ويعترف محمد بمسؤولية الإنسان أمام ربه، بيد أنه كان دائما وأبدا يدعو إلى التواضع، ومن ثَمّ نراه يقول: "إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسلة فليغرسها"، فهو هنا يبين أنه، حتى عند انتفاء كل أمل لدى للبشر، على الفرد أن يحافظ على نمو الطبيعة. لقد كان مؤمنا بأن الطبيعة حسنة فى ذاتها حتى لو لم يستفد البشر منها.
وبالمثل نراه يحض أتباعه على التشارك فى موارد الطبيعة، إذ يخاطبهم قائلا: "المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلإ والنار". كما يعد حرمان العطشان من الماء إثما يعاقَب عليه: "من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة".
والواقع أن موقف محمد تجاه الاستعمال الرشيد للأرض والمحافظة على الماء والطريقة التى كان يعامل بها الحيوانات هو دليل آخر على التواضع الذى يصبغ فلسفته حول البيئة.
الاستخدام الرشيد للأرض:
"جُعِلت لي الأرض مسجدا وطهورا". فى هذا الحديث يؤكد محمد الطبيعة المقدسة للأرض أو التربة، لا بوصفها ذاتا طاهرة فحسب، بل بوصفها مادة مُطَهِّرة كذلك. ويَظْهَر أيضا هذا الاحترامُ للأرض فى شعيرة التيمم التى تجيز للمسلم استعمال التراب فى الطهارة الواجبة عند الصلاة فى حالة فقدان الماء.
وينظر محمد إلى الأرض على أنها مسخَّرة للإنسان، لكن لا ينبغى له مع ذلك أن يفرط فى استخدامها أو يسىء استعمالها، كما أن لها ذات الحقوق التى للأشجار والحيوانات البرية التى تعيش فوقها. ومن أجل المحافظة على الأرض والغابات والحيوانات البرية جعل محمد عددا من المحميات، أى الأماكن التى يحرم فيها استعمال الموارد الطبيعية، وهو ما لا يزال معروفا إلى اليوم، إذ هناك مناطق ممنوعة حول بعض الآبار وعيون الماء غايتها حماية المياه الجوفية من الاستهلاك المفرط والنفاد. ومنها المناطق الخاصة بالحيوانات البرية والغابات حيث يُمْنَع الرعى وقطع الأشجار أو يحرم التعرض لأنواع معينة من الحيوانات.
ولم يشجع محمد فقط الاستعمال الرشيد للأرض، بل لفت أنظار أتباعه أيضا إلى المكاسب التى يجنيها الإنسان من إحياء الأرض البور، إذ جعل زرع شجرة أو غرس بذرة أو سَقْى أرض عطشى من أعمال البر والإحسان: "من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر". وعلى هذا فأيما شخص ساق الماء إلى قطعة أرض قاحلة فهى له.
المحافظة على الماء:
فى البيئة الصحراوية الخشنة التى كان يعيش فيها محمد يُعَدّ الماء مرادفا للحياة، فهو نعمة من الله، بل هو أصل الحياة كما يشهد بذلك القرآن: "وجعلنا من الماء كل شىء حى" (الأنبياء/ 30). ويذكِّر القرآن المسلم على الدوام بأنه خليفة الله فى الأرض، لكن لا ينبغى له مع ذلك أن يأخذ الأشياء المخلوقة على أنها أمرٌ مسلَّمٌ به: "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ" (الواقعة/ 68- 70).
كذلك كان الاقتصاد فى الماء والمحافظة على طهارته قضيتين مهمتين عند محمد. ولقد رأينا كيف أدى اهتمامه بالاستخدام الرشيد للماء إلى إقامة المحميات بالقرب من ينابيعه. وحتى عندما يكون الماء متوفرا نراه ينصح بالاقتصاد فى استعماله. ومن ذلك نهيه عن غسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث مرات حتى لو كان المتوضئ على نهرٍ جارٍ. ويضيف البخارى قائلا: " وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم". وبالمثل نهى محمد عن تلويث المياه، وذلك بمنع التبول فى الماء الراكد.
معاملة الحيوانات:
يقول محمد: "من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأل الله عز وجل عنها يوم القيامة".
وهو حديث يعكس إجلال محمد واحترامه وحبه للحيوانات. ذلك أنه كان يعتقد أنها، بوصفها خلقا من خلق الله، ينبغى أن تحظى بمعاملة كريمة، ففى الأحاديث النبوية عدد ضخم من الروايات والتوجيهات الخلقية والقصص التى ترسم لنا صورة عن علاقته بالحيوانات. وبعض هذه القصص ترينا أنه كان يهتم اهتماما خاصا بالإبل والخيول: فهما فى رأيه نعم الرفيق فى الأسفار والحروب، كما كان يجد كثيرا من الراحة والحكمة فى صحبتهما حسبما يقول لنا الحديث التالى: "الخيل معقودٌ بنواصيها الخير إلى يوم القيامة".(/2)
وحتى فى ذبح الحيوان نجده يبدى قدرا عظيما من الرقة والمرحمة. وعلى الرغم من أنه لم يكن نباتيا فإن الأحاديث تبين لنا بوضوح أنه كان حساسا للغاية تجاه معاناة الحيوانات حتى لكأنه كان يشاركها ألمها مشاركة وجدانية. ومن هنا نجده يأمر باستعمال سكين حاد فى الذبح واتباع طريقة مسؤولة من شأنها أن تزهق روح الحيوان سريعا بحيث يخف ألم الذبيحة إلى أقصى درجة ممكنة. كما نهى عن ذبح أى حيوان أمام غيره من الحيوانات أو إحداد الشفرة بحضرته، وإلا فكأنه قد ذبحه مرتين حسبما جاء فى حديثه لمن كان يُحِدّ شفرته فى حضور ذبيحته، إذ قال له مستنكرا: "أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟". لقد كان يكره ذلك كراهية شديدة.
وختاما:
نقول إنه من المستحيل إيفاء المدى الذى بلغته فلسفة محمد البيئية، وكذلك الأهمية التى تستأهلها، حقهما فى هذه المقالة القصيرة، فرؤيته الشاملة للطبيعة وفهمه لمكان الإنسان داخل العالم الطبيعى هما رؤية وفهم رائدان فى مجال الوعى البيئى لدى المسلمين.
وللأسف فإن الانسجام الذى دعا إليه محمد بين الإنسان وبيئته قد تم تجاهله فى أيامنا هذه إلى حد بعيد. وفى الوقت الذى نواجه فيه آثار التلوث والإسراف فى استخدام موارد الطبيعة والتصحير وشح الماء فى بعض الأماكن فى العالم مع المعاناة من الفيضانات والعواصف فى غيرها من الأماكن ربما يكون من الملائم بالنسبة لنا جميعا: مسلمين ونصارى ويهودًا وهندوسًا وبوذيين وملاحدةً أن نأخذ ورقة من كتاب محمد ونواجه الأزمة البيئية الحاليّة بجِدٍّ وحكمة.(/3)
محمد إقبال.. شاعر الهند والإسلام
محمد أبو مليح
من الشخصيات التي لاقت اهتمامًا عظيمًا، وكُتب عنها كتابات كثيرة في العصر الحديث شاعرنا "محمد إقبال" فهو المناضل بالكلمة والرأي والجهد في سبيل إعلاء كلمة الله، وفي سبيل الدعوة الإسلامية، وهو صاحب أكبر مدرسة شعرية في الهند يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: لا أعرف شخصية ولا مدرسة فكرية في العصر الحديث تناولها الكتاب والمؤلفون والباحثون مثلما تناولوا هذا الشاعر العظيم، وجاء في مقال في مهرجان إقبال المئوي ـ الذي انعقد في مدينة "لاهور" وتحت إشراف حكومة باكستان "إن عدد ما صدر عن إقبال من الكتب والرسائل في لغات العالم قد بلغ ألفين، ما بين كتاب ورسالة، هذا عدا ما نُشر عنه من بحوث ومقالات".
المولد والنشأة
هو إقبال ابن الشيخ نور محمد، كان أبوه يكنى بالشيخ تتهو (أي الشيخ ذي الحلقة بالأنف) ولد في سيالكوت ـ إحدى مدن البنجاب الغربية ولد في الثالث من ذي القعدة 1294 هـ الموافق 9 من تشرين أول نوفمبر 1877م وهو المولود الثاني من الذكور.
وأصل إقبال يعود إلى أسرة برهمية؛ حيث كان أسلافه ينتمون إلى جماعة محترمة من الياندبت في كشمير، واعتنق الإسلام أحد أجداده في عهد السلطان زين العابدين بادشاه (1421 ـ 1473م).
ونجده يصف أصله فيقول: " إن جسدي زهرة في حبة كشمير، وقلبي من حرم الحجاز وأنشودتي من شيراز".
أما عن أبيه فهو الشيخ نور محمد، كان يعمل بالتجارة ويخالط جماعة من الصوفية ورجال العلم والمعرفة، وهو ما جعله عارفًا بدقائق الطريقة وعلوم العقيدة والسنة، وله علم واسع في مسائل الحكمة والفلسفة والأدب، وكان لذلك عظيم الأثر في حياة شاعر الإسلام محمد إقبال. أما أمه فهي امرأة يملأ قلبها الورع والتقوى، قال عنها يوم موتها: " عندما آتي إلى تراب مرقدك سوف أصيح: من ذا الذي يذكرني في الدعاء في منتصف الليل". وتُوفي أبوه في السابع عشر من أغسطس 1930 بعد أن شارف المائة، وتُوفيت أمه قبل أبيه بست عشرة سنة في 1914م.
رحلته في طلب العلم
بدأ محمد إقبال تعليمه في سن مبكرة على يد أبيه، ثم التحق بأحد مكاتب التعليم في سيالكوت، وفي السنة الرابعة من تعليمه رأى أبوه أن يتفرغ للعلم الديني، ولكن أحد أصدقاء والده ـ وهو الأستاذ مير حسن ـ لم يوافق، وقال: "هذا الصبي ليس لتعليم المساجد وسيبقي في المدرسة" وانتقل إقبال إلى الثانوية؛ حيث كان أستاذه مير حسن يدرس الآداب العربية والفارسية، وكان قد كرس حياته للدراسات الإسلامية.
وبدأ إقبال في كتابة الشعر في هذه المرحلة المبكرة، وشجعه على ذلك أستاذه مير حسن، فكان ينظم الشعر في بداية حياته بالبنجابية، ولكن السيد مير حسن وجهه إلى النظم بلغة الأردو، وكان إقبال يرسل قصائده إلى ميرزا داغ دهلوى ـ الشاعر البارز في الشعر الأردو ـ حتى يبدي رأيه فيها، وينصحه بشأنها وينقحها، ولم يمضِ إلا فترة بسيطة حتى قرر داغ دهلوي أن أشعار إقبال في غنى تام عن التنقيح، وأتم إقبال دراسته الأولية في سيالكوت، ثم بدأ دراسته الجامعية باجتياز الامتحان العام الأول بجامعة البنجاب 1891م، التي تخرج فيها وحصل منها على إجازة الآداب 1897م، ثم حصل على درجة الماجستير 1899 م، وحصل على تقديرات مرموقة في امتحان اللغة العربية في جامعة البنجاب.
وتلقى إقبال دراساته الفلسفية في هذه الكلية على يد الأستاذ الكبير توماس آرنولد، وكان أستاذًا في الفلسفة الحديثة، وحجة في الآداب العربية والعلوم الإسلامية وأستاذها في جامعة لندن.
وبعد أن حصل إقبال على الماجستير عُين معيدًا للعربية في الكلية الشرقية لجامعة البنجاب، وحاضر حوالي أربع سنوات في التاريخ والتربية الوطنية والاقتصاد والسياسة، وصنف كتابًا في "علم الاقتصاد" ولم يصرف التدريس محمد إقبال عن الشعر، بل ظل صوته يدوي في محافل الأدب وجلسات الشعر، والتي يسمونها في شبه القارة "مشاعرة".
وكانت أول قصيدة له بعنوان: "إنه يتيم" وألقاها في الحفل السنوي لجماعة "حماية الإسلام" في لاهور، وقد استقبلت القصيدة استقبالاً حسنًا ومست شغف القلوب، الأمر الذي دعاه إلى أن ينشد في العام التالي وفي الحفل السنوي لنفس الجماعة قصيدته "خطاب يتيم إلى هلال العيد" ويشير الأستاذ أبو الحسن الندوي ـ وهو ممن عاصروا شاعرنا ـ إلى أسباب الإعجاب بشعر إقبال فيقول: "وهو ترجع في الغالب إلى موافقة الهوى والتعبير عن النفس: وهذا عن إعجاب الناس بشعره، أما عن أسباب إعجابه هو بشعر إقبال فيقول: "إن أعظم ما حملني على الإعجاب هو الطموح والحب والإيمان، وقد تجلى هذا المزيج الجميل في شعره، وفي رسالته أعظم ما تجلى في شعر معاصر" سافر إقبال إلى لندن في الثاني من سبتمبر 1905؛ ليكمل تعليمه وليستزيد من العلم فاتجه إلى كمبريدج والتحق بجامعتها؛ حيث درس الفلسفة على يد أستاذ الفلسفة مك تكرت، وحصل على درجة في فلسفة الأخلاق وتأثر بأستاذه مك تأثرًا واضحًا.(/1)
رحلاته إلى العالم الغربي والعربي
غادر إقبال لندن إلى القارة الأوروبية وزار عددًا من بلدانها، وكان في كل أسفاره يعمل على نشر الإسلام، وأثر بشعره وأسلوبه في كثير من الأوروبيين ومنهم موسوليني؛ حيث وجه له دعوة عقب مشاركته في مؤتمرات المائدة المستديرة في لندن عامي (1930 ـ 1931).
وكان منظم الزيارة الدكتور سكاربا؛ حيث كان معجبًا بفكر إقبال وإيمانه بالإنسان وقدراته، وذهب بالفعل إلي إيطاليا والتقى بموسوليني وألقى محاضرة، في روما يبين فيها الفرق بين مذهب كل من الحضارة الغربية والشيوعية والحضارة الإسلامية، ووضح فيها أسباب تخلف المسلمين، وأن من أهم أسباب هذا التخلف هو البعد عن الدين، وذكر الناس بماضي المسلمين وحضارتهم العريقة، ثم زار إقبال أسبانيا في عام 1932م بعد أن حضر مؤتمر الدائرة المستديرة الثالث، وحرص على مشاهدة المعالم الإسلامية هناك فيقف أما جامع قرطبة وقفة مؤمن شاعر ومما قاله في قرطبة:
لحورية الغرب وجه جميل ... ... وجناتها أذنت بالرحيل
على العين والقلب كن ذا حذر ... ... سماؤك فيها جمال القمر
- ويقصد بحورية الغرب هنا قرطبة
* ومن أقواله في مسجد قرطبة:
نسيمك عذب رقيق الهبوب ... ... أيا جامعًا فيك جمع القلوب
أيًا جامعي خصني بالنظر ... ... أنا المؤمن الحق فيمن كفر
لكم حسن شوقًا لرب العباد ... ... وإيمانه زاد دومًا وزاد
وهذه القصيدة يضعها بعض الباحثين بين روائع الأدب العالمي، وألقى شاعر الإسلام في مدريد محاضرة بعنوان: "العالم الفكري للإسلام وأسبانيا".
وزار إقبال أفغانستان على إثر دعوة وجهها له نادر شاه ـ ملك أفغانستان ومر في إحدى رحلاته على مصر، وقابل بعض شبابها وأعجب بشاب مصري، ويقول: إن الشاب فرح جدًا عندما علم أن إقبال مسلم ويقرأ القرآن، وقيل: إن إقبال لبس الطربوش بسبب المحادثة التي دارت بينه وبين هذا الشاب، ويذكر الأستاذ أبو الحسن الندوي أنه زار فلسطين في سنة 1931، وكان مما قاله وهو في فلسطين:
ولما نزلنا منزلاً طله الندى ... ... أنيقًا وبستانًا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه ... ... مني فتمنينا فكنت الأمانيا
ونجده هنا يتمنى أن يحط الرحال ويظل في بلد القدس وأرض مهبط الرسالات، ومن أقواله في افتتاح المؤتمر الإسلامي عام 1930 " على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".
وفي ألمانيا نال الدكتوراه على بحث له بعنوان: "تطور الغيبيات في فارس".
وعقب عودته من ألمانيا التحق بمدرسة لندن للعلوم السياسية، وحصل منها على إجازة الحقوق بامتياز.
عودته إلى وطنه
عاد إقبال إلى شبه القارة في شهر يوليو 1908م بعد أن قضى مدة في أوروبا ما بين دراسات علمية وزيارات لدول عربية وإسلامية، وأفادته هذه المدة في التدرب على منهج البحث والإلمام بالفلسفة الغربية ـ ومكث في لاهور، وقدم طلب لتسجيله محاميًا لدى القضاء الرئيسي، وتم تسجيله بالفعل، ولكن في مايو 1909 عُيِّنَ أستاذًا في للفلسفة في كلية لاهور، ولم توافق المحكمة في أول الأمر على أن يتولى منصبين في الحكومة، ولكنها في نوفمبر 1909م وافقت على تعيينه، وصدر قرار تحت عنوان: "الموافقة على تعيين محامٍ في المحكمة كأستاذ مؤقت في كلية الحكومة، وكان ذلك استثناءً لإقبال، وهذا يصور لنا مدى أهمية إقبال ومكانته في البلاد.
واستمرت هذه الثنائية حوالي عامين ونصف استقال بعدها من العمل بالتدريس؛ ليكون أكثر تفرغًا للمحاماة وممارسة القانون؛ وذلك نتيجة لحبه الشديد لمهنة المحاماة والدفاع عن الحقوق، ولم يعتزل إقبال التدريس نهائيًا؛ حيث كان يتابع المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تعقدها الجامعة؛ حيث كان له دور واضح في إصلاح حالة التعليم في بلده في هذا الوقت.
مرضه واعتزاله المحاماة
اجتمع المرض على إقبال في السنوات الأخيرة من عمره، فقد ضعف بصره لدرجة أنه لم يستطع التعرف على أصدقائه بسهولة، وكان يعاني من آلام وأزمات شديدة في الحلق؛ مما أدى إلى التهاب حلقه، وأدى بالتالي إلى خفوت صوته، مما اضطره إلى اعتزال مهنة المحاماة، وفكر في أن يقصد فيينا طلبًا للعلاج إلا أن حالاته المادية لم تسمح بذلك، وتدخل صديقه رأس مسعود؛ حيث اقترح على يهوبال الإسلامية أن تمنحه راتبًا شهريًا من أجل أطفاله الذين ما زالوا صغارًا وحدث ذلك بالفعل واستمر الراتب حتى بعد وفاة إقبال.
وكان من أولاده: ابنه آقتاب إقبال المحامي ورزق به من زواجه الأول، وابنه أجاويد ـ القاضي بمحكمة لاهور العليا، وابنته منيرة باتو وتزوجت في باكستان، وهما من زوجته الثالثة؛ حيث تزوج إقبال ثلاث زوجات ماتت إحداهن هي وابنتها بعد الولادة.
وفي أثناء مرضه هذا واعتزاله المحاماة ماتت زوجته الثالثة في مايو 1935 ثم مات صديقه العزيز رأس مسعود، ومن العجيب أن إقبال وسط هذه المحن والكرب لم يتوقف عن ممارسة نشاطه السياسي، بل ولم يتوقف عن الإبداع وكتابة الشعر.(/2)
وفاته وآثاره العلمية
وفي 21 من إبريل 1938 وفي تمام الساعة الخامسة صباحًا فاضت روح إقبال الطاهرة إلى بارئها، وكان يومًا عصيبًا في حياة جماهير الهند عامة والمسلمين منهم خاصة؛ فعطلت المصالح الحكومية، وأغلقت المتاجر أبوابها واندفع الناس إلى بيته جماعات وفرادى، ونعاه قادة الهند وأدباؤها من المسلمين والهندوس على السواء، ويقول عنه طاغور ـ شاعر الهند:
لقد خلفت وفاة إقبال في أدبنا فراغًا أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد طويل، إن موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق احتمال الهند التي لم ترتفع مكانتها في العالم".
آثاره ومؤلفاته
ترك لنا إقبال ثروة ضخمة من علمه ( رحمه الله) قلما تركها أحد مات في مثل سنه ومن آثاره ـ أو ما وصل إلينا منها ـ: عشرون كتابًا في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والفكر وترك أيًضا بعض الكتابات المتفرقة وبعض الرسائل التي كان يبعث بها إلى أصدقائه أو أمراء الدول، ذلك إلى جانب روائعه من الشعر والتي استحق أن يسمى بسببها (شاعر الإسلام).
ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي: "ومن دواعي العجب أن كل هذا النجاح حصل لهذا النابغة، وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين عامًا من عمره".(/3)
محمد الفاتح وفتح القسطنطينية
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش ) (روه الإمام أحمد في مسنده).
السلطان محمد الفاتح
هو السلطان محمد الثاني 431هـ- 1481م ، يعتبر السلطان العثماني السابع في سلسلة آل عثمان يلقب بالفاتح وأبي الخيرات. حكم ما يقرب من ثلاثين عاماً كانت خيراً وعزة للمسلمين[1]. تولى حكم الدولة العثمانية بعد وفاة والده في 16 محرم عام 855هـ الموافق 18 فبراير عام 1451م وكان عمره آنذاك 22 سنة ولقد امتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل كما أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها في مدرسة الأمراء وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة كتب التاريخ، مما ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال حتى أنه اشتهر أخيراً في التاريخ بلقب محمد الفاتح، لفتحه القسطنطينية. وقد انتهج المنهج الذي سار عليه والده وأجداده في الفتوحات ولقد برز بعد توليه السلطة في الدولة العثمانية بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، واهتم كثيراً بالأمور المالية فعمل على تحديد موارد الدولة وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ أو الترف. وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر. وعمل على تطوير إدارة الأقاليم وأقر بعض الولاة السابقين في أقاليمهم وعزل من ظهر منه تقصيراً أو إهمال وطور البلاط السلطاني وأمدهم بالخبرات الإدارية والعسكرية الجيدة مما ساهم في استقرار الدولة والتقدم إلى الإمام وبعد أن قطع أشواطاً مثمرة في الإصلاح الداخلي تطلع إلى المناطق المسيحية في أوروبا لفتحها ونشر الإسلام فيها، ولقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق أهدافه، منها الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات مع الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك بسبب الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدنها ولم يكتف السلطان محمد بذلك بل انه عمل بجد من أجل أن يتوج انتصاراته بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، والمعقل الاستراتيجي الهام للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي لفترة طويلة من الزمن، والتي طالما اعتزت بها الإمبراطورية البيزنطية بصورة خاصة والمسيحية بصورة عامة، وجعلها عاصمة للدولة العثمانية وتحقيق ما عجز عن تحقيقه أسلافه من قادة الجيوش الإسلامية[2].
أولاً: فتح القسطنطينية
تعد القسطنطينية من أهم المدن العالمية، وقد أسست في عام 330م على يد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول[3]، وقد كان لها موقع عالمي فريد حتى قيل عنها: " لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها "[4]، ومنذ تأسيسها فقد اتخذها البيزنطيون عاصمة لهم وهي من أكبر المدن في العالم وأهمها[5] عندما دخل المسلمون في جهاد مع الدولة البيزنطية كان لهذه المدينة مكانتها الخاصة من ذلك الصراع، ولذلك فقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بفتحها في عدة مواقف، من ذلك: ما حدث أثناء غزوة الخندق[6]، ولهذا فقد تنافس خلفاء المسلمين وقادتهم على فتحها عبر العصور المختلفة طمعاً في أن يتحقق فيهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لتفتحن القسطنطينية على يد رجل، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش[7].
لذلك فقد امتدت إليها يد القوات المسلمة المجاهدة منذ أيام معاوية بن أبي سفيان في أولى الحملات الإسلامية عليها سنة 44هـ ولم تنجح هذه الحملة، وقد تكررت حملات أخرى في عهده حظيت بنفس النتيجة.
كما قامت الدولة الأموية بمحاولة أخرى لفتح القسطنطينية وتعد هذه الحملة أقوى الحملات الأموية عليها، وهي تلك الحملة التي تمت في أيام سليمان بن عبد الملك سنة 98هـ[8].
واستمرت المحاولة لفتح القسطنطينية حيث شهد العصر العباسي الأول حملات جهادية مكثفة ضد الدولة البيزنطية، ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى القسطنطينية نفسها وتهديدها مع أنها هزتها وأثرت على الأحداث داخلها، وبخاصة تلك الحملة التي تمت في أيام هارون الرشيد[9] سنة 190هـ.
وقد قامت فيما بعد عدة دويلات إسلامية في آسيا الصغرى كان من أهمها دولة السلاجقة، التي امتدت سلطتها إلى آسيا الصغرى. كما أن زعيمها ألب أرسلان 455- 465هـ / 1063-1072م استطاع أن يهزم امبراطور الروم ديمونوس في موقعة ملاذ كرد عام 464هـ/1070م ثم أسره وضربه وسجنه وبعد مدة أطلق سراحه بعد أن تعهد بدفع جزية سنوية للسلطان السلجوقي، وهذا يمثل خضوع جزء كبير من امبراطورية الروم للدولة الإسلامية السلجوقية وبعد ضعف دولة السلاجقة الكبرى ظهرت عدة دول سلجوقية كان منها دولة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى والتي استطاعت مد سلطتها إلى سواحل بحر إيجة غربا وإضعاف الامبراطورية الرومانية.(/1)
وفي مطلع القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي خلف العثمانيون سلاجقة الروم[10] وتجددت المحاولات الإسلامية لفتح القسطنطينية وكانت البداية حين جرت محاولة لفتحها في أيام السلطان بايزيد " الصاعقة " الذي تمكنت قواته من محاصرتها بقوة سنة 796هـ - 1393م[11]، وأخذ السلطان يفاوض الإمبراطور البيزنطي لتسليم المدينة سلماً إلى المسلمين، ولكنه أخذ يراوغ ويماطل ويحاول طلب المساعدات الأوربية لصد الهجوم الاسلامي عن القسطنطينية، وفي الوقت نفسه وصلت جيوش المغول يقودها تيمورلنك إلى داخل الأراضي العثمانية وأخذت تعيث فسادا، فاضطر السلطان بايزيد لسحب قواته وفك الحصار عن القسطنطينية لمواجهة المغول بنفسه ومعه بقية القوات العثمانية، حيث دارت بين الطرفين معركة أنقرة الشهيرة، والتي أسر فيها بايزيد الصاعقة ثم مات بعد ذلك في الأسر سنة 1402م[12] وكان نتيجة ذلك ان تفككت الدولة العثمانية مؤقتا، وتوقف التفكير في فتح القسطنطينية إلى حين.
وما أن استقرت الأحوال في الدولة حتى عادت روح الجهاد من جديد ، ففي أيام السلطان مراد الثاني الذي تولى الحكم في الفترة
824هـ-863هـ/ 1421-1451م جرت عدة محاولات لفتح القسطنطينية وتمكنت جيوش العثمانيين في أيامه من محاصرتها أكثرة من مرة ، وكان الإمبراطور البيزنطي في أثناء تلك المحاولات يعمل على إيقاع الفتنة في صفوف العثمانيين بدعم الخارجين على السلطان[13]، وبهذه الطريقة نجح في إشغاله في هدفه الذي حرص عليه ، فلم يتمكن العثمانيون من تحقيق ما كانوا يطمحون إليه إلا في زمن ابنه محمد الفاتح فيما بعد .
كان محمد الفاتح يمارس الأعمال السلطانية في حياة ابيه ومنذ تلك الفترة وهو يعايش صراع الدولة البيزنطية في الظروف المختلفة، كما كان على اطلاع تام بالمحاولات العثمانية السابقة لفتح القسطنطينية، بل ويعلم بما سبقها من محاولات متكررة في العصور الإسلامية المختلفة، وبالتالي فمنذ أن ولى السلطنة العثمانية سنة 855هـ الموافق 1451هـ م[14] كان يتطلع إلى فتح القسطنطينية ويفكر في فتحها ولقد ساهمت تربية العلماء على تنشئته على حب الإسلام والإيمان والعمل بالقرآن وسنة سيد الأنام ولذلك نشأ على حب الإلتزام بالشريعة الإسلامية، واتصف بالتقى والورع، ومحبا للعلم والعلماء ومشجعا على نشر العلوم ويعود تدينه الرفيع للتربية الإسلامية الرشيدة التي تلقها منذ الصغر ، بتوجيهات من والده ، وجهود الشخصيات العلمية القوية التي أشرفت على تربيته، وصفاء أولئك الأساتذة الكبار وعزوفهم عن الدنيا وابتعادهم عن الغرور ومجاهدتهم لأنفسهم ، ممن أشرفوا
على رعايته[15].
لقد تأثر محمد الفاتح بالعلماء الربانيين منذ طفولته ومن أخصهم العالم الرباني "أحمد بن إسماعيل الكوراني" مشهودا له بالفضيلة التامة، وكان مدرسه في عهد السلطان "مراد الثاني" والد "الفاتح". وفي ذلك الوقت كان محمد الثاني -الفاتح- ، أميرا في بلدة "مغنيسيا" وقد أرسل إليه والده عددا من المعلمين ولم يمتثل أمرهم ، ولم يقرأ شيئا ، حتى أنه لم يختم القرآن الكريم ، فطلب السلطان المذكور ، رجلا له مهابة وحدّة ، فذكروا له المولى "الكوراني" ، فجعله معلما لولده وأعطاه قضيبا يضربه بذلك إذا خالف أمره . فذهب إليه، فدخل عليه والقضيب بيده، فقال: أرسلني والدك للتعليم والضرب إذا خالفت أمري، فضحك السلطان محمد خان من ذلك الكلام، فضربه المولى الكوراني في ذلك المجلس ضربا شديداً، حتى خاف منه السلطان محمد خان، وختم القرآن في مدة يسيرة. . ."[16].
هذه التربية الإسلامية الصادقة، وهؤلاء المربون الأفاضل، ممن كان منهم بالأخص هذا العالم الفاضل، ممن يمزق الأمر السلطاني إذا وجد به مخالفة للشرع أو لا ينحني للسلطان، ويخاطبه باسم، ويصافحه ولا يقبل يده، بل السلطان يقبل يده. من الطبيعي أن يتخرج من بين جنباتها أناس عظماء كمحمد الفاتح، وأن يكون مسلماً مؤمناً ملتزماً بحدود الشريعة، مقيد بالأوامر والنواهي معظماً لها ومدافعاً عن إجراءات تطبيقها على نفسه أولاً ثم على رعيته، تقياً صالحاً يطلب الدعاء من العلماء العاملين الصالحين[17].
وبرز دور الشيخ آق شمس الدين في تكوين شخصية محمد الفاتح وبث فيه منذ صغره أمرين هما:
1- مضاعفة حركة الجهاد العثمانية.
2- الإيحاء دوماً لمحمد منذ صغره بأنه الأمير المقصود بالحديث النبوي: (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش [18] لذلك كان الفاتح يطمع أن ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور)[19].
ثانياً: الإعداد للفتح:(/2)
بذل السلطان محمد الثاني جهوده المختلفة للتخطيط والترتيب لفتح القسطنطينية، وبذل في ذلك جهوداً كبيرة في تقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون مجاهد[20] وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في تلك الفترة، كما عني عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة وبمختلف أنواع الأسلحة التي تؤهلهم للعملية الجهادية المنتظرة كما أعتنى الفاتح بإعدادهم إعداداً معنوياً قوياً وغرس روح الجهاد فيهم، وتذكيرهم بثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على الجيش الذي يفتح القسطنطينية وعسى أن يكونوا هم الجيش المقصود بذلك، مما أعطاهم قوة معنوية وشجاعة منقطعة النظير، كما كان لانتشار العلماء بين الجنود أثر كبير في تقوية عزائم الجنود وربطهم بالجهاد الحقيقي وفق أوامر الله.
وقد اعتنى السلطان بإقامة قلعة روملي حصار في الجانب الأوروبي على مضيق البسفور في أضيق نقطة منه مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان بايزيد في البر الآسيوي، وقد حاول الإمبراطور البيزنطي ثني السلطان الفاتح عن بناء القلعة مقابل التزامات مالية تعهد به إلا أن الفاتح أصر على البناء لما يعلمه من أهمية عسكرية لهذا الموقع، حتى اكتملت قلعة عالية ومحصنة، وصل ارتفاعها إلى 82 متراً وأصبحت القلعتان متقابلتين ولا يفصل بينهما سوى 660م تتحكمان في عبور السفن من شرقي البسفور إلى غربيه وتستطيع نيران مدافعهما منع أي سفينة من الوصول إلى القسطنطينية من المناطق التي تقع شرقها مثل مملكة طرابزون وغيرها من الأماكن التي تستطيع دعم المدينة عند الحاجة[21].
أ- اهتمام السلطان بجمع الأسلحة اللازمة:
اعتنى السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية، ومن أهمها المدافع التي أخذت اهتماماً خاصاً منه حيث أحضر مهندساً مجرياً يدعى أوربان كان بارعاً في صناعة المدافع فأحسن استقباله ووفر له جميع الإمكانيات المالية والمادية والبشرية، وقد تمكن هذا المهندس من تصميم وتنفيذ العديد من المدافع الضخمة كان على رأسها المدفع السلطاني المشهور، والذي ذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان وأنه يحتاج إلى مئات الثيران القوية لتحريكه، وقد أشرف السلطان بنفسه على صناعة هذه المدافع وتجريبها[22].
ب- الاهتمام بالأسطول:
ويضاف إلى هذا الاستعداد ما بذله الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني حيث عمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية، تلك المدينة البحرية التي لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة وقد ذكر أن السفن التي أعدت لهذا الأمر بلغت أكثر من أربعمائة سفينة[23].
ج- عقد معاهدات:
كما عمل الفاتح قبل هجومه على القسطنطينية على عقد معاهدات مع أعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد، فعقد معاهدة مع إمارة غلطة المجاورة للقسطنطينية من الشرق ويفصل بيهما مضيق القرن الذهبي، كما عقد معاهدات مع المجد والبندقية وهما من الإمارات الأوروبية المجاورة، ولكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ الهجوم الفعلي على القسطنطينية، حيث وصلت قوات من تلك المدن وغيرها للمشاركة في الدفاع عن القسطنطينية[24] مشاركة لبني عقيدتهم من النصارى متناسين عهودهم ومواثيقهم مع المسلمين.
في هذه الأثناء التي كان السلطان يعد العدة فيها للفتح استمات الإمبراطور البيزنطي في محاولاته لثنيه عن هدفه، بتقديم الأموال والهدايا المختلفة إليه، وبمحاولة رشوة بعض مستشاريه ليؤثروا على قراره[25] ولكن السلطان كان عازماً على تنفيذ مخططه ولم تثنه هذه الأمور عن هدفه، ولما رأى الإمبراطور البيزنطي شدة عزيمة السلطان على تنفيذ هدفه عمد إلى طلب المساعدات من مختلف الدول والمدن الأوروبية وعلى رأسها البابا زعيم المذهب الكاثوليكي، في الوقت الذي كانت فيه كنائس الدولة البيزنطية وعلى رأسها القسطنطينية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية وكان بينهما عداء شديد وقد أضطر الإمبراطور لمجاملة البابا بأن يتقرب إليه ويظهر له استعداده للعمل على توحيد الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية لتصبح خاضعة له، في الوقت الذي لم يكن الأرثوذكس يرغبون في ذلك، وقد قام البابا بناءً على ذلك بإرسال مندوب منه إلى القسطنطينية، خطب في كنيسة آيا صوفيا ودعا للبابا وأعلن توحيد الكنيستين، مما أغضب جمهور الأرثوذكس في المدينة، وجعلهم يقومون بحركة مضادة لهذا العمل الإمبراطوري الكاثوليكي المشترك، حتى قال بعض زعماء الأرثوذكس : إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية [26].
ثانياً: الهجوم:(/3)
كان القسطنطينية محاطة بالمياة البحرية في ثلاث جبهات، مضيق البسفور ، وبحر مرمرة ، والقرن الذهبي الذي كان محمياً بسلسلة ضخمة جداً تتحكم في دخول السفن إليه، بالإضافة إلى ذلك فإن خطين من الأسوار كانت تحيط بها من الناحية البرية من شاطئ بحر مرمرة الى القرن الذهبي، يتخللها نهر ليكوس، وكان بين السورين فضاء يبلغ عرضه 60 قدماً ويرتفع السور الداخلي منها 40 قدماً وعليه أبراج يصل ارتفاعها الى 60 قدماً ، وأما السور الخارجي فيبلغ ارتفاعه قرابة خمس وعشرين قدماً وعليه أبراج موزعة مليئة بالجند[27]، وبالتالي فإن المدينة من الناحية العسكرية تعد من أفضل مدن العالم تحصيناً، لما عليها من الأسوار والقلاع والحصون إضافة إلى التحصينات الطبيعية، وبالتالي فإنه يصعب اختراقها، ولذلك فقد استعصت على عشرات المحاولات العسكرية لاقتحامها ومنها إحدى عشرة محاولة إسلامية سابقة كان السلطان الفاتح يكمل استعدادات القسطنطينية ويعرف أخبارها ويجهز الخرائط اللازمة لحصارها، كما كان يقوم بنفسه بزيارات استطلاعية يشاهد فيها استحكامات القسطنطينية وأسوارها[28]، وقد عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لكي تكون صالحة لجر المدافع العملاقة خلالها الى القسطنطينية، وقد تحركت المدافع من أدرنة الى قرب القسطنطينية، في مدة شهرين حيث تمت حمايتها بقسم الجيش حتى وصلت الأجناد العثمانية يقودها الفاتح بنفسه الى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 26 ربيع الأول 857هـ الموافق 6 أبريل 1453م ، فجمع الجند وكانوا قرابة مائتين وخمسين ألف جندي، فخطب فيهم خطبة قوية حثهم فيها على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة ، وذكرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث على ذلك، كما ذكر لهم الأحاديث النبوية التي تبشر بفتح القسطنطينية وفضل الجيش الفاتح لها وأميره، ومافي فتحها من عز للإسلام والمسلمين ، وقد بادر الجيش بالتهليل والتكبير والدعاء[29].
صورة توضح خريطة القسطنطينية
وكان العلماء مبثوثين في صفوف الجيش مقاتلين ومجاهدين معهم مما أثر في رفع معنوياتهم حتى كان كل جندي ينتظر القتال بفارغ الصبر ليؤدي ما عليه من واجب[30].
وفي اليوم التالي قام السلطان بتوزيع جيشه البري أمام الأسوار الخارجية للمدينة، مشكلاً ثلاثة أقسام رئيسية تمكنت من إحكام الحصار البري حول مختلف الجهات، كما أقام الفاتح جيوشاً احتياطية خلف الجيوش الرئيسية، وعمل على نصب المدافع أمام الأسوار، ومن أهمها المدفع السلطاني العملاق الذي أقيم أمام باب طب قابي ، كما وضع فرقاً للمراقبة في مختلف المواقع المرتفعة والقريبة من المدينة، وفي نفس الوقت انتشرت السفن العثمانية في المياه المحيطة بالمدينة، إلا أنها لم تستطع الوصول الى القرن الذهبي بسبب وجود السلسلة الضخمة التي منعت أي سفينة من دخوله بل وتدمر كل سفينة تحاول الدنو والاقتراب، واستطاع الاسطول العثماني أن تستولي على جزر الامراء في بحر مرمرة[31].
وحاول البيزنطيون أن يبذلوا قصارى جهدهم للدفاع عن القسطنطينية ووزعوا الجنود على الأسوار، واحكموا التحصينات وأحكم الجيش العثماني قبضته على المدينة، ولم يخلوا الامر من وقوع قتال بين العثمانيين المهاجمين والبيزنطيين المدافعين منذ الايام الأولى للحصار، وفتحت أبواب الشهادة وفاز عدد كبير من العثمانيين بها خصوصاً من الأفراد الموكلين بالاقتراب من الابواب.
وكانت المدفعية العثمانية تطلق مدافعها من مواقع مختلفة نحو المدينة ، وكان لقذائفها ولصوتها الرهيب دور كبير في إيقاع الرعب في قلوب البيزنطيين وقد تمكنت من تحطيم بعض الأسوار حول المدينة، ولكن المدافعين كانوا سرعان ما يعيدون بناء الأسوار وترميمها.
ولم تنقطع المساعدات المسيحية من أوروبا ووصلت إمدادات من جنوة مكونة من خمس سفن وكان يقودها القائد الجنوي جوستنيان يرافقه سبعمائة مقاتل متطوع من دول أوروبية متعددة واستطاعت سفنهم أن تصل الى العاصمة البيزنطية العتيقة بعد مواجهة بحرية مع السفن العثمانية المحاصرة للمدينة وكان لوصول هذه القوة أثر كبير في رفع معنويات البيزنطيين، وقد عين قائدها جستيان قائداً للقوات المدافعة عن المدينة[32].
وقد حاولت القوات البحرية العثمانية تخطي السلسلة الضخمة التي تتحكم في مدخل القرن الذهبي والوصول بالسفن الإسلامية إليه، وأطلقوا سهامهم على السفن الأوروبية والبيزنطية ولكنهم فشلوا في تحقيق مرادهم في البداية وارتفعت الروح المعنوية للمدافعين عن المدينة[33].
ولم يكل القس ورجال الدين النصارى، فكانوا يطوفون بشوارع المدينة، وأماكن التحصين ويحرضون المسيحيين على الثبات والصبر، ويشجعون الناس على الذهاب الى الكنائس ودعاء المسيح والسيدة العذراء أن يخلصوا المدينة، وأخذ الامبراطور قسطنطين يتردد بنفسه على كنيسة أيا صوفيا لهذا الهدف[34].
ثالثاً: مفاوضات بين محمد الفاتح وقسطنطين:(/4)
استبسل العثمانيون المهاجمون على المدينة وعلى رأسهم محمد الفاتح وصمد البيزنطيون بقيادة قسطنطين صموداً بطولياً في الدفاع وحاول الإمبراطور البيزنطي أن يخلص مدينته وشعبه بكل ما يستطيع من حيلة، فقدم عروضاً مختلفة للسلطان ليغريه بالانسحاب مقابل الأموال أو الطاعة، أو غير ذلك من العروض التي قدمها ، ولكن الفاتح رحمه الله يرد بالمقابل طالباً تسليم المدينة تسليماً[35]، وأنه في هذه الحالة لن يتعرض أحد من أهلها ولا كنائسها للأذى، وكان مضمون الرسالة: فليسلم لي إمبراطوركم مدينة القسطنطينية وأقسم بأن جيشي لن يتعرض لأحد في نفسه وماله وعرضه ومن شاء بقي في المدينة وعاش فيها في أمن وسلام ومن شاء رحل عنها حيث اراد في أمن وسلام أيضاً[36].
كان الحصار لايزال ناقصاً ببقاء مضيق القرن الذهبي في ايدي البحرية البيزنطية، ومع ذلك فإن الهجوم العثماني كان مستمراً دون هوادة حيث أظهر جنود الانكشارية شجاعة فائقة، وبسالة نادرة، فكانوا يقدمون على الموت دون خوف في أعقاب كل قصف مدفعي، وفي يوم 18 أبريل[37] تمكنت المدافع العثمانية من فتح ثغرة في الأسوار البيزنطية عند وادي ليكوس في الجزء الغربي من الأسوار ، فاندفع إليها الجنود العثمانيون بكل بسالة محاولين اقتحام المدينة من الثغرة، كما حاولوا اقتحام الأسوار الأخرى بالسلالم التي ألقوها عليها، ولكن المدافعين عن المدينة بقيادة جستنيان استماتوا في الدفاع عن الثغرة والأسوار، واشتد القتال بين الطرفين ، وكانت الثغرة ضيفة وكثرة السهام والنبال والمقذوفات على الجنود المسلمين،ومع ضيق المكان وشدة مقاومة الأعداء وحلول الظلام أصدر الفاتح أوامره للمهاجمين بالانسحاب بعد أن أثاروا الرعب في قلوب أعدائهم متحينين فرصة اخرى للهجوم[38].
وفي اليوم نفسه حاولت بعض السفن العثمانية اقتحام القرن الذهبي بتحطيم السلسلة الحاجزة عنه، ولكن السفن البيزنطية والأوروبية المشتركة، إضافة الى الفرق الدفاعية المتمركزة خلف السلسلة الضخمة من المدافعين عن مدخل الخليج، استطاعوا جميعاً من صد السفن الاسلامية وتدمير بعضها، فاضطرت بقية السفن الى العودة بعد أن فشلت في تحقيق مهمتها[39].
رابعاً: عزل قائد الأسطول العثماني وشجاعة محمد الفاتح:
بعد هذه المعركة بيومين وقعت معركة اخرى بين البحرية العثمانية وبعض السفن الأوروبية التي حاولت الوصول الى الخليج، حيث بذلت السفن الإسلامية جهوداً كبيرة لمنعها ، وأشرف الفاتح بنفسه على المعركة من على الساحل وكان قد أرسل إلى قائد الأسطول وقال له: إما أن تستولي على هذه السفن وإما أن تغرقها، وإذا لم توفق في ذلك فلا ترجع إلينا حياً[40] لكن السفن الأوروبية نجحت في الوصول إلى هدفها ولم تتمكن السفن العثمانية من منعها، رغم الجهود العظيمة المبذولة لذلك وبالتالي غضب السلطان محمد الفاتح غضباً شديداً فعزل قائد الاسطول[41] بعد ما رجع إلى مقر قيادته واستدعاه وعنف محمد الفاتح قائد الاسطول بالطه أوغلي وعنفه واتهمه بالجبن، وتأثر بالطة أوغلي لهذا وقال : إني استقبل الموت بجنان ثابت، ولكن يؤلمني أن أموت وأنا متهم بمثل هذه التهمة. لقد قاتلت انا ورجالي بكل ماكان في وسعنا من حيلة وقوة، ورفع طرف عمامته عن عينه المصابة[42].
أدرك محمد الفاتح عند ذلك أن الرجل قد أعذر، فتركه ينصرف واكتفى بعزله من منصبه، وجعل مكانه حمزة باشا[43].
لقد ذكرت كتب التاريخ أن السلطان محمد الفاتح كان يراقب هذه المعارك البحرية وهو على جواده وقد اندفع نحو البحر حتى غاص حصانه الى صدره وكانت السفن المتقاتلة على مرمى حجر منه فأخذ يصيح لبطله أوغلي بأعلى صوته: ياقبطان! ياقبطان! ويلوح له بيده، وضاعف العثمانيون جهودهم في الهجوم دون أن يأثروا في السفن تأثيراً ليناً[44].
كانت الهزائم البحرية للأسطول العثماني دور كبير في محاولة بعض مستشاري السلطان وعلى رأسهم الوزير خليل باشا إقتناعه بالعدول عن الاستيلاء على القسطنطينية والرضا بمصالحة أهلها دون السيطرة عليها وبالتالي رفع الحصار عنها، ولكن السلطان أصر على محاولة الفتح واستمر في قصف دفاعات المدينة بالمدافع من كل جانب ، وفي الوقت نفسه كان يفكر بجدية في إدخال السفن الإسلامية إلى القرن الذهبي ، خصوصاً وأن الأسوار من ناحية القرن الذهبي متهاوية، وبالتالي سيضطر البيزنطيون إلى سحب بعض قواتهم المدافعة عن الاسوار الغربية من المدينة وبهذا التفريق للقوات المدافعة ستتهيأ فرصة أكبر في الهجوم على تلك الأسوار بعد أن ينقص عدد المدافعين عنها[45].
خامساً: عبقرية حربية فذة:
لاحت للسلطان فكرة بارعة وهي نقل السفن من مرساها في بشكطاش إلى القرن الذهبي، وذلك بجرها على الطريق البري الواقع بين الميناءين مبتعداً عن حي غلطة خوفاً على سفنه من الجنوبيين، وقد كانت المسافة بين الميناء نحو ثلاثة أميال، ولم تكن أرضاً مبسوطة سهلة ولكنها كانت وهاداً وتلالاً غير ممهدة.(/5)
جمع محمد الفاتح أركان حربه وعرض عليهم فكرته، وحدد لهم مكان معركته القادمة، فتلقى منهم كل تشجيع، وأعربوا عن إعجابهم بها.
بدأ تنفيذ الخطة، وأمر السلطان محمد الثاني فمهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة وأتى بألواح من الخشب دهنت بالزيت والشحم، ثم وضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها، وكان أصعب جزء من المشروع هو نقل السفن على انحدار التلال المرتفعة، الا أنه بصفة عامة كانت السفن العثمانية صغيرة الحجم خفيفة الوزن[46].
وجرت السفن من البسفور إلى البر حيث سحبت على تلك الأخشاب المدهونة بالزيت مسافة ثلاثة أميال ، حتى وصلت إلى نقطة آمنة فأنزلت في القرن الذهبي، وتمكن العثمانيون في تلك الليلة من سحب أكثر من سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي على حين غفلة من العدو، بطريقة لم يسبق إليها السلطان الفاتح قبل ذلك ، وقد كان يشرف بنفسه على العملية التي جرت في الليل بعيداً عن أنظار العدو ومراقبته[47].
كان هذا العمل عظيماً بالنسبة للعصر الذي حدث فيه بل معجزة من المعجزات ، تجلى فيه سرعة التفكير وسرعة التنفيذ، مما يدل على عقلية العثمانيين الممتازة، ومهارتهم الفائقة وهمتهم العظيمة. لقد دهش الروم دهشة كبرى عندما علموا بها، فما كان أحد ليستطيع تصديق ماتم. لكن الواقع المشاهد جعلهم يذعنون لهذه الخطة الباهرة.
ولقد كان منظر هذه السفن بأشرعتها المرفوعة تسير وسط الحقول كما لو كانت تمخر عباب البحر من أعجب المناظر وأكثرها إثارة ودهشة. ويرجع الفضل في ذلك الى الله سبحانه وتعالى ثم إلى همة السلطان وذكاءه المفرط، وعقليته الجبارة ، والى مقدرة المهندسين العثمانيين، وتوفر الايدي العاملة التي قامت بتنفيذ ذلك المشروع الضخم بحماس ونشاط.
وقد تم كل ذلك في ليلة واحدة واستيقظ أهل المدينة البائسة صباح يوم 22 أبريل على تكبيرات العثمانيين المدوية، وهتافاتهم المتصاعدة، وأناشيدهم الإيمانية العالية[48]، في القرن الذهبي، وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر على ذلك المعبر المائي، ولم يعد هناك حاجز مائي بين المدافعين عن القسطنطينية وبين الجنود العثمانيين[49]، ولقد عبر أحد المؤرخين البيزنطيين عن عجبهم من هذا العمل فقال: ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الأسكندر الأكبر[50].
ظهر اليأس في أهل القسطنطينية وكثرت الإشاعات والتنبؤات بينهم، وانتشرت شائعة تقول: ستسقط القسطنطينية عندما ترى سفن تمخر اليابسة"[51] وكان لوجود السفن الاسلامية في القرن الذهبي دور كبير في إضعاف الروح المعنوية لدى المدافعين عن المدينة الذين اضطروا لسحب قوات كبيرة من المدافعين عن الأسوار الأخرى لكي يتولوا الدفاع عن الأسوار الواقعة على القرن الذهبي إذ أنها كانت أضعف الأسوار ، ولكنها في السابق تحميها المياه، مما أوقع الخلل في الدفاع عن الأسوار الأخرى[52].
وقد حاول الإمبراطور البيزنطي تنظيم أكثر من عملية لتدمير الأسطول العثماني في القرن الذهبي إلا أن محاولته المستميته كان العثمانيون لها بالمرصاد حيث أفشلوا كل الخطط والمحاولات.
واستمر العثمانيون في دك نقاط دفاع المدينة وأسوارها بالمدافع، وحاولوا تسلَّق أسوارها، وفي الوقت نفسه انشغل المدافعون عن المدينة في بناء وترميم مايتهدم من أسوار مدينتهم ورد المحاولات المكثفة لتسلق الأسوار مع استمرار الحصار عليهم مما زاد في مشقتهم وتعبهم وإرهاقهم وشغل ليلهم مع نهارهم وأصابهم اليأس[53].
كما وضع العثمانيون مدافع خاصة على الهضاب المجاورة للبسفور والقرن الذهبي، مهمتها تدمير السفن البيزنطية والمتعاونة معها في القرن الذهبي والبسفور والمياه المجاورة مما عرقل حركة سفن الأعداء وأصابها بالشلل تماماً[54].
سادساً: اجتماع بين الملك قسطنطين ومعاونيه:
عقد الملك قسطنطين ومعاونيه ومستشاريه ورجال النصرانية في المدينة اجتماعاً، فأشاروا عليه بالخروج بنفسه من المدينة والتوجه لطلب النجدات من الأمم المسيحية، والدول الأوروبية ، ولعل تأتي الجيوش النصرانية ، فيضطر محمد الفاتح لرفع الحصار عن مدينتهم، ولكنه رفض هذا الرأي وأصر على أن يقاوم الى آخر لحظة ولا يترك شعبه في المدينة حتى يكون مصيره ومصيرهم واحداً، وأنه يعتبر هذا واجبه المقدس وأمرهم أن لا ينصحوه بالخروج أبداً وأكتفى بإرسال وفود تمثله الى مختلف أنحاء أوروبا لطلب المساعدة[55] ورجعت تلك الوفود تجر خلفها أذيال الخيبة وكانت الأجهزة الأستخباراتية للدولة العثمانية قد اخترقت القسطنطينية وما حولها بحيث أصبحت القيادة العثمانية على علم تام بما يدور حولها.
سابعاً: الحرب النفسية العثمانية:(/6)
ضاعف السلطان محمد الثاني الهجوم على الاسوار وجعله مركزاً وعنيفاً، ضمن خطة أعدها بنفسه أيضاً لإضعاف العدو، وكررت القوات العثمانية عملية الهجوم على الأسوار ومحاولة تسلقها مرات عديدة بصورة بطولية بلغت غاية عظيمة من الشجاعة والتضحية والتفاني ، وكان أكثر ما يرعب جنود الامبراطور قسطنطين صيحاتهم وهي تشق عنان السماء وتقول: الله أكبر الله أكبر فتنزل عليهم كالصواعق المدمرة[56].
وشرع السلطان محمد الفاتح في نصب المدافع القوية على الهضاب الواقعة خلف غلطة، وبدأت هذه المدافع في دفع قذائفها الكثيفة نحو الميناء وأصابت احدى القذائف سفينة تجارية فأغرقتها في الحال، فخافت السفن الأخرى واضطرت للفرار، واتخذت من أسوار غلطة ملجأ لها، وظل الهجوم العثماني البري في موجات خاطفة وسريعة هجمة تلوى الاخرى وكان السلطان محمد الفاتح يوالي الهجمات وإطلاق القذائف في البر والبحر دون انقطاع ليلاً ونهاراً من أجل إنهاك قوى المحاصرين، وعدم تمكينهم من أن ينالوا أي قسط من راحة وهدوء بال، وهكذا أصبحت عزائمهم ضعيفة ونفوسهم مرهقة كليلة، وأعصابهم متوترة مجهودة تثور لأي سبب، واصبح كل واحد من الجنود ينظر الى صاحبه ويلاحظ على وجهه علامات الذل والهزيمة والفشل، وشرعوا يتحدثون علناً عن طرق النجاة والإفلات بأرواحهم وما يتوقعونه من العثمانيين اذا ما اقتحموا عليهم مدينتهم.
واضطر الامبراطور قسطنطين الى عقد مؤتمر ثاني، اقترح فيه احد القادة مباغتة العثمانيين بهجوم شديد عنيف لفتح ثغرة توصلهم بالعالم الخارجي وبينما هم في مجلسهم يتدارسون هذا الاقتراح، قطع عليهم أحد الجنود اجتماعهم وأعلمهم بأن العثمانيين شنوا هجوماً شديداً مكثفاً على وادي ليكونس، فترك قسطنطين الاجتماع ووثب على فرسه، واستدعى الجند الاحتياطي ودفع بهم الى مكان القتال، واستمر القتال الى آخر الليل حتى انسحب العثمانيون[57].
وكان السلطان محمد -رحمه الله- يفاجئ عدوه من حين لآخر بفن جديد من فنون القتال والحصار، وحرب الأعصاب وبأساليب جديدة وطرق حديثة مبتكرة غير معروفة للعدو[58].
ففي المراحل المتقدمة من الحصار لجأ العثمانيون الى طريقة عجيبة في محاولة دخول المدينة حيث عملوا على حفر أنفاق تحت الأرض من مناطق مختلفة الى داخل المدينة وسمع سكانها ضربات شديدة تحت الأرض أخذت تقترب من داخل المدينة بالتدريح، فأسرع الامبراطور بنفسه ومعه قواده ومستشاروه الى ناحية الصوت وأدركوا أن العثمانيين يقومون بحفر أنفاق تحت الأرض، للوصول الى داخل المدينة، فقرر المدافعون الإعداد لمواجهتها بحفر أنفاق مماثلة مقابل أنفاق المهاجمين لمواجهتهم دون أن يعلموا، حتى إذا وصل العثمانيون الى الأنفاق التي أعدت لهم ظنوا أنهم وصلوا إلى سراديب خاصة وسرية تؤدي الى داخل المدينة ففرحوا بهذا، ولكن الفرحة لم تطل إذ فاجأهم الروم، فصبوا عليهم ألسنة النيران والنفط المحترق والمواد الملتهبة ، فأختنق كثير منهم واحترق قسم آخر وعاد الناجون منهم أدراجهم من حيث أتوا[59].
لكن هذا الفشل لم يفت في عضد العثمانيين ، فعاودوا حفر إنفاق أخرى ، وفي مواضع مختلفة، من المنطقة الممتدة بين أكرى فبو وشاطئ القرن الذهبي وكانت مكاناً ملائماً للقيام بمثل هذا العمل، وظلوا على ذلك حتى أواخر أيام الحصار وقد أصاب أهل القسطنطينية من جراء ذلك خوف عظيم وفزع لايوصف حتى صاروا يتوهمون أن أصوات أقدامهم وهم يمشون ان هي أصوات خفية لحفر يقوم به العثمانيون، وكثيراً ما كان يخيل لهم إن الأرض ستنشق ويخرج منها الجند العثمانيون ويملئون المدينة ، فكانوا يتلفتون يمنة ويسرة، ويشيرون هنا وهناك في فزع ويقولون : هذا تركي ، ...،هذا تركي ويجرون هرباً من أشباح يحسبونها انها تطارهم ، وكثيراً ماكان يحدث أن تتناقل العامة الإشاعة فتصبح كأنها حقيقة واقعة رأها احدهم بعيني رأسه وهكذا داخل سكان القسطنطينية فزع شديد أذهب وعيهم، حتى لكأنهم سكارى وماهم بسكارى ، فريق يجري، وفريق يتأمل السماء، ومجموعة تتفحص الأرض، والبعض ينظر في وجوه البعض الآخر في عصبية زائدة وفشل ذريع.
ولم يكن عمل العثمايين هذا سهلاً ، فان هذه الإنفاق التي حفروها قد أودت بحياة كثير منهم، فماتوا اختناقاً واحتراقاً في باطن الأرض، كما وقع الكثير منهم في بعض هذه المحاولات في أسر الروم، فقطعت رؤوسهم وقذف بها إلى معسكر العثمانيين[60].
مفاجأة عسكرية عثمانية:(/7)
لجأ العثمانيون إلى أسلوب جديد في محاولة الاقتحام وذلك بأن صنعوا قلعة خشبية ضخمة شامخة متحركة تتكون من ثلاثة أدوار، وبارتفاع أعلى من الأسوار، وقد كسيت بالدروع والجلود المبللة بالماء لتمنع عنها النيران، وأعدت تلك القلعة بالرجال في كل دور من أدوارها ، وكان الذين في الدور العلوي من الرماة يقذفون بالنبال كل من يطل برأسه من فوق الأسوار، وقد وقع الرعب في قلوب المدافعين عن المدينة حينما زحف العثمانيون بهذه القلعة واقتربوا بها من الأسوار عند باب رومانوس، فاتجه الإمبراطور بنفسه ومعه قواده ليتابع صد تلك القلعة ودفعها عن الأسوار، وقد تمكن العثمانيون من لصقها بالأسوار ودار بين من فيها وبين النصارى عند الأسوار قتل شديد واستطاع بعض المسلمين ممن في القلعة تسلق الأسوار ونجحوا في ذلك، وقد ظن قسطنطين أن الهزيمة حلت به، إلا أن المدافعين كثفوا من قذف القلعة بالنيران حتى أثرت فيها وتمكنت منها النيران فاحترقت، ووقعت على الأبراج البيزنطية المجاورة لها فقتلت من فيها من المدافعين، وامتلاء الخندق المجاور لها بالحجارة والتراب[61].
ولم ييأس العثمانيون من المحاولة بل قال الفاتح وكان يشرف بنفسه على ماوقع: غداً نصنع أربعاً أخرى[62].
زاد الحصار وقوي واشتد حتى أرهق من بداخل المدينة من البيزنطيين، فعقد زعماء المدينة اجتماعاً 24 مايو داخل قصر الإمبراطور وبحضوره شخصياً، وقد لاح في الأفق بوادر يأس المجتمعين من إنقاذ المدينة حيث اقترح بعضهم على الإمبراطور الخروج بنفسه قبل سقوط المدينة لكي يحاول جمع المساعدات والنجدات لإنقاذها أو استعادتها بعد السقوط، ولكن الإمبراطور رفض ذلك مرة أخرى وأصر على البقاء داخل المدينة والاستمرار في قيادة شعبه وخرج لتفقد الأسوار والتحصينات.
وأخذت الاشاعات تهيمن على المدينة وتضعف من مقاومة المدافعين عنها، وكان من أقواها عليهم ماحدث في يوم 16 جمادىالأولى الموافق 25 مايو، حيث حمل أهل المدينة تمثالاً للسيدة مريم العذراء بزعمهم، وأخذوا يتجولون به في ضواحي المدينة، يدعونه ويتضرعون الى العذراء أن تنصرهم على أعدائهم، وفجأة سقط التمثال من أيديهم وتحطم، فرأوا في ذلك شؤم ونذير بالخطر، وتأثر سكان المدينة وخصوصاً المدافعين عنها، وحدث في اليوم التالي 26 مايو هطول أمطار غزيرة مصحوبة ببعض الصواعق، ونزلت إحدى الصواعق على كنيسة آيا صوفيا، فتشأم البطريق ، وذهب الى الإمبراطور وأخبره أن الله تخلى عنهم وأن المدينة ستسقط في يد المجاهدين العثمانيين، فتأثر الإمبراطور حتى أغمى عليه[63].
وكانت المدفعية العثمانيةلا تنفك عن عملها في دك الأسوار والتحصينات، وتهدمت أجزاء كثيرة من السور والأبراج وامتلئت الخنادق بالأنقاض، التي يئس المدافعون من إزالتها وأصبحت إمكانية اقتحام المدينة واردة في أي لحظة، إلا أن اختيار موقع الاقتحام لم يحدد بعد[64].
ثامناً: المفاوضات الأخيرة بين محمد الفاتح وقسطنطين:
أيقن محمد الفاتح أن المدينة على وشك السقوط، ومع ذلك حاول أن يكون دخولها بسلام؛ فكتب إلى الإمبراطور رسالة دعاه فيه الى تسليم المدينة دون إراقة دماء، وعرض عليه تأمين خروجه وعائلته وأعوانه وكل من يرغب من سكان المدينة الى حيث يشاؤون بأمان[65]، وأن تحقن دماء الناس في المدينة ولا يتعرضوا لأي أذى ويكونوا بالخيار في البقاء في المدينة أو الرحيل عنها، ولما وصلت الرسالة إلى الإمبراطور جمع المستشارين وعرض عليهم الأمر ، فمال بعضهم الى التسليم وأصر آخرون على استمرار الدفاع عن المدينة حتى الموت، فمال الامبراطور الى رأي القائلين بالقتال حتى آخر لحظة، فرد الامبراطور رسول الفاتح برسالة قال فيها: إنه يشكر الله إذ جنح السلطان إلى السلم وأنه يرضى أن يدفع له الجزية أما القسطنطينية فإنه أقسم أن يدافع عنها إلى آخر نفس في حياته فإما أن يحفظ عرشه او يدفن تحت أسوارها[66]، فلما وصلت الرسالة إلى الفاتح قال: حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش او يكون لي فيها قبر[67].
وعمد السلطان بعد اليأس من تسليم المدينة صلحاً الى تكثيف الهجوم وخصوصاً القصف المدفعي على المدينة، حتى أن المدفع السلطاني الضخم انفجر من كثرة الاستخدام، وقتل المشتغلين له وعلى رأسهم المهندس المجري أوربان الذي تولى الإشراف على تصميم المدفع، ومع ذلك فقد وجه السلطان بإجراء عمليات التبريد للمدافع بزيت الزيتون، وقد نجح الفنيون في ذلك ، وواصلت المدافع قصفها للمدينة مرة أخرى، بل تمكنت من توجيه القذائف بحيث تسقط وسط المدينة بالإضافة الى ضربها للأسوار والقلاع[68].
تاسعاً: السلطان محمد الفاتح يعقد اجتماع لمجلس الشورى:(/8)
عقد السلطان محمد الفاتح اجتماعاً ضم مستشاريه وكبار قواده بالإضافة إلى الشيوخ والعلماء، وقد طلب الفاتح من المجتمعين الإدلاء بآرائهم بكل صراحة دون تردد، فأشار بعضهم بالانسحاب ومنهم الوزير خليل باشا الذي دعا الى الانسحاب وعدم إراقة الدماء والتحذير من غضب أوروبا النصرانية فيما لو استولى المسلمون على المدينة، إلى غير ذلك من المبررات التي طرحها، وكان متهماً بمواطئة البيزنطيين ومحاولة التخذيل عنهم[69]، وقد قام بعض الحضور بتشجيع السلطان على مواصلة الهجوم على المدينة حتى الفتح واستهان بأوروبا وقواتها، كما أشار الى تحمس الجند لإتمام الفتح، وما في التراجع من تحطيم لمعنوياتهم الجهادية، وكان من هؤلاء أحد القواد الشجعان ويدعى زوغنوش باشا وهو من أصل ألباني كان نصرانياً فأسلم حيث هون من شأن القوات الأوروبية على السلطان[70].
وذكرت كتب التاريخ موقف زوغنوش باشا فقالت: ما أن سأله السلطان الفاتح عن رأيه حتى استوفز في قعدته وصاح في لغة تركية تشوبها لكنة ارناؤوطية: حاشا وكلا أيها السلطان، أنا لا أقبل أبداً ماقاله خليل باشا، فما أتينا هنا إلا لنموت لا لنرجع. وأحدث هذا الاستهلال وقعاً عميقاً في نفوس الحاضرين، وخيم السكون على المجلس لحظة ثم واصل زوغنوش باشا كلامه فقال: إن خليل باشا أراد بما قاله أن يخمد فيكم نار الحمية ويقتل الشجاعة ولكنه لن يبوء إلا بالخيبة والخسران. ان جيش الاسكندر الكبير الذي قام من اليونان وزحف الى الهند وقهر نصف آسيا الكبيرة الواسعة لم يكن اكبر من جيشنا فإن كان ذلك الجيش استطاع ان يستولي على تلك الأراضي العظيمة الواسعة أفلا يستطيع جيشنا أن يتخطى هذه الكومة من الأحجار المتراكمة، وقد أعلن خليل باشا أن دول الغرب ستزحف إلينا وتنتقم ولكن مالدول الغربية هذه؟ وهل هي الدول اللاتينية التي شغلها مابينها من خصام وتنافس، هل هي دول البحر المتوسط التي لاتقدر على شيء غير القرصنة واللصوصية؟ ولو أن تلك الدول أرادت نصرة بيزنطة لفعلت وأرسلت إليها الجند والسفن، ولنفرض أن أهل الغرب بعد فتحنا القسطنطينية هبوا الى الحرب وقاتلونا فهل سنقف منهم مكتوفي الأيدي بغير حراك، أو ليس لنا جيش يدافع عن كرامتنا وشرفنا؟
يا صاحب السلطنة ، أما وقد سالتني رأيي فلأعلنها كلمة صريحة، يجب أن تكون قلوبنا كالصخر ، ويجب ان نواصل الحرب دون أن يظهر علينا اقل ضعف أو خور، لقد بدأنا أمراً فواجب علينا أن نتمه، ويجب أن نزيد هجماتنا قوة وشدة ونفتح ثغرات جديدة وننقض على العدو بشجاعة. لا أعرف شيئاً غير هذا، ولا استطيع ان أقول شيئاً غير هذا .... [71].
وبدأت على وجه الفاتح أمارات البشر والانشراح لسماع هذا القول، والتفت الى القائد طرخان يسأله رأيه فأجاب على الفور : ان زوغنوش باشا قد اصاب فيما قال وانا على رأيه ياسلطاني. ثم سأل الشيخ آق شمس الدين والمولى الكوراني عن رأيهما. وكان الفاتح يثق بهما كل الثقة فأجابا أنهما على رأي زوغنوش باشا وقالا: يجب الاستمرار في الحرب، وبالغاية الصمدانية سيكون لنا النصر والظفر[72].
وسرت الحمية والحماس في جميع الحاضرين وابتهج السلطان الفاتح واستبشر بدعاء الشيخين بالنصر والظفر ولم يملك نفسه من القول : من كان من اجدادي في مثل قوتي[73]؟
لقد أيد العلماء الرأي القائل بمواصلة الجهاد كما فرح السلطان حيث كان يعبر عن رأيه ورغبته في مواصلة الهجوم حتى الفتح، وانتهى الاجتماع بتعليمات من السلطان أن الهجوم العام والتعليمات باقتحام المدينة باتت وشيكة وسيأمر بها فور ظهور الفرصة المناسبة وأن على الجنود الاستعداد لذلك[74].
عاشراً : محمد الفاتح يوجه تعليماته ويتابع جنوده بنفسه:(/9)
في يوم الاحد 18 جمادى الأولى 27 من مايو وجه السلطان محمد الفاتح الجنود إلى الخشوع وتطهير النفوس والتقرب إلى الله تعالى بالصلاة وعموم الطاعات والتذلل والدعاء بين يديه ، لعل الله أن يسر لهم الفتح ، وانتشر هذا الأمر بين عامة المسلمين ، كما قام الفاتح بنفسه ذلك اليوم بتفقد أسوار المدينة ومعرفة آخر أحوالها ، وما وصلت إليه وأوضاع المدافعين عنها في النقاط المختلفة ، وحدد مواقع معينة يتم فيها تركيز القصف العثماني ، تفقد فيها أحوالهم وحثهم على الجد والتضحية في قتال الأعداء ، كما بعث إلى أل غلطة التي وقفت على الحياد مؤكدا عليهم عدم التدخل فيما سيحدث ضامنا لهم الوفاء بعهده معهم ، وانه سيعوضهم عن كل ما يخسرونه من جراء ما يحدث. وفي مساء اليوم نفسه أوقد العثمانيون نارا كثيفة حول معسكرهم وتعالت صيحاتهم وأصواتهم بالتهليل والتكبير[75] ، حتى خيل للروم أن النار قد اندلعت في معسكر العثمانيين ، فإذا بهم يكتشفون أن العثمانيين يحتفلون بالنصر مقدما، مما أوقع الرعب في قلوب الروم ، وفي اليوم التالي 28 مايو كانت الاستعدادات العثمانية على أشدها والمدافع ترمي البيزنط بنيرانها ، والسلطان يدور بنفسه على المواقع العسكرية المختلفة متفقدا وموجها ومذكرا بالإخلاص والدعاء والتضحية والجهاد[76].
وكان الفاتح كلما مر بجمع من جنده خطبهم وأثار فيهم الحمية والحماس ، وأبان لهم أنهم بفتح القسطنطينية سينالون الشرف العظيم والمجد الخالد ، والثواب الجزيل من الله تعالى وستسد دسائس هذه المدينة التي طالما مالأت عليهم الأعداء والمتآمرين وسيكون لأول جندي ينصب راية الإسلام[77] على سور القسطنطينية الجزاء الأوفى والإقطاعات الواسعة.
وكان علماء المسلمين وشيوخهم يتجولون بين الجنود ويقرأون على المجاهدين آيات الجهاد والقتال وسورة الأنفال ، ويذكرونهم بفضل الشهادة في سبيل الله وبالشهداء السابقين حول القسطنطينية وعلى رأسهم أبو أيوب الأنصاري ويقولون للمجاهدين : لقد نزل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة في دار أبي أيوب الأنصاري ، وقد قصد أبو أيوب إلى هذه البقعة ونزل هنا ، وكان هذا القول يلهب الجند ويبعث في نفوسهم أشد الحماس والحمية[78].
وبعد أن عاد الفاتح إلى خيمته ودعا إليه كبار رجال جيشه أصدر إليهم التعليمات الأخيرة ، ثم ألقى عليهم الخطبة التالية: "إذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث من أحاديث رسول الله ومعجزة من معجزاته وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التمجيد والتقدير فأبلغوا أبناءنا العساكر فردا فردا ، أن الظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدرا وشرفا ، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا الغراء نصب عينيه فلا يصدر عن أحد منهم ما يجافي هذه التعاليم ، وليتجنبوا الكنائس والمعابد ولا يمسوها بأذى ، ويدعوا القسس والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون . . .[79].
وفي هذا الوقت كان الإمبراطور البيزنطي يجمع الناس في المدينة لإقامة ابتهال عام دعا فيه الرجال والنساء والصبيان للدعاء والتضرع والبكاء في الكنائس على طريقة النصارى لعله أن يستجاب لهم فتنجوا المدينة من هذا الحصار ، وقد خطب فيهم الإمبراطور خطبة بليغة كانت آخر خطبة خطبها ، حديث أكد عليهم بالدفاع عن المدينة حتى لو مات هو ، والاستماتة في حماية النصرانية أمام المسلمين العثمانيين ، وكانت خطبة رائعة كما يقول المؤرخون أبكت الجميع من الحاضرين ، كما صلى الإمبراطور ومن معه من النصارى الصلاة الأخيرة في كنيسة آياصوفيا أقدس الكنائس عندهم[80] ثم قصد الإمبراطور قصره يزوره الزيارة الأخيرة فودع جميع من فيه واستصفحهم وكان مشهدا مؤثرا وقد كتب مؤرخو النصارى عن هذا المشهد ، فقال من حضره، لو أن شخصا قلبه من خشب أو صخر لفاضت عيناه بالدموع لهذا المنظر[81].
وتوجه قسطنطين نحو صورة يزعمون أنها صورة المسيح معلقة في أحد الغرف فركع تحتها وهمهم بعض الدعوات ثم نهض ولبس المغفر على رأسه وخرج من القصر عند نحو منتصف الليل مع زميله ورفيقه وأمينه المؤرخ فرانتزتس ثم قاما برحلة تفقدية لقوات النصارى المدافعة ولاحظوا حركة الجيش العثماني النشطه المتوثبة للهجوم البري والبحري . وقبيل ذلك الليل بقليل رذت السماء رذا خفيفا كأنما كانت ترش الأرض رشا فخرج السلطان الفاتح من خيمته ورفع بصره إلى السماء وقال: لقد أولانا الله رحمته وعنايته فأنزل هذا المطر المبارك في أوانه فإنه سيذهب بالغبار ويسهل لنا الحركة[82].
الحادي عشر: "فتح من الله ونصر قريب"(/10)
عند الساعة الواحدة صباحا من يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 857هـ الموافق 29 مايو 1435م بدأ الهجوم العام على المدينة بعد أن أصدرت الأوامر للمجاهدين الذين علت أصواتهم بالتكبير وانطلقوا نحو الأسوار ، وخاف البيزنطيون خوفا عظيما ، وشرعوا في دق نواقيس الكنائس والتجأ إليها كثير من النصارى وكان الهجوم النهائي متزامنا بريا وبحريا في وقت واحد حسب خطة دقيقة أعدت بإحكام ، وكان المجاهدون يرغبون في الشهادة ولذلك تقدموا بكل شجاعة وتضحية وإقدام نحو الأعداء ونال الكثير من المجاهدين الشهادة ، وكان الهجوم موزعا على كثير من المناطق ، ولكنه مركز بالدرجة الأولى في منطقة وادي ليكوس ، بقيادة السلطان محمد الفاتح نفسه ، وكانت الكتائب الأولى من العثمانيين تمطر الأسوار والنصارى بوابل من القذائف والسهام محاولين شل حركة المدافعين ، ومع استبسال البيزنطيين وشجاعة العثمانيين كان الضحايا من الطرفين يسقطون بأعداد كبيرة[83]، وبعد أن انهكت الفرقة الاولى الهجومية كان السلطان قد أعد فرقة أخرى فسحب الأولى ووجه الفرقة الثانية ، وكان المدافعون قد أصابهم الإعياء ، وتمكنت الفرقة الجديدة ، من الوصول إلى الأسوار وأقاموا عليها مئات السلالم في محاولة جادة للإقتحام ، ولكن النصارى استطاعوا قلب السلالم واستمرت تلك المحاولات المستمية من المهاجمين ، والبيزنطيون يبذلون قصارى جهودهم للتصدي لمحاولات التسلق ، وبعد ساعتين من تلك المحاولات أصدر الفاتح أوامره للجنود لأخذ قسط من الراحة ، بعد أن أرهقوا المدافعين في تلك المنطقة ، وفي الوقت نفسه أصدر أمرا إلى قسم ثالث من المهاجمين بالهجوم على الأسوار من نفس المنطقة وفوجئ المدافعون بتلك الموجة الجديدة بعد أن ظنوا ان الأمر قد هدأ وكانوا ، قد أرهقوا ، في الوقت الذي كان المهاجمون دماء جديدة معدة ومستريحة وفي رغبة شديدة لأخذ نصيبهم من القتال[84] كما كان القتال يجري على قدم وساق في المنطقة البحرية مما شتت قوات المدافعين وأشغلهم في أكثر من جبهة في وقت واحد، ومع بزوغ نور الصباح أصبح المهاجمون يستطيعون أن يحددوا مواقع العدو بدقة أكثر ، وشرعوا في مضاعفة جهودهم في الهجوم وكان المسلمون في حماسة شديدة وحريصين على إنجاح الهجوم ، ومع ذلك أصدر السلطان محمد الأوامر إلى جنوده بالإنسحاب لكي يتيحوا الفرصة للمدافع لتقوم بعملها مرة أخرى حيث أمطرت الأسوار والمدافعين عنها بوابل من القذائف ، واتعبتهم بعد سهرهم طوال الليل ، وبعد أن هدأت المدفعية جاء قسم جديد من شجعان الإنكشارية يقودهم السلطان نفسه تغطيهم نبال وسهام المهاجمين التي لا تنفك عن محاولة منع المدافعين عنها وأظهر جنود الإنكشارية شجاعة فائقة وبسالة نادرة في الهجوم واستطاع ثلاثون منهم تسلق السور أمام دهشة الأعداء ، ورغم استشهاد مجموعة منهم بمن فيهم قائدهم فقد تمكنوا من تمهيد الطريق لدخول المدينة عند طوب قابي ورفعوا الأعلام العثمانية[85].
مما زاد في حماس بقية الجيش للاقحام كما فتّوا في عضد الأعداء ، وفي نفس الوقت أصيب قائد المدافعين جستنيان بجراح بليغة دفعته إلى الانسحاب من ساحة المعركة[86] مما أثر في بقية المدافعين ، وقد تولى الإمبراطور قسطنطين قيادة المدافعين بنفسه محل جستنيان الذي ركب أحد السفن فارا من أرض المعركة ، وقد بذل الامبراطور جهودا كبيرة في تثبيت المدافعين الذين دب اليأس في قلوبهم من جدوى المقاومة، في الوقت الذي كان فيه الهجوم بقيادة السلطان شخصياً على أشده، محاولاً استغلال ضعف الروح المعنوية لدى المدافعين.
وقد واصل العثمانيون هجومهم في ناحية اخرى من المدينة حتى تمكنوا من اقتحام الأسوار والاستيلاء على بعض الأبراج والقضاء على المدافعين في باب أدرنة ورفعت الاعلام العثمانية عليها، وتدفق الجنود العثمانيون نحو المدينة من تلك المنطقة، ولما رأى قسطنطين الأعلام العثمانية ترفرف على الأبراج الشمالية للمدينة، أيقن بعدم جدوى الدفاع وخلع ملابسه حتى لايعرف ، ونزل عن حصانه وقاتل حتى قتل في ساحة المعركة[87].
وكان لانتشار خبر موته دور كبير في زيادة حماس المجاهدين العثمانيين وسقوط عزائم النصارى المدافعين وتمكنت الجيوش العثمانية من دخول المدينة من مناطق مختلفة وفر المدافعون بعد انتهاء قيادتهم، وهكذا تمكن المسلمون من الاستيلاء على المدينة وكان الفاتح رحمه الله مع جنده في تلك اللحظات يشاركهم فرحة النصر، ولذة الفوز بالغلبة على الأعداء من فوق صهوة جواده وكان قواده يهنئونه وهو يقول : الحمد لله ليرحم الله الشهداء ويمنح المجاهدين الشرف والمجد ولشعبي الفخر والشكر[88].(/11)
كانت هناك بعض الجيوب الدفاعية داخل المدينة التي تسببت في استشهاد عدد من المجاهدين ، وقد هرب أغلب أهل المدينة الى الكنائس ولم يأت ظهيرة ذلك اليوم الثلاثاء 20 جمادي الأولى 857هـ الموافق 29 من مايو 1453م، إلا والسلطان الفاتح في وسط المدينة يحف به جنده وقواده وهم يرددون : ما شاء الله ، فالتفت إليهم وقال : لقد أصبحتم فاتحي القسطنطينية الذي أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنأهم بالنصر ونهاهم عن القتل، وأمرهم بالرفق بالناس والإحسان إليهم ، ثم ترجل عن فرسه وسجد لله على الأرض شكراً وحمداً وتواضعاً لله تعالى[89].
صورة لكنسية آيا صوفيا التي تحولت إلى مسجد محمد الفاتح في إستامبول
الثاني عشر: معاملة محمد الفاتح للنصارى المغلوبين:
توجه محمد الفاتح الى كنيسة آيا صوفيا وقد اجتمع فيها خلق كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم، وعندما اقترب من أبوابها خاف النصارى داخلها خوفاً عظيماً، وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة الى بيوتهم بأمان، فأطمأن الناس وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة فلما رأوا تسامح الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا إسلامهم، وقد أمر الفاتح بعد ذلك بتحويل الكنيسة الى مسجد وأن يعد لهذا الأمر حتى تقام بها أول جمعة قادمة، وقد أخذ العمال يعدون لهذا الأمر ، فأزالوا الصلبان والتماثيل وطمسوا الصور بطبقة من الجير وعملوا منبراً للخطيب، وقد يجوز تحويل الكنيسة الى المسجد لأن البلد فتحت عنوة والعنوة لها حكمها في الشريعة الاسلامية.
وقد اعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينين الذين لهم حق الحكم في القضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى ولكنه في الوقت نفسه فرض الجزية على الجميع[90].
لقد حاول المؤرخ الأنجليزي ادوارد شيبردكريسي في كتابة "تاريخ العثمانيين الاتراك أن يشوه صوره الفتح العثماني للقسطنطينية ووصف السلطان محمد الفاتح بصفات قبيحة حقداً منه وبغضاً للفتح الإسلامي المجيد[91] وسارت الموسوعة الأمريكية المطبوعة في عام 1980م في حمأة الحقد الصليبي ضد الإسلام ، فزعمت أن السلطان محمد قام باسترقاق غالبية نصارى القسطنطينية، وساقهم الى اسواق الرقيق في مدينة ادرنة حيث تم بيعهم هناك[92].
إن الحقيقة التاريخية الناصعة تقول أن السلطان محمد الفاتح عامل أهل القسطنطينية معاملة رحيمة وأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم، وافتدى عدداً كبيراً من الأسرى من ماله الخاص وخاصة أمراء اليونان، ورجال الدين ، واجتمع مع الاساقفة وهدأ من روعهم ، وطمأنهم الى المحافظة على عقائدهم وشرائعهم وبيوت عبادتهم، وأمرهم بتنصيب بطريرك جديد فانتخبوا أجناديوس برطيركا، وتوجه هذا بعد انتخابه في موكب حافل من الاساقفة الى مقر السلطان، فاستقبله السلطان محمد الفاتح بحفاوة بالغة وأكرمه أيما تكريم، وتناول معه الطعام وتحدث معه في موضوعات شتى، دينية وسياسية واجتماعية وخرج البطريرك من لقاء السلطان، وقد تغيرت فكرته تماماً على السلاطين العثمانيين وعن الأتراك، بل والمسلمين عامة، وشعر انه أمام سلطان مثقف صاحب رسالة وعقيدة دينية راسخة وانسانية رفيعة، ورجولة مكتملة ، ولم يكن الروم أنفسهم أقل تأثراً ودهشة من بطريقهم، فقد كانوا يتصورون أن القتل العام لابد لاحقهم، فلم تمض أيام قليلة حتى كان الناس يستأنفون حياتهم المدنية العادية في اطمئنان وسلام[93].
كان العثمانيون حريصون على الالتزام بقواعد الاسلام، ولذلك كان العدل بين الناس من أهم الأمور التي حرصوا عليها، وكانت معاملتهم للنصارى خالية من أي شكل من أشكال التعصب والظلم ، ولم يخطر ببال العثمانيين أن يضطهدوا النصارى بسبب دينهم[94].
إن ملل النصارى تحت الحكم العثماني تحصلت على كافة حقوقها الدينية ، وأصبح لكل ملة رئيس ديني لا يخاطب غير حكومة السلطان ذاتها مباشرة، ولكل ملة من هذه الملل مدارسها الخاصة وأماكن للعبادة والأديرة، كما أنه كان لا يتدخل أحد في ماليتها وكانت تطلق لهم الحرية في تكلم اللغة التي يريدونها[95].
إن السلطان محمد الفاتح لم يظهر ما أظهره من التسامح مع نصارى القسطنطينية إلا بدافع إلتزامه الصادق بالإسلام العظيم، وتأسياً بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ثم بخلفائه الراشدين من بعده، الذين أمتلأت صحائف تاريخهم بمواقف التسامح الكريم مع أعدائهم[96].
الفاتح المعنوي للقسطنطينية
الشيخ آق شمس الدين
هو محمد بن حمزة الدمشقي الرومي ارتحل مع والده الى الروم، وطلب فنون العلوم وتبحر فيها وأصبح علم من أعلام الحضارة الإسلامية في عهدها العثماني.(/12)
وهو معلم الفاتح ومربيه يتصل نسبه بالخليفة الراشد أبي بكر الصديق t، كان مولوده في دمشق عم 792هـ 1389م حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، ودرس في أماسيا ثم في حلب ثم في انقرة وتوفي عام 1459هـ.
درّس الشيخ آق شمس الدين الأمير محمد الفاتح العلوم الأساسية في ذلك الزمن وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والعلوم الإسلامية واللغات العربية ، والفارسية والتركية وكذلك في مجال العلوم العلمية من الرياضيات والفلك والتاريخ والحرب وكان الشيخ آق ضمن العلماء الذين أشرفوا على السلطان محمد عندما تولى إمارة مغنيسا ليتدرب على ادارة الولاية، وأصول الحكم .
واستطاع الشيخ آق شمس الدين أن يقنع الأمير الصغير بأنه المقصود بالحديث النبوي: لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش[97].
وعندما أصبح الأمير محمد سلطاناً على الدولة العثمانية، وكان شاباً صغير السن وجّهه شيخه فوراً الى التحرك بجيوشه لتحقيق الحديث النبوي فحاصر العثمانيون القسطنطينية براً وبحراً. ودارت الحرب العنيفة 54 يوماً.
وعندما حقق البيزنطيون انتصاراً مؤقتاً وابتهج الشعب البيزنطي بدخول أربع سفن ارسلها البابا إليهم وارتفعت روحهم المعنوية اجتمع الأمراء والوزراء العثمانيون وقابلوا السلطان محمد الفاتح وقالوا له : إنك دفعت بهذا القدر الكبير من العساكر الى هذا الحصار جرياً وراء كلام أحد المشايخ -يقصدون آق شمس الدين- فهلكت الجنود وفسد كثير من العتاد ثم زاد الأمر على هذا بأن عون من بلاد الأفرنج للكافرين داخل القلعة، ولم يعد هناك أمل في هذا الفتح...[98]. فأرسل السلطان محمد وزيره ولي الدين أحمد باشا الى الشيخ آق شمس الدين في خيمته يسأله الحل فأجاب الشيخ: لابد من أن يمنّ الله بالفتح[99].
ولم يقتنع السلطان بهذا الجواب، فأرسل وزيره مرة أخرى ليطلب من الشيخ أن يوضح له أكثر، فكتب هذه الرسالة الى تلميذه محمد الفاتح يقول فيها: هو المعزّ الناصر ... إن حادث تلك السفن قد أحدث في القلوب التكسير والملامة وأحدث في الكفار الفرح والشماتة. إن القضية الثابتة هي : إن العبد يدبر والله يقدر والحكم لله... ولقد لجأنا الى الله وتلونا القرآن الكريم وماهي إلا سنة من النوم بعد إلا وقد حدثت ألطاف الله تعالى فظهرت من البشارات مالم يحدث مثلها من قبل[100].
أحدث هذا الخطاب راحة وطمأنينة في الأمراء والجنود. وعلى الفور قرر مجلس الحرب العثماني الاستمرار في الحرب لفتح القسطنطينية، ثم توجه السلطان محمد الى خيمة الشيخ شمس الدين فقبل يده، وقال : علمني ياسيدي دعاءً أدعو الله به ليوفقني ، فعلمه الشيخ دعاءً، وخرج السلطان من خيمة شيخه ليأمر بالهجوم العام[101].
اراد السلطان أن يكون شيخه بجانبه أثناء الهجوم فأرسل إليه يستدعيه لكن الشيخ كان قد طلب ألا يدخل عليه أحد الخيمة ومنع حراس الخيمة رسول السلطان من الدخول وغضب محمد الفاتح وذهب بنفسه الى خيمة الشيخ ليستدعيه، فمنع الحراس السلطان من دخول الخيمة بناءً على أمر الشيخ، فأخذ الفاتح خنجره وشق جدار الخيمة في جانب من جوانبها ونظر الى الداخل فإذا شيخه ساجداً لله في سجدة طويلة وعمامته متدحرجة من على رأسه وشعر رأسه الأبيض يتدلى على الأرض، ولحيته البيضاء تنعكس مع شعره كالنور، ثم رأى السلطان شيخه يقوم من سجدته والدموع تنحدر على خديه، فقد كان يناجي ربه ويدعوه بأنزال النصر ويسأله الفتح القريب[102].
وعاد السلطان محمد الفاتح عقب ذلك الى مقر قيادته ونظر الى الأسوار المحاصرة فإذا بالجنود العثمانيين وقد أحدثوا ثغرات بالسور تدفق منها الجنود الى القسطنطينية[103].
ففرح السلطان بذلك وقال ليس فرحي لفتح المدينة إنما فرحي بوجود مثل هذا الرجل في زمني[104].
وقد ذكر الشوكاني في البدر الطالع أن الشيخ شمس الدين ظهرت بركته وظهر فضله وأنه حدد للسلطان الفاتح اليوم الذي تفتح فيه القسطنطينية على يديه[105].
وعندما تدفقت الجيوش العثمانية الى المدينة بقوة وحماس، تقدم الشيخ الى السلطان الفاتح ليذكره بشريعة الله في الحرب وبحقوق الأمم المفتوحة كما هي في الشريعة الاسلامية[106].(/13)
وبعد أن أكرم السلطان محمد الفاتح جنود الفتح بالهدايا والعطايا وعمل لهم مأدبة حافلة استمرت ثلاثة أيام اقيمت خلالها الزينات والمهرجانات، وكان السلطان يقوم بخدمة جنوده بنفسه متمثلاً بالقول السائد سيد القوم خادمهم. ثم نهض ذلك الشيخ العالم الورع آق شمس الدين وخطبهم، فقال: ياجنود الاسلام. اعلموا واذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأنكم: لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش[107]. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويغفر لنا. ألا لاتسرفوا في ما أصبتم من أموال الغنيمة ولاتبذروا وأنفقوها في البر والخير لأهل هذه المدينة، واسمعوا لسلطانكم وأطيعوه وأحبوه. ثم التفت الى الفاتح وقال له : ياسلطاني ، لقد أصبحت قرة عين آل عثمان فكن على الدوام مجاهداً في سبيل الله. ثم صاح مكبراً بالله في صوت جهوري جليد[108].
وقد اهتدى الشيخ آق شمس الدين بعد فتح القسطنطينية الى قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري بموضع قريب من سور القسطنطينية[109].
وكان الشيخ آق شمس الدين أول من ألقي خطبة الجمعة في مسجد آيا صوفيا[110].
الشيخ شمس الدين يخشى على السلطان من الغرور:
كان السلطان محمد الفاتح يحب شيخه شمس الدين حباً عظيماً، وكانت له مكانة كبيرة في نفسه وقد بين السلطان لمن حوله -بعد الفتح- : إنكم ترونني فرحاً . فرحي ليس فقط لفتح هذه القلعة إن فرحي يتمثل في وجود شيخ عزيز الجانب، في عهدي، هو مؤدبي الشيخ آق شمس الدين.
وعبر الشيخ عن تهيبه لشيخه في حديث له مع وزيره محمود باشا. قال السلطان الفاتح: إن احترامي للشيخ آق شمس الدين، احترام غير اختياري . إنني أشعر وأنا بجانبه بالانفعال والرهبة[111].
ذكر صاحب البدر الطالع أن :... ثم بعد يوم جاء السلطان الى خيمة صاحب الترجمة - أي آق شمس الدين - وهو مضطجع فلم يقم له فقبل السلطان يده وقال له جئتك لحاجة قال: وماهي؟ قال: ان ادخل الخلوة عندك فأبى فأبرم عليه السلطان مراراً وهو يقول: لا. فغضب السلطان وقال أنه يأتي إليك واحد من الاتراك فتدخله الخلوة بكلمة واحدة وأنا تأبى عليّ فقال الشيخ: إنك اذا دخلت الخلوة تجد لذة تسقط عندها السلطنة من عينيك فتختل أمورها فيمقت الله علينا ذلك والغرض من الخلوة تحصيل العدالة فعليك أن تفعل كذا وكذا وذكر له شيئاً من النصائح ثم ارسل إليه ألف دينار فلم يقبل ولما خرج السلطان محمد خان قال لبعض من معه: ماقام الشيخ لي. فقال له: لعله شاهد فيك من الزهو بسبب هذا الفتح الذي لم يتيسر مثله للسلاطين العظام فاراد بذلك أن يدفع عنك بعض الزهو....[112].
هكذا كان هذا العالم الجليل الذي حرص على تربية محمد الفاتح على معاني الإيمان والاسلام والإحسان ولم يكن هذا الشيخ متبحراً في علوم الدين والتزكية فقط بل كان عالماً في النبات والطب والصيدلة، وكان مشهوراً في عصره بالعلوم الدنيوية وبحوثه في علم النبات ومدى مناسبتها للعلاج من الأمراض. وبلغت شهرته في ذلك أن أصبح مثلاً بين الناس يقول: إن النبات ليحدث آق شمس الدين[113].
وقال الشوكاني عنه: ...وصار مع كونه طبيباً للقلوب طبيباً للأبدان فإنه اشتهر أن الشجرة كانت تناديه وتقول: أنا شفاء من المرض الفلاني ثم اشتهرت بركته وظهر فضله... [114].
وكان الشيخ يهتم بالأمراض البدنية قدر عنايته بالأمراض النفسية.
واهتم الشيخ آق شمس الدين اهتماماً خاصاً بالامراض المعدية، فقد كانت هذه الامراض في عصره تسبب في موت الآلاف، وألف في ذلك كتاباً بالتركية بعنوان "مادة الحياة" قال فيه: من الخطأ تصور أن الأمراض تظهر على الاشخاص تلقائيا، فالأمراض تنتقل من شخص الى آخر بطريق العدوى. هذه العدوى صغيرة ودقيقة الى درجة عدم القدرة على رؤيتها بالعين المجردة. لكن هذا يحدث بواسطة بذور حيّة [115].
وبذلك وضع الشيخ آق شمس الدين تعريف الميكروب في القرن الخامس عشر الميلادي. وهو أول من فعل ذلك ، ولم يكن الميكروسكوب قد خرج بعد. وبعد أربعة قرون من حياة الشيخ آق شمس الدين جاء الكيميائي والبيولوجي الفرنسي لويس باستير ليقوم بأبحاثه وليصل الى نفس النتيجة.
وأهتم الشيخ آق شمس الدين أيضاً بالسرطان وكتب عنه وفي الطب ألف الشيخ كتابين هما: مادة الحياة ، وكتاب الطب ، وهما باللغة التركية والعثمانية. وللشيخ باللغة العربية سبع كتب، هي : حل المشكلات، الرسالة النورية ، مقالات الأولياء، رسالة في ذكر الله، تلخيص المتائن، دفع المتائن، رسالة في شرح حاجي بايرام ولي[116].
وفاته:
عاد الشيخ الى موطنه كونيوك بعد أن أحسس بالحاجة الى ذلك رغم إصرار السلطان على بقائه في استنبول ومات عام 863هـ/1459م فعليه من الله الرحمة والمغفرة والرضوان[117].(/14)
وهكذا سنة الله في خلقه لايخرج قائد رباني ، وفاتح مغوار إلا كان حوله مجموعة من العلماء الربانيين يساهمون في تعليمه وتربيته وترشيده والأمثلة في ذلك كثيرة وقد ذكرنا دور عبدالله بن ياسين مع يحيى بن ابراهيم في دولة المرابطين، والقاضي الفاضل مع صلاح الدين في الدولة الأيوبية ، وهذا آق شمس الدين مع محمد الفاتح في الدولة العثمانية فرحمة الله على الجميع وتقبل الله جهودهم وأعمالهم وأعلى ذكرهم في المصلحين.
أثر فتح القسطنطينية على العالم الأوروبي والإسلامي
كانت القسطنطينية قبل فتحها عقبة كبيرة في وجه انتشار الإسلام في أوروبا ولذلك فإن سقوطها يعني فتح الاسلام لدخول أوروبا بقوة وسلام لمعتنقيه أكثر من ذي قبل ، ويعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمي، وخصوصاً تاريخ أوروبا وعلاقتها بالإسلام حتى عده المؤرخون الأوروبيون ومن تابعهم نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة[118].
وقد قام السلطان بعد ذلك على ترتيب مختلف الأمور في المدينة، وإعادة تحصينها، واتخذها عاصمة للدولة العثمانية وأطلق عليها لقب اسلام بول أي مدينة الاسلام[119].
لقد تأثر الغرب النصراني بنبأ هذا الفتح، وانتاب النصارى شعور بالفزع والالم والخزي ، وتجسم لهم خطر جيوش الاسلام القادمة من استنبول ، وبذل الشعراء والادباء ما في وسعهم لتأجيج نار الحقد وبراكين الغضب في نفوس النصارى ضد المسلمين ، وعقد الامراء والملوك اجتماعات طويلة ومستمرة وتنادى النصارى الى نبذ الخلافات والحزازات وكان البابا نيقولا الخامس أشد الناس تأثراً بنبأ سقوط القسطنطينية، وعمل جهده وصرف وقته في توحيد الدول الايطالية وتشجيعها على قتال المسلمين، وترأس مؤتمراً عقد في روما أعلنت فيه الدول المشتركة عن عزمها على التعاون فيما بينها وتوجيه جميع جهودها وقوتها ضد العدو المشترك. وأوشك هذا الحلف أن يتم إلا أن الموت عاجل البابا بسبب الصدمة العنيفة الناشئة عن سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين والتي تسببت في همه وحزنه فمات كمداً في 25 مارس سنة 1455م[120].
وتحمس الأمير فيليب الطيب دوق بورجونديا والتهب حماساً وحمية واستنفر ملوك النصارى الى قتال المسلمين وحذ حذوه البارونات والفرسان والمتحمسون والمتعصبون للنصرانية، وتحولت فكرة قتال المسلمين الى عقيدة مقدسة تدفعهم لغزو بلادهم ، وتزعمت البابوية في روما حروب النصارى ضد المسلمين وكان السلطان محمد الفاتح بالمرصاد لكل تحركات النصارى، وخطط ونفذ مارآه مناسباً لتقوية دولته وتدمير أعدائه، واضطر النصارى الذين كانوا يجاورون السلطان محمد أو يتاخمون حدوده ففي آماسيا، وبلاد المورة ، طرابيزون وغيرهم أن يكتموا شعورهم الحقيقي، فتظاهروا بالفرح وبعثوا وفودهم الى السلطان في أدرنة لتهنئته على انتصاره العظيم[121].
وحاول البابا بيوس الثاني بكل ما أوتي من مقدرة خطابية ، وحنكة سياسية، تأجيج الحقد الصليبي في نفوس النصارى شعوباً وملوكاً، قادة وجنوداً واستعدت بعض الدول لتحقيق فكرة البابا الهادفة للقضاء على العثمانيين ولما حان وقت النفير اعتذرت دول أوروبا بسبب متاعبها الداخلية، فلقد انهكت حرب المائة عام انكلتر وفرنسا، كما أن بريطانيا كانت منهمكة في مشاغلها الدستورية وحروبها الأهلية، وأما أسبانيا فهي مشغولة بالقضاء على مسلمي الأندلس وأما الجمهوريات الايطالية فكانت تهتم بتوطيد علاقاتها بالدولة العثمانية مكرهة وحباً في المال ، فكانت تهتم بعلاقتها مع الدولة العثمانية.
وانتهى مشروع الحملة الصليبية بموت زعيمها البابا واصبحت المجر والبندقية تواجه الدولة العثمانية لوحدهما؛ أما البندقية فعقدت معاهدة صداقة وحسن جوار مع العثمانيين رعاية لمصالحها وأما المجر فقد انهزمت أمام الجيوش العثمانية واستطاع العثمانيون أن يضموا الى دولتهم بلاد الصرب، واليونان والافلاق والقرم والجزر الرئيسية في الأرخبيل. وقد تم ذلك في فترة قصيرة ، حيث داهمهم السلطان الفاتح، وشتت شملهم ، واخذهم أخذاً عظيماً[122].
وحاول البابا بيوس الثاني بكل ما أوتي من مهارة وقدرة سياسية تركيز جهوده في ناحيتين اثنتين : حاول أولاً أن يقنع الاتراك باعتناق الدين النصراني، ولم يقم بارسال بعثات تبشيرية لذلك الغرض وانما اقتصر على ارسال خطاب الى السلطان محمد الفاتح يطلب منه أن يعضد النصرانية، كما عضدها قبله قسطنطين وكلوفيس ووعده بأنه سيكفر عنه خطاياه ان هو اعتنق النصرانية مخلصاً، ووعده بمنحه بركته واحتضانه ومنحه صكاً بدخول الجنة. ولما فشل البابا في خطته هذه لجأ الى الخطة الثانية خطة التهديد والوعيد واستعمال القوة، وكانت نتائج هذه الخطة الثانية قد بدأ فشلها مسبقاً بهزيمة الجيوش الصليبية والقضاء على الحملة التي قادها هونياد المجري[123].(/15)
وأما آثار هذا الفتح المبين في المشرق الاسلامي - فنقول لقد عم الفرح والابتهاج المسلمين في ربوع آسيا وأفريقيا فقد كان هذا الفتح حلم الأجداد وأمل الاجيال ، ولقد تطلعت له طويلاً وهاقد تحقق وارسل السلطان محمد الفاتح رسائل الى حكام الديار الاسلامية في مصر والحجاز وبلاد فارس والهند وغيرها؛ يخبرهم بهذا النصر الاسلامي العظيم- وأذيعت أنباء الانتصار من فوق المنابر، وأقيمت صلوات الشكر، وزينت المنازل والحوانيت وعلقت على الجدران والحوائط والأعلام والأقمشة المزركشة بألوانها المختلفة[124].
يقول ابن إياس صاحب كتاب بدائع الزهور في هذه الواقعة : فلما بلغ ذلك ، ووصل وفد الفاتح، دقت البشائر بالقلعة، ونودي في القاهرة بالزينة، ثم أن السلطان عين برسباي أمير آخور ثاني رسولاً الى ابن عثمان يهنئه بهذا الفتح[125].
وندع المؤرخ أبا المحاسن بن تغري بردي يصف شعور الناس وحالهم في القاهرة عندما وصل إليها وفد الفاتح ومعهم الهدايا واسيران من عظماء الروم، قال : قلت ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم وجاء القاصد المذكور ومعه اسيران من عظماء اسطنبول وطلع بهما الى السلطان سلطان مصر إينال وهما من أهل القسطنطينية وهي الكنيسة العظيمة باسطنبول فسر السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم ودقت البشائر لذلك وزينت القاهرة بسبب ذلك أياماً ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران الى القلعة في يوم الاثنين خامس وعشرين شوال بعد أن اجتار القاصد المذكور ورفقته بشوارع القاهرة. وقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت والأماكن وأمعنوا في ذلك الى الغاية وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل.. [126].
وهذا الذي ذكره ابن تغري بردي من وصف احتفال الناس وأفراحهم في القاهرة بفتح القسطنطينية ما هو إلا صورة لنظائر لها قامت في البلاد الإسلامية الأخرى. وقد بعث السلطان محمد الفاتح برسائل الفتح إلى سلطان مصر وشاه ايران وشريف مكة وأمير القرمان، كما بعث بمثل هذه الرسائل إلى الأمراء المسيحيين المجاورين له في المورة والأفلاق والمجر والبوسنة وصربيا وألبانيا والى جميع أطراف مملكته[127].
---
[1] انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص253.
[2] انظر: قيام الدولة العثمانية ، ص43.
[3] انظر: اوروبا في العصور الوسطى، سعيد عاشور، ص29.
[4] فتح القسطنطينية وسيرة السلطان محمد الفاتح، د.محمد مصطفى، ص36-46.
[5] المجتمع المدني الجهاد ضد المشركين، د. أكرم ضياء العمري، ص115.
[6] احمد في مسنده 4/335.
[7] المصدر السابق نفسه 4/335.
[8]ابن خلدون العبر 3/70 ، تاريخ خليفة بن خياط، ص315.
[9] خليفة بن خياط، تاريخه، ص458، تاريخ الطبري 10/69، ابن الأثير الكامل 6/185،186.
[10] قيام الدولة العثمانية، ص46.
[11] تاريخ سلاطين آل عثمان ، ص18.
[12] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور ، د. عبدالعزيز العمري، ص358.
[13] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص358.
[14] المصدر السابق نفسه، ص359.
[15] انظر: تاريخ الدولة العثمانية ، د. علي حسون، ص42.
[16] كتاب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، ص52 نقلاً عن تاريخ الدولة العثمانية، ص43.
[17] انظر: تاريخ الدولة العثمانية، د.علي حسون، ص43.
[18] رواه احمد في مسنده 4/335.
[19] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص359.
[20] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد بك، ص161.
[21] انظر: سلاطين آل عثمان، ص26.
[22] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص361.
[23] انظر: محمد الفاتح ، ص90، سالم الرشيدي .
[24] انظر: تاريخ سلاطين آل عثمان ، ص58.
[25] انظر: فتح القسطنطينية، محمد صفوت، ص69.
[26] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص89.
[27] انظر: سلاطين آل عثمان، ص2؛ محمد الفاتح، ص96.
[28] انظر: محمد الفاتح، سالم الرشيدي، ص82؛ فتح القسطنطينية محمد صفوت، ص57.
[29] انظر: سلاطين آل عثمان، ص24،25.
[30] انظر: الفتوحات الاسلامية عبر العصور، ص364.
[31] انظر: محمد الفاتح ، ص98؛ العثمانيون والبلقان،ص89.
[32] انظر: العثمانيون والبلقاء، د.علي حسون، ص92.
[33] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص120.
[34] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص100.
[35] انظر: تاريخ سلاطين آل عثمان، ص58.
[36] محمد الفاتح، عبدالسلام فهمي ، ص92.
[37] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص367.
[38] انظر: محمد الفاتح ، عبدالسلام فهمي، ص123.
[39] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص368.
[40] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص101.
[41] انظر: مواقف حاسمة، محمد عبدالله عنان، ص180.
[42] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص103.
[43] المصدر السابق نفسه، ص103.
[44] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص103.
[45] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص369.
[46] انظر: السلطان محمد الفاتح، عبدالسلام فهمي، ص100.
[47] الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص370.(/16)
[48] انظر: السلطان محمد الفاتح، عبدالسلام فهمي،ص102.
[49] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص370.
[50] تاريخ الدولة العثمانية ، يلماز أوزنتونا، ص135.
[51] انظر: محمد الفاتح، ص106.
[52] انظر: محمد الفاتح، ص106.
[53] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور ، ص371.
[54] المصدر السابق نفسه، ص371.
[55] انظر: محمد الفاتح، ص116.
[56] المصدر السابق نفسه، ص106.
[57] انظر: السلطان محمد الفاتح، ص108.
[58] المصدر السابق نفسه، ص108.
[59] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص372.
[60] انظر: السلطان محمد الفاتح، ص110.
[61] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص144.
[62] انظر: السلطان محمد الفاتح، ص122.
[63] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص118.
[64] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص375.
[65] انظر: محمد الفاتح للرشيدي ، ص119.
[66] محمد الفاتح ، عبدالسلام فهمي ، ص116.
[67] الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص376.
[68] المصدر السابق، ص376.
[69] انظر: فتح القسطنطينية ، محمد صفوت، ص103.
[70] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص377.
[71] انظر: محمد الفاتح للرشيدي، ص122.
[72] انظر: محمد الفاتح، ص122.
[73] انظر: محمد الفاتح، ص122.
[74] انظر: تاريخ الدولة العلية ، محمد فريد، ص164.
[75] انظر: تاريخ سلاطين آل عثمان ، يوسف آصاف، ص60.
[76] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص378.
[77] انظر: محمد الفاتح ، ص125.
[78] انظر: محمد الفاتح، ص126.
[79] المصدر السابق نفسه ، ص126.
[80] المصدر السابق، ص129.
[81] محمد الفاتح ، ص129.
[82] المصدر السابق نفسه ،ص130.
[83] الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص380.
[84] المصدر السابق نفسه، ص
[85] انظر: الفتوح الاسلامية عبر العصور ، ص382.
[86] محمد الفاتح ، ص137.
[87] انظر: محمد الفاتح، ص139.
[88] المصدر السابق نفسه، ص131.
[89] الفتوح الاسلامية عبر العصور، ص383.
[90] المصدر السابق نفسه، ص384.
[91] انظر: جوانب مضيئة ، ص265.
[92] المصدر السابق نفسه، ص267.
[93] انظر: السلطان محمد الفاتح، ص134،135.
[94] انظر: جوانب مضيئة ، ص274.
[95] المصدر السابق نفسه، ص283.
[96] المصدر السابق نفسه، ص287.
[97] سبق تخريج الحديث.
[98] انظر: البطولة والفداء عند الصوفية، أسعد الخطيب، ص146.
[99] انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص373.
[100] العثمانيون في التاريخ والحضارة ، ص373.
[101] المصدر السابق نفسه، ص373.
[102] العثمانيون في التاريخ والحضارة ، ص374.
[103] المصدر السابق نفسه، ص374.
[104] انظر: البدر الطالع 2/167.
[105] المصدر السابق نفسه 166/2.
[106] انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص374.
[107] سبق تخريج الحديث.
[108] انظر: محمد الفاتح ، ص149.
[109] المصدر السابق نفسه، ص149.
[110] انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص374.
[111] العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص375.
[112] البدر الطالع 2/167.
[113] العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص375.
[114] البدر الطالع 2/166.
[115] العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص376.
[116] العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص376.
[117] المصدر السابق نفسه، ص376.
[118] انظر : تاريخ الدولة العثمانية ، يلماز أوزيونا، ص384.
[119] انظر: تاريخ الدولة العلية، محمد فريد بك، ص164.
[120] انظر: السلطان محمد الفاتح ، ص136،137.
[121] المصدر السابق نفسه، ص140.
[122] انظر: السلطان محمد الفاتح، ص140.
[123] انظر: السلطان محمد الفاتح، ص141.
[124] المصدر السابق نفسه، ص142.
[125] المصدر السابق نفسه، ص142.
[126] النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 16/71.
[127] انظر: محمد الفاتح، ص142.(/17)
محمد الفاتح وملحمة القسطنطينية الخالدة
بقلم: خليل حسن فخر الدين
________________________________________
مولده وحكمه وشخصيته [1]
ولد محمد الثاني بن مراد الثاني بن محمد الأول في 26 رجب سنة 833 هـ (20 نيسان/أبريل 1429م)، وتولى الحكم في سنة 1451م وهو شاب لم يتجاوز عمره اثنتين وعشرين سنة وحكم لمدة ثلاثين سنة (1451-1481م). واشتهر في التاريخ بلقب محمد الفاتح لفتحه القسطنطينية، وهو من بين الفاتحين في التاريخ العالمي في هذه السن المبكرة، ومن بناة الحضارة الراقية والمجد الرفيع.
ورث محمد الفاتح دولة قوية واسعة، ولكنها لم ترض نفسه الطموح بأن يكتفي بأمجاد أسلافه، ويعيش في رفاهية ونعيم بل صمم على أن يزيد أمجاداً جديدة إلى أمجادهم الإسلامية بفتوحه في أوروبا وآسيا الصغرى، ويتوج تلك الأمجاد وأمجاد الإسلام عامة بتحقيق حلم راود المسلمين مدة ثمانمائة عام[2]، وهو فتح القسطنطينية، عاصمة الدولة الرومانية الشرقية، العدوّة القديمة للإسلام والمسلمين منذ عهدهم الأول. وكان هذا الفتح أقسى ضربة سددها الإسلام في وجه أوروبا النصرانية في تاريخها الطويل على يد هذا الفاتح، ومن ثم نرى معظم المؤرخين الغربيين ينالون من محمد الفاتح وينعتونه بأبشع الصفات، ولم يشذ عنهم حتى المستشرق الإنجليزي المعتدل (لين بول Lane Poole)، وهو محض افتراء وبهتان، لم يدفعهم إليه إلا الحنق والغيظ لمحو اسم الدولة البيزنطية وريثة الإمبراطورية الرومانية من خريطة التاريخ إلى الأبد.
كان السلطان محمد الفاتح عبقرية فذة من عبقريات الإسلام، فلم يكن مجرد فاتح مغوار وقائد عسكري مظفّر، بل كان يجمع بين صفات القيادة العسكرية الموفقة وبين الثقافة العلمية الرفيعة [3]، يقود الجيوش، ويفتح المدن والدول، ويتذوق العلوم والآداب والفنون بمختلف أنواعها ويقدرها ويرعاها وينشئ ويعمر. ولقد أشاد بذكره المؤرخون المسلمون المعاصرون له كابن تغري بردين وابن إياس، والسخاوي، والسيوطي، وابن العمادالحنبلي، فيما كتبوه من ترجمته في مؤلفاتهم التاريخية العامة، وأثنوا عليه ثناء عاطراً، ونوهوا بفتوحه وعلمه. فمن ذلك ما قاله المؤرخ ابن إياس عندما بلغه نبأ وفاته: »وفي ربيع الأول جاءت الأخبار بوفاة السلطان المجاهد الغازي صاحب القسطنطينية وهو محمد بن مراد بن محمد.. وانتشر ذكره بالعدل في سائر الآفاق، وحاز الفضل والعلم والعدل والكرم الزائد وسعة المال وكثرة الجيوش والاستيلاء على الأقاليم الكفرية وفتح الكثير من حصونها وقلاعها..«.[4]
فتح القسطنطينية
قبل التعرض لفتح القسطنطينية أراد السلطان محمد الثاني أن يحصن مضيق البوسفور حتى لا يأتي لها مدد من مملكة طرابزون [5] وذلك بأن يقيم قلعة على شاطئ المضيق من جهة أوروبا تكون مقابلة للحصن الذي أنشأه السلطان بايزيد ببرّ آسيا. ولما بلغ ملك الروم هذا الخبر أرسل إلى السلطان سفيراً يعرض عليه دفع الجزية التي يقررها فرفض راداً ذلك للتعديات التي كانت تحدث من قبل الروم على الجنود العثمانيين وتقتل بعضاً منهم، فحاصر السلطان المدينةفي أوائل نيسان/أبريل 1453م من جهة البر بجيش يبلغ المائتين وخمسين ألف جندي، ومن جهة البحر بعمارة مؤلفة من مائة وثمانين سفينة، وأقام حول المدينة أربعة وعشرين بطارية مدفعية كانت تقذف كرات من الحجر إلى مسافة ميل. وفي أثناء الحصار اكتشف قبر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي استشهد في حصار القسطنطينية في سنة 52 هـ في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وبعد الفتح بنى له مسجداً جامعاً وما يزال قائماً، وجرت العادة بعد ذلك أن كل سلطان يتولى الحكم يتقلد سيف عثمان الأول الغازي بهذا المسجد.
ولما شاهد قسطنطين آخر ملوك الروم هذه الاستعدادات استنجد بأهل جنوة [6] فأرسلوا له عمارة بحرية تحت إمرة جوستنياني ، فأتى بمراكبه، وأراد الدخول إلى ميناء القسطنطينية، فلقي معارضة شديدة، انتهت بفوزه ودخوله الميناء بعد أن رفع جنوده السلاسل الحديدية التي وضعت لمنع المراكب العثمانية من الوصول إليها، ثم أعيدت بعد مروره كما كانت.
بعدها أخذ محمد الفاتح يفكر في طريقة لدخول مراكبه إلى الميناء لإتمام الحصار براً وبحراً، فخطر بباله أن ينقل المراكب إلى البر ليجتازواالسلاسل الموضوعة لمنعه،وتم هذا الأمر بأن مهد طريقاً إلى البر رصّت فوقه ألواح من الخشب صبت عليها كميات من الزيت والدهن لسهولة زلق المراكب عليها، وبهذه الطريقة أمكن نقل سبعين سفينة في ليلة واحدة حتى أصبح النهار، ونظرها الروم، أيقنوا أن لا مناص من نصر العثمانيين عليهم.
أرسل السلطان محمد إلى قسطنطين يخبره أنه لو سلم البلد إليه طوعاً يتعهد له بعدم مس حرية الأهالي أو أملاكهم، وإن يعطيه جزيرة موره، فلم يقبل قسطنطين بذلك.(/1)
أمر الفاتح جنوده بالصيام قبل الهجوم بيوم لتطهير نفوسهم وتزكيتها، ثم قام بزيارة للسور وتفقد الأسطول، وفي تلك الليلة تعالت أصوات التكبير والتهليل، ورتلت آيات الجهاد على مسامع الجند، ودوت الأناشيد الإسلامية الحماسية.. ودعا الفاتح قادة جيشه، ثم خاطبهم قائلاً:
»إذا ثم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته، وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التقدير.. فأبلغوا أبناءنا العساكر فرداً فرداً أن الظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدراً وشرفاً، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم ديننا الحنيف نصب عينيه، فلا يصدر عن واحد منهم ما ينافي هذه التعاليم، وليتجنبوا الكنائس والمعابد، ولا يمسوها بسوء بأذى، وليدعوا القساوسة والضعفاء الذين لا يقاتلون..« [7]
وظل الجند المسلمون طوال الليل يهللون ويكبرون حتى إذا لاح الفجر صدرت إليهم الأوامر بالهجوم، فتسلقوا الأسوار حتى دخلوا المدينة من كل فج، وأعملوا السيف فيمن عارضهم، ودخلوا كنيسة آيا صوفيا حيث كان يصلي فيها البطريق وحوله عدد من الأهالي، أما قسطنطين فقاتل حتى قتل، فدخل عندئذ محمد الفاتح إلى قصر الإمبراطور، وعمت بشائر الفتح في جميع العالم الإسلامي، إذ كتب الفاتح إلى السلطان المملوكي الأشرف إينال وإلى شريف مكة، كما أرسل إليه بعض الهدايا من الغنائم والأسرى، وأقيمت في مصر الزينات والاحتفالات لمدة ثلاثة أيام ابتهاجاً بهذا الفتح حسب كلام المؤرخ ابن تغري بردي.
بعد ذلك زار السلطان محمد كنيسة آيا صوفيا، وأمر بأن يؤذن فيها بالصلاة إعلاناً بجعلها مسجداً للمسلمين[8]، وأصدر أوامره بمنع كل اعتداء، وبأنه لا يعارض في إقامة شعائر ديانة النصارى، بل يضمن لهم حرية عقيدتهم، وحفظ أملاكهم فرجع من هاجر منهم وأعطاهم نصف الكنائس وجمع أئمة دينهم لينتخبوا بطريقاً يكون رئيساً لطائفتهم.
محاولات العرب لفتح القسطنطينية
ولنذكر هنا أن المسلمين حاصروا القسطنطينية إحدى عشرة مرة قبل هذه المرة الأخيرة التي تم فيها فتحها، منها سبعة في القرنين الأولين للإسلام، فحاصرها معاوية بن أبي سفيان في خلافة الإمام علي بين أبي طالب رضي الله عنه سنة 34 هـ (654م)، وحاصرها يزيد بن أبي معاوية سنة 47 هـ (667م)، وحاصرها سفيان بن أوس في خلافة معاوية سنة 52 هـ (672م)، وفي سنة 97 هـ (715م) حاصرها مسلمة بن عبد الملك في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وفي المرة السابعة حاصرها أحد قواد الخليفة العباسي هارون الرشيد سنة 182 هـ (798م).
نتائج هذا الفتح
لم يكن فتح القسطنطينية أمراً سهلاً كما يحلو لبعض المؤرخين أن يصوروه بسبب ضعف الدولة البيزنطية، والانشقاق الكنسي في الشرق والغرب، بل الحق يقال: إن الجنود الإسلاميين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل ذلك، وقاموا بالتضحية والفداء حتى تم لهم النصر المبين، كما أن السلطان محمداً أعدّ كل ما يمكن من الوسائل العسكرية الناجحة، ولم يشك لحظة في ثقته بنصر الله عز وجل حتى تم له ذلك، وصدق المؤرخ الفرنسي الشهير (كارادي فو Carra De Vaux) في قوله بهذا الصدد: »إن هذا الفتح لم يتيسر لمحمد الفاتح اتفاقاً، ولا تيسر بمجرد ضعف الدولة البيزنطية، بل كان هذا السلطان يدبر التدابير الللازمة له من قبل ويستخدم له ما كان في عصره من العلم.« [9]
وكان من آثار هذا الفتح أن اتحد كلا القسمين الجنوبي والشمالي، الآسيوي والأوروبي للدولة الإسلامية العثمانية، وتحولت العاصمة من أدرنة إلى القسطنطينية التي سميت بأسماء عدة: إسلام بول (أي مدينة الإسلام)، ودار السعادة، واسمها الرسمي الآستانة، وفي العهد الكمالي قرر اسمها رسمياً إستنبول ولا تزال.
وأصبحت القسطنطينية بعد ذلك قاعدة للأعمال العسكرية في الشرق والغرب، وامتد النفوذ الإسلامي إلى شواطئ البحر الأسود الشمالي وكييف (حالياً في روسيا) [10] وإلى المجر واليونان وسواحل البحر الأدرياتيكي الشرقية، وإلى شرقي البحر الأبيض المتوسط.
وفاة محمد الفاتح
هكذا وبعد ثلاثين سنة من الحروب المتواصلة للفتح وتقوية الدولة وتعميرها، فاجأ الموتُ السطانَ محمد الفاتح في 4 ربيع الأول 886 هـ/3 مايو 1481م في أُسكُدار في معسكره وبين جنوده، إذ كان قد أعد في هذه السنة إعداداً قوياً لحملة لا يعرف اتجاهها لأنه كان شديد الحرص على عدم كشف مخططاته العسكرية حتى لأقرب وأعز قواده. وقد قال في هذا الصدد عندما سئل مرة: »لو عرفته شعرة من لحيتي لقلعتها.«
وهذه السرّية العسكرية التامة، مع الإيمان الصادق، كانت سر نجاحه في كثير من حملاته وفتوحه، ودفن في الضريح الذي شيده في جامعه بالقسطنطينية المعروف بجامع الفاتح، بينما غلبت روح الكآبة والحزن على الأتراك لفقدهم سلطانهم الحبيب وعمّ العزاء والرثاء في العالم الإسلامي لموت هذا المجاهد المسلم.
________________________________________(/2)
مجلة الأمة، العدد 21، رمضان 1402 هـ
________________________________________
[1] أفاض المؤلفون الغربيون في الكلام عن حياته وألفوا في سيرته، من أقدم هذه المؤلفات كتاب المؤلف الفرنسي في القرن السابع عشر الميلادي (جوييه)، وفي اللغة العربية كتابان عنه: »أبو الفتح السلطان محمد الفاتح وحياته« للقاضي التركي علي همت الأفسكي، ترجمة محمد إحسان بن عبد العزيز – القاهرة 1953م ، و»محمد الفاتح« للدكتور سالم الرشيدي.
[2] في الأصل »ألف عام« ولعله غلط في الطباعة. (الفسطاط)
[3] كان مولعاً بقراءة كتب التاريخ والسير ومكرماً للعلماء – انظر كتاب علي همت الأفسكي، وكتاب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية لطاشكبري زادة.
[4] بدائع الزهور في وقائع الدهور أو تاريخ مصر ج2 ص204. ومثل ذلك ما كتبه ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة ج7 ص 357-437، وكتابه الآخر حوادث الدهور ج2 ص 298-299، ج3 ص 448-449، السخاوي في الضوء اللامع ج10 ص47، والشوكاني في البدر الطالع ج2 ص 269، وابن العماد الحنبلي ج7 ص 344-345.
[5] مدينة قديمة بآسيا على البحر الأسود تبعد 140 كلم عن مدينة أرضروم، ويظن أنها معاصرة لمدينة طروادة الشهيرة.
[6] جنوة مدينة قديمة جداً يقال أنها أنشئت سنة 707 قبل الميلاد واستولى عليها الرومانيون. فتحها شارلمان الفرنسي. نافست جمهوريتي بيزا والبندقية. تقهقرت شيئاً فشيئاً فدخلت تارة في حمى إسبانيا وطوراً في حمى فرنسا. بعد سقوط نابليون الأول سنة 1815م ضمت إلى لومبارديا، وهي الآن تابعة لإيطاليا.
[7]الدكتور علي حسون في كتابه تاريخ الدولة العثمانية ص 300 وما بعدها. ألا يذكرنا هذا بوصية سيدنا الصديق رضي الله عنه لجيوش الفتح الإسلامي التي وجهها؟
[8] الأمير شكيب أرسلان: حاضر العالم الإسلامي ج 1، ص 220، نقلاً عن كتاب : مفكرو الإسلام، تأليف كارا دي فو الفرنسي.
[9] المصدر السابق.
[10] وهي الآن في جمهورية أوكرانيا. (الفسطاط)(/3)
محمد بن جرير الطبري
طريق القرآن
عملاق من الرجال أجبر ذاكرة التاريخ على المثول أمامه ، لتلتقط علومه الفريدة ، وأعماله الخالدة ، ومصنفاته الباهرة ، والتي أصبحت فيما بعد منارة للعلماء ، ونبعاً ثرياً لرجال الفكر والمعرفة.
ولادته ونشأته :
إنه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، ولد في آخر سنة 224 هـ أو في مطلع سنة 225 هـ .
وكانت ولادته( بآمُل ) عاصمة إقليم طبرستان ـ وتقع جنوب بحر قزوين ـ وهو متسع ممتد تشغل الجبال أكثر مساحته ، وتعتبر ( آمُل ) أكبر مدينة في سهله ، وهي كثيرة المياه ، متهدلة الأشجار متنوعة الثمار ، وقد فُتح هذا الإقليم في عهد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه .
وفي هذه البيئة السهلة اللينة ، المتمردة العاصية ، التي تجمع بين الجبال الشاهقة والسهول المنبسطة ، نشأ محمد بن جرير الطبري ، وما كاد يبلغ السن التي تؤهله للتعليم ، حتى قدمه والده إلى علماء آمل . وشاهدته دروب المدينة ذاهباً آيباً يتأبط دواته وقرطاسه .
وسرعان ما تفتح عقله ، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد ، حتى قال عن نفسه : " حفظت القرآن ولي سبع سنين ، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين ، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة ".
وقد رأى أبوه رؤيا في منامه أن ابنه واقف بين يدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه مخلاة مملوءة بالأحجار ، وهو يرمي بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقص الأب على مُعَبِّرٍ رؤياه فقال له : " إن ابنك إن كبر نصح في دينه وذبَّ عن شريعة ربه " .
رحلته في طلب العلم :
أول رحلة كانت إلى الرَّي فأخذ عن محمد بن حميد الرازي ، ثم رحل به والده بعد سنوات قليلة من تحصيله لبعض العلوم الشرعية وكانت هذه الرحلة إلى بغداد حيث بها إمام أهل السنة والجماعة ، والعالم الذي أطبقت شهرته الآفاق ، أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ إلا أن الأقدار لم تحقق للولد أمنيته فقد مات العالم الجليل قبل أن يصل محمد بن جرير إلى بغداد ، فانصرف عن بغداد ، واتجه إلى البصرة وهي موطن العلم ومهبط القضاء ، فجلس بين يدي علمائها ، وأخذ عن شيوخها كمحمد بن بشار المعروف ببندار ، ومحمد بن الأعلى الصنعاني ، وغيرهم حيث كتب فيها عن إسماعيل بن موسى الفزاري ( توفي سنة 245 هـ ) ، وهناد بن السري الدارمي ( توفي سنة 243 هـ ) ، وأبي كريب محمد بن العلاء الهمذاني ( توفي سنة 248 هـ ) ، ثم انتقل إلى واسط ، ثم الكوفة ، ثم رجع إلى بغداد مرة أخرى ، وكان قد صلب عوده واستقام فكره ، فأقام بها حيناً من الزمان ثم إنه فكر في الرحيل إلى مصر ، فوصل إليها ستة 253 هـ ، وهناك اجتمع بمحمد بن إسحاق بن خزيمة ، العالم المؤرخ ، حيث قرأ عليه كتابه في السيرة ، وأخذ عن شيوخها ، كيونس بن عبد الأعلى ، والربيع بن سليمان صاحب الشافعي ـ رحمهما الله ـ وإسماعيل بن يحيى المزني ، وغيرهم .
وعاد أبو جعفر إلى بغداد بعد رحلة طويلة ، وانقطع للدرس والتأليف
وقد شغله كل ذلك عن أن يتزوج أو أن ينشغل بمطالب الحياة ، فعاش عَزَباً ـ رحمه الله . يقول الطبري عن نفسه : " ما حللت سراويلي على حرام ولا حلال قط ".
نعم …… كان رحمه الله عفيفاً في نفسه منضبطاً في أخلاقه ، وكان يرفض دائماً هدايا الوزراء والحكام مترفعاً عن قبول نفحات السلاطين.
ويذكر المؤرخون أن الخاقاني لما تقلد الوزارة ، أرسل إلى ابن جرير مالاً كثيراً فأبى أن يقبله ، فعرض عليه القضاء فامتنع ، فعاتبه أصحابه وقالوا له : لك في هذا ثواب ، وتُحي سنةً قد دَرَسَت ، وطمعوا أن يستجيب لهم ويقبل ولاية المظالم ، فانتهرهم قائلاً : " لقد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه " فخجلنا منه .
وهكذا عاش الطبرى راهبا فى محراب العلم والعمل حتى جاءته الوفاة ولا رآد لأمر الله
قال الخطيب : " واجتمع عليه - حال الجنازة - من لا يحصيهم عدداً إلا الله ، وصُلِّي على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً ، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب " ، وكان ذلك في شوال سنة 310 هـ .
مرتبته العلمية :
كان ابن جرير ـ رحمه الله ـ عالماً فاضلاً ومفكراً إسلامياً جليلاً ،شغف منذ صباه بالعلم ووهبه جُلَّ حياته ، وقصر عليه أيامه ولياليه .
حدث عن نفسه فقال : " جاءني يوماً رجل فسألني عن شيء في علم العروض ، ولم أكن نشطت له قبل ذلك ، فقلت له : إذا كان غداً فتعال إلىَّ " ، وطلب سِفْرَ العروض للخليل بن أحمد ، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته في ليلة واحدة ، يقول : " فأمسيت غير عروضي ، وأصبحت عروضياً ".
ولكثرة تعمقه في العلوم الشرعية ، صار مجتهداً في الفقه صاحب مذهب بعد أن كان على مذهب الشافعي ـ رحمه الله .
يقول أبو محمد عبد العزيز بن محمد الطبري ، أحد تلاميذه : " كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه ، لأنه جمع من علوم الإسلام ما لا نعلمه اجتمع لأحد من الأمة ، ولا ظهر من كتب المصنفين ، وانتشر من كتب المؤلفين ما انتشر له " .(/1)
ووصفه الخطيب بقوله : " كان إماماً يُحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه ، وكان عالماً بأقوال الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام ".
وذكر الخطيب في تاريخه أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب كل يوم منها أربعين ورقة .
وقال أبو حامد الإسفراييني " لو سافر رجل إلى الصين حتي يحصل له كتاب تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيراً ".
وقال عنه الذهبي ـ رحمه الله : كان ثقة حافظاً صادقاً ، رأساً في التفسير ، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف ، علامة في التاريخ و أيام الناس ، عارفاً بالقراءات ، واللغة ، وغيرها .
وما ذكرناه غيض من فيض من كلام العلماء وثناءهم على ابن جرير ، وإن كانت كتبه تغنيه عن شهادات الشهود ، وما بقى فيها يدل على أنه كان من أفذاذ الموسوعيين في العالم ، وحسبنا من تواليفه تاريخه وتفسيره .
الطبري وكتابه جامع البيان في تأويل آي القرآن :
قال السيوطي في الإتقان : " وكتابه أجل التفاسير وأعظمها فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض ، والإعراب والاستنباط فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين "
أ . هـ .
وقال النووي : " أجمعت الأمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبري "
وقد حوى ابن جرير جميع تراث التفسير الذي تفرق قبله في كتب صغيرة منذ عصر عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري .
مصادره :
والطابع المميز لتفسير الطبري اعتماده على المأثور عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آراء الصحابة والتابعين، ثم أضاف إلى التفسير بالمأثور ما عرف في عصره من نحو وبلاغة وشعر ، كما رجع إلى القراءات وتخير منها ورجح ما تخيره ، وعرض كثيراً من آراء الفقهاء في مناسباتها ، ورجح ما رآه موافقاً للدليل ، وكذلك استعان بكتب التاريخ فنقل عن ابن إسحاق وغيره .
منهجه في التفسير:
1. اتبع طريقة الإسناد في سلاسل الروايات، لذا كان تفسيره سجلاً لما أثر من آراء، وغالباً ما يلخص الفكرة العامة ... ويعقب عليها بذكر الروايات التي قد تختلف في التفصيل والإيجاز.
2. تجنب التفسير بالرأى. وعقد فصلاً في مقدمة كتابه، ذكر فيه بعض الأخبار التي رويت بالنهى عن القول بالتفسير بالرأي، والتزم هذا الأسلوب في كتابه ... حيث أنحى باللائمة على القول بالرأى ومما يزيد ذلك ما جاء في تفسيره: ( فقائل في تأويل كتاب الله الذى لا يدرك علمه إلا ببيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى جعل إليه بيانه، قائل بما لا يعلم وإن وافق قيله ذلك في تأويله ما أراد الله به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم قائل على الله ما لا علم له.
3. دقة الإسناد: كان رحمه الله أميناً دقيقاً في ذكر السند وفي تسجيل أسماء الرواة، لأنه اتصل بكثير من العلماء وسمع منهم، فإذا كان قد سمع هو وغيره قال: حدثنا ... وإذا كان قد سمع وحده قال حدثني ...
وإذا نسي واحداً من سلسلة الرواية صرَّح بنسيان اسمه.
4. الاستعانة بعلم اللغة: هذا وقد مكنه علمه باللغة وأساليب استعمالها أن يفضل معنىً للكلمة على معنىً آخر تحتمله، ومن ذلك قوله: وقال تعالى: ? تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً ? … [الفرقان:61] يعني بالبروج القصور ... وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هي قصور في السماء، لأن ذلك في كلام العرب. ومنه ? وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ? … [النساء:78] ومنها قول الأخطل لعنه الله:
كأنها برج رومي يشيده بان بجص وآجر وأحجار
5. الإكثار من الأحاديث النبوية: وكان يكثر من الأحاديث النبوية، لأنه درس الحديث على كبار المحدثين في عصره، وفي مقدمتهم علماء طبرستان.
6. الاستشهاد بالشعر: وكثيراً ما اعتمد على الشعر في بيان المراد من الكلمة، تارة يذكر اسم الشاعر وأخرى يغفله مكتفياً بالشعر.
7. تسجيل القراءات: عرض وجوه القراءات ورجح ما ارتضاه لأنه كان عالماً بالقراءات ومؤلفاً فيها ... وله أيضاً عناية بتفصيل مذاهب النجاة في كثير من المواضع ليجلو المعنى.
8. مناقشة الآراء الفقهية: للطبري كتاب اختلاف الفقهاء ... فهو فقيه دارس للمذاهب كلها، بل ومجتهد صاحب مذهب اختاره لنفسه ... ومن البداهة أن يعرض للآراء الفقهية ويناقشها في مناسباتها من آيات الأحكام ... وينتهي في مناقشة كل منها إلى ما يستصوبه ... وكان يعرض لآراء المتكلمين ويسميهم أهل الجدل ويناقشها ويصوب الرأي السلفي الذي يدين به.
والإدلاء برأيه بعد المناقشة سمة ظاهرة في تفسيره ... فكان يرفض ويعلل لرفضه وكان يرجح ويدلل على ترجيحه ... وكان يؤيد ويبرهن على تأييده.
9. وإذا كان تفسير ابن جرير من أجل التفاسير، بالمأثور وأعظمها قدراً، فلم سمّى كتابه جامع البيان عن تأويل القرآن؟! ولم يستعمل كلمة تفسير بل تأويل.
والجواب أن التأويل الذى يريده الطبري هو التفسير كما يتضح من خصائص تفسيره،(/2)
فاللفظان: التفسير والتأويل مترادفان عنده، وهما بمعنى الكشف عن ألفاظ القرآن والتوضيح
لمعانيه ومراميه.
فالتفسير لغة: كشف المراد عن اللفظ المشكل وأصله من الفَسْر، وقيل هو مقلوب: السَّفر، أسفر الصبح إذا أضاء.
وقيل التفسير أعم من التأويل.
فالتفسير بيان العبارة القرآنية من مفردات وجمل بياناً كاشفاً لحقيقة المعنى على حسب المتعارف عليه من أساليب العرب في كلامهم وخطابهم إما حقيقة وإما مجازاً، سواء كان المعنى متبادراً بالاستعمال، كتفسير الصراط بالطريق والصيب بالمطر، أو غير متبادر كتفسير ? أُخْفِيهَا ? في قوله ? أَكَادُ أُخْفِيهَا ? … [طه:15] بمعنى أظهرها.
والتأويل اجتهاد المفسر في ترجيح المقصود من المعاني المختلفة التي يحتملها اللفظ فكأن التأويل: إخبار عن حقيقة المراد كقوله تعالى: ? إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ? … [الفجر:14]
، تأويله: التحذير من التهاون بأمر الله أو الوعيد [ لمن يخالف أمر الله] بينما تفسير: ? لَبِالْمِرْصَادِ ? أنه من أرصد، يقال: أرصدته أى رقبته، والمرصاد مفعال ...
