيام بعمل عرض مقارن لتفسير الآيات المصنفة في هذا البحث وفق موضوعاتها ، وذلك باعتماد تفسير قديم للطبري او ابن كثير - على سبيل المثال - وآخر حديث شامل كألظلال ، وثالث من التفاسير المعنية بالجوانب العلمية فحسب، وذلك من اجل متابعة المنحنى التفسيري لهذه الآيات وتبين موقف عصرين متباعدين من معطيات القرآن العلمية . واغلب الظن ان محاولة كهذه تمثل ضرورة في حقل الدراسات القرآنية .
(283) البقرة : 29 .
(284) البقرة : 117 .
(285) البقرة : 164 .
(286) البقرة : 189 .
(287) البقرة : 258 .
(288) آل عمران : 27 .
(289) آل عمران : 190 - 191 .
(290) الانعام : 1 .
(291) الانعام : 14 .
(292) الانعام : 96 - 97 .
(293) الانعام : 101 .
(294) الاعراف : 54 .
(295) الاعراف : 185 .
(296) التوبة : 36 .
(297) يونس : 5 - 6 .
(298) يونس : 45 .
(299) يونس : 67 .
(300) يونس : 101 .
(301) الرعد : 2 .
(302) ابراهيم : 33 .
(303) ابراهيم : 48 .
(304) الحجر : 16 - 18 .
(205) النحل : 12 .
(306) النحل : 16 .
(307) الاسراء : 12 .
(308) الاسراء : 52 .
(309) الكهف : 17 .
(310) الكهف : 25 - 26 .
(311) طه : 104 .
(312) الانبياء : 22 .
(313) الانبياء : 30 .
(314) الانبياء : 32 - 33 .
(315) الانبياء : 104 .
(316) الحج : 47 .
(317) الحج : 61 .
(318) الحج : 65 .
(319) المؤمنون : 17 .
(320) المؤمنون : 71 .
(321) المؤمنون : 81 .
(322) المؤمنون : 91 .
(323) المؤمنون : 112 - 114 .
(324) النور : 44
(325) الفرقان : 45 - 47 .
(326) الفرقان : 61 - 62 .
(327) النمل : 38 - 42 .
(328) النمل : 86 .
(329) القصص : 71 - 72 .
(330) العنكبوت : 61 .
(331) الروم : 25 .
(332) الروم : 55 .
(333) لقمان : 10 .
(334) لقمان : 11 .
(335) لقمان : 29 .
(336) فصلت : 53 .
(337) الشورى : 12 .
(338) الاحقاف : 35 .
(339) الفتح : 4 ، 7 .
(340) ق : 6 .
(341) الذاريات : 7 .
(342) الذاريات : 47 .
(343) الرحمن : 5 - 7 .
(344) الرحمن : 17 .
(345) الرحمن 29 .
(346) الرحمن : 33 - 36 .
(347) الواقعة : 75 - 76 .
(348) الحديد : 6 .
(349) الطلاق : 12 .
(350) الملك : 3 - 5 .
(351) المعارج : 40 .
(352) المعارج : 3 - 7 .
(353) نوح : 15 - 16 .
(354) الجن : 8 - 9 .
(355) المدثر : 31 .
(356) النبأ : 12 - 13 .
(357) النازعات : 27 - 32 .
(358) النازعات : 46 .
(359) التكوير : 15 - 18 .
(360) الانشقاق : 16 - 19 .
(361) البروج : 1 .
(362) الطارق : 1 - 3 .
(363) الغاشية : 18 .
(364) الضحى : 1 - 2 .
(365) الشمس : 1 - 6 .
(366) الليل : 1 - 2 .
(367) الانعام : 73 ، 79 ، الاعراف 54 ، يونس 3 ، هود 7 ، ابراهيم 19 ، 32 - 33 ، النحل 3 ، الاسراء 99 ، الكهف 51 ، طه 4 ، الانبياء 16 - 18 ، 56 ، الفرقان 59 ، النمل 60، العنكبوت 24 ، الروم 8 ، لقمان 25 ، السجدة 4 ، فاطر 1 ، ياسين 81 ، ص 7 ، الزمر 38 ، 46 ، غافر 57 ، الشورى 11 ، 29 ، الدخان 38 - 39 ، الجاثية 22، الاحقاف 3 ، 33 ، ق 15 ، 28 ، الطور 36 ، الحديد 4 ، التغابن 3 .
(368) الانعام 96 ، يونس 5 ، الرعد 8 ، 17 ، الحجر 21 ، المؤمنون 18 ، الفرقان 2 ، سبأ 18 ، ياسين 38 ، 39 ، فصلت 10 - 12 ، الشورى 27 ، الزخرف 11 ،
القمر 12 ، 49 ، المزمل 20 ، المرسلات 23 ، الاعلى 3 .
(369) البقرة 107 ، 115 ، 116 ، 142 ، 255 ، 284 ، آل عمران 109 ، 180 ، النساء 126 ، 131 ، 132 ، 171 ، المائدة 17 ، 18 ، 40 ، 120 ،
الانعام 12 - 13، الاعراف 158 ، التوبة 116 ، يونس 55 ، 66 ، 68 ،
الرعد 16 ، ابراهيم 2 ، النحل 52 ، مريم 65 ، طه 6 ، الانبياء 19 ، 56 ،
الحج 64 ، المؤمنون 84 ، 86 ، 88 ، النور 42 ، 64 ، الفرقان 2 ،
الشعراء 24 ، 28 ، الروم 26 ، لقمان 26 ، سبأ 1 ، 22 فاطر 40 ، ياسين 83 ، ص 66 ، الزمر 44 ، الشورى 4 ، 49 ، 53 ، الزخرف 10 ، 82 ، 85 ، ، الدخان 7 ، الجاثية 27 ، 36 ، الفتح 14 ، النجم 31 ، الحديد 2 ، 5 ، 10 ، المنافقون 7 ، التغابن 1 ، الملك 1 ، النبأ 37 ، البروج 9 وانظر مادة (وكيل) في المعجم المفهرس .
(370) الانعام 59 ، طه 7 ، الفرقان 6 ، النمل 25 ، 75 ، ، لقمان 16 ، سبأ 2 ، 3 ، الحجرات 16 ، 18 ، الحديد 4 ، المجادلة 7 ، التغابن 4 .
(371) انظر مادة (قدير) ومشتقاتها في (المعجم المفهرس) .
(372) البقرة : 22 .
(373) البقرة : 29 .
(374) البقرة : 164 .
(375) الانعام : 6 .
(376) الانعام : 99 .
(377) الانعام : 125 .
(378) الاعراف : 10 .
(379) الاعراف : 57 .
(380) الاعراف : 74 .
(381) الرعد : 3 .
(382) الرعد : 12 - 13 .
(383) الرعد : 17 .
(384) الرعد : 41 .
(385) الحجر : 19 .
(386) الحجر : 22 .
(387) الحجر : 82 .
(388) النحل : 15 - 16 .(/51)
(389) النحل : 81 .
(390) الاسراء : 66 .
(391) الاسراء : 68 - 69 .
(392) الكهف : 86 .
(393) الكهف : 90 .
(394) طه 53 - 54 .
(395) الانبياء : 30 - 31 .
(396) الانبياء : 44 .
(397) الحج : 65 .
(398) المؤمنون : 18 .
(399) النور : 43 .
(400) الفرقان : 48 - 49 .
(401) الفرقان : 53 .
(402) الشعراء : 149 .
(403) النمل :61
(404) النمل : 63 .
(405) النمل : 88 .
(406) الروم : 24 .
(407) الروم : 36 .
(408) الروم : 48 - 49 .
(409) لقمان : 10 .
(410) لقمان 27 .
(411) لقمان 31 .
(412) سبأ : 9 .
(413) فاطر : 9 .
(414) فاطر : 12 .
(415) فاطر : 27 - 28 .
(416) ياسين : 41 - 44 .
(417) الزمر : 21 .
(418) غافر : 64 .
(419) فصلت : 9 - 10 .
(420) فصلت : 16 - 17 .
(421) الشورى : 28 .
(422) الشورى : 32 - 34 .
(423) الزخرف : 10 - 11
(424) الجاثية 3 - 5 .
(425) الجاثية : 12 - 13 .
(426) الاحقاف : 24 - 25 .
(427) ق 7 - 11 .
(428) الذاريات : 20 .
(429) الذاريات : 22 .
(430) الذاريات : 41 - 45 .
(431) الذاريات : 48 .
(432) الطور : 44 .
(433) القمر : 11 - 14 .
(434) القمر : 19 - 20 .
(435) القمر : 34 .
(436) الرحمن : 10 .
(437) الرحمن : 19 - 25 .
(438) الواقعة : 68 - 70 .
(439) الحشر : 21 .
(440) اللملك : 15 - 17 .
(441) الملك : 30 .
(442) الحاقة : 5 - 7 .
(443) نوح : 11 - 12 .
(444) نوح 19 - 20 .
(445) نوح 25 .
(446) المرسلات : 25 - 27 .
(447) النبأ : 6 - 7 .
(448) النبأ : 14 - 16 .
(449) النازعات : 30 .
(450) عبس : 25 - 26 .
(451) الطارق : 11 - 12 .
(452) الغاشية : 19 - 20 .
(453) الشمس: 6 .
(454) البقرة : 57 .
(455) البقرة : 61 .
(456) البقرة : 155 .
(457) البقرة : 264 - 265 .
(458) الانعام : 95 .
(459) الانعام : 99 .
(460) الانعام : 141 .
(461) الاعراف : 57 - 58 .
(462) الاعراف : 130 .
(463) يونس : 24 .
(464) يوسف : 47 - 49 .
(465) الرعد : 3 - 4 .
(466) ابراهيم : 24 - 26 .
(467) ابراهيم : 32 .
(468) الحجر : 19 - 21 .
(469) النحل : 10 - 11 .
(470) النحل : 13 .
(471) النحل : 65
(472) النحل : 67 .
(473) الكهف : 32 - 43 .
(474) الكهف : 45 .
(475) طه : 53 .
(476) الحج : 5 .
(477) الحج 63 .
(478) المؤمنون : 19 - 20 .
(479) الشعراء : 7 .
(480) النمل : 60 .
(481) العنكبوت : 63 .
(482) الروم : 50 .
(483) لقمان : 10
(484) لقمان : 11
(485) السجدة : 27 .
(486) سبأ : 15 - 17 .
(487) سبأ : 24 .
(488) فاطر : 2 - 3 .
(489) فاطر : 27
(490) ياسين : 33- 36 .
(491) ياسين : 80 .
(492) الصافات : 145 - 146 .
(493) الزمر : 21 .
(494) فصلت : 39 .
(495) فصلت : 47 .
(496) الزخرف : 12 .
(497) الفتح : 29 .
(498) الذاريات : 49 .
(499) ق : 7 .
(500) ق : 9 - 10 .
(501) الرحمن : 11 - 67 .
(502) الواقعة : 63 - 67 .
(503) الواقعة : 71 - 73 .
(504) الحديد : 17 .
(505) الحديد : 20 .
(506) القلم : 17 - 33 .
(507) النبأ : 15 - 16 .
(508) عبس : 24 - 32 .
(509) الاعلى : 4 - 5 .
(510) التين : 1 - 2 .
(511) البقرة : 26 .
(512) البقرة : 164 .
(513) المائدة : 31 .
(514) الانعام : 38 .
(515) الانعام : 142 .
(516) الاعراف : 26 .
(517) الاعراف : 176 .
(518) هود 6 .
(519) هود : 56 .
(520) النحل : 5 - 9 .
(521) النحل : 14 .
(522) النحل : 66 .
(523) النحل : 68 - 96 .
(524) النحل : 79 - 80 .
(525) طه : 50 .
(526) الحج : 73 .
(527) المؤمنون : 21 - 22 .
(528) النور : 45 .
(529) النمل : 16 - 19 .
(530) النمل : 20 - 23 .
(531) العنكبوت : 20 .
(532) العنكبوت : 41 .
(533) العنكبوت : 60 .
(534) لقمان : 10 .
(535) لقمان : 11 .
(536) سبا : 14 .
(537) فاطر : 28 .
(538) ياسين : 36 .
(539) ياسين : 71 - 73 .
(540) ص 31 - 33 .
(541) الزمر : 6 .
(542) غافر : 79 - 80 .
(543) الشورى : 11 .
(544) الشورى : 29 .
(545) الزخرف : 12 .
(546) الجاثية : 4 .
(547) الجمعة : 5 .
(548) الملك : 19 .
(549) المدثر : 49 - 51 .
(550) الغاشية : 17 .
(551) العاديات : 1 - 5 .
(552) الفيل : 1 - 5 .
(553) آل عمران : 6 .
(554) آل عمران : 59 .
(555) النساء : 1 .
(556) الانعام : 2 .
(557) الانعام : 46 .
(558) الاعراف : 11 .
(559) الاعراف : 12 .
(560) الاعراف : 69 .
(561) الاعراف : 86 .
(562) الاعراف : 189 .
(563) يونس : 31 .
(564) الرعد : 8 .
(565) الحجر : 26 - 29 .
(566) النحل : 4 .
(567) النحل : 70 .
(568) النحل : 72 .
(569) النحل : 78 .
(570) الكهف : 37 .
(571) الكهف : 51 .
(572) مريم : 67 .
(573) طه : 50 .
(574) الحج : 5 .
(575) المؤمنون : 12 - 15 .
(576) المؤمنون : 78 .
(577) الفرقان : 54 .
(578) القصص : 68 .
(579) الروم : 20 .(/52)
(580) الروم : 21 .
(581) الروم : 22 .
(582) الروم : 27 .
(583) الروم : 54 .
(584) لقمان : 11 .
(585) لقمان : 14 .
(586) لقمان 28 .
(587) لقمان : 34 .
(588) السجدة : 7 - 9 .
(589) فاطر : 11 .
(590) ياسين : 36 .
(591) ياسين : 77 - 79 .
(592) ياسين : 81 .
(593) الصافات : 11 .
(594) ص 71 - 76 .
(595) الزمر : 6 .
(596) غافر 57 .
(597) غافر : 64 .
(598) عافر : 67 .
(599) فصلت : 47 .
(600) الشورى : 11 .
(601) الشورى : 49 - 50 .
(602) الجاثية : 4 .
(603) الاحقاف : 15 .
(604) الاحقاف : 26 .
(605) الحجرات : 13 .
(606) ق : 4 .
(607) الذاريات : 21 .
(608) الطور : 35 .
(609) النجم : 32 .
(610) النجم : 45 - 47 .
(611) الرحمن : 3 - 4 .
(612) الرحمن 14 - 15 .
(613) الواقعة : 58 - 59 .
(614) الواقعة : 62 .
(615) الحشر : 24 .
(616) التغابن : 3 .
(617) الملك : 23 - 24 .
(618) نوح : 14 .
(619) نوح : 17 - 18 .
(620) القيامة : 4 .
(621) القيامة : 37 - 40 .
(622) الانسان : 1 - 2 .
(623) الانسان : 28 .
(624) المرسلات : 20 - 23 .
(625) النبأ : 8 .
(626) عبس : 17 - 22 .
(627) الانفطار : 6 - 8 .
(628) الطارق : 5 - 10 .
(629) الاعلى : 1 - 2 .
(630) البلد : 8 - 9 .
(631) الليل : 3 .
(632) التين : 4 - 6 .
(633) العلق : 1 - 2 .
(634) يجب ان نلاحظ ان توجيه القرآن الكريم يقود في النهاية الى تكوين حالة نفسية وجسدية متوازنة وما هذه الآيات الا نماذج فحسب للسياق القرآني العام ( انظر على وجه الخصوص: محمد قطب : الانسان بين المادية والاسلام ، ودراسات في النفس الانسانية ، ومنهج التربية الاسلامي).
(635) البقرة : 38 .
(636) البقرة : 62 .
(637) البقرة : 112 ، 262 ، 274 ، 277 .
(638) البقرة : 173 .
(639) البقرة : 183 - 185 .
(640) البقرة : 187 .
(641) البقرة : 196 .
(642) البقرة : 219 .
(643) البقرة : 222 - 223 .
(644) البقرة : 233 .
(645) البقرة : 282 .
(646) البقرة : 286 .
(647) آل عمران : 14 .
(648) آل عمران : 153 - 154 .
(649) آل عمران : 170 .
(650) آل : 27 - 28 .
(651) المائدة : 3 .
(652) المائدة : 6 .
(653) المائدة : 16 .
(654) المائدة : 69 ، الانعام : 48 ، الاعراف : 35 .
(655) الانعام : 60 .
(656) الانعام : 82 .
(657) الانعام : 93 .
(658) الانعام : 98 .
(659) الانعام : 125 .
(660) الانعام : 145 - 146 .
(661) الانعام : 152 .
(662) الاعراف : 32 - 33 .
(663) الاعراف : 43 .
(664) الاعراف : 157 .
(665) الانفال : 10 - 11 .
(666) التوبة : 14 - 15 .
(667) الانفال : 66 .
(668) التوبة : 91 .
(669) التوبة : 103
(670) يونس : 57 .
(671) يونس : 62 .
(672) هود : 9 - 11 .
(673) يوسف : 53 .
(674) الحجر : 88 .
(675) النحل : 68 - 69 .
(676) الاسراء : 11 .
(677) الاسراء : 32 .
(678) الاسراء : 82 .
(679) الاسراء : 83 - 85 .
(680) الاسراء : 100
(681) الكهف : 17 - 18 .
(682) الكهف : 23 - 24 .
(683) الكهف : 67 - 68 .
(684) طه : 97 .
(685) الانبياء : 37 .
(686) الانبياء : 74 ، وانظر : الشعراء : 165 - 166 ، النمل 54 - 56 ، العنكبوت : 28 - 35 .
(687) الانبياء : 90 .
(688) الحج : 5 .
(689) المؤمنون : 5 - 6 .
(690) النور : 30 - 31 وانظر : الاحزاب : 35 .
(691) النور : 33 .
(692) الفرقان : 47 .
(693) الشعراء : 79 - 80 .
(694) النمل : 127 ، النمل : 70 .
(695) النمل : 86 .
(696) القصص : 73 .
(697) الروم : 21 .
(698) الروم : 23
(699) الروم : 30
(700) الروم : 36 .
(701) الاحزاب : 4 .
(702) الاحزاب 72 .
(703) ياسين : 68 .
(704) الصافات : 45 - 47 .
(705) ص41 - 42 .
(706) الزمر : 42 .
(707) غافر : 61 .
(708) فصلت : 53 .
(709) فصلت : 44 .
(710) فصلت : 51 .
(711) فصلت : 53 .
(712) الشورى : 51 .
(713) الفتح : 4 وينظر الايتين 18 ، 26 .
(714) الفتح 17 .
(715) الحجرات : 11 - 12 .
(716) ق 16 .
(717) ق 21 - 22 .
(718) الذاريات : 21 .
(719) الذاريات : 23 .
(720) الرحمن : 3 - 4 .
(721) الحديد : 22 - 23 .
(722) المجادلة : 10 .
(723) الطلاق : 4 .
(724) المعارج : 29 .
(725) الجن : 6 .
(726) الجن : 13 .
(727) المدثر : 4 - 5 .
(728) القيامة : 2 .
(729) القيامة : 14 - 15 .
(730) النبأ : 9 - 11 .
(731) عبس : 17 .
(732) المطففين : 14 .
(733) الفجر : 20 .
(734) البلد 4 .
(735) الشمس : 7 - 10 .
(736) العلق : 3 - 5 .
(737) العلق : 6 - 7 .
(738) قريش : 3 - 4 .
(739) الفلق : 1 - 5 .
(740) الناس : 1 - 6 .(/53)
(741) لم نأت في هذا العرض على الايات المتعلقة بعلم الاجتماع ، لان المعطيات القرانية بجملتها تستهدف خلق مجتمع افضل ، وتسلط الضوء على الحالات الاجتماعية المنحرفة طارحة البدائل المتوازنة ، ومن ثم فان هذه المعطيات التي تعالج هذا الجانب واسعة متشعبة ، وقد عالجناها واحصيناها بشكل شامل في كتاب (التفسير الاسلامي للتاريخ) بما ان فلسفة التاريخ تعالج فيما تعالج مسائل كثيرة يعنى بها علم الاجتماع حيث يرتبط هذان الفرعان من المعرفة ارتباطا وثيقا.
(742) الانفال 60 .
(743) الحديد 25 .
(744) الكهف 96 - 97 .
(745) الانفال 60 .
(746) سبأ 10 - 14 .
(747) ص 17 - 20 .
(748) ص 35- 39 .
(749) الانبياء 79 - 82 .
(750) سورة الذاريات 56 - 57 .
(751) آل عمران 83 .
(752) آل عمران 85 .
(753) القصص 83 .
(754) العنكبوت 64 .
(755) الحديد 20 .
(756) الكهف 45 -46 .
(757) الجاثية 35 .
(758) فاطر 40 وانظر الانعام 70 ، 130 ، الاعراف 51 ، لقمان 33 ، آل عمران 185.
(759) النساء 120وانظر الانعام 112 - 113 ، الاسراء 64 .
(760) يونس 24 .
(761) النحل 12 .
(762) النحل 14 .
(763) الحج 65 .
(764) لقمان 20 .
(765) الانبياء 29 .
(766) ص 36.(/54)
مدرسة الثلاثين يوماً
للأستاذ: مصطفى صادق الرافعي
مصطفى صادق الرافعي.. أديب العربية الأول الذي غمطه الأدعياء والمتطفلون على العربية وآدابها بسبب بيانه النافذ، وجملته القرآنية، ودفاعه عن ثوابت الأمة وعقائدها وقيمها..
الرافعي الذي غيب ذكره، وطويت كتاباته على حداثتها، بفعل فاعل، وتخطيط وتدبير.. هو فرع شامي نما على أرض الكنانة، حيث كانت الشجرة الطيبة في فضاء الأدب والشعر..
تعالوا نستمتع بحديثه عن (فلسفة الصيام) المقال الذي نشر تحت عنوان (شهر للثورة) سنة 1353هـ وأعيد نشره مراراً تحت عنوان (مدرسة الثلاثين يوماً).
ولكن ليس قبل أن نذكر القارئ بأروع أسفار البيان العربي من كتب (مصطفى صادق الرافعي) رحمه الله تعالى.
وحي القلم.. مجموعة مقالات قصصية وفلسفية رائعة كان ينشرها في (الرسالة) وغيرها.
تحت راية القرآن.. في معاركه الأدبية
تاريخ آداب العرب.
حديث القمر ـ السحاب الأحمر ـ أوراق الورد ـ في فلسفة الحب.
مدرسة الثلاثين يوماً
لم أقرأ لأحد قولاً شافياً في فلسفة الصوم وحكمته، أما منفعته للجسم، وأنه نوع من الطب له، وباب من السياسة في تدبيره، فقد فرغ الأطباء من تحقيق القول في ذلك. وكأن أيام هذا الشهر المبارك إن هي إلا ثلاثون حبة تؤخذ في كل سنة مرة، لتقوية المعدة وتصفية الدم وحياطة أنسجة الجسم، ولكنا الآن لسنا بصدد من هذا وإنما نستوحي تلك الحقيقة الإسلامية الكبرى التي شرعت هذا الشرع لسياسة الحقائق الأرضية الصغيرة، عاملة على استمرار الفكرة الإنسانية فيها، كي لا تتبدل النفس على تغيّر الحوادث وتبدلها، ولكيلا تجهل الدنيا معاني الترقيع إذا أتت على هذه الدنيا معاني التمزيق.
من معجزات القرآن الكريم أنه يدخر في الألفاظ المعروفة في كل زمن، حقائق غير معروفة لكل زمن، فيجلّيها لوقتها حين يضج الزمان العلمي في متاهته وحيرته، فيشغب على التاريخ وأهله مستخفاً بالأديان، ويذهب يتتبع الحقائق، ويستعصي في فنون المعرفة، ليستخلص من بين كفر وإيمان، ديناً طبيعياً سائغاً، يتناول الحياة أول ما يتناول فيضبطها بأسرار العلم، ويوجهها بالعلم إلى غايتها الصحيحة ويضاعف قواها بأساليبه الطبيعية، ليحقق في إنسانية العالم هذه الشيئية المجهولة التي تتوهمها المذاهب الاجتماعية ولم يهتد إليها مذهب منها ولا قاربها، فما برحت سعادة الاجتماع كالتجربة العلمية بين أيدي علمائها: لم يحققوها ولم ييأسوا منها، وبقيت تلك المذاهب كعقارب الساعة في دورتها: تبدأ من حيث تبدأ، ثم لا تنتهي إلا إلى حيث تبدأ.
يضطرب الاشتراكيون في أوروبا وقد عجزوا عجز من يحاول تغيير الإنسان بزيادة ونقص في أعصابه، ولا يزال مذهبهم في الدنيا مذهب كتب ورسائل، ولو أنهم تدبروا حكمة الصوم في الإسلام، لرأوا هذا الشهر نظاماً عملياً من أقوى وأبدع الأنظمة الاشتراكية الصحيحة، فهذا الصوم فقر إجباري تفرضه الشريعة على الناس فرضاً ليتساوى الجميع في بواطنهم، سواء منهم من ملك المليون من الدنانير، ومن ملك القرش الواحد، ومن لم يملك شيئاً. كما يتساوى الناس جميعاً في ذهاب كبريائهم الإنسانية بالصلاة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم، وفي ذهاب تفاوتهم الاجتماعي بالحج الذي يفرضه عليه من استطاع.
فقر إجباريّ يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح، أن الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة.
ولو حققت رأيت الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم، ولا بأنسابهم ولا بمراتبهم، ولا بما ملكوا، وإنما يختلفون ببطونهم وأحكام هذه البطون على العقل والعاطفة، فمن البطن نكبة الإنسانية، وهو العقل العملي على الأرض. وإذا اختلف البطن والدماغ في ضرورة، مدَّ البطن مدّه من قوى الهضم فلم يبق ولم يذر.
ومن ههنا يتناوله الصوم بالتهذيب والتأديب والتدريب، ويجعل الناس فيه سواء: ليس لجميعهم إلا شعور واحد وحسّ واحد وطبيعة واحدة، ويحكم الأمر فيحول بين هذا البطن وبين المادة، ويبالغ في إحكامه، فيمسك حواشيه العصبية في الجسم كله يمنعها تغذيتها ولذتها حتى نفثة من دخينة.
وبهذا يضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويطلق في هذه الإنسانية كلها صوت الروح يعلم الرحمة ويدعو إليها، فيشبع فيها بهذا الجوع فكرة معينة هي كل ما في مذهب الاشتراكية من الحق، وهي تلك الفكرة التي يكون عنها مساواة الغني للفقير من طبيعته، واطمئنان الفقير إلى الغني بطبيعته، ومن هذين (الاطمئنان والمساواة) يكون هدوء الحياة بهدوء النفسين اللتين هما السلب والإيجاب في هذا الاجتماع الإنساني، وإذا أنت نزعت هذه الفكرة من الاشتراكية بقي هذا المذهب كله عبثاً من العبث في محاولة جعل التاريخ الإنسانيّ تاريخاً لا طبيعة له.(/1)
من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ عن الألم، وهذا بعض السرّ الاجتماعي العظيم في الصوم، إذ يبالغ أشد المبالغة، ويدقق كل التدقيق، في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة آخرها آخر الطاقة، فهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، ولا طريقة غيرها إلا النكبات والكوارث، فهما طريقتان، كما ترى، مبصرة وعمياء، وخاصة وعامة، وعلى نظام وعلى فجأة.
ومتى تحققت رحمة الجائع الغنيّ للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ، وحكم الوازع النفسيّ على المادة، فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول "أعطني" ثم لا يسمع منه طلباً من الرجاء، بل طلباً من الأمر لا مفر من تلبيته والاستجابة لمعانيه، كما يواسي المبتلى من كان في مثل بلائه.
أية معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية التي تقضي أن يحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوماً في كل سنة، ليحل في محله تاريخ النفس، وأنا مستيقن أن هناك نسبة رياضية هي الحكمة في جعل هذا الصوم شهراً كاملاً من كل اثني عشر شهراً، وأن هذه النسبة متحققة في أعمال النفس للجسم، وأعمال الجسم للنفس، كأنه الشهر الصحيّ الذي يفرضه الطب في كل سنة للراحة والاستجمام وتغيير المعيشة، لإحداث الترميم العصبيّ في الجسم، ولعلّ ذلك آت من العلاقة بين دورة الدم في الجسم الإنسانيّ وبين القمر منذ يكون هلالاَ إلى أن يدخل في المحاق، إذ تنتفخ العروق وتربو في النص الأول من الشهر، كأنها في (مدّ) من نور القمر ما دام هذا النور إلى زيادة، ثم يراجعها (الجزر) في النصف الثاني حتى لكأن للدم إضاءة وظلاماً، وإذا ثبت أن للقمر أثراً في الأمراض العصبية وفي مدّ الدم وجزره فهذا من أعجب الحكمة في أن يكون الصوم شهراً قمرياً دون غيره.
وفي ترائي الهلال ووجوب الصوم لرؤيته معنى دقيق آخر، وهو –مع إثبات رؤية الهلال وإعلانها- إثبات الإرادة وإعلانها، كأنما انبعث أول الشعاع السماويّ في التنبه الإنساني العام لفروض الرحمة والإنسانية والبر.
وهنا حكمة كبيرة من حكم الصوم، وهو عمله في تربية الإرادة وتقويتها بهذا الأسلوب العملي الذي يدرّب الصائم على أن يتمنع باختياره من شهواته ولذة حيوانيته ويبقيه مصراً على الامتناع، متهيئاً له بعزيمته، صابراً عليه بأخلاق الصبر، مزاولاً في كل ذلك أفضل طريقة نفسية لاكتساب الفكرة الثابتة، ترسخ لا تتغير ولا تتحول، ولا تعدو عليها عوادي الغريزة.
وإدراك هذه القوة من الإرادة العملية منزلة اجتماعية سامية، هي في الإنسانية فوق منزلة الذكاء والعلم، ففي هذين تعرض الفكرة مارة مرورها ولكنها في الإرادة تعرض لتستقر وتتحقق، فانظر في أي قانون من القوانين وفي أي أمة من الأمم، تجد ثلاثين يوماً من كل سنة قد فرضت فرضاً لتربية الشعب ومزاولته فكرة نفسية واحدة بخصائصها وملابساتها حتى تستقر وترسخ وتعود جزءاً من عمل الإنسان، لا خيالاً يمرّ برأسه مرّاً.
أليست هذه هي إتاحة الفرصة العملية التي جعلوها أساساً في تكوين الإرادة؟ وهل تبلغ الإرادة فيما تبلغ أعلى من منزلتها حين تجعل شهوات المرء مذعنة لفكرة، منقادة للوازع النفسيّ فيه، مصرّفة بالحسّ الديني المسيطر على النفس ومشاعرها؟
أما والله لو عمَّ هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعاً، لآل معناه أن يكون إجماعاً من الإنسانية كلها على إعلان الثورة شهراً كاملاً في السنة لتطهير العالم من رذائله وفساده، ومحق الأثرة والبخل فيه، وطرح المسألة النفسية ليتدارسها أهل الأرض دراسة عملية مدة هذا الشهر بطوله، فيهبط كل رجل وكل امرأة إلى أعماق نفسه ومكامنها، ليختبر في مصنع فكره معنى الحاجة ومعنى الفقر، وليفهم في طبيعة جسمه –لا في الكتب- معاني الصبر والثبات والإرادة وليبلغ من ذلك وذلك درجات الإنسانية والمواساة والإحسان، فيحقق بهذه وتلك معاني الإخاء والحرية والمساواة.
شهر هو أيام قلبية في الزمن، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السموّ، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو، وكأنما أفرغت من خسائسها وشهواتها كما فرغ هو، وكأنما ألزمت معاني التقوى كما ألزمها هو، وما أجمل وأبدع أن تظهر الحياة في العالم كله –ولو يوماً واحداً- حاملة في يدها السبحة! فكيف بها على ذلك شهراً من كل سنة؟(/2)
إنها والله طريقة عملية لرسوخ فكرة الخير والحق في النفس، وتطهر الاجتماع من خسائس العقل الماديّ، وردّ هذه الطبيعة الحيوانية المحكومة في ظاهرها بالقوانين والمحررة من القوانين في باطنها –إلى قانون من باطنها نفسه- يطهر مشاعرها، ويسمو بإحساسها، ويصرفها إلى معاني إنسانيتها، ويهذب من زياداتها ويحذف كثيراً من فضولها، حتى يرجع بها إلى نحو من براءة الطفولة، فيجعلها صافية مشرقة بما يجتذب إليها من معاني الخير والصفاء والإشراق، إذ كان من عمل الفكرة الثابتة في النفس أن تدعو إليها ما يلائمها ويتصل بطبيعتها من الفِكر الأخرى، والنفس في هذا الشهر محتسبة في فكرة الخير وحدها، فهي تبني بناءها من ذلك ما استطاعت.
هذا على الحقيقة ليس شهراً من الأشهر، بل هو فصل نفساني كفصول الطبيعة في دورانها، ولهو والله أشبه بفصل الشتاء في حلوله على الدنيا بالجو الذي من طبيعته السحب والغيث، ومن عمله إمداد الحياة بوسائل لها ما بعدها إلى آخر السنة، ومن رياضته أن يكسبها الصلابة والانكماش والخفة، ومن غايته إعداد الطبيعة للتفتح عن جمال باطنها في الربيع الذي يتلوه.
وعجيب جداً أمر هذا الشهر الذي يدّخر فيه الجسم من قواه المعنوية فيودعها مصرف روحانيته، ليجد منها عند الشدائد مدد الصبر والثبات والعزم والجلد والخشونة. عجيب جداً أن هذا الشهر الاقتصادي هو من أيام السنة كفائدة 8.3% فكأنه يسجّل في أعصاب المؤمن حساب قوته وربحه فله في كل سنة زيادة 8.3 من قوته المعنوية الروحانية.
وسحر العظائم في هذه الدنيا إنما يكون في الأمة التي تعرف كيف تدّخر هذه القوة وتوفرها، لتستمدها عند الحاجة، وذلك هو سرّ أسلافنا الأولين الذين كانوا يجدون على الفقر في دمائهم وأعصابهم ما تجد الجيوش العظمى اليوم في مخازن الأسلحة والعتاد والذخيرة.
كل ما ذكرته في هذا البحث من فلسفة الصوم فإنما استخرجته من هذه الآية الكريمة (كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وقد فهمها العلماء جميعاً على أنها من معنى "التقوى" أما أنا فأولتها من "الاتّقاء" فبالصوم يتّقي المرء على نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته معدته، وألاّ يعامل الدنيا إلا بمواد هذه الشريعة، ويتّقي المجتمع على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك، فلا يكون إنسان مع إنسان كحمار مع إنسان: يبيعه القوة كلها بالقليل من العلف.
وبالصوم يتّقي هذا وهذا ما بين يديه وما خلفه، فإنما ما بين يديه هو الحاضر من طباعه وأخلاقه، وما خلفَه هو الجيل الذي سيرث من هذه الطباع والأخلاق فيعمل بنفسه في الحاضر، ويعمل بالحاضر في الآتي.
وكل ما شرحناه فهو اتّقاء ضرر لجلب منفعة، واتّقاء رذيلة لجلب فضيلة وبهذا التأويل تتجه الآية الكريمة جهة فلسفية عالية، لا يأتي البيان ولا العلم ولا الفلسفة بأوجز ولا أكمل من لفظها، ويتوجه الصيام على أنه شريعة اجتماعية إنسانية عامة، يتّقي بها المجتمع شرور نفسه، ولن يتهذب العالم إلا إذا كان له مع القوانين النافذة هذا القانون العام الذي اسمه الصوم، ومعناه: "قانون البطن".
ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسمّاك "مدرسة الثلاثين يوماً"(/3)
مدرسة الصحابة
حمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فالحياة بالنسبة للإنسان مدرسة يتعلم فيها الأخلاق والمعاملات والعبادات وكثيرة هي المدارس التي يتعلم منها المسلم فمن مدرسة الصيام التي يتعلم فيها المراقبة والقيام والوحدة الإسلامية وغيرها إلى مدرسة الشتاء الذي قيل عنه إنه فاكهة المسلم لأنه يقصر فيه النهار فيسهل فيه الصيام ويطول فيه الليل فيسهل عليه القيام . ومن هذه المدارس التي أغفلت عند كثير من الناس هي مدرسة الصحابة ذلك الجيل العظيم الذي صحب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فنحن نحبهم ونسأل الله أن يجمعنا بحبهم في جنته لذلك سوف نتطرق في هذه العجالة إلى بعض الدروس التي نستفيدها من مدرسة الصحابة .
* نستفيد من الصحابة محبة النبي صلى الله عليه وسلم وضربوا لنا أروع الأمثلة في حبه عليه الصلاة والسلام يقول الكافر لما رجع إلى أصحابه ( أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له )
يقول عمرو بن العاص ( وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ) ( عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها قال فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلت فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح!
والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ) هؤلاء هم صغار الصحابة .
كان الصحبة رضوان الله عليهم يفدون رسول الله بأنفسهم ( عن الزبير بن العوام قال كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة ) .
في معركة أحد عندما انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنس في الحديث الذي رواه البخاري (فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك )
* نستفيد من الصحابة سرعة استجابتهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الواحد منهم يأخذ النص لينفذ ويعمل مباشرة دون أي تردد حتى ولو كان العمل ضد هوى الواحد منهم (عن معقل بن يسار أن زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ماكانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العده فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقال له : يالكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله تبارك وتعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن – إلى قوله – وأنتم لا تعلمون ) فلما سمعها معقل قال سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال أزوجك وأكرمك ) .
وكذلك أبو بكر لما حلف بعدما وقع بعض الناس في بنته عائشة رضي الله عنها حتى ذاقت المر وبكت حتى انقطع بكائها وجف دمعها وكان من اللذين تورطوا في هذه القضية مسطح ( قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبد بعد الذي قال على عائشة فأنزل الله ( ولا يأتل أولو الفضل منكم – إلى قوله – غفور رحيم ) قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا )(/1)
* نستفيد من الصحابة الصدق مع الله لا كذب ولا إخلاف عهد مع الله ( عن شداد بن الهاد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا قال قسمته لك قال ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك )
عرف الالتزام عرف التطوع عرف الهداية قل ما شئت لكن المسألة والله العظيم في النهاية شيء واحد الصدق مع الله فقط. .
* نستفيد من الصحابة أن قراءتهم للقرآن كانت مؤثرة ( فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين )
وكذلك مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف والسنان عندما فتحها مصعب بن عمير و ابن أم مكتوم .
* نستفيد من الصحابة ترك الدنيا لأجل العلم أبو هريرة يقول ( أالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ) كل ذلك من أجل العلم لذلك سطرت دواوين الحديث خمسة آلاف حديث لأبي هريرة وأكثر من روى الحديث أبو هريرة ويقول : لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
* نستفيد من الصحابة التواضع فإن هؤلاء الصحابة الفقراء لما إنفتحت عليهم الدنيا وجاءتهم الغنائم والمناصب لم يتغيروا ولم تتبدل نفوسهم ولما جاءت خزائن كسرى وقيصر لم تتبدل نفوسهم.
* نستفيد من الصحابة الشجاعة (عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )
وهذا موقف آخر لحمزة رضي الله عنه يبين شجاعته في غزوة أحد يقول الراوي(فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب)
( عن هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك ألا تشد فنشد معك فقال إني إن شددت كذبتم فقالوا لا نفعل فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد ثم رجع مقبلا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلا )
وخال يقول عن غزوة مؤته ( قد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية )
( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له قال فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه هل تفقدون من أحد قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا قال انظروا هل تفقدون من أحد قالوا لا قال لكني أفقد جليبيبا قال فاطلبوه في القتلى قال فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقالوا يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال قتل سبعة وقتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه مرتين أو ثلاثا ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفر له ما له سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره ولم يذكر أنه غسله )
* نستفيد من الصحابة تسخير الطاقات لنصرت هذا الدين (عن زيد بن ثابت قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود قال إني والله ما آمن يهود على كتابي قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم)(/2)
اللذين يتعلمون الآن اللغة الإنجليزية هل فكروا في الدعوة إلى الله والذين عندهم مواهب وطاقات في الكمبيوتر والخطابة والكتابة هل قاموا بتسخير طاقاتهم في الدعوة إلى الله ونصرت هذا الدين ؟
* نستفيد من الصحابة التفاعل مع النصوص (قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)
(وكذلك عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال فإنك )
( عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير سمعه يقول سمعت عوف بن مالك يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت)
( فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل قال سالم فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا )
( عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد )
* نستفيد من الصحابة الشعور بالمسؤلية (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر عنده جالس وقال أبو بكر يا زيد بن ثابت إنك غلام شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن )
* نستفيد من الصحابة الإيثار الأنصار أعطوا المهاجرين نصف الثمرة كما في البخاري .
( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة فأنزل الله عز وجل ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
* نستفيد من الصحابة الرحمة بين الأخوان كانوا كالجسد الواحد لما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة وحضره الموت (قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر قالت فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله عز وجل (رحماء بينهم)
* نستفيد من الصحابة المشاركة الأخوية (فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفي على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج قال فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني )
* وختاماً أقول الصحابة مدرسة في الأخلاق في الجهاد في التعامل بل في كل أمور الدنيا والآخرة فهل نقتدي بهم ونهتم بسيرهم والله إنا نشهد الله على حبهم فيه وأسأل الله أن يجمعني بحبهم في جنته وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد(/3)
مدرسة الصحابة
المستكشف
حمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فالحياة بالنسبة للإنسان مدرسة يتعلم فيها الأخلاق والمعاملات والعبادات وكثيرة هي المدارس التي يتعلم منها المسلم فمن مدرسة الصيام التي يتعلم فيها المراقبة والقيام والوحدة الإسلامية وغيرها إلى مدرسة الشتاء الذي قيل عنه إنه فاكهة المسلم لأنه يقصر فيه النهار فيسهل فيه الصيام ويطول فيه الليل فيسهل عليه القيام . ومن هذه المدارس التي أغفلت عند كثير من الناس هي مدرسة الصحابة ذلك الجيل العظيم الذي صحب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فنحن نحبهم ونسأل الله أن يجمعنا بحبهم في جنته لذلك سوف نتطرق في هذه العجالة إلى بعض الدروس التي نستفيدها من مدرسة الصحابة .
* نستفيد من الصحابة محبة النبي صلى الله عليه وسلم وضربوا لنا أروع الأمثلة في حبه عليه الصلاة والسلام يقول الكافر لما رجع إلى أصحابه ( أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له )
يقول عمرو بن العاص ( وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ) ( عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها قال فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلت فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح!
والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ) هؤلاء هم صغار الصحابة .
كان الصحبة رضوان الله عليهم يفدون رسول الله بأنفسهم ( عن الزبير بن العوام قال كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة ) .
في معركة أحد عندما انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنس في الحديث الذي رواه البخاري (فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك )
* نستفيد من الصحابة سرعة استجابتهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الواحد منهم يأخذ النص لينفذ ويعمل مباشرة دون أي تردد حتى ولو كان العمل ضد هوى الواحد منهم (عن معقل بن يسار أن زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ماكانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العده فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقال له : يالكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله تبارك وتعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن – إلى قوله – وأنتم لا تعلمون ) فلما سمعها معقل قال سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال أزوجك وأكرمك ) .
وكذلك أبو بكر لما حلف بعدما وقع بعض الناس في بنته عائشة رضي الله عنها حتى ذاقت المر وبكت حتى انقطع بكائها وجف دمعها وكان من اللذين تورطوا في هذه القضية مسطح ( قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبد بعد الذي قال على عائشة فأنزل الله ( ولا يأتل أولو الفضل منكم – إلى قوله – غفور رحيم ) قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدا )(/1)
* نستفيد من الصحابة الصدق مع الله لا كذب ولا إخلاف عهد مع الله ( عن شداد بن الهاد أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال ما هذا قالوا قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا قال قسمته لك قال ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك )
عرف الالتزام عرف التطوع عرف الهداية قل ما شئت لكن المسألة والله العظيم في النهاية شيء واحد الصدق مع الله فقط. .
* نستفيد من الصحابة أن قراءتهم للقرآن كانت مؤثرة ( فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين )
وكذلك مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف والسنان عندما فتحها مصعب بن عمير و ابن أم مكتوم .
* نستفيد من الصحابة ترك الدنيا لأجل العلم أبو هريرة يقول ( أالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ) كل ذلك من أجل العلم لذلك سطرت دواوين الحديث خمسة آلاف حديث لأبي هريرة وأكثر من روى الحديث أبو هريرة ويقول : لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
* نستفيد من الصحابة التواضع فإن هؤلاء الصحابة الفقراء لما إنفتحت عليهم الدنيا وجاءتهم الغنائم والمناصب لم يتغيروا ولم تتبدل نفوسهم ولما جاءت خزائن كسرى وقيصر لم تتبدل نفوسهم.
* نستفيد من الصحابة الشجاعة (عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )
وهذا موقف آخر لحمزة رضي الله عنه يبين شجاعته في غزوة أحد يقول الراوي(فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب)
( عن هشام بن عروة عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك ألا تشد فنشد معك فقال إني إن شددت كذبتم فقالوا لا نفعل فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد ثم رجع مقبلا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر قال عروة كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير قال عروة وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلا )
وخال يقول عن غزوة مؤته ( قد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية )
( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له قال فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه هل تفقدون من أحد قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا قال انظروا هل تفقدون من أحد قالوا لا قال لكني أفقد جليبيبا قال فاطلبوه في القتلى قال فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقالوا يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال قتل سبعة وقتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه مرتين أو ثلاثا ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفر له ما له سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره ولم يذكر أنه غسله )
* نستفيد من الصحابة تسخير الطاقات لنصرت هذا الدين (عن زيد بن ثابت قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود قال إني والله ما آمن يهود على كتابي قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم)(/2)
اللذين يتعلمون الآن اللغة الإنجليزية هل فكروا في الدعوة إلى الله والذين عندهم مواهب وطاقات في الكمبيوتر والخطابة والكتابة هل قاموا بتسخير طاقاتهم في الدعوة إلى الله ونصرت هذا الدين ؟
* نستفيد من الصحابة التفاعل مع النصوص (قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)
(وكذلك عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال فإنك )
( عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير سمعه يقول سمعت عوف بن مالك يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت)
( فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل قال سالم فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا )
( عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد )
* نستفيد من الصحابة الشعور بالمسؤلية (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر عنده جالس وقال أبو بكر يا زيد بن ثابت إنك غلام شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن )
* نستفيد من الصحابة الإيثار الأنصار أعطوا المهاجرين نصف الثمرة كما في البخاري .
( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة فأنزل الله عز وجل ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
* نستفيد من الصحابة الرحمة بين الأخوان كانوا كالجسد الواحد لما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة وحضره الموت (قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر قالت فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله عز وجل (رحماء بينهم)
* نستفيد من الصحابة المشاركة الأخوية (فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفي على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج قال فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني )
* وختاماً أقول الصحابة مدرسة في الأخلاق في الجهاد في التعامل بل في كل أمور الدنيا والآخرة فهل نقتدي بهم ونهتم بسيرهم والله إنا نشهد الله على حبهم فيه وأسأل الله أن يجمعني بحبهم في جنته وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد(/3)
مدى مناسبة أسلوب القصص للطلاب
رقم الفتوى
10739
تاريخ الفتوى
26/11/1425 هـ -- 2005-01-07
السؤال
انا مشرف على حلقة تحفيظ ولقد خصصنا يوما في الاسبوع أقص عليهم قصص الانبياء ...هل مثل هذه القصص نؤجر عليها؟ وبماذا تنصحني ان اتبع في مثل هذه القصص فأنا اتبع صحيح ابن كثير والطبري وأشرطة طارق السويدان؟
الإجابة
القصص نوعان :
1 - نوع مرغب فيه ويحمد صاحبه ويؤجر عليه إن شاء الله إذا ابتغى بذلك وجه الله عز وجل وهو القصص الذي يعتمد على قصص القرآن الكريم وما صح من السنة المطهرة واأحوال السلف رحمهم الله
2- نوع مذموم وهو الذي يعتمد على أخبار بني إسرائيل مما لم يصح عند المسلمين أو كان فيه مخالفة شرعية كبعض أخبار الصوفية وشطحاتهم أو ما حدث بين المسلمين من فتن وحروب مما لا ينبغي ذكره بل ينبغي طويه وكف اللسان عنه ولذلك فأشرطة الدكتور السويدان وفقه الله التي تحدث فيها عن الفتن بعد مقتل عثمان رضي الله عنه يجب الإعراض عنها أما أشرطته عن قصص الأنبياء والسيرة فأنا لم أسمع إلا جزءا منها فإن لم يكن فيها مخالفة فلا بأس بها(/1)
مذهب الشيطان
الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد،،،
فالجنس الأول من الشر الذي يطمح الشيطان إليه مع بنى آدم أن يوقعهم في الكفر, وللشيطان مذهب لم يغب عن الأرض طرفة عين، قال تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [60] وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [61] وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[سورة يس].
فقوله تعالى:{أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً} يدل علي أن أكثر أهل الأرض يتبعون مذهب الشيطان, وهذا واضح أيضًا في قول الله عز وجل:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ... [18]}[سورة الحج]. فعموم المخلوقات، وكل دابة على وجه الأرض, كله يسجد, ولما ذكر الناس قال:{وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} إذًا فليسوا جميعًا يسجدون، أو يوحدون، مع أن الكون كله ساجد وموحد إلا الثقلين: الإنس والجن.
مذهب الشيطان
أي مذهب لا يكون إلا بأمر ونهى, أنزل الله عز وجل الكتاب، وأرسل الرسل؛ ليأمر الناس بشيء وينهاهم عن شيء, إذًا الأمر والنهى أصل كل مذهب، والشيطان يقول:{وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ...[119]}[سورة النساء].
النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى العرب، ودعاهم إلى الله، لماذا قاتلوه مع أنهم يوحدون الله التوحيد الخاص بالخلق والإحياء والإماتة والإيجاد من عدم؟! ولم يَدَّعِ أي من العرب أن آلهة أخري اشتركت مع الله في خلق شيء، أو تدبير شيء، وقد أقام الله عز وجل عليهم الحجة في كثير من آيات القرآن:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [61]}[سورة العنكبوت].
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [63]}[سورة العنكبوت] .
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [31]}[سورة يونس].
في هذا كله يقرون بالله عز وجل ربًا, فلماذا قاتل العرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلموا له بدعوته؟
إن الذي أبى العرب أن يسلموا به هو توحيد العبادة: 'توحيد الألوهية' ...{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [5]}[سورة ص].
هذا الذي أنكره عليه العرب، وصبروا علي حز الغلاصم، وأبوا أن يقولوا هذه الكلمة, لماذا لا تقول لا اله إلا الله ؟ لماذا تقوم الحروب؟ لماذا تعرض نسائك أن يكن سبايا ؟ لماذا تعرض نفسك للقتل؟ لماذا يسترق ولدك؟ لماذا كل هذا ؟ أبوا أن يسلموا بتوحيد العبادة.
نماذج من توحيد الألوهية:
وتوحيد العبادة مثل قوله سبحانه:
{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [57]}[سورة الأنعام]. {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [40]}[سورة يوسف].
{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [70]}[سورة القصص].
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [88] }[سورة القصص]. {وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [41]}[سورة الرعد].
هذا هو توحيد العبادة:{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} توحيد الحاكمية أخص خصائص توحيد العبودية, لا يحل لأحد أن يأمر بمعروف، أو بواجب، أو مستحب، أو ينهي إلا الله ، ومن أرسله من رسول .
هذا التوحيد هو ما أرادوا تحريفه في نفوس الأجيال:
لما درسوا الدين في المدارس افتتحوه بعبارة شهيرة ماكرة , قالوا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العرب وهم- وذكروا بعض مظاهر الجاهلية-:'يسجدون للأصنام، ويشربون الخمر، ويئدون البنات'. وانتهى الأمر، وصارت عبارة دارجة وشهيرة في الكتب، فهل هذه العبارة صحيحة؟(/1)
فإذا تكررت هذه العبارة- والقاعدة الإعلامية اليهودية الماكرة تقول:'ما تَكَرَّرَ تَقَرَّرَ'- فمع تكرار العبارة يصير وقعها على النفوس مستقرًا حتى ولو كانت غلطًا, فإذا استقرت هذه العبارة في نفوس الجماهير؛ فسينظروا الآن هل هناك أحد يعبد الأصنام؟ الجواب: لا , هل هناك أحد يشرب الخمر؟ سواد المسلمين لا يشربون الخمر، وحتى الذين يشربونه يعلمون أنه حرام. هل هناك من يدفن البنات؟ الجواب: لا... إذا الإسلام موجود كله، الإسلام الذي قاتل النبي صلى الله عليه وسلم عليه موجود !!!
هل هذه العبارة صحيحة بهذا الإطلاق؟ الجواب: لا.
لماذا قاتل العرب النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن العرب قاتلوا حتى لا يكون الحكم لله، يريدون أن يحكموا بأهوائهم، ويشرعون بأهوائهم, {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ [59] }[سورة يونس].
لا يحل الحكم في خردلة فما دونها إلا بحكم الله عز وجل . إن العرب صبروا على القتال، وفقدوا الأنفس الغالية, فقدوا الرؤساء، فقدوا السادة والصناديد الكبار، وسبيت نساؤهم، وأبوا أن يوحدوا توحيد العبادة الذي هو التسليم لحكم الله عز وجل، وهذا هو التوحيد الذي قاتل النبي صلى الله عليه وسلم العرب لأجله .
يزعجني أن كثيرًا من الناس لا يلتزم بأحكام الله، ولا يسأل عنها إلا إذا وقع في ورطة، ولم يجد حلًا، أو وقع في مصيبة، جاء يسأل عن حكم الله ! أيكون الجماد خير من الإنسان، إن الله عز وجل قال:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [11]}[سورة فصلت]'. لماذا لا يرجع هذا إلى الله إلا بعد أن يصيبه العذاب الأليم؟!
رجل يسرق أموال الناس, ويختلس من الشركة, ويضع أمواله في البنوك، لمدة 18 سنة وهو يفعل ذلك، وفجأة سقط صريعًا، وأصيب بذبحة صدرية, فجاء يسأل ويقول: أنا أخطأت !! والبيت الذي بنيته من هذه الأموال، كل مشروعاتي من هذه الأموال، ربيت أولادي من هذه الأموال، لا امتلك علي وجه الأرض شيء غير هذه الأموال، لا أستطيع أن أخرج من بيتي، ولا أن أخرج من تجارتي فدبرنى ماذا افعل ؟!
كثير من التجار يعقدون الصفقات، ولا يسألون عن حكم الله فيها, ومع أن كثيرًا من التجار لهم مستشارون قانونيون ومحاسبون، ويعطونهم رواتب عالية وثابتة, أهل العلم استشارتهم مجانية بلا مال , فهل يا ترى كل تاجر كبير له مستشار يقول له: هذا حلال، وهذا حرام؟!
هذا من أدل الأدلة على أننا لا نوحد الله توحيد الحاكمية الذي هو أخص خصائص توحيد الألوهية، فهذا الجنس الخطير: 'الكفر' هذا ما يطمح الشيطان إليه .
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيانة جناب التوحيد:
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على صيانة جناب التوحيد، حتى ولو باللفظ، ويدل علي ذلك ما رواه بن ماجة وأحمد وغيرهم بسند قوى عَنْ طُفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخِى عَائِشَةَ لأُمِّهَا أَنَّهُ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّهُ مَرَّ بِرَهْطٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا نَحْنُ الْيَهُودُ. قَالَ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ عُزَيْراً ابْنُ اللَّهِ. فَقَالَتِ الْيَهُودُ وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ. ثُمَّ مَرَّ بِرَهْطٍ مِنَ النَّصَارَى فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا نَحْنُ النَّصَارَى. فَقَالَ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. قَالُوا وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ مُحَمَّدٌ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ ثُمَّ أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: [هَلْ أَخْبَرْتَ بِهَا أَحَداً]. قَالَ نَعَمْ. فَلَمَّا صَلَّوْا خَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: [إِنَّ طُفَيْلاً رَأَى رُؤْيَا فَأَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ وَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ كَلِمَةً كَانَ يَمْنَعُنِى الْحَيَاءُ مِنْكُمْ أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا لاَ تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ].
إذًا: نخلص من هذا أن التوحيد الذي كان فرقانًا بين الجاهلية والإسلام هو 'توحيد العبادة'.(/2)
فهذا الجنس الخطير 'الشرك' هو ما يسعى الشيطان إليه، وأوسع هذه الأبواب تلقى الأوامر والنواهي من غير الله عز وجل، قال الله سبحانه:{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون[116] مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌَ [117]}[سورة النحل].
وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا يدعو الناس إلى الله وإلى توحيده, وأهدر الأموال بين الناس لعلة التوحيد، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ] رواه البخاري ومسلم. إن الذي فرق بينهما 'التوحيد' الذي فرق بين الوالد وولده، وببن الولد ووالده ' التوحيد' .
فمن العجب أن تهون بعض الجماعات الإسلامية الآن من شأن التوحيد، ويقولون إن الكلام في التوحيد يفرق، ونحن نريد أن نجمع الكلمة!
إذا اختلفنا على الله تعالى فعلى ماذا نتفق ؟ كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة، ولا سبيل إلى توحيد الكلمة قبل أن نتفق على كلمة التوحيد, واحتج بعضهم غلطًا ووهما بقصة هارون عليه السلام، وأنه ترك الناس يعبدون العجل خشية أن يفرق بين بني إسرائيل:{ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا[92]أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي[93]قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي[94]}[سورة طه].
فقالوا: ترك هارون بني إسرائيل يعبدون العجل حتى لا يفرق بينهم.. فهل هذا صحيح؟
الجواب: إنه خطأ، وهذا الرأي ظاهر البطلان من آيات القرآن.. لقد نهاهم هارون عليه السلام:{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي[90]}[سورة طه].
فبين لهم أنه لا يحل لهم أن يعبدوا العجل, وفي سورة الأعراف نبه عليه السلام أنهم كادوا يقتلونه لمّا نهاهم:{ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا َقْتُلُونَنِي...[150]}[سورة الأعراف]. هل يقتلوه وهو ساكن صامت، أو يقتلوه لأنه قاومهم ووقف في وجههم؟!
فكيف يظن في نبي الله هارون أن يرى الناس يعبدون العجل من دون الله عز وجل، فيسكت خشية أن يفرق جمعهم , إنما أرسل الله عز وجل موسى وهارون وقسم الدنيا قسمين: فراعنة وإسرائيليين، فصلهم قسمين كبيرين لماذا ؟ ليتركوا عبادة فرعون ويعبدوا العجل؟! ما هو الفرق؟!
فصاروا يهونون من مثل هذا، ويقولون إن الكلام في التوحيد يعكر الساحة, أهم شيء هو العدو الخارجي إسرائيل!
والمد الثقافي الذي هو أخطر من الغزو العسكري قائم على قدم وساق:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً...[89]}[سورة النساء]. {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ... [120]}[سورة البقرة].
المسألة مسألة عقدية.. فهؤلاء اليهود يفعلون كل شيء لتدمير شباب هذه الأمة، والعجيب أن يكون هناك عملاء يغطون مثل هذه الأقاويل، الحرب الثقافية على أشدها الآن.
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يرد هذه الأمة إلى دينه مردًا جميلًا، وأن يهديهم صراطًا مستقيمًا.
من خطبة:'مذهب الشيطان' للشيخ/أبي إسحاق الحويني(/3)
مراتب الكافرين مع القرآن الكريم في سورة فصلت ...
{ولو جعلناه قرآناً أعجميّاً لقالوا لولا فُصّلت آياته ءَاْعجميٌّ وعربيّ، قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر، وهو عليهم عمى، أولئك ينادون من مكان بعيد}[فصّلت:44]
سورة فصّلت أُسُسُ موضوعاتها هو الحديث عن العلاقة بين القرآن العربي الكريم وبين مستمعيه، فهي تعظ أهل الإيمان بالطريقة الصحيحة لتلاوته الفاهمة العالمة حتى يحصل أثره الذي أنزله الله تعالى من أجله، كما قال تعالى في السورة: {وإمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه هو السميع العليم}.
والشيطان لا ينزغ إلا عند الطاعة، وقد حذّر الله تعالى منه حين حضور العبد لطاعة ربّه أكثر من تحذيره في مواطن أخر، ولذلك قال تعالى:
{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله إنّه هو السميع العليم}، لأنّ الشيطان لا يحضر في البيوت الخربة ولا عند المفلسين، بل يحضر عند القلوب العامرة ليفسد عليها عمرانها وما فيها من خير، وممّا يُروى أنّ يهود افتخرت على المسلمين بأنّها لا توسوس في صلاتها، فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: "وأي خير في قلوبهم وصلاتهم حتّى يوسوس فيها الشيطان؟" ولذلك فإنّ هذا الخبيث يحضر عند الصلاة وعند الوضوء وعند الصدقة وعند القتال وعند قيام الليل، وفي كلّ ذلك وردت أحاديث صحيحة فانتبه لهذا وتذكّر حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه لما شكى له وسوسة الشيطان وشدّة ما يلقون في ذلك، فقال له صلى الله عليه وسلم: "أوجدّتموه -أي الوسوسة- ذلك صريح الإيمان، الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة".
وقد ذكرت السورة -متفرّقا- شأن الكافرين مع هذا القرآن العظيم، وكيف يسمعونه ويحاورون أهله، وهي مع وجودها عند أعداء الكتاب الكريم، إلا أنّها تحمل التحذير لأهله لئلاّ يقعوا موقعهم:
أ- {وقالوا قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}[فصلت:5]. هكذا أغلق الكافرون كلّ وسائط العلم لما يتلوه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتباعه عليهم، فقد أكنّوا قلوبهم، أي جعلوها في "كِنّ"، وهو الوعاء الحافظ لما فيه فلا يسمح بدخول شيء عليه، هذا إن وقع على أسماعهم شيء من آياته، ولكنّهم لخوفهم أن تتأثّر قلوبهم من آياته إن وقعت عليها فقد صنعوا حاجزاً سابقاً عن القلب، هو الحاجز في الأسماع، فقد صممناها عن السماع وأغلقناها أن يدخل فيها شيء من هذا الكلام. ثمّ زيادة في إبعاد هذا الكلام عنهم جعلوا بينهم وبينه حجاباً، ولذلك قال تعالى قبل هذه الآية: {فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون}.
وأنت أخي الحبيب لو تفكّرت في قوله تعالى عنهم: {وقالوا قلوبنا في أكنّة..}
لوجدّت أنّ هذه الحواجز قد ذكرها الله تعالى مرتّبة على درجة الأهمّية، فالقلب هو وعاء الفهم والإدراك والإحساس، وهو منطلق الشعور الذي تحصل به الإرادة، فهو محطّ تسمية الإنسان إنساناً، ومقصد القرآن هو البلوغ إلى هذا المرجل الذي لا حياة للإنسان بدونه، ثمّ ذكر الربّ السمع وهو واسطة الإنسان نفسه بينه وبين العلم والقرآن، ثمّ ذكر الربّ المانع الخارجي والذي لا يحصل السماع مع وجوده، وهذا تفصيل له أهمّيته لغفلة الناس عنه.
وهذا قسم من أقسام أعداء القرآن لا يريدون سماعه ابتداءً، بل هم يخافون من سماعه، وأظنّ -والله أعلم- أنّ هذا القسم عنده القدرة على تذوّق الكلام الجميل الحسن، وأنّهم يطربون لبلاغات البيان الراقي الرفيع، ولمّا كانوا كذلك، وعلموا أنّ هذا القرآن مما يملك على سامعه نفسه وعقله ووجدانه، وأنّه مَلَكَ ناصية البيان، بل تجاوزها إلى رحاب يحسّونها في أنفسهم ولا يستطيعون إنكارها، لذلك سارعوا إلى وضع الحواجز الداخلية والنفسيّة والخارجيّة حتّى لا يسمعوا لهذا القرآن، فأبعدوه بالحجاب، وأغلقوا عليه منافذ الولوج إلى داخلهم، ثمّ حصّنوا قلوبهم بغلف ثخينة ثقيلة، ذلك لأنّهم يعرفون ما لهذا الكلام من وقع على آذانهم وقلوبهم، فستطرب له آذانهم رغم أنوفهم، وستؤمن له قلوبهم من غير رضاهم، وهم يكرهون هذا.
وقد يقول سائل: "هل تؤمن القلوب من غير رضا أصحابها؟"
الجواب: نعم، وإن شئت فاقرأ قوله سبحانه وتعالى: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى}[فصلت:17]، واقرأ قوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}[النمل:14]، وغيرها من الآيات التي تدل على أنّ القلوب قد تذوّقت الحقّ وعرفته معرفة يقينيّة، ولكنّهم كرهوا هذه المعاني الإيمانية ورأوها تصادم أهواءهم وشهواتهم ودنياهم، فتصارعت معاني الإيمان في قلوبهم مع الموانع من هذه الشهوات فغلبت الشهوة تلك المعاني، وذهب الإيمان تحت أركام العلو والظلم والاستكبار، ولذلك استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة، ورغبوا عن رضا الله إلى رضا الشهوات.(/1)
ب- الصنف الثاني: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون}[فصلت:26]. هؤلاء هم بهائم البشر وأغبياؤهم، وهم مقلّدة الأسياد والكبار من الطواغيت، فالطواغيت يأمرونهم: {لا تسمعوا... والغوا فيه}. وممّا يدلّ على أنّ مقام هؤلاء هو مقام المقلّدة هو قوله سبحانه وتعالى بعدها: {وقال الذين كفروا ربّنا أرِنا الَّذَيْنِ أضلاّنا من الجنّ والإنس.(نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين}[فصلت:29]. فالمقام مقام مقلدة بهائم مع أسياد خبثاء.
وهذا الصنف لا يفرّق بين الدر والبعر، ولا بين سقيم القول ومعجزه، فهم يردون الحق بالغناء والتصفيق والرقص والنقص، ولذلك أوصاهم أسيادهم أن يردّوا على سماع القرآن باللغو، واللغو كما قال مجاهد رحمه الله تعالى: بالمكاء والتصدية، أي بالصفير والتصفيق. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "هذا حال الجهلة من الكفّار، ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن".
فهذا الصنف يجابهون هدى القرآن وأثره على قلوبهم بالتشغيب والصراخ وإثارة الحواس البهيميّة بالطرب والغناء المحرّم، وربمّا زادوا عُتواً وكفراً بأن يقرؤوا القرآن نفسه بألحان أهل المجون والتغبير، وربّما غنّوه بآلات اللهو المحرّم لتسقط من القلوب عظمة المتلوّ وتصغر في نفوس السامعين. ومما يدخل في هذا الصنف كذلك هو تلاوة القرآن في المحلّ الذي يقال فيه الكفر أو تصدر منه المعصية، وأمثل دليل على هذا هو ما تصنعه الإذاعات اللعينة من افتتاح برامجها بالقرآن الكريم، ثمّ ما هي إلا لحظات حتّى يبدأ وحش المعصية يهجم على الآذان والأعين، والناس في هذا المقام لا يرون في القرآن العظيم إلا برنامجاً يعادل ما يبث بعده، ولا يقع في قلوبهم شيء من عظمته وعزّته وكماله، فهم لا يفرّقون بين أن يضعوا شريطاً للغناء الخبيث أو يضعوا شريطاً للقرآن يتلوه مطرب لهم يميلهم كما تميلهم النشوة المحرّمة، وهذا كلّه لتسقط حرمة القرآن من قلوب الناس فلا يتّعظون بمواعظه ولا يقفون عند حرامه وحلاله، ولا يهتدون بهدايته، بل كلّ شأنهم معه هو شأن استماعهم لأيّ كلامٍ مطربٍ جميل، وقد حدّثني بعض الإخوة أنّه يعلم ناساً إذا أخذوا في شرب وتدخين الحشيشة وضعوا للسماع بعض أصوات القارئين المشهورين ليأخذهم الطرب والنشوة، بل إنّ بعض القارئين أنفسهم لا يتورّع أن يتعاطى الحشيش قبل قراءته ليزداد إطرابه لسامعيه، فحسبنا الله ونعم الوكيل. وهذه اللذة التي تحصل في قلوبهم ليست هي تلك اللذة الحاصلة لأهل الإيمان حين يسمعوا له فتخبت له قلوبهم ثمّ تلين قلوبهم وجلودهم لذكره، خشية مما فيه، ويزدادون قرباً من مولاهم جلّ في علاه.
إذاً هذا الصنف يُمنعون من استماع التدبّر والاتّعاظ والعبرة والفهم والذي يؤدّي إلى الانقياد لأوامره والابتعاد عن نواهيه لأنّهم يلغون فيه.
ج- الصنف الثالث: {إنّ الذين يلحدوهن في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يُلقى في النار خير أمّن يأتي آمناً يوم القيامة إعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير* إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنّه لكتاب عزيز}[فصلت:40-41].
وهذا صنف آخر من أعداء الذكر الربّاني العظيم، هم أشدّ وأعتى، اطمأنّت نفوسهم على ما في قلوبهم من كفرٍ عاتٍ متجذّر، وعلموا أن هذا الكفر صار مختلطاً بمشاشات القلوب، فلن يُنتزع منهم حتّى لو حاول أولوا العزم والقوّة، فالكفر ثابت في قلوبهم ثباتاً لا يخاف عليه من سماع القرآن ولا من الجلوس مع تاليه وقارئه.
هذا الصنف يملك عقلاً إبليسيّاً خبيثاً، قرّر بكلّ صرامة أن يحاور القرآن حتّى يحمله على غير محمله، فهو سيلحد فيه، والإلحاد هو الإمالة، أي إنّه امرؤٌ يتستّر بظاهر جميل، وله باطن خبيث، ولذلك ذكر الربّ جلّ في علاه أمر علمه بهذا الصنف، وهذا يدلّ على تخفّيه وتستّره فقال سبحانه: {لا يخفون علينا}. وهذا الصنف -والله أعلم- هم الزنادقة، وهم قوم زعموا في الظاهر أنّهم يريدون أن يعرفوا ماذا يقول الله في هذا الكتاب، وقالوا: هلمّ لنسمع له ونرى ما فيه وأي شيء يقول، وبطريقة خبيثة مكينة أخذوا في ضرب آياته بعضها ببعض، فيردّون المحكم فيه بالمتشابه فيه، وهم يقولون: نحن لسنا كأولئك -من تقدّم وصفهم بأنّهم لا يسمعونه- بل نحن سمعناه وفهمناه وجلسنا نحاوره فهذا هو الذي خرج معنا، ولذلك أرسلهم الله تعالى، ومدّ لهم في طغيانهم بقوله جلّ سبحانه: {إعملوا ما شئتم}، ولم يجبهم على صنيعهم إلا بقوله: {أفمن يُلقى في النار خير أم من يأتي يوم القيامة..}.(/2)
وهذا الصنف -صنف الزنادقة- على طبقات، فمنهم الباطنيّة الغلاة، يزعمون أنّهم مع القرآن ولا يخالفونه، فهم مع ظاهره العربي، وفي الباطن يحملون آياته على التأويل الباطل، وعلى التحريف الذي لا يلتقي مع اللسان العربي في شيء، ومن هؤلاء قديماً الإسماعيليّة والقرامطة والدروز والنصيريّة، ومن المعاصرين طوائف تنتسب لهذه الطوائف المتقدّمة، وكذلك زنادقة الأدب الذين يزعمون الحداثة أو ما بعد الحداثة كأدونيس النصيري -حامل لواء الزندقة الأدبيّة في هذا العصر-.
ومنهم من هو على شاكلتهم ولكنّهم لا يظهرون ما يظهر الأوائل، فإنّ الأوائل في زمزمتهم الداخلية لا ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، وأمّا هذا الصنف فهو يأتي من باب الحرص على الإسلام ويزعم أنّه يريد أن يطوّر الإسلام ليقدّمه إلى عالم اليوم فتُقبِل عليه النفوس، أو أن يعطيه دفعة جديدة لئلاّ يقع التعارض بين أهواء النفوس المعاصرة وبين آيات القرآن، وهذا الصنف يمارس كلّ أساليب الإلحاد، أي إمالة معاني كتاب الله تعالى لتوافق الأهواء الباطلة والشهوات الدنيويّة، وهم يستخدمون كلّ طاقاتهم وقدراتهم لليّ أعناق النصوص -كما يقول سيّد قطب- حتّى تتوافق مع مرادهم، وهذا الصنف ملأ السهل والواد في عصرنا هذا وأيّامنا هذه، ويحمل لواء هذا الجحفل إلى جهنّم كبيرهم الذي علّمهم الزندقة والإلحاد: محمّد أركون الجزائري، وارتشف قيحه وصديده نصر حامد أبو زيد ومعهم حسن حنفي وغيرهم الكثير.
ثمّ جاء بعدهم وسبقهم في ارتكاستهم السوري النصيريّ محمّد شحرور صاحب "الكتاب والقرآن"، ولو ذهبنا نستقصي لطال بنا المقام، وكاتب هذه الكلمات بدأ في إعداد معلّمة تسمّى "طبقات الزنادقة" تقتصر على أسماء المعاصرين من هذا الصنف اللعين، أسأل الله تعالى الإمداد والإعانة.
فهذا الصنف الكافر بما أنزل الله تعالى همّه تفسير القرآن على غير وجهه الذي نزل به، إمّا لضرب بعضه بعضاً كما كان يصنع ابن الرايوندي الملحد الزنديق وكذا صادق جلال العظم والسوري تركي علي الربيعو، أو يحمله على غير وجهه حتّى يحتجّ به على باطله وخبثه وشرّه.
وهذا كلّه لمؤاخاتهم الشياطين -قرنائهم- كما قال تعالى في السورة:{وقيّضنا لهم قرناء فزيّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم}[فصّلت:25].
هذا الصنف هو أخطر صنف على الأمّة المسلمة لأنّه يتزيّا بزيّ أهل الإسلام، بل يلبس لبوس العلماء والحكماء فيُفتَتَنُ به أقوام من العابدين الجهلاء، أو من أصحاب الأهواء، ويتّخذون كلامهم حجّة في إلحادهم وزندقتهم. والباطنيّة هي أسس البلاء في تاريخ أمّتنا، فإنّه ما من شرّ حصل فيها إلا وهم بابه وأصله، بل ما من فتنة أصابت الأمّة في دنياها ودينها إلا وهم أساسها، واستقصاء ذلك يطول ويخرجنا إلى مقام آخر.
وفي هذه السورة الجليلة التي نحن بصددها بيان لأصل فساد هؤلاء الباطنيّة، فقد افتتح الله السورة بأنّ هذا القرآن عربيّ، وقد فُصِّلت آياته بما لا يحصل فيه اللبس من خلال هذه اللغة الشريفة، اللغة العربيّة، وأنّه لا يحصل به العلم الذي يريده الله تعالى من عبيده إلا من خلال إنزاله على قواعد هذه اللغة. قال تعالى: {كتاب فُصِّلت آياته قرآناً عربيّاً لقومٍ يعلمون}[3]. وبيّن الربّ جلّ وعلا أنّه إن تمّ ذلك وفهم هذا الكتاب العظيم بلغة هؤلاء القوم فإنّه سيهدي من قرأه وتعلّمه، ولن يحصل له الاضطراب والتعارض في شيء من آياته البيّنة وذلك كما قال تعالى:
{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}[42]، فلمّا كان متكلّم هذا الكلام حكيم حميد، أي محمود لجميل صفاته وجميل إحسانه وحسن كلامه، كان كلامه تامّاً سليماً من النقص والتعارض، وهذه الآية ردّ على من زعم أنّ في القرآن من الكلام ما يحصل به اختلاف الفهوم بين الناس اختلافاً متعارضاً، فهذا يفهم منه على وفق مراده وهواه، وآخر يعارضه بفهم جديد آخر، وآخر وآخر، وهذه القضيّة هي عمدة الزنادقة الجدد الذين يزعمون أنّ القرآن له فهم عصريّ جديد يخالف ما فهمه الجيل الأوّل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام مثل هذا يحصل به التناقض والاختلاف لا يُسمّى مفصّلاً ولا يسمّى مبيّناً، ولا يقال عنه: {أُحكِمَت آياته}، فأي تهمة خبيثة يقولها هؤلاء العصرانيون في كتاب الله؟ ألا لعنة الله على الظالمين.
فهؤلاء الزنادقة يحاولون جهدهم إنزال القرآن الكريم على قواعد أهل العجمة ولا يتقيّدون باللسان العربي وقواعده، وذلك كما فسّره الباطنية بأمزجة أئمّتهم، وكما فسّره الفلاسفة على طريقة معلّمهم الأوّل أرسطو، وكما يفسّره هؤلاء على قواعد اليسار وقواعد اليمين، فهذا يفسّره من خلال المنهج المادّي الماركسي، وآخر من خلال منهجه الانقلابي الثوري، وهذا يفسّره من خلال مفاهيم الغرب للدين والأديان، وهذا يفسّره بقانون أهل الحداثة.. وهكذا كلّ منهم يحاول أن يثبت هواه من خلال هذا القرآن العظيم.(/3)
ومن أجل هذا نفى الله العجمة عنه فقال سبحانه: {ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصِّلت آياته...}،
والعجمة في الناس بمعنيين، أولاهما: غير العربيّ، والثاني: من لا يحسن الإبانة عن نفسه، والقرآن عربيّ ومبين ومفصّل، جلّ متكلّمه سبحانه وتعالى.
وهؤلاء الملحدون في آياته لو أنزله الله أعجميّاً غير عربيّ، ولم يفصّله الله قاطعاً به أعذارهم الواهية لقالوا: لولا أنزل عربيّاً لنفهمه، وكيف يصح أن يكون النبيّ عربياً وكتابه أعجميّاً؟؟
{قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}: هو هدى لما يريدون مِن قادم حياتهم، وشفاء لما وقع في قديمها، هو هدى للحق وللوصول إلى أهداف الإنسان العظيمة، وذلك بالبلوغ إلى رضا الله سبحانه وتعالى، وهو شفاء لما يقع في هذا السلوك من أعراض وأمراض وعوائق، فالقرآن قوّة أبصار وتقوية، وقوّة تجديد وتنقية، هو هادي لكل ما يسأل عنه الإنسان في حياته، وهو شفاء لما يقع في النفوس من ندوب قراع سهام الهوى من نفسه أو من الشيطان، فالقرآن يسدّد ويحمي، وكلّ هذا لا يحصل إلا للمؤمنين به، فلا يهتدي به أولئك الكافرون به والمعرضون عنه، فهو هدى وشفاء للمؤمنين. وأمّا غير المؤمنين ففي آذانهم وقر وصمّ قد صنعوه بأنفسهم، فكيف يأخذ الدواء سبيله إلى مستقرّه ويعمل عمَله ومسلكه مقفل موصود، ثمّ هم في عماية عن إبصار هداه، فلا يعرفون مواطن الحقّ والهدى والخير التي يكشفها ويفصّلها، فمنافذ القلب من سماع ورؤية معطّلة خربة، وإن من كان هذا شأنه فإنّه إن نودي لن يسمع ولو صرخ عليه بألف صوت- أولئك ينادون من مكان بعيد.
وهكذا فصّلت لنا هذه السورة العظيمة مراتب هؤلاء القوم وحالهم بأشفى بيان وأعظمه، وإنّه ممّا يراه المبصر في طريقة تعامل القرآن مع هؤلاء القوم أنّه تعامل معهم بازدراء واحتقار، فكشف لنا أنّ ما يحصل لهم إنّما هو بسبب جهلهم وفساد قلوبهم وعقولهم، وتعطيل حواس الإدراك والشعور، ولو أنصفوا أنفسهم لسمحوا لهذا النور أن يلج إلى نفوسهم وقلوبهم فيعمل النور عمله بإصلاحهم وتقويمهم.
وإنّه مما تحدّثت به السورة في معالجتها لهؤلاء أن قالت لهم: {قل أرأيتم إن كان من عند الله ثمّ كفرتم به، مَن أضلّ ممن هو في شقاق بعيد}[52].
فماذا بقي لهؤلاء من عذر أو أي حجّة لهم يوم القيامة عند الله؟
{فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله}[الزمر:22].
ثمّ يبيّن سبحانه بعض أدلّة صدق هذا الكتاب العظيم بقوله: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ}[53].
وهي آية تقيم الحجّة أنّ خالق هذا الكون هو قائل هذا الكلام، فبين التكوين والتشريع تطابق تام {ألا له الخلق والأمر}. فهذان كتابان: كتاب مرئيّ وكتاب مقروء، كلّ منهما يشهد للآخر بحقّه وصوابه.
والحمد لله ربّ العالمين(/4)
مراحل التفكير ومراحل النهج الإيماني وخطواته
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
طاقة التفكير طاقة عملية بصورة مستمرّة لا تتوقف، وتمضي على سنن ربّانية، قد ندرك بعضها ونجهل الكثير منها حتى اليوم . ويمرّ تفكير الإنسان وطاقته الفكرية بمراحل منذ ولادته حتى وفاته، من خلال نموّه وطاقاته المختلفة، ونموّ جهازه العصبي، وتزايد تفاعله مع ما حوله من بيئة ومجتمع وكون.
ومن سنن الله الثابتة أن المسؤولية التي يُحاسِب الله عباده عليها تنمو مع نموّ الطاقة الفكرية وسائر الطاقات، أو مع نموّ الوسع الصادق الذي وهبه الله للإنسان.
ونودّ أن نقسّم مراحل التفكير من حيث المبدأ إلى ثلاث مراحل كلّ مرحلة تمثّل حالة من حالات نموّ الطاقة الفكرية والمسؤولية. وهذه المراحل الثلاث هي:
أ ـ مرحلة التفكير الفطري : من الولادة حتى السنة الرابعة من العمر.
ب ـ مرحلة تفكير الطفولة : من السنة الرابعة حتى البلوغ.
ج ـ مرحلة التفكير المسؤول : من البلوغ حتى بقية العمر.
أ ـ مرحلة التفكير الفطري :
هي المرحلة التي تبدأ مع ولادة الطفل، حيث يولد كلّ إنسان على الفطرة، والفطرة هي المستودع الذي أودع الله فيه أسرار الوسع والطاقة في الإنسان.
في هذه المرحلة ينحصر دور الطفل نفسه بالتلقّي أو التأثّر، دون أن يكون مسؤولاً مسؤولية واعية عن الانتقاء والاختيار، والقبول أو الرفض ويستمرّ النموّ دون توقف، فالنموّ عملية ماضية ممتدة.
ونعتبر على ضوء ذلك أن التفكير الفطري يمتدّ من الولادة حتى السنة الرابعة، حين يُعرب لسان الطفل، بعد أن يكون قد تلقّى اللغة والكلام والمشي والعادات وأشياء أخرى.
مرحلة التفكير الفطري مرحلة تغلب قوى الفطرة فيها ماعداها من القوى المؤثّرة من البيئة والمجتمع والحياة، ويظل التلقي ممتداً حتى يكوّن مع قوى الفطرة الأساس الذي تُبْنى عليه المرحلة التالية، وهي مرحلة تفكير الطفولة، المرحلة التي عندها يبدأ الطفل يعرب عن نفسه.
ب ـ مرحلة تفكير الطفولة :
هي المرحلة التي يكون الطفل قد أخذ زاداً كافياً من حيث المبدأ حتى يقوى التفاعل في داخل الفطرة بين قوى الفطرة ذاتها من ناحية، وبينها وبين ما تتلقاه من خارجها من ناحية أخرى.
في هذه المرحلة يكون إدراك الطفل قد اتسع، وقدرته على التلقي نمت، وتبدأ تبرز قدرات إيجابية شيئاً فشيئاً. ومن هذه القدرات وأبرزها قدرته على الإعراب عن نفسه. ولكنّه يظلّ من حيث المسؤولية الشرعية لا يتحملها، وإنما تنمو قدراته لتمهّد لمرحلة المسؤولية التي لا بدّ منها والتي هي الغاية من حياة الإنسان في الدنيا، وهي المرحلة التي تلي هذه المرحلة.
وفي هذه المرحلة يكون الطفل قد أخذ زادين هامين جداً بالنسبة للتفكير، هما : اللغة العربية الصحيحة، وشرح مبسّط للإيمان والتوحيد من خلال الآيات والسور القصيرة من القرآن الكريم والأحاديث التي يحفظها ويعيها وتُشرح له معانيها.
في هذه المرحلة تتفاعل جميع القوى الداخلية والخارجية المؤثرة في بناء التفكير ومنهج الفطرة، الأسرة والبيت والوالدان، والأرحام، المسجد، المدرسة، المجتمع وغير ذلك. وتصبّ هذه القوى المؤثّرة زادَها في كيان الطفل ونفسه وفطرته وينشط التفاعل بينها حتى توفر ما نسميّه " قدرة المسؤولية ". والمسؤولية التي نعنيها هنا هي المسؤولية بين يدي الله يوم الحساب حين تقام الموازين القسط. في هذه المرحلة يجب أن تستقرّ في فطرة الطفل أسس بناء النهج الإيماني للتفكير.
أما المسؤولية في الدنيا فتبتدئ قبل ذلك، حين يكون الطفل قد بلغ درجة من إدراك بعض الأمور ليعرف الصواب من الخطأ. فعندما يخطئ الطفل يوجّه وينصح ويعلّم، أو يعاقب على حسب الحالة. ومن خلال الخطأ والصواب يُعلّم كيف يفكّر.
ج ـ مرحلة التفكير المسؤول :
وهي المرحلة التي تبدأ بسنّ البلوغ أو الخامسة عشرة في معظم الأحيان وهي السنّ التي تبدأ بها المسؤوليّة الشرعية في الدنيا وفي الآخرة. وبعضهم يعتبرها تبدأ من الثامنة عشرة تأثّراً بأجواء الحياة العصريّة واعتباراً لجزء واحد من المسؤولية هي المسؤولية في الدنيا.
في هذه المرحلة يكون الطفل قد استكمل من الزاد ما يفرض عليه تحمل المسؤولية. من حيث الإيمان والتوحيد، واللغة العربية الصحيحة، والكتاب والسنة، وتدرّب على ممارسة بعض القضايا الإيمانية. وإذا نظرنا إلى أجيال المسلمين أيام النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين لوجدنا أن المسؤولية كانت تبتدئ مع هذا السنّ من البلوغ.
ففي معركة : " بني قريظة " كان يُقتل منهم كلُّ من أنبت. وفي معركة بدر ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقَبِلُه مقاتلاً في معركة أُحد بعد ذلك بسنة.
وفي قوله تعالى :
( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم … )
[ النور : 59 ](/1)
وعلى كلّ حال فإن مرحلة التفكير المسؤول تبتدئ مع بداية المسؤولية الشرعية. وتشمل المسؤولية هنا في هذه المرحلة المسؤولية في الدنيا والآخرة، المسؤولية عن النيّة والتفكير والعمل والكلمة.
فإذا قامت التربية الإيمانية بواجبها في كلّ مرحلة، فإن أسس النهج الإيماني للتفكير تكون قد استقرّت في الفطرة، وأصبحت قادرة على توجيه التفاعل بين مختلف العوامل المؤثرة في النهج، حتى ينطلق النهج الإيماني على صراط مستقيم ممتدّ مع الحياة.
1ـ مراحل التفكير من حيث الإيمان والتوحيد والموقف منهما :
غرس الله الإيمان والتوحيد في فطرة الإنسان وسهّل له سبل التمسّك بهما والتزامهما، فجعل آياته المبثوثة في الكون دالة عليه، وكذلك في أحداث الحياة والتاريخ، ثمّ بعث الأنبياء والمرسلين على مدى التاريخ البشريّ وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلّم وبالقرآن الكريم وسنة النبي الخاتم.
ويمضي الإنسان في حياته على إيمان وفطرة حتى تبلغه رسالة الأنبياء والمرسلين، إلا إذا فسدت الفطرة، وتعطلت القوى الحقيقية للتفكير وعميت البصيرة، فلم تعد ترى أو تدرك الحقيقة الكبرى في الحياة، والقضية الأخطر والأكبر في حياة كلّ إنسان.
الإيمان في هذه المرحلة هو إيمان الفطرة. وقد جعل الله برحمته فطرة الإنسان السليمة قادرة على تلقّي الدلالة من آيات الله المبثوثة في الكون و على تلقّي رسالة الأنبياء. وكلما سلمت الفطرة كان التلقّي أيسر وأسرع وإذا تسلّل الفساد للفطرة تبدأ الصعوبة في تلقّي هذه الرسالة من الآيات المبثوثة في الكون ومن الأنبياء والمرسلين. ويمكن أن تقسّم مراحل الإيمان والتوحيد والتفكير الذي يمضي معه ويُبْنى عليه إلى ثلاث مراحل نوجزها كما يلي:
أ ـ مرحلة الإيمان الفطريّ والتفكير الفطري :
وهي كما ذكرنا تكون الفطرة والإيمان المغروس فيها هو العامل الأول. ويشتدّ أثر هذا العامل بصفاء الفطرة ونقائها وسلامتها، ويضعف بضعفها وفسادها.
ب ـ مرحلة التأمل والنظر :
إنها المرحلة التي تدفع إليها المرحلة السابقة ـ مرحلة الإيمان والتفكير الفطري ـ إن الفطرة السليمة تدفع الإنسان إلى أن يتأمل فيما حوله ويتفكّر، وينظر ويتدبّر.
( إن في خلق السّموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السموات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سُبحانك فقنا عذاب النّار )
[ آل عمران : 190-191 ]
إن القرآن الكريم يلحُّ بهذه القضيّة إلحاحاً كبيراً، لتكون باب إيمان وتوحيد، أو باب حماية للإيمان والتوحيد وتنمية له :
(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشدَّ قوّةً وآثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون )
[ غافر : 82 ]
وهكذا يستمرّ عرض آيات الله عرضاً جليّاً حتى لا يحقّ لأحد معه أن ينكر هذه الآيات :
( ويريكم آياته فأيَّ آيات تُنكرون )
[ غافر : 81 ]
ج ـ مرحلة إيمان التكاليف والمسؤولية :
إنها مرحلة التفكير واتخاذ القرار وتحمّل المسؤولية. إن مرحلة الإيمان الفطري تدفع الإنسان إلى المرحلة الثانية ـ مرحلة التأمل والتفكر، والمرحلة الثانية هذه تدفع إلى مرحلة التفكّر الإيماني المنهجيّ المسؤول الذي يصاحبه القرار، ما دامت الفطرة سليمة لم تفسدها الآثام والمعاصي، والفتنة والفجور. أما إذا فسدت الفطرة فينحرف التفكير عن النهج الإيماني إلى الكفر والإلحاد. فإذا اتخذ قراراً بذلك فإنه يتحمّل مسؤولية القرار سواء أكان القرار بالإيمان وتبعاته ومسؤولياته، أم بالكفر وفتنته وعذابه في الآخرة. ولنستمع إلى الآيات من سورة الكهف تعرض هذه المرحلة بوجهيها :
( وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمُهْل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقا. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نُضيع أجرَ من أحسن عملاً. أولئك لهم جنّات عدن تجري من تحتهم الأنهار يُحلّون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خُضراً من سُندس وإستبرق مُتّكئين فيها على الأرائك نعم الثّواب وحسنت مُرتفقا )
[ الكهف : 29-31 ]
" وقل الحقّ من ربّكم … " ! أمرٌ من الله لرسوله ليبلغ الرسالة فَيَعيها ويؤمن بها وينهض لتكاليفها كلُّ من سلمت فطرته، فيهديه الله. وأما من فسدت فطرته فينحرف إلى الكفر. ثم تذكر الآيات نتيجة كلّ قرار، القرار الذي يتخذه من آمن فهداه الله فالتزم، والقرار الذي اتخذه من انحرف وأضلّه الله.(/2)
إن هذه المرحلة هي من أخطر مراحل التفكير، لأنها تتعلق بأخطر قضيّة في حياة الإنسان، بالحقيقة الكبرى في الكون والحياة. إنها المرحلة التي يُبلَّغُ فيها الإنسان دعوة الله ودينه الحقّ، والمرحلة التي يُدعى فيها الإنسان إلى إيمان التكاليف والمسؤولية والعلم. إنه الإيمان الذي ينطلق به الإنسان ليُحقّق مهمته التي خُلِق لها والعهد الذي ارتبط به مع ربّه وخالقه. إنه التفكير الذي يقرر مصيره في الدنيا والآخرة. إنه التفكير المسؤول، وإنه لإيمان التكاليف والمسؤولية.
ولعلنا ندرك من هذا التصوّر معنى الآية الكريمة في سورة الشورى :
( وكذلك أوحينا إليك رُوحاً من أمرنا ما كنت تَدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ ولكن جعلناه نُوراً نَهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السّموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )
[ الشورى : 52 – 53 ]
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف الإيمان ؟! كلا ! إنه كان مؤمناً بالإيمان الفطري الذي وُلد عليه، والذي استمرّ معه في مراحل نموّه على فطرة صافية سليمة تعهّدها الله سبحانه وتعالى وأعدّها لتلقي الرسالة، ولتلقي إيمان التكاليف.
2- أنواع نهج التفكير بين الناس :
إن التفكير، كما ذكرنا سابقاً، طاقة وهبها الله للإنسان، لكلّ إنسان مكلف في ميزان الله، ليكون الإنسان قد توافر لديه عامل رئيس من العوامل التي تجعله مسؤولاً محاسباً في حدود وسعه الصادق، وفي حدود مسؤوليّته. ومما يحدّد الوسع الصادق للإنسان هو مستوى طاقته الفكرية التي وهبها الله له.
فبعد مرحلة التأمل والتفكر يتجه التفكير إلى ثلاثة مناحي، يحمل كلّ منحى نهجاً خاصاً به يميزه من غيره. ونوجز ذلك بما يلي :
أ ـ النهج الإيماني للتفكير : وهو النهج الذي يمضي على صراط مستقيم ينهض على قواعد الإيمان وأسسه وعلى منهاج الله : إيماناً وعلماً وممارسةً.
ب ـ النهج المنكر للإيمان المعلن لإنكاره : وهو النهج الذي يمضي على سبل شتى، كل سبيل يُعلن الكفر وإلحاده، تحت شعارات مختلفة وزخارف متنوّعة. وهو النهج الذي ينهض ابتداءً لمحاربة النهج الإيماني، وللصدّ عن سبيل الله بأساليب مختلفة علنية وخفيّة، صريحة أو مراوغة، فأولئك هم المعتدون في ميزان الله :
( لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمّة وأولئك هم المعتدون )
[ التوبة : 10 ]
ج ـ نهج المنافقين المعلنين خلاف ما يبطنون، يتقرّبون من المؤمنين ويظهرون الودّ الكاذب ليغتنموا فرصة البطش والعدوان. ويوادّون الكافرين ولو سرّاً ويمدّون الحبال بينهم وأسباب التعاون.
وقد تلتقي هذه المناهج الثلاثة في ميدان أو أكثر من ميادين التفكير المادي، كالبحث في العلوم التطبيقية والصناعية وأمثال ذلك. وتختلف في ميادين شتى مثل التصوّر للكون والحياة والموت وما بعد الموت، وفي نشأة الحياة ونشأة الكون وخلق الإنسان وغير ذلك مما يتصل به من قريب أو بعيد. كما يختلف النهج الإيماني للتفكير عن النهجين الآخرين باستخدام العلوم التطبيقية والصناعية وفي النظرة السياسية والاقتصادية، وفي استخدام سائر العلوم. ثم تسخيرها لصالح الإنسان أو لشرّه وفساده.
وتُصْبح الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص حتى تتمايز هذه المناهج بعضها من بعض، وحتى تقوم الحجة لمن اتبع نهج الإيمان وتقوم الحجة على من اتبع المناهج الأخرى. ويمضي التمحيص والابتلاء على سنن ربّانيّة ثابتة في الحياة الدنيا.
ويقع الصدام بين هذه المناهج قدراً من عند الله، من خلال السنن الربانية الثابتة. وليس أمام المؤمنين من سبيل أبداً على ضوء سنن الله الثابتة إلا أن يصدقوا الله بالتزام النهج الإيماني، حتى يُنزل الله نصره عليهم. فإن غفلوا تاهوا وضلّوا خسروا نصرة الله لهم.
3- مستويات الطاقة الفكرية :
الطاقة الفكريّة ليست خاصة بالمؤمنين كما ذكرنا، ولكن مناهج التفكير تختلف. وفي كلّ نهج للتفكير مستويات مختلفة. وإن الله سبحانه وتعالى وهب كلّ إنسان طاقة فكرية تكفيه ليميز الباطل من الحق، ووهبه الفطرة والميول، ووفّر له جميع الأسباب التي لا تترك عذراً لإنسانٍ أن يموت على الكفر ما دام مكلّفاً.
والطاقة الفكريّة المتميّزة بعطائها، المتميّزة بقوّتها، نودّ أن نُسمّيها " الموهبة ". و " الموهبة " نفسها تختلف في نوعها وميدانها، وتختلف في مستواها. فهنالك مستويات مختلفة من المواهب. فموهبة تبرز في الأدب أو بعض أجناسه وفروعه، وموهبة تبرز في الرياضيات أو علوم الطبيعة أو الكيمياء أو الهندسة أو الطب أو غير ذلك. ومواهب قد تبرز في ميدان الزراعة أو الصناعة أو التجارة أو الاقتصاد أو السياسة أو أيّ ميدان آخر.
ومن أهم النواحي في أسس قياس مستوى التفكير في النهج الإيماني للتفكير هو تحديد الهدف بدقّة ووضوح، وتحديد الدرب الذي يؤدّي حقّاً إلى الهدف، وتحديد الوسائل والمراحل والأساليب على ضوء الواقع الذي يعمل فيه المؤمنون.(/3)
ويتمثّل هذا فكراً وتصوراً وممارسةً بمستوى الولاء الأول لله، والعهد الأول لله، والحبّ الأكبر لله ورسوله، وبمستوى ارتباط كل ولاء وعهد وحب يُقام في الدنيا بالولاء الأول لله والعهد والحب الأكبر لله ورسوله.
4- الخطوات التطبيقية للنهج الإيماني للتفكير :
النهج الإيماني للتفكير لا يقف عند مجرّد التفكير، ولكنه ينتقل إلى السعي والعمل والممارسة الإيمانية، ينتقل إلى الميدان، إلى ميدان الواقع، ويظلّ يعمل في مرحلة التأمّل أو النهج والتخطيط أو الممارسة والسعي.
لذلك كان لا بدّ من البناء والإعداد، والتدريب والتعهّد، والإشراف والمراقبة، حتى يُعدّ المؤمن إعداداً سليماً ينطلق به على المنهج الإيماني للتفكير. وإنها مسؤولية الوالدين والبيت والمعاهد والبيئة والمجتمع ومؤسسات الأمة والمجتمع، ومختلف المستويات فيها. ويتحمل كلُّ واحد من هؤلاء مسؤوليته عن حماية الفطرة وعن التربية والتعهّد، والبناء والتدريب وغير ذلك. النهج الإيماني للتفكير لا يتجاهل الواقع، وإنما يدرسه من خلال منهاج الله دراسة منهجيّة جادة ممتدّة، مصاحبة لدراسة منهاج الله. فهي دراسة قائمة على أسس، منضبطة بقواعد، غير متفلّتة ولا تائهة.
ويمكن أن نوجز خطوات تفكير المؤمن بنقاط كما يلي :
أ ـ النيّة.
ب ـ والخطوة التالية لذلك هي أداء الشعائر كلّها والوفاء بها خشوعاً وإقامة.
ج ـ طلب العلم من الكتاب والسنة.
د ـ ثمّ يمضي المؤمن على صراط مستقيم ينهض فيه إلى التكاليف الربّانيّة التي أمر الله بها، يصاحبه في مسيرته هذه منهاجه الفردي الذي يوفّر له زاد المسيرة، وكذلك يصاحبه منهج لقاء المؤمنين.
هـ ـ أثناء مسيرته تعترضه مشكلات مختلفة، يكون قد تزوّد بالزاد اللازم لمجابهتها وحلِّها، وهو ماضٍ على صراط مستقيم لا ينحرف عنه.
و ـ فيبدأ أولاً بدراسة الموضوع وجمع كامل المعلومات عنه، ثمّ ترتيبها، ليسهل الرجوع إليها، وليسهل فَهْمها، وليوفّر بذلك أكبر درجة من الوضوح والصدق. زـ ويلجأ إلى التبيّن لا إلى الظنّ والوهم، حتى يتوافر له درجة مقبولة من اليقين. ويظلّ البحث وجمع المعلومات والتبيّن أمراً ماضياً معه لا يتوقف، ويسجل ذلك في " الدراسة النامية " الخاصة بالموضوع المطروح.
ح ـ وبعد أن تتكامل المعلومات على هذا النهج يبدأ في ردّ هذه القضيّة والموضوع إلى منهاج الله ردّاً أميناً واعياً على أسس ثابتة لديه درسها وتدرّب عليها.
ط ـ اللجوء إلى الشورى إذا لزم الأمر.
ي ـ وضع الخطّة والنّهج لحلّ المشكلة بصورة مبدئيّة، وإعادة دراستها والاطمئنان إلى أنها نابعة من منهاج الله، مبنيّة على فهم القضيّة والواقع.
ك ـ دراسة الواقع ومدى إمكانية تنفيذ الخطة فيه.
ل ـ الاستخارة وكثرة الدعاء واللجوء إلى الله.
م ـ في جميع هذه المراحل يصاحبه : النية، الشعائر، الدعاء والاستغفار والأذكار، والتوبة، ومجاهدة النفس، وطلب العلم، ومحاسبة النفس.
ن ـ التنفيذ.
س ـ التقويم الدوري والمراجعة.
إن هذه قواعد رئيسة في النهج الإيماني للتفكير، وفي معالجة الموضوعات والقضايا. والمؤمن مبتلى، وستظلّ القضايا تتكرّر كما يقضي الله الذي بيده الأمر كلّه، ويظلّ المؤمن يلجأ إلى الله حقّ اللجوء، ليكون هذا اللجوء أساس الفكر والعمل.
وعند ما تدرس المذاهب التربوية والنفسية في الغرب طريقة مجابهة الموضوعات ومعالجتها، تضع أُسساً غير هذه الأسس. وذلك لأن الأهداف كلّها مختلفة، والمبدأ مختلف، فطريقة التفكير مختلفة.
ولكن هناك مشكلات علميّة يجابهها الباحث أو الطالب في المدرسة فتظلّ القواعد الأساسية السابقة ماضية بالقدر الذي تحتاجه المشكلة العلمية. ولكن لابدّ من الإشارة إلى نقاط أخرى.
أ ـ دراسة المشكلة ومعرفة كلّ معطياتها بوضوح ودقّة.
ب ـ دراسة المطلوب من هذه المشكلة دراسة واعية فالمطلوب يمكن أن يكون منطلق الحل والبرهان.
ج ـ ثمّ يسير خطوة خطوة ليربط بين المعطيات والمطلوب، وليبحث عن نقطة البداية ثم طريقة الحلّ.
د ـ فقد يبدأ من النهاية، أي من المطلوب، فيقول إذا أردنا أن نثبت هذا الأمر، فهذا يتطلب كذا. وهذا يتطلب أمراً آخر، وهكذا حتى يصل إلى المعطيات. وقد يبدأ من المعطيات حتى يصل إلى المطلوب.
إن أهمّ قضيّة يجب أن نثيرها في واقع المسلمين اليوم، هو واجب التفكير، لأنه فرض على المؤمن، لا تصحّ النيّة ولا العبادة دون التفكير. ولا يصدق النهج والتخطيط، ولا الإدارة والنظام، ولا العمل كلّه بغيره.
لقد تعطلت في حياة المسلمين أمور كثيرة، كان التفكير من أهمها. وقد طُمست معالم التفكير الإيماني وغابت خصائصه وطُويت ميزاته وأُسسه، ومراحله وخطواته وأهدافه.(/4)
إن المسلمين مكلّفون أن يجوبوا آفاق الكون والحياة، وأن يحملوا رسالة الله معهم في تجوالهم وتطوافهم، وأن يجمعوا أسباب القوة كلّها من صناعة وسلاح، كما أمرهم الله بذلك، حتى يوفوا بعهدهم مع الله والأمانة التي حملوها والعبادة التي خُلِقوا لها والخلافة التي جُعلت لهم، وعمارة الأرض بحضارة الإيمان.
5- مراحل الإدراك ودرجاته :
أ ـ المعرفة : إن أول درجة هي المعرفة، أي أن يعرف الإنسان المعلومة التي وصلت الفؤاد.
ب ـ الفهم : يقوم الفؤاد أو القلب أو الطاقة الفكرية بتحليل " المعلومة " تحليلاً أوليّاً ليتأكد الإنسان أنه قد فهم الرسالة ووعاها وعرف معناها ومضمونها.
جـ ـ الشك والظنّ : بعد أن يعي الإنسان الرسالة ويفهمها سيتساءل هل هي حق أم باطل. ومن خلال هذا التساؤل ينشأ لديه الشكّ والظنّ. وقد يتجاوز هذه المرحلة بسرعة، وقد يتأخر فيها، وقد يثبت عليها أو ينقلب إلى الإنكار، أو إلى التصديق الفكري.
د ـ التصديق الفكري أو الإنكار : وذلك حين يقتنع أن الرسالة التي وصلته حقّ وليست باطلاً. ونُسمي هذه الخطوة أو المرحلة بالتصديق الفكري. ونقصد به أن فكره ارتفع إلى هذه الدرجة، وأن عاطفته بقيت في مستوى أدنى من مستوى التفكير. فالفكر يعمل، والعاطفة تعمل ولكن بمستوى أدنى.
هـ ـ الإيمان : وهي المرحلة التي يرتفع فيها الشعور والعاطفة إلى درجة قريبة من مستوى التصديق الفكري.
و ـ اليقين : وهي المرحلة العليا من الإيمان والمستوى الأعلى منه حين يرتفع مستوى التصديق الفكري ومستوى التصديق العاطفي إلى الدرجة الأعلى، ويتفاعلان التفاعل الأقوى والأشدّ، فتنشأ النيّة الخالصة لله بكلّ شروطها، والعزيمة والتصميم الذي لا يسعى إلى الأعذار والمسوّغات التي يتفلّت بها من مسؤولياته، أو بعضها. وتنشأ في هذه المرحلة الحوافز الإيمانية على أقوى ما تكون من صدق وصفاء وعزم وتصميم.
ونؤكد أخيراً أن جميع هذه الدرجات تمضي بأمر الله عدلاً منه وفضلاً، ويظلّ الإنسان يحمل المسؤولية التي سيحاسَب عليها حيث تكون هذه المسؤولية هي من مشيئة الله وقضائه وقدره، مشيئته العادلة الحقّ التي لا تظلم، والتي قضت أن يكون الإنسان مسؤولاً ومحاسباً في دائرة حدّدها الله سبحانه وتعالى وفصّلها، وجعل لها صراطاً مستقيماً واحداً وسبيلاً واحداً لا يضلّ عنه مؤمن صادق أبداً، وقد فصّله الله وبيّنه. والحمد لله ربّ العالمين.(/5)
مراحل الجنين
مقدمة :
لقد شهد هذا العصر نهضة علمية في شتى المجالات, ومن ضمن تلك المجالات ما يتعلق بعلم الأجنة ومراحل تخلق الإنسان, هذا العلم الذي كانت معلوماته محل تخمينات عقلية وتصورات ذهنية,حتى ارتقى العلم في القرن الماضي إلى مرحلة الوصف الدقيق القائم على استخدام الأجهزة الحديثة,فظهر للعلم مقدار التخبط الذي كان سائداً في العصور السابقة في مسألة تتعلق بالإنسان نفسه ومراحل تخلقه, لكننا مع ذلك نرى في كتاب الله تعالى بياناً واضحاً لا تشوبه أي شائبة في مسالة تخلق الإنسان, وأنه يتقلب في أطوار ومراحل, لا كما كان سائداً في ذلك الوقت من فكرة الخلق التام وأن الإنسان يخلق خلقاً تاماً من دم الحيض أو من منوي الرجل أو من بييضة المرأة فقط, يقول الله تبارك وتعالى : )وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ( [نوح :14] ولم يقف القرآن العظيم عند هذا الحد , بل ذكر كل تلك الأطوار والمراحل التي يمر بها الإنسان, وأعطى كل طور تسمية خاصة به تصف شكل هذا الطور وأهم التغيرات التي تحدث فيه,
مما يدل على أن هذا القرآن نزل بعلم الله ,قال تعالى :) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ( [ الفرقان:6] ,ويقول تعالى :) لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ( [النساء: 166].
مقدمة تاريخية في علم الأجنة :
مرّ تاريخ علم الأجنة بثلاث مراحل أساسية هي المرحلة الوصفية ومرحلة علم الأجنة التجريبي ومرحلة التقنية واستخدام الأجهزة.
1- المرحلة الوصفية أو علم الأجنة الوصفي:
- تعود إلى أكثر من ستة قرون قبل الميلاد وتستمر حتى القرن التاسع عشر.
وتم خلالها وصف الملاحظات الخاصة بظاهرة تطور الجنين.
- وقد وُجدت بعض السجلات المدونة من فترة السلالات الفرعونية الرابعة والخامسة والسادسة في مصر القديمة حيث كان الاعتقاد بأن للمشيمة خواص سحرية خفية.
- أما اليونان القدماء فهم أول من ربط العلم بالمنطق بفضل تعليلاتهم المنطقية، ولم تُسجَّل منذ عام 200 بعد الميلاد حتى القرن السادس عشر أية معلومات تذكر عن علم الأجنة.
- ومما كان سائداً آنذاك , المفهوم الخاطئ الذي قال به أرسطو طاليس من أن الجنين يتولد من دم الحيض , وانتقل على مر القرون , وكان علماء المسلمين يرفضون فكرة أن الجنين يتولد من دم الحيض , مستندين إلى قوله تعالى : ) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى([القيامة :37] والأحاديث النبوية التي سنورد بعضها في بحثنا هذا .
- وأما في القرن السادس عشر وما بعده فقد مهّدت أبحاث "فيساليوس" و"فابريسيوس" و"هارفي" لبدء عصر الفحص المجهري، وتم اكتشاف المنوي من طرق العالمين "هام" و"فان لوفينهوك" عام 1701م. إلا أن اختراع المجهر لم يكن كافياً لبيان تفاصيل تكوين المنوي حيث اعتقد العلماء بأن الإنسان يكون مخلوقاً خلقاً تاماً في المنوي في صورة قزم، وبينما كان فريق من العلماء يرى أن الإنسان يُخلَقٌ خلْقاً تاماً في بيضة، كان فريق آخر يقرر أن الإنسان يُخلق خلقاً تاماً في المنوي, ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا حوالي عام 1775م عندما أثبت "سبالانزاني" أهمية كل من الحيوان المنوي والبويضة في عملية التخلق البشري.
2- مرحلة علم الأجنة التجريبي:
بدأت هذه المرحلة في أواخر القرن التاسع عشر حتى الأربعينيات من القرن العشرين حيث قفزت أبحاث العالم "فون باير" بعلم الأجنة من مرحلة التجارب والمشاهدات إلى مرحلة صياغة المفاهيم الجنينية، كما طور العالم "روس هاريسون" تقنية زرع الحبل السري وبدأ "أوتو واربوغ" دراساته عن الآليات الكيميائية للتخلق، ودرس "فرانك راتري ليلي" طريقة إخصاب المنوي للبويضة، كما درس "هانس سبيما" آليات التفاعل النسيجي كالذي يحدث خلال التطور الجنيني، ودرس "يوهانس هولتفرتر" العمليات الحيوية التي تُظهِر بعض الترابط بين خلايا الأنسجة فيما بينها أو بينها وبين خلايا الأنسجة الأخرى.
3- مرحلة التقنية واستخدام الأجهزة:
وتمتد هذه المرحلة من الأربعينيات إلى يومنا هذا، وقد تأثرت تأثراً بالغاً بتطور الأجهزة الطبية مما كان له التأثير القوي على مسار البحوث العلمية.
فلقد كان اكتشاف المجهر الإلكتروني وآلات التصوير المتطورة وأجهزة قياس الشدة النسبية لأجزاء الطيف، وكذا ظهور الحاسوب ومجموعة الكشف عن البروتينات والأحماض النووية، كل هذه كانت عوامل سمحت للعلماء بإجراء تجارب كانت تبدو قبل سنوات فقط من الأحلام الخيالية حيث تم التوصل إلى فهم ووصف دقيق لمراحل التخلق الجنيني بفضل كل هذه الأجهزة الحديثة.(1)
المعلومات الجنينية في القرآن والسنة :(/1)
لقد وصف القرآن والسنة في القرن السابع الميلادي وبأسلوب رفيع رائع الكثير من هذه المكتشفات المدهشة التي اكتشفها العلم الحديث بأجهزته وأساليب بحثه , فأوضح القرآن أن الإنسان يخلق من مزيج من إفرازات الرجل والمرأة, وأن الكائن الحي الذي ينجم عن الإخصاب يستقر في رحم المرأة على هيئة بذرة ,وأن انغراس كيس الجرثومة (النطفة ) يشبه فعلاً عملية زرع البذرة . ويتضمن القرآن أيضاً معلومات عن المراحل الأخرى , كمرحلة العلقة والمضغة والهيكل العظمي وكساء العظم بالعضلات .ويشير القرآن والسنة إلى توقيت التخلق الجنسي والجنيني واكتساب المظهر البشري, وهذه النصوص تثير الدهشة إذ أنها تشير إلى أحداث التخلق بترتيبها المتسلسل الصحيح وبوصف واضح دقيق .(2)
مرحلة النطفة(3) :
يؤكد القرآن الكريم مراحل التخلق البشري في الآيات التالية:
) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ([المؤمنون: 12-14].
فقسمت الآيات مراحل تطور الجنين الإنساني إلى ثلاث مراحل أساسية, وفصلت بين كل
منها بحرف العطف (ثم) الذي يفيد الترتيب مع التراخي, وهذه المراحل هي:
1- مرحلة النطفة .
2- مرحلة التخليق ,وتتألف من أربعة أطوار :العلقة ,المضغة,العظام, اللحم.
3- مرحلة النشأة .
والنطفة في لغة العرب تطلق على عدة معان منها: القليل من الماء, والذي يعدل قطرة.(4)
ويشير إلى ذلك ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه, فقالت قريش:
حتى جلس ثم قال : يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا يهودي من كلٍ يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة» (5)
وتمر النطفة خلال تكونها بالأطوار التالية:
1- الماء الدافق:
يخرج ماء الرجل متدفقاً, ويشير إلى ذلك قوله تعالى:) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ( [الطارق :5-6] ,فأسند القرآن التدفق للماء نفسه مما يشير أن للماء قوة
تدفق ذاتية, وأثبت العلم أن من شرط الإخصاب أن تكون منويات الرجل حيوية ومتدفقة
ومتحركة, وماء المرأة يخرج متدفقاً, ولابد أن تكون البييضة حيوية متدفقة متحركة حتى يتم الإخصاب. وبما أن لفظ نطفة يأتي بمعنى الكمية القليلة من السائل, فإن هذا المصطلح يغطي ويصف تلك الكميات من السوائل التي تخرج متدفقة لدى كل من الذكر والأنثى .
2- السلالة:
يأتي لفظ سلالة في اللغة بمعانٍ منها:
انتزاع الشيء وإخراجه في رفق(6).
ويعني أيضاً: السمكة الطويلة(7).
ويشير القرآن الكريم إلى ذلك كله في قوله تعالى: ) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ([السجدة: 8] , والمراد بالماء المهين هنا ماء الرجل (8), وإذا نظرنا إلى المنوي فسنجده سلالة تستخلص من ماء الرجل, وعلى شكل السمكة الطويلة, ويستخرج برفق من الماء المهين.
خلال عملية الإخصاب يرحل ماء الرجل من المهبل ليقابل البويضة في ماء المرأة في قناة البويضات (قناة فالوب) ولا يصل من ماء الرجل إلا القليل ويخترق حيوان منوي واحد البويضة، ويحدث عقب ذلك مباشرة تغير سريع في غشائها يمنع دخول بقية المنويات، وبدخول المنوي في البويضة تتكون النطفة الأمشاج أي البويضة الملقحة (الزيجوت) Zygote , ويشير الحديث النبوي إلى أن الإخصاب لا يحدث من كل ماء الذكر ,يقول الرسولr : «ما من كل الماء يكون الولد»(9)
فمن ملايين المنويات لا يلقح البييضة إلا منوي واحد, والوصف النبوي حدد ذلك بدقة .
3- النطفة الأمشاج:
معنى (نطفة أمشاج): أي قطرة مختلطة من مائين, وتعرف علمياً بالزيجوت, ويشير القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى:) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً( [الإنسان: 2], وكلمة نطفة اسم مفرد, وكلمة أمشاج صفة في صيغة جمع, وقواعد اللغة العربية تجعل الصفة تابعة للموصوف في الإفراد والتثنية والجمع, مما جعل المفسرين يقولون:
النطفة مفردة لكنها في معنى الجمع.(10)
فكلمة (أمشاج) من الناحية العلمية دقيقة جداً, وهي صفة جمع تصف كلمة نطفة المفردة التي هي عبارة عن كائن واحد يتكون من أخلاط متعددة تحمل صفات الأسلاف والأحفاد لكل جنين.
نتاج تكوين النطفة الأمشاج :
أ ـ الخلق: وهو البداية الحقيقية لوجود الكائن الإنساني, فالمنوي يوجد فيه (23) حاملاً وراثياً, كما يوجد في البييضة(23) حاملاً وراثياً, فاختلاطهما يشكل خلية بداخلها (46) حاملاً وراثياً, فتخلق أول خلية إنسانية .(/2)
ب ـ التقدير (البرمجة الجينية): بعد ساعات من تخلق أول خلية إنسانية تبدأ عملية التقدير, فتتحدد فيها الصفات التي ستظهر على الجنين في المستقبل, والصفات التي ستظهر في الأجيال القادمة, وهكذا يتم تقدير أوصاف الجنين وتحديدها, وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتين العمليتين
المتعاقبتين(الخلق والتقدير) في قوله تعالى:) قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ( [عبس: 17-19]
ج ـ تحديد الجنس:
ويتضمن التقدير الذي يحدث في النطفة الأمشاج تحديد الذكورة والأنوثة, وإلى هذا تشير الآية:
قال تعالى :)وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى([النجم:45-46], فإذا كان المنوي الذي نجح في تلقيح البييضة يحمل الكروموسوم (y) كانت النتيجة ذكراً, وإذا كان ذلك المنوي يحمل الكروموسوم(x) كانت النتيجة أنثى .
4- الحرث:
في نهاية مرحلة النطفة الأمشاج ينغرس كيس الجرثومة في بطانة الرحم بما يشبه انغراس البذرة في التربة في عملية حرث الأرض, وإلى هذا تشير الآية في قوله تعالى:) نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ([البقرة:223], وبهذا الانغراس يبدأ طور الحرث, وذلك في اليوم السادس من عمر النطفة, وقد استخدم القرآن مصطلح (حرث) وهو أكثر مناسبة من مصطلح(انغراس) الذي يستخدمه علماء الأجنة.
وطور الحرث هو آخر طور في مرحلة النطفة, وبنهايته تنتقل النطفة إلى مرحلة العلقة في اليوم الخامس عشر .
وصف الرحم بأنه (( القرار المكين )):
وصف الله تعالى المكان الذي تستقر فيه النطفة بوصفين جامعين معبرين, فقال تعالى:)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ([ المؤمنون:13] , فكلمة (قرار) في اللغة تعني : استقر واستراح (11), فهذه الكلمة تشير إلى العلاقة بين الجنين والرحم, فالرحم مكان لاستقرار الجنين, ومعروف أن من طبيعة الجسم طرد أي جسم خارجي, لكن الرحم يؤوي الجنين ويغذيه, ويوفر له أسباب الاستقرار.
وكلمة (مكين) تعني مثبت بقوة (12), وهي تشير إلى العلاقة بين الرحم وجسم الأم , فالرحم يقع في وسط الجسم وهو محاط بالعظام والأربطة والعضلات التي تثبته بقوة في الجسم, فهو موقع مثالي لتخلق الجنين ونموه.
فهذان اللفظان جامعان ومعبران عن كل المعاني السابقة .
مرحلة التخلق البشري:
وتمتد هذه المرحلة من الأسبوع الثالث إلى نهاية الأسبوع الثامن, وتتألف من أربعة أطوار:
العلقة والمضغة والعظام واللحم.
طور العلقة (13):
وردت كلمة علقة في اللغة بالمعاني التالية:
أ - علقة مشتقة من (علق) وهو: الالتصاق والتعلق بشيء ما .
ب - العلقة: دودة في الماء تمتص الدماء, وتعيش في البرك, وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها.
ج- العلق: الدم عامة والشديد الحمرة أو الغليظ أو الجامد(14), وتطلق أيضاً على الدم الرطب(15).
وسنلاحظ كيف تتجلى كل هذه المعاني للعلقة فيما توصل إليه العلم الحديث.
فبعد عملية الحرث تبدأ عملية تعلق الجنين بالمشيمة وذلك حوالي اليوم الخامس عشر, وهذا يتفق مع المعنى الأول للعلقة وهو (التعلق بالشيء), ويأخذ الجنين في هذا الطور شكل الدودة, ويبدأ في التغذي من دماء الأم مثلما تفعل الدودة العالقة إذ تتغذى على دماء الحيوانات, ويحاط الجنين بمائع مخاطي تماماً مثلما تحاط الدودة بالماء, وهذا يتطابق مع المعنى الثاني من معاني العلقة في اللغة,
وتكون الدماء محبوسة في الأوعية الدموية حتى وإن كان الدم سائلاً, ولا يبدأ الدم في الدوران حتى نهاية الأسبوع الثالث, وبهذا يأخذ الجنين مظهر الدم الجامد أو الغليظ مع كونه رطباً, وهذا ينطبق مع المعنى الثالث من معاني العلقة, فاشتملت كلمة علقة على الملامح الأساسية الخارجية والداخلية لهذا الطور.
طور المضغة: (16)
يكون الجنين في اليومين 23- 24 في نهاية مرحلة العلقة, ثم يتحول إلى مرحلة المضغة في اليومين 25- 26 , ويكون هذا التحول سريعاً جداً, وتأخذ الفلقات في الظهور لتصبح معلماً بارزاً لهذا الطور, ويصف القرآن الكريم هذا التحول السريع للجنين من طور العلقة إلى المضغة باستخدام حرف العطف(ف) الذي يفيد التتابع السريع للأحداث.
معنى كلمة مضغة:
من معاني مضغة في اللغة:
أ – شيء لاكته الأسنان(17).
ب- تقول العرب: مضغ الأمور, وتعني صغارها(18).
ج- ذكر عدد من المفسرين أن المضغة في حجم ما يمكن مضغه(19).
وقد أوضح علم الأجنة الحديث مدى الدقة في التعبير عن هذا الطور بلفظ (مضغة) لعدة أمور:
1 – ظهور الفلقات في هذا الطور يعطي مظهراً يشبه مظهر طبع الأسنان في المادة الممضوغة, وتبدو وهي تتغير باستمرار مثلما تتغير آثار طبع الأسنان في شكل مادة تمضغ حين لوكها .
2- تتغير أوضاع الجنين نتيجة تحولات في مركز ثقله مع تكون أنسجة جديدة, ويشبه ذلك تغير وضع وشكل المادة حينما تلوكها الأسنان .(/3)
3 – وكما تستدير المادة الممضوغة قبل أن تبلع, فإن ظهر الجنين ينحني ويصبح مقوساً شبه مستدير مثل حرف (C) .
4-ويكون طول الجنين حوالي (1) سم في نهاية هذه المرحلة, وذلك مطابق للوجه الثاني من معاني كلمة مضغة (وهو الشيء الصغير من المادة) وهذا المعنى ينطبق على حجم الجنين الصغير؛ لأن جميع أجهزة الإنسان تتخلق في مرحلة المضغة, فيكون أصغر حجم لإنسان تخلقت جميع أجزائه .
وينطبق المعنى الثالث الذي ذكره المفسرون للمضغة (في حجم ما يمكن مضغه) على حجم الجنين, ففي نهاية الطور يكون طول الجنين (1) سم, وهذا تقريباً أصغر حجم لمادة يمكن أن تلوكها الأسنان.
ووجد العلماء أن الفلقات سرعان ما تتمايز إلى خلايا تتطور إلى أعضاء مختلفة, وبعض هذه الأعضاء والأجهزة تتكون في مرحلة المضغة, والبعض الآخر في مراحل لاحقة, وإلى هذه المعنى تشير الآية الكريمة:) ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَة ([الحج: 5] .
طور العظام(20):
مع بداية الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي الغضروفي في الانتشار في الجسم كله، فيأخذ الجنين شكل الهيكل العظمي وتكَوُّن العظام هو أبرز تكوين في هذا الطور حيث يتم الانتقال من شكل المضغة الذي لا ترى فيه ملامح الصورة الآدمية إلى بداية شكل الهيكل العظمي في فترة زمنية وجيزة، وهذا الهيكل العظمي هو الذي يعطي الجنين مظهره الآدمي.
ومصطلح العظام الذي أطلقه القرآن الكريم على هذا الطور هو المصطلح الذي يعبر عن هذه المرحلة من حياة الحُمَيل تعبيراً دقيقاً يشمل المظهر الخارجي، وهو أهم تغيير في البناء الداخلي وما يصاحبه من علاقات جديدة بين أجزاء الجسم واستواء في مظهر الحُمَيل ويتميز بوضوح عن طور المضغة الذي قبله، قال تعالى: )فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ( [المؤمنون: 14].
طور الكساء باللحم(21):
يتميز هذا الطور بانتشار العضلات حول العظام وإحاطتها بها كما يحيط الكساء بلابسه. وبتمام كساء العظام بالعضلات تبدأ الصورة الآدمية بالاعتدال، فترتبط أجزاء الجسم بعلاقات أكثر تناسقاً، وبعد تمام تكوين العضلات يمكن للجنين أن يبدأ بالتحرك.
تبدأ مرحلة كساء العظام باللحم في نهاية الأسبوع السابع وتستمر إلى نهاية الأسبوع الثامن، وتأتي عقب طور العظام كما بين ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: )فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًاً (( [المؤمنون: 14].
ويعتبر هذا الطور الذي ينتهي بنهاية الأسبوع الثامن نهاية مرحلة التخلق، كما اصطلح علماء الأجنة على اعتبار نهاية الأسبوع الثامن نهاية لمرحلة الحُمَيل (EMBRYO) ثم تأتي بعدها مرحلة الجنين (FETUS) التي توافق مرحلة النشأة، كما جاء في قوله تعالى: )فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ( [المؤمنون: 14].
مرحلة النشأة(22):
كلمة (نشأة) مشتقة من الفعل (نشأ) ومن معانيها:
1- بدأ(23).
2- نما(24).
3- ارتفع, ربا(25).
يبدأ هذا الطور بعد مرحلة الكساء باللحم، أي من الأسبوع التاسع، ويستغرق فترة زمنية يدل عليها استعمال حرف العطف (ثم) الذي يدل على فاصل زمني بين الكساء باللحم والنشأة خلقاً آخر، قال تعالى: )فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ( [المؤمنون: 14].
وإذا كانت فترة النشأة تبدأ من الأسبوع التاسع, فإن المعاني السابقة للنشأة لا تبدأ في الوضوح إلا فيما بعد, كما أن نمو الأعضاء يظهر في الأسبوع الحادي عشر, وتستمر مرحلة النشأة حتى نهاية الحمل, أي الأسبوع الثامن والثلاثين.
وفي خلال هذه المرحلة تتم عدة عمليات هامة في نمو الجنين تندرج بجلاء تحت الوصفين الذين جاءا في قوله تعالى: ) ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ( [المؤمنون: 14] ويمكن بيانهما فيما يلي :
أ- النشأة:
ويتضح بجلاء في سرعة معدل النمو من الأسبوع التاسع مقارنة بما قبله من المراحل.
ب- خلقاً آخر:
هذا الوصف يتزامن مع الأول ويدل على أن الحُمَيل قد تحول في مرحلة النشأة إلى خلق آخر.
* ففي الفترة ما بين الأسبوعين التاسع والثاني عشر تبدأ أحجام كل من الرأس والجسم والأطراف في التوازن والاعتدال, وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة, وهذا داخل في قوله تعالى:) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ( [الانفطار:7-8] , وتدل الآية على التسوية والتعديل, فالتسوية تكون في طور العظام, وأما التعديل فقد بينته الآية التي تليها:) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ( .
* وفي الأسبوع الثاني عشر يتحدد جنس الجنين بظهور الأعضاء التناسلية الخارجية, وهي آخر مراحل تحديد الجنس, وقد كانت المرحلة الأولى في النطفة (ويقدر في النطفة الأمشاج), والمرحلة الثانية وهي تمايز غدتي التناسل على شكل خصيتين أو مبيضين, وتكون في طور الكساء باللحم, ثم المرحلة الثالثة وهي في الأسبوع الثاني عشر .(/4)
* وفي نفس الأسبوع يتطور بناء الهيكل العظمي من العظام الغضروفية اللينة إلى العظام الكلية الصلبة، كما تتمايز الأطراف، ويمكن رؤية الأظافر على الأصابع.
* يظهر الشعر على الجلد في هذا الطور.
* يزداد وزن الجنين بصورة ملحوظة.
* تتطور العضلات الإرادية وغير الإرادية.
* تبدأ الحركات الإرادية في هذا الطور.
وتصبح الأعضاء والأجهزة مهيأة للقيام بوظائفها.
* وفي هذه المرحلة يتم نفخ الروح؛ طبقاً لما دلت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة ويمكن التعرف على نفخ الروح بمشاهدة ظاهرة النوم واليقظة في الجنين التي تدل نصوص قرآنية ونبوية عديدة على ارتباطها بالروح, يقول الله تعالى:) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( [الزمر: 42]
ويقول الله تعالى :) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( [الأنعام:60]
وكان رسول الله r يقول عند استيقاظه:«الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور»(26).
وعلى هذا يمكننا أن نعتبر ظاهرة النوم دليلاً على نفخ الروح في الجنين ودليلاً على وجودها . و تمتد هذه المرحلة(مرحلة النشأة خلقاً آخر) من الأسبوع التاسع إلى أن يدخل الجنين مرحلة القابلية للحياة خارج الرحم.
ج- طور القابلية للحياة:
تبدأ تهيئة الجنين للحياة خارج الرحم في الأسبوع الثاني والعشرين وتنتهي في الأسبوع السادس والعشرين عندما يصبح الجهاز التنفسي مؤهلاً للقيام بوظائفه ويصبح الجهاز العصبي مؤهلاً لضبط حرارة جسم الجنين.
وتعادل الأسابيع الستة والعشرون تقريباً ستة أشهر قمرية، وقد قدّر القرآن الكريم أن مرحلة الحمل والحضانة تستغرق ثلاثين شهراً فقال تعالى: )وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ( [الأحقاف: 15] وبين أيضاً أن مدة الحضانة تستغرق عامين في قوله تعالى: )وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ( [لقمان: 14].
وبذلك تكون مدة الحمل اللازمة ليصبح الجنين قابلاً للحياة هي ستة أشهر قمرية، وقبل الأسبوع الثاني والعشرين الذي يبدأ منه هذا الطور يخرج سقطاً في معظم الأجنة.
د- طور الحضانة الرحمية:
يدخل الجنين بعد الشهر السادس فترة حضانة تتم في الرحم، فلا تنشأ أجهزة أو أعضاء جديدة فكلها قد وجدت وأصبحت مؤهلة للعمل، ويقوم الرحم فيها بتوفير الغذاء والبيئة الملائمة لنمو الجنين وتستمر إلى طور المخاض والولادة.
هـ: طور المخاض أو الولادة:
تنتهي الحضانة الرحمية بولادة الجنين, وقد ورد ذلك في الآية الكريمة:) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ( [عبس:20] ,والتي من معانيها تيسير طريق الجنين لتيسر الولادة حيث تبدو قناة الولادة في وضعها الطبيعي ممراً يصعب مرور الجنين منه, إلا أن عوامل كثيرة تسهل عملية الولادة, ومن هذه العوامل ما يلي:
1- هرمون ريلاكسين: وهو هرمون يفرزه المبيضان والمشيمة, ويؤدي إلى تراخي أربطة مفاصل الحوض, وتليين عنق الرحم.
2- تقلصات الرحم: وهي تبدأ في الجزء العلوي من الرحم, الذي يتكون من نسيج العضلات المتقلصة المتحركة النشطة, الذي يؤمن القوة اللازمة لدفع الوليد خلال الجزء السفلي الساكن الرقيق من الرحم .
3- أغشية السلى: وهي عبارة عن كيس الماء الأمنيوني الذي يحيط بالجنين ويسهل انزلاقه. وتبرز هذه الأغشية الممتلئة بالسائل المخاطي على شكل كيس مائي من خلال عنق الرحم مع كل تقلص من تقلصاته, وتعمل على تسهيل تمدده .وتؤمن هذه الأغشية ـ بعد أن تتمزق ـ سطحاً لزجاً ناعماً ينزلق الجنين عليه .
آلية (هندسة) المخاض:
يتغير وضع الجنين عند مروره عبر تجويف الحوض الذي له شكل غير منتظم, وهذه التغيرات التي تطرأ على الوضع العكسي, هي على سبيل المثال: النزول، والانثناء، والدوران الداخلي، والتمدد, واسترجاع الوضع الطبيعي, والدوران الخارجي, وتساهم العناصر المذكورة آنفاً بسبل شتى في تسهيل مرور الجنين عبر قناة الولادة و وصدق الله القائل :) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ( [عبس:20] .
الخلاصة:
ومما تقدم يتضح أن كلمة (أنشأناه) بحسب استعمالها في القرآن الكريم تشمل أوضح التطورات والتغيرات الخارجية والداخلية في الملامح خلال المرحلة السادسة من التخلق البشري و وتنطبق المعاني الثلاثة لكلمة: (نشأة) بشكل بين ومفهوم على هذه المرحلة:(/5)
فما ورد بمعنى (بدأ) يصف لنا بداية عمل الأعضاء والأجهزة المختلفة حيث نجد أن الكلية قد بدأت في تكوين البول, وبدأ مخ العظام في تكوين خلال الدم, وتبدأ حويصلات الشعر في الظهور في الأسبوع العاشر, وما إلى ذلك, وأما معنى:(نما) فإنه يبين النمو السريع والتطور الشامل في أعضاء وأجهزة الجسم خلال هذه المرحلة, وأما المعنى:(ارتفع وربا) فإنه يصف تلك الزيادة الواضحة والسريعة جداً في طول الجنين ووزنه, والتي تبدأ في الأسبوع الثاني عشر. ولذا فإن مصطلح:(نشأة) ينطبق بصورة دقيقة ومناسبة للغاية في وصف هذه المرحلة من مراحل الجنين.
خاتمة:
تعتبر المصطلحات الواردة في القرآن الكريم معبرة بدقة عن التطورات التي تقع في المراحل المختلفة للتخلق, فهي تصف هذه الأحداث حسب تسلسلها الزمني, كما تصف التغيرات التي تطرأ على هيئة الجنين مع التخلق في كل مرحلة وصفاً دقيقاً.
وما كان في وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف هذه الحقائق عن التخلق البشري في القرن السابع الميلادي لأن معظمها لم يكتشف إلا في القرن العشرين, ويحق للمسلمين وغيرهم أن يشهدوا بأن هذه الحقائق أوحيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله سبحانه وتعالى الخالق العليم بكل شيء من أطوار خلقنا وسائر شئوننا المختلفة وكل ما يحيط بنا من عوالم هذا الكون الواسع.
إعداد/ عادل الصعدي
مراجعة/عبد الحميد أحمد مرشد
(1) - علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة , مجموعة من أبحاث المؤتمر الأول للإعجاز العلمي .
(2) - نفس المرجع السابق .
(3) - بحث النطفة من كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة .
(4) - لسان العرب (9/ 335 )
(5) - مسند أحمد ( 1/ 465 ) رقم الحديث ( 4438 ) و السنن الكبرى للنسائي ( 5/ 339 )
(6) - لسان العرب (11/338 ) , تاج العروس (7/377 )
(7) - القاموس المحيط (3/ 407 )
(8) - تفسير الطبري (21/59) , تفسير القرطبي (19/ 159 )
(9) - صحيح مسلم ( 2/ 1064 )
(10) - تفسير القرطبي (19 / 121 ) , فتح القدير للشوكاني (5/344 ) ,
(11) - مقاييس اللغة للزبيدي (5/ 7) ولسان العرب (5/ 84)
(12) - تفسير ابن كثير ( 3/ 243 ) , تفسير الطبري ( 18/ 7)
(13) - بحث العلقة والمضغة من كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة
(14) - لسان العرب ( 10 / 267 ) و مقاييس اللغة ( 4/ 125 ) والقاموس المحيط ( 3/ 275 )
(15) - زاد المسير ( 5/ 406 ) و فتح القدير ( 5/ 468 ) و البحر المحيط ( 6/ 468 )
(16) - بحث العلقة والمضغة من كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة
(17) - تاج العروس ( 6/ 30 ) و مقاييس اللغة ( 5 / 330 )
(18) لسان العرب ( 8/ 450- 452 )
(19) - فتح القدير ( 3/ 436 ) , وتفسير ابن كثير ( 3/ 207 ) , وروح المعاني ( 17 / 116 )
(20) - بحث طورا العظام واللحم من كتاب علم الأجنة في ضوء الٌقرآن والسنة
(21) - نفس المرجع السابق
(22) - بحث مرحلة النشأة من كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة , وبحث مصطلحات قرآنية لمراحل وأطوار التخلق البشري من نفس الكتاب .
(23) - لسان العرب ( 1/ 171 )
(24) - المعجم الوسيط ( 2/ 920 ) و الصحاح للجوهري (1/ 77)
(25) - لسان العرب ( 1/ 171 ) وتاج العروس ( 1/126 )
(26) - رواه البخاري ( 6/ 2692 )(/6)
مراقبة الله
أولاً: مفهوم مراقبة الله.
ثانياً: الفرق بين المراقبة والإحسان.
ثالثاً: درجات المراقبة:
أ- استدامة السير إلى الله وتعظيمه، وحضور القلب معه والذهول عن غيره، والقرب إليه مع الأنس والسرور به.
ب- مراقبة الله بصيانة الباطن والظاهر.
ج- مراقبة الله بشهود انفراده سبحانه بأزليّته وحده، وأنه كان ولم يكن شيء قبله، وكل ما سواه فكائن بعد عدمه بتكوينه.
رابعاً: فضيلة المراقبة:
أ- أن المراقبة من أسباب دخول الجنة.
ب- أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه وتعالى عنه.
ج- أنها من أعظم البواعث على المسارعة إلى الطاعات.
د- أن بها يحصل العبد على معيّة الله وتأييده.
هـ- أنها تعينه على ترك المعاصي والمنكرات.
و- أنها من أفضل الطاعات وأغلاها.
ز- أنها من خصال الإيمان وثمراته.
ح- أن بها يسعد العبد وتصلح أحواله في الدارين.
خامساً: كيف تراقب الله؟
أ- أن تنظر إلى همك وإرادتك قبل فعل الطاعات، فإن كان همّك وإرادتك لله أمضيتها، وإن كان لغيره فلا.
ب- أن تنظر إلى إرادتك عند الشروع في فعل الطاعات فتخلص نيّتك لله تعالى.
ج- أن تراقب الله قبل الهم بالمعصية فتكف عنها.
د- أن تراقب الله بعد الوقوع في المعاصي بالتوبة.
هـ- أن تراقب الله في المباحات، فتشكره على نعمه، ولا تسترسل بالكلية فيها.
سادساً: الطرق المعينة على المراقبة:
أ- التعرف على أسماء الله الحسنى وصفاته العلى والتعبد بمقتضاها.
ب- قطع أشغال الدنيا عن القلب وتعاهده بالرعاية والعناية.
ج- تعظيم الله سبحانه وتعالى.
د- التفكر في أمور الآخرة.
سابعاً: من أقوال السلف.
ثامناً: ملحقات البحث: (قصة ـ أبيات ـ محامد ـ مراجع للتوسع).
أولاً: مفهوم مراقبة الله:
المراقبة لغة: مصدر مأخوذ من راقب يراقب مراقبة، وتدل على الانتصاب لمراعاة الشيء. والرقيب: الحافظ. وراقب الله في أمره: أي خافه.
وقال المحاسبي: "المراقبة دوام علم القلب بعلم الله عز وجل في السكون والحركة علماً لازماً مقترناً بصفاء اليقين".
قال ابن القيم: "المراقبة دوام علم العبد، وتيقّنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه".
وقال القاسمي: "المراقبة هي ملاحظة الرقيب، وانصراف الهم إليه".
ينظر: مقاييس اللغة (مادة رقب 2/47) ولسان العرب (مادة رقب 5/279-280).
الوصايا (313).
مدارج السالكين (2/67).
موعظة المؤمنين (451).
ثانياً: الفرق بين المراقبة والإحسان:
ـ أن المراقبة تشمل المراقبة في الطاعات وفي المعاصي وفي المباحات، والإحسان يشمل المراقبة في الطاعات والعبادات فقط
قال صلى الله عليه وسلم في تعريف الإحسان: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
قال ابن قدامة: "أراد بذلك ـ أي الإحسان ـ استحضار عظمة الله، ومراقبته في حال العبادة".
وقال ابن الأثير: "أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة، وحسن الطاعة".
وقال النووي في شرحه للحديث: "فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه ـ تبارك وتعالى ـ في إتمام الخشوع والخضوع".
وقال ابن حجر: "وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوع، وفراغ البال حال التلبّس بها، ومراقبة المعبود...".
وقال حافظ الحكمي: "فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحسان على مرتبتين متفاوتتين: أعلاهما: عبادة الله كأنك تراه، وهذا مقام المشاهدة، والثاني: مقام المراقبة".
وقال ابن رجب: "والإحسان في ترك المحرمات الانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها".
ـ إن الإحسان أعم من المراقبة من جهة أخرى؛ فإن الإحسان يطلق على الإحسان إلى الخلق بالإنفاق ووجوه البر؛ قال تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]، وقال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى والِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15].
قال ابن رجب: "وهذا الأمر بالإحسان تارة يكون للوجوب، كالإحسان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البر والصلة، والإحسان إلى الضيف بقدر ما يحصل به قراه".
ـ وبعض العلماء لم يفرقوا بينهما في المعنى فأطلقوا الإحسان على الطاعات والمباحات أيضاً.
قال أبو محمد القصري: "والإحسان مقامه واحد، ولكن لما كانت العبادة ظاهراً وباطناً، انقسم الإحسان على حسب العوالم... فإن العبادة كما تقدم على ثلاثة: أوامر، ونواهي، ومباحات".
ينظر: أعمال القلوب وأثرها على الإيمان للدكوري (110).
أخرجه البخاري: كتاب الإيمان (50)، مسلم: كتاب الإيمان (9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
مختصر منهاج القاصدين (377).
النهاية (1/387).(/1)
شرح مسلم (1/158).
فتح الباري (1/120).
إعلام السنة المنشورة (72).
جامع العلوم والحكم (1/382).
جامع العلوم والحكم (1/388).
شعب الإيمان (2/369).
ثالثاً: درجات المراقبة:
أ- الدرجة الأولى: استدامة السير إلى الله وتعظيمه، وحضور القلب معه والذهول عن غيره، والقرب إليه مع الأنس والسرور به:
قال ابن القيم في معرض شرحه لهذه الدرجة: "فإن الحضور يوجب أنساً ومحبة، وإن لم يقارنهما تعظيم أورثاه خروجاً عن حدود العبودية ورعونة، فكل حب لا يقارنه تعظيم المحبوب فهو سبب للبعد عنه، والسقوط من عينه... وأما السرور الباعث فهو الفرحة والتعظيم، واللذة التي يجدها في تلك المداناة؛ فإن سرور القلب بالله وفرحه به، وقُرّة العين به، لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا ألبتة... ولا ريب أن هذا السرور يبعثه على دوام السير إلى الله عز وجل، وبذل الجهد في طلبه وابتغاء مرضاته".
ب- الدرجة الثانية: مراقبة الله بصيانة الباطن والظاهر:
قال ابن القيم شارحاً لهذه الدرجة: "هذه مراقبةٌ لمراقبة الله لك، فهي مراقبة لصفة خاصة معينة، وهي توجب صيانة الباطن والظاهر، فصيانة الظاهر بحفظ الحركات الظاهرة، وصيانة الباطن بحفظ الخواطر والإرادات والحركات الباطنة".
ج- الدرجة الثالثة: مراقبة الله بشهود انفراده سبحانه بأزليته وحده، وأنه كان ولم يكن شيء قبله، وكل ما سواه فكائن بعد عدمه بتكوينه:
قال ابن القيم مبينا معنى هذه الدرجة: "وهذا الشهود متعلّق بأسمائه وصفاته، وتقدُّم علمه بالأشياء ووقوعها في الأبد مطابقة لعلمه الأزلي، فهذا الشهود يُعْطي إيماناً ومعرفة، وإثباتا للعلم والقدرة، والفعل، والقضاء والقدر.
مدارج السالكين (2/69-70) بتصرف.
مدارج السالكين (2/71) بتصرف.
مدارج السالكين (2/74-75) بتصرف.
رابعاً: فضيلة المراقبة:
أ- أن المراقبة سبب من أسباب دخول الجنة:
قال تعالى: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
قال ابن القيم مفسراً الآية: "الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنك تراه... وفي الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عز وجل، ومراقبته، ومحبته ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان".
وسئل ذو النون: بم ينال العبد الجنة؟ فقال: بخمس، وذكر منها: "ومراقبة الله في السر والعلانية".
وقال عَزَّ من قائل: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:112].
قال أبو السعود: "وحقيقة الإحسان الإتيان بالعمل على الوجه اللائق وهو حسنه الوصفي التابع لحُسْنِه الذاتي، وهو ما فسّره صلى الله عليه وسلم: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))؛ {فَلَهُ أَجْرُهُ} الذي وعده به على عمله، وهو عبارة عن دخول الجنة أو عما يدخل فيه دخولاً أولياً".
ب- أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه وتعالى عنه:
قال تعالى: {رّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} [البينة:8].
قال أهل العلم: "ذلك لمن راقب ربه عز وجل، وحاسب نفسه وتزود لمعاده".
ج- أنها من أعظم البواعث على المسارعة إلى الطاعات:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101].
قال القصري: "إذا عرف العبد مقام الإحسان، سارع إلى طاعته قدر وسعه، فهذا حال المحب الذي يعبد الله كأنه يراه" .
د- أن بها يحصل العبد على معية الله وتأييده:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128].
قال ابن كثير: "أي معهم بتأييده ونصره ومعونته، وهذه معية خاصة".
هـ- أنها تعينه على ترك المعاصي والمنكرات:
قال ابن الجوزي: "فقلوب الجهال تستشعر البُعْد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكُفَّ عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط".
وقال ابن القيم: "فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه لم يكن ذلك إلا لاستيلاء ذِكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك يحول بينه وبين إرادة المعصية، فضلاً عن مواقعتها".
وقال أيضاً: "فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته".
و- أنها من أفضل الطاعات وأعلاها:
قال ابن عطاء: "أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات".
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]: "ومضمون الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات، ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء... في عطف بالأمر بالإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة".
ويقول حافظ الحكمي:
وثالثٌ مرتبة الإحسان وتلك أغلاها لدى الرحمن(/2)
وهي رسوخ القلب في العرفان حتى يكون الغيب كالعَيان.
ز- أنها من خصال الإيمان وثمراته:
قال القصري: "فأما كونه من الإيمان فبيّن؛ لأنه في نفسه تصديق بالنظر إلى الله في الحال، أو تصديق بأن الله ينظر إليه، إلا أنه ثمرة الإيمان، وأعلاه وخالصه".
ح- أن بها يسعد العبد، وتصلح أحواله في الدارين:
قال ابن علان: "فينبغي ألا يشتغل إلا بما فيه صلاحه معاشاً ومعاداً، بتحصيل ما لا بد منه في قوام البدن، وبقاء النوع الإنساني، ثم بالسعي في الكمالات العلمية، والفضائل العلية التي هي وسيلة لنيل السعادة الأبدية... وذلك إنما يكون بالمراقبة، ومعرفة أن فيما يأتيه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من شأنه" .
مدارج السالكين (2/479).
انظر: إحياء علوم الدين (4/398).
تفسير أبي السعود (1/147).
انظر: إحياء علوم الدين (4/398).
انظر: شعب الإيمان (2/371-372) بتصرّف.
تفسير ابن كثير (753).
صيد الخاطر (236).
الجواب الكافي (70).
مدارج السالكين (2/96).
انظر: إحياء علوم الدين (4/397).
تفسير ابن كثير (152).
معارج القبول (2/399).
انظر: شعب الإيمان (2/359).
دليل الفالحين (1/345).
خامساً: كيف تراقب الله؟:
أ- أن تنظر إلى همّك وإرادتك قبل فعل الطاعات، فإن كان همّك وإرادتك لله أمضيتها، وإن كان لغيره فلا:
قال الحسن البصري: "رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر".
وقال القاسمي: "ثم للمراقب في أعماله نظران: نظر قبل العمل، ونظر في العمل، أما قبل العمل فلينظر همه وحركته أهي لله خاصة أو لهوى النفس ومتابعة الشيطان؟ فيتوقف فيه ويتثبّت حتى ينكشف له ذلك بنور الحق، فإن كان لله تعالى أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا من الله، وانكف عنه، ثم لام نفسه على رغبته فيه، وهمه به، وميله إليه، وعرّفها سوء فِعْلها، وأنها عدوّة نفسها".
ب- أن تنظر إلى إرادتك عند الشروع في فعل الطاعات فتخلص نيتك لله سبحانه وتعالى:
قال ابن قدامة: "ومراقبة العبد في الطاعة وهو أن يكون مخلصاً فيها".
وقال القاسمي: "وأما النظر الثاني للمراقبة عند الشروع في العمل، فذلك بتفقد كيفية العمل ليقضي حق الله فيه، ويحسن النية في إتمامه، ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه".
ج- أن تراقب الله قبل الهم بالمعصية، فتكفّ عنها:
قال القصري وهو يعدّد أنواع الإحسان: "فأما قسم المعاصي على اختلاف أنواعها؛ فإن العبد مأمور بأن يعلم أن الله يراه، فإذا هم بمعصية وعلم أن الله يراه، ويبصرُه على أي حالة كان، وأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور كفَّ عن المعصية ورجع عنها".
د- أن تراقب الله بعد الوقوع في المعاصي بالتوبة:
وقال القصري: "فإن غلبه فعل المعاصي انقضَّ وزلّ عن مقام الإحسان، ووقع في شكلٍ يبطل العبادة سارع إلى الاستغفار، والرجوع إلى مقام الإحسان".
قال ابن القيم: "ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع".
هـ- أن تراقب الله في المباحات فتشكره على نعمه، ولا تسترسل بالكلية فيها:
وقال القصري: "وأما القسم الثالث من المباحات والكسبيات؛ فإن ذلك محل الغفلة، والسهو عن هذا المقام الإحساني، فإذا تذكّر العبد أن الله يراه في تصرّفه، وأنه أمره باتباعه والإقبال عليه، وقلّة الإعراض عنه استحيا أن يراه مكباً على الخسيس الفاني، مستغرقاً في الاشتغال به عن ذكره؛ فيقبضه ذلك عن الاستكثار الملهي، والاشتغال والاسترسال بالكلية في أمور الدنيا".
قال ابن القيم: "ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنه لا يخلو العبد من نعمة لا بد له من الشكر عليها" .
انظر: مختصر منهاج القاصدين (377).
موعظة المؤمنين (451-452).
مختصر منهاج القاصدين (373).
موعظة المؤمنين (452).
انظر: شعب الإيمان (2/363).
انظر: شعب الإيمان (2/363).
مدارج السالكين (2/68).
انظر: شعب الإيمان (2/364).
مدارج السالكين (2/68).
سادساً: الطرق المعينة على المراقبة:
أ- التعرف على أسماء الله الحسنى وصفاته العلى والتعبد بمقتضاها:
قال ابن القيم: "والمراقبة التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة".
ب- قطع أشغال الدنيا عن القلب وتعاهده بالرعاية والعناية:
سئل المحاسبي: فما يوصله إلى هذه الحالة ـ أي المراقبة ـ؟
قال: "قطع علائق الأشغال، ولزوم العلم، والتعاهد بالعناية والرعاية".
ج- تعظيم الله سبحانه وتعالى:
قال محمد بن نصر المروزي: "إذا ثبت تعظيم الله في قلب العبد أورثه الحياء من الله، والهيبة له، فغلب على قلبه ذكر اطلاع الله العظيم، ونظره بعظمته إلى ما في قلبه وجوارحه... فاستحى الله أن يطلع على قلبه وهو معتقد لشيء مما يكره، أو على جارحة من جوارحه، تتحرك بما يكره، فطهّر قلبه من كل معصية، ومنع جوارحه من جميع معاصيه".
د- التفكر في أمور الآخرة:(/3)
قال القصري: "أما المقام الثاني من الإحسان في عالم الغيب ومقام الإيمان فإن العبد إذا فكر في مواطن الآخرة من موت، وقبر، وحشر،... وعلى أنه معروض على الله في ذلك العالم ومواطنه؛ تهيأ لذلك العرض" .
مدارج السالكين (2/68).
الوصايا (314).
تعظيم قدر الصلاة (2/826).
انظر: شعب الإيمان (2/364).
سابعاً: من أقوال السلف:
قال مسروق بن الأجدع: "من راقب الله في خطرات قلبه؛ عصمه الله في حركات جوارحه".
قال ابن المبارك لرجل: "راقب الله تعالى"؛ فسأله عن تفسيرها، فقال: "كن أبداً كأنك ترى الله عز وجل".
قال أبو حفص لأبي عثمان: "إذا جلست للناس فكن واعظاً لنفسك وقلبك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك" .
انظر: صفة الصفوة (4/129) وتنوير المقباس لابن رجب (55).
انظر: إحياء علوم الدين (4/297).
انظر: إحياء علوم الدين (4/297).
ثامناً: ملحقات البحث: (قصة ـ أبيات ـ محامد ـ مراجع للتوسع):
قصة:
قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرّسنا في بعض الطريق، فانحدر عليه راعٍ من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك، فقال: قل لسيّدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله ؟ قال: فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تُعتقك في الآخرة.
أبيات:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما تُخفي عليه يغيب
وقال ابن السّماك:
يا مدمن الذنب أما تستحي واللهُ في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا
وقال أبو محمد الأندلسي:
وإذا ما خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعيةٌ إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
محامد:
الحمد لله الرقيب الذي أحاط بكل شيء رحمةً وعلماً، وأتقن ما صنعه وأبدع ما شرعه إحكاماً وحُكماً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد المحسنين أجراً عظيماً، فقال: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه وجعله إماماً، أفضل داع إلى الإحسان وأعظمهم مقاماً، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً.
مراجع للتوسع:
• إحياء علوم الدين (4/398) للغزالي.
• مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
• مدارج السالكين لابن القيم (2/479).
• شعب الإيمان للقصري.
• الوصايا للمحاسبي.
• موعظة المؤمنين للقاسمي.
• أعمال القلوب وأثرها في الإيمان لمحمود دوكوري.
انظر: إحياء علوم الدين (4/296)، والسير (3/216).
تُنْسب لأبي نواس، ولأبي العتاهية، ولغيرهما، انظر الخلاف في ذلك في: حماسة الظرفاء (1/187) وديوان شعر الخوارج (ص260-261).
انظر: جامع العلوم والحكم (1/440).
نونية القحطاني (25).(/4)
مراكز الدراسات..ضرورة لمواجهة حرب الأفكار
د . محمد بن سعود البشر 16/11/1425
28/12/2004
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورواج مصطلح الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي والغرب الليبرالي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بدا واضحاً أن الحروب التالية هي حروب أفكار، وأن المنتصر في هذه الحروب الفكرية، هو المنتصر على جميع الأصعدة الأخرى .. فبدأ ظهور مراكز الدراسات السياسية و الاستراتيجية، باعتبارها مصانع لأسلحة الفكر، واستطاعت هذه المراكز بالفعل أن تقود الدول التي أولت اهتماماً أكبر بهذه المصانع الفكرية إلى آفاق بعيدة من التفوق الذي وصل إلى حد السيطرة التامة والانفراد بقيادة العالم، ونقصد بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي أفسحت المجال لمئات من مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية، لتوجيه صُنّاع القرار السياسي والاقتصادي بل وتوجيه الرأي العام الأمريكي والدولي، والتأثير في القطاعات الفاعلة على المستويات الشعبية في كثير من الدول، وليس أدل على نجاح مراكز الدراسات الاستراتيجية في قيادة الولايات المتحدة إلى ما وصلت إليه الآن من شبه انفراد بالسيطرة على العالم، من أن عدد هذه المراكز الأمريكية والتي أطلق عليها منذ ظهورها "بيوت الخبرة" يتجاوز (1750) مركزاً منتشرة في جميع الولايات الأمريكية، وتحتضن العاصمة واشنطن وحدها ما يزيد عن المائة منها .. ولنا أن نتصور حجم الميزانيات الضخمة التي تُنفق على هذه المراكز والتي تضم خيرة الباحثين والمتخصصين في العلوم السياسية والاستراتيجية، وهي مبالغ طائلة، يؤكد ذلك أن الولايات المتحدة عندما قررت خفض نسبة 2% فقط من موازنة المؤسسة القومية للعلوم، كانت هذه الـ 2% تزيد عن (105) مليون دولار، وهو ما يعني أن موازنة هذه المؤسسة تتجاوز (4) مليارات، والأهم من ذلك أن هذه المراكز تعمل بحرية كاملة لا تمنعها من انتقاد بعض السياسات والممارسات الحكومية، وطرح البدائل الصحيحة وتقدم الأدلة الموضوعية على خطأ هذه الممارسات وصحة البدائل.
هذه النظرة إلى مكانة المراكز السياسية و الاستراتيجية والتأمل فيما استطاعت أن تحققه من تفوق وازدهار لبلاد ليست ذات تاريخ عريق في مسيرة الحضارة الإنسانية، ومقارنتها بواقع البحث العلمي المهمل في العالم العربي والإسلامي، وموقع الدول العربية والإسلامية المتأخر في ركب الحضارة المعاصرة، يكشف لنا مدى حاجتنا إلى العمل على إنشاء وتفعيل دور مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية إذا كنا نروم اللحاق بركب الحضارة ، والمشاركة في صناعتها، والأهم من تلك المشاركة، أن نخرج من دائرة " الاستهداف " والاستهلاك لما تنتجه حضارة الأقوياء.
وإذا كان إهمالنا لقيمة البحث العلمي هو أحد الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، فان التحديات الراهنة والمستقبلية، تستوجب الإسراع بعلاج هذا الإهمال والإعلاء من قيمة العلم والبحث العملي ونقصد بالعلم هنا، ليس العلوم الطبيعية البحتة من كيمياء وفيزياء ورياضيات وغيرها، لكن العلم بمعنى الموضوعية والتحليل والمستند إلى أدلة منطقية وحقائق تضمن الوصول إلى نتائج واضحة ودقيقة.
إن مراكز الدراسات الاستراتيجية هي مصانع الفكر القادرة على خوض ومواجهة تحديات المستقبل، وكلما زادت فاعلية هذه المراكز وزاد عددها تضاعفت القدرة على مواجهة أي مخططات خارجية تستهدف البناء العقدي للمجتمعات العربية والإسلامية، كما تضاعفت قدرة مجتمعاتنا على مواجهة أي محاولات لتسميم الأفكار من الداخل، إذ بإمكان هذه المراكز -متى وجدت الدعم المالي والمناخ الصحي الذي يسمح لها بأداء عملها- دق أجراس الإنذار مبكراً للتحذير من أي ظواهر مرضية يمكن أن تؤثر بالسلب في صحة المجتمع وطرح وسائل علاج هذه الظواهر.
قد يبدو النموذج الأمريكي وما تحظى به مراكز الدراسات السياسة و الاستراتيجية من دعم، وما تُحاط به نتائج بحوثها وتوصياتها من احترام وتقدير من أعلى دوائر صناعة القرار محبطاً لنا إذا أردنا البدء في تفعيل دور مراكز البحوث والدراسات في العالم العربي والإسلامي لاتساع الفارق الزمني بين ظهور هذه المراكز الأمريكية ومراكزنا القليلة والتي لم يمضِ على أقدمها أكثر من (20) عاماً أو يزيد قليلاً. لكن ماذا عن النموذج الإسرائيلي في العناية بالبحث العلمي وصناعة الفكر؟ هذه العناية التي وضعت دولة صغيرة في حجم إسرائيل في صدارة الدول المشاركة في البحوث العلمية والأكثر إنفاقاً عليه!(/1)
ذكر د. أحمد زويل العالم المصري الفائز بجائزة " نوبل " في العلوم، أن إجمالي ما تنفقه إسرائيل على البحث العملي يتجاوز إجمالي ما تنفقه الدول العربية والإسلامية مجتمعة بعشرات المرات، وهو أمر يؤكده عدد مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في العالم العربي التي لا يتجاوز عددها (25) مركزاً، كثير منها يفتقر لأبسط الإمكانات التي تؤهله للقيام بعمله، في حين أن عدد المراكز الإسرائيلية أكثر من(20) مركزاً ضخماً بخلاف تلك المراكز التي تمولها إسرائيل في دول الغرب والولايات المتحدة لتوجيهها بما يخدم أهدافها.
إن الوقت يمر، والتحديات تتضاعف، والحروب التي يتعرض لها العالمين العربي والإسلامي تشتد ضراوة، ولم تعد تستهدف الأرض والثروات فقط بل أصبحت تستهدف الدين والثقافة، وحتى منظومة العادات والتقاليد والأخلاق في غزوٍ ثقافي وفكري شامل لا قبل لنا بمواجهته باجتهادات فردية لمثقفينا أو مفكرينا أو نخبنا السياسية، بل لابد من تفعيل دور المراكز المتخصصة، وهو تفعيل يتطلب (إلى جانب الإمكانات المالية) توفير المناخ الصحي الذي يتيح لهذه المراكز ممارسة نقد الذات قبل نقد الآخر، ومواجهة تحديات الداخل قبل تحديات الخارج.(/2)
مراكزنا وفرص التطوير الشعبي(*) 13/6/1426
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن المراكز الصيفية سبيل من سبل تنمية المهارات، واكتساب المعارف والقدرات، كما أنها وسيلة لتربية الأجيال القادرة على خدمة هذه الأمة ورفع قضاياها، وفي كثير منها العلم النافع، والبرامج الهادفة، والمهارات المفيدة.
وليأذن لي القارئ الكريم بوقفة ههنا أنتقل فيها إلى القائمين على التعليم وإلى من ينعون على القائمين بشأنه في الدول العربية أنظمتها التعليمة، ويرفضون –وحق لهم- طريقتها التقليدية التي عفا عليها الزمن، ومادتها التجريبية البالية والتي دفنتها الدول المتقدمة بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها، ومع ذلك تأبى بعض الأنظمة التعليمية إلاّ التمسك بتلك المناهج قديمة معتقة، مهملة تطويرها، كسلة عن إدراك ركب الحضارة الذي تقدمها فذهب مذهباً بعيداً.
بل لا تزال بعض مناهجنا العربية تدرس وتردد عبارات أثبت العلم الحديث خطؤها فالذرة عند بعضنا لا تزال أصغر جزء من المادة، ونواتها لا تزال ترفض الانقسام، والمادة –وأنف العلم الحديث راغم- لا تفنى ولا تستحدث من العدم!
إن هذا وأمثاله مما يجرح المسلم الحريص على أمته ويؤلمه، ولكن الذي يزيد الجرح نكاية هو انشغال بعض هؤلاء التقليديين ممن أنيطت بهم مسؤولية التعليم عن تطوير تلك المناهج التجريبية والدأب على تغيير المناهج الشرعية والتي أثبتت عبر عقود جدارتها يوم خرجت من علماء الأمة الأفذاذ رجالاً، ومن دعاة الملة السمحة فئاماً لم تخرج المناهج التجريبية في مجالاتها من أمثالهم ولا معشارهم.
وعوداً على بدء أقول للناقمين على التعليم العربي ونظامه، إن أمام الحادبين حقاً لا تصنعاً فرصاً للعمل فهل استثمروها؟
التعليم الأهلي مثلاً فرصة تتيح مجالاً خصباً للإصلاح وتخريج بناة الأمة فهل استثمرناها كما ينبغي؟ هل استفدنا منه كما استفاد أصحاب الأغراض المشبوهة في كثير من بلاد المسلمين؟
وما قيل في التعليم الأهلي يقال في كافة الأبواب التعليمية والعملية الخدمية وغيرها والتي يتاح للعمل الشعبي أن يطرقها.
ونفس السؤال يوجه للقائمين والمعنيين بشأن المراكز الصيفية.
فهذه المراكز المباركة فرصة أخرى ومجال ثان، فهل استثمرت في توجيه الشباب وفي تعليمه ما ينبغي كما ينبغي، في الإطار الذي يأذن به وضعها؟ وهل من هم القائمين عليها الرقي بها لتكون معاهد وجامعات يكمل بعضها بعضاً؟ أو على الأقل يتجاوز خطابها ونفعها التقوقع الثنائي الحاصل في بعضها من الشباب إلى الشباب وفقط، ليدخل المجتمع عاملاً بناء مُؤثَراً فيه ومُؤثِراً بها، يتعدى إليه نفعها، ويكون رافداً لها.
أرجو ألا يقع البعض في فخ نقد الغير ونسيان نقد الذات ومحاسبة النفس!
ثم هل أنتم -معاشر الشباب- انخرطتم في تلك المراكز وأنتم تعون أهدافكم، وتعلمون ما تريدون تحصيله منها، بحيث تخدم تلك المناشط أهدافكم؟
وهل شارك مشارككم ابتداء في المراكز التي يعتقد أنها تعينه على بلوغ هدفه ببرامجها المفيدة حقاً؟ أم كان مقياسه المتعة والصحبة وسعة الصدر فقط؟
ثم هل حرص بعدها على الأنشطة التي تخدم هدفه كحرصه على الأنشطة الرياضية والترفيهية؟
أتساءل وكلي أمل أن يكون في الشباب الواعد الواعي، وفي المشرفين الكرام الأماثل من تكون إجابته إيجابية.
وأسأل الله أن يرزقنا جميعاً الحرص على الأوقات واغتنام الساعات والحذر من الشبهات، وصلى الله وسلم على معلم الناس الخير نبينا محمد وعلى من اقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
________________
(*) كتب هذا المقال استجابة لطلب مركز ثانوية إشبيلية بخميس مشيط عام 1426.(/1)
مرتان فقط في تسعين عاما....؟؟
ما هما هاتان المرتان ؟؟؟؟؟
وما هي قصة التسعين عاما ؟؟؟؟
تابع معنا ما سنقوله الآن......
يقول قاضي قضاة الشام سليمان بن حمزة المقدسى وهو من ذرية إبن قدامة صاحب كتاب المغني [ لم أصل الفريضة قط منفردا إلا مرتين, وكأني لم أصلهما قط ].
هل تعلم كم كان عمر سليمان المقدسي حين قال هذا الكلام ؟؟
كان عمره تسعين عاما تقريبا ........
أكاد أنظر إلى وجهك ألآن وقد فغرت فاهك وقلت لنفسك بصوت منخفض من الخجل ' تسعون عاما ولم يترك الجماعة إلا مرتين , وأنا لازلت شابا صغيرا ولا يكاد يمر إسبوع واحد إلا وضاعت مني الجماعة على الأقل مرتين '.
وهنا يطرح التساؤل الآتي نفسه, وهو لماذا كان حرص السلف وصحابة النبى صلى الله عليه وسلم الشديد على صلاة الجماعة حتى يقول أحدهم حين يتركها مرتين [ وكأني لم أصلهما قط ] ؟
والجواب بسيط أيها الأحبة وهو أن هؤلاء الرجال كانوا يعرفون فضلها حق المعرفة وكانوا في نفس الوقت يتبعون نصائح النبى صلى الله عليه وسلم فهو الذي حثهم في أحاديث كثيرة على صلاة الجماعة منها على سبيل المثال:-
* قال صلى الله عليه وسلم [ من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت حطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة ].
* وقال أيضا صلى الله عليه وسلم [ من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزله في الجنة كلما غدا أو راح ].
* وقال صلى الله عليه وسلم [ أعظم الناس في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام ].
• أرأيت أخي الحبيب كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم أمر صلاة الجماعة.ولذلك لم نسمع عن أحد من السلف كان يتهاون في صلاة الجماعة بحجة أن هناك خلاف بين العلماء في فرضيتها ونحن في هذا الوقت والزمان في أشد الحاجة إلى هذا الثواب العظيم .
ولك أن تعلم أخي الحبيب أن صلاة الجماعة لها الكثير من الفوائد غير هذا الثواب العظيم .....
فإن أردت أن تخشع في صلاتك وتتذوق حلاوتها فعليك بصلاة الجماعة فقد قال صلى الله عليه وسلم [الشيطان مع الفرد وهو من الإثنين أبعد].
وإن أردت تكون تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة فعليك بصلاة الجماعة حتى يتعلق قلبك بالمساجد وتدخل تحت الحديث [ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله...] ومنهم [ ورجل قلبه معلق بالمساجد ].
وإن أردت أن تكتب لك براءتان من النار ومن النفاق فحافظ على صلاة الجماعة مدركا تكبيرة الإحرام مع الإمام لمدة أربعين يوما متصلة كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا أخي الحبيب يجب أن تعلم أنك لن تتقرب إلى المولى عز وجل بشئ أحب إليه من هذه الصلوات في جماعة كما يقول تعالى في الحديث القدسي [ ما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلى مما افترضته عليه ].
فابدأ من الآن في الحفاظ على صلاة الجماعة في المسجد وانفض عنك غبار الكسل وكن كما يقول الشاعر :-
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا [الله أكبر] في شوق وفي جذل
أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم: ربنا جئناك طائعة نفوسنا وعصينا خادع الأمل
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهم لعب عن الصلاة ولا أكذوبة الكسل
وأختم كلامي بموقف فريد من مواقف العاشقين للصلاة وهو الداعية المحدث الثقة إبراهيم بن ميمون المروزي وكانت مهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة , قال عنه بن معين [ كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها ](/1)
مرتكزات الأمن الفكري الإسلامي
د.عبد الحكيم الفيتوري 4/7/1424
01/09/2003
قال تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن )
لا يخفى أن الأمة الإسلامية عبر تاريخها التليد استطاعت أن تترك بصماتها الحضارية بكافة إشكالها وألوانها على مساحة شاسعة من البلاد والعباد شرقاً وغرباً لا ينكرها إلا ظلوم جهول.
والآن وفي ظل غمرة اشتداد الهجمات الضارية الموجهة ضد ثقافة العالم الإسلامي والرامية بشتى السبل إلى طمس الهوية الإسلامية ومحو المعالم الحضارية الّتي تميّزت بها الحضارة الإسلامية عبر تاريخها المجيد؛ لابدّ للعالم الإسلامي بشكل عام وللمفكرين والمهتمين بشؤونه من استشعار خطورة هذه الهجمات العنيفة المركزة المدروسة، والتفكير الجاد الواعي في التصدي لها باستخدام كافة الإمكانات المتاحة الّتي لا نعتقد أنها قليلة أبداً.
فالغزو الثقافي غزو شرس، والحرب الفكرية حرب لا هوادة فيها، وهما أشد خطراً من عمليات الغزو المسلّح والحروب العسكرية لأنهما موجهان لتحطيم الهيكلية الثقافية الفكرية الإسلامية، وتقويض صرح الحضارة الإسلامية السامق، وبعبارة أخرى أن الأمن الثقافي الفكري الإسلامي مهدد تهديداً حقيقياً، وها هي معاول الثقافة الهدامة تعمل فيه ليلاً و نهاراً دون أن يثير ذلك ـ وللأسف ـ فزع الكثيرين، أو يحرك فيهم ردة فعل ما؛ بل هناك من انحاز إلى الجانب المعادي ورفع عقيرته منادياً بضرورة الأخذ بالثقافة الغربية والانسجام معها، ناسياً أنّ ذلك يعني الانسحاق الثقافي والانتحار الحضاري، والنهاية الحقيقية لهذه الأمة الّتي علا نجمها بتوحيد الله وعدم الإشراك به سبحانه، وإقامة نظامه الرباني.
مخاطر الغزو الفكري الثقافي
يعدّ الغزو الفكري الثقافي أضرى وأشد في تأثيراته من أية عملية غزو أخرى. فالغزو العسكري عادة يثير في الأمة حالة من الانتفاض ويلهب فيها الشعور بضرورة الدفاع والتصدي، ويضخ فيها حالة من الحماس والاندفاع والإقدام؛ ولهذا فطالما فشلت الحروب المسلحة في إسكات أصوات الأمم حتّى وإن أخضعتها لفترة من الزمن.
أمّا الغزو الفكري وانطلاقاً من طبيعته التدريجية وأسلوبه الصامت في النفوذ، والطريقة العلمية المدروسة الّتي يوجَّه بها من قبل الجهات الخارجية، فلا يثير في المغزوين تلك الحالة الّتي يثيرها الغزو الحربي، ولا يخلق لديهم ردة فعل معاكسة كتلك الردّة الّتي يخلقها الغزو الأول، وهو بذلك "يقضي على قوة الصمود في الأمة، لأنه يخرجها من دائرة كيانها الخاص، بما يمثله من قيم وعادات وتراث إلى دائرة أخرى تنتمي إلى الدولة الباغية، ومن ثمّ تفقد الأمة المستعمرة أصالتها الذاتية وحريتها الحقيقية، وتصبح تابعة لغيرها، وإن لم يكن في أرضها تسلط عسكري أو وجود أجنبي". (1)
وهذا يعني الانسحاق الحضاري الكامل في نهاية المطاف، وذوبان تلك الأمة في بحر الثقافة الغازية، وإلغاء وجودها الفكري والثقافي المتميز ودورها الحضاري.
فبعد الفشل الذريع الّذي منيت به الحملات الصليبية الثمان منذ عام 1096 وحتّى 1291، وطرد الفرنجة تماماً من الأراضي الإسلامية في أواخر القرن الثالث عشر، وبعد فشل الاستعمار السياسي في تحقيق مآربه الّتي تجسدت في ابتلاع العالم الإسلامي بأسره أرضاً ووجوداً وحضارة، أدرك الغرب أن الإسلام هو العقبة الوحيدة الّتي تقف في طريقه بما لديه من قيم ومثل وتشريعات ترفض كافة ألوان الظلم والاستغلال والتبعية، وما تضخه هذه المفاهيم في نفوس المسلمين من حالات تصدّ ومقاومة للبغاة والجائرين، وكل من يحاول فرض هيمنته على العالم الإسلامي والبشرية جمعاء.
لقد أدرك العالم الغربي ماذا يعنيه الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، ومدى تأثيرهما على المسلمين، بعد أن كانا السبب الأول والأخير في كافة حلقات الفشل والهزائم المتلاحقة الّتي مني بها في حروبه الصليبية، وما تلاها من عمليات غزو سياسي تحت شعار الاستعمار.
وبناءً على ذلك فقد توصل الغرب إلى قناعة بضرورة تشويه العقيدة الإسلامية، وتهشيم الفكر وسحق الثقافة الإسلامية، ولكن ليس عن طريق الغزو المسلّح ـ كما فعل خلال حرب الصليب ـ، ولا عن طريق الإخضاع السياسي والاقتصادي المباشر ـ كما كان عليه حال البلدان الإسلامية في العهد الاستعماري ـ؛ بل عبر عملية غزو فكري ثقافي منظمة ومدروسة لا تثير ردود فعل واضحة ومحسوسة وتمتلك رصيداً عظيماً من النجاح، لاسيّما إذا رافقتها حالة تأنّ وصبر وعدم استعجال في قطف ثمار النصر المرجو.(/1)
وكان البيان الأول في هذا الغزو الجديد التشكيك في الدّين الإسلامي، وتشويه صورته الناصعة، ورسم علامات الاستفهام حول القيم والمفاهيم الإسلامية، والتأكيد من جانب آخر على المثل الغربية والبناء الحضاري الغربي الجديد، وما قطعه الغرب من أشواط علمية بعيدة، وتطور تقني هائل، يعني في جملة ما يعنيه وجوب التجدد والتحديث والانفصام عن الماضي السحيق الّذي لم يعد الالتزام بمفرداته منسجماً مع الحالة العصرية الراهنة؛ بل إنّ الالتزام بها يعني الرجعية والتخلف عن مواكبة عجلة التطور وحركة العلم!.
وكان تركيز عملية الغزو الجديد على أبناء الإسلام الدارسين في الجامعات والمعاهد الغربية، حيث تمكنت من إجراء عملية غسل أدمغة للكثيرين منهم، فعادوا إلى بلدانهم محملين بالأفكار الغربية ومكتسين بثقافة الغرب المتعارضة مع الثقافة الإسلامية، فكانوا يداً ولساناً وقلماً لعملية الغزو الفكري الحضاري، وحلقة مهمة من حلقاتها؛ لكونهم في تماس مباشر مع المجتمع الإسلامي، ولتعاملهم مع الشرائح المثقفة في غالب الأحيان، لا سيما طلبة الجامعات، ممّا يعني توفر الشروط الموضوعية اللازمة لنجاح عملهم في النيابة عن القائمين على عملية غزو المسلمين فكرياً وثقافياً.
وراح هؤلاء المتغربون يضمون أصواتهم إلى أصوات الغرب، ويلهجون بما تلقوه من تلقينات في وجوب الانسلاخ عن الثقافة الإسلامية وارتداء جلابيب الثقافة الغربية، وقطع أية صلة ثقافية وفكرية بالإسلام، خاصة وأن الإسلام ـ من وجهة نظرهم ـ ليس إلاّ طقوساً عبادية وشعائر لا تتعدى إطار علاقة ثنائية بين المسلم وربّه !!
وأخذ هؤلاء يثيرون ـ وطبقاً للإيحاءات الغربية ـ قضية التناقض بين الدين والعلم، والماضي والحاضر، ويثيرون سلسلة من الاشكالات على القرآن الكريم والسنة النبوية، ويطرحون المؤاخذات على كل ما له صلة بالإسلام؛ كالفقه الإسلامي والتفسير الإسلامي ومختلف النظريات والطروحات الإسلامية، والتأثير على نقاط الضعف والقضايا السلبية الّتي يحملها التاريخ الإسلامي، والّتي هي في معظمها مدسوسة.
وقد سبق دعوات دعاة الحداثة وتزامن معها نشاط هائل للمبشرين والمستشرقين الغربيين، ذلك النشاط الّذي امتدّ إلى سائر أرجاء العالم الإسلامي، بل وشمل العالم غير الإسلامي أيضاً. ولعبت الحركة التبشيرية دوراً خطيراً في عملية الغزو الثقافي الفكري، وذلك لاستتارها خلف براقع الأعمال الإنسانية والتعليمية والصحية وغيرها، فاستطاعت من خلال ذلك النفوذ إلى المجتمعات الإسلامية وشق طريقها إليه لتبث أفكارها الهدامة، وتسيء إلى الإسلام ومفاهيمه وقيمه عبر مبشريها المعدين لهذا الغرض.
"وفاقت الحركة الاستشراقية في خطورتها الحركة التبشيرية؛ لأنها تعامت بشكل مباشر مع المفردات الإسلامية، فأخذت تشوه وتحرف ما استطاعت، وراحت تقدم لنا التاريخ الإسلامي والشخصيات الإسلامية كما ترغب وتشاء. كما أنها راحت تقدم التراث العربي الإسلامي عبر قطع مبعثرة لا رابطة بينها سوى تناقضات تاريخية وفكرية سببها حجب الكثير من الكتب القيمة المتممة الّتي بقيت خارج إطار النشر والتداول لتبرر هذه التناقضات" .(2)
وأخذنا وللأسف نتعرّف على تاريخ الإسلام بل وحتّى على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والفكر الإسلامي في بعض الأحيان من خلال ما كتبه المستشرقون، الأمر الّذي يعني نجاح الجناح الاستشراقي في عملية الغزو الثقافي المدارة من خلال أجنحة عديدة تؤدي غرضاً واحداً، يصبّ في صالح الأيادي الخفيّة الّتي تحرك هذه الأجنحة.
وممّا يزيد من خطورة الهجمة الراهنة غياب الإسلام عن الساحة السياسية في مجمل البلاد الإسلامية، وانتماء حكام المسلمين سياسياً وفكرياً إلى المعسكر الغربي، ممّا يعني مساهمتهم إزاء ما يتعرض له العالم الإسلامي من غزو فكري ثقافي شرس.
إنّها حقاً عملية غزو رهيبة ومنظمة، وتزداد في حدتها وشراستها يوماً بعد آخر، ولهذا فنحن مدعوون إلى التحرك السريع الفاعل لوضع خطة عمل مبرمجة واضحة وقائمة على أسس علمية وتربوية لصيانة أمننا الثقافي الفكري، وتحصين جيلنا الإسلامي حصانة تعجز أسلحة هذا الغزو الجديدة عن اختراقها.
(1): دكتور محمد دسوقي ، مجلة المنطلق ، العدد 21، 1983، ص 62
(2): الأستاذ حسن الزين، مجلة العرفان، العدد 4، ص 28.(/2)
مرحبا بشهر الصيام والقرآن والتقوى " 2 "
الشيخ محمد الهدار . صحيفة أخبار بنغازي/ الشبكة
الحمد لله الذي بلغنا رمضان وأوصلنا إليه وأنعم علينا بالصيام والقيام فيه إنه كريم يحب الإحسان،وأشهد أن لاإله إلا الله الملك الديان، جعل بابا خاصا في الجنة للصائمين يقال له الريان، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله خير من صام رمضان وغيره، وخير من قام وعرف لله قدره،صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات الأعزاء إن خصائص وميزات شهر رمضان كثيرة وعظيمة منها أن الله جعله ظرف زمان لنزول أعظم كتبه ألا وهو القرآن العظيم وهذا تكريم كبير وعظيم لم يحظ به شهر من الشهور سوى شهر رمضان المبارك قال تعالى عن ذلك الشهر " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدي والفرقان " فقد ورد أنه أنزل إلى اللوح المحفوظ ثم إلى بيت العزة من السماء الدنيا في هذا الشهر المبارك وفى ليلة مباركة من لياليه هي ليلة القدر كما قال سبحانه "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وقال أيضا " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " ثم بعد ذلك أنزل مفرقا على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة وبين الله حكمة ذلك فقال سبحانه " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ولايأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " .
إذا نزول القرآن أو بداية نزول القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر منه فيه بيان لمكانة هذا الشهر العظيم وخصوصا ليلة القدر قال صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه" وقال أيضا صلوات الله وسلامه عليه :" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" والحديثان وردا في الصحيح من السنة المطهرة هذا ولقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الصيام والقرآن في الشفاعة للعبد المؤمن فقال فيما رواه أحمد والطبراني " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول : الصيام أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان" .
فمما ينبغي الإكثار منه في هذا الشهر المبارك تلاوة القرآن الكريم، وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان دأبه كما دل علي ذلك ماجآء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان يلقاه جبريل كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، والمدارسة هي أن جبريل عليه السلام كان ينزل علي النبي صلي الله عليه وسلم بمقدار معين من القرآن فيقرؤه علي الرسول، وبعد انتهاء جبريل من القراءة يقرأ الرسول صلي الله عليه وسلم المقدار نفسه الذي قرأه جبريل أولا..ومازال- كما قال أحد العلماء- أولو الألباب من الناس يجعلون لشهر رمضان نصيبا من تلاوة القرآن أكثر من نصيب كل شهر..
كان الإمام مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ، وأقبل على القرآن من المصحف ، وكان الشافعي يقرأ في رمضان الختمات العديدة ، وكذا ورد عن الإمام أبي حنيفة وغيره من السلف ، وزيادة في ترغيبكم أقول لكم أخرج البيهقي عن النعمان بن بشير عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :" أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن " وروي الترمذي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :" يقول الله تعالي : من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ماأعطي السائلين" هذا وقد قال أحد العلماء عن شهر رمضان : إن شهرا ينزل فيه كتاب يملأ العقول حكمة وصفاء ، ويملأ القلوب طهارة ونقاء ، بل يملأ الدنيا بأسرها عدلا ورشادا، ويرفع الإنسانية كلها من حضيض الجهل والذل إلى أوج المعرفة.. نقول :" إن شهرا ينزل فيه كتاب هذا شأنه لذو طلعة مباركة ومقدم كريم" .
الإخوة الأفاضل لعل من أجل هذه المزايا وغيرها قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :" لو يعلم الناس ما في رمضان من الخير لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها" هذا ولقد كان المسلمون الأولون يرقبون حلول رمضان في شغف ويستقبلونه في لهف يهنئ بعضهم بعضا بحلوله لما يرجون فيه من البر والخير ومثوبة الله ، وختاما أذكركم بقوله صلي الله عليه وسلم :" أتاكم شهر رمضان ، شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الله ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ، وينظر فيه إلي تنافسكم في الخير ويباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيرا ، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل".(/1)
مرحباً رمضان ...
يفرح المؤمنون الطائعون المخبتون برمضان وقدومه لأسباب:
- لأنه شهر يربّون فيه أنفسهم على الصبر عن الشهوات.
- ولأنهم يتذكرون الانتصارات والفتوح؛ فشهر رمضان شهر النصر لأمة الإسلام.
- ويفرح المؤمنون برمضان؛ لأنه يجدد فيهم الأمل، في عودة المسلم لربه، وعودة الأمة لسالف أمجادها.
- ويفرح المؤمنون برمضان؛ لعلمهم ما أعده الله فيه من الثواب الجزيل والعطاء العظيم ومضاعفة الحسنات، وتكفير الخطايا والسيئات
أتى رمضان مزرعة العباد ... ...
لتطهير القلوب من الفساد
فأدّ حقوقه قولاً وفعلاً ... ...
وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها ... ...
تأوّه نادماً يوم الحصاد
- ويفرح المؤمنون برمضان لقيام ليلة القدر: وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ( مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ).
- ويفرح المؤمنون برمضان؛ للعلم، وتلاوة القرآن، والذكر، والتفكر، والتأمل ومضاعفة الأجر والصدقة، والروحانيات التي ينبعث أريجها في كل مكان، وانشراح الصدر، والطمأنينة، والخير، والفضل {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} (58) سورة يونس.
وعلى حين يفرح المؤمنون برمضان، وتنشرح نفوسهم، وتسمو أرواحهم ينقبض منه آخرون، ويعتبرونه سجناً، تستوحش منه أجسادهم، وتنفر منه أرواحهم، إذا لا يعدو رمضان عندهم أن يكون حرماناً من حظوظ النفس، وشهوات الجسد، ولذا تراهم إذا اقترب رمضان؛ يقول قائلهم
إذا العشرونَ من شعبانَ ولَّتْ ... ...
َواصِلْ شُرْبَ ليلك بالنهارِ
ولا تشرب بكاسات صِغارٍ ... ...
فإن الوقت ضاق عن الصّغار
ويروى أنه كان للرشيد ابن سفيه، أقام على ملذاته، فلما جاء رمضان ضاق به ذرعاً، وأظلمت عليه نفسه؛ فقال:
دعاني شهرُ الصوم لا كان من شهر ... ...
ولا صمتُ شهراً بعده آخرَ الدهرِ
فلو كان يعديني الأنامُ بقوةٍ ... ...
على الشهرِ لاستعديت قومي على الشهرِ
فأصابه داء الصرع، فكان يصرع في اليوم مرات، وما زال كذلك حتى اختلست نفسه من بين جنبيه وخر ميتاً قبل أن يأتيه رمضان.
فهؤلاء يستثقلون الشهر ويستعظمون مشقته؛ فإذا نزل بهم فهو كالضيف الثقيل، يعدون ساعاته وأيامه ولياليه، منتظرين رحيله بفارغ الصبر ولهذا أسباب:
منها: أنهم اعتادوا التوسع في الملذات والشهوات؛ من مآكل، ومشارب، ومناكح وغيرها، فضلاً عن مقارفتهم للذات المحرمة؛ فرمضان حبسهم عن شهواتهم وحال بينهم وبين ملاذهم فاستثقلوه.
ومنها: أنهم قوم عظم تقصيرهم في الطاعات حتى إن منهم من قد يفرط في الفرائض والواجبات كالصلاة مثلاً؛ فإذا جاء الشهر التزموا بعض الطاعات، وشهدوا الجمع والجماعات، وواظبوا على الصلاة كل يوم؛ فثقل عليهم حمل الشهر فتبرموا منه.
يجلس المرء منا ساعات طويلة في سمر وسهر حتى الفجر، ثم في نوم عميق متصل حتى الظهر، فإذا قام إلى الصلاة حضرت الأشغال، واشتدت الأعصاب، وتذكر المواعيد، وغنت الهموم فوق رأسه حتى يصلي عجلاً، ولا يكاد يفقه كم صلى؟!
التهنئة بدخول رمضان
التهاني من العادات، والأصل فيها الإباحة؛ سواء في ذلك رمضان أو العيد أو عند تجدد نعمة أو دفع نقمة.
وهذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره...
والعادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضار ما يلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً.
أفاده ابن تيمية وابن سعدي وغيرهما.
وفي قصة الثلاثة الذين خلفوا، وتهنئة الصحابة لهم بالتوبة، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته فهذه سنة مستحبة وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية وأن الأولى أن يقال له: ليهنك ما أعطاك الله وما من الله به عليك ونحو هذا الكلام فإن فيه تولية النعمة ربها والدعاء لمن نالها بالتهني بها.
والجمهور من الفقهاء على أن التهنئة بالعيد لا بأس بها، وهو أشهر الروايات عن الإمام أحمد – رحمه الله – وذهب بعضهم إلى مشروعيتها.
(قَالَ أَحْمَدُ، رحمه الله: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُل لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك).
وَقَالَ حَرْبٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعِيدَيْنِ تَقَبَّلَ اللَّهُ منَّا وَمِنْكُمْ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، يَرْوِيه أَهْلُ الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
قِيلَ: وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ؟ قَالَ: نَعَمْ.(/1)
قِيلَ: فَلَا تُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ هَذَا يَوْمَ الْعِيدِ. قَالَ: لَا.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَهْنِئَةِ الْعِيدِ أَحَادِيثَ، مِنْهَا:
أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا مِنْ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لَبَعْضٍ:
تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادُ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: سَأَلْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ مُنْذُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقَالَ: لَمْ يَزُلْ يُعْرَفُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ)( )
ولا شك أن رمضان وقدومه من أفضل النعم.
الاستعداد لرمضان
كل المسلمين يستعدون لرمضان؛ فمنهم من يستعد لرمضان بإخلاص القلب، وتصحيح النية، والإقبال على العبادة، وتجريد القصد لله -تعالى-، والعزم علي التوبة، وهذه أعظم المنازل وأرقاها وأوفاها.
ومن الناس من يستعد لرمضان بألوان الأطعمة والأشربة والمأكولات، كما يفعله كثير من الناس، والقدر المعتدل من هذا حسن، فإن التوسعة على النفس والأهل خلق الكرام، وإنما يفرح بالمال لهذا، وللإحسان والكرم والجود.
ومنهم من يستعد لرمضان ببرنامج خاص؛ كما يفعل الإعلاميون، يحتوى على المواد المتنوعة التي يخاطب بها الناس ويوجهون توجيها معيناً، وإذا كان يقدم للناس في غير رمضان المسرحية المنحرفة، والتي يمثلها فلان وفلان، وتدرب على المعاني الرديئة، فإنه في رمضان قد يقدم لهم المسرحيات التي يظهر فيها ذلك الممثل نفسه يؤدى دور خالد بن الوليد، أو صلاح الدين الأيوبي أو غيرهم من أبطال الإسلام وعظماء التاريخ، حتى يظن الناس أن أولئك كانوا كهؤلاء، ويلتبس الأمر عليهم، وتتحول الحقيقة إلى خيال، ويتحول الجد إلى هزل.
فضلاً عن أن بعض القنوات تسير عكس الاتجاه، وتحاول انتهاك قدسية الشهر وحرمته بعرض الأجساد العارية، وانتخاب الوجوه الحسنة، ولعمر الله لقد صفدت الشياطين ومردة الجن فمن يكون هؤلاء؟!
ومن الناس من يستعد لرمضان باللهو واللعب كما نجده في كثير من البلاد في ألوان المباريات الكروية والدورات الرياضية، وإذا سهر الإنسان الليل كله يشاهد الكرة فماذا تراه سيصنع في نهاره؟ هل سيدرس؟ هل سيتعلم؟ هل سيقرأ القرآن؟ هل سيتعبد لله -تعالى-؟ هل سيؤدي الصلوات الخمس مع المسلمين؟
الله المستعان.
والرياضة المتوازنة التي بها حفظ البدن، والاستعداد لمواجهة صروف الحياة مطلب، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل.
لكن المذموم شيئان:
ـ الإسراف والمبالغة وإضاعة الأوقات.
ـ وضع الشيء في غير موضعه.
ومن الشباب من يستغلون ليالي رمضان في تنظيم دوريات خاصة بهم في عدد من الأحياء والأماكن والملاعب تستغرق جل الليل، مصحوبة باللغو والتشاتم والصياح والعصبية والغضب، وربما كان أجمل ما يذكرهم برمضان ويربطهم به هي تلك الأنوار الكاشفة، والملاعب الليلية، والدوريات وما أشبهها.
وجدير بشباب الإسلام أن يدرك حجم التحديات التي تواجهها أمته، وأن يعدّ نفسه للمهمات الصعبة، ويتزود بالخبرات والملكات، وألا يقبل ضياع العمر والوقت والجهد من غير طائل:
مؤامرة تدار على الشباب ... ...
ليعرض عن معانقة الحراب
مؤامرة تدور بكل بيت ... ...
لتجعله ركاماً من تراب
نعم! قوة البدن من مقاصد الشريعة، والترفيه المنضبط لا تثريب فيه، بيد أن لكل شيء حدوداً، ولكل وقت وظيفة مناسبة.
إنه جدير بالمسلم أن يحقق معنى الصيام { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (21) سورة البقرة.
فإذا لم يدع الإنسان قول الزور والعمل به، وشهادة الزور، واللغو والرفث فأي سبب يدعوه إلى الصيام إذن؟!
إن الله -تعالى- ليس بحاجة إلى أن يدع هذا الإنسان طعامه وشرابه.
وليس بحاجة لأن يدع أحد طعامه وشرابه، سواء ترك الزور أم لم يتركه، فعُلم بهذا أن الصوم لله في نيته وقصده وأجره، ولكنه للعبد خالصاً في ثمرته وعائدته وفائدته.
وجدير بالصائم أن يتنبه لنفسه، فكأنه والله بالموت وقد أتاه فجأة، فيئس منه الطبيب، وفارقه الحبيب، وبكى عليه كل قريب.
كان الحسن يقول: عجبت لأقوام أمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل وجلس أولهم على آخرهم وهم يلعبون.
وقال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا منها في أوان كسادها، فإنه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إلى قليل ولا كثير.
وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدهم درهم لظل يومه يقول: إنا لله ذهب درهمي، وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.
هي فرصة فلعلك لا تدرك رمضان غير هذا.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب ... ...
حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما ... ...
فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهداً ... ...(/2)
فإنه شهر تسبيح وقرآن
واحمل على جسدٍ ترجو النجاة له ... ...
فسوف تضرم أجساد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ ... ...
من بين أهل وجيران وإخواني
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم ... ...
حياً فما أقرب القاصي من الداني
اللهم تقبل منا صومنا وقيامنا إنك أنت السميع العليم، اللهم اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اهدنا إلى سواء السبيل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم احشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه اللهم ارزقنا فيه الخير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
كاتب المقال: الشيخ / سلمان العودة
المصدر: الإسلام اليوم(/3)
مرفوضات دينا و عقلا وذوقا..
أ.د/
جابر قميحة
komeha@menanet.net
الكلمات المشتقة من هذه الجذور اللغوية: ع. ل. م , ف. ك. ر, ف. ق. هـ, ب . ص . ر, ن. ظ . ر. ك. ت. ب... الخ من أكثر الكلمات ورودا في القرآن الكريم, نعم الإسلام دين العقل, فهو يدعو إلي النظر والتفكير, والاعتبار, وتحصيل العلم, وتوقير العلماء, لذلك نعى على الكفار تقليدهم آباءهم تقليداً أعمي دون نظر أو تقدير. {واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنااو لو كان الشيطان يدعوهم إلىعذاب السعير}[لقمان21.
وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم المسلم أن يكون إمّعة, ودعا إلي ما يمكن أن نسميه «الحوار الداخلي» أو الذاتي للوصول إلي اليقين, وذلك في قوله صلي الله عليه وسلم «استفت قلبك وإن أفتوك», وننبه إلي أن من معاني القلب - في اللغة العربية والسياقة القرآنية - (العقل) كما نري في قوله تعالي: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها } [الأعراف: 179] وقوله تعالي{افلم يسيروا فىالأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها[الحج: 46.
أقول هذا لأني أري كثيرا من المسلمين تجري ألسنتهم بكلمات وعبارات ومصطلحات علي سبيل تقليد الآخرين, دون تحكيم العقل وإعماله لمعرفة معناها, ودلالاتها, ومرجعيتها. ولو فعلوا ذلك لاكتشفوا أنها تدخل في نطاق المحرم, أو المكروه,أو المجافي للذوق والمروءة. وفي السطور الآتية نعرض بعضا من هذه المرفوضات دينا, وعقلا, وذوقا:
يا ماما.. يا بابا
رأيت بعض الزملاء والأصدقاء ينادي زوجته.. أمام الآخرين بـ «ماما».. والزوجة تنادي الزوج بـ «بابا».. وعلل أحدهم ذلك تعليلا عجيبا خلاصته: أنه أصلا من «الأرياف» حيث يعد نداء الزوجة باسمها «عيبا», والشق الثاني يجيء من قبيل المقابلة أو المتابعة, حتي يتوازن الاستعمالان: ماما وبابا.
ضحكت وقلت: أردت أن «تكحلها فأعميتها»: فالكلمتان غير عربيتين, والصحيح أن تقول: يا أمي , وتقول هي: يا أبي, وهذا أيضا مرفوض, فقد قرأت في إحدي الموسوعات أن هذا الاستعمال (ماما للزوجة, وبابا للزوج) استعمال ماسوني يأخذ به أعضاء المحافل الماسونية, بدعوي تقوية الروابط بين الزوجين, وذلك بتشبيهها برابطة الأمومة والأبوة, وهي أقوي العلائق النفسية والروحية والإنسانية, وأخبرني أحد أساتذتنا الأجلاء أن اليهود - أيام النبي صلي الله عليه وسلم - كانوا يسخرون من آية الظهار {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإتهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور ََّ} [المجادلة: 2]. وينادي الزوج اليهودي زوجته بـ «أمي», وتناديه هي بـ :أبي.
وأقول للأخ المسلم إن من السهل عليه أن يوفق بين «عادات» الريف, وسلامة العقيدة بأن ينادي الزوجة بالكنية «يا أم فلان أو فلانة». وإذا لم يكن لها أولاد فلتكن كنيتها بالأب «أم فلان» وفلان هذا أبوها. وهذا الاستعمال عادة ريفية معروفة في مثل هذه الحال.
زنوبة .. وخدوجة..
والمصريون - خصوصاً في الأرياف - يدللون «زينب» بـ «زنوبة».. وخديجة بـ «خدوجة».. ولكنهم يطلقون «زنوبة, وخدوجة» أيضا علي نوعين من «المداس» أو «الشبشب المنزلي» , وفي ذلك إهانة لاسمين عربيين إسلاميين, وقد دأب اليهود والملاحدة علي إهانة الشعارات والأعلام والقيم الإسلامية, فمن سنوات طرح في الأسواق المصرية والعربية أحذية, و«مايوهات» مكتوب عليها لفظ الجلالة. ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
إنه رمز الإسلام!!.. ؟
إن من أعظم الخدمات التي قدمها الإسلام للمجتمع الإنساني: قضاءه علي «القيصرية» و«الكسروية», وبها يكون «كسري» أو «قيصر» هو الملك , وهو الدولة , وهو النظام والقانون, وربما تأله, وبنيت له هياكل العبادة, كما جاء في تاريخ نيرون.
وحرصا علي صحة العقيدة يرفض الإسلام «الرهبانية» , ويرفض «الكهنوتية». ويفصل بين «الدين» و«عالِم الدين», أو بين الدعوة والداعية, فعالم الدين مهمته نشر الدين, وتوجيه الناس للحق, وإعلاء كلمة الله , وهو - ككل عباد الله - مصيره إلي الموت, أما الدين فحي خالد لا يموت.(/1)
والرسل أنفسهم ليسوا هم الدعوات التي منّ الله بها عليهم, إنما هم مبلغون عن ربهم, وإلا لماتت الدعوات بموتهم { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا ان ناتيكم بسلطان إلا باذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [إبراهيم: 11]. وقد حسم القرآن هذه القضية بالإلحاح علي «بشرية» الرسول صلي الله عليه وسلم {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحىإلي انما إلهكم إله واحد } [الكهف: 110. وهي حقيقة أكدها خلفاؤه وصحابته من بعده, فحينما انتقل إلي الرفيق الأعلي, وارتج المسلمون, واستبد بهم الهلع, أعاد إليهم أبو بكر الصديق نفوسهم إذ خطب فيهم قائلاً: «يا أيها الناس: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت, - {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرينّ} [آل عمران: 144]. ولذلك كان الإطلاق القرآني علي معتنق الإسلام هو «المسلم» لا " المحمدي ".
وكان النبي صلي الله عليه وسلم يستمع للرأي الآخر, ويأخذ نفسه به, وإن جاء أحيانا مخالفا لرأيه , فأخذ برأي «الحباب بن المنذر» بتغيير موقع نزول الجيش مرتين: مرة في بدر, ومرة في خيبر. وخلافا لما كان يري , أخذ برأي الآخرين - وخصوصا الشباب - بقتال الكفار خارج المدينة في أحد. وحينما خاطب النبي صلي الله عليه وسلم المسلمين قبيل بدء القتال في بدر قال «.. ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فلا يقتله, فإنه إنما أخرج مع الكفار مستكرها» . قال جندي من جنود المسلمين هو «أبو حذيفة بن عتبة»: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوتنا وعشيرتنا ونترك العباس?, والله لئن لقيته لألحمنَّه بالسيف , أي لأضربنه بالسيف حتي يخالط السيف لحمه. لم يعاقبه رسول الله صلي الله عليه وسلم, ولم يعزله عن جيش المسلمين, ويحرمه من الجهاد. وكل ما فعل أن وجه كلامه لعمر بن الخطاب في هدوء قائلا
" يا عمرأيرضيك أن يضرب وجه عم رسول الله بالسيف "؟ وكم قيل له ولخلفائه «اتق الله . » وسماحته وإنسانيته في التعامل مع رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول معروفة. ولم يُبرز ويواجه الآخرين بوصف «النبوة والرسولية» , لرفض الرأي الآخر إلا فيما نزل فيه وحي.
ونخلص من كل ذلك إلي أن الإسلام لا يعرف, ولا يعترف بمقولة تتردد كثيرا هي: الإنسان الرمز . فيوصف عالم من العلماء بسبب «منصبه العالي» أو «علمه الغزير» بأنه رمز الإسلام. وأن «معارضته» ونقده, ورفض فتواه «إهانة للدين وإساءة إليه», لأنه لا قيمة لعالم - مهما علا منصبه, وغزر علمه - إذا لم يأخذ نفسه «بأخلاقيات النبوة» من خشية الله, ورعاية الحق, وإيثار الأمة, والجرأة في الحق, لا يخشي فيه لومة لائم, ولا فقد منصب, وضياع جاه. وفرض علينا أن نحمل, ونبدي لمثل هذا «العالم» كل تقدير. أقول كل تقدير, وأخطأ من يخلط بين «التقدير» و«التقديس» . والفرق بينهما يحتاج إلي و قفة أخري(/2)
مرّ شهرٌ من دهر .. وست الكمال تنتظر
المصدر/المؤلف: موقع صيد الفوائد ...
بسمك اللهم ينطقُ الخطيب، سبحانك ربي فأنت القريب، ما سبّح الحوت في البحر العجيب، أدعوك ربي فأنت المجيب، سدّد القول لا تجعله يغيب، ولا تجعله عند الناس غريب، وصلي اللهم على رسولك الحبيب، ما غرّد الشادي على الغصن الرطيب، واجمعنا به وبجمعه المهيب..
لا تبنون بما أكتب حُكما، ولكن نصيحة صغتها حِكما، ومن أُوتي الحكمة صار نجما، وعليه الله قد أنعما..
فبسم الله أبدأ القول والصلاة والسلام على الرسول، وعلى آله وصحبه ومن والاه في الفعل والقول، فاقرءوا يا أصحاب العقول، حتى وإن كان في المقال طول، في ذبي عن الدين حياة كالقصاص، من المبطلين بلا سيف ولا رصاص، لكل أسلوبه وهذا أسلوبي الخاص أنا لست من أهل الاختصاص، ولست الأديب القاص، بآي الكتاب والحديث بنيت الأساس، فلا تفرّون من الحق فمنه لا مناص، هو علي عهد... فأما بعد
في كل حول تنتظر!!
تنتظر الفارس الحر.، البطلُ الهُمام، فارسُ الأحلام، مبدِّدُ الأوهام، الواثق المِقدام..
أمَّا هي.. فقليلةُ ٌ شروطها، كثيرة ٌ محاسنها، قريبة لخُطَّابها، تضحك على من لا يريدها، مهرها غالي.. إلا على الصابر، الغير مُبالي.. بالتعب والمخاطر، طالب المعالي..عينُُ في هذه وعينُُ على المقابر، المخلصُ المثالي.. عند كل مَكرُمةِِ تراهُ حاضر، الطامحُ المُجد.. تراهُ مستعد.. ولصونها يعُد، أياماََ وشهور.. كأنها من الحور..
ويطلب قرب سِتّ الكمال، ليُكمل بها معنى الجمال
فمن لهذه الشروط يلبي؟؟؟ ويدرك الأيام، فالأيام تمضي، هي تقول لكم! هذا هو دربي !! وهذه السنين وهذه أرضي، فمن يأخذ بحقي.. ولَّيته قلبي !! خاب من لا يستوفي سِوى بعضي، من يحملني كاملة فله حبي..
دهراََ نافلةََ لستُ من الفرض ِ.. غير أن من زينني هو ربِّي.. فمِن الله أعطِيتي ومنه قرضي.. وإن هجروا خِطبتي فالله حسبي.. فالإتكال عليه بالخيرات يُفضي.. ومن سعى لرضا الله فاز بي.. فالرحمن دوماََ للعاملين يرضي..
يا صاحبي.. لا تكن مكذبي فأنت حبيبي في الله، وحبيبها.. أشد حباََ لله
هذه يا صاحبي هي قصتها باختصار، مالضّيرُ في الدنو منها والجوار، لكي ترى بها حلاوة الانتصار، على النشوةِ، على بقايا القِمار، على الربا، على مُتع الأشرار
إن سألتني عنها وقلت: أين تسكن؟؟؟
سأقول: هل أنت للقيام بحقها متمكِّن؟؟؟
ستقول: أحاول وإن فشلت فلن أحزن !!
سأقول: إحفظ ما أقول.. وزين به العقول، عمِّمهُ في السهول، في الجبال في الحقول، في الصحراءِ في المجهول، عند ساعات الذهول، عندما تُقرعُ للحرب الطبول، علَّها تلقى القبول..علَّها تلقى القبول..
هي تسكن في القرى.. تسكن في المدن.. تسير مع الناس.. في إقامتهم وفي الظعن..
ستقول: وكيف أعرفها فالناس كثيرين؟
سأقول لك شيئاََ عنها:
هيَ لا تُرى إلا مرةََ في العام.. تظهر فيه للناس بعد طول إنتظارها.. فيها الود والصبر والاحتشام.. بعد إتمام الشهر جماعاتُُ تطلبها..قبلها فطرُُ وقبل الفطر صيام.. فهل ما زلت يا صديقي لا تعرفها؟؟؟؟
ستقول: إذن ما هو إسمها؟ أو بماذا ينادونها؟؟
سأقول ويدي على رأسي: ناديتها بنفسي..
ستُّ الكمال.. ستَّ الكمال، واسمها في الأصل السِتّ من شوال..
فقط ستةُ أيام.. لفا! رس الأحلام.. للبطل الهمام..
كأني أسمعُ ضحكاتك على هذا الجواب، فلن أبالي بها.. فقد بيَّنتُ لك الباب، فاطرق الباب يا رعاكَ الله واطلب المودَّه، من ست ٍ حان وقتُها.. بقي على شهرها مُدَّه، سأخبرك بفضلها.. قول الرسول ِ فلا تردَّه:
عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِي اللَّه عَنْهم! أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاََ مِنْ شَوَّال ِ كَانَ كَصِيَام ِ الدَّهْر } [صحيح مسلم 1984].
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتًا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ السَّنَةَ كُلَّهَا } [مسند الإمام أحمد 13953].
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ! الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًا مِنْ شَوَّالٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ } [مسند الامام أحمد 22433].(/1)
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ وسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّةً مِنْ شَوَّال ٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْر } [سنن الدارمي 1689]
أنت تعرف.. وبلا تكلُّف.. سيمر الشهر.. ويُزرع القهر.. ويثمر التحسر..
نبكي على ما خلا من الأيامِ.. وسيحينُ في كل دهر ٍ مثلهاإن مرَّت مرت كمرور الكرامِ وإن أقامت فلا إكرام لها..
فكم من زمان ما أعددنا له عدته.. ولا استفدنا منه.. لم نعمل في ساعته.. مرَّ بلا عمل ٍ وانقضى.. لم ننال جائزته! بل حسرة في الصدر تلضَّى..فكل عملِ ٍ وله أُجرته..
فهذه نصيحتي.. ولن تكتمل فرحتي، إلا إن زالت بها معصيتي، وأعانتني على شقوتي..
فيارب تقبل مني هذا العمل، واهد قارئه لترك العلل، فإن أخطأت فإني أبرأ إليك ربي من الزلل، وإن اصبت فأنت الأعلم وأنت الأجلّ، ولك اللهم المثل الأعلى إن قيل المثل:
قال تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118].
والحمد لله على ما صنع، وما أعطى وما منع، وما أعزّ وما وضع، ما صَدح مُغرّدٌ أو هَجع. ربُّ الأرض والسماوات، وما بينهما من كائنات، سبحانه المُتعالي، يسرّ اختزالي.. لمقالي في هذه الكلمات..
أتبع برمضان الست لترضى.. أتبع برمضان الست لترضى
والسلام خير ختام(/2)
مزيداً من النجاح في تربية أولادك
المهندس: محمد عادل فارس
أيتها الأخت الكريمة ... تعلمين أن كل شيء إنما يتمّ بقدر الله : النفع والضرر ، والحياة والموت ، والهداية والضلال ... لكننا لا نذكر هذه الحقيقة مثلما نذكرها حينما نجد في أولادنا قصوراً أو انحرافاً !.
وبمقابل ذلك لعلّكِ ، كمعظم الآباء والأمهات ، تفاخرين بمظاهر النجاح والنبوغ في أولادك ، حين تبدو في أحدهم علامات النجابة والنباهة منذ سنواته الأولى ، أو حين يتفوق في دراسته ، أو يحوز الجوائز في مسابقات حفظ القرآن الكريم ، أو المسابقات الثقافية أو الرياضية .
فحين تجدين مظاهر النجاح تفاخرين ، وحين ترين أمارات التخلف أو الانحراف تقولين : إنما الهداية بيد الله، وقد أراد الله هذا المصير لولدي ، فماذا عساي أفعل ؟! وقد تحتجين بأن ابن نوح لم يهتد ، مع أن أباه - صلى الله عليه وسلم - كان نبياً ، وبأن الله تعالى خاطب نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقال : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } .
نعم ، إن الهداية بيد الله وحده ، ولكن الله تعالى سنّ سنناً لا تتخلّف إلا لحكمة يعلمها ، وجعل النتائج مرتبطة بالأسباب .
وارتباط الأمور بالأسباب يكون أحياناً واضحاً محدداً ، ويكون بمقدور الإنسان ، في الغالب ، أن يسيطر عليه، لدرجة أنه قد يغفلُ عن قدر الله ، ومشيئته الغلاّبة ، حتى إننا نردّد مقتنعين : " من جَدَّ وجَدْ ، ومن سار على الدرب وصل " مع أن الإنسان قد يجِدُّ ثم لا تنفتح له الأبواب .
كما يكون ارتباط بعض الأمور بشبكة معقدة من الأسباب ، نعرف بعضها ، ونجهل بعضها ، ونعجز عن السيطرة على كثير منها ، لذلك لا نجد العلاقة واضحة بين الأسباب والنتائج ... وأمور التربية من هذا القبيل .
فشخصية الإنسان تتكون نتيجة مؤثرات كثيرة جداً ، منها الوراثي ، ومنها المكتسب . ومن المكتسب ما يبدأ في الشهور الأولى من حياة الطفل ، أو في السنوات الأولى ، ومنها ما يحدث في سنوات لاحقة . ومن هذه المؤثرات ما يكون الأثر الحاسم فيه للوالدين وللأقربين ، لا سيما ما كان في فترة الطفولة ، ومنها ما تشترك فيه عوامل البيئة من مدارس الحضانة فما بعدها ، ومن الكتب المدرسية وغير المدرسية ، والصحف المجلات ، والإذاعة والتلفزة ، والكمبيوتر والإنترنت ، والشارع والملعب والسوق ...
ويبقى قدر الله هو الفاعل ، فيجعل لبعض هذه المؤثرات آثاراً عميقة لدى بعض الأفراد ، بينما يجعل لمؤثرات أخرى نتائج حاسمة في نفوس أفراد آخرين ، وكثيراً ما نجد اثنين قد خضعا لمؤثرات متماثلة أو متشابهة، ثم اختلفت شخصية أحدهما عن الآخر ، فكان أحدهما مهتدياً ، والآخر غاوياً !!
ولكثرة ما نجد من نماذج لاختلاف أثر التربية بين فرد وآخر ، ننفض أيدينا ، ونستسلم ، ونقول : سلّمنا الأمر لله !
وبطبيعة الحال لابد من تسليم الأمر لله ، ولكن هل نكون ملومين إذا ظهر الضعف أو الجنوح في أولادنا أم لا؟ الأمر يحتاج إلى توضيح :
أولاً : إذا كانت بعض المؤثرات في نفوس أولادك خارجة عن سيطرتك ، فلا أقل من أن تهتمّي بالمؤثرات التي هي تحت سيطرتك ، وهي من أهم المؤثرات . فتوجيهات الأبوين ورعايتهما هي المؤثر الأقوى في الحفاظ على الفطرة التي فطر الله عليها ولدك : " فأبواه يهودانه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه " .
ثانياً : إنك تسيطرين على التربية البيتية ، وهي من أهم المؤثرات ، ثم إن لكِ أن تعملي بحكمة ولباقة ، على التحكم بالمؤثرات الأخرى : تعميقاً أو تحجيماً ، أو انتقاءً ، أو إلغاءً ... فمثلاً قد يمكنك تهيئة ما يناسب من كتب ومجلات وأشرطة تسجيل وأقراص C D ... لكل مرحلة من مراحل عمر الولد ... بل قد يمكنك اختيار الحي والمدرسة والأصدقاء ... المناسبين . ولنذكرْ هنا أن الإكراه والاعتساف قد يضرّان ولا ينفعان .
كما أن الحكمة في وضع بعض المال بين يدي الولد ، المناسب لمرحلته العمرية ، له دور في شعوره بالذات، وإحساسه برعاية أهله وحبهم له ، وفي حمايته من السرف والشطط والانحراف ... مع مراعاة الحالة المادية للأسرة .
ثالثاً : إن المؤثرات التربوية في السنوات الأولى تكون عبر البيت ، بما فيه من أبوين وإخوة ... ومن يزوره من أقارب وجيران ، وما يتوافر فيه من كتب وتلفاز وكمبيوتر ... وهنا تختلط المؤثرات الداخلية البيتية بالمؤثرات الخارجية ( كالتلفاز والإنترنت ) ، وتبقى المؤثرات البيتية هي الأقوى غالباً . وكلما تقدم عمر الطفل زاد دور المؤثرات الخارجية ، وزادت أهمية رعاية الأهل ، كاصطحاب الولد إلى المسجد ، وربطه بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ، وتسهيل اتصاله بالرفقاء الصالحين ...
رابعاً : إن استشعارك الشفقة على أولادك ، والحرص على هدايتهم واستقامتهم ، والجدية في معالجة كل انحراف ، قبل أن يستفحل ... تعدُّ من أهم الواجبات تجاههم ... فإذا قمتِ بواجباتك هذه ، ثم لم تنجحي في وقايتهم، فأنت عندئذ معذورة أمام الله تعالى .(/1)
خامساً : دور الأهل يبقى هو الدور المحوري في تربية الأبناء . لذلك نقرأ في كتاب الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } ، ولذلك أيضاً جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كل واحد راعياً ومسؤولاً عن رعيته .
وأما أن ابن نوح - صلى الله عليه وسلم - لم يهتد ، فلأن الله تعالى فعال لما يريد ، والمربي لا يحيط علماً بجميع المؤثرات في نفس ولده ، فضلاً عن أن يتحكم بها !
أخيراً : تكون التربية بالتوجيه المباشر والنصح والمتابعة والتبشير والتحذير ... وتكون بالأسوة الحسنة ، وبدعاء الله عز وجل لأنفسنا وأولادنا بالهداية { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } .(/2)
مسألة فى رضاع الكبير
**مدار هذه المسألة على حديث سالم مولى أبي حذيفة، ولذا فهي خاصة به وحده.
ونصه : عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا ، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا ، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ . رواه مسلم (1453) .
* طعن البعض بهذا الحديث، وزعموا أنه يتعارض مع القرآن الكريم والعقل .
يقول ابن الخطيب : " هل يجوز لعاقل يؤمن بالله واليوم الآخر ، بعد أن قرأ قوله تعالى : " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ " [ النور : 30] أن يصدق أن هذا الحديث ، أو أن يعيره بالا ؟! ولكن رواية هذا الحديث في المسانيد معنعنا مطولا دعت كثيرا من الفقهاء إلى تصديقه وبحثه والأخذ منه بجواز إرضاع الكبير! ولنفرض أن هذه المرأة أتت لأحد ما ، وشكت له ما شكت للرسول صلى الله عليه وسلم ، أكان يقول لها : أرضعيه ، أم كان يقول لها : احتجبي عنه !؟ " [ حقائق ثابتة في الإسلام لابن الخطيب ص 101، 102 ] .
ويقول في كتابه الفرقان : " إن هذا الحديث وأمثاله مما دسه الدساسون الأفاكون ، ليذهب ببهاء ذلك الدين القويم ! وحاشا أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله الله ، بل ويتناقض كل التناقض مع ما ورد في الكتاب المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " . [ الفرقان لابن الخطيب ص 106] .ا.هـ.
ونقل المؤلف نصا آخر لأحد الكتاب الذين يطعنون في الحديث وهو صالح الورداني في كتابه دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ( ص 259 - 260) .
والقول الراجح: إن هذا الحديث مما تلقته الأمة بالقبول رواية ودراية .
*أما الرواية فقد بلغت طرق هذا الحديث نصاب التواتر كما الإمام الشوكاني [ انظر : نيل الأوطار 6/314 ] .
*وأما الدراية فقد تلقى الحديث بالقبول الجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء المسلمين إلى يومنا هذا .
تلقوه بالقبول على أنه واقعة عين بسالم لا تتعداه إلى غيره ، ولا تصلح للاحتجاج بها. ويدل على ذلك ما جاء في بعض الروايات عند مسلم عن ابن أبي مليكة أنه سمع هذا الحديث من القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قال ابن أبي مليكة : فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ ، ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ : لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ ، قَالَ : فَمَا هُوَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ : فَحَدِّثْهُ عَنِّي أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ .
وفي رواية النسائي ، فقال القاسم : حدث به ولا تهابه [ أخرجه النسائي (3322) ]
قال الحافظ ابن عبد البر : " هذا يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه على أنه خصوص " . [ انظر : شرح الزرقاني على الموطأ 3/292 ، وقال الحافظ الدارمي عقب ذكره الحديث في سننه : " هذا لسالم خاصة " ]. وبذلك صرحت بعض الروايات ، ففي صحيح مسلم عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلا رَائِينَا. وعلى هذا:
إن قصة رضاعة سالم قضية عين لم تأت في غيره ، واحتفت بها قرينة التبني ، وصفات لا توجد في غيره ، فلا يقاس عليه . ا.هـ.
ثم ذكر ابن عبد البر الأحاديث الواردة في تبني سالم . ثم قال: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه ، فأما أن تلقمه المرأة ثديها ، فلا ينبغي عند أحد من العلماء .ا.هـ.
وقال عياض : ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها ، ولا التقت بشرتاهما؛ إذ لا يجوز رؤية الثدي ، ولا مسه ببعض الأعضاء.
ولذا فإن الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله – حين رأى جواز تعميم المسألة، له سلف في قوله الذي قاله بغض النظر عن ترجيح هذا القول أو عدم رجحانه.(/1)
ويحتمل أن سالما عفي عن مسه ثدي الأجنبية ، وإلتقام ثديها للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر .ا.هـ.
وكشف العورة في هذه الحالة جائز للضرورة ، فلا معارضة بين الحديث وبين قوله تعالى : " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ " [ النور : 30].
ولا عبرة بما روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال : كانت سهلة تحلب في إناء قدر رضعته ، فيشربه سالم في كل يوم ، حتى مضت خمسة أيام ، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسرة ، رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة .ا.هـ. ولكن هذه الرواية فيها الواقدي وهو مطعون فيه ، فلا تصح الرواية التي نقلها ابن سعد .
فالخلاصة من هذا النقل :
أولاً : أن العلامة الألباني - رحمه الله - له سلف فيما قاله.
ثانياً : أنه لو قيل بالقول الذي قال به العلامة الألباني فإنه جائز للضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها .
ثالثاً : أن المسألة تبقى خلافا فقهيا ، ولكل قول من الأقوال أدلته التي استدل بها .
والله أعلم .(/2)
مسألتان في الوقف و الميراث
السؤال :
امراة أرملة و غير مطلقة توفي زوجها العقيم عام 1970 و اثناء حياته قام بوقف منزله لفائدة الشؤون الدينية و قلد المذهب الحنقي و قال في نص الوقف انه وقفه اولا على نفسه حر مطلق التصرف فيه من تغيير و بيع و شراء و بعد وفاته يرجع جميع الوقف بعد طرح ما يجب لزوجته في الوقت بقدر نصيبها حسب الفريضة الشرعية ان بقيت بعصمته فان طلقت فلا شيىء لها و ان توفيت بعده فلا شيىء لورثتها و السؤال : هو هل الوقف على النفس جائز شرعا و هل يستطيع البيع و الشراء في الوقف و فقا للشروط التي شرط ؟
و هل يستطيع حرمان ورثة زوجته من حقها الشرعي بعد ان طرحه لها و استثناه من الوقف
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
أوّلاً : الوقف على النفس مسألة خلافيّة شائكة ، فقد ذهب مالك و الشافعي إلى عدم صحته ، و لأحمد فيه روايتان أرجحهما كذلك ، و صححه أبو يوسف من الحنفيّة ، و هو المعتَمَد في مذهبهم ، و جَرت عليه الفتيا عندهم ، و ذَهَبَ النووي الشافعي إلى صحتّه قضاءً ، إذا حَكَم به حاكم .
و الراجح عندي و الله أعلم عَدَم صحّته ، لامتناع أن يكون الإنسان معطياً من نفسه لنفسه ، فكما لا يصح أن يبيع نفسه أو يَهَبَها ، و لا يؤجر ماله من نفسه ، فكذا لا يصح وَقفه على نفسه ، و لأنّ الوقف يقتضي انتقال حق الانتفاع إلى من وُقِف عليه ، و الواقف على نفسه نقل حق الانتفاع من نفسه إليها ، و هذا خلاف العقل و النقل ، و الأوجه أن ينتقل الملك بموته إلى ورثته ، كما هي أصح الروايتين عن الإمام أحمد .
[ للاستزادة حول هذه المسألة انظر : مغني المحتاج في الفقه الشافعي : 2 / 380 و 4 / 395 ، و حاشيته ابن عابدين في الفقه الحنفي : 4 / 384 و الفروع : 4 / 444 و الكافي : 2 / 451 و المغني في الفقه الحنبلي : 5 / 353 و ما بعدها ، و
و إعلام الموقّعين لابن القيّم : 3 / 373 ] .
ثانياً : إذا مات الرجل عن زوجة في عِصمته ، و لم يكن له أولاد منها أو من غيرها ، فلها رُبُعُ تركه ميراثاً ، لقَوْله تَعَالَى : ( وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ، و قد ورد في السؤال أن المتوفّى كان عَقيماً .
و التصرّف في نصيبها حقٌّ لها ما دامت أهلاً لذلك ، و ليس لأحد أن يحجر عليها ، أو يمنعها من التصرّف في مالها بغير حق في حياتها ، فإن ماتت عن شيء من مالها الذي اكتسبته بنفسها أو وَرثته من زَوجها المتوفّى انتقلت ملكيّة أموالها إلى وَرَثتها ، و ليس لأحد أن يحول بينهم و بين حقّهم المقرر شرعاً ، و إن أوصى الزَوجُ قبل موته بحرمان وَرَثةِ زوجته من إِرثِها بعد موتها فوصيّته باطلة ، لما رواه الشيخان و أصحاب السنن عن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : ( ما بال أقوام يشترطون شروطا ليس في كتاب الله ، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له و إن اشترط مائة مرة ) .
و الله تعالى أعلم و أحكم .(/1)
مسؤولية تربية الأولاد
الحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ?يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً، واتَّقُوا اللَّهَ الذي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً?[ النساء:1]. ?يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُون? [آل عمران:102]. ? يا أيُّهَا الَّذين آمَنوا اتَّقُوا اللَّه وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمالَكُمْ، ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً? [الأحزاب:71].
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ?[الأنفال:27-28].
أيها المؤمنون:الأولاد أمانة عند آبائهم وفي صحائفهم يكتب ما يفعلون، وهم عند الله مسئولون عن تربيتهم وتوجيههم. وصلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات، يا لها من نعمة عظيمة، ويا لها من منة جليلة كريمة، يوم يمسي الأب ويصبح، وقد أقر الله عينه بالذرية الصالحة، ذرية تخاف الله ، ذرية تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتتحلى بجميل الخصال وكريم الفعال.
الذرية الصالحة بهجة الحياة وسرورها، وأنسها وفرحتها وزينتها، حين يرزقك الله الولد الصالح الذي تحبه ويحبك، توده ويودك، تأمره فيطيعك ويبرك فكيف يا ترى نحصل على الذرية الصالحة المؤمنة البارة. إذا أردت الولد الصالح فإن أول ما تحتاجه وتفتقر إليه دعوة صالحة تهديه إلى الله، يحتاج أول ما يحتاج إلى صالح الدعوات إلى الله فاطر الأرض والسماوات ، مصلح الأبناء والبنات، قال تعالى عن نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام:
? رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء?[ إبراهيم:40].
وقال سبحانه عن نبيه زكريا:
?...رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ?[ آل عمران:38].
عليك أن تقول كما قال الأخيار، وصفوة عباد الله الأبرار:
?... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً?[الفرقان:74].
علم المؤمنون الأخيار أنه لا صلاح للأبناء والبنات إلا بالله، وأنه لا يهدي قلوبهم أحد سواه، فجأروا إلى ربهم بالدعوات، ما أحوج بناتك وأبنائك إلى دعواتك الصالحة، سلوا الله لأبنائكم وبناتكم الصلاح، سلوا لهم الخير والسداد والفلاح.
صلاح الأبناء والبنات يكون أول ما يكون منك، من حركاتك وسكناتك، يكون من أقوالك وأفعالك، يوم ينشأ الابن وتنشأ البنت في أحضان أب يخاف الله ، وفي أحضان أم تخشى من الله، تكون الذرية صالحة بإذن الله.
صلاح الأبناء والبنات يقوم أول ما يقوم على قدوة صالحة من الآباء والأمهات ، إن رآك ابنك تخاف من الله خافه، وإن رآك ابنك تخشى الله عظَّمهُ وهابه، إن رآك ابنك مع المصلين كان من المصلين، إن رآك ابنك من الأخيار الصالحين تجالس المؤمنين الصادقين كان من الأخيار الصالحين ومع الأتقياء المؤمنين.
القدوة الصالحة نبراس للذريات ، ودليل يهدي قلوب الأبناء والبنات. صلاح الأبناء والبنات يحتاج منك إلى كلمات نافعات وتوجيهات ومواعظ مؤثرات. ومن أساليب التربية الراقية ما ذكره الله لنا في كتابه من توجيهات لقمان لابنه: ? وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ?[لقمان:13] لقد أخذ بمجاميع ذلك القلب البريء إلى الله وعلمه توحيد الله والعبودية له، فخذوا أيها المؤمنون بمجامع قلوب أبنائكم إلى الله ، خذوهم بنصيحة مؤثرة وموعظة بليغة تأخذهم إلى محبة الله ومرضاة الله. كم من نصيحة صادقة من أب ناصح، وأم مشفقة ناصحة نفعت الأبناء والبنات ما عاشوا أبداً.
صلاح الأبناء والبنات يتوقف على أمرهم بالصلوات، الصلاة عماد الدين ومرضاة لله رب العالمين، فمروهم بها تصلح أحوالهم، وتصلح شؤونهم ?... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ?[العنكبوت:45].(/1)
علم الخليل عليه الصلاة والسلام، عظيم شأن الصلاة فرفع كفه إلى الله داعياً سائلاً ضارعاً ? رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ...?[ إبراهيم:40] أي رب اجعل ذريتي تقيم الصلاة.
مروا أولادكم إذا بلغ الابن سبع سنين وبلغت البنت سبع سنين، فالله سائلك يوم القيامة هل أمرت أبناءك بالصلاة، وليتعلقن الابن بأبيه بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، يقول: يا رب ما أمرني بالصلاة يا رب تركني نائماً، يا رب ما أمرني بطاعتك، وتتعلق البنت بأمها في يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
صلاح الأبناء والبنات يتوقف على أمرهم بالأخلاق الفاضلة والآداب الكريمة ? يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ?[لقمان:17].
أمر الأبناء بالأخلاق الفاضلة والآداب الجليلة الكاملة يعودهم على الخير والصلاح، ويقودهم إلى مناهج الفلاح، علموهم صدق الحديث وحفظ الأمانة، وإفشاء السلام وإطعام الطعام وخصال الكرام، عودوهم على هدي أهل الإسلام يكن لكم في ذلك خيري الدنيا والآخرة.
من صلاح الأبناء والبنات ، أمرهم بصلة الأرحام، وزيارة الأخوال والخالات، والعمات والأعمام، علموهم الرحمة بالضعفاء ، وأدبوهم على احترام الكبير وتوقير أهل الفضل والدين وعلموهم المحافظة على المصالح العامة والشعور بالمسئولية.
واعلم أنك ما علمت ابنك خصلة من خصال الخير والمعروف إلا كتب الله لك أجره ما عمل بها في حياته أبداً.
صالح الأبناء والبنات تقر به العيون في الحياة والممات، تقر به عينك في الدنيا ، حين تراه خيِّراً صالحاً ناصحاً، إن أمرته أطاعك وإن طلبته برَّك، وكان لك بعد الله نعم المعين، وكان لك الناصح الأمين.
صلاح الأبناء والبنات تقر به العيون في اللحود والظلمات يوم تغشاك منه صالح الدعوات، وأنت في القبور وحيداً ، وأنت في مضاجعها فريداً، يذكرك بدعوة صالحة، ينعمك بها الرحمن الرحيم، ويغشاك منه الروح والريحان.
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"
صلاح الأبناء والبنات تقر به العيون في الموقف بين يدي الديان إذ يكونوا حجاباً لك من النار كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ابتلي بشيء من هذه البنات فأدبهن فأحسن تأديبهن ورباهن فأحسن تربيتهن كن له حجاباً من النار".
هكذا يكون الأولاد الصالحون امتداداً لعمرك القصير وتجديداً لوجودك الفاني، وخلف لسلف راحل يذكر به، ويحفظ عنه ويدعو له. علاقة البنوة الصالحة بالأبوة علاقة حب وإيمان مستمر متواصل في الحياة وبعد الممات ثم يجمع الله الآباء المؤمنين بأبنائهم الصالحين في دار كرامته ومستقر رحمته في جنات النعيم كما قال تعالى: ? وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ?[الطور:21 ].
أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب من أين لي هذا فيقول: باستغفار ولدك لك" .
اللهم أصلح ذرياتنا ، اللهم أصلح شباب المسلمين من البنين والبنات وخذ بنواصيهم إلى البر والتقوى وألهمهم السداد والهدى، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الذرية الصالحة نعمة من نعم الله عليك، حقاً عظيماً وفضلاً جليلاً كريماً، فليكن أول ما يكون منك اعترافك بلسان حالك ومقالك بهذه النعمة وأن تحمد الله عليها حيث لم يقطع نسلك، ولم يجعلك عقيماً لا ولد لك، فهو تعالى وحده الذي تفضل عليك، فاشكره فقد تأذن للشاكرين بالمزيد.
ثم لابد أن يكون لديك الشعور بعظيم المسئولية ، فالأبناء والبنات ما هم إلا أمانة وضعت في عنقك إما أن تنتهي بك إلى جنة أو إلى نار. أبناؤك وبناتك مسئولية سوف تسأل عنهم أمام الله كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وسوف يحاجك ابنك وابنتك أمام الله إن أنت فرطت في تربيتهم وتوجيههم فإما أن يكونوا سبيلاً لك إلى الرحمة أو إلى العذاب.(/2)
وأمر آخر لابد أن يتنبه له الآباء وهو العدل بين الأبناء ، إن الله أمرك في أبنائك وبناتك أن تكون من العادلين فيهم، اعدلوا بين أبنائكم وبناتكم، لا تفضلوا الأبناء الذكور بعضهم على بعض. ولا تفضلوا البنات، واتقوا الله في الجميع، فإذا عدلت بين أبنائك وبناتك حللت منابر من نور في الجنات على يمين الرحمن في يوم يغبطك فيه الأنبياء والصديقون كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا" إننا ننشد العدل من الحكام ولن يأتي حتى نعدل بين أبنائنا ، فإياك أن تفضل بعض أبنائك بالعطية، إياك أن تكتب أرضاً ، أو تعطي مالاً أو تهدي سيارة أو عقاراً إلى ابن أو بنت وتحرم الآخرين، بل اتق الله فيهم واعدل بينهم.
إن ظلم الأبناء والبنات يوجب الحقد والبغضاء ويوجب انتشار الشحناء، فتتفرق قلوبهم، وتنقطع أواصر المحبة بينهم وتحدث بينهم العداوة والبغضاء ويكون الأب هو سبباً في كل ذلك.
ومما يجب على الآباء تجاه الأبناء توعيتهم بحقوق المسلمين الأقارب والجيران فاحذر أيها المسلم من أن يكون أبناؤك وبناتك سبباً في أذية المسلمين إحفظهم عن أذية الأقرباء وعن أذية الجيران، ومن أذية المسلمين خاصة في بيوت الله، إذا دخلت بهم إلى المساجد فاجعلهم عن يمينك ويسارك واجعلهم تحت نظرك وملاحظتك، خذهم بالتوجيه والإرشاد وعلمهم احترام بيوت الله والمحافظة على نظافتها وعلمهم السكينة والهدوء قبل أن تأخذهم دعوة عبدٍ صالح فتهلكهم وتهلكك معهم، بسبب تفريطك وتضييعك الأمانة.
وإياك أن يكون أبناؤك سبباً في أذية المسلمين فلا تسمح لصغير السن والحدث أن يقود سيارة بمفرده ثم ينطلق كالمجنون يزهق الأرواح ويسفك بها الدماء، ويكون بها الشقاء والعناء. اتقوا الله في أولادكم، وجنبوهم مواطن السوء وقرناء السوء واغرسوا في أنفسهم حب المعالي وأعدوهم على مائدة القرآن ليكونوا جيل النصر المنشود الذي بواسطته تحرر الأوطان ويحمى به الدين والعرض والمال ولن يحصل ذلك إلا بتحمل المسئولية وتربية الأولاد على حب الله والرسول والمؤمنين فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
راجعه : عبد الحميد أحمد مرشد .
مسلم 4/ 2065، حديث رقم: 2682 .
سنن الترمذي2/ 759، حديث رقم: 5147 ، وضعفه الألباني .
مسند أحمد 2/ 509 ،وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل عاصم بن أبي النجود وهو ابن بهدلة وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح، وسنن ابن ماجة 2/ 2207 .
صحيح البخاري: كتاب الجمعة: باب: الجمعة في القرى والمدن: رقم:(853) . وصحيح مسلم: في الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، رقم: (1829).
صحيح مسلم: باب فضيلة الإمام العادل. وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم: الحديث رقم: (1827) .(/3)
مسؤولية كل مسلم
عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَثَلُ الْقَائمِ عَلَى حُدُودِ الله وَالمُدْهِنِ فِيهَا، كَمثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ في الْبَحْرِ، فَأَصَابَ بَعْضِهُمْ أَعْلاَهَا، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الّذِينَ في أَسْفَلهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبّونَ عَلَى الّذِينَ في أَعْلاَهَا، فَقَالَ الّذِينَ في أَعْلاَهَا: لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا، فَقَالَ الّذِينَ في أَسْفَلِهَا: فَإِنّا نَنْقُبُهَا في أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعاً، وإنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعاً.رواه الترمذي وصححه .
في هذا الحديث، يرسم لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صورة من صور المجتمع الإسلامي، حيث يشبه ذلك المجتمع المتميز بعقيدته ونظامه، والذي يعيش بين شعوب ودول مختلفة عنه في عقائدها وأفكارها، يشبهه بسفينة تمخر عباب البحر، وهو مكان معرض للأخطار الجسام بسبب العواصف والأعاصير، فلجأ ركاب السفينة وهم المجتمع إلى القرعة لتقاسم السفينة، فكان للقائمين على حدود الله، الملتزمين بأوامره ونواهيه أعلى السفينة، يقودونها عبر المخاطر المحدقة بها، إلى شط السلامة والأمان، وكان للواقعين في حدود الله، المخالفين لأحكامه، والمنتهكين لحرماته أسفل السفينة، يعيشون لأنفسهم، ولإشباع غرائزهم وحاجاتهم على هواهم، غير مكترثين بمصير السفينة، ولا بسلامة مجتمعها، وكانوا كلما احتاجوا إلى الماء وهو كناية عما يلزمهم من إشباعات في الحياة الدنيا، مروا على من فوقهم للتزود بهذا الماء، فيتأذى الأعلون من تصرفهم هذا، فثقل ذلك على من في الطابق السفلي، ولم يفكروا بالتفاهم مع من فوقهم في المكانة والعلم، وهنا يبرز صنف من الأسفلين يزينون الفتنة والخراب لهم، فيقولون لمن فوقهم، كما ورد في رواية للإمام أحمد "إنما يخرق في نصيبه" إنهم دعاة الحرية يفعلون ما يشاؤون دون نظام أو قيد. في هذا الجو المكفهر بالخلاف، وفي تلك الظروف الدقيقة، التي يتعرض فيه المجتمع للهلاك، يأتي العلاج الناجع، والبلسم الشافي، من العليم الحكيم، من خالق هؤلاء البشر المتفاوتين في تفكيرهم، والمتباينين في مصالحهم، يأتي مخاطباً القائمين على حدود الله على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -: فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن يأخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً رواه البخاري.
فالمجتمع الإسلامي، كالجسد الواحد، يعمل كل عضو فيه لصالح هذا الجسد، فالرجل تسعى واليد تعمل، والفم يأكل، والمعدة تهضم، والدماغ يفكر ….. فكل عضو يقوم بوظيفته الموكلة إليه، ليتقاسم الجسد المنافع، كل عضو حسب حاجته .
وإن أصاب مرض أو سوء عضواً من الجسد تداعت جميع الأعضاء لمقاومته واتقائه ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ رواه مسلم. وفي رواية عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِنِ اشْتَكَىَ عَيْنُهُ، اشْتَكَىَ كُلّهُ. وَإِنِ اشْتَكَىَ رَأْسُهُ، اشْتَكَىَ كُلّهُ.
وحتى يظل المجتمع الإسلامي سليم البنية، قادراً على إدارة شؤونه، وعلى دفع الأمراض الوافدة إليه، طلب الله تعالى من كل فرد فيه أن يقوم بالمسؤولية المناطة عليه، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: أَلاَ كُلّكُمْ رَاعٍ. وَكُلّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ. فَالأَمِيرُ الّذِي عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ. وَالرّجُلُ رَاعٍ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ. وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَىَ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسؤولة عَنْهُمْ. وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَىَ مَالِ سَيّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ. وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ رواه مسلم.
فإن كانوا حكاماً قائمين على حدود الله، رعوا شؤون رعيتهم بما أنزل الله، وإن كانوا محكومين قاموا بواجباتهم الشرعية، وأطاعوا الحاكم ما أطاع الله فيهم، فإن عصى الله، حاسبوه، وإن أصر على المعصية غيروا عليه .(/1)
فمسؤولية المحافظة على إقامة أحكام الله في المجتمع الإسلامي مسؤولية جماعية، إن قصّر في إقامتها الحكام، وسكت عنهم الباقون أثم الجميع، وإن تخلىّ القائمون على حدود الله عن مسؤوليتهم، وتركوا المخالفين لأحكام الله يفعلون ما يشاؤون، كانت النتيجة ضياع الأمة الإسلامية، وهلاكها، قال تعالى: { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال/25].
والأمة الإسلامية في القرن العشرين، والحادي والعشرين للميلاد، تبحر في مراكب شتى، تتقاذفها أمواج الحقد والعدواة للإسلام، وأعاصير التآمر على المسلمين. وفي هذه المراكب، يكثر الواقعون في حدود الله، المنتهكون لحرماته، يمارسون خرق المراكب خروقاً واسعة، لم يمارس مثلها غيرهم في تاريخ المسلمين، خروق التضليل السياسي والتآمر الفكري، باسم الوطنية والقومية ، وباسم الديمقراطية والحرية، حتى سمّوا الذل والهزيمة نصراً، والاحتكام إلى القوانين الوضعية والقرارات الدولية عدلاً، وسمّوا الخنوع لليهود سلاماً، والعلمانية والكفر إسلاماً … فإن لم يتداعَ ويتكاتف القائمون على حدود الله، الملتزمون بأوامر الله، للتغير على هؤلاء الظلاميين والمضبوعين بثقافة الغرب وسياسته، هلك الجميع. عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال: إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين؟ قال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعّر فيُّ ساعة قط رواه الطبراني في الأوسط.
إن المتتبع لأحوال المسلمين اليوم لا يخفى عليه ما نمر به من أحوال سيئة بالغة الخطورة، ومن ضيق يكاد يلفنا من كل جانب، فهذا العصر الذي وصل فيه المسلمون إلى أسوأ حال، كثر فيه الحديث عن التغيير من قبل المسلمين للخروج منه، وعودة المسلمين إلى سابق عهدهم، وكثر فيه العمل من قبل الكفار وأعوانهم، مستخدمين كافة الأساليب ومختلف الطرق، لمنع عودة الإسلام إلى الحكم، ومنع نهضة المسلمين، وإعادة الخلافة الراشدة .
فقد استُخدمت ألفا ظ ومصطلحات كثيرة للتضليل، ولحرف المسلمين عن الطريق الصحيح، وتمييع العمل الإسلامي. فمن هذه المصطلحات على سبيل الذكر لا الحصر: العلمانية، والوطنية، والقومية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة، والزواج المدني، ومحاربة تعدد الزوجات، والحريات، والحوار، والمعارضة، والعولمة، والخصخصة، والشرعية، والتعددية، والشفافية، والأصولية، والتطرف، والوسطية، ومحاربة الإرهاب … ورفع شعار البلد الفلاني أولاً - كالاردن أولاً - وغداً سنسمع مصر أولاً وسوريا أولاً … والعراق آخراً. وكلهم كما قيل ذيول، نرجو من الله سبحانه أن تكون نهاية هؤلاء الرويبضات قريبة أولاً .
ولما غزت هذه الأفكار بلاد المسلمين، ووجد من ينادي بها من أبناء المسلمين المضبوعين بالثقافة الغربية، كان لا بد من التصدي الفكري لها، وبيان زيفها وخطورتها، كذلك كان لا بد من الكفاح السياسي للإعمال السياسية لحكام الجور والخزي، الذين يفتحون بلاد المسلمين لتكون نهباً للكفار، متآمرين على البلاد والعباد .
إن فهم المصطلحات والمفاهيم، ومعرفة مدلولاتها، والتمييز بينها وبين غيرها، يتطلب معلومات خاصة لغوية، وشرعية، وثقافية. والناس متفاوتون فيها، وفي إمكانية الحصول عليها، وكذلك متفاوتون في الذكاء والقدرة على إدراك الأمور، تبعاً لما أنعمه الله على الإنسان من عقل. وما دام هذا التفاوت قائماً، فالاختلاف في الأحكام قد حصل مع الصحابة رضوان الله عليهم في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعده، وهم يحملون وجهة نظر واحدة، فمن الطبيعي الاختلاف في الأمور الأخرى. فما بال المختلفين في وجهة النظر كالمسل(/2)
مسائل التكفير من المسائل العظام
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
إعداد: فهد البگران:
* الكثير من الشباب يخوض في مسائل التكفير بغير علم، فمن له الحق في التكفير وما هي شروط التكفير وموانعه؟
- مسائل التكفير من المسائل العظام التي لم يكلف بها عامة الناس والواجب الحذر من الخوض فيها؛ فإن من خاض فيها وهو ليس بأهل لها فقد زلت قدمه، والأمر خطير يمس دين المرء والتساهل فيه أمارة خذلان والعياذ بالله، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أيما امريء قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه) أخرجه مسلم. فالأمر خطير والإنسان يجب عليه الحذر من زلات اللسان فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سأله معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، أنحن مؤاخذون بما نتكلم به، أجابه - صلى الله عليه وسلم -: (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم).
فالحذر..الحذر..من الولوج في هذا الباب، وأنا أنصح إخواني طلاب العلم بالحرص على طلب العلم النافع والتدرج في ذلك فيحرصون على تعلم التوحيد وتحقيقه والحذر من ضده، ثم المسائل الفقهية الأهم فالمهم وهكذا، وألا يكون هم الواحد منهم النظر في المسائل المشكلة والقفز إليها والقراءة فيها فيظن أنه أدرك وهو مخطئ لأنه لا أساس علمي راسخ يبني عليه ما قرأ ونظر فيه، ومن أساسيات العلم والتعلم الصبر والمصابرة في طلب العلم، فإن العلم لا يأتي بسرعة بل بمرور الوقت مع الجد في طلبه وسؤال الله التوفيق، والصحابة - رضي الله عنهم - كان الواحد منهم ربما جلس ثماني سنين في سورة واحدة يتعلمها وهم من عاصروا التنزيل وصحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما الشأن بمن هم دونهم بكثير كثير، أسأل الله العفو والعافية لي ولجميع إخواني المسلمين.
حكم قتل المعاهد
* ما حكم محاولة قتل بعض الجنسيات من أهل العهد والذمة؟
- قتل المعاهد، حال عهده، محرم ومن كبائر الذنوب، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة). والواجب الحذر والتبصر في الأمور، والانطلاق من نصوص الكتاب والسنة والالتزام بهما وعدم التسرع وأخذ الفتاوى من غير أهله. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
هذه أصول الخوارج
* هل الخروج على ولاة الأمر وتحريض الشباب وتهيجهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
- الخروج على ولي أمر المسلمين منكر يجب على المستطيع أن يغيره على حسب علمه وقدرته، وعد الخروج على الولاة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا من أصول الخوارج وقانا الله شرهم.
نصيحة لطالب العلم
* كلمة توجيهية لطالب العلم وإيضاح المطلوب منه في الأوضاع الراهنة ؟
- سبق أن ذكرنا، أن النصيحة لطالب العلم هي الجد في طلب العلم، ومراعاة التدرج، والبعد عن المشكلات، والصبر على هذا الطريق، والتلقي عن الثقات الأمناء، فإن هذا العلم دين فلينظر طالب العلم عمن يأخذ دينه، وليكن في ذلك كله حسن النية والقصد متقربا إلى الله - عز وجل - بهذا العمل فإنه من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وليكثر الدعاء والضراعة بين يدي ربه - عز وجل - يسأله التوفيق والإعانة والعمل بما علم، فإن ذلك أحرى للانتفاع بالعلم.
أسأل الله للجميع التوفيق والهداية والحرص على اتباع الكتاب والسنة في كل دقيق وجليل إنه - سبحانه - قريب مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ربط الدعوة السلفية بالإرهاب باطل ظاهر البطلان
* هناك محاول لربط العمليات الإرهابية بالدعوة السلفية؟ فما حقيقة الدعوة السلفية؟
- الدعوة السلفية إنما هي دعوة لتجديد الدين وإزالة ما علق به من بدع وخرافات أدخلها الجاهلون أو المفسدون، وأساس الدعوة السلفية الحقة هو العودة إلى الكتاب والسنة والأخذ منهما وفق ما فهمه سلف هذه الأمة، وأما ربط العمليات الإرهابية التي يقصد بها الإفساد في الأرض، بهذه الدعوة فهذا باطل ظاهر البطلان، إذ أن الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة واضح بين في إنكار هذه الجرائم وتحريمها، وما دعاة السلفية إلا متبعين وملتزمين بما جاء في القرآن والسنة، فهذه التهم إنما يقصد منها تشويه الدعوة الحق وقلب الحقائق وضرب أهل الإسلام بعضهم ببعض، وتشجيع البدع والخرافات التي تبعد أهل الإسلام عن دينهم، {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف: 21].
الاستحمام بالماء المقروء فيه
* بعض الناس يقرؤون القرآن على الماء ثم يستحمون به في الحمام فما حكم ذلك؟
- الاستحمام بهذا الماء خارج الحمام هو الأولى والأكمل محافظة على حرمة القرآن.
گتابة القرآن بالزعفران ثم غسله وشربه
* قرأت في كتيب أنه لا يجوز أن يقرأ الإنسان على ورق أو طبق ويغتسل به ويشرب للاعتقاد أنه يشفيه، فهل يجوز أن يقرأ القرآن في الماء للشرب أم أن تلكم الكيفية غير جائزة أيضا؟(/1)
- كتابة القرآن في طبق بمادة كالزعفران مثلا ثم غسله بماء وشربه هذا لا مانع منه، أفتى به بعض السلف، يكتبون في الطبق آيات من القرآن وأدعية من المأثور من سنة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيغسلون ذلك بماء ويشربونه فهذا لا مانع منه، وكذلك القراءة في الماء وشرب ذلك الماء المقروءة فيه أيضا لا مانع فيه.
حگم صياغة الذهب
* ما حكم الشرع في مهنة صياغة الذهب جملة وتفصيلا؟
- صياغة الذهب وبيع الذهب وضرب الذهب لا مانع منها، هي من المهن التي يحتاج الناس إليها ولا أحد يستطيع أن يمنع الناس منها، بل ما زال الصاغة موجودين في عهد نبينا - صلى الله عليه وسلم - وعهد خلفائنا الراشدين على قدرهم، المهم ليس الصياغة، المهم ما يتعامل به الصاغة فإن تعاملوا بشرع الله ووافقوا أمر الله ووقفوا عند حدود الله فلا مانع وتلك حرفة من الحرف ومهنة من المهن، ولا مانع منها، إذا لم تخالف شرع الله، وجميع المهن والحرف لا يعاب أهلها، العيب فيما فيه مخالفة للشرع فالأمور المحرمة مصانع الخمور والعياذ بالله، الأمور المحرمة شرعا هذه ممنوعة، وأما الأمور المباحة فلا مانع منها، وصياغة الذهب وضرب الذهب لا مانع منه المهم التزامهم شرع الله في بيعهم وشرائهم وأن يتعلموا من شرع الله ما يصحح معاملاتهم.
أبرز أسباب الغلو في الدين
* ما هي أبرز أسباب الغلو في الدين؟ وكيف نعالج مشكلة الغلو في الدين؟
- أسباب الغلو في الدين كثيرة، وترجع في غالبها إلى الجهل، واتباع الهوى، فالجهل يسهل اقتياده، فإن قاده شخص إلى الغلو في الدين انقاد وإن قاده إلى الجفاء عن الدين انقاد؛ فليس له علم يحصنه، ويعرف به الحق من الباطل.
وعلاج هذا بالعلم، فيؤمر بطلب العلم على العلماء الإثبات وأخذ العلم من مصادره؛ وبهذا ينجو من طرفي الضلالة.
أما صاحب الهوى فهذا في الغالب يعرف الحق لكن لا يسلكه لهوى في نفسه والله - تعالى -يقول: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [القصص: 50] وهذا لا حيلة فيه إلا بالموعظة وتذكيره بالله - عز وجل - وتخويفه من عقابه ودعاء الله له أن يصلح حاله وأن يرزقه اتباع الحق حيث علمه.
http://www.aldaawah.com المصدر:(/2)
مسائل في الدراسة الجامعيّة للمرأة
السؤال :
أنا طالبة في معهد التعويضات السُنِّية ( صناعة الأسنان ) في جامعة دمشق و مدة الدراسة فيه سنتان ، و قد أنهيتُ العام الأول منهما.