01. بالجملة: فالطبري رأس المفسرين على الإطلاق، وأنه جمع في تفسيره بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد من قبله ولا من بعده.
وإذا كان يؤخذ عليه أنه يذكر سلاسل الروايات من غير بيان وتمييز لصحيح هذه الروايات من ضعيفها فلأنه على ما يظهر أنه من المؤلفين الذين يرون أن ذكر السند يخلي المؤلف من المؤاخذة والتبعة ولو لم ينص على درجة الرواية.
رحم الله الطبري رحمة رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته بخدمته الإسلام والمسلمين.(/3)
محمد رسول الله بقلم الشيخ عطية الله ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأزكى الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد : فإن الفَعلة القبيحة الشنيعة التي ارتكبها الدانمركيون وبتأييد من دولتهم الفاجرة التي تدعي الحرية والعدالة وتتبجح بدعاوى التقدم والتمدن والتحضر، وذلك بسبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزائهم به وتصويره بصور قبيحة- بقدر ما هي فعلة منكرة عظيمة سينالون عليها عقابهم العاجل قبل الآجل، فإنها –بحمد الله تعالى- مؤذنة بخراب بيوتهم، وخسرانهم ودمارهم.
فإن الله عز وجل يصبر على الأذى لذاته المقدسة عز وجل، ويحلم ويُنظِر، لكنه إذا تعلق الأمر بحق نبيّه ورسوله وحبيبه وخليله وأكرم خلقه لديه محمدٍ صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يختار سرعة الانتقام إكراماً وتعظيما لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما دلتْ عليه الدلائل والشواهد..
فإننا بقدر ما يصيبنا من الأذى والحزن لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستبشرون بالفتح والنصر القريب..
وكما قال بعض إخواننا : الله أكبر خربت الدانمرك..!
فنقول لأولئك الصليبيين الحاقدين المموءة قلوبهم بالغل والغش، أشباه البهائم، عافانا الله وإياكم :
انتظروا إنا منتظرون.
والله لن ننساها لكم ما حيينا، إلا من تاب وآمن وبدّل عملا صالحا..!
وستندمون على فعلتكم هذه أشد الندامة..
بالله عليكم أيها الإخوة : هذه الدويلة الصغير الهادئة الهانئة هناك في شمال أوروبا، ما الذي دعاها إلى هذا الفعل الشنيعة، تسب رسول الله، وتتعرض للمسلمين وتدخل في حربٍ مع هذه الأمة العظيمة؟!
لولا حظهم العاثر وما أراد الله بهم من النقمة والشقاء..!
وإنني مستبشر أن عاقبة ذلك ستكون خيرا كثيرا بإذن الله.
سترون الداخلين إلى الإسلام من الدانمرك والبلاد الاسكندنافية وسائر أوروبا..!
وسترون الباحثين والدارسين والمنقّبين والمناظرين والمحاورين...!
وكل ذلك خير للناس..
إن هذه الأشياء هي –في أكثر جوانبها- ثمرة لأعمال الدعاة إلى الله المجاهدين في سبيله الباذلين في ذاته عز وجل..!
إن الجهاد الحق بهذا الدين يردّ العلاقة بيننا وبين الكفار إلى وضعها الطبيعي الصحيح..
نحن المسلمون عباد الله وحده لا شريك له أتباع الأنبياء حقا.
وأنتم الكفار المشركون المحاربون لله ولرسله وكتبه.
نحن الأعلون بإذن الله..
ونحن أهل الدين الحق وأهل الهداية والنور والاستقامة والرفعة والفلاح والسعادة في الدنيا، وفي الآخرة إن شاء الله.
والعلاقة بيننا العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده..!
والبراءة منكم ومن كفركم وشرككم وفسادكم وعصيانكم لله رب العالمين.
والاستمرار في دعوتكم وجهادكم..!
والله أكبر.. {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}
ولا أنسى هنا أن أذكر بأخينا المغربي الذي قتل المخرج اللعين المستهزئ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله عز وجل أن يفرج عن أخينا، وأن ينصره على عدوّ الله وعدوّه، وأن ينزل عليه السكينة ويغشّيه الرحمة ويرزقه اليقين ويربط على قلبه، ويسعده في الدارين.. آمين
ألا إن نصر الله قريب..
وهذه الرسالة القصيرة كتبتها على عجل ومع تزاحم الأشغال، مساهمة مني لإخواني المسلمين في كل أنحاء العالم الذين هبّوا لنصرة دينهم ونبيّهم صلى الله عليه وسلم، ومحاولةً لاستغلال هذه الفرصة المتاحة للدعوة إلى الله تعالى.
كتبتها بأسلوب سهل مناسب للقوم فيما أظن..
أسلوب خطابي في ظاهره ، محتوٍ على جملة من البراهين والدلائل البينات، منبّهٍ على التفكير، باعث على البحث والتدبر...!
فأرجو من إخواني من أعجبته فكرتها ومحتواها أن يترجمها إلى لغة القوم، وينشرها بينهم، ومن أراد أن يطبعا في كُتيّب صغير لطيف، فله ذلك، مع المحافظة التامة على نصها، ونسبتها إلى كاتبها.
وأخص بالذكر إخواني الدعاة في الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، لعلهم ينشطون لذلك..
والله عز وجل المسؤول أن ينفع بها ويرزقني أجرها، ويجزي خيرا من سعى في ترجمتها ونشرها.. آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
27/1/2006
--------
محمد رسول الله
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي...
القرشي الإسماعيلي الإبراهيمي
فهو رجل من العرب من بلدة مكة الواقعة في بلاد شبه جزيرة العرب (معظمها اليوم يقع ضمن حدود الدولة المسماة المملكة العربية السعودية)
مكة هذه يقول كثير من علماء الأرض والفلك والجغرافيا إنها قلب العالم، أو إنها أكثر بقاع الأرض احتمالا لأن تكون قلب الكرة الأرضية.
وهي بلدة صحراوية جبلية..
عاش فيها منذ قديم الزمان الجنس البشري العربي
والعرب كانوا موجودين قبل سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء
وكانت لهم قبائل كبيرة مشهورة في التاريخ القديم لها حضارات عريقة وعجيبة.!(/1)
يقول المؤرخون إن كل أو الأغلبية الساحقة من تلك القبائل العربية القديمة اندثرت وانقرضت، وإنما العرب الباقون بعدهم إلى اليوم هم قبائل أخرى تعلّمت منهم العربية ومعظمهم من نسل النبي الكريم إسماعيل -أخي إسحاق- بن إبراهيم عليهم السلام.
فيما يسمّى بالشرق الأوسط، وفي قلب العالم، مهد الأنبياء والرسالات، وبالتحديد في شبه جزيرة العرب عاش هؤلاء القوم عيشة بسيطة أقرب ما تكون إلى الطبيعة والعفوية بعيدة إلى حد ما عن تعقيدات التمدّن، لذلك امتازوا باعتدال الطبائع والأمزجة، واتصفوا بصفات رائعة من الصدق والصراحة والوفاء والكرم والسخاء والشجاعة وعزة النفس ورفض الظلم والذل، وبذل المعروف، والتنافس في صفات الرجولة، وتعظيم حق الكلمة والذمة، وقوة الإرادة والعزيمة، وعلو الهمة، والفصاحة والذكاء والاعتناء بالآداب وقوة الحافظة، رغم أنهم لا يعرفون الكتابة.
لابد أنه لحكمةٍ عظيمة كانت هذه المساحة من العالَم هي محل كل الرسل والرسالات السماوية.!
محمدٌ هذا الرجل الذي هو رجل عظيم عند كل المؤرخين من المسلمين (المؤمنين بنبوته والمتبعين له) وعند غير المسلمين من النصارى واليهود وغيرهم : ولد في سنة 571 بعد ميلاد المسيح عليه السلام، وعاش يتيما ، لأن أباه مات حينما كان هو جنيناً في بطن أمه، ثم ماتت أمه أيضا في وقت مبكر من عمره، وذلك بعد أن بلغ هو ست سنين، فتربّى يتيما في رعاية جده ثم في رعاية عمه بعد موت جده إلى أن صار شاباً يافعا..
وبعد مرور حوالي أربعين سنة على مولده، أي بعد أن صار رجلا كاملا عرف الحياة وجرّبها وتزوج وأنجب وربّى أطفالا وعرف الناس وعرفوه وتكوّنت له في قومه قيمة، كانت هذه القيمة تدور كلها باتفاق جميع المؤرخين على صفات الصدق والأمانة والذكاء وقوة العقل وفصاحة الكلمة وحسن الأخلاق ومكارم السجايا والتشبّع بالفضائل التي يتنافس الرجال العقلاء عادة في تحصيلها والافتخار بها من الكرم والشجاعة ورفض الظلم والضيم والذل ومساعدة المحتاجين والعطف على الضعفاء والخدمة للناس ومساعدتهم ومحبة الخير لهم والبعد عن المعايب والشرور والصفاف المذمومة التي ينفر منها كل العقلاء.
ومع ذلك فقط كان -شأنه شأن الأغلبية الساحقة من أهل زمانه- أميّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة.
بعد بلوغه هذا العمر أعلن أنه قد جاءه الوحيُ من السماء، وأن الله قد أوحى إليه وبعث إليه ملكاً من الملائكة يعلمه الدين والرسالة، وأخبره أن الله اختاره ليكون رسولا للعالمين وأنه خاتم الأنبياء والرسل، لا نبيّ بعده.
وبدأ محمد صلى الله عليه وسلم ينشر دعوته في البداية بشكل سريّ في أصدقائه الموثوقين ومعارفه وأقاربه..
واستجاب له مجموعة من الرجال والنساء من أهل بلدته.
ثم بدأ يتوسّع في دعوته وأعلنها وصرح بها..
فعارضه قومه ووقفوا ضدّه بكل قوة وعناد، وكذبوه ورموه بشتى أنواع التهم..
قالوا ساحر ، وقالوا كذاب، وقالوا مجنون، وقالوا شاعر أديب فصيح يسحر الناس بكلامه، وقالوا أشياء كثيرة فيها تناقض عجيب.!
صبر على تكذيبهم له، وتحمّل إيذاءهم له في شرفه وسمعته وحتى في جسده..! في سبيل نشر دعوة الله التي أمره بتبليغها للناس، ولم تكن الدعوة لتنتشر أبدا إذا لم يصبر عليها صاحبها ولم يبدأ بقومه ولم يصطنعْ منهم أنصارا..
كان يواجه شراسة قومه وعنفهم ضدّه باللين والرفق والعفو الصفح..
هم يؤذونه ويعذبون أصحابه الضعفاء ويسخرون منهم ويستهزئون بهم ويقاطعونهم ويحاصرونهم... وهو مستمر في دعوتهم إلى الخير ويشرح لهم الرسالة التي بعثه الله بها، ويذكرهم بها ليل نهار وبكل الطرق والوسائل المتاحة، ويصبر على كلامهم غير اللائق ويرجو لهم الخير، وقد كان الخير حقا في دعوته، ولكن الإنسان كثيرا ما يكون عدوّ ما جهل.!
كان يريد لهم الخير والعز والشرف والسعادة في الدنيا والآخرة، وكانوا يريدون لأنفسهم الخسران.!
وكان سادة قومه وكبراؤهم يقودون ضده حملات التشويه والتنفير بكل ما أوتوا من قوة ومال..!
حقا لقد كان أكثر قومه في عماية وغشاوة بسبب كثير من العوامل التي تراكمتْ عليهم، من الانغماس في الحياة الدنيا والغفلة عن حقيقة الوجود، ومن طاعة الكبراء والرؤساء والاستكانة إليهم، ومن الخوف من تغيّر الأوضاع، وحب السلامة والاكتفاء بالحال الموجود...! وكلها أسباب واهية، خسروا بها وضيّعوا فرصتهم، ولو بُعثَ منهم أحدٌ اليوم وسألناه فإننا نتوقع يقيناً أنه سيخبرنا عن حالةٍ لا مثيل لها من الندامة الحسرة..!
وأما سادتهم وكبراؤهم فقدغرّتهم السيادة والرئاسة التي خافوا أن يفقدوها إن هم اتبعوا الحق الذي يدعوهم إليه محمد، واندفعوا في عناد شديد، لكن هل أفادهم ذلك شيئا؟ وها نحن نذكرهم ونذكره ونذكر ما جرى بعد مرور القرون، من الذي بقي وانتصر ومن الذي ذهب خاسرا لا يُذكر إلا بالخزي واللعن؟!(/2)
واسمتر محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته وتدرج وكان الوحي ينزل عليه شيئا فشيئا ويربّي الناس على الدين الحق المتضمّن لكل رحمة وعدل وإحسان وبرّ حكمة وإصلاح، والذي تألفه النفوس الطيبة، والآمر بكل خير والناهي عن كل شر.. إلى أن يئس من إسلام قومه وتآمروا عليه يريدون قتله، فأمره الله عز وجل بالهجرة، فهاجر إلى بلدة "المدينة" التي بها قبره ومسجده الآن.
كانت تقطن هناك في "المدينة" بعض القبائل العربية التي آمن أفراد منها بمحمد ودعوته أثناء رؤيتهم له وسماعهم كلامه ودعوته في مواسم الحج إلى مكة، فتحمّسوا لنصرته وإعانته من جراء قوة إيمانهم بما دعاهم إليهم من رسالة الله عز وجل، وعرضوا عليه أن يهاجر إليهم في بلدهم لكي يكون عندهم وينصرونهم ويؤونه، ويستطيع من هناك أن ينشر دعوته.
وبالفعل هاجر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر كل من يستطيع من أصحابه أن يهاجر، فهاجروا رجالا ونساء وأطفالا في سبيل الدين، لم يكن هناك أي غرض دنيوي ولا شخصي، لا اقتصادي ولا سياسيّ ولا أي شيء غير الدين الذي آمنوا به وعرفوا أنه حقا رسالة الله الذي خلقهم وأوجدهم وأراد منهم أن يعبدوه واختبرهم بهذه الاختبارات في هذه الحياة الدنيا.
لم يكن لتلك القبائل العربية البسيطة مطامح سياسية ولا توسّعية..
ولم يكونوا أهل تمدّن يُذكر بين مدنيات العالم في ذلك العصر.
ولهذا كانت القناعة بالحقيقة والإيمان بالحق المطلق له تأثير كبير على نفوسهم، فانفعلوا به انفعالا يقول كثير من المؤرخين إنه لا يوجد له مثيل في التاريخ تقريبا إلا في بعض أتباع الرسل السابقين..!
في تلك البلد التي هاجر إليها وبين أولئك القوم من أهلها ومن المهاجرين أقام محمد صلى الله عليه وسلم نواة دولته، وبدأ ينشر دعوته بحرية أكثر، وبدأ ينظم شؤون أتباعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وشرّع لهم بإذن الله له ووحيه إليه تشريعات أخذت تنحو إلى التكامل بالتدريج حتى تستوعبها حركة الانتقال الحضاري والفكري لدي الناس.
ودخل في حروبٍ مع قومه الأصليين "قريش" الذين أخرجوه من بلدته الأصلية، وانتصر عليهم بقوات قليلة العدد والعدة، وكانت أول معركة كبيرة بينه وبينهم معركة بدر التي لها عند المسلمين وفي تاريخهم شأن أي شأن.
ثم توالت الحروب بينه وبينهم، وهم مجتهدون غاية الاجتهاد في القضاء عليه وعلى دعوته وأتباعه ودولته الناشئة..
إلى أن نصره الله عليهم، واستطاع أن يغلبهم وأن يفتح عاصمتهم وهي بلدته الأصلية التي أخرخوه منها وهي مكلة قلب العالم.
وبذلك انتهت الحروب بينه وبين قومه الذين كانوا هم أشرف العرب نسباً وأكثرهم احتراما لأنهم أهل مكة وأهل الكعبة بيت الله العتيق المعظم الذي بناه إبراهيم وإسماعيل.
ومن أثر ذلك أن دخل كل أهل الجزيرة العربية تقريبا في دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم وآمنوا به واتبعوه.
أي كل العربِ تقريبا..
فلم يكن هناك عربٌ في ذلك الزمان خارج نطاق هذه المنطقة، وهي شبه جزيرة العرب.
بعدها بدأ محمد صلى الله عليه وسلم يبعث الرسائل إلى ملوك الدول الأخرى يدعوهم إلى الدخول في دين الإسلام، والإيمان بالرسالة التي بعثه الله بها، فبعث إلى ملك مملكة الرومان البيزنطيين، وإلى ملوك مملكة فارس وغيرهما.
توفي محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الأثناء، ولم يعش حتى يدخل بنفسه في تعامل كامل إلى النهاية مع هذه الدول الكبرى.
بحسب الأصول والمبادئ التي تنضمنتها شريعة الإسلام التي بُعثَ بها محمد صلى الله عليه وسلم تولى الخلافة أي الرئاسة من بعده -بواسطة الاختيار من قِبل الأعيان- صاحبُه ووزيرة أبو بكر الصديق، وكان هو من أول من آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو أقرب أصحابه إليه وأحبهم إليه وأعلمهم وأكملهم في الصفات والمؤهلات.
ثم بعده استمرت دولة الإسلام والمسلمين كلما مات خليفة استخلف غيرهُ بالانتخاب، إلى أن حصلت نزاعات وحرب أهلية بين المسلمين انتهت بعد سنين بالمصالحة والسلام، ثم قام أحد الخلفاء بتعيين ابنه من بعده فتحول النظام من تلك اللحظة إلى نظام ملكي وراثي، واستمر على ذلك في معظم فترات تاريخ المسلمين.
وعجلت التاريخ لا تتوقف إلى أن ينتهي أجل الدنيا، فوجدتَ للمسلمين دولٌ إثرَ دول.. كان منها الجيد، ومنها الأقل جودة، منها المتمسك بدين الإسلام وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها المفرط فيها الآخذ منها الاسم وبعض الشعارات فقط دون المضمون الحقيقيّ...وهكذا.
مرت أمة الإسلام بأطوار ومراحل مختلفة في تاريخها من القوة والضعف، في جميع المجالات : السياسية والعسكرية والاقتصادية والحضارية المدنية الفكرية والعلمية وغير ذلك.
كانت قائدة العالم في وقت من الأوقات، ذاقَ العالم في ظل قيادتها طعم العدل والرحمة والإحسان، وهي الصفات الثلاث التي يقول جماعة من المؤرخين المنصفين إنها لم تجتمع في التاريخ كما اجتمعتْ في ظل قيادة الإسلام.!(/3)
وكان الصالحون من الخلفاء على نهج الرسول محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ينشرون الإسلام ويدعون إليه ويفتحون بهذا الدين بلاد العالم، كانت فتوحاتهم وتوسعاتهم مثالا فريدا في التاريخ، لم تكن لدوافع اقتصادية ولا سياسية توسّعية للسيطرة ولقضاء الشهوات ولا للانتقام... وإنما كانت لنشر الدين الحق والخير الذي جاءت به رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإيصاله إلى المستضعفين، ثم ترك الحرية لهم في أن يعتنقوه بعد ذلك أو يرفضوه، بعد أن يتحرروا من كل قوة تمنعهم من الاختيار.
ثم ضعفتْ دولة المسلمين وانحدرت بأسباب كثيرة : الغرور، والاغترار بمجرد الأسماء والألقاب والدعاوى، والانغماس في الشهوات... وغير ذلك مما يصيب الأمم من الأمراض..!
ولكنها رغم كل الضعف والانحطاط الذي أصابها، لازلت في مجملها -كأمة- باقية صامدة على نفس المبادئ والأصول والأطر والتشريعات التي جاء بها نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.
وهي تشهد اليوم نهضة قوية، بعد أن نشأ فيها مصلحون أقوياء من أبنائها، وبعد أن ذاقت مرارة العدوان والظلم والقهر من بعض الأوروبيين خاصة، وبعد أن تفطّنت لواقعها وحالها وإلى ما حولها من العالم، وأدركت أنها غفلت كثيرا وتخلفت في ميدان سباق الأمم، فجعلت تنفض عن نفسها غبار السنين، وتتململ للقيام والنهوض والعودة إلى المنافسة وإلى القيادة، وقد عرفت أن عزّها وشرفها وقوتها وسعادتها في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة هي في التمسك بدينها وما يدعوها إليه دينها من الفضائل والأخلاق والقيم الخيّرة الحميدة.!
نظرة في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم :
جاء محمد صلى الله عليهم وسلم إلى الناس يقول لهم : إني رسول الله إليكم جيمعا، بدين الله عز وجل، وهو الإسلام، وهو نفسه دين كل الأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل قبلي. يقول : فنحن الأنبياء كلنا إخوة، كلنا رسل الله سبحانه وتعالى، ديننا واحد لا يختلف، وهو توحيد الله، أي عبادة الله وحده لا شريك له، لا نعبد معه أحداً غيره ولا معه، بل نكفر بكل معبودٍ سواه، فإن كل ما عُبد سواه فهو معبودٌ بالباطل، لا يستحق العبادة.. إن الله عز وجل هو وحده الحقيق بالعبادة، لا يشاركه في ذلك أحد.
هذا هو ديني ورسالتي، في أصلها ، وهي دين كل الأنبياء والرسل قبلي لا فرق.
فهو يدعو الناس إلى الإيمان بجميع رسل الله تعالى وجميع كتبه، وألا يفرقوا بينها فيؤمنوا ببعضها ويكفروا ببعض.! بل يؤمنوا بأنها كلها حق وكلها من عند الله.
كل الرسل هذا دينهم وهذه دعوتهم إلى الناس : اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا.
وأما التشريعات والأحكام والقوانين : فهي قد تختلف من رسالة نبيّ إلى رسالة نبيّ آخر.
على سبيل المثال : في العبادات من صلاة وصيام وصدقة وغير ذلك، تختلف الأحكام من رسالة إلى رسالة، في كيفية تلك العبادات وفي أوقاتها وفي عددها ومقاديرها وهكذا..
وكذلك في التحليل والتحريم : تخلتف بعض الأحكام من رسالة إلى رسالة، قد يحرّم الله شيئا على قومٍ في رسالةٍ ولا يحرّمه على قومٍ آخرين في رسالة نبيّهم، والله عز وجل هو الحكيم الحكمة الكاملة، وهو يريد بنا الخير والصلاح ويريد لنا الرحمة والسعادة.
وكان الأنبياء سابقا كل نبيّ يرسله الله إلى قومه..
فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة..
يقول : أنا رسول الله الأخير بالرسالة الأخيرة إلى الناس أجمعين بجميع أجناسهم في كل أقطار الأرض إلى انتهاء الدنيا وفنائها.
فرسالتي –لأنها خاتمة الرسالات، ليس بعدها رسالة- فإنها أكمل الرسائل، وأوسعها وأشملها، وأكثرها تفصيلا، وأيسرها، وأكثرها تضمنا لصفات الكمال.
فكل مخلوق على وجه الأرض مدعوّ إلى الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وبرسالته التي بعثه الله بها.
يجب على كل إنسان أن يؤمن به وبما جاء به ويتبعه، ويكون مسلماً..
ولا يقبل الله من أحدٍ شيئا غير ذلك.
لا يمكن لأتباع عيسى أن يقولوا : نحن أتباع عيسى، ويكفينا ما عندنا من دينا عيسى وشريعته.!!
لأنهم بذلك يكونون قد كفروا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وكذّبوه.
ومن كفر بنبيّ من أنبياء الله ورسله فقد كفر بالله تعالى الذي أرسله.
ليس لك أيها الإنسان المخلوق الضعيف العاجر أن تردّ رسالة الله وترفضها، وأن تقول لا أقبل هذا الرسول أو هذه الرسالة.!
فأنت بين أمرين :
إما أن تؤمن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وتصدق أنه رسول الله، فتتبعه وتأخذ كل ما جاء به، وهو يقول لك : إن هذه الرسالة من الله هي الرسالة الخاتمة، فكل ما خالفها فهو ملغيّ، ولا يقبل الله من الناس إلا التعبّد على وفقها فقط.
وإما أن تكفر به وتكذبه ، وتقول هو كاذبٌ، لم يرسله الله ولا أمره بشيء..!
في الحالة الثانية، أنت بين حالين :(/4)
إما أنك لا تريد الهدى ولا تبحث عنه ولا يهمّك، وإنما كل انشغالك وكل اهتمامك وطموحك هو في شهوتك ولعبك وما تعيشه من همموك الدنيوية والمادية الراهنة فقط، ومثلك لا يستيقظ من غفلته وسكرته إلا بالموت، وعندها لن ينفعك الاستيقاظ لأن وقت الامتحان يكون قد انتهى..!
ومثل هذا النوع من الناس، يستحقون الغضب والعذاب من الله العزيز القهار.
وهم أهل النار ..
وإما أن تقول بحثتُ ونظرتُ فلم أجد دليلا على أنه رسول الله.
فنقول لك : وهل وجدتَ دليلا على أن نبوّة عيسى أو على أنه كما يدّعي قومك : ابن الله؟ تعالى الله عن ذلك.!
إن أي دليل يمكن أن تثبتَ به نبوّة أي نبيّ من الأنبياء الذين تؤمن بهم، فمحمدٌ صلى الله عليه وسلم أولى به وأحرى.
سل نفسك مثلا : هل تثبت نبوة نوحٍ أو إبراهيم أو موسى أو داود أو سليمان أو عيسى؟ وكيف أثبتّها؟ فإن أثبتّها، فنقول لك : نفس هذا الدليل يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى.
ثم نقول لك : انظر في الأدلة والبراهين على أنه رسول الله حقا، وابحث وادرس إذا كان الأمر يهمك، وإذا كنت ممن تبحث عن فلاحك ونجاحك في الحياة الحقيقية : انظر في معجزته الخالدة وهي القرآن واقرأه وافهم ما فيه من الهداية والنور، وأجب بعدها على السؤال هل هذا كلام بشر؟ هل يمكن أن يضع هذا إنسان؟ وانظر إلى هذه الشريعة التي جاء بها، انظر إليه بأي شيء يأمر وعن أي شيء ينهى، انظر إلى الحكمة والخير والعدل والصلاح في دينه وشريعته، انظر إلى توافقها مع العقل السليم والمنطق ومع ما تعرفه النفوس السوية غير المنحرفة ومع ما جاء به الأنبياء قبله، انظر إلى تاريخه وتاريخ أمته وما فيهم من الخير والصلاح والطهارة والعلم والحكمة والبرّ والفضيلة....!
لبُّ القضية :
إن الإسلام يقول للناس : إن هذه الحياة التي نحياها (يسميها الحياة الدنيا، والدار الأولى) هي دار فناء وزوال وليست دار بقاء، بمعنى إننا لم نخلق لنبقى فيها، بل خُلقنا لنمر فيها مرورا ونعبُرها عبوراً، وأما الدار التي هي دار البقاء الأبدي غير المنتهي فهي الدار الآخرة، وهي التي تكون بعد الموت والبعث، فالناس فيها إما في نعيم مقيم وإما في عذاب أليم دائم..
إنها حقيقة الاختبار والامتحان والتكليف..
نحن خلقنا الله وأوجدنا في هذه الدنيا وأوجدها لنا ليمتحننا : مَن الذي يعبده وحده لا شريك له، ويطيعه ويتبع رسله وكتبه، ومن الذي لا يهتم لذلك ولا كأنه يعنيه.!
هذه هي الحقيقة الكبرى.
فأنت إذا فهمت ذلك سترتاح وستعرف حقيقة الأمر..
لن تتعب كثيرا في الوصول إلى حقيقة الدين الحق الذي يحبه الله ويرضاه.
ولن تغرّك هذه الدار، ولن تخدعك هذه الدنيا وما فيها من متع.
ستعرف مثلا الآتي :
عند الله تعالى، وعند العقلاء المؤمنين من خلقه أجمعين أن إنساناً مسلماً فقيرا يعيش في صحاري أفريقيا، متخلف بكل معايير التخلف في عالمنا اليوم، يموت هناك جراء المجاعة والعوز والمرض، يموت وهو على دين الحق، هو خيرٌ من مليونير كافر بمحمدٍ لا يؤمن بدين الإسلام يعيش في اسكندنافيا أو في لوس أنجلوس يملك من الدنيا كل لذة يعرفها البشر، ثم يموت على غير دين الحق..!
ومع ذلك فالإسلام لا يقول لك كن متخلفا ولا فقيرا ولا متْ من المجاعة والمرض، بل يقول لك كن قويّا كاملاً سليما... ولا يطلب منك أن تتنحّى عن مالك أو مُكِك..!
إن العبرة بالباقي المستمر، وأما الزائل فهو في الحقيقة كالقيمة المهمة في الحساب.
إن المقياس هو ما يرضي الله تعالى، لا ما نقترحه نحن بعقولنا..
إن عقولنا هي نعمة من الله أعطانا إياها لنصل بها إلى الصلاح والخير ونعرف بها ما يريد الله عز وجل منا، فإذا نحن استعملناها لنعارض ما أمرنا الله به صريحا، فقد استعملناها استعمالا غير مشروع، ويؤدي إلى نتيجة غير صحيحة.
ما الذي يمنعك من الدخول في دين الإسلام ؟
أحدهم يقول : أنا على دينٍ ، وهو دين آبائي وأجدادي وهو ديننا نحن منذ قرون...!
فيقول لك الإسلام : ما رأيك لو جئناك بشيء أهدى وأحسن وأفضل وأصلح من الدين الذي أنت عليه والذي وجدت عليه آباءك وقومك منذ عصور؟
هل أنت تبحث عن الحق، وعن الأفضل والأحسن، وعن الذي تفوز به وتربح وتنجح، أو أنت تراها قضية هذا لنا، وهذه هويّتنا، فقط لا غير؟!
يمكن أن يكون آباؤك وقومك كانوا مخطئين..!
نعم ، هذا ممكن وإلا لماذا تقول أنت عن المسلمين إنهم كلهم مخطئون؟
ولماذا بعث الله الرسل وأهلك أقواما كثيرين في التاريخ؟
دعك من شيء اسمه "دين آبائي وأجدادي وقومي وشعبي" .. تحرّر من هذا كله، وانطلق وابحث وستجد.!
وآخر يقول : الإسلام دين تخلف..!(/5)
وهذا بنى كلامه على ما يراه من حال المسلمين، وهذا البناء خطأ، فإن المسلمين كانوا حاملي مشعل الحضارة والمدنية والتقدم العمراني والتكنولوجي عندما كانوا متمسّكين بدينهم، لأن دين الإسلام يحثّهم على العلم والتعليم والتعلم وكل حكمة ونشاط وبحث مفيد، والأخذ بكل الأسباب الممكنة للقوة والرفعة والكرامة، ويحذرهم من الكسل والجهل والتضييع.
كيف يمكن لمنصفٍ باحثٍ عن الحقيقة أن يقول إن الإسلام دين تخلّفٍ، إذا عرفَ أن أوروبا التي كانت ترزح تحت أثقال الجهل والقهر والظلم المطبق وجبروت الملوك والإقطاعيين والقساوسة في عصورها المظلمة، إنما تنوّرت بما وصل إليها من أشعة دين الإسلام وحضارة الإسلام عبر نقاط التماس الجغرافية والثقافية في أسبانيا والمغرب وصقلية والأنضول والشام وغيرها؟!
هل عرفت أوروبا التشريع والقانون وطرائق البحث والرصد والتحليل إلا مما وصل إليها من العرب المسلمين عبر تلك النقاط؟
الباحثون لا يزالون إلى اليوم يقولون إن القوانين والتشريعات الفرنسية والإسبانية والسويسرية فيها بصمات الفقه المالكيّ الإسلامي الذي كان هو المدرسة الإسلامية السائدة في الأندلس والمغرب العربي أيام نهضة المسلمين.!!
عندما كان المسلمون يقيمون حضارة عملاقة في التاريخ على أرض الأندلس (أسبانيا) هل كانوا متخلّفين؟
هذا هو القريب منك في أوروبا..
وأما غيرها فكثير.
نعم .. الإسلام لا يقول للناس اجعلوا همكم شهوتكم وملذاتكم، واجتهدوا في اللعب مدى حياتكم وفي استغلال كل وقتكم في المتعة قدر ما تستطيعون..!
الإسلام لا يقول ذلك..
ولكن يقول : خذوا من شهوتكم ومن المتعة ما أباح الله لكم وهو خير كثير وفيه كفاية، واجعلوا منها مُعينا لكم على الوصول إلى هدفكم ، واجعلوا الوصول إلى ذلك الهدف أكبر همكم والأولوية عندكم، وهو أن تعبدوا الله وتطيعوه وتستعدوا للقدوم إليه يوم البعث وأنتم مطيعون له، فيكون عنكم راضيا.
فيا من تريد الخير لنفسك دعك من تخلف المسلمين، واهتمّ بنفسك، أين أنت من الحق والحقيقة ؟
لماذا أنتَ موجود؟
ومن الذي خلقك؟ ولماذا؟
وإلى أين ستذهب بعد الموت؟
أنت في النهاية تستطيع أن تكون مسلما وتكون متقدما إن شئتَ..
فكن أنت المسلم المتقدّم مادمتَ لا تحب التخلف الذي عليه المسلمون..!
وأخرى تقول : الإسلام عدوّ المرأة وحقوقها وحريتها..!
أولا - يقول لها الإسلام : إما أن تؤمني بالله تعالى وكتبه ورسله.
وهذا معناه الخضوع لكل ما جاء به رسول الله.
وإما أن تقولي لا أريد ما جاء به رسل الله وتريحينا..!
إذا كانت المسألة هي معرفة ما أمر الله به وما أجازه لنا وحدود شرائعه، فنتلزم بها، فهذا سهل.
وأما إن كنتِ لا تريدين إلا شهوتك ومتعتك وما تعوّدتِ عليه من أوضاعٍ، وما اكتسبتيه من ميزات كلها من قبيل الشهوة والمتعة، وتريدين أن تفرضي ذلك على دين الله، فلن تستفيدي شيئا، وستتعبين نفسك..!
ستغوين الكثيرات من بني جنسك فيتبعْنَكِ ..!
هذا ممكن ..
لكن بعد ذلك : أنت إلى أين تذهبين ؟
أين فلانة وفلانة وفلانة؟
اسألي نفسك وتدبّري..
وهل ما تسعين إليه مما تسمينه حرية المرأة وحقوقها هل هو صلاح للمرأة وللجنس البشريّ؟ هل هو الصلاح والحكمة والخير؟
أم أن الصلاح والخير شيء آخر..؟
وثانيا – هذا فهم خاطئ للإسلام، فالإسلام ليس عدواً للمرأة كما إنه ليس عدواً للرجل، بل جاء لصلاحهما وسعادتهما في الدنيا والآخرة، وأعطى كلاً منها ما هو خير له وصلاح من الحقوق وكلف كلاً منهما بما يستطيعه ويناسبه وينصلح به هو ومجتمعه من الواجبات.
فعن أي عداوة تتكلمين..؟
هذا ظلم وجهل..!
أليس الإسلام هو الذي كرّم المرأة وصانها وحفظها وحررها كما حرر الرجل من ظلمات الشرك والجهل والخرافة والهوى وتحكم المخلوقين وقهرهم؟
أليس الإسلام هو الذي جعلها شقيقة الرجال، وأعلى مقامها ونوّه بذكرها..
انظري نماذج النساء في الإسلام لتعلمي عن أي إسلام وعن اي امرأة تتكلمين.
وثالثا – هل أنت بحثتِ عن الدين الحق ونظرتِ وتفكرتِ وتأملتِ، فوجدتِ الإسلام هو دين الحق، وإنما أشكل عليك موضوع المرأة فقط؟
هل هي هذا المسألة الوحيدة التي لم تعجبكِ..؟
أو أنه الدين كله..؟
اطرحي على نفسك هذا السؤال فإنه مفيد.
فإن كانت هذه هي المسألة الوحيدة، فالعقل والحكمة يقولان لك : لا تردّي هذا الدين وتكفري به بسبب مسألة واحدة أشكلت عليك ولم تعجبك، ولعل لها جواباً أنت لم تصلي إليه بعد، ولعلك فهمتِها بشكل خاطئ، ولعلك لم تقتنعي بها بأسباب أخرى ذاتية مؤثرة فيك مثل ما تعوّدتِ عليه وما تطبّعت عليه من الموروثات والمواضعات وما شابه ذلك، ولعله استصعاب مخالفة ما عليه الناس مهما كان، ولعله ولعله... فمن العدل أن تتمسكي بهذا الدين مادمتِ قد اهتديتِ إليه وعرفتِ أنه دين الله الحق، وانتظري لعل هذا الإشكال في تلك المسألة ينحل مع الزمن.
واضرعي إلى الله أن يفتح عليك ويهديكِ.
نداء إلى الغافلين ..
يا هؤلاء : من أراد منكم أن يسمع فليسمع :(/6)
إنكم في عماية وغِشاوة بسبب ما أنتم فيه من الترف وبسبب عيشكم في دول قوية وأنظمة اجتماعية وسياسية واقتصادية متماسكة... وبسبب رؤيتكم لضعف المسلمين وتخلفهم الحياتي، وبسبب نظرتكم القاصرة للوجود، واقتصاركم فقط على هذه الحياة الدنيا.
ولكن هذا ليس كل شيء!!
اخرجوا من هذا القفص، وأفيقوا من هذه السكرة وستجدون الحقيقة.
واسألوا أنفسكم : لو كان للإسلام دولة قوية متفوقة غنيّة مترفّهة مسيطرة على العالم، هل ستدخلون الإسلام؟
نعم، كثيرون منكم كذلك سيفعلون..!
فلا تجعلوا ذلك ميزانكم ومقياسكم ، بل عليكم بالحق، فإنه هو الباقي، وصاحبه هو الفائز السعيد في النهاية.
نسأل الله لكم الهداية.
كتبه الشيخ
عطية الله
27/ 1/2006
... ...(/7)
محمد رسول الله في التوراة والإنجيل
د.محمد عبد الخالق شريبة
خاتم الرسالات
الإسلام هو خاتم الرسالات ؛ فهو الجامع لما قبله، الناسخ لما سبقه ، الذي لا دين بعده..
فيه من الأخلاق ما يضمن صلاح العباد، ومن التشريعات ما يضمن صلاح الدنيا والآخرة ..
(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) . [آل عمران: 18،19].
والدين الذي يملك صفات الكمال - لا تنقصه شهادة تأتيه من خارجه، لكي تثبت صحة رسالته، وسلامة عقيدته ، وصدق حامله للعالمين الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - ، فمحمد الذي أخرج الناس من الكفر والضلال إلى الإيمان بالله وحده ، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد - لا يعوزه شهادة تأتيه من خارج دينه ، لكي تثبت أنه خاتم الأنبياء ، أو أن رسالته هي آخر الرسالات.
محمد الذي علم رجلا بدويا يئد البنات كعمر بن الخطاب – رضي الله عنه –؛ فصار بعد الإسلام قائدا للبشرية، وحاكما للعالم، ومن أعظم قادة التاريخ – لا يحتاج لمن يشهد له؛ كيف والله تعالى يقول:
(لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا). النساء:166
ويقول أيضا: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين). النحل:89
فمحمد الذي فتح الله به عيونا عمياً، وأسمع به أذانا صماً، وشرح به قلوباً غلفاً، - لا يحتاج لمن يشهد له من خارج رسالته، أو من خارج الكتاب الذي أنزل معه.
ونحن إذ نتحدث عن بعض البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل تبشر بالنبي الكريم، فإنما يدفعنا إلى ذلك أمران:
أما الأمر الأول:فإنه ينبع من حبنا الجم، وشوقنا الكبير لصاحب الرسالة العظمى – صلى الله عليه وسلم -.
كيف لا وهو أستاذنا ومعلمنا وزعيمنا وقائدنا ؟!
وهل أعطانا بشر مثلما أعطانا محمد – صلى الله عليه وسلم – ؟!
وهل لمخلوق على مخلوق من فضل مثل فضل محمد – صلى الله عليه وسلم – علينا ؟!
فما لنا إذن لا نتلمس خطاه، ونقتفى أثره، وننقب عنه في كتب الأولين وفى كتب الآخرين؛ فتسعد بذكره قلوبنا، وتنشرح به صدورنا، وتقر به عيوننا.
وأما الأمر الثاني:فهو ما نصبو إليه من هداية الضالين، وتثبيت المتشككين، وإرشاد التائهين، من داخل هذا الدين ومن خارجه.
وأسأل الله العلي العظيم أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وما كان فيه من صواب فهو من الله وحده، وما كان فيه من خطأ فهو من نفسي.
(ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)…
مازال الكتاب المقدس يتلألأ بنور محمد
أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين
يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون بالبيت ويعجبون له ويقولون:هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال:فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ).
والحديث السابق يجعل النبي في ختامه للرسالات ومكانته بين الأنبياء مثل حجر الزاوية أو اللبنة الأساسية التي لا يكتمل البناء ولا يتم حسنه وجماله إلا بها..
ولكن ما الذي يقوله الكتاب المقدس عن هذه اللبنة أو حجر الزاوية ؟
ورد في إنجيل متى الإصحاح 21 الفقرة 42،43 (قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ).
وهذه الكلمات قالها المسيح عليه السلام لجماعة من اليهود بعدما وبخهم على قتل الأنبياء، وإنكار الرسالات..
والنص يوضح إخبار المسيح عليه السلام لليهود باستبدال الله لهم بأمة أخرى تحل محلهم في القيام بأمر الدين وأداء رسالته( لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منتكم ويعطى لأمه تعمل أثماره).. ويخبرهم المسيح عليه السلام أيضا عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية ( الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية )..
ويواصل المسيح عليه السلام كلامه عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية فيقول: (ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه)، واستخدام لفظي (يترضض) و(يسحقه) يؤكد أن الكلام يشير إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي أيده الله بالقوة المادية وخاض العديد من الحروب حتى أظهر الله به الدين وسحق به كل أعدائه..
ولا يمكن حمل هذا الكلام على المسيح وأمته؛ لأن المسيح نفسه من أمة بني إسرائيل، كما أن المسيح- عليه السلام- يقول: (وهو عجيب في أعيننا)، مما يدل على أنه يتكلم عن شخص آخر غيره.(/1)
فمن هو المقصود إذن بحجر الزاوية غير محمد-صلى الله عليه وسلم-، الذي قال عن نفسه: (أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)؟!
وما هي الأمة الأخرى التي أعطاها الله ملكوته بعد أن نزعه من بني إسرائيل سوى أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ؟!!
للذي ببكة مباركا
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران:96
الآية تتحدث عن بيت الله، وتتحدث عن بكة كمكان لبيت الله، الذي أمر الله الناس أن تحج إليه.
ولكن هل ورد في الكتاب المقدس نص يتحدث عن بيت لله ببكة، يحج الناس إليه؟
دعونا نقرأ ما ورد في المزمور84:
84: 4 طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه (سلاه كلمة تتكرر كثيرا في الكتاب المقدس ويقول قاموس الكتاب المقدس أنها تعني صمت أو فترة توقف أو فاصل..)
5:84 طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم.
84: 6 عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً أيضا ببركات يغطون مورة.
84: 7 يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون
ولكن ما علاقة وادي البكاء الذي ورد في النص ببكة؟!
وإذا كان الله يقول يرون قدام الله في صهيون، فما علاقة صهيون بالبيت الحرام الموجود في بكة ؟!
أما وادي البكاء وعلاقته ببكة: فيسأل عنها القساوسة العرب، لأن وادي البكاء في النسخة الإنجليزية لنفس النص مكتوبة (وادي بكة) وليس وادي البكاء كما هو في النص العربي، ونلاحظ أنها تبدأ بحرف (بي كابتال)، مما يدل على أنه اسم لعلم لا يمكن ترجمته.
وأما كلمة صهيون: فمعناها الأصلي المكان المقدس أو المجتمع الديني الخالص، كما ورد في القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس..
والنص كما ورد في النسخة الإنجليزية هو هكذا:
(Blessed are they that dwell in thy house. they will be still praising thee, blessed is the man whose strength is in thee, in whose heart are ways of them who passing through the valley of Bacamake it awell, The rain also filleth the pools, they go from strength to strength, every one of them in Zion appeareth before God)
وبذلك فإن الترجمة الصحيحة للنص الإنجليزي هي كما يأتي:
(طوبى للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك، طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادبكة يصيرونه ينبوعا المطر أيضا يغطيه بالبركات يذهبون من قوة إلي قوة يرون قدام الله في الأرض المقدسة ).
وبالمناسبة فإن قاموس الكتاب المقدس لم يستطع تحديد أين توجد بكة!! ، وكل ما قاله عن موقعها: (ربما)! يكون هذا مكان يمر به الحجاج !!
فهل هناك بكة غير التي يحج إليها المسلمون ؟!
ولو كان هناك بكة غيرها ، فهل ادعى أحد أن بها بيت الله الذي يحج إليه الناس ؟!
هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة.. فهل من مجيب ؟!
محمد الإسماعيلي !
محمد الإسماعيلي: هذه الكلمة قالها أحد الرهبان، وكان يتحدث عن الرسول – صلى الله عليه وسلم-ويقول إنه من ولد إسماعيل، وأنه ليس نبياً لأن النبوة اختص بها الله أبناء إسرائيل ( يعقوب عليه السلام).
ونحن نؤيده في أن محمد – صلى الله عليه وسلم- هو من ولد إسماعيل عليه السلام، ولكننا سنثبت بنصوص من الكتاب المقدس أن النبوة سوف تبعث في أبناء إسماعيل:
ورد في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 17، 18:
(فسمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به لأني سأجعله أمة عظيمة).
وورد في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 13حيث يخاطب الله عز وجل سيدنا إبراهيم قائلا:(وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك).
وابن الجارية هو إسماعيل ابن السيدة هاجر، وقد جعله الله أمة كبيرة عظيمة هي أمة الإسلام التي يزيد عددها الآن عن مليار مسلم.
ويواصل الكتاب المقدس حديثه عن إسماعيل عليه السلام فيقول في سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 19، 20، 21:
(وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام، وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية و كان ينمو رامى قوس، وسكن في برية فاران).
وفاران:كلمة عبرانية معربة، وهي من أسماء مكة المكرمة(1)
والنص السابق كما ترون يتحدث عن بئر زمزم الذي سقت منه هاجر الغلام، ويتحدث أيضا عن برية فاران التي سكنها إسماعيل عليه السلام.
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ). إبراهيم:37
ويتحدث النص أيضا عن أن إسماعيل كان ينمو رامي قوس، وهذا يتطابق مع الحديث الذي رواه البخاري (مر النبي علي نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ).(/2)
ولكن كيف يثبت الكتاب المقدس أن النبوة ستكون في أبناء إسماعيل عليه السلام ؟
ورد في سفر التثنية الإصحاح 18 الفقرة 17، 18،19 على لسان موسى عليه السلام:
(قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبيا من وسط أخوتهم مثلك و أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه).
والنص يصف كما ترون تبشير الله لموسى بنبي سوف يبعثه من وسط أخوة بني إسرائيل، وأن هذا النبي سيكون مثل موسى عليه السلام، ويخبر النص أيضاً أن الذي لا يتبع هذا النبي ولا يسمع لكلامه - فإن الله سوف يعاقبه..
ولكن ماذا قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى عن ذلك النبي ؟
قالت اليهود أن النبي المقصود هو يوشع بن نون فتى موسى، بينما حمل النصارى البشارة على المسيح عيسى عليه السلام.
واليهود ينكرون أن البشارة تدل على محمد – صلى الله عليه وسلم- أو عن المسيح عليه السلام.
والنصارى ينكرون أن تكون البشارة عن النبي –صلي الله عليه وسلم-.
والحق إن ما ذهب إليه كلا الفريقين باطل، والدليل من الكتاب المقدس نفسه.
إن البشارة تشترط شرطين:الأول أن ذلك النبي من وسط إخوة بني إسرائيل، والثاني أنه مثل موسى عليه السلام.
والشرطان السابقان لا ينطبقان إلا على رسول الإسلام- صلى الله عليه وسلم-؛ فهو من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأبناء إسرائيل (يعقوب) هم أبناء إسحاق بن إبراهيم.. ، لذلك فالنبي-صلى الله عليه وسلم- من وسط أخوة بني إسرائيل..
وكذلك فإن موسى عليه السلام ومحمد- صلى الله عليه وسلم-، كليهما كان صاحب شريعة جديدة، ورسالة مستقلة، وبذلك فإن شرط المثلية وقرب المكانة بين ذاك النبي وموسى عليه السلام متحقق في النبي-صلى الله عليه وسلم-، ولأن كليهما كان صاحب رسالة جديدة وشريعة مستقلة؛ فقد ورد في سورة الأحقاف: ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم )..
ويؤكد قرب المكانة أيضا بين النبي-صلى الله عليه وسلم- وبين موسى عليه السلام الحديث الذي رواه البخاري عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-:( لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله )..
وأما انتفاء الشرطين عن يوشع بن نون وعن المسيح عليهما السلام- فلأنهما كانا من بني إسرائيل وليسا من وسط إخوة بني إسرائيل، ولو كان المراد واحدا منهما لقال الله(أقيم لهم نبيا منهم).. ، بل لم يكن هناك داع لتحديد من أين يخرج ذلك النبي لأن خروجه من بني إسرائيل هو أمر مألوف لا يحتاج لتوضيح أو تحديد..
وينتفي الشرط الثاني أيضا لأن لا يوشع ولا عيسى كانوا مثل موسى:
فيوشع كان فتى موسى، ولم يحمل شريعة جديدة، ولم يوح إليه بكتاب، وعيسى أيضا لم يحمل شريعة جديدة، وإنما كان على نهج شريعة موسى؛ وإذا كان النصارى يؤمنون بأن المسيح هو ابن الله، وأنه شريك معه في الألوهية، فكيف يقولون بعد ذلك أن عيسى مثل موسى ؟!!
والكتاب المقدس نفسه ينفي أن بني إسرائيل قد قام فيها نبي مثل موسى بعده؛ فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح 34 الفقرات من 5 إلى 11: ((فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مواب حسب قول الرب. و دفنه في الجواء في ارض موات مقابل بيت فغور و لم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم. وكان موسى ابن مائة و عشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته. فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات مواب ثلاثين يوما فكملت أيام بكاء مناحة موسى. ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كماأوصى الرب موسى. ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه. في جميع الآيات و العجائب التي أرسله الرب ليعملها في ارض مصر بفرعون و بجميع عبيده وكل أرضه)).
فإذا كان الكتاب المقدس يخبر كما ترون أن بني إسرائيل بعد موسى لم يخرج منهم نبي مثله، فكيف يدعى بعد ذلك أهل الكتاب أن النبي الذي وصفه الله بأنه مثل موسى قد خرج من بني إسرائيل؟!!
كما أن عقيدة النصارى في أن المسيح قد أتى ليخلص العالم ويحمل خطايا البشرية – لا يمكن أن تتوافق مع تلخيص النص لعلاقة هذا النبي بالناس؛ وهي معاقبة من لا يتبعه ويسمع لكلامه (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه)..
ويبدو أن أنا،د كانوا في انتظار ذلك النبي كما كانوا ينتظرون المسيح عليه السلام؛ فقد ورد في إنجيل يوحنا 1: 19 – 25 (وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت فاعترف ولم ينكر وقال أني لست المسيح فسألوه إذن ماذا ؟ إيليا أنت ؟ فقال لست أنا، النبي أنت ؟ فأجاب لا …فسألوه وقالوا فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي ؟! )(/3)
وإيليا ( إلياس في القرآن ) هو نبي ورد ذكره في الكتاب المقدس..والكتاب المقدس يخبر أن الله قد رفعه إلى السماء، ويبدو أن اليهود كانوا ينتظرون عودته مرة أخرى.. فمن يكون إذن ذلك النبي الذي ورد في النص، وكانت تنتظره اليهود، إذا لم يكن إيليا ولا يوحنا ولا المسيح ؟!!
من يكون ذلك النبي الذي أتى بعد يوحنا والمسيح غير رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ؟!!
ويبدو أن بعض أهل الكتاب قد وجد صعوبة في إثبات المثلية بين موسى والمسيح عليهما السلام (على الأقل حسب عقيدتهم)؛ فوجهوا جهودهم نحو إثبات عدم المثلية بين موسى عليه السلام ومحمد-صلى الله عليه وسلم- ، فماذا قالوا ؟
قالوا أن موسى مات وعمره 120 سنة ومحمد مات وعمره 63 !!، وقالوا أن موسى تربى في قصر فرعون، أما محمد فلم يدخله!!، وقالوا أن موسى قد عبر البحر هو وبني إسرائيل، أما محمد فلم يعبره!! …
ومن البديهي أننا لو استخدمنا تلك المقاييس لإثبات التشابه بين أي شخصين لما استطعنا ذلك، حتى لو كان هذين الشخصين زوج من التوائم المتماثلة!!
غير أن صحيح النظر سليم العقل - لو نظر في النص؛ سوف يدرك أن المقصود بكلمة (مثلك) هو المثلية في المنزلة والقرب في المكانة، -وإلا فلم يكن هناك داع لقول مثلك لأن كل الأنبياء لابد أن يكونوا متشابهين في أشياء ومختلفين في أشياء أخرى-، وكذلك نفي المثلية في قوله ( ولم يقم بعد نبي في بني إسرائيل مثل موسى) المقصود منه هو نفي المثلية في المنزلة والمكانة أيضا..وأحسب أن هذا أمر واضح جلي لكل بصير ذي فطنة، صحيح ذي لب، حريص على نفسه من سخط الله في الدنيا، ومن سوء العاقبة والعذاب الأليم في الآخرة!!!
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها!! ) محمد: 2
فلنولينك قبلة ترضاها
يقول تعالى في كتابه العزيز(قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ). [البقرة :144].
كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقلب وجهه في السماء، ويستحي أن يسأل ربه أن يغير القبلة التي يسجد هو والمسلمون إليها وهي المسجد الأقصى لكي تصبح إلى المسجد الحرام، فأنعم الله عليه وعلى أمته بأن جعل لهم قبلة مستقلة عن باقي الأمم؛ فقبلة اليهود والنصارى هي المسجد الأقصى، وكان المسلمون في البداية يتبعونهم في ذلك، إلى أن أمر الله رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم-بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام..
ولكن هل أخبر الكتاب المقدس بأن القبلة سوف تتغير من القدس(أورشليم ) إلي مكان آخر ؟
ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح 4 الفقرة 19، 20، 21:
4: 19 قالت له المرأة يا سيد أرى انك نبي.
4: 20 آباؤنا سجدوا في هذا الجبل و انتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه.
4: 21 قال لها يسوع يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل و لا في أورشليم تسجدون للأب
وكلمة الأب التي وردت في النص تعني الله، ولقد ورد ذكرها كثيرا في الكتاب المقدس بمعنى الله، وكذلك لفظ أبناء الله ورد بمعنى الصالحين والمؤمنين..
ومن أمثلة ذلك ما جاء في الكتاب المقدس: (أذهب إلى أبي وأبيكم).
(ولا تسبوا أباكم الذي على الأرض فإن أباكم الذي في السماء وحده).
( وقال الرب لموسى عندما تذهب لترجع إلى مصر … فتقول لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر )
(أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه).
( طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون )…
والتين والزيتون وطور سينين
يقسم الله تعالى في بداية سورة التين قائلا: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ).
وهذا القسم له دلالته؛ فالتين والزيتون تشير إلى أرض فلسطين أو بيت المقدس، وهو المكان الذي تلقى فيه المسيح عليه السلام الرسالة من ربه، وطور سينين هو جبل الطور بسيناء الذي كلم الله موسى عليه، والبلد الأمين هي مكة المكرمة مهبط الوحي على رسول الله صلي الله عليه وسلم.
فهذه الآيات الكريمة تشير إلى أماكن الرسالات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ولكن هل هناك ما يشير إلى تلك الأماكن الثلاثة في الكتاب المقدس ؟
لقد ورد في سفر التثنية الإصحاح 33 الفقرة 2 على لسان موسى عليه السلام وهو يخاطب قومه قبل موته:
33: 2 فقال جاء الرب من سيناء و أشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران و أتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم..فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك .
وجاء الرب من سيناء، المقصود بها رسالة موسى عليه السلام، وأشرق من ساعير، تشير إلى رسالة عيسى عليه السلام وساعير هي منطقة جبلية بأرض فلسطين، وهي الأرض التي عاش فيها المسيح عليه السلام.(/4)
وتلألأ من جبال فاران المقصود بها إنزال الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم-، وفاران هي مكة المكرمة، وهى نفس الأرض التي عاش عليها إسماعيل عليه السلام:
(وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران) سفر التكوين الإصحاح 21 الفقرة 21.
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) إبراهيم: 37
ويدعى بعض أهل الكتاب أن فاران ليس لها علاقة بمكة، وأن فاران لا تطلق إلا على مكان قريب من سيناء مر به موسى وبنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر ، وبذلك فهم يحملون البشارة كلها على موسى وبني إسرائيل مدعين أن النص يوضح تذكرة موسى لقومه بالأماكن التي مروا بها بعد خروجهم من مصر، وأنه لا يشير أبدا إلى رسالات سماوية .. ولو كان كلامهم هذا صحيحا فلماذا يقول موسى: جاء الله، وأشرق الله، وتلألأ الله، وهل فاران هذه القريبة من سيناء من الأهمية بحيث يخبر موسى أن الله قد تلألأ منها؟! ، وتلألأ كما تعلمون أقوى من جاء وأشرق..
وإذا كانت فاران ليست إلا برية قريبة من سيناء كما يقولون، ومر بها بنو إسرائيل قبل مرورهم بساعير القريبة من فلسطين.. فكيف جاء الله إذن من سيناء ثم أشرق من ساعير قبل أن يتلألأ من جبال فاران؟!!! .. هل يعقل أن موسى وبنو إسرائيل قد مروا بساعير في فلسطين قبل أن يمروا بمكان قرب سيناء أثناء خروجهم من مصر إلى فلسطين؟!!(2)
وهذا الترتيب لا يمكن تحريفه أو تأويله؛ لأن تلألأ إنما تأتي بعد جاء وأشرق، وهذا ما سوف يؤكده أيضا النص الإنجليزي الذي يقول: (وتلألأ فصاعدا)..
ولماذا يذكر موسى قومه قبل موته بأمور يعلمونها وبأماكن قد مروا بها ؟! ، ولماذا يخاطبهم بصيغة الغائب قائلا (وأشرق لهم ) ولم يقل وأشرق لنا أو وأشرق لكم؟!!
والكتاب المقدس يشرح لنا في سفر الخروج ما حدث لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر، ويحكي لنا أن الله قد تجلى لبني إسرائيل من برية سين ثم تجلى لهم من جبل سيناء وأوصاهم بالوصايا الشهيرة، وكل ما يحكيه الكتاب المقدس بعد ذلك عن تجلي الله لبني إسرائيل هو تذكرة موسى لقومه بتجلي الله لهم من سيناء والوصايا التي فرضها عليهم؛ فمن أين جاء أهل الكتاب إذن أن الله قد تجلى لبني إسرائيل في برية فاران شمال سيناء والكتاب المقدس نفسه بعهديه القديم والجديد لا يخبر بذلك ؟!!
ولنفرض أن ما يقولونه من أن فاران هو مكان بالقرب من سيناء صواب، فإن هذا لا يمنع أن يكون اسم فاران يطلق أيضا على مكة، لأن إسماعيل عليه السلام إنما سكن في مكة ولم يسكن في سيناء.(3)
ولو ادعى أهل الكتاب أن إسماعيل لم يسكن في مكة للزمهم أيضا إنكار أن إبراهيم وإسماعيل قد رفعا قواعد البيت الحرام بمكة، وللزمهم أيضا إنكار قدسية البيت الحرام بمكة ونسبته إلى الله، فهل يجرءون على ذلك؟!!(4)
(وأتي من ربوات القدس عن يمينه نار شريعة لهم):المقصود بربوات القدس هو أعداد كثيرة من القديسين ، ولقد استخدمت كلمة ربوات في الكتاب المقدس لتدل على العدد الكثير، ويؤكد هذا القول نفس النص ولكن في النسخة الإنجليزية (جاء الله من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلألأ فصاعدا من جبل فاران وأتى مع عشرات الآلاف من القديسين من يده اليمنى فرض لهم قانونا ناريا، فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك ).
وعشرات الآلاف من القديسين هم عدد الصحابة الذين أيد الله بهم رسوله - صلى الله عليه وسلم- والذين بلغ عددهم في فتح مكة عشرة آلاف، وفي غزوة تبوك بلغوا ثلاثين ألف مقاتل ، ووصل عددهم قبل وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى نحو مائة وأربعون ألفا من رجال الإسلام..
ويضيف النص الإنجليزي أيضا كلمة (فصاعدا)، وكلمة فصاعدا توضح الترتيب الزمني وتؤكد أيضا الاستمرار؛ فهو قد تلألأ فصاعدا، وهذا ما ينطبق على رسالة النبي-صلى الله عليه وسلم-، فهي كانت خاتم الرسالات، وهي التي ستستمر فصاعدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
كما أن إيضاح النص أن فاران هي أرض الطاعة والإخلاص لله وأنها صاحبة النهاية السعيدة وذلك بقوله (فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك) – ينفي أن يكون المقصود بفاران في هذا النص هو برية شمال سيناء؛ وذلك لأن الكتاب المقدس والقرآن الكريم أيضا يقرران أن الله قد سخط على بني إسرائيل في هذه الرحلة وحكم عليهم بالتيه في الأرض أربعين سنة.. (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) المائدة: 26
ولكن هل وردت نصوص أخرى في الكتاب المقدس تخبر أن نبيا سيأتي من فاران؟
لقد جاء في سفر حبوق( أحد أنبياء بنى إسرائيل) الإصحاح3:
3: 2 يا رب قد سمعت خبرك فجزعت يا رب عملك فى وسط السنين احييه.. في وسط السنين عرف.. في الغضب أذكر الرحمة.
3:3 الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه.
3: 4 وكان لمعان كالنور له من يده شعاع وهناك استتار قدرته.(/5)
3: 5 قدامه ذهب الوبا وعند رجليه خرجت الحمى.
3: 6 وقف وقاس الأرض نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية وخسفت آكام القدم مسالك الأزل له.
3: 7 رأيت خيام كوشان تحت بلية، رجفت شقق أرض مديان ( يقول قاموس الكتاب المقدس أن خيام كوشان هو إشارة لقبائل كوش العربية، ومن المعلوم أنها قبائل كانت تستوطن أثيوبيا وبلاد النوبة وامتدت لتشمل أجزاء واسعة من الجزيرة العربية، وأرض مديان كانت تقع في شمال الجزيرة العربية، والفقرة كلها إشارة صريحة لجنوب وشمال الجزيرة ).
3: 8 هل على الأنهار حمى يا رب، هل على الأنهار غضبك أو على البحر سخطك، حتى أنك ركبت خيلك، مركباتك مركبات الخلاص.
3 : 9 عريت قوسك تعرية ، سباعيات سهام كلمتك ، شققت الأرض أنهارا
3: 10 أبصرتك ففزعت الجبال، سيل المياه طما، أعطت اللجة صوتها، رفعت يديها إلى العلاء
3: 11 الشمس والقمر وقفا في بروجهما، لنور سهامك الطائرة، للمعان برق مجدك ( للمعان برق رماحك في النسخة الإنجليزية ).
3: 12 بغضب خطرت في الأرض، بسخط دست الأمم ( بسخط دست الوثنيين في النسخة الإنجليزية ) …
عندما يقرأ النص السابق أي شخص لن يتبادر إلى ذهنه سوى أن هذا النص يتحدث عن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – الذي أتى من فاران وهي مكة المكرمة.. وأن تيمان التي وردت في النص هي الاسم القديم لليمن، وهي إشارة واضحة إلى جنوب الجزيرة العربية.. وهذا ما قاله العلماء المسلمين الذين تعرضوا قبل ذلك لهذه البنوءة، ورجحوا أن اليمن هي نفسها تيمان، وذلك نظرا للتشابه اللفظي بينهما، ولأن معنى كل منهما هو الجنوب، وأيضا بسبب اقتران تيمان في النص بفاران الثابت تاريخيا أنها هي مكة المكرمة والتي تقع شمال اليمن..
وبرغم أن النص يشتمل على صفات الرسول صلى الله عليه وسلم والتي جمعت بين القوة الروحية التي يشير إليها النص بقوله (جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه)، وبين القوة المادية التي يشير إليها باقي النص مثل الحديث عن سحق أعداء الله والإشارة إلى السهام الطائرة والرماح المتألقة، والخيول، وسحق الوثنيين …، ومن المعلوم أن هذه الصفات لم تكن إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان رحمة للعالمين وسيفا على رقاب المشركين.. برغم كل هذه الصفات أنكر أهل الكتاب أن هذا النص يشير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم!! ..ومع ذلك لم يستطيعوا أن يخبرونا من هو النبي الذي يتحدث عنه النص السابق !! .. ومع انكارهم لأن هذا النص يشير للرسول صلى الله عليه وسلم، فبالطبع أنكروا أيضا أن تيمان هي اليمن، وأصروا على أن فاران ليست إلا برية بين سيناء وفلسطين وليس لها علاقة بمكة المكرمة.. وبذلك فهم يحاولون إقناعنا بأن التقارب اللفظي بين اليمن وتيمان ليس إلا(تشابه أسماء)!!!
ولنترك الآن ما يدعيه علماؤنا من المسلمين، وما يقوله علماء أهل الكتاب من النصارى، ونتعرف بطريقة حيادية تماما على تيمان المذكورة في النص السابق..
يقول قاموس الكتاب المقدس في تعليقه على تيمان : (هي مكان يقع جنوب إدوم)..
ولكن ما هي إدوم ؟
يقول معجم الطرق القديمة (إنشنت تراد روتس)تحت عنوان إمبراطوريات(إمبيرز):
(إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية إلى الشرق، ومن هذا الخط امتدت إدوم لتشمل كل الأراضى جنوب البحر الأحمر والأراضي على طول الساحل الشرقى للبحر الأحمر..والجزء الجنوبي من إدوم كان عبارة عن أرض صحراوية ممتدة واشتملت إدوم على جزء من طريق البخور يمتد جنوبا إلى شيبا والتي تمثل منطقة اليمن حاليا).
وتيمان التي يقول قاموس الكتاب المقدس أنها تقع جنوب إدوم معناها في جميع المعاجم الخاصة بأصول ومعاني الكلمات هو: الجنوب.
وإذا كانت تيمان تقع جنوب إدوم كما يقول قاموس الكتاب المقدس، واليمن تقع جنوب إدوم كما يقول معجم الطرق القديمة، والمعنى العبرى لتيمان واليمن هو الجنوب؛ فإن ما سنستنتجه بداهة هو أن تيمان هي نفسها اليمن.
هذا ما قاله معجم الطرق القديمة وقاموس الكتاب المقدس، واستنتجنا منه أن تيمان هي نفسها اليمن.. عموما فإن كل المصادر التي عثرنا عليها تتحدث مباشرة عن تيمان قد أراحتنا من عناء هذا الاستنتاج !!..فماذا قالت؟!
تحكي الموسوعة اليهودية ( جويش إنسيكلوبيديا ) عن رحالة يهودي شهير فتقول: (كارازو ديفيد صمويل رحالة يهودي ولد في سالونيكا بتركيا، وقام برحلة إلى اليمن بالجزيرة العربية سنة 1874، ودرس حالة اليهود في تلك المنطقة ودونها في مؤلف أسماه ذيكرون تيمان،رحلتي إلى اليمن )
ويقول موقع يهودي يسمى موقع الموسوعة اليهودية ويكيبديا: (اليهود اليمنيون يسمون بالعبرية التيمانيون وهم اليهود الذين يعيشون الآن في اليمن والتي تسمى في العبرية تيمان وهي أمة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ، وهم ينتمون إلى طائفة اليهود المزراحية).(/6)
ويقول موقع يهودي آخر يسمى مؤسسة مانفريد ليهمان عن يهود اليمن : (أي شخص يتاح له مقابلة أحد يهود اليمن سوف يندهش من التواضع والنقاء والتقوى التي تصبغه(!) وجذور يهود اليمن – تيمان بالعبرية – تبدأ من بداية تاريخنا. فبجانب الذي ذكر في التوراة العبرانية:(أليفاز صديق يعقوب كان من تيمان وكثير من الأنبياء قد تحدثوا عن تيمان) ، فلقد قيل أيضا أن ملكة شيبا(سبأ) قد سمعت عن الملك سولومون(سليمان) من خلال اليهود في اليمن والتي تقع بجوار مملكة شيبا).
ويحكي لنا موقع يهودي آخر يسمى أيريديس إنسيكلوبديا عن تاريخ يهود اليمن: (واحد من أفضل علماء اليهود في اليمن وهو يعقوب الفيومي قد كتب خطابا يستشير فيه رابي موشي ابن ميمون والمعروف بميمونيديس فقام بالرد عليه في خطاب عنوانه إيجريت تيمان-مكتوب اليمن-وهذا الخطاب كان له تأثير هائل على يهود اليمن).
فإذا كانت اليمن هي نفسها تيمان (كما أثبتنا بما لا يدع بعد ذلك مجالا للشك).. فإن ذلك يجزم بأن فاران تطلق أيضا على مكة.. وأعتقد أنه من السخف أن يقال أن المقصود بفاران في نص حبوق هو برية بين سيناء وفلسطين!!
فهل خرج نبي من ذلك المكان امتلأت من تسبيحه الأرض ونظر فرجفت الأمم؟!!
وهل خرج من هذا المكان نبي أصلا ؟!!
إذن فليخبرنا أهل الكتاب من هو ذلك النبي العظيم الذي يخبرنا النص أنه جاء من فاران حتى أنه يصفه بالقدوس ؟!!
ولكن هل يقول أهل الكتاب أن لفظ القدوس هنا يقصد به نبي ؟!!
إنهم يلجأون إلى حيلة عجيبة حتى لا تحمل النبوءة على النبي-صلى الله عليه وسلم-، ويخبروننا أن المقصود بالقدوس هنا هو الله نفسه!! ، وأن هذا اللفظ لا يمكن إطلاقه على نبي!!.
فلنضع إذن لفظ الجلالة مكان كلمة القدوس..
إن الجملة ستصير هكذا:
(الله جاء من تيمان والله من جبل فاران)!!!!
هل هذا يصدق ؟!! ، هل يرضى بهذا عاقل ؟!!
ومع ذلك فالكتاب المقدس يحفل باستخدام ألفاظ تخص الله عز وجل وفى نفس الوقت يوصف بها أنبياؤه:
(الرب كالجبار يخرج كرجل حروب)أشعياء42: 13
(فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهرون أخوك
يكون نبيك)سفر الخروج 7:1
(وحسدوا موسى في المحلة وهرون قدوس الرب)المزامير106: 16
وإذا كانت تيمان تشير إلى مكان جنوب إدوم كما يقول قاموس
الكتاب المقدس نفسه، ومعناها في جميع المعاجم العربية والأجنبية والعبرية هو الجنوب، ولا يختلف يهودي وآخر في العالم كله على أنها الاسم القديم لليمن؛ فما علاقتها إذن بفاران التي تقع بين سيناء وفلسطين؟!!!
وليخبرنا الذين يدعون بأن القدوس هنا تشير إلى الله، وتيمان ليست هي اليمن، وفاران لا تشير إلا لأرض بين سيناء وفلسطين؛ لماذا يأت الله من تلك الفاران بالذات؛ وهي مكان لم يقم فيه رسالة، ولم يبعث منه نبيا؛ لكي يتلألأ منه فصاعدا، ثم يخرج من نفس المكان أيضا لتمتليء السماء من بهائه، والأرض من تسبيحه، ويقف فيقيس الأرض، وينظر فترجف الأمم، وتدك الجبال الدهرية ؟!!
لابد أن تكون تلك الفاران إذن ذات أمر عظيم !!
وهى حتما لن تكون كذلك إلا إذا كانت مهبط الوحي الأخير، ومولد النبي الخاتم، ومركز الدعوة الكاملة!!
فمن هو إذن ذلك القدوس أو النبي العظيم الذي أتى من فاران، وغطى بهاؤه السماوات، وامتلأت الأرض من تسبيحه ؟،وقطعا هو ليس موسى الكليم ، ولا عيسى المسيح ، ولا أي واحد من أنبياء بني إسرائيل ؛ فلم يدع أحد أن فاران قد بعث فيها نبي من بني إسرائيل ، وربما كان تغيير مكان الوحي من الشام إلى بلاد العرب وخروج النبوة من بيت إسرائيل هو السبب في جزع حبوق أحد أنبياء بني إسرائيل عندما سمع الخبر ( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت ... الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران).
من يكون إذن ذلك القدوس الذي جاء من فاران، ووقف فقاس الأرض فامتلأت الأرض من أتباعه، ونظر فرجفت الأمم فسقطت تحت رسالته الشعوب والممالك – غير إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، مهجة القلب وقرة العين، صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود -محمد- صلى الله عليه وسلم، (عبد الله)، ورسوله..
ومثلك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
ولدت مبرئا من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
هذه الخريطة منسوخة من أحد مواقع الكتاب المقدس وهي توضح موقع إدوم التي يخبرنا قاموس الكتاب المقدس أن تيمان تقع جنوبها، ولقد حددت بدائرة موقع الجزيرة العربية بالنسبة لإدوم، وهو كما ترون يقع جنوب إدوم مباشرة مما يؤكد أن تيمان لا تشير إلا لمكان بالجزيرة العربية
EDOM
e’-dom
GEOGRAPHY(/7)
The country of Edom began at a line from the south end of the Dead Sea stretched to the Arabian desert areas to the east. From this line, Edom claimed all the land south to the Red Sea, and farther along the east coast of the Red Sea. How far south depended on daily politics, since it is nothing but desert for the most part. However,it included part of the Incense Route which extends farther south to Sheba the Yemen area today.
نسخة مما ذكره معجم الطرق القديمة عن مملكة إدوم http://www.ancientroute.com/empire/edom.htm
CARASSO, DAVID SAMUEL
Jewish traveler; born at Salonica, Turkey. On the occasion of a business trip to Yemen, Arabia, in 1874, he studied the situation of the Jews of that region, and published an account of his travels in a volume written in Jud?o-Spanish, entitled "Zikron Teman ? el Viage en el Yémen"
نسخة مما ذكره موقع الموسوعة اليهودية جويش إنسيكلوبيديا
http://www.jewishencyclopedia.com/view.jsp?artid=141&letter=C
… One of Yemen's most respected Jewish scholars, Jacob ben Nathanael al-Fayyumi, wrote for counsel to Rabbi Moshe ben Maimon, better known as Maimonides. Maimonides replied in a epistle entitled Iggeret Teman (The Yemen Epistle). This letter made a tremendous impression on Yemenite Jewry
نسخة من بعض ما ذكره موقع موسوعة أيريدس عن تيمان
http://www.iridis.com/Teimani
Yemenite Jews
Yemenite Jews, Standard Hebrew Temani, Tiberian Hebrew Têm?nî; plural, Standard Hebrew Temanim, Tiberian Hebrew Têm?nîm) are those Jews who live, or whose recent ancestors lived, in Yemen "far south", Standard Hebrew Teman, Tiberian Hebrew Têm?n), a nation on the southern tip of the Arabian peninsula. They are considered to be a subdivision of Mizrahi Jews.
نسخة مما ذكره موقع الموسوعة اليهودية ويكيبيديا
http://en.wikipedia.org/wiki/Jews_in_Yemen
Anyone who has been privileged to meet a Yemenite Jew will have been impressed with the refinement, modesty and piety which are the Yemenite hallmarks. The roots of the Jews in Yemen—Teman in Hebrew—start at the dawn of our history . Besides being mentioned in the Tanach (Job's friend Elifaz came from Teman, and many of the Prophets speak of Teman), the Queen of Sheba is said to have heard about King Solomon from Jews in Yemen, located next to the kingdom of Sheba
نسخة مما ذكره موقع مؤسسة مانفريد ليهمان
http://www.manfredlehmann.com/sieg282.html
نسخة مما ذكره معجم البلدان عن فاران في باب حرف الفاء
ومبشرا برسول يأتي من بعدي
يقول الله تعالى في كتابه الكريم ( وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد ). الصف:6
والنبي محمد – صلى الله عليه وسلم- هو النبي الوحيد الذي أرسل بعد عيسى عليه السلام، ولا يعترف النصارى بأن هناك نبي أتى من بعد عيسى عليه السلام.
ونحن الآن بصدد إثبات أن عيسى المسيح عليه السلام قد بشر برسول سوف يأتي من بعده، وسيكون ذلك أيضا من بين نصوص الكتاب المقدس.
ورد في إنجيل يوحنا الإصحاح 16 الفقرة من 7 إلى 13على لسان المسيح عليه السلام وهو يخاطب تلاميذه قبل أن يرحل:
( لكنى أقول لكم الحق انه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ).
والمعزّي اسم فاعل من الفعل عزّى وفعله المضارع يعزّي ومعناها كما ورد في قاموس الكتاب المقدس: المحامي أو المدافع أو الشفيع.
ثم يواصل المسيح عليه السلام الحديث عن ذلك المعزى قائلا:
( إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ).
فهو ذا المسيح عليه السلام يخبر تلاميذه قبل أن يرحل مباشرة بأنه لم يقل لهم كل شئ ، وأن الذي منعه من ذلك أنهم لا يستطيعون احتمال هذه الأمور في هذا الوقت ، وهذا إعلان صريح من المسيح عليه السلام بأن الشريعة لم تكتمل بعد ، وأن ذلك المعزى هو الذي سيكملها من بعده(وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق).
فمن هو هذا المعزى أو روح الحق الذي بشر به المسيح عليه السلام؟
إن المسيح يقول:
إن ذلك المعزى أو روح الحق لا يأتي إلا بعد ذهابه ( إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ).
والمسيح عليه السلام يقر بأن ذلك المعزى هو خير منه، ولذلك قال لتلاميذه ( خير لكم أن أنطلق )، وكلمة خير أفعل تفضيل بمعنى أفضل.(/8)
والمسيح يقول أيضا عن هذا المعزى أنه ( يخبركم بأمور آتية ).
وهذه الصفات تنطبق علي النبي – صلى الله عليه وسلم-، فلقد أخبرنا بأمور غيبية كثيرة، سواء عن الدنيا وما سيحدث فيها بعد وفاته… أو عن الآخرة وما بها من بعث وحساب وجنة ونار …
ويقول المسيح عن ذلك المعزي أيضا (يرشدكم إلى جميع الحق )
وهذا لا ينطبق إلا على رسول الإسلام – صلى الله عليه وسلم -، فهو الذي أرشد الناس إلى جميع الحق؛ فعرف الناس بربهم الواحد، وأزال الأوهام التي استعبدت عقول الناس من عبادة غير الله تارة، والإشراك به تارة أخرى، وعلم الإنسان غاية وجوده ودوره في الحياة، وبين العلاقة السليمة بين المخلوق وخالقه، وبين الناس بعضهم بعضا، ووضح أصول التشريعات التي فرضها الله لعبيده ليصلح بها بنو البشر ويستقيم بها أمرهم في كل زمان ومكان.. ولذلك يخاطب الله نبيه في قرآنه قائلا ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) النحل: 89
والمسيح عليه السلام يقول (لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به)، وهذا ينطبق على الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله سبحانه وتعالى عنه:(وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)النجم 3، 4.
من هو إذن ذلك المعزي الذي بشر به المسيح ؟
وهل أتي نبي بعد المسيح إلا محمد – صلى الله عليه وسلم- ؟!
فتعين أن يكون ذلك المعزي أو روح الحق تبشيرا بمحمد – صلى الله عليه وسلم-؛ إذ فيه تجتمع كل الأوصاف كما يتحقق فيه معني الأفضلية إذ هو خاتم النبيين الذي جاء بشريعة عامة خالدة.
ولكن ماذا يقول النصارى عن ذلك المعزي أو روح الحق ؟
إنهم يقولون أن هذا المعزي ليس بشرا إنما هو روح، روح تدخل في نفوس المؤمنين لتزيدهم إيمانا وهي الروح القدس - أحد أقانيم الثالوث المقدس عندهم!!
وإذا كان المقصود روحا وليس بشرا؛ فلماذا اشترط المسيح إتيانها برحيله ؟!
وهل هذه الروح أفضل عندهم من المسيح حتى يقول من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ؟!
وهل هذه الروح تتكلم بما تسمع ولا تتكلم من نفسها ؟!
وهل تخبر بأمور آتية ؟!
وكيف تكون الروح القدس لا تتكلم من نفسها بل تحتاج إلى أن تسمع ما ستتكلم به ؟!، أليست إلها كما يدعون؟!! ، كيف يكون إلها من لا يتكلم من نفسه ؟!!!!
إننا نحن المسلمين نزعم أن المسيح عليه السلام بقوله ( إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق هو يرشدكم إلى جميع الحق ) إنما يقصد بذلك أنهم غير مهيئين لتلقى جميع الحق واحتمال التشريع الكامل، وأن النبي الذي سيبعث بعده سوف يقوم بتلك المهمة عندما يكون العقل البشرى أكثر نضجا، والبشرية مهيأة لتلقى تعاليم الشريعة الجامعة.. فليخبرنا إذن الذين يقولون أن المعزى هو الروح القدس: ما هي علاقة الروح القدس التي تملأ نفوس المؤمنين بالأمور التي يريد أن يقولها المسيح ولكن منعه من قولها أنهم لا يستطيعون تحملها في ذلك الوقت ؟!!!.
وهم يقولون أن الروح القدس قد جاءت وحلت في تلاميذ المسيح بعد عشرة أيام من رحيله، فهل كانت هذه مدة كافية حتى يتهيئوا للأمور التي كان يريد المسيح أن يخبرهم بها ولكن منعه من قولها عدم قدرتهم على احتمالها قبل عشرة أيام ؟!!
كما أن الروح القدس التي يدعون أنها المقصودة بالمعزى كانت موجودة قبل أن يرحل المسيح تساعده وتؤيده ؟ فلماذا يقول المسيح إذن إن لم أنطلق لا يأتيكم ؟!!
هل هناك أدنى شك الآن أن الذي يتحدث عنه المسيح بشرا وليس روحا ؟!
وإذا كان بشرا فمن يكون غير محمد – صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بعد عيسى عليه السلام ولم يأت بعده نبي غيره!! .
ولكن كيف وردت كلمة المعزي الموجودة في الطبعات الحديثة في الطبعات القديمة ؟
لقد ورد بدلا منها كلمة الفارقليط، ولا أحد ينكر من القساوسة أن كلمة الفارقليط هي أصل كلمة المعزي، ولو فتحنا أي قاموس للكتاب المقدس لوجدنا كلمة الفارقليط هي الأصل؛ ففيم الخلاف إذن ؟!
إن كلمة الفارقليط مشتقة من أحد كلمتين يونانيتين وهما بيركليتوس و باراكليتوس.
الكلمة الأولى معناها الذي يحمد أو محمد أو أحمد، والثانية معناها المعزي كما ورد في النص.
ويصر الرهبان من النصارى أن الباراكليتوس هي أصل الفارقليط، بينما يقول علماؤنا من المسلمين أن البيركليتوس هو أصل الكلمة وأنها قد حرفت إلى الباراكليتوس لكي لا تحمل النبوءة على النبي صلى الله عليه وسلم…(/9)
والواقع هو أن الفصل في هذا الخلاف غير ممكن، والقطع بأن أصل الكلمة هو الباراكليتوس أو البيركليتوس أمر محال!! ، وذلك لأننا في هذه الحالة نحتاج لأن نسمع الكلمة كما قالها المسيح عليه السلام بنفسه !! .. فلننتظر إذن يوما سيفصل الله فيه بين المختلفين.. وهو يوم لا يختلف أحد الفريقين على مجيئه..وهو في نظرنا قريب قريب مهما انتظرناه.. لأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:((ألا إن كل ما آت قريب، وإنما البعيد ما ليس بآت))!فانتظروا.وا .. إنا منتظرون!!
وبعيدا عن ذلك الخلاف بين الباراكليتوس والبيركليتوس!! ، فإنه يكفينا ما أثبتناه، وهو تبشير المسيح عليه السلام برسول سوف يأتي من بعده، وهو لن يكون أي واحد سوى رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.(5)
وإذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم – يقول عن نفسه (أنا خاتم النبيين ) ، ويقول (لا نبي بعدي) ، ويقول الله عنه في قرآنه (ولكن رسول الله وخاتم النبيين).. ؛ فهل أخبر المسيح عليه السلام عن نفسه أنه قد ختم النبوة ؟!
دعونا نقرأ ما جاء في إنجيل متى الإصحاح7-15:
(احترزوا الأنبياء الدجالين الذين يأتون إليكم لابسين ثياب الحملان ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم، هل يجنى من الشوك عنب أو من العليق تين؟ هكذا كل شجرة جيدة تثمر ثمرا جيدا،أما الشجرة الرديئة فإنها تثمر ثمرا رديئا ، لا يمكن أن تثمر الشجرة الجيدة ثمرا رديئا ، ولا الثمرة الرديئة ثمرا جيدا، وكل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا تقطع وتطرح في النار،إذن من ثمارهم تعرفونهم).
والمسيح عليه السلام بهذه الكلمات الرائعة يبين لتلاميذه كيف يفرق بين النبي الصادق والنبي الكاذب، ومجرد وضع ذلك المقياس بين النبي الصادق والنبي الكاذب يعتبر دليلا على إمكانية بعث نبي آخر بعد المسيح عليه السلام، ولو كان المسيح هو آخر الأنبياء لكفاه أن يقول:( أنا آخر الأنبياء فلا تتبعوا أحدا يأتي بعدى ).
وإني لأهيب بجميع أهل الكتاب أن ينظروا إلى الثمرة التي أخرجها محمد-صلى الله عليه وسلم-:
لقد أخرج أجيالا تعبد الله وتوحده، وتسبح بحمده، وتحترم وصاياه، وتؤمن بكتبه، وتوقر جميع أنبيائه وتعلى من قدرهم.
أخرج محمد أجيالا تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتحل الحلال، وتحرم الحرام، وتنهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن..
فها هم المسلمون ألف مليون من البشر؛ هم أقل أهل الأرض ارتكابا للزنى الذي قبحه الله ومحمد والمسيح، وأقل أهلها شربا للخمر الذي نهى عنه الله ومحمد والمسيح، وأكثر أهل الأرض إتباعا لوصايا الله ومحمد والمسيح!!
وهذا أمر لا ينكره إلا جاحد، ولا يستغربه إلا حاقد…
وذاك هو حالهم في وقت ضعفهم وذلتهم، فما بالكم بهم في عهد عزهم وقوتهم؟!!
تلك هي الثمرة…فهل عرفتموها ؟!
ولو عرفتموها…فهل صدقتم مخرجها؟!!
ولو صدقتموه…فهل أطعتم المسيح واتبعتموه؟!!!!!
الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع
قيدار هو الجد الأكبر لقبائل مكة، وهو من أبناء إسماعيل عليه السلام كما تخبرنا المصادر التاريخية، وكما يخبرنا أيضا الكتاب المقدس في سفر التكوين الإصحاح 25 الفقرة 13:
(وهذه أسماء بني إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم: نبايوت بكر إسماعيل وقيدار وأدبائيل ومبسام……).
وقيدار بن إسماعيل ينسب له العرب المستعربة، والتي تسمى أيضا بالعرب العدنانية نسبة إلى عدنان الذي انحدر من صلب قيدار بن إسماعيل عليه السلام.
والديار التي سكنها قيدار هي الديار التي سكنها إسماعيل، وهي الديار التي سكنها النبي – صلى الله عليه وسلم-، وهى مكة المكرمة..
ورد في كتاب قلب جزيرة العرب:(ولى إسماعيل عليه السلام زعامة مكة وولاية البيت طوال حياته، ثم ولى اثنان من أبنائه: نابت ثم قيدار، ويقال العكس).
وورد في كتاب الرحيق المختوم في حديثه عن نسب النبي-صلى الله عليه وسلم- وقبائل مكة إلى قيدار بن إسماعيل: (وقد رزق الله إسماعيل اثني عشر ولدا ذكرا وهم: نابت أو بنايوط وقيدار وأدبائيل ومبشام ومشماع ودوما وميشا وحدد ويتما ويطور ونفيس وقيدمان، وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، وانتشرت هذه القبائل فى أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان إلا أولاد نابت وقيدار.
وقد ازدهرت حضارة الأنباط –أبناء نابت- في شمال الحجاز وكونوا حكومة قوية ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء الرومان فقضوا عليهم، وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده معد .
وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار إلى أربعة قبائل عظيمة: إياد وأنمار وربيعة ومضر، وهذان الأخيران هما اللذين كثرت بطونهما فكان من ربيعة: أسد بن ربيعة وعنزة وعبد القيس وابنا وائل-بكر- وتغلب وحنيفة وغيرها(/10)
وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين: قيس بن عيلان بن مضر وبطون إلياس بن مضر. فمن قيس عيلان: بنو سليم وبنو هوازن وبنو غطفان، ومن إلياس بن مضر: تميم بن مرة وهذيل بن مدركة وبنو أسد بن خزيمة وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة:قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
وانقسمت قريش إلى قبائل شتى من أشهرها بطون قصي بن كلاب وهى عبد الدار بن قصي وأسد بن عبد العزى بن قصي وعبد مناف بن قصي.
وكان من عبد مناف أربع فصائل:عبد شمس ونوفل والمطلب وهاشم وبيت هاشم هو الذي اصطفى الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن هاشم صلى الله عليه وسلم).
هذا هو قيدار بن إسماعيل الذي انحدرت منه القبائل التي سكنت مكة، ولا تزال تسكنها حتى الآن، ولكن ما هي سالع؟
سالع هي جبل سلع بالمدينة المنورة، وهو جبل يقع غرب المسجد النبوي علي بعد 500 متر تقريبا من سوره الغربي، يبلغ عرضه ما بين 300 إلي 800 مترا، وارتفاعه 80 مترا، ولهذا الجبل أهمية تاريخية فلقد وقعت علي سفوحه أو بالقرب منه عدة أحداث هامة أهمها غزوة الخندق التي تجمع فيها المشركون في جهته الغربية وكان يفصل بينه وبينهم الخندق، وكان سفح جبل سلع مقر قيادة المسلمين إذ ضربت خيمة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم-ورابط عدد من الصحابة في مواقع مختلفة منه، عند قاعدة الجبل سكنت منذ العهد النبوي قبائل عدة، وفي العهد العثماني أقيمت علي قمته عدة أبنية عسكرية ما زالت أثارها باقية حتى الآن، وفي عصرنا الحالي أحاط العمران بالجبل من كل ناحية وصار جزءا من حدود المنطقة المركزية للمدينة المنورة.(6)
ولكن ماذا يقول الكتاب المقدس عن الديار التي سكنها قيدار وعن سالع ؟
ورد في سفر أشعياء الإصحاح 42 الفقرة من 1 إلى 17
42: 1 هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم.
42: 2 لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته.
42: 3 قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفيء إلى الأمان يخرج الحق.
42:4 لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته.
42 : 5 هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين عليها روحا .
42: 6 أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم.
42: 7 لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة.
42: 8 أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات.
42: 9 هوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها قبل أن تنبت أعلمكم بها.
42: 10 غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحة من أقصى الأرض أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر(جمع جزيرة) وسكانها.
42: 11 لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا.
42: 12 ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر.
42: 13 الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه.
42: 14 قد صمت منذ الدهر((في النسخة الإنجليزية: أمسكت (سلامي) منذ زمن طويل، ويقول القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس أنها مكتوبة في النسخة العبرية (شيلاميم)، ومن المعلوم أن حروف كلمة شيلاميم أو شالوم بالعبرية هي نفس الحروف التي تشتق منها كلمة الإسلام )) سكت تجلدت كالوالدة أصيح انفخ وانخر معا.
42: 15 أخرب الجبال و الآكام و أجفف كل عشبها واجعل الأنهار يبسا وأنشف الآجام.
42: 16 وأسير العمي في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها أمشيهم اجعل الظلمة أمامهم نورا والمعوجات مستقيمة هذه الأمور افعلها ولا اتركهم.
42: 17 قد ارتدوا إلى الوراء يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات انتن آلهتنا.
من هو عبد الله ومختاره الذي يتحدث عنه النص السابق ؟!
النص السابق لا يمكن أن ينطبق إلا على النبي –صلى الله عليه وسلم-، فهو عبد الله ومختاره الذي أخرج الحق للأمم وانتظرت الجزر شريعته، ولم يكل ولم ينكسر حتى وضع الحق في الأرض وأرشد الناس إلى جميع الحق، فهو صاحب الشريعة الكاملة التي أتمها الله في عهده، ولم يقبضه إلا بعد اكتمالها( لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض )، ولذلك يقول الله تعالى في سورة المائدة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). والنبي-صلى الله عليه وسلم-هو الذي أخرج الحق لكل الأمم فهو صاحب الرسالة العالمية لجميع أهل الأرض، ولذلك يقول الله تعالى للنبي في قرآنه (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)…ويقول أيضا (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)..
وهو الذي عصمه الله من المشركين حتى بلغ رسالته، وأدى أمانته (فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم).. ولذلك يقول الله في قرآنه مخاطبا نبيه (والله يعصمك من الناس)..(/11)
والنبي-صلى الله عليه وسلم- هو الذي أخرج الناس من ظلمة الشرك وعبادة الأصنام والمنحوتات إلي عبادة الله الواحد (أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات).
والنص السابق لا ينطبق على المسيح عليه السلام الذي لم يدع أنه قد أخرج كل الحق للأمم؛ بل قال قبل رحيله ( إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم لكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق )كما ورد في إنجيل يوحنا..
كما أن المسيح أخبرنا أنه لم يأت إلا لهداية بني إسرائيل كما جاء في إنجيل متى( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة)..
وكلمة (وضعت روحي عليه) تعنى النصرة والتأييد من الله ، وهى عامة لجميع الأنبياء ، ولا يختص بها المسيح من دونهم ، ومثال ذلك ما جاء في الكتاب المقدس (وكان روح الله على عزريا بن عوديد)، وأيضا ما جاء في الكتاب المقدس في سفر العدد(يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء إذا وضع الله روحه عليهم).
ومن المعلوم أيضا أن دعوة المسيح لم تظهر في الديار التي سكنها قيدار وهي مكة !! ولا رفعت بها الصحراء صوتها!!… كم أنها قد ظهرت في بني إسرائيل، وهي أمة كتابية ليست من عبدة الأصنام مثل أهل مكة الذين بعث فيهم النبي-صلى الله عليه وسلم-.. بل إن المسيح قد بعث في بني إسرائيل في وقت كانوا قد تخلصوا فيه من الوثنية وعبادة الأصنام تماما..
ولو افترضنا أن النص يتحدث عن المسيح عليه السلام؛ فهو بذلك يثبت أن المسيح عليه السلام هو عبد لله، وليس ابنا له أو شريكا معه في الألوهية(هو ذا عبدي الذي أعضده).
والمفاجأة التي وجدناها في النص عند قراءته في النسخة الإنجليزية ( وما أكثر المفاجآت عند مقارنة النسخة العربية بالنسخة الإنجليزية ! ) هو أن كلمة ( الأمم ) الواردة في النص ليست ترجمة لكلمة(nations) كما هو متوقع ، ولكن الكلمة الواردة في النسخة الإنجليزية هي(gentiles) ، وتترجم بالعربية إلى الأمميين .. ويقول قاموس الكتاب المقدس عن هذا اللفظ أن اليهود يستخدمونه على الأمم الأخرى من غيرهم، فهم يعتبرون أنفسهم حملة الرسالات وشعب الله المختار، ويقول أيضا أن اليهود يستخدمونه كمصطلح لاحتقار الأمم الأخرى من غير اليهود باعتبارها أمم وثنية.. وبالطبع يرفض النصارى هذا التقسيم باعتبارهم أيضا من أهل الكتاب، وهذا هو الحق عند المسلمين وهو أن هذا اللفظ كان يستخدم لوصف الأمم من غير أهل الكتاب قبل ظهور الإسلام كما يخبرنا القرآن الكريم:
(وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا). آل عمران 20..(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) آل عمران: 75..وهم الذين بعث فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم- ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الجمعة 2..(الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراةوالإنجيل)...الأعراف 157.. (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف 158..والصفات السابقة هي تقريبا نفس الصفات التي وردت في النص الذي رواه الإمام البخاري في صحيحة عن عطاء بن ياسر أنه قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني عن صفة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ).
ما هي التسبيحة الجديدة التي من أقصى الأرض ؟
إنها إعلان برسالة جديدة، وكلمة من أقصى الأرض تشير إلى المشرق الأقصى، إذ أن أقصى القدس جزيرة العرب، وأقصى جزيرة العرب القدس، لذلك يقول الله تعالى في كتابه الكريم (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا).
ما هي البرية ومدنها، وما هي الديار التي سكنها قيدار ومن هم سكان سالع؟
البرية هي الصحراء، والديار التي سكنها قيدار هي مكة، وسكان سالع هم سكان جبل سلع بالمدينة المنورة(لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال).
من هم العمي الذين ساروا في طريق لم يعرفوها، وكان الله معهم ولم يتركهم ؟
إنهم المؤمنون بالدين الجديد، ومتبعي الرسالة، الذين أبصروا في نور الإسلام، بعد أن كانوا عميا في الجاهلية التي زاغوا فيها عن التوحيد، وارتدوا فيها إلى الوراء، وعبدوا المنحوتات، وقالوا للمسبوكات أنتن آلهتنا..
وكيف ترفع البرية صوتها، وتخبر بالتسبيح في الجزائر ؟(/12)
إنما يكون ذلك برفع الآذان، والنداء (الله اكبر الله اكبر) يسمعها سكان الصحراء وما حولها…
ما المقصود بقوله الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ؟
إنها عشرات الحروب التي تم خوضها لإخراج الناس من الكفر إلى الإسلام، وليس أدل على ذلك من أن صاحب الرسالة قد وصل عدد الغزوات التي خرج إليها بنفسه-صلى الله عليه وسلم- كان سبعا وعشرين غزوة في سبع سنوات فقط من أجل نشر التوحيد وإعلاء الحق في الأرض.
وماذا يكون شيلاميم الذي أمسكه الله منذ زمن طويل ؟
إنه دين التوحيد –الإسلام- الذي بعث الله به جميع الأنبياء إلى البشر، فزاغوا عنه، وأشركوا مع الله آلهة أخرى؛ فكان لابد من بعثه ونشره مرة أخرى بعد ضلال الناس عنه، وانقطاعه من على الأرض زمنا طويلا !!.. وحمل الكلمة على ( الإسلام ) هو الأظهر للنص، والأوضح للمعنى، ولا يستقيم السياق إلا به؛ فالله يقول: أمسكت الإسلام منذ زمن طويل وغاب التوحيد عن الأرض، لذلك سأخوض الحروب وأخرب الجبال والآكام من أجل إظهاره مرة أخرى، وأما حملها على (السلام) فإنه يكون مناقضا للمعنى، ومخالفا للنص؛ فكيف يقول الله إذن أمسكت السلام منذ زمن طويل لذلك سأخوض الحروب وأخرب الجبال والآكام ؟!!
من كانت عنده إجابة لهذه الأسئلة غير تلك الإجابات فليأت بها؛ مثل أن يكون هناك نبي قد أخرج الحق للأمم وانتظرت الجزر شريعته وحفظه الله وعصمه من الناس حتى وضع الحق في الأرض وقضى على عبادة الأصنام والمنحوتات وجعله الله نورا للأمميين وخرجت دعوته من الصحراء، في الديار التي سكنها قيدار وهي مكة، ورفعت بها الصحراء صوتها، وهتف بها من الجبال سكان سالع بالمدينة، بعد أن عبدوا الأصنام والمنحوتات، واشتهر بكثرة حروبه وغزواته – غير محمد صلى الله عليه وسلم !!!!!!!!!! (7)
الخروج من مكة إلى المدينة
النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- أوحي إليه في بلاد العرب، ودعا قومه إلى عبادة الله الواحد، منهم من اتبعه وقبل دينه واقتنع بدعوته، ولكن رفضها الكثير من صناديد الكفر من قريش ومن قبائل مكة ( وهم أبناء قيدار بن إسماعيل كما بينا قبل ذلك).
ولقد لاقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-وأصحابه الكرام من المشركين من ألوان الإيذاء ما دعاهم إلى الفرار بالدعوة إلى مكان آخر حتى لا تموت في مهدها.
وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- سرا فارا من أمام سيوف المشركين التي توشك أن تجهز عليه، ومن أمام رماحهم التي تكاد أن تفتك به، وهاجر معه أصحابه الذين تعرضوا لأشد أنواع التنكيل والعذاب من المشركين؛ وما منعهم ذلك من الثبات على دينهم الحق الذي آمنوا به، ولم يردهم عن عبادتهم لله الواحد الذي عبدوه..
وبعد الهجرة إلى المدينة بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في توطيد دولة الإسلام، وبعد سنة حدثت أول معركة كبرى في الإسلام وهي غزوة بدر، وانهزم فيها أعداء الله من المشركين شر هزيمة رغم ما يمتلكونه من العدد الكبير والعتاد العظيم، وبرغم ما كان عليه جيش المسلمين من قلة في العدد والعدة، وكانت هذه الموقعة إيذانا بإعلان قوة الإسلام وعظمة دولته، بينما كانت إعلانا بسقوط دولة الكفر وتضاؤل قوته؛ حيث قتل عدد كبير من مشركي مكة أبناء قيدار وفني مجدهم وانكسر عزهم.
ولكن هل وردت نبؤة في الكتاب المقدس تتنبأ بنزول وحي في بلاد العرب، وتخبر بما حدث للنبي وأصحابه من أمر الهجرة بسبب إيذاء المشركين، وتبين ما حل بأبناء قيدار من المشركين بعد ذلك من ذل وهوان ؟
لقد ورد في سفر أشعياء الإصحاح 21 الفقرة: 13،14،15،16،17:
21: 13 وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين(ددان أحد أحفاد إبراهيم عليه السلام من زوجته قطورة كما يخبرنا سفر التكوين25: 1-3، وتقول الموسوعة اليهودية أن نصوص الكتاب المقدس توحي أحيانا أن ددان تقع شمال الجزيرة العربية وتوحي أحيانا أخرى أنها تقع جنوبها).
21: 14 هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان ارض تيماء وافوا الهارب بخبزه.
21: 15 فإنهم من أمام السيوف قد هربوا من أمام السيف المسلول و من أمام القوس المشدودة و من أمام شدة الحرب.
21: 16 فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار.
21: 17 و بقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم.
والنبؤة السابقة أوحي بها إلى أشعياء أحد أنبياء بنى إسرائيل(لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم).
ولاشك أن النص السابق لا يتحدث عن أحد سوى النبي –صلى الله عليه وسلم- وما حدث له وأصحابه الكرام.
فهل نزل وحي في بلاد العرب غير القرآن؟!
وهل هناك نبي هاجر من مكة إلى المدينة واستقبله أهل تيماء غير محمد –صلى الله عليه وسلم-؟!(/13)
وتيماء أرض في الحجاز كان يعيش فيها اليهود ثم انتقل أغلبهم إلى المدينة، ومازالت تيماء موجودة إلى الآن تحمل اسم إحدى محافظات المملكة العربية السعودية وتيماء هي الأرض التي شهدت أول قدوم لليهود في الجزيرة العربية ثم انتقل معظم هؤلاء اليهود إلى المدينة، فأصل يهود المدينة هم من أهل تيماء المخاطبين في النص..
وتخبرنا كتب السيرة أن ما بقى من اليهود في تيماء قد عرضوا الصلح على الرسول، وسلموا من أنفسهم، وذلك بعد سقوط يهود خيبر…(8)
ونعود لنسأل ونكرر الأسئلة:
هل نزل وحي في بلاد العرب غير القرآن ؟!
وهل هاجر صاحب الوحي وأصحابه هاربين من أمام السيوف والرماح غير محمد –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في بلاد العرب؟!
وهل هناك تيماء أخرى في بلاد العرب أو في غيرها غير الموجودة إلى الآن في المملكة العربية السعودية ؟!
وهل تمت هزيمة بني قيدار وهم أهل مكة على يد أحد من الأنبياء غير محمد صلى الله عليه وسلم-؟!!
إن هذه النبوءة لهي برهان ساطع، ودليل قاطع، وسيف بتار، على رقاب كل من كذب بمحمد –صلى الله عليه وسلم –من أهل الكتاب.. بل لهى سيف بتار على رقاب منكري الأديان وعبدة الطبيعة ودعاة الكفر والإلحاد جميعا؛ فمحمد بن عبد الله الذي أوحي إليه في بلاد العرب في القرن السادس الميلادي مكتوب في سفر أشعياء أحد أنبياء بني إسرائيل الذي عاش في النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد، فمن أبلغ أشعياء بهذه النبؤة غير الله الواحد الأحد ؟!! ، ومن هذا النبي الذي تنبأ به غير نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ؟!!
كتب التراث والبشارات
كان ما سبق بيانا لبعض نصوص الكتاب المقدس التي تتحدث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وعن الإسلام بصفته خاتم الرسالات وجامع الوحي الإلهي، ولقد اخترت النصوص السابقة من بين عشرات النصوص التي لا تزال موجودة إلى الآن في الكتاب المقدس لم يطرأ عليها تحريف ولا تغيير، فهناك نصوص أخري كثيرة تتحدث عن النبي –صلي الله عليه وسلم- ولكن لم أثبتها في هذا العمل؛ لأن تلك النصوص ربما يحملها البعض على رسل آخرين غير محمد –صلى الله عليه وسلم- رغم أنها تنطبق على النبي –صلي الله عليه وسلم-؛ فمثلا ورد في سفر المزامير الإصحاح 45 الفقرة من 2إلى7:
45: 2 أنت ابرع جمالا من بني البشر انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الأبد.
45: 3 تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك و بهاءك.
45: 4 بجلالك اقتحم اركب من اجل الحق والدعة والبر فتريك يمينك مخاوف.
45: 5 نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك شعوب تحتك يسقطون.
45: 6 كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك.
45: 7 أحببت البر وأبغضت الإثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك.
وهذه الكلمات تنطبق على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فهو أبرع جمالا من بني البشر، وهو قد باركه الله إلى الأبد، وهو النبي الذي تقلد سيفه وحارب المشركين وأعداء الله وسقطت تحت رسالته الشعوب كفارس والروم وغيرهم..وهو الذي فضله الله علي رفقائه من الأنبياء فهو خاتم النبيين وخير المرسلين، وكلمة مسحك الله لا يختص بها عيسى عليه السلام؛ بل هي عامة لكل الأنبياء، ووصف بها أيضا في الكتاب المقدس الصالحين والمؤمنين.. ( لا تمسوا مسحائي ولا تسيئوا إلى أنبيائي ) المزامير 105: 15.. ( والصانع رحمة لمسيحه داوود ) المزامير 18: 50.. ( يقول الرب لمسيحه كورش ) أشعياء 1 : 45 ..
وللأسف فإن النص السابق قد حمله النصارى على المسيح عليه السلام، والمسيح كما تعلمون لم يحمل سيفا على فخذه، ولم يكن له نبلا مسنونة، ولم يركب من أجل الحق والبر، وإنما كانت دعوته دعوة سلمية وروحية فقط؛ ولكن كان ذلك لمحمد-صلى الله عليه وسلم-، كما أن لفظ الجبار لا يمكن أن ينطبق أبدا على المسيح عليه السلام، بل ينطبق على النبي –صلى الله عليه وسلم – الذي خاض عشرات الحروب لإظهار الدين وإعلاء الحق في الأرض.
ولكن كيف فسر النصارى السيف والرمح وألصقوا النبؤة بالمسيح ؟
لقد فسروا النبؤة بأنها على سبيل المجاز وإطلاق الحسي على المعنوي !! ، وربما كان ذلك مقبولا لو كان النص يقول: تقلد سيف الحق مثلا!! ، أو اقذف بسهام الإيمان!! ، ولكن ما يبينه النص من حمل السيف على الفخذ ، ووصف النبي بالجبار ، ووصف النبل بالمسنونة - يجعل هذا التأويل ضربا من ضروب السخافات،و نوعا من أنواع التحايل المفضوح !!
وهناك الكثير من النصوص تحتوي علي مثل ما أشتمل النص السابق عليه، ولكني آثرت عدم ذكرها لأنها لا تحدد اسما ولا مكانا للدعوة كالنصوص السابقة القاطعة بأنها تتحدث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.(/14)
وفي هذا الفصل نحن بصدد الإشارة إلى بعض البشارات التي تتحدث عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- ذكرها علماء الإسلام من السلف ووردت في كتبهم، ولكنها ليست موجودة كما هي إلى الآن في نسخ الكتاب المقدس، وإن كان أغلبها له نصوص مشابهة موجودة للآن ولكن لا تتطابق معها حرفيا، وأحببت أن أذكرها لأن الذين أوردوها من العلماء المسلمين الأثبات هم أهل للثقة، وليسوا موضعا للشبهة أو محلا للطعن في أمانتهم العلمية..
الجواب الصحيح
يقول ابن تيميه رحمه الله في كتابه الجواب الصحيح:
قالوا وقال أشعياء النبي عليه السلام متنبيا على مكة شرفها الله ارفعي إلى ما حولك بصرك فستبتهجين وتفرحين من أجل أن يصير إليك ذخائر البحر وتحج إليك عساكر الأمم حتى يعم بك قطر الإبل الموبلة وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك وتساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ ويسير إليك أغنام فاران ويخدمك رجال مأرب يريد سدنة الكعبة وهم أولاد مأرب بن إسماعيل قالوا فهذه الصفات كلها حصلت بمكة فحملت إليها ذخائر البحرين وحج إليها عساكر الأمم وسيقت إليها أغنام فاران الهدايا والأضاحي وفاران هي البرية الواسعة التي فيها مكة وضاقت الأرض عن قطرات الإبل الموبلة الحاملة للناس وأزوادهم إليها وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن.
قالوا وقال أشعياء النبي والمراد مكة شرفها الله تعالى سيري واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح وافرحي إذ لم تحبلي فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي يعني بأهله بيت المقدس ويعني بالعاقر مكة شرفها الله لأنها لم تلد قبل نبينا عليه الصلاة والسلام ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس لأنه بيت للأنبياء ومعدن الوحي..
والنص السابق له نص مشابه إلى الآن في سفر أشعياء54:1، 2، 3:
(ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض لأن بنى المستوحشة أكثر من بنى ذات البعل قال الرب، أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك لا تمسكي أطيلي أطنابك وشددي أوتارك، لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة).
والمقصود بالمستوحشة هي السيدة هاجر، وذات البعل هي السيدة سارة التي ألجأت سيدنا إبراهيم إلى نفى هاجر مع ولدها-إسماعيل-، وكان ذلك بدافع الغيرة حيث لم تكن سارة قد أنجبت إسحاق حينئذ، فقدم بهما إلى الحجاز، وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم.(9)
ولقد شرق أهل الكتاب وغربوا وقالوا أن هذه النبؤة لها معنى روحي ومعنى حسي لكي يحملوا النص حملا على القدس، ولكنهم لم يخبرونا بعد كل ذلك كيف يطلق الله لفظ العاقر التي لم تلد ولم تمخض على القدس ولادة الأنبياء!!
والنص الأول أيضا له نص مشابه موجود إلى الآن في سفر أشعياء الإصحاح 59 - 63، وبالرغم من بعض الألفاظ الواضح إقحامها على النص إقحاما ؛ فإنه ما زال يشتمل على بعض الصفات التي لا يمكن حملها إلا على مكة .. والنص يبدأ بإيضاح أن الظلم قد انتشر في الأرض، وأن الخراب قد عم ربوعها، ولم يبق بها إلا الشر والفساد، وأن الله قد غضب على الناس وعلى بني إسرائيل الذين حادوا عن الحق، واتكلوا على الباطل والإثم، وكذبوا على الله.. ولذلك كان لابد من ظهور شمس أخرى، وبزوغ فجر جديد لإعلاء الحق في الأرض.. وفي وسط ذلك الجو العام من السخط الإلهي والغضب على شعب إسرائيل وعلى ما صار إليه حال الأمم نجد إقحاما غريبا يفيد بأن الله راض عليهم وعلى نسلهم من بعدهم للأبد..هكذا بدون مقدمات!!،ثم يبدأ النص في الحديث عن الأرض التي سيأتي نورها ويشرق عليها مجد الله بينما الظلام الدامس يغطي باقي الأرض.. ويستفيض النص بما لا يدع مجالا للشك أن الكلام عن مكة، وفجأة أيضا بدون مقدمات تجد إقحاما غريبا للفظ ابنة صهيون أو أورشليم!!.. والنص كله يظهر بوضوح أنه يتحدث عن الأرض الجديدة التي ستصبح معقلا للإيمان والصلاح على الأرض بعد خرابها وما حل عليها من ظلم وفساد وبعد عن طريق الله، وعن الشعب الذي سيرث الأرض، وعن نبي آخر الزمان الذي سيرسله الله ليصلح الأرض بعد فسادها وليبشر المساكين ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولكي ينتقم به الله من أعدائه ويكون وسيلته للتعبير عن سخطه وغضبه على الأمم التي اتبعت الباطل والإثم وزاغت عن طريق الحق..
59:1 ها ان يد الرب لم تقصر عن أن تخلص و لم تثقل أذنه عن أن تسمع
59: 2 بل آثامكم صارت فاصلة بينكم و بين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع
59: 3 لأن أيديكم قد تنجست بالدم و أصابعكم بالإثم شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر
59: 4 ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق يتكلون على الباطل ويتكلمون بالكذب قد حبلوا بتعب وولدوا إثما
59: 5 فقسوا بيض أفعى و نسجوا خيوط العنكبوت الأكل من بيضهم يموت والتي تكسر تخرج أفعى
59: 6 خيوطهم لا تصير ثوبا و لا يكتسون بأعمالهم أعمالهم أعمال إثم و فعل الظلم في أيديهم(/15)
59: 7 أرجلهم إلى الشر تجري و تسرع إلى سفك الدم الزكي أفكارهم أفكار إثم في طرقهم اغتصاب وسحق
59: 8 طريق السلام لم يعرفوه و ليس في مسالكهم عدل جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاما
59: 9 من اجل ذلك ابتعد الحق عنا و لم يدركنا العدل ننتظر نورا فإذا ظلام ضياء فنسير في ظلام دامس
59: 10 نتلمس الحائط كعمي و كالذي بلا أعين نتجسس قد عثرنا في الظهر كما في العتمة في الضباب كموتى
59: 11نزار كلنا كدبة و كحمام هدرا نهدر ننتظر عدلا و ليس هو وخلاصا فيبتعد عنا
59: 12 لان معاصينا كثرت إمامك و خطايانا تشهد علينا لان معاصينا معنا وآثامنا نعرفها
59: 13 تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم والمعصية حبلنا و لهجنا من القلب بكلام الكذب
59: 14 وقد ارتد الحق إلى الوراء و العدل يقف بعيدا لان الصدق سقط في الشارع والاستقامة لا تستطيع الدخول
59: 15 وصار الصدق معدوما والحائد عن الشر يسلب فرأى الرب وساء في عينيه انه ليس عدل
59: 16 فرأى انه ليس إنسان و تحير من انه ليس شفيع فخلصت ذراعه لنفسه و بره هو عضده
59: 17 فلبس البر كدرع و خوذة الخلاص على رأسه و لبس ثياب الانتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء
59: 18 حسب الأعمال هكذا يجازي مبغضيه سخطا وأعداءه عقابا جزاء يجازي الجزائر
59: 19 فيخافون من المغرب اسم الرب و من مشرق الشمس مجده عندما يأتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه
59: 20 و يأتي الفادي إلى صهيون و إلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب(!!!)
59: 21 أما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب روحي الذي عليك و كلامي الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك و لا من فم نسلك و لا من فم نسل نسلك قال الرب من الآن و إلى الأبد
60: 1 قومي استنيري لأنه قد جاء نورك و مجد الرب أشرق عليك
60: 2 لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض و الظلام الدامس الأمم أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى
60: 3 فتسير الأمم في نورك و الملوك في ضياء إشراقك
60: 4 ارفعي عينيك حواليك و انظري قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك يأتي بنوك من بعيد و تحمل بناتك على الأيدي
60: 5 حينئذ تنظرين و تنيرين و يخفق قلبك و يتسع لأنه تتحول إليك ثروة البحر و يأتي إليك غنى الأمم
60: 6 تغطيك كثرة الجمال بكران مديان و عيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب
60: 7 كل غنم قيدار تجتمع إليك كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على مذبحي و أزين بيت جمالي
60: 8 من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها
60: 9 إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الأول لتأتي ببنيك من بعيد و فضتهم و ذهبهم معهم لاسم الرب إلهك
60: 10 وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونك لأني بغضبي ضربتك وبرضواني رحمتك
60: 11 و تنفتح أبوابك دائما نهارا وليلا لا تغلق ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم
60: 12 لان الأمة و المملكة التي لا تخدمك تبيد و خرابا تخرب الأمم
60: 13 مجد لبنان إليك يأتي السرو والسنديان و الشربين معا لزينة مكان مقدسي و امجد موضع رجلي
60: 14 و بنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين و كل الذين أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك و يدعونك مدينة الرب صهيون قدوس إسرائيل(!!!)
60: 15 عوضا عن كونك مهجورة ومبغضة بلا عابر بك أجعلك فخرا أبديا فرح دور فدور
60: 16 و ترضعين لبن الأمم و ترضعين ثدي ملوك و تعرفين إني أنا الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب(!!!)
60: 17 عوضا عن النحاس آتي بالذهب و عوضا عن الحديد اتي بالفضة و عوضا عن الخشب بالنحاس و عوضا عن الحجارة بالحديد و اجعل وكلاءك سلاما وولاتك برا
60: 18 لا يسمع بعد ظلم في أرضك و لا خراب أو سحق في تخومك بل تسمين أسوارك خلاصا وأبوابك تسبيحا
60: 19 لا تكون لك بعد الشمس نورا في النهار ولا القمر ينير لك مضيئا بل الرب يكون لك نورا أبديا وإلهك زينتك
60: 20 لا تغيب بعد شمسك و قمرك لا ينقص لان الرب يكون لك نورا أبديا و تكمل أيام وحك
60: 21 و شعبك كلهم إبرار إلى الأبد يرثون الأرض غصن غرسي عمل يدي سأتمجد
60: 22 الصغير يصير ألفا والحقير امة قوية أنا الرب في وقته أسرع به
61: 1 روح السيد الرب علي لان الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق و للماسورين بالإطلاق
61: 2 لأنادي بسنة مقبولة للرب و بيوم انتقام لالهنا لأعزي كل النائحين
61: 3 لأجعل لنائحين صهيون لأعطيهم جمالا عوضا عن الرماد و دهن فرح عوضا عن النوح ورداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة فيدعون أشجار البر غرس الرب للتمجيد
61: 4 و يبنون الخرب القديمة يقيمون الموحشات الأول ويجددون المدن الخربة موحشات دور فدور
61: 5 و يقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم
61: 6 أما انتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون(/16)
61: 7 عوضا عن خزيكم ضعفان و عوضا عن الخجل يبتهجون بنصيبهم لذلك يرثون في أرضهم ضعفين بهجة أبدية تكون لهم
61: 8 لأني أنا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم و اجعل أجرتهم أمينة و اقطع لهم عهدا أبديا
61: 9 و يعرف بين الأمم نسلهم و ذريتهم في وسط الشعوب كل الذين يرونهم يعرفونهم أنهم نسل باركه الرب
61: 10 فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة و مثل عروس تتزين بحليها
61: 11 لأنه كما أن الأرض تخرج نباتها وكما إن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت برا و تسبيحا إمام كل الأمم
62: 1 من اجل صهيون لا اسكت و من اجل أورشليم لا أهدا (!!!)حتى يخرج برها كضياء وخلاصها كمصباح يتقد
62: 2 فترى الأمم برك و كل الملوك مجدك و تسمين باسم جديد يعينه فم الرب 62: 3 وتكونين إكليل جمال بيد الرب و تاجا ملكيا بكف إلهك
62: 4 لا يقال بعد لك مهجورة و لا يقال بعد لأرضك موحشة بل تدعين حفصيبة وأرضك تدعى بعولة لان الرب يسر بك وأرضك تصير ذات بعل
62: 5 لأنه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك
62: 6 على أسوارك يا أورشليم(!!!)أقمت حراسا لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام يا ذاكري الرب لا تسكتوا
62: 7 ولا تدعوه يسكت حتى يثبت و يجعل أورشليم تسبيحة في الأرض
62: 8 حلف الرب بيمينه و بذراع عزته قائلا أني لا ادفع بعد قمحك مأكلا لأعدائك ولا يشرب بنو الغرباء خمرك التي تعبت فيها
62: 9 بل يأكله الذين جنوه و يسبحون الرب و يشربه جامعوه في ديار قدسي
62: 10 اعبروا اعبروا بالأبواب هيئوا طريق الشعب اعدوا اعدوا السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية للشعب
62: 11 هوذا الرب قد اخبر إلى أقصى الأرض قولوا لابنة صهيون هوذا مخلصك ات ها أجرته معه و جزاؤه إمامه
62: 12و يسمونهم شعبا مقدسا مفديي الرب وأنت تسمين المطلوبة المدينة غير المهجورة
63: 1 من ذا الآتي من أدوم بثياب حمر من بصرة هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص..
(في النسخة الإنجليزية:هذا البهي بملابسه الذي يسافر في عظمة قوته، أما بصرة بضم الباء فلا يعرف أحد أين تقع الآن، فقد عجز قاموس الكتاب المقدس عن ذكر موقعها بالتحديد وقال:ربما تكون أرض قريبة من البحر الميت والتي تسمى بالبتراء، وقالت الموسوعة اليهودية:معناها أرض الأغنام لكن موقعها غير معروف تحديدا وقالت: أننا(تعني اليهود) مازلنا في انتظار هذا الآتي من إدوم مخلص اليهود المنتظر!!)
63 : 2 ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة
63 : 3 قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد فدستهم بغضبي ووطئتهم بغيظي فرش عصيرهم على ثيابي فلطخت كل ملابسي
63: 4 لان يوم النقمة في قلبي وسنة مفديي قد اتت
63: 5 فنظرت ولم يكن معين و تحيرت اذ لم يكن عاضد فخلصت لي ذراعي و غيظي عضدني
63: 6 فدست شعوبا بغضبي واسكرتهم بغيظي و أجريت على الأرض عصيرهم
والنص كله كما ترون يتكلم عن مدينة الله الجديدة، وعن نبي آخر الزمان الذي سيبعثه الله ليرث الأرض هو وأمته ويقيم الحق فيها بعد انتشار الظلم والفساد.. ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.. وينتقم به الله من أعدائه
والنص يستفيض في شرح الأحوال والظروف التي كانت تسود الأرض والتي سبقت بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – ( آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم.. أيديكم تنجست بالدم..حبلوا بتعب وولدوا إثما..فقسوا بيض أفعى..أعمالهم أعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم..ليس من يدعو بالعدل ويحاكم بالحق..أرجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدم الزكي..طريق السلام لم يعرفوه..تعدينا وكذبنا على الرب..ارتد الحق إلى الوراء.. وصار الصدق معدوما..معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد علينا..ننتظر نورا فإذا ظلام ضياء فإذا ظلام دامس.. فرأى أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع… ) وتلك الأحوال والظروف لم تجتمع كلها معا ، ولم تكن بهذا السوء إلا قبل بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بعد فترة من انقطاع الرسل على الأرض ، وهذه الظروف لم تكن هكذا قبل بعثة المسيح عليه السلام ، كما أن قوله (فرأى أنه ليس إنسان) متوافق مع حال البشرية قبل بعثة الرسول-صلى الله عليه وسلم- ، ولا يتوافق مع حالها قبل بعثة المسيح ؛ فالأرض لم تكن تخلو من الصالحين والمؤمنين الذين يدعون إلى الخير ، بل إن المسيح قد بعث في وجود يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) عليهما السلام.
وفي النص إشارة واضحة لما قام به علماء بني إسرائيل من تحريف الكتاب والكذب على الله 59: 13(تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم والمعصية حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب)..(/17)
وفي النص إشارة إلى النور الذي سيشرق على الأمميين في هذه الأرض 60: 3 ( فتسير الأمم في نورك ) والأمم هنا أيضا ليست ترجمة لكلمة nations كما هو متوقع ولكن ترجمة لكلمة gentiles وتترجم بالعربية إلى الأمميين وهم الأمم من غير أهل الكتاب…
ونجد في النص إشارة واضحة إلى قوافل الإبل التي كانت تأتي من جنوب الجزيرة العربية والمشار إليها بمملكة سبأ 60: 6 ( تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا ) وهذه النبؤة لم تتحقق للقدس ، بل تحققت لمكة ، ولابد لهذه النبؤة أن تكون قد حدثت بالفعل في الماضي ؛ فقد انتهى عصر الإبل وعصر القوافل..
وكذلك نجد في نص أشعياء السابق إشارة واضحة إلى نحر الذبائح (كل غنم قيدار تجبي إليك،كباش نبايوت تخدمك ، تصعد مقبولة على مذبحي).
وذلك يؤكد أن الكلام عن مكة وليس بيت المقدس؛ لأن القدس ليس لها علاقة بغنم قيدار بن إسماعيل الذي تنسب إليه قبائل مكة، والذي يخبرنا الكتاب المقدس أنه قد سكن في بلاد العرب ( وحي من جهة بلاد العرب…يفنى كل مجد قيدار ).. كما أنه لا يخفى على أحد أن نحر الذبائح هو أحد مناسك الحج في الإسلام.
وفي النص السابق نجد إشارة واضحة إلى الطرق التي يسلكها الحجاج لأداء فريضة الحج:
60: 6 تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتى من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب.
60: 8 من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها.
60: 9 إن الجزائر تنتظرني و سفن ترشيش في الأول لتأتي ببنيك من بعيد و فضتهم و ذهبهم معهم لاسم الرب إلهك.
فالأولى تتحدث عن الجمال، والثانية يتعجب المتحدث من هؤلاء الطائرين كسحاب أو حمام ولا يعرف ما هم وهو إشارة واضحة إلى الطائرات، والثالثة تشير إلى السفن.. و(ترشيش) لم يحدد قاموس الكتاب المقدس ما المقصود بها فقال أن هذا الاسم كان مشهورا أيام سليمان عليه السلام، وقال أيضا أنه اسم كان يطلق على مكان في أسبانيا أثناء حكم العرب، ورجح في النهاية أنه لفظ يطلق على كل السفن الضخمة..
وفي النص أيضا إشارة لصفة الصحابة رضي الله عنهم 61 : 9( و يعرف بين الأمم نسلهم و ذريتهم في وسط الشعوب كل الذين يرونهم يعرفونهم إنهم نسل باركه الرب ) 61 : 11 ( لأنه كما أن الأرض تخرج نباتها وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت برا و تسبيحا أمام كل الأمم) وهي الصفة التي ذكرها القرآن في سورة الفتح : (محمد رسول الله ، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ) ..
ونجد في النص إشارة إلى حدوث النصر والفتح على يد آبائنا الأوائل من المسلمين ، وإلى ما فعلهوه من تطهير الأرض وتنقيتها من الحجارة والأصنام 62 : 10(اعبروا اعبروا بالأبواب هيئوا طريق الشعب أعدوا أعدوا السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية للشعب)..
ونجد في النص إشارة إلى غير العرب الذين يبنون أسوار مكة 60:10 ( وبنو الغريب يبنون أسوارك )،وكم من الأيدي العاملة الآن وذوي الخبرات من مختلف الأقطار يعملون فيها، ويشيدون قلاعها تحت الأرض وفوق الأرض..
ونجد إشارة واضحة إلى كثرة الثروات والكنوز التي سيمن الله بها على هذه الأرض60: 5 (تتحول إليك ثروة البحر ويؤتى إليك غنى الأمم )،والثروات والكنوز لم تكن للقدس أبدا، وإنما لمكة التي تعد من أغنى بقاع الأرض..(10)
وفي النص السابق أيضا إشارة إلى انتشار دولة الإسلام وتحولها من الضعف والقلة إلى القوة والكثرة؛ فالأمة التي بدأت برجل ضعيف يدعو إلى ربه سرا متخفيا من أعدائه قد صار أمة قوية وملك الأرض من مشرقها إلى مغربها.. وبشر المساكين وأخرج من الحبس المأسورين.. وأخرج الناس جميعا من ظلمات الكفر والشرك إلى عبادة الله الحق.. وانتقم به الله من أعدائه وعزى به كل النائحين.. 60: 22 ( الصغير يصير ألفا والحقير أمة قوية أنا الرب في وقته أسرع به، روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي المسبيين بالعتق والمأسورين بالإطلاق لأنادي بسنة مقبولة للرب و بيوم انتقام لإلهنا لأعزي كل النائحين)..
وليخبرنا أهل الكتاب عن نبي اجتمعت فيه صفات التحول إلى القوة والكثرة بعد الضعف والقلة وجمع بين تبشير المساكين وتعزية النائحين وبين الانتقام من أعداء الله غير نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم..(/18)
ونجد إشارة إلى ميراث أمة الإسلام للأمم الأخرى61: 6 (أما انتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتآمرون).. وليس أدل على ميراث أمة الإسلام للأمم الأخرى من أن أرض المشرق التي تشمل بلاد الشام والبلاد العربية وبلاد فارس؛ تلك الأرض التي كانت معقلا لنشأة وانتشار الرسالات السابقة، وتكاد تخلو الأرض الآن من عبادة الله إلا منها، وتكاد تغطي الأرض نزعات الإلحاد والمادية والطبيعية فيما سواها، والتي يكاد ينحصر كلام الكتاب المقدس نفسه بعهديه القديم والجديد عليها وعلى تاريخ الأمم والأنبياء بها.. قد صارت كلها إسلامية!!!..( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )!!
وفي النص أيضا إشارة واضحة إلى أن الناس سوف يقصدون هذه الأرض ويطلبون زيارتها، وأنها ستكون الأرض المعمورة !! 62 : 12(وأنت تسمين المطلوبة المدينة غير المهجورة)
وليخبرنا الذين يحملون النبوءة على القدس: متى تحققت تلك الصفات للقدس في يوم من الأيام ؟!!
وهذه الصفات لا بد أن تكون قد تحققت بالفعل كما أوضحنا.. ولا معنى لما يدعيه اليهود من أن هذه النبؤة لم تتحقق بعد، وأن هذا المخلص الذي سوف ينتصر لهم، ويدوس العالم بقدمه، ويلطخ بعصير الناس من غير اليهود ملابسه لم يأت بعد!!..وما زالوا منتظرين!!
ويخبرنا معجم الطرق القديمة ( إنشنت تراد روتس ) أن إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية ، وأنها امتدت من هذا الخط لتشمل كل الأراضي على الساحل الشرقي للبحر الأحمر( كما أوضحنا قبل ذلك )..
وتجمع كتب الحديث على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يلبس حلة حمراء لم ير أجمل منه ولا أبهى منه أحد قط،بل لم ير أجمل منه شيء قط!!..فقد روي عن البراء رضي الله عنه أنه قال في صفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه) متفق عليه..
ولا يختلف أحد من الأولين والآخرين في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخرج في غزواته بنفسه وحوله قوته من الصحب الكرام رضي الله عنهم..
وأعود الآن لأطرح نفس التساؤل عن ذلك النبي الذي سيبعثه الله ويأتي آخر الزمان لكي يقيم الحق في الأرض، ويستمر مجده ومجد مدينته إلى قيام الساعة، وأكرر نفس السؤال الذي ورد في النص: من ذا الآتي من ادوم بثياب حمر ؟ من هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته؟
هل يكون ذاك النبي هو موسى عليه السلام ؟!
بالطبع لا.. فموسى لم يأت من إدوم، كما أن النص يشير لنبي يأتي بعد أن يعم الخراب في الأرض، وينتشر الفساد في ربوعها؛ فيبعثه الله لإصلاحها، ويخبر النص أيضا أن مجده ومجد أمته يستمر إلى الأبد، ولم يدع أحد أن موسى كان آخر الأنبياء، مما يجعل حمل النص على موسى غير وارد على الإطلاق..
هل يكون المسيح عليه السلام ؟!
بالطبع لا أيضا .. فالمسيح لم يأت من إدوم، ولم يكن له قوة عظيمة يخرج فيها..كما أن تلك الصفات لم يتحقق منها شيء على القدس بعد بعثة المسيح عليه السلام؛ فلم تأت إليها الإبل من جنوب الجزيرة العربية!!! ولم تجتمع إليها أغنام قبائل مكة!!! ولم يحل بها أمن أو أمان ، بل إن أول ما حدث بعد رحيل المسيح عليه السلام هو اضطهاد تلاميذه وفرارهم في ربوع الأرض! ، وتاريخ القدس على مر العصور خير شاهد على الظلم والدمار وسفك الدماء، ولا زالت القدس حتى الآن تعاني الجراح، وتشتكي الآلام، ولازال شعارها المرفوع دائما هو الأرض ( مقابل السلام!)...كما لم يزعم أحد من الأولين أو الآخرين أن الله قد بعث المسيح عليه السلام لكي ينتقم به من أعدائه أو ليدوس الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ويرش عصيرهم على ثيابه ويلطخ كل ملابسه !! ، وبذلك فلا يمكن حمل النص أيضا على المسيح عليه السلام..
إذن فمن يكون ذلك الأخير الذي بعثه الله لإصلاح الأرض بعد إفسادها ؟!!
من يكون ذاك الذي أيده الله بالقوة الروحية فبشر المساكين وعصب منكسري القلب ونادى المسبيين بالعتق والمأسورين بالإطلاق وعزى النائحين، وأيده بالقوة المادية فانتقم من أعداء الله وداس الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ورش عصيرهم على ثيابه ولطخ كل ملابسه ؟!!!
من يكون ذلك البهي المتعظم في كثرة قوته ؟!!
من يكون إذن يا ترى ؟!!!!
ويعود النص ليؤكد أن الأمن والسلام هما شعار هذه الأرض؛ فيخبر أن أبوابها تفتح ولا تغلق، وأنها لا يظلم فيها أحد بعد اليوم ولا يحل بها خراب:
60: 11 وتنفتح أبوابك دائما نهارا وليلا لا تغلق ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم.
60: 18 لا يسمع بعد ظلم في أرضك و لا خراب أو سحق في تخومك بل تسمين أسوارك خلاصا وأبوابك تسبيحا.
وهذا الكلام لا ينطبق أبدا علي القدس كما قلنا.. أليست القدس هي أرض الظلم، وأرض الخراب، وأرض الحروب والنزاعات إلى اليوم؟!!
أليست تهدم البيوت بالدبابات، ويقتل الغلمان بالرشاشات، ولا تكاد تسمع فيها سوى صوت الانفجاريات ؟!!(/19)
ثم إن أبوابها تغلق أكثر مما تفتح !!.
هل يصر الآن عاقل أن هذا النص يتحدث عن القدس؟!!
إذا أصر على رأيه فإن عليه أن يقتل التاريخ، وإن لم يستطع أن يقتل التاريخ فليقتل حتى آرييل شارون!!!
نواصل مع ابن تيميه:
قالوا وقال أشعياء النبي ونص على خاتم النبوة ولد لنا غلام يكون عجبا وبشرا والشامة على كتفيه أركون السلام إله جبار وسلطانه سلطان السلام وهو ابن عالمه يجلس على كرسي داود قالوا الأركون هو العظيم بلغة الإنجيل والأراكنة المعظمون ولما أبرأ المسيح مجنونا من جنونه قال اليهود إن هذا لا يخرج الشياطين من الآدميين إلا بأركون الشياطين يعنون عظيمهم وقال المسيح في الإنجيل إن أركون العالم يدان يريد إما إبليس أو الشرير العظيم الشر من الآدميين وسماه إلها على نحو قول التوراة إن الله جعل موسى إلها لفرعون أي حاكما عليه ومتصرفا فيه وعلى نحو قول داود للعظماء من قومه إنكم آلهة فقد شهد أشعياء بصحة نبوة محمد ووصفه بأخص علاماته وأوضحها وهي شامته فلعمري لم تكن الشامة لسليمان ولا للمسيح وقد وصفه بالجلوس على كرسي داود يعني أنه سيرث بني إسرائيل نبوتهم وملكهم.
والنص السابق أيضا له نص مشابه موجود للآن في سفر أشعياء:
9: 6 – 7 (الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور، أكثرت الأمة، عظم لها الفرح، يفرحون أمامك كالفرح في الحصاد، كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة، لأن نير ثقله وعصا كتفه وقضيب مسخره كسرتهن كما في يوم مديان، لأن كل سلاح المتسلح في الوغى (الحرب) وكل رداء مدحرج في الدماء يكون للحريق مأكلا للنار، لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام لنمو رياسته وللسلام لا نهاية، على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن فصاعدا غيرة رب الجنود تصنع هذا ).
والملفت للنظر في النص السابق هو أن كلمة السلام الواردة في النص يقول عنها القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس أنها بالعبرية (شيلاميم)، وبذلك يتضح المعنى ويستقيم الكلام مرة أخرى: (رئيس الإسلام لنمو رياسته وللإسلام لا نهاية)..أليس هذا أظهر للمعنى وأسلم للسياق أيضا ؟!! .. وهل هذا من قبيل المصادفة أن تتكرر شيلاميم في نبوءتين تشيران للنبي الكريم إلا أن يكون المقصود بها الإسلام نفسه؛ وإذا كان المقصود بها السلام وليس الإسلام فلماذا لم تكن الكلمة (شالوم) كما هو متعارف عليه في اللغة العبرية وفي نصوص الكتاب المقدس الأخرى ؟!!
ويقول القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس أن كلمة (شيلاميم) قد وردت أيضا في سفر اللاويين 7: 29، والذي نلاحظه هو أن الكلمة لم تترجم في النص العربي إلى السلام كما هو معتاد ولكن ترجمت إلى (السلامة)!!
(كلم بني إسرائيل قائلا الذي يقرب ذبيحة سلامته للرب يأتي بقربانه)!!
أليس مما يستدعيه السياق أيضا أن يقول ( ذبيحة إسلامه للرب ).. حتى يستقيم الكلام ويظهر المعنى مرة أخرى ؟!!!
غير أن هناك نصا آخر موجود للآن بين نصوص الكتاب المقدس يحتوي على صفات لشخص يأتي بعد المسيح، وتلك الصفات لم تخص أحدا من العالمين سوى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو ما جاء في رؤيا يوحنا 19: 10 – 16 (فخررت أمام رجليه لأسجد له فقال لي انظر لا تفعل أنا عبد معك ومع أخوتك الذين عندهم شهادة يسوع اسجد لله فإن شهادة يسوع هي روح النبوة، (ثم) رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أمينا وصادقا !! وبالعدل يحكم ويحارب وعيناه لهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو وهو متسربل بقميص مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزا أبيضا ونقيا ومن فمه يخرج سيف ماض ليضرب به الأمم وهو سيرعاهم بعصا من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب)..
فهل يكون ذلك من قبيل المصادفة أيضا أن يكون ذلك الذي رآه يوحنا في الرؤيا يلقب بالصادق الأمين!! ويجلس على فرس أبيض!! وبالعدل يحكم ويحارب!!.. والنص يوضح أن الصادق الأمين ليس مجرد صفة وإنما لقب يدعى به (والجالس عليه يدعى صادقا وأمينا).