و السؤال هو عن حكم الدراسة في هذا المعهد مع التنويه إلى الأمور التالية :
1 - المعهد مختلط , و خاصة في قسم الدراسة العملية الذي يصل أحياناً إلى 5 – 7 ساعات من العمل و الحركة يومياً و اضطرُّ فيه إلى خلع القفازين .
2 - المواصلات كذلك فيها اختلاط بشكل كبير ومزعج وأقطع يومياً 100 كم لوحدي .
3 - العمل بعد التخرج ليس فيه اختلاط إذ إن المتخرج يعمل في مخبره ، و قد يكون المخبر غرفةً في المنزل ، و قد لا أعمل و أوكل من يعمل في المخبر المفتوح باسمي بناءً على شهادتي .
4 - أنا و لله الحمد ملتزمة بالحجاب الشرعي الكامل مع غطاء الوجه في كل الأوقات و لا أكلِّم أحداً و أحاول قدر المستطاع الالتزام بالحشمة و تجنب الاختلاط مع الشباب .
5 - هذا المعهد مكلف جداً , و قد تم دفع مبالغ كبيرة خلال هذا العام .
6 - أنا ولله الحمد أقوم بنشاط دعوي بين أخواتي الطالبات قدر المستطاع .
و الحال هو أني كرهت هذا المعهد و سئمت ما فيه من الفساد و المضايقات و قررت أن أتركه ، ثم استخرت الله و أخبرت والدي فرفض بشدة ، و غضب غضباً شديداً ، و منعني من ذلك مهدداً إيّاي بالغضب عليّ إلى يوم الدين إن فعلت ، و لا سبيل إلى ذلك بحال من الأحوال ، إذ هو و اثق من ابنته ، ولا يرى في الاختلاط بأساً على الاطلاق ، كما رفض التحويل إلى فرع آخر ، بل هو مصر على هذا الفرع لأن مستقبله جيد .
فهل أنا آثمة إن تابعت الدراسة بعد ما ذكرت من أمور و أهمها موقف والدي ، أم يجب عليّ الصبر حتى أنهي السّنة الدراسيّة الباقية ، و أستعين بالله إن لم يكن ذلك يغضب ربي مع العلم أني استخرت مرتين قبل التسجيل في بداية العام و تيسرت جميع أموري .
و إن كان الجواب أنه يلزمني الترك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فما هو الحل الأنسب ، و الطريقة الأمثل ؟
و ما هو الرد على من يقولون بأننا نعيش في بلد ، الجامعات فيها مختلطة ، فهل تجلس كل البنات في البيت و يتركن الدراسة و الاقتصاد و الوظائف لغير المسلمين ؟
ثم إن الناس اليوم بحاجة إلى رؤية الملتزمين ، و أصحاب الأخلاق في كل الميادين فمن يدعو هؤلاء النساء إلى الله ؟
و هل خروج المرأة إلى هذه الجامعات يعد جهاداً باعتبارها تقاوم الفساد و ترفع من مكانة دينها بثباتها عليه ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
إن هذا السؤال ليس مجرّد استفتاء ، و لكنّه عرض لإحدى القضايا التي عمّت بها البلوى و طمّت في عصرنا الحاضر ، و تباينت آراء الناس علماءَ و عامةً أيّما تبايُن في الحُكم عليها ، و التعامل معها .
و قد اختصرت الأخت السائلة علينا طريق الإجابة بوَضعها النقاط على الحروف ، و تحديد مواطن الخلل الباعثةِ على التباس الحكم في قضيّةٍ هامّةٍ عامّةٍ كهذه ، و إليها و إلى من يطّلع عليه من المسلمين الجواب مرتباً في نقاط :
النقطة الأولى : في حكم طلب العلم الدنيوي ، كالمهن التي فيها صلاح الناس في معاشهم ، و تيسير أمور حياتهم ، و منه الطب و الهندسة و الاقتصاد و ما إلى ذلك .
و المعروف من كلام أهل العلم القُدامى و المُعاصرين أنّ تحصيل هذه العلوم يدور بين الإباحة و الاستحباب و فرضِ الكفاية ، أي أنّه إذا قامَ به البعض سقَط الإثم عن الباقين ، و إن لم يقوموا به أثموا جميعاً .
و مثال فرض الكفاية ما يحتاجه المسلمون من آلة الحرب و وسائله ، التي تحمي ديار الإسلام ، و تصون دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم ، و تردّ المعتدين و تدفع الصائلين ، فإذا بلغَ الأمر حدّ الكفاية بقيام من يقدر عليه ، سقط التكليف بطَلبه عن باقي المسلمين .
و يسقط الإثم عن الأمّة إذا حصلت على المطلوب و لو بطريق الشراء أو الإجارة و نحوهما ، إذ إن التاريخ حافلٌ بالأخبار الدالّة على استعمال المسلمين أدوات الحرب المصنّعة بأيدي غير المسلمين كالسيوف الهنديّة ( الشهيرة ) و غيرها .
و فيما يتعلّق بمهنّة الطب و ما يُلحق بها من علوم الصيدلة و التمريض و المخابر ، تتعدّد الأحكام الشرعيّة بحسب حاجة المسلمين إلى هذه العلوم :
فقد تكون دراستها مباحةً كالطب النفسي الذي لا يُعارضُ كتاباً و لا سنّة .
و قد تكونُ فَرضاً على الكفاية على النساء دون الرجال كالاختصاص في مراض النساء و الولادة و ما إلى ذلك ، إذ إنّ في عَدَم وجود الطبيبة المسلمة الثقة في دينها و خُلُقها ، المتمكنة من مهنتها و اختصاصها ، مفاسد كثيرة ، منها اضطرار المسلمات لكشف ما لا يحلّ كشفه من أجسامهنّ أمام غير المسلمين من الأطباء رجالاً و نساءً ، و لا أمام الطبيب المسلم غير المحرَم .
و إذا عُذرت المريضة المسلمة في طلب العلاج على يد هؤلاء بحكم الاضطرار ، فإنّ هذا لا يَعذُُُر القادرات على سدّ هذا الثغر لقعودهنّ عنه من غير عُذر .(/1)
و قد تكون مندوبةً يثاب عليها من طلبها احتساباً كفروع عِلمِ الطب الذي لا مفسدة في أن يلتمس المريض فيها علاجاً عند طبيبٍ غير مسلم إذا كان المريض رجلاً ، و طبيبة غير مسلمة للأنثى و أمثلته كثيرةٌ منها طبُّ الأنف و الأذن و الحنجرة و ما إليها .
و عليه فما احتاجه المسلمون من علوم الطب ، لا بأس أن تُقدِم المرأة على دراسته ، إذا صلُحَت فيه النيّة ، بل قد يتعيّن عليها ذلك إذا لم يقم من بنات جِنسِها من يسد الحاجة و يؤدي الواجب الكِفائي .
و إن كان في ذلك بعض المفاسد قوبلت بما يترتّب عليه من المصالح ، و روعي الأرجح ، عملاً بالقاعدة الفقهيّة ( يُتَحمّل الضرر الخاص لدَفع ضرر عام ) ، فإذا اقتَصرت مفسدة الدراسة في الجامعة على خلع القفّازَين ( مع الحفاظ على غطاء الوجه عند من يذهب إلى وُجوبه ) ، و إمكانيّة اجتناب الجلوس في مقاعد مشتركة تجمع الذكور و الإناث جنباً إلى جنب ، و عدم الخلوة بين الجنسين ، بل و ما ذَكرته السائلة من عدم محادثة الطالبات للطلاّب أصلاً أو العكس ، مع قيامها بالدعوة إلى الله تعالى بين الطالبات ؛ فإن المفسدة المترتّبة على دراستها أقلّ بكثير من المفسدة المترتّبة على قصد مئات الآلاف من المسلمات عيادات الأطبّاء غير المحارم ، أو الطبيبات غير المسلمات أو مخابر تصنيع الأسنان و العلاج الفيزيائي ( و منه التدليك ) طلباً للعلاج .
و من دلائل النبوّة الواضحة الجليّة أنه في بَلَد السائلة – رغم ما شاع من صنوف الفتن و فنون الفساد – يحقّ للطالبة في الجامعات الالتزام بالزيّ الشرعيّ كاملاً بما فيه غطاء الوجه و الكفّين ، و قد دَرَستُ و درَّستُ في دمشق و لا تزال في ذاكرتي صور عشرات الفتيات يجلسن في قاعات الدراسة منزويات في الصفوف المتأخّرة بعيداً عن الذكور ، متلفّعاتٍ بالسواد ، لا تُرى منهنّ الوجوه و لا الكفوف ، و أرجو أن يكون الحال على ما كان عليه ، أو خيرٍ منه في يومنا هذا .
و لم يكن هذا في كلّية الشريعة خاصّةً ، بل فيها و في غَيرها ، فقد درَسَتْ إحدى أخوَاتي و تخرّجت في كليّة الطب بجامعة حَلَب ، و لم تُُُضطَرّ قطّ إلى خَلعِ نقابها ، أو الاختلاط المحرّم بغير بنات جنسها خلال ستِّ سنواتٍ كاملةٍ متتاليةٍ ، و هذا من توفيق الله و تثبيته لمن يشاء من عباده .
روى أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : ( حسن صحيح ) عَنْ قُرَّةَ المزني رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ » .
فإذا أمكنكِ تحاشي الوقوع في المحظورات الشرعيّة في الدراسة فأطيعي والدك و أتمّي دراستك ، أمّا إن تعذّر عليك الالتزام بالشرع الحنيف ، و لم تكن دراستك متعيّنة عليكِ ( بحسب الاختصاص و الحاجة إليه كما تقدّم ) ، فاعتذري لأبيك بالتي هي أحسن ، و تذرّعي إليه بالأدب و البرّ و الإحسان ، علّ الله يشرح صدرَه ؛ فيدعك و شأنك ، و يأذن لك في تغيير الاختصاص أو الانصراف عن الدراسة إلى ما هو خيرٌ منها .
النقطة الثانية : الاختلاط على صورته المعهودة في عصرنا الحاضر مفسدةٌ بالغة الخطورة على الدين و الخُلُق ، و الكلام عن الاختلاط بشكلٍ عام يحتاج إلى تفصيل :
• فإذا أريد بالاختلاط اجتماع الرجال و النساء في مكان ما ، من غير تعمّد كالحال في الأسواق و الطرقات ، إذ يسعى الجميع في حاجته ذهاباً و جيئةً ، و يبيعون و يشترون ، فلا بأس في هذا ما لم يتلبّس من وَقع فيه بمحرّم خارجٍ عنه ، و ليست هذه الصورة للاختلاط من الصور المحرّمة في شيء ، بل هو مما تعمّ به البلوى ، و يضطر إليه الناس لمعاشهم في كلّ زمانٍ و مكان .
• و من الصوَر التي لا حَرجَ فيها اجتماع الرجال و النساء في المسجد الواحد لأداء فريضة أو عبادة ، كما هو الحال منذ صدْرِ الإسلام و حتى يومنا هذا ، في المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال و غيرِها ، و قد كانت النساء يشهدن الصلاة مع النبيّ صلى الله عليه و سلّم في المسجد ، و لم يَنه عن ذلك ، كما لم يأمر بضرب حاجزٍ بين صفوف الرجال و صفوف النساء فقد روى الشيخان و أبو داود و مالك و أحمد ، و اللفظ للبخاري عَنِ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَ الْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَ قَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَ يَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَ مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى ؟ قَالَ ابن عمر : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ » .(/2)
غير أنّهن كنّ يُصلّين في صفوفٍ خاصةٍ خلف صفوف الرجال امتثالاً لهديه صلى الله عليه و سلّم ، في قوله : « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا » رواه مسلم و أصحاب السنن و أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه .
• أمّا انفراد الرجل بالمرأة ، بدون محرم ؛ فهو الخلوة المحرّمة ، التي حذّر النبيّ صلّى الله عليه و سلّم منها فيما رواه أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : ( حسنٌ صحيح ) عَن عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » .
• و من الصور المحرّمة أيضاً اجتماع رجل بامرأة ، و لو كان ذلك في مكانٍ عامٍ إذا ترتّبت عليه ريبةٌٌ أو سوء ظنّ فيه ، ما لم يُزِل اللبس الذي قد يقَع في نفس من رآه ظنّاً أو يقينا ، لما رواه الشيخان و أبو داود و ابن ماجة و أحمد عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَىٍّ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفاً ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ ، فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِى لِيَقْلِبَنِى - أي ليعيدها إلى البيت - فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : « عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ » . فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَ إِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا سُوءاً » ، أَوْ قَالَ : « شَيْئاً » .
• و يحرم كذلك ما شاع من الاختلاط في هذا الزمان عند الأضرحة و ما يُزعمُ أنّها مقامات أولياء ، و في الاحتفالات و المواسم المبتدَعة كالموالد ، حيث يختلط الرجال بالنساء في هيئات بالغةِ الفساد ، و ظاهرةِ الانحراف ، و هذا أولى بالذمّ ، بل هو مما تبتلى به الأمّة في آخر الزمان لقوله صلّى الله عليه و سلّم : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدونها في الجاهلية ) رواه ابن أبي عاصم في ( السنّة ) و الطبراني في ( الصغير ) بإسنادٍ حَسَن ، و ذو الخلصة صنَمٌ بتبالة .
• و معظم ما يقع في الجامعات و المدارس ، فضلاً عمّا في النوادي و المحافل العامّة وحتّى وسائل النقل لغير المضطرّ هو من صور الاختلاط المحرّم ، المفضي إلى الرذائل و الفواحش ، لذلك نذهب إلى القول بتحريمه ، و نحذّر منه أسوةً بما جرى عليه معظم العلماء العاملين ، الذين عرَفوا حقيقته ، و سبروا غُواره ، و وقفوا على مفاسده ، و سدّاً للذرائع ، و قطعاً لدابر الرذيلة و الفاحشة ، و ما يُفضي إليهما .
النقطة الثالثة : ذَكرت الأخت السائلة أنّها تُضطرُّ للانتقال قرابة المئة كيلو متر يومياً في وسائل النقل العامّة ، و هذا من السفر الذي لا يحلّ للمرأة إلاّ مع ذي محرَم ، فقد روى الشيخان و أصحاب السنن إلا النسائي و أحمد عَنِ عبد الله بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ » .
و روى البخاري و الترمذي و أحمد عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ رضي الله عنه أنّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ » .
و قد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّه يحرم عليها الخروج بغير محرم في كل سفر طويلاً كان أو قصيراً .
و أباح الحنفيّة لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم .
و على كلا القولين فإنّه يحرم على المرأة أن تسافر أكثر من اثنين و ثمانين كيلو متراً ( عند من يرى التحديد بالمسافة ) و أن تشرع فيما يعتبر سفراً في عُرف الناس عادةً ( باعتبار العادةِ محكّمةً كما في القاعدة الفقهيّة ) .
و من فرّقَ من المعاصرين بين سَفَرٍ و سفر ، و ذهبَ إلى عدم اشتراط المحرَم في السفر بوسائل النقل المعاصرة لما يكتنفُها من الأمان ، محجوج بعموم الدليل الوارد في التحريم ، و لا حجّة في قول أحدٍ ما لم يُقِم عليه دليلاً من الكتاب أو السنّة .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى عِلمٍ يُخالف في أن الله فرض اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و التسليم لحكمه ، و أن الله عزّ و جل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه ، و أنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، و أنّ ما سواهما تبع لهما ، و أن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد ) [ الأم : 7 / 273 ] .(/3)
النقطة الرابعة : دأبَ بعض الناس في هذا الزمان ، و خاصّة المختصّين في العلوم الصحيّة كالصيادلة و الممرّضين و فنّيي المخابر ، و بعض الفروع النظريّة كالقانون على تأجير شهاداتهم إلى من يستثمرها ، و يؤدّي إليهم مبلغاً مقطوعاً أو نسبةً من دَخله لقاءَ ذلك ، و من أمثلة ذلك أنْ يقوم الصيدلي بعد تخرّجه باستخراج ترخيص لافتتاح صيدليّةٍ خاصّة و العمل فيها ، أو المخبَريّ باستخراج ترخيص لتأسيس مخبرٍ للتحاليل الطبّيّة ، فإذا تمّ له الأمر اعتزل المهنة و خوّل شخصاً غيرَ مختصٍ بالعمل في صيدليّته أو مخبره ، و كأنّ الأمر لا يعدو أن يكون استثماراً ، و إن كان فيه توسيد أمرٍ إلى غير أهله .
روى البخاري في صحيحه و أبو داود في سننه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّ أعرابياً سأل النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : مَتَى السَّاعَةُ ؟ فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » .
و في تأجير الشهادة إلى غير الأكفاء من تضييع الأمانة ، و التفريط في أدائها ما لا يخفى ، و هو مخالفٌ لقوله تعالى : ( و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون ) [ المعارج : 32 ] ، و قوله عليه الصلاة و السلام : « الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ » الذي رواه البخاري معلّقاً و أبو داود عن أبي هريرة و الترمذي عن عَوْفٍ الْمُزَنِىُّ ، و قال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
كما تترتّب على تأجير الشهادات مفاسدُ كثيرةٌ قد تؤدّي إلى الإضرار بالمريض ، و تعريض النفوس للخَطَر .
و مع أنّ الشرع لم يشترِط – من حيث المبدأ – الحصول على شهادةٍ ما لممارسة مهنة مباحةٍ أصلاً ، لا يمكننا تبرير التجاوزات في هذا المجال الخطير بعد أن وَقَفنا على حالاتٍ كثيرةٍ من الإفساد الذي تسببت فيه ، بل نذهَب إلى تحريمه لما تقدّم من أدلّة ، و سدّاً للذرائع ، و بالله التوفيق .
و بالجملة فإنّ دراسة الفتاة المسلمة في الجامعات المعاصرة محفوفةٌ بالخَطَر ، و القول بمشروعيّتها يختلف من حال إلى حال ، فإذا كانت الحاجة إلى الاختصاص الدراسي الذي أقدَمَت عليه الفتاة ماسّة ، و لا يوجد في بنات جنسها من المسلمات من تُسدّ بوجودهن الحاجة ، و تسقط فرضيّة الكفاية ، و غلبَ على ظنّها عدم وجود محظورات شرعيّة في دراستها ، أو إمكانيّة التغلّب على ما وُجد منها ، جاز لها ذلك ، و قد تكون أهلاً للثواب بمقدار مجاهدتها لنفسها ، و إشاعتها الخير و الدعوة إلى الله في محيطها ، إن أقدَمت على ذلك احتساباً ، و إلا فلا .
و الله الموفّق ، و صلى الله و سلّم على نبيّه محمّد و آله و صحبه أجمعين ، و الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات .(/4)
مسائل في النفاق أنواعه و حكمه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين……
هذه ورقات في أنواع النفاق وحكمه، لأن هذا اللفظ من ألفاظ الشرع، وإذا كان اللفظ كذلك فإنه يجب رد العلم به إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولفظ النفاق من أعظم الألفاظ الشرعية التي يجب العلم بها، ومثله لفظ الكفر والإيمان، والخطأ في فهم هذه الألفاظ يوقع صاحبه في الجهل بما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم… وقد رأينا من كان سكوته خيراً من كلامه يزعم أن من ترك حكم الله تعالى واستبدل به شرائع الباطل الكافرة أنه منافق وليس بكافر، ثم يستطرد بأن الله تعالى أمرنا بأن نعامل المنافقين معاملة المسلمين، وذهب هذا –وذهب معه من ذهب– إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد على المنافقين، ولم يقتلهم مع ثبوت النفاق في قلوبهم، وقالوا: هؤلاء كأولئك سواء بسواء، فالواجب علينا – زعموا– أن لانحكم عليهم بالكفر، ثم لايجوز قتالهم، بل حكمهم حكم المنافقين زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الموادعة والمسالمة والصبر عليهم.
ثم رأيت ناسا يسمون بعض الناس منافقين، ويصرحون أكثر بأنهم زنادقة، ثم بقليل من الحوار تعلم أنه لا يقصد تكفيرهم، ولا الحكم عليهم بالردة.
بل رأينا من يفتري ويزعم أن المجتمع المدني زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مجتمع أحزاب متعددة العقائد والأديان، ويستدل على هذا بوجود حزب للمنافقين، وهو حزب ظاهر يعرفه الناس ولا يصادرون حريته.
ورأينا من يفتري ويزعم أن حكم الردة ليس بواجب إلا إذا خرج المرتد عن نظام الدولة الإسلامية بحجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم الحدود على المنافقين –وهم كفار-، فجاز للناس في الدنيا أن يغيروا أديانهم، وقال: ها هو ذا القرآن يقول: (آمنوا ثم كفروا)، ولم يرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل واحد منهم.
وقالوا…. وقالوا….
فمن أجل هذا ولغير ذلك من الفوائد التي ستراها كان هذا البحث، وسيتبين لك فيه أن الحكم على الرجل بالنفاق في زمننا هو حكم عليه بالردة(1)، ولا يجوز لك ذلك حتى تقام لك الحجة الشرعية على كفر باطنه، ومن المعلوم أن علمك بالشيء ملزم لك وحدك، وملزم لغيرك بالبينة الشرعية التي تقام بها الأحكام.
ثم سيتبين لك أنه إن ثبت في حق رجل حكم النفاق، وأنه يسر كفره ويظهر خلافه، فإن حكمه هو حكم الزنديق، وهو أشد حكماً عند جمهور العلماء من المرتد إذ يوجبون قتله من غير استتابة، بل لايقبلون توبته حتى لو فعلها، لأنه لم يفعل سوى أن عاد إلى أمره الذي كان عليه قبل ظهور بينات وحجج زندقته.
وفي هذا البحث الرد على من زعم أن المنافقين زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم الناس نفاقهم وثبت حكم النفاق عليهم بالبينة الشرعية ثم ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة الحد عليهم –عياذا بالله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وليس هو حكم آخر يفارق هذا الحكم.
وفيه بيان نوعي النفاق، ويتبين لمن علمها أن أحد نوعيه يمنع ثبوت حكم النفاق عليه لعدم استقراره عليه فيمنع إطلاق الحكم عليه.
تذكرة:
نحن هنا نتكلم عن النفاق الأكبر الذي هو الكفر بعينه كما سيأتي، لا الأصغر وهو الذي يسميه البعض نفاق العمل ويسمون الأول نفاق الإعتقاد، وهي تسمية عليها كثير من المحترزات، نترك الكلام عليها لموطن آخر، وأهم هذه المحترزات أن النفاق الأكبر يكون من عمل القلب وعمل اللسان، وجزء من عمل القلب هو الإعتقاد، فتسميته بنفاق الإعتقاد يخرج الكثير من صوره، وكذا النفاق الأصغر يكون في القلب واللسان والجوارح، فتسميته بنفاق العمل قصر له على بعض صوره، وليس هذا نفيا لهذا التقسيم بل هو إعادة لترتيبه ترتيباً صحيحاً، قال ابن تيمية: (النفاق كالكفر، نفاق دون نفاق، ولهذا كثيراً ما يقال:- كفر عن الملة، وكفر لا ينقل، ونفاق أكبر، ونفاق أصغر)(2).
النفاق(3)
النفاق: هو إظهار الإيمان والإسلام وإسرار الكفر(4).
قال الله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون* في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)[البقرة 8 10].
وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)[المنافقون1].
وقال تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون)[البقرة14] .
فهذه الآيات دليل على أن المنافق باطنه على خلاف ظاهره، وهذا هو معنى النفاق في دين الله تعالى.
قال عبد الله بن الإمام أحمد في السنة حدثني وكيع عن الأعمش عن شقيق عن أبي المقدام عن أبي يحيى قال:- سئل حذيفة عن المنافق قال: (الذي يعرف الإسلام ولا يعمل به)(5).(/1)
فإن قيل هل المنافقون كفار؟ قلنا:- نعم. فإن قيل لِمَ لم يقتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: لأنهم خدعوا المؤمنين ولم تقم عليهم حجة شرعية بالقتل. فإن قيل ما الدليل؟ قلنا:- إقرأ هذا المبحث:-
كفر المنافق(6)
يشهد لهذا آيات عظيمة في كتاب الله تعالى نأتي على بعضها:-
(2) مجموع الفتاوى7/524.
(3) الحديث عن المعنى اللفظي للنفاق موجود في أغلب المراجع التي تحدثت عن النفاق وفي كل معجم، ولا ضرورة هنا لذكره… وقال ابن تيمية: وكما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الإستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم. (مجموع الفتاوى7/286).
(4) انظر شرح السنة للبربهاري فقرة44.
(5) ح رقم806 وقال محققه الدكتور/ محمد سعيد القحطاني: أبو يحيى لم أجد له ترجمة.
قلت: هو حبيب بن أبي ثابت، وهو كوفي تابعي ثقة، وسند الحديث صحيح.
(6) هذا الأمر معلوم بيّن وإنما ذكرته لأننا في زمن العجائب ولن نعدم وجود قوم ينفون ذلك، كما وجدنا ما ينفي كفر اليهود والنصارى وسمي كفرهم كفراً أصغراً فالعجائب لاتنقضي، وقد ذكر ابن تيمية (مجموع الفتاوى7/216) أن بعض المصنفين في الملل والنحل نسب للكرامية (نسبة لمحمد بن كرام السجستاني) القول إن المنافقين من أهل الجنة، قال: هو غلط عليهم وإنما نازعوا في الإسم لا في الحكم.
قال الله تبارك وتعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون* اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون* ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)[المنافقون1–3].
فهذا نوع من النفاقق آمنوا ثم كفروا ثم استقر النفاق في قلوبهم، وختم عليها وهو فيه.
قال تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا* بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما*...الى قوله تعالى... إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا* إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم فألئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً)[النساء137–146].
فهذه الآيات فيها بيان حال جماعة من المنافقين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً.
ثم حكمهم أنهم في الدرك الأسفل من النار، والنار دركات، كما الجنة درجات، ومعلوم أن من كان هذا حاله فهو من عتاة الكفار كما قال تعالى: (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون).
ثم بين سبحانه أنهم لايدخلون زمر المؤمنين حتى يتوبوا ويصلحوا ما أفسدوا، ويلتزموا حكم الله تعالى، ويحسنوا ما في بواطنهم لليوافقوا ظاهرهم… قال تعالى: (ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون* أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون* اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين* لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون* استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)[المجادلة14 –19].
قوله: (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لا تقال إلا للكفار.
وقال تعالى: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم)[التوبة 68].
فقد جمع الله المنافقين والكفار في مستقر واحد وهو جهنم فدل على اتحاد أمرهم في الحكم عند الله تعالى. وقبلها قال الله تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون)[التوبة67].
وقوله تعالى: (إن المنافقين هم الفاسقون) يشبه قوله سبحانه: (والكافرون هم الظالمون). والله أعلم.
واستقصاء هذا يطول، وهذا يكفي لمن أسلم قلبه لله تعالى…
ولكن قد يعترض أحدهم بقوله: إن الله جعل المنافقين من المسلمين بقوله: (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا* أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد، أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا) فهؤلاء من المنافقين لم يؤمنوا ومع ذلك قال الله عنهم (منكم).
فيقال له:- إن هذه لا تنافي قوله سبحانه وتعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون)[التوبة56].(/2)
فإن المنافقين من المسلمين –بل من أصحابه صلى الله عليه وسلم- في الظاهر وليسوا في الباطن إلا مباينين للمؤمنين، فهم في الظاهر منهم وفي الباطن (هم العدو فاحذرهم).
"وجماع الأمر أن الإسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به"(7).
(7)مجموع الفتاوى7/ 418.
هل بقى حكم النفاق؟
منافق الأمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق في ما بعده من الأزمان، وأن ثبوت النفاق على أحد من المسلمين إنما يتم بثبوت حكم الردة عليه، والمنافق إنما يعامل معاملة المسلمين لأننا لا نعلم باطنه، ولكن لو قامت بينة على كفر باطنه فلا قيمة لما يحاول إظهاره من العمل الصالح، قال ابن تيمية: الظاهر إنما يكون دليلاً صحيحاً معتمداً إذا لم يثبت في الباطن بخلافه، فإذا قام دليل في الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن بخلافه(8).
ومن هنا فقد قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الزندقة من بعده(9).
وقال صاحب المغني: والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر وكان يسمى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منافقاً(10).
ومن فرّق بين الزنديق والمنافق(11) فإنما هو تفريق لا يضر هذه المسألة، إذ المنافق هو من لا تُعلم حقيقته الباطنة بشيء من ظاهره، فإن ظهرت بالحجة الشرعية فإنما هو زنديق عليه حكمه.
ومن سأل عن التفريق بين المرتد والزنديق فهو أمر يسير، إذ المرتد يعلن ردته وهذا تقبل منه توبته ويستتاب عند جماهير العلماء، وأما الزنديق فهو يُسرّ نفاقه وكفره، ولا تقبل توبته ولا يستتاب كما سيأتي.
ومما يدل على التفريق بينهما ما فعله علي رضي الله عنه:
فمن طريق هُشيم عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الخولاني قال: أُتي علي رضي الله عنه بأناس من الزنادقة ارتدوا عن الإسلام فسألهم، فجحدوا، فقامت عليهم البينة العدول، قال فقتلهم ولم يستتبهم، وقال: وأُتي برجل كان نصرانياً وأسلم، ثم رجع عن الإسلام، قال: فسأله فأقر بما كان منه، فاستتابه، فتركه، فقيل له: كيف تستتيب هذا ولم تستتيب أولئك؟ قال: إن هذا أقر بما كان منه وإن أولئك لم يقروا وجحدوا حتى قامت عليهم البينة فلذلك لم أستتبهم. رواه الدارمي في كتاب "الرد على الجهمية" وسنده صحيح، ورواه أحمد في أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض من كتاب الجامع (ح/1339) من طريق هُشيم عنه به(12).
فهذا من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بيان أن كل زنديق كتم زندقته وجحدها حتى قامت عليه البينة قتل ولم يستتب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل من جحد زندقته من المنافقين لعدم قيام البينة(13).
ولهذا قال أحمد في الرجل يشهد عليه بالبدعة فيجحد؛ ليست له توبة، إنما التوبة لمن اعترف فأما من جحدها فلا توبة له(14).
(8) الصارم المسلول3/648.
(9) الإبانة عن أصول الديانة للعكبري ح/944.
(10) المغني مع الشرح الكبير7/172.
(11) يقال الغزالي:- وأن المنافقون يظهر قفرهم بالمخايل لا بالتصريح ولا يجوز بناء الأمر على المخايل، وأما الزنديق فقد جاهر بالإلحاد ثم حاول ستره وذلك من صلب دينه (شفاء الغليل في مسائل التعليل)… ومال الغزالي –وهو من الشافعية– إلى عدم قبول توبته، انظر "المستصفى"1/141، "والتفرقة بين الإسلام والزندقة".
(12) قال محقق "الرد على الجهمية" الأستاذ بدر البدر: إسناده ضعيف فيه هُشيم وهو مدلس.
قلت: صرح هُشيم بالتحديث عن أحمد في المرجع السابق، والتضعيف بهذه الطريقة هو طريقة ظاهرية المتأخرين، انظر "الفروسية" لابن القيم رحمه الله تعالى في نقد هذه الطريقة.
(13) الصارم المسلول3/686.
(14) السابق.
لكن لو اعترف بالزندقة قبل القدرة عليه قبلت منه التوبة:-
قال القاضي أبو يعلى وغيره:- وإذا اعترف بالزندقة ثم تاب قبلت توبته، لأنه باعترافه يخرج عن حد الزندقة، لأن الزنديق هو الذي يستبطن الكفر وينكره ولا يظهره، فإذا اعترف به ثم تاب خرج عن حده فلهذا قبلنا توبته(15).
قال ابن القاسم: إذا أخفى الرجل ديناً فأتى تائباً منه قبلت منه توبته ولم يقتل، قال: وإن أخذ على دين أخفاه مثل الزندقة أو اليهودية أو النصرانية وكان ديناً يخفيه قتل ولم يستتب لأن توبته لا تعرف، وإن أنكر ما شوهد عليه به لم يقبل إنكاره وقبل ولم يستتب، وإن إدعى التوبة أيضاً لم تقبل توبته أيضاً.
قال ابن رشد الجد: هذا أمر متفق عليه في المذهب(16).
إذا علمت هذا تبين لك معنى قول حذيفة رضي الله عنه: إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان(17).
قال ابن حجر: والذي يظهر لي أن حذيفة لم يرد نفي الوقوع إنما أراد نفي اتفاق الحكم(18).
وقول ابن حجر رحمه الله: "إنما أراد اتفاق الحكم" لاختلاف الحال وقوله فيما تقدم التفريق بين المنافقين الذين كانوا يسرون نفاقهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من أظهر نفاقه وأعلنه.(/3)
قال ابن التين رحمه الله: كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وأما من جاء بعدهم فإنه ولد في الإسلام وعلى فطرته فمن كفر منهم فهو مرتد ولذلك اختلفت أحكام المنافقين والمرتدين(19).
ويشهد لقول ابن التين رحمه الله قول أحمد رحمه الله: الزنادقة حكمهم القتل، ليست لهم توبة، لأنهم ولدوا على الفطرة ونزعوا إلى خلافه(20).
وقد يعترض على ما قلنا بما قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى، يقول: فإن كثيراً من المتأخرين ما بقي في المظهرين للإسلام عندهم إلا عدل أو فاسق، وأعرضوا عن حكم المنافقين، والمنافقون مازالوا ولا يزالون إلى يوم القيامة والنفاق شعب كثيرة(21).
وقبل الجواب على هذا الإعتراض نسوق قاعدة سبكت من شذرات البلاتين في طريقة التعامل مع كلام الفقهاء والعلماء… يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه أصولهم يجر إلى مذاهب قبيحة(22).
وحتى يفهم كلام شيخ الإسلام فإننا لابد أن نفهمه في سياقه، وقبل كل ذلك فإننا لا ننفي في بحثنا هذا وجود النفاق الأكبر، ولا ننفي حكمهم على الحالة التي وجدت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الصورة أن يقع في قلب المسلم أن فلاناً منافق، وأن في قلبه بغض لله ورسوله وشريعته، ومعاداة المؤمنين ومحبة الكافرين، وهذا الذي يقع في قلب الناظر سببه ما يراه من أفعال وأقوال تشير لهذا وتدل عليه، وهي من لحن القول، وهي مما يعتقد بها البعض أنها كافية عنده وهو للحكم بنفاق المرء، ويخالفه آخر، ولحن القول يحتمل، وهذا يعامل معاملة المسلمين في الأحكام
(15) السابق3/687.
(16) البيان والتحصيل16/391.
(17) البخاري13/69 مع الفتح.
(18) السابق13/74.
(19) السابق.
(20) أحكام أهل الملل والنحل فقرة1331.
(21) مجموع الفتاوى7/212.
(22) الصارم المسلول2/512، وليت الذين ينتسبون للسلفية ويجرحون الناس ببعض كلامهم يراعون هذه القاعدة فيضموا الكلام بعضه إلى بعض قبل الحكم عليهم.
بحيث تؤكل ذبيحته ويرث ويورث… قال ابن تيمية: وقد تنازع الفقهاء في المنافق الزنديق الذي يكتم زندقته هل يرث ويورث، وإن علم في الباطن أنه منافق كما كان الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (أي يعلمون نفاقه) لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو مستترة(23) علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهره من موالاة المسلمين.
وابن تيمية في كلامه السابق إنما يعني هذا النوع من النفاق، وكلامه التالي إنما ساقه قبل عبارته تلك – فإن كثيراً… - والنفاق شعب كثيرة، فدل على أنها مراده.
ومما يوجب حملها على هذا المعنى أنه قال بعدها: ولهذا لما كشفهم الله في سورة براءة بقوله: (منهم) (ومنهم) صار يعرف نفاق ناس منهم لم يكن يعرف نفاقهم قبل ذلك، فإن الله وصفهم بصفات علمها الناس منهم، وما كان الناس يجزمون بأنها مستلزمة لنفاقهم، وإن كان بعضهم يظن ذلك وبعضهم يعلمه، فلم يكن نفاقهم معلوم عند الجماعة، بخلاف حالهم لما نزل القرآن، ولهذا لما نزلت سورة براءة كتموا النفاق، وما بقي يمكنهم من إظهاره أحياناً ما كان يمكنهم قبل ذلك، وأنزل الله: (لئن لم ينته المنافقون…) فلما توعدهم بالقتل إذا أظهروا نفاقهم كتموه(24).
وبهذا يظهر لنا مراد الشيخ وأنه يقصد بالنفاق الذي بقي حكمه هو ما لم يظهره الرجل، أو ظهر منه بما لا يمكن إقامة الحجة عليه من لحن القول، أو عن طريق واحد من العدول فيطمئن الناس إلى قول العدل ولكن لا تصل إلى درجة إقامة الحد عليه، فهذا هو النفاق الذي يتعامل الناس معه كما تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع منافقي زمانه، وأما من أظهر وملك الناس الحجة عليه فحكمه القتل كما قال الله تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً* ملعونين أينما ثقفوا أُخذوا وقتلوا تقتيلاً)[الأحزاب60 –61].
إذا فهمنا هذا وتبين لنا مراد شيخ الإسلام جزمنا بخطأ بتسمية من أتى بالمكفرات الظاهرة وأقيمت الحجة الشرعية عليه أنه منافق يعامل بها عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم منافقي زمانه، بل هو كافر مرتد، فإن كان يسرها ويخفيها ثم أظهرها الله تعالى منه فإنه زنديق وهو أشد وأقبح.
مسألة:
وردت ألفاظ عديدة عن أئمة السلف منها الخوف من النفاق وفيها الوصف كذلك لانتشار النفاق في زمانهم، ومنها:
1- قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم من أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل[رواه البخاري تعليقاٌ].(/4)
وابن أبي مليكة أدرك عائشة وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبا هريرة وعقبة بن الحارث والمسور بن مخرمة، رضي الله عنهم جميعاً.
2- عن الجعد أبي عثمان قال: قلت لأبي رجاء العطاردي: هل أدركت ممن أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ وكان قد أدرك عمر رضي الله عنه، قال: نعم، إني أدركت بحمد الله منهم صدراً حسناً، نعم شديداً، نعم شديداً(25).
وأبو رجاء أدرك غير عمر علياً وعمران بن الحصين وعبد الله بن عباس وسمرة بن جندب وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهم جميعاً.
(23) في المطبوع: منتشرة، وأظن أن الصواب هو ما ذكرته.
(24) مجموع الفتاوى7/214 –215.
(25) رواه الفريابي في صفة المنافق ح/81 ، قال محققه الأستاذ بدر البدر: اسناده حسن، وهو كذلك، وانظر فتح الباري لابن رجب الحنبلي1/194
3- قال الحسن البصري رحمه الله: لولا المنافقون لاستوحشتم من الطرقات(26).
4- قال مالك بن دينار: أقسمت لو نبت للمنافقين أذناب ما وجد المؤمنون أرضاًيمشون عليها(27).
5- قال عبد الله بن عمرو بن العاص: يأتي زمان على الناس يجتمعون في مساجدهم ليس فيهم مؤمن(28).
6- قال الحسن البصري: ما خاف(أي النفاق) إلا بمؤمن وما أمنه إلا منافق(29).
فهذه يجب حملها على النفاق الأصغر، والذي هو يجانب الإيمان في بعضه ولا يخالفه في أصله، فلا يفرح بها أولئك الذين يكفرون الناس بالعموم، أو يرون أن أهل القبلة قد كفروا فيرتبوا المسألة على طريقة أهل البدع ويقولوا: "هذا الزمان الذي قاله الأئمة، وهو زمن انتشار النفاق والزندقة، فأهل المساجد زنادقة"، وهذا القول ضلال وبدعي، ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وهذا النفاق الذي كان يخافه السلف على نفوسهم(أي النفاق الأصغر)(30).
ويشهد لهذا ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان (ح/71) قال حدثنا حماد بن معقل عن غالب عن بكر قال: لو سئلت عن أفضل أهل المسجد فقالوا: تشهد أنه مؤمن مستكمل الإيمان بريء من النفاق؟ لم أشهد، ولو شهدت لشهدت أنه في الجنة، ولو سئلت عن شر أو أخبث –الشك من أبي العلاء– رجل، فقالوا: تشهد أنه منافق مستكمل النفاق بريء من الإيمان؟ لم أشهد، ولو شهدت لشهدت أنه في النار.
فالحمد لله رب العالمين.
ومعنا مسألة:
فقد روى الفريابي في صفة المنافق أن سفيان الثوري قال: خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث:
• نقول: الإيمان قول وعمل، وهم يقولون: الإيمان قولاً بلا عمل.
• نقول: الإيمان يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص.
• نقول: النفاق، وهم يقولون: لا نفاق(31).
فهذا القول منه ليس رداً على قول حذيفة رضي الله عنه –وليس له ذلك– ولكن قول سفيان الثوري رحمه الله هو رد على المرجئة الذين لا يرون اختلاط الإيمان والنفاق في قلب رجل (أي النفاق الأصغر)، فإنهم لقولهم الإيمان هو القول فقط أدى بهم إلى القول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ولازم قولهم هذا (وقد التزموه) أنه لا يجتمع إيمان ومعصية في قلب العبد، وكذلك لا يجتمع إيمان ونفاق، فهذا هو قول سفيان رحمه الله تعالى في الرد عليهم.
ويشهد لهذا المعنى الذي قاله سفيان رحمه الله قول حذيفة رضي الله عنه في إثبات إجتماع النفاق في قلب الرجل مع وجود الإيمان:-
القلوب أربعة، قلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب أغلف(32) فذالك قلب الكافر، وقلب أجرد كأنما فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وإيمان، فمثله كمثل قرحة يمدها قيح ودم ومثله كمثل شجرة يسقيها ماء خبيث وطيب، فأيهما غلب عليها غلب.
(26) الإبانة ح/933.
(27) السابق ح/937.
(28) صفة المنافق للفاريابي ح/108.
(29) البخاري تعليقاً1/109 مع الفتح .
(30) مجموع الفتاوى7/428.
(31) صفة المنافق ح/93.
(32) ضبطه الألباني في الإيمان لابن أبي شيبة ح/45، ومحقق الإبانة ح/929، بالقاف أي أغلق، ومعناه أي عليه غشاء عن قبول الحق وسماعه، وهو عند عبد الله بن أحمد في السنة(ح820) أغلف وهو نفس المعنى، وفي المسند(3/ 17) أغلف مربوط على غلافه، ولكنه في المسند مرفوع، وسنده ضعيف فيه الليث بن أبي سليم وهو مضعف، والصحيح وقفه.
وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: من كانت فيه خصلة منهم كانت فيه شعبة من النفاق حتى يدعها.[متفق عليه]. وبهذا يتبين أن حذيفة رضي الله عنه لم ينف الوقوع وهو الذي نفاه المرجئة.
أنواع النفاق
النفاق كحقيقة في القلب يقسم إلى قسمين كما ذكر الله تعالى في كتابه، ففي سورة البقرة وفي ذكرها للجمل الخبرية ضرب الله للمنافقين مثلين هما:-
المثل الأول:-
(مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، صم بكم عمي فهم لا يرجعون)[البقرة17–18].(/5)
هذا النوع الأول من النفاق هو من استقر قلبه على الكفر، وثبت عليه، لقوله سبحانه وتعالى: (ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)، ولقوله سبحانه: (فهم لا يرجعون) أي إلى ما حصل معهم من إيمان ونور أول الأمر.
قال ابن كثير –رحمه الله– (33): وتقرير هذا المثل أن الله سبحانه وتعالى شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد التبصرة إلى العمى، بمن استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها عن يمينه وشماله، وتأنس بها فبينما هو كذلك إذ طفئت نوره، وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي، وهو مع ذلك أصم لا يسمع، أبكم لا ينطق، أعمى لو كان ضياء لما أبصر، فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك(34).
وهذا النوع آمن وعرف الحق ثم كفر، وهناك نوع يدخل في هذا النوع من جهة استقرار صاحبه على الكفر وهو داخل في قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين) [البقرة8] ولكنه نوع يدخل فيه من لم يؤمن قط ولم يهتد قلبه بنور الوحي، بخلاف الأول فإنه مثل في من عرف الحق ثم كفر.
وهذا الصنف فيه آيات منها:-
قال تعالى: (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين)[آل عمران86].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعدما تلبسوا به من العماية(35).
وهذا الصنف يتنزل فيه كذلك قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون* اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون* ذلك بأنهم أمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)[المنافقون1– 3].
فهؤلاء آمنوا ثم كفروا واستقر الكفر في قلوبهم.
(33) ابن كثير6/483.
(34) لأهل التفسير أقوال أخرى غير هذا الذي نقلناه، بعضها ضعيف كمن حمل النور على معنى منفعته الحاصلة في الدنيا، والظلمة على جزائه في الآخرة، وبعضها من مقتضيات هذا الذي قدمناه، ثم اختار ابن جرير أن هذا النوع في المثل القرآني لم يؤمن في وقت من الأوقات وهو خطأ منه رحمه الله تعالى مع جلالته، وفسر ابن جرير المثل بالمعنى الضعيف الذي ذكرناه في الهامش، وهو كذلك جعل المثلين لصنف واحد من المنافقين وهو غلط كذلك. (انظر مجموع الفتاوى7/272 وابن كثير1/17 – 18).
(35) تفسير القرآن العظيم2/71.
المثل الثاني:-
(أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين* يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير)[البقرة19–20].
وهذا المثل يدل على وجود نوع من أنواع النفاق القلبي، وهو النوع الذي لا يستقر على الهداية، بل هو حال المنافق المضطرب المتغير، تتبدل حاله على وفق حصول الشهوة أو وفق غلبة الشبهة، وهذا النوع يغلب على:-
1- أهل الأهواء من أهل البدع والضلالات وعلى الخصوص أفراخ الفلاسفة والمتكلمين والنظار وأغلب مناهج الغير من المبتدعة من قدماء ومحدثين، ومثلهم أصحاب المعاصي الذين يستكثرون منها.
2- المقلدة والعوام من بهائم البشر الذين يقلدون في إيمانهم الرجال.
فالصنف الأول: لكثرة تعاطيهم الكلام الفاسد، وقيام نظرهم على الشك، واعتمادهم قواعد العقل اليوناني أو الفلسفي أو الإشراقي، ثم بعدهم عن طريقة القرآن وهداية السنة في الوصول إلى الحقائق والعلوم، فيكثر فيهم الشك والإضطراب، وتعتريهم العوارض الموهومة القادحة في صحة التوحيد والإيمان، فتهتز ثقتهم في العلوم النبوية، وتزداد حيرتهم حتى يصل الأمر بهم في بعض الأحيان إلى اتهام الشريعة والحكم عليها بالغلط والفساد…
وأمثلة هؤلاء من الشكاك كثيرة جداً، وإليك بعضها:-
العلامة المصنف فارس الكلام سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي(36).
فهذا رجل من كبار النظار، قرأ الفلسفة والمنطق، قال سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان": لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين (أصول الدين وأصول الفقه) وعلم الكلام!!!، وكان يظهر منه رقة قلب وسرعة دمعة، أقام بحماة، ثم بدمشق، ومن عجيب ما يحكى عنه أنه ماتت له قطة بحماة، فدفنها فلما سكن دمشق بعث من نقل عظامها في كيس ودفنها بقاسيون(37).
قال الذهبي: وكان القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه ابن أبي عمر، قال: كنا نتردد
لى السيف (الآمدي) فشككنا هل يصلي أم لا؟ فنام فعلمنا على رجله بالحبر فبقيت العلامة يومين مكانها،
فعلمنا أنه ما تؤضأ، نسأل الله السلامة في الدين(38).
ثم قال الذهبي: قال لي شيخنا ابن تيمية: يغلب على الآمدي الحيرة والوقف(39).(/6)
ولذلك قال عنه قبل: وتفنن في حكمة الأوائل فرق دينه وأظلم، وكان يتوقد ذكاء.
فهذا رجل أصولي بحر، له مؤلف فيه، وفقيه (واسع) له في بابه مشاركات، ولكن كان له قلب يظلم مرة بالشبهة فيتحير، ويقف به حاله فيتعثر، فيؤدي به أمره إلى ترك الصلوات، (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا)، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.
أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري الرازي الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب.
قالوا في علومه: فاق أهل زمانه في علوم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في الفنون العديدة منها تفسير القرآن الكريم… وفي الأصول: المحصول، وله شرح الإشارات
(36) هكذا ورد اسمه ولقبه في السير22/364.
(37) مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي8/691.
(38)السير22/366.
(39) السابق.
لابن سينا، وشرح عيون الحكمة، وفي الطلمسات: السر المكتوم، وفي الفقه: شرح الوجيز للغزالي… وله في الوعظ اليد البيضاء، وكان يعظ باللسانين العربي والفارسي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء(40).
قال في كتابه "أقسام اللذات"(41):
نهاية إقدام العقول عِقالُ *** وأكثر سعي العالمين ضلالُ
وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وغاية دنيانا أذى ووبالُ
لم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقوله شك وحيرة أوصلته إلى بعض الأحوال الباطلة، فألف في ما يقدح بدينه وعقيدته مثل ما تقدم من كتب الطلمسات والسحر.
قال الذهبي: وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر(42).
وقال في الميزان: له تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة(43).
أما قول الذهبي "فإنه توفي على طريقة حميدة" فإنه ظاهر في وصيته التي أوصى بها تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني لما حضرته الوفاة وهي عند التاج السبكي(44).
وهذا النوع من النفاق لا يستقر على حال، تأتيه أنوار الإيمان فيرتقي بها، ويخرج من شبهته، فإذا حصلت له الظلمة وانطفأت عنه معالم الهدى وأنوار الإيمان انتكس ووقف، فحيناً تخرج منه علوم الشريعة وأنوار الهدى، فيكتب ويصنف في الدين وعلومه، ويتكلم عن الإيمان وحقائقه وواجباته، وبينما هو كذلك إذ تراه بعد مدة يكتب في الظلمات: السحر والطلاسم ونفي الحقائق، ويعرض عن الطاعات، فهو حائر متردد، والله أعلم على أي حال يأتيه الموت، وقد تقدم لك حال الفخر الرازي عند موته…
فإن سألت عن حكم هذا الصنف فكل أمرهم إلى الله إلى أن تقوم قرينة قوية تغلب لديك أحد الأمرين، ولكن الحكم على الكتب ظاهر بيّن فمنها كتب إيمانية تقرأ ويستفاد منها، وأخرى شيطانية ترد ويحذر منها.
وهؤلاء وجودهم في كل زمان، إذ أن هذا النفاق (الشك والحيرة) قد يعتري قضايا العقائد والأمور الخبرية، مثل الإيمان بالجن أو اليوم الآخر الجامع للناس، أو أي خبر من أخبار الكتاب والسنة، أو يصيب المسائل الطلبية والتي لها تعلق بالأمر والنهي، ومثله ما ذكره عن المعري في تحريم ذبح الحيوان، أو مثل محمد بن هارون الوراق أبي عيسى، قال ابن القيم في طريق الهجرتين: ولما انتهى أبو عيسى الوراق إلى حيث انتهت إليه أرباب المقالات فطاش عقله ولم يتسع لحكمة إيلام الحيوان وذبحه صنف كتاباً سماه "النوح على البهائم" فأقام عليها المآتم وناح، وباح بالزندقة الصراح، وممن كان على هذا المذهب كان أعمى البصر والبصيرة كلب معرة النعمان المكنى بأبي العلاء المعري، فإنه امتنع من أكل الحيوان، (زعم) لظلمه بالإيلام والذبح(45).
(40) وفيات الأعيان لابن خلكان4/250 وما بعدها.
(41) قال الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله نعالى في هامش "درء تعارض العقل والنقل"1/160؛ وهذا الكتاب مخطوط في الهند ولم يذكره بروكلمان ضمن مؤلفات الرازي.
(42) السير21/550.
( 43) لسان الميزان4/426.
(44) لسان الميزان4/426.
(45) طريق الهجرتين لابن القيم بتحقيقي ص251.
ومثلها الإعتراض على حكمة الله في قدره وخلقه وما يعتري النفوس عند نزول المصيبة.
واما أمثلة المسائل الخبرية فأكثر من أن تحصى وتعد، وفيه اصطرعت الفرق والنحل في تاريخ أهل الإسلام، والله الهادي لدينه وشريعته.
ويدخل في هذا النوع ومثله أصحاب المعاصي: قال ابن رجب في فتح الباري: الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة يخشى منها أن يعاقب صاحبها من سلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص وإلى سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك، كما يقال: إن المعاصي بريد الكفر(46).
ويدخل في هذا النوع أيضاً المقلدة والجهال(47)، وهؤلاء تعتريهم الشهوات فتأخذهم إلى أقوال ضالة كافرة، وكذلك تشغلهم عن الذكر والطاعات فتقسو قلوبهم وتصل بهم إلى الإعراض عن دين الله تعالى، أو يمتحنوا بتعظيم متبوع فيضلهم إلى الإعتقادات الكفرية الباطلة، أو يفتنهم بأعمال هي الكفر بعينه.(/7)
فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة، لا تدري أيهما تتبع" وفي رواية: "تكر في هذه مرة وفي هذه مرة" [تفرد به مسلم17/128 بشرح النووي].
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره أثرا من قول ابن مسعود رضي الله عنه سنده على شرط مسلم قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد فدفع أحدهم فعبره، ثم وقع الآخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي: ويلك أين تذهب؟ إلى الهلكة؟ ارجع عودك على بدئك، وناداه الذي عبر هلم إلى النجاة، فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة، قال: فجاء سيل فأغرقه، فالذي عبر مؤمن والذي غرق منافق( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)، والذي مكث كافر(48).
وفيهم تتنزل هذه الآية: (مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) [النساء143]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشك فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا)(49).
وفيهم كذلك يتنزل قوله سبحانه وتعالى: (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) [آل عمران167]… قال ابن كثير رحمه الله تعالى: استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان(50).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فقد كان قبل ذلك فيهم نفاق مغلوب، فلما كان يوم أحد غلب نفاقهم فصاروا إلى الكفر أقرب(51).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) فتح الباري لابن رجب1/197.
(47) انظر مدارج السالكين لابن القيم1/351.
(48) تفسير ابن كثير2/440.
(49) السابق2/439.
(50) السابق2/160.
(51) مجموع الفتاوى7/304.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن هؤلاء بنص الآية لم يكفروا لكنهم لم يبعدوا عن الكفر، فإذا فتنوا بالشهوات أو الشبهات فسقطوا، كفروا، وإلا نجوا وابتعدوا من قربهم من الكفر… قال تعالى: (ومن الناس من يقولوا آمنا بالله، فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله، ولئن جاء نصر من ربك ليقولون إنا كنا معكم، أوليس بأعلم بما في صدور العالمين* وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين)[العنكبوت10– 11].
إذا فهمت هذا تمام الفهم وعلمت هذا النوع من النفاق فإنه يكشف لك خطأ الإستقرار على حكم لهؤلاء المنافقين الداخلين في هذا النوع لأنهم "كشاة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة، ولا تستقر مع إحدى الطائفتين، فهم واقفون بين الجمعين"(52).
وتذكر جيداً أننا نتحدث هنا عن حقيقة النفاق، ومعناه أن تقلب هؤلاء القوم تقلب حقيقي لا مصطنع، وأن اضطرابهم وحيرتهم حقيقة لا تقية(53).
ونهاية الأمر كما قاله الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: المنافقون هم قسمان: خلّص وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون، تارة يظهر لهم لَمع من الإيمان وتارة يخبو، وهم أصحاب المثل المائي، وهم أخف حالاً من الذين قبلهم(54).
وقول الإمام: وهم أخف حالاً من الذين قبلهم، هذا من جهة النفاق وحقيقته، وأما من جهة ثماره على المجتمع المسلم والجماعة المسلمة فقد يكون حالهم أشد وأكثر إيذاء لترددهم، والله أعلم.
تنبيه:
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: قد يكون المنافق(…) تارة متصفا ًبهذا الوصف وتارة متصفاً بهذا الوصف فيكون التقسيم في المثلين لتنوع الأشخاص ولتنوع أحوالهم(55).
هل أظهر المنافقون نفاقهم؟
قال الله تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا* ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا* سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)[الأحزاب60- 62].
في هذه الآيات تحذير من الله تعالى للمنافقين بالكف عن إظهار نفاقهم، وهو دليل على أن المنافقين قبل كانوا يظهرون نفاقهم، ثم بعد هذا التحذير كفوا عن الإظهار خوفاً من السيف (أخذوا وقتلوا تقتيلا) وهذا هو الإغراء الذي قاله الله تعالى في الآية الأولى، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما(56).
وقد كان المنافقون يظهرون نفاقهم قبل لأمرين:
الأول: لعفو المسلمين عنهم، فإن المسلمين قبل فتح مكة كانوا يتألفون الناس ويعفون عنهم طمعاً في إسلامهم.(/8)
الثاني: هو أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المشركين والمنافقين، قال تعالى: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) [الأحزاب49].
فهذا هو الأمر الأول الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع المنافقين، ثم جاء
(52) مدارج السالكين1/351.
(53) انظر مجموع الفتاوى7/272 . وفيه الرد على من قال إن إيمان هؤلاء ليس حقيقياً.
(54) التفسير1/192، وانظر بتفصيل رائع مجموع الفتاوى7/274 وما بعدها.
(55) مجموع الفتاوى7/278.
(56)التفسير6/483.
التحذير المتقدم وقوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين)(57)، فمن أظهر نفاقه بعد هذه الآيات فإنه يؤخذ به، ولا يصح –بل هو من الضلال– القول: إن المسلمين كانوا يعلمون أعيان المنافقين بالحجج التي تثبت بها البينة على أمثالهم ثم لا يعاقبونهم، بل قولهم هذا طعن في الصحابة رضي الله عنهم وهو قبل ذلك طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال القرافي: إنعقاد الإجتماع اليوم على أن من علم نفاقه لا يقر، فنقول: عندنا وعندهم يستتاب، وإنما فعله عليه السلام لئلا يتحدث الناس أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولو ثبت ذلك قتلهم لقيام الحجة له عليه السلام، كما كان يقتلهم في الزنا وغيره لقيام البينة، وعلمه هو وحده ويقر مع علمه، فخاص عندنا وعندكم(58).
فتأمل بارك الله فيك قوله: "ولو ثبت ذلك قتلهم لقيام الحجة له عليه السلام، كما كان يقتلهم في الزنا وغيره لقيام البينة" فإنه يدل على أنهم لم يكونوا يظهرون نفاقهم إظهاراً تقوم به الحجة للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة رضي الله عنهم وللناس أنهم منافقون يستحقون القتل.
وقد سأل ابن تيمية هذا السؤال، وهو: كيف يمكن مجاهدة المنافق مع إجراء أحكام الإسلام عليه في الظاهر؟، فأجاب رحمه الله: فإذا أظهر المنافق من ترك الواجبات، وفعل المحرمات ما يستحق عليه العقوبة عوقب على الظاهر، ولا يعاقب على ما يعلم من باطنه بلا حجة ظاهرة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من المنافقين من عرفه الله بهم وكانوا يحلفون له وهم كاذبون وكان يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله(59).
فقوله: "بلا حجة ظاهرة" دليل على إنه ما من منافق أظهر نفاقه ظهوراً بيناً بعد أن أمر الله بقتلهم وجهادهم، وقد فصل ابن حزم رحمه الله في المحلى هذه المسألة تفصيلاً جميلاً جليلاً فارجع إليه.
وقال ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول: فحاصله أن الحد لم يقم على واحد بعينه لعدم ظهوره بالحجة الشرعية التي يعلمه بها الخاص والعام أولعدم إمكان إقامته(60).
وهو عين قول ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلى: ومن الباطل البحت أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن فلاناً بعينه منافق متصل النفاق ثم لا يجاهده فيعصي ربه تعالى ويخالف أمره، ومن إعتقد هذا فهو كافر لأنه نسب الإستهانة بأمر الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم(61).
ولكن ابن حزم (الإمام الجهبذ) فاته التوفيق في هذا الباب في قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أعيان بعض المنافقين عن طريق الوحي، وذلك لقوله بأن للإمام أن يقيم الحدود بعلمه هو إذا علمه بأي طريق حدث، وهذا خلاف الحق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود بالبينات التي نصبها الله تعالى للأحكام الشرعية، وهي الحجج التي علمها الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وعلمها للناس، ولو تأملت كلام القرافي وكلام ابن تيمية السابق لرأيت أن الحديث يدور على الحجة الشرعية التي تقام بها الأحكام وليس على أمر آخر.
قال ابن حزم رحمه الله: المنافقون قسمان: قسم لم يعرفهم قط عليه السلام، وقسم آخر افتضحوا فعرفهم فلاذوا بالتوبة ولم يعرفهم عليه السلام أنهم كاذبون أو صادقون في توبتهم(62).
(57) لبعض أهل العلم رحمهم الله قول في التفريق بين جهاد الكفار المحاربين وبين جهاد المنافقين، إذ يرون أن جهاد الكفار بالسيف والسنان، وجهاد المنافقين بالحجة والبيان، هكذا بإطلاق، وهواطلاق للتفريق لا يصح فكلاهما يجاهد بالحجة والبيان والسيف والسنان إذا أظهر المنافق نفاقه ولم ينته عنه، ويصح هذا التفريق للمنافق (أي يقتصر على التوبيخ والتقريع والوعظ) إذا كتمه ولم يظهره وعلمه الناس منه من لحن القول.
(58)الذخيرة للقرافي12/39.
(59) مجموع الفتاوى7/620.
(60) الصارم المسلول3/681.
(61)المحلى11/218.
(62) السابق.
فهذا قوله رحمه الله تعالى، وهو متلائم مع قوله المتقدم(63).
وللتوسع قليلاً نأتي على هذه المسألة:-
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أعيان المنافقين وكيف؟
مما لاشك فيه أن المنافقين في هذا الباب على أقسام:
القسم الأول من لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه:(/9)
لقوله تعالى: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)[التوبة101].
وقوله سبحانه: مردوا: أي مرنوا واستمروا عليه.
وهذا القسم لا يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن قد يعترض عليه بأن الله أعلمه إياهم بعد ذلك لما رواه الطبري في تفسيره أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: اخرج يا فلان فإنك منافق، واخرج يا فلان فإنك منافق فأخرج من المسجد ناسا منهم فضحهم، فجاء عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد الجمعة وظن أن الناس قد إنصرفوا، واختبؤوا هم من عمر، وظنوا أنه قد علم بأمرهم، فجاء عمر فدخل المسجد فإذا الناس لم يصلوا، فقال له رجل من المسلمين: أبشر يا عمر قد فضح الله المنافقين اليوم.
قال ابن عباس: فهذا العذاب الأول حين أخرجهم من المسجد، والعذاب الثاني عذاب القبر.
قلت: هذا الحديث لا يصح سندا ولا متناً:
- فسنده عند الطبري:(64) قال: حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أسباط عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس به(65).
والحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال أبو زرعة: كان لا يصدق، وقال أبو حاتم: لين يتكلمون فيه(66).
ثم إن رواية السدي الكبير (إسماعيل بن إبراهيم) في التفسير التي جمعها أسباط بن محمد لم يتفقوا عليها(67)، وهي وإن كانت مقبولة في التفسير لكن لا يصح الإحتجاج بها في الأحاديث المرفوعة.
(63) اتفق الفقهاء على أنه لايجوز للحاكم أن يحكم بخلاف علمه وإن شهد عنده بذلك العدول، واختلفوا في مسألة حكم الحاكم بعلمه:-
القول الأول: ليس له أن يحكم بعلمه، وهذا يروى عن شريح والشعبي وهو قول مالك واسحق بن رهاوية وأبي عبيد القاسم بن سلام ومحمد بن الحسن الشيباني وأحد قولي الشافعي وهو ظاهر المذهب وهو قول أحمد في رواية.
وقال أبو يوسف وأبو ثور وهو قول آخر للشافعي واختاره المزني من أصحابه ورواية عن أحمد أنه يجوز له ذلك.
والقول الأول هو الذي تشهد له الأدلة واستقصاء ذلك يطول على هذا المقام.
وانظر أدلة الأقوال في فتح الباري13/138.
وقول ابن حزم في وجوب قضاء القاضي بعلمه هو في المحلى مسألة رقم1796ج9/426، قال: وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه في الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود، سواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم (به) بعلمه لأن يقين الحق ثم بالإقرار ثم بالبينة.
(64) جامع البيان11/10.
(65) ورواه الطبراني في الأوسط ح796 من طريق الحسين عنه به، وقال السيوطي: رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه.
(66) لسان الميزان2/207.
(67)الإرشاد للخليلي ص98.
ثم إن الحديث روي من طريق الثوري عن السدي عن أبي مالك مرفوعا ولم يذكر فيه أسماء المنافقين(68).
هذا من جهة سنده….
أما متنه فمنكر جداً: إذ المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل من المنافقين علانيتهم، وفي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طردهم من المسجد ومن صلاة الجمعة وهذا لايعلم أبدا عنه صلى الله عليه وسلم، فكيف يطرد صلى الله عليه وسلم المصلين من أمر واجب (بأبي هو وأمي)، نعم ورد حديث آخر في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين في صلاة الجمعة ولكن ليس في إخراجهم من المسجد وهو ما رواه ابن حزم في المحلى(69): قال: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات حدثنا أحمد بن عبد البصير حدثنا القاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو محمد –وهو الزبيري– حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض عن أبيع أبيه عن ابن مسعود قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر في خطبته ما شاء الله تعالى، ثم قال: إن منكم منافقين فمن سميت فليقم، ثم قال: قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى عدّ ستة وثلاثين، ثم قال: إن منكم وإن فيكم فسلوا الله العافية، فمر عمر برجل مقنع وكان بينه وبينه معرفة، قال: ما شأنك؟ فأخبره بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر: تبا لك سائر اليوم.
ولكن ابن حزم ضعفه(70) بقوله: وأما حديث ابن مسعود فإنه لا يصح فإنا قد رويناه من طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير بن حرب حدثنا أبو نعيم عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن رجل عن أبيه عن ابن مسعود فذكر الحديث، وقال سفيان عن هذا الرجل الذي لم يسم عن أبيه: أراه عياض بن عياض، فقد أخبر أبو نعيم عن سفيان أنه مشكوك فيه.
قلت: هذا الحديث رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في المسند(71) من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري (وليس ابن مسعود)(72) وهو في المسند بالجزم من طريق وكيع حدثنا سفيان عنه به.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير(73) وهو بالجزم كذلك من طريق موسى بن مسعود وقبيصة.(/10)
قال ابن حجر: ثم أخرجه أحمد عن موسى بن مسعود عن سفيان ولم يشك وعن قبيصة عن سفيان(74).
قلت: لم أجده في المسند إلا في رواية أبي نعيم بالشك ومن رواية وكيع بالجزم ، والذي ذكره الحافظ هو في التاريخ كما تقدم.
وأما عياض بن عياض فهو أبو قيلة الكوفي، وثقه ابن حبان وتوثيقه لا يرفع جهالته(75).
ثم لو صح الحديث –وأنى له ذلك– فإن الآية تبين وجود بعض المنافقين الذين لا يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في المدينة، وبعضهم حولها، وليس كل من شهد بالإسلام كان يشهد الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقى يقيناً وجود منافقين لم يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(68) جامع البيان11/10.
(69) المحلى10/221.
(70) السابق ص224.
(71) المسند5/273.
(72) وكذلك وقع الخطأ في التاريخ الكبير للبخاري4/1/22.
(73) التاريخ الكبير4/1/22.
(74) تعجيل المنفعة ص326.
(75) الثقات لابن حبان5/267، وقال الهيثمي في المجمع: لم أجد من ترجمه.
ونحن ها هنا نرد على التفسير المنسوب لابن عباس في قوله تعالى: (سنعذبهم مرتين) وأن العذاب الأول هو تعريف النبي صلى الله عليه وسلم بهم ثم قيامه صلى الله عليه وسلم بفضحهم.
والصحيح أن العذاب الأول (الفضح) هو غير ما ذكره وإنما هو عذاب في الدنيا وهو القتل والسباء(76) وعذاب في القبر، ثم (يردون إلى عذاب عظيم) وهو عذاب الآخرة، هذا القسم الأول والله أعلم.
القسم الثاني منافقون علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعيانهم عن طريق الوحي:
وهذا القسم أنكره ابن حزم رحمه الله تعالى وأطال النفس عجيبا في رده وإنكاره بل أغلظ لمثبتيه إغلاظا شديدا لما تقدم من قوله بوجوب إقامة الحد والأحكام بمجرد علم القاضي وإن لم تكن لديه بينة الأحكام من شهود وغيرها.
وها نحن نذكر الأدلة على وجود هذا القسم والله الموفق:-
ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: عدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا موعوكا، قال: فوضعت يدي عليه فقلت: والله ما رأيت كاليوم رجلا أشد حراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأشد حرا منه يوم القيامة هذينك الرجلين الراكبين المقفيين– لرجلين حينئذ من أصحابه(77).
وما رواه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة بن سماك بن حرب عن سعيد بن جبيير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان أو بعيني شيطان، قال: فدخل رجل أزرق، فقال: يا محمد علام سببتني أو شتمتني أو نحو هذا، قال: وجعل يحلف قال فنزلت هذه الآية في المجادلة(ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) والآية الأخرى(78). وسنده صحيح.
ورواه ابن جرير(79) في تفسير سورة المجادلة من طريق شعبة عنه به، ولكن فيه خلاف اذ ورد فيه ان القائل: علام تشتمني أو تسبني هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الرجل.
قال المحدث أحمد شاكر رحمه الله، في تعليقه على المسند(80) فالظاهر أن الخطأ بهذه الزيادة (أي الواقعة في المسند) من بعض رواة المسند أو ناسخيه لأنها ثابتة أيضا في مجمع الزوائد(81).
وقال ابن كثير: ورواه ابن أبي حاتم من طريق زهير عن سماك بن حرب بأطول من هذا وفيه: فدعاه رسول الله فكلمه فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ نفر دعاهم بأسمائهم…
قال ابن كثير– اسناده جيد(82).
ورواه الحاكم في مستدركه(83).
ومن الأدلة كذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة(84) من حديث أبي الدرداء قوله عن حذيفة رضي الله عنهما: أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره؟
وهذا السر هو ما جاء مفسرا في حديث آخر رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمار قال: لكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.
(76) انظر ابن كثير4/205.
(77) النووي على مسلم17/127 –128.
(78) المسند1/24.
(79) جامع البيان28/23.
(80) المسند ح2147.
(81) مجمع الزوائد7/122، وقال الهيثمي فيه: رجاله رجال الصحيح.
(82)التفسير8/271 –272 طبعة دار الشعب.
(83) المستدرك2/482.
(84) فتح الباري7/90.
ورواه باطول منه من حديث عمار ايضا قال: حدثني حذيفة انه قال: إن في أمتي اثنى عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدّبيلة، شراج من نار تظهر بين أكتافهم حتى تنجم من صدورهم(85).
ومما يشهد كذلك أن حذيفة رضي الله عنه كان يعلم أسماء المنافقين بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم له ما ورد في الحديث الصحيح من سؤال عمر رضي الله عنه لحذيفة عن نفسه:-(/11)
فقد قال وكيع بن الجراح في كتاب الزهد(86) حدثنا ابن أبي خالد قال سمعت زيد بن وهب الجهني عن حذيفة قال: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد، فقال لي: يا حذيفة، إن فلانا قد مات، فاشهد. قال: ثم مضى حتى إذا كاد يخرج من المسجد، التفت إليّ، فرآني وأنا جالس فعرف، فرجع إلي، فقال: يا حذيفة أنشدك بالله: أمن القوم أنا؟ قال: قلت اللهم لا، ولن أبرئ أحدا بعدك، قال فرأيت عيني عمر جادتا(87).
قال محقق الكتاب عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي: رجاله ثقات وإسناده صحيح.
قلت: وهو كما قال، بل وعلى شرط الصحيح، وابن أبي خالد هو إسماعيل، وقد رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عنه به بمعناه، ثم قال الفسوي: وهذا المحال وأخاف أن يكون كذبا… ولكن حديث زيد به خلل كبير(88).
قال الذهبي: زيد بن وهب متفق على الإحتجاج به… فهذا الذي استنكره الفسوي من حديثه ما سبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا كثيرا من السنن الثابتة بالوهم الفاسد(89).
قلت: تابع زيد بن وهب أبو وائل عند البزار في مسنده قال: حدثنا عبد الواحد بن غيث قال: أخبرنا عبد العزيز بن مسلم قال: أخبرنا الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: دعي عمر لجنازة فخرج فيها، أو يريدها، فتعلقت به، فقلت: اجلس يا أمير المؤمنين فإنه من أولئك، فقال: نشدتك الله أنا منهم؟ قلت: لا، ولا أبرئ أحدا بعدك(90).
قال الهيثمي في المجمع(91): رجاله ثقات.
وقال ابن حجر في مختصر زوائد البزار: إسناده صحيح(92).
ومثله ما رواه الإمام البخاري(93) بنفس السند المتقدم قال زيد بن وهب: كنا عند حذيفة فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا المنافقين إلا أربعة.
والآية هي: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر).
فهذا الحديث يدل على علم حذيفة بأعيان المنافقين في المدينة.
وفيه الدليل على حكم الله تعالى في المنافقين وهو القتل.
فإن سأل سائل فلماذا لم يقاتلوهم؟
فالجواب ما رواه الطبري من طريق حبيب بن حسان عن زيد بن وهب قال: كنا عند حذيفة فقرأ هذه الآية (فقاتلوا أئمة الكفر) قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد.
(85) ح9 و10 من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
(86) ح477.
(87) في تخريجي لهذا الحديث في طريق الهجرتين لابن القيم بينت عدم عثوري عى هذا الحديث مسندا مع تنقيبي الشديد عنه (ص433)، فها هو الآن مخرج والحمد لله رب العالمين، وقد ضعفه ابن حزم في المحلى بغير حجة (11/225)، وقال: هذا باطل ومن الكذب المحض… وقال (221-222) أنه غير مسند، والجواب عليه كما ترى.
(88) المعرفة والتاريخ2/769.
(89) ميزان الإعتدال2/107.
(90) البحر الزخار7/292 –293، ح رقم2885.د
(91) مجمع الزوائد3/42.
(92) ح590.
(93) الفتح8/322.
وقد تابع الأعمش حبيب بن حسان في رواية هذا الحديث(94).
قال الحافظ بن حجر: والمراد بكونهم لم يقاتلوا أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط لأن لفظ الآية: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا) فلما لم يقع نكث ولا طعن لم يقاتلوا(95).
فتبين أن هذه الآيات تشبه قوله سبحانه وتعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً* ملعونين أينما ثقفوا أُخذوا وقتلوا تقتيلاً).
ويشهد لهذا -وهو أن المنافقين كانوا يسرون نفاقهم زمن النبي صلى الله عليه وسلم- حديث حذيفة رضي الله عنه: المنافقون الذين فيكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو وائل: قلنا: لم ذاك يا أبا عبد الله؟ قال: لأن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه(96).
وفي هذا كفاية في الإستدلال لهذا الباب ولم نرد الإستقصاء.
ثم إن الكثير من الآيات والأحاديث التي فيها أحكام المنافقين لا يمكن فهمها إلا بهذا الوجه، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أعيانهم عن طريق الوحي أو عن طريق المخايلة التي لا تصل إلى القطع بقيام الحجة مثل ترك الإستغفار لهم والصلاة عليهم وعدم اتخاذهم بطانة، وغير ذلك من الأحكام، وهذه الأحكام مازالت قائمة في حق المنافقين الذين يعرفون عن طريق اللحن الذي لا يصل إلى الحجة التي تقام بها الحدود والأحكام كما سيأتي، ثم إن أمر الوحي قد انقطع وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وابن حزم رحمه الله تعالى يوجب علينا بنص كلامه أن نعتقد أن عبد الله بن أبي بن سلول هو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا أن نستغفر له ونعتقد صحة إيمانه!!!
ويقول ابن حزم رحمه الله تعالى في هذا: إن عبد الله بن أبي من جملت أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بظاهر إسلامه وأنه من جملة الصحابة المسلمين الذين لهم حكم الإسلام والذين حرم الله تعالى دماءهم إلا بحقها(97).
وهذا من أبطل الباطل وأشد الغلط، وهو مما يعرفه الناس والعامة وتكلف الرد عليه نطاح من غير فائدة.(/12)
القسم الثالث: معرفة المنافقين عن طريق لحن القول:-
قال تعالى: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم* ولو نشاء لأريناكهم فلتعرفهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم* ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم)[محمد29–31].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: لو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عيانا، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين سترا منه على خلقه وحملا للأمور على ظاهر السلامة ورد السرائر الى عالمها، (ولتعرفنهم في لحن القول) أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول(98).
(94) جامع البيان10/88.
(95) الفتح8/323.
(96) رواه البخاري13/69 فتح الباري .
(97) المحلى11/217.
(98) التفسير7/321.
وأما صفاتهم وأخبارهم فقد تكفلت سورة براءة بفضحها حتى سميت بالفاضحة والمنقرة والمشقشقة، لتنقيرها على قلوب المنافقين والشقشقة عنها.
وهذا القسم يدخل فيه ما ورد من أحاديث بعدم إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم حد الردة على المنافقين، وبشيء من التفصيل الممكن نأتي في هذه الورقات على كبار الأحداث التى ظهر من المنافقين بعض أقوالهم وأعمالهم ولم تصل إلى درجة البينات التي تقام بها الأحكام ومنها حد الردة:-
تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي"
بعض من يحتج بعدم إقامت الحدود على المنافقين دون أن ينظر إلى التفريق المتقدم في أحوال المنافقين كما تبين من وجود منافقين لا يثبتون على نفاقهم وهم الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة العائرة بين الغنمين، ومن وجود أعمال وأقوال لا تصل إلى درجة إقامة الحدود، أو معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي، وهو طريق لا تقام به الحدود كما هو الصحيح من أقوال العلماء.
قلت: إن بعضهم يحتج بهذا اللفظ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي"
وهو يرتب قوله بالطريقة التالية: إن هؤلاء المنافقين ثبت في حقهم حد الردة وانكشف نفاقهم ثم لم يقمه عليهم حتى لا يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه.
وحتى نفهم هذا القول فسنحققه حتى نتبين حقيقته.
ورد هذا القول في موطنين:
الأول: في منصرفه صلى الله عليه وسلم من حنين.
الثاني: في منقلبه صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق.
شرح ذلك:
الأول:
روى مسلم في صحيحه(99)عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض فيها، ويعطي الناس، فقال: يا محمد!! اعدل. قال: ويلك! ومن يعدل إذا لم اكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد خبت وخسرت" جزم ابن تيمية في الصارم المسلول أنهم بالفتح(100) وجوز القاضي عياض الوجهين: الفتح والرفع.
فهذا الحديث في صفات الخوارج، وسمى عمربن الخطاب رضي الله عنه القائل منافقا، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على تسميته ونهاه عن قتله لا لعصمة نفسه بل لئلا يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، وهو رجل قال قولته العظيمة في سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك في أنه قوله هذا ردة وكفر(101)، أما لماذا لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(99) ح1063.
(100) الصارم المسلول2/351.
(101) انظر الصارم المسلول3/984 –986. قال القرطبي فكل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر (الجامع5/267).
الحد عليه فهذا قد كفانا إياه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول فليراجع(102).
ولكن مما لا يختلف فيه أحد أن الحد على أمثال هذا الرجل لو وقع من أحد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن للأمة أن تعفو عنه، بل يجب قتله، قال القرطبي: فلو صدر مثل هذا من أحد في حق النبي صلى الله عليه وسلم أو في حق شريعته لقتل قتلة زنديق(103).
وقال: وليست لأحد (أي العفو عن من يسبه) بعد النبي صلى الله عليه وسلم(104).
قال ابن حجر: ونقل النووي نحوه عن العلماء(105).
وقال ابن تيمية: بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم يتعين القتل لأن المستحق لا يمكن من المطالبة والعفو(106).
وأما ابن حزم فقد جعل الحديث منسوخا بقوله: الجواب في هذا أن الله تعالى لم يكن أمر بعد بقتل من ارتد فلذلك لم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك نهى عن قتله ثم أمره الله تعالى بعد ذلك بقتل من ارتد عن دينه فنسخ تحريم قتلهم(107).
الثاني:(/13)
روى الإمام البخاري(108) ومسلم(109) في صحيحيهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (لفظ البخاري) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية (لفظ مسلم)، قالوا: يا رسول الله: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة، فسمعها عبد الله بن أبي(ابن سلول)، فقال: قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.
والكسع هو أن تضرب بيدك على دبر شيء أو برجلك.
وسمى ابن اسحق هذه الغزوة غزوة بني المصطلق وكذا وقع عند الإسماعيلي(110).
وقد وهم البعض حين قال: إن هذه القصة كانت بتبوك.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: فيه نظر، بل ليس بحق، فإن عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك. بل رجع بطائفة من الجيش، وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع وهى غزوة بني المصطلق(111).
ولتكتمل الصورة فإننا سنذكر كيف سمّعها الله رسوله صلى الله عليه وسلم، أي كلمة عبد الله ابن أبي سلول إذ بها تتم الحجة:-
(102) واختصارا لما قاله الشيخ فإنه يرى أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفو عمن آذاه فإن قيل هذه ردة فخرجت من كونها حقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن صارت حدا لا يسقطه صاحبه، ويرد ابن تيمية على هذا بتفصيل للحقوق انظره في ج2/537، فإنه مهم جدا وفي نفس الجزء ص534 وقال كذلك: وإنما عفا عن ذلك الأمر في حياته عمن يؤذيه من المنافقين لما يعلمه أنهم خارجون في الأمة لا محالة، وأن ليس في قتل ذلك الرجل كثير فائدة، بل فيه من المفسدة ما في قتل سائر المنافقين وأشد (2/355 الصارم المسلول) وهذا كله يتفق مع القول أن العفو عنه خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست لأحد من بعده.
(103) فتح الباري5/40.
(104) الجامع لأحكام القرآن5/267.
(105) الفتح5/40.
(106) الصارم المسلول2/537.
(107) المحلى11/226.
(108) الفتح 8/652.
(109)النووي على مسلم17/120.
(110) فتح الباري8/649.
(111) التفسير 8/127، وانظر فتح الباري 8/650.
فقد روى البخاري و مسلم من حديث زيد بن أرقم قال: كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني، فحدثته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني، فأصابني غم لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، وقال عمي، ما أردت إلا أن كذبك النبي صلى الله عليه وسلم؟! فأنزل الله تعالى: (إذا جاءك المنافقمن قالوا نشهد إنك لرسول الله) وأرسل إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها وقال: إن الله قد صدقك.أ.هـ.
فقد ثبت قوله المنكر بشهادة رجل واحد وهو زيد بن أرقم رضي الله عنه، وبالوحي، وشهادة الواحد لا تقام بها الحدود، وقد تقدم القول بالوحي.
قال ابن تيمية: لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم الحد على ابن سلول في هذه القصة حتى لا يقال: إن محمدا يقتل أصحابه، لأن النفاق لم يثبت بالبينة، وقد حلف أنه ما قال، وإنما علم بالوحي وخبر زيد بن أرقم. وهذا يوجب فتنة بقتله وغضب أقوام يخاف افتتانهم بقتله(112).
يقول الشاطبي رحمه الله في الموافقات: فإن سيد البشر صلى الله عليه وسلم مع إعلامه بالوحي، يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه(113).
ثم هناك وجه آخر غير ما قاله الإمام وهو أن لفظ عدو الله ابن سلول يستطيع أن يماري فيه ويحمله الكثير من المعاني التي يبعد بها الشبهة عن نفسه، هذا والله أعلم.
وقد ورد هذا اللفظ في موطن ثالث، لكن لا يصح…(/14)
ففي الدلائل للبيهقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أبو عمرو الحراني حدثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد بن مسلمة عن محمد بن اسحق عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان قال: كنت آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به، وعمار يسوقه، أو أنا أسوقه وعمار يقوده حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، فصرخ بهم فولوا مدبرين فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عرفتم القوم؟ قلنا: لا يا رسول الله، كانوا متلثمين، ولكن قد عرفنا الركاب، قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟ قلنا: لا، قال أرادوا أن يزحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها، قلنا يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: لا، أكره أن تحدث العرب بينها أن محمدا قاتل بقوم، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال: اللهم ارمهم بالدُّبَيلَةِ، قلنا: يا رسول الله وما الدبيلة؟ قال: شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك(114).
وهذه القصة وردت في تبوك رواها البيهقي في الدلائل من حديث عروة مرسلا(115).
ورواها في الدلائل أيضا(116)من حديث ابن اسحق (صاحب المغازي) وفي السنن الكبرى معضلا (117).
(112)الصارم المسلول3/671.
(113) الموافقات2/271.
(114) دلائل النبوة5/260.
(115) السابق 5/256.
(116) السابق 5/257.
(117) السنن الكبرى9/32 –33.
والسند الأول ضعيف لعلتين:-
فهو من رواية ابن اسحق ولم يصرح بالتحديث وهو مدلس، وعبد العزيز بن يحيى الحراني ذكره البخاري في الضعفاء.. وتحسين محقق الصارم ليس له بحسن، والله أعلم.
ولكن قصة محاولة المنافقين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وردت بأسانيد أخرى بعضها حسن دون هذا اللفظ، منها ما أخرجه أحمد رحمه الله في المسند(118) قال حدثنا يزيد (أي ابن زريع) قال أخبرنا الوليد(يعني ابن عبد الله بن جميع) عن أبي الطفيل، قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أمر مناديا، فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ بالعقبة، فلا يأخذها أحد، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة ويسوقه عمار، إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: (قد، قد)، حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوادي، فلما هبط ورجع عمار، قال: يا عمار هل عرفت القوم، قال: قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون، قال: هل تدري ما أرادوا؟ قال: الله ورسوله أعلم ، قال: أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه، قال : فسار عمار رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: نشدتك بالله كم تعلم من أصحاب العقبة؟ قال: أربعة عشر رجلا، فقال: إن كنت فيهم فقد كانوا خمس عشر، قال : فعذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة، قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما علمنا ما أراد القوم، فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
ورواه أحمد بسند آخر قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير وأبو النعيم قالا: حدثنا الوليد (يعني ابن جميع) قال أبو النعيم عن أبي الطفيل، مثل جميع حدثنا أبو الطفيل قريبا منه… وهو سند حسن(119).
فهؤلاء المنافقون لم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيانهم ولا ما أرادوا إلا عن طريق الوحي، ولذلك لم يعلم عمار رضي الله عنه ما أرادوا، وأما أعيانهم فلم يعرفها من ضرب رواحلهم وإنما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي.
وفي الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أعيان المنافقين وأخبر حذيفة بهم.
وفي دلائل النبوة للبيهقي ذكر لأسمائهم من طريق لا تصح نترك ذكرها مخافة الإطالة.
قال ابن تيمية في الصارم: فإن قيل فلم لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بنفاق بعضهم، وقبل علانيتهم؟
قلنا: إنما ذاك لوجهين:-
(118) المسند 391-390/5.
(119) وأصل القصة عند مسلم في صحيحه4/2143 ح 9و10.
وقد ضعف ابن حزم هذا الحديث بقوله: حديث(..) ساقط لأنه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك.
قلت: كذا قال، والوليد من رجال مسلم، قال أحمد وأبو داود: ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة مأمون مرضي، وقال أبو زرعة: لابأس به، وقال أبو حاتم، صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث، وذكره ابن حبان في الثقات(5/492) ثم ذكره في الضعفاء (3/ 78 – 79) ، قال البزار: احتملوا حديثه وكان فيه تشيع، وذكره الذهبي في الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد ( ت/357 ).(/15)
فهل هذا يقال فيه ما قاله ابن حزم رحمه الله ، لكن ابن حزم معروف بطرحه للرجل بأقل الكلام فيه، وللتوسع يراجع مقدمة كتابي "تجريد أسماء الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم جرحا وتعديلا" بالمشاركة، ثم إن ابن حزم قد رد حديثه الذي رواه مسلم في صحيحه في قصة هجرة حذيفة وأبيه لينتصر لرأيه بأن الأصل في الشروط والعقود الحرمة كما في الإحكام (5/10) وهو خلاف الصواب كما شرحه ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين.
أحدهما: أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة، بل كانوا يظهرون الإسلام، ونفاقهم يعرف تارة بالكلمة يسمعها منهم الرجل المؤمن فينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحلفون بالله أنهم ما قالوها أو لا يحلفون، وتارة بما يظهر من تأخرهم عن الصلاة والجهاد واستثقالهم للزكاة وظهور الكراهية منهم لكثير من أحكام الله وعامتهم يعرفون في لحن القول، كما قال تعالى: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول)[محمد29 –30]. فأخبر سبحانه أنه لو شاء لعرفهم رسوله بالسيماء في وجوههم، ثم قال: (ولتعرفنهم في لحن القول) فأقسم على أنه لابد أن يعرفهم في لحن القول، ومنهم من كان يقول القول أو يعمل العمل فينزل القرآن يخبر أن صاحب ذلك القول والعمل منهم، كما في سورة براءة (ومنهم…)، (ومنهم …) وكان المسلمون أيضا يعلمون كثيرا منهم بالشواهد والدلالات والقرائن والأمارات، ومنهم من لم يكن يعرف كما قال تعالى: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)[التوبة101] ثم جميع هؤلاء المنافقين يظهرون الإسلام، ويحلفون أنهم مسلمون.
وقد اتخذوا أيمانهم جنة وإذا كانت هذه حالهم فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم الحدود بعلمه ولا بخبر الواحد ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو أقرار، ألا ترى كيف أخبر عن المرأة الملاعنة أنها إن جاءت بالولد على نعت كذا وكذا فهو للذي رميت به، وجاءت على النعت المكروه.
فقال: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن"[رواه البخاري]*.
وكان بالمدينة امرأة تعلن الشر، فقال: "لو كنت راجما أحدا من غير بينة لرجمتها"[متفق عليه].
وقال للذين اختصموا إليه: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار"[رواه الستة ومالك وأحمد]. فكان ترك قتلهم مع كونهم كفارا لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية.
ويدل على هذا أنه لم يستتبهم على التعيين، ومن المعلوم أن أحسن حال من ثبت نفاقه وزندقته أن يستتاب كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل، ولم يبلغنا أنه استتاب واحدا بعينه منهم، فعلم أن الكفر والردة لم تثبت على واحد بعينه ثبوتا يوجب أن يقتل كالمرتد، ولهذا كان يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، فإذا كانت هذه حال من ظهر نفاقه بغير البينة الشرعية فكيف حال من لم يظهر نفاقه؟ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم"[متفق عليه].
لما استؤذن في قتل ذي الخويصرة، ولما استؤذن في قتل رجل من المنافقين قال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ "قيل: بلا، قال: "أليس يصلي؟ " قيلل: بلا، قال: "أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم"[رواه الإمام مالك وأحمد]، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه نهي عن قتل من أظهر الإسلام من الشهادتين والصلاة وإن زُنّ (أي اتهم) بالنفاق ورمي به وظهرت عليه دلالته – إذا لم يثبت بحجة شرعية أنه أظهر الكفر وكذلك قوله في الحديث الآخر: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"[رواه الستة ورواه الإمام أحمد]. معناه أني أمرت أن أقبل منهم ظاهر الإسلام، وأكل بواطنهم إلى الله، والزنديق والمنافق إنما يقتل إذا تكلم بكلمة الكفر وقامت عليه بذلك البينة، وهذا حكم بالظاهر، لا بالباطن، وبهذا الجواب يظهر فقه المسألة.
الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر مما في استبقائهم، وقد بين ذلك حيث قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" وقال: "إذا ترعد له آنف كثيرة بيثرب"، فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفر لأوشك أن يظن الظان أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد وإنما قصده الإستعانة بهم على الملك، كما قال:" أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم"، وأن يخاف من يريد الدخول في الإسلام أن يقتل مع إظهاره الإسلام كما قتل غيره.(/16)
وقد كان أيضا يغضب لقتل بعضهم قبيلته وناس آخرون ويكون ذلك سببا في الفتنة، واعتبر ذلك بما جرى في قصة عبد الله بن أبي لما عرض سعد بن معاذ بقتله خاصم له أناس صالحون وأخذتهم الحمية حتى سكنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استأذنه عمر في قتل ابن أبي، قال أصحابنا: ونحن الآن إذا خفنا مثل ذلك كففنا عن القتل.
فحاصله أن الحد لم يقم على واحد بعينه، لعدم ظهوره بالحجة الشرعية التي يعلمه بها العام والخاص، أو لعدم إمكان إقامته، إلا مع تنفير أقوام عن الدخول في الإسلام، وارتداد آخرين عنه، وإظهار قوم من الحرب والفتنة ما يربى فساده على فساد ترك قتل منافق، وهذان المعنيان حكمهما باق إلى يومنا هذا، إلا في شيء واحد وهو أنه صلى الله عليه وسلم ربما خاف أن يظن الظان أنه يقتل أصحابه لغرض آخر مثل أغراض الملوك، فهذ منتف اليوم.
والذي يبين حقيقة الجواب الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة مستضعفا هو وأصحابه عاجزين عن الجهاد أمرهم الله بكف أيديهم والصبر على أذى المشركين، فلما هاجروا إلى المدينة وصار له دار عز ومنعة أمرهم بالجهاد وبالكف عمن سالمهم وكف يده عنهم، لأنه لو أمرهم إذ ذلك بإقامة الحدود على كل كافر ومنافق لنفر عن الإسلام أكثر العرب إذ رأو أن بعض من دخل فيه يقتل، وفي مثل هذه الحال نزل قوله وتعالى: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا)[الأحزاب48]. وهذه السورة نزلت بعد الخندق، فأمره الله في تلك الحال أن يترك أذى الكافرن والمنافقين له فلا يكافئهمم عليه لما يتولد في مكافآتهم من الفتنة، ولم يزل الأمر كذلك حتى فتحت مكة، ودخلت العرب في دين الله قاطبة، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في غزو الروم، وأنزل الله سورة براءة، وكمل شرائع الدين من الجهاد والحج والأمر بالمعروف، فكان كمال الدين حين نزل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم)[المائدة3] قبل الوفاة بأقل من ثلاثة أشهر، ولما أنزل براءة أمره بنبذ العهود التي كانت للمشركين وقال فيها: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم)[التوبة73] وهذه الآية ناسخة لقوله: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم) وذلك أنه لم يبقى حينئذ للمنافق من يعينه او يقيم عليه الحد، ولم يبقى حول المدينة من الكفار من يتحدث بأن محمدا يقتل أصحابه، فأمره الله بجهادهم والاغلاظ عليهم، وقد ذكر أهل العلم أن آية الأحزاب منسوخة بهذه الآية ونحوها، وقال في الأحزاب: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً* ملعونين أينما ثقفوا أُخذوا… الآية)[الأحزاب60-61] فعلم أنهم كانوا يفعلون أشياء إذ ذاك لم ينتهوا عنها قتلوا عليها في المستقبل لما أعز الله دينه ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم فحيثما كان للمنافق ظهور يخاف من إقامة الحد عليه فتنة أكبر من بقائه عملنا بآية: (دع أذاهم) كما إنه حيث عجزنا عن قتال الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح، وحيثما حصل القوة والعزة خوطبنا بقوله: (جاهد الكفار والمنافقين).
فهذا يبين أن الإمساك عن قتل من أظهر نفاقه بكتاب الله على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لا نسخ بعده، ولم ندع أن الحكم تغير بعده لتغيير المصلحة من غير وحي نزل، فإن هذا تصرف في الشريعة، وتحويل لها برأي، ودعوى أن الحكم المطلق كان لمعنى قد زال، وهو غير جائز، كما نسبوا إلى من قال: إن حكم المؤلفة انقطع ولم يأت على انقطاعه بكتاب ولا سنة سوى ادعاء تغيير المصلحة(120).
قلت: والخوف من فتنة قتل المنافقين إنما يعود بعد الأمر بقتلهم وتغيير الحكم إلى عدم ثبوت
(120)الصارم المسلول3/673 وما بعدها.
موجب القتل، وهذا يقوله ابن تيمية نفسه كما في مجموع الفتاوى حيث يقول: والذين كان يعرفهم لو عاقب بعضهم لغضب له قومه ولقال الناس إن محمدا يقتل أصحابه، فكان يحصل بسبب ذلك نفور عن الإسلام، إذ لم يكن الذنب ظاهرا يشترك الناس في معرفته(121).
وبهذا لا يجوز الإحتجاج بهذا اللفظ النبوي على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتل بعض أصحابه مع استحقاقهم القتل وثبوت التهمة عليهم ثم يقول: لا أقتلهم حتى لا يقال أني أقتل أصحابي، فإنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بعض الفضلاء من أصحابه كماعز والغامدية، وهم المقطوع لهم بالإيمان والجنة، بل رجمهما بالحجارة رضي الله عنهما، وبهذا يتبين أن الناس سيقولون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه لما لا يكون حجة شرعية ظاهرة عليهم، وهذا مما يوجب اضطراب القلوب وتغيرها، ولذلك سيقولون: إن محمدا يقتل أصحابه.(/17)
ثم تأمل كلمة "أصحابه" هذه تنبيك بالجواب، فإن هؤلاء المنافقين عند بعض الصحابة وعند العرب هم من الصحابة، ولم تقم بينة أنهم من أعدائه بل من أشد أعدائه (هم العدو فاحذرهم) وهذا لإسرارهم وتخفيهم، وأما إذا أقيمت الحجة الشرعية عليهم بظهور نفاقهم فقد بان لكل مخالف أنهم من أعدائه وليسوا له بأصحاب كما قتل جماعة عكل وعرينة لما بان عدائهم ، والله أعلم.
التحقيق في سبب ورود قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولون إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين)[التوبة65-66].
ورد مرفوعا(122) في سبب نزول هاتين الآيتين ما يلي:-
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما: ما رأيت مثل قرا ئنا ّهؤلاء، لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله واياته ورسوله كنتم تستهزؤون.
قلت: سنده صحيح ومن طريق هشام بن سعد رواه الطبري في تفسيره.
وورد في ذلك سبب آخر أعرضت عنه لضعفه، وأما تعيين الرجل فورد في ذلك أحاديث لا تزيدنا في هذا الباب الذي نحن فيه.
ولو أنعمت في الحديث نظرا، وفكرت في قول الرجل لوجدته من لحن القول الذي لا تقوم به حجة على قتله ردة، ولكن جاء القرآن ليفضح ما في قلبه عند قوله وهو الكفر، ولذلك قال الله قبل: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، قل استهزؤوا إن الله مخرج ما تحذرون)[التوبة64].
فالآية فضحت كفر قلبه الذي دفعه لهذا الكلام، وهو كلام أخفى الكثير من مراده وأظهر بعضه مخافة السيف أو مخافة الفضيحة، وهو قول لو قاله اليوم أحد لما ثبت لنا مراده حتى نستوثق منه،
(121) مجموع الفتاوى7/422-423.
* انظر قول الشاطبي رحمه الله في الموافقات (2/271 وما بعدها) وتأمل بتعجب مطرب كيف تتوافق أقوال الأئمة بمعانيها لتفهم كيف تكون هداية الكتاب والسنة لمن صدر عنهما، وابن تيمية رحمه الله مشرقي شامي، والشاطبي رحمه الله مغربي أندلسي، وابن تيمية توفي سنة728 هجرية والشاطبي790 هجرية، فلم يأخذ أحدهما من الآخر ولكنها الهداية واتفاق المصدر، رحم الله أئمتنا وألحقنا بهم على خير وهداية.
(122) قلت مرفوعا: لأن سبب النزول إذا ورد من قول الصحابي فإنه في حكم المرفوع كما قاله جمع من الأئمة منهم البخاري وأبو عبد الله الحاكم ونصره ابن تيمية في رسالته مقدمة في التفسير.
وهذا شأن كل كلام محتمل غير صريح، والرجل بكل يسر سيقول: أنا أسب رجالا بما أراه فيهم، وأقصى ما يحكم عليه التعزير في شتمه المسلمين، مع أن الحالة التي ورد فيها سبب النزول سيدخل في كلامه في الشتم والسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يستطيع أن يحلف (كعادة المنافقين وكما فعل) أنه ما أراد.
ثم لو أنعمت أخرى فسترى أنه حلف أنه كان يخوض ويلعب، ولفظه يحتمل هذا، ولكننا نجزم بكذبه بنص الوحي، وليس هو مما تقام به الحدود والأحكام، والله أعلم.
هذا نهاية الأمر في هذا الباب، فلا يجوز لأحد أن يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط عن المنافقين حد الردة مع استحقاقهم له، فإن قائل هذا مبطل محجوج ولا يبعد عنه الكفر عياذا بالله تعالى كما تقدم من كلام ابن حزم رحمه الله تعالى.
قوله سبحانه: (اتخذوا أيمانهم جنة)
ومما ذكره الله تعالى في كتابه من أسباب المنافقين في دفع الحكم الشرعي عنهم بالقتل هو الحلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم أنهم على دين الإسلام ولم يخرجوا منه.
قال تعالى: (يحلفون بالله ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين)[التوبة62].
قال الطبري: يحلف لكم أيها المؤمنون هؤلاء المنافقون بالله ليرضوكم فيما بلغكم عنهم من أذاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره إياهم بالطعن عليه، والعيب له، ومطابقتهم سرا أهل الكفر عليكم، بالله والأيمان الفاجرة أنهم ما فعلوا ذلك، وإنهم لعلى دينكم ومعكم على من خالفكم، يبتغون بذلك رضاكم(123).
وقال تعالى: (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين)[التوبة96].
وقال تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون)[المجادلة 18]، وقال تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون)[التوبة65].(/18)
فبين الله سبحانه أن خوفهم منكم هو الذي جعلهم يحلفون هذه الأيمان الكاذبة إنهم منكم، فدل هذا أنه كان لأيمانهم مانعا من قتلهم.
وقد ورد قبل بعض الأحاديث في حلفهم الكذب في سبب آية المجادلة المتقدمة من حديث الرجل الأزرق، وحلف ابن أبي أنه ما قال كلمته العظيمة (لئن رجعنا إلى المدينة….) وقد تقدم أصل الحديث وحلف الرهط الذين أرادوا قتله في العقبة منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك، وقد تقدم أصل الحديث كذلك.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: إن رجالا من المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلفوا عنه بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب.
ومثلها ما وقع من سبب نزول قوله تعالى: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون)[التوبة95].
وذلك بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من تبوك، قال كعب بن مالك: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له(124).
(123) جامع البيان10/170.
(124) رواه الطبري11/3 بسند صحيح، وأصله في البخاري في كتاب المغازي باب غزوة تبوك.
ومن المعلوم أن أيمان المتهم لا قيمة لها إذا قامت البينة الشرعية، وإنما الأيمان تنفع صاحبها إذا ضعفت البينة، فإن المتهم يدرأ عنه التهمة بالحلف، وما تقدم من حلفهم كان ينفعهم في دفعهم حكم القتل عنهم لعدم ثبوت الحجة الشرعية عليهم فيما قالوا من لحن القول، أو فيما قالوه أصلا، فإنهم كانوا ينفون في بعض الأحداث أصل الكلام الذي يصل إلى مسامع الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي أو عن طريق آحاد الصحابة رضي الله عنهم.
ولهذا كانت أيمانهم جنة أي حماية لهم من وقوع السيف عليهم.
قال ابن تيمية: واليمين إنما تكون جنة إذا لم تأت بينة عادلة تكذبها، فإذا كذبتها بينة عادلة انخرقت الجنة، فجاز قتلهم(125).
حكم الزنديق في مذاهب الفقهاء
الزنادقة: هم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسول وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسوله، وهؤلاء المنافقون هم في الدرك الأسفل من النار(126).
وقال ابن حجر: الزنديق من لا يعتقد ملة وينكر الشرائع، ويطلق على المنافق(127).
وقال ابن تيمية: الزنديق في عرف الفقهاء هو المنافق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره، سواء أبطن دينا من الأديان، كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان معطلا جاحدا للصانع والمعاد والأعمال الصالحة(128).
حكمة:
قال البغوي: وذهب جماعة إلى أن إسلام الزنديق والباطنية لا يقبل بكل حال وهو قول مالك وأحمد(129).
قال مالك: النفاق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم، فيقتل إذا شهد عليه بها دون استتابة لأنه لايظهر ما يستتاب منه(130).
وقال ابن سلمون: وأما إذا كان مستترا بالكفر فهو الزنديق وحكمه عندنا الكفر من غير استتابة، فلا تقبل توبته(131).
وأما أبو حذيفة ففي الخانية: إن جاء الزنديق قبل أن يؤخذ فأقر أنه زنديق فتاب عن ذلك، تقبل توبته، وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل(132).
وقال: أقتل الزنديق سرا فإن توبته لا تعرف(133).
وهو قول أحمد(134). واسحق(135).
(125) الصارم المسلول3/657، وانظر ما قاله الإمام المطلبي رحمه الله في الأم (6/179-180).
(126) طريق الهجرتين بتحقيقي ص595.
(127) مقدمة الفتح (هدى الساري) ص128.
(128) مجموع الفتاوى7/471 وابن تيمية إنما تكلم عن النفاق في هذا الموطن لأمر مهم جدا ينبغي أن يلحق في مسألة أهل الأهواء ودخولهم في أهل القبلة، فإنه بين أن أهل الأهواء فيهم الجاهل المعذور وفيهم المنافق الزنديق الذي يظهر خلاف ما يبطن، وهو رد منه على من كفر أهل الأهواء من أهل القبلة بأعيانهم جملة، ومراده أنه لابد أن يحكم على أعيانهم بما يعرف منهم في الظاهر، فالأول جاهل معذور والقسم الآخر فيهم منافق في الباطن مسلم في الظاهر، ومنهم منافق في الباطن علم نفاقه من لحن القول، ومنهم منافق في الباطن كافر في الظاهر بما أظهره من كفره، وهذا بعض مقصودنا في هذا البحث في بيان حكم المنافقين.
(129) شرح السنة10/243.
(130) تبصرة الحكام في أصوب أقضية الأحكام2/193، وكذا قال ابن عبد البر في الإستذكار22/146.
(131) هامش تبصرة الحكام2/268.
(132) البحر الرائق لابن نجيم5/136 وانظر الأشباه والنظائر له ص189.
(133) أحكام القرآن للجصاص3/350، وانظر الدر المختار لابن عابدين3/456.
(134) المبدع للحنابلة9/179، والمغني8/126. وإن كان صاحب المغني قد اختار قبول توبته.
(135)التمهيد لابن عبد البر5/310.
وقال الشافعي: يستتاب المرتد ظاهرا والزنديق جميعا(136).(/19)
وللعلماء تفصيل في تعدد الأقوال في المذهب الواحد نعرض عنه مخافة الإطالة.
وحجتهم في قتل الزنديق هي حجتهم في قتل المرتد دون فرق وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"(137).
وقوله سبحانه: (أخذوا وقتلوا تقتيلا)، وقوله: (جاهد الكفار والمنافقين)، وقوله: (فقاتلوا أئمة الكفر)، وقد تقدم وجه هذه الدلالة لهذه الآيات.
يقول الزركشي: وأما الزنديق فلأنه كان مظهرا للإسلام، ومسرا للكفر، فإذا وقف على ذلك منه فأظهر التوبة لم يزد على ما كان منها قبلها وهو إظهار الإسلام(138).
يقول ابن تيمية: والزنديق هو المنافق وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق، قالوا ولا تعلم توبته لأن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر، وقد كان يظهر الإيمان وهو منافق ولو قبلت توبة الزنادقة لم يكن سبيل إلى تقتيلهم والقرآن قد توعدهم بالقتل(139).
وحجة الشافعي رحمه الله، قوله تعالى: (اتخذوا أيمانهم جنة)، فقد قبل الله منهم أيمانهم جنة في عدم قتلهم، فإن استتيبوا فحلفوا خلي سبيلهم.
والذي أعتقده أن الصواب عدم قبول توبته، وما احتج به إمامنا الشافعي رحمه الله ليس بحجة على ما أراد، وقد تقدم كلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير الجنة التي لا تخرق، ثم إن الأيمان التي نفعتهم هي عند ضعف الأدلة أو عدم قبولها في حق زندقتهم كما تبين لنا في مبحث عدم إظهار المنافقين لنفاقهم……
والحمد لله رب العالمين.
(136) انظر المهذب للشيرازي2/222 –223، وكفاية الأخيار للحصكفي2/125.
(137) رواه البخاري12/237 و239 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(138) شرح الزركشي على مختصر الخرقي6/228.
(139) مجموع الفتاوى7/212.(/20)
مسائل في النفاق (أنواعه وحكمه) ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين:
هذه ورقات في أنواع النفاق وحكمه، لأن هذا اللفظ من ألفاظ الشرع، وإذا كان اللفظ كذلك فإنه يجب رد العلم به إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولفظ النفاق من أعظم الألفاظ الشرعية التي يجب العلم بها، ومثله لفظ الكفر والإيمان، والخطأ في فهم هذه الألفاظ يوقع صاحبه في الجهل بما قاله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد رأينا من كان سكوته خيراً من كلامه يزعم أن من ترك حكم الله - تعالى - واستبدل به شرائع الباطل الكافرة أنه منافق وليس بكافر، ثم يستطرد بأن الله - تعالى - أمرنا بأن نعامل المنافقين معاملة المسلمين، وذهب هذا - وذهب معه من ذهب - إلى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقم الحد على المنافقين، ولم يقتلهم مع ثبوت النفاق في قلوبهم، وقالوا: هؤلاء كأولئك سواء بسواء، فالواجب علينا - زعموا- أن لا نحكم عليهم بالكفر، ثم لا يجوز قتالهم، بل حكمهم حكم المنافقين زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الموادعة والمسالمة والصبر عليهم.
ثم رأيت ناساً يسمون بعض الناس منافقين، ويصرحون أكثر بأنهم زنادقة، ثم بقليل من الحوار تعلم أنه لا يقصد تكفيرهم، ولا الحكم عليهم بالردة.
بل رأينا من يفتري ويزعم أن المجتمع المدني زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مجتمع أحزاب متعددة العقائد والأديان، ويستدل على هذا بوجود حزب للمنافقين، وهو حزب ظاهر يعرفه الناس ولا يصادرون حريته.
ورأينا من يفتري ويزعم أن حكم الردة ليس بواجب إلا إذا خرج المرتد عن نظام الدولة الإسلامية بحجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقيم الحدود على المنافقين وهم كفار-، فجاز للناس في الدنيا أن يغيروا أديانهم، وقال: ها هو ذا القرآن يقول: (آمنوا ثم كفروا)، ولم يرد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل واحد منهم.
وقالوا… وقالوا…
فمن أجل هذا ولغير ذلك من الفوائد التي ستراها كان هذا البحث، وسيتبين لك فيه أن الحكم على الرجل بالنفاق في زمننا هو حكم عليه بالردة (1)، ولا يجوز لك ذلك حتى تقام لك الحجة الشرعية على كفر باطنه، ومن المعلوم أن علمك بالشيء ملزم لك وحدك، وملزم لغيرك بالبينة الشرعية التي تقام بها الأحكام.
ثم سيتبين لك أنه إن ثبت في حق رجل حكم النفاق، وأنه يسر كفره ويظهر خلافه، فإن حكمه هو حكم الزنديق، وهو أشد حكماً عند جمهور العلماء من المرتد، إذ يوجبون قتله من غير استتابة، بل لا يقبلون توبته حتى لو فعلها، لأنه لم يفعل سوى أن عاد إلى أمره الذي كان عليه قبل ظهور بينات، وحجج زندقته.
وفي هذا البحث الرد على من زعم أن المنافقين زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد علم الناس نفاقهم، وثبت حكم النفاق عليهم بالبينة الشرعية، ثم ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إقامة الحد عليهم عياذاً بالله - تعالى -، وفيه بيان نوعي النفاق، ويتبين لمن علمها أن أحد نوعيه يمنع ثبوت حكم النفاق عليه لعدم استقراره عليه فيمنع إطلاق الحكم عليه.
تذكرة:
نحن هنا نتكلم عن النفاق الأكبر الذي هو الكفر بعينه كما سيأتي، لا الأصغر وهو الذي يسميه البعض نفاق العمل، ويسمون الأول نفاق الاعتقاد، وهي تسمية عليها كثير من المحترزات، نترك الكلام عليها لموطن آخر، وأهم هذه المحترزات أن النفاق الأكبر يكون من عمل القلب وعمل اللسان، وجزء من عمل القلب هو الاعتقاد، فتسميته بنفاق الاعتقاد يخرج الكثير من صوره، وكذا النفاق الأصغر يكون في القلب واللسان والجوارح، فتسميته بنفاق العمل قصر له على بعض صوره، وليس هذا نفياً لهذا التقسيم بل هو إعادة لترتيبه ترتيباً صحيحاً، قال ابن تيمية: (النفاق كالكفر، نفاق دون نفاق، ولهذا كثيراً ما يقال: - كفر عن الملة، وكفر لا ينقل، ونفاق أكبر، ونفاق أصغر)(2).
النفاق(3):
النفاق: هو إظهار الإيمان والإسلام وإسرار الكفر(4).
قال الله - تعالى -: ((ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون* في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون))[البقرة 8 10].
وقال تعالى: ((إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون))[المنافقون 1].
وقال تعالى:((وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون))[البقرة14].
فهذه الآيات دليل على أن المنافق باطنه على خلاف ظاهره، وهذا هو معنى النفاق في دين الله - تعالى -.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة حدثني وكيع عن الأعمش عن شقيق عن أبي المقدام عن أبي يحيى قال: - سئل حذيفة عن المنافق قال: (الذي يعرف الإسلام ولا يعمل به)(5).(/1)
فإن قيل هل المنافقون كفار؟ قلنا: - نعم، فإن قيل: لِمَ لم يقتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلنا: لأنهم خدعوا المؤمنين، ولم تقم عليهم حجة شرعية بالقتل، فإن قيل ما الدليل؟ قلنا: - اقرأ هذا المبحث:-
كفر المنافق(6)
يشهد لهذا آيات عظيمة في كتاب الله - تعالى - نأتي على بعضها:-
قال الله - تبارك وتعالى -: ((إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون* اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون* ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون))[المنافقون13].
فهذا نوع من النفاق آمنوا ثم كفروا ثم استقر النفاق في قلوبهم، وختم عليها وهو فيه.
قال تعالى: ((إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً* بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً*... إلى قوله تعالى: .. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً* إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً))[النساء137 - 146].
فهذه الآيات فيها بيان حال جماعة من المنافقين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً.
ثم حكمهم أنهم في الدرك الأسفل من النار، والنار دركات، كما الجنة درجات، ومعلوم أن من كان هذا حاله فهو من عتاة الكفار كما قال - تعالى -: ((هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)).
ثم بين - سبحانه - أنهم لا يدخلون زمر المؤمنين حتى يتوبوا ويصلحوا ما أفسدوا، ويلتزموا حكم الله - تعالى -، ويحسنوا ما في بواطنهم ليوافقوا ظاهرهم… قال تعالى: ((ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون* أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون* اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين* لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون* استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون))[المجادلة14 - 19].
قوله: ((أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) لا تقال إلا للكفار.
وقال تعالى: ((وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم))[التوبة 68].
فقد جمع الله المنافقين والكفار في مستقر واحد وهو جهنم فدل على اتحاد أمرهم في الحكم عند الله - تعالى -، وقبلها قال الله تعالى: ((المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون))[التوبة67].
وقوله تعالى: ((إن المنافقين هم الفاسقون)) يشبه قوله سبحانه: ((والكافرون هم الظالمون)) والله أعلم.
واستقصاء هذا يطول، وهذا يكفي لمن أسلم قلبه لله - تعالى-.
ولكن قد يعترض أحدهم بقوله: إن الله جعل المنافقين من المسلمين بقوله: ((قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً* أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً)) فهؤلاء من المنافقين لم يؤمنوا ومع ذلك قال الله عنهم (منكم).
فيقال له: - إن هذه لا تنافي قوله - سبحانه وتعالى-: ((ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون))[التوبة56].
فإن المنافقين من المسلمين بل من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر وليسوا في الباطن إلا مباينين للمؤمنين، فهم في الظاهر منهم وفي الباطن ((هم العدو فاحذرهم)).
"وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به"(7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وليس هو حكم آخر يفارق هذا الحكم.
(2) مجموع الفتاوى7/524.
(3)الحديث عن المعنى اللفظي للنفاق موجود في أغلب المراجع التي تحدثت عن النفاق وفي كل معجم، ولا ضرورة هنا لذكره… وقال ابن تيمية: وكما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم. (مجموع الفتاوى7/286).
(4) انظر شرح السنة للبربهاري فقرة44.
(5) ح رقم806 وقال محققه الدكتور محمد سعيد القحطاني: أبو يحيى لم أجد له ترجمة، قلت: هو حبيب بن أبي ثابت، وهو كوفي تابعي ثقة، وسند الحديث صحيح.(/2)
(6)هذا الأمر معلوم بيّن، وإنما ذكرته لأننا في زمن العجائب ولن نعدم وجود قوم ينفون ذلك، كما وجدنا ما ينفي كفر اليهود والنصارى، ويسمي كفرهم كفراً أصغراً، فالعجائب لا تنقضي، وقد ذكر ابن تيمية (مجموع الفتاوى7/216) أن بعض المصنفين في الملل والنحل نسب للكرامية (نسبة لمحمد بن كرام السجستاني) القول: إن المنافقين من أهل الجنة، قال: هو غلط عليهم وإنما نازعوا في الاسم لا في الحكم.
(7) مجموع الفتاوى7/ 418.(/3)
مسائل في قنوت النوازل
د. سعود بن عبد الله الفنيسان 29/1/1424
01/04/2003
القنوت في النوازل في الصلاة المفروضة والنافلة سنة ثابتة عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، مجمع عليها في كل المذاهب الفقهية، وإنما وقع الاختلاف بين العلماء في القنوت لغير النازلة كالقنوت في الوتر، جاء في ذلك نصوص كثيرة منها: حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- في صحيحي البخاري (804) ومسلم (675) "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حين يرفع رأسه –يعني من الركوع- يقول: سمع الله لمن حمده؛ يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فيقول:"اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المسلمين، اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف".
ومنها حديث عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- في سنن أبي داود (1443) قال:"قنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة؛ إذا قال: سمع الله لمن حمده –من الركعة الآخرة- يدعو على أحياء من بني سليم: على رعل وذكوان وعصيه، ويؤمِّن من خلفه".
وقفات تأملية في فقه الحديثين أمام النازلة:
1) مشروعية القنوت في أثناء الصلاة المفروضة، وإذا جاز في الفريضة ففي النافلة من باب أولى.
2) السُّنة الثابتة أن يُبدأ الدعاء بالنجاة للمسلمين المستضعفين المعتدى عليهم، قبل الدعاء بالهلاك على المعتدين الظالمين.
3) يجوز الدعاء لأشخاص بأعيانهم من المستضعفين المسلمين -إن دعت الحاجة لذلك-، أما الدعوة بالهلاك على الكافرين المعتدين فلا تُذكر أسماؤهم بالتعيين؛ حيث ترك ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعد أن نزل عليه قوله تعالى:"ليس لك من الأمر شيء..." [آل عمران:128]. فلم يذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعد نزول هذه الآية أحداً من أعيان المشركين باسمه، بل يدعو عليهم مجتمعين دون تخصيص كدعائه على مضر ورعل وذكوان وعصيه.
ولعل الحكمة من هذا –والله أعلم- تطهير لسان المسلم أثناء الصلاة وهو يناجي ربه من أسماء أعداء الله المحاربين له ولأوليائه، أو لعل الله كتب لبعضهم أن يُسلموا.
4) وفي الحديثين إثبات القنوت في غير الوتر، وأن القنوت في النوازل لا يختص ببعض الصلوات، وفي حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- رد على من خصص قنوت النازلة بصلاة الصبح فقط.
5) الحكمة من القنوت في صلاة النازلة –سرية كانت أو جهرية- هو تأمين المأمومين خلف الإمام لعل الله يستجيب دعاءهم ويرفع عنهم ما نزل بهم من بأس، وأيضاً في القنوت للنازلة رفع لمعنوية المؤمنين، وتقوية رابطة أخوتهم في الدين، ولما فيه من إلقاء الرعب في قلوب المعتدين الظالمين، ولطلب الأجر والثواب؛ كما جاء في الحديث "من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه " البخاري (780) ومسلم (410).
6) لا يشترط في القنوت في الصلاة أن تحل النازلة ببلاد المسلمين، بل يشرع القنوت في النازلة ولو وقعت خارج بلاد المسلمين إن لحقهم منها ضرر أو أذى، ومن السنة أن يُدعى في كل نازلة بما يناسبها من الدعاء، وحديث أبي هريرة –رضي الله عنه- السابق نص في هذا حيث قنت الرسول –صلى الله عليه وسلم- على أولئك المذكورين من أهل مكة، ومكة آنذاك لا تزال دار كفر.
هل لأحد أن يمنع القنوت في النوازل؟
الدعاء مخ العبادة، وهو أقوى سلاح يوجهه المسلم إلى العدو مباشرة دون خسائر مادية أو بشرية، وأفضل ما يكون في صلب الصلاة، وما شرع القنوت في النوازل إلا من أجل الدعاء، حيث العباد يناجون ربهم، فالقنوت جزء من الصلاة كتلاوة القرآن، والتسبيح في الركوع والسجود، فلا فرق بين هذا وذاك، فكلا الحالين سنة ثابتة واجبة الاتباع، فلا يجوز لأحد كائناً من كان أن يمنع الناس من الصلاة جماعة، يناجون فيها ربهم عندما تنزل بهم نازلة، أو تحل قريباً من دارهم، كما لا يجوز لأحد أن يزيد أو ينقص في أركان وواجبات الصلاة، قال تعالى:"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر:7]، وقال:"وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب:36]، فلا يجوز أن يُمنع المظلوم من الدعاء على ظالمه؛ لحديث:"اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" البخاري (1496) ومسلم (19)، كما لا يجوز لأحد أن يَمنع المسلم من الدعاء لإخوانه المسلمين المستضعفين والمضطهدين في كل مكان من الأرض، لما جاء في الحديث "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: ولك بمثل" مسلم (2732).
هل القنوت في النوازل من المصالح المرسلة؟
المصلحة المرسلة قاعدة من قواعد الأصول التبعية في الشريعة، تأتي بعد الأصول الأربعة (الكتاب والسنة والإجماع والقياس).(/1)
ومعنى كونها تبعية، أي: أنها ليست أصلاً بنفسها؛ بل تابعة لأحد هذه الأصول الأربعة، ومعنى كونها مرسلة أي مطلقة خالية من الدليل الخاص على موضع النزاع أو البحث إذ لو كان عليه دليل لألحق بالكتاب إن كان الدليل آية، أو بالسنة إن كان الدليل حديثاً أو أثراً، والقنوت في النازلة –محل النزاع- ورد فيه دليل خاص بعينه، كالحديثين المشار إليهما أعلاه، فلا يدخل حينئذ قنوت النازلة تحت المصلحة المرسلة بحال، ومثال المصلحة المرسلة التي يجوز للحاكم التدخل فيها بالأمر أو المنع: كصيد الطيور وبيع السلاح في زمن معين، لا على الإطلاق، لأن صيد الطيور وبيع السلاح هو في الأصل مباح بأدلة الإباحة الشرعية العامة، وهذه الإباحة غير محددة بزمن أو حال أو هيئة، فمتى رأى ولي الأمر في المنع أو الجواز مصلحة راجحة للأمة جاز له الأمر أو المنع من ذلك، ووجب على الناس الالتزام والاتباع.
وتحديد النازلة ليس موكولاً لأحد بعينه، ولا أعلم أحداً من العلماء خصصها بولي الأمر، حيث النازلة كارثة وضرر عام يلحق بالأمة، يحسه الناس كلهم ولا تختلف على وقوعه أو وصفه أنظار الناس، ولو كان موكولاً لولي الأمر أو آحاد الناس لارتبط بهؤلاء تشريع الصلاة بأركانها وواجباتها وسننها، وهذا معلوم بطلانه لكل ذي عينين.
ويجب أن يعلم أنه ليس من السنة في دعاء القنوت أن يخرج عن سبب النازلة، فيدعى على عموم الكفار بالموت والهلاك، والنازلة التي نزلت بالمسلمين هي الظلم والاعتداء عليهم بتدمير بلادهم، وأخذ أموالهم وانتهاك حرماتهم، فالعلة في الدعاء على الكفار في النوازل هي تجدد الاعتداء والظلم على المسلمين، أما تكذيب الكفار لما جاء به الأنبياء وعداوتهم للمسلمين فهي ملازمة للكفر دوماً وأبداً، منذ كفر إبليس بربه، وإهباطه من السماء إلى الأرض إلى قيام الساعة، فوصف اليهود والنصارى بالكفر وصف كاشف لا ينتج الحكم وهو الدعاء عليهم بالهلاك، أما الظلم والاعتداء فهو الوصف المؤسس المنتج للحكم المذكور (القنوت)، وسنة الله أن الكفار أكثر عدداً من المسلمين قال تعالى:"وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" [يوسف:103]، وحديث:"يا آدم أخرج بعث النار، فيخرج من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين" البخاري (3348) ومسلم (222)، وما ورد من آثار في الدعاء على الكفار من أهل الكتاب فيراد بهم المحاربون منهم للمسلمين، وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إذا أبطأ عليه خبر جيوش المسلمين قنت، فكان مما قاله ذات مرة:"اللهم العن كفرة أهل الكتاب، الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك" فوصفهم بالكفر والتكذيب ليس جديداً، وكونهم يقاتلون أولياء الله في عهده –رضي الله عنه- هي العلة المسببة للدعاء عليهم باللعنة والهلاك، ومن لم يقاتلنا لا ندعو عليه؛ بل ندعو له بالهداية، وهذا معنى قول الله "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"[الممتحنة:8]، فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً، ومعنى ذلك أن من سالمنا سالمناه، ومن اعتدى علينا قاتلناه، أما منع ولي الأمر الناس من القنوت أصلاً فلا يجوز له، ولا تلزم طاعته فيه، لأن القنوت في النازلة سنة نبوية ثابتة بدليلها الخاص، وهي عبادة محضة فلا تدخل تحت نظر ولي الأمر، فهي كتحية المسجد تتعين إذا حصل موجبها وهو دخول المسجد، وسيأتي لهذا مزيد بيان قريباً.
قاعدة (حكم الحاكم يرفع الخلاف):
المعنى الشائع لهذه القاعدة أن ولي الأمر (الحاكم) -سواء أريد به القاضي أو السلطان- إذا اختار أو تبنى رأياً من الآراء الاجتهادية في الشريعة ولو كان مرجوحاً يرتفع به النزاع بين الناس ويلزمهم العمل بالقول الذي اختاره وارتضاه، غير أنه ينبغي أن يعلم أن اختيار ولي الأمر لأحد الأمرين ليس على إطلاقه، فاختياره يرفع الخلاف فيما تجري فيه الدعاوى والخصومات فقط مما يجري بين الناس عادة، كالحقوق المالية والجنايات والحدود ونحوها.
ومثال ذلك قبول شهادة الفاسق فيها قولان، والرهن هل يلزم بالقبض أو بمجرد العقد؟ قولان فلو اختار ولي الأمر أحد القولين في هاتين المسألتين مثلاً ارتفع بقوله الخلاف ولزم الناس الأخذ بقوله فيما تنازعوا فيه، وهذا بخلاف ماله علاقة بالاعتقاد أو العبادات المحضة؛ كالطهارة والصلاة والصيام مثل: الشرب من مياه المجاري المنقاة والمعالجة، ومثل دعاء الاستفتاح في الصلاة، وعدد ركعات الوتر أو القنوت في النازلة، فلو اختار ولي الأمر أحد هذه الصيغ أو الأقوال، أو اختار تفسير آية أو معنى حديث على غيره فلا يرتفع باختياره الخلاف بين المختلفين، ولا يلزم الناس اتباعه فيما ذهب إليه وتبناه، ولا يصح له أن يجبرهم أن يأخذوا بقوله، لأن مثل هذه عبادات محضة لا يرفع الخلاف فيها حكم الحاكم أو اختياره أو تبنيه أحد القولين.(/2)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(والأمة إذا تنازعت في معنى آية أو حديث، أو حكم خبري أو طلبي، لم يكن صحة أحد القولين وفساد الآخر ثابتاً بمجرد حكم حاكم، فإنه إنما ينفذ حكمه في الأمور المعينة –يعني ما تدخله الدعاوى والخصومات- دون العامة، ولو جاز هذا لجاز أن يحكم حاكم بأن قوله تعالى:"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" [البقرة:228] هو الحيض والأطهار، ويكون هذا حكم يلزم جميع الناس قوله، أو يحكم بأن اللمس بقوله تعالى:"أو لامستم النساء" [النساء:43] هو الوطء والمباشرة فيما دونه، أو بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج أو الأب والسيد، وهذا لا يقوله أحد.
وكذلك الناس إذا تنازعوا في قوله تعالى:"الرحمن على العرش استوى" [طه:5]، فقال: هو استواؤه بنفسه وذاته فوق العرش، ومعنى الاستواء معلوم، ولكن كيفته مجهولة، وقال قوم: ليس فوق العرش رب ولا هناك شيء أصلاً، ولكن معنى الآية: أنه قدر على العرش ونحو ذلك لم يكن حكم الحاكم لصحة أحد القولين وفساد الآخر مما فيه فائدة.
ولو كان كذلك لكان من ينصر القول الآخر يحكم بصحته إذ يقول: وكذلك باب العبادات، مثل كون مس الذكر ينقض أو لا؟ وكون العصر يستحب تعجيلها أو تأخيرها، والفجر يَقْنُت فيه دائماً أو لا؟ أو يقنت عند النوازل ونحو ذلك) انتهى (مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/238-239).
وأخيراً: أقول إن غزو أمريكا وبريطانيا للعراق نازلة كبرى، ومنكر عظيم، وجريمة لا يستهان بها، لا يصح للمسلمين عامة السكوت عليها، لا سيما والمؤشرات تدل على أن العدو يريد المنطقة كلها، فيتعين مناصرة الشعب العراقي المسلم، وإعانته بكل ما يستطيعه المسلمون من وسيلة مادية أو معنوية لطرد العدو الغاصب المعتدي، ولا أقل من مناصرة إخواننا العراقيين بالقنوت في هذه النازلة، وإنني أرى من المتعين على ولي الأمر -في مثل هذه النازلة في هذا الوقت- أن يوجه الناس للقنوت، أو على الأقل أن يدعهم وشأنهم مع ربهم في الدعاء على عدوهم، ولا يتدخل في ذلك، لعل الله ينصر المستضعفين، ويرد كيد الأعداء في نحورهم، ويشفِ صدور قوم مؤمنين، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.(/3)
مسائل معاصرة في الحج
عبدالعزيز بن سعود العويد 6/12/1424
28/01/2004
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فالحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وقد ثبت وجوبه وصفته بالنصوص المتواترة من الكتاب والسنة .
و كثرت بفضل الله – تعالى – المصنفات والرسائل في صفة الحج وما يتعلق به ، ومشاركة في هذا الباب العظيم من أبواب الخير أحببت أن أجمع بعض مسائل الحج المعاصرة والتي تتجدد بتجدد أسبابها كتغير أحوال الناس ، واستحداث مخترعات جديدة في وسائل النقل ، واللباس وما يحتاجه عموم الناس وغير ذلك .
وقد حرصت في هذا الجمع تجنب التطويل والإشارة إلى ما يهمنا من بحثنا ، وقللت من النقولات والعزو لأن مثل ذلك لا يهم عموم المسلمين ، وهم المقصودون أصلا بهذا البحث ، ومظان هذه الأسطر كتاب الحج من كتب الفقه ، والرجوع إليها لا يعجز طلبة العلم ، وعملي - غالبا - مقتصر على جمع كلام العلماء ، وقد استفدت من بعض المسائل التي أوردها المكتب العلمي بموقع الإسلام اليوم في بحث علمي في بعض مسائل الحج ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
حج المدين : دين الحاج ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : دين حال فيجب إبراء الذمة أولاً بسداد الدين ، فإن من كانت ذمته مشغولة بالدين لا يجب عليه لايحج لكونه غير مستطيع ، ولو حج صح حجه .
القسم الثاني : إذا كان الدين غير حال كأقساط المصارف والشركات فهذا يحج لأن ذمته ليست مشغولة بما لم يحل من الديون ، وينبغي الوصية به لئلا تضيع حقوق الناس .
سفر المرأة بلا محرم للحج بالطائرة: اختلف العلماء في حكم سفر المرأة من غير محرم والراجح جواز ذلك إذا وجدت المرأة رفقة مأمونة وهو قول ابن سيرين وعطاء والزهري وقتادة والحكم بن عتيبة والأوزاعي ومالك والشافعي ورواية في مذهب أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمهم الله - . جاء في " الاختيارات " لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : وتحج كل امرأة آمنة مع عدم محرم لزوال العلة . قال أبو العباس : وهذا متوجه في كل سفر طاعة .
عن الزهري قال : ذكر عند عائشة أم المؤمنين المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم؟ قالت عائشة : " ليس كل النساء تجد محرما " . وعن نافع مولى ابن عمر قال : " كان يسافر مع عبد الله بن عمر موليات له ليس معهن محرم " . لاسيما مع مصاحبة بعض الموانع المادية والأمنية ووجود الأمن في الطائرات التي يقطع بها المسافات الطويلة في زمن يسير كانت تقطع قديما بوسائل النقل القديمة بزمن طويل ، وأما الحوادث التي قد تتعرض لها بعض الطائرات فهي نادرة ، والنادر لا حكم له .
محاذاة الميقات المكاني: يجوز لمن حاذى ميقاتاً من المواقيت المكانية أن يحرم عند المحاذاة ، سواء كان في الطائرة ، أم في الباخرة ، أم في السيارة ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري – رحمه الله – في " الصحيح " عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن أهل البصرة شكوا إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقالوا : " يا أمير المؤمنين : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقّت لأهل نجد قرن المنازل ، وإنها جور عن طريقنا ، أي : مائلة وبعيدة عن طريقنا . فقال – رضي الله عنه - : انظروا إلى حذوها من طريقكم " . فلا يشترط الوقوف عند الميقات للإحرام بالنسك .
الاشتراط عند خوف المنع: اختلف العلماء – رحمهم الله – في الاشتراط عند الدخول في النسك ، والصواب في هذه المسألة ما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أنه لا يسن الاشتراط إلا لمن خاف ما يمنعه من أداء النسك ، وهذا القول به تجتمع الأدلة ، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – أحرم في عمره كلها ولم يعرف أنه كان يشترط عند الإحرام ، وكذا في حجة الوداع ، ولم يأمر أصحابه به ، وإنما أمر من جاءت تستفيه لأنها خشيت أن يشتد بها المرض فيمنعها من أداء النسك كما في حديث ضباعة بنت الزبير – رضي الله عنها - في " صحيح مسلم " .
ويلحق في هذه المسألة من خاف من منع قوات الأمن له من أداء الحج وفقا لترتيبات الحج الأمنية التي طبقتها السلطات في السعودية عند المواقيت المكانية ، فمن خشي أن يمنع من أداء النسك فله أن يشترط عند الإحرام ويقول : اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ، ومن لم يخف فليس له أن يشترط .
وضع الشمسية : إذا ستر المحرم رأسه بساتر متابع كالمحمل والثوب والشمسية فعند الحنفية والشافعية أنه لا شيء عليه وهو الصواب ، لما روى مسلم في " صحيحه " عن أم الحصين – رضي الله عنها – قالت : " حججت مع النبي – صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم – والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة " .(/1)
لبس النظارة ، أو سماعة الأذن ، أوساعة اليد ، أو الحزام أو ضبابة ( ضغاطة ) اليد أو الرجل أو الحذاء المخروز الذي فيه خيوط :
بين النبي – صلى الله عليه وسلم - ما يحرم على المحرم لبسه ، فقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلا قال : يا رسول الله : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس " . والنظارة والسماعة وساعة اليد والحزام وضبابة اليد أو الرجل والحذاء المخروز الذي فيه خيوط لا تدخل في هذه الخمسة لفظا ولا معنى .
لبس المخيط لمصلحة عامة: يجوز للمحرم لبس المخيط لحاجة تتعلق بمصالح الحجيج كأن يكون جندياً إذ إنه لو لم يلبس لباسه الرسمي لما أطاعه الناس ، وصار في الأمر فوضى ، ويفدي احتياطاً .
وضع الكمام على الفم والأنف: يجوز للمحرم وضع الكمام على فمه وأنفهه سواء كان ذلك لحاجة أو لغير حاجة لأنه يجوز على الصحيح من قولي أهل العلم أن يغطي المحرم وجهه ، فإن مستند من منع ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في قصة الرجل الذي وقصته دابته فمات فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " . زاد مسلم " ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " . وهذه الرواية غير محفوظة ويدل لذلك أن شعبة قال : حدثنيه أبو بشر ثم سألته عنه بعد عشر سنين فجاء بالحديث إلا أنه قال : " لا تخمروا رأسه ولا وجهه " .
وروى القاسم قال : " كان عثمان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم يخمرون وجوههم وهم حرم " ، وكذا ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما - في " المحلى " وروى الدار قطني والبيهقي عن ابن عمر أنه قال : " إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه " . وقال جابر – رضي الله عنه - : " يغطي المحرم أنفه من الغبار ، ويغطي وجهه وهو نائم " .
الصابون المعطر: اختلف المعاصرون في حكم الصابون المعطر للمحرم فمنهم من يمنعه – وهو رأي الأكثر – ومنهم من يجيزه – وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – . ولعلنا نستطيع الجمع بين القولين بتقسيم الصابون المعطر إلى قسمين :
القسم الأول : نوع من العطور يستخلص منه منظفات للرأس والجسم ، وبخاخ للتطيب منه ، ومنه الصابون أيضاً ، وهذا لا شك أنه يمنع منه المحرم لأن الصابون يراد منه العطر نفسه .
القسم الثاني : الصابون المعروف الذي يستخدم لتنظيف اليدين وغيرهما ، وهذا ليس بعطر ولا يلحق به لفظا ، ولا معنى ، وإنما المقصد منه التنظيف ، أو إزالة الرائحة الكريهة بالنكهة الذكية كرائحة التفاح ، أو النعناع . ولو أنك دخلت على البقال فقلت : أعطني عطراً ، وأعطاك الصابون لعددت ذلك سخرية منك . والتعليل في القسم الثاني هو معنى ما نص عليه الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في بعض مجالسه سماعاً منه .
استخدام مكائن الحلاقة: هل الأخذ من شعر رأس المحرم بهذه المكائن يكون حلقاً أم تقصيراً ؟
والجواب أن يقال : الحلق في اللغة : أخذ شعر الرأس من أصله بالموسى ، وما لا يمكن معه القص فهو الحلق ، وهذا منتف في مكائن الحلاقة ، إذ إنه بمختلف درجات ماكينة الحلاقة يبقى من الشعر شيء بعد الأخذ منه .
وجود الخط الأسود في بداية الطواف: تكلم المعاصرون في مشروعية هذا الخط على قولين مشهورين ، فمنهم من يمنعه كالشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - ، والشيخ بكر بو زيد – حفظه الله – وله رسالة في ذلك ، ومنهم من يجيزه كالشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله - ، والشيخ محمد بن سبيل – حفظه الله - ، وله رسالة في ذلك . ولكل من القولين حجته ، لكن تنبغي الإشارة إلى أنه مع مشروعية هذا الخط إلا إن فيه خللاً هندسياً ، فعرض الخط من أوله عند الحجر إلى آخر المطاف على قدر واحد ، والمعروف هندسياً أن الدائرة كلما اتسعت اتسع قطرها ، فالواجب زيادة عرض الخط الأسود وتغليظه كلما اتجهنا إلى آخر المطاف ، وهذا يعني أن الطائف في آخر المطاف تكون محاذاته للحجر الأسود قبل وصوله إلى الخط الأسود خلافا لما عليه الخط الأسود الآن .
التوكيل في الهدي: الواجب على الحاج إبراء للذمة أن يتولى ذبح هديه بنفسه ، ويشرف على توزيعه على الفقراء والمساكين مع أكل شيء منه – استحباباً - ، وأما التوكيل فإن كان الوكيل ثقة أميناً فلا بأس وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية بجواز دفع قيمة الهدي للبنك الإسلامي .(/2)
الاعتبار بعلة الزحام الموجودة في هذا الزمان: من أعظم مقاصد الحج تحقيق العبودية لله – سبحانه – بأداء المناسك ، وإظهار معالم الأخوة الإسلامية في الإيثار ، وبذل الخير للمسلمين ، والتخلص من الأثرة وتقديم مصلحة النفس على الغير ، والحذر من كل ما يفضي إلى إفساد النسك ، أو نقصان الأجر كالرفث والفسوق والجدال والخصومة والخلاف والمضاربة أثناء تأدية مناسك الحج .
ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى ما ذكرنا من مظاهر الخلاف والشقاق بين الحجاج شدة الزحام في المناسك بعد تزايد أعداد الحجاج في السنوات الأخيرة ، وهذا أمر ينبغي الالتفات إليه ومعالجته ، فإن هذه الشريعة ما جاءت بالعنت ، والتشديد على المكلف ، وإنما جاءت باليسر والسماحة ، ورفع الحرج والمشقة عنه قال تعالى : " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون " . و( مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها ) فالطواف في مكان بعيد عن الكعبة مع الخشوع أولى من الطواف قريبا منها عند شدة الزحام .
وهذه بعض المسائل المتعلقة بشدة الزحام:
ترك المبيت بمنى عند عدم وجود مكان فيها : المقرر عند الفقهاء وجوب المبيت في منى ، وتركه يوجب الكفارة ، لكن إذا ترك المبيت لعذر فلا شيء عليه ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه - استاذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له " . وروى الخمسة عن عاصم بن عدي – رضي الله عنه – : " أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر " .
ويلحق في ذلك أهل الأعذار ممن يشق عليه المبيت في منى ، فقد روى سعيد بن منصور في " سننه " عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أنه كان يقول : " إذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضيعة إنْ بات بمنى، فلا بأس أن يبيت عنده بمكة" .
قال ابن قدامة – رحمه الله – في " المغني" : وأهل الأعذار كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاة في ترك البيتوتة .ا.هـ.
وقال ابن القيم – رحمه الله – : وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم - قد رخص لأهل السقاية وللرعاة في ترك البيتوتة ، فمن له مال يخاف ضياعه ، أو مريض يخاف من تخلفه عنه ، أو كان مريضا سقطت عنه بتنبيه النص على هؤلاء . والله أعلم . ا.هـ.
ومع الزحام الموجود الآن فقد ألحق العلماء في ذلك ترك المبيت بمنى عند ضيقها، أو وجد مكاناً لا يصلح لمثله ، ومنه المبيت على الشوارع والأرصفة والذي فيه إلحاق الضرر بالنفس والغير وانكشاف عورات النساء ، وهذا لا شك أولى من رعاة الإبل الذين رخص لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – في ترك المبيت بمنى ، فإذا لم يجد مكانا في منى فيبيت عند منتهى آخر خيمة من خيام الحجاج ، وهذا كالمسجد إذا امتلأ بالحجاج فإنهم يصلون بعضهم إلى بعض .
والواجب في المبيت أن يكون معظم الليل ، قال ابن حجر – رحمه الله - : ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل .ا.هـ. ولا يشترط أن يكون آخر الليل كما يفعله من يبيتون خارج منى ، ويأتون منى جميعا في وسط الليل لإدراك المبيت باقي الليل، فيستطيع الحاج المجيء إلى منى عند الغروب ويمكث أكثر الليل فيها ، وفي هذا تخفيف على نفسه وعلى غيره من المسلمين .
الدفع من عرفة قبل الغروب: لا خلاف بين أهل العلم أن من وقف بعرفة ليلاً ولم يدرك جزءاً من النهار أن حجه صحيح ولا شيء عليه. قال في " الشرح الكبير": لانعلم فيه خلافاً.
وإنما اختلفوا فيمن دفع من عرفة قبل الغروب على أقوال منها:
القول الأول: لا يجوز الدفع من عرفة قبل الغروب، ومن فعل ولم يرجع فعليه دم.
وهو قول الحنفية وأحد القولين عند الشافعية وقول الحنابلة وهو قول عطاء، والثوري، وأبي ثور.
واستدلوا على تحريم الدفع قبل الغروب بفعله – صلى الله عليه وسلم - ، حيث لم يدفع إلا بعد غروب الشمس، والاقتداء بفعله هذا متعين؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم " .
القول الثاني: جواز الدفع قبل الغروب، فمن دفع فلا دم عليه، ولا يلزمه الرجوع، ولكن خالف السنة.
وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، واختاره النووي وهو مذهب ابن حزم
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: حديث عروة بن مضرِّس - رضي الله عنه - قال :" أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طي، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال – صلى الله عليه وسلم - : " من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه، وقضى تفثه " أخرجه أحمد والترمذي .(/3)
ووجه الدلالة من الحديث ظاهر : حيث دل على أن من وقف بعرفة نهاراً دون الليل فحجه تام، ولا شيء عليه.
ويُحمل فعله – صلى الله عليه وسلم - من الوقوف حتى الغروب على الاستحباب لأجل هذا الحديث.
فيكون وقوفه إلى وقت الغروب بمنزلة نزوله – صلى الله عليه وسلم - بعرفة قبل الزوال.
قال الشنقيطي – رحمه الله - " قوله – صلى الله عليه وسلم- :" فقد تم حجه " لا يساعد على لزوم الدم؛ لأن لفظ التمام يدل على عدم الحاجة إلى الجبر بدم. والحاصل أن من اقتصر في وقوفه على الليل دون النهار أو النهار دون الليل فأظهر الأقوال فيه دليلاً: عدم لزوم الدم"ا.هـ مختصراً.
الدليل الثاني : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك عرفات قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" ، وفي لفظ " من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فقد أدرك حجه " . رواه أحمد والترمذي.
ووجه الدلالة: أنه إذا جاز الوقوف بعرفة ليلاً دون النهار بدون دم، فلأَن يجوز الوقوف بها نهاراً دون الليل بدون دم من باب أولى، ولا يصح التفريق بين الأمرين.
وبذلك يعلم أيضاً أن البقاء في عرفة إلى غروب الشمس هو فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهديه، ولكن القول بالنفرة قبل الغروب من يوم عرفة له حظه من الاستدلال والنظر، وقال به أئمة علم يقتدى بهم، وأن الحرج الذي يصيب الناس في النفرة من عرفة حيث لا يصلون إلى المزدلفة إلاّ في ساعات متأخرة من الليل يجعل المصير إلى هذا القول والتوسعة على الناس به له اعتباره، وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أذن لضعفة أهله بالنفرة من المزدلفةخوفاً من حطمة الناس فإن المعنى موجود اليوم وعلى وجه أشد في النفرة من عرفة .
الدفع من مزدلفة قبل الفجر:
هديه النبي – صلى الله عليه وسلم – المبيت بمزدلفة إلى بعد طلوع الفجر ، والمستحب الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وأما الضعفة من النساء والصبيان والكبار والعاجزين والمرضى ، وكذلك من لا يستغنون عن رفقته من الأقوياء فيجوز لهم الدفع بعد منتصف الليل . والمذهب الشافعي وأحمد – رحمهما الله - . جواز الدفع بعد منتصف الليل لأهل الأعذار وغيرهم .
والعمل بهذا القول مهم مع كثرة الناس وشدة الزحام ، وما يلحق الناس من جراء ذلك من الكلفة والمشقة .
الترتيب بين أعمال يوم النحر: أجمع العلماء على استحباب الترتيب بين أعمال يوم النحر ، وذلك بتقديم الرمي ، ثم الحلق أوالتقصير ، ثم طواف الإفاضة ، كما رتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – في فعله .
كما أجمعوا على جواز على تقديم بعضها على بعض في حق الناسي والجاهل .
واختلفوا في تقديم بعضها على بعض في حق العامد العالم ، فمذهب الشافعي وأحمد وجمهور التابعين جواز ذلك مستدلين بأحد طرق الحديث المروي في " الصحيحين " عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سأله رجل : " يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح . قال : اذبح ولا حرج . وقال آخر : ذبحت قبل أن أرمي . قال : ارم ولا حرج ، فما سئل عن شيء غلا قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج " . ولم يقيده بالناسي والجاهل .
* ومثل هذا القول يتوكد مع الزحام الموجود الآن . والله أعلم .
الطواف في السطح والسعي فوق سطح المسعى:
أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى بجواز السعي عند الحاجة فوق سقف المسعى قياساً على جواز الطواف حول الكعبة في أروقة المسجد الحرام وفي سطوحه ، وعلى جواز الصلاة الصلاة إلى هواء الكعبة ممن كان في مرتفع عن بنائها كمن في الطائف مثلاً ن وعلى صحة الطواف والرمي فوق دابة ونحوها ، لأن ذلك لا يخرج عن مسمى السعي فهو سعي بين الصفا والمروة ، وأما إذا لم يكن ثم حاجة بأن كان السعي في وقت لا ازدحام فيه فإن الاحتياط لكمال العبادة يقضي بعدم ذلك خروجا من خلاف من منعه ، ولانتفاء العذر المبرر للجواز. ( فتاوي الشيخ ابن منيع 3/81 )
النزول إلى المسعى في الطواف: الناظر إلى زحام الناس الشديد عند بداية الطواف في سطح المسجد الحرام يجد ما يلحق الطائفين من المشقة الشديدة لضيق المكان ، ويتوقف السير أحيانا دقائق عديدة ، ويكثر اللغط والشجار بين الناس مما يضطر بعضهم إلى النزول إلى المسعى ، ومع أن المسعى قد ألحق أخيرا ضمن المسجد من حيث البناء ، إلا أن الرأي مستقر عند العلماء المعاصرين على أنه ليس من المسجد وأنه لا يشرع الطواف به لأن من طاف بالمسعى فقد طاف خارج المسجد ولا يصح الطواف حينئذ ، ونظرا لما ذكرنا من المشقة الشديدة على الطائفين فقد رخص بعض العلماء في نزول الطائفين إلى المسعى عند الضرورة والزحام الشديد ، وممن رخص في ذلك الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين – رحمهما الله - .
رمي الجمرات من فوق الجسر :
يجوز رمي الجمرات من أي جهة من فوق أو من أسفل أو جعلها عن يمينه أو عن يساره .(/4)
قال ابن حجر – رحمه الله - : وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها ( أي جمرة العقبة ) جاز ، سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها ، والاختلاف في الأفضل . ا.هـ.
قال في المنتهى وشرحه : وله رميها أي الجمرة من فوقها لفعل عمر لما رأى الزحام عندها .ا.هـ.
الرمي ليلاً :
ذهب جمع من العلماء إلى جواز الرمي ليلاً لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - حدد أوله ولم يحدد آخره ، ولما سأله رجل كما عند البخاري من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما - : " رميت بعد ما أمسيت . قال : لا حرج " . والمساء يكون آخر النهار ، وفي أول الليل ، ولم يستفصل النبي – صلى الله عليه وسلم – عما يقصده الرجل ، فعلم أن الأمر واسع . وهذا القول هو مذهب الحنفية ورواية عند المالكية وهو المصحح عند الشافعية ، وهو ما أفتى به المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي برئاسة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - ، وذلك حينما اشتد الزحام على الجمرات .
الرمي قبل الزوال في أيام التشريق : السنة في الرمي في أيام التشريق أن يكون بعد الزوال كما هو ثابت في حديث جابر – رضي الله عنه – في " صحيح البخاري " قال : " رأيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يرمي يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس " ، وفي " صحيح البخاري " أيضا عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : " كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا " .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز الرمي قبل الزوال وهو قول طاووس وعطاء وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة واختيار ابن عقيل وابن الجوزي من الحنابلة والرافعي من الشافعية والشيخ صالح البليهي والشيخ عبدالله بن زيد آل محمود والشيخ مصطفى الزرقا وقواه الشيخ عبدالرحمن السعدي – رحم الله الجميع - . ودليلهم في ذلك القياس على " الرعاة الذين رخص لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – الرمي في الليل أو في أي ساعة من نهار" . رواه الدار قطني . وشدة الزحام ، والخوف من السقوط تحت الاقدام أوكد من غيره من الأعذار . ومن أهل العلم من رخص لذوي الحاجات فقط كمن يخشى فوات رحلة طائرة أو باخرة أو رفقة لا ينتظرونه . والله أعلم .
تأخير الرمي :
يجوز لمن كان في معنى الرعاة ممن هو مشغول أيام الرمي بعمل لا يفرغ معه للرمي، أو كان منزله بعيداً عن الجمرات، ويشق عليه التردد عليها ـ أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يوم من أيام التشريق، ولا يجوز له أن يؤخره إلى ما بعد يوم الثالث عشر (آخر أيام التشريق). والرمي في هذه الحالة أداء لا قضاء وأيام التشريق كاليوم الواحد. وهذا رأي الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وهو المعتمد عندهم، واختاره الشنقيطي –رحمهم الله - .
قال ابن قدامة – رحمه الله – : إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده, أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة, ولا شيء عليه, إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث و يستدل لذلك بما رواه أحمد وأبو داوود عن أبى البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – " أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر" .
هذا ما يسر الله – سبحانه – جمعه من بعض المسائل المعاصرة الحج ، جمعت على عجل وقد تحتاج إلى زيادة تحرير لكن ضيق الوقت قبل مو سم الحج يمنع من ذلك ، وهي محاولة لإرشاد الناس لتحقيق المقصد من هذه العبادة العظيمة ، وأداء العبادات فيها بكل طمأنينة وسكينة ، وإزالة ما في قلوب الناس من احتمالات الأذى والهلاك والمقاتلات التي تحصل بين الحجاج ، والسعي في إبراز ما يعين – بإذن الله – وفق الدليل وكلام من يحتج بهم من أهل العلم إلى تعظيم حرمات المسلمين ودمائهم وأعراضهم . والله نسأل أن يوفق المسلمين لما يحب ويرضى ، وأن يسلمهم ويحفظهم ويتقبل منا ومنهم . اللهم آمين .(/5)
مسائل مهمة في النصرة
الكاتب: الشيخ د.علي بن عمر بادحدح
الخطبة الأولى
أما بعد معاشر المؤمنين :
مسائل مهمة في النصرة نصل بها حديثنا الموصول النافع المغيث للقلوب ، والمحرك للنفوس والرافع للهمم، مع الانتصار والنصرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المسألة الأولى : التنوع والتخصص
فإن كل مسلم مؤمن يؤمن بالله ورسوله، لرسول الله صلى الله عليه وسلم حق وفي عنقه واجب ؛ وهنا عندما نتحدث عن النصرة والانتصار فينبغي أن تعم كل أحد ؛ ولعلنا نشير إشارات يسيرة، وومضات معدودة في بعض أنواع تلك التخصصات، والفئات وأدوارها، وشيء من قبسات قدواتهم في هذه الميادين، ونبدأ بالعلماء، والله جل وعلا يقول : { إنما يخشى الله من عباده العلماء }
وكلنا يحفظ حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي ، من حديث أبي الدرداء وفيه : ( إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا درهم ولا دينار ،ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) .
العلماء ورثة الأنبياء مجددوا عهد النبوة .. يا علماء الإسلام : أنتم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم، والأمة تنتظر دوركم والحق جل وعلا بين أثركم كما قال الحق سبحانه وتعالى : {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } .
وأولوا الأمر كما قال القرطبي: " أهل العلم والفقه " .
وقال السعدي في تفسيره: "ينبغي لهم - أي للمسلمين - إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة فيما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو يخافون الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة الأمر وأن يرجعوا كما قال الله عز وجل {إلى أولي الأمر الذين يستبطونه منهم} ؛ أي أهل العلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها فإن رأوا إذاعته -أي ذلك الخبر- إن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعداءهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة لكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه " .
أنتم يا علماؤنا تاج رؤوسنا، أنتم نور طريقنا، أنتم روادنا وسابقونا إلى الخير، نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تتجلى فيكم قبل غيركم، وأن تكونوا إليها سابقين لا يبلغ أحد شأوكم ، والله سبحانه وتعالى قد بين لنا ذلك.
وعندما نجد آيات العلم والعلماء ندرك تماما أن للعلماء دوراً متميزاً ، ورسالة عظيمة هي بمثابة القوة المحركة والبصيرة الموجهة للأمة .. وهنا نذكر أنفسنا وعلماءنا بالمواقف التي أرشد إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم، عندما قال : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) .
وعندما بين النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون، بل نسوق إلى علمائنا مواقف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أهل العلم الذين نطقوا به واعتنوا بنشره واتخذوا الحكمة في ذلك، ووقفوا وثبتوا لكل ما يقتضيه ذلك ويتطلبه، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول : (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من علم، أما أحدهما بثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا الحلقوم - أو البلغوم -) كما في الروايات.
وهكذا فعل ابن عباس رضي الله عنه عندما حمل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فشرق به وغرب، حتى إن واحداً من تلامذته وهو الإمام مجاهد بن جبر رضي الله عنه يقول : "ختمت القرآن على ابن عباس ثلاثين ختمه أستوقفه عند كل آية أسأله عن معناها " .
نريدكم أن تكونوا بيننا نريد أن نلتفت يميناً ويساراً فنجدكم قريب منا لئلا يسبق إلى الرأي ذووا الجهل أو الذين تدفعهم حماسة طائشة، وأين علماءنا لم يتقدموا فتقدم غيرهم .
وهنا أيضا نسوق الأمثلة من تاريخ أمتنا، يوم جاء الانحراف العقدي بتيار جامح في فتنة خلق القرآن، كان للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله منارة هادية وثبات مؤمن عظيم ووعي عالم بصير لم يرض أن يداهن ولا أن يأخذ بالأسباب التي فيها سلامة بل بقي على الحق ، وأوذي وسجن وجلد ثم آب الأمر بإذن الله عز وجل وبهذا الثبات مع نصرة العلماء إلى الحق ، فعادت السنّة من بعد البدعة ، وعاد الأمن والسكينة من بعد الفوضى .. كل ذلك بفضل الله عز وجل ثم بفضل دور العلماء في الأمة .. ونعرف قصة العز بن عبد السلام يوم وقف وقفته الشهيرة ..
الأمة اليوم تحتاج إلى تجديد تلك القدوات من علماء أمتنا في تاريخها العريض المديد ، الذين قالوا كلمة الحق ولم تأخذهم في الله لومة لائم ويوم يقولونها سيجدون الأمة كلها من وراءهم ، وسيجدون الناس يسترشدون بأقوالهم ويأخذون بفتاواهم وبأحكامهم ، وذلك ما نرى أثره يتجدد في الأمة .. ونسأل الله عز وجل المزيد منه .
التجار وما أدراك ما التجار !(/1)
كيف ينصرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يقفون وقفة صادقة لنصرة هذا الدين ورفعة رايته، ألا يذكرون أبا بكر رضي الله عنه الذي أنفق ماله كله أكثر من مرة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته ولنصرته في مواجهة أعداءه في يوم جيش العسرة ! ألا يذكرون - ونذكر جميعاً - موقف عثمان بن عفان يوم جهز من ماله وحده جيشا كاملا لإعلاء راية الله عز وجل ونشر رسالة الإسلام ، والوقوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويومها قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان قولة عظيمة خالدة فريدة .. لو أن كل تاجر تأمل فيها لرأى أن شطراً منها خير له من كل مال الدنيا قال : ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم )
لقد سبق سبقا عظيماً وأتى فعلا جليلا يوشك أن يكون ماحيا لكل ذنب يأتيه أو يقترفه من بعد.
وهكذا نرى كيف كان المال سلاحا في الجانبين، في جانب النصرة وفي جانب العداء {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}
هم ينفقون ليصدوا فهل تنفقون لتنشروا وتنصروا، وأهل النفاق قال الله عز وجل في وصف حالهم واستخدامهم لمالهم {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا }
لا تنفقوا على أتباع الرسول .. لا تنفقوا على العلماء ودعاة الأمة .. لا تنفقوا على الجاليات المسلمة في البلاد غير المسلمة .. دعوهم حتى يضيق عليهم الخناق ، ويصبح من أثر قلة ذات اليد غير قادرين على تمثل إسلامهم ؛ فضلاً عن نشره والدعوة إليه، هل تمتد الأيدي اليوم لتنصر دين الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالبذل والدعوة والإسلام والتعريف به ونصرة المسلمين والجاليات في كل بقعة وصقع من أصقاع الأرض ، ذلك هو الدور المأمول المطلوب من التجار نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
النساء وما أدراك ما النساء !
وقبل ذلك لا بد من إشارات سننبه عليها في آخر الأمر ؛ لأن هذه الأدوار المطلوبة يقابلها بعض الواقع الذي لا بد من التنبيه عليه .. النساء هل يتذكرن الدور العظيم الرائد الفريد لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ! كيف كانت أعظم نصير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ كيف كانت الصدر الحنون الذي تلقاه ؟ كيف كانت الدعم القوي الذي ثبته ؟ ألم تقل له : " كلا ! والله لا يخزيك الله أبداً ؛ إنك لتصل الرحم وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فو الله لا يخزيك الله أبدا " .
ألم تأخذه إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، ألم يقل له : " إن هذا هو الناموس الذي جاء موسى "
ألم تكن معه في مسيرة دعوته حتى كان يوم فراقها ، يوم الحزن الذي ظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه ، ألا تذكر النساء دور أم المؤمنين عائشة كيف حفظت وتلقت علم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغت من العلم في تخصصات عجب لها بعض الناس .. فهذا عروة بن الزبير وهو ابن أختها، يقول لها : " يا أماه - وكان يناديها بأمه- قد علمت علمك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكني أعجب من علمك بالطب " فقد كانت تصف الأدوية والعلاجات " قالت : " كان الناس يفدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينعت لهم النعوت فأحفظ عنه " .
ألا تتذكر أمهات المؤمنين الفداء الروحي بالنفس لأم عمارة يوم أحد حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما التفت يميناً ولا يساراً إلا وجدتها تقاتل دوني ) .
أين هذه المرأة في نصرة نبيها صلى الله عليه وسلم ونصرة دينها ؟ والواقع سنعرض له لاحقا.
أنتقل إلى فئة رابعة مهمة، الشباب!
شباب الأمة ورمز القوة، هم عنصر الحيوية، أمل المستقبل ؛ لأن الله عز وجل قضى ألا تقوم الدعوات والأفكار إلا على قوة الشباب ، فهذه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كأنما تضع العنوان : ( حالفني الشباب وخالفني الشيوخ )
{إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى }
أصحاب الكهف الذين استطاعوا أن يخرجوا من قومهم ، وأن يقاطعوا التيار الجارف في بيئتهم ، وأن يثبتوا على دينهم {فتية آمنوا بربهم}
إبراهيم الخليل عليه السلام الذي واجه أمة كاملة كانت على غير الإسلام والإيمان { قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم }
فليذكروا الشباب كيف نصر الشباب والفتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كيف كانوا في خدمته كما كان ربيعة بن كعب يبيت إلى جوار بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قام من الليل ليصلي قام ربيعة يصب له ماء وضوءه ويصلي معه، حتى قال له:
(يا ربيعة سلني ما شئت ) فأجاب - بلسان المؤمن الذي يرجو الله والدار الآخرة- : " يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة " .
لما يطلب شيئا من أمنيات الشباب، ورغباتهم وشهواتهم بل سمى إلى ما هو أعلى من ذلك.(/2)
وهكذا نستطيع أن نسرد أمثلة كثيرة عظيمة وهي لا تقتصر على جانب دون جانب، ألم نرى معاذ ومعوذ بن عفراء يوم بدر يلتفت أحدهما إلى الصحابي يقول : "يا عماه أين أبوجهل ؟ " فيقول: مالك وله ؟! فيقول: " إني سمعت أنه يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إن رأيته لا يفارق سودي سواده حتى يقتل الأعجل منا "
ثم يلتفت الآخر إليه من الجهة الأخرى فيسأله ذات السؤال، ثم تمضي المعركة، فيسير الفتيان الشابان إلى أبي جهل فيكون لهما النصيب الأكبر في إطاحة رأس الكفر والجاهلية.
هل نرى من شباب الإسلام اليوم من يفدون دينهم ورسولهم بأرواحهم وبكل ما يملكون من طاقاتهم نريد أن نجدد النصرة في عموم الأمة.
بل أنتقل بكم إلى فئة أبعد في نظرنا، إلى الأطفال ينصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كنتم كيف كان يفعل أهل الإسلام بأطفالهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كادوا ألا يكون مولود يولد إلا ويُرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فور ولادته ليأكل شيئا من تمر ، ثم يحنّكه به ويدعو له، منذ اللحظات الأولى، ثم ننظر إلى المثل العظيم الذي نريد أن نشيعه في أبناءنا وأمتنا، نخاطب به الآباء والأمهات، يوم جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه إلى المدينة، ومعها ابنها أنس رضي الله عنه، قالت: " هذا أنس بن مالك يخدمك يا رسول الله"
نذرته لخدمة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال مقالته الشهيرة العجيبة: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله لِمَ لم تفعله"
ليس هناك أعظم من هذا الوصف في خلق النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أم سليم رضي الله عنها قدمت ابنها ليحظى بشرف الخدمة ؛ ليقبس من أنوار النبوة، ليأخذ من خلق الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، لينال الشرف الدنيوي والأجر الأخروي، فهل نقرب أبناءنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل نغذّيهم بسيرته وعظمته وخلقه منذ نعومة أظفارهم، فلا تكونوا قدواتهم أفلام الكرتون أو لاعبوا الكرة أو غير ذلك.
ولو سألنا اليوم بعض شبابنا أو أطفالنا لرأينا بونا شاسعا بين تلك الأمثلة التي نسردها، وغيرها كثير وكثير .
وأنتقل إلى فئة خامسة إلى الدبلوماسيين والسياسيين
والموجات اليوم تظهر لنا فتقول: احذروا الدين في السياسة، أو جنبوا السياسة من الدين، وهنا أقول لكل دبلوماسي أنه قبل أن يكون سفيرا لدولة وقبل أن يكون في موقع له ما له من الأوصاف أو المال أو غير ذلك، أنه:
أولا: سفير لإسلامه ودينه كما كانت أول سفارة يوم بعث محمد صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى المدينة ليكون داعيا إلى الإسلام، ومعلما لمن أسلام من الأنصار، فغشي الناس في دورهم وزار أشرافهم وجلس مع عامتهم، فما دار الزمان عاماً واحداً إلا وما بيت من بيوت المدينة إلا وفيه بعض من أسلم، ذلك هو الدور الحقيقي أن تكونوا رسلا لدينكم لأمتكم، أن تبرزوا محاسن إسلامكم أن تفاخروا بعظمة نبيكم صلى الله عليه وسلم، هل تريدون أدوارا أخرى، انظروا إلى دور الدبلوماسي الذي يعرض نفسه للمخاطر فداء لدينه واستجابة لنبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، يوم كانت المفاوضات يوم الحديبية ورسل قريش تأتي تباعا، انتدب النبي صلى الله عليه وسلم مفاوضاً دبلوماسياً من قِبَله إنه عثمان رضي الله عنه دخل إلى قريش في عقر دارها إلى موطن الأعداء الذين كانوا يحملون الحقد للإسلام وأهله استجابة وموافقة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأداء لمصلحة الأمة.
بل خذوا مثلا آخر لرسول مثل أمة الإسلام في موقف عظيم، يوم بعث سعد بن أبي وقاص ربعي بن عامر إلى رستم عظيم الفرس وقائدهم، فسأله ما الذي جاء بكم، لم يقل جئنا لنقيم كذا ونصنع كذا، بل قال : "جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة " .
كان يعرف ماذا يقول، كان يعرف ماذا يمثل، كان يعرف ما الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في عزته وفي رؤيته وفي دعوته وفي مواجهته لغير المسلمين، لا استخذاء ولا هوان ولا تنفير ولا إكراه ..
تلكم نماذج أين هي من سفراء بلادنا الإسلامية في شتى بقاع الأرض، هل يجددون ذلك؟ هل تكون النصرة بغير الأوراق والبيانات والوسائل المعهودة المألوفة المكرورة ؟ كثيرة هي الفئات التي يمكن أن نتحدث عنها.(/3)
وقبل أن أنتقل إلى نقطة أخيرة في هذا أقول: لعلنا نجد مفارقة في الواقع، فليس علماءنا في الجملة كما نريد أو كما أشرنا، والتجار ينفقون الأموال كما نرى في شيء من الترف والبذخ، أو في وسائل للفساد والإفساد في القنوات .. نرى صور الشباب وهم مشغولون بستار أكاديمي أو سوبر أستار، أو بالتقليعات أو بغير ذلك، نجد شاباتنا أو نساءنا وهن مشغولات بالتجميل والموضة ويستجبن لدعوات التحرير المزعومة فإذا بهن يطالبن بالاختلاط ويقلن لا حرج فيه ، وإذا بهن يدخلن أنفسهن في أمور وقد تخلين عن مهمة عظيمة لسد الثغرة والقيام بالمهمة داخل البيت، حصن الأسرة الحصين الذي هو حماية الأمة والمجتمع، ولو ذهبنا لوجدنا أطفالنا وهم يلعبون بهذه الألعاب الإلكترونية ليس لهم ولا لنا دور في تعليقهم بالإسلام وربطهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم .
السفارات وما أدراك ما السفارات وهي تمارس في بعض الأحيان أموراً محرمة مقطوعا بحرمتها، فكأنما تنقل صورة الإسلام شوهاء أو عكس الصورة المطلوبة الحقيقية، أقول هذا لا نؤيس ولكن لنقول: إن هذه النصرة العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد طبقت الأرض وقد اشترك فيها الجميع ؛ لعلها تكون بداية تجديدية قوية لتصحيح مسارنا في ارتباطنا بديننا .
ولعل قائلا يقول : وأين تركت الحكام والقواد والزعماء والرؤساء ؟
وأقول لهؤلاء ولكم : إن هؤلاء مقامهم الحقيقي في فهمنا الإسلامي أنه في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهم بمثابة خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام، وهنا نقول أين عدل الإمام وأين زهد الحاكم وأين نزاهة القائد وأينكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين ؟ أين ترفعكم وتنزهكم عن كل ما فيه شبهة فضلا عما فيه حرمة ؟ أين إقامتكم للعدل وإنصافكم بين الرعية ؟ أين كل ذلك، أنتم أعلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنتم أعلم بقدر المسافة والبعد بينكم وبينها وأنتم إذا صلحتم كان في صلاحكم أثر عظيم في صلاح الأمة .. ولهذا نقول إن هذه النصرة متنوعة ومتخصصة كل في ميدانه ومجاله.
والمسألة الثانية : الدعوة والحكمة
إن هدفنا معاشر المسلمين جميعا مع كل أمم الأرض هي الدعوة، ندعو الناس إلى هذا الدين، نخرجهم من الظلمات إلى النور، نبصرهم بالحق وهم في الضلال ونخرجهم من كثير وكثير من أوبار وأوباء الجاهلية إلى خيرات وبركات الإسلام، تلك هي مهمتنا ووسيلتنا حكمة كما قال الله عز وجل : {ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } .
ومن هنا ندرك المواقف العظيمة لرسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن .. نعم عاداه الكفار فوقف موقف العزة وأخذ بمبدأ الجهاد، لكن الغاية لم تغب عن باله ولا عن نهجه أبداً .. إنها غاية الدعوة .. إنها غاية فتح القلوب والعقول لمعرفة هذا الدين العظيم، ليدخل الناس فيه أفواجا، يوم انتصر عليه الصلاة والسلام على كفار مكة ألذ أعداءه الذين أخرجوه منها وبعد أن تمكن منهم ومن نواصيهم ورؤوسهم ومن أزواجهم وذراريهم ومن أموالهم وثرواتهم، قال: ( ما تظنون أني فاعل بكم ؟ ) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم . قال: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
هذه هي السماحة الحقيقة، هذا هو الإسلام الذي يكسر الحواجز، فلا يبقي لأحد عذرا إلا لينظر بعين الإنصاف وبعقل الرشد وبنفس الرغبة في الخير، ويقوده ذلك حتما ولا شك كما قاد صناديد الكفر وعتاد الظلم والطغيان لينقادوا صاغرين ويحنوا رؤوسهم لعظمة هذا الدين ويصيروا أتباعا وتلاميذ لخير الخلق صلى الله عليه وسلم.
تعلمون خالد بن الوليد وكيف آل مآله، سهير بن عمرو وكيف انتهى حاله، عمرو بن العاص وكيف صارت مسيرته وسيرته، كل أولئك ما رفع فوق رؤوسهم سيف ولا جاءتهم قوات تكرههم لكن الدعوة نفذت إلى قلوبهم وعقولهم ..
واليوم ونحن ننصر نبينا ينبغي أن ندرك أن كل وسائلنا إنما هي طريق إلى هذه الدعوة فلنعبر الجسور إلى أولئك القوم فإنهم في ضلال يحتاجون إلى الهدى الذي أكرمنا الله به وإنهم في ظلمات يفتقرون إلى النور الذي حبانا الله إياه ، وإنهم في تيه يحتاجون إلى قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نيعرف سيرته وينبغي لنا أن نعرف بها، ومن هنا تأتي الحكمة لئلا يكون الأمر منطلقا بلا خطام ولا زمام {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم }
قال القرطبي في هذه الآية: "وحكمها باق في المسلمين وهي أصل سد الذرائع"(/4)
إن كان فعلنا في إساءتنا لقوم سيؤدي إلى إساءتهم لأصل ديننا فالأمر عظيم والنهي عنه وارد في الكتاب الكريم ؛ لأن القوم لا يعرفون دينا ولا يقيمون وزنا ولا قيمة ولا قدر لنبي ؛ فإن قلت قولا ثم كان من أثره أن يسيئوا إلى الدين والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم فإن الحكمة تقتضي الامتناع عن ذلك وإدراك مآلات الأمور والنظر فيها، والممارسات التي تتم من بعض المسلمين في ثورة العاطفة، ما الذي أدت إليه، سفك دماء مسلمة وإزهاق أرواح مؤمنة، إتلاف أموال في بلادنا وديارنا ثم صورة يريدون أن يلصقوها بنا وأن أهل الإسلام ليس عندهم إلا القتل والدم والعنف والإرهاب كما يزعمون، ونحن لا نقول إننا قوم نسالم كل من اعتدى علينا وحل بنا عدوانه لكننا في الوقت نفسه لسنا قوما من أهل العنف الذين يرغبون فيه لذاته ولا يتعطشون للدماء بل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلك رسالة مهمة ينبغي لنا أن نعيها ونحن في هذه الأجواء العظيمة لنصرة نبينا صلى الله عليه وسلم .
أسأل الله عز وجل أن يبصرنا بديننا وأن يجعلنا متمسكين بسنة وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد معاشر الأخوة المؤمنون :
ومسألة ثالثة نختم بها وهي جديرة بأن يطول الحديث فيها وقد يكون ذلك كذلك من بعد، إنها مسألة : التعريف والتعليم
نحن إذا أردنا نصرة نبينا فهذا واجبنا تجاه سيرته وتجاه أخلاقه وتجاه سنته صلى الله عليه وسلم .
ومضات سريعة للمسلمين تعليم ولغير المسلمين تعريف، ماذا نريد للسيرة بين المسلمين، جوانب ثلاثة:
أولا: السيرة إيمانا ومحبة:
نريد أن تكون السيرة طريقا إلى زيادة الإيمان، وترسيخ اليقين بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيم محبته في النفوس حتى يصدق ما طلب منا عليه الصلاة والسلام : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .
ويوم قال عمر مقالته الشهيرة، فقال له من بعد: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي التي بين جنبي، قال: ( الآن يا عمر )
تلك هي السيرة التي نريد في بعدها الأول.
والسيرة ثانيا: سيرة تربية وقدوة
نريد ألا تكون عواطف جامحة، ولا مجرد كلمات نقولها في الثناء والمدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس أعظم من ثناء ربه عليه ومدحه له في كتابه الكريم وفيما جعل من التشريع لتعظيم قدره عليه الصلاة والسلام، لكن السيرة تربية لنا وقدوة تنتصب في حياتنا، فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاً وأباً، ونراه حاكماً وقائداً، ونعرفه صديقاً وصاحباً، ونطلع على سيرته قاضياً عادلاً، إلى غير ذلك من الوجوه التي نعرفها.
وأخيرا: السيرة معرفة وقدرة:
لا بد من أن نعرف سيرتنا عن بصيرة وعلم، وخاصة مواطن الشبهات الني يثيرها الأعداء، أو التي هي ضلالات عندهم أوهي جهالات عند بعض المسلمين حتى ننير للناس الطريق ؛ لأن سنة النبي وسيرته صلى الله عليه وسلم هي التطبيق العملي لكتاب الله وهي التفسير الحي لما جاء في كتاب الله، فحينئذ نعرف منها ما يكشف لنا كل غامض وما ينير لنا كل مظلم فنكون على بينة من أمرنا .
{ قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين } .
ولغير المسلمين تعريف يكون في محاور ثلاثة:
السيرة تأصيل وتاريخ، ليعرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم مذكور في كتبهم، وله بشارات وشهادات في كتب من جاء من قبله من الرسل، خاصة فيما جاء به عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام، وهذه الآثار رغم التحريف باقية في تلك الكتب بعض دلالاتها وإشاراتها ؛ لأن القوم كما قلت لا يعرفون دينا بل هم اليوم في أكثر أحوالهم لا دينيين، فليعرفوا هذا البعد في السيرة .
ولنأخذ بُعداً آخر وهو السيرة في الإنسانية والعظمة لنبرز المعاني الإنسانية التي أصبحت لدى القوم اليوم كأنما هي مثل عظيمة وقيم لا بد من حفظها، ليعرفوا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم المعنى الحقيقي للرحمة والتسامح، وليعرفوا الدور الإيجابي لرعاية وحماية حقوق الإنسان، وليعرفوا الضابط المنهجي لحرية التعبير ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة للبشرية كلها، وإن كان بالنسبة لنا مصدر تشريع فإنه مصدر نور وضياء لكل إنسان حتى وإن لم يكن مسلما، لأن عظمة شخصيته يقر بها كل أحد ويرى فيها أنموذجا متفرداً حتى إن بعض كتاب الغرب عندما أراد أن يكتب عن أعظم مائة رجل، كتب كتابه فجعل محمدا أعظم عظماء البشر، وهو لا يعرف حقيقة الإيمان به والإسلام الذي جاء به عليه الصلاة والسلام .
وثالث نكمل به هذه المسألة ، وهي : السيرة تجربة خبرة(/5)
لنقول إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه المسائل أقوالاً، لم يرسمها شعارات، لم يكتبها كقوانين بل طبقها كواقع في حياته فكرس دور المرأة وحقيقة شخصيتها، كما ينبغي أن يكون الأمر في مجتمع المسلمين بل ينبغي أن يكون لغير المسلمين كذلك، وأن يعرفوا كل هذه الجوانب من الناحية التطبيقية العملية، يوم ننصر سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم على هذا النحو في مجتمعاتنا المسلمة، وعلى هذا النحو التعريفي في مجتمعات غير المسلمين، فسيكون الحال خيراً من حالنا الذي نحن عليه، وتلك واجبات ومسائل مهمة في قضية النصرة ..
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لها وأن يحققنا بها وأن يجعلنا من الداعين إليها والناصرين لها، والمستمرين الثابتين على العمل بها إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه(/6)
مسائل مهمة
تتعلق
بفقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات
تأليف
د . حسام الدين عفانة
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
فبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك نقدم لإخواننا المسلمين هذه الرسالة المتعلقة ببعض أحكام الصيام وصلاة التراويح وقراءة القرآن وصدقة الفطر والعيد وغيرها من المسائل التي يحتاج إليها الناس .
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علّمنا وأن يفقّهنا في الدين إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين .
2 رمضان 1419 د . حسام الدين عفانه
وفق 20/12/1998 الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
تفرق المسلمين في رؤية الهلال
يقول السائل : ما قولكم في رؤية أهل بلد الهلال، فهل يلزم المسلمين في البلدان الأخرى الصوم ؟
الجواب : إن هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً، وكثر الحديث عنها في هذه الديار وخاصة في أعقاب ما حصل في نهاية رمضان من العام 1413هـ حيث حصلت بلبله بين الناس في اليوم الأخير من رمضان وفي يوم العيد أدت إلى أمور تتعارض مع شريعتنا الإسلامية .
فأقول وبالله التوفيق : لا شك أن جمهور أهل العلم يرون أنه لا عبرة باختلاف المطالع وأن على المسلمين جميعاً أن يصوموا في يوم واحد وأنا أقول بهذا القول وأعتقد رجحانه، ولكن هذا القول مع قوته ورجحانه إلا أنه رأي نظري لم يأخذ طريقه إلى التطبيق الفعلي في تاريخ المسلمين منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا تعلم فترة جرى فيها توحيد المسلمين جميعاً على رؤية واحدة إلا ان يكون حصل ذلك عرضاً ودون ترتيب لذلك الأمر وقد يستغرب بعض الناس هذا الكلام ولكنه الواقع، لأن جمع المسلمين على رؤية واحدة عند الصيام أو عند الأعياد، يحتاج إلى وسائل اتصالات حديثة وسريعة حتى يصل الخبر خلال ساعات إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي ليصوموا في نفس اليوم، وهل هذا الأمر كان متوفراً للمسلمين منذ عهد الرسول ص وعهد الخلفاء من بعده! ونحن نعلم أن وسائل الاتصالات الحديثة قريبة العهد، ولنضرب مثلاً يقرب الصورة ففي عهد الخلافة الراشدة كان مقر الخليفة في المدينة المنورة وكانت دولة الخلافة مترامية الأطراف فهل كان إذا ثبت رؤية هلال رمضان لدى الخلفة في المدينة المنورة تطير البرقيات وتشتغل الهواتف لإخبار المسلمين في اليمن وفي مصر وفي الشام وفي العراق ليصوموا في يوم واحد؟ كل ذلك ما حصل وما وقع ومن قال بخلاف هذا فقد أخطأ .ولا شك أنني آمل أن يتحقق جمع المسلمين على رؤية واحدة وأن هذا الأمر لسهل ميسور في هذا الزمان في ظل دولة إسلامية واحدة ومع تقدم وسائل الاتصال ولكن إلى أن يتحقق هذا الأمل، أقول: بأنه يجب على أهل كل بلدان المسلمين أن يصوموا في يوم واحد وأن يكون عيدهم في يوم واحد. فنحن أهل فلسطين علينا أن نصوم جميعاً في يوم واحد وأن يكون عيدنا واحداً لأن في هذا الأمر محافظة على وحدتنا الجزئية إلى أن تتحقق وحدة العالم الإسلامي الكلية، فلا يقبل أن يختلف أهل البلدة الواحدة أو المدينة الواحدة أو القرية الواحدة، فبعضهم صائم وبعضهم يصلي العيد.
وضابط هذا الأمر هو الالتزام بما يصدر عن أهل العلم في ذلك البلد وهم القضاة في المحاكم الشرعية وطاعتهم في ذلك طاعة في المعروف وإن كان هذا مخالفاً لرؤية أهل بلد آخر، لأن الأصل في الصوم أن يكون مع جماعة المسلمين وعامتهم لما ثبت في الحديث الصحيح من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه الترمذي وأبو داود والبيهقي وهو حديث صحيح.
قال الإمام الترمذي رحمه الله : ( وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس).
وعلى المسلمين في هذه الديار أن يعلموا أنه يسعهم ما وسع المسلمين في السابق، بل أيام قيام دولة الإسلام، فما كانوا يصومون في يوم واحد وما كان عيدهم في يوم واحد لما ذكرته سابقاً، وأنقل كلام بعض أهل العلم في ذلك:
قال الإمام السبكي رحمه الله، في كتابه "العلم النشور في إثبات الشهور" (ص15) ما نصه (……لأن عمر بن الخطاب وسائر الخلفاء الراشدين لم ينقل أنهم كانوا إذا رأوا الهلال يكتبون إلى الآفاق ولو كان لازماً لهم لكتبوا إليهم لعنايتهم بأمور الدين).(/1)
وقال الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني (… وإلى أن تجتمع الأمة الإسلامية على ذلك – توحيد الصوم والعيد – فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت. لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد) تمام المنه في التعليق على فقه السنة، ص398.
ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: (إن السعي الى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم وسائر شعائرهم أمر مطلوب دائماً ولا ينبغي اليأس من الوصول اليه، ولا من إزالة العوائق دونه، ولكن الذي يجب تأكيده وعدم التفريط فيه بحال هو، أننا إذا لم نصل الى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطر الواحد، فلا يجوز أن نقبل أن ينقسم أبناء البلد الواحد أو المدينة الواحدة فيصوم فريق اليوم على أنه رمضان ويفطر آخرون على أنه من شعبان وفي آخر الشهر تصوم جماعة وتعيّد أخرى فهذا وضع غير مقبول.
فمن المتفق عليه أن حكم الحاكم أو قرار ولي الأمر يرفع الخلاف في الأمور المختلف فيها فإذا أصدرت السلطة الشرعية المسؤولة عن إثبات الهلال في بلد إسلامي – المحكمة العليا أو دار الإفتاء أو رئاسة الشؤون الدينية أو غيرها – قراراً بالصوم أو الإفطار فعلى مسلمي ذلك البلد الطاعة والإلتزام.
لأنها طاعة في المعروف وإن كان ذلك مخالفاً لما ثبت في بلد آخر، فإن حكم الحاكم هنا رجح الرأي الذي يقول: إن لكل بلد رؤيته. وقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون} وفي لفظ {وفطركم يوم تفطرون واضحاكم يوم تضحون} فتاوي معاصرة ج2 ص223.
النية في الصيام
يقول السائل: كيف تكون النية في الصيام، وما الحكم لو نوى الصائم أثناء النهار قطع الصوم ولكنه لم يفعل ما يفطره فعلا؟
الجواب : النية فرض من فرائض العبادة، سواء أكانت صلاةً أو صياماً أو حجاً أو غيرها، وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) رواه البخاري وغيره .
والصوم لابد فيه من نية، فلا يصح الصوم بدون نية، سواء أكان الصوم فرضاً أو نفلاً أو قضاءً، وإن اختلف أهل العلم في وقت النية في أنواع الصيام المذكورة، وبالنسبة لصوم رمضان، فالراجح من أقوال أهل العلم أنه لا بد من تبييت النية، أي لابد أن ينوي المسلم الصيام قبل طلوع الفجر، ويدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أخته حفصة زوج النبي ص أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال : (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صوم له) رواه أبو داود وابن خزيمة والدراقطني والبيهقي وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ المحدث الألباني، انظر إرواء الغليل 4/25 .
ومعنى (يجمع) في الحديث أي يعزم، أي لابد لمن أراد الصوم أن يعزم على الصيام خلال الليل، ويكون ذلك من وقت المغرب إلى طلوع الفجر، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول المرجح :" إنه أوسط أقوال أهل العلم في المسألة "، انظر مجموع الفتاوى 25/120.
وكما قلت فان المقصود من النية العزم على الصوم، وليس المراد أن يتلفظ بالنية، كأن يقول بلسانه " نويت أن أصوم يوم غدٍ من شهر رمضان " أو نحو ذلك من العبارات، فإن التلفظ بالنية بدعة لا أصل له في الشرع، لأن النية من عمل القلب وليست من عمل اللسان، وقد اتفق معظم العلماء على أن محل النية القلب، والتلفظ بها بدعة لأن ذلك لم ينقل عن الرسول ص أنه علّم أصحابه التلفظ بالنية، ولا أمر به أحداً منهم فلو كان ذلك مشروعاً لبينه عليه الصلاة والسلام، إما بالقول أو بالفعل أو بهما وكل ذلك لم يكن .
وينبغي أن يعلم أن كل يوم من أيام رمضان يحتاج إلى نية مستقلة، على الراجح من أقوال أهل العلم لأن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة، وهذا بخلاف قول الإمام مالك أنه تجزئ نية واحدة لجميع شهر رمضان .
قال الشيخ ابن قدامى مستدلاً للقول الراجح : "ولنا أنه صومَ واجبَ، فوجب أن ينوي كل يومٍ من ليلته كالقضاء، ولأن هذه الأيام عباداتَ لا يفسد بعضها بفساد بعض ويتخللها ما ينافيها… " المغني 4/111.
وأما مسألة لو نوى الصائم في نهار رمضان قطع الصيام ولم يأكل ولم يشرب ولم يأت شهوته، فان المسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن من نوى الإفطار فقد أفطر وان لم يأكل ولم يشرب، لأن الصوم عبادةَ من شرطها النية، فيفسد الصوم بنية الخروج منه.
ومن أهل العلم من يرى أن من نوى الفطر لا يفطر، لأنه لم يفعل ما يوجب الفطر، وهذا القول هو الذي أختاره وأرجحه، وهو قول الحنفية والأصح عند الشافعية، كما قال الإمام النووي في المجموع 3/285 .
وقاسوا ذلك على من نوى الكلام في صلاته ولم يتكلم، فصلاته صحيحة ولأن الصوم ملحق بالتروك، أنظر الموسوعة الفقهية 28/27 .
حكم من اصبح في أول يوم من رمضان مفطرا
ً(/2)
ما حكم من أصبح في أول يوم في رمضان وهو لا يعلم بثبوت رؤية الهلال ولم يبيت النية للصوم ؟
والجواب : يجب على من أصبح في اليوم الأول من رمضان وهو لا يعلم بثبوت رؤية الهلال ولم يبيت فيه الصوم يجب عليه أن يمسك بقية يومه ويجب عليه قضاء ذلك اليوم لأن تبييت النية من الليل أمر لا بد منه في صوم رمضان ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر عن حفصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال : (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) رواه أصحاب السنن واحمد وهو حديث صحيح .
والمراد بقوله في الحديث ( يجمع ) أي يعزم والمقصود أنه لا بد من النية قبل طلوع الفجر فعلى هذا الشخص أن يقضي يوما عن اليوم الذي لم يصمه سواء أكل في ذلك اليوم أو لم يأكل .
وينبغي أن يعلم أن النية في الصوم لا يشترط فيها التلفظ باللسان بل أن التلفظ بها بدعة وإنما محلها القلب فإذا خطر على قلبه ليلا أنه يصوم يوم غد من رمضان فقد نوى وكذلك إذا قام للسحور وأما التلفظ بالنية فليس مشروعا .
العبادة في رمضان فقط
يقول السائل: نرى كثيراً من الناس يقبلون على عبادة الله في شهر رمضان فيصلون ويصومون ويرتادون المساجد فإذا انتهى شهر رمضان انقطعوا عن عبادتهم فما تقولون في هؤلاء؟
الجواب: لاشك أن إقبال الناس على الصلاة والصيام وقراءة القرآن وارتياد المساجد في رمضان يشير الى جوانب ايجابية في حياة الناس والى تعظيمهم لشهر رمضان ولكنه يشير في الوقت ذاته الى خلل في حقيقة تصور هؤلاء الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى فالمفهوم الحقيقي لعبادة الله يتسم بطابع الاستمرارية وعدم الانقطاع فعبادة الله ينبغي أن تكون مستمرة ومتصلة طوال الوقت وعلى مدار الأيام وعبادة الله سبحانه وتعالى ليست موسمية في رمضان فقط وإنما في كل شهور العام فرب رمضان هو رب شوال وشعبان والله سبحانه يقول: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي استمر على عبادة الله حتى يأتيك الموت .
ونقول لهؤلاء الناس الذين يتقربون لله تعالى في رمضان أن عليهم أن يعتبروا قدوم شهر رمضان فرصة عظيمة لتجديد التوبة الصادقة والبدء بحياة جديدة في ظل الإيمان والالتزام بمنهج الرحمن وعليهم أن يجعلوا إقبالهم على الله في رمضان فاتحة خير للاستمرار على طريق الخير والرشاد ونوصيهم بأن يستمروا في هذا الطريق ونحذرهم من النكوص على أعقابهم بعد نهاية رمضان فإن فعلوا ذلك فقد ساروا في طريق الخذلان والعياذ بالله .
الإمساك قبل طلوع الفجر
يقول السائل: ما قولكم فيما يسمى بموعد الإمساك المطبوع في كثير من التقاويم (الإمساكيات) وعادة ما يكون قبل أذان الفجر بربع أو ثلث ساعة. فهل يحرم على المسلم أن يأكل في هذا الوقت ؟
الجواب: إن الإمسك قبل أذان الفجر والمتعارف عليه لدى كثير من الناس حيث أنهم يمتنعون عن الطعام والشرب إذا حان موعد الإمساك ويعتبرون أن وقت الصوم قد بدأ، إن هذا الإمساك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ولا دليل على جوازه في الكتاب أو السنة وفيه نوع من الغلو والتشدد الذي نهى عنه الشرع إذا إلتزم به المسلم .
والأصل أن وقت الصيام يبدأ بطلوع الفجر الصادق وهو موعد أذان الفجر يقول الله تعالى: (وكلوا وشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) وبناء على ذلك يجوز للمسلم أن يستمر في الأكل والشرب الى أن يؤذن لصلاة الفجر ولا يحرم عليه الطعام أو الشراب إلا إذا دخل وقت صلاة الفجر
وهذا الإمساك المبتدع يتعارض مع ما ورد في السنة النبوية من تأخير السحور فقد ورد في ذلك أحاديث منها :
1- ما رواه الإمام البخاري قال: "باب تعجيل السحور ثم ساق بسنده عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - –أي صلاة الفجر - .
وقال الحافظ ابن حجر قوله تعجيل السحور أي الإسراع بالأكل إشارة الى أن السحور كان يقع قبل طلوع الفجر. وقد ورد في بعض نسخ صحيح البخاري في ترجمة الباب قوله: باب تأخير السحور .
2- روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه: كنا ننصرف من صلاة الليل فنستعجل بالطعام مخافة الفجر .
3- وعن أبن عباس قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نجعل فطرنا وان نؤخر سحورنا وان نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. قاله الهيثمي .
المفطرات المعتبرة
يقول السائل: يتناقل كثير من الناس في رمضان الحديث عن الأمور التي تفطر الصائم ونسمع من المشايخ كثيراً من ذلك قولهم ان القطرة تفطر الصائم وأن الحقنة تفطر الصائم والتحميلة تفطر الصائم وأن أدخل اصبعه في دبره يفطر ونحو ذلك فما هو الصحيح في هذه الأمور وأمثالها وهل تعتبر للصائم أم لا ؟(/3)
الجواب: أن الذي دل عليه القران الكريم وسنة المصطفى ص أن ما يفطر الصائم هو الطعام والشراب والجماع ومعلوم أن الطعام والشراب يتناوله الانسان من منفذه الطبيعي وهو الفم فما كان طعاماً أو شراباً ودخل من المدخل الطبيعي فلا شك أنه يفطر الصائم وقد اجتهد فقهاء الاسلام في الأمور المفطرة للصائم وذكروا أشياء كثيرة من المفطرات حتى صارت كتب الفقه طافحة بها على اختلاف في المذاهب في كل منها، هل يعد مفطراً أم لا؟
والصحيح الذي أطمئن اليه وتؤيده الأدلة أن كثيرا مما ذكره الفقهاء من المفطرات ليس كذلك ولم تقم الأدلة الصحيحة على اعتباره مفطرا للصائم، وأنا أميل الى التضييق في المفطرات وعدم التوسع فيها لعدم ثبوت الأدلة على أن كثيرا مما عده الفقهاء من المفطرات أنه مفطرا بغض النظر من أين دخل فمثلاً إذا احتقن الصائم بدواء فإنه يفطر بل قال بعضهم إذا استنجى الصائم فأدخل إصبعه في دبره أفطر وإذا اكتحل أفطر .. الخ وهذا الكلام غير مسلم وغير مقبول لماذا؟ لأن الصيام مما يبتلى به عامة الناس في دين الإسلام
ولو كانت مثل هذه الأمور مفسدة للصوم لبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيانا عاما مفصلا، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة- فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك فان الصيام في دين المسلمين الذي يحتاج الى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم به لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغو سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لا حديثا صحيحا ولا ضعيفا ولا مسندا ولا مرسلا علم انه لم يذكر شيء من ذلك. مجموع الفتاوي 25/233-234 .
وقال أيضا: أن الأحكام التي تحتاج الأمة معرفتها لا بد أن يبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً ولا بد أن تنقلها الأمة فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه.. واذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها - صلى الله عليه وسلم - بيانا عاما ولا بد تنقل الأمة فمعلوم ان الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن و الاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه - صلى الله عليه وسلم - كما بين الافطار بغيره.. مجموع الفتاوي 25/236-242 .
وقال ابن حزم: (إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي وما علمنا أكلا ولا شرابا يكون على دبر أو احليل أو أذن أو عين أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس وما نهينا قط أن نوصل الى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم علينا ايصاله ) المحلى 4/348 .
صوم الأطفال
يقول السائل في أي سن يصوم الأطفال؟
الجواب: ان الأطفال ليسوا من أهل التكليف شرعا لقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يفيق) رواه ابن ماجة وغيره وأسناده صحيح. فهم غير مكلفين شرعاً ولكنهم يؤمرون اذا أطاقوه وهذا الأمر على سبيل التمرين والتعود وعلى هذا أكثر أهل العلم من أجل أن يتمرن الطفل على الصوم وكذلك يفعل معه بالنسبة لبقية الأحكام الشرعية فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه .
ولا شك أن الصوم أشق من الصلاة فلذلك فإن الصبي اذا أطاق الصوم يطلب منه ذلك ولا بد أن يكون صومه بالتدريج حتى لا يكون شاقا عليه وقد يطيق الصبي الصوم وهو ابن ثمان أو تسع أو عشر ويعود تحديد السن الى ولي أمره الذي يعرف مقدرة الصبي على الصوم من عدمها .
ومطالبة الصبي بالصوم أمر معهود منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم فقد ورد في الحديث عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ارسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء الى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم قالت:- فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الافطار) رواه البخاري ومسلم .
ففي هذا الحديث تخبر الصحابية الربيع انهم كانوا يصومون الأطفال في صوم عاشوراء ويشغلونهم عن الطعام باللعب يصنعونها من الصوف فإذا كان الحال كذلك في صوم عاشوراء فمن باب أولى ن يكون في صوم رمضان حتى يتمرنوا على الصوم ويكون الأمر سهلاً اذا ما بلغوا وهكذا ينبغي أن يكون الامر في بقية التكاليف الشرعية قال ابن عباس رضي الله عنهما: اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم ولكم من النار) .
أكل الصائم ناسيا(/4)
ما حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم وهل هناك فرق بين أن يكون ذلك في صوم فرض أو نافلة وهل يشرع لمن رآه يأكل أو يشرب أن يذكره؟
الجواب: لا شك أن النسيان من طبيعة الإنسان وهو من الأمور الخارجة عن ارادته وأن من يسر الشريعة الإسلامية أنها لا تكلف حال نسيانه يقول الله تعالى ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) والنسيان ليس من كسب القلوب وقد ثبت في الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدار قطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وغيرهم.
والمقصود بالرفع هنا هو حكم هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث والحكم المرفوع هو حكم الدنيا وحكم الآخرة وهذا الكلام ينطبق على من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فلا اثم علي ولا قضاء عليه وليتم صومه وقد ثبت في الحديث الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم - (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه البخاري ومسلم.
وورد في حديث آخر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال (إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله اليه ولا قضاء عليه) رواه الدارقطني وقال اسناده صحيح كلهم ثقات كما نقله ابن الجوزي في التحقيق 22/87.
وبهذا يظهر أن من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة وهذا الحكم في مطلق الصوم فرضا كان أو نفلا ولا وجه لمن فرق بين صوم الفريضة وصوم النافلة في هذا الحكم وكذلك لا فرق بين أن يأكل الصائم أو يشرب قليلا أو كثيرا فالحكم لا يختلف ما دام أن الأمر وقع نسيانا فلا حرج في ذلك فقد ورد في الحديث عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم اسحق رضي الله عبها أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين –صحابي- فناولها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرقا –عظم عليه لحم- فقال يا أم اسحق أصيبي من هذا فذكرت أني كنت صائمة فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مالك؟ قالت كنت صائمة فنسيت فقال ذو اليدين الآن بعد ما شبعت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله اليك رواه احمد والطبراني في الكبير كما قال الهيثمي .
ويشرع في حق من رأى إنسانا يعلم أنه صائم فرآه يأكل أو يشرب أن يذكره يصومه لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى يقول الله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
ويتأكد هذا التذكير إذا كان الصائم يأكل أو يشرب في رمضان نسيانا فعليه أن يذكره لأن الأكل والشرب في نهار رمضان من المنكرات والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول - صلى الله عليه وسلم - (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم إلا أن ذلك معفو عنه لأنه وقع نسيانا ووقوعه نسيانا من الصائم لا يعفي من رآه من تذكيره .
استعمال الصائم فرشاة الأسنان
ما حكم استعمال فرشاة الأسنان مع المعجون في نهار رمضان؟
الجواب: أن على الصائم أن يأخذ بالأسباب الكفيلة بالمحافظة على الصوم فيبتعد على كل ما من شأنه أن يخل بالصوم. فيستطيع الشخص أن ينظف أسنانه بالفرشاة والمعجون قبل الفجر أو بعد الإفطار فهذا هو الأفضل ويجوز له أن يستعملها أثناء النهار إذا تيقن من عدم نزول شيء الى جوفه. لأن نزول شيء من المعجون أو الماء الى الجوف من المفطرات والإحتياط في هذا الأمر أولى .
دواء مرضى الربو والصوم
يقول السائل هل البخاخ الذي يستعمله بعض المرضى في الفم يفطر الصائم؟ وهل التحاميل تفطر الصائم؟
الجواب: إن البخاخ المذكور في السؤال هو سائل يستعمل لتوسيع شرايين الرئتين عند ضيق النفس ولا يصل الى المعدة عند استعماله من المريض كما قال الأطباء وبناء على ذلك فهو غير مفسد للصيام إن شاء الله.
وأما التحاميل فلا تعد من مفسدات الصوم ولا بأس باستعمالها إذا أخذت على أنها علاج.
المسائل الطبية في الصيام
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
فهذه مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بأمور طبية وعلاقتها بالصيام، أجبت عليها على وجه الإختصار، وقبل الشروع فيها أود أن أبين قضية هامة تتعلق بالمفطرات في رمضان فأقول:
من المعلوم أن المفطرات المتفق عليها بين أهل العلم، هي الطعام والشراب والشهوة ويدل على ذلك قوله تعالى: ( احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل) سورة البقرة /187 .(/5)
ويضاف للمفطرات الثلاثة ما اتفق عليه أهل العلم على أنه مفطر، مما هم في حكم الطعام والشراب، كالتدخين وتعاطي الأدوية عن طريق الفم وهو المنفذ الطبيعي للطعام والشراب، فما كان طعاماً أو شراباً ودخل من المدخل الطبيعي فلا شك أنه يفطر الصائم، وقد اجتهد فقهاء الإسلام في الأمور المفطرة للصائم، وذكروا أشياء كثيرة من المفطرات حتى صارت كتب الفقه طافحة بها، على اختلاف في المذاهب في كل منها، هل يعد مفطراً أم لا؟
والصحيح الذي أطمئن اليه وتؤيده الأدلة، أن كثيراً مما عدّه الفقهاء من المفطرات ليس كذلك، ولم تقم الأدلة الصحيحة على اعتباره مفطراً للصائم، وأنا أميل إلى التضييق في المفطرات وعدم التوسع فيها، لعدم ثبوت الأدلة على صحة ما عده كثير من الفقهاء من المفطرات أنه مفطر فعل، فمثلاً قال بعض الفقهاء أن مجرد دخول أي شيء إلى الجسم يعد مفطرا ً بغض النظر من أين دخل، فمثلاً إذا احتقن الصائم بدواء فإنه يفطر بل قال بعضهم إذا استنجى الصائم فأدخل إصبعه في دبره أفطر، وإذا اكتحل أفطر … الخ، وهذا الكلام غير مسلم وغير مقبول لماذا؟
لأن الصيام مما يبتلى به الناس في دين الإسلام ولو كانت مثل هذه الأمور مفسدة للصوم لبينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بياناً عاماً مفصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم منن فطر بالجميع لا بالكحل ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير، ومنهم من يفطر بالكحل ولا بالتقطير، ويفطر بما سوى ذلك، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج الى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك، لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً، عُلم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك" مجموع الفتاوى 25/233-234 .
وقال أيضاً: " إن الأحكام التي تحتاج الأمة معرفتها لا بد أن يبينها الرسول بياناً عاماً ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتقى هذا عُلم أن هذا ليس من دينه … وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها ص بياناً عاماً، ولا بد أن تنقل الأمة، فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والإغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بين الإفطار بغيره … " مجوع الفتاوى 25/236-242 .
وقال إبن حزم: "إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء والمعاصي، وما علمنا أكلاُ ولا شرباُ يكون على دبر أو إحليل أو أذن أو عين أو أنف أم من جرح في البطن أو الرأس، وما نهينا قط أن نوصل الى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم عينا إيصاله" المحلي 4/348.
إذا تقرر ما قلت: فهذه هي الأسئلة وإجاباتها:
1-ما هو تأثير الحقن على الصيام؟
الجواب : إن الحقن التي تعطى للمريض على نوعين:
الحقن التي يقصد بها الدواء، وليست للتغذية فهذه لا تفطر الصائم، سواءً كانت في العضل أو في الوريد أو كانت في الشرج.
الحقن التي يقصد بها الغذاء فهذه مفطرة لأنها في معنى الطعام والشراب.
2- هل التحاميل تبطل الصوم؟
الجواب: التحاميل إن كانت علاجية ولا يقصد بها الغذاء، فلا تبطل الصيام، وإن كانت للتغذية فهي مبطلة للصوم.
3- هل الحبوب التي توضع تحت اللسان تبطل الصوم؟
الجواب: هذه الحبوب التي توضع تحت اللسان تفطر الصائم.
4- هل المراهم تبطل الصوم؟
الجواب: المراهم التي تدهن بها الأعضاء المريضة لا تبطل الصوم.
5- هل القطرة تفطر الصائم؟
الجواب: القطرات سواء أكانت عن طريق الأذن أو العين أو الأنف لا تفطر الصائم لأنها ليست طعاماً ولا شراباً ولا تدخل الى الجوف من المدخل الطبيعي للطعام والشراب، وهو الفم.
6- هل البخاخ الذي يستعمله بعض المرضى لتوسيع الشرايين يفسد الصيام؟
الجواب: إن البخاخ المذكور سائل يستعمل لتوسيع شرايين الرئتين عند ضيق التنفس ولا يصل الى المعدة عند استعماله كما قال بعض الأطباء وبناءً عليه لا يفسد الصيام.
7- هل الدواء الذي يؤخذ للغرغرة في الفم يبطل الصيام؟
الجواب : لا يبطل الصوم بدواء الغرغرة طالما لم يبتلعه المريض، فإذا ابتلعه المريض بطل صيامه.
8- هل الدواء الذي يعطى للمريض عن طريق التبخير، ويقوم المريض باستنشاقه يفسد الصوم؟
الجواب: الذي يظهر لي أنه غير مبطل للصوم.
9- هل استخدام الأكسجين يبطل الصيام؟
الجواب: الأكسجين المذكور لا يبطل الصيام، لأنه ليس بطعام ولا شراب بل هو من مكونات الهواء الذي نتنفسه.
10- هل سحب الدم يفطر الصائم؟
الجواب: سحب الدم لا يفطر الصائم.(/6)
11- إذا إصيب الأنسان بنزيف وهو صائم هل يبطل صومه؟
الجواب: إن خروج الدم من الإنسان سواء كان من الفم أو الأنف أو الوجه أو الرأس، لا يؤثر على الصيام، إلا إذا دخل الدم الجوف، كمن خلع ضرسه فنزل الدم الى جوفه فهذا يبطل الصوم وما عداه فلا.
12- هل الفحص المهبلي للمرأة يبطل الصيام؟
الجواب: لا يبطل الصوم بالفحص المهبلي للمرأة.
13- هل الفحص الشرجي للمريض يبطل الصوم؟
الجواب: لا يبطل الصيام بالفحص الشرجي.
14- هل التدخين يبطل الصيام؟
الجواب: نعم اتفق أهل العلم المعاصرون وغيرهم، على أن التدخين يبطل الصيام.
15- إذا استنشق الصائم الدخان دون أن يدخن، كان يجلس في مكان فيه مدخنون فهل يبطل صومه؟
الجواب: لا يبطل صومه إن شاء الله، ولا ينبغي للصائم أن يجالس المفطرين في رمضان بإختياره.
16- هل يجوز للمرأة استعمال أدوية لتأخير الحيض من أجل أن تصوم رمضان كله؟
الجواب: يجوز ذلك وان كان الأولى أن تترك المرأة الأمور على طبيعتها، لأن الحيض شيء كتبه الله على النساء، فلا تتناول هذه الحبوب، وإن تناولتها فينبغي أخذ رأي الأطباء في أنه لا يلحق المرأة أذى من تناول هذه الحبوب.
17- هل يجوز للصائم استعمال فرشاة الأسنان والمعجون أثناء الصيام؟
الجواب: ينبغي للصائم إن أراد استعمال فرشاة الأسنان والمعجون أن يستعملها قبل طلوع الفجر، أو بعد الأفطار، فهذا هو الأفضل والأحوط ، وإن استعملها أثناء النهار فلا بأس، بشرط أن لا يبتلع شيئاً من ذلك، فإن ابتلع شيئاً من ذلك فقد بطل صومه.
18- هل القيء يبطل الصوم؟
الجواب: إذا خرج القيء من الصائم رغماً عنه فصومه صحيح، وأما إن استقاء بأن سعى في الإستفراغ فقد بطل صومه وعليه القضاء.
19- هل يجوز للمرضع والحامل أن تفطرا في رمضان؟
الجواب: إذا استطاعت الحامل والمرضع الصوم دون أن يلحقهما ضرر فهو المطلوب، وإلا يجوز لهما الإفطار وتقضيا ما عليهما من صيام.
* * *
إكراه الزوجة على الإفطار في شهر رمضان
تقول السائلة: إنها امرأة تصوم رمضان ولكن زوجها لا يصوم ويكرها على الجماع في نهار رمضان فماذا تصنع؟
والجواب: إن زوجك رجل فاسق ومرتكب للمحرمات فهو لا يصوم ولا يكتفي بذلك بل يفسد عليك صيامك والواجب عليك ألا تطيعيه فيما يطلب وإن تحاولي الإمتناع قدر الإستطاعة فإذا أكرهك إكراهاً شديداً وحصل الجماع فقد أفطرت ويجب عليك قضاء ذلك اليوم ولا إثم عليك إن شاء الله لقوله - صلى الله عليه وسلم - "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
وعلى زوجك أن يبادر الى التوبة الى الله عز وجل وأن يعود عن غيه وضلاله وعليه أن يحذر غضب الجبار سبحانه وتعالى ويجب عليك أن تذكريه بالله وتذكريه بحرمة ما يفعل لعله يذكر أو يخشى فيرجع الى طريق الحق والصواب.
هل القطرة تفطر الصائم؟
هل القطرة في العين أو في الأذن أو الأنف مما يفطر الصائم؟ وما حكم استعمال الحقن للصائم؟
الجواب: إن حقيقة الصيام هي الإمتناع عن الطعام والشراب والجماع كما هو معروف فما كان من هذه الأنواع فهو مفطر للصائم وأما القطرة بأنواعها المختلفة سواء كانت في الأنف أو الإذن أو العين فإنها لا تفطر الصائم لأن هذه ليست طعاماً ولا شراباً ولا تدخل الى الجوف من المدخل الطبيعي للطعام والشراب ولا يعد استعمال القطرة بأنواعها المختلفة أكلاً أو شرباً، لذلك فهي غير مفطرة.
قال شيخ الأسلام إبن تيمية رحمه الله عند حديثه عن الكحل والقطرة ونحوها (والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج الى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك) مجموع الفتاوي 25/234.
وقال إبن حزم رحمه الله (ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام .. ولا حنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن أو في أنف..) المحلي 4/335.
وأما الحقن التي تعطى تحت الجلد أو في الوريد فإذا كانت دواء فلا تفطر وإذا كانت على سبيل الغذاء فهي مفطرة وتتنافى مع حقيقة الصوم.
إستعمال أدوية لتأخير الحيض للصائمة
هل يجوز للمرأة تناول أدوية تمنع الحيض حتى تتمكن من الصيام؟
الجواب: إن الحيض من الأمور التي كتبها الله سبحانه وتعالى على النساء والحيض من موانع الصوم كما هو معلوم والأفضل في حق المرأة أن تسير مع فطرتها التي فطرها الله عليها فتصوم ما شاء الله لها أن تصوم، فإذا حاضت توقفت عن الصيام ومن ثم يلزمها القضاء بعد ذلك.(/7)
ومع ذلك فلا مانع من استعمال الأدوية التي تمنع الحيض حتى تتمكن المرأة من الصيام ولكن لا بد من تقييد ذلك بأن لا يلحق المرأة ضرر من استعمال هذه الأدوية وبناء عليه لا بد للمرأة من استشارة طبيب حاذق صاحب دين فإن اخبرها الطبيب بأن استعمال هذه الأدوية يضرها فلا يجوز لها استعمالها لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا ضرر ولا ضرار". رواه أحمد وإبن ماجة والدارقطني غيرهم وهو حديث صحيح.
ومما يشير الى جواز استعمال المرأة لهذه الأدوية ما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يسقون نسائهم أدوية مأخوذة من الأعشاب لمنع نزول دم الحيض أثناء الحج ويقاس الصوم عليه.
قال الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي: ( وللإنثى شربه ـ أي دواء مباح ـ لحصول الحيض ولقطعه).
لأن الأصل الحل حتى يرد التحريم ولم يرد، كذا قال الشارح. منار السبيل 1/62.
وقد أفتى بالجواز في هذه المسألة كثير من أهل العلم المعاصرين منهم الشيخ القرضاوي حفظه الله.
قضاء الحامل ما أفطرته من رمضان
تقول السائلة: إمرأة أفطرت في رمضان بسبب الحمل وجاء رمضان التالي ولم تقض الأيام التي أفطرتها فماذا يجب عليها؟ وهل تلزمها الفدية مع القضاء؟ وما مقدار الفدية إن وجبت؟
الجواب: إن المشروع في حق المسلم أن يبادر الى قضاء الصوم إبراء للذمة ولأنه لا يعلم ما يحدث له من مرض أو سفر أو موت يمنعه من القضاء فإذا دخل رمضان التالي ولم يقض ما عليه فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم فقال جمهور العلماء إن كان تأخير القضاء لعذر شرعي كالمرض مثلاً فيجب القضاء فقط.
وإن كان تأخير القضاء لغيرعذر فيلزم القضاء والفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم وحجتهم بعض الآثار المنقولة عن بعض الصحابة كابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يجب القضاء فقط سواء كان تأخير القضاء بعذر أو بدون عذر ولا تجب الفدية لقوله تعالى: "ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر".
وهذا هو القول الرجح فيما يظهر لي لأن المسألة لا يوجد فيها نص ثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الإمام الشوكاني: (وذهاب الجمهور الى قوله لا يدل على أنه الحق والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الإشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا فالظاهر عدم الوجوب).
فهذه المرأة عليها قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان ولا فدية عليها.
قضاء الصوم عن الميت
يقول السائل: إذا توفي شخص وكان عليه صيام أيام من رمضان لم يصمها بسبب مرضه فهل يجوز لأولاده صيام تلك الأيام عنه؟
الجواب: لا يصح صيام الأولاد عن أبيهم الذي مات وعليه صيام أيام من رمضان لم يصمها بسبب مرضه لأن صوم الفرض عبادة بدنية محضة لا تدخلها النيابة، ولأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة فكما لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصوم لا يصوم أحد عن أحد صوم رمضان.
ويجوز أن يصام عن الميت صوم النذر لأن النذر إلتزام في الذمة بمنزلة الدين فيجوز أن يقوم ولي الميت بالقضاء عنه كما يقضي الدين عنه وعلى هذا يحمل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -
( من مات وعليه صيام صام عنه وليه) رواه البخاري ومسلم.
وعلى أولاد هذا الشخص أن يطعموا مسكيناً عن كل يوم أفطره والدهم الذي مات مريضاً ويدل على ذلك (ماروت عمرة أن أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة رضي الله عنها: أقضيه عنها؟
قالت عائشة : لا بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين). أخرجه الطحاوي وهو أثر صحيح.
وكذلك ما ورد ( عن إبن عباس قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه) رواه أبو داود بسند صحيح كما قال الألباني.
وهذا القول الذي ذكرته هو قول السيدة عائشة رضي الله عنها وابن عباس وبه قال الإمام أحمد ابن حنبل واختاره جماعة من المحققين.
تأثير المعاصي والآثام في الصيام
يقول السائل: هل للمعاصي والآثام التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان تأثير على الصيام كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها؟
الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى:" يا أيها الذين أمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقوم" "ولعل" في لغة العرب تفيد الترجي فالذي يرجى من الصوم تحقق التقوى أي أن الصوم سبب من أسباب التقوى.
وبناء على ذلك فليس الصوم هو مجرد الإمتناع عن المفطرات الثلاث الطعام والشراب والشهوة فحسب بل لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد أن تكف عن النظر الى المحرمات ، والأذن لا بد أن تكف عن السماع للمحرمات ، واللسان لا بد أن يكف عن المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، والرجل لا بد أن تكف عن المحرمات فلا تمشي الى ما حرم الله.(/8)
إن الصائم مأمور بتقوى الله عز وجل وهي امتثال ما أمر الله واجتناب ما نهى الله عنه وهذه طائفة عطرة من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشير الى هذه المعاني:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( قال الله تعالى عز وجل كل عمل إبن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابة) رواه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - ( ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) رواه إبن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الشيخ الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه الى السهر) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وصححه الشيخ الألباني.
فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الصوم لا يقصد به مجرد الإمتناع عن الطعام والشراب، بل لا بد من صوم الجوارح عن المعاصي، فعلى الصائم أن يتجنب كل المحرمات وليتزم بكل ما أمر الله سبحانه وتعالى به حتى تتحقق فيه معاني الصوم الحقيقية، وإن لم يفعل ذلك فإنه لا ينتفع بصومه ويكون نصيبه من صومه مجرد الجوع والعطش، والعياذ بالله، كما أشار الى ذلك الحديث الأخير، وله رواية أخرى وهي ( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر) وهي رواية صحيحة.
فالأصل في المسلم الإلتزام بشرع الله كاملاً وأن يأتي بالعبادات كما أرادها الله سبحانه وتعالى؛ بأن تكون هذه العبادات محققة لثمارها الإيجابية في سلوك المسلم وحياته، وأما إن كانت الصلاة مجرد حركات خالية من روحها والصوم مجرد جوع وعطش، والزكاة للرياء والسمعة والحج للشهرة واللقب فقد خاب المسلم وخسر وحبط عمله وكان من المفلسين يوم القيامة كما قال - صلى الله عليه وسلم - ( أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فيمنا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي عنه ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم وابن حيان والترمذي والبيهقي وأحمد، وبناء على كل ما تقدم نرى أن المعاصي والآثام لها تأثير واضح في الصيام فهي تفسد المعنى الحقيق للصيام ولكنها لا تعد من المفطرات.
قطع الصوم المندوب
يقول السائل: إنه صام يوم اثنين تطوعاً لله تعالى ولما كان وقت الظهر زار قريباً له فدعاه الى الطعام فأفطر ويسأل هل يلزمه قضاء يوم مكان اليوم الذي أفطره؟
الجواب: إن المشروع في حق المسلم إذا بدأ بأمر مندوب كصلاة مندوبة (نافلة) أو صوم مندوب أن يتمه ويكمله (كصوم يوم الأثنين والخميس).
والذي عليه جمهور الفقهاء أن ذلك ليس واجباً وإنما هو في دائرة الأستحباب وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تفيد ذلك منها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عليّ رسول الله يوماً فقال هل عندكم شيء؟ فقلت لا قال: فإني صائم ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدي الى حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قلت يا رسول الله أهدي لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه أما أني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه ثم قال لنا: إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها) رواه مسلم وأبو داود والنسائي واللفظ له.
والحيس: تمر نزع نواه ويدق مع إقط ويعجنان بالسمن كما في المصباح المنير1/159.
عن أم هانيء رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( دخل عليها فدعى بشراب ثم
ناولها فشربت فقالت يا رسول الله أما إني كنت صائمة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الصائم
المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) رواه أبو داود والنسائي والترمذي
وأحمد والبيهقي وضعفه الترمذي وغيره إلا أن الحديث يتقوى بكثرة طرقه كما قال
الشيخ الألباني.
وقال النووي اسناده جيد وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده حسن.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( صنعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً فلما وضع قال رجل: أنا صائم فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم مكانه إن شئت) رواه البيهقي وإسناده حسن كما قال الحافظ إبن حجر في الفتتح 5/112.(/9)
عن أبي جحيفة قال آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدراداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك.
قالت آخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال كل فإني صائم فقال سلمان ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما ذهب الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال سلمان نم فنام ثم ذهب يقوم سلمان نم فلما كان آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال سلمان: إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فإعط كل ذي حقٍ حقه فأتى أبو الدرداء النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدق سلمان) رواه البخاري وغيره.
فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن المتطوع أمير نفسه فيجوز له أن يتم وهو الأفضل ويجوز له أن يقطع تطوعه ولا شيء عليه فلا يلزمه القضاء والى هذا ذهب الشافعية والحنابلة ونقل عن جماعة من الصحابة كعمر وإبن عباس وإبن مسعود وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن اشتثنى من هذا الحكم الذي ذكرته الحج والعمرة فإذا شرع المسلم بحج أو عمرة فيجب عليه إتمامها بلا خلاف كما قال النووي: ( وأما إذا دخل في حج تطوع أو عمرة فإنه يلزمه إتمامها بلا خلاف) المجموع 6/393.
صوم النافلة بعد منتصف شعبان
يقول السائل: ما حكم صيام التطوع بعد منتصف شعبان؟
الجواب: إن صوم التطوع بعد منتصف شعبان جائز ولا بأس به عند جمهور أهل العلم وقد ورد في ذلك أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً أكثر من شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة الى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه وإن قلت وكان إذا صلى صلاة دوام عليها) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم أكثر من شعبان فإنه كان يصومه كله) متفق عليه.
وفي رواية أخرة ( ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا يصومه إلا قليلاً) متفق عليه.
إلا أنه يجب أن يعلم أنه يكره للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لئلا يختلط النفل بالفرض، أو حتى يسترح الصائم ليدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصم ذلك اليوم) رواه البخاري.
صوم شهر رجب
ما حكم صيام شهر رجب وما مدى صحة الحديث الذي يقول رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي؟
الجواب: أما الحديث المذكور فلم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال الحافظ العراقي: حديث ضعيف جداً وهو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث.
وذكر المناوي أن الديلمي رواه في مسنده وقد عده إبن الجوزي في المضوعات أي من الأخبار المكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيض القدير 4/24 كشف الخفاء 1/433.
وأما بالنسبة للصوم في شهر رجب فلم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء على وجه التخصيص. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ( وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه) لطائف المعارف ص 228.
ولكن وردت أحاديث عامة في صوم الأشهر الحرم وشهر رجب أحدها، فمن ذلك ما ورد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : (صم من الحرم واترك صم من الحرم وأترك من الحرم واترك) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ومن ذلك حديث أسامة قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة.
قال الشوكاني:ظاهر قوله في حديث أسامة ( أن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجباً به) نيل الأوطار 4/276.
صوم ستة أيام من شوال لمن عليه قضاء من رمضان
يقول السائل: هل يجوز صيام ستة أيام من شوال لمن عليه قضاء أيام من رمضان وهل تصام متتابعة أم يجوز تفريقها؟
الجواب: إن صيام ستة أيام من شوال من السنن الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ورد ذلك في أحاديث منها:
1-عن أبي أيوب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر) رواه مسلم وغيره.(/10)
2-عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صام رمضان وستة بعد الفطر كان تمام السنة) (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) رواه إين ماجة والنسائي وهو حديث صحيح.
3-ما رواه ثوبان عند النسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة) وهي رواية صحيحة وغير ذلك من الأحاديث.
وبناء على ذلك فمن السنة أن تصوم ستة أيام من شهر شوال والأفضل في حق من كان عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها أولاً ثم يصوم ستاً من شوال فإن القضاء واجب وصيام الستة سنة والواجب مقدم على السنة.
ولا يشترط في صيام الأيام الستة من شوال التتابع بل يجوز تفريقها.
وإن صامها أيام الإثنين والخميس فهو حسن وله الأجر والثواب الذي يقع بصيام الأثنين والخميس.
صوم عاشوراء.
يقول السائل: ما حكم صوم عاشوراء وهل يصام ذلك اليوم منفرداً أم يصام قبله أو بعده؟
الجواب: إن صوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم من الأمور المستحبة عند أكثر أهل العلم وقد وردت أحاديث في صوم عاشوراء منها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) رواه البخاري ومسلم.
وعن معاوية بن أبي سفينان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر) رواه البخاري ومسلم.
3- وعن ابن عباس قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأي أن اليهود تصوم عشوراء فقال: ما هذا؟
قالوا : يوم صالح نجىّ الله فيه موسى وبني اسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال: أنا
أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الاحاديث.
ويستحب أن يصام اليوم التاسع مع اليوم العاشر من محرم لما ثبت في الحديث عن إبن عباس قال: لما صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال:إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) رواه مسلم.
أكثر شهر صامه النبي صلى الله عليه وسلم نافلة
يقول السائل: ما هو أكثر شهر كان النبي عليه الصلاة والسلام يصومه غير شهر رمضان؟
الجواب: إن أكثر شهر صامه البني - صلى الله عليه وسلم - صوم نافلة هو شهر شعبان فقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا
رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية عن عائشة أيضاً قالت (ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى عن عائشة قالت: ( لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشهر من السنة اكثر صياماً منه في شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا وكان يقول أحب العمل الى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل) رواه البخاري ومسلم وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم أكثر شعبان.
والحكمة من ذلك كما قال بعض أهل العلم إن كثيراً من الناس يغفلون عن الصيام في شعبان فكان عليه الصلاة والسلام يصوم أكثره وقد ورد ذلك معللا في حديث أسامة قال قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر ما تصوم من شعبان قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الاعمال الى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححة إبن خزيمة.
وقيل في الحكمة من إكثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صوم شعبان أقوال أخرى.
وهنا لا بد من الإشارة الى حديث قد يتعارض مع ما ذكرنا وهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) رواه أصحاب السنن الأربعة.
فيجاب عنه من وجهين:
الأول: إن الحديث ضعيف ضعفه أحمد وابن معين والبيهقي.
الثاني: إن صح فيحمل النهي في الحديث على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده قاله الحافظ ابن حجر.
صلاة التراويح
يقول السائل: هل تصلى التراويح عشرون ركعة أم ثماني ركعات وهل تصح صلاة التراويح في البيت؟
الجواب: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد رغب في قيام رمضان وحث عليه في أحاديث منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.(/11)
وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصاحبة في رمضان في عدة ليالي في أوله وفي آخره كما ثبت ذلك عنه، وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي أحدى عشرة ركعة كما ثبت ذلك عنه في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) رواه البخاري ومسلم، ولم يثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المداومة على صلاة التراويح لأنه خشي أن تفرض على الأمة كما ثبت ذلك في الصحيحين.
وقد اختلف أهل العلم في عدد ركعات صلاة التراويح فأكثر الفقهاء يرون أنها تصلى عشرون ركعة والوتر ثلاث ركعات وهذا القول مشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ورد أنه جمع الناس على أمام واحد يصلى بهم ثلاثاً وعشرين ركعة كما ورد في الحديث عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان تالى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه والتي يتأمون عنها أفضل من التي يقومون. يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله" رواه البخاري.
وروى البيهقي بإسناد صحيح كما قال النووي عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمئتين.." المجموع 4/32.
ومن أهل العلم من يرى عدم زيادة صلاة التراويح عن إحدى عشرة ركعة لحديث عائشة السابق وغيره من الأحاديث الثابتة في هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
وترى طائفة أخرى من أهل العلم عدم تحديد عدد معين من الركعات في صلاة قيام رمضان أي التراويح ومنهم شيخ الإسلام إبن تيمية والإمام الشوكاني وغيرهما وأنا أميل الى هذا القول ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما نصه "كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه عدداً معيناً بل كان هو - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وأخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن.
والأفضل يختلف باختلاف احوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كنا كان النبي يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين وأن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ، مجموع الفتاوى 23/272.
القراءة من المصحف في التراويح
يقول السائل: رأينا بعض الأئمة يقرؤن من المصحف في صلاة التراويح فهل يجوز ذلك؟
والجواب: لا بأس بقراءة الإمام في التراويح من المصحف وخاصة أن كثيراً من الأئمة لا يحفظون كثيراً من القرآن الكريم وقد يرغب الناس في تطويل القراءة في صلاة القيام في رمضان فإذا قرأ الإمام من المصحف فلا حرج في ذلك إن شاء الله. وقد قال الإمام البخاري في صحيحه: كانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف " رواه معلقا مجزوما به.
قال الحافظ ابن حجر : " وصله أبو داود في كتاب المصاحف من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة " أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان من المصحف".
ووصله ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة: " أنها اعتقت غلاماً لها فكان يؤمها في رمضان في المصحف".. قوله في المصحف استدل به على جواز قراءة المصلي في المصحف ( فتح الباري 2/326).
ولكن الأولى أن يقرأ الإمام من حفظه لما في ذلك من تقليل الحركة في الصلاة ومحافظة الخشوع.
صلاة العشاء خلف الإمام في التراويح
يقول السائل: عدة أشخاص فاتتهم صلاة العشاء مع الجماعة ودخلوا المسجد فوجدوا الإمام في التراويح فماذا يصنعون؟ هل يصلون العشاء جماعة لوحدهم؟ أم ماذا يفعلون؟
الجواب: إن الذين تفوتهم صلاة العشاء مع الجماعة ويدركون الإمام في صلاة التراويح فإرى لهم أن يدخلوا مع الإمام بنية صلاة العشاء فيصلون خلف الإمام فإن سلم الأمام قاموا وأتموا صلاة العشاء وأرى أنه لا ينبغي لهم إقامة صلاة جماعة أخرى في المسجد لما في ذلك من تعدد للجماعات ولما فيه من التشويش على الجماعة الأولى الذين يصلون مع الأمام الراتب.(/12)
ولما ثبت في الحديث عن جابر ( أن معاذا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم يرجع الى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) رواه البخاري ومسلم.
وجاء في رواية (هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء) رواها الشافعي والدارقطني. وصححها الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
فهذا الحديث يدل على جواز إقتداء من يصلي فريضة بمن يصلي نافلة فيصح لهم أن يصلوا فريضة العشاء خلف الأمام الذي يصلي نافلة التراويح وهذا القول هو أرجع قولى العلماء في المسألة وهو قول الشافعية والحنابلة.
صلاة الوتر
يقول السائل: ما حكم صلاة الوتر؟ وهل صحيح ما يقال بأنها تصلى ركعة واحدة؟؟ وهل القنوت فيها واجب؟
الجواب: صلاة الوتر من السنن المؤكدة الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد ورد في فضلها أحاديث منها:
عن علي رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله وتر يحب الوتر فإوتروا يا أهل القرآن) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( أوتروا فبل أن تصحبوا) رواه مسلم.
وتجوز صلاة الوتر بركعة واحدة وكذا بثلاثة أو خمس أو سبع أو تسع ركعات فقد جاء في الحديث عن ابن عمر قال ( قام رجل فقال يا رسول الله كيف صلاة الليل؟؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى أنه كان يأمر ببعض حاجته، رواه البخاري.
وعن أم سلمة قالت ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهم بسلام ولا كلام) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد.
وإذا صلى المسلم الوتر ثلاث ركعات فيجوز فيها ثلاث هيئات كما يلي:
الأولى: أن يصلي ركعتين ثم يسلم وبعدها يأتي بالثالثة.
الثانية: أن يصلي ركعتين ثم يجلس بعد الثانية ثم يأتي بالثالثة كهيئة صلاة المغرب.
الثالثة: أن يصلي الركعات الثلاث متصلة ولا يجلس إلا بعد الثالثة وكل ذلك جائز إن شاء الله ووردت فيه الأحاديث.
أما القنوت في صلاة الوتر فهو سنة وليس بواجب فإذا تركه المصلي فلا شيء عليه والذي ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أحياناً يقنت في الوتر وأحياناً أخرى لا يقنت، ويجوز القنوت قبل الركوع وبعده وهو الأفضل والأقوى.
وأفضل وقت لصلاة الوتر آخر الليل في حق من يغلب على ظنه الإستيقاظ في أخر الليل وإلا فيصلي الوتر بعد صلاة العشاء فقد ورد في الحديث عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد ومن وثق بقيام الليل فليوتر أخره فإن قراءة أخر الليل محضورة وذلك أفضل) رواه مسلم.
ومن السنة في القراءة في الوتر إذا صلى ثلاثاً أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الكافرون وفي الثالثة سورة الإخلاص كما ورد في الحديث عن أبي بن كعب (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الوتر سبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
ومن صلى صلاة الوتر أول الليل ثم رغب أن يصلي في أخر الليل يصلي ما يشاء ولا يعيد الوتر.
مسح الوجه بعد دعاء القنوط بدعة
يقول السائل: ما حكم مسح الوجه وبعض الجسم باليدين بعد الإنتهاء من دعاء القنوت كما يفعله كثير من الناس؟
الجواب: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء.
قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة أن فيها وجهين:
الأول: أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي:
والثاني: لا يسمح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين. المجموع 3/501.
ثم ذكر كلام البيهقي التالي، وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال: "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة.
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق" السنن الكبرى 2/212.
وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيراً فإنهم وقافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الأبتداع.(/13)
وأما الحديث الذي أشار اليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسأله بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) قال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق امثلها وهو ضعيف أيضاً. عون المعبود 4/251.
وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية " فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" فقال: - - .. وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ولم أجد لها حتى الآن شاهداُ.. "ثم قال "لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطمها تحى يمسح بهما وجهه) لأن فيه متهماً بالوضع ـ أي الكذب ـ وقال أبو زرعة: حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل. السلسلة الصحيحة 3/146.
وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه، قال: لم أجد له ثبتاً، أي مستنداً.
وورد عن العز بن عبد السلام سلطان العلماء أنه قال " لا يمسح وجهة إلا جاهل". وبمناسبة الحديث عن دعاء القنوت أذكر بعض الأمور منها:
أولاً: ما نراه من بعض المصلين من المبالغة برفع أيدهم فوق رؤوسهم وأرى أن هذا الأمر فيه مبالغة واضحة وأن الأحاديث الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رفع اليدين عند الدعاء تدلى على مد اليدين وبسطهما ولا تدل على هذا الرفع المبالغ فيه.
قال الحافظ ابن حجر عند كلامه على حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الإستسقاء وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه، قال الحافظ: وهو معارض بالأحاديث الثابتة في الرفع في غير الإستسقاء.. الى أن قال: وذهب آخرون الى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة أما الرفع البليغ فيدل عليه قوله " حتى يرى بياض إبطيه" ويؤديه أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الإستسقاء مع ذلك زاد فرفعمها الى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه" فتح الباري 3/171.
لذلك فإني أرى ان ما يفعله بعض الناس من المبالغة الشديدة في رفع اليدين وجعلهما فوق الرأس إنما هو من الغلو في الدين وقد نهينا عن ذلك.
والأمر الثاني الذي أود التنبيه عليه وأذكر به إخواننا أئمة المساجد وهو التطويل في دعاء القنوت وغيره من الأدعية والأذكار والأفضل هو الأقتصار على الأدعية والأذكار الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن زاد على ذلك فلا بأس به بشرط ألا يكون الدعاء متكلفاً أو متضمناً مخالفة شرعية.
قال الإمام النووي عند ذكره لآداب الدعاي " الخامس: إن لا يتكلف السجع وقد فسر به الإعتداء في الدعاء والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عيه الإعتداء" الأذكار ص 342.
وبعض أئمة المساجد من أجل أن يحافظ على السجع يأتي بأمور غير مقبولة في الدعاء.
الجمع بين الصلوات للمطر
يقول السائل: هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب المطر؟ وما هي الصلوات التي يجمع بينها؟ وهل يجوز الجمع لمن كان بيته قرب المسجد؟ وهل يجوز الجمع لمن يصلي في البيت؟
الجواب: إن الجمع بين الصلاتين وخصة لدفع الحرج ورفع المشقة عن الناس ومن الأسباب التي يجوز الجمع بسببها بين الصلاتين المطر وهذا مذهب أكثر العلماء وعند الحنفية لا يجوز الجمع بين الصلاتين مطلقاً إلا في الحج فقط.
وقد أجاز جمهور العلماء الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر جمع تقديم أي تقدم صلاة العشاء فتصلى بعد المغرب مباشرة.
وأما الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر فلا يجوز على مذهب جمهور العلماء، وأجازه الشافعية في أحد القولين عندهم وأرى أن قولهم مرجوح ومذهب الجمهور أقوى دليلاً وأهدى سبيلاً فلا أرى جواز الجمع بين الظهر والعصر وهو ما رواه الأثرم: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء والظاهر أن قوله من السنة أي سنة الرسول . ومما يدل على ذلك ما رواه البيهقي أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر/ سنن البيهقي 3/168ـ 169.
والمطر الذي يجوز الجمع بسببه، هو المطر الذي يبل الثياب ويتقه عامة الناس وينبغي أن يكون المطر موجوداً عند الجمع وأما ما يفعله بعض الناس من الجمع مع عدم وجود المطر وانقطاعه قبل ساعات من الجمع فهذا لا يجوز ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر لأن الجمع رخصة لها سبب وهو المطر فإذا وجد المطر يجوز الجمع وإلا فلا.
ولا يجوز الجمع إلا لمن يصلي مع الجماعة في المسجد ولو كان بيته قريباً من المسجد فيجوز له الجمع.
وأما من يصلي في بيته فلا يجوز له الجمع بسبب المطر لأن الجمع يجوز للمشقة التي تلحق بالمصلين مع الجماعة وهذا المعنى مفقود فيمن يصلي في البيت.(/14)
صلاة الفريضة في السيارة
يقول السائل: إنه يخرج من بيته قبل صلاة الفجر متوجهاً الى عمله ويركب سيارة باص ولا يصل الى عمله إلا بعد طلوع الشمس والسيارة لا تتوقف في الطريق فهل يصلي صلاة الفجر في السيارة أم ماذا يصنع؟
الجواب: يجوز لهذا السائل أن يصلي صلاة الفجر في السيارة بالكيفية التي يستطيعها حتى لا تفوته الصلاة فيصلي في السيارة فإذا أمكنه الركوع والسجود واستقبال القبلة فيجب عليه ذلك وأن لم يستطع الركوع والسجود واستقبال القبلة فإنه يصلي بقدر طاقته فيوميء ايماء (يشير) ويجعل السجود أكثر أنخفضاً من الركوع، وهكذا فدين الإسلام دين يسر وسهولة، فقد قال سبحانه وتعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم) ويقول عليه الصلاة والسلام (وإذا أمرتكم بأمر فأتتوا منه ما استطعم) رواه البخاري ومسلم.
وقد ورد في الحديث عن يعلى بن أمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنتهى الى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم المطر والبلة من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فإذن وأقام ثم تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته فصلى بهم يوميء إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع) رواه أحمد والترمذي، وفي سنده ضعف ولكن الترمذي قال بعد أن ساق الحديث وبين ما فيه ( والعمل على هذا عند أهل العمل وبه يقول أحمد واسحق).
وقال أبو بكر بن العربي: حديث يعلى ضعيف السند صحيح المعنى ثم قال: الصلاة على الدابة بالإيماء صحيحة إذا خاف من خروج وقت الصلاة ولم يقدر على النزول لضيق الموضع أو لأنه عليه الطين والماء.
وبناء على ما تقدم فتصح صلاة الفريضة في السيارة أو الطائرة أو نحو ذلك، هذا إذا كان المصلي يخشى خروج الوقت أما إذا كان يعلم أنه يصل الى غايته قبل خروج وقت الصلاة بمدة كافية لأداء الصلاة فلا ينبغي له أن يصلي الفريضة في السيارة ونحوها وكذلك الحال إذا كانت الصلاة تجمع الى غيرها فإما أن يصلي جمع تقديم أو تأخير ولا يصليها في السيارة ونحوها.
لا تصلي الضحى جماعة دائماً
يقول السائل: اعتدنا أن نصلي صلاة الضحى جماعة فما حكم ذلك؟
الجواب: إن صلاة النافلة أو التطوع تنقسم الى قسمين من حيث صلاتها جماعة:
القسم الأول: ما تشرع فيه صلاة الجماعة كصلاة التراويح وصلاة الكسوف وصلاة العيدين عند من يرى أنها سنة وصلاة الإستسقاء فهذه صلوات الأصل فيها أن تصلى جماعة لأنها ثبتت كذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
القسم الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة وذلك كالسنن الرواتب وهي سنة الفجر وسنة الظهر القبلية والبعدية وسنة المغرب وسنة العشاء، وكذلك سنة الضحى وتحية المسجد وقيام الليل، فهذه الصلوات كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصليها في جماعة راتبة وإنما المشروع أن تصلى فرادى ولكن إن فعلت هذه الصلوات جماعة أحياناً وبشرط أن لا يتخذ ذلك عادة يجوز إن شاء الله ولا بأس به.
وأما إذا اتخذ ذلك عادة وصار لهذه الصلوات جماعة راتبة فهذه بدعة مكروهة مخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ومما يدل على جواز فعلها جماعة أحياناً لا دائماً ما رود عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بعض هذه الصلوات جماعة أحياناً فمثلاً كان من عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي قيام الليل منفرداً وهذا في أغلب أحواله عليه الصلاة والسلام ولكن ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى قيام الليل جماعة في بعض الحالات منها:
ما ورد في حديث ابن عباس قال: (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقمت عن يساره فأخد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه) رواه البخاري.
ومنها حديث عتبان بن مالك أنه قال: ( يا رسول الله إن السيول لتحول بيني وبين مسجد قومي فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجداً فقال: سنفعل، فلما دخل قال أين تريد؟ فأشرت له الى ناحية من البيت فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصففنا خلفه فصلى بنا ركعتين) رواه البخاري ومسلم.
وبناء على ما تقدم لا أرى لكم المداومة على صلاة الضحى جماعةً وإنما أرى أن تصلوها فرادى وإن صليتموها جماعة أحياناً فلا بأس في ذلك.
أرى أن تصلوها فرادى وإن صليتموها جماعة أحياناً فلا بأس في ذلك.
إذن الزوج لزوجته للصلاة في المسجد
يقول السائل: إن زوجته تطلب منه الذهاب الى المسجد الأقصى لصلاة الجمعة ولكنه يمنعها فهل يجوز له ذلك؟
الجواب: إن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ومع ذلك يجوز لها أن تخرج الى الصلاة في المساجد بإذن زوجها ولا ينبغي للزوج منع زوجته من الذهاب الى المسجد إلا إذا خشي الفتنة عليها أو إذا خرجت متعطرة فيجوز له حينئذ منعها.
يقول عليه الصلاة والسلام (لا تمنعوا النساء أن يخرجن الى المساجد وبتوتهن خير لهن) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح.(/15)
وعلى المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة حضور الجماعة أو الجمعة أن تخرج وهي ملتزمة بأحكام الشرع من حيث اللباس والمشي وترك الزينة والطيب فقد ورد في الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني.
ومعنى تفلات: غير متطيبات.
وفي حديث آخر قول - صلى الله عليه وسلم - (إذا شهدت إحداكن المساجد فلا تمس الطيب) رواه مسلم.
وينبغي أن يعلم أن النساء اليوم بحاجة ماسة للتردد على المساجد وحضور الدروس والخطب والمواعظ ليفقهن في دين الله فعليهن مسؤولية عظيمة في بناء المجتمع والنساء شقائق الرجال فلا ينبغي أن يحرمن من هذا الخير العظيم ويجب أن ترتب لهن دروس خاصة في المساجد ويفضل أن تكون في غير يوم الجمعة، لتحصن المرأة المسلمة ضد الغزو الفكري الشرس الذي يوجه الى النساء المسلمات عبر وسائل الإعلام المختلفة وغيرها وأن تشرح لهن أحكام الإسلام عامة والأحكام المتعلقة بالنساء وتربية الأولاد خاصة.
سجود التلاوة وسجود الشكر
يقول السائل: هل لسجدة التلاوة ولسجدة الشكر تكبيرة احرام وتسليم أم لا؟
وهل يجوز للمرأة أن تسجد سجدة التلاوة وهي غير مرتدية للباس الكامل وهل تصح سجدة الشكر بدون وضوء؟
الجواب: إن كلاً من سجودى التلاوة وسجود الشكر مشروع فقد ثبت ذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك:
ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه..) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في (إذا السماء انشقت وإقرأ باسم ربك) رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص) وقال: سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكراً) رواه النسائي والدارقطني وصححه ابن السكن.
هذا بعض ما ورد في سجود التلاوة.
وأما في سجدة الشكر فقد وردت أحاديث منها:
1-عن أبي بكرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجداً شكراُ لله تعالى) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن.
2-وعن عبد الرحمن بن عوف أن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -(إن الله عز وجل يقول لك:من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت شكراً) رواه أحمد وهو حديث حسن.
3-ووردن عن أبي بكر رضي الله عنه أنه سجد حين علم بمقتل مسيلمة الكذاب.
وكذلك ورد عن كعب بن مالك رضي الله عنه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد لما بشر بتوبة الله عليه وغير ذلك من الأحاديث والآثار.
وحكم سجود التلاوة وكذلك سجود الشكر سنة عند أكثر أهل العلم.
وصفة سجود التلاوة وكذا سجود الشكر كما يلي:
خارج الصلاة: يكبر من يريد السجود دون أن يرفع يديه ويسجد سجدة واحدة يقول فيها ما يقوله في سجود الصلاة ثم يكبر عند الرفع بدون تسليم على قول جمهور الفقهاء وهذه الصفة مشتركة بين سجود التلاوة وسجدة الشكر.
هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الإعتكاف
يقول السائل: كيف كان هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الإعتكاف؟ وهل يصح للمسلم أن ينوي الإعتكاف كلما دخل المسجد؟ وما حكم الإعتكاف؟
الجواب: قال العلامة ابن القيم رحمه اله (كان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل وتركه مرة فقضاه في شوال.
واعتكف مرة في العشر الأول ثم الأوسط ثم العشر الأخير يلتمس ليلية القدر ثم تبين له أنها في العشر الأخير فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عز وجل.
وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه عز وجل وكان إذا اراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخله.. وكان يعتكلف كل سنة عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً .. وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه الا لحاجة الأنسان وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها وكان إذا اعتكف طرح له فراشه ووضه له سريره في معتكفه - ..الخ). زاد المعاد 2/88-90.
هذا هو هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الإعتكاف وعلينا الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - واما حكم الاعتكاف فهو مسنون عند أكثر أهل العلم في العام كله وأوكد الأعتكاف ما كان في العشر الأواخر من رمضان وإذا نذر المسلم الاعتكاف صار الوفاء به فرضاً.
وأما زمان الإعتكاف ومدته فجمهور العلماء يرون جواز الإعتكاف مدة يسيرة في المسجد كساعة أو ساعتين ونحو ذلك.(/16)
قال ابن حزم: (كل اقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب اليه اعتكاف فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر اذا لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد ولا وقتاً من وقت عن سويد بن غفلة قال: من جلس في المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه ما لم يحدث وعن عطاء بن أبي رباح عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: اني لامكث في المسجد ساعة وما أمكث الا لاعتكف، قال عطاء: هو اعتكاف ما مكث فيه وان جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف والا فلا) المحلى 3/412.
وينبغي أن يعلم أن الإعتكاف لا بد أن يكون في المسجد الذي تقام فيه الجمعة والجماعة حتى لا يحتاج المعتكف للخروج لهما ولا بد في الاعتكاف ايضاً من النية لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إنما الأعمال بالنيات).
والمطلوب من المعتكف أن يلبث في المسجد وينشغل بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار وعليه أن يبتعد عن الخوض في أمور الدنيا.
وعليه أن يجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ويجتنب أيضاً المراء والجدال والسباب ويقلل الكلام في أمور الدنيا ولا يتكلم الا بخير ويكره للمعتكف أن يترك الكلام تركاً مطلقاً معتقداً أن ذلك قربة لله لأن ذلك بدعة وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من نذر ترك الكلام أن يتكلم ويجوز للمعتكف أن يأكل ويشرب وينام في المسجد مع وجوب محافظته على نظافة وطهارة المسجد ويجوز له أن يتطيب ويلبس ما شاء من الملابس الحسنة، وإذا نوى المسلم الاعتكاف في العشر الاواخر من رمضان فعليه أن يلبث في المسجد ولا يجوز له الخروج الا لحاجة الناس ويجوز أن يخرج للوضوء والغسل وللأعمال الضرورية لأن الخروج من المسجد يفسد الإعتكاف الا ما ذكرنا.
هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم العيد
يقول السائل: ما هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في يوم العيد؟
الجواب: كان من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العيد في مصلى العيد وهو ليس المسجد النبوي وإنما كان أرض خلاء وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بإخراج النساء يشهدن الصلاة ويسمعن الذكر حتى الحيض منهن فقد جاء في الحديث عن أم عطية رضي الله عنها قالت (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال لتلبسها أختها جلبابها) رواه البخاري ومسلم.
وجاء في رواية أخرى (والحيّض يكن خلف الناس يكبرن مع الناس) رواه مسلم، والعواتف أي الشابات، والحيّض: جمع حائض، ذوات الخدور: ربات البيوت.
وكان من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الأغتسال للعيد.
وكان يلبس أجمل ثيابه يوم العيد، فإن التجمل باللباس يوم العيد والجمعة واجتماع الناس من الأمور المشروعة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من هديه عليه الصلاة والسلام الخروج ماشياً الى الصلاة فإذا وصل الى المصلى بدأ بالصلاة من غير أذان ولا إقامة فكان يصلي ركعتين فيهما تكبيرات زوائد.
وأصح ما ورد في صفة صلاة العيد وعدد التكبيرات الزوائد ما جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) رواه أحمد وابن ماجة وقال الحافظ العراقي إسناده صالح ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري.
ويكون التكبير سبعاً في الأولى بعد القراءة وخمساً في الثانية بعد القراءة وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة.
وأما ما ورد في التكبير ثلاثاً في الأولى قبل القراءة وثلاثاً في الثانية بعد القراءة فإن الحديث فيه ضعيف لا يعول عليه وما تقدم أصح.
وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورق ق وفي الركعة الثانية سورة القمر. كما جاء في الحديث عن أبي واقد الليثي وقد سأله عمر: ما كان رسول الله يقرأ به في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ "ق والقرآن المجيد ، واقتربت اساعة وانشق القمر" رواه مسلم.
واحياناً كان يقرأ في الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الغاشية كما في الحديث عن سمرة رضي الله عنه ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين بـ سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية) رواه أحمد.
وبعد انتهائه عليه الصلاة والسلام من الصلاة كان يشرع في الخطبة وكان يبدؤها بالحمد لله وليس بالتكبير كما يفعل أكثر الخطباء اليوم.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله (وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير) زاد المعاد 1/447. وكان عليه الصلاة والسلام يكبر كثيراً خلال خطبتي العيد.(/17)
ومما يجدر ذكره أن التكبير في عيد الأضحى يبدأ من فجر يوم عرفة ويستمر حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، فصح عنهم التكبير من غداة عرفة الى أخر ايام التشريق.
ويكون التكبير في أعقاب الصلوات المفروضة وغيرها من الأوقات.
قال الإمام الشوكاني ( والظاهر أن تكبير التشريق لا يختص استحبابه بعقب الصلوات المفروضة بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام) نيل الأوطار 3/358.
وينبغي أن يعلم أن أيام العيد هي أيام ذكر لله تعالى وليست أياماً للتحلل من الأحكام الشرعية كما يظن كثير من الناس قال عليه الصلاة والسلام ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) رواه مسلم.
وكان عليه الصلاة والسلام بعد انتهاء الصلاة والخطبة يأتي النساء فيعظهن ويذكرهن فقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير آذان ولا إقامة ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على الطاعة ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن) رواه مسلم. وكان عليه الصلاة والسلام يعود من المصلى من طريق غير الطريق الذي سلكه في ذهابه ليكثر الناس الذين يسلم عليهم أو لغير ذلك من الحكم. وبعد رجوعه الى منزله كان يتولى أضحيته بنفسه أو يوكل أحداً بذبحها، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن أو ما تبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتا ..) رواه مسلم.