وهل من قبيل المصادفة أيضا أن من صفاته السيف الذي سيضرب به الأمم المتمردة على ربها ويرعاها بعصا من حديد!!(/20)
وأما اسمه الذي لا يعرفه غيره فلأنه ليس من قومهم، ولا لغته هي لغتهم، وأحسب أن المقصود بالتيجان الكثيرة هو ميراثه لأمم الأرض، واستعلائه عليها جميعا، وكذلك المقصود بملك الملوك ورب الأرباب هنا هو إشارة إلى امتداد ملكه وعظمة حكمه، فالأرض لم تشهد قط حاكما في عظمة نبي الإسلام – صلى الله عليه وسلم- كما أنها إشارة إلى أنه سيكون النبي الخاتم إمام الأنبياء جميعا، ولا يمكن أن تشير إلى الله نفسه؛ لأن الكلام من البداية عن شخص يركب فرساً أبيض، ويدعى صادقا وأمينا، وأنه سيحارب ويحاكم بالعدل، وسوف يكون وسيلة الله للتعبير عن سخطه وغضبه على الأمم (وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كلشيء ).(11)
وليخبرنا من عنده علم الكتاب عن شخص أتى بعد المسيح أو حتى قبله كان يلقب بالصادق الأمين، واجتمعت له صفات الحق والعدل، ومحاربة الأمم المتمردة على ربها - غير رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم!!
ومن بعض الصفات التي وردت في الكتاب المقدس أيضا وحملها علماء المسلمين على الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء في سفر نشيد الإنشاد 5: 9، حيث تصف أنثى لصاحباتها أوصاف من تحبه، وتستفيض في شرح هذه الصفات الذي لا ينطبق الكثير منها إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مما وصف به في كتب الحديث مثل صحيح البخاري وغيره فتقول:( حبيبي أبيض وأحمر معلم بين ربوة-عشرة آلاف في النسخة الإنجليزية- رأسه ذهب إبريز قصصه مسترسلة حالكة كالغراب … يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت الأزرق… حلقه حلاوة وكله مشتهيات هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم ).
والملفت للنظر هنا ليس فقط تلك الصفات الواردة في النص، والتي وردت أيضا في كتب الحديث في وصف الرسول-صلى الله عليه وسلم-، ولكن الملفت للنظر أيضا هو أن كلمة (كله مشتهيات)، والتي جاءت قبل عبارة (هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي)، والتي يتوقع أن يذكر اسم الشخص المقصود قبلها - هي في النسخة العبرية ( محمديم )، وتلك الزيادة المضافة لكلمة (محمد) تستخدم للتعظيم في اللغة العبرية؛ مما يدل على أن المقصود اسم وليس صفة.. والجملة كما وردت في النسخة الإنجليزية هكذا:
He is (altogether lovely) (machmadim في العبرية) this is my beloved and this is my friend o daughters of Jerusalem.
وكلمة ( machmad (في العبرية بدون الزيادة التي تستخدم للتعظيم(im)- تتألف من حروف ميم حيت ميم داليت، وهي نفس الحروف التي تكون كلمة ( محمد ) في العربية، وتترجم إلى الحمد أحيانا، وإلى الاشتهاء كما جاءت في النص أحيانا، وإلى معان قريبة من ذلك أحيانا أخرى، إلا أن زيادة التعظيم كما قلنا وموضع الكلمة من الكلام يؤكد أنها اسم لشخص وليست صفة.. وهل الأنسب أن يقال: ( إنه المشتهى العظيم هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي) أم أن يقال ( إنه محمد العظيم هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي) ؟!!
فهل ذلك من المصادفة أيضا أن تأتي كلمة محمديم تحديدا في الموضع الذي يتوقع ذكر اسم الشخص المقصود فيه ؟!!
ومن النصوص التي لا تزال توجد للآن في الكتاب المقدس وذكر بها اسم النبي صلى الله عليه وسلم صريحا هو ما ورد في سفر حجي 2: 6-9 ( لأنه هكذا قال رب الجنود هي مرة بعد قليل فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجدا قال رب الجنود، لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود، مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام قال رب الجنود )..
وكلمة مشتهى التي وردت في النص هي ترجمة لكلمةHEMDA (حمدا) في العبرية ، وحروفها أيضا هي نفس الحروف التي يشتق منه اسم النبي صلى الله عليه وسلم بالعربية ؛ والعجيب أن النصارى قالوا أنHEMDA هو المسيح عليه السلام وليس محمد صلى الله عليه وسلم !!
وأحسب أن أي منصف عندما يقرأ النص السابق لن يجادل في أن البيت المذكور بالنص هو البيت الحرام بمكة وأن السلام الذي ملأ البيت هو الإسلام وأن HEMDA ليس أي واحد سوى محمد صلى الله عليه وسلم .
ولست أدري من أجل من يعبث بآيات الله وكتبه هكذا!!
من أجل من يترجم الإسلام إلى السلام والسلامة تارة ، ومحمديم وحمدا إلى المشتهى تارة ، والأمميين إلى الأمم تارة ، وبكة إلى البكاء تارة أخرى ؟!!
أمن أجل الله ؟! .. أم محمد ؟!! .. أم المسيح ؟!!!
فليفرح إبليس اللعين إذن ، وليسعد قلبه ؛ فمن أجل عيونه يعصى الله ، وتبدل كتبه ، ويكذب رسله!!
وليهنأ الحقد والهوى، وليهنأ التعصب الأعمى؛ فمن أجله تشترى الدنيا بالآخرة، والعذاب بالمغفرة، ونيران الجحيم بجنات النعيم !!
فما أجرأه على الله ما أجرأه !،وما أصبره على النار ما أصبره !، وما أظلمه وما أجرمه !، وما أفجره وما أحقره ! .. من ضلت نفسه حسدا .. وأضل وراءه أمما..
نواصل مع ابن تيميه:(/21)
قالوا وقال أشعياء والمراد مكة أنا رسمتك على كفي وسيأتيك أولادك سراعا ويخرج عنك من أراد أن يخيفك ويخونك فارفعي بصرك إلى ما حولك فإنهم سيأتونك ويجتمعون إليك فتسمي باسمي إني أنا الحي لتلبسي الحلل وتزيني بالإكليل مثل العروس ولتضيقن خراباتك من كثرة سكانك والداعين فيك وليهابن كل من يناوئك وليكثرن أولادك حتى تقولي من رزقني هؤلاء كلهم وأنا وحيدة فريدة يرون رقوب فمن ربى لي هؤلاء ومن تكفل لي بهم قالوا وذلك إيضاح من أشعياء بشأن الكعبة فهي التي ألبسها الله الحلل الديباج الفاخرة ووكل بخدمتها الخلفاء والملوك ومكة هي التي ربا الله لها الأولاد من حجاجها والقاطنين بها وذلك أن مكة هي التي أخرج عنها كل من أن أراد أن يخيفها ويخربها فلم تزل عزيزة مكرمة محرمة لم يهنها أحد من البشر قط بل أصحاب الفيل لما قصدوها عذبهم الله العذاب المشهور ولم تزل عامرة محجوجة من لدن إبراهيم الخليل بخلاف بيت المقدس فإنه قد أخرب مرة بعد مرة وخلا من السكان واستولى العدو عليه وعلى أهله وكذلك إخباره بإهانة كل من يناوئها هو للكعبة دون بيت المقدس قال تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).
قالوا وقال أشعياء حاكيا عن الله تعالى أشكر حبي وابني أحمد فسماه الله حبيبا وسماه ابنا وداود ابنا غير أن الله خصه عليهم بمزية فقال حبي ابني أشكره فتعبد أشعياء بشكر محمد ووظف عليه وعلى قومه شكره وإجلاله ليتبين قدره ومنزلته عنده وتلك منقبة لم يؤتها غيره من الرسل وقال أشعياء إنما سمعنا من أطراف الأرض صوت محمد وهذا إفصاح من أشعياء باسم رسول الله فليرنا أهل الكتاب نبيا نصت التوراة على اسمه صريحا سوى رسول الله.
وأما امتلاء السماء من بهاء أحمد بأنوار الإيمان والقرآن التي ظهرت منه ومن أمته وامتلاء الأرض من حمده وحمد أمته في صلواتهم فأمر ظاهر فإن أمته هم الحمادون لا بد لهم من حمد الله في كل صلاة وخطبة ولا بد لكل مصل في كل ركعة من أن يقول الحمد لله رب العالمين...فهم يفتحون القيام في الصلاة بالتحميد ويختمونها بالتحميد وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع يقول إمامهم سمع الله لمن حمده ويقولون جميعا ربنا ولك الحمد ويختمون صلاتهم بتحميد يجعل التحيات له والصلوات والطيبات وأنواع تحميدهم لله مما يطول وصفه.
وقال دانيال عليه السلام وذكر محمد رسول الله باسمه فقال ستنزع في قسيك إغراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء فهذا تصريح بغير تعريض وتصحيح ليس فيه تمريض فإن نازع في ذلك منازع فليوجدنا آخر اسمه محمد له سهام تنزع وأمر مطاع لا يدفع..
الدين والدولة لعلي بن الطبري
وقد كان صاحب هذا الكتاب نصرانيا وهداه الله للإسلام وتوفى في عام 247هجرية، ويقول في كتابه:جاء في سفر أشياء:(إني جعلت اسمك محمدا يا محمد يا قدوس الرب اسمك موجود من الأبد).
ويقول أيضا في نفس الكتاب الذي كتبه قبل أكثر من ألف سنة: جاء في سفر حبوق: (إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلأت الأرض من حمده ).
والنبؤة السابقة التي ذكرها صاحب كتاب الدين والدولة منذ أكثر من ألف عام هي نفس النبؤة التي ذكرناها قبل ذلك ولكن غير متضمنة اسم النبي –صلى الله عليه وسلم – صريحا، وأيضا كلمة (حمده ) مذكورة بدلا من (تسبيحه )..والكلمة كما وردت في النسخة الإنجليزية هي praiseوترجمتها بالعربية التسبيح و ( الحمد ) أيضا..
وكتب التراث التي كتبها العلماء الأفاضل من علماء المسلمين تحفل بالبشارات التي تتحدث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في الكتاب المقدس، ويكفينا ما نقلناه لكم لبيان ما أردنا قوله..
(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن كثيرا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) البقرة 146
(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) الأنعام 20
أمة واحدة
قال الله تعالى :(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء: 92
هناك أمور إسلامية عديدة: كالصوم، والصلاة، والزكاة، والجهاد، والحجاب، وأصول العقيدة، وغيرها - قد وردت في الكتاب المقدس، وإنما نفرد تلك الأمور المشتركة بين الكتب السماوية في هذا العمل لنبين أن ما جاء به الأنبياء جميعا لا يختلف في مضمونه وفي أهدافه عن بعضه البعض.. ولذلك يقول الله في سورة الأنبياء ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )..
ونذكر هنا كلمة النجاشي عظيم الحبشة حينما عرض عليه جعفر بن أبى طالب أمور من التي يدعو إليها الإسلام فرد النجاشي قائلا: (إن هذا وما أتى به المسيح ليخرجان من مشكاة واحدة)..
فلنقرأ الآن بعض الآيات التي وردت في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، والتي تبين أن نبع الهداية في كل الرسالات السماوية واحد، وأن أصل التشريع كله هو من لدن عزيز حكيم.. وكفى بكلام الله هاديا ودليلا.
الصلاة
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في سفر التكوين الإصحاح 17 الفقرة 1، 2، 3:(/22)
17: 1 و لما كان إبرام ابن تسع و تسعين سنة ظهر الرب لإبرام و قال له أنا الله القدير سر أمامي و كن كاملا.
17: 2 فاجعل عهدي بيني و بينك و أكثرك كثيرا جدا.
17: 3 فسقط إبرام على وجهه و تكلم الله معه قائلا.
وورد في رؤيا يوحنا الإصحاح 7 الفقرة 11:
11:7 وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات أربع وخروا أمام العرش علي وجوههم وسجدوا لله.
وورد في المزمور 95 الفقرة 6:
6:95 هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا.
وورد في سفر الخروج الإصحاح 34 الفقرة 8:
فأسرع موسى وخر إلى الأرض وسجد.
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) التوبة: 18
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين.. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) البقرة :2 – 4
( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون.. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.. أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) الأنفال: 2 – 4
( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.. واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) هود : 114 – 115
( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء.. رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ) إبراهيم: 39 – 40
( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ) إبراهيم: 31
( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار.. جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب.. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) الرعد: 22 – 24
( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون.. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون.. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون.. وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ) الشورى: 37 – 40
( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا.. ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا.. وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.. وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.. وننزل من القرآن ما هو شفاء وحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) الإسراء: 78 – 82
الصوم
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في إنجيل متي الإصحاح 4 الفقرة 2:
2:4 فبعدما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيرا.
وورد في إنجيل لوقا الإصحاح 5 الفقرة 33:
33:5 وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرا ويقدمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضا وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون.
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) البقرة: 185
الحج
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في مزمور 84 الفقرة 2:
2:84 عابرين في وادي بكة يصيرونه ينبوعا.
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) آل عمران : 96 – 97
( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ) البقرة: 197
الحجاب
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس الإصحاح 11 الفقرة 5 (إذا المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها ).
وورد في نشيد الإنشاد:
4: 1 ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك...
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) النور:31
تحية الإسلام
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
جاء في إنجيل لوقا الإصحاح 10 الفقرة 5 ( وأي بيت دخلتموه فقولوا أولا سلام لهذا البيت)
بعض ما ورد في القران الكريم
( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) النور:27(/23)
الجهاد
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في سفر العدد في بداية الإصحاح 31 ( وكلم الرب موسى قائلا انتقم نقمة لبنى إسرائيل من المديانيين، فكلم موسى الشعب قائلا جردوا رجالا فيكونوا على مديان ألفا واحدا من كل سبط من جميع أسباط بنى إسرائيل ترسلون للحرب ).
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) الحج: 78
( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) البقرة: 218
( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) التوبة: 41
الختان
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في سفر التكوين الإصحاح 17 الفقرة 24،25 (وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته ).
من أقوال نبي الإسلام
( خمس من الفطرة: الاستحداد(حلق العانة) والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر ) متفق عليه.
الأضاحي
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في سفر الملوك الأول الإصحاح 8 الفقرة 62، 63: ( ثم إن الملك وجميع إسرائيل معه ذبحوا ذبائح أمام الرب وذبح سليمان ذبائح السلامة التي ذبحها للرب من البقر اثنين وعشرين ألفا ومن الغنم مائة ألف وعشرين ألفا ).
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) البقرة 196
الزكاة
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في سفر العدد الإصحاح 31 الفقرة 37، 38:
(وكانت الزكاة للرب من الغنم ست مائة وخمسة وسبعين والبقر ستة وثلاثين ألفا وزكاتها للرب اثنين وسبعين ).
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير ) البقرة: 110
ولا تزر وازرة وزر أخرى
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في سفر حزقيال الإصحاح 18 الفقرة 20 إلى 22:
( الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن ).
بعض ما ورد في القرآن الكريم
( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ) الطور:21
( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) فاطر: 18
عقيدة الأنبياء في الألوهية من آدم وحتى محمد
بعض ما ورد في الكتاب المقدس
ورد في سفر التكوين الإصحاح الثالث الفقرة 21 – 23 ( وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما.. وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد.. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها).
وورد في سفر التكوين في الإصحاح السادس الفقرة 11 – 13 ( وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما.. ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض.. فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي لأن الأرض امتلأت ظلما منهم فها أنا مهلكهم مع الأرض.. اصنع لنفسك فلكا… ).
وورد في سفر التكوين الإصحاح 18 الفقرة 17 – 19 ( فقال الرب هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله.. وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع أمم الأرض.. لأني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برا وعدلا لكي يأت الرب لإبراهيم ما تكلم به…).
وورد في سفر أيوب الإصحاح 1 الفقرة 1 ( كان رجل في أرض عوص اسمه أيوب وكان هذا الرجل كاملا ومستقيما يتقي الله ويحيد عن الشر… )
وورد في سفر التكوين الإصحاح 32 الفقرة 9 ( وقال يعقوب يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق الرب الذي قال لي ارجع إلى أرضك وإلى عشيرتك فأحسن إليك… ).
وورد في سفر التكوين الإصحاح 39: 2- 3 ( وكان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا وكان في بيت سيده المصري ورأى سيده أن الرب معه وأن كل ما يصنع كان الرب ينجحه بيده… ).
وورد في سفر الخروج الإصحاح الثالث: 1 – 6 ( وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب.. وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق.. فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم لماذا لا تحترق العليقة.. فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى فقال هاأنذا.. فقال لا تقترب إلى هاهنا اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة.. ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب … )(/24)
وورد في سفر الخروج الإصحاح 34 الفقرة 14 حيث يخاطب الله موسى عليه السلام قائلا: ( فإنك لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور إله غيور هو ).
وورد في سفر التثنية الإصحاح الرابع الفقرة 35 حيث يخاطب الله موسى قائلا:( الرب هو الإله ليس آخر سواه ).
وورد في سفر التثنية الإصحاح السادس الفقرة 4 حيث يخاطب موسى بني إسرائيل في أرض مواب قبل موته قائلا: (اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد).
وورد في إنجيل متى الإصحاح الرابع الفقرة 8 – 10 ( ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك الأرض ومجدها وقال له أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي حينئذ قال يسوع اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ).
وورد في إنجيل مرقس الإصحاح 12 الفقرة 28 - 29 (فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله أي وصية هي أول الكل فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ).
وورد في إنجيل يوحنا الإصحاح 1 الفقرة 18 (الله لم يره أحد قط).
وورد في سفر التثنية الإصحاح الرابع الفقرة 39 (فاعلم اليوم وردد في قلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل ليس سواه).
بعض ما جاء في القرآن الكريم
( قل هو الله أحد.. الله الصمد.. لم يلد ولم يولد.. ولم يكن له كفوا أحد ) سورة الإخلاص.
( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد )الكهف: 110
( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) البقرة: 163
( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض ) البقرة: 255
(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران : 18
( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ) النساء: 87
( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم ) آل عمران: 62
( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار.. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) يوسف: 39 – 40
( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ) المائدة 73
( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ) النساء : 177 .
( وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) الأعراف: 159
( قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون ) الأنعام: 19
( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ) الأنعام: 102
( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.. فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) التوبة: 128-129
( لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) الأعراف: 59
( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين.. الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.. فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ) يونس: 90 – 92
(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) النحل: 2
( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) الأنبياء: 25
( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين.. سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون..فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون..وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم ) الزخرف:81 - 84
( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا.. لقد جئتم شيئا إدا.. تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا.. أن دعوا للرحمن ولدا.. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا.. إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) مريم 88 – 93
(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران: 59(/25)
(وهل أتاك حديث موسى.. إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى.. فلما أتاها نودي يا موسى.. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى.. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى.. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري… ) طه: 9 - 14
( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.. يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون.. ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.. ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين.. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين )آل عمران: 64 – 68
( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين.. يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين.. ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون.. إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين.. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين.. قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل.. ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين.. ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون.. إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) آل عمران : 42 - 51(/26)
( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين.. الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.. وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون.. ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين.. إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.. قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين.. قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين.. قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين.. قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين.. وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين.. فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون.. قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين.. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.. قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون.. قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم.. قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون.. فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون.. ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.. قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم.. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون.. قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين.. قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم.. وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين.. ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين.. ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين.. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين.. ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين.. وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين.. ونوحا إذ نادى ربه من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم.. ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين.. وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين.. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين.. وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون.. ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين.. ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين.. وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.. فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين.. وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين.. وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين.. وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين.. وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين.. فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين.. والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين.. إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء: 48 – 92
قصص الأنبياء
الكتاب المقدس والقرآن الكريم يحفلان بذكر قصص الأنبياء، وإذا استفضنا في بيان القصص كما ورد في الكتاب المقدس وكما في القرآن الكريم لاحتاج ذلك إلى مجلدات ضخمة وجهود عظيمة.. لذلك سنكتفي هنا بذكر بعض المقتطفات البسيطة مما ورد عن قصة نبي الله يوسف في الكتاب المقدس وفي القرآن الكريم..
الكتاب المقدس
( ثم حلم أيضا حلما آخر وقصه على إخوته فقال إني قد حلمت حلما أيضا وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدة لي ) التكوين 37: 9
القرآن الكريم
( إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين )يوسف: 4
الكتاب المقدس
( فقال بعضهم لبعض هو ذا صاحب الأحلام قادم..فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحش رديء أكله فنرى ماذا تكون أحلامه.. فسمع راوبين وأنقذه من أيديهم وقال لا نقتله.. وقال لهم راوبين لا تسفكوا دما اطرحوه في هذه البئر التي في البرية ولا تمدوا إليه يدا لكي ينقذه من أيديهم ليرده إلى أبيه.. فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه القميص الملون الذي عليه.. وأخذوه وطرحوه في البئر أما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء ) التكوين37 : 19 – 27
القرآن الكريم
( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين.. اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين.. قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ) يوسف: 8 – 10
الكتاب المقدس(/27)
( فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسا من المعزى وغمسوا القميص في الدم.. وأرسلوا القميص الملون وأحضروه إلى أبيهم وقالوا وجدنا هذا حقق قميص ابنك هو أم لا ) 37: 31 – 32
القرآن الكريم
( وجاءوا أباهم عشاء يبكون.. قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين.. وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) يوسف: 16 – 18
الكتاب المقدس
وأما المديانيون فباعوه لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرطة … وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت اضطجع معي.. فأبى وقال لامرأة سيده هو ذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدي.. ليس هو في هذا البيت أعظم مني ولم يمسك عني شيئا غيرك لأنك امرأته فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطىء إلى الله ) التكوين39:7 – 9
القرآن الكريم
( وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون.. وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.. وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين.. وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ) يوسف: 19 – 23
الكتاب المقدس
( فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة دخل إلي العبد العبراني الذي جئت به إلينا ليداعبني… فأخذ يوسف سيده ووضعه في بيت السجن المكان الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه وكان هناك في بيت السجن ) التكوين 39: 17 – 20
القرآن الكريم
( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين.. فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم.. ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) يوسف: 33 – 35
الكتاب المقدس
( وحدث بعد هذه الأمور أن ساقي ملك مصر والخباز أذنبا إلى سيدهما ملك مصر.. فسخط فرعون على خصييه رئيس السقاة ورئيس الخبازين.. فوضعهما في حبس بيت رئيس الشرط في بيت السجن المكان الذي كان يوسف محبوسا فيه… وحلما كلاهما حلما في ليلة واحدة كل واحد حلمه كل واحد بحسب تعبير حلمه ساقي ملك مصر وخبازه المحبوسان في بيت السجن … فقص رئيس السقاة حلمه على يوسف وقال له كنت في حلمي وإذا كرمة أمامي.. وفي الكرمة ثلاثة قضبان وهي إذا أفرخت طلع زهرها وأنضجت عناقيدها عنبا.. وكانت كأس فرعون في يدي فأخذت العنب وعصرته في كأس فرعون وأعطيت الكأس في يد فرعون.. فقال له يوسف هذا تعبيره الثلاثة قضبان هي ثلاثة أيام.. في ثلاثة أيام أيضا يرفع فرعون رأسك ويردك إلى مقامك فتعطي كأس فرعون في يده كالعادة الأولى حين كنت ساقيه..وإنما إذا ذكرتني عندك حينما يصير لك خير تصنع لي إحسانا وتذكرني لفرعون وتخرجني من هذا البيت… فلما رأى رئيس الخبازين أنه عبر جيدا قال ليوسف كنت أنا أيضا في حلمي وإذا ثلاثة سلال حواري على رأسي.. وفي السل الأعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز والطيور تأكله من السل عن رأسي.. فأجاب يوسف وقال هذا تعبيره الثلاث سلال هي ثلاثة أيام.. في ثلاثة أيام أيضا يرفع فرعون رأسك عنك ويعلقك على خشبة وتأكل الطيور لحما عنك… ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه ) التكوين 40 : 1 – 23
القرآن الكريم
( ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين )يوسف: 36
( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.. وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ) يوسف: 41 – 42(/28)
ثم يشرح بعد ذلك الكتاب المقدس رؤيا الملك للسبع بقرات السمان والعجاف والسبع سنبلات الخضر واليابسات ويحكي القصة بإسهاب شديد في إصحاح كامل 42 : 1 – 57 وهي كما وردت في القرآن الكريم ولكن القرآن يلخصها بأسلوبه البليغ وبيانه المعجز في بضعة سطور فيقول : ( وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون.. قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.. وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويل فأرسلون.. يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون.. قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون.. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون.. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) يوسف: 43 – 49 ثم يستمر الكتاب المقدس في سرد القصة كاملة إلى نهايتها كما وردت في القرآن الكريم…
ومما سبق جميعا يتبين لنا أن منبع الوحي ومصدر الرسالات جميعا هو من عند الله الواحد.. فهذا ما أعطاه الله للأنبياء، وما أعطاه لعبده ورسوله محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا تظهر لنا الحكمة الإلهية العظيمة في أن يكون آخر الأنبياء وصاحب الرسالة الخاتمة الجامعة لكل ما قبلها لا يقرأ ولا يكتب، وذلك حتى لا يرتاب المبطلون، ولا يتشكك المتشككون.. فأنى لمن لا يقرأ ولا يكتب أن يطلع على تاريخ الأمم وميراث الأنبياء إلا أن يكون الصادق المصدوق، الذي رفع الله قدره فأكرمه بوحي السماء، وأفاض عليه من نعمه فجعله خاتم الأنبياء.. فكان فضل الله عليه وعلينا جليلا.. وخيره مسبغا وجزيلا.. فالحمد لله رب العالمين بأن هدانا للحق المبين.. وله الحمد في الأولى والآخرة بأن شرفنا بإمام النبيين..
( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ) العنكبوت:48
(وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) النساء: 113
(فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين) الجاثية:36
المسيحية والعلمانية والإسلام
العلمانية كخطر عظيم يتهدد حاضرنا ومستقبلنا - أمر لابد من ذكره في كل موقف، والتنويه عنه في كل مناسبة، بل إن الكلام ينبغي أن يدفع دفعا، ويساق سوقا، من أجل التطرق إليها، وبيان ما تحويه من أخطار، وما تضمره من أحقاد، على الدين والمتدينين.
فلو صنف عاقل بأمور الدين، أو خبير بشئون المسلمين - الأخطار التي تهدد ديننا الحنيف، لوضع العلمانية في مقدمة ذاك التصنيف..
والعلمانية هي دعوة إلى اللادينية أو الدنيوية، وهى تهدف في المقام الأول إلى فصل الدين عن جميع مناحي الحياة، وللأسف الشديد فإن للعلمانية الآن أنصارا يروجون لأفكارها، ويدعون لاعتناقها مدعين أنها الحل الأصلح لكل المشاكل، والمخرج الأوحد من كل المآزق؛ وهم يسخرون في سبيل ذلك كل الإمكانيات من إعلام مسموع ومقروء وغير ذلك، غير مبالين بدين، ولا معتبرين لعقائد المسلمين.
ويدعى دعاة العلمانية أن الدين ليس إلا علاقة سرية ورباط خاص بين المرء وخالقه، وأن هذه العلاقة لا تتعدى إلى حدود المجتمع، أو نظم المعيشة، أو أساليب الحكم، أو غير ذلك من مختلف وجوه الحياة.
ولقد ظهرت العلمانية في أوروبا في القرن السادس عشر كوسيلة للتخلص من حكم رجال الكنيسة وتسلطهم على المجتمع.
فقد اتهم رجال الكنيسة كل من يقترف جريمة العلم بالهرطقة، وكل من يرتكب رذيلة البحث التجريبي بالكفر والإلحاد والخروج عن الدين.
وتم إنشاء محاكم التفتيش في أوائل القرن الثالث عشر، واستمرت إلى القرون التالية، وكان هدف هذه المحاكم محاربة الهرطقة في أنحاء العالم المسيحي، وكان الناس يساقون سوقا إلى محاكم التفتيش عن طريق الشبهة فقط أو عن طريق وشاية من أحد الجيران، وكان الواحد منهم يضرب حتى يعترف بذنبه فإذا لم يعترف نقل إلى مرحلة أعلى من التعذيب الجسدي، فإذا أصر على رأيه ورفض التراجع عن أفكاره كان يرمى في المحرقة!!
ويلخص لنا الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) تلك الملابسات التي أدت إلى فصل الدين عن الحياة في أوروبا ويصف مقدماتها ونتائجها فيقول:(/29)
((.. ولكن من أعظم أخطاء رجال الدين في أوروبا، ومن أكبر جناياتهم على أنفسهم وعلى الذين كانوا يمثلونه، أنهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة. معلومات بشرية، ومسلمات عصرية، عن التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية، ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر، وكانت حقائق راهنة لا يشك فيها رجال الدين ذلك العصر، ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم الإنساني … وإذا كان ذلك في عصر من العصور غاية ما وصل إليه عمر البشر فإنه لا يؤمن عليه التحول والتعارض. فإن العلم الإنساني متدرج مترق، فمن بنى عليه دينه فقد بنى قصرا على كثيب مهيل من الرمل. ولعلهم فعلوا ذلك بنية حسنة ولكنه كان أكبر جناية على أنفسهم وعلى الدين فإن ذلك كان سببا للكفاح المشئوم بين الدين والعقل والعلم، الذي انهزم فيه الدين. ذلك الدين المختلط بعلم البشر، الذي فيه الحق والباطل، والخالص والزائف..هزيمة منكرة، وسقط رجال الدين سقوطا لم ينهضوا بعده. وشر من ذلك وأشأم: أن أوروبا أصبحت لا دينية… ولم يكتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة. بل درسوا كل ما تناقلته الألسنة، واشتهر بين الناس، وذكره بعض شراح التوراة والإنجيل ومفسريهما من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية. وصبغوها صبغة دينية، وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي يجب الاعتقاد بها، ونبذ كل ما يعارضها وألفوا في ذلك كتبا وتآليف وسموا هذه الجغرافيا التي ما أنزل الله بها من سلطان: الجغرافيا المسيحية … وكان ذلك في عصر انفجر فيه بركان العقلية في أوروبا، وحطم علماء الطبيعة والعلوم سلاسل التقليد الديني. فزيفوا هذه النظريات الجغرافية التي اشتملت عليها هذه الكتب وانتقدوها في صرامة وصراحة، واعتذروا عن عدم اعتقادها والإيمان بها بالغيب؛ وأعلنوا اكتشافاتهم واختباراتهم. فقامت قيامة الكنيسة، وقام رجالها المتصرفون في زمام الأمور في أوروبا وكفروهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم في سبيل الدين المسيحي وأنشأوا محاكم التفتيش … ويقدر أن من عاقبت هذه المحاكم يبلغ عددهم ثلاثمائة ألف، أحرق منهم اثنان وثلاثون ألفا أحياء ! كان منهم العالم الطبيعي المعروف ( برونو )، وكذلك عوقب العالم الطبيعي الشهير ( جالليو ) لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس ! … هنالك ثار المجددون المتنورون، وعيل صبرهم، وأصبحوا حربا لرجال الدين وممثلي الكنيسة، والمحافظين على القديم، ومقتوا كل ما يتصل بهم، ويعزى إليهم، من عقيدة، وثقافة، وعلم، وأخلاق، وآداب، وعادوا الدين المسيحي أولا، والدين المطلق ثانيا، واستحالت الحرب بين زعماء العلم والعقلية وزعماء الدين المسيحي حربا بين العلم والدين مطلقا ! وقرر الثائرون أن العلم والدين ضرتان لا تتصالحان، وأن العقل والنظام الديني ضدان لا يجتمعان؛ فمن استقبل أحدهما استدبر الآخر ومن آمن بالأول كفر بالثاني. وإذا ذكروا الدين ذكروا تلك الدماء الزكية التي أريقت في سبيل العلم والتحقيق، وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة القساوسة ووساوسهم، وتمثل لأعينهم وجوه كالحة عابسة وجباه مقطبة، وعيون ترمي بالشرر، وصدور ضيقة حرجة، وعقول سخيفة بليدة؛ فاشمأزت قلوبهم؛ وآلوا على أنفسهم كراهة هؤلاء، وكل ما يمثلونه، وتواصوا به، وجعلوه كلمة باقية في أعقابهم ! … ولم يكن عند هؤلاء الثائرين من الصبر والمصابرة على الدراسة والتفكير، ومن الوداعة والهدوء، ما يميزون به بين الدين، ورجاله المحتكرين لزعامته، ويفرقون به بين ما يرجع إلى الدين من عهدة ومسئولية. وما يرجع إلى رجال الكنيسة من جمود واستبداد وسوء تمثيل، فلا ينبذوا الدين نبذ النواة.. ولكن الحفيظة وشنآن رجال الدين، والاستعجال.. لم يسمح بالنظر في أمر الدين والتريث في شأنه..كغالب الثوار ، في أكثر العصور والأمصار!!! )).
كانت تلك هي الظروف والملابسات التي ظهرت فيها العلمانية، والتي تم فيها فصل الدين عن جميع مناحي الحياة..
أضف إلى ذلك العداوة المستمرة بين المذهب البروتستانتي والمذهب الكاثوليكي، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من معتنقي الطائفتين، والتي كانت أحد الأسباب التي دفعت العلمانية إلى الظهور لوقف المذابح المستمرة بين الطائفتين إذا كانت إحدى الطائفتين على رأس الحكم في الكنيسة.
ولكن على الجانب الآخر فإن الإسلام بريء تماما مما اتهمت به المسيحية من تحدى العلم واتهام العلماء بالهرطقة.
فالإسلام لم يحارب العلم يوما، ولم يقف أبدا في طريق العلماء، بل إن القرآن يأمرنا دائما بالتأمل والتفكر وإعمال العقل، والنظر والتدبر في ملكوت السماء والأرض:
(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون). البقرة:164(/30)
(وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). الرعد:3
(إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين.. وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون.. واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون..تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) الجاثية : 3 – 6
بل إن الله يخبرنا أن الإنسان كلما زاد علمه زادت خشيته (إنما يخشى الله من عباده العلماء). فاطر:281
والقرآن به من الآيات العلمية التي لم تكتشف إلا حديثا ما يحير القلوب ويأسر الألباب:
( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) الفرقان: 53
( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) الأنبياء: 30
(ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) الأنعام: 125
وسنة نبينا-صلى الله عليه وسلم- عامرة بالأحاديث التي تحض على طلب العلم وتعلى من قدر العلماء:
(اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد).
(العلماء ورثة الأنبياء).
(من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)
(طلب العلم فريضة على كل مسلم)…
هذا بالنسبة للعلم، أما أمر الطوائف المتناحرة والتيارات المتنازعة مما عرفته المسيحية- فليس له مثيل ولا نظير في الإسلام، بل إن الإسلام الحنيف ينهانا عن إيذاء أهل الكتاب إذا لم يتعرضوا للمسلمين بالقتال أو يخرجوهم من ديارهم، بل إنه يدعونا للإحسان إليهم والبر بهم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). الممتحنة:8
إذن فالعلمانية قد ظهرت في الأساس للقضاء على مشكلة تسلط الكنيسة واضطهادها للعلم، وانفراد رجال الدين المسيحي بالحكم..وهذا الدافع لا يمكن أن يحمل على الدين الإسلامي بحال من الأحوال..
فليس في الإسلام سلطة مطلقة لرجال الدين دون غيرهم، بل إن كل مسلم ينبغي أن يكون رجل دين ودولة معا، وفى ذلك يقول السيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله:
((ليس في الإسلام ما يسمى بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه، ولكن الإسلام دين وشرع قد وضع حدودا ورسم حقوقا، والحاكم مكلف بإقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضي بالحق، أي أن له سلطة تنفيذية فقط، وهو ليس بالمعصوم وليس بمهبط الوحي ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط بين الحاكم عند المسلمين بما يسمى بالإفرنجثيوقراطيا أي السلطان الإلهي، فإن ذلك عندهم هو الذي ينفرد بتلقى الشريعة من الله وله حق الأثرة بالتشريع وله في الرقاب حق الطاعة)).
- كما أن الهدف الذي أرسل المسيح عليه السلام من أجله كان تهذيب النفوس، والسمو بالأخلاق، وإصلاح ما أفسدته الخراف الضالة من بيت بني إسرائيل؛ فالمسيحية لم تكن مشتملة على أساليب للحكم، أو نظام للمجتمع، وإنما كانت وسيلة لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق.
أما الإسلام فإنه كما يعنى بالجانب الروحي والخلقي؛ فإنه يضع أيضا نظاما للمجتمع، ويقنن أساليب للحكم، ويحدد وسائل للتعايش بين مواطنيه وبين مواطني الأديان الأخرى، ويكفل لجميع رعاياه الأمن والحماية وحرية العقيدة؛ فالإسلام كيان اجتماعي متكامل أنزله الله لكي يتمم به الشرائع ويصلح به كل زمان ومكان..
أضف إلى ذلك أن الجهل الذي كانت تعيشه البشرية في أيام المسيحية الأولى، وضيق الأفق الذي كانت تعانيه - لم يؤهل المسيحية لأن تكون أكثر من رسالة لتهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق؛ فلما جاء الإسلام بعد ستة قرون من الزمان كان العقل البشري قد تطور، والمستوى الفكري قد تقدم، وأصبحت البشرية مؤهلة لتلقى الشريعة الكاملة المتممة لجميع الشرائع.
ولو أدركنا ذلك جيدا لفهمنا قول المسيح عليه السلام لتلاميذه قبل أن يرحل:
(( إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق هو يرشدكم إلى جميع الحق )).
ولذلك أيضا فإن بعض ما اشتملت عليه المسيحية من تعاليم لم يكن صالحا للتطبيق إلا في زمن المسيح عليه السلام والأجيال التي بعده؛ فالمسيحية تجعل الزواج مثلا رباطا أبديا لا يمكن حله، وتقول أن ما جمعه الله لا يمكن أن يفرقه بشر؛ ولقد أدى تعنت رجال الدين المسيحي في هذا الأمر إلى انهيار خطير في بناء الأسرة؛ وذلك لأنه إذا استحالت العشرة بين الزوجين مع استحالة الانفصال بينهما فإن ذلك يؤدى إلى إنشاء علاقات محرمة خارج نطاق الأسرة.
وذلك بعكس الإسلام الذي أباح الطلاق ولم يجعل الزواج رباطا أبديا بين الزوجين إذا استحالت العشرة بين الزوجين؛ وبذلك فإن الإسلام كما شرع الزواج فقد شرع الطلاق أيضا، وما جمعه الله فالله أيضا يفرقه.(/31)
وهكذا ندرك أن السبب الذي دفع العلمانية للظهور في المجتمع الأوروبي ليس له ما يبرره على الإطلاق في البلاد الإسلامية..
لكن الذي حدث أن نفرا من بنى جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا - قد حكموا على الإسلام بما حكم به على المسيحية؛ فاعتنقوا العلمانية وأصبحت اللادينية هي دينهم!!.
وهؤلاء النفر إما من المثقفين الذين تلقوا تعليما غربيا علمانيا ولم يتلقوا بجانبه تعليما إسلاميا وكانوا بمعزل عن الإسلام وتعاليمه ومنهجه، وإما من هؤلاء الذين بهرتهم أضواء الغرب وحضارته مع إيمانهم العليل بالله وعلمهم الضئيل بدينه، وإما من هؤلاء الذين يبيعون أي شئ بأي ثمن حتى لو كان دينهم وتراث أمتهم..
ثم هم يطلبون منا بعد ذلك أن تكون علاقتنا بربنا علاقة سرية؛ فلا نسمح لتشريعاته بدخول المحاكم، ولا لتاريخ دينه وسيرة رسوله بدخول المدارس، ولا لتعاليمه بأن تسود المجتمع!!.
فهل ينتظر منا هؤلاء أن نسمع لهم ونقبل فكرهم ؟!
وهل يأملون في أن نترك ديننا الحق ونؤمن بما يعتنقوه؟!
لقد أنعم الله علينا بالإسلام، وأرشدنا به إلى سبل السلام؛ فكيف بنا بعد ذلك نعصى أمره، ونهمل شرعه، ونجحد حكمه؟!!
والله قد أنزل إلينا كتابا كي نبصر في نوره، ونسير في إشراقه؛ فهل نحيا بشرعه ونحكم بحكمه، أم نحكم عليه بالهجران وعلى أنفسنا بالخسران ؟!
كيف والله تعالى يقول: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم..أفلا تعقلون؟!!)؟!!الأنبياء: 10
لا نفرق بين أحد من رسله
قال الله تعالى:(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير). البقرة:285
لقد من الله علي الناس بأن عرفهم بنفسه، وأفاض عليهم من كرمه بأن هداهم إلى عبادته؛ فهو الواحد الأحد المعبود بحق الذي ليس له مثيل ولا نظير.
ولقد ابتعث الله الرسل من أجل هذه المهمة العظيمة.. وهي تعريف الناس بربهم خالق السماوات والأرض .. لكي يعبدوه وحده.. حتى يخرج الناس من الحيرة إلى الاطمئنان.. و من الشرك والكفر إلى الإيمان..
فالرسل في مجملهم قد بعثوا للقيام بمهمة واحدة؛ وهي هداية الناس إلى الله الواحد؛ فمن آدم أبو البشر وحتى محمد خاتم الأنبياء كان القصد هو التوحيد والأخذ بأيدي الناس إلى طريقه السديد؛ فما أتى به نوح عليه السلام لا يختلف عما أتى به إبراهيم، وما أتى به إبراهيم لا يختلف عما أتى به موسى، وما أتى به موسى لا يختلف عما أتى به عيسى، وما أتى به عيسى لا يختلف عما أتى به محمد- عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين-
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه). الشورى:13
لذلك فالله عز وجل ينهانا عن أن نفرق بين أحد من رسله؛ فالكل هدفهم واحد، والكل غايتهم واحدة، وهي عبادة الله الواحد.
بل إنه لا يتصور أن تختلف دعوات الأنبياء في شأن العقيدة؛ لأن أمور العقيدة من نوع الإخبار، والإخبار عن شئ لا يمكن أن يختلف ما بين مخبر وآخر إذا فرضنا الصدق في خبر كل منهما؛ فمن غير المعقول مثلا أن يدعو إبراهيم قومه لترك عبادة الأصنام وعبادة الله وحده، ويأتي موسى ليخرج بني إسرائيل من مصر لكي يعبدوا الإله الواحد رب آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ثم يأتي عيسى بعد ذلك ليقول أن الله ثالث ثلاثة !! ؛ وذلك لأن عقيدة الألوهية لا يمكن أن تتغير من نبي لآخر، بل لا يمكن أن يأتي بها أحد الأنبياء ناقصة أو غير واضحة ثم يأتي نبي من بعده لكي يكملها أو يبينها..
هل يعقل أن جميع الأنبياء قبل المسيح قد عاشوا وماتوا دون أن يعرفوا حقيقة الإله الذي أرسلهم، وأفنوا حياتهم في سبيل نصر دعوته، وإعلاء كلمته، وإظهار رايته ؟!!
وذلك ينطبق على أمور العقيدة ولا ينطبق على أمور التشريع التي تختلف من زمن لآخر؛ فالتشريع من نوع الإنشاء وليس من نوع الإخبار .. لذلك بعث جميع الأنبياء بعقيدة واحدة ولكن اختلفت التشريعات بنسب متفاوتة فيما بين الرسل.. فعيسى جاء مصدقا لعقيدة موسى ومتمما لشريعته.. ومحمد جاء مصدقا لعقيدة عيسى ومتمما لشريعته ومتمما لكل الشرائع، فهو النبي الخاتم صاحب الشريعة الخاتمة – صلى الله عليه وسلم -.
والرسل إذ يعلموننا ويأخذون بأيدينا لا يدعون أبدا أنهم أكثر من بشر، أو أنهم خلق خاص من طينة مختلفة، أو من جنس مميز عن باقي البشر؛ فالله قد أمر عبده ورسوله محمد ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد ). الكهف:110
ويسأل عيسى المسيح وهو أعلم بما في نفسه(وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب) المائدة:116(/32)
ونحن كبشر متلقين لدعوة المسيح عليه السلام ولدعوة محمد صلى الله عليه وسلم ولدعوة الرسل أجمعين ينبغي علينا ألا نتحزب لأحد أو نتعصب لأحد من دون الله؛ فمحمد –صلى الله عليه وسلم-لا يملك من أمرنا شيئا بل هو لا يملك من أمر نفسه شيئا صلى الله عليه وسلم فهو يقول لابنته ( يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا)، وكذلك المسيح عيسى عليه السلام (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا، ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما، يخلق ما يشاء، والله على كل شئ قدير).. وكذلك جميع الرسل.
والإسلام الحنيف أمرنا بأن نؤمن بجميع المرسلين، وأن نؤمن بعيسى المسيح كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، وأمرنا بأن نؤمن بميلاده المعجز من غير أب، وبنهايته المعجزة بأن رفعه الله إليه.. بل إن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا آمن بما سبق عن المسيح عليه السلام.
فكل إنسان ينبغي ألا ينشغل إلا بأمر نفسه؛ لأن أحدا لن يحمل عنه وزره، ولن يدرأ عنه ذنبه، وإنما يفعل ذلك الإيمان بالله وحده، وأتباع أمره، واجتناب نهيه.. لذلك يقول القرآن الكريم (كل امرئ بما كسب رهين )، ويقول أيضا (كل نفس بما كسبت رهينة) ويقول أيضا ( ولا تزر وازرة وزر أخري ).
وفي هذا الشأن يقول الكتاب المقدس ( الآباء لا يموتون من اجل الأبناء ولا الأبناء يموتون من أجل الآباء كل يموت من أجل خطيئته).
هذا ما علمنا الله وهذا ما علمنا الإسلام وهذا ما علمنا محمد صلى الله عليه وسلم وما علمنا المسيح عليه السلام وما علمنا الرسل جميعا.
فهل تنبهنا لهذا الأمر ؟
وهل نصطلح مع الله خالقنا ؟
وهل نترك كل هوي ونتجنب كل ميل ونطرح كل تعصب من أجل الله الواحد الأحد ؟
وهل يثوب المسلمون إلى الله خالقهم فنصنع ما صنعه آباؤنا من أجل نصره وإعلاء شرعه بعد أن تهنا في الطرق وتفرقت بنا الدروب والسبل؟!
فذاك حالنا لا يثبت إلا أننا عن سبيل الله قد بعدنا، وعن هدي محمد قد شردنا، وعن نهج الإسلام قد زغنا وحدنا؛ وأن الدنيا قد شغلتنا، وألهانا طول الأمل؛ فأصابانا الوهن، وصرنا نهبا للأمم، وهدفا للطامعين من كل الملل..
قد استرد السبايا كل منهزم لم تبق في أسرها إلا سبايانا
وما رأيت سياط الظلم دامية إلا رأيت عليها لحم قتلانا
ولا نموت علي حد الظبا أنفا حتى لقد خجلت منا منايانا
أيها المسلمون، رسولكم قد فاق مجده العلا، وذكره قد جاوز المدى، وتكريم الله له لا يخفى على ذوي العقول والحجى؛ فمحمد الذي أتى ذكره في الأولين، وبقي ذكره في الآخرين، - يستحق منكم أن تتبعوه، وتتبعوا النور الذي أنزل معه، وتتركوا كل متع الدنيا الزائلة، والأماني الباطلة.. من أجل نشر دعوته، واعلاء رسالته..
فلقد حملكم نبيكم أكبر الأمانات… فهل أديتموها؟!
وأورثكم أعظم الرسالات… فهل حافظتم عليها؟!
ومن بين ضلال العالم قد عرفكم الحق… فهل عشتم للحق ؟!!
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).
(ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) .
مع تحيات
د.محمد عبد الخالق شريبة
doctor_abdelkhalek@yahoo.com
المصادر
1- القرآن الكريم.
2- الكتاب المقدس ، النسخة العربية؛والنسخة الإنجليزية (نسخة الملك جيمس المعتمدة).
3-صحيح البخاري ، الإمام:محمد بن إسماعيل البخاري.
4- مبشرات الرسالة ، الشيخ عبد المجيد الزندانى.
5- الجواب الصحيح ، شيخ الإسلام ابن تيميه.
6- قلب جزيرة العرب ، فؤاد حمزة.
7- الرحيق المختوم ، المباركفورى.
8-شبكة الاتصالات الدولية (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، موسوعة كريستيانيتي ، معجم الطرق القديمة ، موسوعة ويكيبيديا ، مؤسسة مانفريد ليهمان ، موسوعة أيريدس ،القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس ، موقع دراسات الكتاب المقدس ، الموسوعة اليهودية جويش إنسيكلوبيديا ، معجم بلاد فلسطين ).
9- هداية الحيارى ، ابن القيم.
10- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، أبو الحسن الندوي.
11- معجم البلدان ، ياقوت الحموي
الهوامش:
------------
(1) راجع معجم البلدان الجزء الثالث باب حرف الفاء(/33)
(2) اختلفت المصادر في تحديد موقع سعير ؛ فمعجم بلدان فلسطين يفرق بين ساعير وسعير ، فيقول عن ساعير هي من حدود الروم وهي قرية من الناصرة بين طبرية وعكة،ويقول عن سعير هي قرية على مسافة 8 أكيال شرق الخليل وعلى مسافة 3 أكيال شرق حلحول وتشتهر بزراعة التين والزيتون ؛ ويقول الهروي المتوفى سنة 611 هـ أن ساعير جبل قريب من الناصرة ، وذكر شيخ الربوة المتوفى سنة 727 هـ في كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر أنها جبال الناصرة ، وقال صاحب نهاية الأرب في فنون الأدب أن ساعير جبال بالشام ظهرت منها نبوة عيسى عليه السلام وهي قريبة من = الناصرة وتقول المصادر الحديثة التي تتحدث عن جغرافية فلسطين أنه جبل من جبال الخليل ، والكتاب المقدس يطلق لفظ سعير في بعض النصوص على جبل بالأردن ويطلقه في بعض النصوص الأخرى على جبل بفلسطين في أرض يهوذا (يشوع 15 : 10 ) ، ويقصر علماء أهل الكتاب من النصارى الذين تعرضوا للنبوءة السابقة إطلاق لفظ سعير على جبل بالأردن ، لكني أحسب أن الجميع لن يختلف في أن شخصا ما لو خرج من مصر باتجاه فلسطين فلابد له أن يمر أولا بفاران التي تقع شمال سيناء قبل أن يمر بجبل سعير سواء كان يقع في فلسطين أو في الأردن!!!! (3) الحق هو أن فاران كما تطلق على مكة فهي تطلق أيضا على برية قرب سيناء والتي تعرف اليوم بوادي فيران ، وأيضا على قرية من أعمال سمرقند ، وبعد مزيد من البحث من خلال شبكة الاتصالات الدولية تبين أن فاران تطلق أيضا على قرية معروفة موجودة الآن في دولة البحرين بالجزيرة العربية ، وأيضا تطلق على نظام نجمي في مجرة درب التبانة ! ، وبالإطلاع على الخرائط القديمة التي وضعها الإدريسي وجدنا فاران اسم لموضع قريب من أسوان !.. والعبرة في معرفة المكان المقصود في النص التوراتي تحديدا هو سياق النص نفسه ، والكتاب المقدس في سفر التكوين 25 : 16- 18 يوضح أن سكن إسماعيل عليه السلام وبنيه قد امتد من حويلة إلى شور (هؤلاء هم أبناء إسماعيل…وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر ) ، وحويلة كما يقول قاموس الكتاب المقدس هي أرض في بلاد العرب السعيد ( أرابيا فليكس) أو اليمن ، وشور أرض شمال مصر وجنوب فلسطين ، وابتداء الكتاب المقدس بذكر حويلة قبل شور يؤكد أن هذا المكان كان مهد نشأتهم وأنهم انتشروا بعد ذلك إلى الشمال حتى وصلوا إلى شور = جنوب فلسطين ، وعليه فإن إسماعيل وبنيه قد سكنوا في تلك البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله ، ولقد قامت الأدلة التاريخية على ذلك منها بناء إسماعيل وأبيه إبراهيم البيت الحرام بمكة وتفجر بئر زمزم من تحت قدمي إسماعيل مما يؤكد أن فاران التي سكنها إسماعيل هي الصحراء التي بها مكة المكرمة..وهذا ما اعترف به عدد من المؤرخين منهم المؤرخ جيروم والمؤرخ اللاهوتي يوسبيوس.
(4) نسبة بناء البيت الحرام بمكة إلى إبراهيم وإسماعيل أمر ثابت قد توارثه أهل مكة جيل بعد جيل ولم يخالف في ذلك أحد منهم ، كما أن حفظ الله للبيت الحرام من أبرهة صاحب الفيل وجيوشه وإرساله عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل - أمر ثابت أيضا ولا يمكن النزاع فيه لأن تلك القصة قد حدثت في عهد عبد المطلب جد الرسول في عام مولد الرسول صلى الله عليه وسلم والذي سمي بعام الفيل ، وهذه القصة مذكورة في القرآن الكريم بعد 40 سنة فقط من حدوثها ، أي أن الكثير من أهل الكتاب ومن أهل مكة الذين عاصروا حادثة الفيل كانوا موجودين أثناء نزول السورة ولم يعترض أو يخالف منهم أحد وعليه فإن حفظ الله للبيت الحرام بمكة هو أمر ثابت تاريخيا لا يمكن النزاع فيه .
(5) ادعى مونتوس في القرن الثاني الميلادي أنه هو البارقليط القادم ؛ وادعى ماني نفس الإدعاء في القرن الرابع الميلادي وتشبه بالمسيح فاختار اثنا عشر تلميذا وسبعين أسقفا أرسلهم إلى بلاد المشرق ؛ ولو كان فهم النصارى الأوائل للبارقليط على أنه الروح القدس لما جرؤ أحدهم أو حتى خطر بباله هذا الإدعاء ولقد ذكر أدوين جونس في كتابه نشأة الديانة المسيحية أن النص الذي يتحدث عن البارقليط هو تبشير بمحمد وأن المسيحيين قد أدخلوا هذا النص في إنجيل يوحنا خطأ وجهلا منهم بعد ظهور الإسلام وتأثرهم بالثقافة الإسلامية!!!(/34)
(6)لمزيد من المعلومات التاريخية عن جبل سلع بالمدينة يمكنك الرجوع إلى معجم البلدان 3/236 ؛ الرحيق المختوم333 ؛ وفاء الوفا4/1235؛ عمدة الأخبار337 ؛ تاريخ معالم المدينة قديماوحديثا22. (7) كما أن النص السابق ينطبق على النبي – صلى الله عليه وسلم- ورسالته إذ أن كل الصفات منطبقة عليه تماما ولا يمكن حملها على أحد غيره ، فبنفس القوة أيضا ينتفي أن يكون النص يشير للمسيح عليه السلام إذ لا يمكن بحال من الأحوال حمل الصفات الواردة في النص عليه .. وبرغم ذلك فقد ورد في الإنجيل أن النص السابق يخص المسيح عليه السلام !! ، فقد ورد في إنجيل متى 12 : 17 (لكي يتم ما بإشعياء النبي القائل هو ذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم).. ويبدو أن كاتب الإنجيل تحرج من استخدام كلمة (عبدي) التي وردت في سفر أشعياء فاستبدلها في إنجيل متى بكلمة (فتاي) !! ...... فهل يخرج علينا بعد ذلك من أهل الكتاب من ينكر تحريف الأناجيل ؟!! .. وبعد قراءة النص السابق القاطع بنبوة الرسول –صلى الله عليه وسلم- .. هل سيتدبرون القرآن ؟! .. أم ما زالت على قلوب أقفالها ؟!!
(8)راجع الرحيق المختوم 415
(9)القصة بطولها في صحيح البخاري كتاب الأنبياء1/447
(10) لا أرى تفسيرا لجملة ( تتحول إليك ثروة البحر ) إلا تلك الكنوز البترولية الضخمة النائمة في قاع البحر الأحمر والخليج العربي والتي حولت الجزيرة العربية من صحراء قاحلة إلى بقعة تعج بالأموال والثروات .
(11) نفس الصفة وردت في نبؤة إشعياء التي كانت تتحدث عن أرض الله الجديدة وعن نبي آخر الزمان..وهذه الصفة التي تشير إلى القوة المادية التي سيؤيد بها النبي بجانب القوة الروحية وهداية الناس مقترنتان تقريبا في كل النصوص ، فهل ذلك من قبيل المصادفة أيضا ؟!!(/35)
محمد صلى الله عليه وسلم محرر الإنسان والزمان والمكان
د. محمد أحمد العزب
________________________________________
[1]
حين يحدق الباحث في ملامح الحركة التاريخية قبل وبعد ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا يحتاج إلى معاناة ليستجلي حقيقة موضوعية أكبر من أن تتوارى في غياهب الجدل، هذه الحقيقة الموضوعية هي أن هذا الميلاد العظيم كان إيذاناً بثورة كونية شاملة عملت عملها في تغيير علاقات الأشياء بعضها مع بعض، وفي تغيير علاقات الأحياء بعضهم مع بعض، حتى ليمكن القول بأن ما حدث كان تحريراً كاملاً لوضعية الإنسان في الأرض، ووضعية الأرض في الكون، ووضعية الزمان في التاريخ.
أجل، كان هذا الميلاد العظيم إيذاناً ببدء ثورة شاملة، حررت الإنسان والزمان والمكان، ورفعت عنها إصر عبوديات كثيرة كانت تعتاق انطلاقها جميعاً، فأخذ الإنسان حريته بيده، وصاغ هوية زمانه ومكانه صياغة جديدة فجرت عناصر الخير في كل شيء كان احتجاجاً قبلياً على كل عناصر الخير، فوقف الإنسان على ربوة التاريخ يسدد خطواته نحو الأشرف والأفضل، ووقف المكان ليلهم ويحتضن وينبت الأروع والأنصع، ووقف الزمان ليفسح ويتيح للأكمل والأشمل!
ولكن كيف؟
كيف حرر محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان من ربقة عبودياته المتعددة؟
كيف حرر محمد صلى الله عليه وسلم الزمان من قبضة كونه إطاراً للحركة التاريخية الهابطة؟
كيف حرر محمد صلى الله عليه وسلم المكانَ من وضعية كونه صنماً أو مناطاً لصنم معبود على الأرض؟
القضية جرت بها أقلام كثير من الباحثين، ولكنهم تناولوها من منظور كمي إذا جاز أن يقال، بمعنى أنهم رصدوا كمَّ التحول التاريخي على مستوى سياسي واجتماعي وثقافي وعقائدي، دون أن يفطنوا إلى جدل هذه المستويات وإشعاعاتها التي تشكل خلفياتها الحقيقية، وهو ما نحاول تجليته في هذه السطور..
ولكن.. كيف.. مرة أخرى؟
[2]
التاريخ هنا لا يتسطيع أن يكذب على نفسه.. فإن ثورة محمد صلى الله عليه وسلم من أجل إنسانية الإنسان تكاد تشكل كل ملامح رسالته الشامخة، لأن القيم والأعراف والمبادئ والنواميس والأحكام والشرائع والقضايا والمقولات التي يمكن أن تشكل في النهاية مجموع الرسالة الإسلامية ليست بذات بال إن هي فقدت محور وجودها الصميمي الذي هو الإنسان.
إن قيام الإنسان بهذه المواضعات الإسلامية هو ما يعطيها معقولية وجودها على الأرض، ومن هنا نستطيع أن نفهم أن نزول القرآن »منجماً« كان ترتيباً طبيعياً على مقدمة أساسية وهي أن معاناة البشر الكادحين هي بالضرورة محور تنزل الوحي من السماء إلى الأرض، أي أن وجود الشرائع والرسالات هو وجود متوقف على وجود آخر قَبْلي ومسبق وهو الوجود الإنساني، فما لم يوجد الإنسان كان لا يمكن أن توجد الشرائع، وما لم يحفر البشر تاريخهم الحلولي على أخاديد الصخور وأعراف الجبال كان لا يمكن للرسالات أن تحفر تاريخها الحلولي على أخاديد الورق أو في أعراف الطبائع والنفوس!
وإذن فقد كان تحرير محمد صلى الله عليه وسلم للإنسان تحريراً مقصوداً وقَبْلياً، ولذلك فإن حجم هذا التحرير يعطي قناعة أن كل الجراح التي نزفت من محمد صلى الله عليه وسلم كانت جراحاً حميمة إلى قلبه، لأنها نزفت دماً هنا ورقَأَتْ دماً بلا حدود هناك، أعنى أن كل قطرة دم أو عرق نزفت من جبين محمد القائد الرسول صلى الله عليه وسلم قد استحالت في تاريخ الإنسان على امتداد هذا التاريخ إلى يد برة حانية تمسح عن جبينه طوفان الدم وشلال الدموع. إن الجراح التي نزفت هناك من جبين محمد صلى الله عليه وسلم وهو يعدل مسار الكون والتاريخ والإنسان، هي التي تتيح لهذا الإنسان أن يقبض في رحاب الكون والتاريخ على إنسانيته بيديه، غير غارق في طوفان الرجعة الذاهلة إلى حرب الأعراق الفاجرة، أو إلى انحناء الجذع الإنساني أمام حجم حجري بليد، أو إلى انصياع في مسارب اللذات غير مبدع ما يبقى على التاريخ عنواناً على عظمة البشر ومجد الإنسان في الأرض!(/1)
كان الإنسان –قبل محمد صلى الله عليه وسلم- يتكئ في قناعته على مسلّمات كثيرة، فأطلق محمد صلى الله عليه وسلم فيه ثورة العقل وثورة الجسد وثورة الروح.. لقد زلزل هذا الإنسان بثورة العقل معاقل الخرافة، وأسوار التجمد، وحوائط الانغلاق، فأطلق لفكره العنان يجول في أبهاء الزمن والتاريخ والكون والثقافات، يشيد من بعضها ما يراه موائماً لطبائع التطور، ويشيد علىأنقاض بعضها الآخر ما يراه عاجزاً عن مواكبة الطموح البشري في اندفاعه مع تيار التواصل الكوني والإنساني.. وزلزل هذا ا لإنسان بثورة الجسد مقاصير العنت، ومناطق الخوف، وأحراش الرهبوت، فأطلق للإبداع الإنساني آفاق طموحه المشروعة، وأمّن لخطوات التاريخ على طرائق الخير والحق، وجعل من »القيمة« وحدها مقياس التوافق مع الوجود الإنساني النبيل الذي يرفض أن يشارك في مهزلة الأعلى والأدنى على ضوء مقاييس البطش والإرهاب.. وزلزل هذا الإنسان أخيراً بثورة الروح تاريخ الهمجية على الأرض، فأطلق لأشواقه العليا أن تلوذ بمناطها الطبيعي، وأن تستريح من قرّها إلى دفء الألوهية.
وهكذا يتوافق إيقاع ثورات العقل والجسد والروح تلك التي أطلق شرارتها الأولى محمد صلى الله عليه وسلم لتؤلف في النهاية هذا الكون المسلم الذي يرفض إنسانه أن يوجد على الأرض بليداً بلا عقل، وكاسداً بلا فعل، ومعطلاً بلا أشواق، وهذا هو حجم التحول الذي قاده هذا الإنسان النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك فترات التاريخ قتامة وجهامة وانطفاء!
[3]
وليس فعل محمد صلى الله عليه وسلم في تحرير الزمان بأقل من فعله في تحرير الإنسان، وإن كنا نلاحظ منذ البدء أن الفصل بين الإنسان والزمان فصل عشوائي وغير مبرر على الإطلاق، إلا أن التقسيم المرحلي لقيمة الفعل البطولي الذي قاده النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحتم أن نقف عند كل مرحلة على مشارف لا نتعدى إطارها إلى إطار آخر حتى لا تختلط التخوم والأبعاد.. إن تحرير محمد صلى الله عليه وسلم للزمان يتوهج في حقيقة أولية توشك أن لا تلمحها البدائِهُ العَجلى، وهي اقتداره العظيم على اقتلاع حركة الزمان بما هو تاريخ من فوضى التدفق العشوائي إلى تحديد الملامح وتجسيد الهويات، بمعنى أن التاريخ الزمني كان إطاراً سائباً لا تجري داخله حركة عقائدية محددة تبدع للإنسان شوطاً يجريه، أو هدفاً يحققه، أو إنجازه يضعه على الأرض.. فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ليجعل من هذا التاريخ الزمني إطاراً لحركة تبدأ تخومها من الأرض لتنتهي في السماء، أي أن حجم هذه الحركة العقائدية التي أعطاها محمد صلى الله عليه وسلم للتاريخ الزمني محتوىً ومضموناً، تبدأ بمفردات الوجود الإنساني على الأرض لتتوافق في نهاية الرحلة مع كلية الوجود الإلهي في الأشياء وما قبل الأشياء وما وراء الأشياء!
هذا شيء.. وشيء آخر لا يقل عن ذلك تأصلاً وإشعاعاً.. ذلك هو انتقال محمد صلى الله عليه وسلم بالتاريخ الزمني من شواطئ المواجهة للإنسان إلى شواطئ العناق للإنسان، بمعنى أن التاريخ الزمني كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم عدواً للإنسان يتربص كل واحد منهما بالآخر في محاولة لإجهاض وجوده على الأرض، ولذلك نرى المساحة الكبرى من الإبداع العقلي والفني لإنسان ما قبل التاريخ الإسلامي تغص بقتل الإنسان لزمنه التاريخي في قصف هنا، أو لهوٍ هناك، أو حرب غير مبررة هنالك، ربما لإحساس هذا الإنسان بأن الزمن التاريخي يتربص به، فهو يحاول قتله قبل أن يستطيع هو أن يقتله، وكلاهما قاتل ومقتول في نفس اللحظة وعلى نفس التراب! حتى إذا جاء محمد صلى الله عليه وسلم انتقل بالتاريخ الزمني من شواطئ المواجهة إلى شواطئ المعانقة، وشكل للإنسان حاسة تاريخية ترى في اللحظة الآنية إثراءً طبيعياً للحظة الحاضرة، وفي الآن الماضي تربة طبيعية لتشكيل الآن المستقبل، استطاع الإنسان بعدها أن يفيق على حقيقة أن الزمن هو إطاره الطبيعي، وأن تدمير الإطار يعني على الفور تدمير الذات الساكنة في هذا الإطار، فعزف عن مناوأة تاريخه الزمني، وعقدا معاً ما يشبه الحلف المقدس، فأحس الإنسان المسلم دائماً أن الزمن ثروة ينبغي أن تستغل، وعمر يجب أن يمتلئ، وتاريخ لا بد أن يحتوي أروع ما في الإنسان من طاقات وإبداعات!
وما لنا لا نحاول أن نفهم من المواقيت الزمنية الصارمة للصلاة والصيام والحج والزكاة فوق حكمة مشروعيتها حكمة حلولها في وقت معين وزمن بذاته ربما لتحرك في أعماق الطبيعة الإنسانية قيمة الزمن والإحساس بتاريخية كل الأشياء؟
الحق أن حجم التحول الذي قاده النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم في مجال تحرير الإنسان والزمان حجم يجب أن يظل في مناطق الضوء، لأن به وحده يمكن التعرف على ضخامة العطاء الإنساني والرسالي الذي وهبه لنا هذا النبي الإنسان صلى الله عليه وسلم، الذي حمل في عينيه أحلام مستقبل البشر.
[4](/2)
فإذا انتقلنا إلى تأمل ملامح الحركة الثالثة وهي تحرير محمد صلى الله عليه وسلم للمكان، لراعنا أن قوة الفعل هنا لا تقل عن روعة الفعل هناك، فإذا تخطينا ملاحظة أن الفصل هنا كذلك بين الإنسان والزمان والمكان فصل مرحلي تحتمه طبيعة التأمل والفهم ولا تحتمه طبائع الأشياء لأن طبائع الأشياء ترفض هذا الفصل ولا تزكيه، إذا تخطينا ذلك كله إلى محاولة تأمل قيمة الفعل الذي أعطاه محمد صلى الله عليه وسلم لتحرير المكان تتميماً لتحرير الإنسان والزمان، لبدهنا على الفور أن علاقة الإنسان هنا بالمكان غير علاقة الإنسان هناك بنفس المكان –بمعنى أن المسرح المكاني الذي جرت عليه أحداث الحياة قبل البعثة المحمدية، ولكن علاقة إنسان الجاهلية بهذا المكان غير علاقة إنسان الحركة الإسلامية بنفس هذا المكان، لأن طبيعة الجدل بين الإنسان وإطاره الطبيعي الذي هو المكان قد وضعت في المنظور الإسلامي على مستوى آخر يرى في الأشياء صديقاً وملهماً ومحراباً، إن الأرض هنا تصبح »مسجداً وطهوراً«.. ويصبح »المكان« قبلة وكعبة ومنسكاً وبيتاً وحقلاً وميداناً وملاعب ذكريات.. وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد حرر جبين الأرض من أن تصبح مجرد صنم أو مجرد مناط لصنم، فإن ذلك يعني أن قد حررها من أن تكون بوضعيتها المكانية غير قادرة على الإلهام والعطاء، لأن صنمية الأشياء تعني رفض تعقل الأشياء، أن أن الصنم يتطلب عقلاً صنماً لا يفكر، لأنه إذا تحرك بالفكر رفض على الفور مقولة أن يخرّ لحجرة الصنم.. فإذا حرر محمد صلى الله عليه وسلم هذا التاريخ الطبيعي الذي نسميه الأرض، أو نسميه المكان من أن يكون صنماً أو مناطاً لصنم، فإن ذلك يعني أن أعطى هذا التاريخ الطبيعي اقتداره الطبيعي على أن يلهم ويحرك ويستثير، بمعنى أن الأرض بهذه الوضعية تصبح مجالاً لتأمل الفكر، وطموح العقل، وجسارة الاستشفاف، وما دام ذلك كذلك، فإن رحلة العروج الإيماني قد تبدأ من نبتة طالعة في الصخر، أو نبع متدفق في الرمال، أو شفق هائم على صدر الأفق، أو مضيق متعرج بين جبلين.. وهنا لا بد أن نفطن إلى نداءات محمد صلى الله عليه وسلم المتواصلة التي كان يعقد فيها صداقة كونية بين مظاهر الطبيعة وإنسان هذه الطبيعة، حتى لنراه يدمع وهو يفارق مكة، ونراه ينحني على الزرع الطالع في تعاطف حميم، ونراه يقبل الحجر الأسود، ونراه يميط الأذى عن الطريق.. إن هذا الفعل الرسولي ليس فعلاً عشوائياً يمتد من داخل الذات إلى محيط الإطار في عفوية ساذجة ولكنه يمتد من داخل الذات إلى محيط الإطار ليشكل هذا التواصل الوجداني بين الكون والإنسان، ربما ليستحيل الإنسان في الكون إلى طاقة متلقية وواهبة تعطي الكون معنى أن كان ومعنى أن يكون، وهذه هي قيمة الفعل في تجاوب النقائض والأضداد!
لا أدري بعد.. هل يمكن أن تغيم مقولة أن محمداً صلى الله عليه وسلم حرر الإنسان والزمان والمكان منذ لحظة وجوده على الأرض فاعلاً وغلاباً؟ أم أن هذه المقولة بعد تأمل كل هذه المفردات يمكن أن تكون كما يكون طلوع الشمس في أعقاب ليل بهيم، حركة كونية لها ثقل الحركة بكل أبعادها الهائلة، ولها جلال الكون بكل أسراره وغوامضه وضوافيه؟
أعرف أن الاختيار الأخير هو الأصوب، وأن ما عداه خرافة يجب أن نهزمها في عقل التاريخ!
________________________________________
مجلة الأمة - العدد 15 - ربيع الأول 1402 هـ(/3)
محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله محمد، وآله وصحبه، أما بعد:
فلا أستطيع أن ألزم الحياد في كتابتي عن أحبّ إنسان الى قلبي: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنني لا أكتب عن زعيم سياسي قدّم لشعبه أطروحته وعرض على أتباعه فكرته، ليقيم دولة في زاوية من زوايا الأرض، بل أكتب عن رسول ربّ العالمين، المبعوث رحمة للناس أجمعين.
ولن ألزم الحياد وأنا أكتب عنه؛ لأنني لا أكتب عن خليفة من الخلفاء له جنود وبنود ولديه حشود وعنده قناطير مقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسّومة والأنعام والحرث، ولكنني أكتب عن الرحمة المهداة والنعمة المسداة: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولن ألزم الحياد لأنني لا أتكلم عن سلطان من السلاطين قهر الناس بسيفه وسوطه، وأخاف الناس بسلطانه وهيمانه وصولجانه، لكنني أتكلم عن معصوم شرح الله صدره ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره.
ولن ألزم الحياد لأنني لا أتكلم عن شاعر هدّار، أو خطيب ثرثار، أو متكلم موّار، أو فيلسوف هائم، أو روائي متخيل، أو كاتب متصنّعن أو تاجر منعم، بل أتحدث عن نبي خاتم، نزل عليه الوحي، وهبط عليه جبريل، ووصل سدرة المنتهى، له شفاعة كبرى، ومنزلة عظمى، وحوض مورود، ومقام محمود، ولواء معقود، فكيف ألزم الحياد إذاً؟
أتريد أن أحبس عواطفي وأن أقيد ميولي وأن أربط على نبضات قلبي وأنا أكتب عن أحب إنسان إلى قلبي وأغلى رجل وأعز مخلوق على نفسي؟ إن هذا لشسء عجاب!
أتريد مني أن أكفكف دموعي وأنا أخطّ سيرته، وأن أخمد لهيب روحي وأنا أسطّر أخباره، وأن أجمد خلجات فؤادي وأنا أدبج ذكرياته؟! لن أستطيع هذا، كلا وألف كلا.
لأنني أكتب عن أسوة وإمام معي بهداه في كل شاردة وواردة، أصلي فأذكره لأنه يقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي" البخاري 631، أحجّ فأذكره لأنه يقول:" لتأخذوا عني مناسككم" مسلم 1297، في كل طرفة عين أذكره لأنه يقول:" من رغب عن سنتي فليس مني" البخاري 5063 ومسلم 1401، وفي كل لحظة أذكره لأن الله يقول:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } الأحزاب 21.
إنني أكتب عن أغلى الرجال وأجلّ الناس وأفضل البشر وأزكى العالمين، مرجعي في ذلك دفتر الحب المحفوظ في قلبي، ومصدري في ذلك ديوان الإعجاب المخطوط في ذاكرتي، فكأنني أكتب بأعصاب جسمي وشرايين قلبي، وكأن مدادي دمي ودموعي:
إن كان أحببت بعد الله مثله في
بدو وحضر ومن عرب ومن عجم
فلا اشتفى ناظري من منظر حسن
ولا تفوّه بالقول السديد فمي
**
زمانك بستان وعهدك أخضر
وذكراك عصفور من القلب ينقر
وكنت فكانت في الحقول سنابل
وكانت عصافير وكان صنوبر
لمست أمانينا فصارت جداولا
وأمطرتنا حبا ولا زلت تمطر
تعاودني ذكراك كلّ عشيّة
ويورق فكري حين فيك أفكّر
وتأبى جراحي أن تضمّ شفاهها
كأن جرح الحب لا يتخثر
أحبّك لا تفسير عندي لصبوتي
أفسّر ماذا والهوى لا يُفسّر
تأخرت يا أعلى الرجال فليلنا
طويل وأضواء القناديل تسهر
**
قصة النبوة
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك تراه
اسمه:
محمد صلى الله عليه وسلم، اسم على مسمّى، علم على رمز، ووصف على إمام، جمع المحامد، وحاز المكارم، واستولى على القيم، وتفرّد بالمثل، وتميّز بالريادة، محمود عند الله لأنه رسوله المعصوم، ونبيّه الخاتم، وعبده الصالح، وصفوته من خلقه، وخليله من أهل الأرض، ومحمود عند الناس لأنه قريب من القلوب، حبيب الى النفوس، رحمة مهداة، ونعمة مسداة، مبارك أينما كان، محفوف بالعناية أينما وجد، محاط بالتقدير أينما حلّ وارتحل، حمدت طبائعه لأنها هذّبت بالوحي، وشرفت طباعه لأنها صقلت بالنبوة، فالله محمود ورسوله محمد:
وشقّ له من اسمه ليجلّه
فذو العرش محمود وهذا محمّد
واسمه أحمد، بشّر بذلك عيسى قومه، واسمه العاقب والحاشر والماحي، وهو خاتم الرسل وخيرة الأنبياء، وخطيبهم إذا وفدوا، وإمامهم إذا وردوا.
صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، حامل لواء العزّ في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبدمناف بن قصي، أشرف من ذُكر في الفؤاد، وصفوة الحواضر والبوادي، وأجلّ مصلح وهاد، جليل القدر، مشروح الصدر، مرفوع الذكر، رشيد الأمر، القائم بالشكر، المحفوظ بالنصر، البريء من الوزر، المبارك في كل عصر، المعروف في كل مصر، في همة الدهر، وجود البحر، وسخاء القطر، صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، ما نجمٌ بدا، وطائر شدا، ونسيم غدا، ومسافر حدا.
واما نسبه:(/1)
فالرسول صلى الله عليه وسلم خيار من خيار، الى نسبه يعود كل مخار، وهو من نكاح لا من سفاح، آباؤه سادات الناس، وأجداده رؤوس القبائل، جمعوا المكارم كابرا عن كابر، واستولى على معالي الأمور، فلن تجد في صفة عبدالمطلب أجلّ منه، ولا في قرن هاشم أنبل منه، ولا في أتراب عبدمناف اكرم منه، ولا في رعيل قصيّ أعلى كعبا منه، وهكذا دواليك.. حتى ىدم عليه السلام، فهو صلى الله عليه وسلم سيد من سيد يروي المكارم أبا عن جد:
نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى
نورا ومن فلق الصباح عمودا
وأما موطنه عليه الصلاة والسلام:
فقد اختار الله له من بقاع العالم ومن بين أصقاعها أحبّ البلاد إليه سبحانه، البلد الحرام، والتربة الطاهرة، والأرض المقدسة، والوطن المحاط بالعناية المحروس بالرعايةن فولد صلى الله عليه وسلم في مكة حيث صلى الأنبياء، وتهجّد المرسلون، وهبط الوحي، وطلع النور، وأشرقت الرسالة، وسطعت النبوة، وانبلج فجر البعثة، وحيث البيت العتيق، والعهد الوثيق، والحب العميق، فمكة مسقط رأس المعصوم، وفيها مهد طفولته، وملاعب صباه، ومعاهد شبابه، ومراتع فتوّته، ورياض أنسه.
بلادٌ نيطت عليّ تمائمي
وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
ففيها رضع لبن الطهر، ورشف ماء النبل، وحسا ينبوع الفضيلة، وفيها درج، ودخل وخرج، وطلع وولج، فهي وطنه الأول، بأبي هو وأمي، وهي بلدته العزيزة الى فؤاده، الحبيبة الى قلبه، الأثيرة الى روحه بنفسي هو.
وحبّب أوطان الرجال إليهم
معاهد قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمو
عهود الصبا منها فحنّوا لذالكا
فهناك في مكة صنع ملحمته الكبرى، وبثّ دعوته العظمى، وأرسل للعالمين خطابه الحارّ الصادق، وبعث لأهل الأرض رسالته المشرقة الساطعة، حتى إنه لما أخرج من مكة ودّعها وداع الأوفياء وفارقها وما كاد يتحمّل هذا الفراق:{ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ(2) } البلد.
محمد صلى الله عليه وسلم طفلا:
فإن الطهر ولد معه والبِشر صاحبه، والتوفيق رافقه، فهو طفل لكن لا كالأطفال، براءة في نجابة، وذكاء مع زكاء، وفطنه مع عناية،، فعين الرعاية تلاحظه، ويد الحفظ تعاونه، وأغضان الولاية تظلله، فهو هالة النور بين الأطفال، حفظه الله من الرعونة ومن كل خلق رديء ووصف مقيت ومذهب سيء، لأنه من ثغره مرشح لإصلاح العالم، مهيأ لإسعاد البشرية، معدّ بعناية لاخراج الناس من الظلمات الى التور، فهو الرجل لكن النبي، والإنسان لكن الرسول، والعبد لكن المعصوم، والبشر لكن الموحى إليه.
محمد صلى الله عليه وسلم ليس زعيما فحسب، لأن الزعماء عدد شعر الرأس، لهم طموحات من العلوم ومقاصد من الرئاسة ومآرب من الدنيا، أما هو فصالح مصلح، هادٍ مهدي، معه كتاب سنة، ونور وهدى، وعلم نافع وعمل صالح، فهو لصلاح الدنيا والآخرة، ولسعادة الروح والجسد.
ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس عالما فحسب، بل يعلّم بإذن الله العلماء، ويفقه الفقهاء، ويرشد الخطباء، ويهدي الحكماء، ويدل الناس الى الصواب { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(52) } الشورى.
فكلهم من رسول الله ملتمسٌ
غرفاً من البحر أو رشفاً من اليمّ
ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس ملكا يبسط سلطانه وينشر جنوده وأعوانه، بل إمام معصوم ونبي نرسل، وبشير ونذير لكل ملك ومملوك، وحر وعبد، وغني وفقير، وأبيض وأسود، وعربي وعجمي { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) } الأنبياء، ويقول عليه الصلاة والسلام:" والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". أخرجه مسلم 153 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما شبابه، فهو زينة الشباب وجمال الفتيان، عفة ومروءة وعقلا وأمانة وفصاحة، لم يكن يكذب كذبة واحدة، ولم تعلم له عثرة واحدة ولا زلة واحدة ولا منقصة واحدة، فهو طاهر الإزار مأمون الدخيلة، زاكي السر والعلن، وقور المقام، محترم الجانب، أريحيّ الأخلاق، عذب السجايا، صادق المنطق، عفّ الخصال، حسن الخلال.
لم يستطع أعداؤه حفظ زلة عليه مع شدة عداوتهم وعظيم مكرهم وضراوة حقدهم، بل لم يعثروا في ملف خلقه الكريم على ما يعيب، بل وجدوا والحمد لله كل ما غاظهم من نبل الهمة ونظافة السجل، وطهر في السيرة، وجدوا الصدق الذي يباهي سناء الشمس، ووجدوا الطهر الذي يتطهر به ماء الغمام، فهو بنفس الغاية في كل خلق شريف وفي كل مذهب عفيف، فكان في عنفوان شبابه مستودع الأمانات ومردّ الآراء ومرجع المحاكمات ومضرب المثل في البرّ والسموّ والرشد والفصاحة {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) } القلم.
محمد صلى الله عليه وسلم رسولا:(/2)
فهو النبأ العظيم، والحدث الهائل، والخبر العجيب، والشأن الفخم، والأمر الضخم {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)} النبأ، فمبعثه حقيقة هو أروع الأنباء وأعظم الأخبار الذي سارت به الأخبار، وتحدّث به السمّار، ورعاه الركبان، واندهش منه الدهر، وذهب منه الزمن، فقد استدار له التاريخ ووقفت له الأيام، فقصة إرساله عليه الصلاة والسلام لا يلفها الظلام ولا تغطيها الريح ولا يحجبها الغمام، فإنما هي قصة عبرت البحار واجتازت القفار، ونزلت على العالم نزول الغيث، وأشرقت إشراق الشمس، فهو بإختصار نور، وهل يخفى النور؟ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)} الصف.
وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث" أخرجه البخاري 79، ومسلم 2282 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
عدوّك مذمومٌ بكل لسان
وإن كان أعداءك القمران
ولله سرٌّ في علاك وإنما
كلام الورى ضرب من الهذيان
فهو عليه الصلاة والسلام بعث ليعبد الله وحده لا شريك له، بعث ليوحد الله، بعث ليقال في الأرض: لا اله إلا الله محمد رسول الله، بعث ليحقّ الحق ويبطل الباطل، بعث بالمحجة البيضاء والملة الغرّاء والشريعة السمحاء، بعث بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، بعث بالخير والسلام والبرّ والمحبة والسعادة والصلاح، والأمن والإيمان، بعث بالطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعث بمعالي الأمور ومكارم الأخلاق ومحاسن الطباع ومجامع الفضيلة، بعث لدحض الشرك وسحق الأصنام وكسر الأوثان وطرد الجهل ومحاربة الظلم وإزهاق الباطل ونفي الرذيلة، فما من خير إلا دلّ عليه، وما من شرّ إلا حذّر منه.
وأما خلقه عليه الصلاة والسلام فإن الله هو الذي أدّبه فأحسن تأديبه، فهو أحسن الناس خلقا، وأسدّهم قولا، وأمثلهم طريقة، وأصدقهم خبرا، وأعدلهم حكما، وأطهرهم سريرة، وأنقاهم سيرة، وأفضلهم سجايا، وأجودهم يدا، وأسمحهم خاطرا، وأصفاهم صدرا، وأتقاهم لربه، وأخشاهم لمولاه، وأعلمهم بالأمة، وأوصلهم رحمة، وأزكاهم منبتا، وأكرمهم محتدا، وأشجعهم قلبا، وأثبتهم جنانا، وأمضاهم حجة، وخيرهم نفسا ونسبا وخلقا ودينا.
فهو جميل الصفات مشرق المحيّا، قريب من القلوب، حبيب الى الأرواح، سهل الخليقة، ميسّر الطريقة، مبارك الحال، تعلوه مهابة وترافقه جلالة، على وجهه نور الرسالة، وعلى ثغره بسمة المحبة، حيّ القلب، ذكي الخاطر، عظيم الفطنة، سديد الرأي، ريان المشاعر بالخير، يسعد به جليسه، وينعم به رفيقه، ويرتاح له صاحبه، يحبّ الفأل ويكره الطيرة، يعفو ويصفح، ويسخو ويمنح، أجود من الريح المرسلة، وأكرم من الغيث الهاطل، وأبهى من البدر، وسع الناس بأخلاقه وطوّق الرجال بكرمه، وأسعد البشرية بدعوته، من رآه أحبّه، ومن عرفه هابه، ومن داخله أجلّه، كلامه يأخذ بالقلوب، وسجاياه تأسر الأرواح.
ثبّت الله قلبه فلا يزيغ، وسدّد كلامه فلا يجهل، وحفظ عينهفلا تخون، وحصّن لسانه فلا يزل، ورعى دينه فلا يضل، وتولى أمره فلا يضيع، فهو محفوظ مبارك ميمون {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} القلم، { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ } آل عمران159.يقول عليه الصلاة والسلام:" إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" أخرجه البخاري 20 عن عائشة رضي الله عنها. ويقول:" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله" أخرجه الترمذي 3895 والبيهقي في السنن 15477 عن عائشة. ويروى عنه أنه قال:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 20571. فسبحان من اجتباه واصطفاه وتولاه وحماه ورعاه وكفاه، ومن كل بلاء حسن أبلاه.
وأما دينه:
فهو الإسلام، دين الفطرة، دين الوسط، دين الفلاح والنجاة، أحبّ الأديان الى الله {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) } آل عمران، دين جاء لوضع الآصار والأغلال عن الأمة، سهل ميسّر، عام شامل، كامل تام {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة 3.
دين جاء ليخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة ربّ العباد، ومن ضيق الدنيا الى سعة الاخرة، ومن ظلمات الشرك الى نور التوحيد، ومن شقاء الكفر الى سعادة الإيمان.
دين صالح لكل زمان ومكان، شرعه من يغفر الزلة، وهو الذي يعلم السرّ وأخفى، العالم بعلانية العبد والنجوى.(/3)
وهو الدين الوسط الذي جاء بالعلم النافع والعمل الصالح، خلاف ما كان عليه اليهود؛ لأن عندهم علم غير نافع لم يعملوا به، فغضب الله عليهم، وخلاف النصارى؛ لأن عندهم عمل بلا علم، فضلوا سواء السبيل. فدين الإسلام صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فالرسول صلى الله عليه وشلم بعث أميا من الأميين يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبله لمن الضالين، فجاء هذا الدين بتحريم الكذب في الأقوال والزور في الشهادة، والظلم في الأحكام، والجور في الولاية، والتصفيف في المكيال والميزان، والبغي على الناس والاعتداء على الغير والإضرار بالنفس والناس، فحفظ القلب بالإيمان، والجسم بأسباب الصحة، والمال من التلف، والعرض من الإنتهاك، والدم من السفك، والعقل من إذهابه وتغييره.
وأما كتابه:
فهو القرآن، أفضل الكتب وأجلّ المواثيق، وأحسن القصص وأحسن الحديث، فهو الحق المهيب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، كتاب فصّلت آياته ثم أحكمت، مبارك في تلاوته وتدبره والاستشفاء به والتحاكم اليه والعمل به، كل حرف منه بعشر حسنات، شافع مشفّع، وشاهد صادق، أنيس ممتع، وسمير مفيد، وصاحب أمين، معجز مؤثر، له حلاوة وعليه طلاوة، يعلو ولا يعلى عليه، ليس بسحر ولا شعر ولا بكهانة ولا بقول بشر، بل هو كلام الله، منه بدا وإليه يعود، نزل به الروح الأمين على قلب رسول ربّ العالمين ليكون من المرسلين، بلسان عربي مبين، فهو الكتاب الذي بزّ فصاحة، وفاقها بلاغة، وعلا عليها حجة وبيانا، وهو هدى ورحمة وموعظة وشفاء لما في الصدور، ونور وبرهان ورشد وسداد ونصيحة وتعليم، محفوظ من التبديل، محروس من الزيادة والنقص، معجزة خالدة، عصمة لمن اتبعه ونجاة لمن عمل به، وسعادة لمن استرشده، وفوز لمن اهتدى بهديه، وفلاح لمن حكمه في حياته. يقول عليه الصلاة والسلام:" اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" أخرجه مسلم 804 عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وقال:" خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه" أخرجه البخاري 5027 عن عثمان رضي الله عنه، وقال:" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" أخرجه مسلم 817 عن عمر رضي الله عنه. وهو الكتاب الذي أفحم الشعراء، وأسكت الخطباء، وغلب البلغاء، وقهر العرب العرباء، وأعجز الفصحاء، وأعجب العلماء وأذهل الحكماء {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء 9.
محمد صلى الله عليه وسلم صادقا:
فهو أصدق من تكلم، كلامه حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادّا أو مازحا، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وقال:" إنّ الصدق يهدي الى البر، وإن البرّ يهدي الى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا.." الحديث أخرجه البخاري 6094 ومسلم 2607 عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
وأخبر ان المؤمن قد يبخل وقد يجبن، لكنه لا يكذب أبدا، وحذر من الكذب في المزاح لإضحاك القوم، فعاش عليه الصلاة والسلام والصدق حبيبه وصاحبه، ويكفيه صدقا صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الله بعلم الغيب، وائتمنه الله على الرسالة، فأداها للأمة كاملة تامة، لم ينقص حرفا ولم يزد حرفا، وبلّغ الأمانة عن ربه بأتمّ البلاغ، فكل قوله وعمله وحاله مبني على الصدق، فهو صادق في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجدّ وهزله، وبيانه وحكمه، صادق مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة، صادق في نفسه ومع الناس، في حضره وسفره، وحلّه وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه، وخطبه ورسائله، وفتاويه وقصصه، وقوله ونقله، وروايته ودرايته، بل معصوم من أن يكذب، فالله مانعه وحاميه من هذا الخلق المشين، قد أقام لسانه وسدّد لفظه، وأصلح نطقه وقوّم حديثه، فهو الصادق المصدوق، الذي لم يحفظ له حرف واحد غير صادق فيه، ولا كلمة واحدة خلاف الحق، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل حتى كان صادقا في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه، وهو الذي يقول:" ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين" أخرجه أبو داود 4359 والنسائي 4067، وذلك لما قال له أصحابه: ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟!
بل هو الذي جاء بالصدق من عند ربه، فكلامه صدق وسنّته صدق، ورضاه صدق وغضبه صدق، ومدخله صدق ومخرجه صدق، وضحكه صدق وبكاؤه صدق، ويقظته صدق ومنامه صدق {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } الأحزاب8، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} التوبة، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ (21) } محمد.(/4)
فهو صلى الله عليه وسلم صادق مع ربه، صادق مع نفسه، صادق مع الناس، صادق مع أهله، صادق مع أعدائه، فلو كان الصدق رجلاً لكان محمداً صلى الله عليه وسلم، وهل يُتعلم الصدق إلا منه بأبي هو وأم؟ وهل ينقل الصدق إلا عنه بنفسي هو؟ فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بالله بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه ونبوّته وإكرام الله له بالإصطفاء والاجتباء والاختيار؟!
محمد صلى الله عليه وسلم صابرا:
فلا يعلم أحد مرّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مرّ به صلى الله عليه وسلم، وهو صابر محتسب {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ } النحل 127، صبرعلى اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو أحيانا، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء وتحزّب الخصوم واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل الأعراب وجفاء البادية ومكر اليهود وعتوّ النصارى وخبث المنافقين وضرواة المحاربين، وصبر على تجهّم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين.. صبر على الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء، وصبر على إغراء الولاية وبريق المنصب وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلبا لمرضاة ربه، فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكّر {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } طه 130، وكلما بلغ به الحال أشدّه والأمر أضيقه تذكّر {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } يوسف 18، وكلما راعه هول العدو وأقضّ مضجعه تخطيط الكفار تذكّر{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } الأحقاف 35.
وصبره صلى الله عليه وسلم صبر الواثق بنصر الله، المطمئن الى وعد الله، الراكن الى مولاه، المحتسب الثواب من ربّه جلّ في علاه، وصبره صبر من علم أن الله سوف ينصره لا محالة، وأن العاقبة له، وأن الله معه، وأن الله حسبه وكافيه، يصبر صلى الله عليه وسلم على الكلمة النابية فلا تهزه، وعلى اللفظة الجارحة فلا تزعجه، وعلى الإيذاء المتعمّد فلا ينال منه.
مات عمه فصبر، وماتت زوجته فصبر، وقتل حمزة فصبر، وأبعد من مكة فصبر، وتوفي ابنه فصبر، وتوفي ابنه فصبر، ورميت زوجته الطاهرة فصبر، وكُذّب فصبر، قالوا له شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفتر فصبر، أخرجوه، آذوه، شتموه، سبّوه، حاربوه، سجنوه.. فصبر، وهل يتعلّم الصبر إلا منه؟ وهل يُقتدى بأحد في الصبر إلا به؟ فهو مضرب المثل في سعة الصدر وجليل الصبر وعظيم التجمّل وثبات القلب، وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم.
محمد صلى الله عليه وسلم جوادا:
فهو أكرم من خلق الله، وأجود البرية نفسا ويدا، فكفّه غمامة بالخير، ويده غيث الجود، بل هو أسرع بالخير من الريح المرسلة، لا يعرف "لا" إلا في التشهد:
كا قال "لا" قط إلا في تشهدّه
لولا التشهد كانت لاؤه نعم
يعطي عليه الصلاة والسلام عطاء من لا يخشى الفقر؛ لأنه بعث بمكارم الأخلاق، فهو سيد الأجواد على الإطلاق، أعطى غنما بين جبلين، وأعطى كل رئيس قبيلة من العرب مائة ناقة، وسأله سائل ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه، وكان لا يردّ طالب حاجة، قد وسع الناس برّه، طعامه مبذول وكفه مدرار، وصدره واسع، وخلقه سهل، ووجه بسّام:
تراه إذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله(/5)
ينفق مع العدم ويعطي مع الفقر، يجمع الغنائم ثو يوزعها في ساعة، ولا يأخذ منها شيئا، مائدته صلى الله عليه وسلم معروضة لكل قادم، وبيته قبلة لكل وافد، يضيف وينفق ويعطي الجائع بأكله، ويؤثر المحتاج بذات يده، ويصل القريب بما يملك، ويواسي المحتاج بما عنده، ويقدّم الغريب على نفسه، فكان صلى الله عليه وسلم آية في الجود والكرم، حتى لا يقارن به أجواد العرب كحاتم وهرم ابن جدعان؛ لأنه يعطي عطاء من لا يطلب الخلف إلا من الله، ويجود جود من هانت عليه نفسه وماله وكل ما يملك في سبيل ربه ومولاه، فهو أندى العالمين كفا، وأسخاهم يدا، وأكرمهم محتدا، قد غمر أصحابه وأحبابه وأتباعه، بل حتى أعداءه ببرّه وإحسانه وجوده وكرمه وتفضله، أكل اليهود على مائدته، وجلس الأعراب على طعامه، وحفّ المنافقون بسفرته، ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تبرّم بضيف أو تضجّر من سائل أو تضايق من طالب، بل جرّ أعرابي برده حتى أثّر في عنقه وقال له: أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك وأمّك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وضحك وأعطاه، وجاءته الكنوز من الذهب والفضة وأنفقها في مجلس واحد ولم يدّخر منها درهما ولا دينارا ولا قطعة، فكان أسعد بالعطية يعطيها من السائل، وكان يأمر بالإنفاق والكرم والبذل، ويدعو للجود والسخاء، ويذمّ البخل والإمساك، فيقول:" من كان بؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" أخرجه البخاري [ 6018، 6136، 6138] ومسلم 47 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال:" كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 2431، وابن حبان في صحيحه 3310. وقال:" ما نقصت صدقة من مال" أخرجه مسلم 2588 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
محمد صلى الله عليه وسلم شجاعا:
هذا مما تناقلته الأخبار وسار مسير الشمس في رابعة النهار، فكان أثبت الناس قلبا، وكان كالطود لا يتزعزع ولا يتزلزل، ولا يخاف التهديد والوعيد، ولا ترهبه المواقف والأزمات، ولا تهزه الحوادث والملمّات، فوّض أمره لربه وتوكل عليه وأناب إليه، ورضي بحكمه واكتفى بنصره ووثق بوعده، فكان عليه الصلاة والسلام يخوض المعارك بنفسه ويباشر القتال بشخصه الكريم، يعرّض روحه للمنايا ويقدّم نفسه للموت، غير هائب ولا خائف، ولم يفرّ من معركة قط، وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس وتقوم الحرب على ساق وتشرع السيوف وتمتشق الرماح وتهوي الرؤوس ويدور كأس المنايا على النفوس، فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر، يحتمون أحيانا وهو صامد مجاهد، لا يكترث بالعدوّ ولو كثر عدده، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه، بل كان يعدل الصفوف ويشجع المقاتلين ويتقدم الكتائب.
وقد فرّ الناس يوم حنينن وما ثبت إلا هو وستة من أصحابه، ونزل عليه {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} النساء 84، وكان صدره بارزا للسيوف والرماح، يصرع الأبطال بين يديه ويذبح الكماة أمام ناظريه وهو باسم المحيا، طلق الوجه، ساكن النفس.
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الرّدى وهو نائم
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضّاح وثغرك باسم
وقد شُجّ عليه الصلاة والسلام في وجهه وكسرت رباعيته، وقتل سبعون من أصحابه، فما وهن ولا ضعف ولا خار، بل كان أمضى من السيف. وبرز يوم بدر وقاد المعركة بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه الشريفة. وكان أول من يهبّ عند سماع المنادي، بل هو الذي سنّ الجهاد وحثّ وأمر به.
وتكالبت عليه الأحزاب يوم الخندق من كل مكان، وضاق الأمر وحلّ الكرب، وبلغت القلوب الحناجر، وظن بالله الظنون، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو ويستغيث مولاه حتى نصره ربّه وردّ كيد عدوّه وأخزى خصومه وأرسل عليهم ريحا وجنودا وباؤوا بالخسران والهوان.
ونام الناس ليلة بدر وما نام هو صلى الله عليه وسلم، بل قام يدعو ويتضرّع ويتوسل الى ربه ويسأله نصره وتأييده، فيا له من إمام وما أشجعه! لا يقوم لغضبه أحد، ولا يبلغ مبلغه في ثبات الجأش وقوة القلب مخلوق، فهو الشجاع الفريد والصنديد الوحيد الذي كملت فيه صفات الشجاعة وتمّت فيه سجايا الإقدام وقوة البأس، وهو القائل:" والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل" أخرجه البخاري [36،2797] ومسلم 1876 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
محمد صلى الله عليه وسلم زاهدا:(/6)
كان زهده صلى الله عليه وسلم زهد من علم فناء الدنيا وسرعة زوالها وقلة زادها وقصر عمرها، وبقاء الآخرة وما أعدّه الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم وخلود دائم، فرفض صلى الله عليه وسلم الأخذ من الدنيا إلا بدقر ما يسدّ الرمق ويقيم الأود، مع العلم أن الدنيا عرضت عليه وتزيّنت له وأقبلت إليه، ولو أراد جبال الدنيا أن تكون ذهبا وفضة لكانت، بل آثر الزهد والكفاف، فربما بات جائعا ويمرّ الشهر لا توقد في بيته نار، ويستمر الأيام طاويا لا يجد رديء التمر يسدّ به جوعه، وما شبع من خبز الشعير ثلاث ليال متواليات، وكان ينام على الحصير حتى أثّر في جنبه، وربط الحجر على بطنه من الجوع، وكان ربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه عليه الصلاة والسلام.
وكان بيته من طين، متقارب الأطراف، داني السقف، وقد رهن درعه في ثلاثين صاعا من شعير عند يهودي، وربما لبس إزارا ورداء فحسب، وما أكل على خوان قط، وكان أصحابه ربما أرسلوا له الطعام لما يعلمون من حاجته إليه، كل ذلك إكراما لنفسه عن أدران الدنيا، وتهذيبا لروحه وحفظا لدينه ليبقى أجره كاملا عند ربه، وليتحقق له وعد مولاه { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} الضحى، فكان يقسم الأموال على الناس ثم لا يحوز منها درهما واحدا، ويوّزع الإبل والبقر والغنم على الأصحاب والأتباع والمؤلفة قلوبهم ثم لا يهب بناقة ولا بقرة ولا شاة، بل يقول عليه الصلاة والسلام:" لو كان لي كعضاة ـ أي شجر ـ تهامة مالا لقسمته ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا". أخرجه مالك في الموطأ 977، والطبراني في الأوسط 1864 والكامل لابن عدي 3\97.
وراودته الجبال الشمّ من ذهب
عن نفسه فأراها أيما شمم
بل وكان عليه الصلاة والسلام الأسوة العظمى في الإقبال على الآخرة وترك الدنيا وعدم الإلتفات إليها أو الفرح بها أو جمعها أو التلذذ بطيباتها أو التنعم بخيراتها، فلم يبن قصرا، ولم يدّحر مالا، ولم يكن له كنز ولا جنة يأكل منها، ولم يخلف بستانا ولا مزروعة، وهو القائل:" لا نورّث، ما تركناه صدقة" أخرجه البخاري [3039، 3712] ومسلم برقم 1758، وكان يدعو بقوله وفعله وحاله الى الزهد في الدنيا والاستعداد للآخرة والعمل.
ما نظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو إمام المسلمين وقائد المؤمنين وأفضل الناس أجمعين يسكن في بيت طين وينام على حصير بال ويبحث عن تمرات تقيم صلبه، وربما اكتفى باللبن.
بل خُيّر بين أن يكون ملكا رسولا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا، يشبع يوما ويجوع يوما، حتى لقي الله عز وجل.
ومن زهده في الدنيا سخاؤه وجوده كما تقدم، فكان لا يرد سائلا ولا يحجب طالبا ولا يخيّب قاصدا، وأخبر أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وقال:" كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل" أخرجه البخاري 6416 عن ابن عمر رضي الله عنهما. ويروى عنه أنه قال:" ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" أخرجه ابن ماجه 4102 والطبراني في الكبير 10522 والحاكم 7833 عن سهل بن سعد الساعدي. وقال:" مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل رجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها" أخرجه أحمد [3701، 4196] والترمذي 2377، وابن ماجه 4109 عن عبدالله بن مسعود وقال الترمذي حسن صحيح، وقال:" الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما" أخرجه الترمذي 2322 وابن ماجه 4112 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال:" ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" أخرجه مسلم 2958.
محمد صلى الله عليه وسلم متواضعا:
كان صلى الله عليه وسلم عجيبا في ذلك، فتواضعه تواضع من عرف ربّه مهابة، واستحيا منه وعظمه وقدّره حقّ قدره، وتطامن له وعرف حقارة الجاه والمال والمنصب، فسافرت روحه الى الله وهاجرت نفسه الى الدار الآخرة، فما عاد يعجبه شيء مما يعجب أهل الدنيا، فصار عبدا لربه بحق: يتواضع للمؤمنين، يقف مع العجوز ويزور المريض ويعطف على المسكين، ويصل البائس ويواسي المستضعفين ويداعب الأطفال ويمازح الأهل ويكلم الأمة، ويواكل الناس ويجلس على التراب وينام على الثرى، ويفترش الرمل ويتوسّد الحصير، قد رضي عن ربّه، فما طمع في شهرة أو منزلة أو مطلب أرضي أو مقصد دنيوي، يكلم النساء بلطف، ويخاطب الغريب بودّ، ويتألف الناس ويتبسّم في وجوه أصحابه يقول:" إنما أنا عبد: آكل كما يأكل العبد واجلس كما يجلس العبد" أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد 1\6، وابن سعد في الطبقات 1\371 وانظر كشف الخفاء 1\17 ، ولما رآه رجل ارتجف من هيبته قال:"هوّن عليك، فإني ابن امرأة كانت تاكل القديد بمكة" أخرجه ابن ماجه 3312، والحاكم 4366 عن ابن مسعود، وانظر الكامل لابن عدي 6\286.(/7)
وكان يكره المدح، وينهى عن إطرائه ويقول:" لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبدالله ورسوله، فقولوا عبدالله ورسوله" أخرجه البخاري 3445 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكان ينهى أن يقام له، وأن يوقف على رأسه، وكان يجلس حيثما انتهى به المجلس، وكان يختلط بالناس كأنه أحدهم، ويجيب الدعوة ويقول:" لو دعيت الى كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت" أخرجه البخاري [2568، 5178].
وكان يحب المساكين، ويروى عنه قوله:" اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين" أخرجه الترمذي 2352 عن أنس رضي الله عنه، وابن ماجه 4126 والحاكم 7911 عن أبي سعيد الخدري وصححه. وكان يحرّم الكبر وينهى عنه، ويبغض أهله ويقول:" يحشر المتكبرون يوم القيامة في صورة الذر، يغشاهم الذل من كل مكان" أخرجه أحمد 6639، والترمذي 2492، انظر كشف الخفاء 3236. ويروي عن ربه أنه قال:"الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منها قذفته في النار" أخرجه مسلم 2620 وأبو داود 4090 واللفظ له.
فكان صلى الله عليه وسلم محببا الى القلوب: تأخذه الجارية بيده فيذهب معها، ويزور أم أيمن وهي مولاة. ولما مدحه وفد عامر بن صعصعة وقالوا: أنت خيرنا وأفضلنا وسيدنا وابن سيدنا قال لهم:" يا أيها الناس! قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، لا يستجريّنكم الشيطان" أخرجه أحمد 15876 وأبو داود 4806، وغضب لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، وقال:" ويحك! أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده" أخرجه أحمد [1842، 2557] والنسائي في السنن الكبرى 10825 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وكان يحمل حاجة أهله ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويكنس بيته ويحلب شاته ويقطع اللحم مع أهله، ويقرّب الطعام لضيفه، ويباسط زوّاره ويسأل عن اخبارهم، ويتناوب ركوب الراحلة مع رفيقه، ويلبس الصوف ويأكل الشعير، وربما مشى حافيا، وينام في المسجد، ويركب الحمار، ويردف على الدابة، ويعاون الضعيف ويتفقد السرية، ويكون في آخرهم فيساعد من احتاج، ويرافق الوحيد منهم..
فصلى الله عليه وسلم ما تحرّك بذكره اللسان، وسارت بأخباره الركبان، وردّد حديثه الإنس والجان.
محمد صلى الله عليه وسلم حليما:
ما دام أنه رسول الله فلا بد أن يكون أحلم الناس وأوسعهم صدرا، وألينهم عريكة وأدمثهم خلقا وألطفهم عشرة، فقد كان يطظم غيظه ويعفو ويصفح ويغفر لمن زلّ، ويتنازل عن حقوقه الخاصة ما لم تكن حقوقا لله. وقد عفا عمن ظلمه وطره من وطنه وآذاه وسبّه وشتمه وحاربه، فقال لهم يوم الفتح:" اذهبوا فأنتم الطلقاء" أخرجه الشافعي في الأم 7\361، والطبري في تاريخه 2\161 والبيهقي في السنن الكبرى 18055 انظر صحيح الجامع 4815. وعفا عن ابن عمّه سفيان بن الحارث يوم الفتح لما وقف أمامه وقال له: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فقال عليه الصلاة والسلام:{ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} يوسف.
وقد واجهه الأعراب بالجفاء وسوء الأدب، فحلم وصفح، وقد امتثل أمر ربه في قوله:{ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} الحجر، فكان لا يكافئ على السيئة بالسيئة، بل يعفو ويصفح، وكان لا ينفذ غضبه إذا كان لنفسه، ولا ينتقم لشخصه، بل إذا غضب ازداد حلما، وربّما تبسّم في وجه من أغضبه، ونصح أحد أصحابه فقال:"لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب" أخرجه البخاري 6116.
وكان يبلغه الكلام السيء فيه، فلا يبحث عمن قاله ولا يعاتبه ولا يعاقبه. وورد عنه أنه قال:" لا يبلغني أحد منكم ما قيل فيّ، فإني أحب أن أخرج إليك وأنا سليم الصدر" أخرجه احمد 3750 وأبو داود 4860 والترمذي 3896 عن عبدالله بن مسعود. وبلّغه ابن مسعود كلاما قيل فيه، فتغيّر وجهه وقال:" رحم الله موسى، أوذي بأكثر من هذا فصبر" أخرجه البخاري [ 3150، 3405] ومسلم 1062.
وقد أوذي من خصومه في رسالته وعرضه وسمعته وأهله، فلما قدر عليهم عفا عنهم وحلم عليهم، وقال:" من كف غضبه كف الله عنه عذابه" أخرجه أبو يعلى 4338 والبيهقي في الشعب 8311 وانظر العلل لابن أبي حاتم 1919 ومجمع الزاوئد 10\298. وقال له رجل: اعدل، فقال:" خبت وخسرت إذا لم أعدل" أخرجه البخاري 3138 ومسلم 1063 واللفظ له عن جابر بن عبدالله، ولم يعاقبه بل صفح عنه. وواجه بعص اليهود بما يكره، فعفا وصفح، وقد وسع بخلقه وتسامحه الناس، وأطفأ بحلمه نار العداوات ممتثلا قول ربه:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)} المؤمنون.(/8)
وكان مع أهله أحلم الناس، يمازحهم ويلاطفهم ويعفو عنهم فيما يصدر منهم، ويدخل عليهم باسما ضحاكا، يملأ قلوبهم وبيوتهم أنسا وسعادة، يقول خادمه أنس بن مالك: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ما قال لي في شيء فعلته: لم فعلت هذا؟ ولا شيء لم أفعله: لم لم تفعل هذا؟ وهذا غاية الحلم ونهاية حسن الخلق، وقمة جميل السجايا ولطيف العشرة، بل كان كل من رافقه أو صاحبه أو بايعه يجد من لطفه وودّه وحلمه ما يفوق الوصف، حتى تمكن حبّه من القلوب فتعلقت به الأرواح ومالت له نفوس الناس بالكلية:
وإذا رحمت فأنت أمّ أو أب
هذان في الدنيا هم الرحماء
وإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لم تفعل الأنواء
وإذا صحبت رأى الوفاء مجسّما
في بُردك الأصحاب والخلطاء
وأبديت حلمك للسفيه مداريا
حتى يضيق بحلمك السفهاء
محمد صلى الله عليه وسلم رحيما:
وصفه ربه بقوله:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)}الأنبياء، فهو رحمة للبشرية.. ورد عنه أنه قال:" إنما أنا رحمة مهداة" أخرجه الدارمي 15 مرسلا، والحاكم موصولا عن أبي هريرة برقم 100 وصححه. ورأى ولد إحدى بناته تفيض روحه، فبكى، فلما سئل عن ذلك قال:" هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباه الرحماء" أخرجه البخاري [ 1284، 6655] ومسلم 923 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه.
وكان رحمة على القريب والبعيد، عزيز عليه أن يدخل على الناس مشقة، فكان يخفف بالناس مراعاة لأحوالهم، وربما أراد أن يطيل في الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف لئلا يشق على أمه. ولما بكت أمامة بنت زينب ابنته حملها وهو يصلي بالناس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها. أخرجه البخاري 516، ومسلم543 عن أبي قتادة رضي الله عنه.
وسجد مرة فصعد الحسن على ظهره، فأطال السجود، فلما سلّم اعتذر للناس وقال:" إن إبني هذا ارتحلني، فكرهت أن أرفع رأسي حتى ينزل" أخرجه أحمد 27100 والنسائي 1141 عن شداد بن الهاد رضي الله عنه. وقال:" من أمّ منكم الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة" أخرجه البخاري 703 ومسلم 467 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال لمعاذ لمّا طوّل بالناس:" أفتّان أنت يا معاذ؟" أخرجه البخاري [ 705، 6106] ومسلم 465 عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه. وقال:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أخرجه البخاري 887 ومسلم 252 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وربما ترك العمل خشية أن يفرض على الناس، وكان يتخوّل أصحابه بالموعظة...
كل ذلك رحمة منه صلى الله عليه وسلم، وكان يقول:" والقصد القصد تبلغوا" أخرجه البخاري 6463 عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول:" بُعثت بالحنيفية السمحة" أخرجه أحمد 21788 عن أبي أمامة رضي الله عنه. ويقول:" خير دينكم أيسره" أخرجه أحمد 15506 وانظر مجمع الزوائد 3\308. ويقول:" عليكم هدياً قاصداً" أخرجه أحمد [ 22454، 22544] والبيهقي في السنن الكبرى 4519 عن بريدة الأسلمي، وانظر البيان والتعريف 2\109. ويقول: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" أخرجه البخاري 5862 ومسلم 782 عن عائشة رضي الله عنها. وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وأنكر على الثلاثة الذين شدّدوا على أنفسهم في العبادة، وقال:" والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فيس مني" أخرجه البخاري 5063 ومسلم 1401 عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأفطر في سفر في رمضان، وقصر الرباعية، وجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر، ونادى مؤذنه في المطر أن صلوا في رحالكم، وقال:" هلك المتنطعون" أخرجه مسلم 2670 عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. وقال:" ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" أخرجه مسلم 2594 عن عائشة رضي الله عنها. وأنكر على عبدالله بن عمرو بن العاص إرهاق نفسه بالعبادة، ويقول:" إيّاكم والغلو" أخرجه أحمد [ 1854، 3238] والنسائي 3057، وابن ماجه 3029 وابن أبي عاصم في السنة 1\46 عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه. ويروى عنه قوله:" أمتي أمة مرحومة" أخرجه أحمد [ 19179، 19253] وأبو داود 4276 والحاكم 8372 عن أبي موسى رضي الله عنه وصححه.، وقال:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه البخاري 7288 ومسلم 1337 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا اليسر في حياته عليه الصلاة والسلام يوافق يسر الملة وسهولة الشريعة، وهو امتثال منه صلى الله عليه وسلم لقول ربه:{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)} الأعلى، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } البقرة 286، {فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } التغابن 16،{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } القرة 185،{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج 78.. وغيرها من الآيات.(/9)
فهو صلى الله عليه وسلم سهل ميسّر رحيم في رسالته ودعوته وعبادته وصلاته وصومه وطعامه وشرابه ولباسه وحله وترحاله وأخلاقه، بل حياته مبنية على اليسر؛ لأنه جاء لوضع الآصار والأغلال عن الأمة، فليس اليسر أصلا إلا معه، ولا يوجد اليسر إلا في شريعته، فهو اليسر كله، وهو الرحمة والرفق بنفسه، صلى الله عليه وسلم.
محمد صلى الله عليه وسلم ذاكرا:
كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس ذكرا لربه، حياته كلها ذكر لمولاه، فدعوته ذكر وخطبه ذكر ومواعظه ذكر وعبادته ذكر وفتاويه ذكر، وليله ونهاره وسفره وإقامته بل أنفاسه كلها ذكر لمولاه عز وجل، فقلبه معلق بربه، تنام عينه ولا ينام قلبه، بل النظر اليه يذكّر الناس بربّهم، وكل مراسيم حياته ومناسباته وذكر لخالقه جلّ في علاه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحث الناس على ذكر ربهم، فيقول:"سبق المفردون: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" أخرجه مسلم 2676 عن أبي هريرة رضي الله عنه، ويقول:" مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحيّ والميت" أخرجه البخاري 6407 ومسلم 779 عن أبي موسى رضي الله عنه. ويقول:" لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" أخرجه أحمد [ 17227، 17245] والترمذي 3375 وابن ماجه 3793 انظر المشكاة 2279. وأخبر أن أفضل الناس أكثرهم ذكرا لربه، وروى عن ربّه عز وجل قوله:" أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه" أخرجه البخاري معلقا في كتاب التوحيد، باب قول الله { لاتحرك به لسانك}، وأحمد[10585، 10592] زابن ماجه3792 عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول:" من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" أخرجه البخاري 7405 ومسلم 2675 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وله عليه الصلاة والسلام عشرات الأحاديث الصحيحة التي تحث على الذكر وترغّب فيه، والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة والاستغفار والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
وكان يذكّر الناس بأجر الذكر وما يترتب على ذلك من ثواب، وذكر الأعداد في ذلك مع ذكر المناسبات، وعمل اليوم والليلة، فهو صلى الله عليه وسلم الذاكر الشاكر الصابر، وهو الذي ذكّر الأمة بربها وعلمها تعظيمه وتسبيحه، وبيّن لها فوائد الذكر ومنافعه. فهو أسعد الناس بذكر ربه، وأهنؤهم عيشا بهذه النعمة، وأصلحهم حالا بهذا الفضل، فكان له أوراد من الأذكار مع حضور قلب وخشوع وخضوع وهيبة وخوف ومحبة ورجاء وطمع في فضل ربه.
محمد صلى الله عليه وسلم داعيا:
يقول تعالى:{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر 60، ويقول:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } البقرة 186، ويقول صلى الله عليه وسلم:" الدعاء هو العبادة" أخرجه أحمد [ 17888، 17919] وأبو داود 1479 والترمذي [ 2969، 3247] عن النعمان بن بشير وصححه. ويقول:" من لم يسأل الله يغضب عليه" أخرجه البخاري في الأدب المفرد 658 والترمذي 3373 عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه. وكان عليه الصلاة والسلام لاهجا بدعاء ربه في كل حالاته، قد فوّض أمره لمولاه، وأكثر الإلحاح على خالقه يناشده رحمته وعفوه، ويطلب برّه وكرمه، وكان يختار جوامع الدعاء الكامل الشامل كقوله:" اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" أخرجه البخاري [ 4522، 6389] ومسلم 2688 عن انس رضي الله عنه. وقوله:" اللهم إني أسألك العفو والعافية" أخرجه أحمد 4770 وأبو داود 5074 وابن ماجه 3871 والحاكم 1902 عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه.
وكان يكرر الدعاء ثلاثا، ويبدأ بالثناء على ربه، وكان يستقبل القبلة عند دعائه، وربما توضأ قبل الدعاء، وكان يعلم الأمة أدب الدعاء، كالبداية بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله، ودعاء الله بأسمائه الحسنى، والإلحاح في الدعاء، وتوخّي أوقات الإجابة كأدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ويوم عرفة، وفي حالة السجود والصوم والسفر، ودعوة الوالد لولده، وكان عليه الصلاة والسلام وقت الأزمات يلحّ على ربه ويناشده، ويكرر السؤال مع تمام الذلّ والخوف والحب وحسن الظن، وتمام الرجاء، كما فعل يوم بدر ويوم الخندق ويوم عرفة.
وكان الله يجيب دعوته ويلبّي طلبه، كما حصل له على المنبر يوم استسقى فنزل الغيث مباشرة، ويوم شق له القمر، وبارك له في الطعام والمال، ونصره في حروبه، ورفع دينه وأيّد حزبه وخذل أعداءه، وكبت خصومه، حتى حقق الله له مقاصده وأكرم مثواه وجعل له العاقبة صلى الله عليه وسلم.
محمد صلى الله عليه وسلم طموحا:(/10)
ولدت همته عليه الصلاة والسلام معه يوم ولد، فمنذ طفولته زنفسه مهاجرة الى معالي الأمور ومكارم الخلق، لا يرضى بالدون ولا يهوى السفاسف، بل هو الطموح والسبّاق المتفرّد والمبرز المحظوظ، ولقد ذكر أهل السير أنه عليه الصلاة والسلام وهو طفل كان لجده عبدالمطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه إلا هو لمنزلته، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم فنازع الخدم حتى جلس عليه، وأبى أن يجلس دونه.
وكان فيه قبل النبوة من سمات الريادة والزعامة والقيادة ما جعل قريش يسمونه الصادق الأمين، ويرضون حكمه ويعودون اليه في أمورهم.
فلما منّ الله عليه بالبعثة تاقت نفسه إلى الوسيلة، وهي أعلى درجة في الجنة، فسأل الله إياها، وعلّمنا ان نسألها له من ربه، بلغ سدرة المنتهى، وحاز الكمال البشري المطلق، والفضيلة الإنسانية. ومن علوّ همّته رفضه للدنيا وعدم الوقوف مع مطالبها الزهيدة لولاياتها ومناصبها وقصورها ودورها.
الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن
{ يا أيها النبي حسبك الله}
حسبك الله يكفيك من كل ما أهمّك، فيحفظك في الأزمات، ويرعاك في الملمّات، ويحميك في المدلهمّات، فلا تخش ولا تخف ولا تحزن ولا تقلق.
حسبك الله فهو ناصرك على كل عدو، ومظهرك على كل خصم، ومؤيدك في كل أمر، ويعطيك إذا سألت، ويغفر لك إذا استغفرت، ويزيدك إذا شكرت، ويذكرك إذا ذكرت، وينصرك إذا حاربت، ويوفّقك إذا حكمت.
حسبك الله فيمنحك العز بلا عشيرة، والغنى بلا مال، والحفظ بلا حرس، فأنت المظفّر لأن الله حسبك! وأنت المنصور لأن الله حسبك، وأنت الموفق لأن الله حسبك، فلا تخف من عين حاسد ولا من كيد كائد، ولا من مكر ماكر، ولا من خبث كافر، ولا من حيلة فاجر لأن الله حسبك.
وإذا سمعت صولة الباطل، ودعاية الشرك، وجلبة الخصوم، ووعيد اليهود، وتربّص المنافقين، وشماتة الحاسدين، فاثبت لأن حسبك الله.
إذا ولّى الزمان، وجفا الإخوان، وأعرض القريب، وشمت العدو، وضعفت النفس، وأبطأ الفرج، فاثبت لأن حسبك الله.
إذا داهمتك المصائب، ونازلتك الخطوب، وحفّت بك النكبات، وأحاطت بك الكوارث، فاثبت لأن حسبك الله، لا تلتفت الى أحد من الناس، ولا تدع أحدا من اليشر، ولا تتجه لكائن من كان غير الله.. لأن حسبك الله.
إذا ألمّ بك مرض، وأرهقك دين، وحلّ بك فقر، أوعرضت لك حاجة، فلا تحزن لأن حسبك الله.
إذا أبطأ النصر، وتأخر الفتح، واشتد الكرب، وثقل الحمل، وادلهمّ الخطب، فلا تحزن لأن حسبك الله، أنت محظوظ لأنك بأعيننا، وأنت محروس لأنك خليلنا، وأنت في رعايتنا لأنك رسولنا، وأنت في حمايتنا لأنك عبدنا المجتبى ونبيّنا المصطفى.
{لا تحزن إن الله معنا}
هذه الكلمة الجميلة الشجاعة قالها صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه أبي بكر الصدّيق، وقد أحاط بهما الكفار، فقالها قوية في حزم، صادقة في عزم، صارمة في جزم:{ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } التوبة 40. فما دام الله معنا فلم الحزن ولم الخوف ولم القلق، اسكن.. اثبت.. اهدأ.. اطمئن، لأن الله معنا.
لا نُغلب، لا نُهزم، لا نضل، لا نضيع، لا نيأس، لا نقنط، لأن الله معنا، النصر حليفنا، الفرج رفيقنا، الفتح صاحبنا، الفوز غايتنا، الفلاح نهايتنا لأن الله معنا.
من أقوى منا قلبا، من أهدى منا نهجا، من أجلّ من مبدأ، من أحسن منا سيرة، من أرفع مان قدرا؟! لأن الله معنا.
ما أضعف عدوّنا، ما أذلّ خصمنا، ما أحقر من حاربنا، ما أجبن من قاتلنا، لأن الله معنا.
لن نقصد بشرا، لن نلتجئ الى عبد، لن ندعو إنسانا، لن نخاف مخلوقا، لأن الله معنا.
نحن أقوى عدة وأمضى سلاحا، وأثبت جنانا وأقوم نهجا، لأن الله معنا.
نحن الأكثرون الأكرمون الأعلون الأعزّون المنصورون، لأن الله معنا.
يا أبا بكر اهجر همّك، وأزح غمّك، واطرد حزنك، وأزل يأسك، لأن الله معنا.
يا أبا بكر ارفع رأسك، وهدئ من روعك، وأرح قلبك، لأن الله معنا.
يا أبا بكر أبشر بالفوز، وانتظر النصر، وترقّب الفتح، لأن الله معنا.
غدا سوف تعلو رسالتنا وتظهر دعوتنا وتسمع كلمتنا، لأن الله معنا.
غدا سوف نُسمع أهل الأرض روعة الأذان وكلام الرحمن ونغمة القرآن، لأن الله معنا.
غدا سوف نخرج الإنسانية ونحرر البشرية من عبودية الأوثان، لأن الله معنا.
{وإنك لعلى خلق عظيم}
والله إنك لعظيم الأخلاق، كريم السجايا، مهذب الطباع، نقيّ الفطرة.
والله إنّك جمّ الحياء، حيّ العاطفة، جميل السيرة، طاهر السريرة.
والله إنك قمة الفضائل، ومنبع الجود، ومطلع الخير، وغاية الإحسان.
وإنك لعلى خلق عظيم.. يظلمونك فتصبر، يؤذونك فتغفر، يشتمونك فتحلك، يسبّونك فتعفو، يجفونك فتصفح.
{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} القلم.. يحبّك الملك والمملوك، والصغير والكبير، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والقريب والبعيد، لأنك ملكت القلوب بعطفك، وأسرت الأرواح بفضلك، وطوّقت الأعناق بكرمك.(/11)
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} ..هذبّك الوحي، وعلمك جبريل، وهداك ربك، وصاحبتك العناية، ورافقتك الرعاية، وحالفك التوفيق.
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} .. البسمة على محياك، البِِشر على طلعتك، النور على جبينك، الحب في قلبك، الجود في يدك، البركة فيك، الفوز معك.
من زار بابك لم تبرح جوارحه
تروي احاديث ما أوليت من منن
فالعين عن قرّة والكف عن صلة
والقلب عن جابر والسمع عن حسن
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} .. لا تكذب ولو أن السيف على رأسك، ولا تخون ولو حزت الدنيا، ولا تغدر ولو أعطيت الملك، لأنبي نبيّ معصوم، وإمام قدوة، وأسوة حسنة.
{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}.. صادق ولو قابلتك المنايا، وشجاع ولو قاتلت الأسود، وجواد ولو سئلت كل ما تملك، فأنت المثال الراقي والرمز السامي.
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}.. سبقت العالم ديانة وأمانة وصيانة ورزانة، وتفوقت على الكل علما وحلما وكرما ونبلا وشجاعة وتضحية.
{ما أنت بنعمة ربك بمجنون}
لست مجنونا كما قال أعداؤك لكن عندك دواء المجانين، فلمجنون الطائش والسفيه التافه من خالفك وعصاك وحاربك وجفاك.
{مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)} القلم.. وكيف يكون ذلك وأنت أكملهم عقلا، وأتمّهم رشدا، وأسدهم رأيا، وأعظمهم حكمة، واجلذهم بصيرة!
وكيف تكون مجنونا وأنت أتيت بوحي يكشف الزيغ، ويزيل الضلال، وينسف الباطل، ويمحو الجهل، ويهدي العقل، وينير الطريق.
لست مجنونا أنك على هدى من الله، وعلى نور من ربك، وعلى ثقة من منهجك، وعلى بيّنة من دينك، وعلى رشد من دعوتك، صانك الله من الجنون، بل عندك كل العقل وأكمل الرشد وأتم الرأي وأحسن البصيرة، فأنت الذي يهتدي بك العقلاء، ويستضيء بحكمتك الحكماء، ويقتدي بك الراشدون المهديّون.
كذب وافترى من وصفك بالجنون وقد ملأت الأرض حكمة والدنيا رشدا والعالم عدلا، فأين يوجد الرشد إلا عندك؟ وأين تكون الحكمة إلا لديم؟ وأين تحلّ البركة إلا معك؟ أنت أعقل العقلاء، وأفضل النبلاء، وأجلّ الحكماء. كيف يكون محمد مجنونا وقد قدّم للبشرية أحسن تراث على وجه الأرض، وأهدى للعالم أجلّ تركة عرفها الناس، وأعطى الكون أبرك رسالة عرفها العقلاء:
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له
وأنت أحييت أجيالا من الرمم
{ وإنك لتهدي الى صراط مستقيم}
أنت يا محمد مهمّتك الهداية، ووظيفتك الدلالة، وعملك الإصلاح.. أنت تهدي الى صراط مستقيم، لأنك تزيل الشبهات وتطرد الغواية وتذهب الضلالة، وتمحو الباطل وتشيد الحق والعدل والخير.
أنت تهدي الى صراد مستقيم، فمن أراد السعادة فليتبعك، ومن أحبّ الفلاح فليقتد بك، ومن رغب في النجاة فليهتد بهداك.
أحسن صلاة صلاتك، وأتمّ صيام صيامك، وأكمل حجّ حجك، وأزكى صدقة صدقتك، وأعظم ذكرك لربك.
وأنت تهدي الى صراط مستقيم.. من ركب سفينة هدايتك نجا، من دخل دار دعوتك أمن، من تمسّك بحبل رسالتك سلم. فمن تبعك ما ذلّ، وما ضلّ وزلّ وما قل، وكيف يذلّ والنصر معك؟ وكيف يضل وكل الهداية لديك؟ وكيف يزل والرشد كله عندك؟ وكيف يقلّ والله مؤيدك وناصرك وحافظك؟
وإنك لتهدي الى صراط مستقيم لأنك وافقت الفطرة وجئت بحنيفية سمحة، وشريعة غرّاء، وملة كاملة، ودين تام.
هديت العقل من الزيغ، وطهّرت القلب من الريبة، وغسلت الضمير من الخيانة، وأخرجت الأمة من الظلام، وحرّرت البشر من الطاغوت.
وإنك لتهدي الى صراط مستقيم، فكلامك هدى، وحالك هدى، وفعلك هدى، و مذهبك هدى، فأنت الهادي الى الله، الدال على طريق الخير، المرشد لكل برّ، الداعي الى الجنة.
{ يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك}
أدّ الرسالة كاملة كما سمعتها كاملة، بلّغها تامّة مثلما حملتها تامة، لا تنقص منها حرفا، ولا تحذف كلمة، ولا تغفل جملة.
بلّغ ما أنزل إليك فهي أمانة في عنقك سوف تُسأل عنها، فبلغها بنصّها وروحها ومضمونها.
بلّغ ما أنزل إليك من الوحي العظيم والهدى المستقيم والشريعة المطهّرة، فأنت مبلّغ فحسب، لا تزد في الرسالة حرفا، ولا تضف من عندك على المتن، لا تُدخل شيئا في المضمون، لأنك مرسل فحسب، مبعوث ليس إلا، مكلف ببلاغ، مسؤول عن مهمة. فمثلما سمعت بلغ، ومثلما حُمّلت فأدّ.
بلّغ ما أنزل إليك، عرف من عرف، وأنكر من أنكر، استجاب من استجاب وأعرض من أعرض، أقبل من أقبل وأدبرمن أدبر.
بلغ ما أنزل إليك، بلّغ الكل وادع الجميع، وانصح الكافة، الكبراء والمستضعفين، السادة والعبيد، والإنس والجن، الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، الكبار والصغار.
بلّغ ما أنزل إليك.. فلا ترهب الأعداء ولا تخف الخصوم، ولا تخش الكفار، ولا يهولك سيف مصلت، أو رمح مشرع، أو منية كالحة، أو موت عابس، أو جيش مدجج، أو حركة حامية.
بلّغ ما أنزل إليك فلا يغريك مال، ولا يعجبك منصب، ولا يزدهيك جاه، ولا تغرّك دنيا، ولا يخدعك متاع، ولا يردّك تحرّج.
وشبّ طفل الهدى المحبوب متّشحا
بالخير متّزرا بالنور والنار(/12)
في كفّه شعلة تهدي وفي دمه
عقيدة تتحدّى كلّ جبّار
وفي ملامحه وعد وفي يده
عزائم صاغها من قدرة الباري
{ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته}:
إذا لم تؤد الرسالة كاملة فكأنك ما فعلت شيئا، وإن لم توصلها تامّة فكأنك ما قمت بها حق القيام، ولو كتمت منها مقالة أو عطلت منها نصا أو أهملت منها عبارة فما بلّغت رسالة الله وما أدّيت أمانة الله، نريد منك أن تبلّغ رسالتنا للناس كما أُلقيت عليك، وكما نزل بها جبريل وكما وعاها قلبك.
{والله يعصمك من الناس}:
بلغ الرسالة كاملة ولا تخف أحدا، وكيف تخاف من أحد ونحن معك نحفظك ونمنعك ونحميك ونذبّ عنك؟! لن يقتلك أحد لأن الله يعصمك من الناس، ولن يطفئ نورك أحد لأن الله يعصمك من الناس، ولن يعطّل مسيرتك أحد لأن الله يعصمك من الناس، اصدع بما تؤمر، وقل كلمتك صريحة شجاعة قوية لأن الله يعصمك من الناس. اشرح دعوتك، وابسط رسالتك، وارفع صوتك، وأعلن منهجك، وما عليك لأن الله يعصمك من الناس.
كل قوة في الأرض لن تستطيع لك، كلّ جبروت في الدنيا لا يهزمك، كل طاغية في المعمورة لن يقهرك، لأن الله يعصمك من الناس.
ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت على
خير البريّة لم ينسج ولم يحم
عناية الله أغنت عن مضاعفه
من الروع وعن عالٍ من الأطم
{ألم نشرح لك صدرك}
أما شرحنا لك صدرك فصار وسيعا فسيحا لا ضيق فيه، ولا حرج ولا همّ ولا غمّ ولا حزن، بل ملأناه لك نورا وسرورا وحبورا.
أما شرحنا لك صدرك وملأناه حكمة ورحمة وإيمانا وبرا وإحسانا.
وشرحنا لك صدرك فوسعت أخلاق الناس، وعفوت عن تقصيرهم، وصفحت عن أخطائهم، وسترت عيوبهم، وحلمت على سفيههم، وأعرضت عن جاهلهم، ورحمت ضعيفهم.
شرحنا لك صدرك فكنت كالغيث جوادا، وكالبحر كرما، وكالنسيم لطفا، تعطي السائل، وتمنح الراغب، وتكرم القاصد، وتجود على المؤمّل.
شرحنا لك صدرك فصار بردا وسلاما يطفئ الكلمة الجافية، ويبرد العبارة الجارحة، فإذا العفو والحلم والصفح والغفران.
شرحنا لك صدرك فصبرت على جفاء الأعراب، ونيل السفهاء، وعجرفة الجبابرة، وتطاول التافهين، وإعراض المتكبرين، ومقت الحسدة، وسهام الشامتين، وتجهّم القرابة.
شرحنا لك صدرك فكنت بسّاما في الأزمات، ضحّاكا في الملمّات، مسرورا وأنت في عين العاصفة، مطمئنا وأنت في جفن الردى، تداهمك المصائب وأنت ساكن، وتلتفّ بك الحوادث وأنت ثابت، لأنك مشروح الصدر، عامر الفؤاد، حيّ النفس.
شرحنا لك صدرك فلم تكن فظا قاسيا غليظا جافيا، بل كنت رحمة وسلاما وبرا وحنانا ولطفا، فالحلم يُطلب منك، والجود يُتعلّم من سيرتك، والعفو يؤخذ من ديوانك.
{ووضعنا عنك وزرك}:
حططنا عنك خطاياك وغسلناك من آثار الذنوب.
فأنت مغفور لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأنت الآن نقيّ طاهر من كل ذنب وخطيئة، ذنبك مغفور، وسعيك مشكور، وعملك مبرور، وأنت في كل شأن من شؤونك مأجور، فهنيئا لك هذا الغفران، وطوبى لك هذا الفوز، وقرة عين لك هذا الفلاح.
{الذي أنقض ظهرك}:
أثقل هذا الوزر كاهلك، وأضنى ظهرك حتى كاد ينقضه ويوهنه، فالآن أذهبنا هذا الثقل وأزلنا هذه التبعة، وأعفيناك من هذا الخطب، وأرحناك من هذا الحمل، فاسعد بهذه البشرى، وتقبّل هذا العطاء، وافرح بهذا التفضّل.
{ورفعنا لك ذكرك}:
لا أُذكر إلا تذكر معي، يقرن ذكرك بذكري في الأذان والصلاة والخطب والمواعظ، فهل تريد شرفا فوق هذا؟ يذكرك كل مصلّ وكل مسبّح وكل حاجّ وكل خطيب، فهل تطلب مجدا أعلى من هذا؟
أنت مذكور في التوراة والإنجيل، منوّه باسمك في الصحف الأولى والدواوين السابقة، اسمك يشاد به في النوادي، ويُتلى في الحواضر والبوادي، ويُمدح في المحافل، ويُكرر في المجامع.
رفعنا لك ذكرك فسار في الأرض مسير الشمس، وعبر القارات عبور الريح، وسافر في الدنيا سفر الضوء، فكل مدينة تدري بك، وكل بلد يسمع بك، وكل قرية تسأل عنك.
رفعنا لك ذكرك فصرت حديث الرّّكب، وقصة السّمر، وخبر المجالس، وقضية القضايا، والنبأ العظيم في الحياة.
رفعنا لك ذكرك فما نُسي مع الأيام، وما مُحي مع الأعوام، وما شُطب مع قائمة الخلود، وما نُسخ من ديوان التاريخ، وما أغفل من دفتر الوجود، نُسي الناس إلا أنت، وسقطت الأسماء إلا اسمك، وأغفل العظماء إلا ذاتك، فمن ارتفع ذكره من العباد عندنا فبسبب اتّباعك، ومن حُفظ اسمه فبسبب الاقتداء بك. ذهبت آثار الدول وبقيت آثارك، ومُحيت مآثر السلاطين وبقيت مآثرك، وزالت أمجاد الملوك وخلّد مجدك، فليس في البشر أشرح منك صدرا، ولا أرفع منك ذكرا، ولا أعظم منك قدرا، ولا أحسن منك أثرا، ولا أجمل منك سيرا.
إذا تشهّد متشهّد ذكرك معنا، وإذا تهجّد متهجّد سمّاك معنا، وإذا خطب خطيب نوّه بك معنا، فاحمد ربّك لأننا رفعنا لك ذكرك.
{ فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا}:
إذا ضاقت عليك السبل وبارت الحيل، وتقطعت الحبال وضاق الحال، فاعلم أن الفرج قريب وأن اليسر حاصل.(/13)
لا تحزن، فإن بعد الفقر غنى، وبعد المرض شفاء، وبعد البلوى عافية، وبعد الضيق سعة، وبعد الشدّة فرحا.
سوف يصلك اليسر أنت وأتباعك، فترزقون وتنصرون وتكرمون ويفتح عليك، ولكن ليس يسر واحد بل يسران.
إنها سنة ثابتة وقاعدة مطّردة أن مع كل عسر يسرا، بعد الليل فجر صادق، وخلف جبل المشقة سهل الراحة، ووراء صحراء الضيق روضة خضراء من السعة، إذا اشتد الحبل انقطع، وإذا اكتمل الخطب ارتفع، سوف يصل الغائب، ويشفى المريض، ويعافى المبتلى، ويفكّ المحبوس، ويغنى الفقير، ويشبع الجائع، ويروى الظمآن، ويسرّ المهموم، وسيجعل الله بعد عسر يسرا.
وهذه السورة نزلت عليه الصلاة والسلام وهو في حال من الضيق، وتكالب الأعداء، واجتماع الخصوم، وإعراض الناس، وقلة الناصر، وتعاظم المكر، وكثرة الكيد، فكان لا بد له من عزاء وسلوة وتطمين وترويح، فنزلت هذه الكلمات له ولأتباعه الى يوم القيامة وعدا صادقا وبشر طيبة، وجائزة متقبّلة:
اشتدي أزمة تنفرجي
قد آذن ايلك بالبلج
{فإذا فرغت فانصب}:
إذا انتهيت من أعمالك الدنيوية وأشغالك الشخصية فانصب لنا بالعبادة، وتوجّه لنا بالطاعة، وأكثر من ذكرنا ودعائنا.
إذا فرغت من الناس وقضايا الناس وأسئلة الناس فقم في محراب عظمتنا، وانطرح على بابنا، واقرب منا، ومرّغ جبينك لنا، لتلقى الفوز والفلاح والأمن والنجاة.
إذا فرغت من الأهل والولد والقريب والصاحب فاجعل لك وقتا معنا، ارفع فيه سؤالك، اعرض فيه حاجتك، أكثر فيه دعاءك، ادعنا وسبّحنا واطلبنا واستغفرنا واشكرنا واذكرنا.
إذا فرغت من الأحكام والقضايا والموعظة والفتيا والتعليم والإرشاد والجهاد والنصيحة، فتعال لتزداد من قوتنا قوة، ومن مددنا عونا، ومن رزقنا زادا، ومن فتحنا بصيرة وذخيرة.
نحن أولى بك منك، وأحق بفراغك من غيرنا، ويا له من توجيه له ولأتباعه عليه الصلاة والسلام في صرف الفراغ في العبودية، وملء هذا الزمن بذكره وشكره جلّ في علاه، ليحصل المقصود من الرضا والسكينة والفرج والعاقبة الحسنة وصلاح الحال والمال، وعمار الدنيا والآخرة.
{وإلى ربّك فارغب}:
إلى ربك وحده فارغب، ولا ترغب من غيره شيئا، وإليه وحده فاتجه وعليه توكّل، وفيه فأمل، فإن الرغبة والرهبة لا تكون إلا إليه لأنه صاحب الثواب لمن أطاعه والعقاب لمن عصاه، والرغائب الجليلة لا يملكها إلا الله، فعنده مفاتح الخزائن ومقاليد الأمور، فهو أهل أن يدعى وأن يسأل وأن يؤمل وأن يقصد جلّ في علاه:
إليك وإلا لا تشدّ الركائب
ومنك وإلا فالمؤمّل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيّعٌ
وعنك وإلا فالمحدث كاذب
وقد تنزلت هذه الكلمات على رسولنا صلى الله عليه وسلم في فترات عصيبة، وفي لحظات حاسمة عاشها صلى الله عليه وسلم وتجرّع غصصها وحسا مرارتها.
{إنا فتحنا لك فتحا مبينا}
لقد فتحنا لك يا محمد فتحا بيّنا ظاهرا مباركا، فتحنا لك القلوب فغرست بها الإيمان، وفتحنا لك الضمائر فبنيت فيها الفضيلة، وفتحنا لك الصدور فرفعت فيها الحق، وفتحنا لك البلدان فنشرت بها الهدى، وفتحنا لك كنز المعرفة وديوان العلم ومستودع التوفيق، وفتحنا بدعوتك القلوب الغلف والعيون العني والآذان الصمّ، وأسمعنا رسالتك الثقلين.
فتحنا لك فتدفّق العلم النافع من لسانك، وفاض الهدى المبارك من قلبك، وسحّ الجود من يمينك.
وفتحنا لك فحزت الغنائم وقسمتها، وجمعت الأرزاق ووزعتها، وحصلت على الأموال وأنفقتها.
وفتحنا لك باب العلم وأنت الأميّ الذي ما قرأ وكتب، فصار العلماء ينهلون من بحار علمك.
وفتحنا عليك الخير فوصلت القريب وأعطيت البعيد، وأشبعت الجائع وكسوت العاري، وواسيت المسكين، وأغنيت الفقير، بفضلنا ورزقنا وكرمنا.
وفتحنا لك القلاع والمدن والقرى، فهيمن دينك، وارتفعت رايتك، وانتصرت دولتك، فأنت مفتوح عليك في كل خير وبرّ وإحسان ونصر وتوفيق.
{فاعلم أنه لا إله إلا الله}
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} محمد 19، فلا تشرك معه في عبوديته أحدا، ولا تعد من دونه إلها آخر، بل تصرف له عبادتك، وتخلص له طاعتك، وتوحّد قصدك له ومسألتك ودعاءك، فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فلا يستحق العبادة إلا هو، ولا يكشف الضرّ غيره، ولا يجيب دعوة المضطر سواه.
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } فهو أحق من شُكر وأعظم من ذكر، وأرأف من ملك، وأجود من أعطى، وأحلم من قدر، وأقوى من أخذ، وأجلّ من قصد، وأكرم من ابتغي، فلا يدعى إله سواه، ولا رب يطاع غيره، فالواجب أن يُعبد وأن يُوحّد وأن يُخاف وأن يُطاع وأن يُرهب وأن يُخشى وأن يُحب.(/14)
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} المتفرد بالجمال والكمال والجلال، خلق الخلق ليعبدوه، وأوجد الإنس والجن ليوحّدوه، وأنشأ البريّة ليطيعوه، فمن أطاعه فاز برضوانه، ومن أحبّه نال قربه، ومن خافه أمن عذابه، ومن عظمه أكرمه، ومن عصاه أدّبه، ومن حاربه خذله، يذكر من ذكره، ويزيد من شكره، ويذلّ من كفره، له الحكم وإليه ترجعون.
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} فأخلص له العبادة، لأنه لا يقبل الشريك، وفوّض إليه الأمر لأنه الكافي القويّ، واسأله فهو الغني، وخف عذابه لأنه شديد، واخش أخذه لأنه أليم، ولا تتعدّ حدوده لأنه يغار، ولا تحارب أولياءه، لأنه ينتقم، واستغفره فهو واسع المغفرة، واطمع في فضله لأنه كريم، ولذ بجنابه فهناك الأمن، وأدم ذكره لتنل محبته، وأدمن شكره لتحظى بالمزيد، وعظم شعائره لتفوز بولايته، وحارب أعداءه ليخصّك بنصره.
{إقرأ}
تبدأ قصة النبوة بكلمة:{اقْرَأْ} يوم نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم في الغار، ومن بداية {اقْرَأْ} بدأنا، بدأ تاريخنا ومجدنا وحياتنا، ومن تاريخ نزول {اقْرَأْ} بدأت مسيرتنا المقدّسة، وتغيّر بها وجه الأرض وصفحة الأيام ومعالم الدنيا، فتلك اللحظة هي أسعد لحظة في حياتنا نحن المسلمين، وهي اللحظة الفاصلة بين الظلام والنور، والكفر والإيمان، والجهل والعلم، واختيار اقرأ من بين قاموس الألفاظ وديوان اللغة له سر عجيب ونبأ غريب، فلم يكن مكان {اقْرَأْ} غيرها من الكلمات، لا " اكتب"، ولا "ادع" ولا "تكلم" ولا "قل"، ولا "اخطب".... إنما {اقْرَأْ}، ويا لها من كلمة جليلة جميلة أصيلة.
اقرأ يا محمد قبل أن تدعو، واطلب العلم قبل أن تعمل {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } محمد 19.
إن {اقْرَأْ} منهج حياة، ورسالة حية لكل حيّ تطالبه بتحصيل العلم النافع وطلب المعرفة، وأن يطرد الجهل عن نفسه وأمته.
وأين يقرأ بأبي وأمي وما تعلّم على شيخ ولا درس كتابا ولا حمل قلما؟
يقرأ أولا باسم ربه كلام ربّه، فمصدره الأول الوحي يتلوه غضّا طريا، ويقرأ في كتاب الكون المفتوح ليرى أسطر الحكمة تخطها أقلام القدرة، فيقرأ في الشمس الساطعة، والنجوم اللامعة، والجدول والغدير، والتل والرابية، والحديقة والصحراء، والأرض والسماء:
وكتابي الفضاء اقرأ فيه
صورا ما قرأتها في كتابي
وكلمة {اقْرَأْ} تدلك على فضل العلم وعلوّ مكانته، وأنه أول منازل الشرف الرافعة.
وإن كل سعادة وفلاح سببها العلم، فرسالته صلى الله عليه وسلم علميّة عمليّة، لأنه بعث بالعلم النافع والعمل الصالح " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث" أخرجه البخاري 79 ومسلم 2282 عن أبي موسى رضي الله عنه.
فاليهود عندهم علم بلا عمل، فغضب عليهم، والنصارى لديهم عمل بلا علم فضلوا، فأمرنا بالاستعاذة من سبيل الطائفتين {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) } الفاتحة.
الرسول صلى الله عليه وسلم باكيا:
البكاء فضيلة عند رؤية التقصير أو خوف سوء المصير، وهو محمدة إذا تذكّر العبد ربه وخاف ذنوبه، ودليل على تقوى القلب وسمّو النفس وطهر الضمير ورقّة العاطفة، مدح الله رسله بالبكاء فقال:{ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58)} مريم.
ووصف أولياءه الصالحين بأنهم{ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) } الإسراء.
ولام أعداءه على القسوة والغلظة فقال:{ أفمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ولا تبكون}.
وأثنى على قوم فقال:{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ } المائدة 83.
وسيد الخاشعين لربّ العالمين، وإمام الخائفين من مالك يوم الدين هو خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم. فقد كان نديّ الجفن، سريع العبرة، سخيّ الدمع، رقيق القلب، جياش العاطفة، مشبوب الحشا، تنطلق دمعته في صدق وطهر، ويسمع نشيجه في قنوت وإخبات، يترك بكاؤه في قلوب أصحابه آثارا من التربية والاقتداء والصلاح ما لا تتركه الخطبة البليغة والمواعظ المؤثرة، فهو يبكي صلى الله عليه وسلم عند تلاوة القرآن، فقد قام ليلة من الليالي يكرر قوله تعالى:{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) } المائدة، فيبكي غالب ليله.(/15)
وهو يبكي عند سماع القرآن، فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن مسعود:"اقرأ عليّ القرآن"، قال: كيف أقرؤه عليك وعليك أُنزل؟ قال:" اقرأ فإني أحبّ أن أسمعه من غيري" فيقرأ ابن مسعود من أول سورة النساء، حتى بلغ:{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً (41)} النساء. قال:" حسبك الآن" فنظرت فإذا عيناه تذرفان. أخرجه البخاري [ 4582، 5055] ومسلم 800 عن عبدالله بن مسعود.
وهو يخشع صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن، فقد صح أنه قام ليلة يستمع لأبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن ثم قال له في الصباح:" لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود" أخرجه البخاري 5048 ومسلم 793 عن أبي موسى.
فيقول أبو موسى: لو كنت أعلم أنك تستمع لي لحبّرته لك تحبيرا. أي: جوّدته وحسنته وجمّلته. هذه الزيادة أخرجها البيهقي في الكبرى [ 4484، 208421] وفي الشعب 2604.
وقال عبدالله بن الشخير في حديث صحيح: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وبصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وهو القدر إذا استجمع غليانا.
ويحضر صلى الله عليه وسلم جنازة ابنته زينب، ويجلس على القبر وتذرف عيناه من هول المنظر، وتذكر العاقبة والتفكير في ذلك المصير، وأصحابه يشاهدون هذا المشهد المؤثر المعبّر منه صلى الله عليه وسلم.
ويخبر صلى الله عليه وسلم بفضل البكاء من خشية الله، فيذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:"... ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" اخرجه البخاري[ 660، 1423، 6806] ومسلم 1031 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" عينان لا تمسّهما النار أبدا: عين بكت وجلا من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" أخرجه الترمذي 1639 والبيهقي في الشعب 796 عن ابن عباس.
فالبكاء السنّي الشرعي ما كان من خوف الله عز وجل، وتذكّر القدوم عليه والوقوف بين يديه والتفكير في آياته الشرعية والكونية. والبكاء من الوفاء، ومن أفضل أعمال الأولياء، خاصة إذا كان ندما من معصية وعند فوت طاعة، ووجلا من عذاب، ورحمة لمصاب، ورقة عند موعظة، وخشية عند تفكّر. ولا يحمد البكاء على الدنيا، فهي أقل وأرخص من يُبكى عليها، فليست أهلا لذلك.
فكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم أجلّ وأفضل البكاء، وهو ما دلّ على يقين وعظمة خوف وشدة رهبة من الجليل، وصدق معرفة وحسن علم بعاقبة، فأعماله صلى الله عليه وسلم كلها في أرقى مقامات الأعمال وأسمى غايات الأحوال.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم بالهلوع الجزوع الذي يأسف على فوات الحظوظ الدنيوية ويجزعلى ذهاب المكاسب الدنيّة، ولم يكن بالفرح البطر القاسي الذي لا تؤثر فيه المواقف ولا تحرّكه الأزمات، بل كان بكاؤه وندمه وأسفه في مرضاة ربه. وكان تبسّمه وضحكه وسروره في طاعة خالقه، ففي كل خصلة من خصال النبل وفي كل صفة من صفات الفضل هو المثل الأعلى والقدوة الحسنة:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الأحزاب 21.
لقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم ينظرون إليه على المنبر ودموعه تذرف، ونشيجه يتعالى، ولصدره أزيز ولصوته أزيمن حينها يتحول المسجد إلى بكاء ودموع، كلٌّ ينكس رأسه ويترك التعبير لعينيه أمام هذا المشهد الذي لا تمحوه الأيام ولا تنسيه الليالي.
يا الله! محمد رسول الله هكذا باكيا أمام الناس، هكذا تسحّ دموعه وتتساقط على وجنتيه وهو أعرف الناس بالله وأدراهم بالوحي وأعلمهم بالمصير!
يبكي من قلب ملؤه الخوف من الله، ومن نفس عمَرها حب الله، فتكاد دموعه تتحدث للناس، ويكاد يكون بكاؤه أبلغ من كل موعظة وأفصح من كل كلمة.
قد كنت أشفق من دمعي على بصري
فاليوم كلّ عزيز بعدكم هانا
الرسول صلى الله عليه وسلم ضاحكا:
الضحك المعتدل بلسم للروح ودواء للنفس وراحة للخاطر المكدود وبعد الجد والعمل، والمقتصد منه دليل على الأريحية، وآية على اعتدال المزاج، وعلامة على صفاء الطويّة.(/16)
وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم مع أهله إذا دخل عليهم ضحاكا بساما يمازح زوجاته ويلاطفهن ويؤنسهن ويحادثهن حديث الود والحب والحنان والعطف؛ لأنه بُعث رحمة للعالمين، وأحق الناس بهذه الرحمة أهله وقرابته وأحبابه وأصحابه. وكانت تعلو محيّاه الطاهر البسمة المشرقة الموحية، فإذا قابل بها الناس أسر قلوبهم أسرا فمالت نفوسهم بالكلية إليه وتهافتت أرواحهم عليه، يبتسم عن مثل البرد في وجه أبهى من الشمس، وجبين أزهى من البدر، وفم أطهر من الأقحوان، وخلق أندى من الرياض، وودّ أرق من النسيم، يمزح ولا يقول إلا حقا، فيكون مزحه على أرواح أصحابه أهنى من قطرات الماء على كبد الصادي وألطف من يد الوالد الحاني على رأس ابنه الوديع، يمازحهم فتنشط أرواحهم وتنشرح صدورهم وتنطلق أسارير وجوههم، فلا والله ما يريدون الدنيا كلها في جلسة واحدة من جلساته، ولا والله لا يرغبون في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة في كلمة حانية وادعة مشرقة من كلماته.
يقول جرير بن عبدالله البجلي: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسّم في وجهي، وجرير يفتخر بهذا العطاء ويعلن هذا السخاء، فهذه البسمة الوارفة الدافئة الصادقة أجلّ عند جرير من كل الذكريات وأسمى من كل الأمنيات.
يبتسم في وجهه فكفى، يملأ روحه برا وحنانا ولطفا، ويشبع قلبه سماحة ورحمة وودا، ولا تظن المسألة عادية أو أن الموقف سهل بسيطن لأنك ما عشت الحدث وما لابست القضية.
والرسول صلى الله عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسط بين من جفّ خلقه ويبس طبعه وتجهّم محيّاه وعبس وجهه، وبين من أكثر من الضحك واستهتر في المزاح وأدمن الدعابة والخفة، فكان صلى الله عليه وسلم يضحك في مناسبات حتى تبدو نواجذه، ولكنه لم يستغرق في الضحك حتى يهتز جسمه أو يتمايل أو تبدو لهواته، وهي أقصى الحق.
وقد صحّ عنه أنه قال:" وإيّاك والضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب" أخرجه أحمد 8034 والترمذي 2305 وابن ماجه 4217 عن أبي هريرة رضي الله عنه وانظر البيان والتعريف 1\22 وكشف الخفاء 85.
وقد ورد أنه مازح بعض أصحابه فقال له: أريد أن تحملني يا رسول الله على جمل، قال:" لا أجد لك إلا ولد الناقة" فولّى الرجال فدعاه وقال:" وهل تلد الإبل إلا النوق؟" أي أن الجمل أصلا ولد ناقة. أخرجه أحمد 13405 وأبو داود 4998 والترمذي 1991 عن أنس بن مالك.
ويروى أن عجوزا أتته صلى الله عليه وسلم تطلب منه أن يدعو لها بدخول الجنة، فقال:" لا يدخل الجنة عجوز" فولّت تبكي، فدعاها وقال:" أما سمعت قول الله سبحانه:{ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37)} الواقعة. أخرجه الطبراني انظر مجمع الزوائد 10\419.
بل كان ضحكه طاعة لربه تعالى، وفيه من مقاصد الإقتدء والأسوة ما يفوق الوصف، ولم يكن ضحكه عبثا أو لهوا أو تزجية للوقت وقتلا للزمن.
يركب صلى الله عليه وسلم راحلته مسافرا فيدعو بدعاء السفر ثم يقول:" اللهم اغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" ثم يضحك صلى الله عليه وسلم، فيسأله أصحابه: لم ضحكت يا رسول الله؟ فقال:" يضحك ربك إذا قال العبد: اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا". أخرجه أحمد 932 وأبو داود 2602 والترمذي 3446 عن علي رضي الله عنه.
ويتلو صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار، ويسأل ربه شيئا فشيئا حتى يعطيه الله عشرة أمثال ما تمنّى، فيقول الرجل: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيضحك صلى الله عليه وسلم عند ذلك.
فمن هديه صلى الله عليه وسلم الذي هداه الله إليه ودلّه عليه أنه يعطي كل مقام حقه حتى لا يصلح في ذلك المقام إلا ما فعله صلى الله عليه وسلم، ففي وقت الأنس والفرح والسرور مزاح مقتصد ودعابة وقورة ومرح معتدل، وفي وقت الموعظة والخوف والتذكر بكاء في خشية ورهبة في ذكرى وتأثر في سكون، فمزاحه تأليف للقلوب، ودعابته أنس للأرواح، وضحكه بلسم للنفوس، بل كل مزحة مكتوبة في دواوين الحديث على أنها سنة، وكل دعابة نقلها الرواة على أنها أثر وخلق من أخلاقه الشريفة، فسبحان من رفع قدره حتى صار ضحكه يحفظ في بطون الأسفار كأنه أعجب قصة من قصص العبر والعظات، وتبارك من شرّف منزلته حتى جعل مزحه يرويه الثقات عن الثقات كأنه فريضة قائمة، فصلى الله عليه وعلى أصحابه وآله ما تنفس صباح وعسعس ليل.
الرسول صلى الله عليه وسلم شجاعا:
الرسول صلى الله عليه وسلم أشجع الناس قلبا، ويكفي شجاعته مثلا أنه ما فرّ من معركة قط، وما تأخر عن القتال، وما نكص عند النزال، بل كان إذا حمي الوطيس وقامت الحرب على ساق واحمرّت الحدق وتطايرت الرؤوس على أطراف السيوف وتكسّرت الرماح على الجماجم، حينها تجد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ثابت الجأش ساكن النفس، عنده من الطمأنينة والثقة بربّه ما يكفي أمة وما يفيض على جيش.(/17)
أما كان في الغار مع أبي بكر الصديق وقد أحاط بالغار كفار قريش معهم السيوف المصلتة والقلوب الحاقدة يريدون روحه صلى الله عليه وسلم بأي ثمن، وهو أعزل من السلاح؟ فلما رأى تخوف أبي بكر عليه قال:" يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما" أخرجه البخاري [ 3653، 4663] ومسلم 2381 عن أبي بكر رضي الله عنه.
وهذا غاية الثبات ونهاية الشجاعة.
ويفرّ المسلمون في حنين ولا يبقى إلا ستة من الصحابة، فيتقدم صلى الله عليه وسلم على بغلته الى جيش الكفار المدجج بالسلاح الكثير العدد القوي البأس، فيرميهم بحفنة تراب بيده ويقول:" شاهت الوجوه" أخرجه مسلم 1777 عن سلمة بن عمرو بن الأكوع رضي الله عنه.
الرسول صلى الله عليه وسلم ممدوحا:
فذو العرش محمود وهذا محمد:
{عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً (79) } الإسراء.
الشمس من حساده والنصر من
قرنائه والحمد من أسمائه
أين الثلاثة من ثلاث خلاله
من حسنه وإبائه ومضائه
مضت الدهور وما أتين بمثله
ولقد أتى فعجزن عن نظرائه
محمد بن عبدالله.. هذا الاسم الأعلم، إذا ذكر ذكرت معه الفضيلة في أجمل صورها، وذكر معه الطهر في أرقى مشاهده، وذكر معه العدل في أسمى معانيه.
محمد بن عبدالله.. اسم كتب بحروف من نور في قلوب الموحّدين، فلو شققت كل قلب لرأيته محفورا في النياط مكتوبا في السويداء، مرسوما في العروق.
والله لو شقّ قلبي في الهوى قطعا
وأبصر اللحظ رسما في سويداه
لكنت أنت الذي في لوحه كتبت
ذكراه أو رسمت بالحب سيماه
محمد صاحب الغرة والتبجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل.. حامل لواء العز في بني لؤين وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي.
بشّرت به الرسل، وأخبرت به الكتب، وحفلت باسمه التواريخ، وتشرّفت به النوادي، وتضوعت بذكره المجامع، وصدحت بذكراه المنائر، ولجلجت بحديثه المنابر.
عصم من الضلالة والغواية:{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) } النجم، وحفظ من الهوى:{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} النجم...
فكلامه شريعة، ولفظه دين، وسنته وحي{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}النجم..
سجاياه طاهرة، وطبيعته فاضلة، وخصاله نبيلة، ومواقفه جليلة{ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) }النمل.
تواضعه جمّ، وجوده عمّ، ونوره تمّ، فهو مرضي الفعال، صادق الأقوال، شريف الخصال{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) } القلم.
ليّن الجانب، سهل الخليقة، يسير الطبع{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } آل عمران 159.
ظاهر العناية، ملحوظ بعين الرعاية، منصور الراية، موفق محظوظ، مظفّر مفتوح عليه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً (1) } الفتح.
أصلح الله قلبه، وأنار له دربه، وغفر له ذنبه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الفتح 2.
فهو المصلح الذي عمر الله به القلوب، وأسعد به الشعوب، وأعتق به الرقاب من عبودية الطاغوت، وحرّر به الإنسان من رقّ الوثنية { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)} الشورى.
وهو الذي أعفى البشرية من التكاليف الشاقة، وأراحها من المصاعب، وأبعدها من المعاطب، وسهل لها بإذن الله أمر الحياة، وبصّرها بسنن الفطرة {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } الأعراف 157.
فهو رحمة للإنسان، إذا علّمه الرحمن، وسكب في قلبه نور الإيمان، ودلّه على طريق الجنان..
وهو رحمة للشيخ الكبير، إذ سهّل له العبادة، وأرشده لحسن الخاتمة، وأيقظه لتدارك العمر واغتنام بقية الأيام..
وهو رحمة للشاب إذ هداه إلى أجمل أعمال الفتوة وأكمل خصال الصبا، فوجّه طاقته لأنبل السجايا وأجلّ الأخلاق..
وهو رحمة للطفل، إذ سقاه مع لبن أمه دين الفطرة، وأسمعه ساعة المولد أذان التوحيد، وألبسه في عهد الطفولة حلة الإيمان..
وهو رحمة للمرأة، إذ أنصفها في عالم الظلم، وحفظ حقها في دنيا الجور، وصان جانبها في مهرجان الحياة، وحفظ لها عفافها وشرفها ومستقبلها، فعاش أبا للمرأة وزوجا وأخا ومربيا..
وهو صلى الله عليه وسلم رحمة للولاة والحكام، إذ وضع لهم ميزان العدالة، وحذّرهم من متالف الجور والتعسف، وحدّ لهم حدود التبجيل والاحترام والطاعة في طاعة الله ورسوله..
وهو رحمة للرعية، إذ وقف مدافعا عن حقوقها محرما الحيف ناهيا عن السلب والنهب والسفك والابتزاز والاضطهاد والاستبداد.
إذا فهو رحمة للجميع ونعمة على الكل:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)} الأنبياء.
وكان إذا تكلم عبلا كلامه حدود النفس وتجاوز أقطار الروح، فغاص حديثه في أعماق الأفئدة، ونقش لفظه في صفحة الذاكرة، وخطّ على سويداء القلوب.
وكان إذا ضحك ملأ المكان أنسا، وأتحف الحضور بشرا، وعبّأ جلاسه سعادة وحفاوة.(/18)
وكان إذا بكى خشع لبكائه الناس، وذرفت كل عين مخزونها، وأخرجت كل نفس مكنوناتها، فكأن نذر القيامة على الأبواب، وكأن رسل الموت وقوف على الرؤوس، فلا ترى إلا دموعا وخشوعا وخضوعا وإطراقا:{ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)} النجم.
بادٍ هواك صبرت أن لم تصبر
وبكاك إذا لم يجر دمعك أو جرى
وكان إذا خطب هز المنابر، وأيقظ الضمائر، وحرّك السرائر، وألهب السامعين، وأذهل المخاطبين، فلو أن للصخر عينا لبكت، ولو أن للجدار نفسا لخشعت، ولو أن للأيام أذنا لأنصتت.
ليت للدهر مقلة فلعل الذكر
يبكيه مثلما أبكاني
بحديث يغوص في القلب غوصا
وعليه جلالة من معان
وكان إذا قاتل ثبت ثبوت الرجال، وتقدّم تقدّم السيل، وصمد صمود الحق {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} النساء 84.
فكان لا يعرف الفرار، ولا يسمع بالهزيمة ولا يستسلم للإحباط، محيّاه باسم والغبار يملأ المكان، وقلبه مطمئن والرؤوس تعاف الأبدا، ونفسه ساكنة والنفوس شذر مذر على رؤوس الرماح، وطلعته ضاحكة والسيوف تخطّ بالدماء حروف الموت{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } آل عمران 144.
وقفت وما في الموت شكّ لواقف
كأنّك في جفن الردى وهو نائم
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضّاح وثغرك باسم
وكان إذا جاد بلغ المدى في السخاء، وفعل ما لم تفعله الأنواء، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويهب هبة من أرخص الدنيا وزهد في الحطام وعاف البقاء ورجا من الله الخلف.. يداه غمامة أينما هلّت، وكفّه مدرارا أينما وقع نفع، جاد بمهجته فعرّضها للمنايا في سبيل الله، وقدّمها لشفرات السيوف لرفع لا إله إلا الله، فما شجاعته إلا آية لجوده، وما إقدامه إلا برهان على سخائه:
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة
أدّبت في هول الردى أبطالها
وإذا وعدت وفيت فيما قلته
لا من يكذّب قوله أفعالها
يعطي ما يملك في ساعة، ويهدي ما عنده في لحظة، هانت عليه الدنيا فمنح أجلاف العرب مئات الإبل، ورخصت عنده الأموال فجاد بالغنائم على مسلمي الفتح:" والذي نفسي بيده، لو أن لي بعدد عضاة تهامة مالا لأنفقته ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا" مالك في الموطأ 977.
ما قال "لا" إلا في التشهد
وما ترك "نعم" إلا عند المناهي
سئل قميصه فخلعه وأعطاه، وجاد بقوته فعصب بطنه على حرّ الجوع وبلواه.. جود حاتم للصيت والسمعة والرياء، وجود خاتم الأنبياء لمرضاة رب الأرض والسماء.
أنفق من فاقة، وأعطى من فقر، وآثر من حاجة، ووصل مع العوز.
وكان إذا عفا على الجاني أسره بإحسانه، فلا يعاتبه ولا يطالبه.. ينسى الإساءة ويدفن الزلة ويمحو بحلمه لذنب، ويغطي بصفحه الجرم {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} الحجر.
قاتله قومه ونازلوه، فآذوه وسبّوه وشتموه، وطردوه وحاربوه وجرحوه، فلما انتصر عفا وصفح، وحلم وسمح، وصاح في الدهر صيحته المشهورة وكلمته العامرة:"اذهبوا فأنتم الطلقاء".
أنشودة أخلاقه:" إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني". أخرجه رزين أنظر المشكاة 5358 وتفسير القرطبي 7\346.
كل خلق كريم في القرآن فهو مترجم في سيرة هذا الإنسان، ولذلك قالت عائشة عنه صلى الله عليه وسلم: كان خلقه القرآن.
وكان إذا وعد وفى، فلم يحفظ عنه أعداؤه خلفا لوعد، ولا خيانة لعهد، مع حرصهم الشديد على الظفر بعثرة له أو زلّة، ولكن هيهات، عاش عمره كله سلماً وحربا ورضىً وغضباً وحلاً وترحالاً، عاش حالة واحدة من الصدق والأمانة، فهل الصدق إلا ما كان عليه؟ وهل الأمانة إلا منه وإليه؟
لقد وعده رجل في مكان، فانتظر صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان ثلاثة أيام، ليفي بوعده. لقد عاهد المشركين واليهود وهم أشد الناس عداوة له، فما خان ولا خلف بالعهد، ولا نقض لميثاق. وحق له أن يكون أوفى الناس بوعده وأصدقهم في عهده، وهو الذي جاء بشريعة الصدق والوفاء، وحذّر من الخيانة ونقض الميثاق، أليس هو القائل:" آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" أخرجه البخاري [ 33، 2682] ومسلم 59 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهو الذي نزلت عليه:{ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34) }، وقوله:{ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)} الرعد.
وإذا أخذت العهد أو أعطيته
فجميع عهدك ذمّة ووفاء
محمد صلى الله عليه وسلم خطيبا:
{وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } النساء.
ولسانٌ صيرفيٌٌّ صارم
كذباب السيف ما مسّ قطع
منطق كالفجر أو كالغيث ما
شانه عيب كنورٍ قد سطع(/19)
طالع دفتر بيانه عليه الصلاة والسلام، وتأمّل ديوان فصاحته، كلام لعمري يأخذ بالقلوب، وحديث والله يأسر الأرواح، صحة مخارج وإشراق عبارة وحسن ديباجة، وانتقاء ألفاظ، ورصانة جمل، حتى كأنّ حديثه روض فوّاح، أو حديقة غنّاء باكرها الغيث وصحبتها الصبا، وداعبها النسيم، وقد آتاه الإعجاز في إيجاز، والبلاغة في اختصار، وقد أخبر بذلك فقال:" أوتيت جوامع الكلم" أخرجه البخاري 2977 ومسلم 523 واللفظ له عن أبي هريرة، وفي رواية:" واختصر لي الكلام اختصارا". أخرجه البيهقي في الشعب 1436 عن عمر رضي الله عنه وانظر كشف الخفاء 1\14-15.
ولكن إن تنظر فيما صحّ عنه من أحاديث قولية، وهي ما يقارب العشرة آلاف حديث، فإذا هي شملت كل فصول الحياة وأبواب الآخرة وأخبار الماضي ومعجزات المستقبل، وإن شئت أن تعرف سموّ كلامه صلى الله عليه وسلم وجزالة لفظه وقوة عبارته ونصاعة بيانه، فقارنه بكلام غيره من البشر مهما عظمت فصاحته. ولو دخلت ناديا به لوحات من الكلمات الخالدة والعبارات المؤثرة لخطباء العالم وشعراء الدنيا ونوابغ الدهر، ثم نظرت الى كلامه صلى الله عليه وسلم لرأيت كلامه ناسخا لمحاسن كلام غيره، حتى كأنه ما أعجبك قبل كلامه كلام، ولا هزك قبل حديثه حديث، بل إنّك لتجد الرجل العامي الذي ما تمرّس على ضروب الكلام ولا ميّز بين مختلف الكلام، يجد للفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وقعا خاصا ومذاقا آخر.
يريد عليه الصلاة والسلام أن يوصي معاذ بن جبل وصية جامعة مانعة شافية كافية، فيأتي بعبارة موجزة مليئة بالفوائد، حافلة بالشوارد، بديعة المنزع، مشرقة الديباجة، فيقول:" اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" أخرجه أحمد [ 20847، 20894] والترمذي 1987 والدارمي 2791 والمشكاة 5083. ولو أن بليغا أراد أن يقول مثلها لأسهب في الوصية وأطال في النصح، فإما أن يجعل المعنى على حساب اللفظ فيبسط القول ويختزل المعنى، أو أن يجعل اللفظ على حساب المعنى فيوجز الحديث ويشير الى المعنى إشارة.
سأله صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر عن النجاة ما هي؟ فلا يتلعثم ولا يتعثر ولا يفكر، إنما ينطلق فمه الشريف بجملة راشدة واعية موحية فيقول:" كفّ عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" أخرجه أحمد 21732 والترمذي 2406 وابن أبي عاصم في الزهد 1\15 وصححه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. فانظر لحسن التقسيم الثلاثي البديع، مع استيفاء المعنى واختصار اللفظ دون تحضير سابق ولا إعداد متقدم؛ لأن السائل واقف يريد الجواب، مستعجل يبتغي النصح.
ويركب صلى الله عليه وسلم راحلته ومعه ابن عباس رضي الله عنهما، فيوصيه صلى الله عليه وسلم بوصية حضرته في الحال، فيخرجها في حلة من البيان تأسر الألباب، ويضعها في طبق من الفصاحة يكاد يذهب ضوؤه بالأبصار، يقول:" يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا ان يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف. واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا". أخرجه أحمد [2664، 2758، 2800] والترمذي 2516، والحاكم 6304 عن ابن عباس رضي الله عنهما وانظر المشكاة 5302. والآن أضعك أمام هذا النص الراقي من البيان، وأحاكمك الى عقلك: هل رأيت في كلام البشر كهذا الكلام؟ حسن فواصل وعذوبة لفظ، وقوة معان، وأسر خطاب! فقوله:" احفظ الله يحفظك" من الجمل المحفورة في ذاكرة البيان، والتي يسجد لها العقل السويّ في محراب الفصاحة، فإنها جمعت الوصايا في وصية، واختصرت العظات في عظة، فلو كان غيره صلى الله عليه وسلم المتحدث لقال: احفظ الله بأداء أوامره يحفظك بنعمه، واحفظ الله بترك نواهيه يحفظك من عقابه، واحفظ الله في شبابك يحفظك في هرمك.. إلى آخر تلك المقابلات، وإلى قائمة طويلة من المقدمات والنتائج والبدايات والخواتم، ولكنه قال:"احفظ الله يحفظك" فلا أبدع ولا أروع ولا أوجز ولا أعجز من هذا الكلام الباهي الزاهي:
كأنه الروض حيّته الصّبا سحرا
وزاره الغيث فازدانت خمائله
ثم اقرأ الحديث جملة جملة، وقف إن كنت ذا ذائقة للبيان وذا دربة على سحر الخطاب:
إذا تغلغل فكر المرء في طرف
من حسنه غرقت فيه خمائله
وخذ أي حديث من أحاديثه العطرة الزكية، هل ترى فيها عوجا من الركاكة، أو أمتا من التكلف؟ بل رقة في فخامة، وسهولاة في إشراق، وأصالة في عمق، فسبحان من أجرى الحديث على لسانه سلسا متدفقا أخاذا.(/20)
ويقول صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات" أخرجه البخاري [1 ،54] ومسلم 1907 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فيكفي ويشفي ويفي المقصود، ويستولي على المعاني ويطوي مسافات من الأحكام والعقائد والآداب والأخلاق في جملتين زاهيتين جامعتين، فتصبح قاعدة للعلماء ومثلا للحكماء وكلمة شاردة للأدباء.
وخذ مثلا كلامه على البديهة والفجاءة: يدخل طفل من الأنصار له طائر يلعب به فمات فيقول:" يا أبا عمير ما فعل النغير؟" أخرجه البخاري [ 6129، 6203] ومسلم 2150 عن أنس بن مالك رضي الله عنه. انظر الى تقابل العبارة وحسن السجعة وموازنة الجملتين، لا وكس ولا شطط.
ويقول في حنين على وجه العجلة:
" أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبدالمطلب"
أخرجه البخاري [2864، 2874]، ومسلم 1776 عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
فلو أن علماء الكلام وأساطين البيان أرادوا هذا الكلام على عجلة من أمرهم لما تأتّى لهم.
ولا غرابة ان يكون صلى الله عليه وسلم أفصح الناس فإن معجزته الكبرى وآيته العظمى هو القرآن الذي أدهش الفصحاء وأفحم الشعراء وأذهل العرب العرباء، فلا بد أن يكون هذا النبي الموحى إليه بدرجة سامية من البيان الخلاب الجذاب الذي يستولي على الألباب.
محمد صلى الله عليه وسلم مفتيا:
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ }النساء 127.
يطاوعه اللفظ العصيّ إذا قضى
ويسعفه الرأي الأصيل إذا جرى
إذا ظنّ ظنّاً قلت صبحٌ مؤلقٌ
كأنه صريح البرق من ظنّه سرى
كان عليه الصلاة والسلام مؤيدا من ربه في علم الفتيا، فقد فتح الله عليه أبواب المعرفة وكنوز الفهم، فكان عنده جواب لكل سائل على حسب حاله وما يصلح له وما ينفعه في دنياه وأخراه. كان الجواب ثوبا مفصلا على السائل يفصّله تماما على الذي أحسن، مع جمال الأداء وبهاء الإلقاء ومتعة التلقي منه، فكأنه قرأ حياة السائل قبل أن ياتيه، وألمّ بدخائله ومذاهبه قبل أن يستفتيه، وما ذاك إلا لقوّة أنوار النبوّة وبركة الوحي وأثر التوفيق والفتح الرباني.
يسأله شيخ كبير أدركه الهرم وأضناه الكبر عن عمل يداوم عليه، فأفتاه بعمل يسير يناسب حاله على أفضل عمل وأسهل عبادة وأيسر طاعة، في لفظ وجيز، ول كان غيره لربما أوصى الرجل بالاجتهاد في الطاعة واغتنام آخر العمر بالجدّ في العبادة مع إغفال ضعفه وإهمال شيخوخته.
وانظر ما أجمل كلمة:" لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" أخرجه أحمد [17227، 17245] والترمذي 3375 وابن ماجه 3793 وانظر المشكاة 2279. وما فيها من حسن تصوير وبراعة عرض وطلاوة عبارة تهيج السامع على هذا العمل الجليل.
وجاءه غيلان الثقفي، وكان قوي البنية ضخم الأعضاء صلب الجسم، فسأله عن عمل يتقرب به الى الله تعالى، فقال:" عليك بالجهاد في سبيل الله" (لم يجد تخريجه)، فانظر لحسن اختياره للعمل وملاحظته استعداد الرجل وما يصلح له ويناسب حاله، فيا لها من فطنة باهرة وحكمة عامرة.
وسأله أبو ذر ـ وكان غضوبا حادّ الطباع ـ أن يوصيه فقال:" لا تغضب" ثلاثا، أخرجه البخاري 6116 عن أبي هريرة رضي الله عنه. فكان هذا دواءه وعلاج حالته وبلسم حاله الذي لا يصرف إلا من صيدلية النبوة المباركة. وصارت هذه الكلمة قاعدة من قواعد الدين وأصلا من أصول الشريعة.
ويرى أبا موسى الأشعري يصعد جبلا فيقول له:" عليك بلا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة" أخرجه البخاري [ 4205، 6610] ومسلم 2704. فهذه الكلمة تناسب صعود الجبال وحمل الأثقال، لأن فيها البراءة من قوة العبد وحوله وطلب المعونة من الله والمدد، فما أحسن الاختيار في هذا الإرشاد مع مراعاة مقتضى المقام.
ويرى صلى الله عليه وسلم ضعف أبي ذر وقلة تحمّله فيأمره باجتناب الإمارة، لأنه ضعيف، وهي أمانة وخزي وندامة يوم القيامة، لن مثل أبي ذر له أبواب في الخير يجيدها غير باب الولاية، فانظر لفطنته صلى الله عليه وسلم ومعرفته بمواهب الناس{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } النجم.
ويقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن:" إنك تأتي أقواما أهل كتاب" أخرجه البخاري [ 1458، 1496] ومسلم 19 عن ابن عباس رضي الله عنهما. وذلك لينبّه معاذا الى معرفة أقدار المخاطبين، والاطلاع على أحوالهم ليقول لهم ما يناسبهم.
ويوصي معاذا ـ وهو رديفه على حمار ـ بحق الله على العبيد وحق العبيد على الله؛ لأن معاذا عالم داعية تناسبه هذه الوصية الكبرى، وسوف يبلغها للأمة، لأنه في مكان التوجيه والإرشاد والنصح، وهذا الذي فعله معذا في حياته. ولو كان أعرابيا لما ناسبه هذا الكلام.(/21)
وجاءه حصين بن عبيد فسأله:"كم تعبد؟" قال: سبعة، واحدا في السماء وستة في الأرض، قال:" من لرغبك ورهبك؟" قال: الذي في السماء، قال:" فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء" ثم قال له:" قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شرّ نفسي" اخرجه الترمذي 3483 واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة 1184 عن عمران بن حصين رضي الله عنه وانظر المشكاة 2476. فهذا الدعاء يناسب حال حصين بن عبيد وما كان فيه من أمر مريج ومن اشتباه حال وشكٍّّ مريب وفوات رشد وبعد صواب، فناسب أن يطلب الرشد من ربّه وأن يستعيذ من شرّ نفسه كل بلاء منها.
وأرشد صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب الى أن يقول:"اللهم اهدني وسدّدني" اخرجه مسلم 2725 عن علي رضي الله عنه. وهذا يناسب حال علي، فإنه عاش حتى أدرك اختلاف الأمور وظهور الفتن والتباس الحال التي تتطلب الهداية من الله في هذا الجو المظلم، وطلب السداد من الحيّ القيوّم عند هذه الواردات والآراء والأهواء.
فسبحان من ألهم رسوله وفتح على نبيه وأفاض عليه من مكنون الفهم ومخزون الفقه ما فاق الوصف وجلّ عن المدح:
قطف الرجال القول قبل نباته
وقطفت أنت القول لمّا نوّرا
فهو المشيع بالعيون
وهو المضاعف حسنه إن كرّرا
وليس كلامه صلى الله عليه وسلم بكلام شعر من الشعراء الذين يهرفون بما لا يعرفونن وفي كل واد يهيمون، وإنما زخرفهم من خيالاتهم الفاسدة ومن تصوراتهم الكاسدة، فأما هو فصانه الله من ذلك، بل كلامه وحي يوحى وشرع يتلى، وليس قوله بقول سياسي يسترضي به الملأ وينافق به الجمهور ويروّج به بضاعته المزجاة، بل كان صلى الله عليه وسلم نبيّا ربّانيا ورسولا معصوما ينقل عن جبريل عن ربّه حكمة راشدة وملة هاديةن ودينا قيّما.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم اديبا يغرف من مخزون ثقافته ومن فيض ذاكرته التي جمعها هذا الأديب من نتاج الناس وزبد ثقافات البشر أبناء الطين وسلالة التراب، بل كان صلى الله عليه وسلم معلّما معصوما أن يزيغ، محفوظا أن يضلّ، مصانا أن يجازف.
محمد صلى الله عليه وسلم طاهرا مطهرا
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً (46) } الأحزاب.
كأن الثريّا علّقت بجبينه
وفي جيده الشّعرى وفي وجهه القمر
عليه جلال المجد لو أن وجهه
أضاء بليل هلّل البدو والحضر
لقد أكمل الله المحاسن لرسوله صلى الله عليه وسلم وأتمّ عليه نعمة الفضل، واختصّه بالعناية حتى صار الأسوة الحسنة في كل فضيلة، فمنه تتعلم فنون المكارم، ومن برديه تنبع صفوة المناقب؛ لأن من لوازم القدوة أن يكون مثاليا جامعا لما تفرق في الأخيار من سجايا حميدة، فكان عليه الصلاة والسلام ذاك الإنسان المجتبى من ربه المصطفى من خالقه، ليقود الناس الى أحسن الأخلاق وأنبل الأعمال وأكرم المذاهب.
فأما مخبره عليه الصلاة والسلام فهو الطاهر المبارك الذي غسل قلبه بماء الحياة فصار أبيض نقيا مطهرا، وقد أذهب الله من صدره كلّ غيظ وحسد وحقد وغلّ وغش، فصار أرحم الناس قاطبة، وأبرّهم كافة، وأكرمهم جميعا، فعمّ حلمه وكرمه وطيبه وجوده الحاضر والبادي والقريب والبعيد، فنفسه أذكى نفس، وباله أشرح بال، وضميره أطهر ضمير، وحُقّ له أن يكون كذلك لأنه المرشّح لقيادة العالم وإصلاح الكون وتقويم البشرية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)} الأنبياء.
إن البريّة يوم مبعث أحمد
نظر الاله لها فبدّل حالها
بل كرّم الإنسان يوم اختار من
خير البرية نجمها وهلالها
ينهى عن الغضب ويقول:"لا تغضب"، ويكون أبعد الناس عن أسباب الغضب المشين دوافعه، بل وسع الناس حلما وأمطرهم كرما وأوسعهم عفوا وصفحا.
ويقول:" لا تحاسدوا". أخرجه البخاري [6116، 6076] ومسلم 2559 عن أنس بن مالك رضي الله عنه. ثم يكون المعافى من هذا الداء القاتل، فليس في كيانه ذرة من حسد، أو قطرة من حقد، صانه الله من ذلك، بل هو الذي وزع الخير على العالم وقسم الفضل من الله على الناس.
ويقول:" ولا تدابروا، ولا تقاطعوا" الحديث السابق، ثم يترجم هذا الخلق النبيل من الصلة والبر والإحسان، فيصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه، فأعظم عبد صحّت فيه آية:{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } آل عمران 134.
ويقول:" إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا" أخرجه مسلم 2865 عن عياض بن حمار رضي الله عنه. فيكون هو التواضع كله صورة ماثلة ومشهدا حيا وحقيقة قائمة، يركب الحمار، ويخصف النعل، ويجلس على التراب، ويحلب الشاة، ويقف مع العجوز، ويذهب مع الجارية، ويخالط المساكين، ويضيف الأعراب، ويجالس الفقراء.(/22)
ويقول:"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" أخرجه الترمذي 3895 والبيهقي في السنن 15477 عن عائشة رضي الله عنها. فيتمثل فيه هذا الحديث أعظم تمثيل، فإذا الرحيم الودود بأهله يدخل عليهم ضحّاكا بسّاما، يداعبهم بأرق العبارات ويلاطفهم بأحسن التعامل، يشاركهم الخدمة ويجاذبهم أحلى الحديث ويبادلهم أجمل السمر بلا فظاظة ولا غلظة ولا لوم ولا تعنيف { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} القلم.
خلق أرق من النسيم إذا سرى
وشمائل كالمنديل الفوّاح
قال له رجل وهو يقسم الغنائم: اعدل يا محمد. فردّ عليه:" خبت وخسرت فمن يعدل إذا لم أعدل؟" أخرجه البخاري 3610 ومسلم 1064. وصدق وبرّ فيما قال، فليس في العالم أعدل منه، وإذا لم يكن عادلا صلى الله عليه وسلم فقد انتهى العدل في الدنيا، وطوي من الناس، وارتفع من الأرض، وهل العدل إلا حكمه؟ ولو كان العدل شخصا ناطقا ثم سألته من أعدل البريّة؟ لقال محمد صلى الله عليه وسلم.
وانظر الى عدله في أحكامه وإنصافه حتى من نفسه، بل طلب من بعض أصحابه أن يقتصّ منه، وأقسم لو أن فاطمة ابنته سرقت لقطع يدها، فكان لا يحابي أحدا في الحق، ولا يشفع عنده بشر في الحدود، وقد صاح في وجه أسامة بن زيد وهو من أحبّ الناس إليه لما شفع في المخزومية التي سرقت:" أتشفع في حدّ من حدود الله" أخرجه البخاري[ 3475، 6788] ومسلم 1688 عن عائشة رضي الله عنها.
وحكم بين الزبير ورجل من الأنصار، فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك؟ يعني أن الزبير ابن عمتك صفية فحكمت له؟ فأنزل الله:{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما(65)} النساء. فكفى بالله شهيدا على عدل رسوله وصدق أحكامه وصحة قضائه:
وإذا حكمت فلا ارتياب كأنما
جاء الخصوم من السماء قضاء
فهو مؤسس العدل في العالم، وهادم صرح الظلم، واعترف بذلك العدو والصديق والكاره والمحب.
وقس على ذلك أخلاقه الشريفة التي دعا إليها وكان أول عامل بها، فصدّق فعله قوله وباطنه ظاهره، وجوارحه قلبه.
وأما جمال ظاهره صلى الله عليه وسلم فهو عنوان كتاب قيمه المثلى، وبوابة قصر محاسنه الجلّى، فكان أجمل الناس وجها وأبهاهم محيّا، وأزهرهم جبينا وأنورهم طلعة، رقيق البشرة طيب الرائحة، زكي الشذا. عرقه كالجمان، وأنفاسه كالمسك، يقول أنس: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أزكى من رائحته. أخرجه البخاري 3561 ومسلم 2330. يصافحه الرجل فيجد آثار الطيب في كفه أياما عديدة من أثر مصافحته:
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه
من المسك كافورا وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هندا عشية
تمشّت وجرت في جوانبه بردا
وكان صلى الله عليه وسلم حيّ العاطفة جيّاش الفؤاد، يضحك للنادرة ويهش للدعابة، ويتأثر للموقف ويبكي رحمة، ويلين شفقة ويمتلئ خشية، إذا سالم فأوفى الأوفياء وأكرم الأصدقاء، وإذا حارب فأعتى من الرياح النكباء وأمضى من الصعدة السمراء، وإذا أعطى فأجود من تحت السماء وأسخى من شربة الماء، وإذا رضي ملأ القلوب سعادة وعمر المجلس حفاوة، وإذا غضب في الحق كان أمضى من السيف حسما، وأقوى من الأيام حزما.
يضحك بأسنان كالبرد، ويبكي بدموع كالمطر، ويعطي بكفّ الغيث، ويقابل بمحيّا كالفجر، لا يملّ جليسه حديثه، ولا يسأم رفيقه صحبته، ولا يطيق من عرفه فراقه.
يخرج الى العيد في حلّة حمراء زاهية باهية، بوجه طلق بشوش، أجمل من العيد وأجل من تلك الفرحة، فكان عيد الصحابة الأعظم رؤيته وسماع حديثه والتمتع بصحبته، ويحضر الاستسقاء متخشعا مبتذلا متضرعا باكيا، فكان أعظم موعظة عند المسلمين رؤية ذاك الوجه الخاشع والنظر الى تلك الدموع الصادقة والمنظر المؤثر.
ويخوض صلى الله عليه وسلم الحرب ويشعل المعركة بقلب وثّاب ونفس ثابتة وعزم صادق، فتنهزم أمامه الصفوف وتتراجع من سطوته الأبطال، فأشجع الصحابة وقت الذروة يتقي به، وأعتى الكماة لحظة الموت يحتمي به.
محمد صلى الله عليه وسلم محبوبا:
{فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ } الأعراف 157.
" لا يؤمن أحدكم حتى أكون احب إليه من والده وولده والناس أجمعين" أخرجه البخاري 15 ومسلم 44 عن أنس رضي الله عنه.
أحبّك حبا ليس في غضاضة
وبعض مودات الرجال سراب
ومنحتك الود الصريح وإنه
عليه دليل ظاهر وكتاب
من يطالع سيرة الصحابة يرى ذلك الحب الصادق الفياض لشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حبا يستولي على النفس ويملك المشاعر، حبا لا يعدله حب الولد والوالد والابن والزوجة، حبا يصل شغاف القلب ويمازج قرار الروح.(/23)
ولكن لماذا أحبّوه هذا الحب؟ إذ لا يوجد في التاريخ كله قوم أحبّوا إمامهم أو زعيمهم أو شيخهم أو قائدهم أو أستاذهم كما أحبّ أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم حتى افتدوه بالمهج، وعرّضوا أجسامهم للسيوف دون جسمه، وضحوا بدمائهم لحمايته، وبذلوا أعراضهم دون عرضه، فكان بعضهم لا يملأ عينيه من النظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له، ومنهم من ذهب الى الموت طائعا ويعلم أنها النهاية وكأنه يذهب الى عرس، ومنهم من احتسى الشهادة في سبيل الله كالماء الزلل، لأنه أحبّ محمدا ودعوته. بل كانوا يتمنون رضاه على رضاهم، وراحته ولو تعبوا، وشبعه ولو جاعوا، فما كانوا يرفعون أصواتهم على صوته، ولا يقدمون أمرهم على أمره، ولا يقطعون أمرا من دونه، فهو المطاع المحبوب، والأسوة الحسنة، والقدوة المباركة.
أما دواعي هذا الحب وأسبابه، فأعظمها أن هذا الإنسان هو رسول الرحمن، وصفوة الإنس والجان، أرسله الله ليخرجهم من الظلمات الى النور، ويقودهم الى جنة عرضها السموات والأرض.
ثم إنهم وجدوا فيه صلى الله عليه وسلم الإمام الذي كملت فضائله وتمّت محاسنه، فقد أسرهم بهذا الخلق العظيم والمذهب الكريم، فوجدوا في قربه واتباعه جنة وارفة من الإيمان، بعد نار تلظى من الكفر والجاهلية، فهو الذي غسل أرواحهم بإذن الله من أوضار الوثنية، وزكّى نفوسهم من آثام الشرك، وطهّر ضمائرهم من لوثة الأصنام، وعلمهم الحياة الكريمة. ملأ صدورهم سعادة بعد عمر من القلق والاضطراب والغموم والهموم، بنى في قلوبهم صروح اليقين بعد خراب الشك والريبة والانحراف.
كانوا قبل دعوته كالبهائم السائمة، لا إيمان، ولا أدب ولا صلاة، ولا زكاة، ولا نور، ولا صلاح، حياة مظلمة من عبادة الأصنام وملابسة الفواحش ومعاقرة الخمر وسفك الدماء والسلب والنهب، فليس لهم في الحياة رسالة، وما عندهم عن الله خبر، وما لديهم من أمر الدنيا نبأ، فهم في غيّهم يعمهون.
قلوب أقسى من الحجارة، ونفوس أظلم من الليل، وبؤس أشد بشاعة من الموت، فلا عقل محفوظ، ولا دم معصوم، ولا مال حلال، ولا عرض مصان، ولا نفوس راضية، ولا أخلاق قويمة، ولا مجتمع يحترم الفضيلة، ولا شعب يحمي المبادئ.
فلما أراد الله إنقاذ هذه البشرية وإسعادها وصلاحها وفلاحها بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، فكأن الناس ولدوا من جديد، وكأن وجه الدنيا تغير، وكأن الأرض لبست ثوبا آخر، فالوحي يتنزل على هذا الإمام من لدن لطيف خبير، وجبريل يغدو ويروح بشريعة نسخت الشرائع، فيها سعادة العباد، وصلاح البشر، وعمارة الأرض.. فمسجد يبنى، ورقبة تعتق، وصدر يعمر، وجسد يطهر، وصلاة تؤدى، ومصحف يتلى، وآية تفسّر، وحديث يشرح، وراية تعقد، وحضارة تبنى، وأمة تحرّر { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) } الجمعة.
لقد أحبّ الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه وصلهم بالله ودلّهم على رضوانه، وهداهم الى صراطه المستقيم. وإنهم لمعذورون في هذا الحب لأنه أقل ما يجب عليهم نحو هذا الرسول المعصوم والنبي الخاتم، الذي جاء إليهم وهم عاكفون على أصنامهم، فصاح بهم :"قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" أخرجه أحمد 18525 والحاكم 39، وصلى بهم وقال:" صلوا كما رأيتموني أصلي" أخرجه البخاري 631، وحجّ بهم وقال:" خذوا عني مناسككم" أخرجه مسلم 1297، وعلمهم السنة وقال:" من رغب عن سنتي فليس مني" أخرجه البخاري 5063 ومسلم 1401، ودعاهم الى التقوى وقال:" إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا" أخرجه البخاري 20. فالله أنقذهم به من النار، وبصّرهم من العمى، وعلّمهم به من الجهل، وأصلحهم بعد الفساد، وهداهم بعد الضلالة، وأرشدهم بعد الغي.
كيف لا يحبه أصحابه بل كل مسلم وهو لا يزاول طاعة إلا والرسول صلى الله عليه وسلم نصب عينيه في طهارته وصلاته وصيامه وزكاته وحجّه وذكره وعقيدته وخلقه وسلوكه، كيف لا يحبه وكلما فعل خيرا فإنما إمامه محمد صلى الله عليه وسلم، أو قام بقربة فقدوته محمد صلى الله عليه وسلم، أو أحسن في حياته فأسوته محمد صلى الله عليه وسلم، أو أسدى جميلا أو قدّم معروفا فمثله الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم.
المصلحون أصابع جمعت يدا
هي أنت بل أنت اليد البيضاء
كيف لا يحبه الإنسان وحديثه يرنّ في الأذن ويعبر الى القلب بكل فضيلة وكل خلق شريف وسجايا نبيلة، داعيا الى الصدق والعدل والسلام والرحمة والتآخي والإحسان، محذرا من الفجور والفسوق والعصيان والظلم والاعتداء والبغي والإجرام.. فميلاد الإنسان الميلاد الثاني يوم اتبع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، واقتدى بهذا النبي الأمي:
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له
وأنت أحييت أجيالا من الرمم(/24)
وسعادة العبد إنما هي في الاهتداء بهدي هذا الإمام المعصوم، لأنه الوحيد من الناس الذي يدور معه الحق حيثما دار، فعلى قوله تعرض الأقوال، وعلى فعله توزن الأفعال، وعلى حاله تقاس الأحوال:{وإنّك لتهدي الى صراط مستقيم}.
من نحن قبلك إلا نقطة غرقت
في اليمّ أو دمعة خرساء في القدم
محمد صلى الله عليه وسلم مباركا:
{مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) } مريم.
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا
كفى بالمطايا طيب ذكرك هاديا
وإني لأستغثي وما بي غشوة
لعلّ خيالا منك يلقى خياليا
كانت البركة فيه ومعه وعنده عليه الصلاة والسلام، فكلامه مبارك، يقول الكلمة الموجزة فتحمل في طياتها العبر والعظات ما يدهش لروعتها العقل حسنا وبلاغة، ويلقي الخطبة فيجعل الله فيها من النفع والتأثير والبركة ما يبقى صداه في الأجيال جيلا بعد جيل.
والبركة في عمره صلى الله عليه وسلم، فقد عاش ثلاثا وعشرين سنة في إبلاغ رسالته ليس إلا، فكان في هذه الفترة الوجيزة من الفتح والنصر والنفع والعلم والإيمان والإصلاح ما لا يقوم به غيره في قرون ولا دهور، ففي ثلاث وعشرين سنة فحسب، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة وعلّم القرآن ونشر السنة، وقضى على الكفر، وأسّس دولة العدل، وأقام أعظم حضارة راشدة عرفتها الإنسانية.
وانظر الى بركة يوم واحد من أيامه عليه الصلاة والسلام، وهو يوم النحر، اليوم العاشر من حجه صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال، ففي هذا اليوم الواحد صلى الفجر بمزدلفة ودفع الى منى وهو يلبّي ويذكر الله ويدعوه، ويعلم الناس المناسك، ويفتي الحجاج، ثم رمى جمرة العقبة، ثم حلق ثم نحر ثم ذهب الى المسجد الحرام فطاف، ثم صلى الظهر، وهو مع ذلك يرشد الناس ويوجّههم.. هذا إلى صلاة الظهر فقط، مع أن وسيلة النقل ناقته صلى الله عليه وسلم، مع بعد المسافة وكثرة الزحام وحرارة الجو ووقوفه للناس يسألونه، فسبحان من بارك في لحظات عمره ودقائق حياته:
مرّت سنين بالسعود وبالهنا
فكأنها من حسنها أيام
وبورك له صلى الله عليه وسلم في آثاره، فقد مرّ بصاحب قبرين يعذبان، أحدهما كان لا يتنزه من البول، والآخر كان يمشي بالنميمة بين الناس، فشقّ صلى الله عليه وسلم عصا خضراء كانت معه وغرسها على القبرين وقال:" أرجو أن يخفف عنهما من العذاب حتى تيبسا" أخرجه البخاري [216، 218] ومسلم 292 عن ابن عباس رضي الله عنهما. وهذا خاص به، ولا يكون إلا له صلى الله عليه وسلم، لما جعل الله فيه من البركة.
ومرض علي ابن أبي طالب بالرمد يوم خيبر، حتى أصبح لا يرى شيئا، فنفث عليه صلى الله عليه وسلم فأبصر بإذن الله في الحال لبركة دعائه ونفثه:
مرض الحبيب فزرته
فمرضت من خوفي عليه
وأتى الحبيب يزورني
فشفيت من نظري إليه
وكان الجيش في الخندق ألف رجل قد بلغ بهم الجوع مبلغا عظيما، فدعا جابر بن عبدالله الرسول صلى الله عليه وسلم وثلاثة معه على عناق من ولد الماعز ذبحها وشيء من طعام الشعير، فدعا صلى الله عليه وسلم الجيش جميعا وسبقهم، ودعا على الطعام ونفث، ثم أدخلهم عشرة عشرة، فأكلوا جميعا وشبعوا جميعا وبقي الطعام بحاله، ووزع على أهل المدينة، فما بقي بيت إلا دخله من ذلك الطعام. فلا إله إلا الله! يا لها من معجزة باهرة وآية ظاهرة على صدقه وبركنه ونبوّته:
علوّ في الحياة وفي الممات
بحق فيك كل المعجزات
عليك تحية الرحمن تسري
بتبريك عواد رائحات
وسافر معه جيش قوامه ألف وأربعمائة رجل، فانتهى ماؤهم وأشرفوا على الهلاك، وانقطعوا في البيداء، فدعا صلى الله عليه وسلم بقربة صغيرة فيها قليل من ماء، فصبّه على يده الشريفة الطاهرة المباركة، فثارت من بين أصابعه أنهار الماء، فملأ الناس أوعيتهم وعبأوا قربهم وسقوا رواحلهم، وشربوا وتوضؤوا واغتسلوا جميعا { أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)} الطور.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فحيّا الله ذاك الكف الطاهر المبارك الذي ما خان ولا غش ولا غدر ولا نهب ولا سلب ولا سرق ولا سفك.
يد بيضاء لو مدّت بليل
عظيم الهول أشرقت الليالي
وزار صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وهو مريض ملتهب الجسم، فوضع يده المباركة على صدر سعد، فوجد بردها كالثلج فشفي بإذن الله. يقول سعد بعد سنوات طويلة: والله لكأني أجد بردها الآن على صدري.
ورشّ صلى الله عليه وسلم بقية وضوئه على جابر بن عبدالله وهو مريض فشفي بإذن الله، وحلق رأسه صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، فأعطى شقّه الأيمن أبا طلحة الأنصاري لأن صوته في الجيش كمائة فارس جائزة له، والنصف الآخر وزع على الناس، فكادوا يقتتلون عليه، فمنهم من حصل على شعرة، ومنهم من تقاسم هو وصاحبه شعرة واحدة، ومنهم من كان يضع هذه الشعرة في الماء إذا أراد أن يشرب.
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه
وعراف نجد إن هما شفياني
فوالله ما من رقية يعلمانها
ولا شربة إلا بها سقياني(/25)
فجئت الى المعصوم حتى أعلّني
بشربة حقّ من هدى وبيان
ومسح صلى الله عليه وسلم رأس أبي محذورة وهو صغير، فأقسم أبو محذورة لا يحلق هذا الشعر الذي مسّه كف الرسول صلى الله عليه وسلم، فبقي طيلة حياته حتى طال ودفن معه.
وكان الصبيان يأتونه صلى الله عليه وسلم بآنيتهم فيضع كفه المبارك في إناء الماء واللبن، فيجدون فيه البركة والشفاء بإذن الله.
وقصص بركته لا تنتهي، وأحاديث معجزاته لا تنقضي، فهو المبارك أينما حل وأينما ارتحل، وهو الموفّق أينما سار وأقام.
يا رب صلّ وسّلم ما أردت على
نزيل عرشك خير الرسل كلهم
الرسول صلى الله عليه وسلم مربيا:
{ يتلوا عليكم ءايته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} .
هديتنا لسبيل الحق نسلكه
مسّكتنا حبل هدى غير منصرم
أنت الإمام الذي نرجو شفاعته
وأنت قدوتنا في حالك الظلم
كان صلى الله عليه وسلم مربيا كملت مناقب المربي فيه، فهو رفيق في تعليمه ويقول:" إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" أخرجه البخاري 6927 ومسلم 2593 عن عائشة رضي الله عنها. ويقول:" ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" أخرجه مسلم 2594 عن عائشة رضي الله عنها. وكان يصل الى قلوب الناس بألين السبل حتى قال فيه ربه عز وجل:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } آل عمران 159. فهو أعظم من تمثل خلق القرآن، فتجده القريب منالنفوس، الحبيب الى القلوب.
جاءه أعرابي فقال في التشهد: الله ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال له صلى الله عليه وسلم:" لقد حجرت واسعا" أخرجه البخاري 6010 عن أبي هريرة. أي أنه ضيّق رحمة الله التي وسعت كل شيء، ثم قام الأعرابي فبال في طرف المسجد، فأراد الصحابة ضرب الأعرابي، فمنعهم صلى الله عليه وسلم ودعا بدلو من ماء فصبّه على بول الأعرابي، ثم دعا الأعرابي برفق ولين وحسن خلق فقال:" إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر، وإنما هي للصلاة والذكر وقراءة القرآن" أخرجه مسلم 285 عن أنس بن مالك رضي الله عنه. فذهب هذا الأعرابي الى قومه لما رأى منا لرفق واللين، فدعاهم الى الإسلام فأسلموا.
وجلس معه صلى الله عليه وسلم غلام على مائدة الطعام، فأخذت يد الغلام تطيش في الصحفة، فما نهره ولا زجره وإنما قال له برفق:" سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك" أخرجه البخاري [ 5376، 5378] ومسلم 2022 عن عمر ابن أبي سلمة رضي الله عنه.
ودخل اليهود عليه صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، يعني الموت، فقالت عائشة: عليكم السام واللعنة، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة، ما هذا؟ إن الله يكره الفحش والتفاحش، وقد رددت عليهم ما قالوا، فقلت: وعليكم" أخرجه البخاري [ 2935، 6030] ومسلم 2165 عن عائشة رضي الله عنها. وليس في قاموس حياته صلى الله عليه وسلم ولا في معجم أدبه كلمة نابية ولا بذيئة ولا فاحشة، وإنما طهر كله ونقاء وصفاء ولين ووفاء، لأنه رحمة مهداة، ونعمة مسداة، وبركة عامة، وخير متصل.
وكان صلى الله عليه وسلم يتخوّل أصحابه بالموعظة كراهية السآمة والملل عليهم، أي يتركهم فترات من الزمن بلا وعظ ليكون أنشط لنفوسهم وأروح لقلوبهم، فكان إذا وعظهم أوجز وأبلغ، وكان ينهى عن التطويل على الناس وإدخال المشقة عليهم، سواء في الصلاة أو الخطب، ويقول:" إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه" أخرجه مسلم 869 عن عمار رضي الله عنه. أي علامة على فقهه، فقصّروا الخطبة وأطيلوا الصلاة.
وأنكر عمر على الحبشة لعبهم بالحراب في مسجده صلى الله عليه وسلم فقال:" دعهم يا عمر، ليعلم يهود أن في ديننا فسحة" أخرجه أحمد [ 24334، 25431] عن عائشة رضي الله عنها أنظر كشف الخفاء: 658.
ودخل أبو بكر عليه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها وعندها جاريتان تغنيان يوم العيد، فقال أبو بكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" دعهم يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" أخرجه البخاري [ 952، 3931] ومسلم 892 عن عائشة رضي الله عنها.
وسأل صلى الله عليه وسلم عائشة عن زواج حضرته للأنصار:" هل كان معكم شيء من لهو؟ ـ أي من طرب ـ فإن الأنصار يعجبهم اللهو" أخرجه البخاري 5163 عن عائشة رضي الله عنها. كل هذا في حدود المباح الذي يريح النفس ويذهب عنها السأم والملل، أما الحرام فكان أبعد الناس عنه صلى الله عليه وسلم.(/26)
وكان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه بالقدوة الحيّة الماثلة فيه صلى الله عليه وسلم، فكان يدعوهم الى تقوى الله وهو أتقاهم، وينهاهم عن الشيء فيكون أشدّهم حذرا منه، ويعظهم ودموعه على خدّه الشريف، ويوصيهم بأحسن الخلق، فإذا هو أحسنهم خلقا، ويندبهم الى ذكر الله وإذا به أكثرهم ذكرا، ويناديهم الى البذل والعطاء ثم يكون أسخاهم يدا وأكرمهم نفسا، وينصحهم بحسن العشرة مع الأهل، ثم تجده أحسن الناس لأهله رحمة وعطفا ورقة ولطفا:
يا صاحب الخلق الأسمى وهل حملت
روح الرسالات إلا روح مختار
أعلى السجايا التي صاغت لصاحبها
من الهدى والمعالي نصب تذكار
والعجيب توصّله صلى الله عليه وسلم الى غرس هذه الفضيلة في نفوس أصحابه غرسا بقي بقاء حياتهم، ودام دوام أعمارهم ونقله الأتباع عنهم، وأتباع الأتباع عن الأتباع الى اليوم، فكان إذا لقيه الرجل يوما من الدهر أو ساعة من الزمن وآمن به، ترك عليه من الأثر ما يبقى ملازما له حتى الموت، فكأن ليس في حياة هذا الرجل إلا ذلك اليوم أو تلك الساعة التي لقي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قد يضيق العمر إلا ساعة
وتضيق الأرض إلا موضعا
وما ذاك إلا لصدق نبوته عليه الصلاة والسلام وبركة دعوته، وعظيم إخلاصه وجلالة خلقه ونبل فضائله:
فعليه ما سجع الحمام سلامنا
فيه إله العالمين هدانا
وجوب الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) } الأحزاب.
صلى عليك الله يا علم الهدى
ما حنّ مشتاق الى لقياكا
وعليك ملء الأرض من صلواتنا
وقلوبنا ذابت على ذكراك
الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم جلاء الأبصار، ونور البصائر، وبهجة القلوب، وراحة الأرواح، وقرة العيون، ومسك المجالس، وطيب الحياة، وزكاة العمر، وجمال الأيام، وذهاب الهموم، وطرد الأحزان، وهي الجالبة للسرور وانشراح الصدور وتكامل الحبور وتعاظم النور.
بها يطيب السمر ويحلو الحديث ويحلّ الأنس وتحصل البركة وتنزل السكينة، وهي علامة الحب وشاهد المتابعة وبرهان الموالاة ودليل الصلاح وطريق الفلاح، يقول صلى الله عليه وسلم:" من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه عشر درجات، وكتبت له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات" أخرجه النسائي في الكبرى 9890 وفي عمل اليوم والليلة 63 عن أنس بن مالك. وقال:" أكثروا عليّ من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة" أخرجه ابن عدي في الكامل 3\102 والبيهقي في الكبرى 5790 وفي الشعب 3030 عن أنس بن مالك وانظر كشف الخفاء 1\190. وقال:" رغم أنف من ذكرت عنده ولم يصلّ عليّ" أخرجه أحمد 7402 والترمذي 3545 والحاكم 2016. وروي مرفوعا:" البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ" أخرجه أحمد 1738 والترمذي 3546 عن علي رضي الله عنه وانظر كشف الخفاء 1\332. وورد:" إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونني من أمتي السلام" أخرجه أحمد [3657، 4198] والنسائي 1282 والدارمي 2774 والحاكم 3576 عن عبدالله بن مسعود. ولما قال أبيّ بن كعب: سوف أجعل لك صلاتي كلها، أي دعائي، قال:" إذن يغفر ذنبك، وتكفي همّك" أخرجه الترمذي 2457.
فيصلى عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول والثاني، وعند ذكره، وفي خطبة الجمعة، والعيد، والاستسقاء، وفي خطبة النكاح، وفي مجلس العلم والمواعظ، والكتب والرسائل، والمعاهدات، والصكوك، وعند لقاء الأحباب، وعند الوداع، وفي الدعاء وأذكار الصباح والمساء، وعند نزول الهموم وترادف الغموم وفقد الأغراض وتزاحم الكرب وحدوث المصاب ووصول المبشرات، وعند تأليف الكتب وشرح حديثه وكتابة سيرته وذكر أخباره وقصصه.. إلى غير ذلك من المناسبات، فصلّى الله عليه وسلم ما زهر فاح، وبلبل صاح، وسر باح، وحمام ناح، وصلى الله عليه وسلم ما نسيم تدّفق وما دمع ترقرق، وما وجه أشرق، وصلى الله عليه وسلم ما اختلف الليل والنهار، وهطلت الأمطار، ودنت الثمار واهتزت الأشجار، وصلى الله عليه وسلم ما بدت النجوم، وتلبدّت الغيوم وانقشعت الهموم، وتليت الأخبار والعلوم، وعلى آله الطيبين الأبرار، وأصحابه الأخيار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم واقتفى الك الآثار.
صلى عليه إلهه وخليله
ما دامت الغبراء والخضراء
فهو الذي فاق الأنام كرامة
واستبشرت بقدومه الأنباء
وجوب التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) } الحجرات.
قحطان عدنان شادوا منك عزّتهم
بك التشرّف للتأريخ لا بهم
أكاد أقتلع الآهات من حرقي
إذا ذكرتك أو أرتاع من ندمي(/27)
الأدب معه صلى الله عليه وسلم شريعة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها، فالأدب مع شخصه الكريم بإجلاله وإعزازه وتوقيره وتقديره واحترامه وانزاله المنزلة التي أنزله الله إياها: لا غلوّ ولا جفاء، وعدم الاعتراض عليه صلى الله عليه وسلم أو مناقضة أقواله بأقوال غيره من الناس، أو تقديم قول كائن من البشر مهما كان على قوله، أو أخذ حديثه على أنه كلام يصيب ويخطئ، بل هو كلام نبيّ معصوم، أو التعرّض لصفة من صفاته بجفاء، أو رد قوله بعد التأكد من صحة نسبته اليه، أو الشك في بعض قضاياه وأحكامه، أو مقارنته بالقادة والزعماء والملوك، فقد رفع الله قدره على الجميع وأعلى منزلته على الكل.
بل يحرم كل ما فهم منه الجفاء والتنقص والاعتراض عليه صلى الله عليه وسلم، والواجب على كل من رضي به رسولا واتبعه وآمن به حبه حبا صادقا أعظم من حب النفس والولد والوالد والناس أجمعين، وتصديق ما أخبر به، وامتثال ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه، والاهتداء بهداه والاقتداء بسنته والرضى بحكمه والحرص على متابعته، وتوقير حديثه والصلاة والسلام عليه إذا ذكر صلى الله عليه وسلم، وعدم رفع الصوت عند ذكره وذكر حديثه، وعدم الضحك وقت تلاوة أخباره وكلامه وآثاره، والخشوع عند ذكر شيء من سنته، والتأدب عند الاستشهاد بقوله، والتسليم عند أمره ونهيه، والإيمان بمعجزاته والذب عن جنابه الشريف وأهل بيته وأصحابه { فالذين ءامنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.
يا من تضوّع طيب القاع منزله
فطاب من طيب ذاك القاع والأكم
نفسي الفداء لمجدٍ أنت حامله
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
فعلى المسلم أن يفعل فعل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في التأدب معه، فمنهم من كان لا يتكلم عنده إلا بصوت خافض خاشع، وكان إذا تحدث كان على رؤوسهم الطير، ومنهم من جلس في الطريق خارج المسجد لما سمعه يقول من داخل المسجد:" يا أيها الناس اجلسوا" أخرجه أبو داود 1091 والحاكم 1056 عن جابر رضي الله عنه. ومنهم من لا يكلم ابنه حتى مات لأنه عارض حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. إلى آخر تلك الأفعال الجميلة والخصال الحميدة من تأدبهم معه صلى الله عليه وسلم.
الرسول صلى الله عليه وسلم مبشّرا:
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) } الأحزاب.
" بشّروا ولا تنفروا، ويسّروا ولا تعسّروا".
بشرى لنا الاسلام إن لنا
من العناية ركنا غير منهزم
لما دعا الله داعينا لطاعته
بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
من أعظم صفاته صلى الله عليه وسلم أنه مبشر:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45)} الأحزاب، فهو صلى الله عليه وسلم الذي أتى بالبشارة الكبرى، وهي الإيمان بالله والبشارة بعفوه وغفرانه ورضوانه ورحمته، والبشارة بجنة عرضها السموات والأرض، وقد بشّر صلى الله عليه وسلم بتوبة الله على من تاب وعفوه عمن أناب، فجلّ الذين بشارة، فقد بشّر عليه الصلاة والسلام بان الوضوء يحطّ الخطايا وأن الصلاة ورمضان والحج والعمرة كفارات لما بينها من الذنوب إلا الكبائر، وبشّر من فقد عينيه بالجنة، وبشر من فقد ابنه بقصر في الجنة، وبشّر من أصابه مرض بأنه يمحو الخطايا، وأن من أراد الله به خيرا ابتلاه، وبشّر من انتظر الصلاة أن الملائكة تصلي عليه وتدعو له ما لم يحدث، وبشّر من سبح تسبيحة واحدة بغرس نخلة له في الجنة، وأن من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، وأن من أذنب ذنبا ثم توضأ وصلى ركعتين واستغفر الله غفر الله له، وبشّر أن من أصابه مرض أو وصب أو نصب أو هم أو غمّ أو حزن حتى الشوكة يشاكها جعلها الله كفارة له من الذنوب.
وجاء بكتاب عظيم وذكر حكيم يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بان لهم أجرا حسنا ونهاهم عن اليأس:{ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} يوسف.
وعن القنوط:{ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}.
ونهاهم عن الحزن:{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا } آل عمران 139.
وفتح باب الغفران للتائبين من المسرفين:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } الزمر.
ولما أرسل رسله الى البلدان ودعاة الى الله قال لهم:" بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا"، وحذّر من التشديد والتنفير فقال:" يا أيها الناس! إن منكم منفّرين، من صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة" أخرجه البخاري [ 90، 702] ومسلم 466 .(/28)
وذمّ المتكلفين في الدين، وبشّر عائشة ببراءة الله لها، وبشر كعب بن مالك بتوبة الله عليه، وبشر جابرا بأن الله كلم أباه، وبشر المسلمين بدخول زيد وجعفر وابن أبي رواحة الجنة، وبشر بلال بأنه سمع دفي نعليه في الجنة، وبشّر أبيّ بن كعب بأن الله ذكره في الملأ الأعلى، وبشّر العشرة بالجنة، وبشّر أهل بدر بأن الله قال لهم:" اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" أخرجه البخاري [ 3007، 3983] ومسلم 2494 عن علي رضي الله عنه. وبشّر أهل البيعة تحت الشجرة برضوان الله، وبشّر الذي لازم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} الإخلاص، بأن الله يحبه، وبشّر رجلا صلى معه وقد أصاب حدّا بأن الله غفر له.
وبالجملة فمن أعظم خصاله الحميدة صلى الله عليه وسلم إدخال البشرى على الناس وإسعادهم.
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار
وحياً وأفضت الى الدنيا بأسرار
الرسول صلى الله عليه وسلم معلما:
{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) } النساء.
" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا الى الجنة" أخرجه مسلم 2699 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
كفاك بالعلم في الأمي معجزة
عند البريّة والتأديب في اليتم
فهو الذي تم في فضل وفي كرم
ثم اصطفاه رسولا بارئ النسم
بعث صلى الله عليه وسلم معلما الناس يعلم الناس مكارم الأخلاق ومعالي الأمور وأشرف الخصال وأنبل السجايا.
فعلّم صلى الله عليه وسلم بوعظه الذي كان يهز به القلوب فكأنه منذر جيش يقول صبّحكم ومساكم، وكان إذا وعظ علا صوته واشتدّ غضبه واحمرّت عيناه، فلا تسمع إلا بكاء ونحيبا وحنينا وأنينا وتفجّعا وتوجعّا وندما وحسرة وتوبة ورجوعا وإنابة.
وعلّم صلى الله عليه وسلم بخطبه القيمة الناعة في مناسبات العبادات، فكانت فيضا من الهدى ونهرا من النور، تزيد الإيمان وترفع اليقين.
وعلّم صلى الله عليه وسلم بفتواه لمن سأله، فكان أفقه الناس وأعظمهم إجابة وأكثرهم إصابة، وأعرفهم بما يصلح للسائل.
وعلّم صلى الله عليه وسلم بوصاياه ونصائحه التي تصل الى القلوب وتملأ النفوس تقوى وصلاحا.
وعلّم بضرب الأمثال التي يعرفها الناس، وتوضيح المعاني بأمور محسوسة تقرب المعنى وتزيل الإشكال وترفع الوهم.
وعلّم صلى الله عليه وسلم بالقصص الجذاب الخلاب الذي يثير في النفوس الإعجاب والإنصات والاستجابة.
وعلّم صلى الله عليه وسلم بالقدوة الحية المتمثلة في سيرته العطرة وأخلاقه السامية وخصاله الجليلة التي أجمع على حسنها العقلاء وأحبها الأتقياء واقتدى بها الأولياء.
وأول كلمة نزلت عليه صلى الله عليه وسلم كلمة "اقرأ"، وهي من أعظم أدلة فضل العلم وقيمة المعرفة، وأمره الله أن يقول: رب زدني علما، ولم يأمره بطلب زيادة إلا من العلم لأنه طريق الرضوان وباب التوفيق وسبيل الفلاح، وامتنّ عليه ربّه بأن علّمه ما لم يكن يعلم من المعارف الإيمانية والفتوحات الربانية والمواهب الالهية، وقال له ربه:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } محمد 19. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، فكان صلى الله عليه وسلم أسوة العلماء وقدوة طلبةا لعلم في الاستزادة من العلم النافع والعمل الصالح، وقال:" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث" أخرجه البخاري 79 ومسلم 2282. فكانت مهمته الكبرى تعليم الكتاب والحكمة:{ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} البقرة 129. حتى خرج من أصحابه صلى الله عليه وسلم علماء وفقهاء وحكماء ومفسرون ومحدّثون ومفتون وخطباء ومربّون ملؤوا الدنيا علما وحكما ورشدا واستفاقة:
فكلهم من رسول الله ملتمس
غرفا من البحر أو رشفا من الديم(/29)
وقد حثّ عليه الصلاة والسلام على العلم ونشره وتعليمه فقال كما في حجة الوداع:" فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع" أخرجه البخاري [1741، 7078] ومسلم 1679 عن أبي بكرة رضي الله عنه. وقال:" نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه" أخرجه الترمذي 2658 عن ابن مسعود رضي الله عنه وانظر: كشف الخفاء 2\423. وقال:" بلّغوا عني ولو آية" أخرجه البخاري 3461 عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. وكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها تعليما لأمته، فصلاته وصيامه وصدقته وحجه وذكره لربه وكلامه وقيامه وقعوده وأكله وشربه، كل هذا تعليم وأسوة لمن آمن به واتبعه، وكان صلى الله عليه وسلم يتدرّج في التعليم، فما كان يلقي العلم على أصحابه جملة واحدة بل شيئا فشيئا {فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} الاسراء 106، {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) } الفرقان. فكان يمتثل هذا في تدريسه لأصحابه، وكان يبدأ صلى الله عليه وسلم بكبار المسائل والأهم فالمهم، ويكرر المسألة حتى تفهم عنه، ويعلّم تعليما علميا بالقدوة، كالوضوء أمام الناس ليأخذوا عنه، وصلاته لهم ليصلوا كصلاته، وقوله:" صلوا كما رأيتموني أصلي" أخرجه البخاري 631 عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه. وحجه بهم وقوله:" لتأخذوا عني مناسككم" أخرجه مسلم 1297 عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.(/30)
محمد عبده وعودة لمشروع الإصلاح الديني
محمد أبو رمان 23/2/1426
02/04/2005
يبدو من المناسب استعارة عنوان رواية ماركيز "مائة عام من العزلة" في تعريف الفترة التي فصلتنا عن وفاة الإمام المجدّد محمد عبده، فهي بمثابة المائة عام من التنكُّر والهجر والقطيعة مع مدرسة وأفكار وتراث محمد عبده تحت وطأة فتاوى فكرية وفقهية صدرت بحق الرجل وحبست مدرسته الفكرية قرنًا كاملاً مورس بحقه خلالها كل أنواع التجاهل والإهمال إلى أن دار التاريخ، وعاد بنا إلى الاستعمار والاحتلال والتخلّف مرة أخرى، وعدنا نلتمس الطريق لنجد أن الإمام محمد عبده كان قد أحسن في قراءة الشروط التاريخية والحضارية، والعوامل الذاتية الفاعلة والكامنة وراء حالة الضعف والتخلف، وقدم مشروعه الإصلاحي المبدع في مواجهتها مبتدئاً من الإصلاح الديني كي يكون الدين عامل تقدم ونهوض لا كابحاً للأمم، فجعل الإمام الدين معولاً لهدم الخرافات والتقليد والعوائق لا سادِناً لها كما كان الحال قبل ظهور هذا العالم الجليل!
ولعل السؤال المطروح اليوم هو لماذا تم تجاهل مدرسة الإمام محمد عبده قرناً كاملاً من الزمن؟ والجواب على ذلك يرتبط بطبيعة الشروط التاريخية التي مرت بها الشعوب العربية خلال هذه الفترة، والمداخل التي تم اختيارها لمواجهة هذه الظروف، ففي الوقت الذي كان محمد عبده يواجه تحدي التخلف والضعف، ويلح عليه سؤال المفارقة الحضارية بين الشرق والغرب، فإن الفكر والحراك الإسلامي بعده واجه سؤال الهوية، وزوال ظل الخلافة، وهاجس الدولة القطرية والصراع على السلطة بين التيارات الفكرية والسياسية العربية الرئيسة، الأمر الذي دفع بمدرسة الإصلاح والتجديد إلى الوراء وقدّم مدرسة الثورة والهويّة والإحياء، ثم نعود من جديد بعد قرن من التيه فنجد أننا مكشوفون حضارياً وثقافياً وسياسياً، وأننا مهدّدون في أمننا الاجتماعي والأخلاقي والسياسي، وسواء قلنا إن العوامل الخارجية هي السبب –كما يصر دوماً الأستاذ منير شفيق وأنصار مدرسة التبعية- أم قلنا إن السبب هو ضعفنا الداخلي فإن المحصلة واحدة: ما زلنا في المربع الأول الذي تركنا الإمام عنده -لمّا رحل من الدنيا- وهو سؤال الضعف والتخلف وملخّصه "لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟!".
في هذا السياق لا يعني احتفاؤنا بالإمام محمد عبده أننا نطالب بالقبول بمدرسته وكل فتاواه وآرائه، فهذا ما يرفضه هو نفسه؛ لأنه يرفض التقليد والجمود، ولكننا نطالب بالاستفادة من مدرسته الفكرية، ومن مشروعه الإصلاحي المتكامل من خلال ممارسة نقديّة موضوعيّة، بمعنى: استلهام أصول وقواعد منهجه الفكريّ والمعرفي والبناء عليها وغربلتها، وتطويرها والوصول إلى الاستفادة مما يمكن البناء عليه، واستثماره في عملية الانبعاث الحضاري والفكري دون الخوف من الوقوع في فخ التسمّر عند أفكاره ومواقفه، وكلها غير ملزمة لنا. لذلك فإن خطورة ما حدث خلال مائة عام ليس انقطاعنا عن فتاوى وأفكار الإمام؛ ولكن لأننا انقطعنا عن مدرسته الفكرية، والتي تعتبر أن الإصلاح والتجديد هو المدخل المناسب للتقدم والقوة والمنعة، وأن الإصلاح الديني يقع في مقدمة أوليات الإصلاح، وهو ما تكشفت حقيقته اليوم، فقد أعطى محمد عبده مسألة الإصلاح الديني مشروعية فقهية وفكرية نُزعت عنها فيما بعد من قبل العلماء والمفكرين العرب والمسلمين.(/1)
ما سبق يطرح السؤال/ الإشكالية – في ذكرى وفاة الإمام المئوية- وهو: لماذا الإصلاح الديني؟ هل لأن الغرب والولايات المتحدة يُطالب به اليوم؟ والجواب بالتأكيد: لا، بل لأننا نحن بحاجة إليه؛ فالمسألة لا ترتبط بمشروعية الحديث عن الإصلاح الديني، ولكن ترتبط بمعالم الإصلاح المطلوب واتجاهاته وأسسه، وهو –برأيي- ما ميز مدرسة الإمام مما جعلها تحتفظ ببريقها على الرغم من مائة عام من العزلة؛ فالإمام أراد الإصلاح الديني ليعيد الحيوية والفاعلية والعطاء للعقل المسلم بعد أن تخدّر قروناً كاملة أُغلق عملياً فيها باب الاجتهاد والتجديد، وتحول الدين من طاقة حيوية دافعة إلى تقاليد تعبّدية، وأوهام فكرية وجمود فقهي وتكلّس فكري نتج عنه عصور من الانحطاط والتراجع، ليجد المسلم نفسه أمام الاستعمار وهو مسلّح بأحدث الوسائل الصناعية والتقنية وتسنده قوة معرفية وفكرية وثقافية متحرّرة ودافعة إلى الإبداع والتجديد، وهو ما جعل المسلم –وما زال- في تناقض شديد بين مقتضيات العصر والعقل والتحرّر، وبين ما كان يُمارس أمامه باسم الدين من تقاليد ومن جمود؛ فمدرسة الإمام تقوم على فك الشيفرة التي تسمح بدخول المسلم إلى العصر واستحقاقاته ومتطلباته، وهو قادر على الاحتفاظ بإيمانه ويقينه بالله، وهذا يستدعي بالطبع عقلاً نقدياً مزدوجاً؛ يمتلك أدوات غربلة الحداثة والحضارة الغربية، ومناقشة أصولها المعرفية والفلسفية خاصة ما يرتبط بها من طبيعة الدين ودوره السياسي والاجتماعي، وفي نفس الوقت مراجعة الموروث الفكري والثقافي والتخلص من كل المعوّقات التي تحول بين الإسلام وبين استعادة قدرته على تحريك المسلمين إلى الأمام، لكن مع الاحتفاظ بقدسية النصوص الربانية وتأثيرها.
لقد اعتمد الإمام للوصول إلى المطالب السابقة -للإصلاح والتجديد- أسساً رئيسة أبرزها بناء النظرية المعرفية الإسلامية على قاعدة الجمع بين العقل والإحساس والوحي وفك الاشتباك بينها ليؤدي كل منها وظيفته في تقديم المعرفة الصحيحة للإسلام، فالعقل المسدّد (الفكر البشري) بحاجة إلى العقل المؤيد (الوحي) ليتمكن من اكتشاف الطريق الصحيح للإعمار والتحضّر، والوجدان قادر على توفير البنية النفسية التي تدفع الإنسان من حالة الكلالة إلى مرحلة الفعالية والعطاء، وهنا تكمن أهمية العقيدة والدين، واللّذيْن لا غنى عنهما لبناء الأساس الأخلاقي للمجتمع على النقيض مما كانت تقول به النظرية الوضعية الغربية.
و إذا أسقطنا ما سبق على كتاب الإمام "رسالة التوحيد" سنجد أن الإمام نقل الحديث في "موضوع التوحيد" مرة أخرى من الجدل بين الفرق والطوائف الإسلامية حول أسماء الله وصفاته والاختلافات الميتافيزيقية المرتبطة بذلك إلى تفعيل التوحيد في محاربة الأوهام والخرافات والجمود والتقليد، فقد عنى التوحيد عند الإمام –كما يرى المفكر فهمي جدعان- طاقة محرّرة من الطراز الأول؛ فالشهادة بدلالتها الكبرى هي تجنب كل أنواع الفتنة والضلال بتطهير العقول من الخرافات والأوهام والعقائد الفاسدة واعتبار الكرامة الإنسانية كقيمة عليا لا تقبل التنازل أو التبديد، كما أن التوحيد هو رد الحرية إلى الإنسان وإطلاق أرادته من القيود، فهو مساواة بين البشر بعيداً عن الأنساب والألوان والطوائف والولاءات، وأخيراً يمثل التوحيد بالنسبة للإمام حرباً على التقليد والجمود وإيقاظاً للفكر الإنساني ولطاقات العقل وملكاته.
الحديث عن مدرسة الإمام ذو شجون ومتشعب، ويدفعنا في هذه الفترة التي تتعالى فيها الأصوات بضرورة الإصلاح والتجديد أن نعيد قراءة مدرسته ومعالم مشروعه الإصلاحي بموضوعيّة ونقتنص منه ما ينفعنا اليوم في مواجهة التحديات الجسام التي تحيط بنا!(/2)
محمد قطب يتحدث عن أخيه السيد قطب
في محاضرة نادرة للشيخ محمد قطب
يتحدث الأستاذ قطب عن أخيه الشهيد سيد
سيد قطب
سيد قطب.. نشأته ودراسته
الموضوع الذي دعيت للكلام فيه في الحقيقة لا أحب أن أتكلم فيه فأنا لا أحب أن أتكلم عن أخي الذي أحس دائماً بأنه كان قطعة من نفسي كأني أشعر حين أتحدث عنه كأني أتحدث عن نفسي ويخجلني أن أتحدث عن نفسي ولكن هكذا طلب مني وأنا أتكلم عن معالم الطريق في حياته وليس المهم القصة وإنما المهم النقاط المؤثرة في حياته فأوجزها قدر الإمكان وإني أظن أن فكره هو الأولى أن يهتم به وليس وقائع حياته.
سيد قطب طفل ولد في صعيد مصر في أسرة متدينة ولكنها تعيش في الريف بعقلية الريف أما هو فقد ذهب إلى المدرسة الوحيدة في ذلك الوقت في تلك القرية وحفظ القرآن الكريم أثناء وجوده في المدرسة وحين أنهى دراسته فيها في العاشرة من عمره كان قد حفظ القرآن كله وكانت والدتي رحمها الله تحب له أن يكمل تعليمه بينما الوالد لا يمانع في ذلك ولكنه يرى أن مفارقة ابنه له تساوي التعليم وقد أقنعت الوالدة أبي بأن يدرس سيد رحمه الله في القاهرة وقبل أن يترك ولده الذي يعتز به يسافر وحده إلى القاهرة التي كان لنا فيها خال وجدة وكان مثقفاً بالنسبة لعصره يكتب في الصحف ويقول الشعر وربما كانت حياته معه قد أثرت في حبه للشعر وحبه للصحافة في ذات الوقت وكان خالنا رحمه الله على معرفة وثيقة بالعقاد وكان يزوره بين الحين والحين وكان سيد يذهب معه فنشأت علاقة بينه وبين العقاد الذي كان يجلس عنده في أول الأمر مستمعاً لأن سنه صغيرة وثقافته ما تزال محدودة لكنه رويداً رويداً أخذ يشارك في الجلسة وبدا لهما أنه شاب غير عادي وهذا ما جعل العقاد يرحب بصداقته وكان لهذه الصلة تأثير كبير عليه في فترة من الفترات.
حصل على ما يوازي الشهادة الثانوية من مدرسة كانت تسمى تجهيزية دار العلوم أي أنها تحضر لدار العلوم التي كانت مدرسة عليا مستقلة في برامجها وأساتذتها وهي الآن كلية من كليات الجامعة.
في تلك الأثناء -أثناء الدراسة الثانوية كان يكتب في الصحف وكان لاشتغال خاله بالصحافة فرصة لنشر مقالاته وتمسك الصحف به رغم صغر سنه في ذلك الحين -بدأ يعمل في الصحافة وهو في 17 أو18 من عمره- وكان يكتب شعراً تنشره الصحف مجاملة للخال الذي يعمل بها فأحب الصحافة وجوها الصحفي والأدبي واستغرقه هذا الاهتمام استغراقاً يكاد يكون كاملاً وقضى من حياته مرحلة الدراسة إلى أن أنهى دراسته في دار العلوم منشغلاً في الصحافة والأدب وأيضاً السياسة الحزبية التي كانت في ذلك الوقت هي سبيل من يريد أن يعبر عن آرائه السياسية.
مع حزب الوفد
وكان حزب الوفد الذي أسسه سعد زغلول هو حزب الأغلبية وحزب الجماهير ولا يكاد يوجد حزب غيره له عند الناس قبول فقد كانت هناك أحزاب صغيرة انفصلت عن حزب الوفد ولكن الناس لم يكونوا يحبونها وحزب الوفد كما قال سعد زغلول أو أمة أعضاء الحزب اعتزازاً بقوته لو رشح الوفد حجراً لانتخبناه هكذا كان وضع الحزب السياسي عند الجماهير لهذا اشتغل سيد بالسياسية منتمياً إلى حزب الوفد الذي تنتمي إليه كل الجماهير وكان يكتب في الصحف السياسية وذات مرة وهو في دار العلوم وكانت سنة 20أو 21 أو مثل هذا كتب مقالاً ضد رئيس الحكومة الذي لم يكن من حزب الوفد بل كان من حزب الأحرار الدستوريين الذي يرأسه محمد محمود باشا وقال هذا الرئيس في أول توليه أنه سيحكم مصر بقبضة حديدية فكتب سيد مقالة في إحدى الصحف الوفدية يقول فيها يبدو أن اليد الحديدية التي هدد الباشا بها قد صدئت ولم تعد تستطيع أن تضرب فأحب رئيس الوزراء أن يرى هذا الكاتب الذي تجرأ عليه هذه الجرأة وسخر من يده الحديدية التي قال أنه سيحكم بها الشعب فالصحيفة أرسلت إليه فقالت له أن الباشا يريد أن يقابلك فذهب لمقابلته في رياسة مجلس الوزراء ففوجئ رئيس الوزراء بهذا الشاب نحيف خفيض الصوت وطالب في دار العلوم وقال له أنت الذي كتبت المقال قال: نعم أنا الذي كتبته وقال له: لماذا كتبت هذه المقالة فأجاب: لأني أعتقد أن الحاكم لا يجوز له أن يضرب أمته بقبضة من حديد فقال له: أنت حر طليق لتكتب ما شئت فأنا معجب بشجاعتك ولن أعتب عليك.
هذه كانت تجربة مبكرة له في عالم الصحافة وفي عالم السياسة في وقت واحد..
مع مجلة الرسالة
كانت في مصر مجلتان أدبيتان رئيسيتان هما مجلة الثقافة ومجلة الرسالة ولكن الرسالة كانت أوسع انتشاراً إذ كانت توزع في جميع أنحاء العالم العربي وكان لسيد مقال أسبوعي فيها ولذلك نال شهرة بوصفه أديباً صحفياً وناقداً أدبياً وهو ما يزال في مقتبل عمره لأن هذه الصحيفة كان يقرؤها المثقفون في العالم العربي.
الشيخ الطنطاوي وسيد(/1)
ويقول الشيخ علي الطنطاوي أمد الله في عمره أنه التقى بسيد في دار الرسالة ولم يكن قد التقى به من قبل لكنه حين قرأ مقالاته ولما التقى به قال له أنت سيد قطب قال: نعم قال: لا يمكن أن تكون أنت سيد قطب، فسيد لا بد أن يكون ضخماً ومناضلاً لأن أسلوبه كان حاداً في الكتابة لكن شخصه كان هادئاً جداً وكانت هذه تلفت النظر لمن يلتقي به فالذي يقرأ له يظن أنه دائم الانفعال فيجدونه في غاية الهدوء -ومضطراً أقول: ودماثة الأخلاق. لهذا لا أحب أن أتكلم ولكنكم أجبرتموني على ذلك.
سيد وقضية اللفظ والمعنى
في تلك الفترة وبقدر من الله وكل شيء هو بتقدير الله سبحانه وتعالى شغلته قضية أدبية وهو يكتب في الرسالة مقالات في النقد الأدبي شغلته قضية اللفظ والمعنى فقد كان يقول بعض نقاد العرب العبرة باللفظ أما المعاني فهي ملقاة على قارعة الطريق فهي شائعة بين كل المفكرين والشعراء وأن انتقاء اللفظ هو موضع البراعة ولكن سيد كان يخالف ذلك فهو يرى أن المعنى يتأثر باللفظ الذي يختار له وأن اللفظ ليس مجرد كساء خارجي للمعنى لكن اللفظ والمعنى سدى ولحمة والعلاقة بينهما علاقة عضوية وأنه حين يتغير اللفظ قد لا يتغير المعنى الذهني لكن ظل المعنى في النفس يتغير هذه هي القضية التي شغلته وظل يكتب عنها شهوراً متوالية في مجلة الثقافة ولكي يدلل على صحة رأيه عاد إلى ذاكرته عاد إلى القرآن الذي كان قد حفظه وهو طفل صغير وظل في ذاكرته الكثير منه ولكنه شغل عنه في تلك الفترة بالسياسة الحزبية التي كانت قائمة وبالعمل بالصحافة والأدب والنقد الأدبي هذا الموضوع أعاده إلى القرآن مرة أخرى ليستخرج منه نماذج يدلل بها على نظريته لأن القرآن الكريم فيه الكثير من السور المكررة التي تبدو لأول مرة أنها مكررة مثل الحديث عن السماوات والأرض والكواكب والحديث عن المطر والزرع ووصف الجنة والنار.
نظرية سيد
ونظرية سيد كانت أنه مع تعدد المواضع التي يعرض فيها القرآن الكريم كمشاهد القيامة أو يتحدث فيها عن آيات الله في الكون وهذه نظرية اقتنع بها تماماً وحين أراد أن يدلل على فكرته أخذ نماذج من القرآن التي تؤيد وجهة نظره وكان مما أذكر الآن أنه ورد في كتاب الله تعالى: "وترى الأرض هامدة، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت". ومرة "وترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" فالكلام واحداً والمعنى واحد لكن اختلف لفظ هامدة وخاشعة فهل بقي المعنى واحد أم أن الصورة التي تتمثل وتختلف باختلاف هذين اللفظين وما المناسبة التي جعلت الآية الأولى يأتي مع سياقها كلمة هامدة والأخرى فيها كلمة خاشعة هذا من الأمثلة الكثيرة التي تمثل بها لإثبات أن تغيير اللفظ يغير الصورة وإن كان المعنى الذهني يبقى كما هو لكن الصورة التي يلمسها الحس والخيال تتغير بتغيير الألفاظ .
أول كتبه وانشغاله بالقرآن
هذا الموضوع الأدبي مع أن مدخله فيه كان أدبياً بحتاً وأنتج فيما بعد كتابين من هذه الفكرة وهما "التصوير الفني في القرآن" و"مشاهد القيامة في القرآن" وهما أول كتبه تقريباً هذه العودة إلى القرآن لفته إلى معانٍ أخرى فالقرآن جذاب ولا يمكن لإنسان أن يقرأ القرآن قراءة واعية دون أن يقف وقفات فيه.. دون أن يثير القرآن في نفسه معاني وانفعالات ومشاعر وأفكاراً.. مما لفت نظره أثناء البحث عن النماذج الأدبية، معان أخرى أثرت في توجهه الفكري وفي نشاطه في الوقت ذاته وخلاصتها العدالة الاجتماعية في الإسلام وهي التي أخرجها في كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام.
محاربة النشاط الشيوعي
وأما المناسبة التي دعته إلى ذلك فهي أن النشاط الشيوعي في مصر في ذلك الوقت كان حاداً جداً وضخماً وكانت دعواهم التي يثيرونها ليجمعوا الجماهير حولهم هي أن هناك فساداً في مصر يبدأ من الملك وينتهي بالإقطاعيين والرأسماليين وأن العلاج الوحيد لهذا الفساد هو الشيوعية هذه كانت دعواهم وحقيقة أن دعواهم كانت سرية لأن الحزب الشيوعي غير مصرح له بالوجود العلني لكن كان له تأثير كبير عند الشباب.
الجولة التي جالها مع كتاب الله ليستخرج النماذج الأدبية جذبته إلى المعاني الاجتماعية فأصدر صحيفة لم تعش طويلاً لأن الدولة أغلقتها وخرج منها اثنا عشر عدداً ولكن العدد الثالث عشر صودر وأقفلت المجلة وسحبت رخصتها وكان اسمها (الفكر الجديد) كانت مادتها الأساسية أن هناك فساداً وأن العلاج الوحيد هو الإسلام وهذا رد على الدعوة الشيوعية فكتب عن الفساد كتابة قوية أزعجت السلطات في ذلك الوقت ولكن المهم أنه قال أن العلاج لهذا الفساد هو الإسلام هو أن يحكم الإسلام وهذه المعاني التي تجمعت عنده أثناء كتابته في الصحيفة هي التي أودعها في كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام.
اعتقال الملك لسيد(/2)
هذه المجلة أزعجت الحاكمين ذوي السلطان إزعاجاً شديداً لحرارة الكتابة وقوتها فطلب الملك اعتقاله وإغلاق الصحيفة ولم تصدر بعد وأما أمر الاعتقال فتدخل فيه قدر من عند الله قد نعجب ولكن كان قدر الله كذلك كان رئيس الحكومة الموجود في ذلك الوقت صديقاً لسيد من أيام انشغاله بالسياسة الحزبية ولم يرد أن يعتقله ولكنه عنده توجيه ملكي بالقبض عليه فتحايل على هذا الأمر الملكي بأن اخترع له بعثة إلى أمريكا ليبعده عن البلاد فترة من الوقت فأرسل إلى أميركا مدة سنتين ولم يكن القصد هو البعثة ولكنه تصرف شخصي من رئيس الوزراء ليرضي الملك وتهدأ القضية وفي الوقت نفسه يتحلل من أمر الاعتقال.
سيد في أميركا
في بداية الأمر لم يكن سيد راغباً في تنفيذ البعثة وظل أكثر من ثلاثة أشهر يتأبى ويبعث معاذير لعدم السفر ثم وجد في النهاية أنه ليس أمامه مناص فالصحيفة أغلقت وهناك تنبيه على الصحف كلها بألا تنشر له فليس أمامه مجال للنشاط فقبل أخيراً ذلك وكان عنوان البعثة: دراسة المناهج التعليمية الأميركية والنظر فيما يمكن أنه يستفاد به في إصلاح المناهج المصرية فقضى سنتين في أميركا متنقلاً بين شرقها وغربها وبين معاهد التعليم المختلفة وحصل منها على حصيلة هذه الحصيلة مصحوبة بدراسة لأحوال أميركا دراسة الشاب المسلم النافر من النموذج الأميركي من أوله إلى آخره أخلاقه وسلوكياته وأفكاره واتجاهاته فهذا كان له أثر في حياته فمشاهدته الواقعية غير القراءة وكان ينوي أن يكتب كتاباً بعنوان "أميركا التي رأيت" ولم يصدر هذا الكتاب لأن مسوداته هو أودعها حين أحسَّ فيما بعد بأن الحكومة حكومة الثورة تنوي اعتقاله مع غيره من الإخوان أحسَّ أنهم سيفتشون البيت ويبعثرونه لأنه كانت هذه عادتهم فخشي أن تضيع هذه الأصول فأودعها عند أحد الإخوة في مدينة من مدن الصعيد قريبة من القاهرة ولكن هذا الأخ بعد شهر أو شهرين أحس أنه مطارد وأن المباحث تراقبه فخشي أن يأتي عليه الدور ويفتشوا بيته فأحرق كل ما عنده من الأوراق بما فيها أصول هذا الكتاب فلم يصدر كتاب "أمريكا التي رأيت" والتي قضى فيها سنتين 1948 -1950.
استشهاد حسن البنا
وهو في أميركا حدث قدر آخر من أقدار الله المؤثرة التي أثرت في توجيه حياته تأثيراً عميقاً ورئيسياً دخل المستشفى لإجراء عملية جراحية لإزالة اللوز وقالوا له أنه لا بد له من إزالتها لأنها تعرضه للروماتيزم ولأمراض أخرى وأثناء وجوده في المستشفى في فبراير 1949 كان قد قتل الإمام الشهيد حسن البنا في القاهرة وفي المستشفى وهو منوم شهد حفلاً راقصاً منتشياً من الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات احتفالاً بمقتل حسن البنا إلى ذلك الحين لم يكن قد التحق بجماعة الإخوان المسلمين وطيلة حياة الإمام الشهيد لم يكن سيد قد التقى به ولا مرة واحدة رغم الالتقاء الفكري على الأقل في بعض الجوانب لكنه لم يحدث لقاء شخصي إلى أن قتل الإمام الشهيد هذا الحادث الذي حدث وهو هناك والشماتة الصليبية التي شاهدها بعينيه في المستشفى من أطباء لا صلة لهم بالسياسة حيث لو كانوا رجال سياسة أو رجال صحافة كان ربما يفهم منهم هذه المظاهرة التي قاموا بها في المستشفى أما وهم أطباء وممرضون وطبيبات وممرضات فمعنى هذا أن الغل الصليبي متعمق في قلوب الذي له في السياسة والذي ليس له في السياسة.
قرار الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين(/3)
فقرر في دخيلة نفسه إذا عاد إلى مصر لابد أن ينتمي إلى هذه الجماعة التي يشمت الغرب الصليبي في مقتل قائدها كل هذه الشماتة فحين جاء أواخر عام 1950 أو أوائل عام 1951 أنا لا أذكر الآن ذهب إلى المرشد العام الذي كان في ذلك الوقت وهو الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله وعرض عليه الانتماء للجماعة وأبدى له ملاحظات وقال إنه يلاحظ أن الجماعة ينقصها كذا وكذا فقال له لماذا لا تأتي أنت وتتولى بنفسك تنفيذ هذه الاقتراحات وجعله رئيساً لقسم نشر الدعوة منذ انتمى إلى الجماعة فيما بين 1951-1952 كانت الأمور في مصر: النفوس تغلي.. فساد السلطة.. فساد الرأسمالية والاقطاع.. والظلم الواقع على الجماهير.. والنفوس بدأ عندها الاستعداد للثورة على هذه الأوضاع خلال تلك السنة 1951 كانت هناك ثلاث صحف أسبوعية: مجلة مصر الفتاة التي كان يتزعمها رجل يدعى أحمد حسين واللواء الجديد ومجلة حزب يدعى الحزب الوطني الجديد والدعوة مجلة الإخوان المسلمين في هذه الصحف الثلاث كان سيد يكتب 3 مقالات أسبوعية وكانت مقالات حادة جداً وأشدها حدة الذي كان في مجلة الاشتراكية لأن صاحبها باللغة المصرية "مستبيع" وما عنده مانع من نشر أي شيء فكانت المقالة الحادة الحارة يجعلها للاشتراكية والمقالات الأخرى أقل حدة على حسب ميل المجلة وطاقتها في الاحتمال وكان يحقق معه في كل مرة يعني 3 مرات في الأسبوع تستدعيه النيابة.. الصحيفة تخرج يوم السبت ويُستدعى يوم الأحد بطوله للتحقيق وفي نهاية التحقيق تسمح النيابة له بالانصراف.. في كل مرة يسمح له بالانصراف ينصرف ليكتب مقالة الغد في المجلة الثانية وفي اليوم التالي من صدورها يستدعى للتحقيق وهكذا ثلاث مقالات في الأسبوع وثلاث تحقيقات في الأسبوع ويسمح له بالانصراف في كل لأنه كان من الوجهة القانونية يكتب كتابة حادة وحارة لكنه يتحاشى أن يمسك به وكيل النيابة أي يتحاشى الأماكن التي قد يحتج بها وكيل النيابة لعمل قضية وكانت هذه تحتاج إلى قدر من البراعة أن يقول ما يريده وفي الوقت ذاته لا يكون عليك مستمسك قانوني وبالفعل بعد تحقيق ساعتين أو ثلاث.. وكيل النيابة يهز كتفيه ويقول له تفضل هذه المقالات كان لها تأثير كبير جداً.
سيد مع بداية الثورة
في سنة 1952 جاءت ثورة العسكر في 22 يوليو.. في اليوم الثالث أي في 25 يوليو اتصل محمد نجيب الرئيس الظاهري للحركة لأنه لم يكن له بالتعبير المصري لا في الثور ولا في الطحين لكنه وضع وضعاً على رأس الثورة لأن الضباط الصغار الذين قاموا بالثورة لم يكونوا معروفين لدى الشعب فلا رتب لهم ولا ماض، غير معروفين على الإطلاق فلو أنهم قاموا بالثورة وهم بهذا الوضع ما تقبلتهم الجماهير ولا التفت حولهم لكن محمد نجيب لواء وله شعبية وهذه الشعبية صنعت صنعاً وهذه بعض اللعب السياسية كان محبوباً في الجيش وأوصى إليه نائب - لن أقوله الآن - أن يرشح نفسه لرئاسة نادي الضباط والضباط يحبونه كانوا يحبونه فكان مضموناً أن ينجح في رئاسة نادي الضباط وأوصى إلى الملك في ذلك الوقت ألا يقبل ترشيحه فصارت له شعبية الرجل الذي رفض الملك ترشيحه لرئاسة نادي الضباط وتمسك به الضباط أكثر وأصبح هناك غليان عند ضباط الجيش وأوحت ذات الجهة إلى الملك أن يقبل ترشيحه فزادت شعبية محمد نجيب لأنه أصبح الرجل الذي رفض الملك ترشيحه ثم اضطر أن يقبل ترشيحه فصار بطلاً شعبياً في يوم وليلة ثم وضع على رأس الثوار.
سيد.. مستشار للأمور الداخلية(/4)
أقول: في اليوم الثالث اتصل محمد نجيب تليفونياً بالمنزل وطلب الكلام مع سيد وقال له: نحن تلاميذك تتلمذنا على مقالاتك في مجلة الاشتراكية وعلى كتابك: العدالة الاجتماعية ونريد أن تكون أنت مستشارنا في الأمور الداخلية فذهب إليهم واحتفوا به احتفاءً شديداً في مبدأ الأمر على أساس أنه أستاذهم الذي وجههم وما كان يعرفهم ولا كان التقى بهم أبداً قبل ذلك لكن كما قالوا له نحن تتلمذنا على فكرك الموجود في كتاب العدالة الاجتماعية ومقالاتك في مجلة الاشتراكية ونصوا على الاشتراكية مما يدل على أن هذه المجلة أوسع انتشاراً وأقوى تأثيراً ذهب إليهم وعاش معهم فترة تقريباً ستة أشهر في الثلاثة الأشهر الأولى لم نكن نراه في المنزل بقدر ما يقضي الوقت هناك معهم كان في الصباح ينزل إليهم ويعود في وقت متأخر من الليل في الواحدة صباحاً أو الثانية صباحاً، بعد انقطاع المواصلات فيرسلونه بإحدى سياراتهم، وعهدوا إليه أن يوجههم وأن يعلمهم كيف يسوسون بمعنى كيف يسوسون بالمسائل الداخلية ولم نعرف السبب أنهم اختصوه بالمسائل الداخلية دون الخارجية إلا فيما بعد الخارجية استأثروا بها هم وكانت محوطة بالأسرار يتصرفون فيها دون أن يقولوا لأحد كيف يتصرفون ولا مع من يتصرفون لذلك لم يطلعوه على أمورهم الخارجية لكن فتحوا أمامه كل الملفات الداخلية وطلبوا مشورته في كل الأمور وخصصوا إدارة المعارف التي سميت فيما بعد إدارة التربية والتعليم وكان كمال الدين حسين يجلس جلسة التلميذ يستمع لدروسه ويدون ملاحظاته وفيما بعد جعل كمال الدين حسين للتربية والتعليم من احتكاكه بهم ومن كشف بعض الأوراق أمامه تبين له أن هناك تأثيراً أميركياً قوياً واقعاً عليهم رغم أنهم أخفوا السياسة الخارجية عنه لكن تبين من مجرى الأمور أن لأميركا تأثيراً كبيراً في الحركة كلها من أولها إلى آخرها وفي توجيهها فننبههم إلى ذلك فسارعوا بالنفي وقالوا نحن نستعين بهم لطرد الإنجليز لكن لن يكون لهم نفوذ علينا ولا في بلادنا وكان هذا غير صحيح فهم فعلاً استعانوا بهم لطرد الإنجليز لكن لم يكن في وسعهم أن يطردوا نفوذهم وهم الذين أتوا بهم أصلاً.. في الأشهر الثلاثة الأولى وقعت صدامات بين العسكر وبين جماعة الإخوان المسلمين بعضها مفتعل وبعضها لأسباب فحاول سيد التوفيق بينهم وكانوا يستجيبون له حرصاً على علاقتهم به.
وفي أكثر من مرة اعتذر محمد نجيب للإخوان عن كلمة قالها في حقهم وذهب إلى المركز العام وخطب هناك ولكن تبين لسيد أن هذه الصدامات موجهة للقضاء على التيار الإسلامي فامتنع عن الذهاب إليهم واعتزلهم.
الاعتقال الأول لسيد
دارت الأحداث وتم اعتقال الإخوان ومنهم سيد في يناير 1954م، كان الاعتقال هيناً ليناً.. كان حبس الحرية وكان المقصود بقاء "الإخوان المسلمون" في الحبس إلى أن يموتوا أو يتم الصلح مع إسرائيل وفجأة بعد ثلاثة أيام أي في 25 مارس 1954م خرج الإخوان من السجن بعد ثلاثة أشهر وكان سبب خروجهم أن عبد الناصر مر بأزمة إذ أنه عزل الرئيس محمد نجيب فتعصب له ضباط في الجيش فتحركت فرقة الدبابات وحاصرت فرقة المدفعية "فرقة عبد الناصر" في ثكناتها، وكان الشارع ملك الإخوان المسلمين إذ كانوا يسيطرون عليه 100% فأصبح عبد الناصر محاصراً عسكرياً ومحاصراً شعبياً.
وهناك مثل إنجليزي ترجمته هو تمسكنت حتى تمكنت أو انحنى للعاصفة إلى أن تمر العاصفة وكان أن أخرج الإخوان ليضمن سكوت الشارع ولعب لعبة مسرحية فذهب إلى بيت المرشد قبل أن يصل المرشد إلى البيت واستقبل المرشد في بيت المرشد وقبل يديه وقال له: نحن أخطأنا سامحونا ولن نخطئ مرة أخرى وكان يدبر في نفسه غير ما يقول.
سيد رئيس تحرير مجلة الإخوان المسلمين
في الفترة التي مضت بين هذا الإفراج والاعتقال الثاني.. الإفراج كان في مارس والاعتقال الثاني كان في أكتوبر 6 أشهر ونصف في تلك الأثناء أخرج الإخوان المسلمون مجلة بعنوان الإخوان المسلمون مجلة أسبوعية وكان سيد هو رئيس التحرير وكنت أنا أقوم بترجمة ما يرد للمجلة من أشياء بلغة غير عربية ونشرها وأذكر أن آخر برقية جاءت لنا من رويتر –لم تنشر لأن العدد تم مصادرته في المطبعة وهو العدد الثالث عشر وأغلقت المجلة وكانت البرقية بعنوان: هناك صلح يجري إعداده في الوقت الحاضر بين مصر وإسرائيل أي أن مبادئ الصلح كانت على يد عبد الناصر وكانت مبكرة جداً في عام 1954 ولأسباب كثيرة لم يتم هذا الصلح في ذلك الوقت وظلت المحاولات تترى إلى أن تم الصلح سنة 1978 ولكن اللقاءات السرية والمشاورات كانت قائمة من ذلك الحين.
الاعتقال الثاني للإخوان وسيد(/5)
وفي أكتوبر 1954 اعتقل الإخوان المسلمون بتهمة أنهم كانوا يريدون اغتيال جمال عبد الناصر وهذه القصة لا حقيقة لها وما فكر الإخوان باغتيال عبد الناصر والمرشد رحمه الله فوجئ مفاجأة كاملة بالقصة من أولها إلى آخرها فلا هو أصدر أمراً ولا كان عنده خبر أن هذا يجري فهي مسرحية مفتعلة لا يتسع المجال للحديث عنها لكن افتعلت للقضاء على رؤوس الحركة وكان في القائمة الموضوعة سلفاً تسعة أشخاص من حكم عليهم بالإعدام نفذ في سبعة منهم الحكم ومن العجيب أن في أثناء التحقيق كان القاضي وهو قاضٍ من العسكر كان يسأل الأخ المتهم:
- هل اشتركت في حرب فلسطين؟ وهل اشتركت في حرب السويس.
فإذا كان اشترك فيهما معاً فالعقوبة خمس وعشرون سنة وإذا كان اشترك في حرب فلسطين فالعقوبة خمس عشرة سنة وإذا كان اشترك في حرب السويس فالعقوبة عشر سنوات وكان العقاب لكل من سولت له نفسه بالجهاد لمعنى من المعاني ومطلوب القضاء عليه قلنا كان في القائمة رجلان لم يحكم عليهما بالإعدام سنة 1954 وهما المرشد وسيد وكان ذلك من قدر الله وذلك لظروف فأما المرشد فقد أصيب في السجن بذبحة صدرية فقال لهم عبد الناصر لا تعدموه اتركوه وسيموت من نفسه لو اعدمتموه الإخوان سيصنعون منه شيخاً ويكون شخصاً له قداسة في نفوسهم فتركوه فلم يمت المرشد إلا بعد موت عبد الناصر أما الشخص الثاني فهو سيد وذلك أنه أصيب بنزف رئوي وكان شديداً بحيث أنه كان لا يستطيع الكلام فلم يمثل أمام المحكمة فتم تأجيل المحاكمة لمدة ثلاثة أيام ثم أسبوع ثم أسبوعين ثم وصل التأجيل إلى شهرين حتى شفي من آثار التعذيب بعد تنفيذ الأحكام في السبعة الذين أعدموا قامت مظاهرات كبيرة في عواصم البلاد الإسلامية وأحرقت السفارة المصرية في الخرطوم والسفارة المصرية في إسلام أباد احتجاجاً على أحكام الإعدام التي نفذت في السبعة ورأت الحكومة المصرية أن تصدر تصريحاً تقول فيه أنها لن تنفذ أحكام إعدام مرة أخرى ولما جاء دور سيد كان هذا التصريح حائلاً دون تنفيذ حكم الإعدام في سيد وهذا من تقدير الله سبحانه وتعالى فحكموا عليه بالسجن المؤبد ثم عدل السجن إلى خمس عشرة سنة وقضى في السجن عشر سنوات وفي السجن كتب في ظلال القرآن والكتب الأخرى مثل هذا الدين وخصائص الإسلام والإسلام ومشكلات االحضارة والمعالم كلها كتبت داخل السجن.
بقدر الله خرج الظلال
بقدر رباني أتيحت لسيد فرصة ليكتب داخل السجن وبقدر رباني أتيح للظلال أن يخرج خارج السجن ولولا فضل الله ما كان ليحدث هذا ولا ذاك.
من آثار التعذيب التي استمرت معه وضع في مستشفى السجن ووضع بصفة قائمة فيه وكان معه اثنان من الإخوة مرضى أيضاً وكانت مدة السجن قد قضوها في المستشفى وكان هذان الأخوان يقومان بالرعاية التي كان يمكن أن تقدم له في البيت وأما الرعاية الصحية فكانت أكبر مما كان يمكن أن يتاح له في البيت لأنه أصيب بالذبحة الصدرية مرتين في هذه الأثناء فأسعفه الأطباء خلال عشر دقائق وما كان ليحدث ذلك في البيت ولكن من قدر الله أنه وضع في رعاية ما كان يتصور أن يجد مثلها في البيت.
وفي هذا الجو كتب الظلال وقد كتب سيد ثمانية عشر جزءاً قبل دخول السجن وكتب التاسع عشر إلى الثلاثين ثم الأجزاء المعادة من الجزء 1-12 كتبت في السجن يعني أكمل الطبعة الأولى ثم أخذ يعيد الكتابة وكان في نيته أن يعيد كتابة الأجزاء الثلاثين كلها ولكن قدر الله له أن ينتهي أجله مع الجزء الثالث عشر.
التحول في الطبعة الثانية(/6)
يلاحظ أعداؤه أو الذين لا يستريحون لفكره أن هناك تحولاً حاداً في الطبعة الثانية التي كتبت داخل السجن وخاصة الأجزاء الأولى من البقرة إلى الأنعام إلى الجزء الثاني عشر "سورة يوسف" ويقولون وقد يكونون معتقدين ذلك أن المعاملة السيئة التي لاقاها في السجن هي جعلته يكتب كتابة حادة ونشروا هذه الفكرة عند كثير من الناس ليقولوا لهم لا تقرؤوا كلام سيد على أنه كلام مقصود لذاته أو حقيقة بل هو من أثر التعذيب ولهذا قلت لكم "والكلام للمحاضر" أنه وجد من الرعاية في السجن ما لم يكن يتوقع أن يجده في البيت فليس السبب في التحول الحاد إذا رأيتم أن تسموه كذلك هو سوء الرعاية بل السبب مختلف تماماً السبب هو ما حدث من الجماهير بعد مذبحة خمسة وخمسين والتي ذهب ضحيتها رجال الإخوان في السجون الناصرية وفي سنة ست وخمسين عملت مسرحية بطولة لعبد الناصر وهي تأميم القناة ولا يتسع الحديث لشرح ملابساتها ولكن المهم أن الجماهير صفقت لعبد الناصر واعتبرته بطلها والتفت حوله التفافاً كبيراً جداً ويده تقطر دماً من دماء المسلمين هذا هو الذي أثر في فكر سيد وسأل سؤالاً وأجاب عليه: لو كانت هذه الجماهير تعرف حقيقة لا إله إلا الله ومقتضياتها هل كان يمكن أن تصفق للسفاح هذا التصفيق وتلتف حوله هذا الالتفاف ويده ما تزال تقطر من دم المسلمين؟ السؤال اتضح في ذهنه تماماً والإجابة اتضحت أيضاً في ذهنه تماماً أن هذه الجماهير لا تعرف حقيقة لا إله إلا الله لأنه من سلوكها تبين أن لا إله إلا الله التي تقولها بلسانها غير ذات مدلول عندها وغير ذات مقتضيات ولكن التحول الحقيقي بمعنى أنها في حس الناس هي الإسلام والنطق بلا إله إلا الله هو شهادة الإسلام وبدون العمل بمقتضياتها وأيضاً حتى لو نقضت تظل عالقة بصاحبها ويظل مسلماً وتظل الجنة مضمونة له في جيبه ويقول لا إله إلا الله هذا هو التحول الحقيقي الذي تحول في فكره والأجزاء التي كتبت داخل السجن وخاصة الأجزاء العشرة الأولى المعادة في تركيز شديد جداً على لا إله إلا الله مقتضياتها ونواقضها وفيها أحياناً عبارات حادة ولكن ليست الحدة كما زعم الزاعمون سببها ما لاقاه داخل السجن فإني أكرر أن الرعاية التي لاقاها في السجن كانت غريبة من العجائب ولو كان في البيت ما كان سيلقى هذه الرعاية وليس تأثراً شخصياً إنما هو نتيجة رؤية الواقع الذي مارسته الجماهير بعد المذبحة هو الذي جعله يركز على قضية لا إله إلا الله ويقول أن الدعوة يجب أن تبدأ من هنا وأن كل دعوة أو كل بناء يبنى قبل أن تنجلي هذه القضية هو بناء هش لا يصمد لكيد الجاهلية التي ضغط من كل جانب وتزيف الحقائق من كل جانب وتتدسس إلى عقول الجماهير بكل الوسائل وأنه مالم تتضح هذه القضية لا إله إلا الله مقتضياتها ونواقضها فلن تسير الدعوة مسيرة صحيحة ولن تصل إلى صحيح في النهاية مهما استكثرت أو ألهبت من حماسة الجماهير فإن هذه الحماسة الجماهيرية لا تصمد للكيد ولا تصبر للضغوط لكن القضية هي معرفة لا إله إلا الله ثم التربية على لا إله إلا الله وهذا ما خرج به من فترة السجن.
الإفراج عن سيد
في سنة 1964 أخرج من السجن بقدر رباني، ولم نكن نتوقع أن نلقاه في البيت، فقد أخرج هو وأربعون من السجن، وسبب ذلك: أن عبد الناصر أراد أن يعمل وحدة مع العراق، وكان قد فشل في عمل وحدة مع سورية. سنة 1961، والأردن سنة 1957 فاتجه لعمل وحدة مع العراق، واستضاف عبد السلام عارف ليتباحث معه في الوحدة وقبل سفر عبد السلام عارف إلى مصر التقاه علماء العراق وأخبروه بشأن سجناء الإخوان ومنهم سيد ولا بد أن يخرج الجميع من السجن فقال عبد السلام لعبد الناصر:
- علماء العراق يطالبونني أن أعرض عليك قضية سيد قطب وعن الإخوان بصفة عامة وأنتم أفرجتم عن الشيوعيين بمناسبة خروشوف "رئيس الاتحاد السوفييتي الهالك" - وكان خروشوف قد رفض الحضور لمصر بمناسبة الاحتفال بالسد العالي فاشترط الإفراج عن الشيوعيين فأفرج عنهم عبد الناصر فقال عبد السلام: أنتم أفرجتم عن الشيوعيين من أجل خروتشوف أفلا تفرجون عن المسلمين لأجل خاطري؟
وخشي عبد الناصر إذا لم يجب هذا الطلب فاستجاب عبد الناصر وهو يدبر في نفسه أمراً آخر فخرج سيد مدة سنة من مايو 1964م إلى سبتمر 1965 في هذه الأثناء صدر كتاب معالم في الطريق.. فحين خرج سيد عرض الكتاب على المرشد وقرأه المرشد وقال له:
- لماذا لا تنشر هذا الكتاب؟
فقال سيد: أنا ما كتبته للنشر أنا كتبته للتداول بين الإخوان العاملين.
فقال له المرشد: لكن لو نشرته يعم الخير.
فنشره. قدر الله العجيب في كل خطوة كان له تأثير هذا الكتاب صدر دون أن تقرأه الرقابة في حين كان كل كتاب ينشر خاضعاً للرقابة وما زلت أذكر أن الناشر أخذ أول نسختين من المطبعة الساعة الثانية عشرة مساءً وذهب إلى الرقابة وفي الثانية عشرة وعشر دقائق جاء ومعه تصريح بنشر الكتاب دون أن يقرأ بقدر من الله.
قدر الله ومعالم في الطريق(/7)
كان عبد الناصر كلما ذهب إلى بلد من البلاد الإسلامية يصيح الجمهور الذي يستقبله قائلاً:
- أنت تملى للشيوعيين وتسمح لهم بالكتابة في الصحف ونشر أفكارهم وتحارب الإسلام والفكر الإسلامي.
ويرد عليهم قائلاً: أبداً أنا لا أحارب الإسلام والدليل هو كتاب الظلال لسيد فأنا لا أصادره.
فلما صدر كتاب المعالم أرادت المباحث أن تنفي عن عبد الناصر أنه يحارب الفكر الإسلامي فهذا مفكر إسلامي معروف وهذا الكتاب له وها نحن سمحنا له بالنشر وهكذا كان تدبير الإدارة ولكن ما كان في قدر الله شيء آخر.
فهذا الكتاب عندما نزل إلى السوق وقرأه الشيوعيون قالوا:
هذا الكتاب خطيراً جداً ونتائجه خطيرة جداً كيف سمحتم بنشره ولا يجوز أن يتداول ولا لصاحبه أن يبقى حياً.
وتم الاتصال بالشيوعية الأم وجعلوها تتحرك ضد الكتاب وصاحبه ولهذا أعلن عبد الناصر القبض على الإخوان المسلمين من موسكو.
خطورة هذا الكتاب
هذا الكتاب الذي أزعج الشيوعيين أثار اهتمام المباحث فقرأوه فوجدوا فيه خطورة ومكمن الخطورة فيه أنه كان هناك مخطط للإعداد حصيلته أخرج المسلمين من الإسلام مع إيهامهم دائماً أنهم ما زالوا مسلمين فنحوا الشريعة الإسلامية عن الحكم وقالوا للناس لا بأس عليكم ما دمتم تصلون وتصومون فأنتم مسلمون ولو لم تحكم بشريعة الله ثم سلطوا على الناس من يشغلهم عن الصلاة والصيام وقالوا لهم لا بأس عليكم ما دمتم تقولون لا إله إلا الله فأنتم مسلمون ولو لم تحكموا بشريعة الله ولو لم تصلوا ولو لم تصوموا وهذا هو الوضع الذي كانت الأمة قد انتهت إليه مسلمون بلا إله إلا الله أو بشهادة الميلاد كتاب المعالم يركز على هذه القضية أن الإنسان لا يكون مسلماً بنطق لا إله إلا الله إنما بالنطق بها والعمل بمقتضاها وإذا لم يعمل بمقتضاها فلا تنفعه لا إله إلا الله ولا تحسب له عند الله فضلاً عن واقع الأرض الذي لا يمكن أن يتغير ولا يمكن أن يخضع للمنهج الرباني إذا كانت لا إله إلا الله منطوقة باللسان فحسب لا لها مقتضى ولا يعمل بمقتضياتها ومعناها هذا إيقاظ الأمة مرة أخرى إلى حقيقة الإسلام التي نسيتها بمعنى إعادة الأمة إلى حقيقة الإسلام وهذا هو ما يخشاه أعداء الإسلام وقد أحسوا بالفعل بخطورة الكتاب.
خطورة كل تنبيه أن الواقع الموجود واقع غير إسلامي وأنه لا يكون إسلامياً بمجرد النطق باللسان إنما العمل بمقتضى لا إله إلا الله هذه الدعوة يراها الأعداء أخطر شيء ممكن أن يحدث في صفوف الأمة لأنه حين يصحو الإسلام تصحو حاسة الجهاد عند المسلمين فلا يستطيع الأعداء أن يستقروا داخل العالم الإسلامي وإحساسهم بالخطورة من معرفتهم بهذا الدين قال تعالى:
"الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم".
يعرفونه جيداً أكثر من كثير من المسلمين الذين صار الإسلام غريباً في وسطهم كما أخبر عليه الصلاة والسلام:
"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ".
اتفق الجميع على قتل سيد..
المهم قد اتفقت الجهات كلها: المباحث في مصر والشيوعيون المصريون والشيوعية العالمية على خطورة هذا الكتاب وعلى ضرورة القضاء على الكتاب وعلى صاحبه فدبرت قضية 1965 وكانت الأحكام صادرة سلفاً بمعنى أن القضية صنعت وليس هذا مجال حديث تفصيلي والذي بلغنا أن عبد الناصر اجتمع مع أجهزة المخابرات وأجهزة الجيش والمباحث وقال:
"مين فيكم يعمل لنا قضية للإخوان وسيد قطب لأننا عيزين نعملهم قضية".
فشمس بدران وقتها القائم بالمخابرات العسكرية قال:
خلي دي علي أنا يا ريس أنا لعمل قضية.
طبعاً القضية رسمياً محاولة اغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم ومما ذكره سيد في مرافعته عن نفسه قال:
- هذا غير صحيح ولو كنا نريد قتل عبد الناصر فقد كان في الحرس الخاص لعبد الناصر واحد من الإخوان المسلمين وكان في إمكانه وهو حرس خاص "ملاصق" أن يقتل عبد الناصر ولكن لم يكن في فكرنا أن نغتال جمال عبد الناصر.
- وكانت الأحكام معدة سلفاً أياً كانت أقوال ما يسمونه بالمتهمين.
عبد الناصر يصادق على حكم إعدام سيد(/8)
وصدر الحكم بالإعدام على عشرة ولكن عبد الناصر صدق على ثلاثة فقط والسبعة الآخرون حكم عليهم بالسجن المؤبد ثم خرجوا وحدد موعد التنفيذ بعد صدور الأحكام بأسبوع وفي ذلك الأسبوع حدث تحرك لا أدري من صاحبه وليس لدي تفاصيله وأسبابه هل هو موحى به من أعلى أم هو تصرف ذاتي وأغلب الظن أنه موحى به من أعلى جاء مدير السجن الحربي حمزة البسيوني ومشرف التعذيب وكانت شقيقتي الصغرى من المعتقلين في السجن الحربي وممن نالهم ما نالهم من المعاملة غير الكريمة التي كنا نعامل بها في السجن الحربي فجاء لها مدير السجن فجأة وقال لها إنه قد صدر الحكم في سيد قطب بالإعدام وهذا عالم كبير ستخسره الأمة ولا بد أن نحول دون تنفيذ الحكم "والريس" مستعد أن يصدر عفواً عنه بل أن يسقط القضية كلها بشرط أن يعتذر له عن الذي حدث وعليك أنت أن تقنعيه وسنتيح لكما الالتقاء لمدة ساعة، كلميه في هذا الموضوع ليعتذر وبمجرد أن يكتب الاعتذار "الريس" يسقط القضية كلها فذهبت إليه لأنه أمر ولا بد أن تنفذه وجلست معه الساعة الأخيرة من حياته.
وقال له: مطلوب مني أن أبلغك بأنك إذا اعتذرت لجمال عبد الناصر فسيفرج عنك وسيسقط القضية.
فقال لها: وما رأيك أنت؟ هل أنت موافقة؟.
قالت: لا. لكن هكذا طلب مني وأنا أبلغك ما طلب مني.
وقال لها: لو كنت مخطئاً لاعتذرت ولكن أدعو للا إله إلا الله ولم ارتكب خطأً بدعوتي للا إله إلا الله واليمين التي تشهد أنه لا إله إلا الله لا تخط هذا الزور وتعتذر عن قول لا إله إلا الله.
فخرجت بعد لقاء الساعة وقالت لمدير السجن:
- أنا بلغته وهو رفض الاعتذار.
فقال: إذن سينفذ الحكم.
ورحل هذا الجبل الشامخ
وفي فجر اليوم التالي نفذ الحكم.
هذه هي القصة كلها من أولها إلى آخرها وأكررها أنني لا أحب أن أخوض في هذا الحديث ولكنكم تكرهونني عليه وقد استجبت لكم.
وفي نهاية المحاضرة القيمة ترك المجال لطرح الأسئلة التي توالت على المحاضر فرد عليها جميعها وقدم نصيحة لأبنائه الطلاب بأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا على الحق واختتم المجلس بحمد الله وبمعانقة الطلاب لأستاذهم الفاض(/9)
محمد ناصر الدين الألباني محدث العصر.. وناصر السنة
بقلم: المستشار عبدالله (*
*
محمد ناصرالدين الألباني
محمد ناصرالدين الألباني
(1332 1420ه 1914 1999م)
هو الشيخ المحدث محمد ناصر الدين بن نوح الألباني، ولد في مدنة "أشقودرة" في ألبانيا.
نشأ في أسرة فقيرة متدينة، وهاجر مع أبيه إلى دمشق الشام فراراً من حكم الطاغية "أحمد زوغو" الذي اقتفى أثر الماسوني "أتاتورك" في تغريب البلاد، ومحاربة الإسلام والتبعية للغرب، وإلغاء الحجاب الإسلامي، وغير ذلك، وكان عمر الألباني حين هجرته مع أبيه تسع سنوات، فدرس في المدارس الابتدائية بدمشق، واهتم والده بتحفيظه القرآن الكريم وتجويده، وعلمه النحو والصرف والفقه الحنفي، كما درس على يد الشيخ محمد سعيد البرهاني والشيخ محمد بهجت البيطار.
ثم توجه بعد ذلك إلى طلب علم الحديث رواية ودراية وعمره عشرون عاماً، وقد أجازه الشيخ محمد راغب الطباخ بمروياته يوم أجاز صاحبيه الشيخ زهير الشاويش بواسطة الأستاذ محمد المبارك سنة 1946م، كما تعلم الألباني مهنة إصلاح الساعات على والده، بحيث يوفر لعائلته القوت الضروري ويصرف بقية الوقت في طلب العلم وتحصيل المعارف.
وقد تعرّض الشيخ الألباني لخصومات من بعض المشايخ الذين رأوا في انصرافه إلى علم الحديث ومعرفة الدليل وعزوفه عن الالتزام بالمذهب خروجاً على المألوف، فاتهموه بالوهابية ومحاربة المذاهب، وكتبوا العرائض ضده، وهاجموه على المنابر، غير أن كل ذلك لم يفت في عضده، ولم يمنعه من الاستمرار في نهجه بالاستدلال بالحديث الصحيح والحسن، وترك ما عداهما، وأخذ الحكم المعزز بالدليل من الكتاب والسنة، وظل يعقد الدروس لقراءة الحديث وشروحه وأسانيده في بيوت إخوانه مثل عبدالرحمن الألباني ونديم ظبيان، وزهير الشاويش، ونسيب الرفاعي.. بعد أن منعوه من المساجد، ولم يقتصر الأمر على مدينة دمشق وحدها بل منعوه حتى من إلقاء الدروس في مساجد حلب واللاذقية وغيرهما، وكان بعض محبيه وتلامذته يأخذون عليه الشدة في الأسلوب التي قد تبلغ حد العنف أحياناً، وكانوا يتمنون له الحلم والأناة، وطول النفس، وسعة الصدر مع المخالفين، لأن هذا هو سمت العلماء. والكلمة الطيبة مقرونة بالابتسامة الرضية أنجح الوسائل في كسر شوكة المكابرين.
والشيخ الألباني تزوج أربع نساء، ماتت الأولى منهن، وطلق الثانية، وخالعته الثالثة، وبقيت عنده واحدة والتي مات عنها وكنيتها "أم الفضل"، وليس له منها ولد، وأولاده الذكور هم: عبدالرحمن، وعبداللطيف، وعبدالرزاق، وعبدالمصوِّر، وعبد المهيمن، وعبدالأعلى، ومحمد. ويقول رحمه الله إن ابنه الرابع "عبدالمصوِّر" لم يسبقه أحد إلى التسمية بهذا الاسم.
منهجه في الدعوة
يقول الشيخ الألباني في تلخيص منهجه في الدعوة: إن دعوته تقوم على:
1 الرجوع إلى الكتاب والسنة الصحيحة وفهمهما على النهج الذي كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم.
2 تعريف المسلمين بدينهم الحق ودعوتهم إلى العمل بتعاليمه وأحكامه، والتحلي بفضائله وآدابه التي تكفل لهم رضوان الله وتحقق لهم السعادة والمجد.
3 تحذير المسلمين من الشرك على اختلاف مظاهره من البدع والأفكار الدخيلة والأحاديث المنكرة والموضوعة التي شوهت جمال الإسلام وحالت دون تقدم المسلمين.
4 إحياء التفكير الإسلامي الحر في حدود القواعد الإسلامية، وإزالة الجمود الفكري الذي ران على عقول كثير من المسلمين، وأبعدهم عن منهل الإسلام الصافي.
5 السعي نحو استئناف حياة إسلامية، وإنشاء مجتمع إسلامي وتطبيق حكم الله في الأرض.
6 تقديم حلول إسلامية "واقعية" للمشكلات العصرية الراهنة.
رحلاته الدعوية
للشيخ الألباني سفرات ورحلات في داخل القطر السوري وخارجه، وقد زار معظم المدن السورية مثل: حلب، وأدلب، واللاذقية، وحماة، وحمص، والجزيرة، وغيرها. كما قام برحلات خارج القطر شملت الأردن ولبنان والكويت والإمارات وقطر والسعودية وفلسطين ومصر والمغرب إسبانيا وغيرها. وكان في كل هذه الرحلات يعقد الندوات، ويلقي الدروس والمحاضرات، ويجيب عن الأسئلة والاستفسارات، ويصدر الفتاوى والأجوبة مسموعة ومكتوبة ومسجلة على الأشرطة، كما يجيب عن الرسائل الواردة من أنحاء العالم، وكذا الاتصالات الهاتفية.
وقد وفقه الله تعالى للصلاة في المسجد الأقصى، كما انتُدب للتدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من بداية سنة 1381ه إلى نهاية 1383ه، كما حضر مؤتمر الطلبة المسلمين بغرناطة بإسبانيا سنة 1392ه مع الشيخ زهير الشاويش..(/1)
وكان في كل دراساته وإصداراته حريصاً على المشروع العلمي الذي نذر حياته من أجله وهو تقريب السنة بين يدي الأمة، وقد قطع فيه مراحل واسعة وأثمر ثماراً طيبة، وأصبح كثير من الدعاة والعاملين في الحقل الإسلامي يهتمون بهذا الأمر ويلتزمون به، وهذا من بركات جهوده وعمله في السنة. ولقد وفق الله الشيخ الألباني لإحياء كثير من السنن التي هجرها الناس ومنها: صلاة العيدين في المصلى، وليس في المساجد بالتعاون مع الإخوان المسلمين في منطقة الميدان بدمشق، ثم في بيروت، وبعد ذلك شاعت في البلاد سنة العقيقة للمولود وسنة قيام الليل في رمضان، بإحدى عشرة ركعة فقط، وسنة خطبة الحاجة واستهلال خطبة الجمعة، وسنة جلباب المرأة، والتحذير من بناء المساجد على القبور، والصلاة فيها، كما كان للشيخ الألباني الباع الطويل في توجيه كثير من الشباب للعناية ببحوث السنة وتطويع الأجهزة الحديثة والمبتكرات العلمية الجديدة لخدمة السنة النبوية الشريفة وتيسيرها للناس.
روايات
يروى أن الشيخ الألباني دخل على واحد يزعم أنه يحضر الأرواح، وطلب منه أن يحضر روح الإمام البخاري ليسأله بعض الأسئلة. فقال المشعوذ الدجال: اليوم انتهيت من الأرواح، تعال لي يوم الإثنين. ولما ذهب إليه الألباني لم يجده، بل هرب إلى مكان مجهول!
ويروى أنه صام عن الطعام أربعين يوماً مقتصراً على الماء فقط، وذلك لعلاج أمراض كان يشكو منها وقد شفاه الله من بعضها.
من أقواله
قال الألباني: "لو لم يكن للشيخ حسن البنا رحمه الله من الفضل على الشباب المسلم سوى أنه أخرجهم من دور الملاهي والسينما والمقاهي وجمعهم على دعوة الإخوان المسلمين لكفاه فضلاً وشرفاً".
ومن أقواله: "أنا أعلّم ولا أربّي".
ومن أقواله: "إن نعم الله عليَّ كثيرة لا أحصي لها عداً، ولعل من أهمها اثنتين: هجرة والدي إلى الشام ثم تعليمه إياي مهنته في إصلاح الساعات، أما الأولى فقد يسَّرت لي تعلم العربية، ولو ظللنا في ألبانيا لما توقعت أن أتعلم منها حرفاً، ولا سبيل إلى كتاب الله وسنة رسوله {، إلا عن طريق العربية. وأما الثانية وهي تعلم مهنة الساعات فقد قيضت لي فراغاً من الوقت أملؤه بطلب العلم، وأتاحت لي فرصة التردد على المكتبة الظاهرية وغيرها ساعات طويلة كل يوم.
وأول ما ولعت بمطالعته من الكتب القصص العربية، كالظاهر، وعنترة، والملك سيف، وما إليها، ثم القصص البوليسية المترجمة ك"آرسن لوبين" وغيرها، ثم وجدت نزوعاً إلى القراءات التاريخية، وذات يوم لاحظت بين الكتب المعروضة لدى الباعة جزءاً من مجلة المنار فاشتريته ووقعت فيه على بحث بقلم السيد محمد رشيد رضا، يصف فيه كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، ويشير إلى محاسنه ومآخذه، ولأول مرة أواجه مثل هذا النقد العلمي، فاجتذبني ذلك إلى مطالعة الجزء كله، ثم أمضي لاتباع موضوع "الإحياء في الأحياء" وفي الطبعة التي تحتوي على تخريج الحافظ العراقي ورأيتني أسعى لاستئجاره لأنني لا أملك ثمنه، ومن ثم أقبلت على قراءة الكتاب، فاستهواني ذلك التخريج الدقيق حتى صممت على نسخه أو تلخيصه بعدما خططت في ذهني صوراً لنسخ التخريج الذي هو مطبوع على هامش "الإحياء". بدأت أنسخ الأحاديث ووضعت خطة هذه منها قائلاً: "إن العبد لينشر له من الثناء من بين المشرق المغرب وما يزن عند الله جناح بعوضة". هكذا ورد في "الإحياء" يقول الحافظ العراقي. وقد نقلته منه ولكني لم أجده هكذا، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة" انتهى كلام العراقي.
ولكن أنا ماذا فعلت؟ وضعت شرطة وأتممت الحديث من الصحيحين، واصطلحت على هذا، حتى ما أنسب إلى الحافظ العراقي شيئاً ليس له، اصطلحت الزيادة التي أنقلها من الأصل الذي عزا الحديث إليه أضعه بين شرطتين، وهكذا وأحسب أن هذا المجهود الذي بذلته في دراستي تلك هو الذي شجعني وحبب إلي المضي في الطريق".
ومن أقواله: "قدَّر عليَّ أن أسجن سنة 1389ه 1969م مع عدد من العلماء من غير جريرة اقترفناها سوى الدعوة إلى الإسلام وتعليمه للناس، فأُساق إلى سجن القلعة وغيره في دمشق ثم أُفرج عني بعد مدة لأساق مرة ثانية وأُنفى إلى الجزيرة لأقضي في سجنها بضعة أشهر أحتسبها في سبيل الله عز وجل".
وقد هاجرت بنفسي وأهلي من دمشق الشام إلى عمان بالأردن أول شهر رمضان سنة 1400ه، ثم في 19 شوال سنة 1401ه، اضطررت اضطراراً لا خيار لي فيه مطلقاً للسفر إلى دمشق ثم إلى بيروت فوصلت إلى بيروت في الثلث الأول من الليل قاصداً دار أخ قديم وصديق وفي حميم هو زهير الشاويش، فاستقبلني بلطفه وأدبه وكرمه المعروف، وأنزلني عنده ضيفاً معززاً مكرماً جزاه الله خيراً، فاهتبلت فرصة هذه الغربة الطارئة بالدراسة والمطالعة في مكتبته العامرة الزاخرة بالكتب المطبوعة منها والمخطوطة النادرة وفيها أكثر المصادر التي تلزمني وكثير مما ليس في مكتبتي بدمشق".
قالوا عنه:(/2)
يقول الشيخ محمد المجذوب مادحاً إياه:
قالوا ألا كلمة في الشيخ تنصفه
فقد طغى الجور حتى في الموازين
شُنت عليه حروب لا يسوغها
عقل يرى الحق في ظل البراهين
فقلت: فوق ثنائي ما يبلغه
محمد الشام عن خير النبيين
ورده الجيل للوحي الجليل يد
ما إن يكابر فيها غير مفتون
وحسبه أنه هز العقول وقد
باتت من الحَجر والتقليد في هون
فأصبح ذات وعي ليس يعجزه
التمييز ما بين مفروض ومسنون
والدين سر من الرحمن بيَّنه
رسوله وسواه محض تخمين
والجامدون حيارى ليس في يدهم
إلا رواية مجروح لموهون
فما عسى أن يقول الشعر في رجل
يدعوه حتى عداه ناصر الدين
وأي ضير إذا فرد تجاهله
وقد فشى فضله بين الملايين؟
ويقول عنه الشيخ محمد صالح المنجد: "إذا أردنا أن نلخص حياة الألباني بكلمة أو أن نصفه بكلمة فإنك تعرف مع الألباني الجلد، فالجلَد هو خلاصة حياته، وللشيخ الألباني شيء من الحدة، وبعض الشباب مع الأسف يقرؤون للألباني ويأخذون شيئاً من حدته وليس لديهم علم الشيخ".
ويقول عنه الشيخ محمد إبراهيم شقرة: "وأجاء الله قدره إلى الروح القوية التي ظلت زهاء ستة عقود تحتضن لواء السنة في عزيمة لا تعرف التردد، وصبر لا يعرف الضجر وإقدام لا يعرف النكوص ودأب موصول لا يعرف الوهن وسهر عميت الطرائق على الاجتهاد إليه ودقة صبور تقاصر عنها الهمم وأمانة واعية أذكرت أهل العلم بما يجب عليهم من حقوقها، واستقصاء أحاط علماً بكل ما ند من قواعدها وخفي من أصولها وشغف ظل مشبوباً به قلبه حتى سقط القلم من بين أصابعه، واستحضار للنصوص والآثار والسنن والبلاغات بأحكامها وعزوها إلى مظانها والتآليف بينها والناسخ والمنسوخ منها والاستنباطات الفقهية الحسنة.. إلى غير ذلك من علوم السنة التي وضع لها خده وعشقها قلبه وأناخ على صدره منه همها واستوى عليها سوقها وأصاب كل طالب علم محب للسنة ما قدر عليه من ثمرها".
ويقول المؤرخ الرحالة السعودي والنسابة الشهير حمد الجاسر: "ولقد عرفت في دمشق عدداً من أجلة المعنيين بتحقيق التراث كما عرفت الشيخ ناصر الدين الألباني بكثرة ترددي على "دار الكتب الظاهرية" إذ كان يعد من أحلاسها، وقد كتب كثيراً من فهارسها ونقب عن نوادر مخطوطاتها وفي الوقت نفسه كان يعمل في إصلاح الساعات".
وقال عنه الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز: "الألباني مجدد هذا العصر في علوم الحديث".
وقال عنه الشيخ محمد صالح العثيمين: "إن الألباني ذو علم جم في الحديث دراية ورواية وهو محدث العصر".
وقال العلامة المحقق محب الدين الخطيب: "إن الألباني من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها".
وقال عنه الأديب العلامة علي الطنطاوي: "الشيخ ناصر الدين الألباني أعلم مني بعلوم الحديث، وأنا أحترمه لجده ونشاطه وكثرة تصانيفه التي يطبعها له أخي وولدي النابغة زهير الشاويش، وأنا أرجع إلى الشيخ ناصر في مسائل الحديث ولا أستنكف أن أسأله عنها معترفاً بفضله، وأنكر عليه إذا تفقه فخالف ما عليه الجمهور لأنه ليس بفقيه".
وقال عنه الدكتور محمد لطفي الصباغ: "ثم ظهر في كل قطر من يسير على طريقة الألباني، وكان بعضهم أهلاً لهذا وكثير منهم لم يكن كذلك، بل تسرع وتعجل قبل أن يستكمل الآلة".
وقال عنه الشيخ إبراهيم محمد العلي: "يؤخذ على الشيخ الحدة الشديدة التي كان يواجه بها المخالفين له من العلماء القدامى والمحدثين، مما زاد من خصومه، ولذلك يحتاج القارئ في أخذ المسائل التي رد فيها على أهل العلم وردوا عليه لى الوعي والبصيرة والحذر لأن الشيخ يخطئ ويصيب كسائر أهل العلم، كما أن تعامله مع التيار الحركي الإسلامي "الجماعات الإسلامية" كان فيه الكثير من الجفاء والغلظة الأحكام القاسية بحقها".
من تلاميذه
إن تلامذة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في العالم العربي والإسلامي كثير عددهم لا أستطيع ذكرهم في هذه العجالة ولكني أذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر ومنهم: ناصر الترماني، نافع الشامي، عبدالرحمن ألباني، زهير الشاويش، عبدالرحمن النحلاوي، محمد نسيب الرفاعي، محمد عيد العباسي، خير الدين وانلي، راتب حموش، محمود مهدي الاستانبولي، محمد إبراهيم شقرة، علي خشان، محمود الجزائري، عبدالله السبت، حسين العوايشة، علي الحلبي، مشهور حسن، محمد موسى نصر، صفوت نور الدين، عصام موسى هادي، محمد إبراهيم الشيباني، عبدالرحمن عبدالخالق، عمر الأشقر، محمد هاشم الهدية، حمدي السلفي، وغيرهم كثير في العالم العربي والإسلامي الذين استفادوا من الشيخ الألباني مثل الشيخ محمد المجذوب ورضا نعسان الحموي، وعبدالقادر أرناؤوط، وشعيب أرناؤوط، وعصام العطار، وغيرهم.
معرفتي به(/3)
كنت من قراء مجلة "التمدن الإسلامي" الصادرة من دمشق لصاحبها أحمد مظهر العظمة ومحمد كمال الخطيب، ولاحظت مقالات الشيخ الألباني لأول مرة تحت عنوان سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأكبرت هذا الجهد المضني في التحقيق للأحاديث والنظر في الروايات والرجال. ثم التقيته بالمكتب بالإسلامي بدمشق لصاحبه الأخ زهير الشاويش أوائل الستينات حيث كان يشرف على الكتب التي كانت تطبع بالمكتب الإسلامي على نفقة أمير قطر الأسبق الشيخ علي آل ثاني، وقد حدثني الأخ زهير الشاويش عن الألباني وأثنى على كفاءته العلمية والحديثية وأخبرني بأنه يعمل معه في العناية بأحاديث كتب الحنابلة، وإشاعة توزيعها بعد تحقيقها وطباعتها. كما وفقنا الله لطباعة "مختصر صحيح مسلم" في سلسلة التراث بوزارة الأوقاف الكويتية وهو من تحقيق الألباني.
ثم كانت لقاءاتي بالألباني في المدينة المنورة حيث كنت عضواً بالمجلس الأعلى الاستشاري للجامعة الإسلامية لمدة خمس سنوات، ومما أذكره جيداً لقائي به مع الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالرحمن الدوسري على طعام الغداء عند أحد إخواننا في المدينة المنورة، حيث جرى بعد الغداء حوار طويل ومساجلة بين الشيخين ابن الباز والألباني عن بعض الأحاديث ورواتها وكانت محاورة علمية في منتهى الروعة؛ حيث كان الشيخان المتساجلان على درجة عالية من الكفاءة العلمية والمقدرة الفائقة في الحوار والمناظرة وقوة الحجة لدى الطرفين معاً. وكنت قبل هذه المناظرة العلمية بينهما أظن أن الشيخ ابن باز فقيه متمكن في الفقه فقط، ولم أكن أتصور أنه على هذه الدرجة العالية والاطلاع الواسع في علم الحديث رواية ودراية، فقد تبين لي أن الشيخ ابن باز والشيخ الألباني كلاهما فارس من فرسان ميدان الحديث يتباريان بقوة الدليل والبرهان وليس أحدهما بأقل معرفة من الآخر في هذا المجال.
ثم تكررت لقاءاتي بالشيخ الألباني في مكة المكرمة حين مجيئه إلى الحج أو العمرة وكذلك في الأردن. وكانت آخر زياراتي له بصحبة الأخ عبدالله علي المطوع، والأخ محمد إبراهيم شقرة، والأخ عبدالعزيز أسعد، حيث زرناه في بيته بعمان فرحب بنا وسر بزيارتنا وجرت بيننا وبينه أحاديث كثيرة عن أحوال الأمة الإسلامية وطلبة العلم والدعاة إلى الله وضرورة التعاون فيما بينهم واجتماع كلمتهم لمواجهة الهجمة الشرسة على الإسلام كدين وعلى المسلمين كأمة، فلا يصح بحال أن يجتمع الكفر العالمي كله لحرب الإسلام ويتفرق المسلمون في مواجهته أو ينشغلوا عن التصدي له بالخلافات وتشتت الجهود فيما بينهم، بينما العدو يتربص بالمسلمين الدوائر ويدبر المكائد والمؤامرات لتفريق كلمة المسلمين وزرع الخلافات فيما بينهم، مع أن الخير موجود في أمة محمد { في كل عصر ومصر والواجب على كبار العلماء والدعاة الانتصاب لمهمة توحيد الأمة وجمعها على كلمة سواء، مستهدين بكتاب الله وسنة رسوله {، وهذا هو السبيل للخروج من هذالمأزق.
من مؤلفاته
للشيخ الألباني أكثر من مائتي كتاب ما بين تأليف وتحقيق، ونورد فيما يلي بعضها:
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها.
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة.
تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد.
حجة النبي { كما رواها جابر.
جلباب المرأة المسلمة وحجابها.
نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق.
منزلة السنة في الإسلام.
وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة.
فهرس المخطوطات بعلم الحديث بالمكتبة الظاهرية بدمشق.
صحيح الجامع الصغير وزياداته بترتيب الشيخ زهير الشاويش.
ضعيف الجامع الصغير وزياداته.
مشكاة المصابيح، بمساعدة الشيخ محمد الصباغ والشيخ عبدالقادر أرناؤوط.
شرح العقيدة الطحاوية "تخريج أحاديثها".
مختصر صحيح مسلم للمنذري.
صحيح ابن خزيمة "بالاشتراك مع الأعظمي".
مختصر صحيح البخاري.
الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب.
الروض النضير في ترتيب معجم الطبراني الصغير.
آداب الزفاف في السنة المطهرة.
الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة الجامعة السورية.
أحاديث الإسراء والمعراج.
تخريج أحادث "مشكلة الفقر" للقرضاوي.
أحكام الجنائز.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث "منار السبيل".
تحريم آلات الطرب.
خطبة الحاجة.
قيام رمضان.
صحيح سنن ابن ماجه، بترتيب الشيخ زهير الشاويش وطبع مكتب التربية لدول الخليج.
صحيح سنن أبي داود.
صحيح سنن الترمذي.
صحيح سنن النسائي.
صحيح الكلم الطيب.
صلاة التراويح.
صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة.
ضعيف الأدب المفرد.
ضعيف الترغيب والترهيب.
ضعيف سنن ابن ماجه.. بترتيب الشيخ زهير الشاويش.
مساجلة علمية.. مع أخيه الشيخ زهير الشاويش.
تحقيق معنى السنة مع مجموعة.
كلمة الإخلاص، مع الشيخ زهير الشاويش.
إزالة الدهش عن ماء زمزم، مع الشيخ زهير الشاويش.(/4)
وقد استمر الشيخ الألباني يعمل في المكتب الإسلامي مع أخيه الشيخ زهير الشاويش قرابة الأربعين سنة. ثم شجر بينهما خلاف وتدخل الكثيرون لإصلاح ذات البين.
وفاته
كانت وفاة الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في يوم السبت الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخر لسنة 1420ه الموافق 1-10-1999م بعد صلاة العصر عن عمر يناهز الثامنة والثمانين في مدينة عمان بالأردن، وقد صلى عليه الشيخ محمد إبراهيم شقرة ودفن في مقبرة حي هملان في ماركا الجنوبية بعمّان، وكان عدد المشيعين قريباً من الألفين رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. والحمد لله رب العالمين.
وصيته
أوصي بمكتبتي كلها سواء ما كان منها مطبوعاً أو تصويراً أو مخطوطاً بخطي أو بخط غيري لمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب والسنة على منهج السلف الصالح يوم كنت مدرساً فيها، راجياً من الله أن ينفع بها روادها كما نفع بصاحبها يومئذ طلابها، وأن ينفعني بهم وبإخلاصي ودعواتهم رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى" والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين (15) (الأحقاف).
الفقير إلى رحمة ربه:
محمد ناصر الدين الألبان(/5)
محمد نبي الرحمة ورجل المحبة والسلام ...
سوف نتحدث في هذا المقال عن شخصية النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- باعتباره القدوة الحسنة المرتضاة من الله تعالى لكافة البشر، هذه الشخصية التي تكلم عنها بعض وسائل الإعلام العالمية بما لا يليق بها، في حين أننا نلاحظ أنه يُطبّل لأناس لا يتوفر فيهم معشار جزء من خلقه فهو صلوات الله وسلامه عليه،جمع الفضائل كلها،والمكارم جميعها،والمحامد بأكملها،إليه ينتهي الخير،وفيه تأصل البر،وعلي يديه فاض النور وأشرقت الهداية، وبه أنقذ الله البشرية، وأخرجها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها،ومن جور الطواغيت إلى عدل الإسلام.
ومن أجل ذلك كانت سيرته من أجمل السير،وصفاته من أنبل الصفات، وأخلاقه من أعظم الأخلاق، وحياته من أروع الحياة وأوفاها وأشملها.
نعم إن التاريخ الإنساني على وجه الأرض لم يعرف عظيما من العظماء ولا زعيما من الزعماء ولا مصلحا من المصلحين استوعب في صفاته الذاتية والعقلية والنفسية والخلقية والدينية والروحية والاجتماعية والإدارية والعسكرية والتربوية ما استوعبه شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما اختصه الله به من الكمالات التي تشرق في كل جانب من جوانبها وتضيء في كل لمحة من لمحاتها، حتى استحق أن يصفه الله عزوجل بالنور في مثل قوله تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)(المائدة 15).
ولا عجب في ذلك، فقد أرسله الله للناس كافة، قدوة صالحة لهم،ورحمة للعالمين. وهو القائل عن نفسه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).(الموطأ).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن بعثه الله عزوجل للناس نبيا ورسولا كانت حياته صورة صادقة للدين الذي جاء به من عند الله، وما أجمل ما وصفته عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عنه، فقالت (كان خلقه القرآن).
أي أنه كان قرآنا حيا متحركا ملتزما بأحكامه ، عاملا بتوجيهاته، متبعا لهديه،ومنتهيا عند نهيه،يدعو إلى نوره، ويحتكم إلى شريعته،من أجل ذلك قال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)(الأحزاب 21).
فهو القدوة إلى الخير والأسوة بين الناس إلى رضوان الله.
وأيما دعوة من الدعوات، لا يتأتى لها النجاح والانتشار ما لم يكن لها من أصاحبها والداعين إليها قدوات صالحة في التطبيق العملي لتلك الدعوة في أخلاقهم وسلوكهم ومواقفهم في الحياة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك فقد صنعه الله على عينه، وأدبه فأحسن تأديبه، وأعده لحمل رسالته وتبليغ دعوته وإخلاص العبودية لرب العالمين قال سبحانه: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)(القلم 4).
وسيرته صلى الله عليه وسلم العطرة سجل حافل بالمآثر مليء بالمكرمات، مفعم بالفضائل، إنه كنز المواعظ والعبر،ومدخر الدروس التي تنبض بالنور،ترشد إلى الخير،وتوقظ الهمم، وتشحذ العزائم،وتذكي الإيمان، وترسم الطريق إلى مرضاة الله، وتضع المعالم أمام الدعاة والمصلحين،وتجسم القيم العليا والمبادئ الرفيعة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم،واقعا محسوسا،وحياة كريمة فاضلة.
فما نقرأه عما ينشر عنه في العالم الآخر من معلومات مغلوطة وكاذبة وذلك باتهامه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - بأنه رجل حرب ونهب وسلب، وأنه كان غليظ القلب، وأن الدين الذي جاء به دين العنف والرهبة والقتال، وصار بعض الرموز عندهم يُنعتون بأنهم رجال المحبة والرحمة والسلام، وتناسى الناس في زحمة الكذب الإعلامي والتزوير في الحقائق التاريخية والدينية والثقافية شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الشخصية التي نالت القدر الأوفى من كل الشمائل والخصال النبيلة، والقيم الإنسانية العليا.
لقد كان ميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- إيذاناً ببدء ثورة شاملة، حررت الإنسان والزمان والمكان، ورفعت عنها إصر عبوديات وأغلال كثيرة كانت تعيق انطلاقها جميعاً، فأخذ الإنسان حريته بيده، وصاغ هوية زمانه ومكانه صياغة جديدة، فجرت عناصر الخير في كل شيء، كان احتجاجاً قبلياً على كل عناصر الخير، فوقف الإنسان على ربوة التاريخ يسدّد خطواته نحو الأشرف والأفضل، ووقف المكان ليُلهم ويحتضن وينبت الأروع والأنصع، ووقف الزمان ليفسح ويتيح للأكمل والأشمل!
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسّم وثناء(/1)
ولقد شكلت شخصية محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الرجل الذي اكتملت فيه كل الأخلاق الحميدة، وانتفت منه كل الأخلاق الذميمة، ولذلك خاطبنا الله بقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). والمطّلع على سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- يدرك أنها كانت حقيقة تاريخية لا تجد الإنسانية غيره قدوة حسنة تقتدي بها، وهي تتلمس طريقها نحو عالم أكمل وأمثل، وحياة فُضلى، ومن الطبيعي ألا تجد الإنسانية مثلها الأعلى في شخصيات وهمية، وإلا فهي تضلّ طريقها المستقيم وتسير مقتدية بالخيال والأوهام، فمن حقنا إذاً أن نتخذ من سيرة النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- نموذجاً لسلوكنا في حياتنا.
وحياة محمد -صلى الله عليه وسلم- تكشف أمامنا المثلى الأعلى في جميع أحوال الحياة؛ في السلم والحرب، في الحياة الزوجية، مع الأهل والأصحاب، في الإدارة والرئاسة والحكم والسياسة، في البلاغ والبيان، بل في كل أوجه الحياة. فمحمد -صلى الله عليه وسلم- هو المثل الكامل.
ولن تجد الإنسانية في غيره مثلاً حياً لها؛ فسيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- حقيقة تاريخية، يصدّقها التاريخ الصحيح ولا يتنكر لها، وهي سيرة جامعة محيطة بجميع أطوار الحياة وأحوالها وشؤونها، وهي سيرة متسلسلة لا تنقص شيئاً من حلقات الحياة، وهي أيضاً سيرة عملية قابلة للتطبيق، ذلك أن ما كان يدعو إليه محمد -صلى الله عليه وسلم- في القرآن والحديث كان يحققه بسيرته أولاً، وهذا ما شهد به معاصروه، فقالت عائشة -رضي الله عنها- وقد سئلت عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن».
فهو قدوة الرجال وحبيب الله ورحمة العالمين وأساس سلم العالم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
محمد الرحمة المهداة:
إن رحمة النبي -صلى الله عليه و سلم- بُعد مهم في شخصيته، وفي دعوته، ومن صميم شخصيته رسولاً ونبياً ومبلغاً عن ربه وهادياً للناس. وحينما نقرأ قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ونقف أمام الآية ندرك سعة رحمة هذا النبي الكريم، وكيف كان صلى الله عليه وسلم يفيض رحمة في خلقه وسلوكه وأدبه وشمائله. وإنه لتناسب وتآلف في أرقى مستوياته بين الرسالة والرسول في هذه الرحمة، حتى لا يُتصور أن يحمل عبء بلاغ هذه الرحمة إلى العالمين إلا رسول رحيم ذو رحمة عامة شاملة فياضة طبع عليها ذوقه ووجدانه، وصيغ بها قلبه وفطرته..(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) [التوبة: 128]. فهو مثل أعلى للرحمة الإلهية لذلك وصفه الله تعالى بأنه رؤوف رحيم.
لقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.. رحمة شاملة للوجود بأجمعه. يستطيع المؤمنون الاستفادة من الرحمة التي كان يمثلها النبي -صلى الله عليه و سلم- ذلك لأنه (بالمؤمنين روؤف رحيم) ويستطيع الكافرون والمنافقون أيضاً -إلى جانب المؤمنين - الاستفادة من هذه الرحمة كذلك. فعندما قيل له: ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أُبعث لعانًا، وإنما بُعثت رحمة".
كما أن رحمته شملت أسرته وأمته وأصحابه، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته، من طيب كلامه، وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". كما أنه في تعامله مع أهله وزوجه كان يُحسن إليهم، ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم. كما كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي)، وتقول له: دع لي.
وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالجميع، بل إنه يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. و كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم. وجاء الحسن والحسين، وهما ابنا ابنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما حتى ووضعهما بين يديه، ثم قال صدق الله ورسوله(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [لأنفال:28] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
فرحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- جعلته لطيفاً رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحّشاً، ولا صخّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. بل إن سيدنا أنس -رضي الله عنه- يقول: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال أفّ قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" ، وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له، ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله". وفي رواية "ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله" .(/2)
ولذلك قال فيه القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاورهم في الأمر) [آل عمران:159] ، فقد كان منهجه الرحمة بالعباد والتخفيف من الإصر والغلال التي عليهم، وهو في هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) .
وتتجلّى رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالمذنبين، وبمن لا يعرفون كيف تقضى الأمور فيعفو ويصفح ويعلم، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَه مَه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لا تزرموه، دعوه) ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن" قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه".
كانت رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل غضبه، بل إنه في الحرب كان يقاتل بشجاعة، ولكنه أيضاً كان صاحب شفقة عظيمة، كان سياسياً، ولكنه في الوقت نفسه صاحب مروءة كبيرة وقلب كبير. ففي غزوة أحد استشهد عمه حمزة أسد الله ورسوله رضي الله عنه، ومُزّق جسده تمزيقاً. كما مُزّق جسد ابن عمته عبد الله بن جحش تمزيقاً. وشُجّ رأسه المبارك صلى الله عليه وسلم، وكُسِرت رباعيّته، وغطّى الدم جسده الشريف.
وبينما كان المشركون جادّين في حملتهم لقتله كان أكثر رحمة بهم، وكان يدعو: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". فهل يوجد أرحم من محمد في مثل هذه اللحظات.
وفي فتح مكة كيف تعامل مع من أخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه؟ وكيف تعامل مع من حاصروه في شعب أبي طالب وتسببوا في وفاة أحب زوجاته إليه خديجة الكبرى رضي الله عنها، وفي وفاة عمه أبي طالب؟ فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضاً؟
لقد دخل مكة بعشرة آلاف مقاتل، دخل على مركبه، والدرع على صدره، والمغفر على رأسه، والسيف في يده، والنبال على ظهره، ولكنه مع كل مظاهر لباس الحرب هذه كان أنموذجاً للرحمة.
سأل أهل مكة: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: "خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخ كريم" فقال لهم ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: (لا تثريبَ عليكم اليوم يَغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) (يوسف: 92) لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء".
هذا هو محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه رحمته التي شملت كل الناس، واستمرت دستوراً هادياً إلى أن تقوم الساعة، وليست تلك الرحمة الكاذبة التي تأتي ردود أفعال من أناس يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كما أنها ليس تلك الرحمة ذات الوجهين التي تُطبّق على البعض، ويُحرم منها البعض، كما نراه في كثير من الشخصيات والنظم والقوانين الدولية والمحلية، التي تحاكم آخرين وتستثني آخرين. أو تلك المؤسسات والشخصيات التي ترأف وترحم الحيوان، ولكنها تشرّع لظلم الإنسان لأخيه الانسان.
أم لم يعرفوا رسولهم؟
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) [المؤمنون: 69]، هذه الآية تشكل في الحقيقة مسوغًا هاماً لنا في تناول شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك أن معرفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سيرته وفي سنته وفي شمائله من أهم الأمور التربوية التي تساعدنا على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. فإنه لا توجد سيرة أخرى أجدى بأن تُقتدى ويُحتفل بها مثل سيرته صلى الله عليه وسلم. وفي تاريخ البشرية كلها لا نجد حياةً نُقلت إلينا تفاصيلها، وحُفظت لنا وقائعها في وضوح كامل، وتفصيل عميم شامل كما حُفظت، وكما نُقلت إلينا حياة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- رسول الله ورحمته المهداة إلى الناس أجمعين، فكل كلمة قالها، وكل خطوة خطاها، وكل بسمة تألّقت على محيّاه، وكل دمعة تحدرت من مآقيه، وكل مسعًى سار لتحقيقه، وكل مشاهد حياته حتى ما كان منها من خاصة أمره، وأسرار بيته، وأهله، نُقل إلينا موثّقاً بأصدق ما عرف التاريخ الإنساني من توثيق وتدوين.
ولا عجب في هذا، فمادام الله قد اختاره ليختم به النبوة والأنبياء، فمن الطبيعي أن تكون حياته منهجاً جليلاً لأجيال لا منتهى لأعدادها، وأن تكون هذه الحياة بكل تفاصيلها أشد وضوحاً، وتألقاً من فلق الصبح ورابعة النهار، لا بالنسبة إلى عصره فحسب، بل بالنسبة إلى كل العصور والأجيال.
إن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشمائله، وجوانب شخصيته، ونتائج دعوته درس لكل سالك إلى طريق الله، وكل قائد أو مربٍّ أو رب أسرة أو سالك أي سبيل من سبل الخير إلى أن ينقطع الزمان.(/3)
و أهم أبعاد شخصيته صلى الله عليه وسلم، هو المحبة. فكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل محبة؟ وما هي الجوانب التي شملها هذا الخلق العظيم؟ وما موقفنا نحن تجاه محبته؟
منهجه يدعو إلى مجتمع المحبة:
إنها لصورة قاتمة باهتة مخيفة تلك التي رسمها البعض للإسلام في أذهان الناس حتى صار الناس يخافون من الدين ومن التدين؛ لأنهم يظنونه شيئاً قاسياً لا يرحم، وأتباعه غلاظ لا يلينون، وأحكامه سيف قاطع على الرؤوس.
وقد استثمر البعض الموقف، واتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- والإسلام بالحقد والكراهية، وكل أوصاف التجهم والتعصب والعنف، حتى لكلأنها صارت حقيقة، وأُسقط في أيدينا، وظن بعضنا أن هذا الزيف حقيقة.
ولكن الحقيقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نور يُستضاء به في ظلام الجاهلية، ومحبة خالصة تؤلف بين القلوب، وأن الإسلام شمس مضيئة أنارت ظلام الجاهلية، وهو دين الحب والأمل و الحياة واليسر، و شرائعه هي شرائع الحق والعدل، وأحكامه هي أحكام الحياة.
وللقيمة الرفيعة لخلق الحب والمحبة في الحياة، وأهميته في تحقيق السعادة للفرد والأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سعى لتحقيقه بوسائل متعددة، وربّى أصحابه وأمته على هذه النفسية الراقية، وحث على إشاعته بين الناس، ببناء كل العلاقات على أساس من الحب؛ حبّ الله، وحب الخير، وحب الصلاح والصالحين، وحب الإنسانية.
وبعبارة أخرى فإن نهجه صلى الله عليه وسلم، وحياته كلها دعوة للتحابب. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه مسلم في كتاب الإيمان : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا . أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم" .
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل . وشاب نشأ بعبادة الله . ورجل قلبه معلّق في المساجد . ورجلان تحابّا في الله: اجتمعا عليه وتفرّقا عليه . ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال : إني أخاف الله . ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله . ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه ". فمن الناس الذين يصلون إلى تلك المرتبة العالية يوم القيامة (ورجلان تحابا في الله ) فاجتمعا على حب الله وافترقا على حبه . بمعنى أن سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى قضى الله أمراً كان مفعولاً فتفرّقا بموت أو سفر أو غيره، وهما صادقان في حبّ كل واحد منهما صاحبه لله تعالى، حال اجتماعهما وافتراقهما .
ليس هذا فحسب، بل إن شرائع الإسلام وأحكامه كلها دعوة للمحبة، فالزكاة مثلاً التي هي قرينة الصلاة وجوباً وأهمية، فإن المستفيد منها وهو الفقير يشعر بأنه ليس وحده في المجتمع، وإنما هو فرد في جماعة لا تنساه وتكفله، ومن هنا تتلاشى الأحقاد وتنبت المحبة والألفة، وهكذا تكون الجماعة كالجسد الواحد، الغني يدفع من مال الله الذي عنده فيجد البركة والنماء، والفقير يتناول رزق ربه فيسدّ حاجته، والمجتمع ينقى ويطهر من الأمراض الخبيثة.
ولهذا فإن حب الخير للناس مما يقوم عليه ويتقوى به إيمان المؤمن، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يداين الناس، فكان إذا أرسل غلامه للتقاضي يقول له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك سأله الله تعالى: هل عملت خيراً قط؟! قال: لا إلا أنني كنت أداين الناس فكنت أقول لغلامي: خذ ما تيسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فقال الله له: قد تجاوزت عنك".
فهذه العلاقة بين المؤمن والمؤمن يحرص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها تهب الجماعة المسلمة قوتها وصلابتها؛ فلا تهون ولا تتفتت ولا تعبث بها الفتن، فيقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فإن كل مؤمن هو لبنة في بناء المجتمع، يدخل الإيمان بينه وبين غيره كالمونة اللاصقة الجاذبة الموضوعة بين لبنات البناء، فيشتد البناء ويقوى وترتفع هامته، ثم إن من فيض الإيمان تنبعث الرحمة الهادية، التي ترجو ما عند الله، وإنه لحق، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة". ذلك هو الحب الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- لبناء المجتمع عليه.
النبيّ الإنسان المحبّ:(/4)
وإذا التفتنا إلى حياته الخاصة صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أولاده وأهل خاصته وجدناه المثل الأعلى في الحب والود والشفقة. فكان صلى الله عليه وسلم يحب الأطفال، ويقبّل أولاده، ويعطف عليهم، ويأمر بالمساواة في المحبة بينهم، كما كان يحب أهله وزوجاته، وهو القائل: "حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة".
لقد كان صلى الله عليه وسلم يحترم ويود ويحب زوجاته، ويقدر مشاعرهن بطريقة لا يرقى إليها أي من المحبين الذين ادّعوا أو أحبّوا أهليهم وأولادهم.
لقد كان قدوة، بل خير قدوة صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعيش بين أزواجه رجلاً ذا قلب وعاطفة ووجدان، حياته مليئة بالحب، والحنان، والمودة، والرحمة.
ومما يذكر أنه كان مع عائشة -رضي الله عنها- التي يحبها كثيراً، يراها تشرب من الكأس فيحرص كل الحرص على أن يشرب من الجهة التي شربت منها، وهي صورة يندر أن يقوم به مدّعو الحب بيننا، إنه حب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- للصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما.
ومِن تودّده لها وزيادة في حبها أنه كان يسابقها في وقت الحرب، يطلب من الجيش التقدم لينفرد بأم المؤمنين عائشة ليسابقها ويعيش معها ذلك الحب الزوجي الراقي.
وفي المرض، حين تقترب ساعة اللقاء بربه وروحه تطلع إلى لقاء الرفيق الأعلى، لا يجد نفسه إلا طالباً من زوجاته أن يمكث ساعة احتضاره صلى الله عليه وسلم إلا في بيت عائشة، ليموت ورأسه على صدرها، ذاك حبّ أسمى وأعظم من أن تصفه الكلمات أو تجيش به المشاعر.
إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرسم لنا طريقاً للحب فريداً من نوعه أوسع مما حصرته فيها مفاهيمنا المادية العلمانية التي تضيّق علينا واسعاً وتحرمنا من مشاعرنا. ولذلك فهو في حبه هذا لعائشة -رضي الله عنها- لا يجعله هذا الحب أن ينسى أو يتناسى حبه العظيم الخالد لخديجة الكبرى التي كانت أحب أزواجه إليه، والتي قدمت له في ساعة العسرة ما لم يقدمه أحد آخر.
وفي لحظة شعور امرأة تسأله السيدة عائشة -رضي الله عنها- وتقول: ما لك تذكر عجوزاً أبدلك الله خيراً منها (تعني نفسها)؟! فيقول لها: لا والله، ما أبدلني زوجاً خيراً منها، ويغضب لذلك، ويبين لها أن حب خديجة لم يفارق قلبه أبداً، ذلك هو الحب الوفي الذي يريد أن يعلمنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه يعلمنا أنه يحب عائشة، ولكن يحب أيضاً خديجة -رضي الله عنها- كما يحب زوجاته الأخريات رضي الله عنهن.
ومما تذكره كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فلما كان في بعض الطريق نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي كذلك، سوقك بالقوارير –يعني النساء– فبينما هم يسيرون برك لصفية بنت حيي جملها، وكانت من أحسنهن ظهراً، فبكت وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها.
إنه لموقف جميل من الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- مع زوجته حين مسح دمعتها بيده، ثم أمر الناس بالوقوف والنزول، علماً بأنه لم يكن يريد أن ينزل. لم يحقر النبي -صلى الله عليه وسلم- مشاعر صفية وعواطفها، بل احترمها وأنزل القافلة كلها من أجلها. فكم منا من رجل مسح دموع زوجته وطيب خاطرها!
إنه محمد النبي الحبيب -صلى الله عليه وسلم- مسح الدمعة بيده، ومرّر يده الكريمة على خد زوجته في قمة من مشاعر الحب والاحترام والعناية والتقدير لعواطف المرأة ومشاعرها. والذين يتفاخرون اليوم من الغربيين ومن العلمانيين باحترام المرأة لم يبلغوا ولن يبلغوا ما قام به محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم بن محمد:
لقد ابتلي النبي -صلى الله عليه وسلم- بما لم يبتل به أحد، ولكنه كان المثل الأعلى في الاحتساب والصبر، وحين مات ابنه إبراهيم عليه السلام، اهتزت مشاعر الأبوة والحب، فيبكي ويحزن "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وإنا يا إبراهيم على فراقك لمحزنون". يعلمنا عليه الصلاة والسلام كيف يكون الحب، وكيف يكون الحزن على فراق الحبيب، ولكن كل ذلك في حدود ما يرضي الله تعالى. إنهما حب وحزن نابعان من أب نبي بشر تتجلى فيه أعلى معاني الحب والرحمة والشفقة على فراق الأحبة، ولكنه حب لا ينسيه أنه مبلّغ عن الله، وأنّ أمانة الرسالة أعظم الأمانات. ولذلك حينما كسفت الشمس وظن بعض الناس أنها لموت إبراهيم، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد أو حياته".
ويمتد حبه لأمته صلى الله عليه وسلم التي كان يبكي من أجلها في هدأة الليل، فقد كان يقف في سكون الليل وظلمته الحالكة ليصلي صلاة التائب على الرغم من أنه غُفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه، وكان في ذلك الليل يتذكر أمته ويسكب عليها الدموع، ويسأل الله: "أمتي، أمتي".
حاجة البشرية والحضارة للحبّ:
فقد تفقد الحياة كرامتها وقداستها حينما تتحول كل المعاني والقيم والعلاقات إلى أشكال وماديات ومظاهر.(/5)
ولفقدان الحب صار يُحتفل به مثل ما يُحتفل بأي شيء آخر، ويخصص له يوماً، وكأن بقية الأيام ليست للحب، وفيه يتذكر العشاق بعضهم بعضاً من خلال تبادل الهدايا والبطاقات، أو أي شيء مادي، وصارت تنفق أموال طائلة في مناسبة عيد الحب، بل إن من الناس من يفلس بهذه المناسبة.
وارتبط الحب في بعض المفاهيم بالجنس والعري وتبادل الغراميات المحرمة، أو تلك التعبيرات المزيفة الجافة الفارغة من أي معنى.
ولكن الحب الحقيقي الذي جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- لتعليمنا إياه هو ذلك الحب المرتبط بالله تعالى وبنهجه في الحياة، وبما ارتضاه من علاقات ومعانٍ وقيم وتعبيرات عن المشاعر.
ونختم بهاتين الآيتين المعبرتين عن عمق الحب وأهمية ارتباطه بالله تعالى. يقول الله تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة...)[الروم:21] ويقول عز وجل: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) [آل عمران: 31].
السلم والسلام في شخصه صلى الله عليه وسلم:
وفي هذه الفقرة من المقال نتناول السلم والسلام في شخصه -صلى الله عليه وسلم- وفي سيرته ودعوته والدين الذي جاء به، ليدرك القارئ الكريم أن السلم والسلام – بلغة العصر- كان مشروعاً إستراتيجياً للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاملاً للأشخاص والأزمان والأمكنة، ولم يكن إجراءات مرحلية، او تخطيطاً وقتياً لتفادي مشكلات معينة، بل لكي يدخل الناس (في السلم كافة) [البقرة: 208] ويعمّ السلام بأن (يكون الدين لله) الذي هو دين الإسلام والسلم، ذلك أن (الدين عند الله الإسلام)، ورب العباد يدعو إلى السلام، قال تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام) [يونس: 25].
السلم مبدأ ومسلك وغاية:
إنّ الإسلام دين السلم وشعاره السلام، فبعد أن كان عرب الجاهلية يشعلون الحروب لعقود من الزمن من أجل ناقة أو نيل ثأر ويهدرون في ذلك الدماء، جاء الإسلام وأخذ يدعوهم إلى السلم والوئام، ونبذ الحروب والشحناء التي لا تولّد سوى الدمار والفساد.
ولذلك فإن القرآن جعل غايته أن يدخل الناس في السلم جميعاً، فنادى المؤمنين بأن يتخذوه غاية عامة، قال الله -عز وجل- مخاطباً أهل الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة: 208]، بل إن من صفات المؤمنين أنهم يردون على جهالات الآخرين بالسلم، فيكون السلم هنا مسلكاً لردّ عدوان الجاهلين، قال تعالى: (...وإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما). ذلك أن مسلك السلم لا يستوي ومسلك العنف، ومسلك العفو لا يستوي ومسلك الانتقام، ومسلك اللين لا يستوي ومسلك الشدة والغلظة، ولذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويوصي دائماً أصحابه بالدفع بالتي هي أحسن، والإحسان إلى المسيئين، مصداقاً لما قال تعالى موصياً سيد الخلق أجمعين -صلى الله عليه وسلم-: (...وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) كما أنهم دعوا إلى الجنوح للسلم فقال تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) وشجع القرآن المسلمين على التزام السلم – وهذا وقت الحرب- وطالبهم بتلمّس السلم إن وجدوا رداً إيجابياً من الطرف الآخر، فقال تعالى: (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا).
لا إكراه في الدين: سلم دون تلفيق:
الإسلام رسالته واضحة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان واضحاً وسيبقى دينه واضحاً للعالمين، بأن هناك فرقاً بين احترام حرية الآخرين في اختيار ما يعتقدون، وبين التلفيق بين الأديان، أو قبول أديان الضلالة.
فالإسلام متناسق وواضح ومنسجم مع منطقه الداخلي ومع الحقيقة الموضوعية، ولذلك فإنه لا يقبل التلفيق بين الأديان، فالإسلام هو الحقيقة المطلقة، ولا يقبل بحال من الأحوال قبول العقائد الأخرى في منطق الإسلام، كما أن التأكيد على التمايز بين الحق والضلال واضح في منهجه -صلى الله عليه وسلم- وذلك في سورة الكافرون حيث يقول تعالى:(قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عباد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين)، ولكن في الوقت نفسه لا يصح بحال من الأحوال إجبار وإكراه الآخرين على قبوله، ولذلك بيّن القرآن الكريم أن (لا إكراه في الدين) لأنه (تبين الرشد من الغي).(/6)
بل إن القرآن نفسه به آيات كثيرة تدعو إلى احترام عقائد الآخرين حتّى ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وذلك لسماحة الإسلام حتى في مقابل أصحاب العقائد الضالّة التي لا قداسة لها في نظر الإسلام. فأمرنا الله تعالى بعدم إيذاء غير المسلمين وإثارتهم وإهانة دينهم أو أديانهم عبر سبّ آلهتهم فقال سبحانه: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم)، بل دعانا إلى اتخاذ مسلك آخر أكثر إيجابية ومبدئية، وهو منهج الإحسان والدعوة بالحسنى بدل السبّ والشتم والشحناء؛ لأنه مناقض لمنهج الاسلام وغايته في تحقيق السلم، فقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو أعلم بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُو أعلم بِالْمُهْتَدِين).
صفح من أجل السلم:
من أجل تحقيق رسالته في السلم فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا مسلكاً مهماً آخر لتحقيق السلم، وذلك من خلال حثّنا على الصّفح وغضّ النظر عن إساءة الآخرين. ووضع القرآن الكريم لذلك آيات بينات تُعدّ دستورا يقول تعالى: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). [التغابن: 14]، وقال سبحانه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ). [النور: 22]، وقال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ) [المائدة: 13]، وقال عزوجل: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتية فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر: 85]، وقال سبحانه: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف:89] ، وقال تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِه) [البقرة: 109]. هذا بالإضافة إلى الآيات التي تدل على الغفران والغضّ عن السيئة والمحبة والإحسان وما أشبه.
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نموذجاً وقدوة في الصفح والعفو من أجل السلم مبدأ وغاية، لقد كانت المرحلة المكية من الدعوة النبوية فترة عصيبة أُوذي فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- في شخصه الكريم، وفي أهل بيته وفي صحابته، ولكنه لم يكن يرد الإيذاء، بل كان يردّ رداً جميلاً، فحين كان أبو لهب يرميه بالحجارة، وأم جميل تلقي في طريقه الأشواك، وبعض الكفار يلقي سَلَى الشاة على رأسه وهو قائم يصلي عند الكعبة، وبعضهم يبصق في وجهه الطاهر الشريف، وأبو جهل يشج رأسه وغيرها، كان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"، ثم إنه لما انتصر على قوى الكفر والطاغوت ورجع إلى مكة فاتحاً كان أرحم بأهلها من الأم بولدها، وحقق السلم المطلق فلم تُرق قطرة دم في فتح مكة، ولما قال بعض أصحابه: "اليوم يوم الملحمة" قال: "بل اليوم يوم المرحمة"، وخاطب أهل مكة قائلاً: "ما تظنون أني فاعل بكم"، وقد أقدره الله عليهم، قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، فقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وكان يوماً سجله التاريخ في تحقيق الفتح بالسلم، فهل هناك سلم مثل سلم محمد صلى الله عليه وسلم.
الحج دورة مكثفة لتعلم السلم:
هناك صلة رائعة بين خليل الله إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء، وبين الحج وبين الإسلام وبين السلام. فالإسلام دين الحنيفية السمحة، وهو ملة أبينا إبراهيم، وهو الذي سمّانا المسلمين من قبل، وهو الذي أذن في الناس بالحج، فكان محمد -صلى الله عليه وسلم- النبي الخاتم الذي اكتملت على يديه الرسالة واختتمت النبوة وتمت به النعمة.
والعجيب في الأمر أن شعيرة الحج مرتبطة أيضا بتقديم الأضحية التي هي حيوان يقدم قربانا لله تعالى، وهي سنة سنها أبونا إبراهيم الخليل فدية عن ابنه إسماعيل الذبيح عليهما السلام.
وكأن الله تعالى يعلمنا أن الحنيفية السمحة جاءت لتحقيق السلم من خلال تخليص بني البشر من سفك الدماء وقتل النفس وافتدائها بالذبح العظيم الذي أمر الله تعالى به.
ول قد رسّخ الإسلام شعائر الحج ورتبها بطريقة تجعل الحاج في سلم شامل، ليس مع الناس فقط، بل مع كل شيء؛ الشجر والحجر والحيوان ومع الكون كله، تسليماً لرب العالمين.(/7)
إن الحج تجربة تمثّل ورشة مكثفة للتدريب على الشحن الروحي والتعبئة على السلم والتدريب على محاربة نوازع النفس السيئة. وإن الأضحية التي يقدمها الحاج والطواف بالبيت العتيق تمثل شعيرة خالدة تعبر عن ذلك الإعلان العالمي الإبراهيمي بالتوقف عن تقديم القرابين البشرية، وتوديع عقلية العالم القديم، في حل المشاكل بالعنف، لذا كان الحج في ترميزه المكثف، تدريباً سنوياً لشحن الانسان بالروح السلامية، فالمظهر متشح بالبياض، والكعبة أصبحت بيت الله الحرام، فيحرم ممارسة العنف بكل أشكاله وامتداداته، فلا جدال في الحج، الجدال بمعنى التنازع والتوتر، وينعم الجميع ببحيرة للسلام في أرض غير ذي زرع، ويأمن الطير والدواب والإنسان على أنفسهم من العدوان، بعد أن كان الناس يُتخطّفون من حولهم، ويمتد السلام من النفس إلى البدن فلا يُنتف الشعر أو تُقص الأظافر، وينتهي بتدشين تجربة على ظهر الأرض، سنوية لا تقبل الإلغاء أو التأجيل، للسلام الزماني المكاني، في البيت الحرام من خلال الأشهر الحرم.
إن الحج يعلمنا أن العالم كله ينبغي أن يتحول إلى حرم آمن في كل وقت، ولذلك يأتي هذا التدريب السنوي لملايين من البشر على تحقيق مطلق السلم مع كل المخلوقات في البلد الأمين في الأشهر الحرم.
كما أنه يعلمنا السعي لتحقيق السلام العالمي من خلال هذه التجربة الإنسانية الفريدة، التي يتم فيها التدريب سنوياً على السلام والسلام المطلق مع المكان والزمان والكائنات، وهو بذلك يذكرنا أننا يبنبغي أن نوسع من هذه الورشة والدورة المكثفة وننقلها إلى المستوى الإنساني الأوسع، بتبني الأسلوب السلمي في بقية الأماكن وبقية الأوقات ومع مختلف القضايا.
الجهاد مسلك لتحقيق السلم:
معنى الجهاد:
الجهاد كلمة شاملة تعني لغوياً الجد والمبالغة وبذل الوسع والمجهود والطاقة كما في قوله تعالى: (والذين لا يجدون إلاّ جهدهم). وتعني دينياً تحقيق الإيمان الحقيقي وما يتمخّض عنه، ومقارعة كل ما يبغضه الله من كفر وانحلال وفسوق، ومن ثم قال ابن تيمية: "الجهاد حقيقة الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان" (كتاب العبودية، ص104). وقد وردت كلمة الجهاد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة،، ومما ورد في القرآن الكريم من استخدام لكلمة (جهاد) قوله تعال: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات، وأولئك هم المفلحون) [التوبة: 88]، وقوله: (يا أيها النبي جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّمُ وبئس المصير) (التوبة، 72)، وقوله: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم جهاداً كبيراً) [الفرقان: 52].
أهميّة الجهاد في منهج نبي الرحمة والمحبة والسلام:
إن الجهاد في معنى القتال هو أحد المسالك التي سنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بوحي من الله تعالى من أجل أن يعم السلام وينتشر الخير ويدفع تسلط الطواغيت والظلمة والكافرين، إنقاذاً للمظلومين، وتحقيق لحرية الناس وحقهم في العيش في امن وسلام، وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم بجهاد الكفار والمنافقين بوقله: (يا أيّها النبي جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنهم وبئس المصير)، وقوله تعالى: (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهُم لعلهم ينتهون)(التوبة: 12)، كما أمرنا أن نعد العدة من أجل ردع الظالمين وإرهابهم حتى لا يروّعوا الآمنين، فقال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم).[ الأنفال: 60].
كما ربط الله تعالى بين القتال وبين ذكر الله تعالى، فقال عز وجل: (يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) [الأنفال: 45]، وحرّم الله استدبار العدو الكافر بقوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولُّوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلاّ متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواهُ جهنم وبئس المصير). [الأنفال: 15-16]، داعياً إلى بذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق السلم الذي يأتي من خلال انتشار معاني حب الله والجهاد في سبيله، وإلى تفضيل ذلك على الآباء والأبناء والأموال والعشيرة على الدنيا الفانية والشهوات والهوى، فقال عز من قائل: (قُل إن كان آباؤكُم وأبناؤُكُم وإخوانُكُم وأزواجُكم وعشيرتُكُم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره واللهُ لا يهدي القوم الفاسقين)[ التوبة: 24].(/8)
وقد وهب الله سبحانه المجاهدين درجات عليا وجزى المستشهدين في سبيله جزاءً أوفى قائلاً بمنح الجنة للمجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم: (إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة) [التوبة: 111]، ومبشراً الشهداء بأنهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون) [آل عمران: 169]، (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون) [البقرة:154] كل هذا ليس رغبة في القتال من أجل القتال، وليس رغبة في سفك الدماء، ولكنه دفع للعدوان حينما تنتفي الدوافع والمسالك السلمية لتحقيق السلم، وأن يكون الدين لله. ولذلك فإن الله تعالى يشدد على المؤمنين بأن يكون جهادهم على وعي تام بمبادئه وغاياته، فلا قتال لمن أراد السلم، قال تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا) [النساء: 94]، وقال تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) [الأنفال: 61]، كما أن المنهج النبوي يؤكد عدم العدوان بقوله تعالى: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) [النساء: 90] لأن القتال يكون لمن بدأ بالعدوان ومن أجل إنهاء العدوان فقط، قال تعالى: (فقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وقال سبحانه: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) [الممتحنة: 8].
لماذا جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
كما سبق القول فإن الإسلام دين محمد -صلى الله عليه وسلم- ومنهجه لم يفرض الجهاد رغبة في السيطرة والتوسع، أو كسباً للمنافع الدنيوية، أو إرغاماً للناس على تركهم عقائدهم السابقة والدخول في الدين الجديد، أو حبّاً في إظهار القوة والتفوق الحربي، وإنما شُرع دفعاً للظلم، ومقاومة للباطل ومقارعة للكفر، ونشراً للعدل والحرية والسلام عن طريق كسر الأطواق المضروبة حولها، وتحقيقاً لأهداف الدعوة إلى الله، ودفاعاً عن الأعراض والأوطان والأموال.
والمتتبع لسيرته صلى الله عليه وسلم يجد أنه ما قاتل إلا لتحقيق السلم ونشر العدل وبناء الأخوة بين الناس من خلال رد العدوان وكسر طوق الظالمين. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أُخرجوا من ديارهم بغير حق، فأمرهم الله تعالى بقتال من يعتدي عليهم، وبإخراج من يحاول إخراجهم من ديارهم وأراضيهم، (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) [البقرة:191]، ولكن في إطار العدل والسلم كمسلك وغاية، فقال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين] [البقرة: 190].
كما أن الجهاد شُرع لفتح الطريق أمام الفضيلة والخير والعدل والسلم إذا وقف أهل الباطل في طريق السلام العالمي، ومن أجل أن تتحقق الحرية والأمن والسلام للمستضعفين في الأرض، قال تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرّجال والنساء والولدان، الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلُها وأجعلْ لنا من لدنك وليّاً واجعل لنا من لدنك نصيرا) [النساء: 75].
وبما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء رحمة للناس كافة، كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلاّ كافةً للنّاس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون). [سبأ: 28]، وأرسل دينه رحمةً لجميع مخلوقاته، وهذه هي بعض دوافع شرع الجهاد، وهي واضحة في أنها مسلك لتحقيق السلم وفتح الآفاق أمام الناس حتى لا تكون هناك فتنة أو سفك للدماء بغير وجه حق. فني الله محمد صلى الله عليه وسلم بحق رجل المحبة والرحمة والسلام.
المراجع:
1- خاتم النبيين لمحمد أبي زهرة.
2- السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري.
3- صفحة (مع الحبيب من موقع إسلام أونلاين.نت.4- موقع الإسلام اليوم .
كاتب المقال: د. بدران الحسن وفضل الله ممتاز(/9)
محمود سامي البارودي
1840 – 1904م
شاعر مصري معاصر، نشأ في القاهرة، وتخرّج في المدرسة الحربية. ولم يزل يترقى حتى رأس الوزارة قبيل الثورة العرابية. ثم نفي إلى جزيرة سيلان بتهمة الاشتراك في تلك الثورة، فلبث في منفاه سبعة عشر عاماً. وكُفَّ بصره قُبيل عودته إلى وطنه.
كان الباردوي منذ حداثته مولعاً بحفظ الشعر ونظمه، ميالاً إلى تعلُّم الأدب ودراسة مشاهير الشعراء. وهو حامل لواء النهضة الشعرية الحديثة، وله الفضل في إحياء الشعر وبعثه، وشعره يشاكل شعر الفحول السابقين: فهو جزل الألفاظ والتراكيب، فخم المعاني، متنوع الفنون، وأكثره شديد الصلة بنفسه وتجاربه.
والأبيات التالية من قصيدة قالها في المنفى، وفيها تصوير لحال مصر بعد الثورة العرابية، وحض على دفع الظلم، وهي أبيات ثائرة لا تقل عنفاً عن أشد الثورات المسلحة:
ويَملِكَ أعناق المطالب iiوغدُه
يضيق بها عن صحبة السيف iiغمدُه
عليه، فلا يأسف إذا ضاع مجده
أضرَّ عليه من حِمام iiيؤُدُّه
وفي السيف ما يكفي لأمر iiيُعدُّه
بما كان أوصاه أبوه iiوجدُّه
دمُ الصِّيد، والجُردُ العَناجيج iiمهدُه
وإن مات فالطير الأضاميم iiلحدُه
أسود الوغى فيه، وتمرح iiجُردُه
وتملك تصريفَ الأعنة مُرْدُه
وفيضُ الدماء المستهلة وردُه
تُعدُّ لأمرٍ لا يحاوَل iiرَدُّه
وإما ردىً يشفي من الداء وفْدُه
... 1 – أبا الدهر إلا أن يسود iiوضيعُه
2 – فحتّام نسري في دياجير iiمحنةٍ
3 – إذا المرء لم يدفع يد الجَورْ إن سطت
4 – ومَنْ ذلَّ خوفَ الموت، كانت iiحياته
5 – من العار أن يرضى الفتى بمذلة
6 – وحسب الفتى مجداً، إذا طالب iiالعُلا
7 – إذا ولد المولود منا، iiفدَرُّهُ
8 – فإن عاش فالبيد الدَّياميم iiدارُه
9 – ولا بد من يوم تلاعَبُ iiبالقنا
10 – تُدبِّرُ أحكام الطعان iiكهولُه
11 – قلوب الرجال المستبدة iiأكْله
12 – أحمَّلُ صَدْرَ النَّصل فيه iiسريرةً
13 – فإما حياةٌ مثل ما تشتهي iiالعلا
الهوامش
(2) المحنة: البلاء والفتنة.
(4) الحِمام: الموت – يؤدُّه: ينزل به ويشتد عليه.
(6) حسب: مبتدأ، حذف خبره للعلم به، والتقدير: ما يناله من رفعة. ومعنى البيت: كفى المرء عزاً وشرفاً أن يسير سيرة آبائه في طلب المعالي، وأن يطلب من المجد ما أوصاه أبوه وجده بتحصيله.
(7) الدرّ: اللبن والغذاء – الصِّيد: ج أصيد، وهو الأسد، أو الذي يرفع رأسه كبراً – الجُرد: الخيل السباقة أو القصيرة الشَّعر، مفردها: أجرد – العناجيج: جياد الخيل – يقول: إن أطفالهم يشبون على الشجاعة وعزة النفس، وُيَعَّودون الفروسية وركوب الخيل، واقتحام الأخطار.
(8) الدّياميم: الفلوات الواسعة، مفردها: ديموم وديمومة – والأضاميم: الجماعات، ج إضمامة.
(9) تمرح: تنشط وتسرع. والضمير في "جرده" يعود على اليوم.
(10) المراد بتصريف الأعنة: تنفيذ خطط القتال. والعِنان: سير اللجام – المُرد: ج أمرد، وهو الغلام لم تنبت لحيته.
(11) الورد: النصيب من الماء – والضمير في "أكله" و "ورده" يعود على اليوم.
(12) يقول: إنه في هذا اليوم يكتم في صدر رمحه أو سيفه خطة قد أعدَّها لأمر خطير عظيم لا يستطاع رده – والسريرة: السّر والمراد هنا: الخطة المرسومة المكتومة.
(13) الوفد: مصدر بمعنى: الحضور والقدوم والورود.(/1)
محمود محمد طه والترابي(2/1) معتصم أبّكر محمود*
إننا في بلد هي حبلى بالحوائج، بلد تحتاج إلى إعادة صياغة في الرؤى مثلما تحتاج إلى تنمية، وتحتاج إلى تفتيت المفاهيم الخاطئة والعادات العقيمة مثلما تحتاج إلى لقمة العيش، وتحتاج إلى جهود جبارة لتعرف كيف تضع الأشياء في موضعها الصحيح مثلما تحتاج إلى سلام.
إن في هذا البلد من يتصدى للحديث عن كل شيء، وباسم كل شيء، وينصب من نفسه ما يريد، ويرسم من حوله هالة بقدر ما يريد، ومما أغرى الكثيرين من ضعاف النفوس أننا نهب الألقاب بسخاء رهيب؛ فنلقب كلا بما يحلو له، ونقدر كل من أراد لنفسه التقدير؛ ففي هذه البلاد من نطلق عليهم علماء ولا علم، وخبراء وليس ثمة خبرة، ومثقفين بلا ثقافة، ومفكرين بلا فكر، ورموزا بلا مضامين، وزعماء بلا زعامة، وقياديين بلا قيادة، وكتابا بلا كتابة!!.. إننا بحق نحتاج إلى التخلي عن نزعتنا نحو إعلاء البشر، وإلى إعادة النظر حتى في رموزنا.
لقد قرأت مقالاً بقلم سعيد ميرغني حمور المحامي في جريدة الأيام العدد 8472؛ وهو الجزء الثامن وقد جاء تحت عنوان (في ذكرى كبير الشهداء محمود محمد طه)!!.. وقد قال ما قال، واستشهد ببعض الكتابات؛ فأخذ عن مقال البروفيسور محمد سعيد القدال قوله: في 18/1/1985م: أقدم نميري على إعدام محمود محمد طه لمعارضته القوانين التي أصدرها باسم الإسلام!!.. وفي 18/1/1986م أقيم مهرجان بدار أساتذة جامعة الخرطوم بمناسبة مرور عام على تلك الذكرى المشؤومة، وألقى كلمة بعنوان: إعدام المفكرين في التاريخ الإسلامي!!..
إنني لست هنا بصدد تناول آراء ذلك الرجل، ولكن ما يثير الدهشة هو لماذا في الوقت بالذات نشطت الأقلام التي تسعى إلى إحياء التراث المحمودي!!..
بالله قولوا: أي مفكر كان ذاك الرجل؟!.. وماذا تعني كلمة (مفكر) ذات الجرس الرصين؟!.. هل هي مجموعة آراء مبتكرة تجاوز المرجعية؟!.. وإلا فما المقصود بها؟!..
إن اختلاق الباطل أمر خطير، ولكن التغني به، ومحاولة نشره أخطر!!.. اسمعوه يقول: (وإعدام المفكرين باسم الدين ظاهرة قديمة قدم الصراع الاجتماعي!!.. فكلما احتدم ذلك الصراع؛ وعبر عن نفسه في آراء وأفكار كلما لجأت الفئات المندحرة تاريخيا إلى سلاح القهر؛ لتحمي به نفسها من حتمية الزوال؛ فتتهم معارضيها بالكفر والزندقة)!!..
إذا كانت هنالك فئة تهددها تلك الأفكار فهي ليست جديرة بالبقاء!!..
ثم إن الاتهام بالكفر والزندقة له مبرراته الفقهية، والعقدية!!.. وإذا كان البعض يتضايق من هذه الأحكام فله ذلك، ولكن يجب ألا ينكرها!!..
فكبير الشهداء - كما يسميه سعيد - لا يعد سوى جاهل؛ قال بما لم يعلم في الله!!..
هل قرأت مثلاً ما قاله شيخك؟!.. وهل علمت أنه اعترض على حكم الله في حق المرأة؛ ووصفه بعدم العدل!!.. حيث قال: (تجد أن حظ المرأة في تشريع الإسلام الذي بين أيدينا الآن حظ مبخوس؛ فهي على النصف من الرجل في الشهادة، وعلى النصف منه في الميراث، وعلى الربع منه في الزواج، وهي دونه في سائر الأمور الدينية، والدنيوية!!.. فلماذا؟!)..
إن هذه الكلمات لا يتفوّه بها ملحد؛ ناهيك عن إنسان تطلق عليه لقباً مشرفاً (الفكر الإسلامي)!!..
إن ساحة الفكر الإسلامي قد صارت مرتعا لكل من يريد؛ مثل ساحة الغناء تماما!!.. وأرجو ألا يأتي يوما نصنفه فيه إلى: فكر إسلامي هابط، وفكر إسلامي أصيل؛ أسوة بالغناء!!..
إن ذاك الشخص لم يرض بحكم الإسلام فكيف ينتج فكراً إسلامياً؟!.. وإذا كان يعترض على حكم الله فهل يسمى مُجدّداً أم هادماً؟!.
وكان يقول بعدم صلاحية الرسالة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم لزماننا هذا!!.. وهو الذي قال: (وأمر الحجاب، وعزل النساء عن الرجال ليس أصلا في الإسلام؛ وإنما تشريع انتقال!!.. والأصل السفور، والأصل المجتمع المختلط من رجال ونساء)!!..
وهو الذي قال: (إن الزكاة ذات المقادير التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته ليست أصلاً في الإسلام؛ وإنما كانت تشريعا لفترة محدودة؛ وهي لا تناسب زماننا)!!..
وقال: (إن كثيراً من صور التشريع الذي بين أيدينا الآن ليست مراد الإسلام بالأصالة؛ وإنما تنزل لملابسة الوقت، والطاقة البشرية)!!..
والكثير الذي لا يتسع له هذا المقال.. ومن أراد الزيادة فليقرأ كتاب (نقض مفتريات محمود محمد طه) للدكتور الأمين داوود.
ومع ذلك يقول سعيد عن إعدامه: إن هذا السلوك يعبر عن الضعف الفكري، والجهل بطبيعة العلاقة، وقدرتها على البقاء من جانب، والإنسان بجسده الفاني من الجانب الآخر!!.. إن اغتيال المفكرين يشعل من أفكارهم؛ ويتحوّل الدم المسفوك إلى ينبوع ريّ؛ يغذي تلك الأفكار؛ فتنمو، وتزدهر عبر الزمن!!..(/1)
إنها كلمات مضحكة!!.. فأين يريد سعيد لهذه الأفكار أن تنمو، وتزدهر؟!.. فوالله لن تزدهر إلا في رؤوس أمثاله؛ من الذين اتبعوا الرؤوس الجهّال فضلّوا وأضلّوا!!.. وهو يعتقد في أتباع محمود بقوله: (إن مؤيدي محمود محمد طه كانوا يتميّزون بالذكاء، والفطنة، والقدرة على الإقناع؛ مما أرهق الإسلاميين؛ لأن عقلهم كان سياسيا، وعقل محمود فيه البعد الروحي الفكري الصوفي.. وأبعدهم في النقاش الفكري العقائدي وفي الفقه)!!..
أي افتتان هذا؟!.. وأي سحر قد سرى فيك؟!.. أكل هذا في ذلك الزنديق وأتباعه؟!.. إنه لعين الغباء!!.. فأي رجل تقنعه تلك الأفكار؟!.. وأي ذكاء يتحدث عنه؟!..
في ذلك المقال لم يقل شيئاً من آراء شيخه إلا قوله: (إن السودان مركز دائرة الوجود)!!.. ثم زاد: (وقد دفع الأستاذ محمود بحياته، واستشهاده إلى مركز دائرة الوجود الإنساني)!!..
فأي عقل يدرك مثل هذه الكلمات الخاوية؟!.. ماذا تعني عبارة الشيخ؟!.. وما هي فائدة إن كان السودان مركز دائرة الوجود، أو لم يكن؟!.. وأي مقياس استخدمه لبرهان هذه النظرية؟!.. أم أن وجود شخصه في السودان جعله مركز دائرة الوجود؟!..
إذا استطاع أحدكم أن يردد هذه الكلمات فذلك هو الذكاء الذي يقصده سعيد!!..
وقد ذكر سعيد بعض الصفات التي يراها جميلة في شيخه، وذكر بعض مناقبه، وسماحته، ثم قال: (لذا علّم تلاميذه ألا يطؤوا النجيلة!!.. فقد نذر نفسه كي يتحرر كل إنسان من الخوف؛ فلا يطأطئ رأسه إلا تواضعا!!.. وكان قليلاً ما يغضب!!.. ولكنه غضب على ابنته الفضلى أسماء حين وطأت غير قاصدة على حبات عيش)!!..
إنني أظن أن معظمكم سيضحك، وسيبكي حسرة؛ لأن هنالك في هذا البلد من يقول مثل هذه الكلمات الهزيلة، وفي صحيفة قومية!!..
إن شيخه يرضى بأن يطأ الإنسان على أحكام الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أن يأتي الأمر إلى النجيلة فالعياذ بالله؛ فالأمر منكر!!..
وبالمناسبة أوصى جميع أندية كرة القدم بحرث النجيلة، وأن يجعلوا الملاعب (نقعة ساكت)!!..
كما أوصى الإخوة العشاق زوار الحدائق بألا يقطعوا النجيلة، وأن (يتونسو ساكت)!!..
ثم يقول المحامي عن استشهاد مفكره الأسطوري: (وبذلك يتربع الشهيد على عرش عظماء الإنسانية المعاصرة: المهاتما غاندي، ومارثن لوثر كنج، ونيلسون مانديلا.. وإذ يتربع في قمة الذرى الإنسانية؛ فإنه في ذات الوقت يرفع معه بلاده الجاهلة الفقيرة السودان إلى الذرى السامقة، وإلى مركز دائرة الوجود الإنساني؛ فيا له من فداء! ويا له من عريس!).
لقد ضحكت ضحكة عالية عندما قرأت هذا الكلام! وقلت جهرا - وليس معي أحد -: (والله في الدنيا دي في ناس جهّال بشكل)!!.. لقد ذكر هؤلاء العظماء وهم ليسوا بمسلمين، وكان الأجدر به أن يضع شيخه مع شهداء بدر، وأحد، أو مع سيد قطب، وحسن البنا، وغيرهما إن أراد المعاصرة!!.. ولكن هؤلاء الذين ذكرهم قد قدموا للبشرية ما لم يقدمه محمود محمد طه الذي لم يقدم شيئاً حتى لنفسه!!..
أما ذكره جهل السودان وفقره فوالله لا فقير إلا عقلك، ولا جاهل إلا أنت!!.. وأي ذروة سامقة رفعنا إليها ذاك الرجل؟!.
ثم ختم مقاله بمناشدة أديبنا العالمي الطيب صالح أن يكتب عنه؛ ليخلّد ذكراه؛ أسوة بمصطفى سعيد.
إن سعيدا مثال لكثير من الذين يطلق عليهم لفظ (المثقفين)؛ الذين يشرفون أجهزة الإعلام؛ وليس لهم سوى أزيائهم الأنيقة!!..
عذرا سعيد، وهنيئا لك بالذرى السامقة، وبمركز دائرة الوجود الإنساني!!..(/2)
محمّد الفاتح وفتح القسْطنْطينيَّة
بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي
هذه الديّارُ " بني عثمان " كم رَفعَتْ ... ... لله منْ رايةٍ خَفَّاقةِ العَذَبِ
وكَمْ تُرى دَفعَتْ لله من عُصَبٍ ... ... تَمْضي على ساحِها مَوْصُولةَ العُصَبِ
هُنَا السَّلاطينُ كانتْ في مَجَالِسِهَا ... ... نُوراً من الحقِّ أو بَرْقاً من القُضبِ
هُنَا الوُفُود التي جاءت مُسَلِّمَةً ... ... فَأسْلَمَتْ أو تَلقّتْ عِزّة الأدبِ
أحْلى الأماني لديها أنْ ترى رَجُلاً ... ... شَقَّ الميادين شَقَّ الفارسِ الضَّرِبِ
وجمَّع النصْرَ من وادٍ ومن جبلٍ ... ... ومنْ بِحَارٍ ومِنْ نَهْرٍ ومن شُعبِ
حتَّى أَتَى لمضيقٍ غيرِ مٌنْفَرجٍ ... ... وزحْمةٍ من عظيم الهمِّ والنَّصَبِ
ضَاقتْ عليه فألقَى من جَحَافِلِهِ ... ... جحَافِلاً ، ورمَى بالنّار ، بالشُّهُبِ
حتّى إذا استغْلَقَ الليلُ البهيمُ وما ... ... رأى به فُرْجةً تُنْجيه مِنْ كُربِ
تَدفَّقَ النُّورُ شَلالاً يُضيء له ... ... بُشْرى من الله لم تَكْذِبِ ولم تَرِبِ
لَتُفْتَحنَّ بِلادُ الرُّوم فَاتِحُها ... ... نِعْمَ الأميرُ ونِعْمَ الجيشُ فاقْترِبِ
بُشْرى الرَّسُولِ أضَاءتْ كُلَّ نَاحِيةٍ ... ... وأشْعَلتْ هِمَّةً مِنْ فِتْيةٍ نُجُبِ
وفَتَّحتْ سُبُلاً لانَتْ مَسَالِكُهَا ... ... لصَابرٍ في سبيل الله مُحْتِسبِ
وأَحكم الأمرَ فانْسابَتْ بَوَارِجُهُ ... ... ما بينَ مُخْتَبِئ منها ومُنْسَرِبِ
حتَّى أحاطَ بها مِنْ كُلِّ ناحيةٍ ... ... وأحْكَمَ الطّوْقَ من بابٍ ومن سَرَبِ
فرُجَّتِ الأرضُ مِنْ زَحْفٍ تَموجُ به ... ... دُنْيا البطولاتِ إعْصَاراً بكُلِّ أبي
كأنَّما الأرضُ شُقَّتْ عنْهُمُ فَعَلَوْا ... ... أكْتَافَهَا ورمَوْهَا رَمْية الْعَجَبِ
وأشْرَقَ الفجْرُ والدُّنْيا تُطِلُّ على ... ... بُشْرى وآيةِ نَصْرٍ أوْ حديثِ نَبِي
بُشْرى مَعَ الدَّهر آياتٌ مُبَيّنةٌ ... ... يَرْوي ويَغْسِلُ مِنْ خَلْقٍ ومِنْ شُعَبِ
وأطْلقوا دَعْوةً لله صَادقةً ... ... تُزِيحُ مِنْ ظُلُمات الجهْلِ والحُجُبِ
كَأنَّما فَتَّحُوا غُلْفَ القُلُوبِ بها ... ... فَتْحَاً لا فَتْحاً من القُضُبِ
قُسْطَنْطِنيَّةُ هذا النُّور فَانْتَفِضي ... ... وكَبِّري واسْجُدي لله واقْتَرِبي
وهَلِّلِي يا رُبَى " اسْتَنْبُول " وائْتَلِقي ... ... وزيِّني الدَّارَ مِنْ حِلْيٍ ومِنْ قُشُبِ
وَرَفْرِفي بالهُدَى مِنْ كُلِّ رَاِبيَةٍ ... ... مَآذِناً خَشَعَتْ بالآي والرَّهَبِ
لوْلا فُتُوحُ رَسُولِ الله قُلْتَ هُنَا ... ... فَتْحُ الفُتُوحِ وهَذي زَهْوَةُ الغَلَبِ
تَسَابَقَ الخُلْفَاءُ المسلمونَ لها ... ... على الزَّمانِ سِبَاق الصَّادقِ الأرِبِ
فَلَمْ يَنَلْها سِوى هذا الفتَى قَدَراً ... ... لله يُمْضِيهِ في تُرْكٍ وفي عَرَبِ
مُحَمَّدٌ فاتِحُ الدُّنْيا وَمَا طَمَعَتْ ... ... نَفْسٌ له بِرَخِيصِ الفَتْحِ و السَّلَبِ
يَمْضِي إلى الله والفِرْدَوسُ غَايَتُهُ ... ... ولَهْفَةُ الشَّوْقِ تُنْجِيه من الرِّيَبِ
كَأنَّ وَثْبَتَهُ لله دَفْقُ هُدَى ... ... يُفَجِّرُ النُّورَ في وَادٍ وفي هِضَبِ
كَأنَّما أَنْبَتتْ أَسْيَافُهُ وَرَوَتْ ... ... وَرْداً وَعَضّتْ على الأشْواكِ والغَرَبِ
وصَارتِ الأرضُ رَوْضاً ، مِنْ أَزَاهِرِهِ ... ... طَلائِعُ الحَقِّ مِنْ صِيدٍ ومن نُجُبِ
فَتْحٌ مِن الله ما أحْلاهُ مِنْ أَمَلٍ ... ... بَلَغْتَهُ وكَريمِ السَّعي و الطَّلَبِ
***(/1)
محنة التاريخ الإسلامي
قضية التاريخ اليوم أنه الهدف الضحية في عملية العبث الأمريكي الجاري بالبرامج التربوية في البلاد الإسلامية بقدر أوسع وأشمل وبجهد أقل مما تستهدف له البرامج الدينية بالذات ، إذ أن العبث بالبرامج الدينية يجري بتخوف وحذر شديدين ، ومن ثم ينحصر في مواضع محددة لكنها شديدة الوضوح والصلابة بحيث تتكسر فيها أصابع العابثين ، ، ويجري تطبيقه في موقع تربوي مدرسي ضيق معزول بالنسبة لميدانه الجماهيري شديد الاتساع الذي يستعصي الإمساك به على أيدي الناقمين ، أما التاريخ فيمكن " الاستفراد" به إذ أنه الضحية المنبوذة التي تم طرحها بين أيدي العلمانيين منذ عقود في غفلة من أصحابه ، فما بقي إلا الإجهاز عليه في الحلقة الأمريكية الأخيرة
إننا في معركتنا الثقافية مع الغرب وقد أعلن علينا " صراع الحضارات " – ومن ثم أعلن زحفا تدميريا غير مقدس على مناهجنا التربوية … علينا أن ندرك أننا كنا وما نزال أمام معركة صليبية متجددة أشد ضراوة وأقوى تخطيطا من جميع الحملات الصليبية السابقة ، ذلك لأن الحملة الجديدة قد استفادت من أخطاء الحملات السابقة ، فأخذت تقدم لنفسها بهذه الحرب الثقافية ، والتي كان وما يزال عساكرها من المبشرين والمستشرقين ، والمستغربين ، والتي وصلت بالفعل إلى قدر من استئصالنا ثقافيا ، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج لم تحققها الحروب الصليبية في المشرق الإسلامي ، وهي نتائج لا تقل خطرا عن عملية الاستئصال التي نجحت تماما من قبل في المغرب ، في الأندلس .
وإنه لمن الغفلة التاريخية التي تصيب المسلم المعاصر أن يتوهم أن ما أعلنه الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ثم بعد دراما الحادي عشر من سبتمبر من أن عدوه هو الإسلام أن هذا توجه جديد ، ذلك أن هذا التوجه قد صاحب الاستعمار في أولى خطواته نحونا ، وإنما الجديد هو وقاحته ، وخيانته لسياسة التجميل التاريخي لوجهه القبيح ، ذلك التجميل الذي كان وما يزال يمارسه أصدقاؤه وعملاؤه في المنطقة .
ولو كان المسلمون على شيء من الوعي بتاريخهم لما اندهشوا أخيرا من انضمام الاتحاد الأوربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مناصبتها العداء للمقاومة الإسلامية في فلسطين ، ولما اندهشوا كذلك من انضمام أسبانيا إلى معسكر جوانتانامو الأمريكي في القبض على صحفي مسلم شهير لمحض أنه عقد لقاء مع ابن لادن الذي عقد غيره من صحفيي العالم لقاءات معه كنشاط مهني حر لهذا أو ذاك ، ولكن " تيسير علوني " هو من بينهم المسلم وتلك ثالثة الأثافي ، والبقية تأتي :إنه الإسلام ، العدو الأول للغرب ، أردنا أو لم نرد ، اعترفنا أو لم نعترف ، أدركنا أو لم ندرك ، سمعنا تصريحات الرئيس المبشر أو لم نسمع ، وآخرها أن العراق اصبح هو الجبهة الرئيسية على الإرهاب ، وهذا في قاموسه يعني على الإسلام
إن المعركة الدينية والسياسية والثقافية والتربوية الحالية تدرك أهمية التاريخ في صنع شخصية الأمة ، والمحافظة على ضميرها وذاتها وكينونتها .
نحن نذكر كيف تعلمنا ونحن صغار وفقا لمنهج تربوي تقليدي نابع من إحساس أصيل بالتاريخ … أقول تعلمنا وفقا لهذا المنهج نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحفظه ونتغنى به – بدءا من أبيه عبد الله إلى إسماعيل عليه السلام .
لم يكن هذا عبثا أو نافلة . كما لم يكن نافلة أن كان رسول الله صلى الله عليه يذكر نسبه ويؤكد عليه إذ يقول : ( خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح ، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي ، فأنا خيركم وخيركم أنا ) وإذ كان يقول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ) رواه مسلم . وروى الإمام أحمد في مسنده بسنده عن العباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صعد المنبر فقال : من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق ، فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فرقتين : فجعلني في خير فرقة ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ، فأنا خيركم بيتا ، وخيركم نفسا ) ، ولاشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان راضيا أشد الرضا بإجابتهم الأولى ( أنت رسول الله ) ، ولاشك أنه لم يكن به شيء من فخر الخيلاء بإجابته الثانية ، ولكنه أراد ألا يحول ذلك بينه ومعه المسلمون جميعا وبين استحضار التاريخ ، والتذكير به .
هذا بالإضافة لما ورد بكثرة في القرآن الكريم عن أخبار الأمم السابقة ، والأنبياء السابقين .
لقد صار العلم بالتاريخ – بهذه الإشارات – فرض كفاية على الأمة الإسلامية .
وأصبح فرض عين على المشتغلين بالثقافة وتوجيه الأمة .
بل إن الحد الأدنى منه يكون فرض عين في المنهج التربوي للناشئة .
وصار الجهاد في سبيله فرض عين على المسئولين عن برامجه التربوية(/1)
وصار الرأي العام الإسلامي مسئولا أمام الله في أن يكون على أشد ما تكون اليقظة لأهمية هذا التاريخ وقد وقع المنهج التربوي بكامله فريسة في يد المستعمر الأمريكي كما لم يحدث من قبل
إن الخطر القادم على الفرد والمجتمع من هذه الثغرة خطر وجود ، لأن إسقاط تاريخ الأمة – وهو ما يعمل من اجله المشروع الأمريكي في مناهجنا التربوية - يساوي فقدان ذاكرة الفرد ، وماذا يساوي الفرد الذي فقد الذاكرة .
لقد أصبح ما يسمى ( الذاكرة الجماعية ) – كما يقول الدكتور إدوارد سعيد – حقلا دراسيا هاما يحظى باهتمام كبير من المؤرخين ، وهناك اتفاق لديهم على أن الذاكرة الجماعية ليست شيئا هامدا أو سلبيا ، وإنما هو حقل يتم فيه اختيار وإعادة صياغة الأحداث القديمة وإعطاؤها معنى جديدا ، ومن ثم إعادة صياغة شخصية الفرد والمجتمع وفق هوى العابثين بتاريخه.
ولقد عني الصهاينة بذلك عناية كبرى : وتظهر المؤرخة الأمريكية الصهيونية ييل زيروفابل في كتابها ( الجذور المستعادة : الذاكرة الجماعية و تشكيل التقليد الوطني الإسرائيلي ) الصادر عام 1995 أن قصة الانتحار الجماعي لليهود في روما في قلعة "مسادا " لم تكن معروفة لغالبية اليهود قبل أواخر القرن الماضي ، وتقول إن شهرة القصة بدأت عند ترجمة كتاب " حروب اليهود " للمؤرخ اليهودي القديم جوزيف إلى العبرية في عام 1862 ، وأعيد تركيبها لتصبح " نقطة تحول رئيسية في التاريخ اليهودي ، وحجا لليهود في العصر الحالي وموقعا أثريا شهيرا ، ورمزا سياسيا معاصرا "
ومن هذا المنطلق : ألا وهو إدراك أهمية التاريخ في سياق الغزو الفكري للعالم الإسلامي أخذت تنهال المعاول على تاريخنا بقسوة وشماتة ، بهدف إفراغ المسلم من ماضيه ، واقتلاعه من جذوره ليصبح بعد ذلك مطواعا لكل تيار جديد ، وليصبح خلعه من دينه بعد ذلك أمرا ميسورا.
إنها معركة خاضت مثيلاتها – كما يقول إدوارد سعيد - كل الشعوب التي تعرضت للاستعمار ، والتي سيطرت عليها قوى خارجية احتلت الأرض أولا ثم أعادت كتابة التاريخ لكي تكتسب شرعية وجودها في تلك الأرض ، وشعرت كل دولة استقلت بعد تفكيك الامبراطوريات الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الثانية بضرورة استعادة تاريخها بأقصى ما يمكن من البعد عن الأحكام المسبقة التي أدخلها المؤرخون الأجانب ، ومن لف لفهم .
و للمستشرقين دور في هذه العملية الموجهة ضد التاريخ الإسلامي يقول إدوارد سعيد: 0( إن المستشرقين الغربيين المحدثين يعيدون كتابة تاريخ الإسلام كقصة لا تنتهي من الحقد واللاعقلانية حتى يبدو الوجه العربي والمسلم لفلسطين وكأنه جزء ضائع أو حتى غير موجود ) راجع حديث لإدوارد سعيد بعنوان " جناية النزعة القومية على التاريخ " بجريدة الخليج 24\8\1996.
ومن الواضح لدينا أن الأمر لم يقتصر على المؤرخين الغربيين وإنما شاركهم في ذلك أتباعهم من أبناء البلد ، كما شاركت بصفة جوهرية مناهج التربية في المدارس والمعاهد والجامعات . فضلا عما سيأتي بعد . وإلا فمن أين جاء الجهل المطبق بين أجيال هذه الدور بتاريخنا مع الصليبيين والصهاينة والاستعمار ، وتاريخ فلسطين .
ولقد اتخذ هذا الغزو في مجال التاريخ : ثلاثة اتجاهات :
اتجاها لتجميل الصورة - الشائهة أصلا - لتاريخ الأعداء .
واتجاها إلى تشويه مالا يمكن محوه من التيار العريض لتاريخنا الإسلامي .
واتجاها إلى المحو ، حيث يكون ذلك ممكنا من تاريخنا ، في مجال ما قد يظن أنه دائرة صغيرة من دوائر التاريخ الإسلامي يمكن الإجهاز عليها .
وفي جميع الأحوال كان الهدف هو إخراج الإسلام من الساحة . فبمحو التاريخ الإسلامي أو تشويهه يتم إخراج الإسلام من الساحة بدعوى أنه لم يكن له دور إيجابي ، وبتجميل تاريخ أعداء الإسلام يتم إخراج الإسلام من الساحة بدعوى أنه لم يكن لتحركهم تجاهنا أسباب دينية .
وأخيرا فإن علينا – وبخاصة في عصر جلد الذات الذي نعيشه اليوم لدوافع بعضها خبيث هدام – أن نقبل على دراسة تاريخنا بحب ومودة ، وأن نكون واثقين من قدرتنا على أن نصنع من المجد مثلما صنع آباؤنا ، وفي هذا الأمل الواثق يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل أمتي مثل المطر ، لا يدرى أوله خير أم آخره ) رواه الترمذي والحاكم والطبراني في الأوسط ، والبزار بإسناد حسن.
في سياق الاعتداء على التاريخ الإسلامي تجري عمليات تجميل تاريخ الأعداء في علاقتهم معنا أو تخفيف مدى القبح فيهم ، حيث يقوم الخونة من عملائهم وأذيالهم بتفسير مواقفهم في أحسن الأحوال على وجوه شتى : تفسيرات حضارية ، أو اقتصادية ، أو اجتماعية ، أو تطورية ، أو عرقية ، أو مصلحية ، أو ديموقراطية ، أو استعمارية محبوبة ! أو تحريرية موبوءة ؟؟! وفي جميع الأحوال يظهر الحرص على كتمان التفسير الديني : والهدف من ذلك كما سبق أن قلنا إخراج الإسلام من الساحة .(/2)
وبهذا جميعه يتم تعمية المستقبل على المسلمين بجعلهم يجهلون : من العدو ؟ فإذا جهلوا من عدوهم جهلوا من صديقهم ، فوقعوا في مصادقة العدو ، ثم وقعوا في عداوة الأصدقاء كما هو الحال اليوم
فإذا ذهبنا نستعرض كيف تم تجميل وجه الأعداء فإننا نتعرض هنا : للموجات : الصليبية ،.
يقول الدكتور قاسم عبده في كتابه ماهية الحروب الصليبية تأليف الدكتور قاسم عبده العدد 145 من سلسلة عالم المعرفة – الكويت ص 13 ( لقد استقر في الوجدان الشعبي الأوربي والأمريكي أن الحملة الصليبية لابد أنها كانت بالضرورة حملة نبيلة القصد والهدف ، بل إننا كثيرا ما رأينا قادة الرأي والساسة الغربيين يستخدمون مصطلح " الحملة الصليبية " بهذا المفهوم النبيل والخيِّر والعادل ) . ومن الغريب أن الدكتور قاسم عبده يرى أن تجريد هذه الحملات من هذا التزويق يكون بتجريدها من وصف " الصليبية" الذي وقعنا فيه عن طريق شباك الترجمة عن الأوربيين ، وأن الأولى بنا أن نعود إلى تسميتها بما سماها به المؤرخون العرب في بداية الأمر ، يقول سيادته ص 15: ( ووجه الخطورة في هذا المصطلح عند ما يستعمل في اللغة العربية فإنه يوحي بأن الحركة كانت ترتبط بالصليب رمز المسيحية . ولا تقدمها في إطارها الصحيح !!! باعتبارها مغامرة استيطانية ) . ومع تقديرنا لهدف سيادته المعلن وهو تجريد تلك الحملات من زيف النبالة والانتساب للدين ، فإننا نختلف معه في الوسيلة التي تؤدي إلى عكس ما أراد : إذ في هذه الوسيلة دفاع عن الصليبية بوجه أو بآخر ، وهو تزويق آخر بوجه آخر ، ونحن نرى أن هذه الحملات إن أنكرنا عليها أن يكون الصليب هدفا - جدلا - فإن أحدا لا يمكن أن ينكر أنه كان أداة ، وعود على بدء ففي الحالين يكون الصليب قد قام بالدور الأساسي في هذه الحروب وفقا لمعتقدات أصحابه ، ومهما قلنا بأن الصليب لم يكن هدفا ، وإنما كان الاستيطان ، فهذا لا ينفي أن الاستيطان الذي تحدث عنه سيادته هو استيطان الصليب . وهذا ما نستند إليه فيما يقول الدكتور قاسم عبده نفسه: ( إن الحملة الصليبية كانت التطور المنطقي للحج المسيحي إلى فلسطين .. وإن أوربا التي بدأت تشعر بقوتها رفضت بقاء أرض المسيح بأيدي المسلمين الذين صورتهم الدعاية الكنسية في صورة الكفار المتوحشين . يقول البابا أربان الثاني من أكبر الدعاة إلى الحملة الصليبية الأولى عن المسلمين في سيل من الأكاذيب : " إنهم جنس غريب على الرب تماما ، قد غزا أرض أولئك المسيحيين ، وأخضع الناس بالسيف والتدمير والحريق ، كما حمل بعضهم أسرى إلى بلاده ، وذبح البعض بوحشية ، وسوى الكنائس بالأرض ، وأجروا عمليات الختان للمسيحيين ، وصبوا دماء الختان على مذابح الكنائس أو في أواني التعميد" )
ثم يقول الدكتور قاسم ( كانت الفكرة التي ملكت عقول أبناء الغرب الأوربي في أخريات القرن الحادي عشر الميلادي هي فكرة تخليص الأرض المقدسة من المسلمين ، وقد أدى هذا بالضرورة إلى إبراز أهمية القيام بحملة مسلحة - وهي الحملة الصليبية – لتحقيق هذا الهدف ، ولقد كانت الفكرة الحاسمة في كليرمون عام 1095 هي عسكرة الحج ، وإضفاء طابع القداسة على هذه الممارسة . كان الصليبي في حقيقته حاجا من طراز خاص ، إذ كان يتمتع بامتياز حمل السلاح ، وكان السيف الذي يحمله الصليبي مباركا من الكنيسة باعتباره جنديا في جيش المسيح ، كما كانت سائر مهمات الحاج هذا تحظى بمباركة الكنيسة ، ثم توارت كلمة حاج التي استخدمها المؤرخون الذين عاصروا الحملة الأولى رويدا رويدا ، وأخذت تحل محلها كلمة " جندي المسيح " ثم " صليبي " ، وكان أهم عناصر الحملة المقدسة التي دعا إليها البابا يتمثل في مفهوم " الغفران " الذي كان هو العنصر الأهم في عيون الفرسان ، والعامة ، لقد خطب البابا أربان الثاني في كليرمون قائلا : " إنني أخاطب الحاضرين ، وأعلن لأولئك الغائبين – فضلا عن أن المسيح يأمر بهذا – أنه سوف يتم غفران ذنوب كل أولئك الذاهبين إلى هناك إذا ما انتهت حياتهم بأغلالها الدنيوية ، سواء في مسيرتهم على الأرض أو اثناء عبورهم البحر ، أو في خضم قتالهم ضد الوثنيين !! ، وهذا الغفران أمنحه لكل من يذهب بمقتضى السلطة التي أعطاني الرب إياها " .ثم تحول هذا الغفران الجزئي في الحملة الأولى إلى غفران كامل في الحملة الثانية – 1145-1149م – ويؤدي هذا الغفران – في زعمهم – إلى غفران جميع الخطايا والإعفاء من التوبة والتكفير . )
ومن قراءة نصوص الروايات التي أوردها المؤرخون حول خطبة البابا أربان الثاني في كليرمون ، يتبين : أنه كان يدعو إلى حملة مقدسة هدفها فلسطين اعتمادا منه على نصوص وردت في الأناجيل المسيحية ، وأهمها نص من إنجيل لوقا يقول : " ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا " .(/3)
وانه كان يدعو إلى هذه الحملة المسلحة باسم الرب بوصفه نائبا عنه في الأرض ، يقول البابا : ( إنني لست أنا ولكن الرب هو الذي يحثكم باعتباركم وزراء المسيح أن تحضوا الناس من شتى الطبقات ) - راجع كتاب ماهية الحروب الصليبية للدكتور قاسم عبده ص 110 – 111 - ثم برر البابا هذه الحرب بأن هدفها أن تحرر الكنيسة الشرقية من ربقة المسلمين ، وأن تخلص الأرض المقدسة من سيطرتهم ، هذه الأرض التي وصفها الكتاب المقدس بأنها تفيض باللبن والعسل ، ووصفها أربان الثاني بأنها ميراث المسيح .
ثم أشار البابا إلى منح الغفران الجزئي لكل من سيشارك في هذه الحملة سواء مات في الطريق إلى الأرض المقدسة ، أو قتل في الحرب ضد المسلمين .
وقد لقيت هذه الخطبة استجابة فورية هائلة من الحاضرين ، وتجسدت هذه الحماسة في عبارة أخذ يرددها جمهور الحاضرين ، معناها ( الرب يريد ) ، وسارع الكثيرون إلى البابا يقسمون أمامه على القيام بالرحلة ، كما أخذ كثيرون يخيطون صلبانا من القماش على ستراتهم رمزا لأخذهم شارة الصليب . وتم الاعتراف بجميع الفرسان الذين أقسموا على الذهاب جنودا في جيش الرب . وصار الصليب شارة كل فارس في كل حملة صليبية .
وبعد خطبة البابا قام برنارد مقدم دير كليرفو بشرح ما قاله البابا قائلا : ( أيها الجندي الباسل يارجل الحرب : الآن لديك قضية تجعلك تقاتل دون أن يحيق الخطر بروحك ، قضية النصر فيها مجيد ، والموت في سبيلها مكسب ، إن باستطاعتي أن اقدم لك صفقة محترمة ، فلا تجعل هذه الفرصة تفوتك ، خذ شارة الصليب وفي الحال ستنال الغفران على كل خطاياك . ولن يكلفك كثيرا أن تشتري مكافأة السماء إذا ارتديت شارة الصليب في تواضع ) كتاب ما هية الحروب الصليبية للدكتور قاسم عبده ص 30
ثم حدث تطور جديد في منح الغفران ، فقد صارت البابوية تمنحه لمن يرسلون المحاربين بدلا منهم ، ولمن يساهمون بأموالهم في تمويل إحدى الحملات ، عوضا عن المشاركين بأنفسهم .
يقول أحد البابوات في عام 1246 م : ( نحن نمنح الغفران لكل أولئك الذين أخذوا على عاتقهم إنجاز هذا العمل شخصيا ، وعلى نفقتهم كما نمنح الغفران لأولئك الذين لا يشاركون في الحملة شخصيا ، ولكنهم يرسلون المحاربين اللائقين على نفقتهم حسب إمكاناتهم ، ونمنحه أيضا للذين يقومون بهذا العمل على نفقة الآخرين ، ونحن نرغب في أن يتمتعوا بكل الحصانة والامتيازات التي نمنحها في المجمع الكنسي العام ، لمن يساعدون الأرض المقدسة ) كتاب ماهية الحروب الصليبية ص 33
حتى الأطفال كان لهم دور : ففي أوائل القرن الثالث عشر خرجت حملة عجيبة من أوربا الغربية عرفت باسم ( صليبية الأطفال ) بقيادة صبي فرنسي في الثانية عشرة من عمره اسمه استيفن زعم أنه تلقى خطابا من المسيح يخبره بأن العناية الإلهية اختارته لقيادة حملة من الأطفال الأبرياء الذين سوف يستردون – في زعمه – مدينة القدس ، بعد أن فشل الملوك والأمراء والبابا وغيرهم في استعادتها بسبب ذنوبهم ، وخرج معه بضع مئات من الأطفال من باريس وغيرها من أقاليم فرنسا ، وانضم إليها عدد من صغار لقساوسة ، وسار موكب حملة الأطفال الصليبية حتى مرسيليا في انتظار أن ينشق البحر أمامهم في معجزة مثل تلك التي حدثت لموسى عليه السلام ، ثم جاءت سفن نقلت عددا منهم إلى جهة مجهولة .
ويبدو أن أطفال ألمانيا أحسوا بالغيرة حين وصلت أنباء حملة استيفن إلى حوض الراين ، فخرجت من ألمانيا حملة أخرى بقيادة صبي اسمه نيقولا من إحدى قرى إقليم الراين ، وتخلف بعضهم في الطريق ، أما الذين سافروا فلم يعرف أحد ماذا جرى لهم على وجه اليقين . كتاب ماهية الحروب الصليبية ص 150-151
يقول الدكتور قاسم عبده : ( إنه إذا كان الفارس الإقطاعي في غرب أوربا في القرن الحادي عشر متوحشا همجيا مولعا باللذات الحسية ، لكنه كان في الوقت نفسه متدينا على طريقته ، فقد كان يتقبل تعاليم الكنيسة بلا منا قشة ، وكان كثير منهم يؤدون الطقوس والشعائر الكاثوليكية .. وكان من عادتهم منح الهبات السخية للأديرة ) كتاب ماهية الحروب الصليبية ص 72
وفي مكة المكرمة في أيام صلاح الدين وبعد أن بسط سلطانه على منطقة تمتد من النيل إلى الفرات قام الصليبيون بعدة غارات عبر شبه جزيرة سيناء ، ووصلت قواتهم حتى بحيرات البردويل في منطقة السويس ، وشنوا غارات على تيماء في شبه الجزيرة العربية ، وحاول أرناط أمير الكرك أن يقتحم البحر الأحمر ويغزو مكة والمدينة وهاجم بعض مواني مصر والحجاز لولا أن الأسطول المصري سحق أسطوله تماما كتاب ماهية الحروب الصليبية ص 72
و بعد أن عرفنا ماذا حدث في تحريك النفوس باسم الصليب لننظر بعد ذلك ماذا حدث في تحريك الرءوس والرقاب عن أكتافها باسم الصليب أيضا :(/4)
بعد أن غزا نقفور الحمدانيين عام 964م استعد لغزو جديد فأرسل إنذارا إلى الخليفة العباسي في بغداد يهدده بالويل والثبور ، وينذره بأن الجيوش البيزنطية لن تلبث أن تستولي على بلاد العراق والشام ومصر ، وأنه من الخير للخليفة أن ينسحب إلى بلاد الحجاز ، ويترك تلك البلاد لأصحابها !! – هكذا في دورة مبكرة من منطق الاستعمار الذي سيظهر في القرن التاسع عشر من بعد في المنطقة– القدامى البيزنطيين ، وكان إنذاره يفيض بالروح الصليبية ، إذ ضمنه – كما يقول الدكتور سعيد عاشور – عبارات دينية ، وتهديد صريح بهدم الكعبة ، ونشر المسيحية ، في الشرق والغرب جميعا ) الحركة الصليبية للأستاذ الدكتور سعيد عاشور نشر مكتبة الأنجلو الجزء الأول ص 60-61
وفي الهجوم الصليبي على بيت المقدس الذي بدأ ليلة 14 يوليو 1099م واشتد في صباح اليوم التالي لم يسع الجندَ المسلمين المدافعين عن بيت المقدس سوى الفرار للاحتماء بالمسجد الأقصى ، فتبعهم الصليبيون واقتحموا المسجد وأحدثوا بداخله مذبحة وحشية رهيبة ، وكما يقول أحد مؤرخيهم (كان جنودنا يخوضون حتى سيقانهم في دماء المسلمين ) المصدر السابق ج1 ص 243
ولم يترك الصليبيون مسلما في الطرقات أو البيوت أو المساجد إلا قتلوه واستباحوا دمه دون أن يفرقوا بين رجل وامرأة ، وطفل . وأجهزوا على كل من احتمى بالمسجد الأقصى ، وعددهم أكثر من سبعين ألفا ، منهم جماعة من أئمة المسلمين وعلمائهم ، وعبَّادهم ، وزهادهم . وقد ذكر هذا العدد ابن الأثير من المسلمين ، وابن العبري الملطي من المسيحيين ، الذي قال ما نصه : ( ولبث الفرنج في البلد أسبوعا يقتلون فيه المسلمين ، وقتل بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا ) .
وذكر وليم الصوري أن بيت المقدس شهدت عند دخول الصليبين مذبحة رهيبة ، حتى أصبح البلد : مخاضة واسعة من دماء المسلمين ، أثارت خوف الغزاة واشمئزازهم . وكذلك ذكر مؤرخ صليبي حضر تلك الأحداث أنه عندما زار الحرم الشريف غداة المذبحة الرهيبة التي أحدثها الصليبيون ، لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء المسلمين إلا بصعوبة بالغة ، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه ، ولم يكن اليهود أحسن حالا من المسلمين ، ( إذ جمع اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم ) المصدر السابق 244
وعندما استولى الصليبيون على قيسارية في 17 مايو 1101 م أحدثوا كما تشير المراجع الغربية نفسها مذبحة وحشية قتلوا فيها كثيرا من أهلها الأبرياء ، وعند ما احتمى بعض أهلها بجامع المدينة لاحقهم الصليبيون وذبحوهم داخل الجامع عن آخرهم ، دون أن يفرقوا بين الرجال والنساء حتى تحول الجامع إلى بركة كبيرة من دماء قتلى المسلمين ) المصدر السابق 294
ولقد كانت محاولة غزو مصر في الحملة الصليبية الخامسة عام 1218 م ، والحملة السابعة التي تمت عام 1249 بقيادة لويس التاسع .. كلتيهما تمتا باعتبارهما محاولة من جانب البابوية الكاثوليكية للدفاع عن بقايا الوجود الصليبي في فلسطين والذي كان قد تقلص على يد صلاح الدين ، في عام 1187 م
وفي الأندلس – وفي جو الحملات الصليبية في الشرق – دعت البابوية فرسانها إلى القتال ضد مسلمي الأندلس ، تماما كالاشتراك في الحملة الصليبية في فلسطين ، يقول البابا في وثيقة صدرت عنه عام 1099 موجهة إلى بعض أمراء الأسبان : " إذا كان الفرسان في إقليم آخر قد قرروا جميعا الذهاب لمساعدة الكنيسة الأسيوية ( !!) وأن يحرروا إخوانهم من طغيان المسلمين ( !!) فإنه ينبغي عليكم أيضا وبتشجيع منا أن تبذلوا قصارى جهدكم ، ولا ينبغي لأحد أن يشك في أن خطاياه سوف تغتفر إذا مات في هذه الحملة ، حبا في الرب ، وفي إخوانه ، وأنه سوف ينال بالتأكيد نصيبه في الحياة الخالدة بفضل رحمة الرب الواسعة . ولذا فإنه إذا كان أحدكم قد قرر الذهاب إلى آسيا ، فعليه أن يفي بقسمه هنا ، ذلك لأنه ليس من الخير في شيء أن ننقذ المسيحيين المسلمين في مكان لكي نعرضهم لطغيان في مكان آخر ) ماهية الحروب الصليبية للدكتور قاسم عبده ص44
وأخيرا يصرح الدكتور قاسم عبده تحت ضغط الحقائق التي ينقلها من مصادرها .. بالوجه الصليبي الكنسي الكاثوليكي لهذه الحروب ، فيقول : ( الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك أن الحركة الصليبية لم تكن لترى النور إلا بعد أن مهدت الكنيسة الكاثوليكية الأرض بصياغة أيديولوجية الحرب المقدسة ) ماهية الحروب الصليبية ص 72 ، 45
، وكما يقول عن الفارس الإقطاعي في غرب أوربا في القرن الحادي عشر المشارك في تلك الحروب ( كان متدينا على طريقته ، فقد كان يتقبل تعاليم الكنيسة بغير مناقشة )
إنه مذهب الإرجاء المسيحي : لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة !!
وفي الصليبية الثانية : لننظر في الاستعمار الأوربي لبلادنا الإسلامية ، وقيامه على التوجه الديني ، والعداوة الخاصة للإسلام .(/5)
يقول الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي بمصر في ندوة رابطة الجامعات الإسلامية بعنوان " الإعلام الدولي وقضايا العالم الإسلامي " المنعقدة برحاب جامعة الأزهر في 30 \ 11 \1998 : ) إن الهجوم على الإسلام والمسلمين ليس وليد اليوم أو الأمس القريب ، ولكنه يرجع إلى نشأة الإسلام نفسه ، ولم يتوقف الهجوم ولم ينته ) جريدة الشعب في مصر 31\11 \ 1998
يقول لورنس براون :0 كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة لكننا بعد الاختبار لم نجد مبررا لمثل تلك المخاوف ، كانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي ، والخطر الياباني الأصفر ، والخطر البلشفي ، ثم تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا ، والبلاشفة الشيوعيون حلفاؤنا ، أما اليابانيون فإن هناك دولا ديموقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم ، لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام ، وفي قدرته على التوسع والإخضاع ، وفي حيويته المدهشة ) التبشير والاستعمار للدكتور عمر فروخ والخالدي ص 184
ويقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه باثولوجيا الإسلام : ( إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس ، وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا ، بل هو مرض مريع ، وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الكسل والخمول ، ولا يوقظه من الخمول إلا ليدفعه إلى سفك الدماء ، والإدمان على معاقرة الخمور ، وارتكاب جميع القبائح ، وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رءوس المسلمين فياتون بمظاهر الصرع والذهول العقلي إلى ما لانهاية ، ويعتادون على عادات تنقلب إلى طباع أصيلة ككراهة لحم الخنزير !! ، والخمر والموسيقى ، إن الإسلام كله قائم على القسوة والفجور في اللذات ، وأعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين ، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة ، وتدمير الكعبة ، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر !! ) الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر للدكتور محمد محمد حسين ج 1 ص321
ويقول المبشر تاكلي : ( يجب أن نستخدم القرآن ، وهو أمضى سلاح فبي الإسلام ضد الإسلام نفسه ، حتى نقضي عليه تماما ، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدا ، وأن الجديد فيه ليس صحيحا ) التبشير والاستعمار للدكتور عمر فروخ ، والدكتور الخالدي ص 40 ط 4
ومن قادة الغرب المعاصرين :يقول لورنس براون ( إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي ) التبشير والاستعمار للدكتور عمر فروخ ، والدكتور الخالدي ص 40 ط4
ويقول مستر جلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ( مادام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ) كتاب الإسلام في مفترق الطرق لمحمد أسد ص 39
ويقول أنطوني ناتنج في كتابه " العرب " : منذ أن جمع محمد – صلى الله عليه وسلم – أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي وبدا أول خطوات الانتشار الإسلامي فإن على العالم الغربي أن يحسب حساب الإسلام كقوة دائمة وصلبة تواجهنا عبر المتوسط ) .
ويقول أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ، ومستشار الرئيس جونسون لشئون الشرق الأوسط حتى عام 1967 : (يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول وشعوب ، بل هي خلافات بين الحضارة المسيحية والحضارة الإسلامية ، لقد كان الصراع محتدما ما بين المسيحية والإسلام من القرون الوسطى ، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة ، ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب ، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي ) كتاب دمروا الإسلام ص 23
ويقول أشعيا بومان في مقال نشره في مجلة العالم الإسلامي التبشيرية : ( إن شيئا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي من الإسلام ، لهذا الخوف أسباب ، منها أن الإسلام منذ ظهر في مكة لم يضعف عدديا ، بل إن أتباعه يزدادون باستمرار ، من أسباب هذا الخوف أن هذا الدين من أركانه الجهاد ) كتاب دمروا الإسلام ص 37
ويقول الحاكم الفرنسي للجزائر بعد مرور مائة سنة على استعمارها ( إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرءون القرآن ، ويتكلمون العربية ، ولذا يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم ) كتاب دمروا الإسلام ص 30
ويقول مورو بيرجر في كتابه " العالم العربي المعاصر " : ( إن الخوف من العرب ، واهتمامنا بالأمة العربية ، ليس ناتجا عن وجود البترول بغزارة عند العرب ، بل بسبب الإسلام ، يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب ، التي تؤدي إلى قوة الإسلام ، لأن قوة العرب تتصاحب دائما مع قوة الإسلام وانتشاره . إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر في القارة الأفريقية ) مجلة روزاليوسف بتاريخ 29\6\1963(/6)
ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا : ( رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها فإن الخطر لا يزال موجودا من انتفاض المقهورين المغلوبين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم ، لأن همتهم لم تخمد بعد ) كتاب الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي للدكتور محمد البهي ص 19
وليس هذا نبشا في نفايات التاريخ كما يحلو لبعض المخدرين أن يقول فهاهو ريتشارد نيكسون الرئيس الأسبق للولايات المتحدة يقول: ( للعمل داخل العالم الإسلامي فإن على صناع السياسة الأمريكية المناورة داخل وكر أفعى من سم النزاعات الأيديولوجية والصراعات الوطنية) ، ويقول : ( لا توجد دولة – حتى الصين الشيوعية – تحظى بصورة سلبية في الضمير الأمريكي كما هو الحال بالنسبة للعالم الإسلامي ) ، ولكنه يعود فيطمئن مواطنيه بسبب تفرق المسلمين ، فيقول : ( وهذا السيناريو الكابوس لن يتحقق أبدا .إن العالم الإسلامي كبير جدا ومترامي الأطراف ومتعاكس ومتناقض ليزحف نحو قرع طبل واحد ) ويقول : ( إن علينا أن ننشر الفضيلة في العالم !! وفقا لمعتقداتنا الدينية ) كتاب انتهزوا الفرصة لريتشارد نيكسون ترجمة حاتم غانم نشر شركة قايتباي بالإسكندرية ط أولى ص23 ، 45، - 39 – 44
وهانحن أخيرا نقرأ تصريحا نشرته جريدة الخليج بعددها الصادر في 7\10\1999 للكاردينال بول بوبارد أحد المقربين من البابا يوحنا بولس الثاني ورئيس ( المجلس الحبري للثقافة ) إذ يقول ( إن الإسلام يشكل تحديا مرعبا بالنسبة للغرب ويشكل خطرا بالنسبة للأمل المسيحي ) معترفا في نفس الوقت بأن ( لا علاقة للإسلام بالتطرف الإسلامي ) وأوضح في حوار أجرته معه صحيفة لوفيغارو ( إن هذا التحدي يتمثل في كون الإسلام دينا وثقافة ومجتمعا ونمطا للعيش وللتفكير وللممارسة ) ، وهي بالمناسبة هدية يقدمها لدعاة الحوار مشارك فعلي في هذا الحوار .
أما الرئيس الأمريكي المبشر فقد أعلنها حربا صليبية صريحة على الإسلام لا تحتاج منه إلى اعتذار
والله اعلم
أد : يحيى هاشم حسن فرغل
محنة التاريخ الإسلامي
(2-3)
أد يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
التشويه
اتخذ الغزو الثقافي في مجال التاريخ كما ذكرنا في مقال سابق : ثلاثة اتجاهات ، اتجاها لتجميل الصورة - الشائهة أصلا- لتاريخ الأعداء واتجاها إلى تشويه مالا يمكن محوه من تاريخنا ، واتجاها إلى المحو ، حيث يكون ذلك ممكنا
و نتحدث هنا عن الاتجاه الثاني : في تشويه مالا يمكن محوه ، حيث نجده في تاريخ الصحابة ، وتاريخ الدولة الأموية والعباسية والعثمانية والحملة الفرنسية أيضا .
ففي تاريخ الصحابة : بدأ الغزو هنا بالتركيز على الصحابة والتابعين ، كأنما لم يجد الغزاة مجالا يكتبون فيه بحوثهم الرشيقة ، أو مقالاتهم الرصينة أو قصصهم الجذابة إلا فترات الفتنة التي لا تتعدى بضع سنين هنا أو بضع سنين هناك :
إنهم يكتبون عن " الفتنة الكبرى " ، ويهمشون السيرة النبوية بجعلها أساطير كأساطير اليونان، ويكتبون عن " الحسين ثائرا " أو ثأر الله " ، ويكتبون عن عليّ رضي الله عنه : " إمام المتقين" ، فماذا يكون محمد صلى الله عليه وسلم إذن ؟ ويكتبون عن يزيد ، والحجاج .. وقرأناهم ، واستمتع بعضنا بهم..وانزلق بعض رجال الدعوة الإسلامية – وهذا هو موطن الخطر – ووقعوا في الفخ ، وصاروا يوجهون سهام نقدهم إلى فترات التاريخ الإسلامي ، ولا يجدون فيه – انسياقا مع هذا المخطط - فترة تستحق الاحترام غير الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم ، أو بعضهم في بعض الأحيان . فسهلوا على الغزاة اقتحام بقية الحصون . وصار المسلم المعاصر يشعر بالعار أمام تاريخه الطويل .وجاء العلمانيون – أخيرا – ليحصدوا الثمار قائلين : ها لقد فشل الإسلام تاريخيا، فعليكم أن تواروه التراب .
لو كنا على وعي كاف بأبعاد المعركة لوقفنا جميعا ضد هذا التيار ، ودافعنا عن الصحابة ، من منطلق إيماننا واستنادنا إلى ما هو أقوى من رواياتهم المكذوبة بحكم المنهج العلمي الصحيح .(/7)
فالله سبحانه وتعالى يقول : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )، ويقول : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) ، ويقول : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) ،ويقول ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، ) ، والمراد بمن معه – عن ابن عباس رضي الله عنهما – من شهد الحديبية ، أهل بيعة الرضوان ، الذين بايعوه تحت الشجرة ، وكان عددهم 1115 صحابيا . وقال جمهور العلماء : المراد بهم جميع أصحابه صلى الله عليه وسلم . وفي الصحيحين ( لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، وروى الترمذي بسنده عنه صلى الله عليه وسلم قوله : ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) .
. ويقول صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الحاكم : صحيح على شرطهما ، ولا أعلم له علة .
وفي الصحيحين ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ،وقد جمعهم الله تعالى في آية واحدة هي قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ، ولا يرضى الله إلا عمن علم حسن خاتمتهم ووفاتهم على المحجة البيضاء
وفي قوله صلى الله عليه وسلم ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) نجد طائفتين من الأئمة والعلماء : من يستشهدون به على فضل الصحابة .
ومن يحكمون بضعفه – أو بوضعه – لكن بعض هؤلاء يقبل معناه ،استنادا إلى حديث آخر صحيح أخرجه مسلم بسنده عن أبي بردة عن أبيه قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء ، قال فجلسنا فخرج علينا فقال ما زلتم ههنا ؟ قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء ، قال أحسنتم أو أصبتم . قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء ، فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون )
وممن استشهد بحديث ( أصحابي كالنجوم ) ابن عبد البر في كتابه التمهيد ج 4 ص 263- 267 بعد حكايته خلافا بين ابن عباس والمسور بن مخرمة رضي الله عنهم في حكم غسل رأس المحرم : ورجوعهما في ذلك إلى أبي أيوب الأنصاري ، وأخذهما بما نقل أبو أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال ابن عبد البر : ( وهذا يبين لك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : أصحابي كالنجوم ) هو على ما فسره المزني من أهل النظر أن ذلك في النقل ، لأن جميعهم ثقات مأمونون عدل ، فواجب قبول ما نقل كل واحد منهم ، وشهد به على نبيه ) .
وفي تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري ج10ص155 –156 بعد شرح حديث" أنا دار الحكمة وعلي - أي ابن أبي طالب رضي الله عنه - بابها " أي الذي يدخل منه إليها ، وأنه لا يعني أن عليا بابها الوحيد يقول : ( ومما يدل على أن جميع الأصحاب بمنزلة الأبواب قوله صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " )
وجاء في المغني لابن قدامة المقدسي ج 3 ص 269 بعد أن ذكر قضاء الصحابة في بعض أحكام الصيد في حالة الإحرام : ( ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم ) وقال ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) ولأنهم أقرب إلى الصواب وأبصر بالعلم فكان حكمهم حجة على غيرهم كالعالم مع العامي ).
وقال القاري في شرح قوله صلى الله عليه : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به ..كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) – فيما نقله عنه المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي ج10-ص196 : ( والمراد بالأخذ عنهم التمسك بمحبتهم .. وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) .
أما الحافظ ابن حجر العسقلاني فبعد أن يذكر أوجه الضعف في سند الحديث يذكر ما قاله الإمام البيهقي في صحة معناه ، لتطابقه مع معنى الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم بلفظ ( النجوم أمنة أهل السماء ) إلخ : ثم يقول : قلت : صدق البيهقي هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة ، وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض والله المستعان اهـ
في موقع الصدر الأول بين المثالية والواقعية يخوض الخائضون في اختلاف الصحابة ، ويمارسون ما يمارسون من تشويه التاريخ الإسلامي(/8)
ونذكر هنا ردا على ذلك ما روي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كان يقول : ما سرني لو أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة " ، ويقول الإمام الخطابي في غريب الحديث : والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام : الأول في إثبات الصانع ووحدانيته وإنكاره كفر ، والثاني في صفاته ومشيئته وانكارهما بدعة ، والثالث في أحكام الفروع المحتملة وجوها ؛ فهذا جعله الله رحمة وكرامة للعلماء ، وهو المراد بحديث اختلاف أمتي رحمة . انتهى .
و أخرج الخطيب عن هارون الرشيد قوله لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله نكتب هذه الكتب يعني مؤلفات الإمام مالك ونفرقها في آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة . قال يا أمير المؤمنين إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة كل يتبع ما صح عنده وكل على هدى وكل يريد الله تعالى. أهـ من كشف الخفاء .
يقول الإمام ابن حجر : ( اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة أنه يجب على كل أحد تزكية جميع الصحابة ، وإثبات العدالة لهم ، والكف عن الطعن فيهم ، مع الثناء عليهم فقد أثنى الله عليهم في كتابه العزيز ) . وقد اعتبر علماء المسلمين – ومنهم الإمام مالك رضي الله عنه – أن القدح في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح في الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتلفيق الروايات في مثالبهم وخلافاتهم لا يعدو أن يكون القصد منه الرسالة المحمدية ،والذي جاء بها ، والذي جاء فيها .
ونحن نقول : - وبناء على ما تقدم من تحقيق منهجي في مكانة الصحابة يصبح - على المسلم أن يرفض أي رواية تاريخية تخالف ذلك لأنها كاذبة في منهجه العلمي والإيماني معا
إنه من الغريب أن بعض هؤلاء الذين يشككون في الصحابة يتساهلون إلى أبعد حد في قبول بعض أخبار التاريخ ، وقد يكون نبأ من فاسق ، وهو الأمر الذي جر الويلات في طعن تاريخنا في الصميم .
وإنه ليغيب عن الكثير منا أن التاريخ الإسلامي لم يكن يكتب في حينه ولكن في ظل الدولة الجديدة ، وقد تولى كتابته نماذج مختلفة من المؤرخين ، يتباينون في اتجاهاتهم ، ودوافعهم ، ومهم مؤرخون ثقات ، أمثال ابن جرير الطبري ، وابن الأثير ، وابن كثير ، وقد وضع هؤلاء لأنفسهم منهجا علميا معلنا : هو أن يذكروا أسماء الرواة الذين ينقلون عنهم ، وأن يذكروا الأخبار كلها من مختلف المصادر ، ثم يتركون لمن بعدهم أن يميز بين الصحيح وغير الصحيح .
ثم لحق التشويه بمنهج هؤلاء ممن جاء بعدهم حيث ذكروا رواياتهم بعد أن جردوها من الأسانيد ، وضموا الروايات بعضها إلى بعض للاختصار ، أو لأغراض خاصة ، فاختلط الحابل بالنابل ، وأصبح من الصعب على قرائهم أن يفرقوا بين روايات الثقات ، وروايات أصحاب الأهواء ، فنشأ من ذلك ترديد لكثير من الأخبار التي اختلقها أعداء الإسلام ، ووصل الأمر – حديثا - إلى نقل الأخبار من مراجع السمار ، كالذي انساق إليه الكتاب المحدثون من الأخذ من كتاب " الأغاني " لأبي الفرج الأصفهاني ، واعتباره مصدرا للتاريخ ، ودرة للتراث !!
وإن المرء ليستغرب من هؤلاء المحدثين لو أنهم كانوا يهدفون إلى متعة البحث ، أو إلى متعة الفن ، أو إلى متعة الصراع بين الحق والباطل ، ( الدراما ) فقد كان أمامهم متسع لا يلتقون فيه بالشبهات ، ولا يحركون فيه مواجع المسلمين ، ولا يدفعونهم إلى تأجيج نار الثأر ، وتحريك عوامل الفرقة والتمزق ، لقد كانت أمامهم : حروب الردة التي اشتعلت في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحروب مدعي النبوة من أمثال : الأسود بن كعب بن عوف العنسي ، ومسيلمة الكذاب ، وطليحة بن خالد الأسود ، وذي التاج لقيط ين مالك الأزدي .
وفي حروب الدولة الإسلامية مع فرقة الراوندية التي ابتدأ خروجها منذ أواخر الدولة لأموية وامتدت في عهد المنصور : وقد كانوا يطوفون بقصره قائلين ( هذا قصر ربنا ) فلما صدهم عن ذلك ثاروا عليه وحاربوه .
وفي الحرب البابكية التي استمرت أكثر من عشرين عاما ، من عهد المأمون ، (201) هـ إلى عهد المعتصم (223) هـ ، وكانت حربا فارسية ضد الإسلام ، تحالفت في الوقت نفسه مع الدولة البيزنطية .
وفي حروب المسلمين مع الدولة الرومانية التي لم تهدأ قط منذ ظهور الإسلام ، مرورا بالحروب الصليبية إلى نكبة الأندلس ، إلى العصر الحاضر حيث تعتبر أوربا نفسها وريثة تلك الدولة الرومانية ، في ثأرها ضد من أزاحوها من جنوب البحر الأبيض وشرقه . وحيث تعتبر أوربا نفسها في صراع مستمر مع الإسلام الذي أزاحها من هذه المناطق .
في كل ذلك وفي غيره مجالات لا تنفد لمن يريد استنطاق التاريخ دروس الحق والخير والجمال . . لكن أولئك يجدون أنفسهم مزنوقين في حوادث الفتنة بين الصحابة والتابعين لأغراض لا تخفى على أحد .
وأخيرا جاءت الطبعة الأخيرة من المحاربين للإسلام ليقولوا : ( إن التجارب التاريخية – في الحكم الإسلامي – لم تكن إلا سلسلة طويلة من الفشل .. )(/9)
ونحن نقول : إنه إذا كان من المسلم به أن عصر الخلفاء الراشدين كان هو الأقرب إلى مثالية النظام الإسلامي ، فإن هذا لا يعني أنه كان عصرا عقيما لا ينجب ، ولكن يعني أنه - وبالنظرة العلمية أيضا – قابل للتكرار ، وفقا لقانون السبب والنتيجة ، فكلما حصل السبب كان لابد للنتيجة أن تحصل ، وليس في الأمر خصوصية فرد ، أو معجزة عصر ، ولكن حيث يتوفر القبول للنظام الإسلامي والرغبة فيه يظهر الإنسان المشابه والعصر المشابه لعصر الخلفاء الراشدين .
ومهما يكن من أمر فإنه ليصح القول بأن النظام الذي يثمر أبا بكر وعمر ولو على سبيل الندرة المطلوبة لهو أفضل – تاريخيا وعمليا - من الأنظمة التي لم تثمر شيئا من ذلك ، إن الندرة – مع كونها كذلك – تظل مقياسا تقاس به طبيعة الأنظمة ، ومدى ما تصل إليه في مدارج الصلاح أو الفساد على مدى التاريخ .
فالنظام الذي يكون أعظم ما يصل إليه – بالندرة – أن يقدم شخصية عمر غير النظام الذي يكون أقصى ما يصل إليه شخصية الإسكندر ، أو شخصية هتلر ، أو شخصية كلينتون ، أو بوش ، أو توني بلير ، أو شخصية " مايكل جاكسون " المغني المخنث ذائع الصيت ، مع دخول أولئك جميعا في خانة الندرة المطلوبة ، لكن لكلِّ دلالته على فضيلة عصره أو خسته.
إن الأمويين عموما كما يقرر المؤرخون أصحاب دعوة إسلامية : تمرنوا على قيادة الجيوش ، وحكم الناس ، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان أكثر عماله منهم ، وقد امتد ملك الإسلام في عهدهم من سواحل الأطلنطي إلى بلاد الصين ، ومن جبال القوقاز ، إلى خط الاستواء وما وراءه . ودخلت الإسلام في عهدهم أمم الأرض كلها : من العرب والسريان ، والفرس ، والكلدان ، والمصريين ، والنوبيين ، والبربر، والسودان ، واليونانيين ، والهنود ، والترك والتتار ، وأمست آي القرآن تتلى في سمرقند كما تتلى في قرطبة ، وكاد الإسلام أن يستقر في جنوب فرنسا بعد أن اجتاحها .
هذا الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ينصبونه هدفا لطعناتهم للتاريخ الإسلامي وإفراغه من محتواه يقول عنه الدكتور عمر فروخ : ( لما جاء الحجاج إلى العراق كانت حروب الفتن قد خربت الدور ، وطمرت الأفنية ، فخلت المزارع من فلاحيها ، وهجر معظم أهل القرى قراهم ، فلم يبدأ الحجاج إصلاح البلاد وتنظيم الإدارة بإصدار المراسيم ، والقوانين ، ولكنه أعاد بناء البلد وأصلح الطرق ، وأعاد حفر الأقنية ، بعدئذ أمر أهل القرى بالرجوع إلى قراهم ، وأخذ بجمع الضرائب وإرسال الجيوش إلى الفتوح ، فانتشر الأمن في طول البلاد وعرضها ، حتى كانت المرأة تنام وحيدة في بيتها ، وباب بيتها مفتوح ، ولما مات الحجاج بن يوسف خلف مصحفا وسيفا ، وعشرة دراهم فضة . )
وماذا عن الدولة الأموية بالأندلس ؟ ألم تكن هي التي استقرت هناك ثم أرسلت الحملة إثر الحملة لفتح فرنسا ، حتى تمكنت على يد الوالي القائد عبد الرحمن الغافقي – الذي عين واليا على الأندلس من قبل هشام بن عبد الملك عام 112 هـ – من دخول فرنسا وفتح النصف الجنوبي كله من الشرق إلى الغرب في بضعة أشهر والاستيلاء على بواتييه وإن وقعت هزيمته فيها والخروج منها بعد ذلك ؟
وما ذا عن الدولة العباسية ؟ لا خلاف على أن كانت جماع التقدم البشري شعرا وأدبا وعلما دينيا وعلوما دنيوية ، وسياسة ، وقوة ، وهيبة ، واتساعا ، ومستوى معيشة أصبح يرمز إليها في وجدان الغرب بعالم ألف ليلة وليلة . يقول الأستاذ محمد كرد علي في كتابه عن الحضارة الإسلامية : ( في القرون التي كانت فيها العرب تنعم بلذائذ العقل والعمل والمال وتأخذ من مسرات الحياة الفاضلة بأوفر نصيب ، ويهاب سطوتها البدو والحضر ، وتؤلف أمة متحضرة وحكومات ناهضة ، كان الغربيون – بمواريثهم اليونانية والرومانية واليهودية والمسيحية – متوحشين جاهلين لا يعرفون الترف ، ولا يتذوقون عيش الرفاهية ، لا أمن ولا إدارة ، ولا ملوك يعرفون واجبهم في إقامة العدل ، وتوطيد الأمن )
وما ذا عن الدولة العثمانية المفترى عليها ؟ إن هذه الدولة – كما يقرر المؤرخون المتخصصون ومنهم أد أحمد عبد الرحيم مصطفى – استطاعت أن تعيد لدار الإسلام حضورها وهيبتها ومنعتها بعد ما لحق بها من التفرق والانحسار ، وأن تحمي حياض المسلمين من البرتغاليين الذين غزوا شرق الجزيرة العربية توطئة لدخول البحر الأحمر والزحف إلى مكة المكرمة وهدم الكعبة .
وظل العثمانيون طوال ستة قرون الدرع الواقية للأمة الإسلامية ضد أطماع الاستعمار الأوربي ، وكانوا الذين فتحوا باسم الإسلام مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ، وأطلقوا عليها اسم إسلامبول ، ومنها انطلقوا يرفعون راية الإسلام ، في قلب أوربا : في يوجوسلافيا ، وبلغاريا ، وألبانيا ، ورومانيا ، واليونان .(/10)
وكان العثماني يعتبر امبراطوريته التي ما لبثت أن ضمت كل المراكز الإسلامية الكبرى وكأنها الإسلام ذاته ، بحيث أصبح الإسلام في العهد العثماني – وفي أوج قوة الدولة – على مستوى رفيع من الأهمية والنفوذ .
في تلك الدولة – كما يقول الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى - تغلغل الإسلام في كيان الأمة حتى لم يعد لمصطلح " عثماني " مدلول قومي ، وبحيث ظل العثمانيون حتى القرن التاسع عشر يعتبرون أنفسهم مسلمين في المحل الأول ، وكان الإسلام هو الشرط الأساسي للتمتع بالسلطة والامتياز .