وأخيراً ينبغي التذكير بصلة الأرحام والإحسان الى الفقراء والمساكين يوم العيد وكذلك فلا بأس بالتهنئة بالعيد والتوسعة على الأهل والأولاد.
التهنئة بحلول العيد
يقول السائل: كيف تكون التهنئة بحلول العيد؟
الجواب: إن أصل التهنئة مشروع في الجملة فقد ثبت في الحديث الصحيح في قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه بعد تخلفه عن غزوة تبوك حيث ورد في قصة توبته (قال سمعت صوت صارخ يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك، أبشر فذهب الناس يبشروننا وانطلقت أتأمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أقصده) يتلقاني الناس فوجا فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون: ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني وكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب:-
فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر يخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) رواه البخاري ومسلم.
وهذا الحديث في التهنئة بشكل عام وأما التهنئة بالعيد والدعاء فيه فقد ورد في الحديث عن محمد بن زياد قال كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض يتقبل الله منا ومنك) قال الإمام أحمد بن حنبل إسناده إسناد جيد وجود اسناده أيضاً العلامة ابن التركماني، الجوهر النقي 3/319.
ونقل ابن قدامة عن الأمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك).
وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبل الله منا ومنكم قال: لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة قبل وواثلة بن الأسقع؟ قال نعم، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد، قال: لا) المغني 2/295/296.
وسئل الإمام مالك عن قول الرجل لأخيه يوم العيد تقبل الله منا ومنك يريد الصوم فقال ما أعرفه ولا أنكره، قال ابن حبيب المالكي معناه لا يعرفه سنة ولا ينكره على من يقوله لأنه قول حسن ولأنه دعاء.
وقد عقد الأمام البيهقي باباً في سننه الكبرى بعنوان (باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك).
ثم ساق فيه بعض الأحاديث الواردة ت في ذلك وضعفها وساق فيه أيضاً أثراً عن عمر بن عبد العزيز فقال( عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيد تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا) سنن البيهقي 3/319.
وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فلا بأس أن يعمل بها في مثل هذا الأمر الذي يعد من فضائل الأعمال وخاصة إذا أضفنا اليها الحديث الذي لم يذكره البيهقي وهو حديث أبي أمامة المذكور سابقاُ، وخلاصة الأمر أنه لا بأس أن يقال في التهنئة بالعيد تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال أو نحولها من العبارات.
المشروع في زيارة القبور
يقول السائل: ما هو المشروع في زياردة القبور؟(/18)
الجواب: لا شك أن زيارة القبور مشروعة في كل الأوقات لما ورد في الحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة ولتزدكم زيارتها خيراً فمن أراد أن يزور فليزر ولا تفولوا هجراً) رواه مسلم وأبو داوود والنسائي وغيرهم.
وفي رواية أخرى (لا تقولوا ما يسخط الرب).
فزيارة القبور سنة مشروعة تذكر بالموت وتجعل الإنسان يتعظ ويعتبر ويتذكر أنه سيصير الى ما صار اليه الأموات وهذا يدفعه الى العمل الصالح.
وكذلك فإن زيارة القبور فيها نفع للميت بالسلام عليه والدعاء له والاستغفار له.
والمشروع للزائر أن يقول: (السلام على أهل الديار المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم.
والمشروع أيضاً في حق الزائر أن يدعو للأموات لما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( كان يخرج الى البقيع فيدعو لأهل البقيع فسألته عائشة عن ذلك فقال إني أمرت أن أدعو لهم) رواه أحمد بسند صحيح.
وينبغي لزائر القبور أن يراعي حرمة الأموات فلا يجلس على القبور ولا يطؤها بقدمه وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقال: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص الى جلده خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم وأبو داوود والنسائي وغيرهم.
زيارة النساء للقبور محظورة
يقول السائل: ما حكم زيارة النساء للقبور؟
الجواب: إن زيارة النساء للقبور ممنوعة شرعاً. على القول الراجع من أقوال أهل العلم، لأنه ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله زائرات القبور) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حيان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان، وهو حديث صحيح.
وعن علي رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة، قال: هل تغسلن؟ قلن: لا، قال هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا ، قال: فارجعن مأزورات غير ماجورات) رواه البيهقي وابن ماجة وفي سنده اختلاف.
وغير ذلك من الأحاديث التي دلت على تحريم زيارة النساء للقبور، فهذه أحاديث صريحة في معناها، فإن رسول اله عليهالصلاة والسلام لعن النساء على زيارة القبور، واللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه، ولا سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اله: "فإن قيل فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال أهل القول الأخر، قيل هذا ليس بجيد، لأن قوله ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) هذا خطاب للرجال دون النساء، فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور، أو متناول لغيرهم بطريق التبع فإن كان مختصاً بهم فلا ذكر للنساء وإن كان متناولاً لغيرهم كان هذا اللفظ عاماً وقوله: (لعن الله زوارات القبور) خاص بالنساء دون الرجال، ألا تراه يقول (لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)، فالذين يتخذون عليها المساجد والسرج لعنهم الله، سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وأما الذين يزورون فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال، وإذا كان هذا خاصاً ولم يعلم أنه متقدم على الرخصة كان متقدماً على العام عند عامة أهل العلم، كذلك لو علم أنه كان بعدها " مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/60،361.
زيارة القبور يوم العيد غير مشروعة
يقول السائل: جرت العادة عندنا أن يذهب الناس يوم العيد بعد انتهاء صلاة العيد لزيارة القبور وتخرج النساء كذلك معهم ويوزعون الحلوى والقهوة والشاي ويضعون جريد النخل والزهور على القبور فما قولكم في ذلك؟
الجواب: إن زيارة القبور سنة مشروعة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام ( كنت نهيتكم عن زيارة القبورألا فزورها فإنها تذكركم بالآخرة ) رواه مسلم.
ولكن الشرع لم يحدد يوماً معيناً لزيارة القبور لذلك فإن تخصيص يومي العيد بزيارة القبور بدعه مكروهة وقد تكون حاماً إذا رافقتها الأمور المنكرة التي نشاهدها في أيامنا هذه يوم العيد من خروج النساء المتبرجات إلى القبور ووطئها بالأقدام وغير ذلك من الأمور المخالفة لهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي. وتخصيص يوم العيد بزيارة القبور مما لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - . ولا صحابته رضي الله عنهم زيارة القبور يوم العيد وإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع .(/19)
وأما قراءة القران على القبور فأمر غير مشروع أيضاً بل هو بدعة منكرة ما فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نقلت عن صحابته رضي الله عنهم ولا يجوز فعل ذلك وعلى المسلم أن يقتدي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار رضي الله عنهم .
والرسول - صلى الله عليه وسلم - علم الصحابة ما يقولون عند زيارتهم للقبور فقد ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه قال : (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم .
فالمشروع في حق من يزور المقابر أن يسلم على الأموات بهذه الصيغة أو نحوها وأن يدعو ويستغفر لهم وأما قراءة الفاتحة كما يفعله أكثر الناس اليوم وكذا قراءة غيرها من القرآن لا أصل له في الشرع وإن توارثه الناس في بلادنا كابراً عن كابر فإن الحق في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا فيما يعتاده الناس .
قال الشيخ محم رشيد رضا صاحب تفسير المنار( - .. فأعلم أن ما اشتهر وعمّ البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية ولكنه صار بسكوت اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة ) 8/268 .
ومما يدل على عدم مشروعية قراءة القران على القبور قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تجعلوا بيوتكم مقابر فأن لشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم .
فهذا يدل على أن القبور ليست محلاً لقراءة القرآن شرعاً فلذلك حض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قراءة القران في البيوت ونهى عن جعل البيوت كالمقابر في عدم قراءة القرآن.
وأما خروج النساء الى زيارة القبور في أي يوم من أيام السنة فالأصل فيه الجواز لدخول النساء في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم (كنت نهيتكم .. ألا فزوروها) ولأن في زيارة القبور وهي التذكرة بالأخرة تشارك النساء فيها الرجال ولثبوت ذلك بأحاديث منها حديث عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن ابن أبي بكر فقلت لها : أليس كان رسول الله نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، ثم أمر بزيارتها) رواه الحاكم والبيهقي واسناده صحيح قاله الألباني
وفي رواية عنها (أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - رخص في زيارة لقبور) رواه ابن ماجة.
وفي الباب أيضاً حديث عائشة عند مسلم وهو حديث طويل لم اذكره لذلك.
وأما خروج النساء لزيارة القبور يوم العيد فحكمة كما قلت سابقاً لا يجوز فهو بدعة مكروهة لأنه تخصيص لعبادة بزمان معين بدون دليل وقد يصل إلى درجة التحريم إذا عرفنا حال كثير من النساء اللواتي يخرجن إلى المقابر من التبرج، وإبداء الزينة والإختلاط الفاحش بالرجال فأرى أنه يجب على أولياء أمورهن منعهن من الخروج إلى المقابر وهن على تلك الحال وإن لم يفعلوا فهم آثمون والعياذ بالله .
وأما وضع جريد النخل وباقات الزهور أو أكاليل الزهور على القبور فلا يجوز أيضاً فهو أمر محدث ولا يصح الاحتجاج بحديث ابن عباس وهو بما معناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير .. ثم أخذ جريدة فشقها نصفين فوضع كل نصف على قبر وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) .
فهذا الحديث صحيح ولا شك ولكن لا دلالة على فيه على أن وضع جريدة النخل وأكاليل الزهور على قبور الأموات عامة جائز لما يلي :-
أولاً: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله أن الرجلين يعذبان ونحن لا نعرف هل أصحاب القبور يعذبون أم لا؟
ثانياً: إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الأموات لأننا نظن ظن السوء أنهم يعذبون وما يدينا لعلهم ينعمون.
ثالثاً: إن وضع الجريد والزهور مخالف لما كان عليه سلف الأمة الصالح الذين هم أعلم بشريعة الله منا.
رابعاً: إن وضع جريدج النخل على القبر خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الخطابي في معالم السنن "أنه من التبرك بأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعائه بالتخفيف عنهما .. إلى أن قال: والعامة في كثير من البلدان تغرس الخوص في قبور موتلاهم وأراهم ذهبوا الى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه" 1/27 .
ويؤيد أن وضع الجريد الخاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ما ورد في حديث جابر عند مسلم وفيه (أني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين) فهذا دليل على أن رفع العذاب عنهما كان بسبب شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعائه لا بسبب نداوة الغصنين.(/20)
وبناء على ما تقدم لاأنصح أحداً من المسلمين بوضع جريد النخل أو أكاليل الزهور على القبور وأنصح من يفعلون ذلك بأن يتصدقوا بثمن ذلك عن أمواتهم فإن ذلك ينفعهم ويصلهم ثوابه إن شاء الله كما قاله بعض المحققين من العلماء.
الأعمال التي ينتفع بها الأموات
يقول السائل: ما هي المور التي ينتفع بها الإنسان بعد وفاته ويصل ثوابها إليه؟
الجواب: إن مما اتفق عليه علماء الإسلام أن الميت ينتفع بدعاء غيره له، قال الإمام النووي: "أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصل ثوابه اليهم".
ويدل على ذلك قوله تعالى: (والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان) سورة الحشر الآية 10 .
وكذلك ما ثبت في أحاديث كثيرة من الدعاء للأموات في صلاة الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك كما ورد في الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وعند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل آمين ولك بمثل) رواه مسلم وغيره.
وكذلك ما ثبت في لحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم - (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء غلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم وغيره.
ومن الأمور التي اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بها ويصل ثوابها له الصدقة عنه، وكذلك فإن المتصدق ينتفع بتلك أيضاً ويدل على ذلك أحاديث وردت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم،فقال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها) رواه البخاري وغيره. وحائط المخراف: بستان نخل أو عنب كان لسعد فتصدق به عن أمه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي أفتلتت نفسها ـ أي ماتت فجأة ـ ولم توصي وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم فتصدق عنها) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أبي مات وترك مالاً ولم يوصي فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال: نعم) رواه مسلم وغيره. ومن الأمور التي ينتفع بها الميت قضاء صوم النذر عنه فإذا كان الميت قد نذر صوماً لله تعالى فمات قبل أن يصوم فيجوز لوليه أن يصوم عنه ذلك النذر.
ويدل على ذلك الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) رواه البخاري ومسلم.
وهذا أرجح أقوال العلماء في الصوم عن الميت أنه يجوز في صوم النذر دون صوم الفريضة وهذا منقول عن عائشة وابن عباس رضي الله عنه، أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهراً فأنجاها الله عز وجل فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إما أختها أو ابنتها الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضيه؟ قالت: نعم، فدين الله أحق أن يقضى) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ومن الأمور التي تصل الى الميت وينتفع بها الحج والعمرة عنه حج الفريضة أو النافلة أو النذر وكذا العمرة وقد وردت الأحاديث بذلك فمنها:
عن ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزى أن تحج عنها؟ قال : نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم تجزيء عنها فلتحج عن أمها) رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد.
وعن ابن عباس أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن ذلك فقال: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) رواه البخاري وغيره.
وهناك أعمال أخرى ينتفع بها الميت على قول طائفة من أهل العلم كتلاوة القرآن وجعل ثواب التلاوة للميت والأضحية عن الميت.
أفضل الأعمال التي ينتفع بها الأموات من أبنائهم
يقول السائل: ما هي أفضل الأعمال التي يستطيع الأبن عملها وينتفع بها الأب بعد وفاته؟
الجواب: إن من أفضل الأعمال التي يستطيع الولد أن يعملها وينتفع بها أبوه الميت الصدقة.
فالصدقة عن الميت تنفعه ويصله ثوابها كما هو مذهب جماهير علماء المسلمين ودل على ذلك ما جاء في الحديث ( عن عائشة رضي الله عنهما أن رجلاً فال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن امي افتلتت نفسها ولم توصي ـ أي ماتت فجأة ـ وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال : نعم فتصدق عنها) رواه البخاري ومسلم.(/21)
ويدل على ذلك أيضاً ( ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فها ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال نعم، فقال فإني أشهدك أن حائط المخراف صدعة عنها) والمقصود بالحائط: بستان نخل أو عنب. والحديث رواه البخاري وغيره.
ومن الأمور التي ينتفع بها الميت الدعاء له عند زيارة القبور أو كان بشكل عام، يقول الله تعالى: " والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" فهذه الآية تدل على انتفاع الأموات باستغفار الأحياء لهم.
قال الإمام النووي"أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصلهم ثوابه"الأذكار ص 140.
ويدل على ذلك أيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) رواه مسلم.
وقوله (اللهم اغفر لحينا وميتنا ...) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح.
ومن الأمور التي ينتفع بها الميت على قول بعض العلماء الحج عنه تطوعاً إن كان الميت قد أدى فريضة الحج وكذا قراءة القرآن بأن يجعل القارئ ثواب ما تلى الميت.
يحرم استئجار المقرئين للقراءة على الأموات
يقول السائل: ما حكم تاستئجار المقرئين لقراءة القرآن على روح الميت؟
الجواب: إن استئجار المقرئين لقراءة القرآن على روح الأموات غير جائز شرعاً ومن البدع التي ما أنزل اللهبها من سلطان ودفع المال لهولاء المتاجرين بكتاب الله إنفاق فيما حرم الله وهم يأخذون هذا المال بطريق حرام، والقرآن الكريم ما أنزل للمتاجرة به من هؤلاء الكسالى والعاطلين عن العمل ولا ليتكسب به الدجاجلة والمشعوذون وما أنزل هذا الكتاب الكريم ليقرأ على المقابر أو لافتتاح برامج الإذاعة والتلفاز التي تحارب الله ورسوله ودينه طوال الوقت، إنما أنزل هذا القرآن لنتدبر آياته ولتكون لنا سراجاً منيراً ودستوراً ومنهاجاً لحياة الأمة المسلمة.
وهؤلاء الذين يتاجرون بكتاب الله ينطبق عليهم قول بعض السلف (كم من تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه) وهؤلاء المرتزقة يحددون أسعاراً لقراءاتهم وإذا لم يدفع لهم ما يطلبون فإنهم لا يقرؤون وتزداد حرمة هذا الأمر إذا صاحبته أمور منكرة كالأدعية والأذكار التي لا يقرها الشرع الحنيف وكإزعاج الجيران وأهل الحي باستخدام مكبرات الصوت.
قراءة القرآن على الأموات
يقول السائل: أرجو بيان حكم قرآءة القرآن على أرواح الأموات وهل يصل ثواب القراءة اليهم أم لا؟
والجواب: اتفق أهل العلم على أن الميت ينتفع بما عمله من خير في حياته ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاث اشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن دعاء الحي للميت ينفعه ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان" سورة الحشر آية (10).
وما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من دعائه للأموات في صلاة الجنازة وغيرها كحديث عوف بن مالك قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله..) الحديث رواه مسلم.
وكذلك اتفقوا على أن صدقة الحي عن الميت تدفع الميت ويدل على ذلك حديث عائشة أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي افتلت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها؟ قال : نعم) رواه مسلم ومعنى افتلت نفسها أي ماتت فجأة، كما اتفق جمهور العلماء على أن الحج عن الميت ينفعه لما ورد في الحديث عن بريدة أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن امي ماتت ولم تحج أفيجزي أن أحج عنها؟ قال : نعم (رواه مسلم) وكذلك قال طائفة من أهل العلم بأن الميت ينتفع بصوم الحي عنه لما ورد في حديث عائشة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه). رواه البخاري ومسلم.
هذه هي أهم الأعمال التي ينتفع بها الميت وتصل اليه والتي وردت فيها النصوص الشرعية.
وأما قراءة القرآن وجعل ثواب ذلك للميت فمسأله اختلف فيها أهل العلم قال الإمام النووي رحمه الله: (واختلف العلماء في صول ثواب قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي الى أنه يصل) الأذكار ص 40 وقال الحنفية إن ثواب القرآن يصل الى الميت وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتليمذه ابن القيم واختيار الإمام النووي وغيرهم من أهل العلم.(/22)
وهو الذي اختاره واقول به لأن الأدلة الواردة في انتفاع الميت بعمل الحي في باب العبادات تدل على انتفاع الميت بقراءة القرآن إذ لا فرق بين انتفاعه بالصوم والحج وانتفاعه بقراءة القرآن قال ابن قدامة رحمه الله: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله). المغني 2/423 ثم ذكر بعض الأدلة الدالة على انتفاع الميت يعمل الحي وقد سقت بعضها ثم قال: (وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت فكذلك ما سواها) المغني 2/423.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( وأما قراءة القرآن واهداؤها له تطوعاً يغير أجرة فهذا يصل اليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل فهذا لم يكن معروفاً في السلف ولا يمكن نقله عن واحدة منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اليه وقد أرشدهم الى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم اليه ولكانوا يفعلونه.
فالجواب أن مورد هذا السؤال أن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والأستغفار قيل له ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال وهل هذا الا تفريق بين المتماثلات وأن لم يعترف بوصول تلك الأشياء الى الميت فهو محجوم بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع.
وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو انهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي الى الموتى ولا كانوا يعرفون ذلك البتة ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم. ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تفعل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدوا على الله بأيصال ثوابها الى أمواتهم. فإن قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرشدهم الى الصوم والصدقة والحج دون القراءة قيل هو - صلى الله عليه وسلم - لم يبتدنهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وأمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر..) الروح ص 142-143.
وأخيراً يجب التنبيه على أن القراءة التي تصل للميت وينتفع بها هي القراءة بدون أجر وأما إذا استأجر أهل الميت قارئاً يقرأ بأجره فلا يصل ثواب القراءة للميت ولا ينتفع بها ولا يصح الإستئجار على قراءة القرآن في هذه الحالة ولا ثواب في ذلك لا للقارئ ولا لذوي الميت ولا للميت قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وأما الإستئجار لنفس القراءة _أي قراءة القرآن_ والإهداء فلا يصح ذلك .. فلا يجوز ايقاعها الا على وجه التقرب الى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها اجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فع????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????
?????????????
???????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????؟
والجواب: إن إقامة المأتم بمناسبة الأربعين من البدع المنكرة المنتشرة في مجتمعنا وهي مخالفة لهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولما في ذلك من تجديد الأحزان على الميت ولما يصاحب ذلك من اضاعة الأموال فيما لا نفع فيه حيث إن بعض الناس قد يتكلفون في اعداد الطعام ويدفعون أموالاً طائلة قد يكون ورثة الميت بحاجة ماسة لها.
وهذا الأمر لم يؤثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو احداث في الدين وتشريع لما لم يأذن به الله عز وجل، يقول الله تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) سورة الشورى الأية 21.
الكلام في المسجد
يقول السائل: ما قولكم في حديث الناس وكلامهم في المساجد وارتفاع أصواتهم فيها؟
الجواب: إن حال كثير من المساجد اليوم محزن نتيجة لجهل كثير من المسلمين بأحكام المساجد وآدابها فترى في المساجد الحلقات التي يعقدها الناس ويدور الحديث فيها عن الأمور الدنيوية وإذا وقف الحديث عند الأمور المباحة فحسن، ولكن كثيراً منهم يتجاوز المباح الى الحرام فيتكلمون في أعراض الناس ويستغيبونهم ونحو ذلك.
والاصل أن الجلوس في المسجد عبادة وينبغي للمسلم أن يشغل وقته في المسجد إما بالصلاة أو بالذكر والدعاء أو يقرأ القرآن فإن لم يفعل شيئاً من ذلك فلا يتجاوز الكلام في الأمور المباحة.(/23)
ولقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن زمان يتحلق الناس فيه في المساجد لا هم لهم ولا كلام الا في أمور الدنيا وقد ذمهم على ذلك، فقد ورد في الحديث عن ابن مسعود ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (يأتي على الناس زمان يحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا وليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم) رواه ابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني.
ومن الأمور المخالفة للشرع والتي تشوش على المصلين والتالين والذاكرين ويفعلها الناس في المساجد، البحث عن المفقودات فتسمع هذا يبحث عن نقوده وترى المؤذن يعلن عن وجود نقود أو نحوها ويطلب من صاحبها مراجعته وغير ذلك من الأمور التي نهى عنها الشارع الحكيم فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد الضالة فقولوا: لا ردّ الله عليك) رواه الترمذي والدارمي وهو حديث صحيح.
وفي رواية أخرى (من سمع رجلاً ينشد في مسجد ضالة فليقل لا أداها الله اليك فإن المساجد لم تبن لهذا) رواه مسلم.
وينبغي أن يعلم أن التشويش في المسجد على المصلين والتالين لكتاب الله والذاكرين لا يجوز حتى ولو كان ذلك بقراءة القرآن فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الألباني. وورد في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه مالك بسند صحيح قاله الألباني.
وقد هم عمر بن الخطاب بتعزيز من يرفعون أصواتهم في المسجد، روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصيني رجل- أي رماني بحصاة- فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: ممن أنتما؟ قال: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
ومن التشويش الذي يقع الصياح الذي تسمعه من بعض المصلين في آخر المسجد عن إقامة الصلاة لإتمام الصفوف أو الدخول الى داخل المسجد وهذا أمر لا يجوز لأن المسلم يوم الجمعة عليه أن يتقدم الى الصفوف الأولى ولا يترك فراغاً أمامه وهذا هي السنة كما ورد في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام في حق القادم الى المسجد يوم الجمعة (.. ودنا من الأمام) أي اقترب من الإمام ثم إذا أقيمت الصلاة فإن من واجب الإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وإكمالها وينبغي على المصلين أن يسمعوا ويطيعوا فيتموا الصفوف ويسدوا الفراغ الموجود في المسجد.
وأما أن يأخذ المصلون في آخر المسجد بالصياح واللغط فهذا أمر لا ينبغي ومخالف للهدي النبوي.
الأستماع لقراءة القران الكريم
يقول السائل: هل الإستماع والانصات لقارئ القرآن الكريم، إذا كان يقرأ من الإذاعة أو في المسجد واجب لقوله تعالى:
(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)؟
الجواب: يرى كثير من أهل العلم أن هذه الآية الكريمة " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصوا لعلكم ترحمون) سورة الأعراف /204. قد نزلت في الصلاة، وهذا يدل على أن الإستماع لقراءة القرآن يكون واجباً حال قراءة الإمام للقرآن في الصلاة سواء كانت فرضاً أو نفلاً، ونقل ابن جرير الطبري شيخ المفسرين، أن هذه الأية نزلت في الصلاة عن جماعة من السلف، فقد روى ابن جرير بسنده عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما تزلت هذه الآية (وإذا قرئ القرآن). أمروا بالإنصات.
وروي مثل ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والزهري وعطاء وعبيد بن عمير وعن سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وابراهيم النخعي وقتادة وغيرهم.
وهذا أرجح أقوال العلم في سبب نزول هذه الآية وبناء عليه يكون الإستماع واجباً لقراءة الإمام في الصلاة.
وأما الأستماع والإنصات لقراءة القارئ خارج الصلاة، سواء كان يقرأ من الإذاعة أو في المسجد أو كان يقرأ من المسجل فمندوبه، قال ابن عبد البر: "في قول الله عز وجل : "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)، مع إجماع أهل العلم أن مراد الله من ذلك في الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أن المأموم إذا جهر إمامه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء، وأن يستمع له وينصت "فتح المالك بترتيب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 2/126.(/24)
وذكر ابن عبد البر في الإستذكار وفي التمهيد خبر أبي عياض عن أبي هريرة قال: (كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)) وقال إبراهيم بن مسلم: "فقلت لأبي عياض: لقد كنت أظن أن لا ينبغي لأحد يسمع القرآن ألا يسمع، قال: إنما ذلك في الصلاة المكتوبة، فأما في الصلاة غير المكتوبة فإن شئت سمعت وإن شئت مضيت ولم تسمع " الإستذكار 4/230.
وقال ابن جرير الطبري بعد أن ساق أقوال العلماء في تأويل الاية السابقة:" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام، وكان من خلفه ممن يأتم به يسمعه في الخطبة، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا قرأ الإمام فأنصتوا) واجماع الجميع على أن من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة، الإستماع والإنصات لها مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والأنصات لسماعه من قارئه إلا في هاتين الحالتين على اختلاف في إحداهما وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به. وقد صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر من قوله: (إذا قرأ الأمام فأنصتوا).
فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان مؤتماً سامعاً قراءته بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تفسير الطبري 6/166.
وروى الطبري بإسناده عن سعيد بن جبير أن الأية (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)، قال:" الانصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام في الصلاة" تفسير الطبري 6/166.
وعلق القرطبي على قول سعيد بن جبير بعد أن نقله بقوله: " وهو الصحيح لأنه يجمع ما أوجبته هذه الآية وغيرها من السنة في الإنصات "تفسير القرطبيي 7/353-354 ثم نقل القرطبي عن النقاش قوله: " أجمع أهل التفسير أن هذا الإستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة".
وحكى ابن المنذر الإجماع على عدم وجوب الإستماع والإنصات في غير الصلاة والخطبة وذلك أن إيجابهما على كل من يسمع أحداً يقرأ فيه حرج عظيم لأنه يقتضي أن يترك له المشتغل بالعلم علمه والمشتغل بالحكم حكمه، والمتبايعان مساومتهما وتعاقدهما ، وكل ذي شغل شغله "تفسير المنار 9/552-553.
وقال العز بن عبد السلام: " الإستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الأداب المشروعة المحثوث عليها، والإنشغال عن ذلك بالتحدث بما لا يكون أفضل من الإستماع سوء أدب على الشرع " فتاوى العز بن عبد السلام ص 485-586.
وقال جلال الدين السيوطي: " يسن الإستماع لقراءة القرآن، وترك اللغط والحديث بحضور القراءة ، قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون). الاتقان 1/145.
ومما يدل على أن الإستماع لقراءة القرآن خارج الصلاة والخطبة مندوب ما ورد من الأدلة في جواز الكلام خارج الصلاة والخطبة.
ومما ينبغي التنبيه عليه، ان ترك الإستماع والإنصات للقرآن والإنشغال بالأحاديث المختلفة مكروه كرهية شديدة، وتكون الكراهة أشد إذا كان المتحدثون بأمور الدنيا قرب قارئ القرآن، وأما إذا كان المجلس فيه كثير من الناس يستمعون وينصتون، فتنحى بعضهم وتحدثوا بصوت منخفض من غير تشويش على الاخرين فالخطب هين ويسير.
ولا يعني قولنا إن الاستماع لقارئ القرآن في المسجد أو الإذاعة أو من المسجل مندوب أن يتساهل الناس في الإستماع لكلام الله، فينبغي لكل مسلم أن يحرص على الإستماع والإنصات لقراءة القرآن وأن يتأدب في مجلس قراءة القرآن.
كما وينبغي التنبيه أن بعض القراء يستئون في قرائتهم للقرآن الكريم، ويشوشون على عباد الله، كالقراء الذين يقرآون في المآتم عبر مكبرات الصوت، فإن ذلك حرام شرعاً، وكذلك القراء الذين يقرأون عبر مكبرات الصوت قبل صلاة الجمعة وقبل الآذان للصلوات الخمس ، فكل ذلك من البدع المخالفة للشرع لأن هؤلاء وأولئك يشوشون على عباد الله، وخاصة يوم الجمعة، فإن الوقت قبل صلاة الجمعة هو وقت للتنقل والدعاء وللذكر والاستغفار ، ولا ينبغي لأحد أن يشوش على عباد الله في قراءة القرآن، ولا بالدروس ولا بالمواعظ، وأنما كل مسلم يقرأ إن رغب أو يصلي أو يدعو أو يستغفر لوحده.
وقد ورد في الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) رواه الإمام مالك، وقال الشيخ الألباني: سنده صحيح.
التكبير عند ختم المصحف
يقول السائل: ما حكم التكبير عند ختم المصحف من سورة الضحى إلى سورة الناس؟
الجواب: إن التكبير المشار إليه في السؤال لم يثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسند صحيح ولم يقل به أكثر القراء لذلك فلا ينبغي لأحد أن يفعله لأنه ليس من السنة.(/25)
ونقل التكبير من سورة الضحى إلى آخر المصحف البزي عن إبن كثير عن مجاهد ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن مفلح: ( وهذا حديث غريب رواية أحمد ين محمد بن عبد الله البزي وهو ثبت في القراءة، ضعيف في الحديث وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر..) الأداب الشرعية2/310.
وفضل شيخ الإسلام ابن تيمية أن لا يكبر القارئ فقد أجاب على سؤال بأن جماعة قرأوا القرآن فاذا وصلوا إلى الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا؟
فأجاب: الحمد لله نعم إذا قرأوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل بل المشروع المسنون فان هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ولا في أواخرها) مجموع الفتاى 13/417.
زكاة أموال التجارة
يقول السائل: كيف يزكي التجار تجارتهم؟
الجواب: إذا حلّ الشهر الذي يؤدي التاجر فيه زكاة أمواله فإنه يقوم بحصر أمواله من التجارة والتي تشمل البضائع الموجودة لديه والتي لم تبع بعد وكذلك أموله السائلة وماله من ديون على الناس إذا كانت مضمونة فيقوم البضائع الموجودة لديه بسعرها الحاضر ويضم إلى ذلك أرباحه ومدخراته وديونه المضمونة الأداء ويخصم ما عليه من دين إن كان هناك دين ثم يخرج زكاة الباقي بنسبة 2,5% أي ربع العشر.
وينبغي التنبيه على أن الأجهزة والمعدات لا تدخل في الزكاة فمثلاً إذا كانت لديه ثلاجات أو خزائن أو مبنى أو سيارة لخدمة المحل أو نحو ذلك فلا تحسب من ضمن مال الزكاة وإنما الزكاة على الأموال السائلة وهي الأموال المعدة للبيع لما ورد في الحديث عن سمرة بن جندب قال( كان رسول - صلى الله عليه وسلم - وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما يعد للبيع) رواه أبو داود والدار قطني واختلف في سنده وحسنه ابن عبد البر .
كما وأن تقويم البضائع والسلع يكون بناء على سعرها الحالي الذي تباع به وقت التقويم وهذا قول أكثر الفقهاء.
ويجوز للتاجر أن يخرج زكاة تجارته من أعيان تلك التجارة كتاجر المواد الغذائية فيجوز له أن يخرجها مما عنده من أرز أو طحين أو سكر وغيرها، ويجوز له أيضاً أن يخرج مما وجب عليه نقداً.
زكاة الزيتون
يقول السائل: كيف تخرج زكاة الزيتون؟ وإذا عصر الزيتون فهل تخرج من الزيت؟ وما هو النصاب الشرعي في تلك؟ وهل يجوز إخراج النقود بدلاً من الزيت والزيتون؟
الجواب: قال أكثر أهل العلم بوجوب الزكاة في الزيتون إذا تحققت شروط وجوب الزكاة فيه وهذا القول هو الراجح إن شاء الله وهو الذي تؤيده عمومات الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشهد له حكمة الشريعة الإسلامية وعدلها وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنها وعن الزهري والأوزاعي والليث والثوري والحنفية في القول المعتمد عندهم والمالكية وهو أحد القولين في مذهب أحمد وهو قول الشافعي في القديم.
يقول الله سبحانه وتعالى ( وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وأتوا حقه يوم حصاده ) الأنعام الآية 141.
وورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال ) فيما سقت السماء والعيون أو كان بعلاً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه البخاري وأصحاب السنن.
فإذا قطف المزارع الزيتون وبلغ نصاباً وهو المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم - ( ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة) متفق عليه والخمسة أو سق تساوي في زماننا هذا (653) كيلو غرام على وجه التقريب فتجب الزكاة فيه ومقدار الواجب هو العشر أي (10%) إذا كان يسقي بماء السماء كما هو الواقع بالنسبة لمعظم أشجار الزيتون في بلادنا حيث يعتمد المزارعون في سقيها على الأمطار.
وأما إذا كانت تسقى بعض السنة بوسائل الري المعروفة الآن فيكون مقدار الواجب هو نصف العشر أي(5%)، وأما إذا كانت تشقى بعض السنة بماء المطر وبعضها الآخر بوسائل الري المعروفة ففيها ثلاثة أرباع العشر(7,5%) .
ويجوز للمزارع أن يخرج المقدار الواجب من زكاة الزيتون حباً إن أراد أو زيتاً.
وينبغي أن يكون ما يخرجه هو الأنفع للفقراء والمحتاجين والأيسر على المزارعين والمعروف اليوم أن كثيراً من المزارعين يعصرون الزيتون فيخرجون من الزيت المقدار الواجب بعد أن يكون الحب قد بلغ نصاباً كما ذكرت.
ويجوز للمزارع أن يدفع قيمة المقدار الواجب من الزكاة نقداً ولا بأس في ذلك كما هو مذهب الحنفية والقول المشهور عند المالكية وهو رواية في مذهب الحنابلة ومنقول عن الثوري وعمر بن عبد العزيز من فقهاء السلف.
وقد يكون اخراج القيمة أنفع للفقراء والمحتاجين من اخراج الأعيان.
ويجب على المزارع ألا يبخس المستحقين للزكاة حقهم فيقدر القيمة بما عليه السعر في السوق يوم اخراج الزكاة. كما وأن على المزارع أن يبادر إلى إخراج الزكاة بمجرد انتهائه من قطف الزيتون حباً أوعصره زيتاً.(/26)
صرف الزكاة للزوج الفقير
تقول السائلة: هل يجوز للزوجة أن تصرف زكاة أموالها لزوجها الفقير؟
الجواب: نعم يجوز للزوجة أن تدفع زكاة مالها لزوجها الفقير وهذا قول جمهور أهل العلم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان يجزيء عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال عبد الله : بل ائتيه انت قالت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: أئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على زوجيهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن. قالت فدخل بلال فسأله قال له: من هما؟ فقال امرأة من الأنصار وزينب فقال: أي الزيانب؟ فقال: امرأة’ عبد الله فقال: لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة) متفق عليه.
يجوز إخراج النقود في زكاة الفطر
يقول السائل: ما حكم إخراج النقود في صدقة الفطر؟ وما هو وقت وجوبها؟ وهل يجوز تعجيلها؟ ولمن تعطى؟
الجواب: صدقة الفطر أو زكاة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم وقد ثبتت بأحاديث كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها:
حديث ابن عمر قال: ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري - صلى الله عليه وسلم - قال ( كنا نعطيها في زمان النبي صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد الحر والذكور والأنثى والصغير والكبير من المسمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي سعيد الخدري - صلى الله عليه وسلم - قال (كنا نعيطيها في زمان النبي صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء- أي القمح الشامي- قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين) رواه البخاري.
وجمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة يرون وجوب إخراج الأعيان في صدقة الفطر كالتمر والشعير والزبيب أو من غالب قوت الناس ولا يجيزون إخراج القيمة أي إخراج النقود. ومذهب الحنفية جواز إخراج القيمة ونقل هذت القول عن جماعة من أهل العلم منهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري ونقل عن جماعة من الصحابة أيضاً وهذا هو القول الراجح إن شاء الله لما يلي:
أولاً: إن الأصل في الصدقة المال لقوله تعالى( خذ من أموالهم صدقة) والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة وأطلق على ما يقتنى من الأعيان مجازاً وبيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج لا لتقييد الواجب وحصر المقصود.
ثانياً: إن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ماورد عن طاووس قال معاذ باليمن: أنتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج.
وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر الأثر عن معاذ ونصه( وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن أئتوني بعرض ثياب خميص أو ليبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله بالمدينة) واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/54.
ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قادة إلى ذلك الدليل.
وفعل معاذ مع إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك على جوازه ومشروعيته.
ثالثاً: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غاير بين القدر الواجب من الاعيان المنصوص عليها مع تساويها في كفاية الحاجة فجعل من التمر والشعير صاعاً ومن البر نصف صاع وذلك لكونه أكثر ثمناً في عصره فدل على أنه عليه الصلاة والسلام اعتبر القيمة.
ورواية نصف الصاع من البر ثبتت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة ولا يسلم ضعفها كما قال بعض المحدثين.
رابعاً: إن المقصود من صدقة الفطر إغناء الفقراء وسد حاجتهم وهذا المقصود يتحقق بالنقود أكثر من تحققه بالأعيان وخاصة في زماننا هذا لأن نفع النقود للفقراء أكثر بكثير من نفع القمح أو الأرز لهم ولأن الفقير يستطيع بالمال أن يقضي حاجاته وحاجات أولاده وأسرته ومن المشاهد في بعض بلاد المسلمين أن الفقراء يبيعون الأعيان (القمح والأرز) إلى التجار بأبخس الأثمان نظراً لحاجتهم إلى النقود.(/27)
خامساً: قال الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره وإنما أراد بذلك التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة عند العرب وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل أو لا يوجد عنده منها شيء وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب أو الإقط، لهذا كان اخراج الطعام أيسر على المعطي وأنفع للأخذ ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا (الإقط) وهو اللبن المجفف المنزوع زبده فكل إنسان يخرج من الميسور لديه. ثم إن القدرة الشرائية للنقود تتغير من زمن لآخر ومن بلد لآخر ومن مال لآخر فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والإنخفاض حسب قدرة النقود على حين يمثل الصاع من الطعام إشباع حاجة بشرية محددة لا تختلف فإذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير فأن هذا أقرب إلى العدل وأبعد عن التقلب".
وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على رجحان مذهب الحنفية القائلين بجواز إخراج القيمة في صدقة الفطر ومن أراد الإستزادة فليراجع كتاب الإمام المحدث أحمد بن محمد الغماري بعنوان (تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال).
وأما بقية الأسئلة فنقول في الجواب عنها:
إن وقت وجوب صدقة الفطر هو غروب شمس أخر يوم من رمضان عند الجمهور وطلوع فجر يوم العيد عند الحنفية. هذا وقت الوجوب وقد أجازوا تقديمها عن وقت الوجوب وهو الأصلح والأنفع للفقراء فعند الحنفية يجوز تعجيلها من أول العام وعند الشافعية يجوز تعجيلها من أول رمضان وعند المالكية والحنابلة يجوز تقديمها بيوم أو يومين لقول ابن عمر( كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري. وهذا قول حسن وثبت من فعل جماعة من الصحابة تعجيلها بيوم أو يومين أو ثلاثة حتى يتمكن الفقير من شراء ما يلزمه قبل يوم العيد.
وتصرف صدقة الفطر للفقراء والمساكين والمحتاجين فقط ولا تصرف في مصارف الزكاة الثمانية على الراجح من أقوال أهل العلم
مضى العيد ولم يخرج زكاة الفطر
ما حكم شخص لم يخرج زكاة الفطر حتى مضى العيد؟
والجواب: أن صدقة الفطر واجبة ومؤقته بوقت محدد وهو قبل صلاة العيد. فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وقد أورد ابن عيينه في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمه قال: يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)- سورة الأعلى الآيتان 14-15.
فإذا قامت صلاة العيد ولم يخرج صدقة الفطر فقد أتى مكروها كما قال جمهور الفقهاء وأما أن اخرها حتى انقضاء يوم العيد فأكثر الفقهاء على أن ذلك التأخير حرام ولكنها لا تسقط بل تبقى دينا في ذمته حتى يخرجها.
قال بعض أهل العلم أن تأخيرها عن يوم العيد حرام بالاتفاق لأنها زكاة واجبة فوجب أن يكون في تأخيرها اثم كما في اخراج الصلاة عن وقتها نيل الأوطار 4/207.
ويدل على ذلك حديث ابن عباس قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات- رواه أبو داود وأبن ماجة والحاكم وصححه.
قال ابن حزم: فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له فهي دين لهم وحق من حقوقهم وقد وجب اخراجها من ماله وحرم عليه امساكها في ماله فوجب عليه أداؤها أبدا وبالله تعالى التوفيق ويسقط بذلك حقهم ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت لا يقد على جبره الا بالاستغفار والندامة - المحلى 4/266.
مسائل مهمات تتعلق بقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات
تفرق المسلمين في رؤية الهلال
النية في الصيام
حكم من أصبح في أول يوم من رمضان مفطراً
العبادة في رمضان فقط
الامساك قبل طلوع الفجر
المفطرات المعتبرة
صوم الأطفال
أكل الصائم ناسياً
استعمال الصائم فرشاة الأسنان
دواء مرضى الربو والصوم
المسئل الطبية في الصيام
إكراه الزوجة على الافطار في نهار رمضان
هل القطرة تفطر الصائم
استعمال أدوية لتأخير الحيض للصائمة
قضاء الحامل ما أفطرته في رمضان
قضاء الصم عن الميت
تأثير المعاصي والآثام في الصيام
قطع الصوم المندوب
صوم النافلة بعد منتصف شعبان
صوم شهر رجب
صوم ستة أيام من شوال لمن عليهقضاء من رمضان
صوم عاشوراء
أكثر شهر صامه النبي - صلى الله عليه وسلم - نافلة
صلاة التراويح
القراءة من المصحف في التراويح
صلاة العشاء خلف الامام في التراويح
صلاة الوتر
مسح الوجه بعد دعاء القنوت بدعة
الجمع بين الصلوات للمطر
صلاة الفريضة في السيارة
لا تصلى الضحى جماعة دائما
اذن الزوج لزوجته للصلاة في المسجد
سجود التلاوة وسجود الشكر
هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الاعتكاف(/28)
هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد
التهنئة بحلول العيد
المشروع في زيارة القبور
زيارة النساء للقبور محظورة
زيارة القبور يوم العيد غير مشروعة
الأعمال التي ينتفع بها الموتى
أفضل الاعمال التي ينتفع بها الأموات من أبنائهم
يحرم استئجار المقرئين للقراءة على الأموات
قراءة القرآن على الأموات
مأتم الأربعين
الكلام في المسجد
الاستماع لقراءة القران الكريم
التكبير عند ختم المصحف
زكاة أموال التجارة
زكاة الزيتون
صرف الزكاة للزوج الفقير
يجوز اخاج النقود في زكاة الفطر
مضى العيد ولم يخرج زكاة الفطر(/29)
مساجدنا والمخالفات الشرعية
سعد احمد الغامدي
</TD
الحمد الله حمدا لا يحدّ ، ونشكره شكرا لا يعد .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إلى الأبيض والأحمر والأسود . اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد ، الداعي إلى سبيل الرشد ، وعلى آله وصحبه ومن جد في متابعته واجتهد .
اخى المسلم:
ان المساجد هي بيوت الله وهي أحب إليه سبحانه لها مكانتها العظيمة في قلوب المسلمين اهتم الشارع الحكيم بعمارتها حسيا ومعنويا وقال الله تعالى (انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا الله فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين) وقال صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاه بنى الله له به بيتا في الجنة
إن مكانة المسجد في الإسلام لتظهر بجلاء في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء، حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بُني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس كما قال ابن كثير رحمه الله.
وكذلك عندما واصل صلى الله عليه وسلم سيره إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده صلى الله عليه وسلم . ولقد وعى هذا الأمر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهتموا بذلك، واعتنى الخلفاء الراشدون بها فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ولاته أن يبنوا مسجداً جامعاً في مقر الإمارة، ويأمروا القبائل والقرى ببناء مساجد جماعة في أماكنهم. عن عثمان بن عطاء قال لما فتح عمر بن الخطاب البلد كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة .
وكان المسجد في أول الإسلام مكان الطاعات كلها، كما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك للرجل الذي بال في المسجد: "إنما هي لذكر الله والصلاة"، وفي رواية: "إنما بنيت لذكر الله والصلاة"، [رواه البخاري]، وإن هذا الحصر يدل على أنه لا يجوز غير الصلاة والذكر في المسجد إلا بدليل، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد ثقيف في مسجده قبل إسلامهم، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أنزل وفد الحبشة في مسجده، ولعبوا فيه بحرابهم وهو ينظر إليهم، وفي كلا الفعلين مصلحة ظاهرة عائدة إلى الإسلام .
وكانت أغلب مشورته صلى الله عليه وسلم في مسجده ـ وكذا خلفاؤه من بعده ـ تقع في المسجد لأنه مقر اجتماعاتهم، وكثير من الحوادث التي شاور فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أو شاور فيها خلفاؤه من بعده لا يذكر فيها مكان للشورى ولكنها في الغالب ما كانت تقع إلا في المسجد، قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسس مسجده المبارك على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً في سفر أو حرب وبقي فيه مدة اتخذ فيه مسجداً يصلي فيه بأصحابه رضي الله عنهم، كما فعل في خيبر،
هذه أهمية المساجد فى شريعتنا والحديث عن المساجد يطول وذو شجون كيف لا وهى روضة المؤمنين وفيها يذكر رب العالمين ويجتمع فيها المسلمون
الا انه فى هذه السنون المتأخرة ظهرت مخالفات في مساجد المسلمين وقل هيبتها عند بعض الناس حتى ان بعضهم لايقيم للمسجد احتراما , واليكم احبتى فى الله بعض المخالفات الشرعية التي وقع فيها الناس فى هذا الزمان.
مخالفات في المساجد
أول هذه المخالفات وخطرها وأعظمها هى(/1)
1- تحويل المساجد الى قبور وقد ذكر العلماء ان المساجد التي تبنى على قبور فحكمها الهدم، لا يجوز بقاؤها ولا أن يصلى فيها؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك فبين صلى الله عليه وسلم أن الله لعن اليهود والنصارى بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، وبين صلى الله عليه وسلم أنه يجب على المسلمين أن يتجنبوا ذلك، وألا يتأثروا باليهود والنصارى في هذا الأمر، فدل ذلك على أنه لا يجوز اتخاذ المساجد على القبور ولا يصلى فيها؛ لأن هذا يفضي إلى الشرك بها وعبادتها من دون الله . ومن هذا ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبر وعن القعود عليه وعن البناء عليه فالقبور لا تجصص ولا يبنى عليها، لا مساجد ولا غيرها، وما ذلك إلا لأن اتخاذها مساجد والبناء عليها من أسباب الغلو فيها، وعبادة أهلها من دون الله، والنذر لهم، والذبح لهم، ونحو ذلك، فلهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور، وأخبر أن الله لعن اليهود والنصارى بأسباب ذلك. فوجب على المسلمين أن يحذروا هذا، وألا يبنوا على القبور مساجد، وألا يبنوا عليها شيئا، لا قبة، ولا حجرة، ولا مسجدا، ولا تجصص؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك.
أما إن كان المسجد قائما من قبل ذلك ثم دفن فيه ميت أو أموات، فهذا الميت أو الأموات ينبشون وتنقل رفاتهم إلى المقبرة العامة، كل رفات توضع في حفرة تخصه، ويسوى ظاهرها كسائر القبور، حتى يبقى المسجد سليما من القبور.
2- من الأشياء التى تهاون فيها كثير من المسلمين هى دخول المسجد بالرجل اليسرى، وقد روى عن أنس بن مالك قال:من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى و إذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى،وهذا الحديث إسناده حسن وهو صريح فى الباب. أخرجه الحاكم فىالمستدرك وقال إنه حديث صحيح على شرط مسلم قال الشيخ مقبل بن هادى الوادعى فى حاشيته على المستدرك قال الحافظ بعد قول المزى فى ( تهذيب الكمال) إنه روى له مسلم فقا ل الحافظ فى التهذيب لكنه من الشواهد، وقد ترجم البخارى فى صحيحه باب التيمن فى دخول المسجد، ويستأنس بعموم حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم « كان يحب التيمن ما استطاع فى شأنه كله : فى طهوره وترجله وتنعله » (البخارى
3- ترك الذكر عند دخول المسجد
قال النبي صلى الله عليه وسلم « إذا دخل أحدكم المسجد فليقل :اللهم افتح لى أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك » مسلم
4- التهاون في أداء تحية المسجد
فقد أخرج مسلم من حديث أبى قتادة صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم قال دخلت المسجد ورسول الله جالس بين ظهراني الناس قال فجلست فقال الرسول صلى الله عليه و سلم « ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس ؟ قال فقلت يا رسول الله رأيتك جالسا والناس جلوس ، قال فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين » متفق عليه
5- تخصيص مكان للإمام يصلى فيه
المحاريب شئ محدث و بدعه فى الدين والأدلة على ذلك:
ان المسجد النبوى لم يكن فيه محراب فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم ولا فى عهد الخلفاء الراشدين
أنه لو كان أبو بكر صلى فى محراب الرسول صلى الله عليه و سلم لما رأى رسول الله صلىالله عليه و سلم إذ كشف الستر وكان هذا يوم موته صلى الله عليه و سلم
قال شيخ الإسلام بن تيمية يكره السجود فى الطاقة لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان
قال الحافظ ابن حجر فى (فتح البارى) لم يكن لمسجده محراب صلى الله عليه و سلم
قال الشيخ الألبانى رحمه الله : وجملة القول أن المحراب فى المسجد ، بدعة (السلسلة الضعيفة)
6- حضور الرجل إلى المسجد وقد أكل ثوما أو بصلا أضف الى ذلك الدخان
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه : عن النبى صلى الله عليه وسلم قال « من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا رواه البخارى و مسلم.
7- زخرفة المساجد بما يخرج المصلى عن آداب الخشوع
قال النبى صلى الله عليه و سلم « ما أمرت بتشييد المساجد » ، قال عليه الصلاة و السلام « لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس فى المساجد » الصحيح المسند مما ليس فى الصحيحين (الشيخ مقبل الوادعى)، قال بن عباس ( لتزخرفنها كما زخرفت اليهود و النصارى
أمر عمر ببناء المسجد فقال (أكن الناس من المطر و إياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس ) البخارى مع الفتح
8- البيع و الشراء فى المسجد(/2)
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال « إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك » صحيح الإرواء بعض المساجد يكون لها ساحة وياتى بعض الباعه ويبيع داخل هذه الساحه والوجب الابتعاد
9- نشد الضالة فى المسجد
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم « من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فليقل : لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا » مسلم
10- التعامل مع الصبيان بقسوة فى المساجد
جنبوا مساجدكم صبيانكم ) حديث واهى هكذا قال البزار قال ( لا أصل له ) الحكم المتين فى اختصار القول المبين فى أخطاء المصلين
11- الرجل يمسك عن الكلام ويمنع غيره من الكلام فى المسجد
الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش ) أخرجه العراقى فى الإحياء وقال لم أقف عليه، عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة « أكنت تجالس رسول الله صلى لله عليه وسلم قال نعم : كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذى يصلى فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس قام و كانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسمون مسلم
12- الرجل يتخذ فرشا فى المسجد ثم يأتى متأخرا
درج كثير من المسلمين على حجز أماكن فى المسجد بوضع مفارش أو سجادة أو عصا ثم يذهب ليقضى حاجة ولا يأتى إلى الصلاة متأخرا، وقد أخرج مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال « لو يعلم الناس ما فى النداء و الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا » مسلم ،سئل العلامة بن السعدى عن التحجير فى المسجد ؟ أجاب: أنه لايجوز لأن ذلك مخالف لهدي نبينا صلى الله عليه و سلم (مجموع الفتاوى .
13- عدم صيانتها وتنضيفها ممن يرتادونها من جماعة المسجد الا ما رحم ربى فان صيانتها من الأدناس قربة، وتنظيفها طاعة، وتطييبها عبادة. أرأيت حال الرسول عندما رأى نخامة في جدار المسجد تغير وجهه، منكراً ذلك الفعل وآمراً بإزالته. و من عظيم فضل العناية بالمسجد أن جارية دخلت الجنة بسبب كنسها له. ولماذا اهتم الاسلام بنضافتها والعناية بها , والجواب واضح جلى فا المساجد أماكن يشع فيها نور النبوة، ويلتئم فيها صف الأمة، منزهة عن كل لغو ودنس، ومحفوظة من كل ضرر، ملكها بين المسلمين مشاع، وحقها عليهم المحبة والإكرام، وعمارتها بصالح الأعمال.
14- الخروج الى المسجد بمظهر مزرى يستحى ذلك الشخص ان يظهر به امام مديره او فى المناسبات العامه , فهذا يرتادها بلباس نومه، وذاك بثوب حرفته، وآخر ببنطال مشدود يصف العوره، ورابع بكريه رائحته، وخامس بسوء فعله، كل هذا يدل على عدم الإحترام والتقدير للمسجد وللمصلين ففي الحديث { من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم } [رواه البخاري ومسلم]، فأربأ بنفسك عن أذية إخوانك المصلين وملائكة الله المقربين.
15- عدم تطييب المساجد
اهمل الناس اليوم بتطيب المساجد فكثير من المساجد تدخلها لاتجد الرائحه الطيبه الا ما ندر بل بعض المساجد تتئذي من رائحتها وخاصة اذا كانت قرب اماكن وعمل العمال فتطيب المساجد مطلب رفيع. وغاية مقصودة في دين الإسلام. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: { أمر رسول ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب } [رواه الخمسة إلا النسائي ورجاله ثقات]. والدور: هي الأحياء. وعند ابن ماجة { واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها في الجُمع } المطاهر: محال الوضوء. والتجمير: هو التبخر لها.
و تطييب المساجد عام لكل أحد من إمام ومؤذن وغيرهما، وإن أُوكل الأمر لأحد كان أفضل وأكمل. والتطيب يكون بعود البخور أو الندى وغيرهما مما هو مستحسن عُرفاً، وسواء كان مما يتبخر به أو يرش رشاً أو غيرهما فالمقصود هو جلب الرائحة الزكية. وهذه الخصلة غابت عن الكثير من المصلين، وبعض الأئمة والمؤذنين. مع أنها قربة وعبادة وطاعة وامتثال. ويتأكد تطييب المساجد يوم الجمعة لما سبق، ولأن عمر كان يطيب مسجد الرسول كل جمعة قبل الصلاة. كما أن عبد الله بن الزبير كان يبخر الكعبة في كل يوم ويضاعف الطيب يوم الجمعة. وسار على هذه السنة السلف والخلف حتى أن معاوية أجرى وظيفة الطيب للكعبة عند كل صلاة، وقالت عائشة رضي الله عنها: ( لأن أُطيّب الكعبة أحب إليّ من أن أُهدي لها ذهباً وفضة ). هكذا كانت المساجد الإسلامية محل عناية ورعاية وتطهير وتطييب. حتى اختلت الموازين وتقلبت المفاهيم فنتج عنه قلة الوعي بأحكام المساجد عند كثير من المصلين.
16- عدم التطيب(/3)
الطيب من كل شيء هو مختار الله سبحانه وتعالى لنبيه، وجمع أطيب الأشياء صلى الله عليه وسلم فله من الأخلاق والأعمال أطيبها وأزكاها، ومن المطاعم أطيبها وأزكاها، ومن الروائح أطيبها وأزكاها. لذا كان من أخلاقه التطيب، يحبه ويكثر منه بل هو إحدى محبوباته الدنيوية ففي الحديث { حُبب إلي من الدنيا، النساء والطيب، وجُعلت قُرة عيني في الصلاة } [رواه أحمد وصححه الألباني ]. ومن خصائصه طيب الرائحة فجسمه يفوح طيباً فعن أنس بن مالك قال: { ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح الرسول } [رواه مسلم]. بل إذا وضع يده على رأس الصبي عرف أهله أنه قد مس ابنهم لطيب رائحة الصبي، ومع هذه الرائحة العطرة، فقد كان الرسول يكثر ويبالغ في استعمال الطيب حتى أنك لتجد لمعان المسك في مفرق رأسه، ولربما استمر الطيب في رأسه أياماً لكثرته. وكان يُعرف بطيب رائحته إذا أقبل أو أدبر، فمن كانت هذه صفته فهو أبعد الناس عن الرائحة الكريهة، بل إنه ترك كثيراً من المباحات كالثوم والبصل والكراث ونحوها لرائحتها الكريهة فهو طيب لا يقبل إلا الطيب. فهذه صورة مشرقة، وأدب رفيع، وحقيقة ثابتة نسوقها إلى كل مسلم ليرتفع في سلوكه وأدبه إلى مصاف النفوس السليمة، مجانباً كل خلق قد يؤدي إلى أذية المسلمين عامة والمصلين خاصة.
17- من المخلفات الشرعية المؤلمه فى هذا الزمان هو صوت المسيقى ورنين الجوالات اثناء وقبل وبعد الصلاه . وهنا نتسائل اين هيبة المساجد رغم الافتات والتحذيرات والتنبيهات المتكرره من العلماء والدعاه والخطباء ولاكن لاحياة لمن تنادى والى الله المشتكى.
هذه بعض المخالفت الظاهره واجزم ان هناك غيرها ولعلى استكملها فى ما بعد ان شاء الله فا واقع كثير من المساجد الآن تشكو حالها، وتبكي مآلها، لقلة وعي أكثر أهلها بأحكامها وآدابها.
نعيب زماننا والعيبُ فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا
وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين.
سعد احمد الغامدي
امام وخطيب جامع الامير محمد بن فهد
الظهران الدانه(/4)
مساكين أهل الدنيا
الدكتور محمد أديب الصالح
من الآيات الهادية في تحديد قيمة الدنيا وعظيم موقع الآخرة في تصور المؤمن وسلوكه قول الله تبارك وتعالى : [إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور] (1) وقوله جلت قدرته في موطن آخر:[.. فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور] (2). وإن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة [وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون] (3) صيغة مبالغة على وزن (فعلان) فهي هي الحياة .
ولم يفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم من هذه الآيات وأمثالها وما ورد من أحاديث في هذا الموضوع توجيهاً لترك الدنيا ، وإهمالها وعدم الالتفات إلى نعم الله وطيباته ، وما سخر للإنسان في هذا الكون ، لم يفهم السلف الصالح ذلك .. ولكن فهموا أن لا تكون الدنيا في القلوب تشغلها عن مراقبة الله وذكره ، أن لا تستغرق وقت المسلم بحيث تصرفه عن عبادة مولاه وطاعته ، وتضعف عزيمته عن تلاوة القرآن وتدبره ، أن لا تعظم وتكون هي الغاية بحيث تتعدى الحدود لجمع الحطام ، وتنتهك حرمات الله للاستزادة من المال ، وتقطع الأرحام تجاوزاً للحق وطمعاً في هذا الفاني وتنحسر البصيرة عن الاستعداد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب] (4) . وهكذا رأينا السلف الصالح حتى من فتحت له الدنيا مغاليقها ، يعمل وفي يقينه أن الدنيا مطية الآخرة فيؤدي ما فرض الله من المال ويتجاوز ذلك إلى النوافل عطاء للسائل والمحروم ، وصلة للأرحام وإسهاماً في كل عمل يعود على أمة الإسلام بالخير.
ويبدو أن القضية تتجاوز القناعات العقلية إلى شيء من الذوق يكرم الله به عباده الصالحين ، فلذة محبة الله تعالى والشوق إلى لقائه تفوق كل لذة من لذائذ الدنيا الفانية . وإذا وصل المؤمن إلى هذه الدرجة من الذوق اختلفت المقاييس وأصبحت الأعمال كلها لله وبالله وعلى طريق الباقية يوم يقوم الناس لرب العالمين . وترى أن هذا شغلهم الشاغل ؛ فالدنيا جسر الآخرة ، والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت .
قال أبو حسين الوراق : (حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت ، والعيش الهني ، الحياة مع الله تعالى لا غير) أين هذا من اللهاث وراء الدنيا واستغراق الوقت والفكر في جمع حطامها ، والاستمتاع بلذائذها ؛ وهنيئاً لهؤلاء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .
وآخر من العارفين يرثي لحال أهل الدنيا وحرمانهم من ذوق أطيب ما في الدنيا فيقول :
(مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل : وما أطيب ما فيها قال : محبة الله والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته ، نعم إنه يرثي لحالهم .. فأين ذوق من ذوق .. وأين قيمة من قيمة بل وأين مقياس من مقياس .. أجل أين هذا من ذاك .. لا يستويان . ولا يتقاربان .
ويحس أحدهم ـ مما أعطاه الله من ذوق بمحبته ـ وكأنه في الجنة هنا فيقول : (إنه ليمر بي أوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب).
وفي قاعدة سلوكية مستنيرة يقول بعضهم : " والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته). رأيت إلى هذه القناعة التي تحولت إلى ذوق لحلاوة الإيمان . وهذا يذكرنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يعود في النار) (5).
ولا شك أن محبة الله تعالى تنطوي على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن محبة الرسول من محبة الله كيف لا وهو رحمة العالمين الذي أنقذنا الله به من الهلكة .
وربما عدنا إلى هذا الحديث في قادمات الأيام إن شاء الله ، ونسأله تعالى أن يجعلنا من الذين يحبهم ويحبونه وأن يأخذ إلى الخير بناصيتنا ، وأن يسلك بنا سبيل أولئك الذين كانت الآخرة مرمى أبصارهم وبصائرهم إنه المتفضل الرؤوف الرحيم .
الهوامش :
(1) سورة الحديد الآية 20 .
(2) سورة آل عمران من الآية 185 .
(3) سورة العنكبوت آية 64 .
(4) سورة النور : 37 ـ 38 .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (1/56 ،58) باب حلاوة الإيمان ومن أبواب أخر. وأخرجه مسلم رقم في الإجادة على خصال الإيمان (43) والترمذي أيضاً رقم (29260) والنسائي في الباب نفسه أيضاً باب إجادة الإيمان (8/96) وأخرجه ابن ماجة في الفتن باب (الصبر على البلاء) رقم (4033).(/1)
مسةٌ مشفقةٌ ...لأختي النامصة )
اشكرك أختي على دخولك ...
وأبدء قولي لك :
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته
السلام على قلبك.... الذي رضي بالله ربا
السلام على قلبك ....الذي رضي بالإسلام دينا
السلام على قلبك.... الذي رضي بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا
أختي الفاضلة...
اسمحي لأخيك المحب ...
أن يهمس في إذنك كلمات من القلب....
تسمعين صوت كلماته ........ بنبراتك....
وتستشعرين صدق نصحه بهتافاتك....
فأكرمي من يموت كمدا لنجاتك.....
أكرميه بحسن استماعك وانصاتك.....
فيا أختااااه....
يامن تحبين الله وتشتاقين لرؤياه......
يامن كل مناك ان يرضى عنك مولاك......
كأني بك وانتِ تصلين تقولين:
( اياك نعبد وإياك نستعين )
كأني بك وانتِ تسجدين تقولين :
( يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )
كأني بك تقولين قبل سلامك :
( اللهم إني اعوذ بك من عذاب جهنم
ومن عذاب القبر وفتنة المحيا.....)
أختي الغالية .....
دعواتك هذه...... تستمطر الرحمات.......من رب الأرض والسماوات...
دعواتك هذه......إبتهالات ومناجاة...... تطلبين بها الفوز والنجاة...
رفعتيها للذي خلقك فسواك وعدلك......في أي صورة ماشاء ركبك...
فتبارك الله أحسن الخالقين ...
أختاااه....
مالي أراك تخالفين الدعوات.....؟؟؟
مالي أراك تستنزلين اللعنات بدل الرحمات؟؟؟
نعم ....أوما سمعتي : ( لعن الله النامصة والمتنمصة )
اتريدين ان تكوني من الملعونات...؟؟!!!!!
اتريدين ان تكوني من المطرودات من الرحمات؟!؟!؟!؟!
اختاااه.....
أي حياة هذه تعيشينها .....
وقد لعنك الله.... ولعنك اللاعنون؟؟؟؟؟
الله يلعنك... ورسوله يلعنك... وملائكته تلعنك .....
والأرض تلعنك والجبال والشجر والدواب ....
الكل يلعن بلعنة الله ورسوله.....
فمن يبقى بعد لعن الله لك ........لا يلعنك؟؟
اختااااه....
اغضبتي مولاك من أجل هواك...؟؟؟
أكل هذا من أجل شعرات ؟؟؟
أمن أجل أن يقال فلانة جميلة ......
وليكن ذلك فقد قيل .........ثم ماذا؟؟؟
ثم تُلعنين كما لُعنت فلانة وفلانة ....
أختاااه...
أي جمال زائف هذا الذي يكون .....؟؟؟
وأي زينة تكونين عليها بنمصك....؟؟؟
أجمل مماخلقك عليه ربك....... ؟؟؟
مالي أراك تتنكرين لخلقة الله التى في احسن صورة سواك؟؟؟
فمالك لاترجين لله وقارا؟؟
أختااااه...
إن جمالك الحقيقي .....
هو : تقواك لربك.....
( ولباس التقوى ذلك خير )
وإن اسلامك الحقيقي....
هو استسلامك لمولاك.....
فيما أمرك ونهاك.......
أختااااه....
اعتذر إليك...... ولن أطيل عليك...
ولكن.........أتدرين لمن تزينتي......ومن اسعدتي وأفرحتي....
إنه ابليس اللعين ....!!!!!!!!
نعم ...يوم أن أبررتي قسمه ...( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله )
أختااااه......
اين تلك الشعرات التي كان ماء الوضوء يغسل مافيها من الخطايا؟؟
اين تلك الشعرات التي كانت تسجد لله معك يوم تسجدين لرب العالمين
أختااااه ......
اخيرا اقولك لك .....
والله ثم والله .....
إن جمالك ....إيمانك
وقبولك لدين الله وإذعانك...
( ومن يؤمن بالله يهد قلبه )
فهيا أختاااه....
توضئي لله وصلي ركعتين وقولي :
رباه قد تبت اليك مماجنيت ...
فلاترد من تاب وعاد اليك....
اعتذر من سوء قيلي ....
واعتذر أيضا من تطويلي.....
جعلكِ الله ممن يعملون بعد السيئة الحسنة.....
وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.....
المرسل :
أخوك / حلال العقد ...(/1)
مستشارون يهود في إدارات العراق الجد يد
لقد «جرى تعيين فريق من المستشارين لكل وزارة في العراق، ويرأس هؤلاء مسؤولون من وكالة المخابرات المركزية معظمهم من الصهاينة، باشروا أعمالهم قبل أن يعين حاكم العراق بول بريمر الوزراء الجدد». وتضم اللائحة التالية أسماء المشرفين الفاعلين على مقدرات العراق:
1- يشرف البروفيسور نوح فيلدمن على إِعداد الدستور العراقي مع مساعدين آخرين يسيرون شؤون وزارة العدل، وفيلدمن صهيوني معروف يقيم والداه في إسرائيل ويحمل الجنسية الإسرائيلية.
2- يشرف الصهيوني الأمريكي فيليب كارول على وزارة النفط مع مساعدين أمريكيين ويتصرف بعقود البيع تحديد الأسعار كما يشاء.
3- عين ستة مستشارين في وزارة التربية المسؤولة عن النشء, بينهم ثلاثة صهاينة.
4- يشرف على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي دور إيردمان يساعده فريق من عشرة أشخاص مهمتهم إعداد لوائح بأسماء العراقيين الذين حصلوا على شهادات عليا في الخارج وتحديد اختصاصهم ومعرفة أماكن إقامتهم وتسفير الاختصاصيين بعلم الفيزياء إلى أمريكا.
5- يشرف على وزارة التجارة الصهيونية روبين رافايل الناشطة المعروفة في وكالة المخابرات المركزية التي تحدد بلدان ومصادر الاستيراد.
6- يشرف على وزارة الزراعة والري الصهيونيان لي شاتز ودون امستوتز الموظفان لدى كبريات الشركات الزراعية الأمريكية.
7- يشرف المسيحي الصهيوني دون ايبرلي على وزارة الرياضة والشباب.
8- يشرف على وزارة المالية الخبير الاقتصادي الصهيوني ديفيد نومي.
9- يشرف على وزارة النقل والاتصالات الصهيوني ديفيد لينش.
10- يشرف على وزارة الصناعة تيموني كارني الذي لم يعرف عنه الكثير ولكنه معروف بتطرفه خلال مشاركته في الحرب ضد فيتنام وكمبوديا.(/1)
مستقبل الأنثى والقفزة الكبرى
صبحي درويش
soubhidarwish@hotmail.com
من أمراض الذكور العطش إلى القوة والمزيد من امتلاكها.فالذكور هم من بنى كل الحياة على شكل الثكنة، وطور السلاح، وصنع الجيوش، وانشأ المؤسسة العسكرية ، وأسس الطغيان وما يزالون. وحين تأسس المجتمع على العنف، واحترام العضلات، وسيادة الذكور، وعسكرة المجتمع؛ نزعت منه الرحمة وتحولت المرأة إلى طبقة مسحوقة مستغلة دونية، واختل توازن المجتمع الإنساني..وبالمقابل فالمرأة هي التي اكتشفت الثورة الزراعية، وأدخلت الإنسان الحضارة ولم يكن شيئا مذكورا.ومازالت تعشق الورد والرياحين. وفي الواقع بقي الإنسان مئات الآلاف من السنوات يأكل الوحوش والوحوش تأكله، يعيش على الصيد وجمع الثمار، وكل همه أن يملأ بطنه ويخاف أن يموت جوعا.
حتى انتبهت المرأة قبل حوالي عشرة آلاف سنة إلى أهمية الزراعة ومع الزراعة حصلت ثورة في تاريخ الإنسانية وتغير شكل الحياة و دخل الإنسان الحضارة ،وأمن على نفسه أن يموت جوعا وفاض الطعام، ونشأت المدينة، وتم تقسيم العمل، ونشأت التخصصات، وولدت الدولة السياسية.ثم اختلف كثيرا شكل العلاقات الجنسية وبناء العائلة.وكان سر العائلة وتربية الإنسان وحمله ومازال في يد المرأة.المرأة هي التي تحمل وتنجب الطفل وتحافظ على الحياة. وهي ينبوع الحب، ومستودع الرحمة، ومخزن الثقافة.
وهي التي تشحن اللاشعور عند الطفل بالقيم والخبرات، وتبني شخصيته، وتعلمه النطق واللغة.وعلى كل من يدرس قضية المرأة،ألا يكتفي بالجانب القشري أو السطحي من حياة المرأة.ولا يمكننا في دراستها إغفال وجهة التحليل النفسي في الإنسان، عندما نقدر الأشياء بالمقياس الاجتماعي والأخلاقي وحسب آثارها في التاريخ.إن تطور المجتمع يرتبط بتطور المرأة والعكس صحيح وطبيعة هذه العلاقة تحتاج إلى دراسة منهجية. وفي مجتمعنا المواطن اليوم محاصر في مثلث من المحرمات بين الدين والسياسة والجنس . ومن نظام التحريم والمنع وعدم تأسيس العقل النقدي، تشكلت تلقائيا ثلاث ظواهر، فمع وباء التعصب الديني نشأت ظواهر الهرطقة ورفض الحداثة .
وفي السياسة انتشرت التنظيمات السرية ،وانفجر العنف، وعسكر المجتمع، واختفت الحياة المدنية ،وسرت حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى، وفي الجنس تشع كل ألوان الحرام والعيب ولو كان البحث في معهد للبحث العلمي فأغلقنا الطريق أمام تشكيل ثقافة جنسية تمزج الحياء بالعلم. ومن هنا نرى ضرورة تشكيل التيار العقلي النقدي لكي تتحرر حركة العلم وينشط التفكير الحر دون خوف من المساءلة ولا بد من تكوين آلية نقد ذاتي للتراث واكتشاف أنفسنا بالحفر في طبقات أركيولوجية كاملة من المعرفة على حد مصطلحات الفيلسوف ميشيل فوكو.
ونتناول آليات السياسة واشكالياتها وبناء الإنسان السلامي وتدشين ثقافة جنسية في علم جنسي يتدرج من التشريح إلى علم وظائف الأعضاء، إلى العواطف ، إلى الجانب التقني .إن البنات أشد ذكاء وفي المدارس تفوق الإناث على الذكور في التحصيل العلمي والامتلاء الثقافي والحديث. وفي القرآن جاءت قصة عن ذكاء الأنثى التي حلت الصراع سلميا بين سليمان وهو نبي وبين ملكة أوتيت من كل شيء وأروع شيء كان الذكاء والفطنة.قامت برحلة استكشاف إلى الشرق الأوسط ثم قالت لنبي الله سليمان إن هذا المبدأ الذي تدعو له لن يفوتني ولا داعي للحرب وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.
ومن عادات العرب في الجاهلية وأد البنات ولا تزال تمارس هذه العادة إلى الآن في الثقافة العربية ولكن بدون قبور. وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم. ويخجلون من ذكر اسمها فهي أم الأولاد، أو العائلة، أو أنت أكبر قدرا. وعند الزواج لا اسم لها، فهي كريمة فلان. وهناك من يدعي انه ليس للمرأة إلا ثلاث خرجات من رحم أمها ،ومن بيت أهلها إلى بيت زوجها، ومن بيتها إلى القبر.ألا إنهم من افكهم ليقولون.و لازالت المرأة تمنع من الإرث، ويدفع لها راتب أقل في جميع البلاد وتحرم من المناصب العليا وفي بعض الأماكن التي تحنط فيها العقل وأصاب روحها وباء التعصب مازالت تحرم المرأة من قيادة السيارة.
ويرجع كل هذا الوضع الإنساني المشوه في المجتمعات الذكورية إلى أسطورة الذكر المتفوق الأقوى والأذكى وفي رأيي لفهم جذور المشكلة الإنسانية بما فيها مشكلة المرأة يجب البحث دائما عن الخلل في المستضعفين أكثر من المستكبرين .هذا وقد أثبتت آخر الأبحاث العلمية زيف ووهم أسطورة الذكر وأوضحت أن الذكر هو الحلقة الأضعف في الجنس البشري . فقد اكتشف العالم البريطاني بريان سايكس من جامعة وأكسفورد عندما قام بالدراسة المقارنة على هياكل ما قبل تاريخية على الكروموسوم الذكري، أن كروموسوم الذكورة اضمحل في ثلثيه عبر ملايين السنين. وما زال التآكل ماض في طريقه.وإذا استمرت الأشياء حسب طبيعتها فإن التوقعات تقول إن الذكر سيختفي من وجه الأرض بعد 125 ألف سنة من الآن.(/1)
والدراسة تقول إن الذكر هو الأضعف مناعة، والأقصر عمرا، والأقل ذكاء، والأكثر فشلا في الدراسة، والأكثر عرضة للحوادث والأمراض. والأعنف في ارتكاب الجريمة. والأكثر إدمانا على الكحول والمخدرات. والأكثر عنفا وتسلطا وشنا للحروب. وتظهر الإحصائيات أن الجنس الأنثوي هو الأطول عمرا والأكثر صحة والأقل عرضة للحوادث. ولكن العالم اليوم يستعد للقفزة الكبرى في رحلة الاستنساخ الإنساني و العلم لا يعرف المستحيل، وسيتم التحكم في الجنس وعدد الذكور والإناث.
وسيتم التخلص من جينات الإجرام والحقد والإحباط وكل الأمراض، ومعرفة سر امتداد عمر نوح. وسيتم زراعة أعضاء جديدة حسب الطلب. وهذه ليست هرطقة ولا شركا بالله ولا خللا في الطبيعة، بل هي وظيفة الإنسان بموجب عهد الخلافة. وعندما كان الفيلسوف إقبال يناجي الله ويبث شكواه أن الكون لا يعجبه، كان الجواب يا إقبال اهدمه وابنِ أفضل منه. ومع العولمة والفضائيات والانترنيت سيتم تغيير العقل الإنساني وآليات تفكيره، ويعم العلم وينتهي النفاق السياسي وستزول الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية، وتنتشر روح الديمقراطية، وثقافة التسامح و اللاعنف، وستضع الحرب أوزارها وتموت المؤسسة العسكرية، وندخل إلى عالم الأفكار فمن عنده فكر أفضل سيسيطر على العالم.
إن العلم يتعامل مع الوجود وفق تسخير سنن الله في الآفاق والأنفس، وهو ذو طبيعة تقدمية ويقوم على الحب والعشق ، ولا يعرف التراجع أو التعب ولا يقدم استقالته ولا يعرف الشيخوخة ويضبطه ناظم أخلاقي داخلي بآلية خاصة يصحح حركته على الدوام، من خلال قانون إن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض(/2)
مستقبل الحركات الإسلامية السياسية د. بسطامي محمد خير*
مراجعة لكتاب مستقبل الإسلام السياسي لجراهام فولر
مقدمة:
ومن الكتب التى شاعت وأحدثت ضجيجا عاليا، كتاب عنوانه (مستقبل الإسلام السياسى) للباحث جراهام فولر، درس فيه الجانب السياسي للحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، وحاول استقراء مستقبلها وتقويم عوامل نجاحها وفشلها. وقد تميز الكتاب من بين الكتب الغربية المماثلة، بسعة الإطلاع وجرأة الطرح ومحاولة الإنصاف. وتقدم السطور التالية مراجعة له وخلاصة لأهم فصوله، مع تعليق على بعض آرائه ونقدها واستجلاء ما له وما عليه، واستخراج ما يمكن أن يستفاد منها من موجهات لمخططات الغرب تجاه مستقبل مسيرة الإسلام.
ولمؤلف الكتاب جراهام فولر خبرة واسعة عن كثب بأوضاع العالم الإسلامي، تظهر بوضوح في ثنايا الكتاب، فقد عمل لمدة عشرين سنة في وزارة الخارجية الأمريكية، وشغل منصب نائب رئيس جهاز المخابرات الأمريكية سي آي إيه، وكان مسئولا عن قسم دراسات المستقبل الاستراتيجية للسياسة الأمريكية. ويعمل الآن في مؤسسة راند للبحوث، وله عناية خاصة بشئون العالم الإسلامي. وله عدد من الكتب والبحوث بالمجلات، وهو مساهم نشط في الجرائد والمجلات وقنوات التلفزيون.
الأسئلة الأساسية
يطرح الكتاب أسئلة أساسية ويحاول الإجابة عليها من خلال فصول الكتاب. ما الإسلام السياسي؟ وكيف يعمل لتحقيق الأهداف والغايات التى يسعى إليها؟ وما التحديات التى يواجهها وما المخاطر التي يهدد بها العالم؟ وأخيرا ما مستقبله؟ وبالتحديد هل الإسلام السياسي تطور مرحلي مؤقت يمر به العالم الإسلامي للخروج من الأزمات والمشكلات التى يعيشها؟ أم أنه بداية جادة لمشروع حضاري ينقل به الإسلام نفسه من ظلمات الماضي إلى العصر الحديث؟
يستعمل الكاتب مصطلح الإسلام السياسى مرادفا لمصطلح الإسلاميين، الذين يعرفهم بأنهم كل من يؤمن بأن الإسلام ليس دينا فحسب بل نظاما سياسيا واجتماعيا صالحا لإصلاح العالم الإسلامي المعاصر، ويسعى لتطبيق ذلك في مجتمعه بالطريقة المتاحة. ويشمل تيار الإسلام السياسي جماعات كثيرة يفصل الكتاب القول عنها في الفصل الثالث من فصول الكتاب. ولكن محاولة الكاتب لتصنيف هذه الجماعات لا تأتي بجديد، بل تعيد نفس التصنيف والوصف الغربي لهذه الجماعات، وتستعمل نفس المصطلحات. وحسب رأيه أن الجماعات الإسلامية فئات كثيرة، فهناك التقليدون والأصوليون والإصلاحيون والعصرانيون والمتطرفون. ويعترف ابتداء أن هذه مصطلحات عامة وغير محددة، والسبب في ذلك في نظره أن الجماعات الإسلامية متعددة ومتشابكة ومن الصعب التمييز الدقيق بينها. ولكنه يخلص إلى أنه من الممكن القول عموما أنها تمثل قوس قزح، تتوزع ألوانه بين المحافظة والتقليد للماضي في طرف، وبين الإنعتاق والتحرر والحداثة في الطرف الأخر.
سر صعود الإسلاميين
لقد خرج الإسلاميون من رحم العالم الإسلامي، في ظروف صعبة وأزمات كبيرة تعصف به. فقد هوى من حضارة عالمية راقية كانت بيدها سيادة وقيادة الدنيا علميا وثقافيا وتقنيا لأكثر من ألف سنة، والتهمه وسلب خيراته الإستعمار الغربي، وقسمته وتنازعته الاختلافات المذهبية والعرقية والقومية، وسقط في حضيض الفقر والجهل والمرض. ومع كل هذه السيئات فقد حدثت تغيرات هائلة في العالم الإسلامي خلال القرن الأخير، يعرضها الكاتب ويسوقها في إشارات سريعة، منها سقوط الخلافة العثمانية، ونشأة الدول الإسلامية القومية العلمانية واستقلالها عن الاستعمار، وظهور الحركات الإسلامية وبلورتها لفكر سياسى واجتماعي على يد عدد من المفكرين المعاصرين، وقيام دولة اسرائيل، واكتشاف ثروة النفظ الهائلة وما ساقته من ثراء، ونجاح الثورة الإيرانية. وفي خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الأحداث المتتالية، خرج الإسلاميون الذين استطاعوا أن يصبحوا في عقود قليلة أكثر التيارات تأثيرا ونموا في العالم الإسلامي، وقوة جعلت الدول الغربية تحسب لها ألف حساب. فما السر الذي أتاح للإسلاميين هذا الصعود السريع للقمة؟ وهل هم قوة حقيقة أم فقاعة صابون وسحابة صيف سرعان ما تزول؟
يحاول الكاتب الإجابة على هذا السؤال الصعب، في فصل كامل من فصول الكتاب لعله أقيم وأمتع ما في الكتاب. ويسخر الكاتب بادئ ذي بدء من النظرة السطحية التى سيطرت على تفكير الغرب ردحا من الزمان، متهمة الحركات الإسلامية بالرجعية وعداء الحداثة الغربة والوقوف ضد الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والإرهاب. ويرى أن نظرية صدام الحضارات رؤية أعور للإسلام، ينقصها الإنصاف هدفها إعفاء الغرب من المسئولية عن ازمات النظام العالمي المعاصر، لكن هذه الإزمات ليست من صنع الإسلام بل للغرب ضلع كبير فيها. وينصح الغرب بأن يقوِّم الإسلاميين تقويما منصفا ينطلق من نظرة شاملة تقيس الأمور من وجهة نظرهم ومن وجهة نظر الغرب.(/1)
وانطلاقا من ذلك يرى الكاتب أن الإسلاميين قد استطاعوا أن يملأوا فراغا كبيرا في العالم الإسلامي، لأنهم قد استجابوا لحاجات ملحة وواجهوا واقعا معقدا، وطرحوا حلولا لمشكلات عويصة، وتحملوا وظائف وأعباء جسيمة جعلت أوطانهم ترى فيهم الخلاص والمنقذ والمستقبل. وهكذا أصبح الإسلام الحل الوحيد المطروح بعد فشل كثير من المبادئ والأفكار في العالم الإسلامي من تغريب وعلمانية وشيوعية وقومية. ومن أهم ما قام به الإسلاميون أنهم عرَّفوا الأمة بهويتها، التي تجمع بين المحلية والعالمية وبين القومية والعرقية وبين الأصالة والمعاصرة. وسعوا من الناحية الفكرية لتجديد الإسلام من تقاليد الماضي العتيقة، ولهذا طرحوا أنفسهم بديلا لطائفة العلماء التقليديين الجامدين، وصاروا حربا لهم وللحكومات الفاسدة التي ساندوها بفتاواهم وخطبهم. وسعى الإسلاميون لإعادة صياغة االفكر الغربي المعاصر ونظمه من وجهة نظر إسلامية، وآمنوا بالدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة لأنهم كأنوا أول ضحايا غيابها وأكثر من ذاق ويلات ضياعها. وطالبوا بحرية العمل السياسي وتكوين الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وطالبوا بأن تكون للمرأة حقوقها ومكانتها. ويخلص أنه ليمكن القول أن الإسلاميين ليسوا أعداء للفكر الغربي وما فيه من محاسن كالديمقراطية، بل لعلهم يكونون جسرا لتعديل النموذج الغربي للديقراطية وجعله أكثر ملاءمة لظروف العالم الإسلامي.
الإسلاميون والإرهاب
حتى تهمة الإرهاب التى يلصقها الغرب بالإسلاميين عموما، يرى الكأتب أن فيها إجحاف لأن الإرهاب والعنف محصور في فئات قليلة من بين الإسلاميين، ولا يصح تعميم وصف تياراتهم العريضة به. بل ويرى أن كثيرا من الإسلاميين قد عبروا عن سخطهم واستائهم لحوادث الحادي عشر من سبتمبر، ووقفوا موقفا معتدلا من استعمال العنف الذي لا يجيزونه ضد المدنيين والأبرياء. ويقول حتى لو لم يكن الشرق مسلما بل كان نصرانيا، لوقعت المواجهة بينه وبين الغرب لتضارب المصالح بين الطرفين. وينتقد الكاتب اتخاذ أمريكا الإرهاب عذرا لغزو أفغانستان والعراق، ويرى أن ذلك قد كان سببا لزيادة العداء ضد أمريكا ولزيادة الإرهاب وليس حربه وأضعافه.
محاولة للإنصاف
ولا شك أن هذا التحليل المسهب لأسباب نجاح خطاب الإسلاميين، ومقدرتهم على تجميع الجماهير وتحريكها، فيه كثير من الإنصاف لم يتصف به إلا قلة من الباحثين الغربيين. ويمثل ذلك اتجاها بدأ يقوى ويزداد، ولعل من أكبر دوافعه وأسبابه النقد الذاتي، الذي يوجهه كثير من المفكريين الغربيين لحكوماتهم وسياستها في المشكلات العالمية، بعد انهيار العالم الشيوعى وانفراد أمريكا وأوربا بالهيمنة على العالم. هذه الهيمنة التي بشر بعض المفكرين بأنها فاتحة خير للبشرية ونهاية مسيرة تارخها نحو العدل والسلام، لكن سرعان ما زال السراب واصطدمت الأحلام بالواقع وانكشف الغبار عن الحمار. ودفع هذا بعدد من الغربيين من ذوي االنظر الثاقب إلى التبصر والتفكر ومحاولة قراءة الواقع من وجهة نظر مختلفة. ولا يقتصر هذا الاتجاه على النخبة المفكرة وحدها بل تعداها الى بعض عوام الجماهير، التي شاركت في المظاهرات ضد حرب العراق وإدانة الكذب الصريح لتسويغ الحرب، وأصبحت صيحات الاحتجاج والنقد تتعالى حتى ضد إسرائيل التى كانت تتمتع بحصانة وقداسة لا تمس. ومن المؤسف أن العالم الإسلامي لم يستثمر مثل هذا الاتجاه المناصر لقضاياه والاستفادة منه وتوظيفه ودعمه، لكن ليس على الأعمى والأعرج حرج!!
الإسلاميون والسلطة(/2)
ويتناول الكتاب في فصل مستقل دور الإسلامين وبرامجهم السياسية في ظل ما تتيحه لهم الحريات في بعض بلدان العالم الإسلامي. ويقول أن الإستعمار والحكومات التى أعقبته حاولت إقصاء الإسلاميين عن العمل السياسي، واستعمال القوة والبطش لمنعهم من التأثير في القرار السياسى. ولكن مع هذه الصعاب والحواجز فقد قام الإسلاميون بجهد واضح وتحملوا أعباء ضخمة لإصلاح المجتمع من وجهة نظرهم. ويعدد الكتاب بعض إنجازاتهم منها التوعية الدينية والدعوة، ومنها إقامة مؤسسات طوعية تعليمية وخدمية واقتصادية، ومنها تكوين جبهات وتحالفات مع الأحزاب الأخرى لتكون جماعات ضغط تؤثر في القرار السياسي، ومنها خوض الانتخابات ودخول المجالس التشريعية والمحلية والمشاركة في الحكومة والسلطة في بعض الدول. ويكاد يجمع كل الإسلاميين على أن السلطة هى مفتاح التغيير للمجتمع وبوابة الإصلاح، لهذا يجدُّون في السعي للوصول إليها والتمكن منها. وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في وسيلة الوصول، ففي حين يرى البعض أن الدعوة والتربية هي الطريق لأن الإصلاح يأتي من القاعدة، يرى فريق آخر أن الإصلاح يكون من القمة ومن أعلى إلى أسفل، فإذا صلح الرأس صلح الجسد. ولا يبدي الكاتب رأيا خاصا إزاء هذا الجدل، ولا يتوقع منه ذلك. ولا شك أن الأمران متلازمان ويقوى كل منهما الآخر، ولا يمكن الأخذ بطريقة واحدة واهمال الأخرى، سواء قبل التمكين والوصول للسلطة أو بعد ذلك.
وإذا استطاع الإسلاميون أن يقدموا كل هذا الطرح، وأن يخاطبوا الجماهير بما يدغدغ أشواقها ويبعث طموحاتها، فهل سينجح الإسلاميون في تطبيق شعاراتهم ونظرياتهم؟ يتوجه الكاتب بنظره إلى تقويم تجربة الإسلاميين في السلطة، ويختار لذلك تجربة البلدان الثلاثه التى نجح فيها الإسلاميون في الوصول للسلطة، وهي أفغانستان وإيران والسودان. ومن العجيب أنه يتجاهل تماما تجربة تركيا ولا يتعرض لذكرها. ويتساءل الكاتب عن المنطلق الذي تقوم به هذه التجارب، فيقول أن الغرب عامة وأمريكا خاصة، تخطئ حين تقوِّم هذه التجارب من زاوية مصالحها الخاصة، ويؤكد أنه ينبغي الحكم عليها من وجهة نظر شعوبها ومن معايير وأسس الحكم الصالح، وما تقدمه من خير وما تجلبه من شرور. وابتدأء يرى أن ثلاث تجارب فقط غير كافيه للحكم على القطاع العريض من الإسلاميين، الذين تتعدد حركاتهم وتتفاوت، ولكنها تعطي مؤشرات. كما أن عمر هذه التجارب قصير ولا يمكن الحكم من خلال فترة وجيزة على مشروع الإسلام السياسى بجوانبه الكثيرة وطموحاته الكبيرة، إذ أن بناء الدول والأمم والحضارات يحتاج لوقت ولا تظهر معالمه في زمان وجيز. ويرى الكاتب أن مجرد وصول الإسلاميين إلى السلطة إنجاز لعملهم وسعيهم المتواصل نحوها، ولكنه يعيب على الإسلاميين في هذه الدول الثلاثه، أن وصولهم للسلطة لم يكن عن اختيار ديمقراطي، بل كان عن طريق القوة، نتيجة حرب أهلية في افغانستان وثورة شعبية في إيران وانقلاب عسكري في السودان. ورغم اعترافه بأن هناك انفتاح في السنين الأخيرة في إيران والسودان، لكن لا زالت آثار النشأة تصبغ النظام بنوع من الشمولية والاستبداد. ويمدح الكاتب الذي جعل الديمقراطية مثله الأعلى للحكم، آخذ السودان وإيران بنموذج الحكومة الغربية، ويمدح ما تتمتع به من فصل بين السلطات ومن قيام انتخابات ومجالس تشريعية. ورغم أن النظامين قد مرا بتجارب من الإخفاقات ناتجة أساسا عن قلة الخبرة، إلا أنهما قد تمكنا من تعديل سيرهما حسب نظر الكاتب، ويوصي الكاتب المجتمع الدولي وأمريكا خاصة بمساعدتهما على التطور والإصلاح بدلا من شن الحرب عليهما. وهي نصيحة غالية من خبير ببواطن الأمور ولكن ينبغى الوقوف وإمعان النظر في نوع الإصلاح والتطور الذي تطالب به أمريكا، وبين الإصلاح الذي ينبع من داخل النظام وتمليه الخطط والأهداف النابعة من قلب النظام نفسه.(/3)
ولا ينبغى أن يغيب عن البال أن الكاتب رغم محاولته التزام الإنصاف والنظر من زاوية الإسلاميين ورؤيتهم للأمور، إلا أنه من الطبيعي أن يرى النموذج الغربي للدولة والديمقراطية، المثال الذي ينبغي للعالم أجمع الأخذ به واقتفاء آثاره. ولهذا فهو يمدح الإسلاميين حين جعلوا النموذج الغربي مثالهم، وهو مدح لا يغيب عن فطنة الذكي أنه توجيه خفي، والكتاب ملئ بمثل هذه الإيحاءات الخفية. ولكن نظرة فاحصة تبين أن فكر الإسلاميين السياسى لم يتجاوز هذه العقبة، وأن تقمصه للنموذج الغربي للحكم دون روية ودون نقد، وإلباسه هذا الجسم الغريب عن الإسلام لباس الإسلام، أمر يحتاج لمراجعة. إذ أن الحكومة المعاصرة وحش ضخم يسيطر على كل شئون المجتمع، ولا شك أن الحكومة الإسلامية في عصور الإسلام السابقة لم تكن تتحمل هذه الأعباء الجسام كلها، بل كانت تقوم ببعص الوظائف، وتترك للمجتمع الاستقلال بتدبير كثير من الخدمات من تعليم وصحة ومواصلات وطرق عن طريق مؤسسات وقفية، أوما أسمى اليوم يمؤسسات المجتمع المدنى. وليس هذا محل بسط هذه القضية.
المستقبل
وأخيرا يختم الكاتب بحوثه باستطلاع لآفاف مستقبل الإسلام السياسي. ويوطئ لذلك بنظرة سريعة للخريطة العالمية والقوى العاملة فيها، التى ستؤثر بثقلها على رسم مستقبل الإسلاميين. فمما لا شك فيه أن العالم يموج بعوامل كثيرة وتيارات متلاطمة، يسوق الكتاب عددا منها. ولعل أقواها تأثير الأفكار الغربية من انحسار الدين عن الحياة العامة وحصره في الحياة الخاصة، واتساع دائرة الحريات الشخصية، وسيطرة العلمانية والمادية الغربية ومذهب المتعة واللذه على شعب الحياة، وتعالي أصوات الأقليات والصراع بين حقوقها وحقوق الأغلبية، وازدياد مشاعر العرقية واالطائفية والمطالبة بحقوقها، وتضخم العولمة وهيمنة الدول العظمى على الأمور صغيرها وكبيرها. وتبحر سفينة الحركات الإسلامية في هذا الخضم الهائل، ولا تستطيع أن تنفرد بتقرير مستقبلها.
ومع هذا فإن الكاتب يرى أن الإسلاميين سيفرضون أنفسهم في المدى القريب، ويتنبأ بوصول الإسلاميين للسلطة في عدد من البلدان مثل مصر واليمن وباكستان، وسيحققون عددا من المكاسب رغم التحديات الكبيرة والعقبات التى تواجههم، خاصة في مجال الاقتصاد والتنمية. ولكنه يخشى أن ينشغل الإسلاميون بردود الفعل الوقتية، والمعارك الجانبية التى قد تستنزف كثيرا من جهودهم ومواردهم، وتصرفهم عن غاياتهم الكبرى ومشاريعهم الرئيسية. وهو خوف يعبر عنه بطريقة ذكية، فيها من التوجيه والإيحاء لإحدى طرق محاربة الإسلاميين، فهل يعى الإسلاميون النصيحة ويكونوا أكبر ممن يتشيطن عليهم بمثل هذه الطريقة الماكرة. ولا يفوت الكاتب أن يتنبأ أن المحك الأساسي لاختبار الإسلاميين هو فخ السلطة، التى إن فشلوا فيها كانت السم الترياق الذي يميتهم ويستأصلهم. وكانه يحث أمريكا على دفع الإسلاميين إلى اعتلاء كرسى الحكم قبل أن يقوى عودهم وتكون لديهم المقدرة على تسيير دفة الحكم. ويقول "لا شئ يمكن أن يظهر الإسلاميين بأسوأ صورة من تجربة فاشلة في الحكم". وهو قول صريح لا ينقصه الصدق، إلا أنه لا يأخذ في الاعتبار أن الإسلاميين يمدهم دينهم بايمان راسخ، أن النصر والتمكين والهزيمة والفشل، لا تعتمد فقط على الأسبباب المادية الظاهرية، بل إنما تحركها يد الله الخفية التى لا يستطيع الغرب أن يحسب حسابها. ولا شك أن الإسلاميين بشر وتجاربهم في الحكم فيها الخطأ والصواب، ولا أظن أن أحدا عاقلا يمكن أن يدعي أن خطأ أي تجربة بشرية للحكم الإسلامي في أي زمان ومكان، يؤاخذ بها الإسلام ويذم بسببها، أو تكون شاهدا ودليلا على فشله وعدم ملاءمته لحل المشكلات العصرية. ومثل ما كانت هناك عدة محاولات فاشلة في التاريخ الغربي المعاصر، إلى أن استطاعت دوله الوقوف على رجليها وبناء نظمها السياسية على أسس مبادئها النظرية التى نادى بها فلاسفتها ومفكروها، فإن التجربة والصواب والخطأ والنجاح والفشل، هو الوسيلة البشرية الوحيدة المتاحة لبلوغ الغايات والأهداف. ومثلما تعددت الجمهوريات الفرنسية من جمهورية أولى وثانية وثالثة، فإذا فشلت تجربة الحكومة الإسلامية الأولى، فأمام الإسلاميين الحكومة الإسلامية الثانية، والحكومة الإسلامية الثالثة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.(/4)
مستقبل المسلمين و التحولات الاقتصادية
المعز لله صالح البلاع*
الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة السلام علي سيدنا محمد صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
يبدو عالم اليوم منقسما علي نفسه، بعضه قائم على الأخلاق مهمل لقوانين السلوك البشري الشرعية مهمل لقوانين الطبيعة، والآخر يعكف على الطبيعة علم أسرارها ووظفها. مضربا عن مكارم الأخلاق، قائلا بنسبتها لا حتميتها...
فهل هذا هو قدر العالم حتماً أم أمر طارئ في عالم اليوم؟ وهل الإنسان يستطيع أن يجمع بين التقوى والتقانة ؟ ثم بأيهما تتحقق سعادته بالجمع أم بالفرق؟ وإذا كانت السعادة للبشر تتحقق بكلا القانونين الطبيعي والشرعي، فما هو السبيل إلى تحقيق هذا الجمع؟
لعل هذا المدخل يمهد لنا دخول الموضوع بشرعية فقهية معاصرة تحاول معالجته المعالجة الفكرية المتبصرة والمتفتحة نحو المعرفة التي تعتبر سلعة ذات منفعة عامة تدعم الاقتصاديات والبيئة السياسية والمجتمعات.
شهد العالم بعض التحولات الكبرى السياسية، والعسكرية، والفكرية، والتقنية أو الاقتصادية وسواها وبنسب مختلفة، تركت آثارها في منظومة العلاقات الاقتصادية، وكان المسلمون في قلب الحدث المتغير فاعلون فيه ومنفعلون به يحيوا في خضّم مسبباته وتطوّراته وتداعياته [1]وتعد تكنولوجيا المعلومات وضمنها البرمجيات ، من أهم دعائم هذه التحولات الاقتصادية . مع وجود رغبة دفينة أو معلنة منذ فترة في التوسع والسيطرة التي تمثلها العولمة لكن هذه التحولات على أهميتها لا تمثل سوى صورة بسيطة باهتة من تلك الحملة الهائلة التي انطلقت رسميا بعد الحرب العالمية الثانية، وفعلياً في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات مع تفكك الاتحاد السوفيتي، وانفجار ثورة الالكترونيات وبداية عملية الخصخصة وتحرير السوق وإعادة الهيكلية الاقتصادية وقيام منظمة التجارة العالمية عام 1994[2].
وصهر المبادلات التجارية وتنقل رؤوس الأموال وعوامل الإنتاج والسلع، بما في ذلك التكنولوجيات الحديثة على أنماط القيادة الاقتصادية والسياسية، والاقتصاديات القروية والوطنية والإقليمية في اقتصاد عالمي موحد بعد أن صار العالم سوقاً واحدة، وإن التجارة العالمية تبدو وكأنها في نمو مطرد يستفيد منه الجميع بعد أن غدا العالم قرية كونية متشابهة النمو ومتلاحمة بجميع أجزائها، وخاصة بعد الدور الذي لعبته الأقمار الصناعية وشبكة الانترنت ومختلف أشكال ثورة الاتصالات الرقمية [3] .
يفرض هذا الطرح الأسئلة التالية:
ما هي التحولات والمتغيرات الاقتصادية في عالم اليوم؟ وأي مستقبل اقتصادي للمسلمين في عالم العولمة وتحرير الأسواق؟
التحولات الاقتصادية:
تتزاحم المتغيرات الاقتصادية [4] في كل اتجاه وتتعاظم حجما وأهمية لتبلغ حدود التغيير الكامل أحيانا وتشمل شتى المجالات لاسيما مجال إعادة الهيكلة بعناصرها المختلفة.
تفرض التحولات الاقتصادية، كما بات واضحا إعادة هيكلة شاملة تتضمن المجال الاقتصادي وجميع جوانب الحياة الاجتماعية سياسيا واجتماعيا وثقافيا ويلخصها البعض في المؤشرات الأساسية التالية:[5]
1/ تراجع حجم الدولة كمؤسسة، بالمعنى الاقتصادي على الأقل، لمصلحة دور أكبر يتولاه القطاع الخاص. وقد بدأ الترويج لهذا التطور منذ وقت طويل، منذ السبعينات خاصة مع تفشي سياسات الخصخصة "الخوصصة" وتحرير الاقتصاد، إلى درجة أصبحت معها مفاهيم عديدة موضع تساؤل لعل أهمها مفهوم سيادة الدولة والأمن القومي الشامل.(/1)
2/ تنامي دور الشركات المتعددة الجنسيات، التي لها عالمها الخاص وأنظمتها الخاصة لرجالها المتعددي الجنسية أيضا وعملاتها وأمنها… والتي كبرت بسرعة في ظل التطاحن فيما بينها، وفي ظل عمليات الدمج حتى بات العديد منها أكبر من دول كبرى. وبلغ عدد الشركات نحو 30 ألفا ، وصل إجمالي أعمالها إلى أكثر من نصف الناتج العالمي القائم، وتقدر أصول هذه الشركات بنحو 92 تريليون دولار وعدد العاملين فيها بنحو 35 مليونا . واستنادا إلى تقارير البنك الدولي ، فإن حجم أعمال خمس شركات رئيسية تجاوز في عام 1996 مجموع الناتج المحلي القائم لدول آسيا الجنوبية وأفريقيا جنوب الصحراء والدول الأكثر فقرا في العالم . وبدأ المحللون يتصورون عالماً مقبلاً من الشركات ،أو كما يسميه البعض العالم الشركة، بمجلس إدارة موزع في أنحاء العالم متجاوزاً حدود الدول وسيادتها . ويسيطر عدد من الشركات على جزء مهم من السوق العالمية ، إذ تعد هذه الشركات الأرض كلها سوقاً كبيراً لها، بما فيها ومن فيها بحيث تتنافس في اقتسام هذه الأراضي دون أي اعتبار لقيم أو أخلاق ، وهي نادراً ما تدخل في شكل استثمارات مباشرة طويلة الأمد وإنما تدخل بما يعرف بالأموال الطائرة ، في استثمارات قصيرة الأجل وسريعة الفوائد والتي تحقق لها عوائد هائلة دون أن يكون لذلك مردود على التنمية المحلية، بل تفاقمت معها ظواهر الفساد المالي (غسيل الأموال) والرشوة والعمولة والسمسرة وما إليها.
رغم التسهيلات والضمانات السياسية والاقتصادية التي تقدمها الدول النامية لهذه الشركات العملاقة ، وبما أن هذه الشركات يهمها الربح أولا وأخيرا. نجد اغلب الاستثمارات التي تقدمها في قطاعات غير منتجة تقتصر على السلع الاستهلاكية ذات العائد الأسرع مما يجعل مردودها على مستوى الاقتصاديات المحلية لتلك البلدان ضعيفاً.
هذا ، وأن الشركات المتعددة الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصادياً ،وتعدد أنشطتها في كل المجالات: الاستثمار والإنتاج والنقل والتوزيع والمضاربة ، ووصل الأمر إلى أنها قد صارت تؤثر في القرار السياسي والبعد الثقافي والمعرفي [6] وفي ظل انفتاح الأسواق مع بعضها استطاعت هذه الشركات الاستفادة من فروق الأسعار، ومن نسبة الضرائب ومن مستوى الأجور لتركيز الإنتاج بالمكان الأرخص (في إطار ما يسمى ببرامج الشراكة) وبعد ذلك ينقل الإنتاج إلى المكان الذي يكون فيه مستوى الأسعار أعلى ويتم تسويقه هناك.
3/ انتشار برامج إعادة الهيكلة والتثبيت الاقتصادي ، وما سبقها من تحرير للأسواق في اتجاه دور أوسع لقطاع الخدمات على حساب القطاعين المنتجين للسلع( الزراعة والصناعة) . ويتصور بعض المحللين هيكلة ذات غلبة حاسمة للقطاع الخدمي تماما.ومع التغيير الملفت في الهيكلة الاقتصادية يسجل تغيير أيضا في آليات الإنتاج فتغزو التقنيات الآلية الالكترونية نظم العمل والنشاط الاقتصادي على حساب المساهمة البشرية التقليدية ، ويفقد عدد متزايد من السلع عمقه الإنساني كما تلغى الوظائف بمعدلات متزايدة وارتفاع معدلات البطالة وبطالة حاملي الشهادات الجامعية خاصة.
4/ بالإضافة إلى ذلك ، برزت مسألة تحرير الأسواق المالية والنقدية ، التي تخلت عن معظم الضوابط التقليدية التي كانت تسيّر العمل المصرفي والنظم النقدية لعهود طويلة . وكان من نتيجة ذلك أن الكتلة النقدية في ضوء عمليات التحرير هذه ، لم تعد خاضعة للسلطة النقدية المحلية (البنك المركزي) فعمليات دخول وخروج الأموال ، على نطاق واسع وبالمليارات تتم في ومضات سريعة على شاشات الكمبيوتر ، وعلى نحو جعل السلطة النقدية المحلية تقف عاجزة عن الدفاع عن أسعار الصرف وأسعار الفائدة وأسعار الأوراق المالية في البورصات . هكذا تحول العالم رهينة في قبضة حفنة من كبار المضاربين الذين يتاجرون بالعملات والأوراق المالية التي توفرها البنوك وشركات التأمين والمعاشات .
وسبب هؤلاء المضاربون أزمات أصبحت تشير إلى مقدرتهم الفائقة على التحكم في رفاهية أو فقر أمم ودول برمتها ، دون أن توجد أي سلطة ، محلية أو عالمية لمحاسبتهم أو ردعهم.(/2)
ومن خلال هذا الطرح يبدو أن اقتصاديات العولمة التي رافقت هذه التحولات إنما ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة إلى الماضي السحيق إلي الرأسمالية فبعد قرن طغت فيه الأفكار الاشتراكية والديمقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية ،تلوح الآن في الأفق حركة مضادة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطي من مكتسبات وليست زيادة البطالة، وانخفاض الأجور، وتدهور، مستويات المعيشة، وتقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة ، وإطلاق آليات السوق ،وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وحصر دورها في (حراسة النظام ) وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين - وهي الأمور التي ترسم الآن ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية في غالبية دول العالم – كل هذه الأمور ليست في الحقيقة إلا عودة لنفس الأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية(1850/1750) . وهي أمور سوف تزداد سوءا مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى اللبرالية الحديثة[7].
وهكذا تتحول دعوة الانفتاح علي السوق إلى أيديولوجية صارمة يجب أن يخضع لها الجميع ، وإلا فقانون الغاب سيتكفل بالعقاب .
5/ من ناحية أخرى ، يعتبر من أهم التحولات الاقتصادية التي تجري في مختلف بلدن العالم في ضوء السياسات اللبرالية الجديدة هي أن الديمقراطية التي تدافع عن – وتحمي – مصالح الأثرياء والمتفوقين اقتصاديا ، وتضر بالعمال وبالطبقة الوسطى، وهو ما نراه في الدعوة إلى التخفيض المستمر للأجور وزيادة ساعات العمل ، وخفض المساعدات والمنح الحكومية تحت حجة (تهيئة الشعوب لمواجهة سوق المنافسة الدولية).
6/ إلا أنه ، يعتبر اقتصاد المعرفة من أهم التحولات الجذرية التي شهدها العالم في عدة مجالات في القرن الواحد والعشرين وبداية الألفية الثالثة، وتلعب المعلوماتية وثورة الاتصالات الرقمية دوراً هاماً فيها .
ومن هذه التحولات توجه الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ نحو المعرفة أكثر من أي وقت مضى ليصبح ما يسمى بالاقتصاد المبني على المعرفة.
ويرافق ذلك أيضا تغيرات اجتماعية تجعل بعضنا يسمي المجتمعات القادمة بمجتمعات المعرفة(مجتمعات المعلومات).
وتتركز أهم المتغيرات التي فرضتها هذه التحولات العالمية في الآتي:-
- ازدياد أهمية الاقتصاد المبني على المعرفة.
- تزايد دور المعرفة في فعاليات الإنتاج والخدمات
- تزايد اعتماد النمو الاقتصادي والاجتماعي على المعرفة
- اعتبار المعرفة من الأصول الأساسية الهامة للشركات والدول.
- اهتمام اكبر بالحفاظ على سرية المعرفة ، وازدياد أهمية المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية WIPO .
- تعاظم دور المعلوماتية في الإدارة والاقتصاد.
- ازدياد أهمية القوى العاملة ذات المعرفة على حساب أهمية القوى العاملة العادية.
- ازدياد ظواهر احتكار المعرفة باندماج الشركات التي تملكها للحفاظ عليها.
- الميزات التنافسية لفعاليات الإنتاج والخدمات التي باتت تعتمد على المعرفة أكثر مما مضى.
وتلعب المعلومات دورا كبيرا في حصول هذه التغيرات أو التحولات ، فبات من الضروري للدول الإسلامية الاستفادة من الفرص التي تتيحها المعلومات والاتصالات لتحقيق التعاون الاقتصادي والاجتماعي.[8]
وتبدو قتامة المستقبل الذي سيكون صورة من الماضي المتوحش للرأسمالية في فجر شبابها ، إذا ما سارت الأمور على منوالها الراهن، والسؤال الذي يطرح في هذا المستوى من البحث في أي موقع تتموقع المجتمعات الإسلامية في عالم اليوم المعرفي والالكتروني؟
أثر هذه التحولات الاقتصادية على المسلمين:(/3)
ارتبطت التحولات الاقتصادية هذه ، بعملية تدويل النظام الاقتصادي الرأسمالي وحيث تم توحيد الكثير من أسواق الإنتاج والاستهلاك، وتم التدخل الأمريكي في الأوضاع الاقتصادية للدول وخاصة دول العالم الثالث، عبر المؤسسات المالية الدولية: كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، التي تمارس الإملاءات الاقتصادية المغايرة لمصالح الشعوب وبالتالي تحقق الكثير من الأهداف في المجال الاقتصادي ، مثل السيطرة على رؤوس المال العربي واستثماراته في الغرب ، والهيمنة على اقتصاديات العالم من خلال القضاء على سلطة وسيادة الدولة الوطنية في المجال الاقتصادي ، بحيث أصبحت الدول تحت رحمة صندوق النقد والبنك الدوليين ، حيث تستجدي منه المعونة والمساعدات عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة ، والخاضعة لسيطرة الشركات الأمريكية الكبرى على اقتصاد الدول ولعل تركيا وماليزيا من النماذج الواضحة للدول التي عصفت بها رياح التحولات الاقتصادية لصالح الشركات الأجنبية . يقول رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد الذي عانت بلاده من آثار العولمة في السنوات الأخيرة: أن ( العالم المعولم لن يكون أكثر عدلا ومساواة . وإنما سيخضع للدول القوية المهيمنة . وكما أدى انهيار الحرب الباردة إلى موت وتدمير كثير من الناس ، فان العولمة يمكن أن تفعل الشيء نفسه ، وربما أكثر من ذلك في عالم معولم سيصبح بامكان الدول الغنية المهيمنة فرض إرادتها على الباقين الذين لن تكون حالتهم أفضل مما كانت عليه عندما كانوا مستعمرين من قبل أولئك الأغنياء).
والدول العربية باعتبارها نموذجا حيويا للدول الإسلامية – كإحدى المناطق المتأثرة بهذه الأحداث – بلغت ديونها الخارجية عام 1995 (250) مليار دولار وتتفاقم ديونها بما مقداره 50 ألف دولار في الدقيقة الواحدة [9] ، ولا شك أنه كلما ارتفعت وتيرة الديون كلما ترسخت التبعية ووجدت الذريعة للتدخل ، وبسبب هذه الديون – التي بدأت بتشجيع من الغرب عن طريق البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين يعملان على إغراق الدول المستهدفة بالديون- أصبح اقتصاد معظم هذه الدول متخبطا ، يستطيع وبصعوبة بالغة ملاحقة خدمة الديون وفوائدها المتراكمة . وللعلم فقد أكد التقرير الاقتصادي الصادر عن مجلس الوحدة الاقتصادي العربي أن الجزائر مثلا ستخسر سنويا ما بين 1.5 إلى 2 مليار دولار بانضمامها وتطبيقها لقرارات اتفاقية التعريفة الجمركية (الجات)[10].
يتضح من ذلك ، أن الاقتصاد العالمي الجديد هو لصالح فئة قليلة تزداد غنى فوق غناها ن على حساب فئات واسعة وكبيرة تزداد فقرا فوق فقرها، مما يوسع دائرة الفقر في اغلب المجتمعات العربية والإسلامية.
ويمكن حصر الأخطار الاقتصادية التي تواجه الدول الإسلامية في الآتي: -
1- إنهاء دور القطاع العام وإبعاد الدولة عن إدارة الاقتصاد الوطني.
2- عولمة الوحدات الاقتصادية وإلحاقها بالسوق الدولية لإدارتها مركزيا من الخارج.
3- العمل على اختراق السوق الإسلامية من قبل رؤوس الأموال الأجنبية.
4- إدارة الاقتصاديات الوطنية وفق اعتبارات السوق العالمية بعيدا عن متطلبات التنمية الوطنية.
5- العمل على إعادة هيكلة المنطقة الإسلامية في ضوء التكتلات الدولية سياسيا وثقافيا.
يضاف إلى ذلك:
- الإغواء الاقتصادي: ويعني إغواء الدول المتواضعة تقنيا وعلميا واقتصاديا بمشاركة العمالقة في مشاريع عابرة القارات وهذه المشاريع كل مكوناتها من الخارج ، بعد أن يدفع البلد الفقير دم شعبه، وضحى بحاضره ومستقبله في هذه المشاريع تتم عملية السيطرة أو الإجهاض ، إن شيئا من هذا قد تم في ماليزيا واندونيسيا.
- السيطرة الاقتصادية ذات المظاهر المتعددة ، منها: شراء موارد الدول المستضعفة ومواردها الخام بأقل الأسعار وإعادة تصنيعها ثم بيعها لها في صورة جديدة بأغلى الأسعار ، وفي حال البترول يضيفون ضريبة يسمونها ضريبة الكربون ، وهي تعني ضريبة تلوث أجوائهم نتيجة الشطط التصنيعي .
- سيطرة الشركات العملاقة عملياً على الاقتصاد العالمي ، أن خمس دول – الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا – تتوزع فيما بينها 172 شركة من اصل مائتي شركة من الشركات العملاقة.
- فرض السياسات الاقتصادية والزراعية على دول العالم – وخاصة النامية – بهدف تعطيل التنمية الاقتصادية ، وإبقائها سوقا استهلاكيا رائجة للمنتجات الغربية.
- إضعاف قوة موارد الثورة المالية العربية ، المتمثلة في النفط حيث تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع لحرية التجارة الدولية – أسوة بتجارة المعلومات – من تخفيض الضرائب والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة.(/4)
- ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول الإسلامية ، نتيجة إلغاء هذه الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية ، بسبب الاحتكار والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى ، وبسبب قيود الجودة وشروط المواصفات ، وهي شروط لا تقدر الدول الإسلامية النامية على الوفاء بها. ويترتب على ذلك ، ابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وقصر دورها في حراسة النظام . وان تبقى الأسواق الإسلامية سوقاً مفتوحاً رائجاً أمام المنتجات والبضائع الأجنبية ، وان تفوض المصانع والمؤسسات الوطنية والاقتصاد الوطني.
- عملية إغراق الأسواق ، من أهم مخاطر التحولات الاقتصادية التي أثرت بدرجة واضحة وملحوظة على مستوى الأسعار ، وبعد أن وفرت اتفاقيات التجارة العالمية حرية تنقل البضائع والسلع بتعريفة جمركية صفرية في اغلب الأحيان ، الأمر الذي يكون لصالح سلع الدول المتقدمة اقتصاديا لما تتصف به من مواصفات جودة عالية وأسعار تنافسية ، تقل كثيرا في مواصفات جودتها في الأسواق المحلية ، أو عن سعر المثيل في سوق الدولة المنتجة لهذه السلعة وتصدرها ، أو انخفاض سعر البيع عن سعر تكلفة الإنتاج، ويتم تداولها لفترة زمنية ، بهدف استرداد نفقاتها وتحقيق الربح. تلك هي الحالات الثلاث التي تعتبر فيها السلع المستوردة بمثابة سلع أو واردات إغراق . في السابق كانت الدول تتحكم في سعر السلعة والجمارك والرقابة الاقتصادية لحماية المنتجات المحلية من شراسة المنافسة واليوم أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لا رقيب ولا عتيد مما يجعل من حاضر ومستقبل اقتصاديات هذه الدول قاتماً.
ولا يخفى علي أحد ما أدت إليه هذه التحولات الاقتصادية من آثار اجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية إلى درجة غيرت معها أذواق وسلوكيات المجتمعات المسلمة. إذا كانت هذه بعض الآثار جراء المتغيرات الاقتصادية فأين موقع المسلمين من هذه التحولات وآثارها؟
بعد موضة التدخل المباشر في بعض الدول والإسلامية ، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، تحت ذريعة محاربة ما يسمى بالإرهاب في كل من أفغانستان والعراق وتهديد غيرها من دول المجموعة الإسلامية إلى درجة وصل الجدل والنقاش فيها إلى تغير مناهج التعليم من أجل تشكيل ثقافة تتوافق ومصالح الدولة المهيمنة على الاقتصاد العالمي ، عبر وسائل الإعلام والاتصالات الرقمية الحديثة . أصبحت الدول الإسلامية بل الأسرة الإسلامية مهددة في تنشئة أبنائها التنشئة السليمة أمام تسارع نسق المعلومات عبر شبكات الانترنت والفضائيات التي دخلت البيوت دون رقابة الدولة وأرباب البيوت . فانهار معها أهم كيان وهو الأسرة الإسلامية باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى لهذه المجتمعات ، صمام أمان الدفاع عن الهوية والثقافة الإسلامية [11].
هذا الوضع المأساوي السالف الذكر أفضى إلى رغبة جامحة ومشتركة بين غالبية مفكري الجيل المعاصر في العالم الإسلامي لتجنيب المجتمع الإسلامي آثار المشكلات المعاصرة والحفاظ على المكتسبات التي حققها الإنسان المسلم في ميادين المعرفة والتسارع التقاني.
ويمكن القول إن هذه الرغبة هي إحدى الأسباب التي رخصت لهذا الجيل من المفكرين في دعم الصيغة الدولية لمعالجة هذه المشكلات تحت مسميات عدة، حوار الحضارات والتضامن العالمي والتي تمثلت في إقامة مؤسسات عالمية وهيئات ومنتديات دولية كهذه الجامعة التي تنعقد فيها هذه الندوة.
بدأ المسلمون في التساؤل حول مدى فاعلية هذه التغيرات الاقتصادية على واقعهم اليوم. لذا بدأ التفكير في المستقبل في ظل هذا الواقع والبحث عن بدائل أخرى أكثر إنصافا لهذا النموذج الاقتصادي للتجارة الحرة التي تخلو من أية قيود وتجنيب المجتمعات المسلمة الآثار السلبية لهذه التحولات من اجل إيجاد موقع لها في مجتمع المعرفة والغد الالكتروني . وأصبح هذا لسان حال المسلمين وقادتهم أكثر من غيرهم على وجه الأرض. لأن هذا النظام يتعارض مع كثير من معتقداتهم الدينية والأخلاقية . فالإسلام يعتبر الطريق الصحيح للحياة ، ويعتقد المسلمون بأن الله تعالى أعطى كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية تعاليم واضحة تؤثر في جميع مناحي الحياة على سبيل المثال ، فإن الله تعالى يعطينا الهداية والإرشاد بشأن المعاملات الاقتصادية والتجارة .
قال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)[12] ،وقوله تعالى : ( ألم تر أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة)[13] .
فهاتان الآيتان – وأمثالهما في القرآن الكريم كثير- تضعان مبدأً اقتصادياً هاماً مؤاده أن الأصل في طريق الكسب الإباحة.(/5)
وقوله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) [14] . فهذه الآية تضع مبدأ عاماً هو حل البيع وحرمة الربا . وقوله تعالى : ( .... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) [15] ، تضع هذه الآية قاعدة عامة مؤدها أن لولي الأمر أن يعيد توزيع الثروة في المجتمع في حال انتفاء التوازن بين المجتمع.
وقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وعرضه وماله)[16]، يضع مبدأً عاماً هو حرمة الاعتداء على مال المسلم .. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تضع مبادئ اقتصادية هامة)[17] .
والمسلمون ملزمون بالتقيد بقواعد الإسلام ، فيما يتعلق بأداء فريضة الصلاة وفريضة الصيام والسلوك في حياتهم اليومية ، فهم أيضا مأمورون بطاعة الأوامر والتعاليم المتعلقة بالتجارة ، دعا هذا إلى قيام كثير من العلماء والمفكرين ورجال الأعمال المسلمين إلى المناداة بنموذج آخر يحقق اكبر قسطا من المساواة مما يحققه النظام الرأسمالي بحيث يتماشى مع التعاليم الأخلاقية الإسلامية فيما يتعلق بالربح والفائدة . بل نادى الكثير منهم بأن يكون الاقتصاد الإسلامي بديل لاقتصاد العولمة[18] ، لأنهم اعتبروا النموذج الاقتصادي الإسلامي كسائر النماذج الاقتصادية التقليدية بمثابة دراسة للإنسان وسلوكه في مصادر الكسب والاستخدام بالنسبة إلى مدى الرضا والقناعة بالضرورات والاحتياجات والمتطلبات الأخرى للحياة.
ويختلف النموذج الاقتصادي الإسلامي عن النموذج الاقتصادي الغربي، وذلك بالتركيز على الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية عند اتخاذ قرارات اقتصادية ولا ينشد سوى الربح بغض النظر عن التكلفة ، فالمعيار الذي يتم بموجبه اتخاذ قرارات الاستثمار يتعين أن يكون منتجاً يتألف من القيم الأخلاقية والطموحات والاهتمامات والرغبة لسد الاحتياطات الأخرى وكذلك المشاعر والعواطف.
ويعتبر الاقتصاد الإسلامي أيضا بمثابة بديل مغرِ للتجارة الحرة الواقعة تحت تأثير التحولات الاقتصادية لعالم اليوم ، لأنه يضيف بعدا أخلاقيا لجميع النشاطات الاقتصادية ، كما يعتقد هذا النموذج بأن الحياة والممتلكات هي أمانة من الله تعالى وملكية مطلقة له ، وليست للإنسان ، وبالتالي فإنه لا يحق للإنسان أن يدمر حياته وممتلكاته حين يشاء أو يحتال على الآخرين لمصلحته الخاصة. إن القيم الأخلاقية والفائدة الاقتصادية بالنسبة إلى البشرية عامة تحكم عمليات الإنتاج والاستهلاك بالرغم من ذلك، فإن الحرية لإقامة مشروع ما يسمح بها شريطة أن تعود بفوائد أخلاقية واجتماعية على البشر.
من ناحية ثانية أهم ما يمكن اعتباره مواجهة لهذا الواقع ، ما تلعبه التنمية البشرية اليوم في السياسات الاقتصادية للدول الإسلامية ، من حيث أنها تقوم على الإنسان باعتباره الفاعل الأساسي والمستفيد من كل الإنجازات . وبقدر ما تطلق الحرية في المعاملات يزداد الحرص على حماية الفرد والوقوف بحزم أمام مظاهر استغلاله من قبل الغير أو حتى سوء تصرفه الذاتي.
من هذا المنظور يمكن وضع ركائز النجاح ودعائم الانصهار في الاقتصاد العالمي بصفة تدريجية ثابتة إذ استفادت الدول الإسلامية من توظيف مكتسبات التطور العلمي والتقاني في ظل الحفاظ على ثقافة وهوية الحضارة الإسلامية ، باعتبارها من أهم مقومات النجاح لهذه المجتمعات ، لما فيها من قيم ثقافية وأخلاقية تشجع على امتلاك ناصية العلوم والمعارف.
بهذا التوازن في الرؤى تسعى بعض الدول الإسلامية وتحاول وضع المعايير الأخلاقية والقانونية لأنسنة النمو والتطور التكنولوجي ، ولعل نموذج ماليزيا خير دليل على السير في الطريق السليم من أجل كسب رهان المنافسة في المستقبل القريب.
ويتجلى هذا التوفيق بين التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية بكل وضوح في حماية الأسواق الداخلية ومحاربة الاحتكار والتدخل في السوق لتحديد الأسعار ، مع وضع مقاييس ومواصفات للسلع والخدمات ضمن الإطار العام الأخلاقي الذي يتبناه الإسلام والضوابط التي تضعها الدول الإسلامية [19]، من أجل جودة السلع ، وكسب رهان المنافسة ، فإن جهات الاختصاص مطالبة اليوم بالإسراع في وضع مواصفات لعدة منتوجات حتى يتمكن المستهلك من حقه في الجودة ، إضافة إلى ذلك فإن المواصفات لا تهم المستهلك فقط ، بل هي عنصر من عناصر تدعيم القدرة التنافسية للمنتج الوطني في ظل المنافسة الدولية [20] إزاء التطورات والتحولات الكبيرة التي يعيشها العالم بسبب التقدم التقاني السريع الذي لم يسبق له مثيل في مجالات تقنيات الإنتاج والتوزيع مع مزيد من التوجه الدولي نحو الانفتاح والتحرر والعولمة وتكامل عمليات الإنتاج عبر الدول وترابط الأسواق المالية من جهة ونحو الاندماج في تجمعات اقتصادية عملاقة من جهة أخرى[21] .(/6)
من خلال هذا ، يمكن للمسلمين فتح آفاق مستقبلهم الاقتصادي إضافة إلى ذلك ، علينا أن ندرك أنه من المستحيل في الوقت الحاضر إيجاد أي بديل يرتكز على دولة ما أو على معتقدات دينية أو دنيوية محددة دون إقامة مجتمع المعرفة القائم على القيم وثوابت الثقافة الإسلامية بعيدا عن الانغلاق والتفريط . ولا يمكن لأي دولة أو دين بذاته إيجاد إجابة قابلة للتطبيق على تحدي العولمة . فقد قامت أنظمة تكنولوجيا المعلومات وأنظمة النقل الحديث بتمكين التجارة من تخطي الحدود إلى درجة أنه لا يمكن في الوقت الحاضر لأي دولة أو اقتصاد أن يصمد لوحده ويزدهر. لأن كل المشاريع المتداولة حالياً بهذا الخصوص لتنوه بأهمية دور الدول والحكومات والسلطات الوطنية عموماً في سن السياسات الترشيدية المبتغاة ضمن تعاون يجمع بين المؤسسات الوطنية والمنظمات الدولية المختصة والقطاع الخاص الوطني وما فوق الوطني (الشركات عابرة القارات ) والمنظمات غير الحكومية [22]. ولكي تكون النظرية الاقتصادية الإسلامية ناجحة يجب أن تكون فكرة مرنة قابلة للتغيير في جزء من بنيانها ، حتى يمكن إحياء الاقتصاد الإسلامي والتزام المسلمون به وإقناع العالم بصلاحيته ، عبر مختلف وسائل الإعلام ومراكز البحث العلمي ، لابد من أن تنشط وأن تتعدد بحوث الاقتصاد الإسلامي في المجالات الآتية[23]:
أولهما: البحث عن مجتمع معرفي بديل ، أي نوع من التعليم تحتاجه المجتمعات المسلمة في الوقت الراهن واستشراف المستقبل ، بتركيز على نوعية التعليم لا كميته ، وبالاستفادة من التراكم المعرفي العالمي.
ثانيهما: الكشف عن مدى الأصول والمبادئ الاقتصادية الإسلامية بلغة المعرفة الجديدة.
ثالثهما: إعمال هذه الأصول وربطها بما هو واقع بعالمنا الاقتصادي المعقد الحالي.
ولا ينكر أحد ما للمعرفة والتقانة بصفة عامة من أهمية في الوقت الحاضر [24] . ولا يمكن تجاهل الحافز الإنساني الذي يتيح للإنسان أن يبدع ويحقق التقدم والتحول في أسلوب الحياة . لذا يتعين على الاقتصاد الإسلامي في الوقت الحاضر كما فعل في الماضي أن يتيح للجنس البشري مواصلة التطور والنمو في جامعات عصرية مستفيدة من جميع مكتسبات التقدم العلمي والتقاني المتاحة اليوم ، بل يتعدى ذلك بتوفير جامعات توطن برامج التعليم عن بعد وربطها بمثيلاتها في العالم أو على الأقل في عالمنا ومحيطنا الإسلامي ، إلى درجة ذهب معها الدكتور محمد مراياتي إلى ضرورة الاهتمام باستعمال اللغة العربية في مجال المعلوماتية والاتصالات ، فضل عن إتقان اللغات الأخرى [25].
ويمكن للقيم الأخلاقية ، أن تقدم بديلاً قابلاً للتطبيق في المجال الاقتصادي مدعما بتطوير الأسواق وتدعيم المبادرات الفردية ضمن بيئة تشجع على الخلق والإبداع وتطوير الصناعة والحرف الصناعية التي اشتهرت بها المجتمعات المسلمة سابقا ، وتعصير المصارف التجارية بشرط أن تعتمد على نظام يرتكز على توزيع عادل لثروات الأرض وإقامة قيمة لحياة الإنسان بعيدا عن السعي الأعمى لتحقيق الربح.
ويتعين على المسلمين ، وغيرهم ، التحاور من أجل إيجاد سوق يتسم بالمثل والأخلاقيات ، ولا تنظمه مصالح أي فئة معينة ، بل يتم تنظيمه وضبطه على أساس القيم الإنسانية السامية ، وإذا تحقق هذا الأمر يمكننا تشكيل نظام اقتصاد عالمي يكون اقرب إلى القيم التي تعتبر أساسا لجميع الديانات ومبدأ أساسا من مبادئ حقوق الإنسان ، ولعل أغلب مجتمعاتنا الإسلامية بحاجة لهذا المبدأ اليوم لضمان شروط البقاء في هذا العالم الشرس في معاملاته.
والتحديات التي تواجه المسلمين اليوم ، لا تتمثل في امتلاكهم الثروة من ذهب أو مواد خام أو موارد طبيعية ، بقدر ما أصبحت الثروة تتمثل في بشر مؤهلين تأهيلا عاليا يتماشى ومتطلبات المرحلة ، قادرين على الخلق والإبداع والتنظيم وامتلاك المعلومات . فضلا عن ترتيب البيت التجاري الإسلامي ترتيبا واقعيا وفعالا.
كل هذه التحديات باتت اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى ، أمرا ضروريا ومطلبا ملحا للغاية . إذ يعتبر انضمام المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إلى عضوية منظمة التجارة العالمية حدثا في غاية الأهمية، بل منعرجاً تاريخياً إلى الوجود الإسلامي، ضمن فعاليات المنظمة تلك التي تعني بما يوازي 90% تقريبا من المبادلات السلعية والخدمية والتكنولوجية الدولية.
نعم نحن أمة نتفوق في الأخلاق بما عندنا من كتاب هادي إلى السلوك موضوعه (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)[26]، غير أننا نأسف للتكيف في معالجة المادة ، نسقط كثيرا من قوانين السلوك في الحياة العملية والمعالجة الصناعية ، كمعايير ضبط الجودة الصارمة وأركان التعاقد الملزمة والأجل المضروب لإنجاز العمل والعقوبة المترتبة على الخلف ... الخ، كل هذه الأخلاق نجدها مصاحبة للنشاط المادي في نهضة أوربا غير أنها عندنا لا تعني قيمة إلا قليلا [27].(/7)
ختاما أقول، إن للعولمة جوانب موجبة يمكن أن يستفيد منها الجميع، ومن بينهم المسلمون. فانفتاح أجزاء العالم على بعضها البعض معرفياً وتقنياً وسهولة انسياب المعلومات والمعارف والتجارب أمر يمكن توظيفه والاستفادة منه كل حسب مصلحته ومقدرته.
والأمر في غاية الخطورة وضرورة حتمية حيث لا يمكن التقوقع خلف المتاريس والانغلاق على الذات، فان استحالت الوحدة فمن الضرورة النصية التعاون بين الدول والمجتمعات الإسلامية، وينبغي أن يشارك الجميع من أجل بناء العناصر البشرية القادرة على التطوير والخلق والإبداع لتجسير فجوة المعرفة وقيام مجتمع المعرفة المنشود. وينبغي أن ترافق تلك التحديات إجراءات في الداخل تكملها لضمان موقع في عالم اليوم. وتحقيق النهوض الحضاري لأمة العلم من جديد لتعود أمة قوية صحيحة منافسة، فليست الصعوبة في أن تصل إلى القمة بل الصعوبة أن تحافظ على وجودك فيها.**
----------
[**]النص الكامل لبحث المؤلف "مستقبل المسلمين في ضوء التحولات الاقتصادية"
[1] راجع ، ساسين عساف وآخرون : قضايا عربية معاصرة ، مراجعة وتقديم منذر المصري، مؤسسة عبد الحميد شومان ، الطبعة الأولى 2001 عمان – الأردن ، ص 25.
[2] الببلاوي ، حازم : النظام الاقتصادي الدولي المعاصر ( من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة) سلسلة عالم المعرفة – العدد 257- مايو 2000 ، الكويت ، ص 207.
[3] هانس- بيتر مارتين وهارلد شومان : فخ العولمة (الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية) ترجمة عدنان عباس علي ، مراجعة وتقديم رمزي زكي ، سلسلة عالم المعرفة – العدد 238- أكتوبر 1998 الكويت ، ص 11.وراجع، مسألة التطور والاندماج الاقتصادي للدول في حلقة من العلاقات الاقتصادية ،عند حازم الببلاوي : النظام الاقتصادي الدولي المعاصر، ص 32 وما بعدها .
[4] راجع هذه المتغيرات عند الصرماني ، ربيعة خليفة في بحثه عن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في ظل العولمة ، مجلة دراسات الليبية ، العدد العاشر ، الخريف 1370 على الموقع الآتي:www.dirassat.com
[5]راجع ، صالح الرقب: العولمة (الأهداف والآثار الاقتصادية) على العنوان التالي :www.aliman.org
[6] تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002م ، ص 7
[7] انظر ،هانس – بيرماتين وهارالد شومان : فخ العولمة ،سلسلة عالم المعرفة ،ص 8 وما بعدها .
[8] احمد يوسف احمد وآخرون : التعاون الاقتصادي العربي وآفاق المستقبل ، مراجعة وتقديم طاهر كنعان ، الطبعة الأولى 2001- الأردن ، ص 267 وما بعدها.
[9] راجع ، صالح الرقب : العولمة على العنوان التالي:www.aliman.org
[10] راجع ، صالح الرقب : العولمة على العنوان التالي: www.aliman.org
[11] انظر، العولمة والتعليم والتنمية البشرية (اجتماع خبراء) ، جامعة الدول العربية ( وحدة البحوث والدراسات السكانية المنتدى العربي للتنمية البشرية) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، القاهرة 21-22 فبراير 2001م ، ص37 وما بعدها.
[12] سورة البقرة ، الآية 29.
[13] سورة لقمان ، الآية 20.
[14] سورة البقرة ، الآية 275.
[15] سورة النساء ، الاية32.
[16] واه الترمذي وقال حديث حسن
[17] راجع فتحي احمد عبد الكريم واحمد محمد العسال : النظام الاقتصادي في الإسلام (مبادئه وأهدافه) ، مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة، القاهرة -1409هأ -1989م ، ص 16.
وراجع أيضا : المصري عبد السميع : مقومات الاقتصاد الإسلامي ، مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة ، 1403هـ.
[18] راجع ما نشر في موقع الحبتور على الانترنت www.habtoor.com بعنوان الاقتصاد الإسلامي بديل لاقتصاد العولمة ، تحت عمود رؤية واضحة.
[19] انظر ، محمد احمد صقر : دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي ، ضمن كتاب الإسلام والنظام الاقتصادي الدولي الجديد (البعد الاجتماعي) دار سراس للنشر – تونس ، ص 117-118.
[20] المعز لله صالح احمد : مراقبة السوق بين الحسبة والنظام المعاصر ، بحث مقدم لجامعة الزيتونة لنيل شهادة الدكتوراة في العلوم الإسلامية العام الجامعي 2002/2003 ص 121
[21] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي : تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002ص 111
[22] العياري ، الشاذلي: السياسات الوطنية في مواجهة العولمة ( صراع غير محسوم) محاضرة ألقيت على منبر منتدى الفكر السياسي للتجمع الدستوري الديموقراطي يوم 1 مارس 2002 – تونس ، ص 48
[23] الفنجري ، محمد شوقي : المذهب الاقتصادي في الإسلام ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة الثانية 1986، ص 51.
[24] فتحي احمد عبد الكريم واحمد محمد العسال: النظام الاقتصادي في الإسلام ، مبادئه وأهدافه ، مكتبة وهبة ، الطبعة الثالثة 1989 القاهرة ، ص32 .
[25] راجع محاضرة ، محمد مراياتي: المعلوماتية ودورها في تحقيق التعاون العربي ن كتاب التعاون الاقتصادي العربي وآفاق المستقبل ، ص 277.(/8)
[26] سورة البقرة الآية 2
[27] يمكن مراجعة كتاب، الكاروري، عبد الجليل النذير: التقوى والتقانة في صفحة الانترنت على العنوان التالي www.alnilin .com
* باحث سواني ـ جامعة الزيتونة ـ تونس(/9)
مستقبل المشروع السياسي الإسلامي..
ومحاولات الطمس اليائس ياسين الكليم*
من الادعاء العريض مقال د. هشام عثمان؛ ذي الحلقتين، والمنشور في صحيفة السوداني بتاريخ 15/16 من الشهر الجاري..
والادعاء العريض تمثل أول ما تمثل في العنوان الذي اختاره له؛ حيث اسماه (حركات الإسلام السياسي.. المسار التاريخي، ومآلات المستقبل).. وعندما تجوس ببصرك خلال المقال لا تجد مساراً تاريخيا تتبعه بالدراسة والملاحظة، كما تعجز أن تتعرف أين كتب الدكتور -صاحب الادعاء- مآلات المستقبل لحركات الإسلام السياسي؟!.. والمقال بمجمله محاولة (دلالة فاشلة) لتسويق تجارة بائرة عافها الناس من عقود، وقد أسماها الدكتور –أو (الدلال)- الفكر الحر.
يبدأ صاحبنا مقاله بادعاء لم يجرؤ عليه حتى مثقفو المارينز -كما يحلو للأستاذ الطيب مصطفى تسميتهم به–، وبفم عريض يسنده قفا عريض جداً يقول: (إن الإسلام السياسي -بتعدد أطيافه، وبتباين روافده وتياراته- لا يعدو كونه ظاهره تاريخية؛ أقصى سقف لمردودها الإنساني هو أدلجة المصالح الوقتية للشرائح المرتبطة بالظاهرة ارتباطاً تاريخياً ووجدانياً وإنسانيا.. هي مجرد ظاهرة لا تدخل في عداد المناهج الفكرية ذات الطبيعة المدرسية).. هذه لم يجرؤ عليها صاحب صراع الحضارات، ولا برنارد لويس كبير المستشرقين الأمريكيين؛ ولكن (الدلال) يفعل!!..
اختار الدكتور المنهج التاريخي –كما قال– لدراسة الظاهرة، ولكن مقاله خلا تماما من تتبع تاريخي لمسيرة (صيرورة) حركات الإسلام؛ بل شغل نفسه بعرض أفكار الإمام حسن البنا، والأستاذين عبد القادر عودة، والسيد قطب، وأكثر ما شغل به نفسه النقد لأفكار سيد قطب، وتحليل دوافع الأستاذ، وليت الدكتور ترك ذلك -ليس إشفاقا مني على الأستاذ سيد؛ ولكن رحمة بشهادة الدكتوراة التي يحملها الكاتب؛ ألا تحمل بحقها- فالكاتب يستند في مقاله على معلومات (سماعية) استقاها الكاتب -حسبما بدا لي من مقاله- من جلسات أُنس و(ونسات) وليس من اطلاع -حتى ولو عابرا–؛ فهو يقول: (وكان لسيد قطب فضل نقل كتاب أبي الحسن الندوي (ماذا خسر العالم بتخلف المسلمين إلى العربية)).. إي والله؛ هكذا قال؛ فلا سيد هو الذي ترجم الكتاب، ولا الكتاب اسمه هكذا كما ظن الكاتب؛ فاسم الكتاب الصحيح (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين).. والكتاب من كتب السيد الندوي القلائل التي كتبها بالعربية مباشرة؛ أي ليس له مترجم أصلاً لا سيد ولا غيره.. و الكاتب الدكتور لا يعرف حتى أسماء كتب سيد الذي انبرى يناقش أفكاره؛ فهو لا يعرف حتى الاسم لأشهر كتب للأستاذ (العالِم)، وهو يخلط -لاستقائه أفكاره من الونسات- بين أبي الأعلى المودودي، وأبي الحسن الندوي؛ حيث يشَبّه الدارسون –عادة- فكر سيد قطب بفكر أبي الأعلى المودودي؛ وليس بفكر الندوي..
ويمضي بعيداً ويقول: إن أبا الحسن الندوي كان يفترض الجاهلية في العالم العربي.. والتقط سيد قطب هذه الفكرة).. وأبو الحسن لم يتكلم عن جاهلية العالم العربي، وخسرانه من انحطاط المسلمين؛ ولكن تكلم عن خسارة العالم والإنسانية من انحطاط المسلمين وتخلفهم عن مستوى دينهم، وانخذالهم عن مسؤولياتهم؛ ولكن لو علم الدكتور أن المعلومات لا تؤخذ هكذا دون تمحيص وتوثيق لأرحنا كثيراً، وإن اختلف مع الإسلاميين في مشارق الأرض ومغاربها؛ ولكن هذا جزء من أزمتنا الراهنة؛ أسماء علمية دون مسميات: (ألقاب مملكتي في غير موضعها ** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد).
ولم يجد الدكتور تفسيرا لفكر سيد قطب إلا أنه فكر أزمة؛ وهو -للأمانة- تفسير سبقه فيه أناس حتى من الإسلاميين، ولكنه تفسير لا يثبت عند المناقشة العلمية؛ فهل يتصور أن الجدران تغير فكر رجل انتدب نفسه لتغيير العالم؟!.. قد يقول البعض: قد تفعل.. نعم ولكن هل هناك من يظل على فكره ومنهجه؟! قطعا الإجابة: نعم.. واتهام أحد بتأثير السجن عليه يحتاج إلى دليل، ولم يقدم الكاتب دليلا، وأقدم له دليلاً ساطعا على تعادل أطراف نفس الأستاذ سيد؛ وهو بيت من الشعر جادت به قريحة سيد عندما رأى يد أحد من إخوانه تلوح له بالتحية من وراء الجدران: (أخي إن زرفت عليّ الدموع ** وبللت قبري بها في خشوع .. فأوقد لهم من رفاتي الشموع ** وسيروا بها نحو مجد تليد)..(/1)
أما المفاهيم ففكرة الحاكمية برزت في كتابات سيد حتى قبل أن ينتمى للحركة الإسلامية؛ فقد دون سيد أفكاره الأساسية حولها في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) بل في مقدمة الكتاب؛ وهي الفكرة الجوهرية التي دندنت حولها كتابات سيد اللاحقة.. هذا من جانب، ومن جانب آخر لو كانت الجدران تغير الأفكار لأدنّا أفكار جميع رجال التغيير في العالم -نيلسون مانديلا، وكل الماركسيين الذين سجنوا، وعلماء الطبيعيات الذين عذبوا في تاريخ أوربا المظلم، والأنبياء الذين ابتلوا- ولم يبقَ معنا من أحد نحترم له فكراً؛ حتى الأستاذ كمال الجزولي الذي استدل به الكاتب؛ فقد سُجن حتى نَسِيَ صورته ابنُه كما قال؛ فهل هو الآن إسلامي بفعل السجون؟ وإلا فلماذا يستثنيه الكاتب دون خلق الله وسيد؟!..
ويجزم الدكتور -دون بينات- أن المدخل للانتماء للاتجاه في السودان كان مدخلاً طبقيا؛ ينم عن بعض مؤشرات الغبن الاجتماعي أكثر من كونه مدخلاً فكرياً أو إيمانياً.. والوصول لهذه النتيجة يحتاج لدراسات عميقة جدا، ومقارنات ضخمة بين التيار الإسلامي والأحزاب؛ مسنودة بإحصائيات دقيقة، ولا يجرؤ عالم اجتماع أو سلوكي على القطع به أو بغيره دون ذلك؛ ولكن الدكتور يكثر من الجزم بطريقة تتنافى مع العلمية التي يدعيها.
بالله عليكم أين هنا الاستدلال، و المناقشة، والاستيثاق من المعلومات لاستخراج النتائج؟
النماذج الإسلامية الحاضرة والفكرة
اتخذ الكاتب من دولة طالبان، والحكومة السودانية الحاضرة أُنموذجا لتطبيق الإسلام السياسي؛ فحكم على الأولى بالتشدد، وبالفساد على الثانية، وقال: إن هذين الأُنموذجين (جعلا دعاة الدولة الدينية يسيرون على الشوك؛ ففيهما تذكرة لكل من له قلب).. لو سلمنا بهذا المنطق فإننا نستطيع أن نقول باطمئنان: إن أُنموذج الديمقراطية -بأشكالها: الفرنسية والبريطانية والأمريكية، والشيوعية الروسية (سابقا)- جعلت دعاة الديمقراطية في العالم العربي والسودان تحديدا يمشون بلا رؤوس.. والكاتب لم يجد له مطعنا في السلطة الفلسطينية الحاضرة؛ فادعى أنها وصلت السلطة لأن المواطن الفلسطيني انتخبها (في ظل أزمة بسببح أوضاع الاحتلال، وتعثر، ومحدودية الخيارات الوطنية).. وكعادة التعالى العلماني يصادر الكاتب حق الشعب الفلسطيني، ويرميهم بالجهل، وعدم البصيرة.
لمن المستقبل؟
يجزم الكاتب أنه للفكر الحرّ القائم على مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ولكن كما بدأت مقالي لم يقدم بينات يدفع بها في تأكيد نتيجته، كما لم يعرّف ما هو الفكر الحرّ الذي جزم بنصره، وهل إذا قدم الإسلاميون فكرا إسلاميا يتبنى الكرامة الإنسانية التي أرادها الله للناس، وجعلوا السلطان دولا بين الناس- يصبحون من أهل الفكر الحرّ بالأصالة؟!.. وكيف يفسر الكاتب التفاف الجماهير حول دعاة الاتجاه الإسلامي عالميا؟ وكيف يفهم التصريحات الغربية المتوالية عن أن أي انتخابات ديمقراطية نزيهة ستحمل الإسلاميين للسلطة؟!.. والصبح قريب.(/2)
مسائل في التداوي والرقى
محمد بن عبد الله الصغير
يبحث علم الطب في تركيب جسم الإنسان ووظائف أعضائه بحثاً دقيقاً، بدءاً من الخلية (وهي أصغر وحدات التركيب في جسم الإنسان)، فالأنسجة (وهي مجموعة خلايا ذات وظائف مشتركة) فالأعضاء كـ (القلب والكبد والكلى) فالأجهزة الوظيفية (وهي مجموعة أعضاء ذات وظيفة مشتركة كالجهاز الهضمي مثلاً)، فيبين الطب حكمتها ودورها في حال الصحة وخطر ضررها في حال المرض، ويبحث في طرق الوقاية والعلاج.
أما الحكمة الكبرى والغاية العظمى من خلق الإنسان بأكمله فهي من مباحث الاعتقاد المهمة التي لا يهتم بها الطب.
وقد بين الله ـ تعالى ـ الحكمة التي من أجلها خلق المكلفين بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (1) [الذاريات: 56].
الأصل في حالة الإنسان الصحة والعافية، وأما المرض فطارئ، سواء كان جسدياً أو نفسياً، وسواء طرأ قبل الولادة (خلال تخلُّق الجنين في الرحم) أو أثناءها أو بعدها.
والمرض من جملة المصائب التي تصيب العباد بقضاء الله ـ تعالى ـ وقدره كما قال ـ تعالى ـ: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}
[الحديد: 22].
والله ـ تعالى ـ لا يخلق شراً محضاً بل كل ما يخلقه فيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، وهو شر جزئي إضافي، فأما شر كلي أو شر مطلق، فالرب منزه عنه؛ وهذا الشر ليس إليه، وأما الشر الجزئي الإضافي فهو خير باعتبار حكمته(2).
* التداوي مأمور به شرعاً:
قال صلى الله عليه وسلم: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل»(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء»(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: «نعم يا عباد الله! تداووا؛ فإن الله ـ عز وجل ـ لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم»(5).
قال الشاطبي: «وقد تكون المشقة الداخلة على المكلف من خارج لا بسببه، ولا بسبب دخوله في عمل تنشأ عنه؛ فههنا ليس للشارع قصد في بقاء ذلك الألم وتلك المشقة والصبر عليها، كما أنه ليس له قصد في التسبب في إدخالها على النفس، غير أن المؤذيات والمؤلمات خلقها الله ـ تعالى ـ ابتلاء للعباد وتمحيصاً، وسلطها عليهم كيف شاء ولما شاء فـ {لا يٍسًأّلٍ عّمَّا يّفًعّلٍ وهٍمً يٍسًأّلٍونّ} [الأنبياء: 32]، وفهم من مجموع الشريعة الإذن في دفعها على الإطلاق، رفعاً للمشقة اللاحقة، وحفظاً على الحظوظ التي أذن لهم فيها»(6).
* التداوي لا يعارض التوكل:
قال ابن القيم: «وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضياتٍ لأسبابها قدراً وشرعاً، وإن تعطيلها يقدح في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة، وفيها رد على من أنكر التداوي وقال: إن كان الشفاء قد قدّر فالتداوي لا يفيد، وإن لم يكن قد قدر فكذلك»(1).
وسئل ابن باز ـ رحمه الله ـ عمن يحتج على ترك الأسباب بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فأجاب: «هؤلاء السبعون ما تركوا الأسباب، وإنما تركوا شيئين هما: الاسترقاء والكي، والاسترقاء: هو طلب الرقية من الناس... وقد كوى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعض أصحابه لما دعت الحاجة إلى الكي؛ لأنه سبب مباح عند الحاجة إليه ولا كراهة في ذلك، وهكذا بقية الأسباب المباحة كالأدوية المباحة من إبر وحبوب وشراب وغير ذلك»(2).
وقال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: «ففعل الأسباب لا ينافي التوكل إذا اعتقد الإنسان أن هذه الأسباب مجرد أسباب فقط لا تأثير لها إلا بإذن الله تعالى؛ وعلى هذا فالقراءة (قراءة الإنسان على نفسه، وقراءته على إخوانه المرضى) لا تنافي التوكل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات، وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا، والله أعلم»(3).
* حكم التداوي قبل وقوع الداء:
قال الشاطبي ـ في كلامه عن المؤلمات والمؤذيات ـ: «وفهم من مجموع الشريعة الإذن في دفعها على الإطلاق، رفعاً للمشقة اللاحقة، وحفظاً على الحظوظ التي أذن لهم فيها، بل أذن في التحرز منها عند توقعها وإن لم تقع، تكملة لمقصود العبد وتوسعة عليه، وحفظاً على تكميل الخلوص في التوجه إليه والقيام بشكر النعم؛ فمن ذلك الإذن في دفع ألم الجوع والعطش والحر والبرد، وفي التداوي عند وقوع الأمراض، وفي التوقي من كل مؤذ، آدمياً كان أو غيره، والتحرز من المتوقعات حتى يقدم العدة لها، وهكذا سائر ما يقوم به عيشه في هذه الدار من درء المفاسد وجلب المصالح»(4).(/1)
وسئل ابن باز(5) عن حكم التداوي قبل وقوع الداء كالتطعيم، فأجاب: «لا بأس بالتداوي إذا خشي وقوع الداء لوجود وباء أو أسباب أخرى يخشى من وقوع الداء بسببها، فلا بأس بتعاطي الدواء لدفع البلاء الذي يخشى منه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من تصبَّح بسبع تمرات من تمر المدينة لم يضره سحر ولا سم»(6)، وهذا من باب دفع البلاء قبل وقوعه؛ فهكذا إذا خشي من مرض وطُعِّم ضد الوباء الواقع في البلد أو في أي مكان لا بأس بذلك من باب الدفاع، وكما يعالج المرض النازل يعالج بالدواء المرض الذي يخشى منه؛ لكن لا يجوز تعليق التمائم والحجب ضد المرض أو الجن أو العين لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقد أوضح ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن ذلك من الشرك الأصغر؛ فالواجب الحذر من ذلك».
* أحكام التداوي:
اختلف العلماء قديماً في حكم التداوي بالمباح؛ فعند أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب، ومذهب الشافعي استحبابه، ومذهب مالك أن التداوي وتركه سواء، وعند أحمد أنه مباح وتركه أفضل(7). وأما التداوي بالمحرمات فمذهب جماهير العلماء تحريمه لما رواه البخاري عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»(8)؛ ولا سيما الخمر لما في الصحيح أنها داء وليست بدواء.
قال ابن تيمية: «فإن الناس قد تنازعوا في التداوي: هل هو مباح أو مستحب أو واجب؛ والتحقيق أن منه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، وقد يكون منه ما هو واجب وهو: ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء»(9).
وقد أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي قراراً بشأن العلاج الطبي(01) جاء فيه: «الأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والعملية، ولما فيه من حفظ النفس الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع، وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص:
- فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية.
- ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق في الحالة الأولى.
- ويكون مباحاً إذا لم يندرج تحت الحالتين السابقتين.
- ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها».
وقال ابن عثيمين(1): «فالأقرب أن يقال:
1 - إن ما علم (أو غلب على الظن) نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه فهو واجب.
2 - وما غلب على الظن نفعه ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل.
3 - وما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر».
* التداوي عند غير المسلمين(2):
يكره أن يتداوى المسلم عند طبيب نصراني أو يهودي لغير ضرورة؛ لأنه غير مأمون؛ فينبغي ألا نأمنهم وقد خونهم الله تعالى، ولا يجوز التداوي عند غير المسلمين إلا بشرطين: الأول: الحاجة إليهم، والثاني: الأمن من مكرهم.
* مداواة الرجل المرأة:
من قرارات مجلس الفقه الإسلامي(3): «الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو أمرأة ثقة خشية الخلوة. يوصي المجمع أن تولي السلطات الصحية جل جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا تضطر إلى قاعدة الاستثناء».
قد تتساهل بعض المريضات في كشف شيء من جسدها ليس في كشفه مصلحة طبية، وبعضهن تبادر إلى ذلك دون طلب الطبيب. وسئل ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن مداواة الرجل المرأة فأجاب: «إن ذهاب المرأة إلى الطبيب عند عدم وجود الطبيبة لا بأس به، وقد ذكر أهل العلم أنه لا بأس به، ويجوز أن تكشف للطبيب كل ما يحتاج إلى النظر إليه؛ إلا أنه لا بد أن يكون معها محرم وبدون خلوة من الطبيب بها لأن الخلوة محرمة؛ وهذا من باب الحاجة؛ وقد ذكر أهل العلم ـ رحمهم الله ـ أنه إنما أبيح مثل هذا؛ لأنه محرم تحريم الوسائل؛ وما كان محرماً تحريم الوسائل فإنه يجوز عند الحاجة إليه»(4).
* مداواة المرأة الرجل:
يتساهل بعض المرضى (الرجال) وبعض الطبيبات (ومن في حكمهن من العاملات في المجال الصحي) في أمر مداواة المرأة الرجل دون ضرورة ملجئة، وقد تباشر الطبيبة(5) عورة الرجل المريض بالنظر واللمس المتكرر.(/2)
وإن كان من الرجال من يرفض ذلك فإن منهم من لا يمتنع عن ذلك؛ إما لأنه لا يرى في ذلك حرجاً، أو يظن ذلك يباح ما دامت الطبيبة هي المتواجدة الآن حتى وإن كانت حالته ليست خطرة مستعجلة، ومنهم من قد يستأنس بذلك (ممن ضعف إيمانه أو مروءته). ولو امتنع المريض الذكر البالغ عن أن تباشره امرأة لتيسر له ولمن بعده تخصيص أطباء رجال يقومون بذلك (في أي قطاع صحي كان) كيف لا وأفواج الأطباء قد تتابعت وشملت تخصصات الطب جميعها حتى أمراض النساء والولادة؛ فهل من العقل والحكمة والخُلُق (فضلاً عن الدين والشرع) أن يباشر توليد نساء المسلمين رجال (وربما كانوا نصارى أو مجوساً ونحو ذلك) في الوقت (وربما في المكان أيضاً) الذي يتولى فيه فحص عورات الرجال نساء؟!
* الاستشفاء بالقرآن:
قال الله ـ تعالى ـ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إلاَّ خَسَارًا} [الإسراء: 82].
قال ابن الجوزي(1): «{مِنَ} ها هنا لبيان الجنس، فجميع القرآن شفاء، وفي هذا الشفاء ثلاثة أقوال: أحدهما: شفاء من الضلال لما فيه من الهدى، والثاني: شفاء من السَّقم لما فيه من البركة، والثالث: شفاء من البيان للفرائض والأحكام».
وقال ابن القيم(2): «فلم ينزل الله ـ سبحانه ـ من السماء شفاءً قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن».
وقد ثبت في الصحيح(3): أن أحد الصحابة رقى بالفاتحة سيد حي من أحياء العرب لدغته عقرب فكأنما نشط من عقال وانطلق يمشي، فهذا في الأمراض الجسدية، وأما في العلل العقلية والنفسية فقد أخرج الترمذي(4) حديث الصحابي الذي مرّ على قوم عندهم رجل مجنون موثّق بالحديد فرقاه بفاتحة الكتاب ثلاث أيام غدوة وعشية فبرأ.
* هل الرقية محصورة في أناس دون غيرهم؟
يظن كثير من الناس أن الرقية لا تنفع إلا إذا كانت من راق مختص بها، وأن المريض إذا كان ذا ذنوب ومعاصٍ فلا ينتفع برقيته على نفسه، أو أن للرقية طريقة معقدة مفصلة لا تعرف إلا بدراسة خاصة أو خبرة معينة؛ ولذا فإن كثيراً منهم يذهب يطلب الرقية عند الرقاة وقد يسافر إليهم في بلاد بعيدة ويظن أن الرقية من هؤلاء لها شأن مختلف من حيث قوة التأثير وسرعته.
ويحمل كثير من الناس الاستشفاء بالقرآن والرقية الشرعية على أنفسهم.
والصواب أن الرقية ليست محصورة في أناس دون غيرهم، وكلما قوي تضرع المريض إلى الله ـ تعالى ـ صار مظنة الاستجابة وقد قال الله ـ تعالى ـ: {أّمَّن يٍجٌيبٍ المٍضًطّرَّ إذّا دّعّاهٍ ويّكًشٌفٍ السٍَوءّ} [النمل: 26].
ولا بأس أن يرقي المسلم أخاه المسلم فينفعه بذلك، وأن يذهب الشخص لمن يتوسم فيه الصلاح والتقى فيطلب منه الرقية، ولكن الأوْلى أن يرقي المسلم نفسه بنفسه ويطلب الشفاء من الله ـ تعالى ـ مباشرة (دون وسائط)؛ وهذا أدعى للقبول والاستجابة وهو ما كان عليه السلف(5)، وما يوصي به ويؤكده العلماء في القديم وفي عصرنا هذا ويؤجر عليه المرء إذا صدقت نيته فيبقى له الأجر وإن فاته الشفاء.
* احتمال تقديس الراقين:
قال ابن عثيمين: «لكن إذا كان الشفاء بالقراءة الشرعية فإن التقديس للإنسان أكثر توقعاً مما لو كان بغير ذلك؛ لأنه ربما يعتقد أن لهذا المعالج منزلة عند الله عز وجل، وأنه في ظل هذه المنزلة فقد كتب الله الشفاء على يديه؛ لكن الواجب أن يعلم الإنسان أن القراءة هي سبب للشفاء والدواء الذي حصل به الشفاء إنما هو سبب والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو المسبِّب، وأن الإنسان ربما يفعل الأسباب فتوجد موانع تمنعه من تغييرها؛ فالأمر كله بيد الله سبحانه»(6).
* إقامة مراكز خاصة بالرقية الشرعية:
سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن جواز إقامة مركز خاص بالرقية الشرعية فأجاب: «الرقية الشرعية الأوْلى ألا يتوسع فيها التوسع الزائد، وإنما الأمر متروك لكل فرد يحسن الرقية أن يرقي، وأما وضعها كمركز صحي أو نحو ذلك فهذا مبالغة فيها؛ وقد تكون سبباً لإخراجها عن شرعيتها»(7).
* الرقية بمكبرات الصوت وعبر الهاتف وعلى مجموعة من الناس:
في بعض البلدان التي يعتمد فيها بعض الناس على الرقى، يتزاحم الناس كثيراً عند بعض المشهورين من القرَّاء، ممَّا يجعله يقرأ عليهم الأوراد باستخدام مكبرات الصوت، وقد ورد سؤال عن ذلك إلى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية(8) فكان الجواب: «الرقية لا بد أن تكون على المريض مباشرة ولا تكون بواسطة مكبر الصوت ولا بواسطة الهاتف؛ لأن هذا يخالف ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(9).(/3)
وسئل عن ذلك ابن باز ـ رحمه الله ـ فأجاب: «هذا لا أصل له ولا أساس في الشرع، إنما الأصل في القراءة أن ينفث على المريض: على يده، وعلى صدره، وعلى وجهه، وعلى رأسه، وألا ينفث في الهواء والناس بعيدون عنه؛ فكل مريض بحسبه أن يقرأ في ماء يشربه أو يستحم به المريض. أما ما يفعله بعض الناس عن طريق المكبرات فلا أصل له ولا نعلمه مما جاء به الشرع أو فعله المسلمون؛ فالواجب تركه. ويقرأ المريض آية الكرسي وبعض الأدعية المعروفة بالرقية الشرعية حتى ولو لم يكن هناك إطالة في القراءة. فلا حاجة للمكبرات أو جمعهم بصالة؛ فهذا مما لم يُعلَم بالشرع ولم يفعله السلف فيما نعلم، بل هذا بِدعٌ اخترعها بعض أهل هذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله»(1).
* جهاز التسجيل والرقية:
ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية سؤال عن تشغيل جهاز التسجيل على آيات من القرآن لعدة ساعات عند المريض وانتزاع آيات معينة تخص السحر وأخرى للعين وأخرى للجان؛ فأجابت اللجنة: «تشغيل جهاز التسجيل بالقراءة والأدعية لا يغني عن الرقية؛ لأن الرقية عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية حال أدائها ومباشرة للنفث على المريض؛ والجهاز لا يتأتى منه ذلك»(2).
* هل للراقي مس شيء من بدن المرأة وقياس ذلك على عمل الطبيب؟
ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية سؤال حول مس الراقي جسد المرأة بحجة التضييق والضغط على ما فيها من الجان(3)؛ بحجة أن مثل هذا اللمس يحصل من الأطباء في المستشفيات، فأجابت اللجنة: «لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة، وإنما يقرأ عليها بدون مس، وهناك فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب؛ لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد أن يعالجه؛ بخلاف الراقي؛ فإن عمله وهو القراءة، والنفث لا يتوقف على اللمس»(4).
* جعل الرقية وسيلة تشخيص:
قد جعل الله ـ تعالى ـ الرقية المشروعة سبباً من أسباب الشفاء ينفث بها الراقي على المريض أياً كان المرض وسببه، سواء عُلم أم لم يعلم؛ فهي تضرُّع إلى الله ـ تعالى ـ وطلب منه أن يكشف المرض ويرفع الضر، ولم يجعلها الله ـ تعالى ـ وسيلة للتشخيص وطريقة لاختبار أسباب المرض كما يفعله بعض الرقاة اليوم ممن توسعوا في تنويع طريقة الرقية والآيات المستخدمة فيها على نحو يريدون من خلاله الوصول إلى معرفة سبب المرض (أهو عين أم مس أم سحر)، ولذا كثر اختلافهم فيما بينهم في الحالة الواحدة؛ بل إن الراقي قد يشخص اليوم تشخيصاً ينقضه في غده، ثم ينقضه أخرى؛ وذلك لأجل اعتماده على تأثر المريض بآيات دون غيرها في كل مرة، وجعل ذلك وسيلة لتشخيص المرض؛ فإن تأثر المريض عند قراءة آيات السحر شُخّص بأنه مسحور، وإن تأثر عند قراءة ما يتعلق بالعين شُخّص بأنه مصاب بعين، وهكذا مع المس؛ وإن تأثر بذلك كله شُخّص بأنه مصاب بالثلاثة (سحر، وعين، ومس).
* من قضايا العين والصرع والوساوس:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق، ونهى عن الوشم»(5).
وقال صلى الله عليه وسلم: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»(6).
قال ابن حجر قوله: «باب العين حق» أي: الإصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه»(7).
قال المازري: «أخذ جماهير العلماء بظاهر هذا الحديث وقالوا: العين حق، وأنكره طوائف من المبتدعة، والدليل على فساد قولهم أن كل معنى ليس مخالفاً في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فإنه من مجوزات العقول إذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه، وهل من فرق بين تكذيبهم بهذا وتكذيبهم بما يخبر به من أمور الآخرة؟»(8).
ونقل ابن حجر عن المازري قوله: «زعم بعض الطبائعيين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد وهو كإصابة السم من نظر الأفاعي، وأنه أشار إلى سنح الحصر في ذلك مع تجويزه، وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة: أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله ـ تعالى ـ أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر، وهل ثم جواهر خفية أولاً؟ هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه»(1).
فالعين تصيب الإنسان في صحته وماله وغير ذلك وتأثيرها بقدر الله ـ تعالى ـ وليس في الأدلة الشرعية حصر أعراض محددة للعين لا نفسية ولا جسدية.(/4)
وقد بالغ كثير من الناس في زماننا هذا في عزو كثير من الأمراض (الجسدية والنفسية) إلى العين وجاؤوا بأمور لم يذكرها أحد من أهل العلم من سلف الأمة منها ما هو في طريقة التشخيص ومنها ما هو في طريقة العلاج، فمن ذلك أنهم جعلوا من علامات الإصابة بالعين بكاء المريض عند الرقية أو شعوره بالقلق والتوتر والانزعاج أو التنميل في جلده أو الحرارة أو البرودة في أعضائه. وهذه التغيرات النفسية والجسدية تحصل لكثير من المرضى بحالات نفسية سواء مع الرقية أو بدونها بل إن بعضهم يشعر بشيء من ذلك قبل الرقية «بمجرد حضوره في مكان الرقية»، وهذا يختلف باختلاف طبائع الناس، فيكثر ذلك لدى الأشخاص ذوي القلق والتوتر والكآبة.
والرقية «بما فيها من آيات وأدعية» تحرك المشاعر وتؤثر في أعماق النفس وقد يتفاعل المريض «ولا سيما المكتئب والقلق» فيبكي أو يزداد قلقه بعض الشيء ثم يخفف ذلك أو يزول بعد الرقية مما يجعل المريض يتصور أن هذا من علامات العين وقد قال الله ـ جل وعلا ـ: {اللَّهٍ نّزَّلّ أّحًسّنّ الحّدٌيثٌ كٌتّابْا مٍَتّشّابٌهْا مَّثّانٌيّ تّقًشّعٌرٍَ مٌنًهٍ جٍلٍودٍ الذٌينّ يّخًشّوًنّ رّبَّهٍمً ثٍمَّ تّلٌينٍ جٍلٍودٍهٍمً وقٍلٍوبٍهٍمً إلّى ذٌكًرٌ اللَّهٌ} [الزمر: 32].
* دوافع تصنع بعض الناس العين أو توهمها:
1 - تسويغ الفشل والإخفاق «في الدراسة أو العمل أو الزواج...» بمسوغ مقبول عند الناس وإلقاء اللوم على الغير «المتسبب في العين المزعومة».
2 - جلب الاهتمام الزائد من قبل الأهل والأقارب ونحوهم، فكثير من الزوجات لا يجدن من أزواجهن اهتماماً كافياً كما يجدنه إذا توهمن الإصابة بالعين؛ فبعضهم يمكث معها فترات طويلة يقرأ عليها أو يتنقل بها بين من يقرؤون عليها، وكذلك بعض الأمهات، ومثل هؤلاء ليست العافية في صالحهن؛ فسرعان ما يهملها الزوج أو الأبناء إذا عادت صحيحة؛ ولذا فأكثرهن تبقى على حالتها تلك السنوات الطوال وتوهم غيرها أن ما أصابها إنما هو بسبب نفس خبيثة جداً تحتاج إلى زمن طويل وجهد جهيد من الرقاة.
3 - الافتخار المبطن المغلَّف، فقد تعارف الناس أنه لا يكاد يصاب بالعين إلا ذو نعمة «من مال أو جاه أو علم أو ذكاء أو نحو ذلك» مما تتطلع إليه أعين الناس، فكأن الشخص بتوهمه الإصابة بالعين يقول لغيره ولنفسه بلسان الحال: «ما أصابتني العين إلا لشيء عندي من التميز ليس عند غيري مما جعل غيري يحسدني».
4 - الهرب من الاعتراف بالمرض النفسي «وما يتبع ذلك من العلاج النفسي بالأدوية ومراجعة العيادات النفسية»، فقول الناس أنت مصاب بعين أهون من قولهم أنت مريض نفسي ولا سيما إذا كان الشخص ذا قدر اجتماعي وفيه أنفة خصوصاً وأن صورة المرض النفسي في بعض المجتمعات مشوهة وكثيراً ما يظن الناس أن المريض نفسياً هو مجنون.
وقد أدت المبالغة في توهم العين إلى مشكلات اجتماعية وخلافات بين الناس ولا سيما الأقارب والأصدقاء، وذلك لما يترتب على الاتهامات من مشاحنات وبغضاء.
* المس والصرع وضرب المريض:
قال الله ـ تعالى ـ: {الذٌينّ يّأًكٍلٍونّ الرٌَبّا لا يّقٍومٍونّ إلاَّ كّمّا يّقٍومٍ الذٌي يّتّخّبَّطٍهٍ الشَّيًطّانٍ مٌنّ المّسٌَ} [البقرة: 572].
قال القرطبي: «في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس»(2).
وقال ابن كثير: «أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنه يقوم قياماً منكراً»(3).
فالآية أثبتت أن الشيطان يمس الإنسان ويحعله يتخبط وهذا لا يقتضي حصر التخبط والصرع في المس؛ فليس كل صرع يكون بسبب المس؛ وقد بوب البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه في كتاب الطب باباً عنوانه: «باب فضل من يصرع من الريح» وساق فيه حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في المرأة السوداء التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «إني أُصرَع وإني اتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك؟ فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها»(4).
قال ابن حجر: «قوله (باب فضل من يصرع من الريح) انحباس الريح قد يكون سبباً للصرع وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعاً غير تام... وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصباً؛ بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة»(1).
قال ابن القيم: «الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه، وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه»(2).(/5)
وبعض من يعالجون بالرقية يقومون بضرب المريض (مع ربطه أو خنقه) لطرد الجن، وقد سئل عن هذا الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ فأجاب: «هذا يفعله بعض الناس والذي ينبغي تركه؛ لأنه قد يتعدى عليه وقد يضره على غير بصيرة، ولقد ورد عن بعض الأئمة فعل مثل ذلك الضرب وهذا يحتاج إلى نظر؛ فإن الخنق والضرب قد يترتب عليه هلاك المريض؛ والمشروع والمعروف هو القراءة فقط بالآيات والدعوات الطيبة، وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ولا نعرف منهم أنهم كانوا يضربون، أما فعل بعض العلماء فليس بحجة؛ لأن هذا فيه نظر؛ فقد يأتي إنسان يدعي الرقية والطب ويؤذي الناس بالضرب والخنق وربما قتله وهو يريد نفعه؛ فالواجب عدم فعل ذلك وعدم التعرض لهذا الخطر العظيم، ولو كان خيراً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وبينه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ثم هذا في الغالب تخرصات؛ فقد تفضي إلى هلاك المريض»(3).
ولأنه لم يرد نهي عن استعمال الضرب فقد استعمله بعض الأئمة كما نقل ذلك ابن القيم عن شيخه ابن تيمية رحمهما الله. وقال ابن تيمية: «فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله»(4).
وهذا أدى بكثير من الرقاة إلى ضرب العديد من المرضى ضرباً شديداً «معولين على كلام ابن تيمية» ظناً منهم أن هذا الضرب لا يقع على المريض وإنما يقع على الجن مما أدى ببعض الحالات إلى الوفاة أو الإصابات الخطيرة(5). والحاصل أن ضرب المريض لا ينبغي وذلك لعدة أمور هي:
1 - لم يثبت بذلك شيء من الكتاب ولا السنة ولو كان فيه خير لسبقنا إليه السلف بل لدلنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كيف لا وهو أحرص الناس على نفع أمته وأرحم العباد بالعباد وقد أرشد أمته إلى أنواع من الأدوية الشرعية والحسية «كشرب العسل والحجامة والكي».
2 - إذا لم ينتفع المريض بالرقية الشرعية «وهي أقوى شيء على الشياطين إذا صدرت من قلب مؤمن ونية صادقة» فمن باب أوْلى ألا ينتفع بالضرب مهما كان قوياً.
3 - لا أحد يستطيع أن يجزم قاطعاً أن الضرب لا يقع على جسد هذا المريض وإنما يقع على الجان، وليس في ذلك سوى الظن الذي كثيراً ما يُخطئ فيقع ضحيته أناس مرضى، لا يعلم الذي ضربهم عظم معاناتهم بسبب شدة الضرب.
4 - إن حادثة واحدة (أو أكثر) وقعت لبعض الأئمة (كابن تيمية) لا ينبغي أن تجعل شرعاً وسنة يؤذى على ضوئها عدد غفير من المرضى ولو كان ابن تيمية في هذا العصر وعلم ما يحصل من الضرر والأذى على المرضى فلربما منع الضرب وقد كان من أعلم الناس وأحكمهم وأعرفهم يقتدون به في باقي خصاله من العلم والعمل والصدق والإخلاص.
5 - إذا لم تُجد مع المريض الرقية الشرعية وحدها واحتاج الراقي أن يضم إليها شيئاً من أنواع العلاجات فالأوْلى والأحكم أن يطلب أن يُضم إليها شيء من العلاجات الطبية الحديثة التي جربت ونفعت بإذن الله، وثبت تأثيرها الإيجابي وانتفى خطرها على البدن والروح «وإن كان لها بعض الآثار الجانبية اليسيرة» لا أن يُصار إلى الضرب المبرح المتحقق الضرر.
6 - ثبت بالمشاهدة أن كثيراً من المرضى الذين ليس فيهم جن إذا ضربوا ضرباً مبرحاً «خصوصاً إذا كانوا مربوطين ولا يستطيعون التخلص» فإن الواحد منهم سرعان ما يقول بلسان نفسه إنه جني ويعاهد على الخروج من أي مكان يريد القارئ، وهدفه أن يتخلص من الضرب الشديد الذي صار أشد عليه من أن يقال له مجنون.
7 - هناك أمراض نفسية عصبية «الهستيريا التحولية بأشكالها» يحصل فيها فقد تام أو شبه تام للإحساس بالألم والحرارة وسائر أنواع الإحساس؛ بحيث قد لا يحس المريض حتى بأشد أنواع الضرب «وبعضهم يتمزق بعض جلده ويخرج منه الدم وهو لا يحس» فيظن المعالج الذي يضرب المريض أن هذا بسبب الجن والحالة نفسية عصبية معروفة قد تزول بإبرة مهدئة تعيد المستقبلات العصبية إلى عملها فيعود إحساس المريض خلال دقائق؛ وهذا مشاهد في كثير من الحالات النفسية.
وبعض المرضى يكون في حالة شبه إغماء فيبالغ المعالج في ضربه حتى يفيق، وقد زالت عنه الحالة (لأنها عادة لا تدوم سوى ساعات أو أقل) فيظن المعالج (وربما المريض أيضاً) أن هذا كان بسبب المس، وأن الجني خرج بالضرب. وهؤلاء غالباً ما تعاودهم الحالة مرات ومرات وكل مرة يزعمون أن بهم مساً جديداً.
* الزار:
نوع من أنواع الصرع يصاب به بعض المرضى (والغالبية منهم نساء).
ويتكرر فيه نوبات من الاضطرابات العقلية النفسية تؤثر في تصرفات المريض ومزاجه ويصعب معرفة سببها هل هي مس من الجن أو مرض عصبي أو نفسي بحت.(/6)
وقد يطلق «الزار» على الطريقة التي يستخدمها بعض الناس في علاج هذه الحالة، وهي نوع من الاحتفال يكون فيه شيء من الطرب والصخب والرقص يشارك فيه المريض وشخص يعالجه من خلال طقوس معينة يتأثر من خلالها المريض بما حوله إلى أن يصبح في حالة تشبه الغيبوبة فيأخذ بالهذيان فيتكلم عن مشكلته (بينه وبين المعالج) ولا يخلو هذا المعالج في الغالب من بعض الشركيات، وقد يطلب من أهل المريض طلبات فيها شرك (كالذبح لغير الله ونحو ذلك) ويزعم أن مريضهم لن يشفى إلا بذلك وأن هذه الطلبات أملاها عليه المس الذي في مريضهم «وقد يكون المعالج رجلاً والمريضة امرأة فيخلو بها فترة يحصل فيها ما لا تحمد عقباه وقد تتواطأ معه المريضة على ذلك».
وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية(1)، من رجل أصيبت امرأته بتلك الحالة (الزار) وكانت تعالجها امرأة تطلب منها ذبح خروف ليتم الشفاء، فأجابت اللجنة: «الذبح لغير الله ـ تعالى ـ شرك أكبر، ولقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح لغير الله؛ فلا يجوز لك الذبح المذكور لعلاج مرض زوجتك، والعلاج المشروع يكون بالأدوية المباحة والرقية الشرعية وقراءة القرآن والأدعية المشروعة. وعليك مناصحة زوجتك ودعوتها إلى ترك الذبح لغير الله وأن تسلك في علاجها من مرضها ما هو مشروع. يسر الله لها الشفاء والهداية؛ وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم».
* الأمراض النفسية وأدويتها:
هل أسبابها محصورة في العين والسحر والمس:
يحصر كثير من الناس أسباب العلل النفسية في العين والسحر والمس، ويرجعون إلى هذه الأمور الثلاثة معظم ـ إن لم يكن كل ـ العلل النفسية والعقلية التي تصيب ابن آدم، ويتجاهل كثير من الناس دور العوامل الأخرى التي قد تسبب الأمراض النفسية وهي كثيرة ومتنوعة.
فالوراثة لها دور كبير في عدد من الأمراض النفسية كالفصام العقلي، واضطرابات الوجدان، ونوبات الهلع، والوسواس القهري، وغير ذلك مما أوضحته دراسات عالمية علمية متعددة. وكذا الضغوط الاجتماعية والمادية والنفسية لها دور في ذلك (كشقاق الوالدين وانفصالهما، وخلافات الأبناء مع الآباء، والخلافات الزوجية، ونحو ذلك). والأمراض الجسدية العضوية سواء أثرت على الدماغ مباشرة (كأورام والتهابات الدماغ) أو أثرت على بعض الأعضاء الحيوية (كالقلب أو الكبد أو الكلى أو الرئتين) وغير ذلك.
المؤمن عرضة للابتلاء (لتكفير الذنوب ورفعة الدرجات) وقد يصيبه المرض النفسي كغيره من الناس إذا وجدت أسباب المرض وليس في ذلك عار عليه ولا عيب؛ وإن توهم كثير من الناس اليوم أن المرض النفسي إنما يعكس عيباً في شخصية المريض وسلوكه أو في تدينه وإيمانه؛ ولا شك أن للإيمان بالله ـ تعالى ـ دوراً كبيراً في قوة النفس ورفع درجة صبرها وتحملها وتخفيف معاناتها.
هل يُكتفَى بالرقية في علاج الحالات النفسية؟ وهل يجوز التداوي بالأدوية النفسية؟
الرقية الشرعية سبب عظيم من أسباب الشفاء للأمراض كلها (نفسية وجسدية) ولا تعارض الرقية الأسباب الأخرى المباحة والتي منها الأدوية النفسية. والعبد مأمور ببذل الأسباب المباحة (سواء كانت شرعية أو طبية) وقد أباحت الشريعة التداوي للعلل النفسية بالمباح من الأطعمة والأدوية؛ ويشهد لهذا الحديثُ الصحيحُ: «التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن»(2) والتلبينة نوع من الطعام (حساء من دقيق وعسل).
* الوساوس:
قال الله ـ تعالى ـ: {ولّقّدً خّلّقًنّا الإنسّانّ ونّعًلّمٍ مّا تٍوّسًوٌسٍ بٌهٌ نّفًسٍهٍ ونّحًنٍ أّقًرّبٍ إلّيًهٌ مٌنً حّبًلٌ الوّرٌيدٌ} [ق: 61]. قال ابن كثير في تفسيرها: «يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر»(3).
وقال ـ تعالى ـ: {مٌن شّرٌَ الوّسًوّاسٌ الخّنَّاسٌ * الذٌي يٍوّسًوٌسٍ فٌي صٍدٍورٌ النَّاسٌ * مٌنّ الجٌنَّةٌ والنَّاسٌ} [الناس: 4 - 6]. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسيرها: «الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس»(1).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم! قال: ذاك صريح الإيمان»(2).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلْقُ الله؛ فمن خَلَق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله»(3).
قال النووي: «استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان؛ فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك»(4).(/7)
وقال ابن سعدي: «ولكنَّ ما مع المؤمن من الإيمان واليقين ينفي ذلك، ويكرهه أشد الكراهة فلا يزال يكرهه ويدفعه حتى يستقر الإيمان في القلب صافياً من الأكدار، سالماً من الشبهات، فهذا صريح الإيمان الذي نفى الشبهات والشكوك»(5).
ونقل النووي عن المازري قوله: «الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تُدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة؛ فكأنه لما كان أمراً طارئاً بغير أصل دفع بغير نظر في دليل؛ إذ الأصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم»(6).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به»(7).
والوساوس أنواع ودرجات منها ما هو طفيف يسير ليسهل طرده من الذهن والإعراض عنه بالاستعاذة بالله ـ تعالى ـ من الشيطان الرجيم وهذا لا يعد من الأمراض النفسية أو العقلية وهو موجود لدى كثير من الناس.
* الوساوس القهرية:
قد يصل الوسواس ببعض الأشخاص(8) إلى درجة المرض النفسي العقلي حيث تلح عليه الوساوس بقوة لا يستطيع التخلص منها رغم الاجتهاد الشديد في الإعراض عنها والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم مراراً وتكراراً؛ ورغم قناعته التامة أن الوساوس (بما فيها من أفكار أو صور ذهنية) خطأ ولا يوافق العقل فيظل ضميره يتألم ولا يخبر بذلك أحداً ولا يقدر على التخلص من الوساوس القاهرة التي استحوذت على تفكيره معظم وقته، ومنهم من يصيبه اكتئاب شديد لأجل ذلك، وقد ينعزل عن الناس وربما ترك دراسته أو عمله أو تجارته، وقد يسترسل مع الوساوس ويتوهم صدقها؛ فمنهم من يظن أنه يكفر بذلك فيذهب يغتسل ويتشهد ليجدد دخوله في الدين كل يوم «مرة أو مرتين أو أكثر» وبعض النساء تمتنع عن زوجها في الفراش ترى أنها كفرت بذلك، فهذا مرض شديد لا بد من علاجه بالأسباب المشروعة الشرعية والحسية الطبية .
وقد أوضحت الدراسات الطبية العصبية(9) وجود خلل في النواقل العصبية في بعض مناطق الدماغ يُضعف قدرة الدماغ على مقاومة الوساوس الذهنية (كالأفكار العقدية) والعملية (كوساوس النظافة والعبادات) مما يجعل الشخص غير قادر على متابعة تفكيره وتصرفاته بالصورة السليمة، وقد تم تصنيع أدوية نفسية متعددة تفيد كثيراً في علاج الوساوس القهرية وتقوي قدرة الدماغ على تتابع الأفكار السليمة وطرد الأفكار العقيمة وما معها من مشاعر مؤلمة. وهذه الأدوية أجازتها الهيئات الصحية العالمية بعد دراسات مستفيضة أثبتت فاعليتها الطبية، وليس فيها مواد مخدرة أو مسكرة، ولا تؤدي إلى الإدمان، وقد أفتى بجواز استعمالها عدد من أهل العلم منهم الشيخ ابن عثيمين(01) رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان(11).
وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية من شخص لديه وساوس عقدية فكان من جواب اللجنة: «ادفع عنك الوساوس والخواطر الخبيثة واستعذ بالله منها، وأكثر من ذكر الله وتلاوة القرآن ومخالطة الأخيار، وعالج نفسك عند دكتور الأمراض النفسية والعصبية، واتق الله ما استطعت، والجأ إليه في كل ما أصابك...»(21).
وعلى المسلم أن يبني على اليقين «وهو أنه مسلم موحد» وأن لا يعتد بالشك الطارئ مهما كان قوياً؛ لأن اليقين لا يزول بالشك والأصل براءة الذمة.
--------------
(*) جامعة الملك سعود بالرياض، كلية الطب، فرع الطب النفسي.
(1) اللام في قوله ـ تعالى ـ: {ليعبدون} لبيان الغاية المرادة وليست لإيجاب تحقيقها، وإلا فأكثر الخلق لا يعبدون الله ـ تعالى ـ مع أنه ـ سبحانه ـ خلقهم لعبادته.
(2) فتاوى ابن تيمية، جمع ابن قاسم، ج 41، ص 662.
(3) رواه مسلم. (4) رواه البخاري.
(5) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. (6) الموافقات في أصول الشريعة، الشاطبي، دار المعرفة، ج 2، ص 051.
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، مؤسسة الرسالة، ج 4، ص 41 ـ 61.
(2) مجلة الدعوة، العدد 4651، 91/6/7141هـ.
(3) فتاوى ابن عثيمين، جمع أشرف عبد المقصود، دار عالم الكتب، 2141هـ، ج1، ص 141.
(4) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(5) مجلة الدعوة، عدد 8851، تاريخ 01/21/7141هـ، (وسبق نشرها في مجلة البحوث الإسلامية، عدد 53، ص 69).
(6) أخرجه مسلم بلفظ: «من أكل سبع تمرات، مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي»، والبخاري: «من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر».
(7) حاشية الروض المربع، ابن قاسم، ج 3، ص 8. (8) رواه البخاري في كتاب الأشربة.
(9) الفتاوى، ابن تيمية، ج 81، ص 21. (01) قرار رقم 86/5/5، المؤتمر السابع، جدة 2141هـ.
(1) الشرح الممتع على زاد المستقنع، ابن عثيمين، مؤسسة آسام، ج 5، ص 103.(/8)
(2) الشرح الممتع، ابن عثيمين، ج 5، ص 203، وحاشية الروض المربع، ابن قاسم، ج 3، ص 01.
(3) المؤتمر الثامن في بروناي دار السلام، محرم 4141هـ.
(4) جريدة الرياض، عدد 6659.
(5) قد تلزم طالبات الطب والطبيبات المتدربات في أقسام الجراحة بفحص عورة الرجل قائماً ومستلقياً، وكأن ذلك أمر لا يكون الطب إلا به وبتكراره مع غض النظر عن مراعاة الشرع وأحكامه، وكثير منهن يكرهن ذلك ولكن يفعلنه خشية أن يمنعن من اجتياز المادة أو الدورة التدريبية، وليس في أنظمة التعليم ـ فيما أعلم ـ ما يجبر الطالبة على مثل ذلك ولا سيما إذا كان امتناعها نابعاً من دافع الحياء والأخلاق والدين، ويمكن أن يتم تخريج طبيبات متمكنات في فروع كثيرة في الطب دون الحاجة إلى مثل ذلك.
(1) زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، دار الفكر، ج 5، ص 65.
(2) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم، دار الكتب العلمية، ص 4.
(3) عند البخاري ومسلم. (4) وصححه الألباني.
(5) جاء رجل إلى مالك بن دينار فقال له: «أنا أسألك بالله أن تدعو لي؛ فأنا مضطر» قال: «إذن؛ فاسأله؛ فإنه يجيب المضطر إذا دعاه»، تفسير القرطبي، ج 31، ص 322.
(6) مجلة الدعوة، 42/4/5141هـ. (7) جريدة الرياض، 01/01/1241هـ.
(8) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتوى رقم 16302، الفقرة السادسة والثامنة، بتاريخ 71/4/9141هـ، ونشرتها مجلة الدعوة في 61/11/9141هـ.
(9) رواه البخاري، ح/ 9942.
(1) جريدة الجزيرة، 3/8/ 7141هـ.
(2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتوى رقم 16302، الفقرة السادسة والثامنة، بتاريخ 71/4/9141هـ، ونشرتها مجلة الدعوة في 61/11/9141هـ.
(3) هذا من تلبيس إبليس على بعض الرقاة حتى وصل ببعضهم التمادي في مثل ذلك إلى النفث في فم المرأة عن قرب، وبعضهم ينفث في أنبوب طرفه الآخر بين فخذي المرأة العقيم، وحدثتني مريضة أن أحدهم يضغط علي رقبتها بعضده وساعده ويضمها إلى جنبه وهو ينفث عليها وشفتاه عند خدّها ويمكث هكذا مدة طويلة. وآخر يقرأ على بطن المرأة العقيم ويمر بيده على بطنها ويحركها من السرة إلى العانة، وأما القبض على الناصية ومسك الأذن فهذا كثير جداً عند الرقاة اليوم!!
(4) فتاوى اللجنة، فتوى رقم 16302 (الفقرة الثالثة) بتاريخ 71/4/9141هـ.
(5) رواه البخاري، ح/ 9925. (6) رواه الترمذي، ح/ 8891.
(7) فتح الباري، ج 01، ص 302. (8) صحيح مسلم بشرح النووي، دار الفكر، 1041هـ، ج 41، ص 171.
(1) فتح الباري، ج 01، ص 002.
(2) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت 8041هـ، ج 3، ص 553.
(3) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق خليل الميس، دار القلم، بيروت.
(4) رواه البخاري، ح/ 0225.
(1) فتح الباري، ج 01، ص 411، ومع تقدم العلوم الطبية في مجال أمراض الدماغ والأعصاب عرفت أنواع عديدة من الصرع تعود إلى خلل في كهرباء الدماغ يؤثر في أعضاء البدن ولها أدوية تنظم كهرباء الدماغ فتمنع الصرع بإذن الله.
(2) زاد المعاد، ابن القيم، تحقيق الأرنؤوط، ج 4، ص 66. (3) مجلة الدعوة، عدد 3451، 31 محرم 7141هـ.
(4) الفتاوى، ج 42، ص 772.
(5) وهذا أمر متكرر في كثير من الحالات النفسية وقد يصل الأمر إلى القضاء. ومن المعالجين من يستخدم الكهرباء (خط 011 أو 022 فولت) ظناً منه أن هذا هو العلاج بالجلسات الكهربائية الذي يستخدم في الطب النفسي وله نتائج جيدة.
(1) فتاوى اللجنة، جمع الشيخ أحمد الدويش، ج 1/ 621. (2) رواه البخاري، ح/ 7994.
(3) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، دار السلام، الطبعة الثانية، 1241هـ، ص 9031.
(1) المرجع السابق، ص 4451. (2) رواه مسلم، ح/ 881.
(3) رواه البخاري، ح/ 2576. (4) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 1، ص 215.
(5) الفتاوى السعدية، المؤسسة السعيدية، ص 98، المسألة السادسة والعشرون. (6) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 1، ص 415 ـ 515.
(7) رواه مسلم، ح/ 181.
(8) وفي العيادات النفسية من ذلك كثير من الحالات وكثير منهم من أهل الخير والصلاح وبعضهم من طلبة العلم الأخيار (ولا نزكي على الله أحداً).
(9) المجلة البريطانية للطب النفسي 8991م، مجلد 371، ملحق 53، ص 62 ـ 73 (فيها مراجعة لكثير من الدراسات الدقيقة في مجال الوسواس القهري بشتى أنواعه).
(01) فتوى شخصية مسجلة بشريط كاسيت بتاريخ 02/2/0241هـ. (11) فتوى أذيعت في برنامج نور عى الدرب بإذاعة القرآن الكريم في 6/21/0241هـ.
(21) فتاوى اللجنة، جمع الشيخ أحمد الدويش، فتوى رقم 4567.
موقع مجلة البيان
http://www.albayan-magazine.com/bayan-176/176-03.htm(/9)
مسلمو الصين.. هل يكونون شركاء في النهضة؟
الرياض/ عبد الله أبا الخيل
تاريخ المسلمين في الصين قديم قدم الإسلام؛ إذ تشير المصادر إلى أن الإسلام دخل الصين رسميا عام 29هـ، ومنذ ذلك الحين قامت للمسلمين عدة دول فيما يسمى الصين حالياً أو تركستان الشرقية والغربية.
ولا توجد أرقام واضحة لعدد المسلمين في الصين حيث تصرح الحكومة الصينية أن عدد المسلمين لا يتجاوز (24) مليون مسلم، بينما أقل الإحصاءات الأخرى تشير إلى أن عدد المسلمين في الصين لا يقل عن (50) مليوناً قبل (10) سنوات، وإحصاءات أخرى تشير إلى أن عدد المسلمين يتجاوز مائة مليون نسمة.
وينحدر المسلمون الصينيون من قوميتين رئيستين:
التركستانيون، ويرجعون إلى العرق التركي ومعظمهم من الإويغور، وموطنهم الأصلي تركستان الغربية (أذربجيان – تركستان- تركمانستان.
والمسلمون الصينيون؛ إذ يعتنق الإسلام أكثر من عشر عرقيات من أصل (56) عرقية تتوزع في الصين، منها تونجان كانسو ونينغ سيا، ويقيم أكثرهم في تركستان الشرقية (سينكيانغ) وإقليم شانج يانج.
المسلمون والصراع مع الشيوعية
عانى المسلمون في الصين من اضطهادات بالغة البشاعة من النظام الشيوعي القائم، وخصوصاً في عهد مؤسس الصين الشيوعية (ماو تسي تونغ) 1949م، مورست ضدهم جميع أنواع الاضطهاد والتهجير، قام المسلمون على إثرها بثورات ضد الحكم الشيوعي استمرت هذه الحملات من عام 1949م إلى عام 1976م، كانت البداية بثورة الجنرال حسين مايو فان عام 1949م، مروراً بثورة التبت وثورة الجوعى، وانتهاء بثورة الجنرال عمر باتور في تركستان الشرقية.
الجمعيات الإسلامية في الصين
أنشأ المسلمون في الصين وتركستان العديد من الجمعيات الإسلامية قبل الثورة الشيوعية، منها:
جمعية التقدم الإسلامي، وأنشأها أعيان المسلمين برئاسة الشيخ عبد الرحمن وانغ هاويان في مدينة بكين سنة 1911م،
الجمعية الإسلامية الصينية، وقد أُنشئت في مدينة شنغهاي سنة 1923م، أنشأها الأستاذ الإمام هلال الدين هاتي جنغ وزملاؤه.
جمعية نقابة المسلمين، وأنشأها الجنرال مافو سيانغ وبعض زملائه، في بكين سنة 1927م.
جمعية الاتحاد الإسلامية، أُنشئت في تين تسين.
جمعية شبان الشعب الإسلامي الصيني، وتم إنشاؤها سنة 1933م في بكين.
لجنة الترقية لأبناء المسلمين، وقد أنشأها عدد من المسلمين، منهم: الأستاذ ووتي كونغ سنة: 1933م في نانكينغ.
جمعية الهداية الإسلامية الصينية، وقد أُنشئت في تاي يون.
الجمعية الاتحادية الإسلامية، أُنشئت سنة 1938م وكان رئيسها: الجنرال عمر باي تشونغ، وزير الدفاع الصيني حينذاك، وكان هدفها مقاومة العدوان الياباني وتوثيق العلاقات مع الدول الإسلامية.
وقد أُلغيت هذه الجمعيات، وأسست الحكومة الشيوعية عام 1953 م، جمعية حكومية واحدة تحت مسمى (الجمعية الإسلامية الصينية) ولها (460) فرعاً في أنحاء الصين، وينظر كثير من المسلمين إلى هذه الجمعية نظرة شك وريبة، كونها جمعية حكومية، ويرى بعض المسلمين أن الغرض من إنشائها، إحكام الحزب السيطرة الكاملة على جميع أنواع النشاطات الإسلامية، بحيث لا يزاول المسلمون في عباداتهم وعاداتهم، وفي منازلهم ومساجدهم ومناسباتهم، إلا ما تأذن به الدولة، مما لا يعارض سياستها المرسومة.
وضع المسلمين الحالي في الصين
المتأمل في الوضع الحالي للمسلمين في الصين، يجد أن الحكومة الصينية تفرق بين المسلمين الصينيين الذي ينتشرون في أنحاء الصين، وبين المسلمين ذوي الأصول التركساتنية (الإويغور) الذي يقيمون في تركستان الشرقية، حيث تتاح للمسلمين الصينيين بعض الحريات في الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية التي ستُذكر لاحقاُ.
أما المسلمون في إقليم تركستان الشرقية (سينكيانغ) فلا يزالون يعانون من اضطهاد الحكومات الصينية، حيث يُمنعون من تدريس أولادهم العلوم الشرعية علانية، ويلجأ المسلمون إلى كهوف تحت الأرض لتعليم أولادهم العلوم الشرعية، ويكون مصير الأستاذ القتل أو السجن الطويل على أقل تقدير في حال القبض عليه.
ولا يكاد يوجد في تركستان أي جمعية خيرية أو معهد إسلامي، كما أن الحكومة الصينية تحاول دائماً منع التركستانيين من مغادرة البلاد أو إعطائهم جوازات سفر، وتقوم الحكومة بما يُسمّى توطين الصينيين في داخل تركستان، وذلك عن طريق جلب ما لا يقل عن (20- 30) أسرة سنوياً من الأسر التي لا تعود أصولها إلى تركستان- ويكونون من غير المسلمين- إلى تركستان وبناء مستوطنات لهم وتوظيفهم وتوطينهم بشكل كامل، وتهدف الحكومة من هذا التوطين إقامة توازن بين عدد المسلمين وغيرهم في هذا الإقليم ذي الأغلبية المسلمة.(/1)
ويعود سبب هذا التفريق بين المسلمين الصينيين (الخوي) والمسلمين التركستانيين (الإويغور) إلى أن تركستان هي في الأصل امبراطورية مسلمة احتلتها القوات الصينية، ولا يزال مسلموها يطالبون بالإنفصال، ويشير بعض المراقبين إلى الأهمية الإستراتجية التي تتمتع بها تركستان بحكم موقعها وكثرة ثرواتها، ومنها إنتاجها من النفط الذي لا يقل عن إنتاج دول الخليج النفطية، كما أن مساحتها تتجاوز (1,8) مليون كلم.
أوضاع المسلمين بعد عهد (ماو) في بقية الصين
يحس بعض المسلمين الصينين بتحسن الأوضاع بعد وفاة الزعيم الصيني (ماو) ذي القبضة الحديدية، ويمكن تلخيص أبرز المكاسب التي تحققت للمسلمين بعد موته في النقاط التالية:
سُمح رسمياً بالاعتقاد الديني.
أُعيد فتح المساجد وترميم بعضها على نفقة المسلمين.
استؤنف التعليم في المساجد لأبناء المسلمين.
سُمح لهم بالاحتفال بالأعياد؛ إذ يُمنح كل موظف مسلم إجازة في الأعياد، واستؤنفت بعثات الحج.
تمكن المسلمون من إعادة جسور اتصالهم بإخوانهم في الأقطار الإسلامية عن طريق تبادل الزيارات وحضور بعض الندوات والمؤتمرات.
استطاع الشباب المسلم الصيني أن يسافر إلى بعض البلدان الإسلامية، للدراسة في المعاهد والجامعات الإسلامية، بعد انقطاع طويل، وهذا يعدّ من أحسن الفرص التي أُتيحت لأبناء المسلمين.
المشاركة في بعض الوظائف الحكومية-وإن كان جلّها من الوظائف الصغيرة أو الخدمية.
أُعيد فتح مطاعم المسلمين في كل المقاطعات والمدن.
أُتيحت الفرصة-غير الرسمية-للشباب المسلم في الصين أن يقوموا بنشاطات دعوية، وإن كانت محدودة.
أبرز المشكلات التي تواجه المسلمين في الصين
يعدّ التنصير من أبرز المشكلات التي تواجه المسلمين في الصين، ويعمل المنصرون الغربيون على تنصير المسلمين بشكل مكثف عبر طرق عديدة، منها: الإذاعات الموجهة لهم من هونج كونج، وفرنسا، وبريطانيا، وأمريكا، كما تقوم الجمعيات التنصيرية بتكثيف بناء الكنائس، فقد وصلت عدد الكنائس في الصين إلى (30) ألف كنيسة، أما المساجد فهي (50) ألف مسجد، رغم الفرق الهائل بين عدد المسلمين الصينيين والنصارى، وتقوم الكنائس بالتنصير عن طريق الدعم المادي، وتوزيع المكآفات على من يدخل الكنائس، كما توزع الكنائس كتباً باللغات المحلية توضح فيها أوجه الاتفاق بين الإسلام والنصرانية للدخول إلى قلوب العامة من المسلمين.
ويشير بعض المسلمين إلى أن الحكومة الصينية بدأت تلتفت إلى حركات التنصير المكثفة واعتقلت بعض القسس.
غياب الهوية الإسلامية للبارزين من المسلمين
رغم وجود العديد من المسلمين الذين يتولون مناصب مهمة في الدولة، ووجود بعضهم في وظائف التدريس في التخصصات العلمية، إلا أنه لا يوجد لكثير منهم أي مظهر من مظاهر الإسلام أو العمل الإسلامي.
غياب القيادات الإسلامية
ففي ظل القمع الذي تم في عهد (ماو)، فقَد المسلمون العديد من قياداتهم السياسية والدينية التي قُتل بعضها وسُجن البعض الآخر، كما أن تغييب الهوية الإسلامية في نفوس الأطفال، وإيقاف التعلم الديني للمسلمين ساهم في غياب القيادات الإسلامية الشابة.
دعوات التشيّع
وتنشط الدعوات إلى التشيّع في المناطق ذات الأكثرية المسلمة في الصين، وذلك بدعم من الحكومة الإيرانية التي تقوم بابتعاث مئات الطلاب سنوياً إلى إيران لتدريسهم العلوم الشرعية على المذهب الشيعي، ويشير أحد المسلمين إلى أنه تلقى دعوة من السفارة الإيرانية في الصين، للدراسة في إيران، ووصل العرض إلى توفير سكن خاص بالطالب داخل إيران وتوفير سيارة خاصة وزوجة يختارها من إيران.
ويمكن لأي صيني الحصول على بعثة للدراسة في إيران عن طريق تقديم طلب لدى السفارة الإيرانية، إذ يأتي الرد دائماً بالموافقة والدعم.
الفقر النسبي
ويلاحظ الزائر للصين وجود أكثرية من المسلمين الصينيين تحت خط الفقر، وذلك يرجع لاشتغال أكثرهم بالزراعة والرعي وصيد الأسماك، وعزوفهم عن التعليم العام والتخصصات العلمية.
الإعلام الإسلامي في الصين
رغم كثرة عدد المسلمين في الصين إلا أنه لا توجد لديهم أي صحيفة يومية أو إذاعة فضائية، ولا يوجد للمسلمين في الصين سوى بعض المجلات الإسلامية التي تصدر بشكل شهري، وتُعد مجلة أخبار المسلمين (مسلم بونشونغ) أشهر المجلات الإسلامية، وتوزع نحو مليوني نسخة شهرياً، كما توجد بعض المجلات الشهرية مثل: مجلة الفتح، ومجلة المسلمين في قانصوه.
متطلبات للنهوض بشأن المسلمين في الصين
تشير الأستاذة سعاد الوحيدي، مديرة مركز الدراسات والأبحاث الشرقية في جامعة السوربون في فرنسا، إلى عدة متطلبات للنهوض بالمسلمين في الصين، ومنها:
1-منح دراسية للطلاب الصينيين تمثل فيها مناطق المسلمين بالصين وتغطي مختلف التخصصات الإسلامية المطلوبة للمسلمين الصينيين. وتوزع على الجامعات الإسلامية.(/2)
2- وضع خطة دراسة مبنية على احتياجات المسلمين في الصين مع إدخال مناهج التعليم المهني لتأهيل الطلاب لخدمة المجتمع الصيني في مجال الدعوة خصوصاً بعد ضعف البوذية والديانات الوثنية الأخرى.
3- القيام بمسح شامل للمساجد في الصين، وذلك بهدف إعمارها وتلبية احتياجات المسلمين.
4- القيام باستطلاع الاحتياجات في هذا المجال، وذلك بالاتصال بالمنظمات أو الهيئات الإسلامية في الصين، والتخطيط لإقامة مشروع لنشر وطبع الكتب الإسلامية محلياً مع ضرورة الأخذ في الاعتبار اللغة المحلية في حركة ترجمة الكتب الإسلامية، و استغلال العلاقات الطيبة بين حكومة الصين والدول الإسلامية لدعم المسلمين في الصين.
5- تنظيم قطاع الدعوة وتغذيته بالدعاة مع ملاحظة إشراك المسلمين الصينيين الذين حصلوا على جانب وفير من العلوم والثقافة الإسلامية، ووضع خطة إستراتيجية للمستقبل البعيد، وذلك بإعداد دعاة من الصين مع دقة الاختيار لهؤلاء.
6- إنشاء مؤسسات إغاثة إسلامية ومؤسسات تحويل تعاونية إسلامية تبين معاني التآلف والتعاضد والمسؤولية المشتركة والجسد الواحد.
7- إنشاء مدارس إسلامية وتوحيد مناهج المدارس السابقة ونشر مراكز تحفيظ القرآن الكريم في جميع مقاطعات الصين.
8- العمل على إنشاء كلية للدراسات الإسلامية ووضع خطط كفيلة بتطويرها إلى جامعة بمختلف التخصصات، وفتح فروع لها في المناطق الإسلامية.
9- إنشاء دور نشر إسلامية باللغة الصينية تراعي اللهجات المحلية تقوم بطباعة الكتب الشرعية بعد ترجمتها.
10- إنشاء محطة إذاعية إسلامية موجهة إلى المسلمين في الصين باللغات التي يستعملونها على غرار الإذاعات التنصيرية، ويوضع لها البرامج والدورات الإذاعية بشكل مدروس يتولى إعداده هيئة متخصصة من الخبراء والدعاة ويجري التركيز على تعليم مبادئ الإسلام، والتركيز على مفاهيم الأخوة الإسلامية، وربطهم بأخبار إخوانهم المسلمين في العا(/3)
مسوغات تصحيح الأخطاء
يتناول الدرس توضيح الأسباب الباعثة على تناول الأخطاء والحديث عنها وحاولة تصحيحها، مع بيان أهمية إدراك المنهج النبوي في التعامل مع أخطاء البشر .
أولاً : هو من تعليم الخير : فإن تعليم الناس من القربات العظيمة التي يتعدّى نفعها ويعمّ خيرها، وهي حظ للدعاة والمربين من ميراث الأنبياء والمرسلين: [وإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ] رواه الترمذي والدارمي.والتعليم طرائق وأنواع، وله وسائل وسُبُل، ومنها تصحيح الأخطاء، فالتصحيح من التعليم، وهما صنوان لا يفترقان .
ثانيا:من النصيحة الواجبة
فمعالجة الأخطاء وتصحيحها من النصيحة في الدين الواجبة على جميع المسلمين. وصلة ذلك بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوية وواضحة، مع ملاحظة أن دائرة الخطأ أوسع من دائرة المنكر، فالخطأ قد يكون منكرا وقد لا يكون .
ثالثا:تصحيح الأخطاء من المنهج القرآني
فقد كان القرآن ينزل بالأوامر والنواهي، والإقرار والإنكار وتصحيح الأخطاء حتى مما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت معاتبات وتنبيهات، ومن الأمثلة:
1-كما في قوله تعالى: } عَبَسَ وَتَوَلَّى[1]أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى[2]وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى[3]أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى[4]أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى[5]فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى[6]وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى[7] وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى[8]وَهُوَ يَخْشَى[9]فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى[10] {سورة عبس .
2- وقوله: } وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ[37] {سورة الأحزاب.
3- وقوله: } مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[67] {سورة الأنفال .
4- وقوله: } لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ[128] {سورة آل عمران . وكان القرآن يتنزل ببيان خطأ أفعال بعض الصحابة في عدد من المواقف، ومن ذلك:
1- لما أخطأ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه خطأ عظيما في مراسلة كفار قريش مبينا لهم وجهة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في الغزو، نزل قوله تعالى: } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ[1] {سورة الممتحنة.
2- في شأن خطأ الرماة في غزوة أحد لما تركوا مواقعهم التي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها نزل قوله تعالى: } حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ َ[152] {سورة آل عمران .
3- لما اعتزل النبي صلى الله عليه زوجاته تأديبا، وأشاع بعض الناس أنه طلّق نساءه نزل قوله تعالى: }وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [83]{ سورة النساء .
4- لما ترك بعض المسلمين الهجرة من مكة إلى المدينة لغير عذر شرعي أنزل الله: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[97]{ سورة النساء .(/1)
5- لما انساق بعض الصحابة وراء إشاعات المنافقين في اتهام عائشة بما هي منه بريئة أنزل الله آيات في هذا الإفك وفيها: }وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[14]إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ[15] { ثم قال: }وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ[16]{ سورة النور .
6- لما تنازع بعض الصحابة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهم نزل قوله تعالى: } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[2]{ سورة الحجرات .
7- لما جاءت قافلة وقت خطبة الجمعة فترك بعض الناس الخطبة وانفضوا إلى التجارة نزل قوله تعالى: }وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[11]{ سورة الجمعة ... إلى غير ذلك من الأمثلة الدالة على أهمية تصحيح الأخطاء، وعدم السكوت عنها .
رابعا: تصحيح الأخطاء من المنهج النبوي
وسار النبي صلى الله عليه وسلم على نور من ربه سالكا سبيل إنكار المنكر، وتصحيح الخطأ غير متوان في ذلك، ومن هذا وغيره استنبط العلماء قاعدة:' لا يجوز في حقّ النبي صلى الله عليه وسلم تأخير البيان عن وقت الحاجة ' .
أهمية إدراك المنهج النبوي في التعامل مع أخطاء البشر
وهذا من الأهمية بمكان؛ وذلك:
1- لأنه صلى الله عليه وسلم مؤيد من ربّه، وأفعاله وأقواله رافقها الوحي إقرارا وتصحيحا، فأساليبه أحكم وأنجع، واستعمالها أدعى لاستجابة الناس، واتباع المربي لهذه الأساليب والطرائق؛ يجعل أمره سديدا، وسلوكه في التربية مستقيما .
2- اتباع المنهج النبوي وأساليبه فيه الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أسوة حسنة لنا، ويترتب على ذلك حصول الأجر العظيم من الله تعالى إذا خلصت النية .
3- معرفة الأساليب النبوية تبين فشل أساليب المناهج الأرضية ـ التي تزخر بها الآفاق ـ وتقطع الطريق على اتّباعها، فإن كثيرا منها واضح الانحراف، وقائم على نظريات فاسدة كالحرية المطلقة، أو مستمد من موروثات باطلة كالتقليد الأعمى للآباء والأجداد .
ولابدّ من الإشارة إلى أن التطبيق العملي لهذا المنهج النبوي في الواقع يعتمد على الاجتهاد بدرجة كبيرة وذلك في انتقاء الأسلوب الأمثل في الظرف والحدث الحاصل، ومن كان فقيه النفس استطاع ملاحظة الحالات المتشابهة والأحوال المتقاربة، فينتقي من هذه الأساليب النبوية ما يلائم ويوائم .
للشيخ محمد بن صالح المنجد(/2)
مسيلمة أمريكا الأفاق رشاد خليفة "رسول الميثاق"
د.إبراهيم عوض
ibrahim_awad9@yahoo.com
رشاد خليفة هو ابن قرية "شبرا النملة" التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية بمصر والواقعة بين طنطا وتلك المدينة على يمين المتجه إلى الإسكندرية. وقد وُلِد فى 1935م لأب يتولى مشيخة إحدى الطرق الصوفية، وبعد عامين من تخرجه من كلية الزراعة بجامعة عين شمس فى 1957 م ذهب فى بعثة لمواصلة دراساته العليا فى أمريكا وحصل على درجة الدكتوراة في الكيمياء من جامعة أريزونا، ثم عاد إلى أرض الوطن فى 1966م ليعمل مدرسا فرئيسا لقسم البحوث البستانية فى كلية الزراعة بجامعة القاهرة، إلا أنه (كما جاء فى المقال الذى كبته أسامة فوزى رئيس تحرير مجلة "عرب تايمز" والمنشور فى آخر هذه الدراسة) هرب من وظيفته عبر الحدود الليبية، ومنها إلى الولايات المتحدة حيث عمل خبيرا فى الأمم المتحدة قبل أن ينتقل إلى مدينة توسان التى تولى إمامة مسجدها ورئاسة المركز الاسلامي فيها. وفى 1980م أعلن خليفة أن جبريل عليه السلام قد أتاه بالوحى، ثم أخذ يدعو الناس منذ عام 1988م إلى الإيمان بأنه رسول الله. ومن مقتضيات الإيمان به نبذ السنة النبوية، التى يعدّها شركا ووثنية ويزعم أنها من عمل الشيطان.
وقد اتخذ خليفة لنفسه لقب "رسول الميثاق"، وهو اللقب الذى ما زال أتباعه المهازيل اللقطاء يسمونه به. وهذا اللقب الغريب لم يَرِدْ فى القرآن، الذى لا يريد خليفة أن يكون هناك غيره بغيةَ التخلص من حديث رسول الله كى يخلو له الجو فيعيث هو وأتباعه الضالون فى الإسلام وكتابه فسادا وتفسيرا شيطانيا مجرما دون معقب أو رقيب حسبما خُطِّط لهم فى دوائر المخابرات الأمريكية! والذى فى القرآن هو "الرسول" أو "رسول الله" (وقد تكرر ذلك عشرات المرات)، أو "رسول رب العالمين" (ولم يجئ إلا مرة واحدة)، أما "رسول الميثاق" مثلا أو "رسول الحرية" (كما ورد فى عنوان الكتاب الذى ألفه عبد الرحمن الشرقاوى عنه صلى الله عليه وسلم من وجهة نظر يسارية) وما إلى هذا فتلك تسميات بشرية لا يعرفها القرآن الكريم. وهذا أول الأدلة على أن الله سبحانه وتعالى يأبى إلا أن يفضح دائما هذا "النبى الكذاب"، الذى كتبتُ مرة أصفه بهذا الوصف فى دراستى: "شيخة الإسلام السحاقية والاجتهاد على الطريقة الأمريكية" فى جريدة "شباب مصر" المشباكية أوائل شهر يونيه 2005م، فرد علىّ واحد من أتباعه اسمه، حسبما ورد فى أسفل التعليق، "أحمد" (وأكمل معلقٌ آخَرُ الاسمَ على أنه "أحمد صبحى منصور" شافعًا الاسم بما لذ وطاب من النعوت التى يستحقها هذا الموكوس)، أقول إن هذا "الأحمد" قد ردَّ فى تعليقه بأنّ وصْف خليفة بـ"النبى الكذاب" وصف غير صحيح لأن خليفة لم يدَّع النبوة بل كان رسولا ("رسول الميثاق" على وجه التحديد)، ثم فرَّق "الأحمد" بين النبى والرسول تفرقة لا أدرى من أين جاء بها، اللهم إلا أن تكون قد جاءته فى ساعة تجلٍّ أفرزتها فيها اسْته المنتنة! وهذا هو تعليق "أبى حميد" بعد أن أعملتُ فيه قلم التصحيح الإملائى والنحوى واللغوى: "سلام عليكم. يتهم "فلان" فى هذا المقال الدكتور رشاد خليفة بأنه نبى كذاب. هذه التهمة باطلة لسبب بسيط: لم يَدّعِ رشاد يوما أنه نبى، بل أكد مرارا تصريح القرآن بأن محمدا هو خاتم النبيين. لم يخبرنا الله أن محمدا هو خاتم المرسلين، لأن هناك فارقا جوهريا بين النبى و الرسول: فالنبى هو رسول يبلِّغ كتاب نبؤات، أما الرسول فهو يبين هذه النبؤات و يستخرج آيات الله من الكتاب. وعلى ذلك فكلُّ نبىٍّ رسولٌ، أما العكس فهو حجة إبليس ليجعل الناس ترفض الرسل حتى لو قدّموا معجزاتٍ مؤيِّدةً لهم كما حدث مع "رسول الميثاق" رشاد خليفة، فقد أيده الله بكشف معجزة القرآن التى ظلت فى مكمنها أربعة عشر قرنا، ألا و هى برهان صحة تنزيل القرآن، المعجزة الرقمية للرقم 19- أحمد".(/1)
والواقع أن هذه التفرقة بين الرسول والنبى لا تستند إلى أى أساس، وإلا فليقل لنا هؤلاء المخبولون من أين استمدوها. إنها تفرقة لم يأت بها قرآن ولم يقل بها عقل. ثم إن فكرة "كتاب النبوءات" الذى يأتى به النبى فكرة تتعارض مع فكرة "النبى" كما نفهمها من القرآن، فالنبى هو إنسان نزل عليه الوحى بدعوة الناس إلى وحدانية الله سبحانه وشمول إرادته وعلمه وقدرته ورحمته، وإلى الإيمان باليوم الآخر والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وإلى تقديم فروض العبادة والطاعة له سبحانه، وكذلك التمسك بقيم العدل والكرم والعمل والتعاون والتراحم...إلخ، أما النبوءات فتأتى على الهامش ولا تحتل موقعًا أساسيًّا فى الدعوة، مثلما هو الحال فى نبوءة القرآن بانتصار الروم على الفرس فى بضع سنين بعد انكسارهم على يد هؤلاء، وكتكرار التأكيد فيه بانتصار الإسلام على الدين كله رغم ما كان يبدو فى بداية الأمر من أن هذا حلم بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلا، وكالتنبؤ قبيل غزوة الحديبية بأن الرسول والمسلمين سوف يدخلون المسجد الحرام محلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين، وكطمأنة القرآن للرسول بأن أيًّا من البشر لا يمكنه أن ينال منه منالا لأن الله قد عصمه من الناس. فكيف يقال إن مهمة الرسول هى تفسير هذه النبوءات؟بل كيف يمكن أن تظل هذه النبوءات دون تفسير حتى يموت النبى ثم يأتى الرسول بعد "خراب بصرة" ليبين لهم أن النبى الذى لم يؤمنوا به كان نبيا حقيقيا؟ ودعنا من أن رشاد خليفة لم يهلّ علينا بطلعته الغبية وسَحْنته الشقية إلا بعد أربعة عشر قرنا! والمضحك أن الناس قد آمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم ودخلوا فى دينه أفواجًا لا تُعَدّ ولا تُحْصَى، وفسَّرت الأيام والليالى ما لم يكن قد اتضح للمسلمين أثناء حياته من نبوءات، ولم ينتظروا حتى يرسل الشيطان عليهم رشاد (أو بالأحرى: ضلال) خليفة نبيا! ويزيدنا ضحكًا أن المسلمين حين أتاهم هذا المأفون المجنون كفروا به وقتله واحد منهم ولم يبالوا به أدنى بالة، اللهم إلا العملاء الأذلاء الأقلاء الأدنياء الحقراء لعّاقى أحذية الكاوبوى الموحولة فى الخراء والدماء! هل رأى القراء فضيحة وهوانا وشماتة من القَدَر مثل هذه الشماتة التى أراد الله أن يجعل بها "ضلال خليفة"، وبئس الخلف، عبرة لمن يعتبر ومن لا يعتبر؟
وبالمناسبة فقد زعم خليفة (بناء على ما نزل عليه من وحىٍ شيطانىٍّ) أنه قد هاجر إلى أمريكا كى تنجح دعوته ويحمى الأمريكان حياته، فكان أن أخزاه الله فى هذه أيضا فلم يؤمن أحد بدعوته، اللهم إلا المشبوهين الموتورين المنبطحين على وجوههم الشارعين أستاههم فى الهواء لتلقى طعنات الغراميل الأمريكية، فلعن الله وجوهًا هذه أستاهها، وتلك أفاعيل أصحابها! ثم انتهى أمره بأن قُتِل فى قلب الحِصْن الأمريكى ولم تنفعه حماية الكاوبوى ولا أجهزة مخابراته وأمنه التى كانت تسهر على حياته ليل نهار! وقد قرأت فى موقعه كلمة كتبها بعض المتواطئين معه يؤكدون أن قتله ليس دليلا على أنه كان رجلا سيئا، إذ هناك من الأنبياء والمصلحين فى الإسلام وقبل الإسلام من قُتِل، ولم يكن عددهم بالقليل. ونحن نتفق مع كاتب المقال بوجه عام على النقطة الأخيرة، لكن هذا لا يعنى أبدا أن رشاد خليفة كان رسولا البتة، فوقوع القتل على بعض الأنبياء والمصلحين لا يعنى بالضرورة أن خليفة كان منهم.(/2)
واللافت للنظر أن القتل لم يقع حسبما ذكر القرآن إلا على الأنبياء: "ويقتلون النبيين بغير الحق/ بغير حق" (البقرة/ 61، وآل عمران/ 21)، "ويقتلون الأنبياء بغير حق" (آل عمران/ 112)، "فلِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل...؟" (البقرة/ 91). وعلى هذا فحين نقرأ فى القرآن قوله تعالى عن بنى إسرائيل: "أفكلما جاءكم رسول بما لا تَهْوَى أنفسُكم استكبرتم، ففريقًا كذَّبتم، وفريقًا تقتلون" (البقرة/ 87)، "كلما جاءهم رسول بما لا تَهْوَى أنفسُهم فريقًا كذَّبوا، وفريقًا يقتلون" (المائدة/ 70) فالمفهوم أن الرسول هنا هو النبى لا الرسول بالمعنى الحلمنتيشى الذى اخترعه خيال "ضلال خليفة"، وبئس الخلف! وهو نفسه القائل بأن النبى هو فى ذات الوقت رسول، أما الرسول فلا يكون أبدا نبيا. ومن ذقنه لا من أى ذقن أخرى نفتل له الحبل الذى يخنق مزاعمه وأباطيله وأكاذيبه، عليه لعنات الله ولعنات كل حر كريم لا يبيع نفسه رخيصة فى سوق التآمر الشيطانى الخبيث على الإسلام. وعلى أية حال فإن ما نريد لفت الانتباه إليه هو أن خليفة قد أعلن أنه بهجرته إلى أمريكا قد أصبح فى مأمن على حياته النَّجِسة النَّحِسة، فشاء الله الذى لا تُرَدّ له مشيئة أن يتم قتله فى مهاجَره الذى كان يظنه حصنا حصينا، فإذا به حصن بلا جدرانٍ ولا حرّاسٍ أمام مشيئة الله الفاضحة المخزية له ولأمثاله، وذلك كى يعلم القاصى والدانى أنه كان كذابا، إذ أراد أن يتشبه بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحى بأن الله عاصمه من الناس، وعصمه الله فعلا، فجاء خليفة وظن بانغلاق عقله وقلبه أنه يكفى أن يقلد النبىَّ محمدا حتى تأتى النتائج معه بما أتت به فى حالة سيد الأنبياء والمرسلين ويعصمه الله من الناس كما عصم رسوله محمدا عليه السلام. هذا هو مربط الفرس، وكل كلام غير هذا لا يفيد الأوغاد العملاء الذين كلما أقدموا على عمل من أعمال الخيانة والخسة والعار أحبط الله كيدهم وفضحهم وشهَّر بهم فى كل أرجاء الدنيا! وهذا نص كلامه هو نفسه فى التعليق على ترجمته للآية 30 من سورة "الأنفال"، أسوقه حتى لا أعطى فرصة لأبى حميد ( أتراه أحمد صبحى منصور كما كتب أحد المعلقين فى "شباب مصر"حسبما مَرّ آنفا؟) ليعترض كما اعترض من قبل على ما قاله بعض المعلقين على مقالى: "شيخة الإسلام السحاقية" فى جريدة "شباب مصر" فى ذات الموضوع زاعما كَذِبًا ومَيْنًا (مثل أستاذه فى الكَذِب والمَيْن رشاد خليفة) أن "رسول الميثاق" الضلالى لم يقل أكثر من أن الهجرة لأمريكا سوف توفِّر لدعوته فرصة أفضل: "God chose His final prophet, Muhammad, from the strongest tribe of Arabia. It was tribal laws and traditions that prevented the disbelievers--by God's leave--from killing Muhammad. Similarly, it was God's will to move His Messenger of the Covenant from the Middle East, where he would have been killed, to the U.S.A. where God's message can flourish and reach every corner of the globe. This is mathematically confirmed: the sura & verse numbers= 8+30=19x2.".(/3)
ويشاء الله الذى لا تُرَدّ له مشيئة ألا يدع لهذا المسيلمة الأمريكى ولا ثقب إبرة ليتنفس منه، فها هو ذا الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى والأمريكان أسياده وصانعيه ومدشنيه واللاعبين فى أساسه بأصابعهم وغير أصابعهم حتى أفقدوه كل معنى وكل حس من معانى الرجولة وأحاسيسها، ينص أيضا على أن الذين قُتِلوا على يد بنى إسرائيل إنما كانوا من الأنبياء: "9ودخل هناك المغارة وبات فيها وكان كلام الرب اليه يقول ما لك ههنا يا ايليا 10فقال قد غرت غيرة للرب اله الجنود لان بني اسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا انبياءك بالسيف فبقيت انا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها " (ملوك 1/ 19)، "6فقام ودخل البيت فصبّ الدهن على راسه وقال له هكذا قال الرب اله اسرائيل قد مسحتك ملكا على شعب الرب اسرائيل7 فتضرب بيت اخآب سيدك وأنتقم لدماء عبيدي الانبياء ودماء جميع عبيد الرب من يد ايزابل" (ملوك 2/ 9)، "29ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تبنون قبور الانبياء وتزيّنون مدافن الصديقين30وتقولون لو كنا في ايام آبائنا لما شاركناهم في دم الانبياء31 فانتم تشهدون على انفسكم انكم ابناء قتلة الانبياء" (متى/ 23)، "34لذلك ها انا ارسل اليكم انبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة الى مدينة" (متى/ 23)، "37يا اورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها" (متى/ 23)، "47ويل لكم لانكم تبنون قبور الانبياء وآباؤكم قتلوهم" (لوقا/ 11)، "50لكي يطلب من هذا الجيل دم جميع الانبياء المهرق منذ انشاء العالم" (لوقا/ 11). وهذا رغم أننا لا نعول على ذلك الكتاب، إلا أن الله سبحانه شاء أن يغلق فى وجهه هذا الثقب الضيق أيضا ويحكم عليه بالخذلان الشامل والأبدى. وهكذا يرى القارئ الكريم معنا كيف أن الأسداد قد ضُرِبَتْ على هذا الرسول الكذاب وحرُمَت عليه رحمة الله بالثلاثة، لا بل بالستة: مالكى وشافعى وأبو حنيفة، وحنبلى أيضا ويهودى ونصرانى. فأى خزى! وأى عار!
ثم أى نبوءات تلك التى جاء هذا العُتُلّ الزَّنِيم ليفسرها لنا؟ إن كل ما يطنطن به هو الرقم تسعة عشر، وهذا الرقم ليس من الوحى النبوى فى شىء، بل هو، بافتراض صحة المعادلات التى تتعلق به فى القرآن، وبافتراض أنه اتبع فيها منهجا حياديا لا قَصْديًّا قَسْريًّا بحيث يختار من الآيات والأسماء ما يوصله إلى غايته ويترك ما لا ينفعه فى مؤامراته، لا يخرج عن أن يكون مسألة رياضية هى نتاج التفكير البشرى واستخدام الحاسوب، فهو كما ترى أمر عقلى لا وحى سماوى. ثم إن الله الذى يخزى دوما رشاد خليفة وبطانته قد شاء، ولا راد لمشيئته، أن يكون الرقم 19 الذى يدير عليه هذا الأفّاق دجله وخزعبلاته وشعبذاته إنما هو عدد خزنة جهنم (والعياذ بالله) كما جاء فى الآيات 26- 31 من سورة "المدثر"، إذ يقول المولى سبحانه وتعالى جَدُّه عن أحد الطواغيت المعاندين لرسوله محمد عليه السلام: "سأُصْلِيه سَقَر* وما أدراك ما سَقَر؟* لا تُبْقِى ولا تَذَر* لوّاحةٌ للبشر* عليها تسعةَ عَشَر* وما جَعَلْنا أصحابَ النار إلا ملائكةً، وما جعلنا عِدَّتَهم إلا فتنةً للذين كفروا". أى أن رشاد خليفة الكذاب لا يعرف إلا الشياطين، ولا تؤدى دعوته بمن يعتنقها إلا إلى الجحيم!
كذلك أرجو من القارئ الكريم أن يتنبه لما يقوله الله عن عدد خزنة جهنم. لقد جعل الله ذلك العدد فتنة للذين كفروا، وها هو ذا "ضلال خليفة" يفتتن به ويحاول أن يفتن المسلمين أيضا حتى يوردهم معه مورد الجحيم! وحتى لو تغاضينا عن هذا كله، أفيمكن أن ينحصر الإسلام فى هذه المسألة؟ وماذا لو أننا لم نصل إلى معرفة هذه المسألة الحسابية؟ أفلن نؤمن بمحمد وبدعوة محمد؟ لكن الناس قد دخلت فى دين الله بالمليارات بعد المليارات على مدى القرون، ولم تنتظر أن ترى سحنة هذا الأفّاق، وعندما شرّف هذا العَيْرُ الضَّرُوطُ مربطَ البهائم ومَدّ خطمه فى المذود يعتلف التبن والبرسيم تشكَّك الناس فيه ولم يعلن متابعته على القىء الذى أتى به إلا المشبوهون أصحاب الماضى الزنيم والملفّات المريبة فى سجلات المخابرات الكاوبووية! وقد أحالنا المدعوّ: "أحمد" فى آخر تعليقه إلى موقع رشاد (اقرأ: "ضلال") خليفة حيث قرأنا، ضمن ما قرأناه لرسول الشيطان الكذاب، النصّ التالى:
"God's Messenger of the Covenant is a consolidating messenger. His mission is to purify and unify all existing religions into one: Islam (Submission). Islam is NOT a name; it is a description of one's total submission and devotion to God ALONE, without idolizing Jesus, Mary, Muhammad, or the saints. Anyone who meets this criterion is a "Muslim" (Submitter). Therefore, one may be a Muslim Jew, a Muslim Christian, a Muslim Hindu, a Muslim Buddhist, or Muslim Muslim."(/4)
وبهذا تنكشف اللعبة الجهنمية، فـ"ضلال خليفة" قد جاء وفى الخطة التى رسموها له أن يهدم الإسلام ويجعله أثرا بعد عين وخبرا من أخبار "كان"، إذ لم يعد عنده كافر ومسلم، بل الكل مسلمون ناجون ما داموا يسلمون أنفسهم لله، وبطبيعة الحال سوف يزعم الجميع أنهم قد أسلموا أنفسهم لله وأنهم لا يعبدون سواه. أفليس هناك مسلمٌ يهودى، ومسلمٌ نصرانى، ومسلمٌ بوذى، ومسلمٌ مسلم (حلوة مسلمٌ مسلم هذه!)؟ كما أن الإسلام عنده ليس هو الدين الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فإنه يسميه: "Submission"، مثلما يسمِّى المسلمَ: "Submitter ". ترى أهى مصادفة أن ينهج محمد أسد هذا النهج من قبل كما رأينا فى الدراسة التى كتبتُها عن ترجمته للقرآن، أم هى حلقات، كل حلقة تمهد للأخرى؟ أيا ما يكن الأمر فهذه هى الماسونية اللعينة بعينها العوراء الشوهاء، تلك الماسونية التى تريد أن تشيع الاضطراب فى كل شىء وتلبِّس على المسلمين أمرهم وتفقدهم الثقة فى دينهم وتنسخ من أدمغتهم وإلى الأبد أن دينهم هو الدين الصحيح. ولقد سبق هذا كلَّه عند محمد عبده قوله إنه لا فرق بين المسلم واليهودى والنصرانى والصابئى فى المصير، فالجميع ناجون يوم القيامة ما داموا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا. لكن الواقع الكئيب فى حالتنا هذه أن المسلمين، فى رأى رشاد (ضلال) خليفة، قد انحرفوا مبكرا جدا وكَفَروا منذ أيام الصحابة أنفسهم، ومن ثم لن يكونوا من الناجين يوم القيامة مع اليهود والنصارى والصابئين، وعلى رأسهم بطبيعة الحال الرشاديون (أو بالأحرى: "الضلاليون") الخليفيون. ولقد وقفت بكل قوة لهذا التفسير الضال وبينت أنه يتعارض مع القرآن تعارضا مطلقا ويفرغ النبوة المحمدية من مضمونها تماما ويفسد كل شىء، ويمكن القارئ الكريم أن يرجع فى ذلك إلى الفصل الخاص بـ"أهل الكتاب" من كتابى عن "سورة المائدة" حيث يجد تناولا مفصلا لهذه المسألة من كل جوانبها. ومع ذلك فلعل من المستحسن أن نورد خلاصة لما قلناه هناك، وهى الخلاصة التى أثبتناها فى الدراسة التى كتبناها عن شيخة الإسلام السحاقية التى تردد نفس هذا الكلام مما يدل على أنهم جميعا ذرية بعضها من بعض فى الخيانة والعار والعمالة المشينة:
"أما قوله تعالى الذى استشهدتْ به مانجى من أن اليهود والصابئين والنصارى لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلا يعنى ما تريد أن تُدْخِله فى رُوع القراء من أن أولئك الأقوام داخلون الجنة حتى لو بَقُوا على أديانهم المنحرفة، بل يعنى أن الباب فى الإسلام مفتوح أمام أهل الأرض جميعا للإيمان بدعوة محمد والنجاة من ثمّ فى الآخرة حتى لو لم يكونوا من العرب الذين آمنوا فى البداية به صلى الله عليه وسلم، إذ العبرة فى الدين الخاتم أنه دين عالمى لا دين عصبية قبلية أو قومية مثلا، فمعروف أن أنبياء بنى إسرائيل كلهم لم يُبْعَثوا لأحد من خارج أمتهم. يتضح ذلك من النص التالى (متى/ 15): "21 ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا. 22 وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني يا سيد، يا ابن داود. ابنتي مجنونة جدا. 23 فلم يجبها بكلمة. فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها لأنها تصيح وراءنا . 24 فأجاب وقال: لم أُرْسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. 25 فأتت وسجدت له قائلة :يا سيد، أعنّي. 26 فأجاب وقال :ليس حسنا أن يُؤْخَذ خبز البنين ويُطْرَح للكلاب. 27 فقالت: نعم يا سيد. والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. 28 حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة، عظيمٌ إيمانك. ليكن لك كما تريدين. فشُفِيَتْ ابنتها من تلك الساعة". فليس فى الإسلام مقولة "خراف بنى إسرائيل" ولا "أفراخ بنى إسماعيل"، بل الدعوة والرحمة مفتّحة الأبواب لجميع أبناء آدم ما داموا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات، وهذا كل ما هناك.(/5)
ولهذا نجد أن الإسلام قد علَّق نجاة اليهود والصابئين والنصارى على إيمانهم بالله واليوم الآخر وعملهم الصالحات فقط دون اعتبار آخر: "إن الذين آمنوا، والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " (المائدة/ 69. وفى البقرة آية أخرى مشابهة لهذه هى الآية 62)، والإيمان بالله واليوم الآخر لا يصح إلا إذا آمن الشخص بجميع الأنبياء والمرسلين بما فيهم، بل وعلى رأسهم، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك واضح من الآيات التالية: "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون: نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا* أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينا" (النساء/ 150- 151)، "وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدِّقُ الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها. والذين يُؤْمِنون بالآخرة يُؤْمِنون به، وهم على صلاتهم يحافظون" (الأنعام/ 92)، "قال: عذابى أُصِيبُ به من أشاء، ورحمتى وسِعَتْ كل شىء، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون* الذين يتَّبِعون الرسولَ النبىَّ الأُمّىَّ الذى يجدونه مكتوبًا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويُحِلّ لهم الطيبات ويُحَرِّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصْرَهم والأغلال التى كانت عليهم. فالذين آمنوا به وعزَّروه ونصَروه واتَّبَعوا النور الذى أُنْزِل معه أولئك هم المفلحون" (الأعراف/ 156- 157)، وغير ذلك. وما من مرة أثنى القرآن على أحد من أهل الكتاب إلا كان بعد دخوله الإسلام، إلا أن بعض ذوى الأهواء يَبْغُون منا أن نقرأ النصوص القرآنية بقلوب مريضة وعيون عمياء، لكن كيف يبصر الأعمى ومن فى قلبه مرض؟ وعلى هذا فليس فى القرآن أى تناقض، لا فى هذه القضية ولا فى غيرها كما تزعم مانجى أو من كتبوا لها الكتاب، بل ينبغى أن نقرأ كتاب الله فى كُلّيّته وشموله ولا نجعله عِضِين. وإذا دقق القارئ فى الطريقة الترقيمية التى كُتِبَتْ بها الآية السابقة فسوف يتضح له ما أقصد. ونستطيع أن نعيد كتابتها بطريقة ترقيمية أخرى كى تزداد الأمور اتضاحًا: "إن الذين آمنوا (والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا) فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". ذلك أنه لا معنى لاشتراط الإيمان بالله واليوم الآخر فى حالة المؤمنين، أى المسلمين، وهم الطائفة المذكورة فى بداية الكلام، إذ هم مؤمنون فعلا، على عكس الحال مع اليهود والصابئين والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد بعد، ومن ثم فلا يُعَدّون مؤمنين كما بيّنّا قبلا من خلال آيات القرآن الكريم".
على أن تسمية "رسول الميثاق" بعد ذلك كله هى تسمية لا يعرفها القرآن الكريم كما قلت، بل لقد وردت كلمة "الميثاق" فيه خمسا وعشرين مرة لم يُذْكَر فى أية آية منها أنه سبحانه وتعالى قد أخذ هذا الميثاق من أى رسول! ليس ذلك فقط، بل إن الله الذى يفضح دائما هذا الأفّاق الأَشِر قد شاءت إرادته العلية، ولا راد لمشيئته سبحانه، أن يذكر القرآنُ أنه سبحانه وتعالى إنما أخذ الميثاق من النبيين (أكرِّر: "من النبيين" لا من الرسل)، النبيين الذين قال كذّابنا وقال تابِعُه قُفّة (المدعوّ: "أحمد") إنه لم يكن واحدا منهم بل كان رسولا! وهذان هما النصان اللذان ورد فيهما ذلك: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين: لَمَا آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدِّقٌ لما معكم لَتُؤْمنُنّ يه ولَتَنْصُرُنّه" (آل عمران/ 81)، "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى بن مريم، وأخذنا منهم ميثاقا غليظا" (الأحزاب/ 7). وهذا خذلان آخر من خذلانات الله الكثيرة لذلك المجرم الكذاب! قد يقول رشاد ومن يرافئه على ضلاله المبين إن المقصود بـ"رسول الميثاق" هو أن الله أخذ الميثاق على النبيين بأن يسارعوا إلى الإيمان بأى رسول يأتى مصدقا لما جاؤوا به، لكن الرد سهل جدا وبسيط، وهو أن هذا ليس خاصا برشاد خليفة (إِنْ صَحّ أصلاً أن باب الرسالة لم يغلق كما يزعم هذا الأفاك، وهو غير صحيحٍ بتَّةً)، بل هو عامٌّ فى كل رسول يأتى بما يعضِّد ما جاء به النبيون السابقون، فكيف يريد خليفة أن يخص به نفسه؟ ثم إن ما أتى به هذا الخليفة إنما يضادّ دين محمد، ومن ثم يضادّ أديان الأنبياء الآخرين جميعا ولا يعضّدها أو يصدّقها. وعلى هذا فالآية لا تنطبق عليه بحال، وإلا لصارت النبوة ضلالا وإجراما وخيانة وقلة أدب ووقاحة وكذبا مبينا وعمالة وطابورا خامسا! حاشا لله!(/6)
ويحصر رشاد خليفة دور الرسول محمد فى مجرد تبليغ القرآن فقط، محرِّمًا عليه أىّ دور آخر، وذلك اعتمادا على الآيات التالية حسب زعمه: "إنْ عليك إلا البلاغ" (الشورى/ 48)، "فإنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب" (الرعد/ 40)، "ما على الرسول إلا البلاغ" (المائدة/ 99). وهو يترجمها بما يعنى أنه ليس للرسول إلا تبليغ "الرسالة"، والرسالة هى القرآن. وعلى هذا فإن وظيفة الرسول عليه السلام هى مجرد تبليغ القرآن، ثم لا شىء بعد ذلك. والناظر فى الآيات الثلاث وأمثالها يدرك فى الحال أن الأمر ليس كما يعمل خليفة وأتباعه على إيهام القارئ، إذ ليس فى القرآن أن دوره صلى الله عليه وسلم منحصر فى تبليغ القرآن وحسب، وإلا لكان يكفى أن يرسل الله كتابا يحمله الرسول إلى قومه ويضعه بين أيديهم ثم يقول لهم: هاكم القرآن الذى أرسلنى الله به، فانظروا فيه، وكل عام وأنتم بخير! ثم يولّيهم قفاه وينصرف لحال سبيله، وكان الله يحب المحسنين!
إن الآيات التى يستشهد بها الأفاك على ما يريد إيهامنا وخداعنا به إنما تعنى أنه عليه السلام ليس مسؤولا عن إدخال الناس فى الإسلام، فتلك مهمتهم هم التى سوف يُسْأَلون عنها يوم القيامة، أما هو فكلّ ما عليه أن يبلغهم الدعوة بما فيها القرآن وتفسير القرآن وتطبيق مبادئ القرآن على أرض الواقع. ولا شك أن شرح الرسول للقرآن وتطبيقه إياه يأتى فى المقام الأول قبل أى شرح أو تطبيق آخر، لأنه هو الذى أتى به، وهو الذى كان ينزل عليه الوحى، وهو الذى اختاره الله من دون الناس جميعا كى يقوم بهذه المهمة. وليس من المعقول أن يجىء فى آخر الزمان وفى أمريكا بلد التقاليع العجيبة والاستخبارات التى تدس أنفها ويدها وأشياء أخرى غير أنفها ويدها فى مواضع من أجساد الرسل الكذابين لا يصح أن نذكرها على الملإ، ليس من المعقول أن يأتى رسولٌ كذوبٌ فى آخر الزمان وفى أمريكا بلد العجائب والتقاليع والقساوسة اللوطيين والشيخات السحاقيات فيرسم للرسول عليه السلام ما ينبغى وما لا ينبغى، متجاوزا بذلك قدره التافه الحقير إلى التسلط والتجبر على سيد الخلق. هذا شغل عيال صغار لا يصلح مع سيدنا وسيده رسول الله، وإن كان هذا الدجال لا يستحقّ أبدا شرف اللمس (مجرد اللمس) لأهداب السيادة المحمدية، لأن محمدا كريم، ولا ينتسب إليه إلا الكرام الذين لا يبيعون ضمائرهم رخيصة فى سوق المخابرات الأمريكية والكيد للإسلام والحرب عليه! ومن فجور الوغد تسميته أحاديث رسول الله وسنَّته: " :Satanic Innovationsاختراعات شيطانية"! أما هو فالضُّرَاط الذى يطلقه من بطنه القذرة وحى سماوى! أنعم وأكرم!(/7)
ثم يمضى خليفة فيزعم أن الرسول محمدا ممنوع من إصدار أية تعليمات دينية إلى جانب القرآن بناء على قوله تعالى: "إنه لقول رسول كريم* وما هو بقول شاعر. قليلا ما تؤمنون* ولا بقول كاهن. قليلا ما تَذَكَّرون* تنزيلٌ من رب العالمين* ولو تَقَوَّلَ علينا بعض الأقاويل* لأخذْنا منه باليمين* ثم لقطعْنا منه الوَتِين" (الحاقة/ 40- 46). وبالمناسبة فالترجمة رديئة ولا تؤدى المعنى كما يجب، إذ هى تقول: "لعاقبناه ولقطعنا عنه الوحى"، وأين هذا من النص الأصلى؟ ومرة أخرى لا علاقة للآيات بما يدَّعى خليفة، بل المراد بها تكذيب الكفار الذين كانوا يتهمونه صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن أو شاعر أو مجنون ينزل عليه الشيطان، ولا دخل لها بما يهرف به هذا الشيطان، الذى يريد أن يمنع الرسول الكريم حتى من تفسير القرآن استنادا إلى قوله عز شأنه: "لا تحرِّكْ به لسانك لِتَعْجَل به. إن علينا جَمْعَه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتَّبِعْ قرآنه* ثم إن علينا بيانه" (القيامة/ 16- 19)، معطيًا لنفسه فى ذات الوقت الحق فى أن يقول ما يشاء وأن يفسر القرآن ويترجمه كما يشاء دون حسيب أو رقيب، وحسبنا الله ونعم الوكيل فى رسل الكذب والنفاق والعمالة والضلال! ومرة أخرى نجد مسيلمة أمريكا الكذاب يفسر الآيات القرآنية بما لا تقول، إذ نزلت هذه الآيات فى تنبيه النبى عليه السلام إلى أن يرأف بنفسه فلا يردد وراء جبريل، أوّلاً بأوّل وكلمةً كلمة، ما يوحيه إليه، بل عليه أن يصغى لما جاء به روح القدس ويدع الباقى على الله، الذى تكفل بحفظ كتابه وتحفيظه إياه تلقائيا بمجرد أن يستمع إليه أول مرة من الروح الأمين. هذا كل ما هناك، ولا صلة بين الآيات الكريمات وما يتقوَّله، ببجاحةٍ ما بعدها بجاحة، رسولُ الضلال المسمَّى: "رشاد" اسمًا على غير مسمًّى! ومما يتعمَّل الكذاب التوسانى لتفسيره تفسيرا ضالا مثله قوله تعالى: "الرحمن* علم القرآن"، الذى يخرج منه (كما خرج من دين محمد) بالقول بأنه يعنى أن الله هو وحده الذى يقوم بشرح القرآن وتعليم معانيه للناس. والواقع ألا أحد يشاحّ فى أن الله هو الذى علّم رسوله القرآن وليس أى أحد آخر كما كان يزعم مشركو قريش، إذ يقولون مرة إن الشيطان هو الذى يوحى إليه بهذا القرآن، ومرة إنه عليه السلام كان يكتتبه مما فى كتب الأولين...إلخ، فجاءت فاتحة سورة "الرحمن" لتؤكد أن الله لا غيره هو الذى علم نبيه القرآن الكريم. وحتى حين يشرح النبى هذا القرآن فإن ذلك يكون بتعليم الله له أيضا. ولا مستند من ثم فى هاتين الآيتين لما يزعمه الكذاب الدجال المكتوب على جبهته بحروف سوداء يراها كل من فى قلبه ولو ذرة إخلاص لله ولرسوله: "Made in America"، وتحتها بحروف حمراء: "آيِسٌ من رحمة الله"، ثم تحت ذلك بحروف زرقاء: "عليه لعائن الله"! أقول ذلك وأجرى على الله!(/8)
وهو لا يكتفى بهذا، بل يمضى فيَعُدّ الشِّقّ الثانى من الشهادتين لونا من الشرك. أى أنه لا يجوز أن يقول المسلم أو من يريد أن يدخل الإسلام: "أشهد أن محمدا رسول الله"، بل عليه أن يقول فقط: "أشهد ألا إله إلا الله" لا يزيد! وهذا كفرٌ بَوَاح، وإن حاول المتنطعون الأفاكون أن يزايدوا على نقاء التوحيد، متصورين أنهم يستطيعون أن يخدعوا المسلمين بأنهم إنما يبغون تطهير الإسلام مما يناقض وحدانية الله، وكأن الشهادة بأن محمدا رسول من عند رب العالمين شرك ووثنية. فانظر أيها القارئ إلى هذا الكفر اللئيم! لقد كان هذا يصح لو أن المسلمين يؤلهون الرسول محمدا ويشركونه مع الله فى العبادة أو حتى فى الدعاء، لكنهم لا يفعلون هذا ولا ذاك. إنهم حين يقولون: "أشهد أن محمدا رسول الله" إنما يعبرون عما فى قلوبهم وعقائدهم، فهل من الخطإ أن يعتقد المسلم أن محمدا رسول الله؟ وما الفرق بين الاعتقاد برسالته وبين التصريح بهذا الاعتقاد؟ إن الذى يؤمن بشىء أو يحب شخصا إنما يحب أن يذكره ويلهج باسمه فى كل حين، فلماذا يريد هؤلاء المخابيل أن يجرّموا ويحرّموا ويكفّروا النطق بالشهادة على أنه صلى الله عليه وسلم رسول الله؟ فما الذى ينبغى أن نعتقده فيه صلى الله عليه وسلم إذن؟ أتراهم بتنطعهم النفاقى يقولون إنهم لا يريدون أن يُذْكَر أى اسم بجوار اسم الله؟ ورغم أن العبرة فى الأمر بما يعتقده الإنسان، فإنى أحب أن ألفت انتباه القارئ إلى كثرة الآيات الكريمات التى يذكر فيها رب العزة اسم رسوله بجانب اسمه الكريم، أو تدعو إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم مع الإيمان بالله تعالى، أو تؤكد أنه رسول الله عقب النص على ألوهيته سبحانه، أو تشهد بصحة رسالته عليه السلام، أحب أن ألفت الانتباه إلى هذا كدليل على كذب ما يتساخف أولئك المجرمون به كفرا ونفاقا. ومن هذه الآيات قوله تعالى: "يا أيها الذين آمَنوا، آمِنوا بالله ورسوله" (آل عمران/ 136)، "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله" (النور/ 62، والحجرات/ 15) "يا أيها النبى، إنا أرسلناك شاهدًا ومبشِّرًا ونذيرًا* لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزِّروه وتوقِّروه وتسبِّحوه بُكْرَةً وأصيلا" (الفتح/ 9)، "يا أيها الذين آمنوا، استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحْيِيكم" (الأنفال/ 24)، "يا أيها الذين آمنوا، لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" (الأنفال/ 27)، "قل: أطيعوا الله والرسول" (آل عمران/ 32)، "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّدّيقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقا" (النساء/ 69)، "من يُطِع الرسولَ فقد أطاع الله" (النساء/ 80)، "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول، واحذروا" (المائدة/ 92)، "يسألونك عن الأنفال. قل: الأنفال لله والرسول" (الأنفال/ 1)، "ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم، ولكنْ رسولَ الله وخاتَمَ النبيين، وكان الله بكل شيء عليما" (الأحزاب/ 53)، "محمد رسول الله "" (الفتح/ 29)، "وإذا قيل لهم: تعالَوْا يستغفرْ لكم رسول الله لَوَّوْا رؤوسَهم ورأيتَهم يَصُدّون وهم مستكبرون" (المنافقون/ 7).(/9)
بل إن من يشهد بأن الرسول حق ثم يرجع عن هذه الشهادة فإن الله سبحانه وتعالى يُضِلّه ولا يهديه: "كيف يَهْدِى اللهُ قومًا كفَروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات؟ والله لا يَهْدِى القومَ الظالمين" (آل عمران/ 86)، وفى هذا أقوى برهان على أهمية الشهادة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف ينكرها ويستنكرها هؤلاء المتاعيس المُرِيبون؟ كذلك فإن الله سبحانه وتعالى يريد لهذه الشهادة أن تكون صادقة نابعة من القلب لا مجرد ترديد باللسان مخادعة ونفاقا، وإلا لم تُفِدْ صاحبَها فى شىء لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيب الصادق من العقائد والأعمال: "إذا جاءك المنافقون قالوا: نشهد إنك لرسول الله. والله يعلم إنك لرسوله! والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" (المنافقون/ 1)، فكيف يأتى هؤلاء الضالون المضِلّون فيقولوا إنها شرك ووثنية؟ ألا إنهم فى الخبث والنفاق ونجاسة القلب واللسان لَعَرِيقون، وفى الضلال والغواية والكفر مارِدون! بل إن الله ليشهد على صحة الرسالة المحمدية بذاته العلية: "وأرسلناك للناس رسولا، وكفى بالله شهيدا" (النساء/ 179)، "هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق لِيُظْهِره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا" (الفتح/ 28)، "لكنِ اللهُ يشهد بما أَنْزَلَ إليك، أنزله بعلمه، والملائكة يشهدون، وكفى بالله شهيدا" (النساء/ 166). ومسيلمة أمريكا نفسه يقول هذا، لكنه يوظفه لغرض خبيث آخر هو الزعم بأن محمدا لم يكن معه ما يدل على أنه نبى إلا شهادة الله له. وفوق ذلك فها هم أولاء أهل الكتاب الذين أسلموا يعلنون أنهم آمنوا بما أنزل الله واتبعوا رسوله، داعين الله سبحانه أن يكتبهم على ذلك من الشاهدين: "ربنا، آمنّا بما أنزلتَ واتبعْنا الرسول، فاكتبنا مع الشاهدين" (آل عمران/ 53). ثم كيف يقول هذا الدَّعِىّ الكذاب الأَشِر إن مهمة رسول الله تقتصر على تبليغ القرآن لا غير وليس من حقه أن يتكلم بشىء غير القرآن، ونحن مثلا نقرأ قوله تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم" (النحل/ 44)، "وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبيِّن لهم الذى اختلفوا فيه" (النحل/ 64)، وهو ما يعنى أنه عليه السلام كان يقوم بمهمة أخرى بجانب تبليغ كلام الله، ألا وهى تبيين مرامى هذا الكلام وتوضيحه، كما أننا نقرأ قوله عز شأنه: "فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تَتَّبِعْ أهواءهم" (المائدة/ 48) بما يوضح أنه عليه السلام كان يقوم أيضا بمهمة القضاء؟ فكيف نتجاهل أقضيته ولا نفكر فى دراستها على الأقل لنتعلم منها؟(/10)
والغريب أن الدَّعِىّ الأفّاق يزعم (فى تعليقه على ترجمة الآية 79 من سورة "النساء") أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأت بأى دليل على نبوته، اللهم إلا شهادة الله له. يريد أن يقول إن الأبواب مغلقة فى وجه من يبحث عن دليل على صدق رسالة محمد عليه السلام! ومعنى هذا أن من لم يؤمن به فلا حرج عليه، إذ كيف أومن بشىء ليس عندى دليل على صحته؟ وتجاهَل الأفّاقُ القرآنَ الكريم الذى تحدى الله به الإنس والجن فعجزوا عن أن يأتوا ولو بسورة من مثله، وتناسى أيضا النبوءات التى أنبأ بها سيد الخلق سواء فى القرآن أو فى الحديث والتى تحققت كلها، وتناسى كذلك أنه عليه السلام كان مثالا للصدق والأمانة ويقظة الوعى فلا يمكن أن يكذب فى أمر الوحى أو يُخْدَع فيه، وتناسى أنه لم يكن له عليه السلام أى مأرب فى ادعاء النبوة، إذ لم تكن وراءه مخابرات دولة غربية مثلا تؤزّه على هلاك أمته بادعاء رسالة شيطانية غايتها تشتيت عقول المسلمين وإشاعة الارتباك فى دينهم من أجل أن يتركوه قليلا قليلا ويضيعوا فى الزحام دون أمل فى العودة إلى الطريق، كما تناسى البشارات الكتابية التى أخبرت بمجيئه صلى الله عليه وسلم، وتناسى القيم الكريمة التى دعا إليها وكان فيها إنقاذ الأمة العربية وكذلك الأمم الأخرى التى دخلت الإسلام، وتناسى التحدى الدائم الذى كرره القرآن بأن دين محمد سوف ينتصر رغم كل ما يبذله الكافرون من أموال وجهود فى سبيل عرقلته والقضاء عليه، وتناسى برهان العقل على أن مثل محمد لا يمكن أن يكون كاذبا، كما أن الدين الذى أتى به لا يمكن أن يكون دينا زائفا، بالضبط مثلما يقول لى عقلى الآن إن مثل رشاد خليفة لا يمكن أن يكون رسولا حقيقيا، وإلا فلا ثقة فى أى شىء إذن! وبطبيعة الحال فإن كذّابنا الرقيع يهدف من وراء ذلك إلى القول بأنه هو الذى أثبت نبوة محمد، ولولا هو ما عرف أحد أنه نبى من عند رب العالمين، أما هو ("أبو الضلال" خليفة) فقد جاء وفى يده برهان صدقه. والله عال! ترى أأنا فى علم أم فى حلم يا ناس؟ إننى لا أصدق ما أقرأ! لم يبق إلا أبو شَخَّة هذا يشمخ على سيدنا رسول الله! ثم إن الخبيث رغم ذلك كله قد غلبته الحقيقة على خبثه فأقرّ بطريقة ضمنية غير مباشرة أن فى القرآن ما يشهد لمحمد، إذ أكد (عند تعليقه على ترجمة الآية 82 من سورة "النساء") خلوّه التام من أى شىء غير معقول رغم نزوله فى "العصور الوسطى" على حد تعبيره.(/11)
ولقد كذَّب خليفةُ نفسَه بنفسه فى مسألة إنكار السنة النبوية، إذ كان منطلقه فى موضوع الصلاة مثلا أن عددها خمسٌ فى اليوم والليلة، وأن عدد ركعات كل منها كذا، وعدد سجداتها كذا، وما نقرؤه فى كل ركعة هو كذا...إلخ، وليس شىء من هذا كله فى القرآن، بل هو مما جاءت به الأحاديث النبوية، تلك الأحاديث التى عدَّها لونًا من الشرك والوثنية كما رأينا، ذاكرًا أنه قد تحقق من صحة ما قاله فى الصلاة من خلال تطبيق نظريته فى الرقم 19 على ما ذكره القرآن فى هذا الموضوع من آيات عامة تخلو من التفصيل والتصنيف. يعنى أنه قد لَحَس كل ما قاله فى هذه القضية لَحْسًا وكأنه لم يقل شيئا! وهذا كلامه بنصّه كى يرى القراء بأنفسهم مدى التنطع الكافر الذى ينتهجه هذا الكذوب: " 2:238 All five prayers are found in 2:238, 11:114, 17:78, & 24:58. When the Quran was revealed, the Contact Prayers (Salat) had already been in existence (Appendix 9). The details of all five prayers--what to recite and the number of units (Rak`aas) per prayer, etc.--are mathematically confirmed. For example, writing down the number of units for each of the five prayers, next to each other, we get 24434, 19x1286. Also, if we use [*] to represent Sura 1 (Al-Faatehah), where [*]=the sura number (1), followed by the number of verses (7), followed by the number of each verse, the number of letters in each verse, and the gematrical value of every letter, writing down 2[*][*]4[*][*][*][*]4[*][*][*][*]3[*][*][*]4[*][*][*][*] produces a multiple of 19 (see 1:1).". ويجد القراء كلامه هذا فى تعليقه على ترجمة الآية 138 من سورة "البقرة". ومثلها إقراره (أثناء تعليقه على ترجمة الآية 141 من سورة "الأنعام") بأن نسبة الزكاة هى %5,2 رغم أنه لا وجود لشىء من هذا فى القرآن، لكنه ككل بَكّاش عريق فى البَكَش يَدَّعِى أننا عرفنا هذا من ديانة إبراهيم عليه السلام. وأنا فى الحقيقة لا أدرى أين ذلك الكتاب الذى وصلنا عن إبراهيم، وفيه النص الخاص بنسبة الزكاة! إزاء هذا لا أملك نفسى من أن أقول له: طيـ..ك حمراء يا قرد! العب غيرها! والله لو أن روحك النجسة خرجت من جسدك الدنس ألف مرّة: مرّة تنطح مرّة، فليس أمامك إلا الإقرار على رغم أنفك المنتن بأن السُّنّة النبوية، والسُّنّة النبوية وحدها، هى التى فَصَّلَتِ القول فى هذا، لكن التخطيط الجهنمى الذى دشَّنك رسولا كذابا هو الذى ألزمك بإنكار السنة المحمدية توطئةً لإنكار القرآن ذاته بعد العبث به شرحًا وتفسيرًا والالتواء بآياته عن معانيها ومقاصدها الحقيقية!