ولم يكن لفظ " تركي " يستعمل في أوج العصر العثماني إلا قليلا للإشارة إلى " التركمان " ثم بعد ذلك إلى الفلاحين الخشنين الجهلة ، الذين يتكلمون اللغة التركية ، ويقطنون قرى الأناضول ، وحتى القرن التاسع عشر لم يتخذ التركي لقب تركي .
وحين استعمل الأوربي هذه الكلمة كان يعني في الواقع " مسلما أو كافرا " ، ويشهد التاريخ بأن الدولة العثمانية كانت حتى قبل توسعها في العالم العربي تطبق الشريعة الإسلامية بدلا من القانون البيزنطي القديم في المناطق التي لا يجد سكانها صعوبة في فهمها ، ثم ما لبثت بعد أن استقرت في استامبول عام 1453م أن أخذت بالقوانين الإسلامية دون غيرها حتى انهيارها في الحرب العالمية الأولى .
ورغم أن السلطان العثماني كان يتمتع بسلطة لا يقيدها قانون مدني إلا أنه لم يكن بذلك حاكما مطلقا كما يقال ، وذلك لأنه لم يكن ليستطيع خرق الشريعة الإسلامية ، علنا على الأقل ، ولم يكن يتمتع بالجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالمعنى الصحيح لهذا المصطلح لتقيده الأساسي بالشريعة الإسلامية ، وكانت القوانين التي يصدرها لا مفر من أن تكون متفقة مع القرآن والسنة والمذاهب الفقهية الأربعة .
ومنذ أواخر القرن الخامس عشر كان السلاطين قد أقاموا هيئة من أهل العلم الفقهاء والتي كان رؤساؤها شيخ الإسلام ، وكبار القضاة ، يستشارون فيما يمس شئون الدولة الهامة ، وكانت مشروعات القوانين تعرض على شيخ الإسلام قبل إقرارها لكي يدرس مدى مطابقتها للشريعة الإسلامية ، وكان هو المختص بأن يصدر الفتوى - قبل إعلان الحرب – بأن أهدافها لا تتعارض مع الدين ، كما كان له الرأي في علاقة الدولة بالدول غير الإسلامية وقوانين الضرائب ، ولم تكن هذه الإجراءات صورية ، فكثيرا ما أدى رفض المفتي إلى إرغام السلطان على العدول عن مشروعاته ، بل إن تصريح المفتي بأن السلطان لا يحترم مبادئ الشريعة يعني مباشرة انه غير صالح لتولي الحكم ، وكان ذلك كفيلا بالتمهيد لخلعه . ولم يكن هذا النفوذ الشرعي محاصرا في شخصية المفتي الأكبر ، أو شيخ الإسلام ، وإنما كان يمثل القاعدة الشعبية للدولة ، إذ أنها حرصا منها على المحافظة على الشريعة أبدت اهتماما رفيعا بالفقهاء الدينيين الذين أدخلتهم في جهاز الدولة .. ، ومن ثم كان الوزراء العثمانيون الأوائل من الفقهاء ، وما لبث تنظيم الفقهاء أن امتد إلى جهاز الدولة بأسرها بحيث تطرق إلى أدنى المستويات في الولايات ، فقد كان كل سنجق يضم قضاة ومفتين لابد من استشارتهم في كل المسائل التي تتعلق بالشريعة ، وكانت أحكامهم بمثابة قوانين لا يحد من فعاليتها سوى الرجوع إلى استامبول.
ومن التشويه ما يشاع ضد الدولة العثمانية من أن تعصبها للإسلام أدى بها إلى اضطهاد المسيحيين ، وذلك بغرض تكريس النهج العلماني في البلاد الإسلامية ، وغلق باب التفكير في إعادة هيمنة الإسلام على الدولة ، ويرد الأستاذ الدكتور أحمد طربين استاذ التاريخ الإسلامي بجامعة دمشق على ما جاء من ذلك بكتاب " أزمة الفكر ومشكلات السلطة السياسية " لمحمد مخزوم نشر بيروت عام 1968 ، فيقول : ( إن عديدا من المؤرخين المنصفين يرون أن الدولة العثمانية حافظت على أملاكهم وحرية عبادتهم وكنائسهم ، وفتحت لهم أوسع أبواب العمل الحر في الزراعة والصناعة والتجارة . فانتظموا في سلك الحرف المختلفة على قدم المساواة مع زملائهم المسلمين ، وكانوا معهم في تعاطف وود ، بل إنهم برزوا في ميدان التجارة الخارجية لصلتهم مع الأوربيين ، وتكونت منهم طبقة بورجوازية غنية ، وتشهد بذلك سجلات المحاكم الشرعية في مختلف الحواضر العربية ) أنظر المجلة العربية للعلوم الإنسانية التي تصدر عن جامعة الكويت العدد 31 ص 269
ومن السهام الهدامة الموجهة ضد تاريخنا في مجمله – وفي سياق تقويم الدولة العثمانية بالذات – ما يجري من محاكمة هذا التاريخ باسم مذاهب سياسية محدثة كالقومية والوطنية ، ومن ذلك القول بأن مصر لم تعرف الاستقلال الوطني والحكم بيدي مصري منذ عشرات القرون إلا بعد الثورة المصرية عام 1952 .(/11)
ويرد على هذا أصحاب هذا القول : بأن جميع الشعوب كانت كذلك إلى عهد قريب ، انجلترا وفرنسا ،وإيطاليا وألمانيا إلخ ، ونقول لهم ما قاله مارستون بيتس في كتابه ( الانفجار السكاني ) وهو بصدد تقسيم البشر إلى أنواع ، ومقاييس هذا التقسيم : هل هو العنصر أو السلالة ، أو الجغرافيا ، أو الثقافة ؟ حيث يقول : ( كلما أمعنا في التفكير في هذا الأمر ازداد غرابة في نظرنا ، " فالحكومة الوطنية " هي اختراع حديث العهد من الوجهة التاريخية . ويحمل الناس أحيانا الثورة الفرنسية وما تلاها من المغامرات النابليونية وزر هذا الاختراع .
أما إيطاليا وألمانيا فلم تظهرا على المسرح كأمتين إلا في عام 1870 مـ
ومما لا ريب فيه أن أمما كثيرة مثل فرنسا وانجلترا كان لها تاريخ عريق في السيادة الوطنية على مناطق لا تكاد تختلف عن حدوده الحالية ، ولكن هذا الأمر يبدو نتيجة لسلسلة من الأحداث التاريخية والجغرافية أكثر منه ظاهرة وطنية .
ومن جهة أخرى فليست هناك دولة وطنية تطابق مجموعة عنصرية واحدة .
وهناك عدد من الأمم متجانسة السكان تقريبا من وجهة النظر العنصرية ، ولكنها لا تمثل في الحقيقة إلا شطرا صغيرا من العنصر الذي يعيش فيها ، لأن القسم الأعظم من الأشخاص الذين ينتمون إلى ذلك العنصر ينتشر ما بين الأمم الأخرى .
ولقد أصبحت الخصائص الوطنية مؤخرا من المواضيع التي يوليها علماء الأجناس البشرية كل اهتمام في دراساتهم ، ويبدو أن فكرة " الرجل الإنجليزي " و" الرجل الإمريكي " أو الرجل الألماني " أصبحت الآن حقيقة واقعة ، لا تختلف بشيء عن فكرة وجود عنصر خاص أو حضارة قبلية ) الانفجار السكاني ص 79-80
والمتأمل في هذه الحقائق يجد أنه من الخطأ والظلم معا محاكمة التاريخ الإنساني السابق على هذه المفاهيم الوطنية أوالعنصرية ، وبخاصة لو أدركنا بخصوص الحضارة الإسلامية أن أبناءها كانوا في مرحلة حضارية قد تجاوزت من الناحية القيمية هذه المفاهيم ، ولو عرضت عليهم لرفضوها كما رفضوا الشعوبية ، والتجزئة ، والقبلية والعنصرية ، استمساكا منهم بالأفق الأسمى المفتوح أمامهم بتعاليم لإسلام ، والذي يطبق مفهوما ساميا من العالمية ينبني على الأخوة في الإسلام .
مهما يكن من أمر فإن أحدا لا ينكر أن النظام الإسلامي لم يصل قط إلى مرتبة التطبيق الكامل الذي يحلو لبعض العلمانيين أن يحاكموه عليه
.وهكذا الأمر في كل الأنظمة عند التطبيق وطنية أو قومية أو ديموقراطية أوغيرها :
على أن ذلك لا يحسب على الإسلام ضد صلاحيته التاريخية ، ولكنه يحسب له باعتباره هدفا خالدا لهذا التطبيق في سياق التاريخ .
إن سرا عظيما من أسرار بقاء الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان يكمن في أنه يعلو دائما فوق كمال التطبيق ، ليظل مثلا أعلى تسعى البشرية إلى الاقتراب منه وتجاهد في الوصول إليه.
إن أي نظام – في التطبيق – لا يجد التطبيق الأمثل الأكمل ، حتى هؤلاء المبهورون بنظم الغرب لا يجسرون على القول بأنها نظم شاهدت اكتمال التطبيق ، سواء النظم الديموقراطية ، أو الاشتراكية أو العلمانية ، وهاهو فوكوياما في مقاله الأخير وفي معرض دفاعه عن الديموقراطية الليبرالية يقرر أن عجزها التطبيقي في بعض المواقع لا يدل على فشلها . ويقول روجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي الذي دخل في الإسلام : ( لقد أطلق مؤرخونا بحق على الأعاصير العاصفة – مثلا – التي بناها تيمورلنك بسبعمائة ألف جمجمة بعد احتلاله أصفهان : اسم الغزوات البربرية .
ولكن مما يدعو إلى العجب أن هذه التسمية تتغير حينما يقوم الأوربيون بمثل هذه الغزوات ، فماذا نقول إذن عن إبادة الهنود الحمر في أمريكا على يد الفاتحين الأوربيين أصحاب المدافع ؟
وما ذا نقول عن تخريب أفريقيا بانتزاع عشرة ملايين إلى عشرين من سكانها السود ، وهذا يعني أن عدد الضحايا بلغ مائة مليون إلى مائتين إذ كان أسر كل أسير يكلف عشرة أفراد ؟
وماذا نقول عن مذابح آسيا وحرب الأفيون والمجاعات التي فتكت بملايين الهنود بفضل الاستعمار وفرض الضرائب ؟
وما ذا نرى في ضحايا الحرب العالمية الأولى والثانية ؟
وماذا نرى في حرب فيتنام ؟
وماذا نرى في تشريد الشعب الفلسطيني ليحل محله شذاذ الآفاق من اليهود والصهاينة؟
وماذا نسمي النظام العالمي للسيطرة الغربية وقد أنفق – في عام واحد – هو عام 1980 – أربعمائة وخمسين مليارا من الدولارات على التسليح ؟ وتسبب في العام نفسه في موت خمسين مليونا من البشر في العالم بسبب المجاعة ولعبة المبادلات التجارية الظالمة ؟
وهكذا يعتبر الغرب – كما يقول روجيه جارودي – إلى أبد الآبدين أكبر مجرم في التاريخ .
ويذهب إلى هذا التقدير أيضا نعيم تشومسكي في كتابه " ماذا يريد العم سام " ترجمة عادل المعلم(/12)
ولذلك فإننا نقول للمسلمين بعامة - والدعاة منهم بخاصة – حذار ، حذار من الوقوع في الفخ ، حذار من مسايرة النقد الأعمى للتاريخ الإسلامي . إن تاريخنا هو ذاتنا في الماضي ، وهو قلعتنا في الحاضر ، وهو زادنا نحو المستقبل .
إن من حقنا أن ننظر إلى تاريخنا بعين الفاحص ، ونقد المحقق ، ووعي المتبصر ، ولكن من واجبنا أن تكون عيننا الأخرى على مؤامرات الغزو الثقافي ، ومن أهم أهدافه اقتلاعنا من جذورنا الإسلامية عن طريق تشويه تاريخنا الإسلامي .
وإذا كان لأحد أن يتساءل : لماذا ينكر الجاحدون مجد الإسلام وقوة نظامه ، أو يتعمدون انتقاء الروايات الضعيفة المتهافتة من كتب الأسمار والحكايات ، ويتركون الروايات الدقيقة الصحيحة التي خدمها رجال الحديث – مثلا – على أعلى مستويات النقد ؟ فالجواب على ذلك بسيط : إنها العمالة في عملية الغزو الثقافي للإسلام ، ولكن وبالإضافة لذلك – فإن الأمر كما يقول الأمير شكيب أرسلان : ( هذا الميل في النفس إلى إنكار الإنسان لماضيه وطعن آبائه بأنهم كانوا سافلين وأنه يبرأ منهم .. لا يصدر إلا عن الشخص الخسيس ، وضيع النفس ، أو عن الذي يشعر بأنه في وسط قومه دنيء الأصل ، فيسعى هو في إنكار أمته بأسرها ، لأنه يعلم نفسه منها بمكان خسيس ، ليس له نصيب من تلك الأصالة ) .
أد : يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
محنة التاريخ الإسلامي
أد : يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
(3-3)
عمليات المحو
تحدثنا من قبل عن اتجاهين في قضية التاريخ الإسلامي : قضية تجميل تاريخ العدو ، واتجاه تشويه التاريخ الإسلامي
أما اتجاه المحو فنجده في الجهل المطبق للمسلم المعاصر بحضارته وتاريخه عموما وبتاريخ فلسطين ، وتاريخ القدس بخاصة . .
إن المسلم المعاصر لو سئل عن العام الهجري الذي يعيش فيه لكانت النتيجة مؤسفة ، يقول الكاتب الصحفي سامح كريم ( في رمضان سأل المذيع عددا من الناس عن عامنا الهجري فأجمعت كل الإجابات على أخطاء مؤسفة محصلتها أن الجميع لا يعرفون في أي عام هجري نكون ، وليست هذه الأخطاء مقصورة على معرفتنا بالشهور الهجرية والأعوام ، وإنما تمتد إلى تاريخنا وثقافتنا وتراثنا وحضارتنا العربية الإسلامية ، فمن الصعب أن يعرف البعض منا الأحداث التاريخية الكبرى ، وأصعب أن يعرفوا تراث أجدادهم ، وأشد صعوبة أن يعرفوا معطيات حضارتهم العربية .)
ومن هذه المعطيات الحضارية التي لم يكتف البعض بجهلها ولكن تم دفع بعضهم إلى احتقارها ما كشف عنه الأستاذ محمود محمد شاكر في مقدمته لكتاب " أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني " من كتب التراث ( عن نظرة الشيخ محمد عبده إلى ماضينا وكيف أثرت هذه النظرة في تلاميذه ومريديه لتجري أقلامهم بما يؤثر في حياتنا المعاصرة وتكون النتيجة تفريغ الأمة من تاريخها .. في البداية حيث حقق الشيخ رشيد رضا كتاب " أسرار البلاغة " للجرجاني واستهله بمقدمة استهانت بعدد من علماء العرب الأقدمين إلى درجة أنه سمى أعمال أحدهم بأنها " الرسوم الميتة التي سماها الجهل علما " ليجيء الشيخ البرقوقي من بعده ويكتب مستهينا بعلماء العرب الأقدمين ، ثم تبين فيما بعد للأستاذ محمود شاكر أن ما قاله الشيخان " رشيد رضا والبرقوقي " ترديد لما كان يقوله الشيخ محمد عبده ، في دروسه ومجالسه في ذم الكتب التي كان طلبة العلم في الأزهر يدرسونها فتلقفوا عنه هذا الطعن دون فحص أو نظر ) !
ويواصل الأستاذ محمود محمد شاكر قائلا : " ولم يقتصر ذم الشيخ محمد عبده على كتب البلاغة وحدها ، بل تناول بالطعن الجارح كل الكتب التي كانت تدرس في الأزهر على اختلاف أنواعها من بلاغة وفقه ونحو ..وذاع هذا الطعن وتناقلته ألسنة المحيطين به من صغار طلبة الأزهر وغيرهم من الطوائف ، فكان هذا أول صدع في تراث الأمة العربية الإسلامية ، وأول إسقاط لتاريخ طويل من التأليف إسقاطا كاملا ، يتداوله الشباب بألسنتهم مستقرا في نفوسهم ، وهم في نضارة الشباب لا يطيقون التمييز بين الخطأ والصواب ، وليس عندهم من العلم ما يعينهم على الفصل في المعركة التي دارت بين شيوخ الأزهر والشيخ محمد عبده ،وليس في أيديهم سوى ما قاله الشيخ في التجريح والطعن الذي صدهم صدا كاملا عن هذه الكتب وأورثهم الاستهانة بها ) الأهرام 22\5\1992
وتكون النتيجة تفريغ الدراسة بالأزهر على النحو الذي أصبحنا نشكو منه أخيرا ، وتتضاعف النتائج عند تلاميذ الشيخ من العلمانيين ، ومن يأتي من تلاميذهم ، ثم تكون النتيجة أيضا حصاد أطفال الفتوى الذين يردون ما قاله أبو حنيفة ومالك والشافعي ، وابن حنبل قائلين : نحن رجال وهم رجال ، وهات يافتوى .. !!(/13)
وفي مجال التاريخ السياسي يعرف الكثيرون منا معرفة غائمة شيئا عن الإسلام في الأندلس ، لكن هل يعرف المسلم المعاصر شيئا عن فتح الإسلام لنصف فرنسا الجنوبي في القرن الثاني الهجري بهدف تنويرها إسلاميا ، ثم انحسارهم عنها لظروف من الميل لعرض هذه الحياة الدنيا ؟
لقد سبق إلى محاولة فتح فرنسا السمح بن مالك الخولاني الذي أقامه عمر بن عبد العزيز واليا على الأندلس (100هـ - 719 م) ، حيث قام بحملة شاملة على فرنسا اخترقت جبال ألبرت من الشرق – وهي تفصل جبال البرانس التي تمتد جنوب غرب فرنسا وتفصل بينها وبين الأندلس ، وتعد حاجزا طبيعيا بين البلدين ، وسيطر على عدد من القواعد هناك واستولى على سبتمانيا ، وأقام حكومة إسلامية جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وفقا للرسالة الحضارية التي جاء بها المسلمون إلى الأندلس آنذاك في هذا الوقت المبكر ، واتخذ من " أربونة " قاعدة للجهاد وراء ألبرت ، ثم استشهد في معركته مع قوى الظلام ، عند تولوز ، في يوم عرفة من سنة 102 هـ 721 ، وفقدت فرنسا بذلك من ثم أول فرصة للتنوير الإسلامي عرضت لها . ثم عرضت فرصة التنوير الإسلامي مرة أخرى إذ دخلها عنبسة بن سحيم الكلبي والي الأندلس الذي كان قد عين عليها عام 103 هـ حيث عبر بجيوشه جبال البرت وتمكن من بسط سلطان التنوير الإسلامي في شرق جنوب فرنسا ، وفي أثناء عودته داهمته جموع الفرنجة – قوى الظلام آنذاك – فأصيب عنبسة في المعركة ثم توفي عام 107 هـ - 725 مـ وفقدت فرنسا فرصة أخرى للتنوير الإسلامي .
ثم جاء عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وكان من كبار رجالات الأندلس عدلا وصلاحا وتنويرا وقدرة وكفاءة ، عين واليا على الأندلس مرتين ، الأولى في عام 102 هـ– 721 م، لمدة عام ، والثانية من قبل والي أفريقيا مؤيدا من الخليفة هشام بن عبد الملك في صفر عام 112 هـ وفي أوائل عام 114 هـ –732 هـ سار الغافقي بجيوشه نحو الشمال وعبر جبال ألبرت – او البرانس – من طريق بنبلونة ، ودخل فرنسا حيث فتح نصف فرنسا الجنوبي كله ، من الشرق إلى الغرب ، في بضعة أشهر ، بعد معارك ناجحة ضد قوى التخلف والظلام ، وواصل زحفه ، حتى أشرف بجيشه على نهر اللوار ، وهناك احتشد له شارل مارتل بجيش ضخم من الفرنج ، والمرتزقة نصف العراة ، الذين يتشحون بجلود الذئاب ، و تنسدل شعورهم الجعدة على أكتافهم العارية ، هناك استولى جيش التنوير الإسلامي على بواتييه ، وتوروز وعبر جيش الظلام الفرنجي نهر اللوار ، وعسكر غربي الجيش الإسلامي ، ثم عزم الغافقي على لقاء أعداء التنوير على الرغم من أن بعض قبائل البربر في جيشه كانت تتوق للانسحاب ، وأن عدد جنوده كان قد قل ، بسبب تخلف حاميات كثيرة في المدن والقرى المفتوحة ، ودامت المعركة تسعة أيام ، دون أن يحقق الفريقان نصرا حاسما ، وفي اليوم العاشر ، أبدى كلا الطرفين غاية الجلد ،وظهر الإعياء على الفرنج الظلاميين ، وبدت علامات الانتصار لقوى المسلمين – لكن حدث أن افتتح الفرنج ثغرة في غنائم المسلمين فظهرت على أفقهم غمامة من غمامات الظلام التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمثالهم منها في غزوة أحد ، من قبل ، فارتدت قوات منهم إلى الوراء واختلت صفوف المسلمين ، وبينما كان الغافقي يحاول إعادة النظام إلى جيشه أصابه سهم فأرداه شهيدا ، فعم الاضطراب بين المسلمين ، وكثر القتل فيهم ، واشتد الفرنج عليهم ، لكنهم صبروا حتى جن الليل وافترق الجيشان دون فصل في المعركة ، وذلك في أوائل رمضان 114 هـ 21 أكتوبر 732 م ، ثم انسحب المسلمون نحو مراكزهم في سبتمانيا ، وفي فجر اليوم التالي تقدم شارل مارتل بحذر فوجد معسكرات المسلمين خالية إلا من الجرحى الذين لم يتمكنوا من مرافقة جيشهم ، فأخذهم أسرى ثم ذبحوهم بنذالة واضحة ، وخشي شارل مارتل من أن يتتبع المسلمين مظنة الخديعة منهم ، فاكتفى بانسحابهم ، ولم يتعقبهم ، كما حدث من قبل من قوى الظلام الجاهلي في أحد تماما ، وآثر العودة بجيشه ، إلى الشمال ، وبهذا أخفقت آخر محاولة بذلها المسلمون لتنوير العالم الغربي ، وفقدت فرنسا بالذات فرصتها الحضارية المبكرة الكبرى للخروج من عصور الظلام كما خرجت أسبانيا ، ودخلت في عصر البيات الظلامي لمدة عشرة قرون ، منذ محاولة الغافقي التي أهديت إليها ففشلت في اغتنامها إلى أن جاء عصر النهضة الأوربية .
ماذا تعرف أجيالنا المعاصرة من ذلك ؟
وماذا يعرف المسلم المعاصر عن بلغراد المدينة الإسلامية عاصمة جمهورية الصرب حاليا ( يوغوسلافيا سابقا ) ؟(/14)
لقد فتح العثمانيون بلغراد في 26 رمضان 927 هـ الموافق 29 \8\1521 ولم تكن آنذاك غير قلعة ضخمة في قسمها المرتفع ، وعدة أحياء سكنية في القسم المنخفض ، بحيث كان من الصعب تقدير عدد سكانها بأكثر من عدة آلاف ، وبعد قرن واحد من الفتح الإسلامي كانت قد تطورت تطورا مثيرا حيث أصبحت في بداية القرن السابع عشر – كما يقول المؤرخ المعاصر د . بوبو فيتش - تشبه دمشق أو غيرها من مدن الشرق ، بسكانها ومنشآتها وثقافتها وتقاليدها ، حتى إنها اشتهرت لدى الرحالين الأوربيين باسم بوابة "الشرق" ، وفي ظل الحكم العثماني كما يذكر الرحالة الإنكليزي " براون " أصبحت بلغراد جزءا من عالم يختلف تماما عن الغرب ، جزءا من ذلك العالم الآخر الذي يمتد إلى الصين وأعماق آسيا . ويقول الدكتور محمد الأرناؤط : إذا استثنينا استامبول وبالتحديد القسم الأوربي منها كانت بلغراد في تلك الفترة أكبر وأهم مركز للحضارة الإسلامية في أوربا الوسطى ، وكانت بالتالي نموذجا للمدينة الإسلامية بالمعنى الحضاري .
وبالإضافة إلى ما كانت تقوم به بلغراد من دور تجاري تبادلي مع مصر ودمشق وصيدا وبيروت في ظل الإسلام بلغ ذروته في القرن السابع عشر فقد كانت بوابة أيضا لهذه التجارة مع المجر وبولونيا وتشكوسلوفاكيا والسويد والبندقية ، وكان قسم كبير من الأقمشة يصل من البلاد العربية لحاجات السكان في بلغراد الذين بغالبيتهم الإسلامية كانوا يعيشون ويتزيون على النمط الإسلامي ، حتى إن المسيحيين من سكان بلغراد أصبحوا مع الزمن يقلدون المسلمين في حياتهم و لباسهم .
ومع اتساع المدينة وتطور المجتمع نشأت فيها حرف كثيرة جديدة لتلبية الحاجات الجديدة لسكان المجتمع ورفاهيتهم ، وكان ذلك كله يخضع للنظم والشريعة الإسلامية ، و للدلالة على ذلك يكفي أن نشير هنا إلى أن العالم منيريري البلغرادي المتوفى عام 1616 ألف لهذا الغرض كتابه بعنوان " نصاب الانتساب وأدب الاكتساب " يعرض فيه لموقف الشريعة من الاقتصاد على ضوء تجربة ما كان يسمى نظام الأصناف " في بلغراد : ويقصد به أصناف الحرفيين من الدباغين والسراجين إلخ
ومما ساعد على تطور التجارة والحرف في بلغراد المنشآت المختلفة التي كانت ترتبط بالطابع المميز للمدينة الشرقية الإسلامية والتي لم يكن لها مثيل في البلاد المجاورة ، ومن أهم هذه المنشآت كانت استراحات القوافل القادمة من الخارج ، والتي اشتهرت باسم " كارافان ساراي " وكانت على قسمين قسم منها يتبع الأوقاف الإسلامية ويقدم خدماته مجانا ،والقسم الآخر مقابل خدمات رمزية . وإلى جانب هذا كان في بلغراد أيضا " البزستان " وهو ما كان يثير إعجاب الأوربيين ، لكونه يجمع الأصناف الكثيرة من البضائع ، والخانات التي كانت تستخدم كاستراحة للمسافرين وكبيوت للتجارة ، وتجدر الإشارة إلى أن بلغراد كمدينة إسلامية تميزت بما يسمى " العمارة " التي هي عبارة عن مطعم شعبي مجاني تابع للأوقاف ، وفي هذه العمارة كان يمكن لأي إنسان أن يدخل ويأكل وجبة كاملة دون أن يدفع قرشا واحدا . ومن المنشآت الاجتماعية في المدينة كانت " دور العزاب " وهي دور كبيرة مجانية مخصصة للشباب الحرفيين الذين كانوا يعيشون حياة العزوبية بانتظار الزواج والانتقال إلى بيوت خاصة بهم .
وكان المسلمون في بلغراد متمسكين بالدين ، ويتبعون المذهب الحنفي ، وقد أشاد الرحالة بنسائهم ووصفوهن بالعفة والتدين كأن الواحدة منهن "رابعة العدوية " !.
ومن أهم المناسبات الإسلامية الاجتماعية التي كان يقام لها الاحتفال : المولد النبوي والعودة من حج ، وتشييد بيت ، والوفاء بنذر ، والشفاء من مرض ، وختن الأولاد .
وإذا كان من عادة العثمانيين حين يدخلون فاتحين إحدى المدن أن يحولوا إحدى الكنائس فيها إلى جامع ليقيموا به الصلاة فورا رمزا لانتصارهم ، فقد أدى ذلك إلى تشويه سلوكهم واتهامهم بأنهم قاموا فور دخولهم بهدم أو تحويل الكنائس إلى جوامع ، بينما الحقيقة أنه خلال الحكم العثماني زاد عدد الكنائس ووصل إلى ثمان في منتصف القرن السابع عشر ، وذلك في مقابل مائتين وسبعين جامعا ومسجدا تقريبا ، تعكس تركيب السكان بين أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية بلغ مجموعهم تقريبا مائة ألف نسمة ، وعلى كل حال فإن ما قام به العثمانيون من تحويل كنيستين إلى مسجدين يعتبر – كما يقول الدكتور محمد الأرناؤط - في قمة التسامح إذا ما قارناه بما حدث بعد ذلك لجوامع بلغراد خلال حرب الاسترداد .(/15)
وكان كل مسجد يشتمل على كتَّاب ، وفي هذه الكتاتيب كان الشيخ يعلم أطفال المسلمين اللغة العربية ليتمكنوا من قراءة القرآن الكريم ، وبالإضافة لهذه الكتاتيب كانت المدارس العامة العليا التي أنشئت لتوفير ما تحتاج إليه الجوامع من كوادر دينية ، وقد استمر عدد هذه المدارس حتى وصل في منتصف القرن السابع عشر إلى ثمان مدارس . وفي إطار الجامع والمدرسة كانت المكتبة وما تشتمل عليه من مخطوطات للأساتذة والطلاب ، وفي النصف الثاني من القرن السابع عشر كان في بلغراد بالتأكيد آلاف المخطوطات في مكتبات الجوامع والتكايا والمكتبات الخاصة . وفي المدرسة العليا كان الطالب يتعمق في علوم اللغة العربية من النحو والصرف والعروض والبلاغة وعلوم الشريعة من الفقه والتفسير والحديث والعقائد ، وبالإضافة لذلك كان هناك ما يسمى "دار القراء " التي تتخصص في القرآن الكريم ، وكان بناء الواحدة منها يحتوي على عشرين قاعة للطلاب ، بالإضافة إلى قسم داخلي يتألف من أربع عشرة غرفة ، وكان لكل طالب غرفة ومصروف خاص ، وكانت هناك أيضا دار الحديث ،ووصل عددها إلى تسع دور ، وكان ينفق عليها من طرف الأوقاف . ومع تطور بلغراد وتضخم عدد السكان فيها انتشرت أبرز الطرق الصوفية وفروعها المعروفة في العالم العربي والإسلامي من مثل البكتاشية ، والرفاعية ، والقادرية ، والنقشبندية ، ألخ .
وتجدر الإشارة هنا إلى الشاعر حسين باشا البلغرادي الذي توجد له ترجمة وافية في " خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر " حيث يصفه المحبي بأنه " واحد الدهر على الإطلاق " ،والذي عين قاضيا ، ثم انتقل إلى القاهرة وقضى بها بقية حياته إلى أن توفي في شهر رجب ( 1023 - 1614 ) ، وكما يقول بعض الدارسين لشعره ( كان شاعرا جيدا في ذلك الوقت ) ،وبالإضافة إلى الشعر برز في بلغراد عدد من العلماء كالمؤرخ ورجل الدولة فريدون بك ، وشيخ الإسلام عبد الرحيم أفندي ، وعدد من كبار العلماء " لايجاريهم أحد في الامبراطورية العثمانية " أنظر كتاب " الإسلام في يوغوسلافيا من بلغراد إلى سيراييفو" للدكتور محمد الأرناؤط نشر دار البشير بعمان الأردن ، الطبعة الأولى ص 23- 34- 37 ، 49- 51 – 54- 58 – 60 -62
وكان المسلمون الذين يشكلون أغلبية السكان .. من مناطق مختلفة ، وكان الأتراك يمثلون أقلية ، وفي مقابل هؤلاء كان السلاف الجنوبيون من البوسنة يمثلون العدد الأكثر من بين المسلمين ، ويأتي من بعدهم الألبانيون من حيث العدد ، ومن هذا يتضح أن أغلبية المسلمين في بلغراد كانوا من البلقان من البوسنيين والألبانيين ، ومع هذا فقد درجت العادة على وصف كل المسلمين في بلغراد بالأتراك لتبرير القضاء عليهم فيما جاء بعد ذلك من حرب الاسترداد . وبهذا كانت بلغراد خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر مركزا من مراكز الثقافة الإسلامية .و نموذجا للمدينة الإسلامية .
وبعد حوادث قاسية جرت للمسلمين في عام 1862 أصبحت المدينة خالية من المسلمين بعد أن استمروا بها أكثر من ثلاثة قرون ، واستمرت عملية الاسترداد الحضاري الكامل حتى تمت بذلك حلقة كاملة من حلقات الإبادة البشرية للمسلمين المصدر السابق ص 44 ، 63 – 103
فهل عرفت أجيالنا المعاصرة شيئا عن ذلك ؟ ولم ؟
وما ذا يعرف العربي المعاصر عن فلسطين العربية منذ فجر التاريخ ؟ إنه لمن أخطر مواقع الغزو ذلك الذي استهدف محو ذاكرة العربي فيما يخص تاريخ فلسطين
يقول الدكتور إدوارد سعيد : ربما تكون المعركة الأكبر التي خضناها نحن الفلسطينيين كشعب دارت على حقنا في الوجود ، ومع ذلك الوجود حقنا في تملك واستعادة حقيقتنا التاريخية . ويقدم كتاب ( اختراع إسرائيل القديمة : إسكات التاريخ الفلسطيني ) للبروفسور الاسكتلندي كيث وتلام 1996 بوضوح مذهل – كما يقول إدوارد سعيد – مدى تعمد وتواصل الهجوم الصهيوني على التاريخ الفلسطيني . ويقدم وتلام صورة بالغة الإثارة عن الطمس التدريجي لتاريخ فلسطين القديمة بتاريخ مخترع إلى حد كبير لإسرائيل القديمة ، وهي في حقيقتها كيان سياسي لم يلعب سوى دور صغير في فلسطين التاريخية .
وحسب وتلام فإن فلسطين القديمة كانت موطئا لليبوسيين والكنعانيين وقدماء الفلسطينيين وغيرهم ، لكن بداية القرن الماضي شهدت إسكات هذا التاريخ وطرحه جانبا ، لكي يصبح تاريخ القبائل الإسرائيلية ، ومكن ذلك من إخراس التاريخ الفلسطيني المحلي .
ويذهب دبليو أف البرايت أحد أهم مؤرخي فلسطين القديمة في أوائل القرن الجاري إلى حد الموافقة على تدمير الحضارات الفلسطينية المحلية على يد " القوم المتفوقين " ويكتب : " يبدو في أحيان كثيرة لفيلسوف التاريخ من منظوره المحايد أن من الضروري لشعب من نوع أدنى بشكل ملحوظ ( أي الفلسطينيين الكنعانيين ) الزوال أمام شعب متفوق الإمكانات ، لأن هناك حدا لابد للتمازج العرقي إذا تخطاه أن يتحول إلى كارثة ) .(/16)
ويقول دكتور إدوارد سعيد ( مهمتنا كعرب وكفلسطينيين أن نبذل جهدا أكبر في سيرتنا التاريخية ، وذلك ليس كترف فكري لا فائدة حقيقية فيه ، أو كشيء يمكن دوما تأجيل البدء فيه ، لأننا في افتقارنا إلى تاريخ يأتي نتيجة البحث الجاهد والتأليف كقصة متماسكة أشبه بالأيتام الذين لا والد لهم أو مأوى ) الحديث الأسبق لإدوارد سعيد .
ولننظر كيف يجهل أبناؤنا تاريخ فلسطين إلى الحد الذي لا يجدون في ثقافتهم اليوم ما يقاومون به الدعاية الإعلامية التي تكرر على مسامعهم ادعاء اليهود أن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض .. وأن اليهود هم أصحاب الحق التاريخي في هذه الأرض …سم يصب في رءوسهم ، فهل حصناهم ضده بالتاريخ ؟ :
عرفت أرض فلسطين في التاريخ القديم وحتى عام 1200 ق م بأرض كنعان ، وإطلاق هذا الاسم عليها جاء فيما يسمى اليوم التوراة ، في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التكوين ، كما أطلق هذا الإصحاح نفسه عليها " أرض فلسطين ". وفي هذه الأرض نشأ إبراهيم وأبناؤه عليهم السلام ، حتى نزح منها حفيده يعقوب عليه السلام ، هو وأبناؤه قاصدين مصر . وهنا تنقطع صلتهم بهذه الأرض حتى جاءوها غزاة بقيادة يوشع حيث استولى على أريحا وقتل جميع سكانها ، ودمرها وقومه عن آخرها ، وذلك في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وتذكر التوراة – أو ما يسمى التوراة – أن غزوهم لفلسطين صادف مقاومة باسلة عنيدة من الكنعانيين ، أو الفلسطينيين أصحاب البلاد ، ويذكر سفر صموئيل الأول 4: 2 " واصطف أصحاب البلاد للقاء إسرائيل ، واشتبكت الحرب ، فانكسر إسرائيل أمام الفلسطينيين وضربوا " ويذكر هذا السفر أيضا أن بني إسرائيل " هربوا كل واحد إلى خيمته وكانت الضربة عظيمة جدا وسقط من بني إسرائيل ثلاثون ألف رجل " .
فإذا أردنا أن نعرف بدء علاقتهم – أي العبرانيين – بمدينة بيت المقدس بالذات فإننا نجد أن هذه المدينة كان لها وجود حافل قبل أن يدخلها العبرانيون بألفي عام . فهي مدينة قديمة يرجع تاريخها إلى أكثر من ثلاثين قرنا قبل الميلاد ، وقد عاصرت حضارات كثيرة ، وكان لها مع كل منها شأن ، ونظرة عابرة إلى أسمائها التي عرفت بها في التاريخ تشير إلى تلك الحقيقة ، فهي يبوس كما ورد اسمها في سجلات الفراعنة ، وهي أوروسالم كما كان اسمها عند الكنعانيين ، وهي أورشليم كما سماها العبرانيون ، وهي يروساليم كما هي عند اليونانيين ، وهي هيروسلما أو سوليموس أو إيليا عند الرومان ، وهي القرية أو بيت المقدس أو البيت المقدس أو القدس كما سماها العرب والمسلمون تاريخ القدس للسيد عارف العارف ص 11 وما بعدها
وكانت مدينة القدس في ابتداء أمرها صحراء خالية بين أودية وجبال ، وكان أول من اختطها (ملكيصادق ) ومعناها بالعبرية ملك الصدق ، والصحيح أن ملكيصادق متأخر في الزمن عن الجيل الأول الذي عاش في هذه البقعة المباركة ، ففي أول الأمر كان المقيمون بها قبائل تعيش في حالة من البداوة الأولى ، وكان ذلك قبل أن يفكر ملكيصادق في تخطيط مدينته على أي شكل من الأشكال . وكما يذكر المؤرخون فإن أول من أقام بها بطن من بطون العرب الأوائل التي عاشت في فجر التاريخ في الجزيرة العربية .ويذكر المؤرخون أنهم كانوا يسمون اليبوسيين ، تسمية أطلقها عليهم الفراعنة كما يظهر في آثارهم ، ولقد رحل هؤلاء اليبوسيون إلى أرض مدينة القدس حوالي 3000 سنة قبل الميلاد ، واستوطنوا بها وارتبطوا بترابها ، حتى إنهم كانوا بعد ذلك أصحابها الشرعيين ، صدوا عنها غارات المصريين ، كما صدوا عنها غارات قبائل العبرانيين التائهة في صحراء سينا . ولقد نجحوا في بناء مدينتهم وعمارتها ونجحوا في صد الغزاة عنها أزمانا طوالا عند ما كانوا متحدين ، فلما تفرقت كلمتهم اشتد طمع العبرانيين فيهم مما اضطرهم إلى التحالف مع المصريين ، وطلبوا عون تحتمس الأول في القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، فلبى رغبتهم ، وساعدهم في صد غارات القبائل العبرانية ، وأدت بهم هذه الاستعانة إلى نوع من الخضوع لسلسلة من فراعنة مصر لمدة قرنين من الزمان ، ، وجدير بالذكر أن هذه الاستعانة أو هذا الخضوع لم يفقدهم كيانهم كشعب متماسك يمارس حياة خاصة ، ويحتفظ بحقه في حكم نفسه ، إذ كان المصريون يكتفون بتحصيل الجزية من أهلها .
ولما كان العبرانيون يبحثون لهم عن مستقر لهم يقيهم تيه الصحراء فإنهم استمروا في محاولتهم دخول يبوس وأخيرا وبعد لأي تمكنوا من ذلك في عهد داود عليه السلام حوالي 1049 ق م ، وهنا جاء ت بداية الوجود العبراني في مدينة القدس " يبوس " : حدث بعد أكثر من ألفي عام من وجودها أنظر تاريخ القدس للسيد عارف العارف ، والأنس الجليل بناريخ القدس والخليل لأبي اليمن مجير الدين الحنبلي .
[1] أنظر القدس لسامي حكيم ص 13 وما بعدها(/17)
وتؤكد التوراة – أو ما يسمي بذلك – أيضا غربة اليهود عن القدس ، ففي سفر القضاة 19: 11و13 نجد قصة رجل غريب وفد مع جماعة له إلى مشارف يبوس – بيت المقدس – ( وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا قال الغلام لسيده : تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها ، فقال له سيده : لا نميل إلى مدينة غريبة ، ليس أحد من بني إسرائيل هنا ) .
كل الدلائل تشير إلى أن فلسطين قد عمرها اليبوسيون العرب قبل أن يظهر اليهود في يبوس (القدس ) بألفي عام ، ثم دخل اليهود يبوس في عصر جد متأخر ، على يد داود عليه السلام واضطر أهل البلاد الأصليين إلى التعايش مع الغزاة ، ،ويؤكد المؤرخ برستيد أنه حتى في الفترة التي كان لإسرائيل فيها كيان ونفوذ في يبوس وفي عصرهم الذهبي كان ملك إسرائيل بمثابة وال على فلسطين تحت السيادة المصرية أنظر القدس لسامي حكيم ص 13 وما بعدها
ومما سبق يتبين أن داود وسليمان عليهما السلام لم يكونا مؤسسي مدينة القدس ، وإنما كانا فاتحين لها بعد ألفي ستة من وجودها ، وكانت عمارتهما لها هي كما يقول صاحب الأنس الحليل ( .. تجديد البناء القديم )
والأهم من ذلك هو إلى متى استمر الكيان السياسي لليهود في فلسطين ؟
بعد موت سليمان عليه السلام حوالي 975 ق م انقسمت المملكة إلى شطرين : شطر يسمى إسرائيل وعاصمتها نابلس دامت نحو مائتين وخمسين عاما ، وانتهت عام 721 ق م ، حيث قضى عليها ملك آشور ، ولم تقم لها قائمة بعدها ، والشطر الثاني : يسمى أورشليم ، مملكة يهوذا في الجنوب ، وقد عاشت أكثر من أختها ، وفي عام 599 ق م دمرها بنوخذ نصر وسبى جميع أهلها وأرسلهم إلى بابل ، وراح اليهود يعيشون بعد مملكتهم هذه التي استمرت ما يقرب من أربعة قرون فحسب كطائفة دينية يرأسها كاهن ، حتى ظهر المكابيون وقاموا بثورتهم واستولوا على أورشليم عام 167 ق م وظهر منهم الرؤساء والملوك . وبعد فترة وجيزة كانوا خاضعين للحكم اليوناني مرة وللروماني مرة أخرى رازحين تحت عبء التنازع السياسي والفساد الداخلي ، وذاقوا الدمار ثلاث مرات متوالية على يد الأباطرة : بومبي ، وتيطس ، وأدريانوس ، وكان أن قضي على دويلتهم الهزيلة ، ولم يقم لهم دولة أوكيان بعد ذلك خطر الصهيونية على الإسلام والمسلمين لعبد الله التل ص 23 وما بعدها.
ومما تقدم يتبين أن وجودهم بها حدث واستمر كغزاة ، تقوم العلاقة بينهم وبين أصحاب الأرض الأصليين على هذا الأساس ، كما يتبين أيضا أن كيانهم السياسي لم يقم بهذه الأرض إلا في فترة متأخرة جدا ، ولبضعة قرون لا تكاد تتعدى في عددها أصابع اليد الواحدة من بين خمسين قرنا مرت على هذه الأرض وهي مأهولة متحضرة بأهلها الأصليين .
وليس أدل على ضعف ارتباطهم بها من أن زعماء الصهيونية في العصر الحديث عندما بدأوا يفكرون في بناء وطن قومي لهم ، ساغ لبعضهم أن يتجهوا بتفكيرهم إلى بلاد أخرى غير فلسطين ، فهذا البارون هيرشي اليهودي الألماني الثري يرى أن الأرجنتين هي أصلح مكان يمكن إقامة دولة اليهود عليه ، بل إن هيرتزل نفسه كان على استعداد لقبوله في سورية أو البرتغال ، أو سيناء أو قبرص أو العريش أو موزمبيق أو طرابلس أو أوغندا أو الكونغو - أنظر القدس لسامي الحكيم ص 36 وما بعدها - لولا أن بادرت المصالح الاستعمارية إلى ربط عجلتها بالمطامع الصهيونية فتكاتفا على إحداث المأساة .
وما ذا يعرف المسلم المعاصر عن إسلامية بيت المقدس منذ فجر التاريخ ؟
لقد تحققت هذه الإسلامية منذ وجود إبراهيم عليه السلام بها ومن بعده ذريته من الأنبياء أنبياء الإسلام وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها بأكرم وأرفع وأخلد مجموعة عرفها هذا الكون من البشر ومن الملائكة اجتمعت لأول مرة بقيادته ليلة الإسراء والمعراج ، ووضعت حجر الأساس في الوجود الإسلامي المحمدي في المنطقة ، ولقد تابع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تنفيذ هذه الغزوة الملائكية بغزوة تبوك ، وسار من بعده على الدرب أصحابه ، فأذن عمر رضي الله عنه لقائد جيشه على الشام بفتح بيت المقدس فأرسل أبو عبيدة بن الجراح – وقد عسكر بالأردن – إلى بطارقة أهل إيلياء وسكانها سلاما ودعوة إلى الإسلام : ( فإن شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم وكنتم لنا إخوانا وإن أبيتم فأقروا لنا بأداء الجزية ) الأنس الجليل ج2 ص 246 وما بعدها(/18)
وبعد القتال أرسلوا إليه يطلبون الصلح على أن يعطيهم الخليفة نفسه الأمان والعهد ، وقد انتقل إليهم الخليفة عمر بن الخطاب حقنا للدم وتوفيرا للجهد ، وتوقيا من التطاول في الأمر ، وأعطاهم العهد الذي جاء به شرطان : أن لا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وأن يخرجوا منها الروم . وأغلب الظن أن الشرط الأول لم يكن محض استجابة من عمر رض الله عنه لرغبة أبداها البطريرك ولكنه كان إلهاما عمريا دفعه إلى هذا الشرط كما دفعه إلى الشرط الثاني ، ونكبة فلسطين التي نعيشها اليوم بأقسى ظروفها إنما كانت نتيجة الإخلال بهذين الشرطين ، فقد سمح لليهود ، وسمح للاستعمار بأن يدوسا بأقدامهم تلك الأرض المطهرة وتلك بداية الكارثة.
ولقد كان طلب البطريرك دليلا على عدم وجود اليهود بتلك الأرض ، ولكن اليهود تسللوا بعد ذلك من نافذة التسامح ، بل نقول من ثغور التساهل الذي كان المظهر المنحرف للتسامح الحكيم ، فقد سمح لبعض اليهود أن يكونوا بين خدام المسجد الأقصى يسرجون مصابيحه بعد أن بناه عبد الملك بن مروان ، ثم منع عمر بن عبد العزيز ذلك من بعد الأنس الجليل ج1 ص 218 وما بعدها
ولقد استمر بيت المقدس بأيدي المسلمين من حين الفتح العمري إلى سنة 492 هـ عندما استولى الفرنجة على بيت المقدس ، وقد قصدوه في نحو مليون مقاتل ، وحاصروه نيفا وأربعين يوما ، واستولوا عليه في شعبان من تلك السنة ، ولبث الإفرنج يمارسون عملية قتل المسلمين بالقدس أسبوعا ، وقتل آنذاك داخل المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف مسلم ، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وساداتهم وعبادهم وزهادهم ، وحصروا الباقين ودعوهم إلى الخروج قبل ثلاثة أيام على الأكثر ،وإلا قتلوهم عن آخرهم ، فسارع الناس إلى الخروج ، وقتل في زحام الخروج خلق كثير ، لايحصيهم إلا الله سبحانه ، ومارس الفرنجة النهب بعد أن فرغوا من القتل ، وذهب الناس مطرودين من الشام إلى العراق الأنس الجليل ص 305 وما بعدها
واستمر بيت المقدس وما جاوره من السواحل بيد الفرنجة إحدى وسبعين عاما حتى استرد البيت صلاح الدين عام 583 هـ ، ثم استرجعوه في عام 626 هـ ،وتم استرداده مرة أخرى على يد الملك الصالح عام 642 هـ .
إن المسجد الأقصى الذي يزاحمه الصهاينة ويتهددونه بأوهامهم عما يسمونه هيكل سليمان فيجب أن يعرف المسلم أن له تاريخا أقدم من تاريخ داود عليه السلام . قال الإمام أبو العباس القرطبي : يجوز أن يكون بناه الملائكة بعد بنائه البيت المعمور بإذن الله تعالى وظاهر الحديث يدل على ذلك . والإمام القرطبي يشير في هذا إلى ما رواه المحدثون عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : " قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا ؟ قال : قلت : ثم أي ؟ قال : بيت المقدس قال : قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون عاما .) أخرجه الإمام أحمد وغيره
ومن العلماء من قال: بناه آدم عليه السلام ، ومنهم من قال : بناه سام بن نوح عليهما السلام ، ومن من قال : أو ل من بناه وأري موضعه يعقوب بن إسحاق عليهما السلام . وقد تأول بعض العلماء معنى الحديث الشريف الوارد في أن بناء المسجد الأقصى كان بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة على أن المراد به بناء يعقوب عليه السلام للمسجد الأقصى بعد بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة الشريفة .
والصحيح ما ذكره صاحب الأنس الجليل في تعليقه على ما تقدم بقوله : وهذه الأقوال تدل على أن بناء داود وسليمان عليهما السلام إياه إنما كان على أساس قديم لا أنهما المؤسسان له ، بل هما مجددان ، وكل قول من الأقوال الواردة في بناء المسجد الأقصى لا ينافي ذلك : على أساس أن يكون بناه الملائكة أولا ، ثم جدده آدم عليه السلام ، ثم سام بن نوح عليهما السلام ، ثم يعقوب بن إسحاق عليهما السلام ، ثم داود وسليمان عليهما السلام ، فإن كل نبي منهم بينه وبين الآخر مدة يحتمل فيها ان يجدَّد البناء المتقدمُ الأنس الجليل ج1 ص 7 وما بعدها
هذا المسجد كان موجودا قبل داود عليه السلام ، بدلالة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن هذه المنطقة كانت معمورة قبله ، وكان ممن عمرها من يعبد الله على حق من الأنبياء واتباعهم ، فهل عاش هؤلاء جميعا دون أن يبنوا لله مسجدا بالأرض التي عاشوا فيها تأسيسا كان بناؤهم أو تجديدا ؟
الصحيح أنه كان لإبراهيم عليه السلام نصيب في بناء مسجد لله في الأرض التي عاش فيها في فلسطين ، وعند ما يأتي داود عليه السلام فإننا نتوقع أن يبحث عن بناء أقامه أجداده ليجدده ، ثم بعد ذلك عندما نتدبر جمع الأنبياء للصلاة بالمسجد الأقصى في الإسراء فإننا نحس بأنهم جمعوا في المكان الذي صلوا فيه .(/19)
وإذن فالصحيح أن البيت أقدم من داود عليه السلام وأنه يمتد إلى زمن إبراهيم ثم إلى أقدم منه . إذ يكون أول بيت وضع للناس للذي ببكة وضعه الملائكة ، أو بناه آدم ، - ولا يصح افتراض أن لا يكون في هذا العهد بيت للناس إلى أن يأتي إبراهيم عليه السلام ، - ثم يكون البيت الثاني قريبا من هذا الوقت ؛ وقت آدم ، لأن ما بينه وبين البيت الحرام لا يتعدى أربعين عاما كما هو صريح الحديث الشريف ، إذن فإن ما فعله إبراهيم أو داود عليهم السلام لم يكن إلا التجديد لما تهدم بمضي الزمان .
وعلى أي حال فليس لإسرائيل اليوم أن تزعم لنفسها حقا في هذا المكان المقدس .
أولا : لأن هيكل داود وسليمان عليهما السلام ليس له أثر على الإطلاق ، بعد أن دمر أكثر من مرة وأقيم مكانه معبد الإله جوبيتر .
ثانيا : لأن المسلمين أولى بداود وسليمان لأنهما صاحبا دعوة إلى الإسلام شأن جميع الأنبياء .
ثالثا : لأن اليهود هم الذين دنسوا من قبل معبدهم . ذلك أن الملك يهواش ملك إسرائيل أغار على المدينة واستباح هيكلها وغنم ما فيه من التحف والآنية ، ثم قفل إلى السامرة ، وجاء في العهد القديم خبر وفاته على النحو المقبول في عقيدتهم ، فقيل : إنه اضطجع مع آبائه ، أي قضى غير مغضوب عليه .
ولقد دنسوه أيضا إذ قبلوا في فترة من الفترات بوضع الأصنام به ، وشاركوا في عبادتها كما تخبر بذلك التوراة نفسها .
أما المسلمون فقد كانت عنايتهم بالمسجد وتقديسهم له نابعا من شعورهم الديني العميق الأصيل بوحدة الأنبياء ووحدة الدين .
لقد وجد عمر رضي الله عنه المكان ممتلئا بالقمامة التي وضعتها النصارى فيه ، ذلك أن الملكة هيلانة عند ما زارت إيليا وبنت فيها كنيسة القيامة عام 325 م - تاريخ القدس لعارف العارف ص 38 -
جعلت مكان الصخرة مطرحا لقمامات المدينة ، وفي الفتح العمري جعل عمر يكنس القمامة بيده والمسلمون معه ، وبعد أن فرغ من ذلك صلى هناك ، وبعد أن فرغ من ذلك صلى هناك ، وهناك أقيم المسجد ، ثم جاء عبد الملك بن مروان فبنى في نفس المكان مسجد قبة الصخرة ثم أعاد بناء المسجد الأقصى ورتب له الخدم والقوام ، واستمرت عناية الدولة الإسلامية به على توالي العصور حتى مجيء نكبة فلسطين على يد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
نقف هنا لنسأل : ماذا كان عدد اليهود في فلسطين ؟
في الفتح العربي لم يكن بها أحد من اليهود . فإذا انتقلنا سريعا إلى وقت الاحتلال الصليبي عرفنا أنه لم يكن بها غير المسلمين والمسيحيين ،وأنه لم يكن بها يهودي واحد ، وعندما فتحها صلاح الدين لم يكن بها يهودي واحد كذلك .
وفي عهد السلطان محمد الرابع 1670 م كان بها من اليهود عدد لا يزيد على مائة وخمسين ، ثم إن عددهم أخذ يتزايد منذ أواخر القرن قبل الماضي مما دعا الحكومة التركية عام 1882 م إلى إصدار قانون حرمت فيه الهجرة اليهودية وشراء اليهود للأراضي ثم عدلته بعد ذلك بسبب مسعى أمريكي ، وأعطت اليهود حق الدخول إلى فلسطين والبقاء فيها لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر .
ولكن الذي حدث إثر ذلك هو أنهم دخلوا الأرض المقدسة وأقاموا بها وتكاثروا وأنشأوا الكنائس . ولما استقر الأمر للاحتلال البريطاني أخذت الهجرة اليهودية تتزايد ، ولم يكن لها شيء يبررها في غير منطق الاستعمار الاستيطاني تاريخ القدس للسيد عارف العارف ص 191 ، 236 ، وما بعدها
ومما عرضناه يظهر وفقا للحقائق التاريخية أصالة الوجود الإسلامي العربي وعراقته بهذه الأرض المقدسة وهي تثبت في الوقت نفسه عرضية الوجود الإسرائيلي بها وقيامه على الغزو و الطغيان الموقوت نسبيا ، ولم تكن العوامل التي مكنت لإسرائيل في العصر الحديث راجعة لشيء بقدر رجوعها إلى جهل المسلمين بتاريخهم وتخاذلهم في واجباتهم ، وتفريطهم في حقوقهم ، ثم إلى قيام التحالف بين الصهيونية الاستيطانية ، والمسيحية المتصهينة والاستعمار الغربي ، وهو لم يكن قط تحالفا إنسانيا ، ولكنه محض تصفية حساب تاريخي بين أوربا وبين الإسلام .
أد : يحيى هاشم حسن فرغل(/20)
محنتي
فؤاد المنشاوي
هي محنة عبراتها أدعى العبر
وقف الحليم بساحها متحيرا
جلادها كالذئب ينهش iiشاته
والناس بين مصدقٍ iiلجريمة
هل جفّ دمعك يا أخيَّ من iiالبكا
لو كان صبر الصابرين iiبمحنتي
لكنني والسوط يلهب iiأضلعي
والسل ينخر في العظام وقد iiرمت
سأظل أحيا للعقيدة موقناً ... نثرت على خد كريم iiكالدرر
والدمع ضج بمقلة ثم iiانتثر
والرعب في ساحاتها يعمي البصر
ومكذبٍ نسب النزاهة iiللبشر
أم أن قلبك يا أخيَّ من iiالحجر
خلع الثياب لجاجةً ثم iiانتحر
ووساوس الشيطان توحي iiبالخطر
في بردها والعين تقدح iiبالشرر
أن الحياة لمن تصدى واعتبر(/1)
مخالفة الأبوين في اختيار الزوجة
الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد السؤال
هل يجوز للمسلم أن يخالف أبويه في مسألة اختيار الزوجة التي يراها من أنسب ما يكون (تتحلى بالصفات المطلوبة شرعاً وعرفاً) مع العلم أنّ المعارضة لأسباب لا تقدح في تدينها بل مجرد عدم رغبة؟
الإجابة
لا يحق لأحد الوالدين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد, ولا أن يمنعه من زواج من يريد إلا إذا كان هناك سبب شرعي, ولكن يستحب للابن إرضاء والديه وإقناعهما بالحسنى, فإن أبيا أو أحدهما وتزوج من يريد فلا حرج عليه ولا يكون عاقاً بذلك. فكما لا يجوز لأبيه أن يجبره على أكل طعام لا يشتهيه, لا يجوز له أن يكرهه على عشرة من لا يريد, فإن أكل المكروه مرارة ساعة وعشرة المكروه مرارة أعوام طويلة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
أما إذا أمر الوالدان أو أحدهما الولدَ بطلاق زوجه فلا يطلّق إلا إذا كان هناك سبب شرعي كذلك. إلا إن كان أبوه مثل عمر بن الخطاب أو بشر الحافي كما قال الإمام أحمد لمن استفتاه في ذلك. قال سند سأل رجل أبا عبد الله, فقال إنّ أبي أمرني أن أطلق امرأتي؟ قال: لا تطلقها. قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه ـ يعني في تحري الحق والعدل وعدم اتباع الهوى. وفي رواية حتى يكون أبوك مثل بشر الحافي.(/1)
مخالفة الزوجة للزوج في معصية الرب
السؤال :
ما حكم الشرع في امرأة تعصي زوجها و تخالفه في بعض ما أوجبه الله عليها ، و تصر على موقفها حتى و إن أدى بها إلى الطلاق .
الجواب :
إذا عصت المرأة زوجها فيما تجب عليها فيه طاعته فهي آثمة ، و خاصة إذا أصرّت على ذلك غير مبالية برضاه من عدمه ، بل حتى بإيقاع الطلاق عليها بسبب ذلك .
و على الزوج و الحال كذلك أن لا يتعجل بإيقاع طلاق أو فراق بل يسعى للإصلاح بقدر المستطاع ، و معالجة ما قد يحدث من نشوذ زوجته بما يناسب ما جعله الله بينهما من المودة و الرحمة ، و لا يتجاوز ما هو مقرر شرعاً في هذه الحال كما في قوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَ اللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) [ النساء : 34 ] .
و ليس هذا مقام التوسع في عرض وسائل حل الخلافات الزوجية ، لأن المقام مقام فتيا و ليس مجلس قضاء ، و من القيام بواجب النصيحة للزوج – و قد طُلِبَت في السؤال – حثُّه على أن يستفتي أهل العلم و يستشير أهل الخبرة و الدراية في بلده فيما شجر بينه و بين أهله ، و لا يفتأ يراجع نفسه و يحاسبها بين الفترة و الفترة ، فقد يكون هو المخطئ المحقوق و إن بدا له خلاف ذلك في بداية الأمر ، و لذلك أرشد الله تعالى إلى الاحتكام إلى طرف ثالث في الخلافات الزوجية ، لأن من ينظر من خارج موقع الحدث يكون أقدر على إدراك حقائق الأمور و معالجتها ممّن هو طرف فيها .
قال تعالى : ( وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) [ النساء : 85 ] .
هذا و اللهَ أسأل أن يوفقنا جميعاً لخير القول و العمل ، و أن يعصمنا من الضلالة و الزلل ، و أن يصلح ذات بيننا و يؤلف بين قلوبنا ، و يأخذ بأيدينا إلى ما فيه رضاه عنّا .
و صلى الله و سلم و بارك على نبيّه محمد ، و آله ، و صحبه أجمعين .(/1)
مخالفة تقع فيها النساء
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد..
شرع الله الشرائع وحد الحدود لما فيه سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وفي التزام حدود الله وعدم تعديها الفضيلة والطهر والعفاف وسمو النفس الإنسانية والترفع عن الرذائل وتجنب الشرور والفساد والأثام، والله تعالى يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .
وفي هذه الرسالة: صور من المخالفات التي ظهرت بين النساء، ولعظم شأن المراء في المجتمع المسلم وحرصا على سلامة الأخت المسلمة من الوقوع فيها أحببنا أن ننبه عليها لتحذرها وتقلع عنها وتتوب إلى الله إذا كانت واقعة في شيء منها، ثم تحذر أخواتها،وتنكر على من تأتي شيئا منها.
والله نسأل أن يصلح نيتنا وأعمالنا.
مخالفات العقيدة
1- الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والكهنة، لمرض أو عين أو فك سحر أو عمل: والرسول حذر من إتيانهم فقال: { من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً } [السنن الأربع]، بل إن تصديقهم كفر، كما قال رسول الله : { من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد }، [مسلم].
2- زيارة المقابر وشد الرحال لها وخاصة قبر الرسول ، وقد قال الرسول : { لعن الله زورات القبور } [مسند أحمد].
3- النياحة وضرب الوجوه وشق الجيوب على الأموات، قال : { ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية } [متفق عليه]، وقال : { النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب } [مسلم].
4- إلحاح بعض النساء على الأزواج لاستقدام خادمة أو مربية غير مسلمة، بل قد يشترطن ذلك عند عقد النكاح، ثم يلقين إليهن مهمة تربية الأطفال، وفي ذلك من العواقب الوخيمة على عقيدة وأخلاق الأطفال ما لا يخفى على ذي عقل.
5- جزع بعض النساء لضر نزل بهن والدعاء على أنفسهن بالموت، والرسول يقول: { لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً، فليقل: الهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي } [متفق عليه].
مخالفات أركان الإسلام
6- تأخر الصلوات عن أوقاتها، خصوصا عند الخروج والسهر والتأخر في النوم، لما يصحب ذلك من تأخير صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس، وقد قال : { إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثماني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وأن أتينا على رجل مضطجع ورجل قائم على رأسه بيده صخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قالا لي: أما أنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة } [البخاري].
7- عدم الاهتمام بإخراج زكاة المال والحلي التي تملكها المرأة وحال عليها الحول وقد بلغت النصاب، والله تعالى يقول: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون .
8- إهمال بعض النساء للزوج والأولاد - بنين وبنات - فيما يقصرون فيه من أداء الفرائض، وعدم النصح لهم والإنكار عليهم، كإهمال الزوج والبنين لأداء الفرائض في المسجد، وكإهمال البنات إذا بلغن المحيض لأداء الفرائض والصيام وغيرها من الواجبات.
9- تخصيص لون معين للإحرام للحج أو العمرة كالأخضر وغيره، وكذلك لبس النقاب والقفازين أثناء الإحرام، قال : { لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين } [البخاري].
مخالفات اللباس والحجاب
10- عدم الالتزام بالحجاب الشرعي الساتر عند الخروج من البيت، ككشف الوجه أو تغطيته بغطاء شفاف، ولبس الملابس الضيقة والقصيرة والمفتوحة، ولبس النقاب والبرقع الذي يظهر منه الحاجب والعينان وبعض الخدين ويظهر زينتها.
11- متابعة الموضة في اللباس والتسريحات وأدوات التجميل، والاهتمامات النسائية، وفي هذا فقدان لهوية المرأة المسلمة وضعف لشخصيتها.
مخالفات البيوت والعشرة بين الزوجين
12- استعمال آنية الذهب والفضة، والأكل والشرب فيهما، وقد نهى الرسول عن ذلك فقال: { لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنهما لهم في الدنيا ولكم في الآخرة } [متفق عليه]. وذلك لما فيها من الفخر والإسراف وكسر قلوب الفقراء.
13- وضع الصور المجسمة وغير المجسمة على الأرفف والجدران.
14- الاعتراض على تعدد الزوجات ومحاربته، والله تعالى يقول: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمر أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا .(/1)
15- عدم طاعة الزوج والرد عليه بقوة ورفع الصوت في وجه وجحد جميله ومعروفه والشكاية منه دائما بسبب أو بدون سبب، عن عمة حصين بن محصن قالت: أتيت رسول الله في بعض الحاجة، فقال: أي هذه! أذات بعل؟ قلت: نعم،قال كيف أنت له؟ قالت ما آلوه، إلا ما عجزت عنه، قال: أين أنت منه؟فإنما هو جنتك ونارك [النسائي]. وقال : { لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها } [الترمذي وأحمد].
16- تحديد النسل وتقليل الإنجاب لغير ضرورة، مما يؤدي إلى نقص الأمة الإسلامية، والرسول يقول: { تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم } [أبو داود والنسائي].
17- عدم الاهتمام بتربية الأولاد تربية إسلامية سليمة من الشوائب، كأعياد الميلاد، والملابس التي عليها الصور أو الصلبان، وتعليم الأطفال الموسيقى، وفي الجانب الآخر عدم الحث على الصلوات في المساجد وحفظ القرآن وربط هممهم بنصرة الإسلام. والرسول يقول: {… والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها }.
18- إهمال بعض النساء لإدارة شؤون المنزل من نظافة وغسيل وطهي، وإهمال حقوق الزوج من التجمل والتزين والتهيؤ له.
19- طلب الطلاق من الزوج من غير بأس، والرسول يقول: { أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة } [أبو داود وابن ماجة].
20- تكليف الزوج شراء ما لا يطيق من كماليات وملابس وهدايا لا تلزم.
21- نشر ما يدور بين الزوجين من أحاديث وخلافات وأسرار، خصوصا المتعلقة بالمعاشرة.
22- صيام التطوع دون إذن الزوج، والرسول يقول: { لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، أو أن تأذن في بيته إلا بإذنه } [البخاري].
مخالفات الأفراح
23- العزوف عن الزواج للدراسة وغيرها حتى تتأخر ثم تجد نفسها وحيدة لا تجد من يرغب في الزواج منها لكبر سنها.
24- التساهل في اختيار الزوج بغير اعتبار للدين أو الخلق، والرسول يقول: { إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض } [الترمذي].
25- المغالاة في المهور، وفي الحديث: { خير الصدق أيسره } [الحاكم]، وأكثر النكاح بركة أيسره مؤونة.
26- الوقوع في البدع المستحدثة في هذا العصر، كإلزام الزوج بما يسمى الشبكة، أو لبس الدبلة المنقوش عليها اسم الزوج، وكذلك تقليد الكفرة فيما يسمى بالتشريعة وهي الثياب البيضاء الطويلة والقفازات، والجوارب البيضاء.
27- ذهاب المرأة للكوفيرات لتزيل شعر جسمها حتى وصل الحال إلى كشف أماكم من الجسم لا يحل لأحد أن ينظر لها سوى الزوج.
28- الإصرار على إقامة حفلات الزواج في القصور والفنادق وإنفاق الأموال الكثيرة إلى درجة الإسراف، وإحضار المطربين والمطربات ورفع الصوت بالغناء والموسيقى والصيحات.
29- وضع منصة للعروسين (الكوشة أو المنصة) وظهور الزوج والزوجة أمام غير المحارم من الأقارب رجل ونساء وتهنئتهما بالمصافحة وما يكون من الرقص والتصوير الفوتوغرافي أو بكاميرات الفيديو.
مخالفات الخروج والسفر والاختلاط
30- وضع الطيب أو العطر أو البخور الذي يشمه الرجال عند خروجها،والرسول يقول: { أيهما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية } [أبو داود والنسائي].
31- ركوب المرأة مع السائق الأجنبي (غير المحرم) والخلوة معه وعدم التحجب عنه وكأنه من محارمها، والرسول قال: { لا يخلوه أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه].
32- كثرة الخروج من البيت والذهاب إلى الأسواق، والله تعال يقول: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى .
33- الاختلاط بالرجال الأجانب من أقارب المرأة أو أقارب الزوج أو غيرهم، والتساهل بالمزاح معهم ومصافحتهم، وإظهار الزينة أمامهم، وعدم التستر عندهم قال: { إياكم والدخول على النساء }، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو يا رسول الله، قال: { الحمو الموت } [متفق عليه].
34- تساهل بعض النساء ف العلاج عند الأطباء وكشف ما لا يجوز بغير ضرورة قصوى لذلك.
35- سفر المرأة بدون محرم سواء بالسيارة أو الطائرة أو غيرهما، والرسول قال: { لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه].
36- خروج بعض النساء للعمل الذي يفضي إلى محرم كإهمال الزوج والأبناء أو ترك الفرائض أو الاختلاط أو إهمال الخادمة.
مخالفات عامة
37- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتنا صح في الأوساط النسائية، والله تعالى يقول: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم .
38- عقوق الوالدين برفع الصوت عليهما أو نهرهما وعدم طاعتهما، والله تعالى يقول: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما .
39- انتشار آفات اللسان من غيبة ونميمة وغيرهما.(/2)
40- إهمال غض البصر، وكأن الله أمر به الرجل دون النساء، وقد قال تعال: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصرهن ويحفظن فروجهن ، وإطلاق العنان للنظر للأجانب وخصوصا على شاشات التلفاز وغيرها مما يسبب الفتنة.
41- أن تنظر المرأة إلى المرأة فتصفها لأحد محارمها بغير غرض شرعي كالنكاح، والرسول يقول: { لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها } [متفق عليه].
42- فعل بعض المحرمات التي تؤدي إلى اللعن من الله، قال : { لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله } [متفق عليه]، وقال : { لعن الله الواصلة والمستوصلة }.
43- الخضوع بالقول، ولين الكلام مع الرجال الأجانب، وهذا حرام ويكثر هذا عند الكلام بالهاتف مما يؤدي إلى المعاكسات ووقوع الساذجات فريسة سهلة للذئاب البشرية.
44- غرور وكبر بعض النساء لحسن منظرهن أو لارتدائهن للملابس أو الحلي غالية الثمن، قال رسول الله : { لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر } [مسلم].
45- عدم التزود من الطاعات فبعض النساء هداهن الله لا يعرفن القرآن إلا في رمضان وبعضهن لا يعرفن صلاة الوتر وصلاة الضحى ولا يحافظن على السنن الرواتب.
46- بعض النساء هداهن الله قد يقمن بصبغ شعرهن بالسواد وتغيير الشيب به بدلا من الحناء والكتم، وقد قال : { يكون في آخر الزمان قوم يخضيون بالسواد، كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة } [أبو داود والنسائي].
47- مخالفة سنة من سنن الفطرة وهي تقليم الأظافر فتجد إحداهن تطيل أظافرها ثم تضع عليها صبغا يعرف باسم (المناكير) وهذا الصبغ يمنع وصول الماء إلى الأظافر ثم تأتي من وضعته لتتوضأ وتصلي فتبطل صلاتها لأن وضوءها غير صحيح حيث إن الماء لم يصل إلى الأظافر، فإن كان لابد من وضعه فيجب على المرأة أن تزيله قبل الوضوء.
48- اتخاذ المرأة صديقات سوء يحثونا على التساهل في حقوق الله عليها والتفريط في المحافظة على شرفها وكرامتها وإيقاعها فيما لا تحمد عقباه..
49- تجاوز مدة الحداد على الميت أكثر من ثلاث ليال ما لم يكن المتوفى هو زوجها، قال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا } [متفق عليه].
50- عدم التقيد بشروط الحداد وتجنب لبس الزينة والحلي والخضاب والكحل والطيب ونحو ذلك وأن لا تخرج من بيتها إلا لضرورة، ولا يشترط عليها لبس السواد فإن ذلك لا أصل له وهو أمر باطل ومذموم.(/3)
مختارات من بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة
كتبها : أحد طلبة العلم
بعض النوازل في العبادات
استعمال مياه الصرف الصحي
التمهيد:مياه الصرف الصحي بعد أن يتم تنقيتها وإزالة ما علق بها من أوساخ هل تصبح طاهرة باعتبار ما آلت إليه أم أنها تبقى نجسة باعتبار حالها الأول.
هذا يتطلب منا الرجوع إلى أقوال العلماء في كيفية تطهير الماء.
أقوال العلماء في تطهير الماء:
1- قال الجمهور: تطهير المياه إما بصب ماءٍ طهور عليها، أو نزح بعضها، أو زوال التغير بنفسه. إلاّ أن الشافعية والحنابلة يشترطون فيما نزح بعضها بان يبقى بعد النزح قلتان فأكثر، وللمالكية في النزح قولان.
2- وقال الحنفية: يطهر الماء النجس بنزح مقدار منه ، لكن يختلف مقدار ما ينزح لتحصل به الطهارة للباقي باختلاف نوع النجاسة واختلاف أحوالها.
ومما سبق يتضح لنا أن الجمهور يرون تغير الماء بنفسه إما بالشمس أو غيرها سبباً في طهارته ، لأنه استحال إلى شيءٍ طاهر.
وقد اختلف العلماء في الاستحالة.
1- فقال الحنفية والشافعية وهي رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية[1]: يطهر الشيء باستحالته عن النجاسة ، واستدلوا بما يلي:
أ- أن عين النجاسة قد زالت واستحالت فلم يبق لها أثر فينبغي أن ينتفي حكمها ، لأنها صارت من الطيبات ، والله تعالى يقول: ]ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث [. قال ابن حزم: (إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم وانتقل إلى اسمٍ آخر وارد على حلالٍ طاهر فليس هو ذلك النجس ولا ذلك الحرام، بل قد صار شيئاً آخر ذا حكم آخر) .
ب- القياس على ما يطهر بالاستحالة كالمسك فإنه طاهر مع أنه من الدم ، لأنه استحال عن جميع صفات الدم ، والخمرة تطهر إذا انقلبت بنفسها خلاً، والدم يصبح منياً، والعلقة تصبح مضغة، ولحم الجلالة الخبيث يصبح طيباً إذا علف الطيب، وما سقي بنجس إذا سقي بالماء الطاهر، والجلد يصبح طاهراً بعد الدبغ.قال ابن تيمية (رحمه الله): وتنازعوا فيما إذا صارت النجاسة ملحاً في الملاحة أو صارت رماداً ، أو صارت الميتة والدم والصديد تراباً كتراب المقبرة فهذا فيه خلاف ، ثم قال: والصواب أن ذلك كله طاهر إذ لم يبق شئ من النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها. وقال ابن قدامة (رحمه الله): يتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة.
اعتراض ودفعه: أن الخمر إذا انقلبت خلاً بنفسها طهرت، وإذا خللت لم تطهر فيقاس عليها غيرها. والجواب: أن الخمرة إنما لم تطهر لأنه يحرم تخليلها، ولأن اقتناء الخمر حرام فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرماً، والله أعلم.
2- وقيل بأن النجاسات لا تطهر بالاستحالة وهي وراية عن أحمد وقول لمالك، وللشافعي فيما نجاسته عينية كالميتة ، واستدلوا بما يلي:
أ- أن النجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحاً وصديداً.
ب- واحتياطاً للشك في النجاسة. ج- ولأن الأجزاء الجديدة هي تلك الأجزاء السابقة للنجاسة. د- قياساً على الجلالة فمع أن النجاسة استحالت لم يحكم بطهارتها.
ونوقش بأن النجاسة قد زالت ، وأما الجلالة فإنها تطهر بإطعامها الطاهر.
الترجيح: الراجح هو طهارة مياه الصرف الصحي إذا زالت النجاسة تماماً لزوال أوصافها وهي اللون والطعم والرائحة فتعود المياه إلى أصلها وهو الطهورية وإن كان ينبغي للمسلمين اجتنابها اكتفاءً بالمياه الأخرى ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً احتياطاً ، ولأن النفس قد تعاف تلك المياه وتستقذرها، وهذا ما أفتتنت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
المراجع:
مجلة البحوث الإسلامية. العدد 35، الصفحة 35. وذكر بها عدد من المراجع الفقهية وغيرها.
--------------
[1] - وفرق الشافعية بين ما هو نجس لعينه أو لمعنى فيه، وفي الفتاوى الهندية عد المطهرات فذكر منها الاستحالة(/1)
مختصر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم
شيخ الإسلام ابن تيمية
الباب الأول : الفصل الأول في ذكر أدلة الكتاب العزيز الدالة على النهي عن التشبه بهم...
1- قال الله تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات . . .} إلى قوله {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (الجائية).
ووجه الدلالة في هذه الآيات أن الله تعالى أخبر عن إنعامه على بني إسرائيل بنعم الدنيا والدين، ولكنهم اختلفوا بعد مجئ العلم بغيا بينهم، ثم أخبر سبحانه أنه جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وهم كل من خالف شريعته صلى الله عليه وسلم، وأهواء الذين لا يعلمون هي ما يهوونه ويحبونه من الهدي الظاهر أو الباطن على السواء.
2- قوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق} (الرعد).
ووجه الدلالة في هذه الآية أن الضمير في ((أهواءهم)) عائد على ما تقدم ذكره في الآية التي قبلها وهم الأحزاب الذين ينكرون بعض الكتاب، فنهانا جل ذكره عن اتباع أهواءهم.
3- قوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة).
ووجه الدلالة في هذه الآية أن الله سبحانه أخبرنا أن اليهود والنصارى لا يرضون إلا باتباع ملتهم، ثم زجرنا سبحانه عن اتباع أهواءهم في قليل أو كثير لئلا نوافقهم في شئ من ملتهم الباطلة.
4- قوله تعالى: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضعم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين} إلى قوله: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} (البقرة)
ووجه الدلالة في هذه الآيات أن الله تعالى بين أن الحكمة من تغيير القبلة هي أن لا يكون للناس على المسلمين من حجة إلا الظالمون منهم أي لكيلا يقول اليهود: وافقونا في قبلتنا فيوشكون أن يوافقونا في ديننا والظالمون هم أهل قريش في هذه الآية، فبين سبحانه أن حكمة نسخ القبلة هي مخالفة المشركين في قبلتهم، لأن مخالفتهم أقطع لما يطمعون فيه من الباطل.
ومعلوم أن هذا المعنى يتعدى أمر القبلة إلى سائر أمور الشريعة، فكلما ازددنا من مخالفتهم كان ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل.
5- قوله تعالى لموسى وهارون: {فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} (يونس).
6- وقوله تعالى: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} (الأعراف).
7- وقوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم} (النساء).
ومَا أشبه هذه الآيات التي فيها الأمر باتباع سبيل المؤمنين والنهي عن اتباع سبيل المشركين.
ووجه الدلالة منها أن ماهم عليه -أي المشركون- من العمل ليس من سبيل المؤمنين بل من سبيل المفسدين، ومن سبيل الذين لا يعلمون فيجب علينا أن نجانب سبيل المشركين، ونحرص على سلوك سبيل المؤمنين في الهدى الظاهر والباطن على السواء.
8- قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} (آل عمران).
ووجه الدلالة من هذه الآية أن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات هم اليهود والنصارى، الذين افترقوا على بضع وسبعين فرقة، والآية خاصة في النهي عن مشابهتهم في التفرق والاختلاف، وعامة في النهي عن مشابهتهم في عامة أمورهم، وإلا لما كان لذكرهم فائدة في الآية، ولنهانا سبحانه عن التفرق مباشرة، ولكن لما ذكر الله تعالى اليهود والنصارى، وأنهم اختلفوا ثم أمرنا بمخالفتهم، تبين من ذلك أن الآية عامة في النهي عن مشابهتهم في عامة أمورهم.
9- قوله تعالى: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} (المائدة).
ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله تعالى بين بعد ما نهانا عن مشابهة المشركين، واتباع أهوائهم، أن لكل منا ومنهم شريعة ومنهاجاً غير شريعة الآخر ومنهاجه، فعلينا أن نلزم شريعتنا ومنهاجنا ولا نشاركهم في شريعتهم ولا في منهاجهم.
10- قوله تعالى بعد ماذكر صنيعه بأهل الكتاب، الذين حرفوه وبدلوه من كونهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين قال تعالى عقب ذلك: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر).
ووجه الدلالة هو أن الاعتبار أن نقيس حالنا بحالهم وأننا لو فعلنا مثل فعلهم لا ستحققنا من العذاب مثل الذي استحقوه.(/1)
11- قوله تعالى بعدو ذكر صفات المنافقين، وأنه وعدهم جهنم ولعنهم: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم . . . . . . الآية} (التوبة).
والمعنى يحتمل أن يكون وعد الله المنافقين النار كوعد الذين من قبلكم، ولهم عذاب مقيم كعذاب الذين من قبلكم، أو يكون المعنى إن فعلتم كما فعل الذين من قبلكم من استمتاعهم بخلاقهم، أي اتباعهم شهواتهم وخوضهم، أي في الشبهات لعنكم الله كما لعنهم ووعدكم النار كما وعدهم.
12- قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ} (الأنعام).
ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى وصف نبيه بالبراءة من المشركين، وأنه ليس منهم في شئ فكل من شابه المشركين في شئ فإنه يبعد عن مشابهة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر مشابهته للمشركين، ومن كان متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسمه فلا بد أن يتبرأ من المشركين كتبرئه صلى الله عليه وسلم منهم.
13- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (المائدة).
14- وقوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} (المجادلة).
15- وقوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} (الأنفال).
16- وقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة).
- والآيات التي تتحدث في الموالاة كثيرة جداً في كتاب الله تعالى، وفيها يثبت الله الموالاة بين المؤمنين بعضهم لبعض وبين الكافرين بعضهم لبعض، وينهى عز وجل أشد النهي، ويتوعد من يتولى الكافرين، ويصفه بأنه منهم وبأنه من الظالمين، وينفي عنه الإيمان.
- والموالاة والموادة وإن كانت متعلقة بالقلب، لكن المخالفة في الظاهر سبب يؤدي إلى قطع هذه المودة الباطنة وهي الطريق المؤدية إلى بغضهم وبغض موالاتهم.
وكذلك فإن مشاركتهك في الظاهر تؤدي إلى نوع مودة وموالاة في الباطن ونحن منهيون عن ذلك.
17- قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد).
وفي هذه الآية أمر الله المؤمنين بالخشوع لذكره سبحانه، ونهاهم عن مشابهة الكافرين في طول الأمد وقسوة القلب، ولكنه سبحانه لم ينه عن طول الأمد وقسوة القلب مباشرة، بل ذكر أنها من صفات أهل الكتاب، ونهانا عن مشابهتهم فعلمنا من ذلك قبح سبيلهم عموماً، وأن مشابهتهم في أي شئ تؤدي إلى طول الأمل وقسوة القلب والعياذ بالله تعالى. [استطرد شيخ الإسلام في شرحه لهذه الآية فتحدث عن قسوة القلب وأنها من ثمرات المعاصي، وتحدث عن الرهبانية وأنها ليست من الإسلام، وأن الإسلام ينهى عن الغلو وعن التفريط في كل الأمور لا سيما في العبادات].
18- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم} (البقرة).
وسبب نزولها مشهور في كتب التفاسير، وهو أن اليهود كانوا يقولون (راعنا) استهزاءً، وكان المؤمنون يقولونها يقصدون بها (انظرنا)، ولا يقصدون إلا المعنى الحسن فكره الله تعالى للمؤمنين أن يتلفظوا بها، ولو كان قصدهم حسناً إمعاناً في مخالفة اليهود وأمرهم أن يستبدولوا بها لفظة أخرى.
19- قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض . . . . . . .} (البقرة).
ووجه الدلالة من هذه الآية أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اصنعوا كل شئ إلا النكاح)).
وكان اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجالسوها ولم يجامعوها في البيوت فلما بلغهم قول النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ((ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه)). وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهود فلم يعترض عليه صلى الله عليه وسلم فهذا دليل على كثرة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من مخالفات لليهود ولسائر المشركين، والحديث كاملاً رواه مسلم في صحيحه.
الباب الأول : الفصل الثاني في ذكر أدلة السنة المطهرة الدالة على النهي عن التشبه بالمشركين...
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((سمعت رجلاً قرأ آية سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية وقال: ((كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)) (رواه مسلم).
أفاد هذا الحديث شيئين:
الأول: تحريم الاختلاف الذي يكون كل من طرفيه محسناً وعلى حق.(/2)
والثاني: الاعتبار بمن كان قبلنا، والحذر من مشابهتهم في اختلافهم خصوصاً وفي سائر أمورهم عموماً، فيكون ذلك سبباً في هلاكنا كما كان سبباً في هلاكهم من قبلنا. [تعرض شيخ الإسلام أثناء شرحه لهذا الحديث لمسألة الاختلاف وأسبابه وأنواعه، وقسمه إلى اختلاف تنوع وهو إما أن يكون اختلافاً في اللفظ والمعنى واحد، أو يكون كل أطرافه على حق كالاختلاف في القراءات، وفي صفة الأذان، وتكبيرات العيد ونحوها، وإلى اختلاف تضاد وهو إما في الأصول وإما في الفروع، وهو استطراد خارج موضوع الكتاب لذا اكتفينا بالتنبيه عليه].
2- عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن))]. (رواه البخاري).
ووجه الدلالة من الحديث أنه خرج مخرج النهي والتحذير من مشابهتهم، ويدل على ذلك تشبيهه صلى الله عليه وسلم أفعالهم القبيحة بجحر ضب، وهو مشهور بنتن ريحه.
فيستفاد من الحديث العمل على مخالفة المشركين، وترك مشابهتهم في القليل والكثير، لكيلا نصل إلى الحالة التي أخبر عن وقوعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- قوله صلى الله عليه وسلم ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))، وفي لفظ ((غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود))، قال الترمذي حسن صحيح.
هذا الحديث نص صريح في الأمر بمخالفة اليهود والنصارى عموماً، ولا سيما في صبغ اللحية الذي هو سبب اللفظ العام، ويستفاد العموم من عدة وجوهٍ؛ منها: العدول بالأمر بالصباغ عن لفظ الفعل الخاص به إلى لفظ أعم منه وهو المخالفة، وذلك لأن العلم بالعام يقتضي العلم بالخاص المندرج تحت هذا العموم، فإذا عرفت أن مخالفة المشركين مطلوبة، عرفت أن مخالفتهم بصياغ اللحية مطلوب، لأنه داخل في عموم المخالفة ومنها أنه رتب الحكم على الوصف بحرف الفاء، فيدل هذا الترتيب على أن علة الأمر بهذه المخالفة كون اليهود والنصارى لا يصبغون، فبالتالي كل فعل فعله المشركون تحققت فيه هذه العلة التي كانت سبباً في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصباغ مخالفة لهم.
ومنها أنه لو لم يكن لقصد مخالفتهم تأثير في الأمر بالصبغ لم يكن لذكرهم فائدة ولا حسن تعقبه به، وهذا -وإن دل على أن مخالفتهم أمر مقصود للشرع-فذلك لا ينفي أن تكون في نفس الفعل الذي خولفوا فيه مصلحة مقصودة، مع قطع النظر عن مخالفتهم. وسيأتي -إن شاء الله- تفصيل هذه المسألة فيما بعد.
4- حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعاً وفيه ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد)) (رواه البخاري).
وبالجملة فإن الكفر هو أشد أمراض القلوب فبالتالي تصير سائر أجساد المشركين وما يترتب عليها من أفعالهم في فساد كبير نتيجة لفساد قلوبهم، ولا يجوز لصحيح القلب أن يشابه فاسد القلب في أي فعل من أفعال الجسد لئلا يجر ذلك إلى مشاركته في فساد القلب.
5- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين: أخفوا الشوارب وَأعفُوا اللحى)) ) (متفق عليه).
فأمر صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين مطلقاً، ثم أمر بإعفاء اللحى، فلفظ (خالفوا المشركين) دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع.
6- عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) ) (رواه أبو داود).
وفيه أمر صريح بمخالفة اليهود.
7- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعاً: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب إكلَةُ السحر)) (رواه مسلم).
وفيه أن الفصل بين عبادتنا وعبادة أهل الكتاب أمر مقصود للشارع.
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون)) (رواه أبو داود).
وهذا صريح في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر سببه مخالفة اليهود والنصارى، أي أن مخالفتهم سبب لظهور الدين، وهو المقصود بإرسال الرسل فيُعلَم من هذا أن نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة.
9- عن عبد الرحمن الصنابحي مرفوعاً: ((لا تزال أمتي على مُسكَة مَالم ينتظروا بالمغرب اشتباك النجوم مضاهاة لليهودية، وما لم ينتظروا بالفجر محاق النجوم مضاهاة للنصرانية)) (رواه الإمام أحمد).
ومعنى الحديث أن الناس لا يزالون على تمسكهم بما هم عليه ما داموا حريصين على ترك مشابهة اليهود في تأخيرهم المغرب والنصارى في تأخيرهم الفجر.
ويستفاد من الحديث أن مشابهة اليهود والنصارى تصرف الناس عن تمسكهم بدينهم.
10- حديث عمرو بن عبسة بطوله في مواقيت الصلاة عند المسلم، وفيه تعليل كراهية الصلاة في بعض الأوقات بأن المشركين يسجدون لأصنامهم فيها.(/3)
ومعلوم أن المسلم حين يصلي لا يقصد السجود إلا لله، ولكن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الأوقات حسماً لمادة المشابهة بكل طريق.
11- حديث جابر رضي الله عنه عند أبي داود وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً، فأراد بعض الصحابة أن يصلي خلفه صلى الله عليه وسلم وهم قائمون، فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال عقب الصلاة: ((إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً وإن صلى قائماً فصلوا قياماً ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)) (رواه أبو داود وغيره).
فعلل صلى الله عليه وسلم أمره بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة بترك مشابهة أهل فارس.
12- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللحد لنا والشق لغيرنا)) ) (رواه أهل السنن الأربعة) وفي رواية أحمد ((والشق لأهل الكتاب)).
وفيه التنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب، حتى في وضع الميت في أسفل القبر.
13- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية ومُحل دم امرئ بغير حق له ليريق دمه)) ) (رواه مسلم).
والشاهد من الحديث هو الصنف الثاني من الثلاثة الذين يبغضهم الله، وهو الذي يبتغي في الإسلام سنة جاهلية، والسنة هي العادة التي كان عليها الجاهليون، ولفظ الجاهلية يشمل كل شريعة غير الإسلام والآيات والأحاديث في ذم الجاهلية وأخلاق أهلها والنهي عن التشبه بهم، والأمر بمجانبة طريقهم كثيرة في الكتاب والسنة. [استطرد شيخ الإسلام في الكلام عن الجاهلية ومعناها في الشرع وذَكَرَ بعض النصوص التي وردت فيها لفظة الجاهلية موضحاً للمقصود بها في كل نص من النصوص].
14- عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئارها ولا يستقوا منها، فقالوا قد عجنا منها واستقينا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا الماء)) (رواه البخاري).
- وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: (( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم)).
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى أماكن المعذبين إلا مع البكاء، خشية أن يصيب الداخل ما أصابهم، ونهى عن الانتفاع بمياههم والعجين الذي عجنوه به رغم أنهم كانوا في غزوة تبوك التي تسمى غزوة العسرة، وكانت أشد غزوة على المسلمين، وكذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ديارهم في في أحاديث أخر، فإذا كانت الشريعة قد جائت بالنهي عن مشاركة الكفار في أماكنهم التي حل بهم فيها العذاب، خشية أن يصيبنا الذي أصابهم فكيف بمشاركتهم في الأعمال التي يعملونها، واستحقوا عليها العذاب؟
15- حديث -ركانه- الذي صرعه النبي صلى الله عليه وسلم -قال رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس)) (رواه أبو داود).
وهو حسن عند أبي داود، وهذا الحديث بَين في أن مفارقة المسلم للمشرك في اللباس أمر مطلوب في الشرع، إذ الفرق بالاعتقاد الباطن حاصل قطعاً ولو بدون عمامة، ومع ذلك حث الشرع على المفارقة في الظاهر والباطن أيضاً.
16- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: ((يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع)) (رواه مسلم).
وفي رواية سعيد بن منصور قال صلى الله عليه وسلم: ((صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود))، فلما كان صيام عاشوراء مشروعاً للمسلمين، وعَلِمَ صلى الله عليه وسلم بأن اليهود تعظمه أمر بمخالفة اليهود في صفة هذا الصيام بأن يصام معه يوم قبله إمعاناً في مخالفة اليهود.
17- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود)) ) (رواه أبو داود وغيره بسند صحيح).
فإضافة المنهي عنه إلى اليهود دليل على أن لهذه الإضافة تأثيراً في النهي.
18- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل موته: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم وصالحيهم مساجد -يحذر ما صنعوا-)) (متفق عليه). وله لروايات كثيرة عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم.
فيه دلالة على أن اتخاذ اليهود والنصارى القبور مساجد كان سبباً لنهينا عن ذلك، وتحذيره صلى الله عليه وسلم من صنيعهم يشمل عامة أمورهم.(/4)
19- عن جابر رضي الله عنه قال في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال حين خطب في يوم عرفة: ((ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)) ) (رواه مسلم).
فقوله صلى الله عليه وسلم كل شئ من أمر الجاهلية يشمل كل ما كانوا عليه من عبادات وعادات.
20- حديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين في صفة الأذان والرؤيا التي رآها عبد الله بن زيد.
وفي معنى هذا الحديث كره النبي صلى الله عليه وسلم الإعلان عن الصلاة بالناقوس لأنه من فعل النصارى، وكره استعمال البوق لأنه من فعل اليهود، وكره استعمال النار في الإعلان عن الصلاة لأنه من فعل المجوس، ففيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره أفعال المشركين من سائر الملل.
21- حديث عمرو رضي الله عنه أن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون من جَمع حتى تطلع الشمس، قال عمر: ((فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأفاض قبل طلوع الشمس، وكانوا يفيضون من عرفات قبل الغروب فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإفاضة بعد الغروب))، ففي الحديث بيان قصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة المشركين في هديهم.
22- حديث حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) (متفق عليه).
وفيه تعليل النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة، بأنها لهم أي للمشركين في الدنيا.
23- حديث جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الله ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها)) (رواه مسلم).
24- روى أبو داود بإسناد على شرط الشيخين عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ((من تشبه بقوم فهو منهم)).
قال شيخ الإسلام: (وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) أ هـ.
قال شيخ الإسلام: (ولو تتبعنا ما في هذا الباب مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما دل عليه كتاب الله لطال بنا القول) أ هـ.
ومن تأمل بعض ما أرودنا من الأحاديث، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلل النهي عن كل قبيح بأنه من فعل أهل الكتاب، ويأمر في غير موطن بمخالفتهم حتى صاروا علامة على الفساد والقبح -اتضح جلياً من موجوع الأدلة، وتكرر وجه الدلالة فيها تحريم التشبه بهم في سائر أمورهم، وإن على المسلم أن يجانب طريقهم بقدر استطاعته.
الباب الأول : الفصل الثالث في وجوه تقرير إجماع الصحابة فمن بعدهم على تحريم التشبه بالمشركين...
1- الوجه الأول : هو الشروط التي اشترطها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على أهل الذمة، ووافقه عليها سائر الصحابة، وعامة الأئمة بعدهم، وسائر الفقهاء الذين تكلموا عن عهد الذمة ذكروا هذه الشروط، وألزموا بها كل إمام أراد معاهدة الذميين، ولم ينقل عن أحد من العلماء أو الصحابة الاعتراض على هذه الشروط في الجملة، بل هي مجمع عليها، وهي أشهر شئ في كتب الفقه والعلم، وهذا يقتضي إجماع الصحابة وسائر الأئمة على العمل بهذه الشروط؛ ومنها: على لسان النصارى الذين وقعوا هذه الشروط: ((أن نوقر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شئ من ملابسهم: قلنسوة أو عمامة أو نعلين أو فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئا من السلاح، ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا . . . إلى آخر الشروط)).
فهذه الشروط المذكروة المقصد منها تمييز المسلم عن الكافر لئلا يشتبه أحدهما بالآخر، ولم يرض عمر رضي الله عنه بأصل التميز بل بالتمييز في عامة الهدى في الشعور واللباس والأسماء والمراكب والكلام وغير ذلك، ولقد كان أمراء الهدى بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحرصون ويبالغون في الحرص على تطبيق هذه الشروط، كما روى أبو الشيخ بإسناده أن عمر بن عبد العزيز دخل عليه الناس من بني تغلب، وعليهم العمائم كهيئة العرب، فقال: ((من أنتم))، قالوا: ((نصارى))، فقال: ((علي بجلم)) -أي مقص- فأخذ من نواصيهم وألقى العمائم وشق رداء كل واحد منهم شبراً يحتزم به، وقال: ((لا تركبوا السروج، واركبوا على الأكُف، ودلوا أرجلكم من شق واحد))، ثم أرسل عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأمصار يأمرهم بمتابعة النصارى، لأن بعضهم ترك التقصيص ولبس المناطق على أوساطهم، وقال في خطابه ((ولعمري إن كان يُصنَعُ ذلك فيما قبلَك إن ذلك بك ضعف وعجز فانظر كل شئ نهيتُ عنه وتقدمتُ فيه إلا تعاهدته وأحكمته ولا ترخص فيه ولا تعد عنه شيئاً)).(/5)
2- الوجه الثاني : هو ما نقل عن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وكثير من الصحابة في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة في مواقف متعددة يأمرون فيها بمخالفة المشركين، ويعللون نهيهم عن أشياء بمخالفة المشركين، فكان ذلك إجماعاً منهم على لزوم مخالفتهم، لا سيما ولم ينقل عن أحد ممن حضر تلك المواقف أو ممن لم يحضرها اعتراض على ذلك أو إنكار له، بل كل ما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم جميعاً هو التحذير من مشابهة المشركين، وحرصهم رضي الله عنهم على مخالفتهم.
وإليك أمثلة من كلام بعض الصحابة رضي الله عنهم:
1- دخل أبو بكر الصديق -رضي اله عنه- على امرأة في الحج فرآها لا تتكلم، فقال: ((مالها لا تتكلم))، فقالوا: ((حجت مصمتة))، فقال لها: ((تكلمي فإن هذا لا يحل. هذا عمل الجاهلية))، روى الحديث بطوله البخاري فأخبر أبو بكر رضي الله عنه أن الصمت المطلق لا يحل، وعقب ذلك بقوله هذا من عمل الجاهلية قاصداً بذلك عيب هذا العمل وذمه، وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أن الوصف علة فدل ذلك على أن كون العمل من عمل الجاهلية يوجب النهي عنه والمنع منه.
2- كتب عمر -رضي اله عنه- إلى أهل فارس-المسلمين منهم- يقول: ((إياكم وزي أهل الشرك)) رواه البخاري. فهذا نهي منه للمسلمين عن كل ما كان من زي أهل الشرك.
3- روى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: ((قلت لعمر رضي الله عنه: إن لي كاتباً نصرانياً فقال ما لك قاتلك الله أما سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهَود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} ألا اتخذت حنفياً؟ قال قلت: ((يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه)) فقال عمر: ((لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله))، فغضب عمر رضي الله عنه غضباً شديداً حين اتخذ أبو موسى رضي الله عنه كاتباً نصرانياً، وذلك لأن هذه الوظيفة تنافي الذلة التي فرضها الله عليهم والصغار الذي أوجبه الله عليهم.
- وقد كان لعمر رضي الله عنه في باب إذلال المشركين ماهو مناسب لسيرته المرضية التي أعزت الإسلام والمسلمين، وكان رضي الله عنه وقافاً عند كتاب الله ممتثلاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، مستشيراً في كل صغيرة وكبيرة للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعاً
3- أما عثمان رضي الله عنه فقد أقر ما كان قرره عمر رضي الله عنه من السنن، والأحكام، والحدود، وجرى على سننه فقد عُلم موافقة عثمان رضي الله عنه في هذا الباب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
5- روى سعيد بن منصور بسنده أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج فرأى قوماً قد سدلوا فقال: ((ما لهم؟ كأنهم اليهود قد خرجوا من فورهم -أي مدارسهم-)) رواه ابن المبارك وغيره، والغرض هنا أن علياً رضي الله عنه شبه السادلين باليهود مبيناً بذلك كراهة فعلهم، فعُلم أن مشابهة اليهود أمر قد استقر عنده كراهته.
6- في الصحيح أن معاوية رضي الله عنه حين قدم المدينة خطب الناس، فكان مما ذكر في خطبته، أنه أخرج كبة من الشعر فقال(( ما كنت أرى أحداً يفعله إلا اليهود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور)).
فقول معاوية فيه دليل على أن ما كان من زي اليهود فليس من زي المسلمين، وفيه نهيه رضي الله عنه عن مشابهة اليهود في زيهم.
7- ورى الخلال بسنده إلى ابن عباس أنه قال لرجل سأله عن الاحتقان فقال رضي الله عنه: ((احتقن، لا تبد العورة ولا تستن بسنة المشركين))، وهذا عام في كل ما عليه المشركون من الهدي الظاهر والباطن.
8- روى أبو داود بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه دخل عليه غلام، وله قصتان فمسح رأسه، وبرك عليه، وقال: ((احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود))، فنهى أنس بن مالك رضي الله عنه عن التشبه باليهود في زيهم.
9- روى أبو داود بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة فقال له: ((لا تجلس هكذا فإن هكذا يجلس الذين يعذبون))، وفي رواية ((تلك صلاة المغضوب عليهم))، فعلل ابن عمر رضي الله عنه نهيه عن هذه الجلسة بأنها جلسة المعذبين وهذه مبالغة في مجانبة هديهم.
10- روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تكره أن يجعل المصلى يده في خاصرته وتقول: ((إن اليهود تفعله)) فعُلمَ بذلك أن فعل اليهود قبيح عندها، ولا يجوز للمسلمين فَعله.
11- روى ابن أبي عاصم بسنده إلى معاوية رضي الله عنه أنه قال: ((إن تسوية القبور من السنة وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تشبهوا بهم))، فنهى رضي الله عنه عن التشبه بهم.
12- روى البيهقي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: ((من بني ببلاد المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم حتى يموت، حشر معهم يوم القيامة)). قال شيخ الإسلام: ((وهذا يقتضي أنه جعلها من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية)).(/6)
13- روى سعيد بن منصور بسنده إلى ابن مسعود أنه كان يكره الصلاة في الطاق وقال: ((إنه من الكنائس، فلا تشبهوا بأهل الكتاب))، وهذا نهي من ابن مسعود رضي الله عنه عن التشبه بهم.
14- روى البخاري عن القاسم -من أئمة التابعين وفقهاء المدينة السبعة- أنه كان يمشي بين يدي الجنازة، ولا يقوم لها، ويخبر عن عائشة أنها قالت: ((كان أهل الجاهلية يقومون لها))، فاستدل بقول عائشة رضي الله عنها أنه من فعل الجاهلية على كراهة القيام للجنازة.
تنبيه:
هذا الباب فيه نقول كثيرة عن الصحابة وهذه القضايا بعضها في مظنة الاشتهار، وما علمنا أحداً من الصحابة ولا التابعين خالف ما ذكرناه من كراهة التشبه بالكفار والأعاجم في الجملة سواء كانت المخالفة في الهيئة واللباس وغيرها، فعلم إجماع الصحابة على ذلك.
- وإن كان بعض هذه المسائل المعينة فيها خلاف وتأويل وليس هذا موضعه.
كما أنهم متفقون على اتباع الكتاب والسنة، وقد يختلفون في بعض أعيان المسائل لتأويلات ونحوها.
3- الوجه الثالث : من وجوه تقرير الإجماع على مخالفة المشركين -ما ذكره علماء الإسلام من المتقدمين، والأئمة المتبوعين، وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار، أو الأعاجم، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه.
قال شيخ الإسلام: (وما من أحد له أدنى نظر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة، وهذا بعد التأمل والنظر يورث علماً ضرورياً باتفاق الأئمة على النهي عن موافقة الأعاجم والأمر بمخالفتهم).
فمن ذلك على سبيل المثال -وليس المراد أعيان المسائل وإنما إثبات قاعدة المخالفة للمشركين- :
1- عند الأحناف: تكلم كثير من أصحاب أبي حنيفة في تكفير من تشبه بالكفار في لباسهم وأعيادهم.
- الأصل المستقر في مذهب أبي حنيفة أن تأخير الصلوات أفضل من تعجيلها عموماً إلا صلاة المغرب، فيستحب تعجيلها لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود.
- قالوا يكره السجود في الطاق لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب.
- قالوا إن صام يوم الشك ينوي أنه من رمضان كره، لأنه تشبه بأهل الكتاب الذين زادوا في صومهم.
- أباح الإمام أبو حنيفة افتراش الحرير، وتعليقه، والستر به، فاحتج عليه أبو يوسف ومحمد بأن ذلك من زي الأكاسرة، والتشبه بهم حرام.
2- عند المالكية: قال بعض أصحاب مالك من ذبح بطيخة في أعيادهم فكأنما ذبح خنزيراً.
- قالوا يكره ترك العمل يوم الجمعة لما فيه من التشبه باليهود الذين يتركون العمل يوم السبت.
- روى ابن القاسم في المدونة عن الإمام مالك أنه قال: لا يُحرم بالأعجمية ولا يدعو بها ولا يحلف.
- قال الإمام مالك قيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرة.
3- عند الشافعية: تكلم الشافعية عن شروط أهل الذمة، وفيها منعهم من التشبه بالمسلمين، ومنع المسلمين من التشبه بهم في لباسهم وغيرها تفريقاً بين علامة المسلمين وعلامة الكفار.
- وبالغ طائفة من الشافعية فنهوا عن التشبه بأهل البدع مما كان شعاراً لهم، وإن كان في الأصل مسنوناً، فعلى الرغم من أن مذهب الشافعي أن الأفضل تسطيح القبور، وغيره من الأئمة مذهبهم أن الأفضل تسنيمها، فاستحب طائفة من الشافعية تسنيم القبور لأن تسطيحها صار شعار الرافظة.
وقالت طائفة أخرى بل نحن نسطحها فإذا سطحناها لم يكن التسطح شعاراً لهم، فاتفقت الطائفتان على ذم التشبه بأهل البدع وإنما تنازعوا في عين المسألة هل هي تشبه بهم أم لا؟
4- عند الحنابلة: أما الحنابلة فكلامهم في ذلك كثير جداً أكثر من أن يحصر.
- كره الإمام أحمد حلق القفا لأنه من فعل المجوس، وكره شد الحبل على القميص لأنه من فعل اليهود، وكره تسمية الشهور بالأعجمية والأشخاص بالفارسية، وكره النعال السندية لأنها ليست من زي المسلمين، وكره أن لا تكون العمامة تحت الحنك، وقال إنما يعتم بمثل ذلك اليهود والنصارى، ودعي الإمام أحمد إلى وليمة فلما دخل رأى في الدار كرسياً عليه فضة فخرج، ونفض يده في وجه صاحب الدار، وقال زي المجوس، زي المجوس، وسائر الحنابلة في ذلك على هدي إمامهم فمن ذلك قول القاضي أبي يعلى: ((إذا امتنع أهل الذمة من لبس الغيار لم يجز لأحد من المسلمين صبغ ثوب من ثيابهم)).
بعدما ذكر شيخ الإسلام أدلة الكتاب والسنة والإجماع على حرمة التشبه بالمشركين عقد ثلاثة فصول في التشبه بالشياطين والأعاجم والأعراب لما في التشبه بهم من نوع مشابهة للتشبه بالكفار؛
فأما التشبه بالشياطين فلأنهم من رؤوس الكفر فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم.
- كما روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها)) فعلل صلى الله عليه وسلم النهي عن الأكل والشرب بالشمال بأنه من فعل الشياطين فعُلم قبح التشبه بهم.(/7)
وأما الأعراب فليسوا مذمومين بنفس الأعرابية بل أخبر تعالى أن منهم مَن يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول، وأخبر تعالى أنه سيدخلهم في رحمته، وقد كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأعراب الذين وفدوا عليه، وكانوا أفضل من كثير من القرويين.
ولكن الأعراب الذين لم يهاجروا إلى المدينة في دينهم نقص مع ما يغلب على طبعهم من الجفاء ، والغلظة ، وعدم الادب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثير من الأخلاق الفاسدة الناشئة من طبيعة معيشتهم بعيدا عن المدن ، وهؤلاء الذين عناهم الله بقوله : (( الأعراب اشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله )) فلذا نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم في تسمية ( العشاء ) بالعتمة و( المغرب ) بالعشاء . كما في صحيح البخاري وغيره ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم موافقتهم في التسمية لأنها تجر إلى مشابهتهم في أخلاقهم .
وكذلك الأعاجم وهم من سوى العرب من الفرس والروم والترك والبربر والحبشة وغيرهم ، منهم المؤمن ومنهم الكافر ، وهم ليسوا مذمومين بنفس الأعجمية بل لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ، وقد كان كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من اصل غير عربي كسلمان الفارسي وبلال الحبشي كانوا رضي الله عنهم أفضل من كثير من العرب ، وصح في فضل بلاد فارس بعض الأحاديث في فضل المؤمنين من أهلها ، ولذا كان كثير من أئمة التابعين فمن بعدهم من بلاد فارس وغيرها .
ولكن كان قول عامة أهل العلم تفضيل العرب في الجملة على جنس العجم في الجملة ، وعدوا تفضيل العجم على جنس العرب ، نفاقا والعياذ بالله تعالى ، وكذلك تفضيل جنس القرشيين على جنس العرب وتفضيل جنس الهاشميين على جنس القرشيين قال به جماهير العلماء .
فلهذا ينبغي على المسلم أن يوالي العرب ويحبهم ماداموا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم محافظين ، ويحرص على التشبه بهم والبعد عن التشبه بالعجم ، وهيآتهم ، وافعالهم ، ويجب عليه قبل ذلك أن يوالي المؤمنين سواء كانوا عربا ، أو عجما ، ويعادي المشركين عربا كانوا أو عجما ، فالمؤمن يحب أخاه المؤمن ولو كان في أقصى بلاد الأرض ويبغض الكفار ولو كانوا آباءه أو إخوانه أو بنيه .
الباب الأول : فصل أعمال المشركين ثلاثة أقسام...
أعمال المشركين ثلاثة أقسام : قسم مشروع في ديننا وهم يفعلونه ، وقسم كان مشروعا لهم فنسخه شرع القرىن ، وقسم لم يكن مشروعا بحال وإنما أحدثوه ، وكل قسم من هذه الاقسام إما في العبادة ، وإما في العادة ، وغما فيهما معا :
1- فما هو مشرع في ديننا والكفار يفعلونه ونخالفهم في صفة الفعل لا في أصله ( كصوم عاشوراء ، نصوم يوما قبله ، وصلاة المغرب نعجلها ، والسحور نؤخره ، ونصلي في النعلين ) .
2- وما كان مشروعا لهم ثم نسخ في شرعنا فلا يجوز لنا فعله قطعا ( كترك العمل يوم السبت ، وانواع صلواتهم ، وصيامهم ، وكتحريم كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم ) .
3- ما أحدثوه فهو اقبح واقبح فإنه لو فعله المسلمون لكان بدعة ، وحراما فما بالك بما لم يشرعه نبي قط بل أحدثه الكافرون فلا شك أنه ظاهر القبح .
الباب الثاني : مقدمة موافقة المشركين في أعيادهم لا تجوز من طريقين...
الطريق الأول : وهو الطريق العام فبعدما تقدم ان مشابه المشركين عموما في أي فعل من أفعالهم لا تجوز ، فموافقتهم في أعيادهم - وهي ليست ديننا ولا عادة سلفنا - لا تجوز لذلك .
أولا : لو كانت موافقة المشركين امرا اتفاقيا وليس فيه تعمد مشابهة لكان المشروع لنا مخالفتهم لان نفس مخالفتهم مصلحة لنا ، فمن وافقهم فقد فوت على نفسه تلك المصلحة ، وإن لم يكن قد اتى بمفسدة فكيف إذا جمعهما معا ؟
ثانيا : أعيادهم من البدع المحدثة في الدين ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وكذلك التشبه بالمشركين دلت كثير من الآثار على تحريمه كقوله صلى الله عليه وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) فهذا يقتضي تحريم التشبه بهم .
فإذا اجتمعت مشابهة المشركين والإحداث في الدين كان ذلك في غاية القبح ، وأعياد المشركين من هذا القبيل فلا يجوز الاحتفال بها لذلك .
الطريق الثاني : وهو الطريق الخاص في نفس أعياد المشركين من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار .
الباب الثاني : الفصل الأول في أدلة الكتاب العزيز الدالة على النهي عن التشبه بهم في أعيادهم...
1- قوله تعالى : (( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما )) ( الفرقان ) .
فمدح الله تعالى عباده الذين يمتنعون عن شهود أعياد المشركين فهذا يقتضي الندب غلى ترك شهودها ، وتسمية الله تعالى لها زورا تقتضي تحريم فعلها ، ولأن الله تعالى ذم الزور ، وقول الزور فه غير موضع من القرآن فلا شك أن فعل الزور أشد في الذم .
الباب الثاني : الفصل الثاني في أدلة السنة الدالة على النهي عن التشبه بهم في أعيادهم...(/8)
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ((ما هذان اليومان؟)، قالوا: ((كنا نلعب فيهما في الجاهلية))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر)) (رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم، ورواه الإمام أحمد والنسائي).
ووجه الدلالة من الحديث أن اليومين الجاهلييَن لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على عادتهم بل قال صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين، والإبدال عن الشئ يقتضي الإقلاع عن المبدل منه، فلا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما كقوله تعالى: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب}.
وأيضاً لفظ الإبدال يدل على النهي عن هذين العيدين، لأن الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا ليتركوا الأعياد الشرعية، ولكن أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله أبدلهم بأيامهم أياماً خيراً منها، خشية أن يُجَوَزَ مَن بعدهم الجَمعَ بين الأعياد الشرعية والأعياد الجاهلية.
2-عن ثابت بن الضحاك بن خليفة رضي الله عنه قال: (( نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببُوَانَة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إني نذرت أن أنحر إبلاً ببُوَانَة))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد))، قالوا: ((لا))، قال: ((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟))، قالوا: ((لا)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم)). (رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم، وأصله في الصحيحين.
وهذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان عيدهم معصية لله من وجوه:
أحدها: أن قوله ((فأوف بنذرك)) تعقيب للوصف بالحكم بحرف الفاء، وذلك يدل على أن الوصف هو سبب الحكم فيكون سبب الأمر بالوفاء هو خُلو النذر من هذين الوصفين، فيكون وجود أحدهما مانعاً من الوفاء بالنذر ولو لم يكن النذر في نفسه معصية.
ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا وفاء لنذر في معصية الله))، دليل على أن الذبح بمكان فيه عيد للمشركين معصية لله، لأنه هذا اللفظ العام ورد على سبب مخصوص فلا بد من اندراج هذا السبب تحته.
ثالثها: لو كان الذبح بمكان فيه عيد للمشركين جائراً لسوغ النبي صلى الله عليه وسلم للسائل أن يذبح هناك، ولما كان هناك داع للسؤال عن أعياد المشركين التي تقام في هذا المكان.
* وهذا النهي عن الذبح بالبقعة التي يقيمون فيها عيدهم إما من أجل تخصيص بقعة عيدهم وهذا تعظيم لها فكيف بنفس عيدهم؟
وإما أن يكون لأن الذبح هناك موافقة لهم في عيدهم، وموافقتهم في عيدهم لا تجوز لأن النذر ليس فيه محذور آخر سوى كونه في بقعة فيها عيد.
(فائدة) العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد إما بعود السنة، أو الأسبوع، أو الشهر، وقد يختص العيد بمكان معين فيكون عيداً زمانياً ومكانياً وقد يكون زمانياً فقط.
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخَل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان -وليستا بمغنيتين- وذلك يوم عيد فنهاهما أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)) (رواه البخاري ومسلم).
والدلالة من هذا الحديث من وجوه:
أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم ((إن لكل قوم عيداً فهذا عيدنا))، يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم.
ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم ((وهذا عيدنا))، يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيدٌ سواه.
ثالثها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في لعب الجواري بالدف وغنائهن معللاً بأن لكل قوم عيداً، وأن هذا عيدنا، وذلك يقتضي أن الرخصة معللة بكونه عيد المسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار فلا يرخص في اللعب في أعياد الكفار كما يرخص باللعب في أعيد المسلمين.
4- عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أضل الله عن الجمعة مَن كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدنا ليوم الجمعة)) (رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم).
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة عيداً في غير موضع.
وفي هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا، والسبت لليهود والأحد للنصارى، واللام تقتضي الاختصاص فكل فريق مختص بيومه لا يشركه فيه غيره فإذا نحن شاركناهم في الاحتفال بعيدهم الأسبوعي كنا مخالفين لهذا الحديث فكيف بالعيد الحولي؟، لا شك أنه لا فرق بينهما إن لم يكن العيد الحولي أعظم في الإثم ولا سيما إذا كان يحسب بالشهور القبطية.(/9)
5- حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم)) (رواه أحمد والنسائي وصححه بعض الحفاظ). وهذا نص في شرع مخالفتهم في عيدهم.
وليس الغرض بيان حكم صيام السبت والأحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى في حديث آخر عن صيام السبت والأحد، وعلل النهي بمخالفة أهل الكتاب. ولذا اتفق العلماء على شرع مخالفتهم في عيدهم، وإنما اختلفوا هل مخالفتهم في عيدهم بالصوم، فيه أو بإهماله حتى لا يقصد بصوم ولا فطر، أو بالتفرقة بين العيد العربي والعيد العجمي على ثلاثة أقول.
الأحاديث السابقة وغيرها تدل على أن للناس في الجاهلية أعياداً كانوا يحتفلون بها، ويجتمعون فيها، وكذلك كان في الجزيرة العربية يهود ونصارى حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته، وكانت لهم أعياد.
ومعلوم أن هذا الأعياد لم يبق منها شئ بل محاها الله تعالى فلم يعد لها ذكر بعد الإسلام، ومعلوم أن المقتضي لفعل هذه الأعياد وما فيها من الأكل، والشرب، واللباس، والزينة، واللعب، والراحة، ونحو ذلك قائم في النفوس كلها إذا لم يوجد مانع خصوصاً في نفوس الصبيان والنساء والفارغين من الناس، فلولا المانع القوي لما درَسَت تلك الأعياد
وهذا يوجب العلم اليقيني بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعاً قوياً عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها وطموحها بكل سبيل.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كثير من المباحات، وبعض صفات الطاعات لئلا يكون ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، فلا شك أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن أعيادهم كان أقوى وأشد، واعلم أنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أهل الجحيم كان أبعد لك عن أعمال أهل الجحيم. وهذا بعد التأمل بين جداً.
الباب الثاني : الفصل الثالث في وجوه الإجماع على مخالفة الكفار في أعيادهم وبعض أقوال السلف في ذلك...
الوجه الأول : وجود اليهود والنصارى والمجوس الذين كانوا في امصار المسلمين يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون ، ومعلوم أن هؤلاء كانت له اعياد يحتفلون بها والمقتضى لبعض ما يفعلونه قائم في نفوس كثير من الناس ، ثم لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشاركهم في شيء من ذلك ، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهيا لوقع ذلك كثيرا .
الوجه الثاني : ما تقدم في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم ، وفيها أن اهل الذمة لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام ، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها ؟
الوجه الثالث : ما جاء من الآثار وأقوال السلف في مواضيع متفرقة ، وحوادث متعددة ينهون فيها عن مشاركة المشركين في أعيادهم ، تدل على أنه أمر متقرر عندهم ، ولم ينقل عن أحدهم خلاف هذا ، ولا أنكر عليهم أحد ممن سمع كلامهم فدل على اتفاقهم على ذلك ، فمثلا :
1- روى البهيقي بسند صحيح عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار عن عمر رضي الله عنه قال : (( لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم )) .
2- وروى بالسند السابق عن الثوري عن عوف عن الوليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : (( من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة )) .
3- وروى البهيقي بسنده إلى الإمام البخاري بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (( اجتنبوا أعداء الله في عيدهم )) .
4- وروى البهيقي بسند صحيح إلى هشام بن محمد ابن سيرين قال : (( أتي علي بن أبي طالب بمثل النيروز - لعله طعام يصنعونه يوم النيروز أو ما شابه ذلك - فقال : ماهذا ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز ، قال : فاصنعوا كل يوم نيروزا )) قال ابو اسامة : (( كره رضي الله عنه أن يقول النيروز ، قال البهيقي : وفي هذا الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصا به .
قال شيخ الغسلام ابن تيمية عقب هذه الأحاديث ما ملخصه : أما قول عمر : (( فإن السخطة تنزل عليهم )) .
فإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في بعض العمل أليس يعتعرض للعقوبة ؟
وأما قوله : (( اجتنبوا أعداء الله في عيدهم )) فكيف بمن عمل عيدهم ؟
وأما قول عبد الله بن عمرو فإنه يقتضي أنه جعله كافرا بمشركتهم في مجموع أمورهم .
فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية .
واما علي رضي الله عنه فكره موافقتهم في اسم العيد الذي ينفردون به فكيف بموافقتهم في العمل ؟(/10)
ذكر شيخ الإسلام أن المنع من حضور اعياد المشركين هو المنصوص عن الإمام أحمد بن حنبل وعن أصحابه ، قال القاضي أبو يعلي : (( مسألة في المنع من حضور أعيادهم )) ، وقال الخلال : (( باب كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين )) ، وقال الحسن الآمدي : (( فصل : لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود )) .
ثم ساق شيخ الإسلام فصلا في التكلم بالأعجمية لمن يقدر على التكلم بالعربية محصله أنه لا يشرع لأنه تشبه بهم ، ونحن قد نهينا عن ذلك إلا أنه يجوز التلفظ بكلمة أو كلمتين لتفهيم المخاطب ونحوه .(/11)
مختصر كتاب
جلباب المرأة المسلمة
في
الكتاب والسنَّة
تأليف
العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني
اختصره
د . حسام الدين موسى عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلى كل من رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً
إلى كل من ارتفعت بالإسلام فوق الهوى
إلى ابنة خديجة وأسماء وسمية
إلى كل فتاة التزمت كتاب ربها تلاوةً وتدبراً وعملاً
إلى كل فتاة وضعت تحت قدميها الشعارات البرَّاقة والخادعة من دعاة التحلل والفجور
إلى كل فتاة تريد سعادة الدنيا والآخرة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } سورة آل عمران/102 .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } سورة النساء/1 .
{ يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } سورة الأحزاب/ 70،71 .
أما بعد ...
فإن كتاب [ جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ] لمؤلفه العلامة محدث القرن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله ورعاه ، أحسن كتاب في تناوله لقضية هامة من القضايا التي تهم كل امرأة مسلمة ، ألا وهي قضية الجلباب .
وقد كنت قد اطلعت على هذا الكتاب منذ زمن بعيد بطبعته القديمة وبعنوانه السابق [ حجاب المرأة المسلمة ... ] ثم بطبعته الجديدة وبعنوانه الجديد [ جلباب المرأة المسلمة ... ] فوجدت أن المؤلف حفظه الله قد زاد في طبعته الجديدة زيادات نافعة ومفيدة [ أهمها تلك الزيادة في الأحاديث وآثار السلف الدالة على أن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة .... ] ص3 من الكتاب .
إلا أن الكتاب اشتمل على مقدمة واسعة تضمنت ردوداً على من خالف الشيخ الألباني وألزم المرأة أن تستر وجها وكفيها .
وقد طال الحديث مع المخالفين وغيرهم كما أن تخريجات الشيخ الألباني لكثير من الأحاديث كانت موسعة فاجتهدت في اختصار هذا الكتاب النافع المفيد لما رأيت حاجة ماسة عند النساء المسلمات
في معرفة شروط جلباب المرأة المسلمة وأن كثيراً منهن لا تتحقق تلك الشروط في جلابيبهن .
ولما كان نفس كثير من القراء اليوم في القراءة قصير وصبرهم عليها قليل وكثير من الأمور التي ذكرها الشيخ الألباني في كتابه تهم أهل العلم وطلابه المتخصصين رأيت اختصار هذا الكتاب وكان منهجي في الاختصار كما يلي :
1 ـ حذفت مقدمة الطبعة الجديدة لجلباب المرأة المسلمة نظراً لما اشتملت عليه من ردود على العلماء المخالفين .
2 ـ حذفت مقدمة الطبعة الثانية لحجاب المرأة المسلمة .
3 ـ حذفت الكلام على أسانيد الأحاديث المخرجة في الكتاب واكتفيت في التخريج بما يلي :
أ ـ إذا كان الحديث في البخاري ومسلم أو في أحدهما اكتفيت بذلك .
ب ـ إذا كان الحديث في غيرهما من كتب السنة فأكتفي بذكر من أخرجه وحكم الشيخ الألباني عليه
ج ـ جعلت تخريج الحديث في صلب الكتاب وليس في الحاشية .
4 ـ حذفت بعض الأحاديث التي يغني غيرها عنها رغبة في الاختصار .
5ـ حذفت جميع الفهارس الملحقة بالكتاب واستعضت عنها بفهرس مختصر للموضوعات .
6 ـ ذكر الشيخ الألباني في هوامش الكتاب تعليقات طيبة لشيخ الإسلام ابن تيمية من كتابه
( اقتضاء الصراط المستقيم ) فنقلتها إلى صلب الكتاب في مواضعها المناسبة وكذلك فعلت في تعليقات أخرى للشيخ الألباني نفسه ولغيره من أهل العلم .
7 ـ أضفت بعض الإضافات الطفيفة التي لا بد منها .
وخلاصة الأمر أن ما قمت به هو اجتهاد قد يخطئ وقد يصيب فإن كانت الأولى فأستغفر الله وأتوب إليه وإن كانت الأخرى فالحمد لله أولاً وأخيراً والفضل له وحده ثم الفضل لصاحب الفضل الشيخ الألباني وأحببت أن أقرب جهده لجمهور النساء المسلمات وإني لأرجو مخلصاً أن تنتفع أخواتنا المسلمات بهذا الكتاب وأن يتعرفن على صفات وشروط جلباب المرأة المسلمة حسب ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليلتزمن بها التزماً كاملاً .
وخاصة أننا نرى كثيراً منهن لا يلبسن الجلباب المطلوب لبسه شرعاً.
ونرى بعض النساء أدخلن بعض التغيير والتعديل كما زعمن على الجلباب الشرعي .
وبعضهن يلبسن ما يسمى ( بلوزة وتنورة ) مع غطاء للرأس ويزعمن أن ذلك يغني عن الجلباب الشرعي .
وبعضهن يلبسن ( بنطالاً وتنورة ) مع غطاء للرأس ويزعمن أن ذلك لباس شرعي .
وغير ذلك من التقليعات والموضات .
نسأل الله الهداية لنا ولجميع المسلمين والمسلمات .(/1)
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أبوديس ـ القدس
صباح يوم الجمعة 6/ جمادى الأولى 1419 كتبه الدكتور حسام الدين عفانة
وفق الثامن والعشرين من آب 1998 الإستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى للكتاب
بقلم الشيخ ناصر الدين الألباني
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم:{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً، ولباس التقوى ذلك خيرٌ ذلك من آيات الله لعلهم يذَّكَّرون } [ الأعراف:26 ]، وصلى الله على محمد المبعوث رحمةً للناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه يوم إلى الدين.
أما بعد؛ فهذه رسالة لطيفة، وبحوث مفيدة إن شاء الله تعالى، جمعتها لبيان اللباس الذي يجب على المرأة المسلمة أن تدَّثر به إذا خرجت من دارها، والشروط الواجب تحققها فيه حتى يكون لباساً إسلامياً، واستندت في ذلك على الكتاب والسنة، مستشرداً بما ورد فيه من الآثار والأقوال عن الصحابة والأئمة، فإن أصبت فمن الله تعالى وله الفضل والمنة، وإن كانت الأخرى؛ فذلك مني، وأسأله العفو والمغفرة لذنبي، إنه عفو كريم، غفورٌ رحيم.
وقد كان ذلك بطلب من بعض الإخوان الأحبة، الذين نظن فيهم الصلاح والاستقامة، والحرص على العمل بما يدل عليه الكتاب والسنة، وقد دنا يوم زفافه، جعله الله مباركاً عليه وعلى أهله وذريته، فرأيت من الواجب أن أبادر إلى إجابة طلبه، وتحقيق رغبته، على الرغم من ضيق وقتي، وانصرافي إلى العمل في مشروعي الذي أسميته (( تقريب السنة بين يدي الأمة))، الذي شرعت فيه منذ سنتين وزيادة، مبتدئاً ب(( سنن أبي داود))، ثم توقفت عنه منذ أشهر لعارض طرأ على عيني اليمنى، الذي أرجو الله تعالى أن يذهبه عني بفضله وكرمه. على الرغم من هذا فقد بادرت إلى تحرير هذه الرسالة القيمة، ثم قدمتها إليه هدية، عسى أن تكون له ولغيره ـ ممن عسى أن يقف عليها ـ عوناً على طاعة الله ورسوله في هذه المسألة، التي تهاون بها في هذا العصر أكثر الناس، وفيهم كثيرٌ من أهل العلم المفروض فيهم أن يكونوا قدوةً لغيرهم في كل أمرٍ من أمور الشريعة، فما بالك بغيرهم، حتى نَدَرَ أن ترى في هذه البلاد من وقف عندما حدَّده الشارع فيها كما سترى.
ولكنا نحمد الله تعالى على أنه لا تزال طائفةٌ من أمته - صلى الله عليه وسلم - قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الطائفة، وأن يجعل هذه الرسالة وكل ما كتبتُ وأكتبُ خالصاً لوجهه، وسبباً لنيل مرضاته، والفوز بجناته، إنه خير مسؤول.
دمشق 7/5/ 1370 هجرية . محمد ناصر الدين الألباني
مختصر كتاب
جلباب المرأة المسلمة
في
الكتاب والسنة
تأليف
العلاَّمة الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني / حفظه الله تعالى
اختصره
الدكتور حسام الدين عفانه
الاستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
بسم الله الرحمن الرحيم
إن تتبعنا الآيات القرآنية، والسنة المحمدية، والآثار السلفية في هذا الموضوع الهام، قد بيَّن لنا أن المرأة إذا خرجت من دارها وجب عليها أن تستر جميع بدنها، وأن لا تظهر شيئاً من زينتها، حاشا وجهها وكفيها ـ إن شاءت ـ بأي نوع أو زي من اللباس، ما وُجدت فيه الشروط الآتية :
شروط الجلباب
1 ـ استيعاب جميع البدن إلا ما استثني .
2 ـ أن لا يكون زينةً في نفسه .
3 ـ أن يكون صفيقاً لا يشف .
4 ـ أن يكون فضفاضاً غير ضيق .
5 ـ أن لا يكون مبخراً مطيباً .
6 ـ أن لا يشبه لباسَ الرجل .
7 ـ أن لا يشبه لباسَ الكافرات .
8 ـ أن لا يكون لباسَ شُهرة .
(تنبيه) :
واعلم أن بعض هذه الشروط ليست خاصة بالنساء، بل يشترك فيها الرجال و النساء معاً كما لا يخفى
وأيضاً، فبعضها يحرم عليها مطلقاً، سواء كانت في دارها أو خارجها، كالشروط الثلاثة الأخيرة، ولكن لما كان موضوع البحث إنما هو في لباسها إذا خرجت، انحصر كلامنا فيه، فلا يتوهمن منه التخصيص .
وهاك الآن تفصيل ما أجملنا، والدليل على ما ذكرنا .
- - - - -
الشرط الأول
( استعياب جميع البدن إلا ما استثني )
وهو الوجه والكفان
فهو في قوله تعالى في [ سورة النور : الآية 31 ] :
{ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن، أو أبنائهن، أو أبناء بعولتهن، أو إخوانهن، أوبني إخوانهن، أو بني أخواتهن أو نسائهن، أو ما ملكت أيمانهن، أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال، أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .
وقوله تعالى في [ سورة الأحزاب : الآية 59 ] :(/2)
{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيماً } .
ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره، قال الحافظ ابن كثير في (( تفسيره )) :
(( أي : لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه )) .
قلت : وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير: { إلا ما ظهر منه } [سورة النور: 31 ] هو المتبادر من سياق الآية، وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها فمن قائل: إنها الثياب الظاهرة .
ومن قائل: إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في((تفسيره))
عن بعض الصحابة والتابعين ، ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان، فقال:
(( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك ـ إذا كان كذلك ـ الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لاجتماع الجميع على أن علىكل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ماعدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعاً، كان معلوماً بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره ، وإذا كان لها إظهار ذلك؛ كان معلوماً أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله: {إلا ما ظهر منها }
[ النور :31 ]، لأن كل ذلك ظاهر منها )) .
وهذا الترجيح غير قوي عندي، لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني، وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي، وهو غير لازم هنا، لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة، أمر خاص بالصلاة، فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين .
وأقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها، لدليل، بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه، وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه، لا في صحة الدعوى، فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث، وأيدناه بكلام ابن كثير.
ويؤيده أيضاً ما في (( تفسير القرطبي )) :
(( وقال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ ما ظهر } على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه )) .
قال القرطبي :
(( قلت : هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت عل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال لها : يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه )) .
قلت : وفي هذا التعقيب نظر أيضاً، لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة، فإنما ذلك بقصد من المكلف، والآية حسب فهمنا إنما أفادت إستثناء ما ظهر دون قصد، فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلاً شاملاً لما ظهر بالقصد؟! فتأمَّل .
ثم تأمَّلت، فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب، وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله،
وبيانه: أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى:{ إلا ما ظهر منها } يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة، غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا فيما تظهره بقصد منها، فابن مسعود يقول : هو ثيابها، أي : جلبابها.
وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول : هو الوجه والكفان منها .
فمعنى الآية حينئذ : إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها(/3)
حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها ـ كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات ـ أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء، فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول، وكلاهما بقصد منها، لا يمكن إلا هذا، فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة ـ فهذا مما لا مؤآخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضاً اتفاقاً ـ وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم، فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفاً أو وجهاً أو غيرهما، فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد، لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تماماً كما بينتُ آنفاً .
فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا : إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان، وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترةمعنى .
ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه ـ بعد الله تعالى ـ إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي
رحمه الله تعالى في كتابه القيم الفريد الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة، ألا وهو : (( النظر في أحكام النظر ))، فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب، على كل مسائله، ومنها ما نحن فيه، فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه :
(( وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن، وبلَّغوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرع، وحضروا به خطاب المواجهة، ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرَّا، لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم )) .
ثم قال ابن القطان :
(( ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلاً به : {وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ، فإنه يفهم منه أن القِرَطَةَ قد يعفيهنَّ عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف، فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيءمن ذلك، إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر في حين التصرف، إلا أن يستر بقصدٍ وتكلف مشقة، وكذلك الكفان، وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النَّبَطُ، فتبقى النحور والأعناق باديةً، فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر، وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر...)).
ثم قال الحافظ ابن القطان رحمه الله تعالى :
(( فإن قيل : هذا الذي ذهبتَ إليه من أن المرأة معفوٌ لها عن بُدُوِ وجهها وكفيها ـ وإن كانت مأمورة بالسَّتر جهدها ـ يظهر خلافه من قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين } سورة الأحزاب ، الآية 28 .
فالجواب أن يقال :
يمكن أن يفسَّر هذا ( الإدناء ) تفسيراً لا يناقض ما قلناه، وذلك بأن يكون معناه : يدنين عليهن من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة، مثل قوله :{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن }، فإن
( الإدناء ) المأمور به مطلقٌ بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه (إدناء )، فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه ( إدناء ) يقضي به عن عهدة الخطاب، إذ لم يطلب به كل (إدناء)، فإنه إيجاب بخلاف النهي
والنفي )).
ويلاحظ القُرَّاءُ الكرام أن هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ
ابن القطان، يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهاداً مني، وتوفيقاً بين الأدلة : أن الآية مطلقة، كما ستراه مصرحاً به، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
نعم، حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين، لولا أن فيه ما بينَّاه في التعليق، إلا أنه من الممكن أن يقال : إنه يُقَوَّى بكثرة طرقه، وقد قوَّاه البيهقي، فيصلح حينئذ دليلاً على الجواز المذكور لا سيَّما وقد عمل به كثير من النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث كن يكشفن عن وجوههن وأيديهن بحضرته - صلى الله عليه وسلم - وهو لا ينكر ذلك عليهن، وحديث عائشة رواه أبو داود والبيهقي والطبراني وغيرهم وقال أبو داود عقبه : ( وهذا مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة) وقدورد من طرق أخرى يتقوى بها وقوَّاه البيهقي وذكر أن جماعة من الصحابة قد عملوا بمقتضاه . ويدل على أن الوجه والكفين لا يجب سترهما عدة أحاديث، نسوق ما يحضرنا الآن منها :
1ـ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال :
(( شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكَّرَهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن، وذكَّرَهنَّ، فقال: تصدقن فإن أكثركنَّ حطبُ جهنم، فقالت امرأة من سِطَةِ النساء [ أي جالسةٌ في وسطهن ] سفعاء الخدين [ أي فيهما تَغَيرٌ وسوادٌ ]، فقالت : لِمَ يا رسول الله ؟(/4)
قال : لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير، قال : فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن )) رواه مسلم.
والحديث واضح الدلالة على ما من أجله أوردناه ، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة
بأنها : سفعاء الخدين .
2ـ عن ابن عباس [ عن الفضل بن عباس ] :
(( أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع [ يوم النحر ]، والفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [ وكان الفضل رجلاً وضيئاً .... فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس يفتيهم ] )) الحديث، وفيه :
(( فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها، وكانت امرأة حسناء، ( وفي رواية : وضيئة )، ( وفي رواية : فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها )، [ وتنظر إليه ]، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذقن الفضل، فحوَّل وجهه من الشق الآخر )) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لأحمد من حديث الفضل نفسه :
(( فكنت أنظر إليها، فنظر إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلب وجهي عن وجهها، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها، حتى فعل ذلك ثلاثا وأنا لا أنتهي )) .
ورجاله ثقات، لكنه منقطع إن كان الحكم بن عتيبة لم يسمعه من ابن عباس .