الحق أن هذا الهلفوت قد تجاوز قدره تماما ومسَّه طائف من سعار الجنون فتخيَّل ثم خال، وظن أنه قادر على أن يُسْكِت رسول الله فلا ينطق بشىء زاعما أن مهمته صلى الله عليه وسلم تقتصر على تبليغ القرآن، وكأنه مجرد أداة تسجيل، ثم لا يكتفى بهذا بل يريد أن يسكتنا نحن أيضا فلا نشهد له صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة فى الوقت الذى لا يكف هذا الوغد عن الشهادة لنفسه بالرسالة (الرسالة المزيفة المصنوعة فى أمريكا وفى سراديب مخابراتها الشيطانية المجرمة)، ويملأ الدنيا كلاما وحديثا فى التفسير والتعليق والتحليل والتحريم والتكفير والحكم على المسلمين جميعا بما فيهم الصحابة بالعبث بالقرآن والارتداد عن الإيمان، وفى الوقت الذى يهلل لأية عطسة أو ضرطة أمريكية كما فعل مع كلمة جورج واشنطن التى جاء فيها شكر الله فوصفها صاحبنا المجرم القرارى بأنها دليل على استحقاق المجرمين الأمريكان لأَنْعُم الله، وكأن الرسول عليه السلام لم يخلِّف وراءه أدعيةً عبقريةً وألوانًا رائعة معطَّرة من الشكر على نعم الله عليه وعلى أمته تستحق أن يحفظها الحافظون ويرددوها ويعلقوا عليها كما فعل هو مع الضرطة الأمريكية، لعنة الله عليه من كائن جامد الوجه مأفون مخبول! فانظروا بالله عليكم أيها القراء إلى هذا الوغد الجربوع ربيب أمريكا الذى يريد أن يضع نفسه فوق سيده وتاج رأسه ورأس الذين نفضوه! ترى أيمكن أن يكون مثل هذا العميل الدنس النفس، الوقح الطبع، الجامد الوجه رسولا من عند رب العالمين؟ لقد هانت الرسالة إذن ورخُصَتْ فى سوق العقائد والمذاهب حتى لقد ادعاها لنفسه مثل هذا الهلفوت الحقير! والله ثم والله لو لم يكن فى دعوته من سوء وريبة وإجرام سوى أن من أتباعه أحمد صبحى منصور لكفاها ولكفاه! لعنة الله عليه من مجرم لا يستحق إلا الصفع على قفاه!(/12)
ويحاول خليفة أن يوهم المسلمين أنه الرسول الذى تحدثت عنه الآية الثانية والثمانون من سورة "آل عمران" التى تقول: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين: لَمَا آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدِّقٌ لما معكم لَتُؤْمِنُنّ يه ولَتَنْصُرُنّه. قال: أأقررتم وأخذتم على ذلك إِصْرِى؟ قالوا: أقررنا. قال: فاشهدوا، وأنا معكم من الشاهدين". ولست أدرى على أى أساس يظن أنه يستطيع أن يوهمنا بأن الآية قد نزلت فى حقه ("كَسْر حُقّه")، فهذا الوغد الكذاب لم يأت مصدِّقا لما مع الرسول الكريم، بل أتى بكل ما من شأنه أن يهدم ما شاده عليه الصلاة والسلام من بناءٍ عالى الأركان، إذ زعم أن الأخذ بالسنة النبوية كفر وإثم، وأن ذكر الرسول فى الشهادة شرك ووثنية، وأنه ليس هناك دين محدد (هو دين محمد صلى الله عليه وسلم) اسمه الإسلام، بل الإسلام هو مجرد "الخضوع لله: Submission" كما وضحنا آنفا، وهى كلمة مطاطة، وسيان بعد ذلك أن يكون الشخص يهوديا أو نصرانيا أو بوذيا أو عفريتا أزرق، والمهم ألا يكون هذا الشخص مسلما يؤمن حقا وصدقا بمحمد، بل لا بد أن يكون من أتباع الأفاك الضلالى الذى يشتغل هو وأنصاره وحواريّوه عُمَلاءَ أذلاءَ وخُدّامًا حُقَراءَ لأمريكا، ويلعقون أحذيتها الدنسة التى تضربهم بها فى وجوههم وأعينهم وأنوفهم وأسنانهم فيزدادون تراميًا عليها وعلى لَعْق حذائها القاسى الذى لا يرحم، ويسبحون بحمدها، ويلهجون بشكرها، ويتغنَّوْن بإيمانها، ويشهدون لها بحسن شكر النعمة واستحقاق المزيد منها، فى الوقت الذى يرفضون فيه أن يستمعوا لأية كلمة من كلام سيد النبيين والمرسلين، لعنة الله عليهم وعلى سيدهم الكاوبوى الذى يضربهم فى الوجوه والعيون والأفواه والأسنان، وكذلك فى الأستاه، بكل غطرسة وجبروت بحذائه الملطخ بالوحل والدماء!
ثم ما الدليل على أن هذه الآية تنطبق عليه هو بالذات بافتراض أن باب النبوة إذا كان قد أُغْلِق فإن باب الرسالة لم ولن يُغْلَق؟ سيقول إنه قد اكتشف إعجاز العدد 19 فى القرآن الكريم. ولقد بينا من قبل كيف أن المسألة ليست بهذه البساطة، أو قل: ليست بهذه الخباثة، فهذا الكشف إنما يدخل فى باب العمليات العقلية لا فى باب الوحى السماوى بأى حال، وإلا ففى مكنة واحد مثلى أن يدَّعى هو أيضا الرسالة، فقد اكتشفت كثيرا جدا من السمات الفارقة بين أسلوب القرآن الكريم وأسلوب الحديث الشريف وأصدرت كتابا ضخما فى هذا الموضوع (ضِعْف كتابه ثلاث مرات أو أربعا) مما يدل على أن مصدر القرآن غير مصدر الحديث، وأن الرسول الكريم لا يمكن أن يكون أبدا هو مؤلف القرآن! لكنى رجل عاقل فيما أتصور وأعرف حدودى، ولا أستبله الآخرين فأخلط بين الكمبيوتر وجبريل كما فعل الأفاق رسول الميثاق، وكأننا لم نَبْلُ المصائب من وراء "الميثاق" الذى أراد بعض المخابيل المهازيل فى مصر فى ستينات القرن الماضى أن يستبدلوه بكتاب الله فبادوا وباد معهم ميثاقهم بعد أن هُزِموا شر هزيمة ما زلنا نقاسى لهيبها الشاوى الكاوى حتى الآن، فجاء هذا الأفّاق ليحاول استبدال الميثاق مرة أخرى بكتاب الله، فباد هو أيضا كما بادوا من قبل وبادت معه دعوته ورسالته التى هى بالسيرك والبهلوانات وألعاب الحواة أشبه، اللهم إلا بقايا من بقاياه المرمية فى الأركان المظلمة المهجورة من عقب سيجارة أو ورقة صحيفة مهملة قديمة كما صوَّرها نزار قبانى فى أغنيته الشهيرة! ومع هذا فإن أتباعه لا يريدون أن يعترفوا بأن السامر الذى كانوا هم نجومه وممثّليه قد انفضّ، وأن صاحب المسرح قد غيَّر العرض منذ فترة وأصبحت نجومه المفضلة هن السحاقيات الشاذات والزانيات الدنسات الحاملات من السفاح والمتهوسات اللاتى مكانهن الطبيعى هو مستشفى الخانكة (أو إذا أحببت فقل: "الخانقاه") لا سواه!(/13)
ومما يدل على أن ما قام به رشاد خليفة فى موضوع الرقم 19 هو عمل عقلى لا صلة له بالوحى السماوى هذه الفقرة التى أنقلها للقراء الكرام من كلامه الموجود فى موقعه عن الطريقة التى تَوَصَّلَ بها إلى إحصاء كلمة "الله"، تحت عنوان "المعجزة الحسابية في القرآن الكريم": " المجموع النهائي لكل أرقام الآيات التي توجد بها كلمة الله هو 118123، وهو من مضاعفات الرقم 19 = 6217 X 19. وعلى الرغم مما يبدوا عليه سهولة هذا العدّ لكلمة الله والآيات التي توجد بها هذه الكلمة فلقد وجدنا كثيرا من الصعوبة في تنفيذ هذا العدّ على الرغم من أن كل من اشترك في هذا العدّ كان على الأقل خريج جامعه، ومعه كومبيوتر ليساعده في الحسابات. ولقد وقعنا في عدة أخطاء قبل أن نراجع النتائج التي حصلنا عليها بالعد والحساب والجمع وحتى مجرد نقل النتائج من برنامج للآخر. ولعل هذا يؤكد مدى سفاهة هؤلاء الذين يدعون أن محمد هو المؤلف الحقيقي للقرآن، فهو لم يكن بيده ما نملكه الآن من آلات حاسبه الكترونيه، ولم يتعدى تعليمه أي جامعه". ومن الواضح أن الأمر ليس أكثر من كمبيوتر ومساعدين أمدَّه الأمريكان بهم لإنجاز المهمة الميثاقية! وبالمناسبة فقد تركت كلام الضلالى كما هو بعُجَره وبُجَره فى الإملاء والنحو حتى يعرف القراء مدى خذلان الله له حتى فى أبسط الأشياء! ومما يدل أيضا على أن عمل ذلك الأفاق إنما هو عملٌ عقلىٌّ أن هناك باحثًا آخَرَ له دراسة مطولة عن الإعجاز العددى فى القرآن الكريم ينطلق فيها من الرقم 7 ومضاعفاته لا الرقم 19 البهائى الخاص بـ"رسول الميثاق وقُوَى الشَّعْب العامل والتنظيم الطليعى". ألا لعنة الله على كل من يذكّرنا بتلك الأيام النَّحْس التى أدت بنا إلى ما نحن فيه الآن من هوان وضياع وذلة ما بعدها ذلة! وهذا البحث موجود لمن يريد الاطلاع عليه بموقع "عرب سوفت"، وعنوانه: "البناء الرقمى لآيات القرآن الكريم". ورغم ذلك فإن الرجل لم يعلن أنه رسول، على عكس رشاد خليفة، الذى انخبط فى مخّه الزنخ وادعى الرسالة فأخزاه الله وتلاحقت عليه لعنات الله والناس والملائكة أجمعين من وقتها إلى يوم الدين!
لكن أين فى القرآن ما يدل على أن رشاد خليفة هو رسول من رب العالمين؟ يجيب رشاد الأَنْوَك ومن ورائه النَّوْكَى الرشاديون (اقرأ: "الضلاليون") بأن مشتقات "ر ش د" التى أُخِذَ منها اسم "رشاد" قد تكررت فى القرآن 19 مرة، وأن كلمة "خليفة" قد تكررت مرتين: " The root of Rashad is 'Rashada', which is used in the Quran 19 times: (2:186; 2:256; 4:6; 7:146; 11:78, 87:97; 18:10, 17, 24, 66; 21:51; 40:29, 38; 49:7; 72:2, 10:14, 21), the same denominator of the rest of the miracle of the Quran. The word "Khalifa" has been mentioned twice (2:30; 38:26) ". وهذه بعض الأمثلة: "لا إكراه فى الدين. قد تبيَّن الرُّشْد من الغَىّ" (البفرة/ 186)، "وقل: عسى أن يَهْدِيَنِ ربى لأَقْرَبَ من هذا رشدا" (الكهف/ 10)، "وما أَهْدِيكم إلا سبيلَ الرشاد" (غافر/ 29)، فاتَّبَعوا أَمْر فرعون، وما أَمْر فرعون برشيد" (هود/ 97)- "وإذ قال ربك للملائكة: إنى جاعلٌ فى الأرض خليفة..." (البقرة/ 30)، "يا داود، إنا جعلناك خليفة فى الأرض..." (ص/ 26).(/14)
والحق أن هذا الذى يقوله الرجل (إن جاز تسميته: "رجلا") هو محض هذيان، إذ ما العلاقة بين ورود مشتقات "ر ش د" وكلمة "خليفة" فى القرآن، وكون رشاد خليفة رسولا؟ هل هناك آية واحدة تذكره بالاسم وتقول إن الله قد جعله رسولا؟ هذا هو المهم، أما ما عدا ذلك فهو لعب أطفال وبهلوانيات حواة لا تليق بمقام الرسالات والنبوات. والملاحَظ أن الأفّاق قد حرص على النص على أن مشتقات "ر ش د" قد وردت 19 مرة، على حين لم يحرص على ذلك فيما يخص مشتقات "خ ل ف" التى أُخِذت منها كلمة "خليفة". لماذا؟ لأن مشتقات "خ ل ف" ليست 19 ولا مضاعفاتها، وهو ما يدل على أن العيّنة التى يختارها دائما ليست عينة محايدة بريئة بل متحيزة مشبوهة ومصنوعة صنعا. كما أن الأفاق الضلالى يلوى عنق الآيات الكريمة ليقول إنها تتحدث عنه كما صنع على سبيل المثال مع قوله تعالى: "ولما جاءهم رسولٌ من عند الله مصدِّقٌ لما معهم نَبَذَ فريقٌ من الذين أُوتُوا الكتابَ كتابَ الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون* واتّّبَعوا ما تتلو الشياطين على مُلْك سليمان، وما كَفَرَ سليمان، ولكن الشياطين كَفَروا يعلِّمون الناس السِّحْر..." (البقرة/ 101- 102)، إذ زعم المنافق الكافر أن الكلام هنا عن اليهود والنصارى والمسلمين، مع أنه إنما نزل فى بنى إسرائيل وحدهم كما هو واضح حتى من هذا الجزء الصغير المقتَطَع من سياقه العام الذى يبدأ قبل عشرات الآيات، وكله عن بنى إسرائيل لا غير، لكن البكاش يريد بهذه الألاعيب الصغيرة أن يلقى عبثًا فى رُوع المسلمين أن "رسول" المذكور فى النص هو رشاد خليفة، مع أن الكلام قد ورد بصيغة الماضى مما يدل على أنه قد وقع وانتهى الأمر، ولا صلة له به! وهذا هو كلامه بنصه فى ترجمة الآية المذكورة: " Now that a messenger from GOD has come to them, and even though he proves and confirms their own scripture, some followers of the scripture (Jews, Christians, and Muslims) disregard “GOD's scripture behind their backs, as if they never had any scripture". ثم هذا هو تعليقه فى الهامش على الآية الكريمة: " God's Messenger of the Covenant is prophesied in the Old Testament (Malachi 3:1-3), the New Testament (Luke 17:22-37), and this Final Testament (3:81). "
ثم إن مشتقات أسماء كثير من الذين نعرفهم هى فى القرآن أكثر من الهم على القلب، فهل يحق لأصحاب تلك الأسماء أن يقولوا إنهم رسل من عند الله؟ كذلك فاسم "إبراهيم" مثلا (الذى هو اسمى) قد ورد فى القرآن مباشرةً مراتٍ كثيرةً ونُصَّ نصًّا على أنه نبى، فهل تطقّ فى دماغى وأزعم أنا أيضا أننى رسول؟ وبالمثل يمكن حتى لمن يريد أن يجعل من نجوى فؤاد رسولةً أن يقول إن اسم "نجوى فؤاد" قد ورد هو أيضا فى القرآن: "نجوى" 11 مرة (غير مشتقاتها الأخرى التى تجاوز ورودها سبعين مرة)، و"فؤاد" 5 مرات (غير "الأفئدة" التى وردت 11 مرة). ومن الممكن كذلك أن نبحث لها عن معجزة، وما أسهلها، فى ميدان الرقص الشرقى، وهو، رغم فجوره ووساخته، لأخفّ من دنس العمالة لأمريكا وفجورها ملايين المرات! يا أخا الخيانة والضلال والفجور، إن الذين اخْتَشَوْا قد ماتوا منذ زمن بعيد وشبعوا موتا! ولا تضحكوا أيها القراء من حكاية نجوى فؤاد هذه، فكله رقص فى رقص، كما أن ذلك الهزل الذى يتقايؤه خليفة من استه القبيحة لا يصلح له إلا ما أقول، وإلا أصابنا الضغط، والحكاية ليست ناقصة! ولنلاحظ أيضا أن كلمة "رشاد" فى إحدى المرتين اللتين وردتهما فى القرآن قد جاءت على لسان فرعون الضال الذى كان يزعم أنه على حق وأنه يريد أن يهدى قومه سبيل الرشاد. وهذا هو حال رشاد خليفة، فهو ضالٌّ مضلٌّ، ثم هو مع ذلك يَدَّعِى أنه يريد أن يهدى المسلمين إلى سبيل الرشاد: المسلمين فقط، أما اليهود والنصارى والبوذيون وعبدة البقرة والخنفساء والفرج وعبدة غير الخنافس والبقر والفروج فهم، بحمد الله، مهديّون هدايةً طبيعيةً ولا يحتاجون إذن هدايةً من أحد.(/15)
ثم هناك الطامَّة الكبرى المتمثلة فى أن رشاد خليفة، بسبب من خذلان الله له وإخزائه إياه، لم يجد فى طول الأرض وعرضها ما يفسر به كلمة "خليفة" التى وردت فى الآية 30 من سورة "البقرة" إلا أنه "الشيطان"، الذى يقول عنه فى شرحه للآية بين قوسين فى ترجمته إنه "إله مؤقت": "I am placing a representative (a temporary god) on Earth". وها هو ذا واحد من أتباع الأفّاق الكذوب، واسمه أ. كريم، يشرح لنا أن هذا الإله المؤقت (الذى يكتب اسمه حسب نطقه العربى هكذا: "Khalifa") هو "الشيطان" لا سواه، وذلك فى مقال بعنوان "Is Satan a temprory god on earth?" يجده القراء فى موقع خليفة النجس، وهذا نص الكلام المذكور: "The word 'Khalifa' in Arabic means 'representative'. And in the verse context, the 'Khalifa' is Satan. God appointed Satan as a representative on earth for a limited time (until he becomes a guest in Hell forever). Therefore, by God's will, he is allowed to rule his followers among the disbelievers. On the other hand, he has no power over the believers, as God has decreed in the verse [15:42] ". أى أن اسم "خليفة" التى يحاول هذا الموكوس المتعوس أن يقنعنا أنه هو المقصود به إنما هو الشيطان نفسه لا سواه، وهذا تفسيره هو لا تفسير أى إنسان آخر! أما "خليفة" الأخرى فهى صفة لداود عليه السلام، ولا علاقة لها من ثَمَّ برشاد (اقرأ: "ضلال") خليفة! وهكذا، أيها القارئ، فإن هذا الكذاب الذى زعم أنه قد أتى لإعادة الاعتبار للتوحيد قد أشرك بالله شركا لم يشركه أحد قبله، اللهم إلا الثِّنْوِيّة الذين كانوا يقولون بإله للنور وإله للظلمة، وهم أتباع زرادشت، إذ جعل مثلما جعلوا من الشيطان إلها آخر مع الله. فلعنه الله من مفتر كذاب، وأخزاه الله هو وكل من يضع يده فى أيدى مجرمى العصر الحديث لمحاربة محمد ودينه الطاهر النظيف الشريف والتطاول عليه ووصفه عليه السلام بـ"الصنم البشرى العاجز"، لا لشىء سوى أن المسلمين يقولون بشفاعته لهم يوم القيامة! وهذا هو كلامه فى الرسول عليه السلام بنصه حسبما ورد فى تعليقه على ترجمة الآية 254 من سورة "البقرة": "One of Satan's clever tricks is attributing the power of intercession to powerless human idols such as Jesus and Muhammad ". ولعله من المستحسن هنا أن نكرر ما قلناه قبلا من أن الله الذى يخزى دوما رشاد خليفة وبطانته قد شاء، ولا راد لمشيئته، أن يكون الرقم 19 الذى يدير عليه هذا الأفاق دجله وخزعبلاته وشعبذاته إنما هو عدد خزنة جهنم (والعياذ بالله) كما جاء فى سورة "المدثر" حسبما وضحنا. أى أن الرجل لا يعرف إلا الشياطين، ولا تؤدى دعوته بمن يعتنقها إلا إلى الجحيم، وهذا إن صح أن نسميه: "رجلا" لأن الكائن الذى يبيع نفسه فى سوق النخاسة الفكرية والعقائدية ويتآمر على دينه وأمته لا يمكن أن يقال عنه إنه "رجل"!
إن الرسل والأنبياء هم فى الذؤابة العالية من الخلق والكرم وطهارة السلوك لا من المشبوهين المتهمين فى قضايا تمس الشرف والكرامة فى ميدان المال والنساء على ما سوف يأتى بيانه فى أحد ملاحق هذه الدراسة. كذلك لا يمكن أن يتركهم الله يركنون إلى الذين ظلموا وأجرموا وكفروا برسوله وحاربوا دينه ولا يزالون يعملون بكل ما لديهم من قوة ومكر وكيد على محوه واستئصاله، بَلْهَ ما اجترحته أيديهم النجسة فى حق الهنود الحمر مما يعرفه كل من له أدنى إلمام بالتاريخ ولا يجرؤ هذا الوغد هو أو أى واحد من أتباعه أن يُلْمِحوا إليه مجرد إلماح، فى الوقت الذى يهاجمون فيه المسلمين متهمين إياهم بالانحراف عن الإسلام تماما لا لشىء إلا لأنهم يستندون فى فهمهم لدينهم إلى ما تركه لهم سيدنا رسول الله فيركب هذا الوغدَ وأنصاره، عليهم لعائن الله، ألفُ جِنِّىٍّ وتأخذهم نوبة الهذيان التكفيرية!(/16)
ومن سفاهة هذا الدجال أيضا جراءته على تكذيب القرآن نفسه حتى فيما لا يحتمل تكذيبا، فقد أكد القرآن فى عدة مواضع أن البشر جميعا بما فيهم سيدنا محمد، سيموتون، وأنهم سيظلون فى مرقدهم إلى يوم يبعثون حين يُنْفَخ فى الصُّور فيهبّ الجميع من قبورهم، وهذا مما لا يشاحّ فيه أحد، لكن خليفة يقول إن الصالحين لا يموتون، بل يذهبون مباشرة إلى الجنة، بخلاف الطالحين، فهم يموتون، وتبدو لهم فترة موتهم وكأنها يوم واحد ليس إلا، رغم أن القرآن يقول إنه يوم أو بعض يوم، لا يوم فقط قولا واحدا. وحتى هذا القول ليس من كلام الله، بل كلام الرجل الذى أماته الله فى الدنيا مائة عام ثم بعثه للحياة مرة أخرى على هذه الأرض، أما كلام الله فهو أنه لبث ميتا مائة عام. ومرة أخرى هذا نص كلامه، وهو عبارة عن تعليقه على ترجمة الآية 259 من سورة "البقرة": "The lesson we learn here is that the period of death--only the unrighteous die; the righteous go straight to Heaven--passes like one day". أى خبل عقلى هذا؟ وأى خلط فى فهم القرآن ونقل كلام الله سبحانه؟ ثم هو، رغم ذلك، يقول إنه رسول من رب العالمين! يا لضيعة الرسالات! لو أنه قال إن الذين قُتِلوا فى سبيل الله أحياء عند ربهم يُرْزَقون لكنا صدّقناه لأن هذا هو ما جاء فى الآية 259 من سورة "آل عمران"، أما القول بأن ذلك هو مصير الصالحين جميعا، والآن، فلا ندرى من أين أتى به. لقد ارتقيتَ مرتقًى صعبًا يا رُوَيْعِىَ الغنم!
كذلك نراه يسىء على نحوٍ شنيعٍ فَهْمَ قوله تعالى: "واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم. فإن شهدوا فأَمْسِكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا" (النساء/ 15)، إذ يفسره على أن المقصود هو زنا المرأة أربع مرات مع أربعة رجال مختلفين بحيث يراها أربعة من الناس فى كل مرة، وأن المقصود بالإمساك فى البيوت هو الحَجْر الصحى، أما السبيل الذى سيجعله الله لهن فهو أن يتقدم للزانية رجل يتزوجها. وهكذا يكون التفسير الميثاقى، وإلا فلا. ترى ما الذى يُنْتَظَر من أفّاق يحارب الرسول الكريم ولا يطيق أن يسمع له كلمة، غير هذا المخاط المغثِّى؟
وبالمثل يطلعنا على جهله العبقرى فى تفسيره لقوله تعالى: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" (يوسف/ 106)، إذ يقول (تعليقا على ترجمة الآية 103 من سورة "النساء") إن معظم من يؤمنون بالله هم فى ذات الوقت من المشركين، بينما المعنى الصحيح هو أن كفار قريش وأمثالهم ممن نزلت فيهم الآية مشركون رغم إعلان إيمانهم بالله. ذلك أنه إيمان مغشوش، إذ لا يكفى أن يكون الإنسان معتقدا بوجود الله حتى يكون موحِّدا، بل لا بد أن يواكب هذا الاعتقادَ اعتقادٌ آخرُ بتوحيده. هذا هو التفسير الصحيح للآية لا السخف المتنطع الذى يهرف به ذلك الجهول!
ومن أخابيله أيضا قوله إن عيسى عليه السلام قد تم القبض عليه فعلا وعُذِّب وصُلِب، لكن بعد أن رفع الله إليه شخصه أو روحه كما يميت أىَّ رجل صالح، فوقع التعذيب والصَّلْب على جسده الحى الخالى (من الروح طبعا). وهذا الكلام موجود فى تعليقه على ترجمة الآية 157 من سورة "النساء". ولا ريب أن القارئ يرى بكل وضوح هذا الحمق الذى لا يدرى الإنسان له رأسا من ذنب، لأنه كلام غير قابل للفهم ولا للتصور، إذ كيف يكون الجسد خاليا، وفى ذات الوقت لا تزال فيه الحياة؟ ودعنا الآن من قوله إن عيسى عليه السلام قد عُذِّب وصُلِب رغم تأكيد المولى سبحانه أنه لم يُصْلَب، فهذه وحدها حكاية تحتاج إلى دفاتر ووقت!
كذلك يكذب الدَّعِىّ الأحمق كذبًا فاجرًا جلفًا فيزعم أن الله قد أَطْلَعَه على ميعاد قيام الساعة، مصادمًا بذلك ما أكده القرآن مرارا من أن عند الله وحده علمها، وأن أحدا من البشر لا يمكن أن يعرف متى تأتى، وأنه لا يجلِّيها لوقتها إلا هو، وأنها إنما تحدث بغتة. وهذا تهور رهيب منه يدل على أن عقله قد انفك انفكاكا لا أمل فى صلاحه. ومن خُبْثه أنه قد حدد ذلك الميعاد بعد 309 سنة بدءا من سنة 1800م، وهى السنة التى أعلن فيها عن هذا الغيب. وبطبيعة الحال فإنه سيكون حينئذ قد مات وشبع موتا، فلا يستطيع أحد ساعتها أن يقول له شيئا لأنه لن يكون موجودا، فقد تحول إلى تراب. وسلم لى على المترو (المترو الأمريكى هذه المرة)! وهو يسلك إلى هذا سبيلا معقدة أشدّ التعقيد معتمدا على حساب الجُمّل ونظريته فى الرقم 19، وكأن الله سبحانه حاخام من حاخامات اليهود يُقِيم خططه الإلهية على أساس من حساب أبى جاد بفوازيره وحزازيره! وأرجو من القارئ أن يراجع هذا الخبل العقلى فى الملحق الخامس والعشرين لترجمته للقرآن الموجودة فى موقع الـ"Submission".(/17)
وهذا الذى يزعم أن الله قد أطلعه على ما هو من شأنه وحده سبحانه، وهو عِلْم الساعة، قد ضرب الله بالعَمَى الحيسى على عينه وقلبه وعقله حتى إنه لا يستطيع أن يفهم ما لا يمكن أى عامى جهول أن يخطئ فهمه، إذ يذكر (فى تعليقه على ترجمة الآية 54 من سورة "الأعراف") أن الله قد خلق الأرض فى أربعة أيام، ثم يشير إلى الآية العاشرة من سورة "فُصِّلَتْ" دليلا على ما يقول، مع أن الآية تقول بصريح العبارة إنه سبحانه وتعالى خلق الأرض فى يومين لا أربعة، وإن كانت قد أضافت عقب ذلك أنه عز شأنه بارك فيها وقدَّر فيها أقواتها فى أربعة أيام، فظن الجاهل الفَدْم أن هذه الأيام الأربعة هى أيام الخلق، وعَمِىَ عما قالته الآية قبل هذا مباشرة.
ومن كراهيته للمسلمين الذين كشفوا كذبه وعمالته ولم يبالوا به وأعطَوْه الطرشاء كما ينبغى مع أشباهه من الكذابين نراه يحقد عليهم حقدا أسود مفترصًا كل مناسبة ليشنّع بهم ويتهمهم بما يعلم هو قبل غيره أنهم منه براء قائلا إنهم مشركون وثنيون، لاوِيًا كُلّ آية نزلت فى حق اليهود والنصارى والكافرين بحيث يلصقها بأتباع النبى محمد مسوِّد الدنيا فى وجهه القذر، كما فعل على سبيل المثال فى الآية 31 من سورة "التوبة" التى تتحدث عن اتخاذ أهل الكتاب لأحبارهم ورهبانهم والمسيح بن مريم أربابا من دون الله، إذ يزعم أنها نزلت أيضا فى المسلمين أتباع محمد لعبادتهم مشايخهم وعلماءهم، قافزًا فوق القرون ليزعم أيضا أن الآية 33 من نفس السورة، ونصّها: "هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظْهِره على الدين كله"، إنما تقصده هو، مع أنها تصرخ بعُلُوّ صوتها أن المقصود هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم لا مسيلمة ماما أمريكا وبابا نويل أيضا، لكن ماذا نقول للوقحين الثخينى الجلد الذين لا يحسّون على دمهم؟ ومثل ذلك اتهامه المسلمين بأنهم يؤلهون النبى محمدا ويشركونه فى عبادتهم لله، وذلك بترديد اسمه فى الشهادتين والأذان والتحيات، مساويا بذلك بينهم وبين المنافقين الذين بنَوْا مسجد الضرار للتآمر فيه على النبى ودعوته. نجد هذا فى تعليق المنافق الكافر على ترجمة الآية 107 من سورة "التوبة"، التى تتحدث عن مسجد الضرار، وهو المسجد الذى أُسِّس لما أُسِّس له مسجد الكذاب رشاد خليفة فى توسان!(/18)
وهو لا يتوقف عند هذا الحد، بل يرمى الصحابة بأنهم عبدة أوثان وأنهم قد عبثوا بالنص القرآنى فأضافوا إليه آيتين فى نهاية سورة "التوبة"، وهما قوله تعالى: "لقد جاءكم رسولٌ من أنفُسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم، حريصٌ عليكم، بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم* فإن تَوَلَّوْا فقل: حَسْبِىَ الله. لا إله إلا هو. عليه توكلتُ، وهو رب العرش العظيم". وهو يشير بهذا إلى ما ترويه كتب علوم القرآن من أن هاتين الآيتين كانتا مع خزيمة بن ثابت وحده، فأخذ بهما جامعو القرآن رغم أنهم كانوا يشترطون أن يكون هناك شاهدان لا شاهد واحد، نزولا على ما قاله الرسول الكريم فى حق خزيمة من أن شهادته بشهادة اثنين. ولا بد أن ننبه القراء إلى أن الآيتين لم تكونا مع خزيمة وحده إلا من ناحية الحفظ الشفوى وفى نطاق المدينة وحدها، أما من ناحية الكتابة فقد كانتا مسجَّلتين بالقلم والمداد ككل آيات القرآن. وعلى هذا فلم تكن ثَمَّةَ شبهةُ شكٍّ على الإطلاق فى أن الآيتين صحيحتان، وبخاصة أنه ليس هناك ما يمكن الاستناد إليه فى التشكيك فيهما لا من الناحية السياسيّة ولا من ناحية العصبية القَبَليّة ولا من أية ناحية أخرى، إذ لماذا يُقْدِم المسلمون (وهم على ما نعرف تحرُّجًا وخوفًا من الله وإجلالاً وتقديسًا لكلامه سبحانه، وليسوا كعملاء أمريكا الوقحين المنافقين) على اختراع وحى زائف وإضافته إلى كتاب الله؟ ومن هنا لم نسمع أحدا من الصحابة يعترض على هذا التصرف الذى تصرفته لجنة جمع القرآن. ثم إن ماء الأسلوب فى هاتين الآيتين هو نفس الماء فى أسلوب أمثالهما من الآيات وروحها ومضمونها، على العكس مثلا من أسلوب آيَتَىِ الغرانيق، أو آيات سورة "النورين" التى يقول بعض غلاة الشيعة إنها كانت فى القرآن ثم حُذِفت فى عهد عثمان، مما أثبتّ فى كتبى أنه لا واشجة تربطه بأسلوب القرآن المجيد مهما كانت تافهة. وهأنذا أضع بين يَدَىِ القارئ العزيز بعض الشواهد التى تدل على أن الأسلوب والمضمون فى الآيتين المذكورتين وأشباههما شىء واحد: "يا أيها الناس، قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم" (النساء/ 170)، "يا أهل الكتاب، قد جاءكم رسولنا يبيِّن لكم على فترةٍ من الرسل" (المائدة/ 19)، "وما أكثرُ الناسِ، ولو حَرَصْتَ، بمؤمنين" (يوسف/ 103)، "إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يُضِلّ" (النحل/ 37)، "فلعلك باخعٌ نفسَك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" (الكهف/ 6)، "لعلك باخعٌ نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين" (الشعراء/ 3)، "فبما رحمة من الله لِنْتَ لهم" (آل عمران/ 159)، "ونزَّلنا عليك الكتب تبيانًا لكل شىءٍ وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين" (النحل/ 89)، "وننزِّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين" (الإسراء/ 82)، "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين" (الأنبياء/ 107)، "قل: حَسْبِىَ الله. عليه يتوكل المتوكلون" (الزمر/ 38)، "وقالوا: حَسْبنا الله، ونعم الوكيل" (آل عمران/ 173)، "ومن يتوكل على الله فهو حَسْبه" (الطلاق/ 3)، "قل: هو ربى. لا إله إلا هو. عليه توكلتُ، وإليه متاب" (الرعد/ 30)، "ربُّ السماوات السبع، وربُّ العرش العظيم" (المؤمنون/ 86)، "الله لا إله إلا هو، رب العرش العظيم" (النمل/ 26)...(/19)
فماذا بقى لهذا البهلوان لكى يعتمد عليه فى الزعم بأن الآيتين المذكورتين قد أُضيفتا إلى القرآن على سبيل التحريف والتزييف؟ لم يبق له إلا تشغيل أسطوانة الرقم 19، وكأن الله سبحانه قد تحول إلى واضع فوازير يطالب المؤمنين بحلها، ومن ثَمَّ نرى الأفّاق يقول إن عدد المرات التى ذُكِرت فيها كلمة "God" من أول القرآن حتى ذلك الحين هو 1273، وهذا العدد يقبل القسمة على 19، أما لو أضفنا الآيتين المذكورتين فإن كلمة "God" التى فيهما سوف ترتفع بالعدد إلى رقم 1274، الذى لا يقبل القسمة على 19. أرأيت أيها القارئ منطق العِيَال هذا؟ ألا إن هذا لهو التنطع بعينه، إذ من قال إن عدد تكرار كلمة "God" (التى يستخدمها كذّابنا الضال المضلّ فى ترجمة كلمة "الله" وكلمة "رب" جميعا) لا بد أن يقبل عند هذه الآية القسمة على 19؟ أجاءه وَحْىٌ من قِبَل اسْتِه الغبية مثله يقول له هذا؟ وهذا كله إن صَحَّ ما يقول هذا المأفون، إذ هناك دراسات رصينة قد أظهر أصحابها أن الرجل (إن سميناه رجلا) مزيِّف وملفِّق من الطراز الأول فى دعواه هذه التى يقيم عليها رسالته الكاذبة الضالة، ومنها ما ألحقناه بهذه الدراسة كى يتبين الرُّشْد من الغَىّ كما تتلألأ أضواء الشمس فى رائعة النهار! إن ما يقوله ذلك المأفون يذكِّرنى بالطالب الغبىّ الذى كان يحفظ النحو دون أن يحاول إعمال عقله فيما يدرس، فكان يردد دائما فى إعراب جملة "ضرب زيد أخاه": "ضرب" فعلٌ ماض، و"زيدٌ" فاعل. فإذا سأله أحدهم أن يعرب جملة "ضرب علىٌّ أخاه" كان جوابه: "ضرب" فعلٌ ماض، ولو كان عندنا "زيد" لقلنا إنه فاعل، أما "علىٌّ" فلا أدرى ماذا يكون. ثم يمضى مرددا ما كان يردده من قبل: "ضرب" فعل ماض، و"زيد" فاعل. "ضرب" فعل ماض، و"زيد" فاعل. "ضرب" فعل ماض، و"زيد" فاعل. "ضرب" فعل ماض، و"زيد" فاعل. "ضرب" فعل ماض، و"زيد" فاعل... وهكذا دواليك كالحمار يحمل أسفارا. فهذا مثل هذا. إن رشاد خليفة ليشبه ذلك النجار الأحمق فى الأسطورة، الذى لم يأخذ مقاس صاحب السرير قبل أن يفصّله له، فجاء أقصر من جسمه. فما كان منه، حين رأى أن الرجل لا يستطيع أن يمد قدميه براحته وهو نائم، إلا أن أتى بمنشار وقَصَّ ساقيه حتى أصبحتا على قدر مقاس السرير، وبذلك حَلَّ المشكلة! وقد صنع كذّابنا ما صنع ذلك النجار، إذ قام بحذف الآيتين المذكورتين من السورة: هكذا بجرأة متناهية فى قلة العقل والأدب والإيمان والضمير، فلعنة الله عليه وعلى من يقفون وراءه وحوله!(/20)
والمضحك أن الكذاب رشاد خليفة لم يجد ما يسوغ به اتهام الصحابة الذين جمعوا القرآن على عهد عثمان بالزيادة فيه إلا أنهم أرادوا أن يضيفوا الآيتين من باب الثناء على النبى عليه السلام، وكأن القرآن لا يمتلئ بالآيات التى تثنى على الرسول الكريم بما هو أهله. والمضحك أيضا أنه يزعم أن عليًّا هو الشخص الوحيد بين الصحابة الذى أفزعته هذه الإضافة وأنه هبَّ يجمع القرآن فى صورته النقية التى تخلو من مثل هذا التزييف. وقد اعتمد كذابنا هنا على خبر فى "الإتقان فى علوم القرآن" للسيوطى لا علاقة له بجمع القرآن فى عهد عثمان، ولو كان لنا أن نصدق ما قاله الكذاب لكان معناه أن عليًّا، ابن عم الرسول وختنه، كان هو الشخص الوحيد الذى يكره أن يضاف إلى القرآن ثناءٌ على النبى صلى الله عليه وسلم، على حين أن الصحابة الآخرين الذين لا قرابة بينهم وبين الرسول كانوا هم المتحمسين لهذا التزييف! إن هذا لمنطقٌ سقيمٌ جِدّ سقيم! وإنه ليحق لنا أن نسأل الكذاب: كيف يا ترى لم يقم علىٌّ إذن بحذف هاتين الآيتين عندما آلت إليه مقاليد الخلافة؟ إن قرآن الشيعة يتضمن هاتين الآيتين مثلما تتضمنهما المصاحف التى فى أيدى أهل السنة سواء بسواء! يا لله لهذا المنافق الجبان فاقد العقل والحياء! أما احتجاجه بأن وجود آيتين مكيتين مثل هاتين الآيتين فى سورة مدنية هو أمرٌ جِدُّ غريبٍ فهو احتجاج غير مقبول لأن هذا ليس شيئا شاذا فى القرآن، فعندنا مثلا سورة "الأنفال"، التى تسبق "التوبة" مباشرة، وهى مثلها مدنية، ومع هذا ففيها سبع آيات مكية، وكذلك سورة "محمد" المدنية التى نزلت الآية الثالثة عشرة منها قبل الوصول إلى المدينة. أما سورة "إبراهيم" المكية ففيها آيتان مدنيتان، وتشبهها فى ذلك سورة "النحل" المكية التى تتضمن فى نهايتها ثلاث آيات مدنية، وسورة "الكهف" المكية التى تحتوى مع ذلك على ما يقرب من عشرين آية مدنية. والمضحك أيضا للمرة الثالثة قوله إن الله، الذى تعهد بحفظ كتابه، قد هيأه هو لدرء خطر العبث عن ذلك الكتاب بعد أربعة عشر قرنا. فإذا تذكرنا ما قاله الكذاب من أن القيامة قد اقترب ميعادها وأنها على بعد 300 سنة فقط، كان معنى هذا أن القرآن عاش عمره كله تقريبا يعانى من التحريف الذى فيه، فأين التعهد الإلهى بحفظه إذن؟ ويستطيع القراء أن يرجعوا فى ذلك كله إلى الملحق رقم 14 عقب الترجمة الرشادية الشيطانية للقرآن الكريم. والمضحك للمرة الرابعة أن هذا العميل الجامد الوجه الذى يرفض الأحاديث النبوية ويراها رجسًا من عمل الشيطان ويَسِمها بأنها شرك ووثنية هو هو نفسه الذى يعض على أحد هذه الأحاديث بالنواجذ كما يعض الكلب الجائع على عَظْمَة، لا لشىء سوى تَوَهُّمه أن بإمكانه اتخاذ هذا الحديث مستندا للتشكيك فى القرآن وللعبث الإجرامى به من خلال حذف آيتين كريمتين من آياته!
ومن بغض هذا العميل الذليل الرخيص فى سوق العمالة والخيانة لسيدنا رسول الله نراه ينكر عليه الشفاعة مستخدما منطقا عِيَاليًّا أعوج لا يدخل العقل، إذ يقول عند تعليقه على الآية 80 من سورة "التوبة": كيف يمكن أن تُقْبَل شفاعة النبى فى من لا يمتّون له بصلة قرابة فى الوقت الذى رُفِضَت فيه هذه الشفاعة بالنسبة لأعمامه وأخواله وأبنائهم، كما رُفِضَت شفاعة إبراهيم فى أبيه، ونوح فى ابنه؟ والرد على هذا التنطع الغبى من أيسر ما يمكن، إذ إن شفاعة هؤلاء الأنبياء إنما رُفِضَتْ بالنسبة للكافرين من أقاربهم هنا فى الدنيا، أما المؤمنون، سواء كانوا من الأقارب أو لا (إذ الإسلام لا يعترف إلا بقرابة العقيدة إذا تعارضت معها قرابة الدم)، فإن الله سبحانه سوف يأذن لرسوله فى الشفاعة فيهم يوم القيامة إذا رأت إرادته وحكمته العلية ورحمته البالغة ذلك تكريما له صلى الله عليه وسلم.(/21)
هذا، وفى نهاية الدراسة أحب أن ننظر معا فى النتائج المخيفة التى تجرنا إليها دعوة هذا الأفاق الكذوب متمثلة فيما كتبه أحمد عقلة، وهو واحد من أتباع قتيل "توسان" مسجد الكفر والضلال، فى موضوع حشمة النساء، إذ أكد أن كل ما ينبغى أن تراعيه المرأة فى ملابسها لا يخرج عن القواعد الثلاث التالية التى استمدها من القرآن فقط واكتفى فى تفسيرها بعقله هو دون الرجوع إلى أحاديث الرسول أو كلام أصحابه، وهو ما يمكن المجادلة فيه للصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم صبح اليوم التالى وظهره وعصره ومغربه وعشائه ... وهَلُمَّ جَرًّا إلى أبد الآبدين، لأن ما يقوله إنما هو رأى من الآراء، ولن يحسم المسألة أو على الأقل يساعد فى حسمها ويضيِّق شُقّة الخلاف بينه وبين من لا يتفقون معه إلا أن يكون هناك مرجع خارجى يحظى باحترام كلا الطرفين، ألا وهو تفسير الرسول عليه السلام لمثل هذه الآيات. لكنه كأستاذه (أو فلنقل: "كرسوله") الكافر الكذاب يرفض إدخال النبى محمد عليه السلام فى الأمر فى الوقت الذى يريدنا فيه أن نأخذ بكلام رشاد خليفة وبكلامه هو، وكأن النبى عليه السلام كان مجرد ساعى بريد أتى بالقرآن وسلمه لنا فى صمت دون أن يفوه بكلمة واحدة، بل دون أن يكون له الحق فى أن يفوه بكلمة واحدة، لا لأن الله منعه من ذلك، بل لأن رشاد خليفة "أبا شخّة" قد أراد له الصمت المطبق. يعنى أن لخليفة وأتباعه الحق كل الحق فى أن يتكلموا ويفسروا القرآن، أما محمد فلا، إذ هو فى نظرهم لم يكن أكثر من ساعى بريد! مع أن ساعى البريد عادة ما يقف معنا بعض الوقت عند تسليمه إيانا ما يحمله لنا من رسائل ويتبادل معنا بعض الكلمات، وقد نناوله قطعة من الحلوى مما يتصادف أن كنا نأكله عند مجيئه، وقد نسأله عن الجو والأحوال، وربما امتد السؤال فشمل الجهة التى أرسلت الخطاب... إلى آخر ما يمكن أن نتناول من حديث مع الساعى، اللهم إلا أن يقول رشاد خليفة إن الرسل لم يكونوا سعاة بريد وحسب، بل سعاة بريد خُرْسًا عُمْيًا طُرْشًا، فهم لا يَرَوْن ولا يسمعون ولا يتكلمون. حاجَة كذا مثل هيلين كيلر! لكنْ حتى هيلين كيلر يا خَلْق هُوه قد تعلمت كيف تعبر عن نفسها وتتكلم بطريقتها وتعرف ما يقال لها بعد أن علّموها عن طريق النقش بالأصابع على كفها، إذ كان اللمس هو الحاسة الوحيدة التى كانت قد بقيت لها من بين الحواس جميعا. وبهذا يتضح أن رشاد خليفة قد ألزم النبى عليه السلام ألا يفتح فمه، وإلا كفَّر من يستمع إليه ووَسَمه بالشرك والوثنية. طيب، إذا كان هذا هو ما ينتظر من يستمع إلى أحاديث النبى ويعُدّها جزءًا من الدين، فما الذى ينتظر النبىَّ نفسَه إذا تكلم، وهو بالطبع وبكل تأكيد ويقين قد تكلم؟ أترك الجواب للقراء!
والآن إلى ما يقوله ضلال خليفة وأتباعه فى من يعتمد، إلى جانب القرآن الكريم، على السنة النبوية:
"Following a source other than Quran is idolatry. The following verse makes it clear that the Quran is God's Testimony. Following any other source is defined as idolatry.
Say, "Whose testimony is the greatest?" Say, "God's. He is the witness between me and you that this Quran has been inspired to me, to preach it to you and whomever it reaches. Indeed, you bear witness that there are other gods beside God." Say, "I do not testify as you do; there is only one god, and I disown your Idolatry." [6:19]"(/22)
ومعناه أن الاعتماد على أى مصدر آخر غير القرآن هو وثنية وشرك، وهذا ما تقوله حسب نظرهم الأعشى الكليل الآية التالية: "قل: أىُّ شىءٍ أكبرُ شهادة؟ قل: الله شهيدٌ بينى وبينكم. وأُوحِىَ إلىَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ. أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهةً أخرى؟ قل: لا أشهد. قل: إنما هو إلهٌ واحدٌ، وإننى برىء مما تشركون" (الأنعام/ 19)". وواضح أنه لا علاقة بين الآية الكريمة وهذا الهذيان الغائطى الذى يحاول المجرمون أن يرتِّبوه عليها مما لا علاقة له بها من قريب أو من بعيد، فالآية تتحدث عن شهادة الله سبحانه لرسوله بالصدق فى مواجهة تكذيب الكفار لما أتاهم به، ولا وجه للاستشهاد بها على أن الأحاديث النبوية ضلال فى ضلال، وأن الأخذ بها هو شركٌ ووثنيةٌ مَقِيتَة على ما يزعم هؤلاء الأوغاد. أرأيتم أيها المسلمون إلى ما يهدف إليه رسول الميثاق (اقرأ: "رسول الغدر والخيانة")؟ إنه يتكلم ملء فيه ويسوِّد آلاف الصفحات ويفسر القرآن تفسيراته الشيطانية الكافرة، ثم يستكثر على الرسول الذى نزل عليه هذا القرآن أن يفتح فمه ببنت شفة أو أن يعلِّق بكلمة واحدة على أى آية منه! وهكذا تكون "الرسالات الميثاقية" التى ترعاها أمريكا وتمولها أمريكا وتحميها أمريكا، ثم لا تؤمن بها أمريكا رغم كل شىء، كما لا تستطيع أن تحميها أمريكا رغم كل شىء أيضا، فيُقْتَل رسول الميثاق الذى هاجر إلى أمريكا كى يكون فى مأمن من القتل كما زعم، لكن الله غالب على أمره، فلم تُغْنِه أمريكا بشىء ويُقْتَل شَرَّ قِتْلَة!
ويعتمد عُقْلَة على الآية الأولى من سورة "التحريم" فى الزعم بأنه ليس من حق الرسول أن يشرِّع شيئا من عند نفسه، وهذا نص الآية: "يا أيها النبى، لمِ َتُحَرِّم ما أَحَلّ الله لك، تبتغى مرضاة أزواجك؟ والله غفور رحيم". لكن الآية لا تدل على ما يريد الكاتب أن يصل إليه، ذلك أنها تتحدث لا عن تشريع أتى به النبى الكريم من عند نفسه، بل عن تصرف شخصى له عليه السلام لم توافقه عليه السماء فنبهته إلى ذلك وأمرته بالعدول عنه. وإذا كان هذا قد حدث مع تصرف شخصى له لقد كان أَحْرَى وأَحْجَى أن يحدث هذا فى حالة ما لو شرَّع عليه السلام شيئا للمسلمين لم توافقه عليه السماء؟ أليس المنطق يقول بهذا؟ فما معنى أن السماء تركته عليه السلام ينصّ على أشياء قال إنها محببة إلى الله، وأشياء أوجبها على أتباعه باسم الله، وأشياء حرّمها عليهم من ذات المنطلق أيضا، ثم لم تعقِّب على شىء من هذا، وهى التى عوّدتنا على أن تتدخل فتنبهه إلى أن هذا الأمر أو ذاك لا يحظى من الله بالموافقة؟ إن الجواب بكل اطمئنان هو أن السماء قد تركت ذلك دون تعقيب أو تنبيه لأن ما قاله أو فعله عليه السلام يحوز القبول، وإلا اتَّهَمْنا السماءَ بأنها تُوَالِس معه صلى الله عليه وسلم وتساعده فى تضليل المسلمين وتعريضهم للارتداد عن دينهم إلى الشرك والوثنية، وهى التهمة الجاهزة عند الرشاديين (أو بالأحرى: "عند الضلاليين") لكل مسلم يلتزم سنة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أى للمسلمين جميعا، على حين أن الأمريكان عندهم ناس طيبون يحظَوْن بالرضا الإلهى.
أتدرون لماذا يحظى الأمريكان عندهم بالرضا الإلهى أيها القراء الكرام؟ لأن جورج واشنطن قد أعلن الشكر العام باسم الأمة الأمريكية لله لقاء ما أغدقه عليهم من نعم، وتجاهل هؤلاء الرشاديون (اقرأ: "الضلاليون") محادّة الأمريكان لله ولنبيه محمد، بل وإهمالهم لرشاد خليفة نفسه (رشاد خليفة "رسول الميثاق" كما يسمى نفسه ويسميه أتباعه)، وإلا فلماذا لم يؤمن الأمريكان بما يقوله هذا الرشاد (اقرأ: "هذا الضلال") على ما فيه من عُرَرٍ وعُجَرٍ وبُجَر؟ وهذا هو نص كلام الأفّاقين فى هذا الموضوع كما ورد فى موقعهم:
"God tells us in the Quran that He blesses the people and communities who are appreciative of His provisions and blessings. Only the disbelievers are unappreciative of their Creator and they will eventually suffer the consequences of their disbelief and arrogance. Here are some verses on appreciation and thanksgiving:
Your Lord has decreed: "The more you thank Me, the more I give you." But if you turn unappreciative, then My retribution is severe. [14:7]
You shall remember Me, that I may remember you, and be thankful to Me; do not be unappreciative. [2:152]
What will GOD gain from punishing you, if you became appreciative and believed? GOD is Appreciative, Omniscient. [4:147]
And He gives you all kinds of things that you implore Him for. If you count GOD’s blessings, you can never encompass them. Indeed, the human being is transgressing, unappreciative. [14:34](/23)
We have endowed Luqmaan with wisdom: "You shall be appreciative of GOD." Whoever is appreciative is appreciative for his own good. As for those who turn unappreciative, GOD is in no need, Praiseworthy. [31:12]"
وخلاصته أن الله، حسبما جاء فى القرآن، يبارك الشعوب والأمم التى تقدر عطايا الله ونعمه، وأن الكافرين هم وحدهم الذين لا يحمدون ربهم، وأنهم سيذوقون عاقبة كفرهم وكبرهم. ثم يستشهدون بقوله تعالى: "فاذكرونى أَذْكُرْكم، واشكروا لى ولا تَكْفُرونِ"، وقوله جل شأنه: "ما يفعلُ الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم؟"، وقوله سبحانه: "وإذ تَأَذَّن ربُّكم: لإِنْ شكرتم لأزيدنَّكم، ولإِنْ كفرتم إنّ عذابى لشديد"، وقوله: "ولقد آتينا لقمانَ الحكمةَ أَنِ اشكر لله. ومَنْ شَكَرَ فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن الله غنى حميد"... فانظروا بالله عليكم إلام انتهى الحال بهؤلاء الضلاليين، فكفَّروا المسلمين جميعا من أول الصحابة فنازلاً فى الوقت الذى يَصِفُون فيه الأمريكان بالإيمان ويعلنون أن الله راضٍ عنهم ويُبَارِكهم رغم كل الجرائم التى ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها فى حق البشرية، ورغم الإبادة التامة للهنود الحمر واستيلائهم على بلادهم بالأساليب المتوحشة الغادرة التى يعرفها كل من قرأ التاريخ، ورغم حربهم التى يشنونها على الإسلام وكتابه ورسوله وأتباعه ومعاضدتهم لليهود ضد المسلمين وإمدادهم لهم بكل ما يمكن وما لا يمكن تخيله من السلاح المدمر للقضاء عليهم وهدم بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم ومستشفياتهم. وكل هذا من أجل أن جورج واشنطن قد تعطَّف فأعلن الشكر العام لله، مع أن خليفة نفسه ومن يؤازره على ضلاله يقولون إنه لا يكفى أن يقول المسلم إنه يؤمن بالله، بل يوجبون عليه أن يظل على ذكر منه دائما ليلا ونهارا بحيث لا يفارق خاطره طرفة عين. طبعا، أما الأمريكان فيكفى أنهم تذكروا الله مرة يوم 3 أكتوبر عام 1798م، ثم فليفعلوا بعد هذا ما يشاؤون، فهم قومٌ مغفورةٌ لهم خطاياهم، فهكذا رَأَى رشاد (الذى يذكِّرنى برشاد "ساعة لقلبك"). أليسوا يؤمنون بأن المسيحَ ابنَ الله قد مات على الصليب فداء لهم من الخطيئة الأولى؟ فماذا نريد أكثر من هذا؟ إن هذه مِنّا، وَايْمِ الحقّ، فَرَاغَةُ عَيْن!
ليس ذلك فقط، فهؤلاء الرشاديون (اقرأ: "الضلاليون") الذين يستشهدون بجورج واشنطن ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها لكلمة قالها لا راحت ولا جاءت، ويجعلون منها مثلا يُحْتَذَى فى الإيمان بالله والقيام بواجب الحمد له سبحانه، نراهم فى ذات الوقت يحرِّمون على المسلمين أن يستشهدوا بأية كلمة قالها النبى صلى الله عليه وسلم، ولَعَنَ المترسِّل الكذّابَ الذى يضع يده النجسة فى يد الأمريكان الأنجس! ويمشى فى نفس الاتجاه تعليق رسول الخزى والعار على ترجمة قوله تعالى لرسوله محمد: "فإذا عزمتَ فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين" (آل عمران/ 159) بأن الأمريكان هم الأمة الوحيدة الذين يكتبون على دولارهم: "توكلنا على الله"، فلذلك كانت عُمْلَتهم أقوى العملات، وكانت هى الأساس الذى تقاس به عملات الأمم الأخرى جميعا:"
The currency of the U.S.A. is the only currency that carries the phrase: "In God we trust." It is a fact that the American dollar has been the strongest currency in the world, and the standard by which all other currencies are measured. ".
وعَوْدًا لموضوع زِى المرأة نقول إنهم ينفون أن تكون تغطية الشعر مثلا أو الذراعين أو الساقين من الإسلام، وحجتهم تتلخص فى أمرين: أن القرآن لم ينصّ على شىء من هذا، بل المسألة كلها ليست أكثر من تقاليدَ وتفسيراتٍ للعلماء ما أنزل الله بها من سلطان. والثانى أن التاريخ قد ذكر لنا نساء كثيرات غير مسلمات فى القديم والحديث عرفن تغطية الشعر والاحتشام فى الملابس على النحو الذى تمارسه المرأة المسلمة هذه الأيام ظنًّا منها أنها تنفذ تعاليم دينها، على حين أنها إنما تقلد هؤلاء النسوة وتنصاع لكلام العلماء الجهلة الذين يشرِّعون لها ما ليس من الدين بل ما يخرجها منه إلى الشرك والوثنية!(/24)
وأما بالنسبة لما قاله القرآن فى هذا الصدد فيتلخص فى قواعدَ ثلاثٍ ليس غير، وهذه القواعد يمكن استخلاصها من الآيات التالية: "يا بنى آدم، قد أنزلنا عليكم لِبَاسًا يوارى سَوْآتِكم ورِيشًا، ولِبَاسُ التقوى ذلك خير" (الأعراف/ 26). فالمهم هو التخلق بخلق التقوى، وهذه هى القاعدة الأولى التى ينبغى أن تضعها المرأة نُصْبَ عينيها فيما يتعلق بملابسها. أما القاعدة الثانية فيشير إليها قوله تعالى: "ولا يُبْدِين زينتهن إلا ما ظهر منها، ولْيَضْرِبْن بخُمُرهن على جيوبهن " (النور/ 31). والخِمَار عنده ليس غطاء الرأس الذى تغطى به المرأة المسلمة شعرها، بل يصدق على كل غطاء سواء كان مفرش سفرة أو بطانية أو ستارة أو فستانا أو معطفا أو شالا أو قميصا أو بلوزة أو حتى رباط رقبة...إلخ. وكل المطلوب فى هذا الخمار أن يغطى الصدر، والصدر فقط، إذ لم تذكر الآية إلا الجيوب وحسب، والجيوب هى الصدور! ولو كان سبحانه يريد تغطية الرأس والشعر فما الذى منعه من التصريح بذلك؟ أما الزينة التى نهى الله النساء عن إبدائها (مستثنيًا مع ذلك "ما ظهر منها" على ما جاء فى الآية)، فإنه سبحانه لم يحددها بل تركها عامة تتبع العرف والتقاليد. ونأتى للقاعدة الثالثة التى ينبغى أن تلتزم بها المرأة المسلمة فى موضوع الملابس ولا تزيد، وإلا حق عليها غضب الله، وهذه القاعدة تتمثل فيما تقوله الآية التالية: "يا أيها النبى، قل لأزواجك وبناتك ونساء المسلمين يُدْنِينَ عليهن من جلابيبهن"، والمقصود هو تطويل الملابس مجرد تطويل، مع مراعاة أن القرآن لم يحدد مدى هذا الطول، بل تركه للعرف والتقاليد أيضا.
ومعنى هذا أن الظَّهْر لا تجب تغطيته ولا الأفخاذ ولا السيقان ولا الأذرع ولا السُّرَر، فقد سكتت الآيات عن كل ذلك فلم تذكر إلا الجيوب والسوءات، ومن ثم فليس من حق أحد، ولا حتى الرسول نفسه، أن يوجب تغطية شىء من هذا مادام المجتمع والعرف يبيحه. ومعنى هذا ببساطة أن كل امرأة ستكون على هواها فى ملابسها، أو فى أحسن الأحوال سوف تتبع ما هو سائد فى مجتمعها. ومعنى هذا أيضا أنه لا يحق للرسول أن يقول لنا شيئا فى ذلك الموضوع، لكن يحق للمجتمع أن يفرض سلطانه وكلمته على المرأة المسلمة حتى لو كان مجتمعا كافرا لا يؤمن بالإسلام، أو لا يؤمن بأى دين على الإطلاق! وبالمناسبة فهذا الكلام هو نفسه ما قاله محمد أسد كما يذكر الذين قرأوا مقالاتى عن ليوبولد فايس، وردَّده أيضا سعيد العشماوى. وعن المرء لا تَسَلْ، وسَلْ عن قرينه!
والآن إلى بعض ما وجدته على المشباك من موادّ خاصة برشاد خليفة التقطتها بعد أن انتهيت من دراستى هذه:
1- تعريف برشاد خليفة وبحثه
بقلم: بسام جرار
رشاد خليفة مصريّ، حاز على شهادة الدكتوراة في الكيمياء الصناعيّة، وعمل خبيراً لدى اليونسكو. سكن مدينة توسان، التي تقع في ولاية أريزونا، في الولايات المتحدة الأمريكيّة. قدّم نفسه على أنّه إمام لمسجد توسان، وأخذ يتحدث عن إعجاز العدد 19، وذلك في النصف الثاني من السبعينات. وقد صَدَر بحثه في أكثر من نشرة، ثمّ جعله في كتاب بعنوان: "معجزة القرآن الكريم"، وكانت الطبعة الأولى عام 1983م.
حين بَدَأت أمارات الانحراف تظهر في فكر وسلوك رشاد خليفة جاء ذلك متزامناً مع بروز خلافات ومشاكل له مع المصلين في مسجد توسان، وتفاقمت هذه المشاكل إلى أن تمّ طردُه، فقام بتأسيس مركز خاص به وبدعوته، التي استهلها بإنكار السُّنّة وختمها بادّعاء الرسالة. وقد أصبح فيما بعد ممن يملكون الملايين، مما جعل الشبهات تدور حول شخصه وصِلَتِهِ بجهات معادية للإسلام. وكانت خاتمته أن وُجد مقتولاً طعناً بسكّين، وذلك في المركز الذي أنشأه. ويحاول أتباعه، أو الجهة التي من ورائه، أن يعطوا تفسيراً لمقتل هذا الرسول المدّعي، والذي لم يكمل رسالته، في محاولة لإكمال مسيرة الكيد للإسلام.
وإليك أخي القارئ تعريفاً بكتاب (معجزة القرآن الكريم) المطبوع في دار العلم للملايين، في بيروت، عام 1983م، مضافاً إليه بعض المسائل التي أشار إليها رشاد خليفة في نشرات أخرى:
1. أول ما نزل من القرآن الكريم 19 كلمة:"إقرأ باسم ربك الذي خلق ... علّم الإنسان ما لم يعلم"، هذا على اعتبار أنّ (مالم) هي كلمة واحدة. وهذه الكلمات ال 19 هي 76 حرفاً، أي (19×4)، وذلك وفق الرسم العثماني للقرآن الكريم. أمّا عدد أحرف سورة (العلق) فهو 285 حرفاً، أي (19×15)، وعدد آياتها هو 19 آية، وهي السورة 19 قبل الأخيرة في ترتيب المصحف.
تعليق: هذه المعلومات صحيحة، ولكن لا وجه عندنا لاعتبار مالم كلمة واحدة.(/25)
2. ثاني ما نزل من القرآن الكريم الآيات (1-9) من سورة القلم، وهي 38 كلمة، أي (19×2). وثالث ما نزل من القرآن الكريم الآيات (1-10) من سورة المزمّل، وهي 57 كلمة، أي (19×3). ورابع ما نزل الآيات (10-30) من سورة المدّثر، والآية 30 هي: "عليها تسعة عشر". وخامس ما نزل سورة الفاتحة، وكان أن نزل:"بسم الله الرحمن الرحيم"، الآية الأولى من سورة الفاتحة.
تعليق:
أ- نزلت سورة العلق أولاً، ثم القلم، ثم المزّمل، ثم المدّثر، ثم الفاتحة. والمشهور أنّ أول ما نزل هي الآيات (1-5) من سورة العلق. أمّا ترتيب نزول القلم و المزّمل و المدّثر فلا مجال للجزم بصحته، لأنّ هذه المسألة هي محل خلاف وتعددت فيها أقوال العلماء.
ب- ثم إنّ عدد كلمات الآيات (1-9) من سورة القلم هو 39 وليس 38. ويبدو أنّهُ اعتبر ما يسطرون كلمة واحدة، على اعتبار أنّ هذه الجملة يمكن أن تُؤَوّل بكلمة واحدة هي كلمة كتابتهم. وهذا غير مقبول، لأننا نعتمد في عدد الحروف والكلمات على رسم المصحف، المسمّى الرسم العثماني، وليس على أساس المعنى. وإذا تمّ اعتماد المعنى كأساس فسوف لا تكون كلمة كتابتهم كلمة واحدة.
ج- عدد كلمات الآيات (1-10) من سورة المزّمل هو 58 وليس 57، ويبدو أنه اعتبر ما يقولون كلمة واحدة.
3. عدد أحرف البسملة هو 19 حرفاً، وذلك وفق الرسم العثماني. وتكررت كلمات البسملة كالآتي: اسم تكررت 19 مرة. وتكرر لفظ الجلالة الله 2698 مرة، أي (19×142). وتكررت كلمة رحمن 57 مرة، أي (19×3). وتكررت كلمة رحيم 114 مرة، أي (19×6). وعليه يكون مجموع تكرارات العدد 19 لهذه الكلمات هو (1+142+3+6) = 152 = (19×8).
تعليق: تكرار لفظ الجلالة الله في القرآن الكريم هو 2699 وليس 2698، وما ينبني على ذلك لا يكون صحيحاً.
4. تكررت البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم" في القرآن الكريم 114 مرة، أي (19×6). وإذا بدأنا العدّ من سورة التوبة، والتي لا تُستهل ببسملة، فسنجد أنّ ترتيب سورة النمل، والتي تتضمن بسملتين، هو 19. وإذا جمعنا أرقام السّور، من سورة التوبة إلى سورة النمل، فسنجد أنّ المجموع هو 342 أي (19×18)، وهذا هو أيضاً عدد الكلمات من بداية سورة النمل إلى نهاية الآية 29. ولا ننسى أنّ الآية 30 هي:"إنّه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم".
تعليق: هذا إلى حدٍّ ما صحيح، ولكن وفق قاعدته في إحصاء الكلمات، من مثل: "ما يسطرون" و "ما يقولون"، فإنّ عدد الكلمات من سورة النمل هو 340 وليس 342، لأنّ هناك كلمتين في الآية 25 هما: "ما تُخفون" و "وما تعلنون". وبذلك يتضح أنّه لا يلتزم قاعدة في الإحصاء.
5. هناك 29 سورة في القرآن الكريم تُستهل بأحرف نورانيّة، وعدد هذه الأحرف هو 14 حرفاً، يتألّف منها 14 فاتحة. وعليه: (19+14+14) = 57 أي (19×3).
تعليق: هذا صحيح.
6. تستهل سورة القلم بالحرف ن وقد تكرر هذا الحرف في السورة 133 مرّة، أي (19×7). وتستهل سورة ق بالحرف ق وقد تكرر في السورة 57 مرّة، أي (19×3). وتستهل سورة الشورى بالحروف حم عسق، وقد تكرر الحرف ق في السورة أيضاً 57 مرّة. وعليه يكون مجموع تكرار الحرف ق في السورتين هو 114، أي (19×6). وتكرر الحرف ص في سور ( مريم، الأعراف، ص)، والتي تُستَهَلّ بـ (كهيعص، المص، ص) 152 مرة، أي (19×8).
تعليق: هذا لا يصحّ حتى تُرسم ن هكذا نون ولم نجد هذا الرسم في المصاحف العثمانيّة، ويحتاج الأمر إلى دراسة ومتابعة للتحقق من وجود هذا الرسم في الصاحف العثمانيّة. ولا يكون مجموع الحرف ن في سورة القلم 133 حرفاً حتى نُحصي حروف البسملة. وكذلك لا يصح إحصاؤهُ لحرف ص في السور الثلاث حتى تُرسم كلمة بصطة، في سورة الأعراف، هكذا بسطة، ولم نجد ذلك في المصاحف العثمانيّة حتى الآن.
7. تستهل سورة مريم بالحروف (كهيعص). ومجموع تكرار الأحرف: (ك، هـ، ي، ع، ص) في سورة مريم هو 798، أي (19×42). وتستهل سورة يس بالحرفين (ي، س). ومجموع تكرار الحرفين في السورة هو 285 أي (19×15). ومجموع تكرار (ح+م) في سور الحواميم هو 2147 أي (19×113). ومجموع تكرار الأحرف (ع+س+ق) في سورة الشورى هو 209 أي (19×11). ومجموع تكرار (ح+م) في السور (غافر، فصلت، الشورى) هو 1121 أي (19×59). ومجموع تكرار (ح+م) في السّور (فصلت، الشورى، الزخرف) هو 1045 أي (19×55). أمّا تكرار (ح+م) في (الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف) فهو1026 أي (19×54). وأخيراً فإن تكرار (ح+م) في (غافر، الدّخان، الجاثية، الأحقاف) فهو 1102 أي (19×58).
تعليق:
أ- هذه الإحصاءات صحيح، مع ملاحظة أنّهُ تمّ إحصاء الحرفين (ح+م) في بسملات سور الحواميم السبع.
ب- تمّ إحصاء تكرار الحرفين (ح، م)، في السّور السبع كلها، فكان المجموع هو من مضاعفات العدد 19. أما مجموع التكرار في كل سورة على حِدة فليس من المضاعفات.(/26)
وبعد، فإنّ الذي سلف هو تفصيل ما صحّ من بحث رشاد خليفة، وإليك تفصيل ما لَفَّقَهُ وافتراهُ، وذلك وفق ما ورد في كتابه (معجزة القرآن الكريم) المشار إليه سابقاً:
1. لم يصح إحصاؤه لحرف الألف في سورة البقرة، وتناقض في قاعدة الإحصاء للألفات والهمزات في هذه السورة وسور أخرى.
2. لم يصح إحصاؤه لحرف الألف في سورة آل عمران، وتناقض أيضاً في قاعدة إحصاء الألفات والهمزات.
3. لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا،ل، م، ص ) في سورة الأعراف هو من مضاعفات العدد 19.
4. لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، ر ) في سورة يونس هو من مضاعفات العدد 19.
5.لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، ر ) في سورة هود هو من مضاعفات العدد 19.
6. لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، ر ) في سورة يوسف هو من مضاعفات العدد 19.
7. لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، م، ر ) في سورة الرعد هو من مضاعفات العدد 19.
8.لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، ر ) في سورة إبراهيم هو من مضاعفات العدد 19.
9.لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، ر ) في سورة الحجر هو من مضاعفات العدد 19.
10. لم يستطع رشاد خليفة أن يُلفّق في عدد تكرارات الحروف ( هـ، ط، س، م ) لسهولة التحقق من ذلك عن طريق الكمبيوتر، فكان أغلب تلفيقاته متعلّقة بحرف الألف، الذي يصعب التحقق منه، لأنّ برامج الكمبيوتر المتوفرة في حينه لا تُعين على ذلك. ولم يجد رشاد خليفة أنّ مجموع تكرار الحرفين ( ط، هـ )، في سورة طه، هو من مضاعفات العدد 19، وكذلك الأمر في الحرفين ( ط، س )، من سورة النمل، وكذلك الحروف ( ط، س، م )، من سورتي القصص والشعراء. لذلك كله ذهب إلى القول بأنّ مجموع تكرار ( هـ، ط، س، م ) في سّور (مريم، طه، الشعراء، النمل، القصص) هو من مضاعفات العدد 19. ولا ندري ما هي هذه الفاتحة هطسم التي اخترعها. ثم إنّه قد أحصى (هـ) في سورة مريم، ولم يحص، على سبيل المثال، (س) في سورة يس!!
11.لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل ،م ) في سورة العنكبوت هو من مضاعفات العدد 19.
12. لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، م ) في سورة الروم هو من مضاعفات العدد 19.
13. لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، م ) في سورة لقمان هو من مضاعفات العدد 19.
14. لم يصح قوله بأنّ مجموع تكرار الأحرف ( ا، ل، م ) في سورة السجدة هو من مضاعفات العدد 19.
بعد التحقُّق من تكرار الأحرف في السّور المذكورة سالفاً وجدنا أنّ رشاد خليفة قد تعمّد التحريف والتلفيق ليخلص إلى نتيجة أنّ تكرار الأحرف المذكورة في كل سورة من هذه السور هو من مضاعفات العدد 19. ولا مجال لتصوّر أن يكون الأمر من قبيل الخطأ لظهور ذلك تماماً في أبحاثه. وقد جاءت التطورات في فكره وسلوكه لتبتّ هذه المسألة
الخلاصة:
لقد حَرّف رشاد خليفة إحصاء أحرف فواتح (12) سورة. أما فيما يتعلق بالعدد 19 ومضاعفاته فلم تصح أقواله في (23) سورة من أصل 29 هي سور الفواتح.
2- أيُّ رسولٍ هذا ؟!
بقلم: بسّام جرّار
لا يغيب عن بال رشاد خليفة أن ياتي بالدليل المزعوم على أنه رسول؛ فهو يزعم أنّ الله قد أظهره على سرّ العدد 19 في القرآن الكريم، ويعتبر ذلك دليلاً على أنّ الله قد اختاره رسولاً. يقول رشاد في رسالته إلى الرؤساء والملوك: "والذين لا يستحقّون رسالة الله ممنوعون من حق الوصول إلى القرآن"، أي أنه يعتبر الوصول إلى بعض أسرار القرآن الكريم دليلاً على الإختيار الربّاني. وعلى الرُّغم من تهافت هذا الكلام فلن نهمله، لاحتمال علوق شوائبه في أذهان البعض ممن قرأ كلام الرجل.
كم من عالمٍ وكم من باحثٍ وفّقهم الله إلى كشف أسرار القرآن الكريم واستخراج كنوزه، فهل هؤلاء أيضاً كلهم رسل؟! وقد يُجيبك رشاد فيقول: ولكنهم لم يدّعوا النبوة أو الرسالة. نقول: معنى هذا أنّ من كشف سراً من أسرار القرآن الكريم فقد عُصم من الانحراف والزلل والإلحاد وادّعاء النبوة!! وهذا فهم عجيب لا يقبله أهل العقل ولا أهل النقل.
يستشهد رشاد بالقرآن الكريم ليدلل على منطقه هذا: "... ومنهم من يستمع إليك، وجعلنا على قلوبهم أكِنّةً أن يفقهوه، وفي آذانهم وقراً، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها..." (الأنعام: 25 ). من قال إنّ الكفار لم يفهموا معاني القرآن الكريم؟! بل هو بلسان عربي مبين، ولكنهم لم يفقهوه: "فهم لا يفقهون". هم إذن لم يفهموا الفهم المؤدي إلى الاعتبار والاتعاظ والالتزام بشريعة الله، وذلك نتيجة انحرافهم. فهل معرفة أنّ عدد سور القرآن الكريم هو 114 سورة، ومعرفة أنّ هذا العدد هو من مضاعفات العدد 19، هو الفقه؟! يبدو أنّه لم يفقه قوله تعالى:"وإن يروا كل آيةٍ لا يؤمنوا بها"؟! فشتّان بين من رأى ومن فقِه.(/27)
ويستشهد رشاد بآية أخرى:"وإذا قرأتَ القرآنَ جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً* وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً"(الإسراء:45،46). واضح أنّه يستدل بهذه الآية على طريقة استدلاله بالآية السابقة، وكأنّه لم يفطن إلى أنّ مثل هذا الاستدلال يعني أنّ كل مستشرق درس الإسلام وتبحّر في علومه واستخرج من درره، لا بدّ أن يكون مسلماً مهتدياً. وهذا يعني أيضاً أنّ شخصاّ مثل الوليد بن المغيرة يُعتبر مهتدياً أيضاً؛ فقد وصف القرآن الكريم وصفاً جميلاً، وعبّر عن تذوّقٍ رفيع لإعجازه، وعلى الرغم من ذلك فقد قال القرآن الكريم في حقّهِ:" ثم عبس وبسر* ثمّ أدبر واستكبر* فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر* إن هذا إلا قول البشر* سأصليه سقر* وما أدراك ما سقر* لا تبقي ولا تذر* لواحة للبشر* عليها تسعة عشر" (المدثر: 22-30). إنّ هذه الآيات من سورة المدّثر، والتي ورد فيها العدد 19، تتحدث عن موقف الوليد بن المغيرة، الذي لم يُغن عنه امتداحه للقرآن الكريم شيئاً. ولو قرأ رشاد خليفة الآية 31 من سورة المدّثر، والتي تُبيّن الحكمة من ذكر العدد 19، لوجد:" ... كذلك يُضلّ اللهُ من يشاء، ويهدي من يشاء"، فلا المعرفة هدت، ولا المدح عصم.
القول بأنّ الله تعالى قد أظهر رشاد خليفة على سر من أسرار القرآن الكريم هو قول يجانب الصواب؛ فقد تبيّن لنا بعد دراسة أبحاثه أنّه غير أمين ويتعمّد التلفيق. ويبدو أنّ ذلك كان مدخلاً له لعله يساعده في ادّعائه أنّه رسولٌ من الله.
يقول رشاد خليفة في رسالة عنوانها ( رسالة مرسلة إلى الرؤساء والملوك في العالم الإسلامي): "جذر الكلمة رشد مذكور في القرآن الكريم 19 مرة"، وبالرجوع إلى صفحة 320 من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، لمحمد فؤاد عبد الباقي، نجد أنّ رشد ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم 19 مرة. وهذا صحيح، ولكن لو رجع رشاد خليفة إلى صفحة 605 من المعجم نفسه، لوجد أنّ كلمة كَفَرَ قد وردت في القرآن الكريم 19 مرة. ولو رجع إلى صفحة 612 من المعجم نفسه، لوجد أنّ كلمة الكفّار قد وردت في القرآن الكريم 19 مرة أيضاً. ولو رجع إلى صفحة 716 لوجد أنّ كلمة المنافقين قد وردت في القرآن 19 مرة، ولوجد أنّ مشتقات نفق هي 38 أي (19×2).
استكمالاً للصورة نقوم بعرض بعض أخطاء رشاد خليفة في رسالته: ( رسالة مرسلة إلى الرؤساء والملوك في العالم الإسلامي). مع ملاحظة أنّ الرسالة لا تتجاوز الوريقات القليلة:
1. يقول رشاد إنّ مجموع الآيات في القرآن الكريم هو 6346 أي (19×334). وهذا القول يحتاج إلى تحقيق، إذ أنّ عدد آيات القرآن الكريم على طريقة الكوفيين كما جاء في كتاب ناظمة الزهر، للإمام الشاطبي، هو 6236 آية. والفارق كما نلاحظ كبير. وإذا أضفنا 112 بسملة يكون المجموع هو 6348، وهذا يعني أنّه اختار أن يكون عدد آيات القرآن الكريم 6234 آية، والسر في هذا الاختيار أنّه يعتقد بأنّ عدد آيات سورة التوبة هو هو 127 وليس 129، وهذا يعني أنّه يَطعنُ في الصحابة، رضوان الله عليهم، وليس هذا بعجيب، فقد كانت هذه السقطة من مقدمات الانحراف قبل أن يُعلن أنّه رسولٌ من الله.
2. يقول إن كلمة قرآن ذُكِرت في القرآن الكريم 57 مرة، أي (19×3)، ويقول إنّها وردت في 38 سورة، أي (19×2). ويقول: عندما نجمع أرقام الآيات التي وردت فيها كلمة قرآن يكون المجموع هو 2660 أي (19×140).
وهذا كلّه خطأ، وكل ما بني عليه يكون خطأً أيضاً؛ فلفظة القرآن، بضم النون وفتحها وكسرها، وردت في القرآن الكريم 58 مرة. وعند حذف الآية 15 من سورة يونس: "قال الذين لا يرجون لقاءَنا ائت بقرآنٍ غير هذا أو بدّله"، على اعتبار أنّهم يطلبون قرآناً غير هذا القرآن المنزّل، يصبح المجموع 57 كلمة. وإذا أحصينا كلمة قرآن منوّنة بتنوين الفتح، مثل: "إنّا أنزلناهُ قرآناً عربياً"، نكتشف أنّ كلامه غير صحيح أيضاً؛ فلماذا فرّق بين كلمة قرآن بضم النون وفتحها وكسرها، وبين كلمة قرآناً بتنوين الفتح؟! وقد نسعفه بجواب فنقول: وردت كلمة قرءان وفق هذا الرسم 57 مرة، وذلك بعد حذف الكلمة التي وردت في الآية 15 من سورة يونس، كما أشرنا.
أمّا قوله إنّ ال 57 كلمة قرآن قد وردت في 38 سورة، فهذا غير صحيح؛ فلو رجعنا إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، لوجدنا أنّ عدد السّور التي وردت فيها ال 57 كلمة قرآن هو 34 وليس 38 كما زعم.
أمّا قولهُ إنّ مجموع أرقام الآيات التي وردت فيها كلمة القرآن هو2660 فغير صحيح أيضاً؛ لأنّ المجموع هو 2847. فكيف بنا لو أحصينا البسملات في عدد آيات السور، كما فعل عند إحصاء مجموع آيات القرآن الكريم؟!(/28)
3. يقول إنّ كلمة واحد، عندما تكون صفةً لله تعالى، تكررت في القرآن 19 مرة. وهذا غير صحيح، لأنّ كلمة واحد، بتنوين الضم والكسر، وردت 19 مرة، ووردت كلمة واحداً، بتنوين الفتح، ثلاث مرات. وعليه يكون المجموع 22 تكراراً. ويمكنه أن يقول إنّ كلمة واحد، والتي جُمّلها 19، تكررت صفة لله تعالى 19 مرّة.
4. يقول رشاد:"عند جمع أرقام السّور، وإضافة أرقام الآيات التي ذُكرت فيها كلمة رشد و خليفة نجد أنّ المجموع = 1463 أي 19× 77 ". وهذا غير صحيح. وإليك التفصيل: يقول رشاد:"مجموع أرقام السُّور والآيات المذكور فيها رشد هو (19×72)+1= 1369". وهذا صحيح، مع ملاحظة أنّ هذا العدد يزيد عن مضاعفات العدد 19، هذا إن لم نجمع أرقام السُّور المكررة، وإلاّ فإنّ المجموع عندها يزيد بمقدار 334.
ويقول:"مجموع أرقام السُّور والآيات التي وردت فيها كلمة خليفة هو: (19×5)-1=94". وهذا أيضاً غير صحيحح؛ حيث أنّ كلمة خليفة وردت في القرآن الكريم مرتين فقط: في الآية 30 من السورة رقم 2، وفي الآية 26 من السُّورة رقم 38، وعليه يكون المجموع: (30+2+26+38) =96 وليس 94 كما يقول رشاد خليفة. ويقودنا هذا إلى سؤال متكرر: هل الخطأ عند رشاد يأتي سهواً، أم ماذا؟! فإن قال: بل رجعتُ إلى المصاحف التي تعتبر البسملة آية، نقول: عندها يصبح العدد 98. وإن قال: بل أخطأتُ في جمع الأرقام، نقول: فأيّ رسولٍ أنت، وأي دليل جئتَ به لتثبت رسالتك؟!.
5. يقول رشاد في رسالته للرؤساء والملوك:"إنّ أهم ما أمر به القرآن هو: أعبد الله وحده. وهذا ورد في: (7: 70، 39: 45، 40: 12 و 84، 60: 4) ومجموع أرقام هذه السّور والآيات هو 361 أي 19×19. انظر المعجم المفهرس، تحت وحده صفحة 745". نظرنا في صفحة 745، كما طلب رشاد، فوجدناه قد أسقط ذكر الآية 46 من سورة الإسراء،التي ترتيبها في المصحف هو 17، أي أنه أسقط مجموع: 46+17. واللافت للنظر أنّه أسقط آية يستشهد بمعناها على رسالته في مواضع أخرى، والآية هي:" وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهُوهُ وفي آذانهم وقْراً، وإذا ذكرتَ ربّك في القرآنِ وحدهُ ولّوا على أدبارهم نُفوراً". وقد يكون قصد أن يُحصي كلمة وحده عندما تعود إلى لفظ الجلالة الله، فالإحصاء عندها يكون صحيحاً، ولكن لا علاقة لذلك، كما ترى، بادّعائه الرسالة.
6. في مطبوع أرسله رشاد إلى صديق لنا بناءً على طلبه، حاول مرّة أخرى أن يُثبت أن اسم رشاد خليفة ورد في القرآن الكريم، فبحث في الجذر خلف، فلمّا لم يجد ضالّتهُ نظر في معاني مشتقات الجذر خلف وتخيّر على هواه منها 19 كلمة، ثم زعم أنّ كلمة خليفة وردت في القرآن 19 مرة، وتعمّد أن يترك بعض الكلمات. ولا يبعد أن يكون قد أوّل ما تركه لتسلم له دعواه.
معلوم أنّ كلمة خليفة لها معنى لغوي، وآخر اصطلاحي، فإذا أحصى رشاد الكلمات التي وردت في المعنى اللغوي فلن يصل إلى مبتغاه، وكذلك إذا أحصى الكلمات التي وردت في المعنى الاصطلاحيّ، أو فيهما معاً. وإليك بعض الأمثلة للكلمات التي تركها فلم يحصها، على الرُّغم من أنّه قد أحصى مثيلاتها:
"... قال بئسما خلفتموني من بعدي.." الأعراف: 150.
"...وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح.." الأعراف: 142
"ولو شئنا لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يَخلُفون" الزخرف: 60
"فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية.." يونس: 92
"...ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خَلفِهم.." آل عمران: 170
وغير ذلك كثير من الكلمات التي لم يُحصِها ليصل إلى القول بأنّ كلمة خليفة قد تكررت في القرآن الكريم 19 مرّة. ومن (بهلوانيّاته) الكثيرة، في محاولاته لإثبات رسالته، نكتفي أخيراً بهذا المثال:
قال رشاد: "وردت رشاد في السورة 40 في الآية 29، وفي السورة 40 الآية 38. وأنّ خليفة وردت في السورة 2 الآية 30، وفي السورة 38 الآية 26". ولمّا وجد أنّ هذه الأرقام لا تقسم على العدد 19 قام بحذف الآية 30 من السورة 2، وذلك حتى يصبح المجموع من مضاعفات العدد 19: (40+29+38+26) = 133 = 19×7. والآية التي لم يُحصِ فيها كلمة خليفة هي:" وإذ قالَ رَبّك للملائكةِ إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة..." والعجيبُ أنّ مسوّغ عدم إحصائها عنده أنّه يزعم أنّ كلمة خليفة في الآية يقصد بها الشيطان. ومن الغريب أنّه كان قد أحصاها عندما أراد أن يُثبت أنّ كلمة خليفة وردت في القرآن الكريم 19 مرة. فأي رسولٍ هو هذا؟!
3- نهاية العالم
بقلم: بسام جرار
في كتابه (معجزة القرآن الكريم) المطبوع عام 1983م، وبعد كلامه عن الحقيقة التاسعة والأربعين، يتحدث رشاد خليفة عن (نهاية العالم)[1]. وقد توصّل بعد سلسلة من التلفيقات إلى القول بأنّ نهاية العالم ستكون عام (1710 هـ). ونحن هنا لا نهدف إلى بسط أقواله والرد عليها، بل نهدف إلى إزالة بعض الشبهات التي يمكن أن يطرحها الكتاب في أذهان البعض.(/29)
جاء في البخاري ومسلم عن الرسول، صلى الله عليه وسلّم، أنّ سورة الفاتحة هي السبع المثاني المذكورة في قوله تعالى:" ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآنَ العظيم"، وذلك لأنها تُثنّى فتُقرأ في كل ركعة. أما رشاد خليفة فيرى أنّ الأحرف النّورانيّة ال (14) هي السبع المثاني، على اعتبار أنّ العدد (14) هو (7×2). ولا ندري على أي وجه في اللغة العربية يمكن فهم هذا التفسير؛ فالأحرف النورانية هي (14) حرفاً، وليست سبعاً تُكرر وتُثنّى، وهي أحرف مختلفة، فأيّ سبعةٍ منها تُثنّى؟!.
إنْ كان في كلام رشاد خليفة شيء يستحق النظر فهو ما ينقله عن تفسير البيضاوي في مقدمة سورة البقرة: "... كما قال أبو العالية متمسكاً بما روي أنّه، عليه الصلاة والسلام، لمّا أتاهُ اليهود تلا عليهم الم البقرة، فحسبوه[2] وقالوا: كيف ندخل في دين مدّته إحدى وسبعون سنة، فتبسّم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فهل غيره؟ فقال: المص، و الر، و المر. فقالوا خلطت علينا فلا ندري بأيها نأخذ. فإنّ تلاوته إيّاها بهذا الترتيب عليهم، وتقريرهم على استنباطهم، دليل على ذلك"[3].
كان يجدر بالكاتب[4] قبل أن يبني على هذا الحديث، أن يُخرِّجه ليعلم صحته من ضعفه، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بقضيةٍ مهمة من قضايا العقيدة. والمحققين من العلماء صرّحوا بضعف الحديث.
يرى الكاتب أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، أقرّهم على هذا الفهم. ويظهر ذلك أيضاً في عبارة البيضاوي:"... فإن تلاوته إياها بهذا الترتيب عليهم وتقريرهم على استنباطهم[5] دليل على ذلك"[6]. والذي يبدو لنا أنّ الإقرار هو احتمال من احتمالات تبسُّمه، صلى الله عليه وسلم؛ فقد يكون تبسُّمه، صلى الله عليه وسلم، مستغرباً طريقتهم في فهم الأمور، وفي استنباط الأحكام. دعنا نفترض أنّه إقرار، فهل أقرّهم، عليه السلام، على استنباطهم أنّ مدة الدين الإسلامي هو 71 سنة؟! ودعنا نفترض أنّهم لم يسألوا عن غيرها – أي عن غير الم – فهل كُنّا سنخرج بنتيجة أنّ المدّة هي 71 سنة ؟! فلو كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، تبسّم ثم قال لهم: إنّ هناك غيرها: المص، المر، الر، لكان هذا أقرب إلى أنّه إقرار. ولكنه، صلى الله عليه وسلم، تبسّم ساكتاً، فقالوا: فهل غيره؟ فقال: المص، والر، والمر.
دعنا نُسَلّم بأنه إقرار، فما معنى قولهم: "خلطت علينا، فلا ندري بأيها نأخذ "؛ فهم يرون أنّ عُمْر الرسالة يؤخذ من فاتحة واحدة، فمن أين لنا إذن أنّ المدة تؤخذ من مجموعها؟! وكيف لنا أن نعرف أنّ نهاية عُمْر الدين الإسلامي تُعرَف من مجموع قيمة ال (14) حرفاً وفق حساب الجُمّل؟! ثم إنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال لهم: المص والمر والر. ثم ما الذي يمنع أن يكون ذلك هو قِيَم مجموع الأحرف، أي: أ، ل، م، ر، ص، ...الخ، وذلك حيث وردت في كل سور الفواتح ال 29، أو حتى في القرآن كلّه. فأي معرفة هذه هي التي يمكن أن نصل إليها مع كلّ هذه الاحتمالات؟!
4- حوار صحيفة البشير مع رشاد خليفة
البشير: بطاقتك الشخصيّة، الاسم الكامل، عدد الأولاد، عدد الزوجات؟
رشاد : هذه أمور شخصيّة.
البشير: المؤهلات العلميّة؟
رشاد : أحمل شهادة الدكتوراة في الكيمياء.
البشير: معمّر القذافي، هل لكم فيه علاقة أو ساعدكم ماديّاً؟
رشاد : لم يساعدنا بمليم، بالعكس هو وضعني في السجن.
البشير: لماذا؟
رشاد : يعتقد أنني أشكّل خطراً على حكمه.
البشير: هل كنت في ليبيا؟
رشاد : لا، هم خطفوني من هنا إلى ليبيا، وأمر بإعدامي ثم رجعت بمعجزة.
البشير: تقول إن اسمك واسم أبيك ذُكرا في القرآن؟
رشاد : هذا صحيح. لو عندك المعجم المفهرس النسخة الأصلية ص 320 تجد
كلمة "رَشَدَ".
البشير: يعني أنك تدعي أنك رسول الله؟
رشاد : أنا لا أدّعي ذلك، أنا عندي ألف برهان على أني رسول الله.
البشير: ماذا يعني ذلك؟
رشاد : ربي ذكر في القرآن أنّ الرسول الذي يأتي بعد كل الأنبياء اسمه رشاد خليفة.
البشير: إذا وجدت اسمي في القرآن بطريقتك الحسابية هل يعني أني رسول؟
رشاد : والله إذا وجدت الدليل الكافي أهلاً وسهلاً.
البشير: هل يأتيك الوحي؟
رشاد : نعم عن طريق جبريل.
البشير: كيف يأتيك جبريل؟ وهل يكلمك بأن الله قال كذا؟
رشاد : يأتيني وأنا في منتهى الوعي ويقول لي إنّ الله قال كذا.
البشير: ماذا قال لك جبريل آخر مرة؟
رشاد : الأسبوع الماضي قال لي إنّ الصالحين لا يموتون.
البشير: نحن نعرف أنّ الصالحين لا يموتون؟
رشاد : وريني في أيّ كتاب، وأنا قرأتهم كلهم يقول إنّ الصالحين موجودين في الجنة.
البشير: إذا بعثت لك من أقوال العلماء من قال بذلك ماذا يعني ذلك؟
رشاد : أني أخطأت.
البشير: لكن هذه من الوحي؟
رشاد : جبريل أخطأ.
البشير: هل تؤمن بالتوراة والإنجيل الموجودة؟
رشاد : نعم، لأنّي عارف مواقع التحريف. وأومن بالغالبية العظمى منهم.
البشير: والذي قبلها؟(/30)
رشاد : قال لي من يموت قبل الأربعين سنة يدخل الجنة مهما عمل. طبعاً هذه رسالة ضخمة،
سنلقي عليك قولاً ثقيلاً.
البشير: الأملاك التي عندك، كالمسجد والأرض أُعطيت لك من جمعية يهودية. ما رأيك؟
رشاد : ولماذا اليهود يهمهم أن يثبت أنّ القرآن من الله؟
البشير: عندنا ملفات وأوراق رسمية تثبت هذا.
رشاد : أهلاً وسهلاً.
البشير: سمعنا عندك عمارات. من أين لك هذا؟
رشاد : أنت زعلان ليه؟ أنا مليونير، والملايين عندي لا تعني شيئاً.
البشير: رأيك في المجتمع الأمريكي؟
رشاد : أقرب إلى الله من السعوديين والمصريين والعراقيين، لأنّ عندهم الحريّة، والفتنة أشدّ
من القتل. أنا إذا ذهبت إلى السعودية فسيقتلوني.
البشير: من قال لك ذلك؟
رشاد : عبد الله بن قعود كلمني شخصيّاً وأهدر دمي، هذه تكفي. إنّ بني إسرائيل
قتلوا الأنبياء، والسعوديّة تُهدر دم رسول الله.
البشير: تقول إنّ معجزتك أكبر من معجزات جميع الأنبياء والمرسلين؟
رشاد : نعم، لأنّ ربي قال عنها إنّها لإحدى الكُبَر.
البشير: تقول إنّ مصر ستموت عام 1990، هل الوحي أخبركَ بذلك؟
رشاد : نعم جبريل قال لي ذلك، أصلوا ستأتيكم خبطة.
البشير: أنا قرأت اعترافاتك عند البوليس وحوكِمت مرتين، وأنت اعترفت بجزء من
الاغتصاب، والبنت عمرها 17 سنة؟
رشاد : ما حصلت محكمة وكلها كذب.
البشير: من المعروف أنّ الرُّسل هم يذهبون إلى الناس ويدعوهم وأنت تطلب من
الناس أن يأتوك؟
رشاد : أنا أزور الناس والآن أزورك في هذه اللحظة وأبلّغك الرسالة.
البشير: أنا أقول إنك على ضلال ومرتد؟ ولو يوجد خليفة يجب أن يقام عليك حد الردّة؟
رشاد : هذا شيء يعود لك، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وسنلتقي يوم القيامة.
البشير: لدي شعور قوي من خلال كلامي الكثير معك بأنك نفسك لست مقتنع بهذا الكلام؟
رشاد : يضحك ... من حقك أن تشعر هذا الشعور ...
البشير: أنا أعتقد أنك مرتد وكافر؟
رشاد : أنت عربي مش كده؟
البشير: نعم.
رشاد : أنت ممنوع من الإيمان، لأنّ باب التوبة قفل عليك.
البشير: أنت من العرب؟
رشاد : أنا مش من العرب، الحمد لله.
البشير: أيش أنت؟
رشاد : أنا مصري والمصريين ليسوا عرب، فالعرب معروفين أشدّ كفراً ونفاقا.
البشير: ماذا عن الذي يؤمن بك من العرب؟
رشاد : ما فيش ولا واحد يستطيع أن يؤمن، لأنّهم ممنوعين من الإيمان، وأنت ممنوع من الإيمان، وأنا غير مندهش طبعاً.
البشير: ما عندك أتباع من العرب؟
رشاد : ليس عندي ولا عربي، وما أقبل أي عربي، إلا إذا كان به دم غير عربي،
مثلاً أبوه إيطالي والعكس. وعندي من جميع الجنسيّات ما عدا العرب.
البشير: لأنّهم يفهمون القرآن والسنّة فما تستطيع أن تضحك عليهم، على عكس
الأعاجم؟
رشاد : سيكونوا كلهم معك يوم القيامة في جهنّم، معروفة يعني يا أخ ... أنا أتحداك
أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله.
البشير: أشهد أن لا إله إلا الله؟
رشاد : يبقى أنت مش عربي.
البشير: متى تقوم الساعة؟
رشاد : نعم هذه أيضاً جبريل جاء بها، وستكون سنة 2280م، وهي من مضاعفات
الرقم 19، وسوف نتقابل يوم القيامة.
البشير: إن شاء الله لن نتقابل، لأنك مرتد ومصيرك إلى النار؟
رشاد : سأقابلك وسأكون شاهد عليك، ويمكن أن أزورك في جهنم كمان.
البشير: نريد أن ندعوك إلى شيكاغو؟
رشاد : الأحد الثاني من شهر July 1990.
5- تعريف برشاد خليفة مأخوذ من بحث بعنوان "البشارة بالقضاء على اليهود" منشور بموقع "المركز الفلسطينى للإعلام":
"رشاد خليفة: رشاد عبد الحليم خليفة، بهائي، ادعى النبوة، ولد بكفر الزيات بمصر سنة 1354هـ، والده شيخ الطريقة الشاذلية الصوفية بمدينة طنطا، كان معروفاً بسوء الخلق والعناد منذ صغره، ويميل إلى الكذب والمراوغة، تخرج بتقدير مقبول من كلية الزراعة، فلم يستطع إكمال دراسته، أكمل دراسته في أمريكا، عن طريق الكنيسة والمؤسسات التنصيرية، فنال خلال أربعة أعوام درجة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية ثم عاد لمصر، ، أنكر السنة وافترى على النبي صلى الله عليه وسلم، أصدر المجمع الفقهي سنة 1409هـ فتوى بتكفيره، ادعى النبوة في شهر رمضان 1409هـ، إلى أن دخل عليه مجاهد مسلم فطعنه عدة طعنات في بيته، 31/يناير/ 1990م، فقتله في مدينة توسان بأمريكا، انظر تتمة الأعلام، محمد خير يوسف، بيروت، دار ابن حزم، ط1، 1418هـ - 1998م، 1/175-177".
5- مقال أسامة فوزى عن رشاد خليفة، وهو مأخوذ عن مجلته المشباكية: "عرب تايمز"
كتب أسامة فوزي (رئيس تحرير مجلة "عرب تايمز" المشباكية):
* في الثاني من يونيو حزيران عام 1988 رن الهاتف في مكتبي وكان على الطرف الاخر رجل يتحدث بلهجة مصرية بادرني بالسؤال : ممكن اتكلم مع اسامة فوزي ؟ قلت : انا اسامة ... قال : انا رشاد خليفة رسول الله ... قلت له : نعم ... رشاد مين ؟ قال : رشاد خليفة رسول الله ... قلت : رسول ايه يا خوي ؟ قال : رسول الله !!(/31)
كنت اعتقد لاول وهلة ان المتصل قاريء يريد ان يتظارف ... لكني تذكرت على الفور اني قرأت شيئا ما عن مواطن امريكي من اصل مصري يدعي النبوة في امريكا ... كما كنت قد نشرت رسالة بعث بها الدكتور اسعد بصول من شيكاغو بعنوان :" ظهور مسيلمة جديد في امريكا " تناول فيها رشاد خليفة بشكل مفصل .
* بعد ايام تلقيت رسالة بريدية من مسجد "توسان" في ولاية اريزونا موقعة باسم "الدكتور رشاد خليفة رسول الله " يدعوني فيها الى الدخول في دينه الجديد والتصديق به ... وبعد استعراض لادلته النبوية ( انقر على الرسالة لتكبيرها ) ... قال : " ان هذه أهم رسالة في التاريخ وقد ترك لك الله سبحانه وتعالى حرية الاختيار فيمكنك أن ترمي هذه الرسالة وترمي معها كل امل في الجنة وكل السعادة والعزة في الدنيا والاخرة ... اما اذا اخترت ان تنشر هذه الرسالة وان تختبر البراهين التي انزلها الله سبحانه وتعالى والمعجزات التي تفوق معجزات موسى وعيسى فلك من الله عظيم الاجر وانا على استعداد لبحث الدلائل والبراهين معكم وقتما تشاؤون " .
* نشرت رسالة رشاد خليفة في العدد الخامس عشر من عرب تايمز ... وجعل ت مانشيت الصفحة الاولى :" دكتور مصري في اريزونا يدعي النبوة ودكتور فلسطيني يرد عليه " فبعث الي رشاد خليفة برسالة شكر ضمنها " عينة صغيرة من المعجزة التي تفوق معجزات موسى وعيسى مجتمعين " كما يقول ويقصد بها معجزته هو .( انقر على الرسالة لتكبيرها ).
* ارفق الدكتور رشاد خليفة برسالته ورقة تتضمن " شهادة البراهين على ان رش اد خليفة رسول الله " .( انقر على الشهادة لتكبيرها ).
قمت انذاك بنشر رسالة رشاد خليفة على غرابة ما ورد فيها والحقتها بمقال وصل الينا من الدكتور اسعد بصول استاذ العلوم الاسلامية في الكلية الاسلامية الامريكية في شيكافو ... كان عنوان المقال " ظهور مسيلمة جديد في أمريكا "( انقر هنا لقراءة مقال الدكتور بصول ) خصصه للهجوم على رشاد خليفة وتكفيره وضحد ادعاءاته ... فعاد رشاد خليفة يكتب الينا مدافعا عن دينه الجديد لتتحول صفحات عرب تايمز انذاك الى ميدان لمعركة بين رشاد خليفة ... وعشرات المسلمين الذين ردوا عليه ... وكان والدي ممن تصدوا للرد على رشاد خليفة منتصرا لرأي الدكتور اسعد بصول( لقراءة رده انقر هنا ) .( انقر على رسالة رشاد خليفة لتكبيرها ).
* توقف رشاد خليفة عن الكتابة الينا ودعوتنا الى دينه الجديد بعد عامين متواصلين لم يكل خلالهما ولم يمل في دعوة الناس الى التصديق به لضمان دخولهم الجنة ...ولم يعد رشاد خليفة يظهر في مسجد توسان الذي اسسه في ولاية اريزونا ... وفوجئنا بخبر صغير تنشره الصحف الامريكية يقول ان الشرطة وجدت جثة رشاد خليفة في شباط فبراير عام 1990 مضرجة بالدماء في مطبخ منزله وتبين بعد المعاينة ان الرجل قتل ذبحا وطعنا بالسكاكين وبعد عامين ع لى مقتله اعلن عن القاء القبض على بعض اتباعه بتهمة ارتكابهم لجريمة القتل ... وأسدل الستار على رشاد خليفة رغم ان مسجده لا زال مقرا لاتباعه في مدينة توسان وكان مقتل رشاد خليفة موضوع غلاف لمجلة المجلة السعودية التي تصدر في لندن ( العدد رقم 536 الصادر في 22 مايو 1990 ) .... وقد تلقيت قبل ايام رسالة باللغة الانجليزية من احد اتباعه يؤكد فيها مجددا بأن رشاد خليفة هو رسول الله !!( انقر على غلاف المجلة لتكبيره )
* لا يكاد يمر يوم الا وتنشر الصحف المصرية خبرا عن ظهور انبياء جدد تقوم الشرطة باعتقالهم ... ودخل الحلبة مؤخرا " نبي " كويتي اعتقل الشهر الماضي بعد ان اعلن صراحة انه نبي الله ... لكن الذي ميز " رشاد خليفة " عن غيره من مدعي النبوة هو انه الوحيد بينهم الذي وصل الى درجة عالية من التعليم ... فهو دكتور في الكيمياء وكان استاذا لهذه المادة في جامعات الولاية وكان رشاد خليفة عبقريا في استخدام الكومبيوتر لاثبات نظرياته في وقت لم يكن جهاز الكومبيوتر معروفا لدى العرب او لم يكن منتشرا بعد.
* ولد رشاد خليفة في كفر الزيات عام 1935 لاب اشتهر بأنه شيخ طريقة صوفية اسمه عبد الحليم محمد خليفة اما امه فهي زينب سليمان دويدار ... وعرف رشاد في سنواته الاولى بالورع والتصوف قبل ان يلتحق بجامعة عين شمس التي تخرج منها بتفوق وحصل على بكالوريوس الزراعة قبل ان يعمل بوظيفة مهندس بالهيئة العامة للاصلاح الزراعي عام 1957...وفي عام 1959 حصل على بعثة دراسية لدراسة الدكتوراة في امريكا حيث حصل على درجة الدكتوراة في الكيمياء من جامعة اريزونا
* في عام 1966 عاد الدكتور رشاد الى مصر ليعمل مدرسا في جامعة القاهرة ورئيسا لقسم البحوث البستانية في كلية الزراعة الا انه هرب من وظيفته عبر الحدود الليبية ومنها الى الولايات المتحدة للعمل كخبير في الامم المتحدة ...قبل ان يترك عمله ويعود الى اريزونا اماما لمسجد مدينة توسان ورئيسا للمركز الاسلامي في المدينة .(/32)
* كان رشاد خليفة معروفا لدى العرب والمسلمين في الولاية وكان رئيسا للمركز الاسلامي في المدينة وظل زعيما للمسلمين فيها الى ان اعلن في مطلع عام 1980 ان جبريل عليه السلام قد أتاه بالوحي ... وان جبريل امره بالاعلان عن رسالته في عام 1988 وهو تاريخ نشر بيانه في عرب تايمز بأنه رسول الله ...والذي اعقبه بالكتابة الينا طالبا مني شخصيا الدخول في دينه الجديد الذي بدأ يدعو اليه من مسجد خاص به " مسجد توسان " الذي يقال انه قد حصل عليه من احدى الجمعيات اليهودية الخيرية دون مقابل .
* من ابرز دعاوى رشاد خليفة حض المسلمين على رفض ما جاء في السنة النبوية والاكتفاء بما ورد في القران الكريم ...وهو يقول انه رسول من عند الله وان القران لا ينفي وجود الرسل بعد محمد وانما ينفي وجود الانبياء وهناك - كما يقول - فرق بين النبي والرسول .
* يقول رشاد خليفة في بياناته ان معجزة القران الكريم لا تكمن بفصاحته كما يشاع وانما تكمن في الرقم 19 وان القران الكريم كله مركب من رقم 19 ومضاعفاته .
* بيانات واعلانات رشاد خليفة رسول الله اثارت الرأي العام المصري بعد ان نشر الصحافي الكبير احمد بهاء الدين في عام 1988 مقالين في جريدة الاخبار المصرية اشار فيهما الى خطورة ما ينادي به استاذ الكيمياء الدكتور رشاد خليفة وتهجمه على الازهر وقال ان نشرات رشاد خليفة التي يوزعها على الصحف تبدو ممولة تمويلا جيدا.... وكان رشاد خليفة اول من ارتدى البدلة من بين الشيوخ وهو يسبق بذلك كل الشيوخ الجدد من طراز عمرو خالد والجندي وغيرهما .
الى جانب اعجاز الرقم 19 للدكتور رشاد خليفة اراء كثيرة مثير للجدل فهو يقول :
* طاعة الرسول محمد واجبة فقط فيما اتى به من القران .
* الصلاة تكون كما صلاها ابراهيم وليس كما حددها الرسول .
* هناك ايات شيطانية اقحمت على القران وهي ليست منه مثل الايتين الاخيرتين من سورة التوبة " لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " ... اما لماذا يعتبرها مدسوسة على القران فيقول : " ان كلمة الله تتكرر 2298 مرة في القران وهذا الرقم من مضاعفات الرقم 19 ولو جمعت ارقام الايات التي نجد فيها كلمة الله تجد انها 118123 وهذا الرقم ايضا من مضاعفات الرقم 19 فاذا قبلنا هاتين الايتين الاخيرتين من سورة التوبة لوجدنا ان النظام العددي للقران سوف ينهار " .
* كل من اتبع البخاري ليس مسلما لان البخاري لا يتبع قول الله سبحانه وتعالى .
* الشيعة والخميني جميعا في النار .
* الاخوان المسلمون لا يلتزمون بالقران ومن لا يلتزم بالقران هو من اهل النار ولذا فهم اخوان الشياطين.
* انا رسول الله وقد ورد اسمي رشاد في القران 19 مرة .
* ابن باز وابن عثيمين ومتولي الشعراوي وشيخ الازهر يقودون الملايين الى جهنم وبئس المصير .
* جميع الانبياء من قبلي لم يؤتوا معشار ما اتاني ربي والانبياء ثلاثة فقط هم ابراهيم ومحمد وأنا .
* قال لي جبريل : ان كل من يموت قبل سن الاربعين سوف يذهب الى الجنة .
* لا يوجد للزكاة نصاب ... اي احد معه يعطي لمن ليس معه .
* الحج عند المسلمين باطل لانهم جعلوه ثلاثة ايام اما في القران فهو اربعة اشهر معلومات . * من الملفات الغامضة في حياة رشاد خليفة علاقته بمعمر القذافي فقد زار رشاد خليفة ليبيا والتقى بالقذافي قبل ان يعلن ان الوحي قد نزل عليه وتصريحات القذافي الذي ينكر فيها السنة النبوية مستقاة من افكار رشاد خليفة وعاش رشاد خليفة في قصر القذافي وكان له تأثير قوي عليه ويقال ان القذافي كان يموله ويبدو ان خلافا وقع بينه وبين القذافي في المراحل الاخيرة حيث رغب القذافي في انتحال صفة النبوة وبدأ يغير في القران الكريم مما خلق تنافسا مع رشاد خليفة الذي هرب من ليبيا الى امريكا وشن حملة شعواء على القذافي ... وبعد مقتل خليفة نشرت مجلة المجلة - كما اشرت اعلاه - موضوع غلاف عن مقتله اشارت فيه الى بعض النقاط الهامة في مسيرته منها :انه وجهت اليه تهمة الاعتداء الجنسي على فتاة قاصر ... وتقول المجلة :" اعترف خليفة بمداعبته بعض مفاتن جسمها الا ان التهمة لم تثبت عليه ولم يصدر بحقه اية عقوبة حسب ما جاء في مجريات المحاكمة ".(/33)
مشاركة العقول
إن كثرة المسؤوليات وزحمة الأعمال في الحقل الدعوى الإسلامي قد يكون لها الأثر الكبير في غياب ذلك المفهوم الأصيل عن نظر قيادة المؤسسة الدعوية والعمل الإسلامى في الممارسة العملية . وقد يكون من أسباب ذلك طبيعة التفرد والرأي الواحد لبعض الدعاة إلى الله وتكون طبيعة المشاورة فقط لأجل الاستئناس بالرأي وقد قيل في السابق "إن من الإفلاس الاستئناس بآراء الناس " .
قال الله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (آل عمران 159)
يقول الإمام النووي رحمه الله : "وتغنى هذه الآية عن كل شيء ، فإنه إذا أمرا لله سبحانه وتعالى في كتابه نصاً جليا نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع إنه أكمل الخلق فما الظن بغيره ؟ " قال الحسن وسفيان بن عيينة " إنما أمر بذلك – أي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالمشاورة – ليقتدي به غيره في المشاروة ويصير سنة في أمته " .
"ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه ، شاورهم يوم بدر في قتال المشركين وشاروهم يوم أحد أيبقى في المدينة أم يخرج إلى العدو ، وشاور السعدين يوم الخندق فأشارا عليه بترك مصالحة العدو على بعض ثمار المدينة مقابل انصرافهم عنها فقبل رأيهما . وهكذا كان رسول صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه على جلالة قدره وعظيم شأنه . والمتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد ذلك واضحا وجليا في العديد من المواقف والمشاهد ، قال العلماء : ( لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم )" .
إن الاستبداد بالرأي والتعصب له والتفرد به له نتائج وخيمة على العمل الإسلامي ، فكم من المؤسسات الدعوية التي لها الأثر المفيد على المجتمع توقف نشاطها وضعف تأثيرها بسبب تلك القرارات الغير المدروسة والتي يغلب عليها الطابع الشخصي والنظرة الضيقة ، وقد نجد في المؤسسة الدعوية من يبرر ذلك التعصب بحجة المصلحة الدعوية والرؤية المستقبلية للمؤسسة التي تتطلب ذلك القرار وذلك التغيير.
إن ما أدعوا إليه هو توسيع دائرة المشاروة والحوار ، لاسيما في المواضيع التخصصية التي تمارسها المؤسسة الدعوية فلا يصح أن يفتى في قضايا تربية الشباب والنشء داعية شغله الشاغل العمل النقابي والسياسي وعلى هذا المنوال ، لذا يجب أن نحترم التخصص وأن يكون للقرارات الموصى عليها بعد جلسات المشاورة والحوار أليه عمل واضحة وتاريخ تنفيذ محدد وان يحاسب المقصر في ذلك فإن لم يكن ذلك فسوف تكون جلسات الحوار والمشاورة جلسات تهدئة وتنفيس.
يقول الإمام النووي رحمه الله : "واعلم أنه يستحب لمن هم بأمر أن يشاور فيه من يثق بدينه وخبرته وحذقه ونصيحته وورعه وشفقته، ويستحب أن يشاور جماعة بالصفة المذكورة ويستكثر منهم ويعرفهم مقصودة من ذلك الأمر ويبين لهم مافيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك ، ثم فائدة المشاورة القبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة ، ولم تظهر المفسدة فيما أشاربه وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك" .
لذا يجب علي قيادة المؤسسة الدعوية أن تهيؤ الأجواء الصحيحة للمشاروة والحوار، فيتم إبلاغ المعنيين بأمر المشاروة بالموضوع مبكرا حتى يتسنى لهم البحث فيه ومعرفة تفاصيله ويحبذ أن تحدد بعض المراجع العلمية للرجوع إليها وذلك حتى تكون جلسة المشاروة مستوعبة لكل تفاصيل الموضوع الذي سوف يتخذ القرار لأجله.
يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها" ياليته هلك وحده بل قد يكون اهلك منابع الخير والنور التي استفاد منها عشرات الأجيال ، لذا فلنتقي الله بقراراتنا فو الله إن مسئوليه الدعوة أمرها ثقيل ومتعب فجزى الله خير من تحملها وضحى بدنياه في سبيل نشر دعوة الله .
وأود أن أختم مقالتي بوقفة مع أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز والتابعي الجليل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقاء المدينة السبعة المتوفى سنة102هـ ، قال عمر بن عبد العزيز : لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا وما فيها . وقال أيضا : والله إني لأشترى ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال فقالوا : يا أمير المؤمنين تقول هذا مع تحريك وشدة تحفظك؟ فقال : أين يذهب بكم ؟ والله إني لأعود برأيه وبنصيحته وبهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف ، إن في المحادثة – يعنى له ولمثله – تلقيحا للعقل وترويحا للقلب ، وتسريحا للهم وتنقيحا للأدب " .
في الختام أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى مافيه الرشد والصلاح وان يجعلنا هداة مهتدين . وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المراجع والمصادر :
1. كتاب الأذكار للنووي .
2. رسالة المسترشدين – تحقيق عبد الفتاح أبوغدة .
3. أصول الدعوة – عبدا لكريم زيدان .
تأليف: عمر سالم المطوع(/1)
مشاركة الكفار للمسلمين في صلاتهم!
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ...
التاريخ ... 18/02/1427هـ
السؤال
نحن في الولايات المتحدة، وقد زار رئيس مدينتنا -وهو يهودي- المسجد؛ لكي يلقي كلمة للمسلمين بعد صلاة الجمعة، وعند زيارته حضر صلاة الجمعة في الصف الأول، وصلّى مع المسلمين، وقد تم ذلك بموافقة إمام المسجد، فهل يجوز لغير المسلم أن يصلي مع المسلمين في مثل هذه الظروف؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجوز لغير المسلم -كاليهودي والنصراني- دخول مساجد المسلمين، فلقد كان الحبشة -وهم نصارى- قد ضربت لهم خيمة في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. وإذا جاز لهم دخول المسجد فلا يجوز منعهم من الصلاة مع المسلمين –إن رغبوا- ولكن لا أجر في صلاتهم تلك، وإنما هي مجرد حركات لا غير؛ لقوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء:48] وهم مشركون وإن كانوا أهل كتاب؛ لأنهم يقولون: عزيرٌ ابن الله. والمسيح ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. وتألف الكافر للدخول في الدين، أو دفع أذاه عن المسلمين مطلوب شرعاً. والله أعلم.(/1)
مشاركة المرأة بالجهاد
د. فتنت مسّيكة برّ
ذهب الإسلام إلى المساواة في الحقوق السياسية للمرأة فلها أن تخرج لتشارك الرجال في قتالهم ضد المشركين عُباد الأوثان. وقد خرجت المرأة المسلمة متطوعة إلى جنب الرجل إذ لم تكن ملزمة شرعاً بالجهاد إلاّ إذا اقتضت الضرورة القصوى لذلك. وقد خاضت ميدان الجهاد داخل الجزيرة العربية زمن الرسول في غزواته ضد المشركين، كما شاركت المسلمين في حروبهم الضارية ضد الفرس والروم خارج الجزيرة العربية.
وقد اشتهر من النساء عدد كبير كان لهن سجل حافل في تاريخ البطولة والجهاد القتالي جنباً إلى جنب الرجل.
وإننا سنتناول في بحثنا هذا أعمال فئات ثلاثة منهن ألا وهي:
1_ فئة المتطوعات للخدمات الإنسانية
وهن النساء اللواتي كُنَّ يداوين الجرحى، ويسقين العطشى، وينقلن المصابين إلى خيام الإسعاف لتمريض المصابين والعناية بهم. وقد اشتهر من النساء في مجال التمريض نساء كثيرات نذكر منهن على سبيل المثال:
_ فاطمة بنت الرسول (ص)
_ رُفيدَةَ الأسلمية: وهي أشهر طبيبة زمانها. وقد خصص لها النبي (ص) خيمة قرب مسجد المدينة يوم الخندق ينقل إليها الجرحى.
_ أمية بنت قيس بن أبي الصلت الغفارية: وهي صاحبة أول استحقاق للخدمات الإنسانية في العالم. إذ زاولت مهنة الطب والتمريض منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها، وقد قلّدها النبي قلادة علّقها بيده الشريفة على عنقها، وقد أوصت أن تدفن معها.
2_ النساء المقاتلات:
وهن اللواتي كُنَّ يرافقن النبي في غزواته داخل الجزيرة، واللواتي شاركن الرجال في قتالهم ضد الفرس والروم خارج الجزيرة. وقد قاتلن قتال الأبطال جهاداً في سبيل الله، وتحت راية "لا إله إلا الله". نذكر منهن:
_ أم عمارة الأنصارية: التي حازت على إعجاب الرسول وتقديره لها إذ كانت تجول وتصول في قلب المعركة تذبّ عنه ضربات المشركين الآتية من الشمال ومن اليمين، حتى كانت له بمثابة الدرع الواقية تدافع عنه في معركة "أُحد" كما لم يدافع الرجال مما جعل رسول الله (ص) يقول فيها: "ما التفت يميناً وشمالاً إلاّ وأنا أراها تقاتل دوني".
_ صفية بنت عبد المطلب: عمة النبي (ص) وأخت حمزة عم الرسول. وقد روت عنها كتب التاريخ حادثة أندت لها جبين الشاعر حسان بن ثابت في غزوة "الخندق" في السنة الخامسة للهجرة.
_ أم سُليم بنت ملحان بن خالد: التي حملت السلاح حيطة وحذراً دفاعاً عن النفس تهاجم به إن هوجمت. وقد شهدت يوم "أُحد".
ومما يدعو إلى العجب العجاب في الأعمال الحربية التي قامت بها النساء المسلمات أنهن ركبن البحر لأول مرة في التاريخ مع رجالهن غازيات في غزوة قبرس الأولى في سنة 28 ه زمن الخليفة "عثمان بن عفان" بقيادة "معاوية بن أبي سفيان" الذي اصطحب معه امرأته "فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل". وقد اشترك في هذه المعركة "عبادة بن الصامت" الذي اصطحب معه امرأته "أم حرام بنت ملحان الأنصارية". وقد روي عنها، أن المسلمين لما انتهوا إلى قبرس، وأرادت أن تخرج من البحر، قُدمت إليه دابة لتركبها، ولكن يد المنون كانت أسرع منها إذ صرعتها الدابة فاندق عنقها، فماتت ودفنت في قبرس، ودعي قبرها بـ "قبر المرأة الصالحة". وكانت أم حرام أول شهيدة غازية في البحر".
3_ النساء الخطيبات المشجعات والمشاركات بالنصوص السياسية:
وهن اللواتي تعاطين السياسة من بابها الكبير، وأسهمن بجهودهن قولاً وفكراً، عملاً وتطبيقاً، فخطبن وحاججن، وقاتلن في صفوف المحاربين ووقعن أسيرات في يد الأعداء فكان لهن مواقف رائعة لا تقل بروعتها عن مواقف الرجال.
فلقد شاركت المرأة بصياغة سياسة الحكومة، وكان لها رأي مسموع وأثر ظاهر في مجرى الأمور السياسية جاراها فيه كثير من الرجال والنساء على حد سواء، نذكر على سبيل المثال مواقف لثلاث سيدات هن:
_ موقف السيدة فاطمة الزهراء من أبي بكر: فقد تنكّرت لبيعة "أبي بكر" واتخذت منه موقفاً سياسياً معيناً طوال حياتها حملت فيه زوجها "علياً" على عدم البيعة "لأبي بكر". وقد انحاز إليهما بنو هاشم، و "أبو سفيان بن حرب"، زعيم بني أمية، "والزبير بن العوام" زعيم قريش.
وإذا كان صوت السيدة فاطمة الزهراء هو أول صوت نسائي انطلق عالياً معارضاً بيعة أبي بكر، فلقد تبعه أصوات نسائية أخرى كانت أكثر ارتفاعاً، وأقوى نبرة، وأعتى أثراً لاسيما بعد أن أطلت الفتنة برأسها الجديد بعد ولاية "عثمان بن عفان" وفشله في حكمه حتى قتل وهو محاصر في بيته صائماً يقرأ القرآن. وبمقتله انقسم المسلمون إلى طائفتين متناحرتين، كان للنساء في ميدان هذا الانقسام دور كبير وأثر عظيم يلفت الأنظار. إذ كان لهن رأي في قرار الحرب والسلم، وفي خطط المعركة، وسير القتال وفي مفاوضات الصلح والهدنة أو القتال! وما هذه الأعمال التي قمن بها بجرأة وإخلاص إلا وظائف سياسية مارسنها ليثبتن دعائم الدولة الإسلامية وسياستها في المحافظة على الكيان الإسلامي وتوسع نظامه وانتشاره. من هؤلاء:(/1)
_ موقف السيدة عائشة أم المؤمنين من سياسة "عثمان بن عفان" ثم موقفها من خلافة الإمام "علي بن أبي طالب" ومعركة الجمل.
_ موقف نائلة بنت الفرافصة زوج الخليفة المقتول "عثمان بن عفان" من الإمام "علي بن أبي طالب". وقد كتبت رسالة إلى "معاوية بن أبي سفيان" تثير ثائرته لينتقم لزوجها المقتول لاسيما وقد نالها من المجزرة الرهيبة التي أطاحت بزوجها ما نالها.
هذا، وقد عارض موقف السيدة عائشة من الإمام علي كثير من النساء وفي مقدمتهن أم سلمة زوج الرسول ومعها السيدة حفصة أم المؤمنين، وقد انضم إليهما نساء كثيرات نذكر منهن:
1_ أم الخير بنت الحُرَيْش البارقية وقد حضرت موقعة صفين وخطبت خطاباً على جانب كبير من الأهمية السياسية بعد مقتل ياسر بن عمار.
2_ وعكرشة بنت الأطرش وقد وقفت في موقعة صفين وهي متقلدة حمائل السيف تنادي على أصحابها وتدعوهم للقتال.
3_ الزرفاء بنت عُدي الكوفية: كانت تتقدم المقاتلين وتحرضهم على القتال بأبلغ بيان حتى حفظ الناس أقوالها وخطبها ويرددونها كما يرددون الشعر.
--------------------
عن ( حقوق المرأة بين الشرع الاسلامي والشرعة العالمية لحقوق الانسان ) ...(/2)
مشروع الخلافة العظيم مشروع ثبات وعمل
الحمد لله الذي عزّ فارتفع، وعلا فامتنع، وذلً كلُّ شيء لعظمته وخضع ... وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رفع الله به أقواما، ووضع به آخرين، أزكى البشرية، وأتقاها، وأعظمها إيماناً برب العالمين، سنتنا سنته، وهدينا هديه، وطريقتنا طريقته، فنسأل الله تعالى مجاورته في جنات النعيم ... اللهم صلّ وسلم عليه وآله وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه الغرّ الميامين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــ
أيها الإخوة في الله،
لقد أصبحت عودة حكم الإسلام وسلطانه هاجس المسلمين وأملهم، إلا بعض نفر ممن رضع الثقافة الغربية الكافرة، فشبّ على أفكارها ومفاهيمها، ثم شاب على ذلك، فجعل من نفسه حامياً لها، بعد أن اتخذ وجهة النظر الغربية، القائمة على فصل الدين عن الحياة والدولة، وجهة نظر له في الحياة. وقد نعى الله على الذين يريدون أن يتحاكموا إلى أحكام الكفر والطاغوت بدل أحكام الإسلام فقال جلّ وعلا: { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا } .
أيها الإخوة في الله،
إن عودة الإسلام إلى الدولة والحياة والمجتمع لايكون بترويس دستور الكفر بالنص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ولا بتضمينه مادة تنص على أن الإسلام هو مصدر الدستور والقوانين؛ لأن هذه الإجراءات الشكلية لا قيمة لها أبداً في ميزان الشرع، بل هي حيلة لجأ إليها الحكام نفاقاً، وخداعاً، ومصانعةً، لجماهير المسلمين، دون وجود أي نية عندهم لإجراء أي تغيير يذكر، فهم قد أبقوا، مذ أن جيء بهم إلى السلطة، علىكل أشكال الحكم القائمة، بل عملوا على تكريسها إرثاً، في تسليط أبنائهم على الأمة من بعدهم، وتنافسوا في ذلك ملوكاً ورؤساء، فكُرست الأنظمة العلمانية ودساتيرها الكافرة في كل بلد من بلاد المسلمين، جنباً إلى جنب مع تكريس التجزئة الاستعمارية فيها، مع أن ذلك كله يتناقض مع الإسلام وأحكامه، جملةً وتفصيلاً.
إن عودة الإسلام إلى الدولة والحياة والمجتمع، لا يكون إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساساً للدستور وسائر القوانين، الأمر الذي يعني إلغاء جميع أشكال الحكم القائمة في العالم الإسلامي، ملكية كانت أم جمهورية، برلمانية كانت أم عسكرية، وإعادة نظام الخلافة محلها؛ لأن نظام الخلافة هو شكل الحكم الوحيد في الإسلام، ثم إلغاء جميع الدساتير والقوانين القائمة، وأخذ دستورٍ وقوانينَ بدلاً منها، مبنية على العقيدة الإسلامية، ومأخوذة من كتاب الله، وسنة رسوله، وما أرشدا إليه من قياس وإجماع، وبدون ذلك، لن تكون عودةٌ للإسلام وأحكامه إلى الدولة والحياة والمجتمع.
إخوة الإيمان،(/1)
وبعد خرط القتاد خرطاً على أيدي شباب حزب التحرير، عبر عقود من الكدّ المرير، في نشر هذا الفكر السياسي الإسلامي، بين العمل على قطع الأعناق، وقطع الأرزاق، على أيدي أدوات الكافر وأزلامه، في بلاد المسلمين، هذا الفكر الذي أعاد للإسلام حركيته، وقدرته على الفعل والتأثير على نفوذ الكفر، ومراكز ثقله، هذا الفكر الذي نجح بإعادة ربط الإسلام بالسياسة، وربط السياسة بالإسلام، عندما أنزل قضية إقامة الخلافة الإسلامية منزلة القضية المصيرية، التي يتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت. بعد ذلك كله ... منّ الله على هذه الدعوة، وعلى هذه الأمة، بنعمة تحويل الرأي العام في الشارع إلى رأي يؤيد إقامة الخلافة، فأصبح ذكرها على كل لسان، بعد أن كانت عودة الخلافة في روع الناس، إبّان الموجة القومية الناصرية، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أقربَ إلى الخرافة. فاليوم أصبح عرض مسألة: هل إقامة الدولة الإسلامية فرض أو ليس فرضاً؟ يقبع منكسراً في منطقة قد تجاوزها الزمن، وتجاوزتها الأحداث، وتجاوزتها الأمة، وتجاوزها العمل الإسلامي، منذ عقود طويلة، فلا يوجد جدال ولا نقاش بين المسلمين، ولا العاملين للإسلام، في هذه الأيام حول وجوب إقامة الخلافة الإسلامية، ووجوب تحكيم أحكام الشرع في بلاد المسلمين، من خلال تحويل الأحكام الشرعية إلى قوانين نافذة المفعول، تتحكم في كل شؤون الحياة والدولة والمجتمع، بحيث يحكم بها في كلتا السياستين الداخلية والخارجية للدولة الإسلامية، فيطبق في الناحية الاقتصادية النظام الاقتصادي في الإسلام، وفي الناحية الاجتماعية النظام الاجتماعي في الإسلام، وفي الناحية الدستورية نظام الحكم في الإسلام، وفي الناحية التعليمية النظام التعليمي في الإسلام، وفي الناحية القضائية والجنائية أحكام البينات، ونظام العقوبات في الإسلام، وفي حالة الحرب أحكام السياسة الحربية في الإسلام، وفي العلاقات الدولية أحكام حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، باعتبار أن الدولة الإسلامية هي الموكول بها حمل رسالة الأمة الإسلامية إلى العالم، لإخراجه من الظلمات إلى النور بإذن الله. نعم، أيها الاخوة، أصبح مدار البحث والنقاش يدورحول طريقة إقامة الخلافة، وحول كيفية صمودها، وسبل التعامل مع ظروف داخلية وخارجية كبيرة، ستنشأ في العالم بُعَيْدَ إقامتها، بعد أخذ العبر من دراسة أسباب سقوط حكم طالبان في أفغانستان، وحكم البعث في العراق، وسبل تفاديها. إن هذا البحث والنقاش بين أبناء الأمة، بقيادة العاملين، يعتبر، في حدّ ذاته، مؤشراً مهمّاً يشير إلى التقدم إلى الأمام نحو إقامة هذه الدولة، وهو أيضاً، في حدّ ذاته، مؤشر خطير يقرع نواقيس الخطر في عواصم الكفر بشدة، وما الحرب التي أعلنتها أميركا على الإرهاب، في جوهرها وحقيقتها، إلا حرباً على مشروع إعادة الإسلام إلى الحياة، والدولة، والمجتمع، بإقامة دولته وسلطانه، وحرباً على عودته منافساً، لا قبل لأحد به في الساحة الدولية.
أيها الإخوة في الله،
لا بد لنا، ونحن نحيي هذه الذكرى الأليمة لهدم الخلافة، من تصور حقيقة لا مراء فيها، حقيقة أصبحت في هذه الأيام أجلى من الشمس في رابعة النهار، حقيقة مفادها وجوب وأولوية العمل الذي يتلبس به حملة الدعوة اليوم، من العاملين على استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الإسلامية، على منهاج النبوة. هذا المشروع الضخم، والعمل الكبير، يعني فيما يعنيه، إعلان حربٍ تحريريةٍ شاملةٍ على كل أعداء الأمة، القريب منهم والبعيد، المكشوف منهم والخفيّ، إنها المعركة الأضنى، التي ستدفع بكل مقدرات الأمة المادية والمعنوية، في أتون الجهاد الشامل، الذي سيدكّ أركان الكفر والظلم، ويطيح بعروش البغي، ويحْطِم هامات المستكبرين. إنها معركة النفس الطويل، إنها المعركة المصيرية الكبرى، والمستمرة، والطويلة بعزيمة الأسياد، إنها المعركة التي لا مكان فيها للعبيد ...
فالحُرُّ لا يُلقي القِيادَ لِكُلِّ كَفَّارٍ وعاصِ
وبغيرِ نضحِ الدمِ لا يُمحى الهوانُ عن النواصي
أيها الإخوة الأحباب،(/2)
إن الإسلام دين ليس أيَّ دين، بل دين الهدى والحق الذي وعد الله بإظهاره على الدين كله. ولأنه دين ليس أي دين، فلن يطبقه في الدنيا، أو يقيمه في الأرض، أي حُكام، أو كيان، أو دولة، عداك عن دولة تابعة عميلة، بل لا يمكن ذلك إلا بدولة هذا الدين نفسه، دولة الإسلام، دولة الخلافة. ولأن دولة الإسلام، دولةَ الخلافة، ليست أي دولة، فلن تقيمها مجرد أعمال، أيُّ أعمال، بل لن تقيمها إلا أعمال تضحية عظيمة، خالصةٌ لله، موافقه للشرع، فاهمة للقضية، منصبَّةٌ على الأهداف، مؤثّرة في الواقع، لا متأثرة بضغوطه المَرَضية الفاسدة. ولأن تلك الاعمال ليست أي أعمال، فهي تحتاج إلى كتلة وأشخاص، باستعداداتٍ فوق العادة، لمهمة فوق العادة، استعدادات أقلها الإخلاص الخالص لله، والوعي السياسي، وعقائديةٌ من فولاذ لا يلين، وطول نَفَس وجَلَد على طول السفر والمسير.
أيها الإخوة في الله،
لقد أصبح الناس، أمام أميركا وجرائمها، جماعتين: جماعةَ { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } ... جماعةَ { لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } ... جماعةَ { إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } .
وجماعةَ الإيمان واليقين الأخرى في الفسطاط الآخر، إنها جماعةُ ... { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } .
شتَّانَ، شتَّانَ بين الذين لربهم باعوا النفوسا
الباسمين إلى الردى والسيفُ يرمُقُهم عبوسا
الناصبين صدورهم من دون دعوتهم تروسا
نعم، أيها الأخوة، هذه هي فئة الإسلام التي ينبغي الانحياز اليها، في حالات انعدام الوزن، التي تصيب البغاثَ عند اشتداد عواصفِ الكفر.
فيا أيها الأمريكان لا يأخذْكُمُ الغرورْ
عقاربُ الساعات إنْ توقّفتْ لا بُدَّ أن تدورْ
إنَّ اغتصابَ الأرض لا يخيفُنا
فالريشُ قد يَسقُطُ عن أجنحة النسورْ
هزمتُمُ الجيوشَ إلاّ أنَّكمْ لم تهزموا الشعور
قطعتُمُ الأشجارَ من رؤوسها وظلَّتِ الجذور
إخوة الايمان،
إنّ فاقد الشيء لا يعطيه، فأنّى للهابطين واليائسين أن يرفعوا الهمم، وأنّى للمزعزعين أن يثبتوا الصفوف، وأنّى لأصحاب القلوب الخاوية أن يبثوا البشرى بين الناس .....
الحور تهتِف بهجةً: زُفّ الشهيد والحور تأبى أن تُزفّ إلى البليد
وجنانُ عدنٍ لا ينال رحابها إلا شهيدٌ طاب مسعاه الحميد
بالروحِ نفدي دينَنَا ورسولَه والدينُ يُنصرُ بالدماءِ وبالحديد
لن نستكينَ ولن نلينَ لحاكمٍ بالكفرِ يحكمُ شعبنا حكمَ العبيد
فاللهم يا من عزً فارتفع، وعلا فامتنع، وذلً كلًّ شيء لعظمته وخضع.
اللهم يا مجيب السائلين، يا مجيب المضطرين، يا مغيث المستغيثين، يا أمان الخائفين.
سبحانك يا ربي يا الله ... لا إله إلا أنت إنا كنا من الظالمين.
اللهم عجّل بإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة، يُعزّ فيها أهل طاعتك، ويَذِل فيها أهل معصيتك، ويؤمر فيها بالمعروف، وينهى فيها عن المنكر...
اللهم إنا نسألك، لحَمَلَة الدعوة، العاملين لإقامة حكمك، نصرًا مبينًا، وعزًا مكينًا...
اللهم احقن دماء المسلمين، واحْمِ نساءهم، وأطفالهم، وشيوخهم، وبلادهم، وأموالهم...
اللهم أقم لنا علم الجهاد، واقمع أهل الشرك، والكفر، والزيغ، والعناد، وانشر رحمتك على العباد،
اللهم واجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، حربا على أعدائك، سِلْما لأوليائك،
إنك يا ربنا ومولانا ومليكنا وليّ ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وبارك الله فيكم على حضوركم، وحسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته قرآن كريم
(كلمة ألقيت في ندوة عقدت في بيت المقدس، في ذكرى هدم الخلافة).
منصور العكاري (المقدسي)(/3)
مشروع الشرق الأوسط الكبير!
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
ضجّت وسائل الإعلام كلُّها بالمشروع الذي طرحه بوش، والذي يدعو فيه إلى تغيير واقع هذه المنطقة أو إلى عملية إصلاح لها، المنطقة التي غيّر بوش اسمها، فأسماها " الشرق الأوسط الكبير "، ووضع لها حدوداً تمتدُّ من المغرب الإسلامي إلى الشرق الإسلامي.
منذ العصور القديمة وهذه المنطقة ساحة صراع كبير بين مختلف الأمم والشعوب. منذ عهد السوماريين والبابليين، وعهد اليونان والرومان، وعهد الفرس، وعهد الفراعنة، أمم كثيرة كانت تزحف عليها من الشرق أو الغرب. لقد كان موقعها الخطير أحد أسباب هذا الصراع، فهي تملك منافذ للشرق والغرب والشمال والجنوب، منافذ للأطماع كلها والعدوان، أو منافذ للخير والحق.
وعلى سنن لله ثابتة ماضية، تظهر أمة وتقوى، ثمَّ تضعف وتغيب ويأتي غيرها، فللأمم آجال محدّدة على قضاء لله نافذ وقدر غالب وحكمة بالغة كآجال الإنسان. وكل دولة يمتدُّ طمعها إذا قويت واشتدَّ بأسها، ثمَّ تسعى إلى صورة من صور " العولمة " لتخضع أوسع مساحة من الأرض لنفوذها وسيطرتها ومصالحها:
( ولكلّ أمةٍ أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون )[ الأعراف : 34 ]
ومع ثبات هذه السنَّة الربَّانيّة ووضوحها، إلا أنَّ الناس لم تعتبرْ، وظلّت الأطماع والجري اللاهث وراءها هو الدافع إلى الامتداد، دون أن يأخذ الناس عبرة من الأحداث، أو من رسالة الأنبياء والمرسلين الذين بعثهم الله في كلّ أمة ومع كل عصر برسالة الإسلام، بالدين الحقِّ الواحد. الدين الذي خُتم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي أُنزل عليه وحياً من عند الله:
( ولقد بعثنا في كلّ أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم مَنْ هدى الله ومنهم مَنْ حقّتْ عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين )[ النحل :36 ]
حتى جاءت الرسالة الخاتمة للإسلام، دعوة ربَّانيّة للعالمين، للناس كافَّة، تحمل المنهج المتكامل لتُصلح به حياة البشرية كلها، تحمل المنهج الحقّ للإصلاح كله، لإصلاح الفرد والبيت والمجتمع والأمة والبشرية كلها، تحمل المنهج الحقّ لكلّ زمان ومكان، ولمعالجة كلِّ مشكلة صغيرة أو كبيرة:
(ما كان محمّدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتَمَ النبييّن وكان الله بكلِّ شيءٍ عليما )[ الأحزاب : 40 ]
(وأنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومُهَيْمِناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبعْ أهواءهم عمَّا جاءك من الحقِّ لكلٍّ جعلْنا منكم شِرْعةً ومِنْهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليَبْلُوَكُمْ في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون )[ المائدة : 48 ]
وانطلق الإسلام برسالته الخاتمة من مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة، ليملأ الأرض نوراً، وليُخْرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. وامتدّ الإسلام بقدر الله حتى شمل الأندلس غرباً والصين شرقاً. وأُلْجمتْ كثير من الشهوات والمطامع وأهواء الدنيا. ثم نهضت قوى كثيرة تصدُّ عن سبيل الله، وتُصارع دعوة الإسلام تحت شعارات مختلفة ورايات متعددة، ابتلاء منه سبحانه وتعالى وتمحيصاً لخلقه كلهم، فرداً فرداً وشعباً شعباً.
وإذا كان سلطان الإسلام قد تراجع اليوم، فإن الدعوة الإسلامية مازالت ماضية في الأرض، لتكون حُجّة للصادقين وحُجّة على المستكبرين. وامتدَّ الصراع قروناً طويلة، وما درى كثير ممن يحاربون الإسلام أنَّ هذا الدين هو دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، ودين موسى ودين عيسى، عليهم السلام جميعاً، دين واحد وربٌّ واحد لا شريك له.
وإذا كان هنالك من بدَّل وغيَّر في دعوة الله، وأغرته شعارات القوة المندفعة من ديمقراطية وعلمانيّة وغيرهما، فما زال في الأرض قلوب صدق إيمانُها وصفا توحيدها، وأبتْ أن تحرّف دين الله أو تبدّل فيه أو تتبع ما تشابه منه أو تفسد التأويل.
ولحكمة أرادها الله جعل في الغرب قوة مسيطرة، وعلى رأسها أمريكا التي بلغت من القوة المادية والتطور العلمي ونموّ العتاد والسلاح العسكري شأناً نفخ فيها الكبر والغرور حتى استكبرتْ وطغتْ. ولحكمة أرادها الله كان المسلمون اليوم في أضعف حالاتهم التي مرَّوا بها في التاريخ، في تمزَّق، وقلة عدة وسلاح، وتخلّف علمي وصناعي، لا عذر لهم به، ولكنه بما كسبت أيديهم. ودفع هذا الحال كثيراً من المسلمين إلى التنازل عن ديار ومبادئ في مسلسل طويل، حتى فجع المسلمون بهزائم متتالية وهوانٍ كبير.
في هذه اللحظات تطلع أمريكا منتفخة الأوداج كبراً وغروراً لتتحدث بكل جرأة عن ضرورة إصلاح منطقة " الشرق الأوسط الكبير ". مصطلح جديد يخفي الحقيقة والاسم الصحيح " العالم الإسلامي ". ويريد بوش أن يجري إصلاحاً في هذه المنطقة ليَهبها الديمقراطية والحريّة والعدالة حسب ادعاءاتهم!(/1)
ليست هذه أول مرة يُطْرح للعالم الإسلامي مصطلحات نابعة من أطماع وروح عدوانيّة. ففي عهد الخلافة العثمانية كانت تسمى قضية العالم الإسلامي " بالمسألة الشرقية "، تسمية طلعت من أطماع روسيا وأوروبا ومؤامراتهم الممتدة. ثمّ سُمِّيتْ المنطقة في العصر الحديث " الشرق الأوسط " تسميةٌ نابعة من أطماعٍ وشهواتٍ وعدوانٍ، وشاعت هذه التسمية حتى اليوم، وحتى جاء الرئيس بوش ليوسع المصطلح، ويُضيف عليه كلمة " الكبير "، إمعاناً في الدلالة على العالم الإسلامي كلّه.
مهما تعدّدت التسميات فالأرض واحدة، والميدان واحد، والأطماع واحدة، والعدوان الظالم واحد ممتدٌّ مع التاريخ، يُمحّص الله من خلاله عباده.
إنه لأمر عجيب أن يظنَّ بوش أنَّ العالم كله غافل لا يعي، ينسى التاريخ القريب والبعيد. يدّعي " بوش " أنه يريد أن ينشر الديمقراطية وزُخرف الحرية المزعومة. لقد ادعى هذا عند قراره غزو العراق. وهذه هي ساحة العراق شاهدة على ما قدم من تدمير وقتل وفتن لا تكاد تنتهي، وظلم تجاوز كلّ الحدود. وبالرجوع إلى تاريخ الديمقراطية الأمريكية في مختلف أنحاء العالم ابتداء من أمريكا اللاتينية ومختلف أقطارها، إلى أفريقيا، وإلى آسيا، لا تجد إلا الفواجع والمآسي والتدمير وقتل الإبادة، حتى انتزعت هذه الديمقراطية كلَّ بسمة على وجه طفل، أو فرحة في قلب أم، أو كرامة في حياة إنسان، وغرست مكانها الدموع والأنين والدماء والأشلاء والإذلال.
أين نجد الديمقراطية؟! أنجدها عندما أدار بوش ظهره وسدّ أذنيه لصيحات الملايين في جميع أنحاء العالم ترفض غزو العراق؟! لقد تولى السلاح الفتاك، سلاح التدمير الشامل إجابة تلك الصيحات حين سحقت كل استغاثة، وأبادت حضارة العراق في أيام معدودات، وتركت الناس دون كهرباء ولا ماء ولا بترول، ومنهم مَنْ أصبح دون مأوى!
أين نجد الديمقراطية؟! هل نجدها في الكذب والإصرار على الكذب فيما يتهمون هذا القطر أو ذاك، وفيما اتهموا العراق بسلاح التدمير الشامل واتخذوا ذلك ذريعة لارتكاب جريمة وحشية في أرض العراق وشعب العراق وعمائر العراق؟! هل الديمقراطية في تاريخها الحديث كله إلا كذب وخداع، وكبر وظلم، وعدوان وطغيان، واستبداد.
هذه هي الديمقراطية التي جعل منها " فوكوياما " نهاية التاريخ! ولو سماها نهاية العدالة والحرية واختفاءهما لكان أقرب إلى الصواب!
الديمقراطية، بغض النظر عن الأصل الوثني للفظة اليونانية، فإنها اليوم نظام ابتدعه كبار المجرمين في النظام الرأسمالي، يمارسون فيه أبرع أسلوب للظلم ليؤمِّنوا لأنفسهم حصاد الأرباح من كلّ نشاط اقتصاديّ ، ويُخدّرون الشعوب بزُخرف كاذب من الحريّة، وبإلقاء الفُتات إليهم، وبنشر الفاحشة والخمور والمخدرات، بتخدير مباشرٍ وغير مباشرٍ. لك أن تبدي رأيك كما تشاء في الجو الديمقراطي، وأما القرار فيُتّخذ في عتمات الكواليس وظلام الزوايا، ويشغلون الناس عن مصالحهم الحيوية بإثارة الفتن بعد الفتن.
إنَّ جرائم الديمقراطية كما نشاهدها على مساحة الكرة الأرضية جرائم ممتدة أوسع امتداد. فلماذا كانت هذه الجرائم؟! إنها شهوة النهب والطمع! إنهم يعبدون مصالحهم من دون الله. ومع كل إعلان للإصلاح أو التغيير، كان بوش وغيره يعلنون أن الإصلاح سيتمُّ لتأمين مصالح أمريكا، والتغيير لتأمين مصالحها، والحروب لتأمين مصالحها، تُعلن ذلك دون أن تُعْلن مرة واحدة عن مصلحة الإنسان، عن مصلحة الشعوب. ولو حدث أن أخطأت وادَّعتْ أنَّها تسعى لمصلحة إنسان أو شعب، فسرعان ما تثبت الأحداث أنَّ ذلك كان زُخرفاً كاذباً، وخداعاً جليّاً.
والذي يؤلم النفس أن نرى أمريكا تحمل رسالة الديمقراطية بزخرفها الكاذب وممارستها المدمّاة وتسعى كما تدّعي إلى نشرها في العالم، وفي الوقت نفسه نرى الأمة التي اختارها الله لتحمل رسالته إلى الناس كافة، إلى العالمين ممزقة مشتّتة القوى، تخلَّى الكثيرون منها عن حمل هذه الأمانة، تخلَّوا عن نشر دين الله، الإسلام كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، في الأرض كلها، حتى تكون كلمة الله هي العليا. عجباً كل العجب! أيحمل أُناس الباطل اليوم ويزيّنه شياطين الإنس والجنّ ويزخرفونه ويدعون إليه ويسعون لنشره في العالم كله، ونرى أُناساً بين أيديهم الحقّ يتخلَّون عن دعوته، وينصرفون إلى الدعوة إلى الديمقراطية والعلمانية؟!(/2)
واقع المسلمين اليوم يشكو من نواحٍ متعددة من الخلل ومن تخلّفٍ علميٍّ وصناعيٍّ، لا بدَّ للمسلمين أن يُعالِجوا هذا الواقع الذي أورثنا الهزائم والمذلة والهوان. وإنَّ علاج واقع المسلمين متوافر بأيدي المسلمين، فلسنا بحاجة إلى وصاية أمريكا وغيرها علينا لتدَّعي أنها تريد " الإصلاح " ! إنَّ أمريكا خير لها أن تلتفت إلى واقعها فهو بحاجة ماسَّة إلى الإصلاح من جميع جوانبه. إن أمريكا بحاجة ماسَّة إلى الإسلام! ونحن لسنا بحاجة إلى ديمقراطيتها! ليس واقع منطقتنا وحده يحتاج إلى إصلاح، إنَّ واقع البشرية اليوم كلّه يحتاج إلى إصلاح، لإخراجه من ظلمات الفتن والفساد والصدّ عن سبيل الله. إنَّ العالم كلّه بحاجة إلى إصلاح عاجل، وإن أول مجتمع يحتاج إلى الإصلاح أمريكا نفسها، وقد طغى فيها الفساد ولم يستطع الزخرف أن يُخْفيَه.
إذا كنَّا نؤمن بالله حقاً، ونؤمن بأن منهاج الله حق كامل من عند الله، فيجب أن نؤمن أن الله أرحم بعباده من أن يبعث لهم برسالة خاتمة لا تعالج مشكلاتهم ونواحي خللهم. بل لقد أنزل الله سبحانه وتعالى الكتاب على عبده محمد صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً للعالمين، شفاء ورحمة للمؤمنين. فالعلاج والإصلاح والتطوّر والتقدّمُ، والتجديد وكلّ ما يرجوه المؤمنون من عزّة وسؤدد هو بين أيديهم في الكتاب والسنّة، جعلها الله مصدر كلّ خير للبشرية كلّها.
إنَّ كثيرين من المسلمين الذين ينادون بالديمقراطية ويدعون إليها، يقومون بذلك ظنّاً منهم أنَّ فيها الحريّة والعدالة والمساواة، كما أعلن ذلك داعية مسلم في أحد المؤتمرات. ولو أن رجلاً غيرَ مسلم ادَّعى ذلك لوُجدَ له عذر، أما المسلم فما عذره ؟! فإذا كان الإسلام، دينُ الله، لا يوجد فيه الحريّة والعدالة والمساواة، فلم أنتم مسلمون ؟! وإذا كان الإسلام فيه الحريّة والعدالة والمساواة، كل ذلك رحمة من ربِّ العالمين، فلمَ تُعطون هذا الشرف للديمقراطية زوراً وبهتاناً، وتنزعونه من الإسلام ظلماً وعدواناً ؟!
إذا كان المسلمون لا يشعرون بحقيقة الحرية والعدالة والمساواة، فليس ذلك لأن هذه القيم غير موجودة في الإسلام، ولكنه لأننا لم نحسن تطبيق الإسلام. وإذا أساء بعضنا تطبيق الإسلام فما ذلك إلا لخلل في الإيمان وخلل في العلم، ولأخطاء جسيمة يرتكبها المسلمون.
إنَّ ما نلقاه اليوم هو بما كسبت أيدينا، فالله حق لا يظلم أحداً. ولكنها سنن ربانية ثابتة ماضية في حياة الناس. ولو أخذ المسلمون بهذه السنن الثابتة واتبعوا منهاج الله لكانوا أعزَّ أمّة على الأرض. وحسبُ المسلمين أنَّ لهم من الله قوةً ومدداً ليست لغيرهم إذا صدقوا وآمنوا والتزموا.
ولكننا نحن ظلمنا أنفسنا، وارتكبنا من التنازلات ما وفَّر للأعداء الفرصة لأن يجرؤوا علينا، ويُعلنوا يوماً حرباً على حجاب المرأة المسلمة، ويوماً يدَّعون الإصلاح بنزع الإسلام من الحياة إن استطاعوا، ويوماً بالاحتلال، ويوماً بالفتن بعد الفتن.
إنَّ سبيل الإصلاح واضح ممتدٌّ أمامنا.إنه نابع من منهاج الله إذا التجأنا إلى الله حق اللجوء، وإذا حاسبنا أنفسنا على ميزان منهاج الله، لنعرف أخطاءنا ولنعرف سبيل علاجها.
إن الإصلاح الذي نرجوه، لا ينحصر في تحسين واقعنا المادي. فتحسين الواقع المادي وحده قد تختلف السبل إليه بين أمواج المصالح والأهواء. ولكن الإصلاح الذي نرجوه هو الإصلاح الذي ننجو به من فتنة الدنيا ومن عذاب الآخرة، ولننال القوة والعزة على أساس ذلك. فلهذا الإصلاح سبيل واحد فقط، لا يمكن أن تتعدد السبل له.
لا يملك المسلمون اليوم إلا أن يجهروا بدين الله الحقّ كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، دون أيّ تحريف أو تأويل أو تبديل، ليبلّغوه للناس كافّة، للبشرية كلّها، حتى تكون كلمة الله هي العليا. لا بدَّ أن يوقف المسلمون جريهم اللاهث وراء زخارف كاذبة من مصطلحات الاشتراكية والديمقراطية والعلمانية، وغير ذلك من المصطلحات التي أخذت تتبدّل كما تتبدَّلُ " نماذج " الملابس! لا بدَّ أن يوقف المسلمون مسلسل التنازلات التي طال أمره وأورثنا المذلّة والهوان والصغار. لا بدَّ للمسلمين اليوم أن يربطوا إصلاح الواقع المادّي بإصلاح سبيلهم إلى الدار الآخرة في أيّ تصوّر أو عمل أو موقف، ولا يكونوا كالذين يؤثرون الدنيا على الآخرة:
( الذين يستحبّون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدُّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً أولئك في ضلال بعيد )[ إبراهيم : 3 ]
لا بدَّ أن ينهجوا هذا النهج وأن يبذلوا من أجله البذل الذي يستحقُّه كما أمرهم الله سبحانه وتعالى.
مهما كان الطريق طويلاً، فإنه الطريق الوحيد لبلوغ الإصلاح الذي نرجوه. وإن هذا الإصلاح يبتدئ من أنفسنا، وفي أنفسنا، ثمَّ يمتدُّ إلى ميادين الحياة كلّها، لتصبح ساحة عبادة لله، ووفاء بالأمانة، وقيام بالخلافة، وعمارة للأرض بحضارة الإيمان.(/3)
( وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصَّاكم به لعلكم تتقون )[ الأنعام : 153 ]
وكذلك :
( … وتوبوا إلى الله جميعاً أيَّها المؤمنون لعلَّكم تُفْلحون )[ النور : 31 ]
...(/4)
مشروع بناء الوعي الحضاري
د. مسفر القحطاني 29/7/1427
23/08/2006
كتبت في مقالات ماضية حول ضرورة بناء الوعي خصوصاً الحضاري منه, وسأتجاوز بيان الأهمية إلى الدخول في مشروع عملي يعيد هذا الوعي إلى الأذهان ويقرّبه إلى الأفهام, ويمكن تطبيقه في الميدان, ولعلي في هذا المقال أن أعرض إلى أحبابي القراء مُسوّدة هذا المشروع؛ لأتمكن من معرفة رؤاهم و نقدهم و مقترحاتهم في تطوير آلياته، ليصبح واقعاً حيوياً نتلمس آثاره في أنفسنا ومجتمعنا, ولعلي أعرض أبرز محاور هذا المشروع بشكل موجز لضيق زاوية المقال:
أولاً: المراد بالوعي الحضاري الذي أقصده في عملي بالمشروع هو: "إعادة تشكيل الذهن، وتعميق التصور، وتنمية الفكر نحو الرسالة الحضارية للإسلام بكل شمولها للمجالات العبادية والعمرانية، وعمومها للزمان والمكان والأفراد".
فالمشروع هو أشبه بخطاب لعقل المسلم يعيد فيه قراءة الشريعة الإسلامية التي جاءت بالإشهاد على الناس من خلال سماحة الشرع، وتقدّمية أحكامه، ودوره في علاج مشكلات المجتمعات والنهوض بأفراده.
والسبب في البدء بالوعي أولاً؛ لأن أي تحضر لأمة من الأمم لابد أن يُسبق بفكرة تنطبع في أذهان أصحابها إلى درجة الاعتقاد الجازم المفضي إلى البناء المشترك والعمران الحضاري, وفي هذا يقول مالك بن نبي: "إن حضارة ما؛ هي نتاج فكرة جوهرية تُطبع على مجتمع في مرحلة ما قبل التحضر؛ الدفعة التي تدخل به التاريخ"، وهو ما أثبته توينبي من دور عظيم للفكرة، وبالذات الدينية من أثر في تأسيس الحضارات. لذلك كان التركيز على إعادة إظهار هذه الفكرة بتوعية المسلمين بها وتعميقها في أذهانهم وأنفسهم كما نطق بها القران الكريم في قوله تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...) و في قوله سبحانه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)، وهو الدور الذي قام به عليه الصلاة والسلام في إحداث التحضر العظيم الذي أسسه في المدينة، وانطلق إلى أصقاع الأرض, وهذا الوضوح في الفكرة قد نطق به ربعي بن عامر إجابة عند سؤال رستم له عن سبب هذه الحركة التغييرية التي تقومون بها, فقال له ربعي: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى سعة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
فالوعي هو الوقود الحقيقي لحركة العمران التي انطفأت في الأمة منذ قرون, ولابد من إشعال جذوة هذا الوعي كي يدركه كل مسلم، وينطلق من خلاله إلى الإصلاح والتغيير, فالمشروع يهدف إلى الإسهام في تنوير الوعي بهذا الدور وإصلاح الذهن لهذه الانطلاقة الحضارية.
ثانياً: دواعي القيام بالمشروع:
1- لا يخفى على أحد قوة المدّ العولمي بكل آلاته الإعلامية والثقافية و الاقتصادية والسياسية, والذي بدأ يغزو كل مجتمع ويذيب كل الثقافات والفروقات تحت تأثير أنموذج غربي ينبغي أن يسود وحده ويؤثر في الجميع, وبالتالي ظهرت أجيال من المسلمين منسلخة عن شريعتها منبهرة بعجل السامريّ, تحتاج إلى إفاقة واعية تبحث في دينها العظيم عن مكامن ثباتها واعتزازها وعلوها على سائر الأمم، بدلاً من الانهزام النفسي الذي تعيشه أجيال اليوم.
2- الضعف والانحطاط في البلاد الإسلامية في جميع الميادين الحياتية, مما جعل هناك حالة يأس في الأنفس من النهوض مرة أخرى, وحالة شك من أن نملك أدوات التحضر المنشود.
3- المحاولات الإصلاحية التي أغفلت التركيز على الوعي الحضاري وكون الإسلام رسالة تحمل الهداية والرحمة والتقدم للكون والإنسان، وذلك بالبدء إما بالعمل السياسي المجرد، أو العمل التراثي العلمي، أو التزكية والتحلية للنفس والروح، أو العمل القتالي كوسيلة للنهوض بالأمة, إلى غيرها من اجتهادات كانت تؤطر الدين في فلكها الخاص دون اعتبار لشمول وسعة الشريعة, ولا يزال هذا الوعي بالشريعة منحصراً في تلك الزوايا، غافلاً عن تلك المعاني الأخرى. فالمرحلة الحالية تحتاج إلى زرع الثقة بالدين وترتيب العقل المسلم وتشكيل ذهنه نحو القابلية لهذا التحضر، ودفعه إلى ميادينها المتنوعة والمتكاملة كشريعة واحدة لا كمذاهب متفرقة
مشروع بناء الوعي الحضاري (2)
د. مسفر بن علي القحطاني 10/8/1427
03/09/2006
تحدثت في المقال السابق حول التعريف بالمشروع ودواعي القيام به، وأرى من المهم بيان بعض المنطلقات الفكرية التي نستطيع من خلالها بناء هذا الوعي أو إعادة تشكيله في ذهن المسلم، وهذه المنطلقات التي سأوردها هي نوع اجتهاد مني قد أصيب فيه وقد أخطئ، ولكنها محاولة متواضعة لمعرفة أولويات المرحلة التي نعيشها وحاجتها لهذا البناء التوعوي بفهمه الحضاري الشامل، ولعل من أهم منطلقات هذا المشروع ما سأورده من نقاط موجزة:(/1)
أولاً: تعميق الوعي بمقاصد الشريعة الإسلامية، وربط الأحكام بها، وتنبيه المسلم على دورها في توضيح الصورة المتكاملة للدين كونه طريق السعادة في الدارين. وذلك من خلال: تعظيم العبودية لله بالتدبر في آياته المقروءة والمنظورة، والتركيز على جوانب العظمة الحقيقية التي تجعل الأنفس أقرب إلى الله في كل حال بدلاً من التركيز على الجوانب العلمية في التوحيد أو أسلوب التخويف في الوعظ الذي يجعل الأنفس تجلد في لحظات ثم تعود إلى سابق حالها بعد التخويف -في كثير من الأحيان -، وإذا كان الوعظ كثيراً ورتيباً في محتواه فقد تملّ وتكلّ هذه الأنفس، فإحياء العظمة الربانية في الأنفس له دور فعّال في تعميق العبوديّة، واستلهام الوحي، وتنظيم وحدة الفكر، وتجريد القلب من الغوائل.
كما ينبغي التأكيد على هذه المقاصد عند الإفتاء؛ بذكر العلل والحِكم من التشريع وتهذيب النفوس بالأحكام، والتيسير ورفع الحرج فيما يغلب فيه الضيق والعنت أو زيادة الحاجة إليه أو شيوعه بين الناس، مع أهمية التدرج بالمستفتين والمتلقين عند المنع وإعطائهم البديل المباح عند المنع أو التحريم، وعلى المفتي أن يدرك طبيعة دوره وأثره المنتظر في حركة العمران الحضاري المتجدد والمواكب لكل المتغيرات الحياتية.
ولكي تتعمق مقاصد الشرع في نفوس وأذهان المسلمين بشكل أكبر ينبغي للمعلمين والدارسين تعليم الأحكام الشرعية أو توضيحها على أساس الكليات الخمس بحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وجعل هذه الضروريات الخمس متبلورة في ذهن المسلم ومناهج التغيير والإصلاح، وقريبة إلى واقع كل الأفراد في المجتمع دون الغوص في تفصيلاتها الأصولية أو إشكالياتها الفلسفية.
ثانياً: تعميق الوعي بفقه العمران الحضاري. من خلال: التأكيد على أن وجود المسلم مرتبط بمهمتين: العبادة لله والعمارة للأرض وفق مقتضيات تلك العبودية، وإعطاء العلوم والمعارف والفنون الإنسانية دورها من الاهتمام والتعلم والهيبة، وتحقيق التكامل بينها والتوازن في عرضها لبثّ العمران المادي والتقني المعاصر، ونشر أدواته بين المسلمين.
ثالثاً: تعميق الوعي بالشهود الحضاري، ولعلي أعرض هذا المفهوم العظيم من خلال الدلالات اللغوية لمعنى الشهود الذي جاء في الآية الكريمة في قوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً...).[البقرة: من الآية143].
فمن معاني تلك الشهادة: أن الشاهد لابد أن يكون عالماً بما يشهد به علماً يقنع الآخرين بالحجج والدلائل الواضحة. كما عليه أن يبينه ويظهره للآخرين. و يبلغه لمن يحتاجونه و ينتفعون به. كذلك العدل والأمانة في تبليغ الشهادة، فهي من أهم صفات الشاهد المبلّغ.
وأعتقد أننا لو بادرنا بهذه المنطلقات التي هي بعضٌ من كل، لحقّقنا على المدى القريب الكثير من الفوائد على المستوى الفكري والتطبيقي للتدين أو الدعوة له، كما نستطيع من خلال نشر هذا الوعي المساهمة في تقليل حدّة الخلافات والمنازعات بالالتفات إلى الغايات والأهداف العليا وإصلاح أنماط التفكير الموضوعي البعيد عن الإقصاء والأحادية أو التسطيح والتهميش أو الاختزال لقضايانا أو مشكلاتنا الراهنة.
وبعد هذه المُسوّدة التي عرضت أهم أفكارها التي تدور في خلدي منذ زمن أتمنى على كل محبّ ناصح وصلت له فكرة هذا المشروع، واستوعب مرادها ألاّ يبخل عليّ في تقويم هذه الأفكار أو نقدها وتفكيكها؛ فهو المعروف الذي أرجوه من كل غيور محبّ(/2)
مشروع تفتيت مصر
________________________________________
بقلم :سيد يوسف
أضحت مصر فى قلب العالم العربي والإسلامي بفضل موقعها الجغرافي وحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين ، وتاريخها المشترك مع جيرانها، ولسانها العربي ، ودينها الإسلامي ....
وقد فرض عليها ذلك أن تكون خادم الإسلام والعروبة والشقيقة الكبرى لأخواتها العُْرب
رغم ما قد يعتري هذه الخدمة من قصور بسبب ما تتعرض له مصر من أحداث الزمن وتكالب الحكام وغير ذلك .
ويرى بعض الباحثين أن ذلك التقصير يعوضه طول الخدمة لجيرانها وشدة الإخلاص فى تأدية واجبها نحو الإسلام والعروبة... صحيح أنه قد لا يكون للمصريين فضل كبير فى هذا بقدر ما أن الفضل يعود لموقعها الجغرافي حيث قد ساعدها موقعها أن تلعب دور (المسهلاتي) الذى ييسر لبلاده أن تؤدي وظيفتها على الوجه الأكمل فى خدمة الدين ومن قبل في صد خطر التتار والمغول والفرنج (الصليبيين).
ومذ قدر الله لمصر وجوداً وهى تشقى كثيراً ، ولا نتجاوز الحق حين نقول إن فترات الرخاء التى عاشت فيها مصر قليلة جداً... وفى حكى الشارع المصري مقولة تتناقلها الألسن بأثواب مختلفة خلاصتها أن مصر بخير ودليل ذلك أنها تُنهب منذ آلاف السنين لكنها ما تزال معطاءة وما يزال الخير فيها... ومن التراث يسوق كثير من الفاقهين تلك الرواية : روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل كعب الأحبار عن طبائع البلدان وأخلاق سكانها فقال : إن اللّه تعالى لما خلق الأشياء - جعل كل شيء لشيء فقال العقل : أنا لاحق بالشام ، فقالت الفتنة : وأنا معك ، وقال الخصب : أنا لاحق بمصر ، فقال الذل : وأنا معك ، وقال الشقاء : أنا لاحق بالبادية فقالت الصحة : وأنا معك .
والحق أن القهر أخو الذل وهما قرينان لا ينفصلان ... وتاريخ مصر مليئ بأحداث تبعث على الأسى والحزن الشديد ، بله القهر والذل.
وهكذا هى مصر أو قدر مصر وعلى الرغم من ذلك فإن الذى يسترعى الانتباه أمران :
* رغم طول تلك الآلام فإن مصر ظلت هى الخادم الأكبر للعروبة والإسلام وكانت الصخرة التي تحطمت عليها غزو التتار والمغول والفرنج (الصليبيين) ومن ثم فقد وعى أعداؤها الدرس فصارت مصر –ووفقا لتقارير مخابرات الغرب- هي الجائزة الكبرى.
* ومما يسترعى الانتباه أيضا هو استقرار مصر وعجز غيرها عن تفتيتها ، فقد ظلت مصر متماسكة ، وعصية على التفتيت... ربما يكون موقعها ، وتاريخها ، وحضارتها هي عوامل استقرارها بالأمس ، فهل يضمن لها ذلك نفس الاستقرار فى المستقبل – ولو المستقبل القريب - لا سيما والتقارير التي بين أيدي الباحثين تكشف عن خطط ماكرة وخبيثة لتفتيت مصر؟
فالفيلسوف روجيه جارودى له وثيقة يكشف فيها عن مخطط التفتيت هذا نشرها كاتب هذه السطور من قبل... وللشيخ الغزالى فى كتابه قذائف الحق بعض التفاصيل حول ذلك المخطط ،
وللدكتور حامد ربيع كتابا بعنوان : (قراءة فى فكر علماء الاستراتيجية) يكشف فيه من خلال عدة وثائق تجمعت لديه كباحث عن مخطط صهيونى وأمريكى لتفتيت مصر إلى (4) كيانات منفصلة هى :
أولاً : محور الدولة القبطية الممتدة من جنوب بنى سويف حتى جنوب أسيوط ، وقد اتسعت غرباً لتضم الفيوم التى بدورها تمتد فى خط صحراوي يربط هذه المنطقة بالإسكندرية التى تصير عاصمة الدولة القبطية ، وهكذا تفصل مصر عن الإسلام الإفريقي الأبيض وعن باقي أجزاء وادي النيل .
ثانياً : ولتزيد من تعميق هذه التجزئة تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى، حيث أسوان تصير العاصمة لدولة جديدة دولة تحمل اسم دولة البربر.
ثالثاً : الجزء المتبقى من مصر سوف تسميه مصر الإسلامية ، وهكذا تصبغ الطابع الطائفي على مصر بعد أن قلصتها من عاصمتها التاريخية فى الشمال وعاصمتها الصناعية فى الجنوب.
رابعاً : وعندئذ يصير طبيعياً أن يمتد النفوذ الصهيوني عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا بحيث تصير حدود مصر الشرقية من جانب فرع رشيد، ومن جانب آخر ترعة الإسماعيلية، وهكذا يتحقق الحلم التاريخى من النيل إلى الفرات.
تناحر لا مسوغ له
فى أمتنا استئصاليون ، وشخصانيون ، وذوو عقول مريضة : تجدهم َيدَعُون الخطر ويتجادلون حول شكل الخطر : هل هى حرب إمبريالية أم هى حرب دينية؟
بعضهم يقول لولا البترول ، والحديد ، وتجارة الأعضاء البشرية من قتلى الغزو من هنا أو من هناك ، وإجراء التجارب على بعض الأسلحة الجديدة ، والتخلص من بعض الأسلحة القديمة لما كانت الحرب أساساً ، وكيف وهى أساساً دول علمانية تقصى الدين عن الحياة ؟!
وبعضهم يقول بل هى حروب دينية لاستئصال شوكتنا ، وسلوا عن تدمير الخلافة الإسلامية وسلوا عن ما تكشفه وثائق القوم يوما بعد يوم ، وسلوا عن خطأ بوش الابن بأنها حرب صليبية ،(/1)
وابحثوا فى القرآن فسوف تجدون ما تستأنسون به... وكيف لا وشواهد الحاضر تكاد لا تستثنى دولة عربية (باعتبار أن العروبة ترادف الإسلام فى المفهوم الغربى غالبا)؟!
جدل يثير الضحك يذكرني بما يقوله بعض المؤرخين من وجود مثل هذا الجدل حين غزا نابليون مصر فقد كانت هناك معركة جدلية حول النملة التى حدثت نبى الله سليمان :
أمذكر هى أم مؤنثة... وهو موقف يثير القرف والسخرية من تفاهة هذي العقول بله الرد عليها.
ملاحظات وخاتمة
* لا يمكن الوصول إلى القلب قبل تفتيت الأطراف ، وهكذا يتعامل أعداء مصر معها منذ زمن بعيد حتى لا تبقى فيها قوة لرد أى محاولة أخرى كما فعلت من قبل مع المغول والتتار والفرنج ، ولعل هذا يفسر محاولة تطويق مصر من خلال وادي النيل جنوباً والكيان الصهيونى شرقاً... فضلاً عن التغير الملحوظ فى البنية الجسمية والصحية (سرطانات وأمراض) للعامة فى بلادي.
* لقد بات من المعلوم أن قوة مصر هى قوة للعرب والمسلمين جميعاً والعكس صحيح ، ولذا باتت مصر مستهدفة داخلياً وخارجياً.
*تلعب جمعيات كثيرة داخل مصر دوراً فى جمع المعلومات عن مصر وتحليلها خدمة لمراكز اتخاذ القرار فى الغرب ، ومن أمثال تلك الجمعيات بعض الجمعيات والمؤسسات التى تقدم منحا للدارسين وبعض المراكز العلمية التى تقوم بعمل أبحاث ميدانية واجتماعية ، وبعضها يتلقى دعماً مخصصاً من المعونة الأمريكية... (يعرف ذلك الباحثون فى العلوم الاجتماعية تحديداً).
* هناك زواج يهودي - صليبي : تقوى أواصره بالمصالح وتغذي جذوته العقائد ... وترعى استمراره أنظمة حاكمة لا همّ لها سوى بقائها على كرسى الحكم... والتهديد القوي الذي يهدد ذلك هو سلاح واحد لا مفر منه شاء من شاء وأبى من أبى : الوحدة... نعم الوحدة ، وحدة قوامها الدين فهى أكبر من اللغة وأوسع وأشمل ، وقوامها التاريخ المشترك ، وقوامها اللغة ، وقوامها النهوض ببلادنا وصد الخطر الصهيوصليبي عنها أيا كانت دوافعه.
* وفى هذا السياق نورد تلك الآية الكريمة عل قومي يستبصرون : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ » (سورة محمد: 7) ، ونصر الله يكون بنصر دينه وبالوحدة وبالأخذ بأسباب النصر وقوانينه وبالجهاد ، « وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ » (سورة العنكبوت : 69) ، لكن العجزة والقاعدين الذين يصادقون الكسل ويجاهدون بالثرثرة الجدالية على مصاطب الفراغ لا يمكن أن ترتفع لهم راية ، ولا أن يعقد لهم لواء نصر ، لا يمك(/2)
مشروع مقال
إن من دأبي إذا كان العيد، أني أغلق عليّ بابي، ثم لا أفتحه لداخل إلى الدار، أو خارج منها حتى ينتهي العيد، إلا أن تكون صلاة لا خِيَرَة فيها، أو صديق لابد من لقائه... وأغنم هذه الأيام في الرجوع إلى نفسي، والأنس بأهلي، والإقبال على كتبي ودفاتري، فلما نَدَبني ((الأستاذ وحيد إيبش)) إلى الكتابة في ((الشعلة)) أجبته ووعدته بفصل أكتبه في أيام العيد، وأنا متعزِّل متفرِّد، وأحبِّره له تحبيرا...
ولكن الشيطان أنساني الاستثناء، وأمسك بلساني أن أقول: ((إن شاء الله))، وما لم يشأ الله لم يكن، فلما جلست لأكتب، سُدَّت في وجهي الأبواب، وضلَّت عني الموضوعات، ونفر مني الكلام، فعدت وكأنني امرؤ يحاول أن يبدأ الكتابة ولما يمارسها من قبل، وعهدي بنفسي أني إذا أردت الكتابة تناولت القلم فأجريته على القرطاس، فإذا هو يجري قُدُما حتى أكون أنا الذي أرفعه، لأقرأ الفصل، وأضع التوقيع، وطال بي التفكير وأنا لا أزداد إلا ابْعاطا وخُؤْقا، فألقيت القلم وعلمت أن قد أرتج عليّ... والنفس كالسماء تفتح أبوابها، ويهمي غيثها، حتى يحيي الله به البلد الميت، ويروي به الأرض العطشى، فتهتز وتربو، وتنبت من كل زوج بهيج، وقد يغلقها الله، فتشح وتضن بالقطرة الواحدة من الماء... وعمدت إلى شيء ألهو به، فسألت أخي ناجي عن درسه الذي يقرؤه وقلت: لعلي أجد فيه موضوعا أكتب فيه فطَفِق يلقي عليّ كلاما ثقيلا على السمع، بغيضا إلى النفس، ضاق منه صدري وخثرت نفسي، ولم أفهم منه شيئا، ولكني ذكرت أني سمعته من قبل، واتضحت الذكرى، فعلمت أن قد كان ذلك في صف ((البكلوريا الثانية))، وأنني استودعته قلبي حتى اجتزت الامتحان، وأُعطيت الشهادة، ثم نسيته كما نسيت تلك الأشياء الأخرى، التي كنا نهذي بها في دروس الكيمياء والحكمة والمثلثات والجغرافيا... فتركت أخي يُطّنْطِن بهذا الهَذَر الذي يُعلَّمهُ في المدرسة وأقبلت أفكر فيَّ: ما الذي بقته لي الأيام من هذا البرنامج الطويل العريض... الذي أنفقنا فيه من أعمارنا سبع سنين، هي زهرة العمر، وهي سنُّ القوة والنشاط، سن الشباب العريض، والنفس السامية... ما الذي أفدناه من دروس التجهيز والدراسة العالية؟ نظرت فإذا أنا قد نسيت كل شيء من الرياضيات، إلا أنها علم الكميات وأن هذه الكميات متصلة تبحث فيها الهندسة، أو منفصلة يبحث فيها الحساب، وأن من الحساب ما تكون أرقامه حروفا تدل على أكثر من قيمة محددة، وهو الخبر، وأن من الهندسة هندسة سطحية، وهندسة فراغية، وهندسة نسبية، وأن منها شيئا لم يفهمه قط بشر، وهو المثلثات… وأن الذي أحسنه من هذا كله هو الأعمال الأربعة التي يعرفها السمان والعطار وكسَّار الحطب… أما سائر تلك النظريات والدعاوى فشيء عال سام لا يمكث في النفس، وليس من شأنه أن يمكث فيها وإنما سبيله أن ((يطير))! وإذا أنا قد نسيت كل شيء من الكيمياء، إلا شيئا لا طائل تحته، ونسيت قوانين الحكمة، ومسائل الجغرافيا، وما إلى ذلك مما درسناه وحفظناه و (شُهِدَ) لنا بأنَّا قد أحسناه وأتقنَّاه...
وكل ما أعرفه اليوم، هو شيء من اللغة والأدب والتاريخ قرأته بنفسي، وزاولته بعد خروجي من المدرسة، أما المدرسة فلم تعلمني إلا أسماء العلوم وأوصافها العامة، ولم أخرج منها إلا بالروح التي صبَّها في شيوخنا ومعلمونا (وقد كانوا رحمهم الله مسلمين شرقيين لم تفتنهم أوروبة عن دينهم وعاداتهم!). إن المدرسة لا تعلم التلميذ شيئا ولكنها تدله على الطريق وترسم له الخطّة، أفلا يجب إذن على المعلمين، أن يدلّوا التلميذ على الطريق السويّ والخطة المستقيمة، أفلا يجب عليهم قبل أن يعلموه قوانين الحكمة، ومعادلات الكيمياء، ونظريات الهندسة التي سينساها ويجهلها، أن يعلّموه من هم أجداده، وما هي حضارتهم، وأن يصبّوا في نفسه أخلاق العروبة، وآداب الإسلام، وأن يحببوا إليه العلم، حتى يقبل عليه بلذة وشغف، لا لنيل الشهادة، والنجاة من الامتحان، بل ليستفيد منه في ترقية حياته وحياة أمته، وخدمة بلاده وقومه... وأن يفهمون ((حقائق الحياة)) ويعرضوها عليه عارية لا يسترها شيء؟..
* * * * * * * * * *
هذا هو الموضوع الذي كنت أنشده وجدته، ولكن حين لم يبق بدٌّ من ختم هذا الفصل، فليبق إذن بلا موضوع وبلا عنوان...(/1)
مشروع مقترح للفتوى
هاني بن عبد الله بن محمد الجبير 15/1/1427
14/02/2006
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن منصب الإفتاء منصب خطير بدون شك، فهو منصب تولاه الله تعالى بنفسه، قال تعالى: "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن".
والمفتي يقوم بعمل الأنبياء، فالله تعالى قال عن نبيه: "إنما أنت نذير".
وقال عن أهل العلم: "فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".
ولا عجب فإن العلماء ورثة الأنبياء، وفقدان المفتي المؤهل سبب ضلال الأمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من صدور العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" متفق عليه.
ولا يمكن للأمة المسلمة أن تبقى بدون مفتٍ يوجه السائلين، ويعلم المسترشدين ويدلهم إلى حكم الله تعالى فيما يعرض لهم.
وفي هذه البلاد المباركة نرى تجنيد عدد كبير من طلبة العلم في موسم الحج للقيام بهذه المهمة، كما نجد رئاسة شؤون الحرمين تتولى تنسيق وجود عدد من المفتين في الحرمين سواء في أوقات المواسم أو غيرها.
وهذا كله يصب في مسار يبين بجلاء أن الأمة لا تستغني عن وجود المفتين أهل الكفاية عددًا ونوعًا؛ لأن الحاجة تظهر أن الناس يحتاجون من المفتين إلى أعداد أكبر من الموجود منهم.
ولما كان المفتي محتاجًا لأن يتصف بصفات خلقية تؤسس تأهله للإفتاء من العمل بالعلم والإخلاص والقدرة العلمية، فهو مطالب أيضًا بخصائص تمكنه من القيام بعمله على الوجه المحقق لمقصد الشارع، من مثل الاستعداد النفسي لتحمل ضغط الناس والمران على الإفتاء وأسس التعامل مع الناس.
ولا يشك أحد في أهمية التدريب والإعداد لكل عمل دنيوي أو ديني، ومن تأمل هدي السلف وجده مفيدًا لهذا المعنى، فيدرب الشخص على العمل الذي سيوكل إليه.
ومن ذلك: الإفتاء، فقد درب النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه على الإفتاء وأفتوا بحضرته، وهو تمرين لهم على الاجتهاد والإفتاء، وقد ذكر محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في الفكر السامي (1/220) عشرة أمثلة لذلك.
وقد قال أبوالأصبغ -عيسى بن سهل-: "الفتوى صنعة، وقد ابتليت بالإفتاء فما دريت ما أقول في أول مجلس وأنا أحفظ المدونة والمستخرجة الحفظ المتقن.. والتجربة أصل في كل فن ومعنى مفتقر إليه". وقال محمد بن عبد السلام: "تجد الرجل يحفظ كثيرًا من الفقه ويعلمه غيره، فإذا سئل عن واقعة لبعض العوام من مسائل الصلاة أو مسألة من مسائل الأعيان لا يُحسن الجواب، بل ولا يفهم مراد السائل إلا بعد عسر". انظر المعيار المعرب (10/79).
وقال الإمام مالك: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك ولو نهياني انتهيت.
ويقول القرافي: "هذا باب عظيم يحتاج إلى فراسة عظيمة، ويقظة وافرة، وقريحة باهرة، ودربة مساعدة، وإعانة من الله عاضدة" (الإحكام ص28).
وإذا كان هذا الأمر ملاحظ في زمن مضى، فالعناية به الآن مع تطوّر الزمن وتغير الأحوال أشد وآكد، إذ الضغوط الحياتية كثرت، والتفرغ قل جدًا، والنوازل ازدادت، وكثر عدد الناس. وإذا كان خبراء الإدارة والتطوير يقررون أن الإنسان لا يتجاوز مدى تذكره لربع ما يراه، فإنه في المقابل يتذكر 90% من الذي يعمله ويؤديه فعلاً.
ومن هنا جاء هذا المشروع الذي هو إعداد معهد لإعداد وتأهيل المفتين وتطويرهم.
وهو معهد يتولى إعداد طلبة العلم ليكونوا مؤهلين للإفتاء، فهو مرحلة متقدمة من التدريب والتطوير لطلبة العلم؛ ليكونوا بعد ذلك مستعدين لتحمّل هذا العمل.
وإذا كان الأئمة، والدعاة، والقضاة قد أسست لهم معاهد تتولى مهمة التدريب والارتقاء، أفلا يكون للمفتين معاهد تتولى هذه المهمة لهم؟
طريقة التنمية:
لهذا المعهد –المقترح- شقان:
الأول منهما: تدريب وتأهيل المفتين داخل هذه البلاد، والمأمول أن يكون نتاج هذا المعهد هم نخبة طلبة العلم ممن يمكنه تولي مهام الإفتاء في وقت المناسك وفي الحرمين ونحوها من مواضع الإفتاء.
الثاني: هو تأهيل المفتين من أبناء الدول الإسلامية عامة.
ولكلا الشقين تقدم دورات قصيرة تتضمن تقديم عرض مهم لبعض ما يحتاجه المفتي لتكمل في نهايتها البرنامج المطوّل.
والبرنامج المطوّل يتضمن دراسة لسائر ما في البرنامج المقترح لهذا المعهد.
والدورات القصيرة نافعة لإقامتها في عدة مناطق في المملكة وخارجها بحيث تكون في غير مقر المعهد، أما البرنامج المطول فيتم داخل المعهد، ولا يقبل للدراسة في المعهد إلا حملة الشهادات الشرعية العليا، أو من يماثلهم علمًا بعد اجتياز مقابلة شخصية يعرف منها استعداده وتأهله.
أهداف المشروع:
1) تأهيل وإعداد نخبة من طلبة العلم المتمكنين علمًا وعملاً.
2) تأمين النخب الممتازة من المفتين ممن تحتاجهم الأمة.(/1)
3) سد النقص الحاصل في الأمة من المفتين الثقات على منهج سلف هذه الأمة.
4) رفع مستوى طلبة العلم ليكونوا أقدر على القيام بالدور المطلوب منهم.
الخطوط العريضة للمعهد:
المواد المقدمة:
1- أصول الفتوى.
2- دراسة نظرية لعدد من المسائل العلميّة وكيفية الإفتاء فيها.
3- دراسة لعدد من فتاوى العلماء المتقدمين والمتأخرين، وبحث أساليبهم وطريقة كتاباتهم، والنتيجة التي خرّجوا بها، ومناهجهم في الإفتاء.
4- طرق البحث ومناهجه.
5- أدب الفتوى وخلق المفتي.
6- قواعد عامة في الشريعة فقهية وأصولية مع تطبيقات عليها.
7- تطبيق عملي للإفتاء.
8- مهارات الإلقاء والتواصل مع الآخرين، والتعامل مع المواقف المحرجة.
9- إدارة المشاريع الإفتائية وتطويرها.
طريقة الدراسة:
وتكون الدراسة بطريقة ورش العمل وحلقات النقاش مع التكليف بالأبحاث.
وابتداء المعهد قد يحتم أن يكون بشكل الدورات القصيرة، حتى يتم إعداد مقره وتجهيزه كاملاً.
وخطوات المعهد المتقدمة لا حصر لها من القيام بالأبحاث والأنشطة العلمية التي تصب في خدمة الفتوى وأهل الإفتاء. وإعداد برامج تدريبية واقتراح مواد تدرّس في الكليات الشرعية حول الفتوى، وتقديم مواد علمية مبسّطة للمستفيدين في أدب الاستفتاء، وتصرف المستفتي عند اختلاف الفتوى ونحوها عبر الوسائل الممكنة.
تسويق المشروع:
يبقى أن مشروعًا كهذا قد لا يجد من الراغبين في الالتحاق به من يكفي لتحقيق أهدافه، ولحل هذا الأمر يستلزم أن يقدّم بشكل اشتراط حكومي لمن يلتحق ببعض الأعمال، أو يسوّق لدى الجهات الخيرّية المتولية للإفتاء، كما يكون بنشر الوعي بأهمية التدرب على الفتوى.
وبعد.. فهذا عرض موجز لمشروع يخدم هذه الأمة، وهو يحتاج لمن يتولاه فكرةً وهماً، إنشاء وترتيبًا.
ولن يعدم المساعدة على ذلك من كاتب هذه الأسطر ومن غيره... فهل من راغب؟(/2)
مشروع مقترح
ما هو المشروع ؟
أسباب طرح المشروع
تأصيل الموضوع من الناحية الشرعية
إعداد المشروع
نماذج من عمل أهل الخير وعمل أهل الشر في هذا المجال
نماذج من أعمال أهل الشر في الدعوة إلى شرهم وفسادهم
مقومات المشروع
وقفات وتنبيهات
خاتمة
ما هو المشروع ؟
لوحظ في الآونة الأخيرة وجود صحوة مباركة في جميع أنحاء المملكة، ضمن الصّحوة العامة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
نالت هذه الصحوة الاهتمام من قبل الدعاة وطلاب العلم في المدن الكبيرة، ولوحظ -أيضاً- ضعف الصحوة والاهتمام بها في بعض القرى والهجر، فقد غفل عنها الدعاة زمناً طويلاً.
هذا المشروع إذن هو نقل الدعوة إلى هذه القرى والهجر والاهتمام بها.
أسباب طرح المشروع
كان لطرح هذا المشروع واقتراحه أسباب، هي:
أولاً: القيام بواجب الدعوة إلى الله، ونشر الخير بين الناس، وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
يقول الله -تعالى-: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران:104). الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير وما ينفعهم في دينهم ودنياهم أمر به الله عز وجل وحث عليه، فمن أهم أسباب طرح هذا المشروع الدعوة إلى الله.
ثانياً: تفشي الجهل بين الناس: في القرى والهجر، وحاجتهم إلى العلم. إن تفشي الجهل في القرى والهجر أمر عجيب؛ فهم في حاجة إلى من يدلهم ويرشدهم إلى الطريق الصحيح.
إن كثيراً من الإخوة -الأحباب- تراودهم فكرة الدعوة إلى الله -جل وعلا- في خارج المملكة في أفريقيا وآسيا، وحتى أمريكا، وأوربا مع وجود جماعة معدودة علينا وقريبة منا، ولا تسترعي اهتمامنا، وهي تلك الجماعة التي تقطن القرى والهجر القريبة فإنهم يحتاجون إلى قدر كبير من الاهتمام والرعاية.
ثالثاً: وجود الفراغ القاتل: لدى الشباب بخاصة وغيرهم من الناس عامة، إن وجود الفراغ القاتل لدى كثير من الناس والشباب منهم بصفة خاصة، وعدم استغلال هذا الفراغ بما يعود عليهم بالنفع والفائدة أمر مشاهد وملحوظ.
حدثني أحد الإخوة أنه سافر إلى إحدى هذه المناطق مع مجموعة من الشباب فوجئ بما لم يكن في الحسبان.
بعد صلاة المغرب جلس مجموعة من الناس في داخل المسجد -والمسجد رملي كما هو الحال في كثير من القرى- وبدؤوا يلعبون لعبة شعبية، فجاء إليهم أحد الإخوة، وقال لهم: كيف يحدث هذا؟ أتلعبون في داخل المسجد؟! قالوا: تعلمون أن البيوت بعيدة، والوقت بين المغرب والعشاء قصير، وأحببنا أن نستثمر الوقت في داخل المسجد في لعبة شعبية، وهذا من حرصهم على الصلاة!! هكذا قالوا!!
رابعاً: انتشار كثير من وسائل الفساد بين الناس وبخاصة الفيديو:
وسائل الفساد كثيرة جداً، ومن هذه الوسائل جهاز التلفاز والفيديو، وخاصة جهاز الفيديو؛ فإنه وسيلة فساد عظيمة.
وكما وجدت هذه الوسائل في المدن فإنها موجودة -أيضاً- في القرى وبكثرة، وبشكل محزن.
وكما ورد في الحديث: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم... وذكر منهم عائل مستكبر" (1).
ومن القصص الغريبة والمحزنة أن أحدهم ألح عليه أولاده لشراء جهاز تلفاز، فتلفت الرجل حوله فإذا هو لا يملك سوى بقرة يشربون لبنها؛ فما كان منه إلا أن باعها واشترى لأولاده هذا الجهاز.
انظر -أخي المسلم- إلى أي حد انتشرت وسائل الفساد؟! وسيطرت على عقول كثير من الناس.
خامساً: وجود بعض الاعتقادات الباطلة، والعادات السيئة، والأعراف الجاهلية..
ذكر بعض الإخوة الدعاة الذين ذهبوا إلى كثير من القرى والهجر قصصاً عجيبة في هذا الأمر، ومنها أن قرية تبعد عن مكة بحوالي خمسين أو ستين كيلو متراً، عندما ذهبوا إليها قبل ثلاث سنوات بإشراف الأمانة العامة للتوعية الإسلامية في الحج، وجدوا كثيراً من الاعتقادات الباطلة، وذكروا قصصاً من ذلك، وما أن سمع الإخوة والمشايخ هذه القصص حتى بادروا إلى الذهاب إلى تلك القرى، ورأوا هذه المظاهر بأنفسهم.
وجدوا التبرك بالقبور والذبح عندها؛ حتى إن بعضهم يأتي وهو فقير لا يجد الثوب الذي يلبسه فيوفر دريهمات، ثم يضعها عند القبر توسلاً به، فيأتي في الصباح ويجد المبلغ غير موجود، فيحمد الله أن صاحب القبر قد أخذ هذا المبلغ ولا يعلم هذا المسكين أن اللصوص هم الله الذين أخذوه.
والحمد لله، قد زال كثير من هذه المظاهر بعد أن توجهت رئاسة الإفتاء ممثلة في التوعية، وعدد من طلاب العلم، وعدد من التجار إلى هذه القرى. هناك من الإخوة من يذهب إلى آسيا وأفريقيا للدعوة إلى الله مع أهمية هذا الأمر إلا أنهم تركوا قراهم هنا بلا دعوة!!
__________
(1) - ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم.. عائل مستكبر- كما قال، صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه (1/102/ رقم 172).(/1)
لقد استمعت بأذني إلى عدد من أهل القرى -أعمارهم فوق الستين سنة- لا يستطيعون أن يقرؤوا الفاتحة، بل إنهم -وهذا أخطر- يأتون بآية من الفاتحة وأخرى من عندهم!! بل قد جاءني عدد الإخوة من مدينة بيشة، وقد ذهبوا إلى تهامة يقولون: رأينا أعمالاً عجيبة؛ لم نكن نتصور أنها موجودة في هذه الجزيرة، وكتبوا في هذا لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، واهتم فضيلته بهذا الجانب.
ولا يتسع المقام لذكر نماذج من أعمال الناس التي تدل على شيوع الجهل، ووجود بعض الاعتقادات الباطلة والأعراف الجاهلية والعادات السيئة.
سادساً: ظهور جماعات الغلو، وتأثيرها في هذه المناطق أهمل الدعاة وطلاب العلم هذه المناطق، وجاء إليها بعض الوافدين من بعض البلدان العربية التي انتشرت فيها جماعات الغلو، -كجماعة التكفير والهجرة-، ووجد هؤلاء فرصتهم في نشر أفكارهم لاسيما مع غياب الوعي، وخاصة لدى الذين سلكوا أسباب الهداية حديثاً، ولم يجدوا العلم الكافي لتحصينهم ضد هذه الآراء في ظل حماس شديد للدين يجعل هذه الأفكار قريبة إليهم، وسهلة التسلط على عقولهم.
وهذا أمر خطير له آثاره السلبية على شباب الصحوة، وأخشى أن تأتينا الفتنة من قبل هؤلاء.
فعلى العلماء والدعاة أن يتقوا الله، ويزوروا هذه المناطق، ويستقبلوا الوافدين منها من الغيورين الذين أقض مضاجعهم هذا الأمر.
ولا بد من الرفق مع هؤلاء الناس، ودعوتهم بالحسنى، وتحمل ما قد يأتي من بعضهم، فهم من الكفر فروا.
سابعاً: الإمكانات المتوافرة لدى الدعاة وطلاب العلم، وعدم توجيهها واستثمارها على الوجه الأحسن عند البعض، هذه الإمكانات لدى بعض الدعاة لم تستثمر، ولم توجه على الوجه الأحسن والأكمل، ولو نظرنا إلى الأعداد الكبيرة التي تحضر لسماع المحاضرات في المساجد لتيقنا من هذا.
فهل كل هؤلاء لديهم دروس في المساجد؟!
هل كل هؤلاء خطباء أو أئمة مساجد؟ بالطبع لا! إنني أتوقع أن عدد الذين ارتبطوا في أعمال الدعوة إلى الله في مدينة كالرياض -مثلاً- لا يزيد على عشرين أو ثلاثين بالمائة!
فأين تذهب أوقات السبعين أو الثمانين بالمائة الأخرى؟
ألا توجه للدعوة إلى الله في القرى والهجر والبوادي.
ثامناً: إن هذا المشروع مجال جديد ومهم من مجالات التربية.
هذا المشروع مجال مهم تستثمر فيه طاقات الشباب من خلال المدارس والجامعات، وهو من أفضل الفرص التربوية لتربية الشباب.. لم لا تقوم مجموعات من شبابنا برحلات إلى هذه القرى!!
لأن من خلالها تحصل فائدتان:
فيها دعوة إلى الله -جلا وعلا_.
فيها تربية للقائمين على هذه الدعوة.
هذه أبرز الأسباب، وكل سبب يحمل في مضمونه بلاغاً.
تأصيل الموضوع من الناحية الشرعية
أولا: أدلة القرآن الكريم:
هذا المشروع هو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتأصيل للإيمان بالله –جل وعلا-، قال الله -تعالى-: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران: من الآية110). ويقول -جل ذكره-: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران:104). الدعوة في الخارج أمر مهم ولكن الأقربين أولى بالمعروف، قال -تعالى-: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء:214).
ولو وقفت أمام سورة "يس"، وقوله -تعالى-: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ" (يّس: 13،14).
ثلاثة من الرسل أرسلوا إلى قرية واحدة، وكلهم كذبوا، وإن كانت القرية في الآية أعم وأكبر من القرية التي نتحدث عنها.
ثانياً: الأدلة من السنة النبوية:
الأحاديث الواردة في هذا الموضوع كثيرة جداً؛ قولية، وعملية.
أما القولية، فمنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "بلغوا عني ولو آية "(1)، وعندما أذكر هذا الحديث فإني أنبه إلى أن هناك خلطاً واضحاً عند بعض الإخوة _هداهم الله_ بين اشتراط العلم، واشتراط أن يكون الداعية أحد العلماء. إن الداعية لا يشترط فيه أن يكون من العلماء، وإنما يشترط فيه العلم، فالمقصود أنك لا تدعو إلا بما تعلم، ولو آية واحدة، وهذا من معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"بلغوا عني ولو آية".
__________
(1) - بلغوا عني ولو آية_كما قال صلى الله عليه وسلم.._ رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء من صحيحه (6/496) من شرح صحيح البخاري.(/2)
ومن الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم : "نضر الله أمرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع " (1).
أما الأدلة العملية فهي كثيرة، ومنها ما يلي:
أخرج الترمذي، وأبو داود عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل في الموقف (2).
وأخرج ابن عدي في (الكامل)، والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن جعفر، قال: لما توفي أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشياً على قدميه، فدعا إلى الإسلام... الحديث (3).
وأخرج البيهقي عن الزهري قال: "أتى الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى القبائل في منازلهم، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وأعلمهم بالإسلام وعلمهم وبعث صلى الله عليه وسلم مصعب ابن عمير إلى المدينة حيث آمن أهلها، وبعث معاذ بن عفراء ورافع بن أبي مالك إليه أن ابعث إلينا رجلاً من قبلك يفقهنا ويدعو الناس بكتاب الله (4).
أخرجه البيهقي في الدلائل، وانظر (تاريخ الإسلام) للذهبي.
وقال ابن إسحاق: حدثني أبي عن المغيرة بن عبد الرحمن وغيره، قال: "قدم أبو البراء عامر بن مالك على رسول الله، صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد ألا بعثت رجلا من أصحابك إلى أهل نجد؟ رجوت أن يستجيبوا لك وأنا جار لهم، فبعث المنذر بن عمر في أربعين رجلاً منهم عدد من الصحابة" (5)
وأخرج البخاري ومسلم، وابن خزيمة وغيرهم، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن، وقال له: "إنك تأتي قوماً أهل كتاب..." (6) الحديث.
وأخرج البخاري عن أبي بردة، قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ ابن جبل إلى اليمن (7) ومما ورد في ذلك قصة ماء الرجيع، وبئر معونة، وهي مفصلة في كتب السير (8)
__________
(1) - قوله، صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءا". رواه أحمد (1/437) والترمذي في العلم من سننه (5/ 34) وابن ماجة في المقدمة (1/85) وغيرهم من حديث عبد الله ابن مسعود- رضي الله عنه-، وقال الترمذي: حسن صحيح. والحديث متواتر، وانظر كتاب الشيخ عبد المحسن العباد- حفظه الله- (دراسة حديث: نضر الله امرءا رواية ودراية).
(2) - أخرج الترمذي وأبو داود عن جابر- رضي الله عنه- أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يعرض نفسه على القبائل. رواه أحمد (3/3 32 و339 و390) وأبو داود في السنة من سننه (5/103/ رقم 4734) والترمذي في ثواب القرآن من سننه (5/184/2925) وابن ماجة في مقدمة سننه (1/ 173/1/201)، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الذهبي في السيرة (282): هو على شرط البخاري، وانظر السيرة لابن كثير (2/ 171) والسيرة لابن هشام (1/422).
(3) - أخرج ابن عدي والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن جعفر قال: لما توفى أبو طالب خرج، صلى الله عليه وسلم، إلى الطائف رواه ابن عدي في كتابه الكامل في الضعفاء (6/ 2124) والطبراني (كما في مجمع الزوائد 6/ 35)، ورواه الخطيب في الجامع من طريق الطبراني (رقم 1845)، وانظر كتاب دفاع عن الحديث (ص 19) وحاشية فقه السيرة (134) وكلاهما للألباني- حفظه الله-.
(4) - وأخرج البيهقي عن الزهري قال: أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إحدى القبائل في منازلهم. رواه البيهقي في الدلائل (2/430-433)، وانظر ترجمة مصعب بن الزبير في كتاب الإصابة (3/ 421) والسيرة للذهبي (293).
(5) - قال ابن إسحاق: حدثني أبي عن المغيرة قال: قدم أبو البراء عامر بن مالك. رواه ابن هشام في السيرة (3/137) والطبري في تاريخه (2/546) والبيهقي في الدلائل (3/338) كلهم من طريق ابن إسحاق، وانظر كتاب الإصابة (2/258 و4/461/ ترجمة عامر وترجمة منذر بن عمرو).
(6) - وأخرج البخاري ومسلم وابن خزيمة وغيرهم... قال، صلى الله عليه وسلم: "إنك تأتي قوما أهل كتاب" رواه البخاري في المغازي من صحيحه- باب بعث أبي موسى ومعاذ (8/64/ رقم 4347 من شرح الصحيح) وفي التوحيد (13/347/ رقم 7372)، ورواه مسلم في الإيمان من صحيحه باب الدعاء إلى الشهادتين (1/ 50-51/19)، ورواه ابن خزيمة في الصدقات من صحيحه (4/58/ رقم 2346).
(7) - وأخرج البخاري أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعث أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن. رواه البخاري في المغازي من صحيحه (8/ 60/ رقم 4341 و4342 من شرح الصحيح).
(8) - قصة ماء الرجيع وبئر معونة وهي مفصلة في كتب السيرة. أخرجها البخاري في المغازي (6/378-379/ رقم 4086)، وانظر البيهقي في الدلائل (3/338 وما بعدها) وسيرة ابن هشام (3/230-232) والمغازي للذهبي (ص 235-241).(/3)
وأخرج الخطيب في تاريخه، وابن الجوزي، أن أبا حمدون الطيب ابن إسماعيل كان من الخيار الزهاد، ومن المشهورين بالقرآن، كان يذهب إلى المواقع التي ليس فيها أحد يقرئ الناس، فيقرئهم حتى إذا حفظوا انتقل إلى آخرين (1)، وهذا نص في موضوعنا.
ومن المؤسف أن بعض الدعاة يتنافسون على بعض المواقع، مع إمكانية الانتقال منها إلى مواقع أخرى، لا يوجد فيها أحد من الدعاة، وهي أولى بالانتقال إليها، حتى تسلم قلوبهم من الحقد والغل على إخوانهم، وحتى يسلموا من هذا التنافس غير الشرعي.
ومن الأدلة -أيضاً- على مشروعية هذا الأمر هو انتقال الصحابة من المدينة إلى مناطق أخرى للجهاد والدعوة، حتى إن كثيراً منهم قد توفي وهو يدعو إلى الله في الشرق والغرب، في الكوفة والبصرة والمغرب وخراسان واليمن والشام، وأقلهم من توفي بالمدينة.
إعداد المشروع
أصل هذا المشروع اقتراح من أحد الإخوة الدعاة بعد أن رأى حال هذه القرى والهجر، وما آل إليه الحال بعد غفلة الدعاة وأهل العلم عنها.
بعد أن استحسنت الفكرة، قمت بالاتصال بعدد كبير من المشايخ وطلاب العلم، والدعاة للإسهام في إعداده، وتسجيل ملحوظاتهم واقتراحاتهم، وبعض هؤلاء الإخوة من شمال المملكة، وبعضهم من جنوبها، وآخرون من الشرق، وعدد كبير من الوسط.
ولذلك فإني لا أزعم أن هذا المشروع هو نتاج جهدي الشخصي، وإنما كان دوري فيه التنسيق والاتصال، وجمع الآراء وصياغتها، وإخراجها، حتى خرج بهذه الصورة التي أسأل الله -عز وجل- أن يبارك في هذا المشروع، وأن يتقبله، وأن يجزي الإخوة خيراً.
بدأت أبحث عن أصل الموضوع في الكتاب والسنة وسيرة السلف، وكذلك جهود بعض الأعداء في الماضي والحاضر، وقد ساعدني في ذلك بعض طلاب العلم، وبخاصة ممن لهم تجارب عملية.
المشروع قابل للإضافة والتعديل، وليس المهم هو النقد، وإنما المهم العمل الإيجابي المثمر، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل (2) "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" (3)
وإني آمل أن ينال هذا المشروع اهتمامكم وعنايتكم... لعلي أرى -مع بداية هذا المشروع- شحذاً للهمم أن أذكر ببعض القضايا الواقعة والقصص المفيدة في هذا الموضوع، وقبل ذكرها أحب أن أنوه إلى ما يلي:
إن هذه القصص ليس فيها مبالغة؛ بل إني قد تجنبت ما يوحي بذلك.
إنها ليست قصصاً فردية، بل هي قصص تعبر عن الواقع بصدق، حتى وإن كان بعض أصحابها أفراداً، فإن القرآن الكريم والسنة الشريفة قد اهتما بالقضايا الفردية.
يقول الله -تعالى-: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ" (المجادلة: من الآية1). ويقول -سبحانه-: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة: 204،205).
ويقول -تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" (الحجرات: من الآية1).
وإذا رجعنا إلى سبب نزول هذه الآية وجدنا أنه فردي.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصعد على المنبر إذا سمع عن بعض المخالفات أو رأى شيئاً منها، فيقول: "ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا (4)
لقد حرصت على ذكر أسماء من حدثني بهذه القصص- مع أن بعضهم قد يعتب علي، ولكني قد قصدت أن أحيي منهجاً في التثبت سلكه أسلافنا، ولذلك فإني سأحاول قدر الإمكان أن أذكر اسم من حدثني بهذه القصص.
فمن القصص الواقعية ما يلي:
__________
(1) - أخرج الخطيب في تاريخه وابن الجوزي أن أبا حمدون الطيب بن إسماعيل... رواه الخطيب في ترجته من التاريخ (9/362).
(2) - (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل) كما قال، صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري في كتاب اللباس- باب الجلوس على الحصير (10/314/ رقم 5861 من شرح الصحيح) وكتاب الرقاق- باب القصد والمداومة على العمل (11/294/ رقم 6464و6465و6467) من حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها- وبنحوه من حديثها عند البخاري في الإيمان (1/101/43) والصوم (4/213/1970) ومسلم في صلاة المسافرين (1/512-514و542/ رقم 746 و785).
(3) - (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) كما قال، صلى الله عليه وسلم، رواه البيهقي في شعب الإيمان في الشعبة (35) في الأمانات (4/334-335/5312-5315) وحسنه الألباني- حفظه الله (الصحيحة/1113).
(4) - قال، صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام". هذا ورد في قصص كثيرة، ومن أشهرها ما رواه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه- باب من لم يواجه الناس بالعتاب (10/513/ رقم 6101 من شرح الصحيح) وكتاب الاعتصام- باب ما يكره من التعمق (13/276/7301)، ورواه مسلم في فضائل الصحابة- رضي الله عنهم- (4/ 1829/ 2356) من حديث عائشة- رضي الله تعالى عنها-.(/4)
حدثني والدي أنه ذهب ليصلي في منطقة يباع فيها الإبل، فقدموا رجلاً ليكون إمامهم في الصلاة، يقول: فوجئت أن الإمام قد قرأ من أول القرآن آية، وآية من وسط القرآن، وآية من مكان آخر وهكذا في الركعة الثانية، فلما سلم قلنا له: يا فلان ماذا فعلت؟ تقرأ آيات متفرقة من القرآن! فقال: أنت لا تدري -بارك الله فيك- أنا إذا صليت جاءتني الآيات كل واحدة تقول: اقرأني، فأنا أرضي هذه، وأرضي هذه.
حدثني الشيخ رياض الحقيل (1) أن سورة الفاتحة عند بعض النساء في إحدى المناطق أنها تقول: لا قريت كتاب، ولا حسبت حساب، فلا تعذبني يوم العذاب، ثم تركع، وقد أكد لي هذا الكلام أحد أبناء هذه المنطقة.
وحدثني الشيخ سعد البريك (2) عما يعمل بعض أهل القرى في الكسوف أو الخسوف، حيث إنه إذا خسف القمر خرج الأطفال، ومعهم صفائح يضربون عليها ويقولون: يا حوته فكي قمرنا!!
وذكرت هذه القصة لبعض الإخوة في تلك المناطق فأكدوا لي ذلك، وذكروا أن هذا هو ما يفعله الصغار، أما الكبار فإنهم يأخذون البندقية ويرمون القمر!! ويقولون: يا حوت فك القمر حتى يزول الخسوف، ويقولون: استطعنا أن نطرد الحوتة؛ لأنهم يعتقدون أن الحوت يأكل القمر!!
حدثني الأخ طلال الدوسري (3) عن جهل بعض الناس في قراءة الفاتحة، وذكر قصتين:
الأولى: أن أحدهم خرج للدعوة إلى الله -جل وعلا-، ثم رجع يعلم أهله الفاتحة، فكانت والدته تقرأ "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (الفاتحة:5)، فتقول: وإياك نستعين، اهدم الصراط المستقيم، فحاول معها، فقالت: يا ولدي أنا منذ نشأت وأنا أقرؤها هكذا.
والثانية: أن هناك من يقرأ: غير المغضوب عليهم ورا الضالين.
وحدثني الشيخ رياض الحقيل -أيضاً-: أن أحد الشباب أخبره أن والديه لم يصليا منذ صغرهما حتى وصلا إلى السبعين من أعمارهما.
حدثني الشيخ سعد البريك: يقول: جاءني أحد من أهل القرى، يقول: إنه إذا اختصم عندهم اثنان، وأرادوا أن يتنازل أحدهم عن حقه للآخر ذهبوا إليه ورموا غترهم وأشمغتهم، ثم سجدوا عليها حتى يسمح، ويسأل هل هذا سجود لغير الله؟!!
حدثني الشيخ صالح الرشودي (4) بأنه في إحدى المناطق صلى بالناس الجمعة رجل حليق ومسبل من خارج هذه البلاد، فلما تكلم معه أحد المصلين، قال: إنني أكثر أصحابي تقصيراً!! ولكن ماذا أفعل؟ وكفيلي يصر على اختياري للخطبة، وإن لم أفعل أخرجني من البلد!!
هذه القصص -أيها الإخوة- تعبر عن الغفلة التي وقعنا فيها، وقد تحاشيت ذكر كثير من القصص الشائعة، ولكنني لم أجدها مسندة، ثم إن البعض قد يتصور عدم صحتها لغرابتها، فأعرضت عن ذكرها، وإلا فإن بعضها مبك ومحزن، ومضحك، و"شر البلية ما يضحك"...
نماذج من عمل أهل الخير وعمل أهل الشر في هذا المجال
قد يستصعب الدعاة ما نطالب به، ولذلك فإني أذكر بعض النماذج من أعمال أهل الخير في الدعوة إلى الله في القرى والهجر، وآثار ذلك، وكذلك فإنني سأذكر نماذج من أعمال أهل الشر:
أولاً: نماذج من أعمال الدعاة والعلماء.
ثانياً: نماذج من أعمال أهل الشر في الدعوة إلى شرهم وفسادهم.
نماذج من أعمال الدعاة والعلماء
ضمن السلسلة العلمية، أصدرت الكلية المتوسطة بالرياض رسالة صغيرة اسمها: "الرسالة القرعاوية"، وهي بقلم: الشيخ عبد الله القرعاوي -رحمه الله-، يتحدث فيها عن رحلته اليمانية، وسير المدارس فيها وما يتعلق بذلك:
يقول الشيخ: (5) لما كان آخر ذي القعدة 1357هـ توجهت إلى مكة- شرفها الله- للحج بعد أن استخرت الله -تعالى- واستشرت شيخي (6) في التوجه إلى جهة "جازان" للدعوة والإرشاد، فأشار علي بذلك واستحسنه، وأوصاني بتقوى الله-تعالى- وودعته ودعا لي ثم حججت.
__________
(1) - أحد الدعاة في مكتب الدعوة في الشرقية.
(2) - المحاضر بكلية المعلمين بالرياض والداعية المعروف.
(3) - طالب بكلية أصول الدين بالرياض.
(4) - رئيس هيئة القصيم سابقا، وأحد المسئولين في هيئة الغربية حاليا.
(5) - الرسالة القرعاوية ص 2، وقد نشرت في مجلة المنهل قديما.
(6) - الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية- رحمه الله-.(/5)
وفي عام 1358 هـ عرضت علي إدارة مدرسة المجمعة، وإدارة مدرسة بريدة، وعرض علي أن أكون معلماً في عنيزة، وفي دار الحديث بمكة، ومطوعاً فلم أرغب في شيء من ذلك، وتوجهت لجازان، واشتريت بضاعة أخذتها معي وتوجهت بعدها لسامطة، ثم تجولت بجهات سامطة ونزلت دكاناً في سامطة نفسها، ووضعت فيه البضاعة التي معي، وأول أمر بدأت به وأنا في الدكان تعليم القرآن، وثلاثة الأصول، والأربعين، والتجويد، والفرائض، وآداب المشي إلى الصلاة...، وكان هذا الدكان أول مدرسة فتحتها في تهامة، وفي آخر جمادى الأولى من هذه السنة توجهت إلى فرسان، وفتحت فيها مدرسة، ومنها توجهت إلى زهرة قرية لحكميين "الحكامية" ففتحت فيها مدرسة في أول رجب، وأصلحت مسجدها، وهو أول مسجد أصلحت بتهامة، وفي غرة شعبان توجهت إلى سامطة، ففتحت المدرسة بها ثانياً، في بيت (ناصر خلوفة)؛ لأنه لا يستطيع المشي وهو من خيار الطلبة وأكبرهم، فأردت ألا يتكلف، وفيها استقر بي المقام الآن..
ويقول الشيخ (1) ودخلت سنة 1364 هـ، وجاء الشيخ محمد بن محمد السديري أميراً لجازان، وسلك خطة أخيه الشيخ خالد في مساعدة الدعوة.... وفتحت مدرسة الحدث بالمركز، ومدرسة دهوان، ومدرسة العارضة بالمركز، ومدرسة الشيخ، ومدرسة الشقيق بالمركز، ومدرسة القحمة بالمركز، ومدرسة بالبرك، عند ابن حميد، ومدرسة في بيش، ومدرسة في هروب، ومدرسة في الدرب عند الشيخ، ومدرسة في اللحا ومدرسة في أبي العقائد، ومدرسة في الجارة، ومدرسة في حبيا، وفي القعدة، وفي مناب، وفي ميزاب بالمركز، ومدرسة عند الشيخ، وفي الدغارير، ومدرسة في ححجا، وفي الدرعية، وفي الطوال، وفي شعب الدري، وفي المجتة، وفي وعلان، وفي الحفلة، وفي مجعر، وفي الركوبة، وفي المرابي، وتجولت في الحبائط والجبال لملاحظة المدارس.
ويقول الشيخ (2) "وطلب منا أهل كل مخلاف من القبائل أن نتجول في جهاتهم فكنا نشتغل بالدروس حتى إذا كان آخر يوم الخميس خرجنا وكبار الطلبة إلى جهة من الجهات نعظ ونرشد، ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر، والطلبة يقومون بذلك، وأنا معهم أبين لهم الطريقة في التيسير والتبشير والرفق واللين والبصيرة، والبعد عن العنف والشدة والتعسير والتنفير، وألقى في الليل درساً في التفسير والحديث والتوحيد؛ لأن أكثر اجتماع الناس كان في الليل، ونرجع صبح السبت".
ويتحدث الشيخ عن حوادث سنة 1361 هـ، فيقول: "وفي هذه السنة تأخر خريف تهامة، فأوجب الحال انتقال أهل تهامة لاتباع مساقط الأمطار في الوديان والحبائط، وكان الطلبة مع أهليهم، وفي انتقالهم معهم بث للدعوة فيما ينتقلون إليه من البلاد، فوقع لذلك أثر عظيم، فكان بعضهم يفتح مدرسة ويعلم فيها، وبعضهم يبني مسجداً ويؤذن فيه، ويدعو الناس للصلاة، وصاروا يأمرون الناس بالمعروف وينهون عن المنكر، ويطاردون المشعوذين والدجالين.
يقول الشيخ القرعاوي: "وكان التلاميذ في أبها يقرؤون على الشيخ ابن يوسف (3) فأشرت عليه أن يفرقهم في القبائل ليفتحوا المدارس، فوافق على ذلك ففرقتهم، ثم تجولت أيضاً فرأيت الناس -ولله الحمد- مقبلين على الخير، والمعلمين مجتهدين، عسى الله أن يجعل الأعمال خالصة لوجهه..." انتهى.
وقد جاء الشيخ إلى جيزان وفيها شركيات كما يتحدث مشايخها، وتحولت بعد ذلك إلى المنهج السلفي على يده، ثم على يد تلاميذه من بعده، ومن أبرزهم حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله-.
ومن أعمال أهل الخير: ما ذكره الدكتور محمد بن سعيد القحطاني (4) أن قرية في الجنوب تحولت من مذهب التشيع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وكان هذا التحول على يد أحد المدرسين المصلحين.
وذكر الأخ أحمد عجاج (5) أن قريته كان فيها جهل وشركيات -وهي في اليمن- فجاء أحد أبنائها إلى مكة فدرس وتعلم، وعاد إلى بلده، وخلال مدة وجيزة دعا الناس إلى التوحيد ونبذ الخرافات، فتحول أغلب أهل القرية إلى التوحيد، ونبذوا الشرك وابتعدوا عنه، وضعفت الخرافة وأهلها.
نماذج من أعمال أهل الشر في الدعوة إلى شرهم وفسادهم
بعض الناس يقول: كيف أستطيع أن أذهب إلى القرى والهجر؟ ولذلك فإني أذكر له بعض جهود أهل الشر للدعوة إلى ما هم عليه، مع تكاسله هو وأمثاله عن الدعوة إلى الخير والحق.
من هذه النماذج قصة عبد الله بن سبأ المنافق اليهودي رحل من اليمن إلى الحجاز، ثم إلى البصرة، ثم إلى الكوفة، ثم إلى الشام، وبعدها إلى مصر، واستقر في مصر يدعو إلى مذهبه، وقد نجح وأحدث فتناً عظيمة، كان أهمها: مذهب التشيع حيث كان له دور كبير في إنشاء هذا المذهب ونشره (6).
__________
(1) - الرسالة القرعاوية: ص 6.
(2) - المرجع السابق ص 3.
(3) - هو الشيخ العلامة عبد الله بن يوسف الوابل رئيس محكمة عسير سابقا.
(4) - الأستاذ بجامعة أم القرى والداعية المعروف.
(5) - أحد منسوبي تسجيلات التقوى الإسلامية بالرياض.
(6) - انظر: كتاب عبد الله بن سبأ للدكتور سليمان بن حمد العودة فهو كتاب قيم في موضوعه.(/6)
ومن ذلك أيضاً رحلات المستشرقين وجهودهم: يقول محمد قطب -وفقه الله وحفظه-: "يقول أحد المستشرقين الصرحاء في كتاب (الشرق الأدنى: مجتمعه وثقافته) :"إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا في الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وبين تلك الحضارات"(1).
اقترح -ميخايلس- وهو باحث ألماني من أسرة عريقة في الفلسفة واللاهوت، وقد ولد عام 1717 م، اقترح على ملك الدنمارك سنة 1956 م، تشكيل لجنة تذهب لارتياد بلاد اليمن، فأجاب اقتراحه وشكلت من خمسة،هم: فون هافن (عالم باللغات الشرقية)، وفورسكال (عالم بالتاريخ الطبيعي)، وكرامر (طبيب الوفد)، وبورتفانيذ (الرسام والحفار)، ونيبوهر (الجغرافي ورئيس اللجنة)، وذهبوا ينبشون الآثار، ويدعون إلى مذهبهم الباطل، حتى إنهم جميعاً توفوا في سبيل هذا الباطل ولم يرجع منهم إلا نيبوهر.
من جهودهم في بذل المال: أن أحد الأثرياء النصاري الأمريكان، وهو: الفريد ميرلنغ تبرع بكثير من أمواله للتبشير والدعوة إلى النصرانية، ويقول: "نحن الآن في سن الشيخوخة، وأصبحت أيامنا معدودة. هل لكم أن تقفوا حياتكم على خدمة يسوع المسيح؟ نحن نريد جمعية تبشيرية لا يعطلها عن أعمالها غير الموت، ولنبرم إذن هذا العقد بيننا" (2)
ومع ذلك -ولله الحمد- لم يوفقوا في أعمالهم الخبيثة مع ما أنفقوا للصد عن سبيل الله "فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً" (الأنفال: من الآية36).
وأذكر في هذا المقام قصصاً.
القصة الأولى: وقعت في مصر، ففي مرة من المرات ذهب أحد المبشرين إلى قرية من قرى مصر، وظل يعمل فيها عدة سنوات حتى كتب تقريراً يفيد أن جميع أهل القرية تنصروا، فجاء المفتش النصراني ليختبرهم، وقال له: اجمعهم، فجمعهم، وقال لهم: أذكر لكم قصة في القاهرة، في مصر، وهي أن شخصاً سقط من الدور الثالث عشر، وقام يمشي، فوقف واحد من الحضور، وقال: وحّدوه، فقالوا جميعاً: لا إله إلا الله، فالتفت إلى صاحبه متعجباً! وقال: ما فعلت شيئاً! "لأنهم مُوَحِّدون".
القصة الثانية: وقعت في أندونيسيا، وهي أن المبشرين أقنعوا مجموعة من شباب المسلمين أن يعملوا معهم في مجال التنصير، فشرعوا يوزعون الكتب، وبعدما رأوا جهودهم جاءهم المبشر المسؤول عنهم، وقال: أنتم عملتم معنا واجتهدتم، فماذا تتمنون؟ قالوا: نريد أن نزور مكة لأداء الحج!! فعلم أنهم لم يتأثروا بالنصرانية.
فهؤلاء المنصرون لا يستطيعون إدخال المسلمين إلى النصرانية، ولكن كما قال أحدهم صراحة: إننا لا نريد أن ندخل المسلمين في النصرانية، فهم لا يستحقون أن يكونوا كذلك، ولكن المهم أن نخرجهم من دين الإسلام!!
نماذج من أعمال أهل الشر،هو: أن أحد رؤساء حركة التبشير، قال: لو فرضنا أن عشرة ملايين من المسيحيين تعهد كل منهم أن يدفع عشرة ريالات في السنة في سبيل التبشير، وتعهد مليون من الأغنياء بأن يدفع كل واحد منهم 200 ريال في السنة لهذا الغرض، لكانت هذه المبالغ تسد نفقات كل جميعات إرساليات التبشير (3) ولو عمل المسلمون هذا الشيء وجعلوه في سبيل الدعوة إلى الله لحقق الكثير من الإنجازات، ولكن العكس هو الصحيح.
المسلمون اليوم -أغنياؤهم- يساهمون في التنصير وإرساليات التبشير لمحاربة الإسلام -والعياذ بالله-، وذلك أن الفوائد الحاصلة من إيداع المسلمين لأموالهم في البنوك الربوية -مع ما في ذلك من الربا المحرم- إلا أن هذه الفوائد يقتطع منها جزء لصالح جمعيات التنصير، والله المستعان.
نموذج آخر من اجتهاد أهل الشر والفساد في نشر شرهم وفسادهم، وهو أن أحد الإخوة ذكر لي -وهذا الأمر معروف -أن الرافضة يذهبون إلى القرى ويزورون أهلها ويطعمونهم، وينفقون عليهم في المرة الأولى، ثم يكسونهم في المرة الثانية، ثم يدعونهم بعد ذلك إلى التشيع، وقد اتبعهم عدد كبير من أهل هذه القرى.
ومن القصص التي تدل على هذا هو أني ذهبت إلى النيجر ووجدت طبيبة من شرق آسيا لها خمس وعشرون سنة مقيمة في النيجر تدعو إلى مبادئها.
وذكر الإخوة هناك أن فرنسياً منصراً أقام عندهم في وسط جو حار وشاق للغاية، في قرية تسمى (ساي) في النيجر، بعضنا لا يستطيع أن يقيم عدة أيام فيها -مع الرفاهية- وهم يقيمون منذ عشرات السنين، ويخدمون العائلات، وينشرون الدعوة للتنصير.
من النماذج -أيضاً-: ما ذكره الشيخ عوض القرني (4) في كتاب (الحداثة) (5).
يقول الشيخ _حفظه الله ووفقه_: "يقول عبد الله سلمان: لقد حدثني السريحي قال: إنني في السنين الأخيرة أركض من جدة إلى جيزان إلى القصيم إلى الداخل والخارج حتى أقدم قراءات نقدية لأدب الشباب".
__________
(1) - واقعنا المعاصر، محمد قطب.
(2) - الغارة على العالم الإسلامي ص 234،235.
(3) - الغارة ص 237.
(4) - المحاضر بجامعة الإمام- فرع الجنوب- والداعية المعروف.
(5) - ص (1).(/7)
قال المؤلف: بل وصل نشاطهم إلى جزيرة فرسان في جنوب البحر الأحمر أكثر من مرة.
آخر خبر قرأته -مع كل أسف- تقرير كتب عن اللاجئين الصوماليين بعد الأزمة الأخيرة، والغريب أن أول من جاء إليهم هم المنصرون، وآخر من جاء إليهم المسلمون والدعاة.
مقومات المشروع
سبق أن ذكرت أن المشروع، هو: وجوب عناية العلماء والدعاة بالقرى والهجر وللمشروع مقومات يقوم عليها، ومن أهمها:
المقوم الأول: الخريجون:
الواقع الآن أن خريج الجامعة، نظراً لعدم وجود مكان شاغر لتعيينه في المدن يعين في إحدى القرى، فتأتي المطالبات والوساطات لتعيينه في إحدى المدن حتى لو وصل الأمر إلى التنازل عن درجة أو درجتين من أجل أن يأتي إلى المدينة، وهذا خطأ كبير.
ماذا يجب على الإخوة الخريجين؟
يجب عليهم أن يبادروا ولو لسنوات محدودة بالذهاب إلى هذه القرى؛ عسى الله أن ينفع بهم، وهذا ما حصل لمن عمل منهم في القرى، فإن الله قد نفع بهم نفعاً عظيماً.
الوهم الذي لا حقيقة له: بعض الإخوة عندما ألفوا المدن ظنوا وتصوروا أنهم لن يستطيعوا العيش في القرى، والحاصل حقيقة أن أحدهم لو أقام في تلك القرى سنة أو سنتين لألف سكن هذه القرى، وفضل البقاء فيها على انتقاله إلى إحدى المدن، وهذا ما قد ثبت بالتجربة، عدد من الزملاء تخرجوا منذ سنوات خلت عينوا للعمل في بعض المناطق النائية، وإلى الآن لهم خمسة عشر عاماً، ولا يريدون الانتقال منها.
وعليه فإني أوجه حديثي للإخوة الخريجين، وأقول لهم: اتقوا الله، ومن عين منكم في قرية أو هجرة فليحتسب الأجر عند الله -جلا وعلا-.
الشيخ عبد الله القرعاوي -رحمه الله- عرضت عليه _كما ذكرت سابقاً_، عدة وظائف في عنيزة، وفي بريدة، وفي المجمعة، وفي مكة، وكلها تركها وذهب إلى جازان مع ما وجد من المشقة والصعوبة، وأنتم ترون آثار دعوته.
حدثني الشيخ رياض الحقيل عن أن أحد الشباب الذين تخرجوا من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعين مدرساً في إحدى القرى، والآن هو قدوة في الخير يؤم الناس في الصلاة، وهو المربي للشباب، والمفتي للكبار والصغار، وهو طالب علم يتصل بالعلماء، وقد نفع الله به نفعاً عظيماً، والناس حوله ما بين صادر ووارد.
إنني أدعو الخريجين أن يطلبوا التعيين في القرى والهجر، وأن يقوموا بواجبهم تجاه دينهم من خلال الدعوة إلى الله، ووعظ الناس، وتذكيرهم، واستغلال وجودهم في تلك القرى، وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا.
إذن فالمقوم الأول، هو: أن يذهب طلاب العلم للإقامة الدائمة في هذه القرية، وإن لم تكن الإقامة دائمة، فلا أقل من أن تكون شبه دائمة، وأن عليهم دعوة الناس إلى ذلك، وهذا بالنسبة للخريجين الجدد.
أما بالنسبة للذين قد استقروا في مدنهم، فلا نقول لهم: انتقلوا، ولكن نقول كما قال الله -تعالى-: "فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ" (التوبة: من الآية122).
المقوم الثاني: الرحلات الطويلة والقصيرة.
كل منا يستطيع القيام بهذه الرحلات -بإذن الله- إن عاجلا أو آجلا.
يشارك في هذه الرحلة عدد من طلاب العلم وأهل الخير، ولا بد أن يكون فيها أحد العلماء أو طلاب العلم المتمكنين.
هذه الرحلات تكون على أحد نوعين:
النوع الأول: المرور على القرى مروراً سريعاً، وذلك بقضاء يوم في كل قرية للوعظ والإرشاد، ودلالة الناس على الخير.
النوع الثاني: الإقامة لعدة أيام، وفي رأيي ألا تقل عن أسبوع أو عشرة أيام، ولا حد لأكثرها.
ماذا يجب عمله في هذه الرحلات؟
اتصلت بعدد ممن قاموا بمثل هذه الرحلات وشاركوا فيها، واستنتجت أن أهم ما يجب عمله فيها هو ما يلي:
(أ) الوعظ وتذكير الناس: ويكون بإلقاء كلمة بعد الصلاة لمدة خمس دقائق، لعل الله -سبحانه- يفتح قلوب هؤلاء الناس على يديك،و"لا تحقرن من المعروف شيئاً".
(ب) إمامة الناس في الصلاة، وتعليمهم قصار السور. أنصح الإخوة بالبقاء بعد الصلوات، وخاصة بعد صلاة العصر؛ لتعليم الناس القرآن؛ الفاتحة وقصار السور، حتى يمكن أن تتم صلاتهم على الوجه الصحيح، وقد بينت أن عدداً من الناس لا يستطيعون قراءة الفاتحة أو يلحنون فيها، وهذا لا يستغرق وقتاً كثيراً.
(جـ)
تعليمهم أصول العقيدة وأركان الإسلام:(/8)
وقد تبين أن من الناس في تلك القرى من يوجد عندهم عقائد باطلة، وقد ذكرت صحيفة محلية بعض الشركيات والخرافات الموجودة في بعض القرى والهجر، فقالت(1) :"في القرى حجارة تبكي، وأشجار تهب الأولاد للعقيم، ودجالون يقسم الناس بهم من دون الله، وفيهم من يربط أولاده من ركبهم بكراسي الدجالين على أمل العفو من "الولي"، وفي القرى مجانين منعزلون في جحور مغلقة، يقسم الناس أنهم يصلون الصلوات الخمس، في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن يقطعوا البحار وآلاف الكيلو مترات في الفيافي عند كل صلاة، ولا تبتل ثيابهم، ويسمونهم "أهل الخطوة". ا هـ. وإذن لا بد من تعريف الناس بالعقيدة الصحيحة التي تنقذهم من براثن الشركيات، وتعبدهم لله -سبحانه وتعالى-، ولا بد من تعريفهم بأركان الإسلام والإيمان، وكذلك بعض الأحكام التي تهمهم في دينهم ودنياهم.
(د)
توزيع الكتب والأشرطة ونحوها:
ينبغي لأعضاء الرحلة أن يأخذوا معهم ما تيسر من الكتب والأشرطة الطيبة؛ لتوزيعها على أهل القرى، ويوجد -ولله الحمد- عدد من التجار الموسرين وهم على استعداد تام للمساهمة والتبرع لتوزيع الكتب والأشرطة ونشرها، وهم مستعدون كذلك إذا علموا بطلاب علم متوجهين إلى مثل هذا المشروع أن يبذلوا لهم الأموال لشراء ما يشاؤون، أو لتوزيعها كمكافآت نقدية لمن يحفظ سورة الفاتحة مثلاً، يعطي عشرة ريالات، وهكذا من يحفظ التحيات مثلاً، مما يحفزهم للحفظ، مع العلم أن هذا مجرب، ووجد بأنه ناجح ومفيد.
ومن ذلك أنني وجدت عند أحد المشايخ في مكة بعض الناس من القرى القريبة من مكة، وجاؤوا يسألون بعض المال، ففوجئت بالشيخ يقول لهم: اقرؤوا الفاتحة، ورأيت شاباً عمره ثلاث عشرة سنة، وشيخاً عمره فوق الستين، فكان الشاب يحفظ الفاتحة، ولكن قراءته ضعيفة، أما الشيخ فكان يقرأ نصف الفاتحة، ويدخل فيها من هنا وهناك، ثم أعطاهم ما قسم الله، وقرر ألا يعطيهم شيئاً بعدها حتى يحفظوا الفاتحة.
(هـ) المساعدات المالية:
بعض أهل القرى يعيش حياة صعبة، تجمع بين الفقر والجهل، وكما يقال: "الكفر أخو الفقر"، بل قد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر، والفقر، فينبغي للإخوة إذا توجهوا في رحلتهم إلى هذه القرى أن يصطحبوا معهم بعض المساعدات المالية، عينية ونقدية؛ لمساعدة أصحاب هذه القرى، وقد ذكر لنا الإخوة من صور الفقر ما يعجز الإنسان عن تصويره.
(و) التنبيه على المخالفات الشرعية المنتشرة:
مما يجب أن يعمل به التنبيه على المخالفات الشرعية؛ لأن هناك مخالفات كثيرة؛ كالاختلاط بين الرجال والنساء غير المحارم، وكالحكم بالأعراف الجاهلية، وغير ذلك.
(ز) الاهتمام بموضوع المرأة:
حيث الاختلاط، وبخاصة بين الأقارب من غير المحارم، والذهاب للأسواق والمستوصفات مع السائقين، وهذه مشكلة مشتركة بين المدن والقرى، وليست خاصة بالمدن.
(حـ) التنبيه على ما يقوم به بعض الباحثين:
يفد على هذه القرى والهجر بعض الناس بحجة عمل بحث أو مسح ميداني على الطبيعة عن هذه القرى، ويتساهل الناس معهم، حتى إنهم يدخلون البيوت بحجة أنهم يقومون بعمل رسمي، فيدخلون حتى في غياب الرجال، ولهذا ينبغي التنبيه على هذه المسألة، ويجب أن يتنبه الصالحون لخطورة هذا الأمر، حتى على أنفسهم.
(ط) العناية بالشباب وتوجيههم:
يجب العناية بالشباب وتوجيههم الوجهة النافعة إلى طلب العلم في المدن، واستقدامهم واستضافتهم، ولو لمدة قصيرة.
ينبغي للدعاة إذا ذهبوا أن يتعرفوا على الشباب في تلك المناطق، وأن يستمروا في مراسلتهم، وحضهم على التحصيل العلمي، ومواصلة الدراسة؛ لأن غالبية شباب القرى لا يكملون دراساتهم بعد الثانوية أو المتوسطة، فينبغي حضهم على طلب العلم الشرعي وتحصيله في الكليات الشرعية، حتى يعودوا إلى أهلهم فينشروا العلم الصحيح.
وينبغي تنبيههم على خطورة جلساء السوء، وتأثير جلساء السوء عليهم، فإنهم يفتكون في كثير من الشباب فتكاً، وبخاصة من يروجون لتعاطي المخدرات، وأصحاب القضايا غير الأخلاقية، وينبه إلى هذا الآباء والأمهات أيضاً.
هذا أبرز ما يتعلق بهذه الرحلات، سواء الطويلة أو القصيرة، وقد أطلت في هذا المجال لأهميته، وإني أؤكد مرة أخرى على أهمية هذه الرحلات، وأدعو الشباب المقيمين في المدن لقضاء آخر الأسبوع في زيارات ورحلات إلى هذه القرى والهجر، وكذلك أدعو المراكز الصيفية أن يجعلوا الرحلات التي تخرج تتولى هذا الأمر.
المقوم الثالث: الالتزام بخطبة الجمعة في القرى والهجر:
من الأمور المهمة التي يقوم عليها هذا المشروع: الاهتمام بخطبة الجمعة، والتزام طلاب العلم بالخطابة في جوامع هذه القرى، بدلاً من الأئمة القائمين فيها؛ لأن أغلب هؤلاء الأئمة ما زالوا يخطبون بخطب قديمة، لا تخلوا أحياناً من الأمور الخاطئة.
__________
(1) - صحيفة عكاظ، ملحق الأمة الإسلامية "السنة الأولى" العدد 17 الجمعة 25 ربيع الآخر 1412هـ.(/9)
ولقد صليت مرة في قرية تبعد عن الرياض ثلاثين أو أربعين كيلو مترا. فقام الإمام -جزاه الله خيرا- وعمره فوق الستين سنة أو في حدودها يخطب ويدعو للإمام الصالح فلان ابن فلان من الخلفاء السابقين؛ لأنه يقرأ خطباً مكتوبة منذ ستمائة عام أو يزيد، فلماذا لا يذهب الدعاة إلى تلك القرى للخطابة، ويحتسبون الأجر عند الله عز وجل .
المقوم الرابع: ذهاب العلماء إلى تلك المناطق؛ لإلقاء المحاضرات والدروس، مما يلحظ على كثير من طلاب العلم والعلماء، -وأقول: بعضهم- أنهم يلقون المحاضرات، وينشرون العلم، ولكن في مدن كبيرة، أما المدن الصغيرة أو القرى والهجر فلا نصيب لها من مجهودهم، وأعتقد أن في هذا الشيء من الخطأ والتقصير الكثير، فينبغي التنبه إلى هذا، وينبغي على طلاب العلم أن يأخذوا العلماء، ويذهبوا بهم لإلقاء المحاضرات، ولو مروراً وعدم الاقتصار على المدن فقط.
المقوم الخامس: اهتمام أصحاب التسجيلات والمكتبات الإسلامية بتلك الجهات، فقد ثبت أن الشريط من أقوى الوسائل الناجحة في دعوة الناس وتغيير سلوكهم، وذلك لسهولة اقتنائه وسماعه، وكذلك الرسائل الصغيرة، -والحمد لله- هي متوافرة وموجودة بكثرة، ولكن ينبغي أن توجه إلى القرى والبوادي، سواء أكانت بثمن مخفض أو بالمجان.
المقوم السادس: دور جماعات تحفيظ القرآن الكريم:
ينبغي أن تقوم جماعات تحفيظ القرآن الكريم بدورها كاملاً تجاه هذه القرى، وذلك بإرسال عدد من طلابها وأساتذتها، إما بصفة دائمة أو لعمل دورات قصيرة، يستفيد منها أكبر عدد ممكن، وأنا أتساءل لم لا ترسل الجماعات وفوداً منها إلى القرى، وبالذات القرى البعيدة؟!
نأمل أن تقوم جماعات تحفيظ القرآن الكريم بالدور المطلوب منها، وقد فعل بعضها!!
المقوم السابع: جمعيات البر الخيرية:
سبق أن ذكرت ما قام به الرافضة من إطعام الفقراء والمعوزين وكسوتهم في عدد من القرى بغرض استمالتهم لمذهبهم، بل قد وصل الأمر إلى أخطر من ذلك إذ جاءني عدد من أهل بعض القرى يشكون شكوى مرة، حيث يذكرون الفقر الشديد الذي خيم على هذه القرى، وذكروا بأن النصارى قد وجدوا في هذه القرى يدفعون الأموال لأهلها، ويطعمونهم، ويكسونهم، حتى إن بعض أهل القرى أحب النصارى -والعياذ بالله-.
المقوم الثامن: التجار وأصحاب الأموال:
للتجار وأصحاب الأموال دور كبير في إحياء هذا المشروع والنهوض به، من خلال توفير مستلزمات الدعاة إلى الله، ومن خلال توفير الكتب والأشرطة، وإقامة المساجد، وجمعيات لتحفيظ القرآن الكريم، وتهيئة السيارات ونحوها.
المقوم التاسع: أن يتعاهد طالب العلم قرية من القرى:
أدعو الإخوة الكرام أن يتعاهد كل واحد منهم قرية من القرى، يعطيها اهتمامه ورعايته، ويراسلها، ويدعو فيها لمدة سنة أو سنتين حتى تتغير أحوالها، مرة مع طلابه، ومرة بنفسه، حتى يشع فيها النور. هذا إذا لم يتمكن من الإقامة فيها.
وقفات وتنبيهات
1- تبني هذا المشروع:
يحسن أن تبادر الجامعات والمعاهد والمراكز الصيفية لتبني هذا المشروع، وأن تكون مقرًّا لانطلاق بعض هذه الرحلات، وبخاصة في الصيف.
2- ينبغي لطلاب العلم والدعاة أن يجعلوا جزءًا من نشاطهم في هذا المجال، فيهتموا بهذه القرى، واسأل نفسك الآن ماذا استفادت القرى منك؟
3- قيام مراكز الدعوة بفتح المجال للمتطوعين، وترتيب هذا الأمر، أدعوها للمبادرة في ذلك وتنظيم هذا المشروع.
4- تساؤل يستحق أن يطرح:
لماذا تقتصر أنشطة و رحلات طلاب المراكز الصيفية والمدارس والجامعات وفوائد هذه الأنشطة على أصحابها؟! لماذا تقوم على سبيل المثال رحلة من الرياض إلى أبها، ولا يعرج أصحابها على مساجد القرى والمراكز، ولا يستفاد منهم، مع أن المسألة يسيرة جداً، فهي لا تحتاج إلى علماء، أناس لا يحفظون الفاتحة، أو لا يقيمون الصلاة، ولا يعرفون أركان الصلاة، بل لا يعرفون بعض البديهيات في العقيدة؟! من الذي يمنع المسؤول عن الرحلة -بارك الله فيه- أن يوجه هؤلاء الشباب في أثناء رحلتهم إلى إلقاء بعض الدروس في مساجد القرى حتى تكون الفائدة عامة.
5- الجرأة على الفتيا:
إذا ذهب طالب العلم إلى هذه القرى فلا يتجرأ على الفتيا، "فأجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار"، ولا بد للمستفتي أن يتصرف تصرفاً جيداً فمن الممكن كتابة السؤال إذا كان مهماً جداً، ويأخذ عنوان إمام المسجد، ويسأل العلماء ثم يراسلهم، ويرد عليهم، وما الذي يمنع من ذلك؟
بلغني أن الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- يكتب بيده يومياً عدداً من الأسئلة يرد فيها على المستفتين، فلماذا لا تقوم بهذا الأمر؟
وكما نعلم جميعاً أن الشيخ عبد العزيز ابن باز -حفظه الله- تصدر من عنده عن طريق دار الإفتاء رسائل كثيرة، بل قد بلغني من بعض الإخوة أن الشيخ قد يأتيه في بعض الأيام ما يقارب الألف رسالة.
إذن بالإمكان أن نستفتي العلماء، ونراسل هؤلاء لعل الله ينفع بهم.
6- التعامل مع المنكرات:(/10)