وروى هذه القصة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وذكر أن الإستفتاء كان عند المنحر بعدما رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة، وزاد :
فقال له العباس : يا رسول الله ! لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال رأيت شاباً وشابةً فلم آمن الشيطان عليهما )) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح، ورواه أحمد والضياء في المختارة وإسناده جيد .
والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن الوجه ليس بعورة، لأنه كما قال ابن حزم :
(( ولو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء )) .
وفي (( الفتح )) :
(( وقال ابن بطال : في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أُمنت الفتنة عليه لم يمتنع .
قال : ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها، فخشي الفتنة عليه .
وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم، وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن .
وفيه دليل على ان نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل . قال :
وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً، لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة، ولو رآه الغرباء )) .
هذا كله كلام ابن بطال وهو متين جيد .
غير أن الحافظ تعقبه بقوله :(( قلت : وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة)).
قلت : كلا، فإنه لا دليل على أنها كانت محرمة بل الظاهر خلافه، وقد ذكر الحافظ نفسه أن سؤال الخثعمية للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان بعد رمي جمرة العقبة أي بعد التحلل .
3ـ عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - :
(( أن امرأةً جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [وهو في المسجد ]، فقالت يا رسول الله ! جئت لأهب لك نفسي، [ فصمت، فلقد رأيتها قائمةً ملياً، أو قال: هويناً ]، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصعَّد النظر إليها وصوَّبه ، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئاً جلست )) الحديث رواه البخاري ومسلم .
4ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت :
(( كنَّ نساءُ المؤمنات يَشْهَدْنَ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يُعرفن من الغلس )) رواه البخاري ومسلم .
ووجه الإستدلال بها هو قولها : ((لا يُعرفن من الغلس ))، فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعُرفن، وإنما يُعرفن عادةً من وجوههن وهي مكشوفة، فثبت المطلوب .
وقد ذكر معنى هذا الشوكاني عن الباجي ، ثم وَجدتُ رواية صريحة في ذلك بلفظ:
(( وما يَعرفُ بعضُنا وجوهَ بعض )) رواه أبو يعلى في مسنده بسند صحيح عنها .
5ـ عن فاطمة بنت قيس :(/5)
((أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها ألبتة ( وفي رواية : آخر ثلاث تطليقات)، وهو غائب ... فجاءت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك له ...فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال :تلك امرأة يغشاها أصحابي ، اعتدِّي عند ابن أم مكتوم ؛ فإنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك [عنده ]، (وفي رواية : انتقلي إلى أم شريك ـ وأم شريك أمرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان ـ فقلت : سأفعل ، فقال : لا تفعلي، إن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله ابن أم مكتوم [ الأعمى ] .... وهو من البطن الذي هي منه [ فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك ]، فانتقلتُ إليه، فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي : الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى صلاته جلس على المنبر، فقال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال .... ) )) الحديث، رواه مسلم.
ووجه دلالة الحديث على أن الوجه ليس بعورة ظاهر، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ ابنة قيس على أن يراها الرجال وعليها الخمار ـ وهو غطاء الرأس ـ فدل هذا على أن الوجه منها ليس بالواجب ستره كما يجب ستر رأسها ولكنه - صلى الله عليه وسلم - خشي عليها أن يسقط الخمار عنها فيظهر منها ما هو محرم بالنص، فأمرها عليه الصلاة والسلام بما هو الأحوط لها، وهو الانتقال إلى دار ابن أم مكتوم الأعمى؛ فإنه لا يراها إذا وضعت خمارها وحديث (( أفعمياوان أنتما ؟! )) ضعيف الإسناد، منكر المتن؛ كما حققته في الضعيفة (5958 ) .
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - :(( إذا وضعت خمارك ))؛ أي : إذا حطته؛ كما في كتب اللغة .
وينبغي أن يُعلم أن هذه القصة وقعت في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم -، لأن فاطمة بنت قيس ذكرت أنها بعد انقضاء عدتها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث بحديث تميم الداري، وأنه جاء وأسلم .
وقد ثبت في ترجمة تميم أنه أسلم سنة تسع ، فدلَّ ذلك على تأخر القصة عن آية الجلباب، فالحديث إذن نصٌ على أن الوجه ليس بعورة .
6ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما :
(( قيل له : شهدتَ العيدَ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العَلَمَ الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلَّى [ قال: فنزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، كأني أنظر إليه حين ُيجلِسُ الرجالَ بيده، ثم أقبل يشقهم ]، ثم أتى النساء ومعه بلال، [ فقال : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً }، فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك ؟ فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن : نعم يا نبي الله ! قال:] فوعظهنَّ، وذكرهنَّ، وأمرهنَّ بالصدقة، [ قال: فبسط بلال ثوبه، ثم قال : هلمَّ لكنَّ، فداكنَّ أبي وأمي ]، فرأيتهنَّ يهوين بأيديهنَّ يقذفنه ( وفي رواية : فجعلن يلقين الفتخ والخواتم ) في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته )) رواه البخاري .
قال ابن حزم بعد أن استدل بآية الضرب بالخمار على أن الوجه ليس بعورة :
(( فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره )) .
قلت : وفي مبايعته - صلى الله عليه وسلم - النساء في هذه القصة، دليل على أنها وقعت بعد فرض الجلباب؛ لأنه إنما فرض في السنة الثالثة، وآية المبايعة نزلت في السنة السادسة كما سيأتي ويؤيده ما ذكر في فتح الباري 2/377 أن شهود ابن عباس القصة كان بعد فتح مكة ويشهد له ما سيأتي .
7 ـ عن ُسبَيْعَةَ بنت الحارث :
(( أنها كانت تحت سعد بن خولة، فتوفي عنها في حجة الوداع، وكان بدرياً، فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته، فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلَّت من نفاسها، وقد اكتحلت[ واختضبت وتهيأت ]، فقال لها : اربعي ـ أي ارفقي ـ على نفسك ـ أو نحو هذا ـ ] لعلَّك تريدين النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك، قالت : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك، فقال : قد حللت حين وضعت )) رواه أحمد من طريقين عنها أحدهما صحيح والآخر حسن وأصله في الصحيحين.
والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة وكذا الوجه أو العينين على الأقل وإلا لما جاز لسبيعة رضي الله عنها أن تظهر ذلك أمام أبي السنابل ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه .
8 ـ وعن ابن عباس أيضاً، قال :(/6)
(( كانت امرأة تصلي خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حسناء من أحسن الناس، [ قال ابن عياس : لا والله ما رأيت مثلها قط ]، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [ وجافى يديه ]، فأنزل الله تعالى : { ولقد علمنا المستقدمين منكم، ولقد علمنا المستأخرين } )) رواه أصحاب السنن والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
ففي هذه الأحاديث دلالة على جواز كشف المرأة عن وجهها وكفيها، فهي تؤيد حديث عائشة المتقدم، وتبين أن ذلك هو المراد بقوله تعالى { إلا ما ظهر منها } ( النور 31 ) كما سبق ، على أن قوله تعالى فيما بعد : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ النور: 31 ] يدل على ما دلت عليه بعض الأحاديث السابقة من عدم وجوب ستر المرأة لوجهها، لأن (( الخُمُر )) جمع خمار، وهو ما ُيغَطَّى به الرأس .
و (( الجيوب )) جمع الجيب ، وهو موضع القطع من الدرع و القميص، وهو من الجوب وهو القطع، فأمر تعالى بليِّ الخمار على العنق والصدر، فدل على وجوب سترهما، ولم يأمر بلبسه على الوجه، فدل على أنه ليس بعورة، ولذلك قال ابن حزم في (( المحلى )) :
(( فأمرهنَّ الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب، وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك )) .
إبطال دعوى أن هذه الأدلة كلها كانت قبل فرضية الجلباب :
أقول : فإن قيل : إن ما ذكرته واضح جداً، غير أنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل فرض الجلباب، فلا يصح الاستدلال حينئذ إلا بعد إثبات وقوعه بعد الجلباب .
وجوابنا عليه من وجهين :
الأول : إن الظاهر من الأدلة أنه وقع بعد الجلباب، وقد حَضَرَنَا في ذلك حديثان :
الأول : حديث أم عطية رضي الله عنها :
(( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد، قالت أم عطية : إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لِتُلْبِسَها أختُها من جلبابها )) . متفق عليه .
ففيه دليل على أن النساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن، وعليه فالمرأة السفعاء الخدين كانت متجلببة . ويؤيده الحديث الآتي، وهو :
الحديث الثاني : حديثها أيضاً قالت :
(( لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلَّمَ عليهنَّ، فرددن السلام، فقال : أنا رسولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إليكن، فقلن : مرحباً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبرسوله، فقال : تبايعن على ألا تشركن بالله شيئاً، ولا تسرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين في معروف ؟ فقلن : نعم، فمدَّ عمرُ يده من خارج الباب، ومددن أيديهن من داخل، ثم قال : اللهم اشهد، وأمرنا ( وفي رواية فأمرنا )أن نخرج في العيدين العُتَّق والحُيّض، ونُهينا عن اتباع الجنائز، ولا جمعة علينا، فسألته عن البهتان وعن قوله :{ ولا يعصينك في معروف }؟ قال : هي النياحة )) رواه البخاري في التاريخ وأحمد والبيهقي والضياء في المختارة وقال : رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
ووجه الاستشهاد به إنما يتبين إذا تذكرنا آية بيعة النساء :{ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً .... } [ الممتحنة : 12 ] إنما نزلت يوم الفتح كما قال مقاتل، نقله السيوطي عنه في (( الدر المنثور )) .
ونزلت بعد آية الامتحان كما أخرجه ابن مردويه عن جابر (( الدر المنثور )) ، وفي (( صحيح البخاري )) عن المسور أن آية الامتحان نزلت في يوم الحديبية، وكان ذلك سنة ست على الصحيح كما قال ابن القيم في (( زاد المعاد )) ، وآية الحجاب إنما نزلت سنة ثلاث، وقيل : خمس، حين بنى - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش كما في ترجمتها من (( الإصابة )) للحافظ ابن حجر .
فثبت من ذلك أن أمر النساء يالخروج إلى العيد إنما كان بعد فرض الجلباب، ويؤيده أن في حديث عمر أنه لم يدخل على النساء، وإنما بايعهن من وراء الباب، وفي هذه القصة أبلغهنَّ أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساءَ بأن يخرجن للعيد، وكان ذلك في السنة السادسة عقب رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية، بعد نزول آية الامتحان والبيعة كما تقدم، وبهذا تعلم معنى قول أم عطية في أول حديثها الثاني :(( لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ))، أي : من الحديبية، ولا تعني قدومه إليها من مكة مهاجراً كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة ، فتأمل .(/7)
الوجه الآخر: إذا فرضنا عجزنا عن إثبات ما ذكرنا، فإن مما لا شك فيه عند العلماء أن إقراره - صلى الله عليه وسلم - المرأة على كشف وجهها أمام الرجال دليل عل الجواز، وإذا كان الأمر كذلك فمن المعلوم أن الأصل بقاء كل حكم على ما كان عليه حتى يأني ما يدل على نسخه ورفعه، ونحن ندعي أنه لم يأت شيء من ذلك هنا، بل جاء ما يؤيد بقاؤه واستمراره كما سترى، فمن ادعى خلاف ذلك، فهو الذي عليه أن يأتي بالدليل الناسخ، وهيهات هيهات .
على أننا قد أثبتنا فيما تقدم من حديث الخثعمية أن الحادثة كانت في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي كانت بعد فرض الجلباب يقيناً، وما أجابوا عنها تقدم إبطاله بما لا يُبقي شبهة .
ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة . . .
{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم . . . وقل للمؤمنات . . .} الآية [ النور:30 ـ 31 ]، فإنها تشعر بأن في المرأة شيئاً مكشوفاً يمكن النظر إليه، فلذلك أمر الله تعالى بغض النظر عنهن، وما ذلك غير الوجه والكفين .
ومثلها قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( إياكم والجلوس بالطرقات . . . فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ))
رواه البخاري ومسلم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:
(( يا علي ! لا تتبع النظرةَ النظرةَ، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة )) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وهو حديث حسن.
وعن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه - قال :
(( سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة ؟ فأمرني- صلى الله عليه وسلم - أن أصرف بصري )) رواه مسلم .
هذا وقد ذكر القرطبي وغيره في سبب نزول هذه الآية { وليضربن بخمرهن على جيوبهن }
[ النور: 31 ] (( أن النساء كنَّ في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة، وهي المقانع، سدلنها من وراء الظهر كما يصنع النبط، فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك . فأمر الله تعالى بليِّ الخمار على الجيوب )) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
(( يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل، لما أنزل الله :{وليضربن بخمرهن على جيوبهن }، شققن مروطهن، فاختمرن بها ( وفي رواية : أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها ) )) .
ثم إن قوله تعالى :{ ولا يضربن بأرجلهن لِيُعْلَمَ ما يخفين من زينتهن } [ النور : 31 ]، يدل على أن النساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن أيضاً .
وإلا لاستطاعت إحداهن أن تبدي ما تخفي من الزينة ( وهي الخلاخيل )، ولاستغنت بذلك عن الضرب بالرِّجلِ، ولكنها كانت لا تستطيع ذلك، لأنه مخالفة للشرع مكشوفة، ومثل هذه المخالفة لم تكن معهودة في عصر الرسالة، ولذلك كانت إحداهن تحتال بالضرب بالرِّجل لتُعلِمَ الرجال ما تخفي من الزينة، فنهاهُنَّ الله تعالى عن ذلك، وبناءً على ما أوضحنا قال ابن حزم في (( المحلى )) :
(( هذا نصٌ على أن الرجلين والساقين مما ُيخفى ولا يحل إبداؤه )) .
ثم إن الله تعالى بعد أن بين في الآية السابقة ـ آية النور ـ ما يجب على المرأة أن تخفي من زينتها أمام الأجانب ومن يجوز أن تظهرها أمامهم، أمرها في الآية الأخرى إذا خرجت من دارها أن تلتحف فوق ثيابها وخمارها بالجلباب أو الملاءة، لأنه أستر لها وأشرف لسيرتها، وهي قوله تعالى :
{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيماً } [ الأحزاب : 59 ] .
ولما نزلت خرج نساءُ الأنصار كأن على رؤسهن الغربان من الأكسية ، رواه أبو داود بإسناد صحيح ، والغربان جمع غراب شُبهت الأكسية في سوادها بالغربان .
والجلباب : هو الملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها على أصح الأقوال، وهو يستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها، كما روى الشيخان وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت :
((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق، والُحَّيض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين . قلت : يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال لتلبسها أختها من جلبابها )) .
قال الشيخ أنور الكشميري في (( فيض الباري )) تعليقاً على هذا الحديث :
(( وعلم منه أن الجلباب مطلوب عند الخروج، وأنها لا تخرج إن لم يكن لها جلباب .
والجلباب رداءٌ ساتر من القرن إلى القدم . وقد مر مني أن الخُمُر في البيوت، والجلابيب عند الخروج، وبه شرحت الآيتين في الحجاب :
{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ النور :31 ]، والثانية : { يدنين عليهن من جلابيبهن }
[ الأحزاب : 59 ] )) .(/8)
واعلم أن هذا الجمع بين الخمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخلَّ به جماهير النساء المسلمات، فإن الواقع منهن إما الجلباب وحده على رؤسهن أو الخمار، وقد يكون غير سابغ في بعضهن، كالذي يسمى اليوم ب(الإشارب)، بحيث ينكشف منهن بعض ما حرَّم الله عليهن أن يظهرن من زينتهن الباطنة، كشعر الناصية أو الرقبة مثلاً .
وإن مما يؤكد وجوب هذا الجمع حديث ابن عباس :{ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ...} الآية، واستثنى من ذلك : { والقواعد من النساء اللآتي لا يرجون نكاحاً } الآية .
وتمام الآية :{ فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينةٍ وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم } [ النور: 60 ] .
وفي رواية عن ابن عباس : أنه كان يقرأ : { أن يضعن من ثيابهن }، قال : الجلباب .
وكذا قال ابن مسعود.
قلت: فهذا نص في وجوب وضع الجلباب على الخمار، على جميع النساء، إلا القواعد منهن ( وهن اللآتي لا يُطمع فيهن لكبرهن )، فيجوز لهن أن لا يضعن الحجاب على رؤوسهن .
أفما آن للنساء الصالحات حيثما كن أن يتنبهن من غفلتهن ويتقين الله في أنفسهن،ويضعن الجلابيب على خمرهن ؟!
ومن الغريب حقاً أن لا يتعرض لبيان هذا الحكم الصريح في الكتاب والسنة كل الذين كتبوا اليوم
ـ فيما علمت ـ عن لباس المرأة، مع توسع بعضهم على الأقل في الكلام على أن وجه المرأة عورة، مع كون ذلك مما اُختلف فيه، والصواب خلافه، كما تراه مفصلاً في هذا الكتاب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
هذا، ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره، بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها، وهذا كما ترى أمر مطلق، فيحتمل أن يكون الإدناء علىالزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى، وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك، فعليه يشمل الوجه . وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين، وساق أقوالهم في ذلك ابن جرير في (( تفسيره)) والسيوطي في (( الدر المنثور ))، ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا، فنكتفي بالإشارة إليها، ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما .
ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور:
الأول :إن القرآن يفسر بعضه بعضاً . وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره، فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقاً بين الآيتين .
الآخر : أن السنة تبين القرآن فتخصص عمومه، وتقيد مطلقه، وقد دلت النصوص الكثيرة منها على أن الوجه لا يجب ستره، فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها، وتقييدها بها .
فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره، وهو مذهب أكثر العلماء كما قال ابن رشد في (( بداية المجتهد )) ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد كما جاء في (( المجموع )) للنووي، وحكاه الطحاوي في (( شرح معاني الآثار ))، عن صاحبي أبي حنيفة أيضاً، وجزم في (( المهمات ))، من كتب الشافعية أنه الصواب، كما ذكره الشيخ الشربيني في (( الإقناع )) .
لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على الوجه وكذا الكفين شيءٌ من الزينة لعموم قوله تعالى :
{ ولا يبدين زينتهن } [ النور: 31 ]، وإلا وجب ستر ذلك، ولا سيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة، مما لا يشك مسلم ـ بل عاقل ذو غيرة ـ في تحريمه، وليس من ذلك الكحل والخضاب، لاستثنائهما في الآية .
كما ويؤيد هذا ما أخرجه ابن سعد من طريق سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن امرأة عن أخت حذيفة، وكان له أخوات قد أدركن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالت :
(( خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال : يا معشر النساء ! أليس لكنَّ في الفضة ما تحلين ؟ أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهباً تظهره إلا عُذبت به، قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد، فقال : قد أدركتهن وإن إحداهن لتتخذ لكمها زراً تواري خاتمها )).
هذا، وقد أبان الله تعالى عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله :
{ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } [الأحزاب:59 ]، يعني أن المرأة إذا التحفت بالجلباب؛ عُرفت بأنها من العفائف المحصنات الطيبات، فلا يؤذيهن الفساق بما لا يليق من الكلام، بخلاف ما لو خرجت متبذلة غير مستترة، فإن هذا مما يُطمع الفساق فيها، والتحرش بها كما هو مشاهدٌ في كل عصر ومصر، فأمر الله تعالى نساء المؤمنين جميعاً بالحجاب سداً للذريعة .
والخلاصة؛ أنه يجب على النساء جميعاً أن يتسترن إذا خرجن من بيوتهن بالجلابيب، لا فرق في ذلك بين الحرائر والإماء، ويجوز لهن الكشف عن الوجه والكفين فقط، لجريان العمل بذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع اقراره إياهنَّ على ذلك .
ومن المفيد هنا أن نذكر بعض الآثار السلفية التي تنص على جريان العمل بذلك أيضاً بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقول:
1ـ عن قيس بن أبي حازم قال :(/9)
((دخلت أنا وأبي على أبي بكر رضي الله عنه، وإذا هو رجلٌ أبيض خفيف الجسم، عنده أسماء بنت عميس تذب عنه، وهي [امرأةٌ بيضاء ] موشومة اليدين، كانوا وشموها في الجاهلية نحو وشم البربر، فعرض عليه فرسان فرضيهما، فحملني على أحدهما، وحمل أبي على الآخر )) رواه الطبري في تهذيب الآثار وابن سعد في الطبقات والطبراني في الكبير وإسناده صحيح.
2ـ عن أبي السليل قال:
جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف؛ سفعاء الخدين، ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه، وعنده أصحابه، فقالت يا أبتاه! زعم الحراثون والزارعون أن أفلُسَكَ هذه بَهرجةٌ! ـ أي زائفة ـ فقال: يا بنية! ضعيها، فإن أباك أصبح ـ بحمد الله ـ ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه. رواه ابن سعد وأبو نعيم في الحلية وإسناده جيد في الشواهد .
3ـ عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -قال:
كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً، إذ أقبلت فاطمة رحمها الله، فوقفت بين يديه، فنظرت إليها، وقد ذهب الدم من وجهها، فقال: ادني يا فاطمة! فدنت حتى قامت بين يديه، فرفع يده فوضعها على صدرها موضع القلادة، وفرَّجَ بين أصابعه، ثم قال :
(( اللهم مشبع الجاعة، ورافع الوضيعة، لا تجع فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - ))
قال عمران:
فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها، وذهبت الصفرة، كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم.
قال عمران:
فلقيتها بعد، فسألتها؟ فقالت: ما جعت بعد يا عمران! رواه الطبري في التهذيب والدولابي في الكنى بسندٍ لا بأس به في الشواهد .
4ـ عن قبيصة بن جابر قال:
(( كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها، فانطلقتُ مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - [في بيته] في ثلاثة نفر، فرأى جبينها يبرق، فقال: أتحلقينه ؟ فغضبت،وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك! قال: فادخلي عليها، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة، فانطلقتْ ثم جاءت، فقالت: لا والله ما رأيتها تفعله، فقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
((لعن الله الواشمات والمستوشمات.... )) إلخ وسنده حسن .
5ـ وفي(( تاريخ ابن عساكر))، وفي قصة صلب ابن الزبير أن أمَّه( أسماء بنت أبي بكر ) جاءت مسفرة الوجه متبسمة . رواه أحمد وابن سعد وأبو نعيم بسند صحيح .
6ـ عن معاوية - رضي الله عنه - :
دخلت مع أبي على أبي بكر - رضي الله عنه - ، فرأيت أسماء قائمة على رأسه بيضاء، ورأيت
أبا بكر - رضي الله عنه - أبيض نحيفاً. رواه الطبراني في الكبير بسند جيد في الشواهد .
مشروعية ستر الوجه :
هذا ؛ ثم إن كثيراً من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه، بل يحرم ، وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم، ويقابل هؤلاء طائفة أخرى، يرون أن ستره بدعة وتنطع في الدين! كما قد بلغنا عن بعض من يتمسك بما ثبت في السنَّة في بعض البلاد اللبنانية، فإلى هؤلاء الإخوان وغيرهم نسوق الكلمة التالية:
ليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة، وقد كان ذلك معهوداً في زمنه - صلى الله عليه وسلم - كما يشير إليه- صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين )) رواه البخاري.
والقفاز ما تلبسه المرأة في يديها فيغطي أصابعها وكفيها ليحفظها من البرد ونحوه .
والنقاب الخمار الذي يُشَدُ على الأنف أو تحت المحاجر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (( تفسير سورة النور )) :
(( وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن )).
والنصوص متضافرة عن أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يحتجبن حتى في وجوههن، وإليك بعض الأحاديث والآثار التي تؤيد ما نقول:
1ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(( خرجت سودة بعدما ضُربَ الحجابُ لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب، فقال:يا سودة! أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، قالت : فانكفأت راجعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عَرْق ( هو العظم إذا أخذ منه معظم اللحم )، فدخلت عليه، فقالت : يا رسول الله ! إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر : كذا وكذا، قالت : فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه وإنَّ العَرْق في يده ما وضعه، فقال : إنه أُذن لكنَّ أن تخرجن لحاجتكن )) رواه البخاري ومسلم .
وقول عائشة بعدما ضرب الحجاب تعني حجاب أشخاص نسائه - صلى الله عليه وسلم -في قوله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } وهذه الآية مما وافق تنزيلها قول عمر - رضي الله عنه - كما روى البخاري وغيره عن أنس - رضي الله عنه -قال : قال عمر- رضي الله عنه - : قلت : يا رسول الله ! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب(/10)
وفي الحديث دلالة على أن عمر - رضي الله عنه - إنما عرف سودة من جسمها، فدل على أنها كانت مستورة الوجه، وقد ذكرت عائشة أنها كانت رضي الله عنها تعرف بجسمتها، فلذلك رغب عمر - رضي الله عنه - أن لا تعرف من شخصها، وذلك بأن لا تخرج من بيتها، ولكن الشارع الحكيم لم يوافقه هذه المرة لما في ذلك من الحرج .
قال الحافظ رحمه الله في شرحه للحديث المذكور :
(( إن عمر - رضي الله عنه - وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام : ( احجب نسائك )، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلاً ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن؛ دفعاً للمشقة ورفعاً للحرج )) .
وقال القاضي عياض :
(( فرض الحجاب مما اختصصن به ( أي أمهات المؤمنين )، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات؛ إلا ما دعت إليه ضرورة من براز .
2ـ وعنها أيضاً في حديث قصة الإفك قالت :
(( ... فبينا أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني، فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج، فأصبح عند منزلي، فأري سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت ( وفي رواية : فسترت ) وجهي عنه بجلبابي ... )) رواه البخاري ومسلم.
3ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت :
(( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه )) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وسنده حسن في الشواهد ، ومن شواهده الحديث الذي بعده.
4ـ عن اسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها قالت :
(( كنَّا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنَّا نمتشط قبل ذلك في الإحرام )) رواه الحاكم وقال :حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وإنما هو على شرط مسلم وحده .
والمراد بقولها ( نغطي ) أي نسدل كما في الحديث الذي قبله .
5ـ عن صفية بنت شيبة قالت :
(( رأيتُ عائشةَ طافت بالبيت وهي منتقبة )) رواه ابن سعد وعبد الرزاق في المصنف ورجاله ثقات .
ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه قد كان معروفاً في عهده - صلى الله عليه وسلم -، وأن نساءه كنَّ يفعلن ذلك، وقد استنَّ بهن فضليات النساء بعدهن، وإليك مثالين على ذلك :
1ـ عن عاصم الأحول قال :
(( كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا : وتنقبت به، فنقول لها :
رحمك الله ! قال الله تعالى :{ والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } ـ وهو الجلباب ـ قال : فتقول لنا : أي شيء بعد ذلك ؟ فنقول :{ وأن يستعففن خير لهن }، فنقول : هو إثبات الحجاب )) رواه البيهقي وإسناده صحيح .
2 ـ عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي قال :
حضرتُ مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة، فادَّعى وليُّها على زوجها خمسمائة دينار مهراً، فأنكر، فقال القاضي :
شهودك . قال :
قد أحضرتهم . فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي . فقال الزوج : تفعلون ماذا ؟ قال الوكيل :
ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة، لتصح عندهم معرفتها . فقال الزوج :
وإني أشهد القاضي أن لها عليَّ هذا المهر الذي تدَّعيه ولا تسفر عن وجهها . فردت المرأة ـ وأخبرت بما كان من زوجها ـ فقالت :
فإني أشهد القاضي : أنْ قد وهبت له هذا المهر، وأبرأته منه في الدنيا والآخرة .
فقال القاضي :
ُيكتبُ هذا في مكارم الأخلاق .أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد.
فييستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات أمر مشروع محمود، و إن كان لا يجب ذلك عليها، بل من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج .
ومما تقدم بيانه يتضح ثبوت الشرط الأول في لباس المرأة إذا خرجت، ألا وهو أن يستر جميع بدنها إلا وجهها وكفيها .
- - - - -
الشرط الثاني
( أن لا يكون زينة في نفسه )
لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور :
{ ولا يبدين زينتهن } [ النور : 31 ]، فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى في [ الأحزاب : 33 ] :
{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( ثلاثة لا تسأل عنهم - يعني لأنهم من الهالكين - : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، قد كفاها مؤونة الدنيا، فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم )) رواه الحاكم وأحمد وسنده صحيح وقال الحاكم : على شرطهما ولا أعرف له علة وأقره الذهبي .(/11)
(( والتبرج : أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل)).
والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة، وهذا كما ترى بيِّنٌ لا يخفى، ولذلك قال الإمام الذهبي في (( كتاب الكبائر )) ( ص131 ) :
(( ومن الأفعال التي تُلْعَن عليها المرأة، إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأُزر الحريرية والأقبية القصار، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة، ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء، قال عنهن النبي - صلى الله عليه وسلم - : اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء )) .
قلت : وهو حديث صحيح، أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمران بن حصين وغيره.
قلت : ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة وغيرها من المحرمات، وذلك حين بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء على أن لايفعلن ذلك، فقال عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - :(( جاءت أميمة بنت رُقَيقة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبايعه على الإسلام، فقال : أُبايعكِ على أن
لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولاتنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى )) رواه أحمد بسندٍ حسن .
قال الألوسي في روح المعاني :
(( ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عنها إبداؤها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن، ويستترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك، ومشيهن به بين الأجانب، من قلة الغيرة، وقد عمت البلوى بذلك .
ومثله ما عمت البلوى به أيضاً من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن، وعدم مبالاة بعولتهن بذلك،، وكل ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وأمثال ذلك كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )) .
واعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملوناً بلون غير البياض أو السواد، كما يتوهم بعض النساء الملتزمات، وذلك لأمرين :
الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - :(( طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ... )) رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح.
والآخر : جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك، وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في (( المصنف )) :
1ـ عن ابراهيم ـ وهو النخعي ـ :
أنه كان بدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَيرا هُنَّ في اللحف الحمر .
2ـ عن ابن أبي مليكة قال :
رأيت على أم سلمة درعاً وملحفة مصبغتين بالعصفر .
3ـ عن القاسم ـ وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق ـ أن عائشة كانت تلبس الثياب المُعَصْفرة، وهي مُحْرِمة .
وفي رواية عن القاسم :أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر، وهي مُحْرِمَة .
4ـ عن هشام عن فاطمة بنت المنذرأن أسماء كانت تلبس المعصفر، وهي مُحْرِمة .
5ـ عن سعيد بن جبير أنه رأى بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة .
- - - - -
الشرط الثالث
( أن يكون صفيقاً لا يشف )
لأن الستر لا يتحقق إلا به، وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - :
(( سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، على رؤوسهنَّ كأسمنة البخت، العنوهنَّ فإنهنَّ ملعونات )) رواه الطبراني في المعجم الصغير بسند صحيح .
زاد في حديث آخر :
(( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإنَّ ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا )) رواه مسلم .
قال ابن عبد البر :
(( أراد - صلى الله عليه وسلم - النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالإسم، عاريات في الحقيقة )) .
وعن أم علقمة بن أبي علقمة قالت :
(( رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها، وقالت : أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور ؟! ثم دعت بخمار فكستها )) رواه ابن سعد وهذاصالح للاستشهاد به.
وفي قول عائشة رضي الله عنها ( أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور ؟ ! ) إشارة إلى أن من تسترت بثوب شفاف أنها لم تستتر ، ولم تأتمر بقوله تعالى في السورة المشار إليها :{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ، وهذا بينٌّ لا يخفى .
وعن هشام بن عروة :(/12)
(( أن المنذر بن الزبير قدم من العراق، فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر ـ أمه ـ بكسوة من ثياب مَروية - أي منسوبة إلى مرو- وقُوهية - أي منسوبة إلى قوهستان وهي ناحية بخراسان - رقاق عتاق بعدما كف بصرها، قال : فلمستها بيدها ثم قالت : أُف، ردوا عليه كسوته، قال : فشق ذلك عليه، وقال : يا أمَّه، إنه لا يشف . قالت : إنها إن لم تشف، فإنها تصف )) رواه ابن سعد بإسنادٍ صحيحٍ إلى المنذر .
وعن عبد الله بن أبي سلمة :
(( أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كسا الناس القُباطيِّ - ثياب مصرية رقيقة بيضاء - ، ثم قال :لا تَدَّرِعها نساؤكم، فقال رجل : يا أمير المؤمنين! قد ألبستها امرأتي، فأقبلت في البيت وأدبرت، فلم أره يشف . فقال عمر : إن لم يشف، فإنه يصف )) رواه البيهقي وقال إنه مرسل .لكن رجاله ثقات.
وفي هذا الأثر والذي قبله إشارة إلى أن كون الثوب يشف أو يصف، كان من المقرر عندهم أنه لا يجوز، وأن الذي يشف شرٌ من الذي يصف، ولذلك قالت عائشة - رضي الله عنه - :
(( إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر )) ذكره البيهقي معلقاً.
من أجل ذلك كله قال العلماء :
ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة . . . من ثوب صفيق أو جلد أو رق، فإن سُترَ بما يظهر فيه لون البشرة من ثوب رقيق، لم يجز، لأن الستر لا يحصل بذلك .
وقد عقد ابن حجر الهتيمي في (( الزواجر )) باباً خاصاً في لبس المرأة ثوباً رقيقاً يصف بشرتها، وأنه من الكبائر، ثم ساق فيه الحديث المتقدم، ثم قال :
(( وذِكْرُ هذا من الكبائر ظاهر لما فيه من الوعيد الشديد، ولم أرَ من صرح بذلك . إلا أنه معلوم بالأولى مما مر في تشبههن بالرجال )) .
قلت : وتأتي الأحاديث في لعن المتشبهات بالرجال عند الكلام على الشرط السادس .
- - - - -
الشرط الرابع
( أن يكون فضفاضاً غير ضيق فيصف شيئاً من جسمها )
لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة، فإنه يصف حجم جسمها، أو بعضه، ويصوره في أعين الرجال، وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لايخفى، فوجب أن يكون واسعاً، وقد قال أُسامة بن زيد :
(( كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبطيةً كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال : ما لك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي ، فقال : مُرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها )) رواه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة وأحمد والبيهقي بسند حسن .
فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة ـ وهي شعار يلبس تحت الثوب ـ ليمنع بها وصف بدنها، والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في الأصول، ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث ما نصه :
(( والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه، وهذا شرط ساتر العورة، وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها )) .
وهو كما ترى قد حمل الحديث على الثياب الرقيقة الشفافة التي لا تستر لون البشرة، فهو على هذا يصلح أن يورد في الشرط السابق، ولكن هذا الحمل غير متجه عندي، بل هو وارد علىالثياب الكثيفة التي تصف حجم الجسم من ليونتها، ولوكانت غبر رقيقة وشفافة، وذلك واضح من الحديث لأمرين :
الأول : أنه قد صرح فيه بأن القبطية كانت كثيفة، أي : ثخينة غليظة، فمثله كيف يصف البشرة ولا يسترها عن رؤية الناظر؟ ولعل الشوكاني رحمه الله ذهل عن هذا القيد (( كثيفة )) في الحديث، ففسر القبطية بما هو الأصل فيها .
الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صرح فيه بالمحذور الذي خشيه من هذه القبطية، فقال :
(( إني أخاف أن تصف حجم عظامها )) .
فهذا نص في أن المحذور إنما هو وصف الحجم لا اللون .
فإن قلت : فإذا كان الأمر كما ذكرت، وكانت القبطية ثخينة، فما فائدة الغلالة؟
قلت: فائدتها دفع ذلك المحذور، لأن الثوب قد يصف الجسم ولو كان ثخيناً، إذا كان من طبيعته الليونة والإنثناء على الجسد، كبعض الثياب الحريرية والجوخ المعروفة في هذا العصر، فأمر - صلى الله عليه وسلم -
بالشعار من أجل ذلك.والله تعالى أعلم.
وقد أغرب الشافعية فقالوا:
((أما لو ستر اللون ووصف حجم الأعضاء فلا بأس، كما لو لبس سروالاً ضيقاً )) ! قالوا :
(( ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار، وتتخذ جلباباً كثيفاً فوق ثيابها ليتجافى عنها، ولا يتبين حجم أعضائها )) ذكره الرافعي في شرحه.
والقول بالإستحباب فقط ينافي ظاهر الأمر، فإنه للوجوب كما تقدم، وعبارة الإمام الشافعي- رضي الله عنه - في (( الأم )) قريب مما ذهبنا، فقد قال :(/13)
(( وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة ... فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له، ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة ... والمرأة في ذلك أشد حالاً من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع، وأحب إليَّ أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع )) .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها :
(( لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي فيهن : درع وجلباب وخمار، وكانت عائشة تحل إزارها، فتجلبب به )) رواه ابن سعد بإسناد صحيح على شرط مسلم.
وإنما كانت تفعل ذلك لئلا يصفها شيء من ثيابها، وقولها : (( لا بد ))، دليل على وجوب ذلك، وفي معناه قول ابن عمر رضي الله عنهما :
(( إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها : الدرع، والخمار، والملحفة )) رواه ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح .
وهذا يؤيد ما سبق أن ذهبنا إليه من وجوب الجمع بين الخمار والجلباب على المرأة إذا خرجت .
ومما يحسن إيراده هنا استئناساً، ما روي عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر أن فاطمة بنت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - قالت :
(( يا أسماء ! إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء ـ أي عند الموت ـ أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء : يا ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! ألا أُريك شيئاً رأيته بالحبشة ؟ فدعت بجرائد رطبة، فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله، تُعرفُ به المرأةُ من الرجل . فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي، ولا يدخل عليَّ أحدٌ، فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما )) رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي.
فانظر إلى فاطمة بضعة النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة، فلا شك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح، فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وألياتهن وسوقهن وغير ذلك من أعضائهن، ثم ليستغفرن الله تعالى، وليتبن إليه، وليذكرن قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( الحياءُ والإيمان قُرنا جميعاً ، فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر )) رواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وبهذه المناسبة أقول : إن كثيراً من الفتيات المؤمنات يبالغن في ستر أعلى البدن ـ أعني الرأس ـ فيسترن الشعر والنحر، ثم لا يبالين بما دون ذلك فيلبسن الألبسة الضيقة والقصيرة التي لا تتجاوز نصف الساق أو يسترن النصف الآخر بالجوارب اللحمية التي تزيده جمالاً، وقد تصلي بعضهن بهذه الهيئة، فهذا لا يجوز، ويجب عليهن أن يبادرن إلى إتمام الستر كما أمر الله تعالى، أسوة بنساء المهاجرين الأُوَل، حين نزل الأمر بضرب الخُمُر؛ شققن مروطهن فاختمرن بها، ولكننا لا نطالبهن بشق شيء من ثيابهن! وإما بإطالته وتوسيعه حتى يكون ثوباً ساتراً لجميع ما أمرهن الله بستره . ولقد رأينا كثيراً من الفتيات المغرورات ببعض من يزعمن أنهن من الداعيات ! قد جعلن شعاراً لهن تقصير ثيابهن إلى نصف الساق، مع لبس الجوارب التي تحجم السيقان ، مع وضع الخمار ـ الإيشارب ـ فقط على رؤسهن؛ دون الجلباب على الخمار كما هو نص القرآن الكريم على ما تقدم بيانه، وهن بذلك لا يشعرن أنهن يحشرن أنفسهن في زمرة من قال الله تعالى فيهم :{ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً }، فإلى المخلصات منهن أوجّه نصيحتي هذه أن لا يؤثرن على اتباع الكتاب و السنة تقليد حزب أو شيخ، بَلْهَ شيخة ! والله عز وجل يقول :{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذّكرون } [ سورة الأعراف آية 3 ] .
- - - - -
الشرط الخامس
( أن لا يكون مبخراً مطيباً )
لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن، ونحن نسوق الآن بين يديك ما صح سنده منها :
1ـ عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( أيما أمرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها، فهي زانية )) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح . والحاكم وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي .قلت وإسناده حسن .
2ـ عن زينب الثقفية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
(( إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربنَّ طيباً )) رواه مسلم .
3ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( أيما امرأة أصابت بخوراً، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة )) رواه مسلم.
4ـ عن موسى بن يسار عن أبي هريرة - رضي الله عنه -:
(( أن امرأة مرت به تعصفُ ريحُها، فقال : يا أمة الجبار ! المسجدَ تريدين ؟ قالت : نعم، قال : وله تطيبت ؟ قالت : نعم، قال : فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
(( ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصفُ ريحُها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل )) رواه البيهقي وغيره وهوحديث صحيح .(/14)
ووجهُ الإستدلال بهذه الأحاديث على ما ذكرنا، العموم الذي فيها . فإن الإستعطار والتطيب كما يستعمل في البدن، يستعمل في الثوب أيضاً، لا سيما وفي الحديث الثالث ذكر البخور، فإنه بالثياب أكثر استعمالاً وأخص .
وسبب المنع منه واضح، وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة، وقد ألحق به العلماءُ ما في معناه، كحسن الملبس والحلي الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال .
وقال ابن دقيق العيد :
(( وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد، لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال )) .
قلت : فإذا كان ذلك حراماً على مريدة المسجد، فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع ؟ لا شك أنه أشد حرمة وأكبر إثماً، وقد ذكر الهيتمي في (( الزواجر )) أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر، ولو أذن لها زوجها .
ثم إن هذه الأحاديث عامة تشمل جميع الأوقات، وإنما خص بالذكر العشاء الآخرة في الحديث الثالث، لأن الفتنة وقتها أشد، فلا يتوهمن منه أن خروجها في غير هذا الوقت جائز .
وقال ابن الملك :
(( والأظهر أنها خُصت بالنهي لأنها وقت الظلمة وخلو الطريق، والعطر يهيج الشهوة، فلا تأمن المرأة في ذلك الوقت من كمال الفتنة، بخلاف الصبح والمغرب، فإنهما وقتان فاضحان، وقد تقدم أن مس الطيب يمنع المرأة من حضور المسجد مطلقاً )) .
- - - - -
الشرط السادس
( أن لا يشبه لباس الرجل )
لِمَا ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره . وإليك ما نعلمه منها :
1ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
(( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل )) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
2ـ عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
(( ليس منَّا من تشبه بالرجال من النساء ، ولا من تشبه بالنساء من الرجال )) رواه أحمد وأبو نعيم وإسناده صالح .
3ـ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال :
(( لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخَنَّثين من الرجال، والمترجلات من النساء ، وقال : أخرجوهم من بيوتكم . قال : فأخرج النبي فلاناً، وأخرج عمر فلاناً )) رواه البخاري .
وفي لفظ :
(( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال )) رواه البخاري.
4ـ عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة، : العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والدَّيوث )) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
5ـ عن ابن أبي مليكة ـ واسمه عبد الله بن عبيد الله ـ قال : قيل لعائشة رضي الله عنها : إن المرأة تلبس النعل ؟ فقالت :
(( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلَة من النساء )) رواه أبو داود ورجاله ثقات وهو صحيح بشواهده.
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال، وعلى العكس، وهي عامة تشمل اللباس وغيره، إلا الحديث الأول، فهو نص في اللباس وحده.
وقد قال أبو داود في (( مسائل الإمام أحمد )) :
(( سمعت أحمد سئل عن الرجل يُلْبِس جاريته القرطق؟ قال : لا يلبسها من زي الرجال، ولا يشبهها بالرجال )) .
قال أبو داود :
(( قلت لأحمد : يلبسها النعل الصرارة ؟ قال : لا، إلا أن يكون لبسها للوضوء . قلت للجمال؟ قال : لا . قلت : فيجز شعرها ؟ قال : لا)) والقرطق هو القباء وهو نوع من اللباس.
وقد أورد الذهبي تشبه المرأة بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء في (( الكبائر))، وأورد بعض الأحاديث المتقدمة، ثم قال :
(( فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفرج والأكمام الضيقة، فقد شابهت الرجال
في لبسهم، فتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك، أورضي به ولم ينهها، لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله، ونهيها عن المعصية، لقول الله تعالى:{ قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة }، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
(كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، الرجل راع في أهله ومسؤول عنهم يوم القيامة) )) متفق عليه.
وتبعه على ذلك الهيتمي في (( الزواجر ))، ثم قال:
(( عَدُّ هذا من الكبائر واضح لما عرفت من هذه الأحاديث الصحيحة، وما فيها من الوعيد الشديد، والذي رأيته لأئمتنا أن ذلك التشبه فيه قولان: أحدهما أنه حرام ، وصححه النووي بل صوبه . وثانيهما أنه مكروه، وصححه الرافعي في موضع، و الصحيح بل الصواب ما قاله النووي من الحرمة، بل ما قدمته من أن ذلك كبيرة، ثم رأيت بعض المتكلمين على الكبائر عدَّه منها، وهو ظاهر )) .
وقال الحافظ في (( فتح الباري )) عند شرح حديث ابن عباس المتقدم برقم (3) باللفظ الثاني :(/15)
(( لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال )) ما مختصره :
(( قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء، ولا العكس، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيىء، لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي، وبعض الصفات والحركات ونحوها، لا التشبه في أمور الخير . قال : والحكمة في لعن من تشبه، إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء،
وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله:
( المغيِّراتِ خَلْقَ الله) .
فثبت مما تقدم أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابهاً لزي الرجل، فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك، كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يعرف ب (لجاكيت)
و( البنطلون )، وإن كان هذا في الواقع أستر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية. فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ثم وجدت لشيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله تعالى فصلاً جيداً، رأيت من المناسب إيراده في هذا المكان لوثيق صلته به، ولما فيه من الفوائد الغزيرة والتحقيق العلمي، وهو جواب سؤال وُجِهَ إليه، وهذا نصه مع الجواب؛ كما جاء في (( الكواكب)) لابن عروة الحنبلي المحفوظ في المكتبة الظاهرية بدمشق :
(( مسألة في لبس الكوفية للنساء ما حكمها إذا كانت بالداير والفرق، وفي لبسهن الفراجي، فما الضابط في التشبه بالرجال في الملبوس ؟ هل هو بالنسبة إلى ما كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو كل زمان بحسبه ؟
الجواب :
الحمد لله ، الكوفية التي بالفرق والداير من غير أن تستر الشعر المسدول هي من لباس الصبيان، والمرأة اللابسة لذلك متشبه بهم . وهذا النوع قد يكون أوله من قبل النساء قصدن التشبه بالمردان، كما يقصد بعض البغايا أن تضفر شعرها ضفيراً واحداً مسدولاً بين الكتفين، وأن ترخي لها السوالف، وأن تعتم؛ لتشبه المردان في العمامة والعذار والشعر، ثم قد تفعل الحرة بعض ذلك لا تقصد هذا، لكن هي في ذلك متشبه بالرجال.
وقد استفاضت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح وغيرها بلعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء، وفي رواية:
أنه لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وأمر بنفي المخنثين، وقد نص على نفيهم الشافعي وأحمد وغيرهما، وقالوا: جاءت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنفي في حد الزنا، وبنفي المخنثين.
وفي صحيح مسلم عنه أنه قال:
(( صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رؤوسهن مثل أسمنة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر، يضربون بها عباد الله)).
وقد فسر قوله :(( كاسيات عاريات ))، بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية، وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها ، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما تسترها فلا تبدي جسمها، ولا حجم أعضائها لكونه كثيفاً واسعاً .
ومن هنا يظهر الضابط في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن تشبه الرجال بالنساء، وعن تشبه النساء بالرجال، وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعاً إلى مجرد ما تختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه، فإنه لو كذلك لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخُمُر التي تغطي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان ! وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغاً ! وهذا خلاف النص والإجماع، فإن الله تعالى قال للنساء:
{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } الآية، وقال : { قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } الآية، وقال :
{ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى }، فلو كان اللباس الفارق بين الرجال والنساء مستنده مجرد ما يعتاد النساء أو الرجال باختيارهم وشهوتهم، لم يجب أن يدنين عليهن الجلابيب، ولا أن يضربن بالخمر على الجيوب، ولم يحرم عليهن التبرج تبرج الجاهلية الأولى، لأن ذلك كان عادةً لأولئك، وليس الضابط في ذلك لباساً معيناً من جهة نص النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من جهة عادة الرجال والنساء على عهده، بحيث يقال : إن ذلك هو الواجب وغيره يحرم ، فإن النساء على عهده كن يلبسن ثياباً طويلات الذيل بحيث ينجُّر خلف المرأة إذا خرجت، والرجل مأمور بأن يشمر ذيله حتى لا يبلغ الكعبين، ولهذا لمَّا نهى - صلى الله عليه وسلم - الرجال عن إسبال الإزار، وقيل له : فالنساء ؟
قال : يرخين شبراً، قيل له : إذن تنكشف سوقهن، قال : ذراعاً لا يزدن عليه ، قال الترمذي :
(( حديث صحيح )).(/16)
فالفارقة بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال، وما يصلح للنساء، وهو ما ناسب ما يؤمر به الرجال، وما يؤمر به النساء، فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور . ولهذا لم يشرع لها رفع الصوت في الأذان والتلبية، ولا الصعود ( كذا، ولعله : في الصعود ) إلى الصفا والمروة، ولا التجرد في الإحرام كما يتجرد الرجل، فإن الرجل مأمور أن يكشف رأسه، وأن لا يلبس الثياب المعتادة، وهي التي تصنع على قدر أعضائه، فلا يلبس القميص ولا السراويل، ولا البرنس ولا الخف، لكن لمَّا كان محتاجاً إلى ما يستر العورة ويمشي فيه، رخص له في آخر الأمر إذا لم يجد إزاراً أن يلبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين أن يلبس خفين، وجعل ذلك بدلاً للحاجة العامة، بخلاف ما يحتاج إليه حاجة خاصة لمرض أو برد، فإن عليه الفدية إذا لبسه، ولهذا طرد ابو حنيفة هذا القياس، وخالفه الأكثرون للحديث الصحيح، ولأجل الفرق بين هذا وهذا، وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب، فلا يشرع لها ضد ذلك، لكن منعت أن تنتقب، وأن تلبس القفازين، لأن ذلك لباس مصنوع على قدر العضو، ولا حاجة بها إليه .
وقد تنازع الفقهاء هل وجهها كرأس الرجل أو كبدنه ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره، فمن جعل وجهها كرأسه، أمرها إذا سدلت الثوب من فوق رأسها أن تجافيه عن الوجه، كما يجافي عن الرأس ما يظلل به، ومن جعله كاليدين ـ وهو الصحيح ـ قال : لم تنه عن ستر الوجه وإنما نهيت عن الإنتقاب كما نهيت عن القفازين، وذلك كما نُهي الرجل عن القميص والسراويل، ونحو ذلك، ففي معناه البرقع، وما صنع لستر الوجه . فأما تغطية الوجه بما يسدل من فوق الرأس، فهو مثل تغطيته عند النوم بالملحفة ونحوها، ومثل تغطية اليدين بالكمين، وهي لم تنه عن ذلك .
فلو أراد الرجال أن ينتقبوا ويتبرقعوا، ويَدَعوا النساءَ باديات الوجوه لمُنعوا من ذلك، وكذلك المرأة أُمرت أن تجتمع في الصلاة، ولا تجافي بين أعضائها - الصواب أن المرأة كالرجل في الصلاة - ، وأمُرت أن تغطي رأسها، فلا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، ولو كانت في جوف بيت لا يراها أحد من الأجانب، فدل ذلك على أنها مأمورة من جهة الشرع بسترٍ لا يؤمر به الرجل حقاً لله عليها، وإن لم يرها بشر، وقد قال تعالى :
{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى }،
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
(( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن )) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - :
(( صلاة إحداكن في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها، وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها أفضل من صلاتها معي )) - رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان وهو حديث حسن - . وهذا كله لما في ذلك من الاستتار والاحتجاب .
ومعلوم أن المساكن من جنس الملابس، كلاهما جعل في الأصل للوقاية ودفع الضرر، كما جعل الأكل والشرب لجلب المنفعة، فاللباس يتقي الإنسان به الحر والبرد ويتقي به سلاح العدو، وكذلك المساكن يتقي بها الحر والبرد، ويتقي بها العدو، وقال تعالى :{ والله جعل لكم من بيوتكم سكناً }، وقال :{ والله جعل لكم مما خلق ظلالاً، وجعل لكم من الجبال أكناناً، وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرَّ، وسرابيل تقيكم بأسكم، كذلك يتمُّ نعمته عليكم لعلكم تسلمون }، فذكر في هذا الموضع ما يحتاجون إليه لدفع ما قد يؤذيهم، وذكر في أول السورة ما يضطرون إليه لدفع ما يضرهم،
فقال تعالى:{ والإنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون }، فذكر ما يستدفئون به ويدفعون به البرد، لأن البرد يهلكهم، والحر يؤذيهم، ولهذا قال بعض العرب : البرد بؤس، والحر أذى، ولهذا السبب لم يذكر في الآية الأخرى وقاية البرد، فإن ذلك تقدم في أول السورة، وهو في أثناء السورة ما أتم به النعمة، وذكر في أول السورة أصول النعم، ولهذا قال: { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون}.
والمقصود هنا، أن مقصود الثياب يشبه مقصود المساكن، والنساء مأمورات في هذا بما يسترهن ويحجبهن، فإذا اختلف لباس الرجال والنساء مما كان أقرب إلى مقصود الاستتار والاحتجاب، كان للنساء، وكان ضده للرجال.(/17)
وأصل هذا أن تعلم أن الشارع له مقصودان: أحدهما: الفرق بين الرجال والنساء، والثاني: احتجاب النساء، فلو كان مقصوده مجرد الفرق، لحصل ذلك بأي وجه حصل الاختلاف، وقد تقدم فساد ذلك، بل أبلغ من ذلك أن المقصود بلباس أهل الذمة؛ إظهار الفرق بين المسلم والذمي، ليترتب على كلٍ منهما من الأحكام الظاهرة ما يناسبه، ومعلوم أن هذا يحصل بأي لباس اصطلحت الطائفتان على التميز به، ومع هذا فقد روعي في ذلك ما هو أخص من الفرق، فإن لباس الأبيض لما كان أفضل من غيره، كما قال - صلى الله عليه وسلم - :(( عليكم بالبياض، فليلبسه أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم ))، لم يكن من السنة أن يجعل لباس أهل الذمة أبيض، ولباس أهل الاسلام المصبوغ، كالعسلي والأدكن ونحو ذلك، بل الأمر بالعكس، وكذلك في الشعور وغيرها، فكذلك الأمر في لباس الرجال والنساء ، ليس المقصود به مجرد الفرق، بل لا بد من رعاية جانب الاحتجاب والاستتار.
وكذلك أيضاً ليس المقصود مجرد حجب النساء وسترهن دون الفرق بينهن وبين الرجال، بل الفرق أيضاً مقصود، حتى لو قدر أن الصنفين اشتركوا في ما يستر ويحجب بحيث يشتبه لباس الصنفين لنهو عن ذلك، والله تعالى قد بين هذا المقصود أيضاً بقوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين }، فجعل كونهن يعرفن باللباس الفارق أمراً مقصوداً ،و لهذا جاءت صيغة النهي بلفظ التشبه بقوله - صلى الله عليه وسلم - :(( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال ، و المتشبهين من الرجال بالنساء )) فعلق الحكم باسم التشبه ، وبكون كل صنف يتصف بصفة الآخر .
وقد بسطنا هذه القاعدة في (( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ))، وبينَّا أن المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسباً و تشابهاً في الأخلاق و الأعمال ، ولهذا نهينا عن مشابهة الكفار، ومشابهة الأعاجم،و مشابهة الأعراب، و نهي كل من الرجال و النساء عن مشابهة الصنف الآخر .
و الرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه ،حتى يفضي به الأمر إلى التخنث المحض، و التمكين من نفسه كأنه امرأة، ولما كان الغناء مقدمة ذلك ، وكان من عمل النساء ،
كانوا يسمون الرجال المغنين ( مخانيث ).
و المرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج و البروز و مشابهة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجال ، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء ، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنساء،و هذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة.
... و إذا تبين أنه لابد من أن يكون بين لباس الرجال و النساء فرق يميز بين الرجال و النساء ،
وأن يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب ، وتبين أن اللباس إذا كان غالبه لبس الرجال نهيت عنه المرأة ، وإن كان ساتراً كالفراجي التي جرت عادة بعض البلاد أن يلبسها الرجال دون النساء ، و النهي عن مثل هذا يتغير بتغير العادات ، وأما ما كان الفرق عائداً إلى نفس الستر ، فهذا يؤمر فيه النساء بما كان أستر ... و لو قدر أن الفرق يحصل بدون ذلك ، فإذا اجتمع في اللباس قلة الستر والمشابهة نهي عنه من الوجهين . و الله أعلم )).
- - - - -
الشرط السابع
( أن لا يشبه لباس الكافرات )
...
... لما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين - رجالاً و نساءً - التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم . وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم - مع الأسف - كثير من المسلمين-حتى الذين يُعْنَون منهم بأمور الدين و الدعوة إليه-جهلاً بدينهم ،أو تبعاً لأهوائهم ، أو انجرافاً مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة،حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم،وسيطرة الأجانب عليهم ،واستعمارهم { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } (الرعد :11) لو كانوا يعلمون .
و ينبغي أن يعلم أن الأدلة على صحة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب و السنة ،وإن كانت أدلة الكتاب مجملة ؛ فالسنة تفسرها وتبينها كما هو شأنها دائماً .
فمن الآيات قوله تعالى في (الجاثية :16-18) :
1ـ { ولقد آتينا بني اسرائيل الكتاب و الحكم و النبوة و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على العالمين . وآتيناهم بيناتٍ من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (( الاقتضاء )) (ص8) :(/18)
(( أخبر سبحانه وتعالى أنه أنعم على بني اسرائيل بنعم الدين و الدنيا ، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض، ثم جعل محمداً- صلى الله عليه وسلم - على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها ، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لايعلمون ، وقد دخل في { الذين لا يعلمون } كل من خالف شريعته . و( أهواؤهم ): هو ما يهوونه ، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر ، الذي هو من موجبات دينهم الباطل ، وتوابع ذلك فهم يهوونه .
و موافقتهم فيه اتباع لما يهوونه . ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم و يسرون به ، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك . ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم، فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم ،و أعون على حصول مرضاة الله في تركها ، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره . فإن (( من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه ))، وأي الأمرين كان ؛ حصل المقصود في الجملة ، وإن كان الأول أظهر.
و من هذا الباب قوله تعالى في( الرعد:36-37):
2ـ { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك، ومن الأحزاب من ينكر بعضه، قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ، إليه أدعو وإليه مآب وكذلك أنزلناه حكماً عربياً، ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق }.
و الضمير في { أهوائهم } يعود - و الله أعلم - إلى ما تقدم ذكره ، و هم الأحزاب الذين ينكرون بعضه ، فدخل في ذلك كل من أنكر شيئاً من القرآن من يهودي أو نصراني أو غيرهما ،
وقد قال تعالى :{ و لئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم } ( الرعد :37)، ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم ؛ اتباع لأهوائهم ، بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك)).
و قال تعالى في ( الحديد :16 ) :
3ـ { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق،ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }.
... قال شيخ الإسلام (ص 43 ) :
(( فقوله : { ولا يكونوا } نهي مطلق عن مشابهتهم ، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم ، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي )).
و قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية ( 4/310 ) :
(( و لهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية و الفرعية )).
و من ذلك قوله تعالى في ( البقرة : 104 ) :
4ـ { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم } .
قال الحافظ ابن كثير ( 1/148) :
(( نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص ؛ عليهم لعائن الله ، فإذا أرادوا أن يقولوا : اسمع لنا ، قالوا : راعنا ، ويورون بالرعونة ، كما قال تعالى :{ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ،
ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ، ولكن لعنهم الله بكفرهم
فلا يؤمنون إلا قليلاً } ( النساء :46 ) .
و كذلك جاءت الأحاديث بإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلُّموا إنما يقولون :(( السام عليكم ))،
والسام هو الموت ، و لهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ (( و عليكم )) ، و إنما يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم علينا ، و الغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً و فعلاً )) .
... و قال شيخ الإسلام عند هذه الآية ما مختصره (ص 22 ) :
... (( قال قتادة و غيره : كانت اليهود تقوله استهزاءً ، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم ، و قال أيضاً : كانت اليهود تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : راعنا سمعك ، يستهزئون بذلك ، وكانت في اليهود قبيحة . فهذا يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها ، لأن اليهود كانوا يقولونها ، وإن كانت من اليهود قبيحة ،ومن المسلمين لم تكن قبيحة ، لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار
وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم )) .
... و في الباب آيات أخرى ، وفيما ذكرنا كفاية ، فمن شاء الوقوف عليها فلينظرها في
(( الاقتضاء )) ( ص : 8-14 و22 و 42 ) .
... فتبين من الآيات المتقدمة أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم ؛ من المقاصد والغايات التي أسسها وجاء بها القرآن الكريم ، وقد قام النبي- صلى الله عليه وسلم - ببيان ذلك وتفصيله للأمة ، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة ، حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وشعروا أنه عليه السلام يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم ، كما روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - :(/19)
(( إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبيِ - صلى الله عليه وسلم - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض } إلى آخر الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )) ، فبلغ ذلك اليهود ، فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير ، وعباد بن بشر ، فقالا: يا رسول الله ! إن اليهود تقول كذا و كذا ، أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأرسل في آثارهما ، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما )) رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام في ( الاقتضاء ) :
( فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من مخالفة اليهود ، بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم حتى قالوا :
ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ).
... و أما السنة فالنصوص فيها كثيرة طيبة في تأييد القاعدة المتقدمة ، و هي لا تنحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلاً ،بل قد تعدتها إلى غيرها من العبادات و الآداب
والاجتماعيات و العادات ، وهي بيان و تفصيل لما أجمل في الآيات السابقة و نحوها كما قدمت الإشارة إليه .
و ها نحن أولاء نسوقها بين يديك ؛ لتكون على بصيرة فيما ذهبنا إليه :
1 ـ عن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال :
(( قلت يا نبي الله ! أخبرني عما علَّمك الله، وأجهله، أخبرني عن الصلاة . قال : صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار . ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تُسجر جهنم، فإذا أقبل الفيءُ فصلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حين تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار )) رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(( فقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب؛ معللاً بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار . ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلالله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق ...
وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفراً أو معصية بالنية؛ ينهى المؤمنون عن ظاهره، وإن لم يقصدوا به قصد المشركين، سداً للذريعة وحسماً للمادة ...
ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عُبد من دون الله في الجملة، وإن لم يكن العابد يقصد ذلك ... لما فيه من مشابهة السجود لغير الله؛ فانظر كيف قطعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات !
وكما لا يصلي إلى القبلة التي يصلون إليها، وكذلك لا يصلي إلى ما يصلون له، بل هذا أشد فساداً، فإن القبلة شريعة من الشرائع قد تختلف باختلاف شرائع الأنبياء؛ أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله كما قال سبحانه :{ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } )) .
2 ـ عن جندب ـ وهو ابن عبد الله البجلي ـ قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول:
(( . . . ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك )) رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(( وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذين كانوا قبلنا كانوا يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد وعقَّب هذا الوصف بالنهي بحرف الفاء أن لا يتخذوا القبور مساجد .
وقال إنه - صلى الله عليه وسلم - ينهانا عن ذلك ففيه دلالة على أن اتخاذ من قبلنا سبب لنهينا إما مظهر للنهي وإما موجب للنهي وذلك يقتضي أن أعمالهم دلالة وعلامة على أن الله ينهانا عنها، أو أنها علة مقتضية للنهي، وعلى التقديرين يعلم أن مخالفتهم أمر مطلوب للشارع في الجملة )) .
3 ـ عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( اللحد لنا، والشِّق لأهل الكتاب )) رواه أحمد والطحاوي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(( وهو مروي من طرق فيها لين لكن يصدق بعضها بعضاً، وفيه التنبيه على مخالفتنا بأهل الكتاب حتى في وضع الميت في أسفل القبر )).
4 ـ عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
(( فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَحر )) رواه مسلم .(/20)
5 ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
(( حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله ! إنه يوم تعظِّمه اليهود والنصارى ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صُمنا اليوم التاسع، قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(( فهذا يوم عاشوراء يوم فاضل يكفر سنة ماضية صامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمر بصيامه ، ورغَّب فيه ثم لمَّا قيل له ( قبيل وفاته ) إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم ، بضم يوم آخر إليه ، وعزم على ذلك ، ولهذا استحب العلماء ومنهم الإمام أحمد أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء .
6 ـ عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - ، قال :
(( قلت : يا رسول الله ! إني أسألك عن طعام لا أدعه إلا تحرجاً، قال : لا تدع شيئاً ضارعت فيه النصرانية )) رواه أحمد والبيهقي والترمذي وسنده حسن ورجاله ثقات رجال مسلم .
ومعنى ضارعت فيه النصرانية : أي شابهت لأجله أهل الملة النصرانية من حيث امتناعهم إذا وقع في قلب أحدهم أنه حرام أو مكروه ، وهذا في المعنى تعليل النهي .
7 ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال :
(( رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ ثوبين معصفرين، فقال : إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها )) رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وعلل النهي عن لبسها بأنها من ثياب الكفار ، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا ، أو مما يعتاده الكفار لذلك ؛ كما أنه في الحديث قال : (( إنهم يستمتعون بآنية الذهب و الفضة في الدنيا ، وهي للمؤمنين في الآخرة ))، و لهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير
وأواني الذهب والفضة تشبهاً بالكفار، ففي (( الصحيحين )) عن أبي عثمان النهدي قال :
(( كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد : يا عتبة ! إنه ليس من كدِّ أبيك ولا من كدِّ أمِّك ، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك ، وإياك و التنعم ، وزي أهل الشرك ، ولبوس الحرير ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبوس الحرير، وقال : إلا هكذا ، ورفع لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إصبعيه الوسطى و السبابة و ضمهما )) .
و روى أبو بكر الخلال بإسناده عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان أتى بيتاً فرأى فيه حادثتين فيه أباريق الصفر و الرصاص فلم يدخله ، وقال : من تشبه بقوم فهو منهم ، وفي لفظ آخر : فرأى شيئاً من زي العجم ، فخرج ، و قال : من تشبه بقوم فهو منهم )).
8 ـ عن علي - رضي الله عنه - رفعه :
(( إياكم ولبوس الرهبان ، فإنه من تزيا بهم أو تشبه، فليس مني )) رواه الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به في الشواهد .
9 ـ عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( خالفوا المشركين، أحفوا الشوراب، وأوفوا اللحى )) رواه البخاري ومسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
( فأمر - صلى الله عليه وسلم - بمخالفة المشركين مطلقا، ثم قال: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى، وهذه الجملة الثانية بدلاً من الأولى، فإن الإبدال يقع في الجمل كما يقع في المفردات، قال: فلفظ مخالفة المشركين دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع، وإن عينت في هذا الفعل، فإن تقديم المخالفة علة تقديم العام على الخاص، كما يقال أكرم ضيفك؛ أطعمه وحادثه، فأمرك بالإكرام أولاً، دليل على أن إكرام الضيف مقصود، ثم عينت الفعل الذي يكون إكراماً في ذلك الوقت، والتقرير من هذا الحديث شبيه بالتقرير من قوله: لا يصبغون فخالفوهم.)
10 ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس )) رواه مسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
( فعقب الأمر بالوصف المشتق المناسب، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع، وهو العلة في هذا الحكم، أو علة أخرى، أو بعض علة، وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة، ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره؛ كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من هدي المجوس، وقال المروزي : سألت أبا عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ عن حلق القفا ؟ هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم...)
11 ـ عن الشريد بن سويد - رضي الله عنه - قال :
(( مرَّ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي، فقال : أتقعد قِعدة المغضوب عليهم ؟! )) رواه أبو داود وأحمد والحاكم وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
12 ـ عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(/21)
(( إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجراً، فإنها ميسر العجم )) رواه أحمد والبيهقي وهوحديث حسن أو صحيح .
13 ـ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
(( لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ، إنما أنا عبد الله، فقولوا : عبدُ الله ورسوله )) رواه البخاري .
قال المناوي ( وهو - أي الإطراء - المبالغة في المدح والغلو، فالمعنى : لا تجاوزوا الحد في مدحي بغير الواقع، فيجركم ذلك إلى الكفر كما جر النصارى لما تجاوزوا الحد في مدح عيسى عليه السلام بغير الواقع واتخذوه إلهاً .قال :
والتشبيه في قوله :(( كما أطرت النصارى عيسى )) في زعم الألوهية، ويصح أن يكون ليس بمجرد ذلك، بل لنسبة ما ليس فيه، فيكون أعم )) .
قلت : وهذا هو الصحيح، لأننا نعلم بالضرورة أن النصارى قد أطروا عيسى عليه السلام بغير الألوهية أيضاً، فمدح المسلمين النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ليس فيه يكون تشبهاً بالنصارى، فينهى عنه لأمرين :
الأول : كونه كذباً في نفسه، وهو - صلى الله عليه وسلم - أرفع مقاماً من أن يمدح به .
والآخر : سداً للذريعة، وخشية أن يؤدي ذلك إلى ما ادعته النصارى في نبيهم من الألوهبة ونحوها . وقد وقع في هذا بعض المسلمين، على الرغم من هذا الحديث وغيره، وذلك مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم - :
(( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) متفق عليه .
قلت : ومع ذلك فإننا لا نزال نسمع بعضهم يترنم بقول القائل مخاطباً النبي - صلى الله عليه وسلم - :
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم !
فهذا شرك في بعض صفاته تعالى، فإن الله عز وجل كما أنه واحد في ربوبيته وألوهيته، فكذلك هو واحد في صفاته، لا يشاركه في شيء منها أحد من مخلوقاته، مهما سمت منزلته، وعلت رتبته، فهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - سيد البشر يسمع جارية تقول في غنائها البريء :
وفينا نبي يعلم ما في غد
فيقول لها - صلى الله عليه وسلم - :(( دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين )) رواه البخاري .
فأين قول هذه الجارية مما يردده بعض المسلمين منذ مئات السنين :
ومن علومك علم اللوح والقلم !
فهو عندهم ليس يعلم فقط ما في غد، بل يعلم ما كان وما سيكون مما سطره القلم في اللوح المحفوظ! بل هو بعض علمه !! سبحانك هذا بهتان عظيم وإثم مبين .
ومن كان له اطلاع على كتب الصوفية والتي يسمونها بالحقائق (!)، وكتب الموالد، ونحوها، يرى من هذا القبيل العجب العجاب .
وقد يتوهم كثير من الناس الذين يريدون أن يحسنوا الظن بكل الناس أن هذه الأقوال التي تقال في مدحه - صلى الله عليه وسلم - لا يقصدون معانيها الظاهرة منها . وأن كثيرين منهم لا يخطر في بالهم ذلك . ونحن نتمنى أن يكون هذا صحيحاً، ولكن :(( ما كل ما يتمنى المرء يدركه )) ... فقد سمعنا من أناس يظن فيهم العلم والصلاح ما يجعلنا مضطرين أن نسيء الظن بهم وبعقائدهم، وآخر ما وقع من ذلك أن شيخاً منهم ( هلك قريباً ) كان يدرس في مسجد بني أمية، فسَّر قوله تعالى في سورة الحديد :{ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم }، قال: هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلما اعتُرض عليه، حاول أن يلطف الأمر بشيء من التأويل، مصراً على إرجاع الضمير إليه - صلى الله عليه وسلم - ، فلما قيل له إقرأ الآية التي بعدها :{ هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش }، فهل هو محمد ؟
فبهت ... ومن يعلم مذهب القائلين بوحدة الوجود، لا يستغرب صدور مثل هذه الكفريات منهم .
14 ـ عن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - :
(( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى حنين، مرَّ بشجرة للمشركين، يُقال لها : ذات أنواط، يعلِّقون عليها أسلحتهم، ويعكفون حولها ، قالوا : يا رسول الله ! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( سبحان الله ( وفي رواية الله أكبر )! هذا كما قال قوم موسى : { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة }، والذي نفسي بيده، لتركبن سنة من كان قبلكم سنة سنة )) رواه أحمد والترمذي وقال :حسن صحيح .
15 ـ عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبدَ اللهُ وحده لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِلَ الذلةُ والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم )) رواه أحمد وإسناده حسن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
( وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى :{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم }، وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال :
(( من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت؛ حُشِرَ معهم يوم القيامة )) .(/22)
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً لهم كان حكمه كذلك، وبكل حال يقتضي تحريم التشبه بعلة كونه تشبهاً .
والتشبه يعم من فعل الشيء، لأجل أنهم فعلوه وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له فيه ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبها نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى وإحفاء الشوارب، مع أن قوله - صلى الله عليه وسلم - :(( غيِّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ))؛ دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منَّا ولا فعل . بل مجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية، وقد روى في هذا الحديث عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن التشبه بالأعاجم، وقال :(( من تشبه بقوم فهو منهم )) . ذكره القاضي أبو يعلى؛ وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين )) .
فثبت مما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا، فالواجب على كل مسلم رجالاً ونساءاً أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها، وبصورة خاصة في أزيائهم وألبستهم، لما علمت من النصوص الخاصة فيها، وبذلك يتحقق صحة الشرط السابع في زي المرأة .
هذا، وقد يظن بعض الناس أن هذه المخالفة إنما هي أمر تعبُّدي محض وليس كذلك، بل هو معقول المعنى، واضح الحكمة، فقد تقرر عند العلماء المحققين أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الظاهر والباطن، وأن للأول تأثيراً في الآخر، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وإن كان ذلك مما قد لا يشعر به الإنسان في نفسه، ولكن قد يراه في غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(( وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى أن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين، وذلك لأن الإشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة .
بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما متشابهة في العمامة، أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب، ونحو ذلك، لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما .
وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة، إما على الملك وإما على الدين، وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء ـ وإن تباعدت ديارهم وممالكهم ـ بينهم مناسبة توِرث مشابهةً ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص .
فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية ؟! فإن إفضائها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والمولاة لهم تنافي الإيمان... وقال سبحانه :{ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أوعشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيديهم بروحٍ منه } [المجادلة:22]، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يوادُّ كافراً، فمن وادَّ الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة، فتكون محرمة)) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً :
(( وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً، وقد بعث الله محمداً- صلى الله عليه وسلم - بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضآلين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثيرٍ من الخلق في ذلك مفسدة؛ لأمور:
منها أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق و الأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس ثياب الجند والمقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلقٍ بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضياً لذلك؛ إلا أن يمنعه مانع .(/23)
ومنها أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام ـ لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة ـ كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد .
ومنها أن مشاركتهم في الهدي توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضَّالين ... إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة.
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم؛ كان شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوعٍ من أنواع معاصيهم، فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له )) .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قد قال في أول كتابه الاقتضاء:
(( وهنا نكتة... وهي أن الأمر بموافقة قومً أو بمخالفتهم قد يكون لأن نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم؛ مصلحة، وكذلك نفس قصد مخالفتهم أو نفس مخالفتهم؛ مصلحة، بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة، وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة و المخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة، ولهذا نحن ننتفع بنفس متابعتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسابقين في أعمال، لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا مصلحة؛ لما يورث ذلك من محبتهم، وائتلاف قلوبنا بقلوبهم، وأن ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى، إلى غير ذلك من الفوائد، كذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها، وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة؛ لأن ذلك الفعل الذي يوافق فيه أو يخالف متضمن للمصلحة أو المفسدة ولو لم يفعلوه، لكن عبر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف، فتكون موافقتهم دليلاً على المفسدة، ومخالفتهم دليلاً على المصلحة، واعتبار الموافقة والمخالفة على هذا التقدير من باب قياس الدلالة، وعلى الأول من باب قياس العلة، وقد يجتمع الأمران ـ أعني الحكمة الناشئة من نفس الفعل الذي وافقناهم أو خالفناهم فيه، ومن نفس مشاركتهم فيه ـ وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما والمنهي عنهما، فلا بد من التفطن لهذا المعنى، فإنه به يعرف معنى نهي الله لنا عن اتباعهم، وموافقتهم مطلقاً ومقيداً )).
قلت: وهذا ارتباط بين الظاهر والباطن مما قرره- صلى الله عليه وسلم - في قوله الذي رواه النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال:
(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أننا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً، فقال:
(( عباد الله لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، وفي رواية: قلوبكم )) رواه مسلم .
فأشار إلى أن الاختلاف في الظاهر ـ ولو في تسوية الصف ـ مما يوصل إلى اختلاف القلوب، فدل على أن الظاهر له تأثير في الباطن، ولذلك رأيناه - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن التفرق، حتى في جلوس الجماعة، ويحضرني الآن في ذلك حديثان:
1 ـ عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال:
(( خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فرآنا حِلَقَاً، فقال:
مالي أراكم عزين ؟ )) رواه مسلم ، ومعنى عزين أي متفرقين جماعة جماعة، وفيه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع .
2ـ عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال:
((كان الناس إذ نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ))
فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بُسِطَ عليهم ثوبٌ لعمَّهم)). رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي .
- - - - -
الشرط الثامن
( أن لا يكون لباس شهرة )
ولباس الشهرة هو كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس ، سواء كان الثوب نفيساً يلبسه تفاخراً بالدنيا وزينتها ، أو خسيساً يلبسه إظهاراً للزهد والرياء .
وقال الشوكاني : ( قال ابن الأثير : الشهرة ظهور الشيء ، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ، ويختال عليهم بالعجب والتكبر )
لحديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه ناراً )) رواه أبو داود وابن ماجة وإسناده حسن .
قال الشوكاني :(/24)
( والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة ، وليس هذا الحديث مختصاً بنفس الثياب ، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوباً يخالف ملبوس الناس من الفقراء ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه .قاله ابن رسلان .
وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس ، فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها ، والموافق لملبوس الناس والمخالف . لأن التحريم يدور مع الاشتهار ، والمعتبر القصد ، وإن لم يطابق الواقع ) .
- - - - -
وإلى هنا ينتهي بنا الكلام على الشروط الواجب تحققها في ثوب المرأة وملاءتها، وخلاصة ذلك:
أن يكون ساتراً لجميع بدنها ؛ إلا وجهها وكفيها على التفصيل السابق، وأن لا يكون زينة في نفسه، ولا شفافاً، ولا ضيقاً يصف بدنها، ولا مطيباً، ولا مشابهاً للباس الرجال ولباس الكفار، ولا ثوب شهرة.
فالواجب على كل مسلم أن يحقق كل هذه الشروط في ملاءة زوجته، وكل من كانت تحت ولايته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - (( كلكم راع، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته )).
والله عز وجل يقول:
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليه ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [التحريم:6]
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لا تباع أوامره، واجتناب نواهيه.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا اله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
انتهى مختصر كتاب جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة
كتبه الدكتور حسام الدين عفانه
(/25)
مختارات من فتاوى الإمامين
عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله
في مسائل الحج والعمرة
مع تعليقات
جمع وتعليق
حامد بن عبد الله العلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل لكل أمة منسكا ليذكروا اسمه ، وأشهد أن لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه .
وبعد :
فقد طلب مني بعض طلبة العلم الذين تم تعيينهم مرشدين للحجاج ، في عام 1415هـ ، دورة علمية في أحكام الحج ، وذلك لما اقترب موعد انطلاق الحجيج ، ولم يكن الوقت كافيا لدورة شاملة ، فاخترت لهم مختارات من فتاوى مهمة ، يتكرر السؤال عنها ، وقد جمعتها من فتاوى الإمامين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد الصالح العثيمين رحمهما الله ، لان عامة الفتوى كانت ترجع إلى آرائهما آنذاك ، فقد جعل الله لهما القبول في المسلمين ، وهي مع ذلك فتاوى بالحق إن شاء الله مسددة ، وبالأدلة مؤيدة ، فقرأناها في تلك الدورة العلمية السريعة ، وأضفت تعليقات مهمة عليها ، وذلك ليتعرف الطلاب على مصدر الفتوى ومرجعها من المذاهب الفقهية ، ولما رجعنا من الحج ، أفاد الطلبة أنهم استفادوا منها كثيرا في الإجابة على أسئلة الحجاج ، وأن عامة استفساراتهم لاتخرج عن هذه المختارات ، ثم اقترح الطلاب أن نطبعها في مذكرة لتعم فائدتها ، فاجبناهم إلى ذلك ، لتكون عونا لمن يرشد الحاج من طلبة العلم ، يذاكر بها ما تعلم ، وليكون قلبه مطمئنا عندما يجيب على الأسئلة بما يوافق قول علماءنا ، وأسأل الله تعالى أن يجزي علماءنا عنا كل خير ، وأن ينفع بهذا المجموع من يرشد الحاج ، فيكون لي نصيب من الثواب معه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله أجمعين .
حامد بن عبد الله العلي
إنابة القادر غيره ، في حج التطوع
سؤال : رجل صحيح الجسم يريد أن يُحج غيره عن نفسه فهل الحجة صحيحة أم لا ؟
الجواب : إذا كانت الحجة فريضة كانت غير صحيحة لامكان أدائها بنفسه وإن كانت نفلاً ففيه خلاف بين أهل العلم والذي يترجح لي أنه لا يصحّ أن ينيب من يحج عنه وهو قادر لأن الأصل في العبادات أن المخاطب بها من يفعلها ويقوم بها لما فيها من التعبد لله تعالى وخضوع القلب له وزيادة الإيمان ثم إنه لم يرد في السنة فيما أعلم الاستنابة عن الإنسان القادر في الفرض ولا في النفل ، وهذا الرجل بإمكانه إذا كان لديه مال ، أن يعين به حاجا ، فإن أعان به حاجاً كان له مثل أجره كما قال عليه الصلاة والسلام في الغازي : (( من جهز غازياً فقد غزا ومن خلفه في أهله فقد غزا )) وبهذا يكون متمشيا على ما تقتضيه السنة(1) فتاوى الحرم المكي للعثيمين 3/56
التعليق : اتفق العلماء على أنه لا يجوز للقادر أن ينيب غيره في حج الفريضة ، واختلفوا في حج التطوع ، وفي المسألة قولان لاهل العلم ، هما روايتان عن الإمام أحمد :
احداهما : يجوز ، وهو قول أبي حنيفة .
والثانية : لا يجوز وهو مذهب الشافعي (2) المغني لابن قدامة 3/235
أجر الحج في الإنابة ، لمن يكون
وهل يجوز أن ينوي أخذ المال فقط ؟
السؤال : إذا أعطى رجل رجلاً مالاً ليحج عن قريب له متوفي وقام الذي أخذ الأجرة بأداء الحج على الوجه المطلوب هل له أجر حجة وللمتوفي وللذي دفع الأجرة حجة ، أم يكون الذي قام بالحج محروماً من ذلك ؟
الجواب : الحج لمن نوى له ولا يمكن أن يكون الحج لثلاثة ولكن الذي يقوم بالحج عنه غيره إذا كان قصده بذلك نفع أخيه المسلم وقضاء حاجته فإنه يؤجر على هذا ، أما من أخذ الدراهم وقصده بالحج الذي حجه عن غيره الوصول إلى هذه الدراهم فإنه كما قال شيخ الإسلام : ليس له في الآخرة من خلاق ، لأنه أراد بعمل الآخرة شيئا من الدنيا وقد قال تعالى { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يصنعون } (1) فتاوى الحرم المكي للعثيمين 3/57
التعليق : الاستئجار على الحج فيه قولان لاهل العلم هما روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله :
احداهما : لا يجوز وهو قول أبي حنيفة واسحاق .
والثانية : يجوز وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر .
قال ابن قدامة رحمه الله : فائدة الخلاف أنه متى لم يجز أخذ الأجرة عليها فلا يكون إلاّ نائباً محضاً ، وما يدفع إليه يكون نفقه الطريق(2) المغني لابن قدامة 3/230
استئجار الأجنبي للحج عن القريب
سؤال : توفيت والدتي وأنا صغير السن وقد أجرت على حجتها شخصاً موثوقاً به وأيضاً والدي توفى وأنا لا أعرف منهما أحداً وقد سمعت من بعض أقاربي أنه حج ، فهل يجوز أن أؤجر على حجة والدتي أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي وأيضاً والدي ، وهل أقوم بحجة له وأنا سمعت أنه حج ، أرجو إفادتي وشكراً ؟(/1)
الجواب : يجوز للإنسان أن يحج عن أبيه وأمه المتوفيين سواء كان حج فريضه أم نافلة وسواء أداها بنفسه أو أداها نائبه ، ولكن ينبغي أن يستنيب من يعرف أنه ذو علم ودين لأن الكثير من الناس يجهلون أحكام الحج وكثيرا من الناس يتهاونون بها فلابد أن يكون النائب ذا علم ودين حتى يطمئن الإنسان أنه أدى الحج على ما ينبغي(1) فتاوى الحرم المكي للعثيمين 3/56
إشتراط المحرم للحج
سؤال : إذا حجت المرأة بدون محرم فهل حجها صحيح وهل الصبي المميز يصلح أن يكون محرماً؟
الجواب : أما حجها فصحيح ، ولكن سفرها بدون محرم ، محرم ومعصية للرسول صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تسافر امرأة إلاّ مع ذي محرم)) ، والصغير الذي لم يبلغ لا يصلح أن يكون محرماً لأنه هو نفسه ليحتاج إلى ولاية ، وإلى نظر ومن كان كذلك لا يمكن أن يكون ناظراً أو ولياً لغيره والذي يشترط أن يكون المحرم ذكراً بالغاً عاقلاً ، فإذا لم يكن كذلك فإنه ليس بمحرم وها هنا أمر نأسف له كثيراً وهو تهاون بعض النساء في السفر بالطائرة بدون محرم فإنهن يتهاونَّ بذلك تجد المرأة تسافر بالطائرة وحدها وتعليل هذا الفعل يقولون محرمها يشيعها في المطار الذي أقلعت منه الطائرة والمحرم الآخر يستقبلها في المطار الذي تهبط فيه الطائرة وهذه العلة عليلة في الواقع فإن محرمها الذي شيعها ليس يدخلها في الطائرة بل إنه يوصلها إلى صالة الانتظار وربما تتأخر الطائرة عن الإقلاع فتبقى هذه المرأة ضائعة وربما تطير الطائرة ولا تتمكن من الهبوط في المطار الذي تريد لسبب من الأسباب وتهبط في مكان آخر فتضيع هذه المرأة وربما تهبط في المطار الذي قصدته ولكن لا يأتي محرمها لسبب من الأسباب إما نوم أو مرض أو زحام أو حادث منعه من الوصول وإذا انتفت هذه الموانع كلها ووصلت هذه الطائرة في وقتها ووجد المحرم الذي يستقبلها فإنه من الذي يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون بجانبها رجل لا يخشى الله تعالى ولا يرحم عباد الله فيغريها وتغتر به ويحصل بذلك الفتنة والمحذور - كما هو معلوم - فالواجب على المرأة أن تتقي الله عز وجل وأن لا تسافر إلاّ مع ذي محرم والواجب على الرجال أيضاً الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يتقوا الله عز وجل وأن لا يفرطوا في محارمهم وأن لا تذهب غيرتهم ودينهم فإن الإنسان مسؤول عن أهله لأن الله جعلهم أمانة عنده فقال عز من قائل :((يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ))(1) . فتاوى الحرم المكي للعثيمين 3/49
دخلت مكة حائض بعد أن أحرمت
وسافرت إلى جدة قبل أن تطهر لتطوف للبيت
السؤال : امرأة أحرمت بالحج من السيل وهي حائض ولما وصلت إلى مكة ذهبت إلى جدة لحاجة لها وطهرت في جدة واغتسلت ومشطت شعرها ثم أتمت حجها فهل حجها صحيح وهل يلزمها شيء؟
الجواب : حجها صحيح ولا شيء عليها(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/47
إذا تجددت له نية حج أو عمرة
إذا تجددت له نية حج أو عمرة بعد أن تجاوز الميقات فمن أين يحرم ؟
السؤال : ما حكم من خرج من الرياض إلى مكة ولم يقصد لا حجا ولا عمرة ثم بعد وصوله مكة أراد الحج فأحرم من جدة قارناً فهل يجزئه الإحرام من جدة أم عليه دم لابد من ذهابه إلى المواقيت المعلومة ؟
الجواب : إذا تجاوز الإنسان الميقات وهو لا يريد حجاً ولا عمرة فليس عليه شيء وإذا تجددت له النية بعد أن تجاوز المواقيت فإنه يحرم من المكان الذي تجددت له به النية لقوله صلى الله عليه وسلم :((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ(1) . فتاوى الحرم للعثيمين
التعليق : المذكور في الفتوى هو رواية عن أحمد ، وظاهر كلام الخرقي ، وبه يقول مالك والثوري ، والشافعي ، وصاحبا أبي حنيفة .
وعن أحمد رواية أخرى ، وهي أنه يرجع إلى الميقات الذي مر عليه ، وبه قال إسحاق ، ويحمل على من تجاوز الميقات، وهو يريد النسك (2) المغني 3/267
من تجاوز الميقات يريد النسك ، ولم يحرم
هل يرجع إلى أقرب ميقات ، أمر إلى ميقاته
سؤال : يقول رجل تعدى ميقاته ودخل مكة وسأل ماذا يصنع فقيل به أرجع إلى أقرب ميقات وأحرم منه وفعل فهل يجزئ هذا أم لابد من الرجوع إلى ميقاته الذي جاوزه ؟
الجواب : إذا مر الإنسان بالميقات ناويا للنسك إما حجا أو عمرة ، فإنه لا يحل له مجاوزته حتى يحرم منه بما أراد لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال : ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة )) وهذه المسألة التي ذكر السائل أنه تجاوز الميقات بدون إحرام حتى وصل مكة ثم قيل له أرجع إلى أدنى ميقات فأحرم منه نقول له إن هذه الفتوى التي أفتيها ليست بصواب وإن عليه أن يذهب إلى الميقات الذي مر به لأنه الميقات يجب الإحرام منه(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/48(/2)
التعليق : قال في المغني : من جاوز الميقات ، مريدا للنسك غير محرم ، فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه إن أمكنه ، سواء تجاوزه عالما به أو جاهلا ، علم التحريم أم جهله ، إن رجع فأحرم منه فلاشيء عليه ، لانعلم فيه خلافا ، وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات ، أولم يرجع وبهذا قال مالك وابن المبارك ) المغني ( 3/ 266)
من نسى أن يحرم من الميقات
سؤال : شخص أراد أن يأخذ عمرة ولكنه نسى أن يحرم من الميقات ؟
الجواب : يرجع لميقاته الذي نسى أن يحرم منه فيحرم من هناك وإن لم يستطع فإنه يحرم من مكانه الذي ذكر فيه ويذبح فدية في مكة يوزعها على فقراء مكة ، أما إذا كان لم ينو العمرة وقال إن تيسر لي اعتمرت فإنه يحرم من حيث تيسر له(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/64
أين يحرم من يريد العمرة ، إذا كان في مكة ؟
سؤال : أتيت إلى مكة لحاجة ثم أحببت أن أفعل عمرة فما هي الترتيبات التي يجب عليّ فعلها لكي تكون عمرة بهدى الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : هذا الرجل الذي جاء لمكة للحاجة وهو لا ينوي العمرة من الأول ثم بدا له وهو في مكة أن يعتمر فإن الواجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل ، يعنى يخرج الحل ليحرم بعمرة ، وأدنى الحل إلى مكة هو التنعيم ، فيذهب إلى التنعيم الذي يعرف عند العامة بمسجد عائشة ، ويحرم منه ، وإن خرج إلى عرفة وأحرم منها جاز ، وإن خرج إلى الجعرانة وأحرم منها جاز ، وإن خرج إلى الحديبية وأحرم منها جاز .
والمهم أن من أراد العمرة وهو في مكة سواء كان من أهل مكة أو من القادمين إليها ، فإنه لا يحل له أن يحرم من مكة بل يجب عليه أن يخرج إلى الحل فيحرم منه ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم ( قال لعبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما حين طلبت عائشة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تعتمر قال له اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ) وفي قوله من الحرم (فلتهل بعمرة) دليل على أن الحرم ليس ميقات للإحرام للعمرة(1) . فتاوى الحج للعثيمين 148
التعليق : قال في المغني : ( وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافا(2) . 3/259
وحديث عائشة المذكور متفق عليه .
قال في المغني: (من أي جوانب الحرم شاء) المصدر السابق .
من سافر بعد عمرة التمتع إلى جدة
ثم عاد إلى الحج هل ينقض تمتعه
؟
سؤال : أنا من المدينة المنورة وأحرمت بالعمرة وقصدي التمتع ثم خرجت بعد العمرة إلى جدة فهل اعتبر متمتعاً إذا رجعت واتممت حجي؟ وماذا يضر لو أنه نوى التمتع من جديد إذا رجع إلى بلده؟
الجواب : نعم تعتبر متمتعاً لأن الصحيح أن السفر بين العمرة والحج لا يقطع التمتع إلاّ إذا رجع الإنسان إلى بلده ثم عاد إلى مكة محرما بالحج وحده فهنا ينقطع لأنه أفرد كل واحدة من العمرة والحج بسفر مستقل(1)* فتاوى الحرم المكي للعثيمين 3/43
التعليق : المسألة فيها أربعة أقوال :
1- هو متمتع ما لم يسافر سفراً تقصر فيه الصلاة ، وهو ظاهر المذهب ، نص عليه ، وهو قول إسحاق.
2- هو متمتع ما لم يرجع إلى ميقاته أو ابعد منه .
3- هو متمتع ما لم يرجع إلى بلده أو ابعد منه وهو لأصحاب الرأي .
4- هو متمتع وإن رجع إلى بلده ، هو لابن المنذر(2) . المغني لابن قدامة
من نسي التحلل من عمرة التمتع
وأحرم بالحج قبل أن يتحلل من العمرة
سؤال : من أحرم بالحج متمتعا واعتمر ولم يخلع إحرامه إلى أن ذبح الهدي جاهلا ، ماذا عليه؟
الجواب : يجب عليك أن تعرف أن الإنسان إذا أحرم متمتعاً فإنه إذا طاف وسعى وقصر من شعره من جميع الرأس حل من إحرامه ، فإذا استمررت في إحرامك فإنك إن كنت قد نويت الحج قبل أن تشرع في الطواف أي طواف العمرة ، فهذا لا حرج عليك وتكون قارناً فتكون ما أديت من الهدي عن القران وإن كنت بقيت على نية العمرة فطفت وسعيت ثم نويت الحج قبل أن تحلق أو تقصر فإن كثيراً أهل العلم يقول إن إحرامك بالحج غير صحيح لأنه لا يصحّ إدخال الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها ويرى بعض أهل العلم أنه لا بأس به وحيث إنك جاهل في هذه الحال فأرى أن لا شيء عليك وأن حجك صحيح إن شاء الله هذا إذا كنت أحرمت بالحج قبل التحلل من العمرة ، أما إذا كنت تحللت منها فطفت وسعيت وقصرت وبقى ثوب الإحرام فقط ثم أحرمت بالحج فلا شيء عليك(1) . فتاوى الحج للعثيمين .
التعليق : للقران أربع صور :
1- يحرم بالعمرة والحج معاً في أول الإحرام ، فلا خلاف في صحة هذه الصورة .
2- يحرم بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج ، قبل الشروع في طوافها ، فلا خلاف في صحة هذه الصورة أيضاً .
3- يحرم بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج ، بعد الشروع في طوافها ، فلا يصحّ حجه على المذهب ، ( إلاّ إن كان معه هدي فيصح ويصير قارنا للضرورة ، لأنه لا يستطيع أن يتحلل من العمرة ) ويصح عند مالك وأبي حنيفة .
4- يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة ، فالمذهب لا يصحّ إحرامه بالعمرة، ولا يلزمه بإحرامه شيء ، وقال أبو حنيفة يصحّ ويصير قارناً .(/3)
وهذه المسألة المسؤول عنها هي الثالثة ، إن كان قد أدخل الحج بعد الشروع في الطواف ، ويفعله كثير من العوام ، لأنهم لا يقصرون بعد العمرة جهلاً ويهلون بعد ذلك بالحج ، فعلى المذهب لا يصحّ إحرامه بالحج ، والصحيح صحة ذلك وبه أفتى الشيخ هنا للجاهل ، وكذلك الشيخ ابن جاسر في مفيد الأنام ، وحكى القول بالصحة عن صاحب المغني ، والشرح ، والمستوعب والمبدع وأبي المواهب الحنبلي ، والشيخ سليمان بن علي ، والله أعلم .
وهل يصير السائل هنا قارنا ، هذا هو الأظهر ، ويحتمل أين يبقى على تمتعه ، بناء على أن الحلق إطلاق من محظور ، وليس بنسك ، وهو رواية عن أحمد ــ وهو مرجوح ، بل هو نسك ــ فعلى هذه الرواية يبقى متمتعا لأنه أتم عمرته ثم دخل في الحج ، أما إذا قلنا هو نسك فيكون أدخل الحج بعد الشروع في أعمال العمرة وقبل الانتهاء منها ، فهو قارن على القول بصحة هذه الصورة كما تقدم.
من باشر وهو محرم ، فأمذى
سؤال : ما حكم الحاج الذي باشر زوجته وهو محرم ولكنه لم ينزل وقد أمذى فهل عليه شيء؟
الجواب : إذا كان هذا بعد التحلل الثاني فلا شيء عليه لأن الإنسان إذا حل التحلل الثاني بأن رمى وحلق وطاف وسعى جاز له جميع المحظورات أما إذا كان قبل التحلل فإنه لا يحل له أن يباشر النساء فإن فعل فقد ذكر أهل العلم أن عليه فدية أذى يخير بين أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يذبح شاة يوزعها على الفقراء(1) . فتاوى الحج للعثيمين 53
التعليق : المباشرة بغير إنزال يخير فاعلها بين ، ذبح شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع(2) . منار السبيل 1/241
وأما إذا أمنى عليه، فالمذهب أن عليه بدنه ، وفي فساد الحج روايتان :
احدهما : لا يفسد ، وهو للشافعي ، لعدم النص والإجماع ولا يصحّ القياس على الوطء في الفرج.
الثانية : يفسد وهو قول مالك .
واختار الشيخ العثيمين رحمه الله ، الإنزال بغير جماع لا يفسد الحج وعليه شاة ، وإن كان قبل التحلل الأول ، لكن عليه الخروج إلى الحل لتجديد إحرامه ، فإن كان بعد الطواف والسعي ، فلا حاجة للخروج إلى الحل لتجديد إحرامه وإن لم يتحلل التحلل الثاني .
وضع رباط على الركبة تطبباً حال الإحرام
سؤال : هل يجوز للمعتمر أن يضع رباطاً على ركبته لأنه يشعر بألم فيها؟
الجواب : نعم يجوز للمعتمر وللحاج أيضاً أن يربط رجله بسير يشده عليها إن كانت تؤلمه ، بل وإن لم تؤلمه إذا كان له مصلحة في ذلك لأن السير وشبهه لا يعد لباساً وبالمناسبة أود أن أنبه إلى أمر اغتر فيه كثير من العامة وهو أن بعض العوام يظنون أن المحرم لا يلبس شيئاً فيه خياطة يقول لا تلبس شيئاً فيه خياطة حتى أنهم يسألون عن النعل المخروزة يقولون هل يجوز لبسها لأنه فيها خياطة ويسألون عن الرداء أو الإزار إذا كان مرقعاً يجوز لبسه لأن فيه خياطة وهذا مبني على العبارة التي يعبر بها الفقهاء أن من المحظور لبس المخيط فظن بعض العامة أن معناها لبس ما فيه خياطة ، بل مراد أهل العلم أن يلبس اللباس المعتاد الذي خيط على البدن كالقميص والسروال والفنيلة والكوت وما شابه ذلك ولو اقتصرنا على تعبير النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ما حصل عندنا إشكال ، فقد سئل ما يلبس المحرم أي ما هو الذي يلبسه المحرم فقال : لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانص ولا العمائم ولا الخفاف(1) . فتاوى الحج للعثيمين 78
استعمال الزعفران وماء الورد في القهوة والشاي للمحرم
قال العلامة محمد العثيمين :
استعمال الطيب بعد الإحرام في ثوبه أو بدنه أو غيرهما معا يتصل به لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في المحرم :((لا يلبس ثوباً مسه زعفران ولا ورس )) وقال في المحرم الذي وقصته راحلته وهو واقف بعرفة : ((ولا تقربوه طيبا )) وعلل ذلك بكونه يبعث يوم القيامة ملبياً . والحديثان صحيحان .
فدلَ هذا على أن المحرم ممنوع من قربان الطيب
ولا يجوز للمحرم شم الطيب عمداً ولا خلط قهوته بالزعفران الذي يؤثر في طعم القهوة أو رائحتها ، ولا خلط الشاي بماء الورد ونحوه مما يظهر فيه طعمه أو ريحه .
ولا يستعمل الصابون الممسك إذا ظهرت فيه رائحة الطيب ، وأما الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه فلا يضر بقاؤه بعد الإحرام لقول عائشة رضي الله عنه : (كنت انظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) متفق عليه(1) . مناسك الحج والعمرة للعثيمين 35
التعليق : قال في المغني ومعنى الطيب ، ما تطيب رائحته ويتخذ للشم ، كالمسك والعنبر والكافور ، والغالية والزعفران وماء الورد والادهان المطيبة كدهن البنفسج أ هـ(2) . المغني لابن قدامة 3/315
المباشرة والجماع في الإحرام
قال الشيخ العثيمين معدداً محظورات الإحرام : المباشرة لشهرة بتقبيل أو لمس أو ضم أو نحوه لقوله تعالى { فمن فرض فيهم الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } .(/4)
ويدخل في الرفث مقدمات الجماع كالتقبيل والغمز والمداعبة لشهوة.
فلا يحل للمحرم أن يقبل زوجته لشهوة ، أو يمسها لشهوة ، أو يغمزها لشهوة ، أو يداعبها لشهوة .
ولا يحل لها أن تمكنه من ذلك وهي محرمة .
ولا يحل النظر لشهوة أيضاً لأنه يستمتع به كالمباشرة .
ــ الجماع لقوله تعالى { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } .
والرفث الجماع ومقدماته ، والجماع أشد محظورات الإحرام تأثيراً على الحج وله حالان :
الحالة الأولى : أن يكون قبل التحلل الأول فيترتب عليه شيئان :
أ- وجوب الفدية وهي بدنة أو بقرة تجزئ في الأضحية يذبحها ويفرقها كلها على الفقراء ، ولا يأكل منها شيئاً .
ب- فساد الحج الذي حصل فيه الجماع ، لكن يلزم إتمامه وقضاؤه من السنة القادمة بدون تأخير.
قال مالك في ((الموطأ)) : بلغني أن عمر وعلياً وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم؟ فقالوا : ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما ، ثم عليهما حج قابل والهدى .
ولا يفسد النسك في باقي المحظورات .
الحال الثانية : أن يكون الجماع بعد التحلل الأول ، أي بعد رمي جمرة العقبة والحلق ، وقبل طواف الإفاضة . فالحج صحيح . لكن يلزمه شيئان على المشهور من المذهب :
أ- فدية شاة يذبحها ويفرقها جميعاً على الفقراء ، ولا يأكل منها شيئا .
ب- أن يخرج إلى الحل ، أي : إلى ما وراء حدود الحرم فيجدد إحرامه ، ويلبس إزارا ورداء ليطوف للإفاضة محرما(1) . مناسك الحج والعمرة للعثيمين
لف القميص على الجسم ، وعقد الازار بخيط
والخاتم والساعة ونظارة العين ... في الإحرام
قال العثيمين :
ولا بأس أن يلف القميص على جسمه بدون لبس
ولا بأس أن يجعل العباءة رداء لا يلبسها كالعادة .
ولا بأس أن يلبس رداء أو إزارا مرقعاً .
ولا بأس أن يلبس الخاتم وساعة اليد ونظارة العين وسماعة الأذن ، ويعلق القربة ووعاء النفقة في عنقه.
ولا بأس أن يعقد رداءه عند الحاجة مثل أن يخاف سقوطه ، لأن هذه الأمور لم يرد فيها منع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليست في معنى المنصوص عليه بل لقد سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم ؟ فقال : لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف(1) . مناسك الحج والعمرة للعثيمين 41
التعليق : قال في المغني : ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره ولا الإزار والهميان ( وهو شداد السروال ) وليس له أن يجعل لذلك زرا وعروة ولا يخلله بشوكة ولا إبرة ولا خيط ، لأنه في حكم المخيط(2) هذا كله على المذهب وعندهم لا يعقد الهميان وإن لبسه ويدخل سيوره بعضها في بعض ، ولا يعقده إلاّ إذا لم يمكنه إلاّ بعقده فيعقده ، نص عليه أحمد وهو قول إسحاق . 3/304
إذا منع من اتمام الحج بسبب الشرطة
سؤال : من أحرم بالحج من الميقات ، ثم سار إلى أن قرب من مكة فمنعه مركز التفتيش لأنه لم يحمل بطاقة الحج ، فما الحكم ؟
الجواب : الحكم في هذه الحال أنه يكون محصراً حين تعذر عليه الدخول فيذبح هدياً في مكان الإحضار ، ويحل ، ثم إن كانت هذه الحجة هي الفريضة ، أداها فيما بعد بالخطاب الأول لاقضاء ، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه ، على القول الراجح ، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين أحصروا في غزوة الحديبية أن يقضوا تلك العمرة التي أحصروا عنها ، وليس في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجوب القضاء على من أحصر ؛ قال تعالى { فإن احصرتم فما استيسر من الهدي } ولم يذكر شيئاً سوى ذلك .
وعمرة القضاء سميت بذلك لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً ، أي عاهدهم عليها ، وليس من القضاء الذي هو استدراك ما فات ، والله أعلم (1) مناسك الحج والعمرة للعثيمين 120
التعليق :
1- المشهور من المذهب لا يكون الإحصار إلاّ من عدو ، وعن أحمد له التحلل من احصار المرض ، وذهاب النفقة أو عرج ونحو ذلك ، وهو لأصحاب الرأي ، والثوري لعموم اللفظ .
2- على المحصر إذا لم يشترط ، هدي يذبحه في مكان الإحصار ، أو في الحرم ، والمذهب لا يحل من إحرامه ، حتى يذبحه وإن لم يجد اشترى ، وللشافعي قول يتحلل إن لم يجد ويبقى في ذمته حتى ينحره وله قول آخر يبقى على إحرامه حتى يجده .
3- فإن لم يستطع على الهدي صام عشرة أيام على المذهب ، ثم يحل بعد الصيام.
4- هل يجب عليه الحلق أو التقصير ؟ ظاهر الخرقى وعمدة البهوتي ، وقدمه في المحرر عدم الوجوب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن الله ذكر الهدي وحده ولم يشترط سواه .
هل يجب على الصبي اتمام الحج أو العمرة ؟
سؤال : أحرمت بابني الصغير الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات وواجهته صعوبات فألبسته المخيط ، فما العلم ؟(/5)
الجواب : الإحرام بالصغير جائز ، فقد رفعت امرأة صبياً إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر ) وإذا ثبت له الحج فالعمرة كذلك ، لأن العمرة حج أصغر ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام :((دخلت العمرة في الحج)).
وقال لعلي بن أمية (( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)).
وإذا كان الصغير ذكراً فإنه يلبس إزارا ورداء ، وإن كانت انثى فتلبس ما تلبس الأنثى ، وليس للمرأة ثوب معين للإحرام بخلاف الرجل ، وقد اختلف أهل العلم فيما يحدث من كثير من الأطفال حين يجدون المشقة في النسك فيمتنعون عن إكماله ، فذهب بعضهم إلى أنه يلزمه إتمامه ، وبعضهم إلى أنه لا يلزم ، فإذا طرأت مشقة أو تعب على وليه أو عليه ، جاز أن يتحلل ، وهذا مذهب أبي حنيفة ، وهو قول قوي جداً ، وذلك لأن الصبي مرفوع عنه القلم ، كما جاء في الحديث:(( رفع القلم عن ثلاث: الصبي حتى يبلغ )) ، والجواب على السؤال أنه لا شيء عليه. فتاوى الحرم للعثيمين .
اشتراط الطهارة للطواف وطواف المحمول
قال العلامة ابن باز رحمه الله : ثم إن كان الصبي دون التمييز نوى عنه الإحرام وليه فيجرده من المخيط ويلبي عنه ، ويصير الصبي محرماً بذلك فيمنع مما يمنع عنه المحرم الكبير ، وهكذا الجارية التي دون التمييز ينوي عنها الإحرام وليها ويلبي عنها وتصير محرمة بذلك ، وتمنع مما تمنع منه المحرمة الكبيرة ، وينبغي أن يكونا طاهري الثياب والأبدان حال الطواف لأن الطواف يشبه الصلاة ، والطهارة شرط لصحتها ، وإن كان الصبي والجارية مميزين أحرما بإذن وليهما وفعلا عند الإحرام ما يفعله الكبير من الغسل والطيب ونحوهما ووليهما هو المتولي لشئونهما القائم بمصالحهما ، سواء كان أباهما أو امهما أو غيرهما ، ويفعل الولي عنهما ما عجزا عنه كالرمي ونحوه ، ويلزمهما فعل ما سوى ذلك من المناسك كالوقوف بعرفة والمبيت بمنى ومزدلفة والطواف والسعي ، فإن عجزا عن الطواف والسعي طيف بهما وسعى بهما محمولين والأفضل لحاملهما أن لا يجعل الطواف والسعي مشتركين بينه وبينهما ، بل ينوي الطواف والسعي لهما ويطوف لنفسه طوافا مستقلاً ويسعى لنفسه سعياً مستقلاً احتياطاً للعبادة وعملاً بالحديث الشريف : ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده ولو كان ذلك واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم والله الموفق . ويؤمر الصبي المميز والجارية المميزة بالطهارة من الحدث والنجس قبل الشروع في الطواف كالمحرم الكبير ، وليس الإحرام عن الصبي الصغير والجارية الصغيرة بواجب على وليهما بل هو نفل ، فإن فعل ذلك فله أجر وإن ترك ذلك فلا حرج عليه والله أعلم(1) . التحقيق والإيضاح لابن باز .
التعليق : ها هنا مسائل :
1- اشتراط الطهارة للطواف : الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة ، شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد وهو قول مالك والشافعي .
وعن أحمد الطهارة ليست شرطاً ، وكذلك يخرج في الطهارة من النجس وهو قول أبي حنيفة.
2- لا يشترط الطهارة من الحدث للطفل غير المميز ، ومن النجس كالخلاف السابق .
3- طواف المحمول :
* إن قصدا جميعا عن المحمول يصحّ عنه دون الحامل بغير خلاف .
* إن قصدا جميعا عن الحامل يصحّ عنه دون المحمول .
* إن قصد كل منهما عن نفسه - يقع عن الحامل وهو قول للشافعي .
وقيل عن المحمول وهو ظاهر المذهب وأحد قولى الشافعي .
* وقيل يقع عنهما ، لأبي حنيفة قال في المغني وهو قول حسن .
* وقيل لا يقع عن أحد ، لأبي حفص العكبري .
* أن لا يصحّ القصد عن المحمول كأن يكون غير مميز وينوي الحامل عنهما معا ، وقد صحح الشيخ ابن باز هنا القول بالاجزاء عنهما وهو اختيار العلامة السعدي (2) أيضا ، فقه السعدي 3/15والمذهب لا يصحّ ، فيقع فقط عن المحمول ، لأنه أولى وقيل عن الحامل أما إذا نوى عنه دون المحمول أو العكس فيقع بحسب النية.
اشتراط الموالاة في السعي
سؤال : جماعة سعوا بين الصفا والمروة فأتوا بخمسة أشواط ثم خرجوا من السعي ولم يذكروا الشوطين الباقيين إلاّ بعد أن تحولوا إلى رحالهم فما الحكم ؟
الجواب : سعيهم المذكور لم يتم لأنه لابد من سعيهم سبعة أشواط وعليهم أن يرجعوا إلى المسعى ثم هل يكفيهم أن يكملوا السعي للشوطين الأخيرين أم لابد من استئناف السعي من جديد في هذا خلاف بين أهل العلم فمن قال إن المولاة في السعي شرط قال إنه لابد أن يعيدوا السعي من أوله ومن قال إنها سنة قال يكفيهم أن يأتوا بما بقى من السعي والذي أرى أن الأحوط في حقهم أن يعيدوا السعي من أوله لأن السعي عبادة واحدة لا ينبغي أن تفرق أجزاؤها(1). فتاوى الحرم المكي للعثيمين 35
طواف الوداع ينوي معه طواف الإفاضة ، واشتراط الموالاة فيه(/6)
سؤال : طواف الإفاضة هل يجوز تأخيره مع طواف الوداع وهل للحاج أن يفصل بين الأشواط السبعة بشرب ماء وغيره؟
الجواب : نعم يجوز أن يؤخر طواف الإفاضة عند سفره فإذا طاف عند سفره أجزأه عن طواف الوداع ويجوز كذلك أن يشرب الإنسان وهو يطوف أو يسعى لكن بشرط ألا يخرج عن مكان الطواف ومكان السعي مدة طويلة(1) . فتاوى الحج للعثيمين 27
التعليق : قال ابن قدامة في المغني : فإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج ففيه روايتان :
احداهما : يجزئه عن طواف الوداع ، لأنه أمر أن يكون آخر عهده بالبيت وقد فعل .
الثانية : لا يجزئه عن طواف الوداع ، لأنها عبادتان واجبتان فلم تجز إحداهما عن الأخرى كالصلاتين الواجبتين(2) . 3/459
آخر وقت طواف وسعي الحج
سؤال : ما حكم من طاف طواف الإقامة ولم يسع حتى تغربت الشمس بعد آخر أيام التشريق وما حكم السعي إذا سعى بعد غروب الشمس عن ذلك اليوم وبعد أيام التشريق ؟
الجواب : ليس عليه في ذلك شيء بل له يؤخر الطواف والسعي إلى آخر شهر ذي الحجة بل إن المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله أن له أن يؤخر إلى ما شاء الله ، وأنه لا آخر لوقت الطواف والسعي ، لكنه يبقى على التحلل الأول حتى يطوف ويسعى ، لكن القول الراجح أنه لا يجوز أن يؤخر عن آخر شهر ذو الحجة لأن الله تعالى يقول {الحج أشهر معلومات } وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة(1) .
التعليق : أما أول وقت طواف الحج فنصف ليلة النحر لمن وقف في مزدلفة ، وإلاّ فبعد الوقوف بمزدلفة ، واختار العلامة الشنقيطي في أضواء البيان أن أوله أول يوم النحر.
سعي الحج إذا كان قبله طواف مسنون ليس بنسك .
هل يصحّ تقديمه على عرفة.؟
سؤال : حج جندي من الجنود الذين في منى وأحرم يوم ثمانية وطاف وسعى في ذلك اليوم ، ويوم عرفة صعد الساعة الثانية عشرة إلى عرفات ونزل منها قبل الساعة الرابعة من ذلك اليوم خيام أصحابه في وادي بحر وجلس معهم حتى العاشر ورمى وحلق ، هل حجه صحيح أم ناقص أفيدونا جزاكم الله خير ؟
الجواب : هذا الرجل حجه ناقص لأنه ترك واجبا في الوقوف حيث لم يقف إلى غروب الشمس وترك واجبا في المبيت حيث لم يبت في مزدلفة وأما طوافه وسعيه السابق للوقوف فإنه لا يصحّ لأنه أحرم من مكة والذي يحرم من مكة لا يمكن أن يقدم السعي على الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة لأن السعي قبل ذلك لا يكون إلاّ بعد طواف القدوم والمحرم من مكة ليس له طواف قدوم(1) فتاوى الحج للعثيمين .
التعليق : قد ذكر في دليل الطالب من شروط صحة السعي أن يتقدمه طواف ولو مسنونا كطواف القدوم ، وكذا ذكر في المنتهى والإقناع وغيرهما(2) . منار السبيل 1/255
قال البهوتي : في حاشية المنتهى : قوله ( وكونه بعد طواف ولو مسنونا ) يعني إذا كان في نسك من حج أو عمرة ، أو قران ، ولو قال لا يصحّ إلاّ بعد طواف نسك لكان أصوب ولا يستحب السعي مع كل طواف ولا يصحّ إذا لم يكن طواف نسك كما نبه عليه الحجاوي في الحاشية(3) انتهى . مفيد الأنام 253
وجواب الشيخ هنا تنبيه لما ذكره البهوتي ، من عدم صحة السعي بعد طواف ليس بنسك وهو موضع مهم قلما يتنبه له الناس .
الحائض التي يمكنها الانتظار لطواف الافاضة
سؤال : امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة ، وحان وقت مغادرتها المملكة ، ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها المملكة مرة أخرى ، فما الحكم ؟
الجواب : إذا كان الأمر كما ذكر ، امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت ويتعذر أن تبقى في مكة أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف ، ففي هذه الحال يجوز لها أن تستعمل واحدا من أمرين ، فإما أن تستعمل إبرا توقف هذا الدم وتطوف ، وإما أن تتلجم بلجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد ، وتطوف للضرورة ، وهذا القول الذي ذكرناه هو القول الراجح ، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه ، وخلاف ذلك واحد من أمرين ، إما أن تبقى على ما بقى من إحرامها بحيث لا تحل لزوجها ، وإما أن تعتبر محصرة تذبح هدياً وتحل من إحرامها .
وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة حجا لأنها لم تكملها ، وكلا الأمرين صعب ، الأمر الأول وهو بقاؤها على ما بقى من إحرامها ، والأمر الثاني الذي يفوت عليها حجها ، فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في مثل هذه الحال للضرورة ، وقد قال الله تعالى { ما جعل عليكم في الدين من حرج} وقال { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} . أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر ، فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج . مناسك الحج للعثيمين 114(/7)
التعليق : وبهذا القول يقول ابن القيم أيضاً ، تبعاً لشيخه ابن تيميه ، رحمهما الله ، قال بن جاسر ( ومن كلامهما يتضح أنهما يريان القول بصحة طواف الحائض طواف الإفاضة ، الذي هو ركن في الحج ، إذا اضطررت إلى طوافه بأن لم تتمكن من المقام بمكة حتى تطهر ، لسفر رفقتها عنها ، وقولها هذا وجيه ، وإن كان خلاف المذهب عند متأخري الأصحاب ) مفيد الأنام لابن جاسر .
تقديم السعي على الطواف
قال العلامة ابن باز :
والأفضل للحاج أن يرتب هذه الأمور الأربعة يوم النحر كما ذكر فيبدأ أولا برمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف بالبيت والسعي بعده للمتمتع وكذلك للمفرد والقارن إذا لم يسعيا مع طواف القدوم ، فإن قدم بعض هذه الأمور على بعض أجزأه ذلك لثبوت الرخصة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ويدخل في ذلك تقديم السعي على الطواف لأنه من الأمور التي تفعل يوم النحر فدخل في قول الصحابي فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلاّ قال : ((أفعل ولا حرج)) ولأن ذلك مما يقع فيه النسيان والجهل وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عمن سعى قبل أن يطوف فقال ((لا حرج)) خرجه أبو داود من حديث أسامة بن شريك بإسناد صحيح(1) . التحقيق والإيضاح 47
التعليق : على هذا السؤال والسؤالين بعده :
* المذهب لا يصحّ تقديم السعي على الطواف ، مطلقاً ، وهو مذهب الجمهور ، وعن أحمد يجزئه إذا كان ناسيا ...
تقديم السعي على الطواف
سؤال : هل يجوز تقديم السعي على الطواف لعذر شرعي ؟
الجواب: أما بالنسبة لسعي الحج على طواف الإفاضة فهذا جائز لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر وجعل الناس يسألونه فأحدهم يقول مثلاً نحرت قبل أن أرمي أو قبل أن أحلق أو ما أشبه ذلك فيقول : لا حرج ، حتى قيل له : سعيت قبل أن أطوف فقال لا حرج(1) .
أما العمرة إذا قدم الإنسان سعيها على طوافها فلم يرد في هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لكن قال بعض العلماء وأظنه عطاء رحمه الله من التابعين قال إنه يجوز أن يقدم سعي العمرة قبل الطواف وعن أحمد رواية أنه يجوز إذا كان جاهلا وكذلك إذا كان لعذر والاحتياط إلاّ يقدمه مطلقا وانه لو افترض انه سعى قبل الطواف نسيانا أو جهلا فإنه إذا طاف ينبغي له أن يعيد السعي لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم (( خذوا عني مناسككم ))(1) فتاوى الحج للعثيمين .
تقديم السعي على الطواف
سؤال : رجل سمع أنه يجوز السعي قبل الطواف فسعى ثم طاف في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، فقيل له : إن ذلك خاص بيوم العيد ، فما الحكم؟
الجواب: الصواب أنه لا فرق بين يوم العيد وغيره في أنه يجوز تقديم السعي على الطواف في الحج ، حتى لو كان بعد يوم العيد لعموم الحديث ، حيث قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : سعيت قبل أن أطوف قال : لا حرج ، وإذا كان الحديث عاما فإنه لا فرق بين أن يكون ذلك في يوم العيد أو فيما بعده .(1) مناسك الحج للعثيمين 116
إشتراط الطهارة للسعي
سؤال : هل يشترط للسعي بين الصفا والمروة الطهارة .؟
الجواب : لا يشترط له الطهارة ، بل يجوز السعي على غير طهارة ، ويجوز للمرأة أن تسعى وهي حائض ، ولو أن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت بعد الطواف فإنها تسعى وتستمر في نسكها وليس عليها شيء .
أما الطواف فإنه يتطهر له لاتفاق العلماء لكن على خلاف في وجوبها أو استحبابها ، لكن الحائض لا تطوف بحال من الأحوال ، وإذا حاضت قبل الطواف فتنتظر حتى تطهر ثم تغتسل وتطوف ، فإن لم يمكنها الانتظار لسفر الرفقة ، فإن كان يسهل رجوعها بعد الطهر فلتخرج وتعود بعد الطهر وتطوف وتأتي بعمرة أول قدومها ثم تطوف طوافها الذي لم تطفه(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/137
حكم ركعتي الطواف
سؤال : حضرت للعمرة ، وبعد طواف القدوم نسيت أن أصلي ركعتي الطواف وتذكرت بعد السعي فهل علي شيء ؟
الجواب : الصحيح أن صلاة ركعتين خلف الإمام بعد الطواف ليس بواجب وأنها سنة وفعلها أكمل للنسك وإلاّ فلا حرج عليه(1) . المصدر السابق
إذا انتقض الوضوء أثناء الطواف
سؤال : رجل انتقض وضوءه في الشوط الرابع من طوافه للعمرة ، فما الحكم؟
الجواب : هذا الرجل الذي انتقض وضوءه في أثناء الطواف ، كان الواجب عليه إذا كان الطواف طواف عمرة أو حج أن ينصرف ويتوضأ ويعيد الطواف من جديد ، لأن طوافه بطل لما انتقض وضوءه بناء على قول جمهور أهل العلم بأن الطواف تشترط له الطهارة .
والأخ لم يبين حاله بعد ، والظاهر أنه استمر في طوافه ، فيسهل عليه الآن أن يخلع ثيابه وأن يطوف من جديد ويسعى ويقصر .(/8)
فإن قدّر أن الرجل قد ذهب إلى بلده ، فإننا نقول لا يلزمه شيء ، لأن القول بعدم اشتراط الطهارة في الطواف قول له وجهة نظر ، وهو قول قوي اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمة الله ، وقال : إن الإنسان إذا طاف على غير وضوء فطوافه صحيح ، وعند التأمل في دليل هذا القول يتبين أنه قول قوي ، لكن متى أمكن للإنسان أن يطوف على طهارة فإنه بلا شك أفضل .
فإن كان السائل موجودا الآن في مكة فما اسهل الأمر عليه أن يذهب ويلبس ثياب الإحرام ويعيد الطواف من جديد والسعي والتقصير(1) . فتاوى الحرم للعثيمين 3/136
التعليق :
1- اشتراط الطهارة في الطواف تقدم .
2- إن أحدث عمدا ابتدأ الطواف عند من يقول باشتراط الطهارة . وإن سبقه الحدث ففيه روايتان:
* يبتدئ وهو قول مالك قياساً على الصلاة .
* يتوضأ ويبني وبه قال الشافعي وإسحاق(2) . المغني 3/379
هل المسعي من الحرم
سؤال : هل يعتبر المسعى من الحرم فلا تدخله الحائض أم أنه لا يعتبر منه، فيتوجب لمن سعى وأراد الرجوع إلى الحرم أن يصلى تحية المسجد مرة أخرى ؟
الجواب : الذي يظهر أن المسعى ليس من المسجد ولذلك جعلوا جدارا فاصلا بينهما لكن الجدار كما تشاهدونه قصير ، وهذا لا شك أنه خير للناس ؛ لأنه لو أدخل في المسجد وجعل منه لكانت المرأة إذا حاضت بين الطواف والسعي امتنع عليها أن تسعى ، والذي أفتى به أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل السعي فإنها تسعى ، لأن المسعى لا يعتبر من المسجد(1) . فتاوى الحج للعثيمين 161
نجاسة في حفاظة الصبي المحمول
قال الإمام العثيمين رحمه الله :
أما عن الحفاظة فإذا كانت فيها نجاسة فقاعدة الفقهاء رحمهم الله أن طواف الحامل لا يصحّ ، لأنه حامل للنجاسة ، والصحيح أن طوافه صحيح ، وأنه لا يضره أن يكون هناك نجاسة في حفاظة الصبي المحمول(1). فتاوى الحرم للعثيمين 126
وقد تقدم الكلام على مسألة اشتراط الطهارة للطواف .
اشتراط الموالاة في الطواف
سؤال : طفت ثلاثة أشواط ثم قطعت الطواف من أجل الإفطار ، ولم أكمله إلى الآن فهل أكمله ؟
الجواب : إذا كان هذا يقول إنه طاف ثلاثة أشواط ، وحل وقت الفطر فقطع الطواف إلى الآن ، فهل يكمله الآن أو لا ؟
نقول : لا يمكن أن يكمله الآن لطول الفصل بين أجزاء الطواف ، والطواف لابد أن يكون متوالياً ، فإذا قطعه على غير الوجه الشرعي فلابد من إعادته ولكن الذي يظهر من حال السائل أن هذا الطواف نفل ليس طواف العمرة ، وإذا كان نفلا فلا حرج عليه أن يقطعه ولا يكمله ، كما يقول الأخ أنت الآن قطعته للإفطار وتركته حتى الآن فليس عليك وزر ، لكن فاتك أجر الطواف لأن الطواف لم يكمل فتاوى الحرم للعثيمين .
التعليق :
1- قال في المغني (( فإن ترك الموالاة لغير ما ذكرنا وطال الفصل ابتدأ الطواف ، وإن لم يطل الفصل بنى، ولا فرق بين ترك الموالاة عمداً أو سهواً(2(() المغني 3/ 369 وقوله ( لغير ما ذكرنا ) كان قد ذكر ترك الموالاة للصلاة والجنازة.
2- وهل يبتدأ من الحجر أو من الموضع الذي قطعه ، فعن أحمد من الحجر ، والعلامة الشنقيطي رجح الابتداء من حيث وقف(3) . أضواء البيان 5/228
3- أما الموالاة في السعي فظاهر كلام أحمد عدم اشتراطها ، وعنه يشترط وقدمه في دليل الطالب(4) المغني 3/396، دليل الطالب 1/255
طاف للعمرة ستة أشواط ناسياً
ولم يتذكر إلاّ بعد الحلق
سؤال : ما حكم من طاف للعمرة ستة أشواط سهواً ولم يتذكر إلاّ بعد أن قضى السعي وقبل الحلق والتقصير ؟ .
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم
إذا طاف الإنسان ستة أشواط فهو كما لو صلى الظهر ثلاثاً وإذا صلى الظهر ثلاثا ولم يتذكر إلاّ بعد مدة قلنا له أعد صلاة الظهر ، وحينئذ نقول أعد طواف العمرة .
يحب عليك الآن أن تخلع ثيابك وأن تلبس ثياب الإحرام وأن تطوف للعمرة من جديد ويجب أيضاً أن تعيد السعي لأن السعي حصل بعد طواف غير صحيح ، ومن المعلوم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم في جميع عمره كان يبدأ بالطواف ثم السعي ، لزم من هذا أن نقدم السعي على الطواف ، وهذا قلب للعمرة تماماً لأن العمرة ليس فيها إلاّ ركنان فقط وهما للطواف والسعي فإذا قدمنا السعي على الطواف فقد أخللنا بهيئة العمرة .
وحينئذ نقول يجب على هذا الأخ أن يبادر بخلع ثيابه ولباس ثياب الإحرام والطواف بالبيت ثم السعي بين الصفا والمروة ثم الحلق أو التقصير ، وليس هذا كالحج فإن الحاج لو قدم السعي على طواف الإفاضة فلا بأس به كما رواه أبو داود بسند صحيح أن رجلا قال يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف قال لا حرج وذلك لأن الذي يفعل يوم العيد لا يغير هيئة الحج أعنى تقدم السعي سعي الحج على الطواف لا يغير هيئة الحج لأنهما نسكان في ظل خمسة أنساك يوم العيد فضلاً عن الوقوف بعرفة وبمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الجمار . بخلاف تقديم سعي العمرة على طوافها فإنه يغير هيئتها تماماً وحينئذ لا يصحّ قياس العمرة على الحج .(1) . فتاوى الحج للعثيمين 147
الموالاة بين السعي والطواف(/9)
سؤال : إذا طاف مَنْ عليه سعي ، ثم خرج ولم يسع وأخبر خمسة أيام بأن عليه سعياً ، فهل يجوز أن يسعى فقط ولا يطوف قبله .
الجواب : إذا طاف الإنسان معتقداً أنه خرج ، ثم بعد ذلك بأيام أخبر بأن عليه سعياً ، فإنه يأتى للسعي فقط ، ولا حاجة إلى إعادة الطواف ، ذلك لأنه لا يشترط الموالاة بين الطواف والسعي ، حتى لو فرض أن الرجل ترك ذلك عمداً ، أي أخر السعي عن الطواف عمداً ، فلا حرج عليه ، ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف(1) مناسك الحج والعمرة للعثيمين 117
التعليق : قال ابن قدامة في المغني : ولا تجب الموالاة بين الطواف والسعي ، لأن الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي فعدم وجوبها بينه وبين الطواف أولى(2) 3/390
سافر إلى أهله ولم يطف طواف الإفاضة
وجامع أهله في تلك الفترة
سؤال : رجل سافر إلى أرضه ولم يطف طواف الإفاضة فما حكم هذا مع العلم أنه قد أتى أهله في تلك الفترة ؟
الجواب : يجب على هذا الرجل أن يمتنع عن أهله لأنه قد حل التحلل الأول دون الثاني ومن تحلل التحلل الأول دون الثاني ، أبيح له كل شيء إلاّ النساء، ويلزمه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة لإنهاء نسكه، أما إتيانه أهله في هذه المدة فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه ، لأن جميع المحظورات لا شيء فيها مع الجهل ، وإن كان عالماً فإن عليه شاة كما قال أهل العلم عليه دم يذبحها ويوزعها على الفقراء ، وعليه أيضاً أن يحرم ليطوف طواف الإفاضة محرما ، لأنه فسد إحرامه بجماعه بعد التحلل الأول. ( فتاوى الحج للعثيمين ) .
سؤال : سافرت أمراة إلى الحج وجاءتها العادة الشهرية منذ خمسة أيام من تاريخ سفرها ، وبعد وصولها إلى الميقات اغتسلت وعقدت الإحرام وهي لم تطهر من العادة وحين وصولها إلى مكة المكرمة ظلت خارج الحرم ولم تفعل شيئا من شعائر الحج أو العمرة ومكثت يومين في منى ثم طهرت واغتسلت وأدت جميع مناسك العمرة وهي طاهرة ثم عاد الدم إليها وهي في طواف الإفاضة للحج إلا أنها استحت وأكملت مناسك الحج ، ولم تخبر وليها إلا بعد وصولها إلى بلدها فما حكم ذلك .
الجواب : الحكم في هذا أن الدم الذي أصابها في طواف الإفاضة إذا كان هو دم الحيض الذي تعرفه بطبيعته وأوجاعه فإن طواف الإفاضة لم يصح ويلزمها أن تعود إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة ، فتحرم بعمرة من الميقات وتؤدي العمرة بطواف وسعي وتقصير ثم تطوف طواف الإفاضة ، أما إذا كان الدم ليس دم الحيض الدم الطبيعي المعروف ، وإنما نشأ من شدة الزحام أو الروعة أو ما شابه ذلك فإن طوافها يصح عند من لا يشترط الطهارة للطواف ، فإن لم يمكنها الرجوع في المسألة الأولى بحيث تكون في بلاد بعيدة فحجها صحيح لانها لا تستطيع أكثر مما صنعت . فتاوى الحج للعثيمين 44
التعليق على السؤالين السابقين :
1- ما ذكره من رجوعه لا يجزئه غير ذلك قول عامة الفقهاء وإن ترك شوطاً واحداً.
2- أما ما ذكره في المسألة الثانية ، وهو أنها تعتمر وتطوف طواف الإفاضة ، فوجهه : أن من بقى عليه من الحج أن يفيض من منى إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ، ويسعى معه ، وأفسد إحرامه بالوطأ قبل ذلك ، وهو الإحرام الناقص ( الإحرام عن النساء فقط ) ، فإنه عليه أن يطوف طواف الإفاضة بإحرام ، وإلاّ لجاز أن يقع طواف الإفاضة بغير إحرام صحيح ، وهو خلاف الصواب بل هذا الطواف غير مجزئ ، وإذا وجب أن يأتي بإحرام صحيح فلابد أن يخرج إلى الحل.
ثم اختلف الأصحاب في صفة فعله ، فأطلق بعضهم يمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم كالخرقي ، وذكر بعضهم يحرم بعمرة وهو المنصوص عن أحمد وابن عباس رضي الله عنه .
لكن ، هل يطوف طواف الإفاضة بعد العمرة أم يكون طواف العمرة وسعيها داخل فيه ما أفسده من طواف الإفاضة وسعيه ، كلام شيخ الإسلام ابن تيميه يدل على الأخير ، قال : ( قال ابن عقيل كلام أحمد يدل على أنه يحرم بنفس العمرة حتى لا يكون إحرامه لمجرد الطواف والسعي الذي هو فعل من أفعال الحج بل يحرم بنسك كامل ويجعل ما بقى من الحج داخل في أثنائه ولا يكفيه أن يأتي بما بقى من غير إحرام ) وهذا أجود فعليه أن يأتي بعمرة يتجرد لها ويهل من الحل ويطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويعتقد أن هذه العمرة قائمة مقام ما بقي عليه ، وأن طوافها هو طواف الحج ، الذي كان عليه ، فإن ابن عباس وأحمد صرحا بأنه يعتمر ويهدي وفسرا ذلك بأربعة أميال مكان أربعة أميال(1). فتاوى الحج للعثيمين 44
نعم وجب عليه إنشاء الإحرام ليأتي بما بقي عليه في إحرام صحيح ، ومن لوازم الإحرام المبتدأ أن يتجنب فيه جميع المحظورات ، وأن يهل فيه، وأن لا يتحلل فيه إلاّ بعد السعي والحلق ، وهذه الزيادات وإن لم تكن كانت واجبة ، فإنها وجبت لجبر ما قد فسد من إحرامه ، إذ لا يمكن الجبر إلاّ بإحرام صحيح ، ولا يكون الإحرام الصحيح إلاّ هكذا(2).(/10)
ثم قال ( وأما من أوجب عليه إحراماً صحيحاً ليطوف فيه فقط فهذا خلاف الأصول ، لأن كل إحرام صحيح يتضمن الإهلال ، لابد له من إحلال والمحرم لا يحل إلاّ بالحلق أو التقصير بعد طواف وسعي فكيف يحل بمجرد السعي) (2) . شرح العمدة لابن تيمية 2/343
من عجز عن طواف الوداع
سؤال : في إحدى السنوات الماضية ذهبنا إلى الحج ومعنا امرأة كبيرة السن ولا تخلو من الأمراض وكانت ترافقها ابنتها وقد أحرمنا بعمرة متمتع إلى الحج وعند قدومنا إلى الحرم قدر الله إن المرأة العجوز لم تستطيع تكملة الطواف ولم تسع بسبب المرض مع الزحمة وقد انتقلنا إلى منى فعرفات وقد أكملت جميع المناسك كالوقوف بعرفات والمبيت في مزدلفة وسعى وطواف الإفاضة ووكلت في رمي الجمرات وذبح الهدي وسعي وطواف الوداع ، علما أن ابنتها عملت كعملها فهل حجها صحيح وما الذي يلزمها ؟
الجواب : هذا الذي حصل من المرأة العجوز ليس فيه شيء لأن غاية ما فيه أنها أدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة وليس عليها إلاّ طواف وسعي والطواف والسعي هذا يكفيها عن حجها وعمرتها وابنتها إذا كان فعلها كفعل أمها فحكمها كحكم أمها ، وأما طواف الوداع فلابد من فعله حتى ولو حملا على الأعناق وليس له سعي ، وبناء على أنهما لم تقوما به فإن عليهما على كل واحدة فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء . فتاوى الحج للعثيمين 20
من اشتغل بشيء بعد طواف الوداع
قال العلامة العثيمين :
إذا نفر الحاج من منى وانتهت جميع أعمال الحج ، وأراد السفر إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف بالبيت الوداع سبعة أشواط ، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم طاف للوداع وكان قد قال : ( لتأخذوا عني مناسككم ) .
ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء يفعله بمكة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهد بالبيت )) ، رواه مسلم .
فلا يجوز البقاء بعده بمكة ، ولا التشاغل بشيء إلاّ ما يتعلق بأغراض السفر وحوائجه ، كشد الرحل وانتظار الرفقة ، أو انتظار السيارة ، إذا كان قد وعدهم صاحبها في وقت معين فتأخر عنه ، ونحو ذلك .
فإن أقام لغير ما ذكر وجب عليه إعادة الطواف ليكون أخر عهده بالبيت .
ولا يجب طواف الوداع على الحائض والنفساء لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلاّ أنه خفف عن الحائض ) ، متفق عليه .
وفي صحيح مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : حاذت صفية بنت حيي بعدما أفاضت ، قالت عائشة : فذكرت حيضتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ((أحابستنا هي ؟ )) فقلت : يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاذت بعد الإفاضة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ((فلتنفر)) . والنفساء كالحائض لأن الطواف لا يصحّ منها . مناسك الحج والعمرة 73
حكم من أتى بعمرة ونسي التقصير
سؤال : ما حكم من أتى بعمرة ثم نسي التقصير وأخذ شيئاً من شعره وظن أنه قد أنهى عمرته ؟
الجواب : حكم من نسي التقصير في العمرة حتى تحلل من إحرامه وفعل شيئاً من محظورات الإحرام ، أن تحلله من إحرامه ليس عليه فيه شيء وما فعله من محظورات ، ولو كان الجماع ليس عليه في شيء ، لأنه ناس للحلق وجاهل في فعل المحظورات فليس عليه شيء ، ولكن إذا ذكر وجب عليه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ، لأجل أن يقصر وهو محرم ، هذا إذا كان رجلاً .
أما إذا كانت امرأة فإنه لا يلزمها أن تخلع ثيابها ، لأن المرأة ليس لها ثياب خاصة للإحرام ، فالمرأة تلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب وتبدل وتغير إلاّ أنها لا تتبرج بالزينة وكذلك يجوز للرجل أن يبدل ويغير في ثياب الإحرام إذا كان مما يجوز لبسه في الإحرام ، فيجوز أن يغير رداءه إلى رداء آخر وإزاره إلى إزار آخر . فتاوى الحرم للعثيمين ص 148
حلق الرأس خارج الحرم
سؤال : شخص اعتاد في كل عمرة أن يحلق شعره في خارج مكة حيث يعود إلى بلده ويحلق رأسه هناك فما حكم عمرته ؟
الجواب : يقول أهل العلم أن حلق الرأس لا يختص بمكان ، فإذا حلقته في مكة أو في غير مكة فلا بأس لكن الحلق في العمرة يتوقف عليه الحل ، وأيضاً سيكون بعد الحلق طواف الوداع ، فالعمرة هكذا ترتيبها ، طواف ، سعي ، حلق أو تقصير ، طواف الوداع .
فإذا أقام الإنسان بعد أداء العمرة ، وأما إذا سافر يمكن أن يأتي بأفعال العمرة ، فلا وداع عليه ، إذ لابد أن يحلق رأسه أو يقصره وهو في مكة إذا كان يريد الإقامة لأنه سيأتي بعد طواف الوداع ، أما إذا طاف وسعى وخرج إلى بلده فوراً فإنه لا حرج عليه أن يقصر أو يحلق في بلده لكنه سيبقى على إحرامه حتى يقصر أو يحلق(1) . فتاوى الحرم للعثيمين 3/160
كيفية تقصير شعر الرأس عند التحلل(/11)
قال العلامة بن باز رحمه الله تعالى في التحقيق والإيضاح ص 33 : ولابد في التقصير من تعميم الرأس ولا يكفي تقصير بعضه ، كما أن حلق بعضه لا يكفي ، والمرأة لا يشرع لها إلاّ التقصير والمشروع لها أن تأخذ من كل ضفيرة قدر أنملة فأقل ، والأنملة هي رأس الإصبع ، ولا تأخذ المرأة زيادة على ذلك(.
التعليق : قال في المغني ( يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره وكذلك المرأة ، نص عليه ، وبه قال مالك ، وعن أحمد يجزئه البعض مبنيا على المسح في الطهارة ، كذلك قال ابن حامد ، وقال الشافعي يجزئه التقصير من ثلاث شعرات ، واختار ابن المنذر يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير لتناول اللفظ له ) .
من نسي فأحرم بالحج قبل التحلل من العمرة
سؤال : حاج قدم متمتعا ، فلما طاف وسعى لبس ملابسه العادية ، ولم يقصر أو يحلق ، وسأل بعد الحج وأخبر أنه أخطأ ، فكيف يفعل وقد ذهب الحج بعد وقت العمرة .
الجواب : هذا الرجل يعتبر تاركاً لواجب من واجبات العمرة ، وهو التقصير ، وعليه عند أهل العلم أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على فقراء مكة وهو باق على تمتعه فيلزمه هدي التمتع أيضاً(1) . مناسك الحج والعمرة للعثيمين 117
رمي الجمار دفعة واحدة
سؤال : حججت مع والدي وعمري (17) عاما الفريضة وأنا جاهلة ولا أعرف شيئاً عن الحج وذهبت مع والدي للرجم لرمي الجمرات فأخذها والدي ورماها كلها جميعاً فهل حجي صحيح أم لا أفيدوني أفادكم الله ؟
الجواب : الحج صحيح لأن رمي الجمرات ليس من أركان الحج ولكن إن كنت قادرة على الرمي في ذلك الوقت، فإن رمي والدك عنك لا يجزئ وعليه فيجب عليك أن تذبحي فدية في مكة وتوزعها على الفقراء ، فإن كنت لا تجدين شيئاً فليس عليك شيء (1) . فتاوى الحج 42
التعليق :
قال في المغني ( وإن رمى الحصاة دفعة واحدة ، لم يجزه إلاّ عن واحدة، ونص عليه وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي )(2) المغني 3/430
من لم يدرك مزدلفة إلا بعد الفجر فصلى الفجر فيها
سؤال : حملة خرجت من عرفة بعد الغروب فضلت الطريق ، فتوجهوا إلى مكة ، ثم ردتهم الشرطة إلى مزدلفة ، فلما أقبلوا عليها توقفوا ، وصلوا المغرب والعشاء في الساعة الواحدة ليلا ، ثم دخلوا المزدلفة أذان الفجر فصلوا فيها الفجر ثم خرجوا ، فهل عليهم شيء في ذلك أم لا ؟
قال العلامة العثيمين رحمه الله ( هؤلاء لاشيء عليهم ، لانهم أدركوا صلاة الفجر في مزدلفة حين دخلوها وقت أذان الفجر وصلوا الفجر فيها بغلس ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ) ولكن هؤلاء أخطأوا حين أخروا الصلاة إلى ما بعد منتصف الليل ، لان وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحمل تأخيرها عن منتصف الليل ) مناسك الحج والعمرة للعثيمين ص 123
إذا لم يقع الحصى في المرمى
قال العلامة بن باز رحمه الله تعالى ( فإذا وصلوا منى قطعوا التلبية عند جمرة العقبة ، ثم رموها من حين وصولهم بسبع حصيات متعاقبات ، يرفع يده عند رمي كل حصاة ويكبر ، ويستحب أن يرميها من بطن الوادي ، ويجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن رماها من الجوانب الأخرى أجزأه ذلك إذا وقع الحصى في المرمى ، ولا يشترط بقاء الحصى في المرمى ، وإنما المشترط وقوعه فيه ، فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت في ظاهر كلام أهل العلم وممن صرح بذلك النووي رحمه الله في شرح المهذب ، ويكون حصى الجمار مثل حصى الخذف ، وهو أكبر من الحمص قليلا ) التحقيق والإيضاح ص 42
قال في المغني ( ولا يجزئه إلا أن يقع الحصى في المرمى ، فإن وقع دونه لم يجزئه في قولهم جميعا ) 3/423
الإنابة في الرمي
قال العلامة العثيمين رحمه الله : فيوكل من يثق بعلمه ودينه ، فيرمي عنه سواء لقط الموكل الحصى وسلمها للوكيل ، أو لقطها الوكيل ورمى بها عن موكله ، وكيفية الرمي في الوكالة أن يرمى الوكيل عن نفسه أولا سبع حصيات ، ثم يرمي عن موكله بعد ذلك ، فيعينه بالنية ، ولابأس أن يرمي عن نفسه وعمن وكله في موقف واحد ، فلا يلزمه أن يكمل الثلاث عن نفسه ، ثم يرجع عن موكله ، لعدم الدليل على الوجوب. مناسك الحج والعمرة للعثيمين 72
إذا نقصت الحصى عن سبع وهل تشترط الموالاة في الرمي
سؤال : إذا لم تصب الجمرة من الجمار السبع المرمى ، أو جمرتان ، ومضى يوم أو يومان ، فهل يلزمه إعادة هذه الجمرة أو الجمرتين ، وإذا لزمه فهل يعيد ما بعدها من الرمي ؟(/12)
أجاب الشيخ العثيمين : إذا بقي عليه رمي جمرة أو جمرتين من الجمرات ، أو على الأوضح حصاة أو حصاتين من إحدى الجمرات ، فإن الفقهاء يقولون إذا كان من آخر جمرة فإنه يكملها ، أي يكمل هذا الذي نقص فقط ، ولا يلزمه رمي ما قبلها ، وإن كان من غير آخر جمرة فإنه يكمل الناقص ويرمي ما بعدها .
والصواب عندي أنه يكمل النقص مطلقا ، ولا يلزمه إعادة رمي ما بعدها ، وذلك لان الترتيب يسقط بالجهل أو النسيان ، وهذا الرجل قد رمي الثانية ، وهو لا يعتقد أن عليه شيئا مما قبلها ، فهو بين الجهل والنسيان ، وحينئذ نقول له : ما نقص من الحصا فارمه ، ولا يجب عليك رمي ما بعدها.
وقبل إنهاء الجواب أحب أن أنبه إلى أن المرمى مجتمع الحصا ، وليس العمود المنصوب ، للدلالة عليه ، فلو رمى في الحوض ، ولم يصب العمود بشيء من الحصيات فرميه صحيح والله اعلم ) مناسك الحج والعمرة للعثيمين .
التعليق : قال في المغني ( والأولى أن لا ينقص في الرمي عن سبع حصيات ، لان النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع حصيات ، فإن نقص حصاة او حصاتين فلا بأس ، ولا ينقص أكثر من ذلك نص عليه ، وهو قول مجاهد وإسحاق ، وعنه أن رمى بست ناسيا ، فلاشيء عليه ، ولا ينبغي أن يتعمده ، فإن تعمد ذلك تصدق بشيء .... وعن أحمد أن عدد السبع شرط ، ونسبه إلى مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ) المغني لابن قدامة ( 3/453)
قال في مفيد الأنام : ( أما الموالاة في الرمي فقال الخلوتي ، الظاهر أنه لا يشترط الموالاة ) 2/ 381
متى ينتهي وقت رمي الجمرة أداء وقضاء
سؤال : متى ينتهي وقت رمي الجمرة أداء وقضاء ؟
الجواب : أما رمي جمرة العقبة يوم العيد فإنه ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الحادي عشر ، ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناس ، وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها ، يبتدئ الرمي من الزوال ، وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم ، إلا إذا كان في آخر أيام التشريق ، فإن الليل لارمي فيه ، وهو ليلة الرابع عشر ، لان أيام التشريق قد انتهت بغروب شمسها والرمي في النهار افضل ، إلا في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغشمهم ، وعدم مبالاة بعضهم ببعض إذا خاف على نفسه من الهلاك أو الضرر أو المشقة الشديدة فإنه يرمي ليلا ولاحرج عليه ، كما أنه لو رمى ليلا بدون أن يخاف هذا ، فلاحرج عليه ، ولكن الأفضل أن يراعي الاحتياط ، ولا يرمى ليلا إلا عند الحاجة إليه .
وأما قوله : قضاء ، فإنها تكون قضاء إذا طلع الفجر من اليوم التالي في أيام التشريق ولم يرمها . مناسك الحج والعمرة للعثيمين 118ــ 119
التعليق : قال العلامة الشنقيطي رحمه الله ( واختلفوا في الرمي فيما بعد الغروب فمنهم من قال : إذا غربت الشمس ولم يرم رمى بالليل ، وبعضهم يقول : قضاء ، وبعضهم يقول أداء ، وقد قدمنا أن الشافعية والحنابلة والحنفية كلهم يقولون لا يرمى ليلا ، بل يرمى من الغد بعد الزوال والتحقيق في هذه المسألة أن أيام التشريق كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي ، فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر منها أجزأه ، ولاشيء عليه ، كما هو مذهب أحمد ومشهور مذهب الشافعي ومن وافقهما ) نيل المآرب 2/438
وقت رمي الجمار
قال في نيل المآرب : أما مجلس كبار العلماء فأصدره قراره رقم 129في 7/11/1405هـ ، ( الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فإن مجلس هيئة كبار العلماء وفي الدورة السادسة والعشرين المنعقدة في الطائف في الفترة 25/10/1405هـ ، إلى 7/11/1405هـ ، اطلع على كتاب مفتوح موجه إلى كبار العلماء ، من فضيلة قاضي المحكمة الشرعية بدولة قطر الشيخ عبد القادر بن محمد الغماري ، حول ما يحصل من ازدحام عند رمي الجمرات في موسم الحج ، وما ينتج عنه من دهس بعض الشيوخ والنساء والضعفاء تحت الأقدام ، وطلبه أن يجتمع علماء المسلمين ليتدارسوا هذه المسألة من كل الوجوه ، ويضعوا لها الحل الشرعي أ.هـ. ولأهمية هذه المسألة ، وضرورة التماس ما فيه تيسير وتخفيف على الحاج ، فقد أعاد المجلس الاطلاع على أقوال أهل العلم في رقت رمي الجمار ، كما اطلع على قراريه رقم 3 ورقم 31 في ذلك وبعد البحث والدراسة والمناقشة ، قرر المجلس ما يلي :
1ـ جواز رمي العقبة بعد منتصف ليلة النحر للشفقة على النساء وكبار السن ، والعاجزين ، ومن يلزمهم للقيام بشؤونهم ، لما ورد من الأحاديث الصحيحة والآثار الدالة على ذلك .
2ـ عدم جواز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال ، لفعله صلى الله عليه وسلم ، وقوله خذوا عني مناسككم ، ولقول ابن عمر رضي الله عنه ( كنا نتحين الرمي في أيام التشريق فإذا زالت الشمس رمينا )(/13)
3ـ يقرر المجلس بالأكثرية ـ جواز الرمي ليلا عن اليوم السابق ، حيث يمتد وقت الرمي حتى طلوع فجر اليوم الذي يليه ، دفعا للمشقة التي تلحق بالحجاج في إلزامهم بالرمي فيما بين الزوال وغروب الشمس ، عملا بقول الله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ، وقوله سبحانه وتعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يسروا ولاتعسروا ) ولعدم الدليل الصريح الصحيح الدال على منع الرمي ليلا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ) .
التعليق : قال في المغني : ( إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ، ترك السنة ولاشيء عليه ، إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث ، وبذلك قال الشافعي وأبو ثور ، وقال أبو حنيفة : إن ترك حصاة أو حصاتين أو ثلاث إلى الغد رماها وعليه عن كل حصاة نصف صاع ، وإن ترك أربعا رماها وعليه دم ، ولنا أن أيام التشريق وقت للرمي ، فإن أخره من أول وقته إلى آخره ، لم يلزمه شيء ، كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته ) .
وقال ابن جاسر في مفيد الأنام ( ولو أخر الرمي كله إلى آخر يوم ، ورمى مرتبا بعد الزوال أجزأه لكنه بتأخير الرمي إلى آخر أيام التشريق تارك للأفضل وهو الإتيان بالرمي في مواضعه المتقدمة ، وقال في المنتهى وشرحه : وإن أخر رمي يوم ، ولو كان المؤخر رميه يوم النحر إلى غده ، أو أكثر أجزأه أداء ، أو أخر رمي الكل إلى آخر أيام التشريق ، ورماها بعد الزوال أجزأه رميه أداء ، لان أيام التشريق كلها وقت للرمي ، فإن أخره عن أول وقته إلى آخره أجزأه ، كتأخير وقوفه بعرفة إلى آخر وقته ، ويجب ترتيبه أي الرمي بالنية كمجموعتين وفوات الصلاة ، فإذا أخر الكل مثلا بدأ بجمرة العقبة ، فرمى ، فنوى برميها ليوم النحر ، ثم يأتي الأولى ثم الوسطى ، ثم العقبة ناويا عن أول يوم من أيام التشريق ، ثم يعود فيبدأ من الأولى حتى يأتي على الأخيرة ناويا الثاني ، وهكذا عن الثالث ، انتهى ) مفيد الأنام ص 382
الموالاة في الرمي ورمي جمرة العقبة من الناحية الشرقية
سؤال : حاج رمى جمرة العقبة من جهة الشرق ، ولم يسقط الحجر في الحوض ، فما العمل وهو في اليوم الثالث عشر ، وهل يلزمه إعادة الرمي في أيام التشريق ؟
الجواب : لا يلزمه إعادة الرمي كله ، وإنما يلزمه إعادة الرمي الذي أخطأ فيه فقط ، وعلى هذا يعيد رمي جمرة العقبة فقط ، ويرميها على الصواب ، ولا يجزئه الرمي الذي رماه من جهة الشرق ، لانه في هذه الحال لا يسقط في الحوض الذي هو موضع الرمي ، ولهذا لو رماها من الجسر من ناحية الشرقية أجزه لانه يسقط في الحوض ) مناسك الحج والعمرة للعثيمين ص 118
إذا اضطر للسفر فهل يرمي صباحا أم يسقط عنه الرمي وعليه دم
سؤال : حاج من خارج المملكة لا يعلم عن ظروف السفر وترتيبات التذاكر والطائرات ، وسأل في بلده هل يمكنه الحجز الساعة الرابعة عصرا من يوم 13/12/1405هـ ؟ قيل يمكن ذلك ، فحجز على الموعد ، وثم أدركه المبيت بمنى ليلة الثالث عشر ، فهل يجوز له أن يرمى صباحا ثم ينفر ، علما أنه لو تأخر بعد الزوال لفات السفر ، وترتب عليه مشقة كبيرة ، ومخالفة لاولى الأمر ؟
الجواب : لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال ، ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحالة للضرورة ، ونقول له : يلزمك فدية تذبحها في منى أو في مكة ، أو توكل من يذبحها عنك ، وتوزع على الفقراء ، وتطوف طواف الوداع وتمشي .
ونقول : أما قولك إذا كان الجواب بعدم الجواز ، أليس هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال ؟ فالجواب : هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال ، ولكنه ليس بصحيح ،والصواب أن الرمي قبل الزوال لا يجوز ، وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خذوا عني مناسككم ) ولم يرم صلى الله عليه وسلم إلا بعد الزوال. مناسك الحج والعمرة للعثيمين 115 .
من لم يجد مكانا في منى فبات في مكة
سؤال : هل يجوز لمن لم يجد مكانا في منى أن يبيت في مكة ؟(/14)
الجواب : هذا لا يجوز بل الواجب أن تبقوا حيث انتهاء الخيام ولو خارج منى إن لم تجدوا مكانا إذا بحثتم وتم البحث ولم تجدوا مكانا في منى ، كونوا عند آخر خيمة من خيام الناس ،وقد ذهب بعض أهل العلم في زماننا إلى أنه إذا لم يجد الإنسان مكانا في منى فإنه يسقط عنه المبيت ويجوز له أن يبيت في أي مكان في مكة أو في غيرها وقاس ذلك على ما إذا فقد عضوا من أعضاء الوضوء فإنه يسقط غسله ، ولكن فيه ذا نظر ، لان العضو يتعلق حكم الطهارة به ولم يوجد ، أما هذا فإن المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أمة واحدة في مكان واحد ، فالواجب أن يكون الإنسان عند آخر خيمة حتى يكون مع الحجيج ونظير ذلك ما إذا امتلأ المسجد من الجماعة وصار الناس يصلون حول المسجد ، فإنه لابد أن تتواصل الصفوف وأن يكون كل صف يلي الصف الآخر حتى تكون الجماعة ، جماعة واحدة فالمبيت نظير هذا ، وليس نظير العضو المفقود ، فتاوى الحج للعثيمين ص 41
يعود إلى منى بعد التعجل ليلا لحاجة
سؤال : إذا خرج الحاج إلى منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر بينة التعجل ، ولديه عمل في منى سيعود إليه بعد الغروب ، فهل يعتبر متعجلا ؟
الجواب : نعم يعتبر متعجلا لانه أنهى الحج ، ونية رجوعه إلى منى لعمله فيها لا يمنع التعجل ، لانه إنما نوى الرجوع للعمل المنوط به لا للنسك ، مناسك الحج والعمرة للعثيمين ص 120
بيات معظم الليل في منى
سؤال : ما حكم من بات في منى إلى الساعة الثانية عشرة ليلا ، ثم دخل مكة ولم يعد حتى طلوع الشمس ؟
الجواب : إذا كانت الساعة الثانية عشر ليلا هي منتصف الليل في منى ، فإنه لابأس أن يخرج منها بعدها . مناسك الحج والعمرة للعثيمين ص 24
التعليق : قال الخلوتي ( ويتجه المراد معظم الليل ) مفيد الأنام ص 375
من لم يجد الهدي
سؤال : حججت قبل سبع سنوات ، وكان حج تمتع ، صمت ثلاثة أيام في مكة حيث لم أستطع أن أضحي ، ورجعت لمقر عملي لكن مضت سنتان ، ولم أستطع أن أكمل الصيام السبعة الباقية علي ، ففي السنة الثالثة راسلت أحد معارفي في مكة وطلبت منه أن يضحي عني ،وقد قام بذلك مشكورا ودفعت له قيمتها وهذه الأضحية كانت بنية الأضحية التي فاتتني سابقا ولم استطع الصيام عنها أيضا والان أريد أن أستفسر هل تجزيء تلك الأضحية المتأخرة ، أم يلزمني أن أكمل الصيام سبعة أيام أم يلزمني شيء آخر غير ذلك ؟
الجواب: هذا السؤال الذي ساقه السائل ظهر لي منه أنه متمتع ، ولم يجد الهدي ، وأنه صام ثلاثة أيام في الحج ، وبقي عليه سبعة أيام ، ثم إنه تشاغل عن هذه السبعة أو تثاقلها ، وأراد أن يذبح الهدي ، الجواب على ذلك أنه لو كان هذا في وقت الهدي قبل مضي أيام التشريق لكان هذا التصرف صحيحا ، أما بعد أن فات وقت الذبح بانتهاء أيام التشريق فإنه يلزمه أن يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام نسأل الله العون . فتاوى الحج للعثيمين ص 74
التعليق : من دخل في الصيام ، ثم قدر على الهدي ، لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى الهدى إلا أن يشاء ، وبه قال مالك والشافعي .
فإن وجب عليه الصوم فلم يشرع ثم قدر على الهدى ففيه روايتان :
1ـ لا يلزمه الانتقال إليه .
2 ـ يلزمه . المغني 3/481 ، ولكن هذا كله مالم ينتهي وقت ذبح الهدي .
وقد سئل العلامة السعدي عما إذا كان لا يستطيع الفدية إلا بدين ، هل الأفضل أن يستدين ويشتري أو يصوم ؟ فأجاب الأفضل أن يصوم ولا يشغل ذمته لان الله تعالى قال ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ) واتباع الرخصة أولى ) فقه السعدي 4/19
ذبح الهدي خارج الحرم
سؤال : ذبح حاج هديه بعرفات أيام التشريق ووزعها على من فيها ، فهل يجوز ذلك ؟ وماذا يجب عليه ؟ إذا كان جاهلا أو عامدا ؟ وإذا ذبح هديه في عرفات أو وزع لحمه داخل الحرم هل يجوز ذلك ، وما هو المكان الذي لا يجوز ذبح الهدي إلا فيه ؟
الجواب : الهدي الواجب بمتعة أو قران يجب أن يكون داخل أميال الحرم ولا يصح إذا ذبح في الحل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( نحرت هاهنا ومنى كلها منحر ) وقوله ( كل فجاج مكة طريق ومنحر ) قال الإمام احمد رحمه الله ( مكة ومنى واحد ) يريد رحمه الله أن جميع الحرم محل للذبح فإن ذبح في الحل فالمعروف عند أهل العلم أنه يجب عليه إعادة الهدي ، ويكون الهدي الذي يعيده مثل الهدي الذي ذبحه في الطيب واللحم وما أشبه ذلك ) فتاوى الحج للعثيمين ص 76
التعليق : قال الوزير ( اتفقوا على أنه أي موضع نحر فيه من الحرم أجزأه إلا مالكا فقال لاينحر في الحج إلا بمنى ولا في العمرة إلا بمكة ) نيل المآرب 2/430
آخر وقت الذبح
قال العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ( ويمتد وقت الذبح إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق ، في أصح أقوال أهل العلم ، فتكون مدة الذبح يوم النحر وثلاثة أيام بعده ) التحقيق والإيضاح ص 124(/15)
التعليق : ظاهر المذهب لا يجوز ذبح الهدي قبل يوم النحر ، وبه كان يفتي العلامة محمد بن ابراهيم رحمه الله ، وأما انتهائه ، قال البسام ( وقت الذبح يوم العيد ويومان بعده ، وهو قول عمر رضي الله عنه وابنه وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم ، وهو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد .
والقول الآخر أيام الذبح أربعة ، يوم العيد وثلاثة أيام بعده ، وهو مذهب الشافعي ، ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية رحمه الله ، وحكاه النووي عن علي وجبير بن مطعم ، والحسن وعمر بن عبد العزيز وداود الظاهري والاوزاعي وابن المنذر وهو القول الذي تؤيده الأدلة ) نيل المآرب 2/454
مات قبل إتمام أعمال الحج فهل يتم عنه
سؤال : ما حكم من أتم أعمال الحج ما عدا طواف الإفاضة ، ثم توفي هل يطاف عنه أم لا ؟
الجواب : إذا توفي قبل طواف الإفاضة فإنه لا يطاف عنه لان الرجل الذي وقصته دابته بعرفة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتم الحج عنه إنما يبقى على ما هو عليه حتى وإن كان ذلك فريضة .
التعليق : قال في مفيد الأنام ( تتمة : إذا توفي الإنسان وقد بقي عليه بعض مناسك الحج فإنها تفعل عنه بعد موته ،ولافرق بين الفرض والنفل ولا كون الحج عن نفسه أو عن غيره ، وتقدم في فصل الاستنابة في الحج أول الكتاب ، فليراجع كما تقدم ذلك أيضا في باب محظورات الإحرام ، ولكن في صحيح البخاري ما نصه : باب المحرم يموت بعرفة ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدى عنه بقية الحج ، ثم ذكر حديث الرجل الذي وقصته راحلته ، وهو واقف بعرفة قال القسطلاني في شرحه على البخاري بعد قول المصنف بقية الحج : أي كرمي الجمار والحلق ، وطواف الإفاضة ، لان أثر إحرامه باق لانه يبعث يوم القيامة ملبيا ، وإنما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدى عنه بقية الحج لانه مات قبل التمكن من أداء بقيته ، فهو غير مخاطب به ، كمن شرع في صلاة مفروضة أول وقتها فمات في أثناءها فإنه لاتبعة عليه فيها إجماعا انتهى من كلام القسطلاني . مفيد الأنام 362
من لم يرم الجمرات حتى فات وقتها
سؤال : رجل وقف في عرفة وفي ذلك اليوم مرض وخرج وقت الرمي ، وأيام التشريق فماذا يفعل هذا الحاج ، وقد ذهب وقت الرمي وتعدى وقت طواف الإفاضة ؟
الجواب : الحقيقة أن السؤال لم يفصل فيه ، إنه مرض في يوم عرفة ، ولاندري هل بقي في عرفة حتى غروب الشمس وهل بات بمزدلفة ، وهل بات في منى ، فهذا السؤال في إشكال واضح ، فنقول إذا كان هذا الرجل مرض في يوم عرفة مرضا لايمكن معه من إتمام النسك وقد اشترط في ابتداء إحرامه ( إن حبسني حاسب فمحلي حيث حبستني ) فإنه يحل لا شيء عليه ، ولكن إن كان هذا الحج فريضة فإنه يؤديه في سنة أخرى ، وإن كان لم يشترط فإنه على القول الراجح إذا لم يتمكن من إكمال حجه له أن يتحلل ولكن يجب عليه هدى لقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ، فقوله إن أحصرتم الصحيح أنه يشمل حصر العدو ، وحصر غيره ، ومعنى الاحصار أن يمنع الإنسان مانع من إتمام نسكه ، وعلى هذا يتحلل ويذبح هديا ولاشيء عليه سوى ذلك إلا إن كان لم يؤد فريضة الحج فإنه يحج من العام القادم ، أما إذا كان هذا الرجل استمر وقوفه بعرفة وبات بمزدلفة ولكنه لم يبت بمنى ولم يرم الجمرات فإنه في هذه الحالة ، يكون حجه صحيحا ومجزئا ، لكن عليه دم لكل واجب تكره فليزمه على هذا دمان ، أحدهما للمبيت في منى ، والثاني لرمي الجمرات أما طواف الإفاضة فإنه يبقى حتى يعافيه الله فيطوف لان طواف الإفاضة حده على القول الراجح إن شاء الله تعالى شهر ذي الحجة فإن كان لعذر فحتى ينتهي عذره ) فتاوى الحج للعثيمين 41
التعليق : قال في المغني ( إن ترك المبيت في منى فعن أحمد لاشيء عليه وقد أساء ، وهو قول أصحاب الرأي ، لان الشرع لم يرد فيه بشيء ، وعنه يطعم شيئا وخففه ثم قال : قد قال بعضهم : ليس عليه شيء ، وقال إبراهيم : عليه دم وضحك ثم قال دم بمرة ، ثم شدد بمرة ، قلت : ليس إلا أن يطعم شيئا ؟ قال نعم يطعم شيئا ، تمرا أ نحوه ، فعلى هذا أي شيء تصدق به أجزأه ، ولافرق بين ليلة وأكثر ، ولاتقدير فيه ، وعنه : في الليالي الثلاث دم ، لقول ابن عباس رضي الله عنه : من ترك من نسكه شيئا أو نسيه فليهرق دما ، وفيما دون الثلاث ثلاث روايات : وهو قول الشافعي ، إحداهن في كل واحدة مد ، والثانية درهم والثالثة نصف درهم ، وهذا لانظير له ، فإننا لا نعلم في ترك شيء من المناسك درهما ، ولا نصف درهم ، فإيجابه بغير نص تحكم لاوجه له ) 3/450
ترك الرمي في اليوم الثاني ظانا أن هذا هو التعجيل وترك المبيت بمنى وطواف الافاضة جاهلا ؟
سؤال : حاج ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظانا أن هذا هو التعجيل وترك المبيت بمنى وطواف الوداع جاهلا ؟(/16)
الجواب : حجك صحيح ، لانك لم تترك فيه ركنا ، من أركان الحج لكنك تركت فيه ثلاثة واجبات الواجب الأول : المبيت بمنى ليلة الثالث عشر ، والواجب الثاني : رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر ، والواجب الثالث : طواف الوداع ، والواجب عند أهل العلم إذا تركه الانسان في الحج عليه دم ، يذبحه بمكة ويفرقه على الفقراء لكن ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لا يوجب الدم ، وبهذه المناسبة أود أن أنبه أخواني الحجاج على هذا الخطأ الذي ارتكبه أخونا السائل ، فإن كثيرا من الحجاج يفهمون من قوله تعالى ( فمن تعجل في يومين ) أي خرج في اليوم الحادي عشر ، يعتبرون اليومين يوم العيد واليوم الحادي عشر ، والأمر ليس كذلك بل هذا خطأ في الفهم ، لان الله تعالى قال : ( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق وأيام التشريق أولها اليوم الحادي عشر وعلى هذا فيكون قوله تعالى ( فمن تعجل في يومين ) أي من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر فينبغي أن يصحح الانسان مفهومه نحو هذه المسألة حتى لايخطيء ) فتاوى الحج لعثيمين 40
تمت المختارات والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
--------------------------------------------------------------------------------
(1) فتاوى الحرم المكي 3/56 العثيمين
(2) المغنى لابن قدامة 3/235.
(1) فتاوى الحرم العثيمين 3/75 .
(2) المغني لابن قدامة 3/230.
(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/56 .
(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/49.
(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/47.
(1) فتاوى الحرم المكي ، العثيمين.
(2) المغني 3/267.
(1) فتاوى الحرم (3/48) للعثيمين.
(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/64.
(1) فتاوى الحج 148 للعثيمين .
(2) المغني لابن قدامة 3/259.
(1)*فتاوى الحرم للعثيمين 3/43.
(2) ينظر المغني لابن قدامة .
(1) فتاوى الحج للعثيمين.
(1) فتاوى الحج 53 للعثيمين .
(2) منار السبيل 1/241 .
(1) فتاوى الحج للعثيمين 78 .
(1) مناسك الحج والعمرة للعثيمين 35.
(2) المغني لابن قدامة 3/315.
(1) مناسك الحج والعمرة للعثيمين .
(1) مناسك الحج والعمرة للعثيمين 41.
(2) المغني 3/304.
(1) مناسك الحج والعمرة للعثيمين 120 .
(1) التحقيق والايضاح ابن باز .
(2) فقه السعدي 4/15.
(1) فتاوى الحرم للعثيمين ص 35 .
(1) فتاوى الحج للعثيمين ص27.
(2) المغني لابن قدامة 3/459.
(1) فتاوى الحرم للعثيمين .
(1) فتاوى الحج للعثيمين .
(2) منار السبيل 1/255.
(3) مفيد الانام 253 .
(1) التحقيق والايضاح لابن باز ص47.
(1) فتاوى الحج للعثيمين .
(1) فتاوى الحج للعثمين .
(1) مناسك الحج للعثيمين 116.
(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/137 .
(1) فتاوى الحرم للعثيمين 3/137 .
(1) فتاوى الحرم 3/136.
(2) المغني لابن قدامة 3/397 .
(1) فتاوى الحج للعثيمين 161 .
(1) فتاوى الحرم للعثيمين 162 .
(2) المغني لابن قدامة 3/396.
(3) أضواء البيان 5/228.
(4) المغني 3/396 ، دليك الطالب 1/255.
(1) فتاوى الحج للعثيمين 174 .
(1) المغني مناسك الحج والعمرة للعثمين 117 .
(2) المغني 3/390.
(1) فتاوى الحج للعثيمين (44) .
(2) شرح العمدة . ابن تيمية 2/243 .
(2) شرح العمدة . ابن تيمية 2/343.
(1) فتاوى الحرم ( 3/160).
(2) المغني .
(1) مناسك الحج والعمرة للعثيمين 117.
(1) فتاوى الحج ص 42 .
(2) المغني 3/430.(/17)
مخطوطات الحديث النبوي و علومه
في مكتبات البوسنة
تأليف الدكتور : أحمد عبد الكريم نجيب
أستاذ الحديث النبوي و علومه في كلّية الدراسات الإسلاميّة بسراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة بزينتسا
و مدرّس العلوم الشرعيّة في معهد قطر الديني سابقاً
الفصل الأوَّل
المكتبات و خزائن المخطوطات في البوسنة
شغف المسلمون بالكتب ، و حرصوا على اقتنائها منذ القدم ، باذلين في سبيل ذلك عظيم الجهد ، و نفائس الأموال .
و كان الواحد منهم إذا حاز كتاباً أولاه من العناية و الرعاية ، و الحفظ والصون و الحماية ، ما لا يخطر ببال المعاصرين الذين أدركوا الكتب مطبوعةً منمقةً تباع و تشترى على قارعة الطريق في كثيرٍ من الأحيان في مختلف أنحاء العالم الإسلامي .
و على الرغم من أن الإسلام وصل إلى البوسنة متأخراً - بالمقارنة مع بلدان العالم الأخرى - فقد عُرِف عن أهلها استباق الخيرات ، والسعي الحثيث إلى اللحاق ببلدان العالم الإسلامي الأخرى ، و لا سيّما في ميادين الدعوة والتعليم الإسلامي ، و العناية بكتب الدين على مختلف المستويات .
ومن المظاهر التي من شأنها إعطاء صورة حقيقية عن مدى التقدم الذي أحرزه البشانقة في هذا المجال ، تلك المدارس والمكتبات العامة التي أمَّها طلبة العلم من أنحاء بلاد البلقان ، بل و المناطق التي وصلها الإسلام في أوروبا كافة ، وملئت خزائنها بنفائس المخطوطات ، سواء منها تلك التي نسخت في البوسنة نفسها ، أو التي جلبت إليها من أقاصي الدنيا ، و لما كان معظمها مكتوباً باللغات الشرقية (العربية و التركية و الفارسية) فقد عرفت كبرى مكتبات البوسنة باسم (المكتبات الشرقية) (1) .
و كانت النواة الأولى التي تشكلت منها المكتبات البوسنوية الجهود الفردية التي بذلها أهل البوسنة في :
جمع المخطوطات من أنحاء العالم الإسلامي ، حيث جلب البشانقة إلى بلادهم آلاف النسخ الخطية من نفائس الكتب ، التي تملكوها ابتداءً ، ثم أودعوها على سبيل الإهداء أو الوقف أو البيع في المكتبات الإسلامية فور ظهورها .
ويكفي لتأكيد الجهود البارزة لأهل البوسنة في هذا المجال ؛ أن لسبع وثلاثين من مشاهير البوسنة ما يثبت تملكهم للعشرات من مخطوطات الحديث النبوي وعلوم السنة التي أتيت على ذكرها في بحثي هذا .
نسخ المخطوطات على أيدي نساخ بوسنويين مهرة ، لم يكن للكثيرين منهم مهنة سوى تحرير الكتب وعرضها ومقابلتها . كما أن بين هؤلاء النساخ عظماء و ساسة ومشاهير كتبوا بأيديهم ، ما اعتبروا كتابته قربة يتقربون بها إلى الله ، و يحتسبون الأجر عليها عنده .
وبين ما ذكرت في بحثي هذا من مخطوطات الحديث ( 37 ) نسخة خطية كتبت بأقلام أهل البوسنة و الهرسك ، و تعاقب عليها مُلاّك بوسنويون إلى أن حفظت أخيراً في مكتبات البوسنة العامرة .
و يدلنا على كثرة النساخ البوسنويين الذين أفنوا أعمارهم ، و أنفقوا أوقاتهم في حفظ التراث أن في وسط سراييفو اليوم شارعين ، اسم أحدهما ( المجلِّدوُن الصغار ) و اسم الآخر ( المجلِّدون الكبار ) ، لأنهما كانا بمثابة المراكز الثقافيَّة التي يكثر فيها مجلدو الكتاب ، ومن المعروف أن أغلب الكتب التي كانت تقدم للتجليد هي من الكتب المخطوطة (2) .
و زاد من أهمية النّسخ المحلي للكتاب في البوسنة ، و دور النساخ في ذلك كثرة علماء البوسنة الذين ألفوا و صنفوا باللغة العربية ، وكان لزاماً على تلاميذهم و مريديهم أن ينسخوا كتبهم ، و يحافظوا على تراثهم العلمي الرفيع .
و من أشهر هؤلاء العلماء البوسنويين الذين أثروا المكتبات بمؤلَّفاتهم :
الشيخ حسن كافي الأقحصاري(3) ( ت : 1025 ه / 1616 م ) .
الشيخ المفتي علاء الدين علي ددة بن مصطفى الموستاري(ت : 1090ه / 1680 م ).
الشيخ أحمد بياضي زاده(4) ( ت : 1098 ه / 1679 م ) .
الشيخ مصطفى بن يوسف أيوبي زاده الموستاري(5) ( ت : 1119 ه / 1687 م ) .
الشيخ أحمد بن محمد الموستاري ( ت : 1190ه / 1776 م ) .
__________
(1) انظر : الدكتور جمال الدين سيد محمد : البوسنة و الهرسك ، دراسة ، ص : 54 .
(2) ... انظر : قاسم دوبراجا : مقدمة فهرس المخطوطات العربية و التركية و الفارسية في مكتبة الغازي خسرو بيك ص : 9 .
(3) ... تأتي ترجمته في فصل : أثر الحديث النبوي في عقيدة أهل البوسنة و الهرسك ، من الباب الخامس من هذا البحث إن شاء الله .
(4) ... أحمد بياضي زاده ، هو : أحمد بن الحسن بن سنان الدين يوسف البسنوي ، المعروف ببياضي زاده ، الحنفي كمال الدين ، من قضاة الأناضول .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر 1 / 181 ، معجم المؤلفين 1 / 192 ، الجوهر الأسنى ، ص : 37 .
(5) ... مصطفى الموستاري ، هو : ابن يوسف بن مراد الأيوبي ، الرومي ، الحنفي ، فقيه ، أصولي ، منطقي ، بياني ، فرضي ، مشارك في غير ذلك ، تعلم في القسطنطينية ، و تولى الإفتاء في موستار إلى أن توفي .
انظر ترجمته في : سلك الدرر 4 / 218 ، الأعلام 8 / 148 ، معجم المؤلفين 12 / 290 ـ 291 .(/1)
وبذلك يتأكد لنا وجود المكتبات الإسلامية في البوسنة والهرسك ، و تميزها عن مثيلاتها من المكتبات الشرقية في بلاد البلقان و بقية بلدان أوروبا و روسيا ، حيث إن بين المخطوطات المحفوظة في البوسنة عدداً كبيراً من الكتب المؤلفة والمنسوخة محلياً ، أما المكتبات ودور المخطوطات الشرقية في البلدان الأوروبية الأخرى فقد جُمع جلُّ ما فيها من مكتبات أخرى ، أو جلب إليها من البلدان الإسلامية نهباً ، أو شراء ، أو بتواطؤ من القائمين على المراكز العلمية ، و مكامن التراث في العالم الإسلامي ، إبان عصور الضعف و الركود التي دامت
طويلاً .
وقد ساعد على جلب المخطوطات إلى بلاد البلقان عامة و البوسنة خاصة ما كان لمسلميها من العلاقات القوية مع العالم الإسلامي (( إذ كثيراً ما كان بعضهم يرحل في طلب العلوم إلى أشهر مراكز المعارف الإسلامية ، مثل اسطنبول و القاهرة ، و بغداد ، و دمشق ، و مكة ، و المدينة ، و غيرها . كما كان البعض الآخر منهم يسافرون إلى بلاد الشرق الأدنى و إفريقية الشمالية ، لغرض الحج أو التجارة أو شغل بعض الوظائف ، و كان الكثير من أولئك و هؤلاء يرسلون إلى وطنهم كتباً ، أو يأتون بها معهم عند رجوعهم إلى الوطن للاحتفاظ بها في مكتباتهم الخاصة ، أو لتقديمها إلى الأصدقاء ، أو لتزويد المكتبات المحلية بها )) (1).
و مع انتشار الإسلام في البوسنة ، أكبّ أهلها على التعليم والتعلم ، وانتشرت في بلادهم المؤسسات الثقافية ، و المراكز التعليمية ، فقد كان في البوسنة والهرسك وحدها ما يزيد على ألف مسجد جامع و ألف و خمسمئة مكتب
( كُتَّاب ) لتعليم الأطفال مبادئ الإسلام وقراءة القرآن ، و نحو مئة مدرسة ( أي معهد ديني ) و بجانب هذه المراكز كانت تقام المكتبات ، ويتجمع إلى جوارها المثقفون و العلماء فيجمعون الكتب ، و يقتنون مكتبات خاصة ، تؤول فيما بعد إلى الأوقاف بناء على وصاياهم (2) .
وبسبب ما كان يعصف بالبوسنة من الحروب و ما يلحق بها من الدمار ، و ما كان يدور على أهلها من الدوائر ، تعرضت مكتباتها - شأنها في ذلك شأن غيرها من المراكز الثقافية - إلى الخراب و الدمار ، و أتلف ما فيها من التراث و الآثار مراراً ، من دون أن توجد الظروف الملائمة لإعادة ترميمها و حفظها .
و تحت وطأة التسلط الخارجي ، تسرب كثيرٌ من المخطوطات النفيسة من مكتبات البوسنة إلى خارجها ، و بيع بأبخس الأثمان ، و نقلت مجموعات هامة ، و مكتبات كاملة إلى الخارج ، كما فعل بمكتبة الدكتور صفوت بيك باشاغيتش ( ت 1353 هـ / 1934م ) ، التي نقلت بكاملها إلى مكتبة جامعة براتسلافا ، في تشيكوسلوفاكيا السابقة ( جمهورية التشيك حالياً ) (3) .
ويذكر بعض الباحثين أن في سراييفو - وحدها - نحو عشرين ألف مخطوط يضم معهد الاستشراق نحو سبعة آلاف منها ، و معظم الباقي محفوظ في مكتبة الغازي خسرو بيك ، إلى جانب آلاف المخطوطات الموزعة على المكتبات الأخرى في البوسنة و الهرسك ، كما يقول الدكتور سليمان غروزدانيتش (4) .
و الفضل فيه يرجع إلى العثمانيين ، و هذا أمر يبعث على الفخر ؛ إلا أن من المؤسف أن ينظر بعض البوسنويين إلى العثمانيين نظرة جحود و تنكرٍ لأثرهم في إثراء الحضارة والثقافة لدى البشانقة ، كما فعل الروائي الشهير إيفو أندريتش في رسالته عن الثقافة العثمانية البوسنوية ، حيث قال : (( كان أثر الحكم العثماني سلبياً على الإطلاق إنهم عجزوا عن تقديم أي مضمون ثقافي أو رسالة سامية ، لأولئك السلاف الجنوبية الذين اتخذوا الإسلام ديناً )) (5) .
و هذه النظرة المجحفة بحق التراث العثماني يشترك فيها الشيوعيون من أبناء مسلمي البوسنة المتنكرين لتاريخهم ، و المجتثين من جذورهم .
وقد ذكرت بعض التقارير المعنية بمتابعة الحرب الأخيرة في البوسنة أن الدمار قد طال المجموعة الكاملة للمخطوطات ، في معهد الدراسات الشرقية بسراييفو ، وعددها يناهز الخمسة آلاف بعد قصف المعهد بالمدفعية الصربية (6) .
__________
(1) ... قاسم دوبراجا : مقدمة فهرس المخطوطات العربية والتركية والفارسية في مكتبة الغازي خسرو بيك ، ص : 9.
(2) ... نويل ما لكوم : البوسنة ، ص : 139 ، 336.
(3) ... انظر : قاسم دوبراجا : المرجع السابق ، ص : 10 .
(4) ... انظر : محمد قاروط : المسلمون في يوغسلافيا ، ص : 291 .
و الدكتور سليمان غروزدانيتش أستاذ سابق و رئيس قسم الاستشراف في كلية الفلسفة بجامعة سراييفو ، و أحد رؤوس الشيوعية فيها ، و قد توفي سنة 1417 هـ/ 1997 م ، و لم يدفن في المدافن الخاصة بالمسلمين و لم يصلى عليه ؛ عملاً بوصيته . ] الباحث [ .
(5) Andric, Ivo : The Development of spiritual Life in Bosnia under the Influence of Turkish Rule ( Durham , North Carolina , 1990 ) P : 38
(6) ... انظر :نويل مالكوم : البوسنة ، ص :139 ، 336 .(/2)
و من الممكن تقسيم مكتبات البوسنة المؤسسة على نظام الأوقاف أصلاً ، إلى ثلاثة أنواع هي (1) :
المكتبات الخاصّة :
و هي المكتبات التي أنشأها العلماء و الأدباء و النسّاخ بجهودهم الشخصيّة و جمعوا محتواها من مشترياتهم أو موروثاتهم ، أو ممّا نسخوه بأنفسهم .
و قد اشتهر من بين المكتبات الخاصّة في البوسنة المكتبة القنطميريّة ، المنسوبة إلى الشيخ عبد الله أفندي القنطميري ، و هو أشهر نساخ المخطوطات من البوسنويين على الإطلاق ، و قد أقامها إلى جانب مدرسة الحاج إسماعيل آغا بن حوسيو البوشناقي ( المعروف بالمصري ) و أودعها نسخاً من نفائس المخطوطات التي كتبها رحمه الله بيده ، و لا شك أن قرب المكتبة من المدرسة قد ساعد طلابها و حفز هممهم على النشاط في نسخ الكتب ، حتى صارت هذه الصنعة إحدى مميزاتهم و اشتهر عدد من طلابها النساخ كالشيخ عثمان أفندي جمهور الفيشغرادي (2) .
المكتبات العامَّة :
و هي التي أنشأها بعض العلماء و العظماء و هواة جمع الكتب الذين يملكون الوسائل المادية الوافرة لشراء الكتب ، حيث كانت الكتب باهظة الأثمان ، بسبب كتابتها بخط اليد ، و كثرة ما فيها من الزينة و الزخارف المكلفة .
و من أشهر مكتبات البوسنة المصنّفة ضمن هذا النوع مكتبة ألجي إبراهيم باشا والي البوسنة في زمنه ( و تعرف باسم : المكتبة الفيروزية ) التي ألحقها بمدرسته الشهيرة في ترافنيك .
و كانت هذه المكتبة تضم نحو ثلاثمئة مخطوطٍ تم نقلها إلى مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو مؤخراً .
مكتبات المساجد و الزوايا و التكايا :
و كانت تتكون غالباً من نسخ المصحف الشريف ، و أجزائها ، و بعض الكتب الدينية العامة ، التي يستفيد منها عامة المسلمين ، و ربما أعيرت لمن يقرأها أو ينسخها ، أما التكايا فجلُّ ما كانت تحويه هو من كتب الصوفية ، و سير مشائخهم و قد كان بينها الكثير من المؤلَّفات باللغتين التركية و الفارسية ، إضافة إلى القليل المحرر باللغة العربية (3) .
مكتبات المدارس :
و هي في الواقع أهم هذه المكتبات لاحتوائها على كتبٍ أكثر عدداً و تنوعاً من حيث المضمون ، علاوة على أنها كانت بمثابة مكتبات عامَّة ، و كان الأهالي يستعيرون الكتب منها لقراءتها أو نسخها ، و من الأسباب التي أدت إلى اتساع هذه المكتبات و انتشارها في البوسنة و الهرسك ما ينقل إليها من مجموعات الكتب و المكتبات الخاصة التي كان أصحابها يقفون كتبهم قبل موتهم ، أو يقفها ورثتهم من بعدهم على بعض المدارس ، و ربما أوقفها بعض العامة ، و حتى الفقراء و طلبة العلم ، مما أدى إلى ازدياد هذا النوع من المكتبات حتى بلغ عددها في أيام الحكم العثماني للبوسنة نحو مئتي مكتبة متفاوتة الحجم و الأهمية و المحتوى (4) .
و من أشهر مكتبات المدارس في البوسنة المكتبة التي أقامها المحسن الكبير الحاج محمد بيك الشهير بقركوز بيك رحمه الله سنة 977 هـ / 1569 م ، في مدينة موستار ، إلى جانب مدرسته الشهيرة في موستار و التي عرفت باسمه أيضاً ، و جعل نواتها كتبه الخاصة التي أوقفها على طلاب المدرسة ، و سماها في وقفيته ، و هي :
سبع مصاحف مجلدة ، و ثامن مجزّأ .
تفسير ( الكشاف ) للزمخشري .
تفسير القاضي البيضاوي .
حاشية على كتاب ( شرعة الإسلام ) لسيد علي .
قاموس عربي تركي .
... و مع الزمن أغنى مدرسوا و طلاب مدرسة قرجوز بيك الموستاري هذه المكتبة بما نسخوه من المخطوطات حتى غدت إحدى أثرى مكتبات المنطقة بالكتب العربية و التركية و الفارسية ، إلى جانب مؤلفات علماء موستار ، أمثال الشيخ يويو ، و الشيخ إبراهيم أوبياتش و غيرهما .
و قد عانت هذه المكتبة من الإهمال في ظل الحكم الشيوعي للبوسنة حتى كادت تفقد ما في خزانتها من نفائس المخطوطات ، بعد أن طالتها الأرضة ، والأيدي الآثمة ، حتى تنبه لذلك بعض الغيارى فسعوا إلى نقل مخطوطاتها إلى مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، و نفذوا ذلك فعلاً سنة 1379 هـ / 1950م ، جزاهم الله خيراً .
و إلى جانب ما تقدّم ذكره عرفت البوسنة منذ وصول الإسلام إليها مكتبات عديدة من أشهرها :
مكتبة مدرسة حسن ناظر ، وقد أنشئت سنة 957 هـ/1550م في مدينة
فوتشا .
مكتبة المدرس عثمان أفندي ، و قد أسست في القرن الحادي عشر من الهجرة / السابع عشر من الميلاد في مدينة فوتشا .
__________
(1) ... انظر :المخطوطات العربية في يوغسلافيا ، بقلم الدكتور حسن قلشي ( بحث منشور في مجلة معهد المخطوطات العدد الثاني من المجلد الثاني عشر ، شعبان 1386 هـ ) ، ص : 4 ، 5 .
و : مجلة الفيصل : ( العدد 203 ، جمادى الأولى 1414هـ / تشرين الثاني 1993م ) ، ص : 30 .
(2) ... انظر : بلال حسانوفيتش : المؤسسات التربوية الإسلامية في البوسنة و الهرسك ، ص : 184 .
(3) ... انظر : الدكتور جمال الدين سيد محمد : البوسنة و الهرسك ، دراسة ، ص : 54 .
(4) انظر : المرجع و الصفحة السابقين .(/3)
مكتبة مميشاه بيك ، و قد أسست سنة 983 هـ/1575 م في مدينة فوتشا .
مكتبة درويش باشا بن بايزيد آغا ( ت : 1012 هـ / 1603 م ) في موستار.
مكتبة مصطفى أيوب زاده المعروف بالشيخ يويو ( ت : 1119 هـ / 1707 م ) في موستار .
مكتبة إبراهيم أفندي بن إسماعيل الموستاري ( ت : 1138 هـ / 1726 م ) في موستار .
مكتبة علي باشا الاستولييتشوي ، في استوليتشا .
مكتبة مدرسة إبراهيم أفندي الموستاري ، و قد أسست في القرن الحادي عشر الهجري ، في قصبة بوجيتيل ، الواقعة قرب موستار .
مكتبة محمد باشا كوكاويتشا ، و قد أسسها قبل سنة 1173هـ / 1759 م في ترافنيك .
مكتبة مدرسة عبد الكريم سيم زاده كومشيتش ، و قد أسست في القرن الثاني عشر للهجرة ، في سراييفو .
مكتبة عثمان شهدي أفندي، التي أسسها سنة 1173هـ / 1759 م في سراييفو.
مكتبة جامع أحمد باشا ، المؤسسة في القرن الثاني عشر للهجرة ، في بلدة غرادتشانيتسا .
مكتبة الحاج خليل أفندي بن أحمد الغرادتشانيتسوي القاضي في المحكمة الشرعية ببلغراد ، وقد أسسها في القرن الثاني عشر للهجرة ، ببلدته غرادتشانيتسا .
و إذا تأمَّلنا حال هذه المكتبات ، سنلاحظ أنها في الغالب قامت عن طريق الوقف أصلاً ، أو أنها آلت إلى الوقف بصورةٍ ما .
و من أشهر المكتبات العامة في البوسنة والهرسك : مكتبة الغازي خسرو بيك الشهيرة التي سأفردها بالذكر فيما يلي لبيان أهميتها ومكانتها بصفتها المكتبة الأم في البوسنة ؛ و مستقرّ معظم المكتبات الأخرى – التي ألحقت بها تباعاً – و مستودع مخطوطات البوسنة و تراث أهلها العلمي عبر العصور .
مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو :
ممّا يلفت نظر المتأمّل في منطقة سراييفو القديمة ( المسمّاة عند أهل البوسنة ستاري غراد ) أحد المباني القديمة التي لا تزال شامخة على مقربة من مسجد الغازي خسرو بيك و مكبته الشهيرين ، و قد كتب على باب هذا المبنى :
مجمّع الأبرار ، دار الكاملين
(( فيها كتبٌ قيّمة ))
بنى هذا البناء للطالبين الغازي خسرو بيك
944 هـ / 1537 م
و ما ذلك المبنى إلا مبنى مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ؛ أقدم و أعرق و أكبر المكتبات و خزائن المخطوطات الشرقيّة في منطقة البلقان بعد مكتبات تركيا .
و قد أسس هذه المكتبة الغازي خسرو بيك سنة 944 هـ / 1537 م كما يظهر من الكتابة المنحوتة على مدخلها ، و الوقفيّة المحفوظة ضمن مخطوطاتها ، و كانت في بداية الأمر ملحقة بمدرسة الغازي و وقفاً على طلاّبها حسب ما يوحي به قوله في وقفيّة المدرسة (( و ما يفضل من خرج البناء تبتاع به الكتب المعتبرة ، و تستعمل في المدرسة المذكورة ليستفيد منها من يطالعها من المستفيدين ، و يستنسخها من يستنسخها من المحصّلين )) (1).
و ظلّت المكتبة ملحقةً بالمدرسة حتى فصلها عنها عثمان باشا طوبال والي البوسنة سنة 1354 هـ / 1935 م (2).
و تحوي المكتبة آلاف المخطوطات العربية و التركيّة و الفارسيّة التي جلبت إليها بطرق مشروعة – خلافاً لما هو عليه الحال في مكتبات و متاحف أوروبا الغربيّة – أو نسخت بأيدي أبناء البوسنة الذين شغفوا بالكتب ، و بذلوا وسعهم في نسخها ، و الاعتناء بها كما تقدّم .
و قد تعرّضت المكتبة و مخزونها النفيس إلى محن شتى ( من الدمار و الفيضانات و الحرائق و غيرها ) ، شأنها في ذلك شأن سائر المنشآت الإسلاميّة في البوسنة ، و من أشد ما لحق بها عمليّة السلب و التدمير التي وقعت أثناء عدوان أوغين سافويسكي النمساوي على سراييفو سنة 1109 هـ / 1697م ، التي نتج عنها فقدان عدد كبير من نفائس مخطوطاتها بما في ذلك مخطوطات أوقفها الغازي خسرو بيك نفسه رحمه الله (3).
__________
(1) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركية و الفارسية ( نشر المشيخة الإسلامية ، سراييفو 1383 هـ / 1963م ) ، ص : 12 .
(2) ... انظر : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ( نشر المشيخة الأسلاميّة سراييفو 1402هـ/1982م ) ، ص : 11 .
(3) ... انظر : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 13 .(/4)
... و زاد من أهمّية المكتبة نقل عدد كبير من مخطوطات مكتبات البوسنة الأصغر حجماً و الأقلّ شأناً إليها عبر التاريخ ، فقد نقلت إليها مكتبة حسن ناظر و مكتبة مميشاه بيك ، و مكتبة قرجوز بيك ، و مكتبة درويش باشا بايزيد آغيتش ، و مكتبة ألجي إبراهيم باشا ، و مكتبة مصطفى أفندي أيّوبوفيتش ، و مكتبة الشيخ يويو و مكتبة الحاج خليل أفندي الغرادتشاينتشوي ، و مكتبة عثمان شهدي أفندي ، و مكتبة الشيخ عبد الله القنطميري ، و مكتبة المصري ، و مكتبة مدرسة آتميدان ، و مكتبة مدرسة سيم زاده كومشيتش ، و مكتبة مدرسة و جامع إبراهيم باشا في بوجتل و عددٍ من المكتبات التي كان يملكها معاصرون ، و أشهرها مكتبة الشيخ محمد الخانجي رحمه الله ، و مكتبة القاضي حسن أفندي بويو زادة ، و مكتبة متولي وقف الغازي خسرو بيك أحمد عاصم متوليتش ، و مكتبة الحاج أحمد أفندي بن مصطفى ، و مكتبة مصطفى بيك جنتي زاده ، و مكتبة عائلة جينو زاده ، و مكتبة عائلة المظفّري ، و مكتبة هرمو زاده ، و مكتبة مميش آغا قاسم آغيتش ، و كثيرٌ غيرها (1) .
... و بلغ عموم ما أودع خزائن المكتبة خمسين ألف وحدةٍ من المجلّدات و المؤلّفات و المجلاّت و الوثائق التركيّة باللغات الشرقيّة و الغربية ، منها سبع آلافٍ و خمسمئة مجموعةٍ ، و خمسة عشر ألف كتابٍ و رسالة في العلوم الإسلاميّة و اللغات الشرقيّة و الأداب ، إلى جانب مثل هذا العدد باللغات السلافيّة و الأوروبيّة ، و نحو أربعة آلاف وثيقةٍ تاريخيّة تتعلّق بتاريخ البوسنة و الهرسك ، و ألفاً و أربعمئة وثيقة حول أوقاف البوسنة ، و ستاً و ثمانين سجلاً للمحاكم الشرعيّة البوسنويّة ، و كتب و وثائق أخرى بالغة الأهمّيّة (2).
و أقدم ما في مكتبة الغازي خسرو بيك من المخطوطات نسخة من كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ، نسخت عام 525 هـ /1131م ، أي بعد وفاة المؤلّف رحمه الله بعشرين سنة فقط .
يليه كتاب فردوس الأخبار في مأثور الخطاب للديلمي الهمذاني(3) ( ت 509 هـ /1116 م ) ، و هو منسوخ عام 546هـ / 1151م بيد عبد السلام بن محمد الخوارزمي بهمذان .
ثمّ الجزء الثالث من كتاب الكشف و البيان في تفسير القرآن لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري(4) ( ت 427 هـ / 1036 م ) ، و يرجع تاريخ هذه النسخة إلى عام 571هـ/1176م و هو بخط بركات بن عيسى بن أبي يعلى .
و إلى جانب أمّهات الكتب التي ألّفها علماء الإسلام على مرّ العصور - و كان حظ مكتبة الغازي خسرو بيك منها وافراً - نجد في خزائن تلك المكتبة ما لا نجده في سواها من مؤلّفات علماء البوسنة الذين كان لهم أثر قلّ من اطلّع عليه في إثراء حركة التأليف و النسخ في الولايات العثمانيّة ، و برز منهم علماء أعلام لا يقلّون شأناً عن أقرانهم من العلماء العاملين في ديار الإسلام الأخرى .
و من علماء البوسنة الذين حفظت مكتبة الغازي خسرو بيك تراثهم باللغات الشرقيّة كلٌّ من : الشيخ حسن كافي الأقحصاري(5) ، و الحاج مصطفى بن محمد الأقحصاري ، و حسن شلبي بن علي الموستاري المعروف بحسن
ضيائي (6)، و أحمد بياضي زاده ، و علاء الدين دده بن مصطفى البوسنوي ، و مصطفى أيوبوفيتش ( الشيخ يويو ) (7)
__________
(1) ... حول حركة نقل المكتبات إلى مكتبة الغازي خسرو بيك انظر : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 14 .
و : انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركية و الفارسية ، ص : 14 أيضاً .
(2) ... انظر : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 14 ، 15 .
و قارن بـ : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركية و الفارسية ، ص : 15 .
و : بلال حسانوفيتش : المؤسسات التربوية الإسلامية في البوسنة و الهرسك ، ص : 315 .
(3) ... الديلمي ، هو : شيرويه بن شهردار بن شيرويه ، أبو شجاع ، ولد سنة 445 هـ / 1053 م ، المحدث الحافظ ، مؤرخ همذان ، و هو من ولد الصحابي الجليل الضحاك بن فيروز .
انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 19 / 294 ، تذكرة الحفاظ 4 / 1259 ، شذرات الذهب 5 / 127 .
(4) ... الثعلبي : كان رأساَ في التفسير و العربية ، متين الديانة ، حافظا ، واعظا .
انظر ترجمته في : وفيات الأعيان 1 / 79 ـ 80 ، سير أعلام النبلاء 17 / 435 ، العبر 3 / 163 .
(5) ... تأتي ترجمته بالتفصيل في فصل : أثر الحديث النبوي في عقيدة أهل البوسنة و الهرسك ، من الباب الخامس من هذا البحث .
(6) ... شاعر باللغتين العربية و التركية ، له كتاب ( ترجئ بند ) باللغة التركية في التصوف ، توفي سنة 992 هـ / 1584م .
انظر ترجمته في : الجوهر الأسنى ، للشيخ محمّد الخانجي ، ص : 71 .
و : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 17 .
(7) ... انظر ترجمته في : الجوهر الأسنى ، للشيخ محمّد الخانجي ، ص 179 .
و : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 17 .(/5)
، و أحمد بن مصطفى المفتي الموستاري (1)، و محمد بن موسى علاّمك (2)، و أحمد بن محمد الموستاري ، و إبراهيم بن إسماعيل أوبياتش (3)، و حسين البلغرادي (4)، و غيرهم .
... و بالجملة فإن مكتبة الغازي خسرو بيك كانت و لا تزال ذات دورٍ رئيسٍ في خدمة تراث الأمّة و حفظه ، و لها مع سائر مكتبات البوسنة دور كبيرٌ في حفظ مخطوطاتٍ نفيسة ، و أصول قيّمة للكتب الإسلاميّة و غيرها .
... و في الفصل التالي عرضٌ لما حوته خزائن هذه المكتبات من مخطوطات علم الحديث النبوي الشريف ، و هو قليلٌ من كثير ، و غيض من فيض يشهد على عظم هذه المكتبات و أهمّيّة ما تحويه .
الفصل الثاني
مخطوطات الحديث النبوي و علومه في البوسنة
المبحث الأول
مخطوطات علم الحديث درايةً
أوَّلاً : مخطوطات علم مصطلح الحديث :
الكتاب الأوَّل :
مقدمة ابن الصلاح ( أو علوم الحديث ) .
تأليف أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح ، المتوفى سنة 643 هـ /1246 م.
توجد منه نسخةٌ خطيَّة وحيدة ، تقع في ( 167 ) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ كبير ، كتبه سيف الدين محمد بن أبي سعد السرايجوقي ( نسبةً إلى سراييفو ) ، سنة 791 هـ / 1389 م .
و هي من أوقاف عصمت أفندي سفرزو بن فيسِل أفندي، من أهالي سراييفو و محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم
(603/382 ) .
الكتاب الثاني :
ألفيَّة العراقي في أصول الحديث ( و هو كتاب التبصرة و التذكرة ، و يُسمَّى أيضاً نظم الدرر في علم الأثر )(5) .
تأليف زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي ( ت : 806هـ/
1404 م )(6) .
يوجد منه أربع نسخٍ خطيَّة في مكتبات البوسنة فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (30) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ قديم ، كتبه عبادة المالكي الأنصاري سنة 796 هـ / 1394 م .
و عليها ما يفيد ملكيَّتها لمحمد الثعلبي ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (855/383) .
النسخة الثانية :
تقع في (51) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ ، كتبه محمد بن عبد الله ، سنة 1094هـ / 1683 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (2243/384).
النسخة الثالثة :
تقع في ( 37 ) ورقةٍ ( 23-60 ) ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ كبير ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم ( 3505,6 / 591 )
النسخة الرابعة :
تقع في (50) ورقةٍ ( 32 - 112 ) ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ واضح ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي من أوقاف إبراهيم زفرانيا ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم ( 2734,3 / 597 ) .
كما يوجد في البوسنة كتابان لشرح ألفية العراقي في علوم الحديث :
الشرح الأول :
فتح المغيث بشرح ألفيَّة الحديث (7) .
تأليف الحافظ العراقي ، صاحب الأصل المنظوم .
__________
(1) ... انظر ترجمته في : الجوهر الأسنى ، للشيخ محمد الخانجي ص 43 .
(2) ... انظر ترجمته في : الجوهر الأسنى ، للشيخ محمّد الخانجي ، ص : 155 .
و : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 17 .
(3) ... انظر ترجمته في : الجوهر الأسنى ، للشيخ محمّد الخانجي ، ص : 30 .
و : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 17
(4) ... انظر ترجمته في : الجوهر الأسنى ، للشيخ محمّد الخانجي ، ص : 76 .
و : محمد مؤذنوفيتش و محمود تراليتش : مكتبة الغازي خسرو بيك في سراييفو ، ص : 17
(5) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في ( تاريخ الأدب العربي ) 2/66 ، و هو كتاب مطبوع نشرته المكتبة الجديدة بفاس ، سنة 1357هـ / 1939 م .
(6) ... العراقي ، هو : عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم ، المهراني المولد ، العراقي الأصل ثمَّ المصري ، حافظ العصر ، زين الدين ، الفقيه ، الشافعي ، ولي قضاء المدينة المنورة ثلاث سنوات ، ثم سكن القاهرة ، نَظَم علوم الحديث ، و السيرة النبويَّة ، و منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي =
= ... و غيرها من فنون العلم ، له : النكت على مقدمة ابن الصلاح ، و المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار و كثيرٌ غيرها .
انظر ترجمته في : إنباء الغمر 5 / 170 ، ذيل طبقات الحفاظ ، ص : 370 ، حسن المحاضرة 1 / 360 ، شذرات الذهب 9 / 87 .
(7) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2 / 1235 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2 / 35 ، و هو كتاب مطبوع بدار الكتب العلمية سنة 1413 هـ / 1993 م ، في 472 ، ص :(/6)
و له في البوسنة نسخة خطية واحدة تقع ( 163 ) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ كتبه محمد بن الحاج سالم بن محمد بن سالم بن سعيد بن عمر العذري الشافعي المصري ، سنة 893 هـ/ 1488 م بمصر ، و عليها تملك باسم محمد بن شمس الدين ، سنة 983 هـ / 1588 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (234/385 ).
و هي نسخة بالغة الأهميَّة ، و القيمة التاريخية ، حيث جاء في آخرها ما نصُّه : (( نُقلت هذه النسخة من خط مؤلفها الشيخ الإمام الحافظ المحدث شيخ الإسلام زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي .. ))
و عليها إجازة بخط الحافظ العراقي نفسه رحمه الله هذا نصُّها : (( و أجزت لكل من سمع مني الأرجوزة المذكورة أو بعضها أن يروي عني جميع الشرح عليها ، و جميع ما يجوز لي و عني روايته قاله و كتبه مؤلِّفه عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي …)) .
و ممَّا يزيد في قيمة هذه النسخة ما ذّيِّلت به من سماعاتٍ و إجازات منها ما نصه : (( قرأت على شيخنا الإمام الحافظ الرحلة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن ناصر الدين الدمشقي(1) ، أدام الله تعالى به النفع و رحم سلفه جميع هذه المجلَّدة و هي شرح ألفيَّة الإمام الحافظ أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي ، مع المنظومة قراءة بحثٍ و تقريرٍ بإجازة الشيخ لذلك من مؤلفه مكاتبة من مصر غير مرة ، و صح ذلك و ثبت في عدة مجالس من آخرها مجلس بلدان الرواة و أوطانهم إلى آخر الكتاب ، فسمع المجلس الآخر المذكور كاملاً الشيخ أحمد بن موسى بن رجب الفاخوري ، و الشيخ عبد الله بن محمد بن جمعة بن راجح السويدي ثم الدمشقي ، و الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ أحمد بن الشيخ بدر الدين حسن العجلوني ، في آخرين ، و اتفق آخر المجالس في يوم الأحد رابع جمادى الأولى سنة ست و ثلاثين و ثمانمئة ، بالجامع الناصري ، من مسجد القصي ، خارج باب السلام من دمشق المحروسة ، و أجاز المسمع أبقاه الله تعالى . قاله و كتبه : محمد بن حسن بن علي بن حسن البلعوي الخطيب ، و لله الحمد و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلَّم )) . اهـ .
و عليها تعليقاتٌ قليلة بخط الشيخ محمد خانجيتش ( الخانجي ) البوسنوي رحمه الله تعالى .
الشرح الثاني ، و هو بنفس الاسم :
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث(2) .
تأليف الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (3)( ت 902 هـ / 1497 م ).
و لهذا الشرح نسخة و حيدة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 423 / 386 ) ، و تقع في ( 127 ) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ قديم ، سنة 785هـ / 1383 م ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
الكتاب الثالث :
رسالة في أصول الحديث ( و هو كتاب إشراقات الأصول في علم حديث الرسول ) (4).
تأليف جلال الدين محمد بن عبد الله القايني ( ت : 838 هـ /
1435 م ) (5) .
توجد في البوسنة نسخة خطية واحدة ، تقع في ( 24 ) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي واضح لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم ( 4429,2 / 517 ) .
الكتاب الرابع :
نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (6) .
تأليف الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت : 852هـ /
1448 م ).
توجد ست نسخ خطية من متن النخبة في مكتبات البوسنة فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
__________
(1) ... ابن ناصر الدمشقي : الإمام الحجة ، محدث الديار الشامية و مؤرخها ، من آثاره : توضيح المشتبه ، و الرد الوافر على من زعم أن شيخ الإسلام كافر ، توفي سنة 842 هـ / 1439 م . =
= انظر ترجمته في : الضوء اللامع 8 / 103 ـ 106 ، البدر الطالع 2 / 198 ـ 199 .
(2) ... ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2 / 1235 ، و المستشرق كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 2 / 35 ، و هو مطبوع في لكنؤ بالهند ، سنة 1303 هـ / 1886 م ، في 3 مج .
(3) ... السخاوي : فقيه شافعي ، مقرئ ، محدث ، مؤرخ ، مشارك في الفرائض ، و الحساب ، و التفسير ، و أصول الفقه ، و الميقات ، أصله من سخا من قرى مصر ، ولد بالقاهرة ، و توفي بالمدينة سنة 902 هـ / 1497 م صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة ، و التي منها : الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ، و المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة . =
= ... انظر ترجمته في : الضوء اللامع 8 / 302 ، البدر الطالع 2 / 184 ـ 187 ، الكواكب السائرة 1 / 53 النور السافر 16 ـ 21 .
(4) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1 / 103 .
(5) ... القايني : فقيه ، و محدث ، وأصولي ، توفي بهراة .
انظر ترجمته في : هديّة العارفين 2 / 189 ، معجم المؤلفين 10 / 231
(6) ... طبع بكلكته سنة 1280 هـ / 1864 م في 74 صفحة ، باعتناء وليم تاسوليس ، و عبد الحق كينان ، و غلام قادر .(/7)
تقع في ( 3 ) أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ جميل ، كتبها عبد الله بن حاج مصطفى في طاشليجة ، بمدينة بليفليا ، الواقعة في جمهورية الجبل الأسود اليوغسلافية اليوم ، سنة 1104 هـ / 1693 م .
و هي من أوقاف عصمت أفندي سفرزو بن فيسِل أفندي، من أهالي سراييفو. و محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 950.1 / 388 ) .
النسخة الثانية :
تقع في ( 4 ) أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ سيئ ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 1945.1 / 398 ) .
النسخة الثالثة :
تقع في ( 4 ) أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، كتبه سليمان بن حبيب أفندي بن حاج شعبان بن حاج مالكوتش ، سنة 1126 هـ / 1714 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم
( 3058.2 / 402 ) .
النسخة الرابعة :
تقع في ( 4 ) أوراق ( 6-9 ) ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 1418,2 / 691 ) .
النسخة الخامسة :
تقع في ( 4 ) أوراق ( 27-30 ) ، مكتوبةٍ سنة 1116 هـ / 1704 م ، بخطٍ نسخي واضح ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 2168,3 / 778 ) .
النسخة السادسة :
تقع في ( 6 ) أوراق ( 198 - 203 ) ، مكتوبةٍ سنة 1142 هـ / 1730 م بخطٍ نسخي، و في آخرها ثبت باسم ناسخين هما بهلول بن سليم نوسنلي ( نسبة إلى بلدة نوسنة البوسنوية ) ، و محمد السوختة بن شعبان من مدرسة قركوز محمد بيك في موستار ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 4087 , 4 / 1123 ) ، و قد نقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
كما توجد لشروح نخبة الفكر عدة نسخ في مكتبات البوسنة ، هي :
الشرح الأوَّل :
بعنوان : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (1) .
للإمام ابن حجر العسقلاني ( 852 هـ / 1448 م ) ، صاحب المتن نفسه ،
و لهذا الشرح اثنتا عشرة نسخة خطية في مكتبات البوسنة ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في ( 33 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ ، سنة 1127 هـ / 1715 م .
و على هذه النسخة تملك باسم الحاج مصطفى ، مفتي المأذون في سراييفو ، سنة 1157 هـ / 1744 م ، و الحاج عبد الله بن حاج أحمد ماتشكوفيتش .
و هي من أوقاف مميش آغا كاسوماغيتش ، و تحفظ اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 725,5 / 113 ) .
النسخة الثانية :
تقع في ( 40 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ جميل ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و هي من أوقاف سالم أفندي مفتيتش ، و محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 937 / 387 ) .
النسخة الثالثة :
توجد منها نسخةٌ خطيَّة ، و تقع في ( 48 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، كتبها أحمد بن الحسين ، و لم يؤرخ لكتابته .
و هي من أوقاف سالم أفندي مفتيتش , و محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 2221,1 / 391 ) .
النسخة الرابعة :
تقع في ( 48 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي و نسخي ، كتبها خليل بن عمر الأرزنجاني، سنة 1165 هـ / 1752 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 2678 / 392 ) .
النسخة الخامسة :
تقع في ( 57 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخي جميل ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 3486 / 393 ) .
النسخة السادسة :
تقع في (27) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و عليها أختام بأسماء مُلاَّكٍ ، لم تتضح أسماؤهم ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو,تحت رقم ( 3955 / 394 ) ، و قد نقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
النسخة السابعة :
تقع في ( 50 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخي و تعليقي ، كتبها أحمد بن يوسف بمدرسة جرقلي ، في نكدة ، بتركيا سنة 1143 هـ / 1731 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم (4147 / 395 )
النسخة الثامنة :
__________
(1) ... ذكره بروكلمان 2 / 68 ، و هو كتاب مطبوعٌ نشرته المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة ، سنة 1368هـ / 1949 م .(/8)
تقع في ( 32 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم (3058,3/402) .
النسخة التاسعة :
تقع في ( 24 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 3655,3 / 2102 ) ، و قد نقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
النسخة العاشرة :
تقع في ( 40 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 2035,1/ 390 ) ، و هي من أوقاف هرمو زاده
النسخة الحادية عشرة :
تقع في (40) ورقة ( 90-130 ) ، مكتوبةٍ سنة 1156 هـ / 1743 م ، بخطٍ نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 1489,5 / 697 ) .
النسخة الثانية عشرة :
تقع في ( 22 ) ورقة ( 33-65 ) ، مكتوبةٍ سنة 1116 هـ /1704 م ، بخطٍ نسخي واضح ، لا يعرف اسم كاتبها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 2168,4 /
778) .
الشرح الثاني :
و هو بعنوان : مصطلحات أهل الأثر على نخبة الفكر (1) .
و هو عبارة عن حاشية من تأليف علي بن سلطان محمد الهروي القاري ، المعروف بالملا علي القاري ( ت : 1014 هـ / 1606 م ) (2) .
و توجد منه نسخةٌ خطيَّة واحدة في البوسنة ، تقع في ( 135 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ و تعليقي ، كتبها الحاج محمد بن وليّ الدين المدرِّس ، سنة 1196 هـ/1781 م .
و هي من أوقاف أحمد عاصم متوليتش ، سنة 1284هـ / 1867 م ، على مكتبة الغازي خسرو بيك، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , تحت رقم ( 324 / 396 ) .
الشرح الثالث :
و هو بعنوان : حواشي نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر
تأليف إبراهيم الكردي (3) .
يوجد منه نسخةٌ خطيَّة واحدة في البوسنة ، تقع في ( 13 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ و تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 4، 3655 ) ، و قد نقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
الشرح الرابع :
و هو بعنوان : شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر .
لمؤلِّفٍ مجهول .
توجد نسخةٌ خطيَّة واحدةٌ منه في البوسنة ، تقع في ( 35 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ
نسخيٍ و تعليقي ، مكتوبةً سنة 1119 هـ / 1707 م ، بخطِّ الكاتب عثمان . وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 1316 / 389 ) ، و قد نقلت إليها من شهدي أفندي .
الكتاب الخامس :
نظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (4) .
تأليف كمال الدين محمد بن محمد بن حسن الشمني ( ت : 821 هـ /
1418 م ) (5) .
__________
(1) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/395 ، و حاجي خليفة ، في : كشف
الظنون : 2/1937 ، و هو كتابٌ مطبوع ، نشرته مكتبة أُخُوَّت باسطنبول في 269 ص ، سنة 1327هـ / 1909 م .
(2) ... علي القاري الهروي ، هو : الحنفي ، نزيل مكة ، عالم موسوعي ، اشتهر ذكره ، وطار صيته ، وألف التآليف الكثيرة المفيدة ، و التي منها : مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح ، و أنوار القرآن و أسرار الفرقان ، و شرح الشمائل ، و شرح الشفا و غيرها ، قال المحبي : لكنه امتحن بالاعتراض على الأئمة ، لاسيما الشافعي وأصحابه و اعترض على مالك في إرسال اليد في الصلاة – إلى أن قال – و بالجملة فقد صدر منه أمثال لما ذكر ،كان غنيا عن أن تصدر منه ، و لولاها لاشتهرت مؤلفاته بحيث ملأت الدنيا لكثرة فائدتها ، و حسن انسجامها .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر للمحبي 3 / 185 البدر الطالع للشوكاني 1 / 445 ، معجم المؤلفين 7 / 100 .
(3) 2 ... إبراهيم الكردي : لعله إبراهيم بن عبد الكريم الكردي ، الحلبي ، دخل بلاد العجم ، و أقام بمكة ، و كان حسن الخلق ، كثير البشر بالطلبة ، مات سنة 840 هـ / 1437 م .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 1 / 19 ، شذرات الذهب 9 / 340 .
(4) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1936 .
(5) ... الشمني : نسبة إلى شمنه مزرعة بباب قسطنطينية ، ثم الإسكندري القاهري ، المغربي الأصل ، المالكي ، فقيه ، أصولي ، تقدم في الحديث و صنف فيه ، تخرج بالزركشي و العراقي ، ونظم الشعر ، و أصيب في بعض
كتبه .
انظر ترجمته في: إنباء الغمر 7 / 339 ، الضوء اللامع 9 / 74 ـ 75 ، هديّة العارفين 2/183، شذرات الذهب 9 / 221، معجم المؤلفين 11 / 208 ـ209 .(/9)
توجد منه نسخةٌ خطيَّة واحدة في البوسنة، تقع في ( 4 ) أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ و تعليقي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 2 ، 1868 / 2127 ) ، و قد نقلت إليها من شهدي أفندي .
الكتاب السادس :
رسالة في أصول الحديث .
تأليف محمد بن بير البركوي ( ت : 981 هـ / 1574 م ) (1).
توجد منه ثلاث نسخ خطيَّة في مكتبات البوسنة ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في ( 8 ) أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ ، مكتوب سنة 1163هـ /1750م و لا يعرف اسم كاتبها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 675,7 / 2107 ) .
النسخة الثانية :
تقع في ( 4 ) أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و عليها تملك باسم صالح عزَّت ، و هرموزاده صالح أفندي، و قد أوقفها هرموزاده صالح أفندي , على من ينتفع بها من بعده ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 7 ، 675 / 2107 ) .
النسخة الثالثة :
تقع في خمس أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 3562 / 400) .
و للكتاب شرحٌ بعنوان : شرح رسالة البركوي في أصول الحديث(2) .
تأليف داود بن محمد القارصي ( ت : 1169هـ /1756 م )(3) .
و توجد منه ثلاث نسخ خطيَّة ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في ( 23 ) ورقة ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، كتبها عثمان بن محرم الفوتشوي ( نسبة إلى مدينة فوتشا البوسنوية ) ، سنة 1212 هـ / 1798 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم (3285,1/397).
النسخة الثانية :
تقع في ( 47 ) ورقة ، كُتب في مصر بخطٍ نسخيٍ ، سنة1151 هـ / 1739 م و لا يُعرف اسم كاتبها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 1322,3 / 151 ) .
النسخة الثالثة :
تقع في ( 32 ) ورقة ( 124-155 ) ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في دار المحفوظات بموستار , ضمن مجموعٍ تحت رقم ( 710,10 /295 ) .
الكتاب السابع :
منظومة البيقوني في مصطلح الحديث ( و تعرف بالبيقونية ) (4) .
تأليف الشيخ عمر بن محمد بن فتوح الدمشقي البيقوني (5) .
توجد نسخة خطية كاملةٌ ، و قطعةٌ من نسخةٍ أخرى منها في البوسنة .
أمَّا النسخة الكاملة فتقع في ( 17 ) ورقة ( 5-21 ) ، مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي نسخة كاملة و عليها حواشٍ لم يُذكر اسم معلقها ، و قد أوقفها سليم أفندي مفتيتش ، و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم (1356,2/2147) .
و أمَّا القطعة الأخرى فتقع في ورقتين ( 9-10 ) ، مكتوبتين بخط تعليقي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم (1418,3/691) .
الكتاب الثامن :
نتيجة النظر في علم الأثر (6) .
تأليف محمد بن حسن بن الهمات الحنفي الدمشقي(7)
__________
(1) ... البركوي : تقي الدين ، رومي ، نحوي ، و فقيه حنفي ، و مفسر ، و محدث ، و واعظ ، توفي سنة 981 هـ / 1573 م ، له : شرح لب الألباب في علم الإعراب للقاضي البيضاوي ، و الأربعون في الحديث .
انظر ترجمته في : هديّة العارفين ، للبغدادي : 2 / 252 و معجم المؤلِّفين ، لعمر رضا كحالة : 9 / 123 .
(2) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2 / 440 . وقد طبع باسطنبول ، طبع أول نوب سنة 1298 هـ / 1881 م ، في 48 صفحة ، وبهامشه شروح و تعليقات لمصطفى شوكت .
(3) ... القارصي : رومي ، نزيل مصر ، فقيه حنفي ، أديب ، له مؤلفات في علم الكلام و المنطق و آداب البحث .
انظر ترجمته في : تاج التراجم لابن قطلوبغا 20 ، 21 ، هديّة العارفين 1 / 363 ، معجم المؤلفين 4 /142
(4) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2 / 307 .
(5) ... البيقوني : كان حيا قبل سنة 1080 هـ / 1669 م ، يعرف بـ ( طه ) ، محدث ، أصولي .
انظر ترجمته في : معجم المؤلفين 5 / 44 .
(6) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/309 . و لها طبعات كثيرة متداولة .
(7) ... ابن الهمات : الحنفي ، التركماني الأصل ، الدمشقي ، القسطنطيني ، شمس الدين ، أبو عبد الله ، محدث ، مسند أصولي ، شارك في العلوم ، ولد بدمشق سنة 1091 هـ / 1680 م ، و رحل إلى مكة ، و سكن القسطنطينية ، و توفي بمصر .
انظر ترجمته في : سلك الدرر 4 / 37 ـ 38 ، الأعلام 6 / 322 ـ 323 ، معجم المؤلفين 9 / 225 .(/10)
( ت :1175 هـ /
1761 م )
توجد نسخةٌ خطيَّة واحدة منه في البوسنة ، تقع في ( 12 ) ورقة ( 56-
67 ) مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها مراد باشا زاده علي صادق شكري ، المدرس بمدرسة علي باشا ، سنة 1208 هـ / 1794 م .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو , ضمن مجموعٍ تحت رقم (1401,3/149) .
الكتاب التاسع :
رسالة في تقسيم الحديث .
تأليف الشيخ عمر الأسكوبي(1) ، من تلاميذ الشيخ محمد بن الهمات الدمشقي .
و توجد منه نسخةٌ خطيَّة واحدة في البوسنة ، تقع في ثلاثة أوراق ( 67-
69) مكتوبة بخط تعليقي ، كتبه مراد باشا زاده علي صادق شكري ، المدرس بمدرسة علي باشا ، سنة 1208هـ /1794 م .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم (1401,4/149) .
الكتاب العاشر :
رسالة في بيان أسماء الحديث على وجه الإيجاز .
لمؤلف مجهول .
يوجد منها نسخةٌ خطيَّة واحدة ، تقع في (3) أوراق ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخي لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم (1045,1/401) ، و قد نقلت إليها من محمد أنور قاضيتش .
الكتاب الحادي عشر :
رسالة في أقسام الحديث .
لمؤلف مجهول .
يوجد منها نسخةٌ خطيَّة وحيدة و ناقصة له في البوسنة ، و هي واقعة في ورقتين ، مكتوبتين بخطٍ نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم (1045,2/401) و قد نقلت إليها من محمد أنور قاضيتش .
ثانياً : مخطوطات الطبقات و التراجم و رجال الأسانيد :
الكتاب الأوَّل :
مختصر كتاب الألقاب (2) للشيرازي (3) .
تأليف أبي الفضل محمد بن طاهر بن علي القَيسَراني المقدسي (ت:507هـ/ 1113م ) (4) .
و هو اختصارٌ لألقاب الشيرازي . قال ابن طاهر في مقدمة المختصر : )) أما
بعد … فإني رأيت كتاباً لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي رحمه الله في ألقاب المحدثين ، لا يستغني المحدث عن كونه عنده ، و لم أجد من يرويه ، فاقتصرت منه على ذكر الأسماء دون إيراد أحاديثهم و حكاياتهم ، إذ كان ذلك هو المقصود من ذلك الكتاب … (( .
و يوجد في البوسنة نسخةٌ خطيَّة واحدة للكتاب ، و هي ناقصة من آخرها و يقع القدر الموجود منها في (24) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ قديم ، لا يعرف اسم كاتبها و لا تاريخ نسخها.
و هي محفوظة اليوم في في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم (2734,1/597)
الكتاب الثاني :
أعمار الأعيان (5) .
لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي(6) ( ت : 597هـ / 1204 م ) .
يوجد منه نسخة و حيدة في البوسنة ، تقع في (15) ورقة ، (96-110) ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد بن عبد الفتاح ، سنة 1024 هـ / 1615م ، و هي من أوقاف أحمد بن مصطفى ، و محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (300,9/162) .
الكتاب الثالث :
الإكمال في أسماء الرجال (7) .
__________
(1) ... عمر الأسكوبي : لم أجد له ترجمة .
(2) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/157 - 2/13921.
(3) ... الشيرازي ، هو : أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى ، أبو بكر ، الفارسي ، الحافظ ، الإمام ، الجوال ، الصدوق ، سكن همذان سنين ، ثم خرج منها إلى شيراز ، ومات فيها سنة 407 هـ / 1017 م
... انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 17 / 242 ـ 245 ، تذكرة الحفاظ 3 / 1065 ، الوافي بالوفيات 7 / 38 ، مرآة الجنان 3 / 20 ، شذرات الذهب 5 / 57 ، هديّة العارفين 5 / 71 .
(4) ... القيسراني المقدسي : الحافظ المحدث الرحال ، الظاهري الصوفي ، قال الذهبي : برع في هذا الشأن - يعني الحديث – و عني به أتم عناية ، وغيره أكثر إتقانا وتحريا منه . له : رجال الصحيحين ، و أطراف الكتب الستة .
انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ للذهبي 4 / 37 ، و سير أعلام النبلاء 19 / 361 ، و هديّة العارفين ، للبغدادي : 2/82 ، و معجم المؤلِّفين ، لعمر رضا كحالة : 10/98 .
(5) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/916 .
(6) ... ابن الجوزي ، هو : عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي ، البكري ، الحنبلي ، الواعظ ، البغدادي ، أحد الأعلام ، ولد سنة 510 هـ / 1117 م ، صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم .
انظر ترجمته في : التكملة لوفيات النقلة ترجمة 608 ، الوفيات لابن خلكان 3 / 140 ، سير أعلام النبلاء 21 / 365 ـ 384 ، تذكرة الحفاظ 4 / 1342 ، طبقات الحفاظ 1 / 480 ، المعين في طبقات المحدثين 1 / 182 .
(7) ... طبع في دلهي بالمطبع المجتبائي سنة 1397 هـ / 1890 م ، في 44 صفحة ، مع مشكاة المصابيح .(/11)
تأليف ولي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي ( ت نحو سنة 743هـ/1342م ) (1) .
و يشمل هذا الكتاب تراجم الرواة الذين أخرج حديثهم المؤلف رحمه الله في
( مشكاة المصابيح ) .
و يوجد في البوسنة نسخة واحدة منه ، تقع في ( 128 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخي ٍ، كتبها صالح بن يحيى ، سنة 1200 هـ/1785 م ، و هي من أوقاف إبراهيم زفرانيا .
و هي محفوظة اليوم في في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (641/598) .
الكتاب الرابع :
سرح النهر لشرح الزهر (2) .
تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الدايم البرماوي ( ت:831هـ /
1428 م ) (3) .
يوجد في البوسنة نسخة خطية واحدة منه ، تقع في (139) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي ، كتبها أبو البركات محمد بن محمد العراقي ، عن نسخة المؤلِّف في حياته سنة 827 هـ / 1424 م .و في آخر هذه النسخة إجازة من المؤلِّف للناسخ برواية الكتاب عنه ، قال فيها : (( الحمد لله … و بعد فقد قرأ عليَّ الشيخ … أبو
البركات … العراقي ، جميع هذا الكتاب قراءة بحث و تحقيق و مقابلة بالأصل الذي بخطي ، و قد أجزته أن يقرأه و يرويه عني ، و جميع ما يجوز لي و عني روايته و كذا أجزت لولده محمد … و ذلك في مجالس آخرها في العشرين من جمادى الأولى سنة ثلاثين و ثمانمئة ، قال ذلك و كتبه : محمد البرماوي الشافعي ، عفا الله عنه ، و السلام )) .
و هذه النسخة من أوقاف سالم مفتيتش .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (3050/599) .
الكتاب الخامس :
المنتخب من كتاب الأوائل للعسكري (4) .
لمؤلف مجهول
يوجد منه نسخة واحدة في البوسنة ، تقع في عشرة أوراق (77-86) ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد بن عبد الفتاح ، سنة 1042 هـ / 1633 م ، و هي من أوقاف أحمد بن مصطفى ، و محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (300,6/162) .
الكتاب السادس :
الوسائل إلى معرفة الأوائل (5) :
لجلال الدين السيوطي ( 911 هـ / 1505 م ) .
و هو تلخيص و ترتيب لكتاب الأوائل للعسكري .
يوجد منه نسخة و حيدة في البوسنة ، تقع في (29) ورقة ، (77-86) ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها صالح بن شعبان النِكْشِكَوي ، بسراييفو ، سنة 1211 هـ / 1796 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (3434,2/2122) .
الكتاب السابع :
محاضرة الأوائل و مسامرة الأواخر (6) .
تأليف الشيخ علاء الدين علي دده بن مصطفى الموستاري، الملقب بشيخ التربة (ت: 998 هـ/ 1590 م )(7).
لخص فيه كتاب الأوائل للسيوطي ؛ بحذف التكرار و الزوائد ، و زاد عليه كثيراً من كتب أخرى ، و أضاف إليه الأواخر ، و لم تكن مذكورة في كتاب السيوطي .
النسخة الأولى :
تقع في (117) ورقة (101-217) ، مكتوبة بخط نسخي، كتبها علاء الدين بن حرم الصوفي ، سنة 1129 هـ / 1717 م ، عن نسخة المصنف بالمشهد السليماني قرب سكتوار .و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم (3573,2/756) .
__________
(1) ... و لي الدين التبريزي : محدث ، كمل ( المصابيح ) في الحديث ، و ذيل أبوابه ، و فرغ منه سنة 737 هـ / 1337 م ، كما في : معجم المؤلِّفين لعمر رضا كحالة : 10/211 .
(2) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/958-959 ، و قال عنه و عن أصله و هو كتاب العمدة ما نصُّه : (( الزهر البسَّام فيمن ( فيما ) حوته عمدة الأحكام من الأنام ، لابن عبد الدائم محمد البرماوي الشافعي و هو أرجوزة ابتدأ فيها بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم الخلفاء الأربعة ، و الباقي على حروف المعجم ، و رمز فيها إلى الوفاة بالحروف … ثمَّ شرحها و سمَّاه سرح النهر بشرح الزهر ، فرغ منه في شوَّال 796 هـ )) .
(3) ... البرماوي ، هو : محمد بن عبد الدايم بن موسى ، النعيمي ، العسقلاني ، البرماوي ، نسبة إلى برمة ( من الغربية ) بمصر ، أبو عبد الله ، شمس الدين ، الشافعي ، كان عالماً بالفقه و الحديث .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 7 / 281 ، حسن المحاضرة 1 / 250 ، البدر الطالع 2 / 181 . { { { { { { { {
(4) ... العسكري ، هو : الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد ، أبوهلال ، اللغوي ، الأديب ، صاحب التصانيف ، كان عالما عفيفا ، توفي سنة 395 هـ / 1005 م .
انظر ترجمته في : البلغة في أئمة النحو و اللغة 1 / 87 ، طبقات المفسرين 1 / 44 .
(5) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/200 ، 207 .
(6) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2 / 1610 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2 / 427 ، و الشيخ محمد الخانجي رحمه الله ، في : الجوهر الأسنى ، ص: 138 ، و قال عنه : ( هو كتابٌ جليل نافع ، طبع في القاهرة مرتين ) .
(7) ... الشيخ علاء الدين : تقدمت ترجمته في فصل : أشهر علماء الحديث والمشتغلين به في البوسنة ، في الباب السابق .(/12)
النسخة الثانية :
تقع في ( 70 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و هي محفوظة في خزانة المحفوظات ، بموستار تحت رقم ( 627/269 ) .
الكتاب الثامن :
ذكر طبقات هذه الأمة .
لمؤلف مجهول .
توجد منه نسخة واحدة في البوسنة ، تقع في أربع أوراق (86-89) ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد بن عبد الفتاح ، سنة 1042 هـ / 1633 م .
و هي من أوقاف أحمد بن مصطفى ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (300,7/162) .
الكتاب التاسع :
الإسعاد فيما للكتب السبعة من الإسناد .
و هو كتابٌ جمع فيه مؤلفه الأسانيد التي روى بها الكتب السبعة ( الصحيحين و السنن ، و الموطأ ) .
تأليف محمد بن الحسن ، المعروف بابن الهمات ( 1175 هـ / 1761 م ) .
توجد نسخة واحدة منه في البوسنة ، و تقع في (6) أوراق ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ كبير ، كتبها المؤلف رحمه الله بنفسه .
و هي محفوظة اليوم في ضمن مجموع تحت رقم (3505,5/591) .
الكتاب العاشر :
أسماء أهل بدر :
لمؤلف مجهول .
يوجد منه نسختان فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
تقع في ( 18 ) ورقة ( 93 –110 ) ، مكتوبة بخط نسخي، لا يعرف اسم كاتبها، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم ( 2 ، 3807 / 761 ) .
النسخة الثانية :
تقع في ( 7 ) أوراق ( 120 – 126 ) ، مكتوبة بخط نسخي جميل ، كتبها الحافظ إبراهيم بن محمد السرائي ، حوالي سنة 1213 هـ / 1799 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم ( 3 ، 2569 / 772 ) ، و قد نقلت إليها من محمد أنور قاضيتش .
الكتاب الحادي عشر :
مزيل الاشتباه في أسماء الصحابة رضوان الله عليهم (1).
تأليف الشيخ عبد الكريم بن ولي الدين بن يوسف بن ولي الدين ( ت نحو سنة 1100 هـ / 1689م ) (2) .
فرغ المؤلف من هذا الكتاب سنة 1057 هـ / 1647 م ، و هو كتابٌ في مجلد واحد ذكر فيه المؤلف أسماء الصحابة مرتبة على حروف المعجم .
و توجد منه نسخة وحيدة في البوسنة ، تقع في ( 140 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها حسن البيكاني ، و لم يذكر تاريخ النسخ ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 3013 /
601 ) .
الكتاب الثاني عشر :
مختصر السيرة النبوية و أخبار بعض الصحابة .
لمؤلِّف مجهول .
و هو كتابٌ صغير ذكر فيه المؤلف طبقات الصحابة مرتبة على حروف المعجم ، مثل :
ذكر من صح أنه شهد بدراً .
ذكر من آخى بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ذكر المؤلَّفة قلوبهم .
و توجد منه نسخة وحيدة في البوسنة ، تقع في ( 23 ) ورقة ، (45-67) ، مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (300 / 4162 ) .
الكتاب الثالث عشر :
مشيخة أبي المعالي يحيى بن فضل الله بن مجلي بن دعجان القرشي العدوي العمري(3) ( 738 هـ / 1338 م ) .
تقع في ( 164 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه ، و قد كتبها للغازي علي باشا ، أحد أعيان البوسنة ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم
( 1796 / 600 ) .
ثالثاً : مخطوطات علم غريب الحديث :
__________
(1) ... ذكره البغدادي في : هديّة العارفين 2 / 471 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي 2 /640 .
(2) ... عبد الكريم بن ولي الدين : محدث ، له من التصانيف أيضا : تبيين الكلام في القيام و الصيام ، و تنوير السالكين و ترتيب الطالبين في الأحاديث الواردة في فضل الذكر سرا و جهرا و التهليل صريحا و ضمنا ، مجمع الفوائد و معدن الفرائد في الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
انظر ترجمته في : معجم المؤلفين 6 / 7 .
(3) ... أبو المعالي ، هو : القاضي ، محيي الدين ، أبو أحمد ، الدمشقي ، الشيخ الكبير ، الصدر الرئيس ، صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية ، ولد بالكرك سنة 645 هـ / 1247 م ، سمع بدمشق و القاهرة و حدث بهما ، و كان كثير السكون مهيبا و قورا ، قال ابن رافع السلامي : ( خرج له بعض المحدثين مشيخة كبيرة ، و حدث بها ) .
انظر ترجمته في : الوفيات لابن رافع السلامي 1 / 216 ، معجم الشيوخ للذهبي 2 / 371 ، ذيل التقييد 2/ 305 ، الدرر الكامنة 4 / 424 ، حسن المحاضرة 1 / 394 ، النجوم الزاهرة 9 / 316 .(/13)
غريب الحديث ، هو : العلم الذي يتناول حلَّ الألفاظ الواردة في الحديث النبوي ، و بيان معاني مفرداته ، و يختلف على شرح الحديث حيث يقف علم الغريب عند حدِّ بيان معنى الكلمة ، دون شرح عبارات الحديث ، أو استنباط أحكامه و حكمه ، بينما يتناول شرح الحديث هذه الأمور كلَّها ، و ربَّما زاد عليها ترجمة الرواة ، و رجال الإسناد .
و في مكتبات البوسنة نسخٌ خطيَّة لثلاثة كتب من أشهر ما صنِّف في غريب الحديث ، و هي :
الكتاب الأوَّل :
معاني الأخبار ، و يعرف باسم : بحر الفوائد (1) .
تأليف أبي بكر محمد بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري (2) ( ت 380هـ/990م ) .
توجد نسخة خطية وحيدة منه ، و هي ناقصةٌ من نهايتها ، و تقع في
(304) أوراق ، مكتوبةً بخطٍ نسخيٍ قديم . لا يعرف اسم كاتبها ، و لا تاريخ نسخها.
و هي من أوقاف داوود آغا على مدرسة أحمد آغا بموستار .
و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم (4094) .
و قد نقلت إليها من مكتبة قرجوز بيك ، بموستار .
الكتاب الثاني :
مشارق الأنوار على صحاح الآثار(3)
تأليف القاضي أبي الفضل عِياض بن موسى اليحصبي (4) (ت :544 هـ 1149 م ).
يوجد منه نسخة خطية وحيدة (5) ، تقع في (475) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، لا يعرف اسم كاتبها و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و عليها حواشٍ و تعليقات كثيرة بخط الشيخ محمد الخانجي رحمه الله الذي أتمَّ ما كان فيها من نقصٍ في بعض المواضع ، مستعيناً في ذلك بقيِّم مكتبة محمد أفندي تارابارا في دِرفينتا ، بالبوسنة .
و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو، تحت رقم (170) .
الكتاب الثالث :
البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير(6) .
تأليف الإمام عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني (ت : 973 هـ /
1656 م ) (7) .
توجد منه نسخة وحيدة (8)، و هي كاملة تقع في (80) ورقة ، مكتوبة بخطٍ تعليقي ، كتبها عبد الله قنطميري .
و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 1688 / 1 ) ، و قد نقلت إليها من مكتبة الشيخ محمد الخانجي رحمه الله .
المبحث الثاني
مخطوطات علم الحديث روايةً
أوَّلاً : الكتب الستة .
يطلق العلماء مصطلح الكتب الستة على ، الصحيحين و السنن الأربعة ، أي أنَّها تشمل :
الجامع الصحيح ، و هو صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري .
صحيح الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري .
السنن الكبرى ، و هو سنن الإمام النسائي .
الجامع الصحيح ، و هو سنن الإمام الترمذي .
سنن الإمام أبي داود .
سنن الإمام ابن ماجة القزويني .
و قد وقفت على نسخٍ خطيَّة لثلاثة كتبٍ من هذه الكتب الستة ، و هي :
الكتاب الأوَّل :
الجامع الصحيح ، المعروف بصحيح البخاري .
__________
(1) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/200 ، و حاجي خليفة ، في : كشف الظنون :1/225 .
(2) ... محمد بن إبراهيم الكلاباذي ، هو : تاج الإسلام ، الحنفي ، وسماه بعضهم : محمد بن إسحاق . أصولي ، محدث ، صوفي ، من مصنفاته أيضا : الأشفاع و الأوتار ، التعرف لمذهب التصوف ، و شرحه : حسن التصرف ، و الأربعين .
(3) ... ذكره حاجي خليفة في : كشف الظنون : 2/ 1687 ، و هو مطبوعٌ في المطبعة المولوية بفاس ، سنة 1329هـ / 1911 م ، ثمَّ نشرته المكتبة العتيقة بالقاهرة سنة 1397 هـ / 1977 م ، و أعادت نشره وزارة الأوقاف المغربية سنة 1402هـ / 1982 م بتحقيق البلعمشي أحمد يكن .
(4) ... عياض بن موسى ، هو : السبتي ، المالكي ، العلامة ، عالم المغرب ، إمام الحديث في وقته ، و أعرف الناس بعلومه ، و بالنحو و اللغة و كلام العرب و أيامهم و أنسابهم ، من مصنفاته كتاب الشفاء الذي لم يسبق إلى مثله .
انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ للذهبي 4 - 96 ، شذرات الذهب 6 / 226 ، هديّة العارفين ، للبغدادي : 1 - 805 و معجم المؤلِّفين ، لعمر رضا كحالة : 8-16 .
(5) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/ 295 تحت رقم 482 .
(6) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/338 ، و هو كتاب مطبوعٌ ، نشرته في القاهرة المطبعة الكستليَّة ، سنة 1280 هـ / 1864 م .َ
(7) ... الشعراني : الأنصاري ، الشافعي ، الشاذلي ، المصري ، أبو المواهب و أبو عبد الرحمن ، فقيه ، أصولي ، محدث صوفي ، مشارك في أنواع من العلوم ، له : شرح جمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي .
انظر ترجمته في : شذرات الذهب 10 / 544 ، هديّة العارفين ، للبغدادي : 1/ 641 ، معجم المؤلِّفين لعمر رضا كحالة : 6/ 218 .
(8) نظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/361 تحت رقم 577 .(/14)
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي(1) (ت : 256هـ / 870 م ) :
و توجد ثمانية عشر نسخة خطيَّة لأجزاء منه في مكتبات البوسنة و الهرسك ، فيما يلي وصفها :
... النسخة الأولى :
... تقع في ( 131 ) ورقة ، و هي للجزء الأول من ( الصحيح ) ، و قد تمّ نسخها سنة 1041هـ/1631م ، بخط نسخي جميل ، كتبها عبد القادر بن مصطفى الأزهري بالقاهرة سنة 841هـ / 1437م ، و قرأها على الشيخ علاء الدين القلقشندي (2)( ت 856 هـ / 1452 م ) .
تبدأ هذه النسخة من أوَّل الصحيح ، حتى نهاية أبواب الاعتكاف ، و عليها سماعات و إجازات عدّة .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (110/403) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الثانية :
... تقع في (187) ورقة ، و هي للجزء الثاني من ( الصحيح ) ، و قد تمّ نسخها ، بخط نسخي جميل ، كتبها عبد القادر بن مصطفى الأزهري في القاهرة سنة 841هـ / 1437م ، و قرأها على الشيخ علاء الدين القلقشندي أيضاً .
... تبدأ هذه النسخة بكتاب البيوع ، و تنتهي بباب إسلام سلمان الفارسي
- رضي الله عنه - (3)، و عليها سماعات و إجازات عدّة . و هي كما يبدو مكملة للنسخة المذكور
سابقاً .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (114/404) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الثالثة :
... تقع في (435) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها عبد الله بن أحمد بن حاجي خليل القنطميري ، و لم يذكر سنة النسخ و لا مكانه .
... تبدأ هذه النسخة بباب المغازي ، و تنتهي بنهاية ( الصحيح ) ، و في نهايتها حاشية فيها ذكر جوانب من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، و هي منسوبة إلى الإمام محيي الدين النووي رحمه الله(4)( ت 676 هـ/ 1278 م ) .
و محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (330/405) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الرابعة :
... تقع في (511) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها عبد المعطي الخليلي الأزهري المقدسي ، سنة 1141هـ/1728م ، في المسجد الأقصى ببيت المقدس .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (121/406) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الخامسة :
... تقع في ( 422 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، و تعليقي في بعض المواضع ، كتبها إلياس بن يحيى بن حمزة الرومي ، سنة 821 هـ / 1418 م ، في خانقاه الخواجة محمد بارسة ، قرب مدينة بُخارى .
... و على النسخة هذه ما يفيد ملكيتها للشيخ محمد متولى السلطان بايزيد ، و قد وقفها في مدينة سولون ، سنة 1131هـ / 1718 م ، و عليها أوقاف أخرى آخرها باسم هرمو زاده .
... و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 443 / 407 ) .
النسخة السادسة :
... تقع في (267) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، لا يعرف كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
__________
(1) ... البخاري : شيخ الإسلام ، و إمام الحفاظ ، كان رأسا في الذكاء ، رأسا في العلم ، رأسا في الورع و العبادة كان يقول : أحفظ مئة ألف حديث صحيح ، و مئة ألف حديث غير صحيح . قال ابن خزيمة : ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 2 / 4 ، الأنساب للسمعاني 2 / 68 ، وفيات الأعيان لابن خلكان 4 / 188 ، طبقات الحنابلة 1 / 271 ، طبقات السبكي 2 / 212 .
(2) ... علاء الدين القلقشندي ، هو : علي بن أحمد بن إسماعيل المصري ، الشافعي ، القرشي ، العلامة ، فقيه ، أصولي ، لغوي ، شارك في عدة علوم ، و تصدى للإفتاء و التدريس ، و انتفع به الطلبة .
انظر ترجمته في : معجم الشيوخ لابن فهد ص 166 ، الضوء اللامع 5 / 161 ، شذرات الذهب 9 / 422 ، معجم المؤلفين 7 / 10 .
(3) ... سلمان الفارسي - رضي الله عنه - ، هو : أبو عبد الله ، سابق الفرس إلى الإسلام ، صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - و خدمه ، وحدث عنه، و كان لبيبا حازما ، من عقلاء الرجال و عبادهم و نبلائهم ، توفي بالمدائن سنة 33 هـ / 654 م .
... انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 4 / 54 ، حلية الأولياء 1 / 185 – 208 ، سير أعلام النبلاء 1 / 505 – 558 ، تهذيب التهذيب 4 / 137 .
(4) ... محيي الدين النووي ، هو : يحيى بن شرف بن مري ، أبو زكريا الحزامي ، الحواربي ، الشافعي ، ولد سنة 631هـ/ 1233 م ، إمام حافظ ، فقيه بارع ، ولي مشيخة دار الحديث بعد أبي شامة إلى أن مات ، كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا و تصحيحا .
انظر ترجمته في : طبقات الأسنوي 2 / 476 ، تذكرة الحفاظ 4 / 1470 – 1486 ، البداية و النهاية 13/278 – 279 ، طبقات الشافعية للسبكي 8 / 395 – 400 ، النجوم الزاهرة 7 / 278 .(/15)
... و تبدأ هذه النسخة بكتاب الحج ، و تنتهي بباب فضل عائشة رضي الله عنها .
... و هي من أوقاف أحمد عاصم بن محمد متوليتش سنة 1269 هـ/ 1852 م على مدرسة الغازي خسرو بيك بسراييفو .
... و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (451/408) .
النسخة السابعة :
... تقع في (292) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، مكتوبة سنة 700 هـ / 1300 م ، و لا يعرف اسم الناسخ ، و لا مكان النسخ .
... و تبدأ هذه النسخة بباب الاستئذان من أجل البصر ، و تنتهي بنهاية الجزء ، و عليها قراءاتٌ عدة .
... و عليها ما يفيد ملكيتها لمحمد رفدي المدرس بمدرسة خير الدين باشا .
... و هي من أوقاف هرمو زاده .
... و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (455/409) .
النسخة الثامنة :
... تقع في (254) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد بن يوسف الدميري ، و لا يعرف مكان النسخ أو تاريخه .
... و تبدأ هذه النسخة بكتاب البيوع ، و تنتهي بباب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على كفار قريش ، و عليها سماعاتٌ عدة .
... و هي من أوقاف محسن زاده عبد الله باشا والي البوسنة سنة 1146هـ/
1733م .
... في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (498/410) .
النسخة التاسعة :
... تقع في (242) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها أحمد بن أحمد بن صدقة بن حسين الفارسكوري الغمري ، و لا يعرف مكان النسخ أو تاريخه .
... و تبدأ هذه النسخة بباب النذر فيما لا يملك و في معصية ، و تنتهي بنهاية ( الصحيح ) .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (584/411) .
النسخة العاشرة :
تقع في (192) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها علي بن برجة الصرخاني ، و جزَّأها إلى ثلاثين جزءاً ، و لا يعرف مكان النسخ أو تاريخه .
و تبدأ هذه النسخة باب الاستعفاف عن المسألة من كتاب الزكاة ، و تنتهي بنهاية الكتاب .
و هي من أوقاف هرموزاده عزَّت صالح أفندي.
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1525/412) .
النسخة الحادية عشر :
تقع في (248) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي جميل ، لا يعرف اسم كاتبها و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و تبدأ هذه النسخة بكتاب القدر ، و تنتهي بنهاية الجزء السادس من (الصحيح) و عليها ثبت قراءة باسم زين الدين عبد الرحمن الآمدي بن إبراهيم بن محمد سنة 875 هـ /1470 م .
و هي من أوقاف مميش آغا كاسوماغيتش .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 1555 / 413 ) .
النسخة الثانية عشر :
تقع في (215) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم ناسخها و لا مكان النسخ أو تاريخه .
تبدأ هذه النسخة من أوَّل الصحيح ، و تنتهي بباب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين .
و عليها ما يفيد ملكيتها لقاسم بن إبراهيم بن قاسم بن علي سنة 1203هـ/1788م ، ثُم أحمد سعيد بن أحمد سنة 1208هـ/1793م ، ثمَّ مصطفى بن محمد بن خليل موكا زاده الموستاري .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3754/416) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
النسخة الثالثة عشر :
تقع في (361) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها و لا مكان النسخ أو تاريخه .
تبدأ هذه النسخة من باب قول الله تعالى { فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيام } ] البقرة : 184 [ ، و تنتهي بنهاية الجزء الأوَّل من
( الصحيح ) .
و عليها ما يفيد ملكيتها لمصطفى بن محمد بن خليل موكازاده الموستاري .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3748/416) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
النسخة الرابعة عشر :
تقع في (185) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الماجدي الشافعي ، سنة 876 هـ/1471م .
تبدأ هذه النسخة من كتاب الأيمان و النذر ، و تنتهي بنهاية الجزء الثامن من ( الصحيح ) .
و عليها إجازة برواية الصحيح و سائر مرويات الإمام أحمد بن إبراهيم بن أحمد الزرعي الدمشقي الشافعي(1) ، لبهاء الدين أحمد بن الشيخ شمس الدين الحمصي .
و عليها ما يفيد ملكيتها لأحمد آغا البوشناقي ، سنة 1055هـ/1645م .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3798/418) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
النسخة الخامسة عشر :
__________
(1) ... الزرعي الدمشقي ، هو : شهاب الدين ، الأقباني الصوفي ( ت 932 هـ / 1526 م ) ، اشتغل بالعلم على والده برهان الدين ، و ابن عمته رضي الدين .
انظر ترجمته في : الكواكب السائرة 1 / 130 ، شذرات الذهب 10 / 254 .(/16)
تقع في (171) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد بن سليمان العرَّائي ، سنة 880هـ/1475م .
و عليها ما يفيد ملكيتها لأحمد آغا البوشناقي ، سنة 1055هـ/1645م ، الذي أوقفها على مدارس موستار .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3813/419) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
النسخة السادسة عشر :
تقع في (24) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ولا مكان النسخ أو تاريخه .
و أوَّل القدر الموجود هو باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد عبد قيس على أن يحفظوا الإيمان و العلم ، و آخره بداية كتاب الصلاة من الصحيح .
و هي من أوقاف موستاي بيك جنتيتش على عقبه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (141/420) .
النسخة السابعة عشر :
تقع في (188) ورقة مكتوبة بخط نسخي كبير، لا يعرف اسم كاتبها و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و القدر الموجود في هذه النسخة يبدأ من تفسير قوله تعالى { و الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة } ] الزمر : 67 [ ، و ينتهي بنهاية كتاب التفسير من
( الصحيح ) .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (278/421) .
و على صلة بصحيح البخاري
و قفت في البوسنة على جزءٍ بعنوان : ( ثلاثيات البخاري )(1).
و هي لمؤلِّفٍ مجهول .
و الثلاثيات عبارة عن الأحاديث التي رواها الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، و بينه و بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة رواة فقط .
و تقع هذه النسخة في ستة أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد بن حسن بن همات الدمشقي ( ت : 1175هـ/1761م ) ، و لم يشر إلى مكان النسخ أو تاريخه .
و على هذه النسخة تعليقات مختصرة ، صرَّح الناسخ أنه اقتبسها من شرح أحمد بن أحمد العرفاني المصري ، حيث قال في نهاية المخطوط : (( لم أقف على جامع هذه الثلاثيات ، و وقفت على جمعٍ آخر لمحدث مصر أحمد بن العجمي(2) ، شكر الله مسعاه ، و جعل الجنة مثواه … أوقعَ عليه شرحاً لطيفاً ، و هو كما قال في خطبة كتابه مستمدٌّ من فيض فتح الباري للحافظ بن حجر ، و جميع ما أشرت إليه في هوامش هذه الأحاديث من الشرح ، فالمراد به هذا الشرح … ))
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3505/591) .
شروح البخاري
أمَّا شروح صحيح البخاري ، ففي البوسنة نسخٌ خطيَّة لأربعة منها ، و هي :
الشرح الأوَّل :
بعنوان : الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري .
تأليف محمد بن يوسف بن علي الكرماني ( ت : 786هـ / 1384 م )(3).
و لهذا الشرح أو بعض أجزائه في البوسنة و الهرسك خمس نسخ خطية فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تحوي قطعة من الجزء الأول للكتاب ، تقع في (187) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي جميل ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي من أوقاف مميش آغا . ومحفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (598/428) .
النسخة الثانية :
و هي للجزء الأوَّل من الكتاب ، و تبدأ من أوَّله ، و تنتهي بنهاية كتاب الحوالات ، و تقع في (465) ورقة مكتوبة بخط نسخي قديم ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (334) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الثالثة :
__________
(1) ... قال حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : : المراد بالثلاثيَّات ما اتصل إسناده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من الحديث بثلاثة رواة ، و تنحصر الثلاثيَّات في صحيح البخاري في (22) حديثاً ، الغالب منها عن مكي بن إبراهيم ، و هو ممَّن حدَّثه عن التابعين ، و هم في الطبقة الأولى من شيوخه ، مثل محمد بن عبد الله الأنصاري ، و أبي عاصم النبيل ، و أبي نعيم ، و خلاَّد بن يحيى ، و علي بن عبَّاس . اهـ
(2) ... أحمد بن العجمي ، هو : أحمد بن أحمد بن محمد العرفاني ، المصري ، الشافعي ، شهاب الدين المعروف بالعجمي ( ت : 1086هـ / 1675 م ) ، له : شرح ثلاثيات البخاري ، و تنزيه المصطفى المختار عمَّا لم يثبت من الأخبار و الآثار ، و جمع أشعار الإمام الشافعي رحمه الله .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر 1 / 175 و ما بعدها ، إيضاح المكنون 1 / 329 ، هدية العارفين 1 / 162 ، معجم المؤلفين 1 / 152 .
(3) ... الكرماني : فقيه شافعي و محدث ، طاف البلاد ، دخل مصر و الشام و الحجاز و العراق ، ثم استوطن بغداد. مات عن تسع و ستين سنة ، له شرح صحيح البخاري المذكور أعلاه ، و شرح المواقف للإيجي . =
= ... انظر ترجمته في : طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3 / 245 بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة ، للسيوطي 1/279 ،النجوم الزاهرة 11 / 303 ، شذرات الذهب 8 / 505 .(/17)
و هي للجزء الثاني من الكتاب ، و تبدأ بكتاب الكفالة ، و تنتهي بنهاية الجزء ، و تقع في (523) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي قديم و جميل ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و عليها ما يفيد ملكيَّتها للقاضي زاهر بن سعد الله ، سنة 873 هـ / 1469 م ثم لمحمد بن عبد اللطيف الحنبلي ، ثم لأبي الفلاح عبد الحيِّ بن أحمد بن محمد بن العماد (1) .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (465/425) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الرابعة :
و هي للجزء الثالث من الكتاب ، و تبدأ من كتاب الجمعة ، و تنتهي بباب من لم ير عليه صوماً ، و تقع في ( 196 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، كتبه محمد بن محمد بن أحمد الحجازي الغزي الشافعي(2) سنة 877 هـ / 1473 م . و لم يشر إلى مكان نسخها .
و هي من أوقاف هرمو زاده .
و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (495/426) .
النسخة الخامسة :
هي للجزء الرابع من الكتاب ، تبدأ من أوَّل كتاب البيوع ، و تنتهي بباب إسلام سلمان الفارسي - رضي الله عنه - ، و تقع في (240) ورقة ، و هي كسابقتها - و لعلَّها تتمة لها - مكتوبة بخط نسخي قديم ، كتبها محمد بن محمد بن أحمد الحجازي الغزي الشافعي سنة 877 هـ / 1473 م . و لم يشر إلى مكان النسخ .
و هي من أوقاف هرموزاده ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (454/427) .
الشرح الثاني :
و هو بعنوان : فتح الباري شرح صحيح البخاري (3)
تأليف الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت : 852 هـ/ 1448م ) .
توجد في البوسنة قطعة من الجزء السابع من الفتح ، أوَّلها كتاب : علامات النبوة، و آخرها باب : كم غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب المغازي .
و تقع في (197) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، كتبها إبراهيم بن إبراهيم البصري .، و هي من أوقاف محمد ( ؟ ) رئيس الأطباء على عموم المسلمين في موستار .
و تحفظ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم :
(3821) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك .
الشرح الثالث :
و هو بعنوان : عمدة القاري شرح صحيح البخاري(4).
تأليف الحافظ بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى العيني الحنفي(5) (ت : 855هـ / 1451 م ) .
و ليس لهذا الشرح في البوسنة سوى نسخة من جزئه الأول ، تبدأ ببدايته ، و تنتهي بباب الصلاة بين السواري في غير جماعة .
و تقع في (575) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم و جميل ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف أحمد آغا على مدرسته في موستار ، سنة 1064 هـ / 1654 م .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3740) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك .
الشرح الرابع :
بعنوان : إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري .
تأليف أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني(6) ( ت : 923 هـ / 1517 م ) .
توجد للكتاب نسخة خطية واحدة في البوسنة ، تشمل الأجزاء الثلاثة الأُول ، إضافة إلى الجزء الخامس منه .
يقع الجزء الأوّل في (482) ورقة ، و يبدأ من أوَّل الشرح و ينتهي بباب : هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب و العشاء .
__________
(1) ... ابن العماد ، هو : شهاب الدين ، المؤرخ الإخباري ، الدمشقي الحنبلي ( ت 1089 هـ / 1678 م ) صاحب كتاب شذرات الذهب . انظر ترجمته في : خلاصة الأثر 2 / 340 ، الأعلام 4/61.
(2) ... الغزي ، هو : أبو الفضل رضي الدين ، عالم ، أديب ، مشارك في بعض العلوم أصله من غزة ، و ولد بدمشق و نشأ بها ، توفي سنة 935 هـ / 1529 م .
انظر ترجمته في :الكواكب السائرة 2 / 3 ، شذرات الذهب 10 / 292 ، الأعلام 7 / 56 ، معجم المؤلفين 11 / 184 .
(3) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/263 تحت رقم : 422 .
(4) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/264 تحت رقم : 423
(5) ... العيني : برع في الفقه ، و التفسير ، و الحديث ، و اللغة ، و النحو ، و التصريف ، و التاريخ ، وكان من أوعية العلم ، و قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية ، صاحب التصانيف المفيدة .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 10 / 131 ، بغية الوعاة 2 / 275 ، النجوم الزاهرة 16 / 8 ، شذرات الذهب 9 / 418 .
(6) ... القسطلاني : شهاب الدين ، أبو العباس الشافعي ، فقيه ، مقرئ ، محدث ، مسند ، ولد بمصر سنة 851 هـ / 1447 م ، لم يكن له نظير في الوعظ ، حسن الجمع و التأليف .
انظر ترجمته في : الكواكب السائرة 1 / 126 – 127 ، شذرات الذهب 10 / 169 – 170 ، الأعلام 1/232 .(/18)
و يقع الجزء الثاني في (118) ورقة ، و يبدأ بباب : يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، و ينتهي بباب منتهى التلقي من كتاب البيوع .
و يقع الجزء الثالث في (609) ورقة ، و يبدأ بباب : إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل ، من كتاب البيوع ، و ينتهي ببداية كتاب المناقب .
و يقع الجزء الخامس في (554) ورقة ، و يبدأ بباب : قوله تعالى { و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم … } ] الحجرات : 5 [ و ينتهي بنهاية باب : قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا … }
] المجادلة:11 [ .
و مجموع مايوجد من الكتاب واقع في (1763) ورقة مكتوبة بخط نسخي كتبها الناسخ عبد الغني الشبراوي الأزهري ، سنة 1162هـ / 1749 م .
و الكتاب من أوقاف الحاج محمد باشا ، سنة 1166هـ / 1753 م .
و هو محفوظٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (116/429 و 119/433) ، و قد نُقل إليها من مكتبة ألجي إبراهيم بترافنيك .
الكتاب الثاني
صحيح الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري(1) .
لم أقف على أي نسخة خطيَّة منه في البوسنة ، و لكنَّ هناك نسخة لأجزاء من شرحه للإمام النووي ، و أخرى لشرح مختصر صحيح مسلم ، فيما يلي وصفهما :
الشرح الأوَّل :
و هو بعنوان : المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج .
تأليف يحيى بن شرف النووي ( ت :676هـ/1277م ) .
و توجد نسخة خطية من جزئه الثالث ، تبدأ بكتاب الحج ، و تنتهي بكتاب الإمارة ، و تقع في (257) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها علي بن محمد الكتبي ، و لم يشر إلى مكان النسخ أو تاريخه .
و على هذه النسخة ما يفيد مقابلتها على نسخة الشيخ علاء الدين بن العطَّار(2) ، المنقولة من نسخة المصنِّف الإمام النووي رحمه الله تعالى .
و عليها ما يفيد ملكيتها لإبراهيم بن حمزة الشهير بعشاقي زاده .
و هي من أوقاف كاسوماغيتش مميش آغا .
و هي تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (446/552) .
الشرح الثاني :
و هو بعنوان : شرح مختصر صحيح مسلم .
لمؤلِّفٍ مجهول(3).
توجد نسخة خطية لقطعة منه ، أوَّلها : في حكم ما افتتح من القرى بقتالٍ أو بغير قتال ، و آخرها : تنفيل و فد المسلمين بالأسرى ، و تقع في (341) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، لا يعرف اسم كاتبها و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي من أوقاف إبراهيم باشا من أهالي بوجيتيل ، و هي قرية قرب موستار .
و النسخة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3801/555) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
الكتاب الثالث :
السنن (4) :
تأليف أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني ( ت : 273 هـ /
887 م ) (5).
توجد نسخة وحيدةٌ كاملة منه (6) ، تقع في (501) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ ، كتبها محمد الخليلي الشافعي .
__________
(1) ... مسلم بن الحجاج : القشيري ، أبو الحسين ، الحافظ الحجة الصادق ، أحد أئمة الدنيا .
انظر ترجمته في : الجرح و التعديل 8 / 182 ، تاريخ بغداد 13 / 100 ، الأنساب للسمعاني 4 / 503 ، سير أعلام النبلاء 12 / 557 .
(2) ... علاء الدين ابن العطار ، هو : علي بن إبراهيم بن داود الشافعي ، يلقب بمختصر النووي ، محدث ، فقيه ، زاهد عابد ، له مصنفات مفيدة ، و هو أشهر أصحاب النووي و أخصهم به ، لزمه طويلا ، و كتب مصنفاته توفي بدمشق سنة 724 هـ / 1324 م .
انظر ترجمته في : طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2 / 355 – 356 ، البداية و النهاية 14 / 117 ، المعجم المختص للذهبي ص 156 ، شذرات الذهب 8 / 114 .
(3) ... ذكر حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1 / 558 أنَّ لصحيح مسلم مختصرين أحدهما لأبي الفضل محمد بن عبد الله المريسي ( ت : 656 / 1257 م ) ، و لم يذكر له شرحاً ، و ثانيهما لزكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ( ت : 656 هـ / 1258 م ) ، و لهذا المختصر شرحان : الأوَّل لعثمان بن عبد =
= ... الملك الكردي المصري ( ت : 738 هـ / 1336 م ) ، و الآخر لمحمد بن أحمد الإسنوي ( ت : 763هـ / 1361 م ) .
(4) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2 / 1004 ، و هو كتاب مطبوعٌ معروف .
(5) ... ابن ماجه : الربعي مولاهم ، أبو عبد الله ، حافظ قزوين في عصره ، ثقة كبير ، متفق عليه ، محتج به ، ارتحل إلى العراقين ، ومكة ، و الشام ، و مصر ، و الري ؛ لكَتْب الحديث ، ولد سنة 209هـ / 824 م ، من آثاره : تاريخ قزوين ، و تفسير القرآن .
انظر ترجمته في : وفيات الأعيان 4 / 279 ، تهذيب الكمال 27 / 40 ، تذكرة الحفاظ 2 / 636 ، سير أعلام النبلاء 13 / 277 ، البداية و النهاية 11 / 52 ، طبقات المفسرين 2 / 272 .
(6) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركييَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/267 تحت رقم : 434 .(/19)
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1604) .
و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
ثانياً : المسانيد
المسانيد ، هي : كتبٌ مرتبة على أسماء رواة الأحاديث من الصحابة ، بحيث تجمع كلَّ ما رواه الصحابي ، و رُوي عنه ، في مكانٍ واحد ، بغض النظر عن موضوعاتها الفقهية .
و في البوسنة منها كتاب : فردوس الأخبار بمأثور الخطاب (1).
تأليف أبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الحمداني ( ت : 509 هـ/ 1116 م ) .
توجد نسختان خطيتان منه في البوسنة فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
تقع في ( 417 ) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي قديم ، كتبها عبد السلام بن محمد بن حسن بن علي الخوارزمي ، سنة 546 هـ / 1151 م في المدرسة العمادية بهمذان ، و هي ناقصة من بدايتها ، و فيها سَقَطٌ في مواضع عدَّة ، و قد أوقفها محمد أفندي مفتيتش ، المدرس بمدرسة الغازي خسرو بيك ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات تلك المدرسة بسراييفو تحت رقم : ( 475 / 451 ) .
و هذه النسخة أقدم ما يوجد في البوسنة من مخطوطات الحديث النبوية ، و قد كتبت سنة 546 هـ / 1151م ، أي بعد وفاة المؤلف رحمه الله بإحدى و ثلاثين سنة فقط .
النسخة الثانية :
و تقع في (138) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه و هي كسابقتها كثيرة النقص و السقط . و أوَّل القدر الموجود منها : فصلٌ في إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباً (2) ، و آخره حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها )) (3)
__________
(1) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/344 و حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2 / 1254 ، و هو كتابٌ مطبوع ، نشرته دار الكتب العلمية ، في بيروت ، سنة 1406هـ/ 1986م ، بتحقيق محمد السعيد البسيوني .
(2) ... وهذا الفصل منزوع من حديث ، و لفظه كاملاََ :
إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباَ ، فإن أقربهما باباَ أقربهما جواراَ ، و إذا سبق أحدهما فأجب الذي يسبق .
و هو حديث حسن :
أخرجه أبو داود ( 3756 ) في الأطعمة ، باب : إذا اجتمع داعيان أيهما أحق . و أحمد في " مسنده " 5 / 408 ، و إسحاق بن راهويه في " مسنده " 3 / 755 ( 1368 ) ، و الطحاوي في " مشكل الآثار "
( 2798 ) من طرق عن عبد السلام بن حرب ، حدثنا أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني ، عن أبي العلاء الأزدي ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ـ فذكره .
قلت : و إسناده حسن . رجاله كلهم ثقات سوى أبي خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني ، فإنه صدوق
(3) ... انظر : تهذيب الكمال 33 / 275 ، و ميزان الاعتدال 4 / 432 .
و قال ابن الملقن في " خلاصة البدر المنير" 2 / 208 : ( رواه أبو داود بإسناد فيه مقال ) .
و ضعفه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " ، فتعقبه الصنعاني في " سبل السلام شرح بلوغ المرام " 3 / 158 بقوله : ( و لكن رجال إسناده موثوقون ، و لا يدرى ما وجه ضعف سنده ) ، ثم ذكر إسناده ، و أقوال العلماء في أبي خالد الدالاني .
و ضعفه أيضاَ الحافظ في " تلخيص الحبير " 3 / 196 ، و قال : ( و رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة ، من رواية حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه به . و له شاهد في البخاري من حديث عائشة : قيل : يا رسول الله ، إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال : إلى أقربهما منك بابا ) .
قلت : ورواية أبي نعيم ـ التي أشار إليها ابن حجر ـ في " معرفة الصحابة " ( 4683 ) رواها إسماعيل بن عمرو البجلي ، عن عبد السلام بن حرب به بنفس الإسناد . إلا أنه قال : ( عن أبيه ) . بدل : ( عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .
... و إسماعيل : ضعيف كما في " لسان الميزان " 2 / 118 . وقد خالف جماعة كما في الرواية السابقة ، وهي المحفوظة . =
= ... ضعيف :
أخرجه الدارقطني في " الأفراد " ـ كما في " نصب الراية " 1/ 80 ـ و من طريقه الخطيب البغدادي في " تلخيص المتشابه " 2 / 341 ، و البيهقي في " السنن الكبرى " 1 / 182 من طريق : مسلم بن صبيح ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - به .
ونقل الخطيب البغدادي ، عن الدارقطني قوله : ( هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت عن أنس ، تفرد به مسلم بن صبيح ، عن حماد ، و لم نكتبه إلا من هذا الوجه ) .
و مسلم بن صبيح : تصحف اسمه عند الطبراني في " المعجم الكبير " 1 / 260 ( 755 ) ، و من طريقه الضياء في " المختارة " 5 / 68 ( 1693 ) إلى : سلمة بن صبيح ، و زاد في نسبه : اليحمدي .
قال الهيثمي في " المجمع " 1 / 273 : ( رواه الطبراني في الكبير و فيه سلمة بن صبيح اليحمدي ، و لم أجد من ذكره ) .
و قال الشوكاني في " السيل الجرار " 1 / 115 : ( في إسناده مسلم بن صبيح اليحمدي ، و هو مجهول ، وهو غير أبي الضحى مسلم بن صبيح المعروف فإنه أخرج له الجماعة ) .
و قد تساهل الضياء في إخراج هذا الحديث في كتابه ، مع جهالة مسلم ، و انفراده به عن حماد بن سلمة ، مع أن حماد بن سلمة إمام مشهور ، له أصحاب كثر اعتنوا بحديثه ، أين هم من هذا الحديث ؟!
ويبدو أن الصنعاني لم يقف على إسناده حيث قال في " سبل السلام " 1 / 92 : ( فهذا الحديث مع إخراج الضياء له وهو يشترط الصحة فيما يخرجه يثمر الظن في العمل به ) .(/20)
، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (2709/452) .
ثالثاً : المجاميع :
المجاميع : جمع ( مجمع ) ، و المقصود بالمجمع كل كتاب جمع فيه مؤلِّفه أحاديث عدة مصنَّفات ، و رتَّبها على ترتيب تلك المصنفات التي جمعها فيه (1) .
و في البوسنة منها :
الكتاب الأول :
مصابيح السنَّة (2).
للإمام البغوي (3) ( ت 516 هـ / 1122 م ) .
وقد جمع الإمام البغوي في ( المصابيح ) الكتب الستة ( الصحيحين ، و السنن الأربعة ) ، و أضاف إليها سنن الدارمي(4) ، و عدة ما في مصابيح السنة من الأحاديث أربعة آلافٍ و سبعمئة و تسعة عشر حديثاً :
و لكتاب ( المصابيح ) أربع عشرة نسخة خطيَّة في مكتبات البوسنة و الهرسك فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (487) ورقة ، تمّ نسخها سنة 1121هـ / 1709 م ، في اسطنبول ، بخط نسخيٍّ ، كتبها مصطفى بن محمد بن علي زمينك ، مؤذن جامع جلبي زاده باسطنبول ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (248/453).
النسخة الثانية :
تقع في (267) ورقة ، تمّ نسخها سنة 714هـ/1314م ، بخط نسخي قديم كتبها الناسخ إسماعيل بن خليل بن جوبان ، و على هذه النسخة شروحٌ و تعليقات معظمها من شرح زين العرب(5) للمصابيح .
و هي من أوقاف موستاي بيك جنتيتش ، أوقفها سنة 1289هـ/ 1872 م ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (462/454) .
النسخة الثالثة :
تقع في (284) ورقة ، تمّ نسخها سنة 756 هـ / 1355 م ، بخط نسخي قديم كتبها الناسخ محمد بن خضر بن إسفَهلار ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (481/455) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الرابعة :
تقع في (242) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها الناسخ عبد الله قنطميري ، و عليها ختم يثبت كونها نسخة موقوفة ، دون ذكر اسم الواقف ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (514/456) ، و قد نقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الخامسة :
تقع في ( 149 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي ناقصة من أولها و آخرها ، حيث تبدأ بالصفحة
( 105 ) من باب : الدعوات و تنتهي بحديث من باب : مناقب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (589/457) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة المدرسة الفيضية .
النسخة السادسة :
تقع في (368) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و عليها تملك باسم أحمد سيم زاده ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (678/458) .
النسخة السابعة :
تقع في (70) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه و هي كثيرة النقص ، سقط معظمها .
... و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم :
( 2543 / 459 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة محمد أنور قاضيتش .
النسخة الثامنة :
تقع في (295) ورقة ، مكتوبة بخط نسخيٍّ دقيق ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف سليم مفتيتش ، و محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3080/460) .
النسخة التاسعة :
تقع في (378) ورقة ، تمّ نسخها سنة 1120 هـ / 1708 م ، بخط نسخي صغير ، كتبها سليمان بن حبيب ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3130/461)
النسخة العاشرة :
تقع في (320) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي واضح ، كتبها الناسخ محمد بن يوسف بن عمر ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3400/462) .
النسخة الحادية عشر :
__________
(1) ... أصول التخريج و دراسة الأسانيد ، للدكتور محمود الطحان ، ص : 103 .
(2) ... ذكره حاجي خليفة في " كشف الظنون " 2 / 1698 . و قد طبع في مطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1294 هـ / 1877 م ، ثم أعيد طبعه بعد ذلك مرات .
(3) ... البغوي ، هو : الحسين بن مسعود بن محمد ، أبو محمد محي الدين ، الفراء الشافعي ، الإمام العلامة القدوة ، فقيه ، محدث ، مفسر ، عابد ورع ، صاحب التصانيف المفيدة ، رحل إلى مَرْو الرّوْز ، و طاف بلاد خراسان ، و سمع خلقا كثيرا من علمائها ، ثم عاد إلى مرو الروز يؤلف الكتب ، حتى توفي عن ثمانين عاما . =
= ... انظر ترجمته في : طبقات المفسرين للداودي 1 / 175 ، تذكرة الحفاظ 4 / 1257 ، الطبقات الكبرى للسبكي 7 / 75 – 80 ، شذرات الذهب 6 / 79 ، النجوم الزاهرة 5 / 223 ، الأعلام 2 / 259 .
(4) ... اُنظُر : كشف الظنون ، لحاجي خليفة : 2/ 1698 .
(5) ... زين العرب : تأتي ترجمته عند ذكر كتابه المذكور قريبا .(/21)
تقع في ( 188 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، و هي نسخة ناقصة من آخرها ، و فيها سقط في بعض الأماكن ، و يتخلَّلها تعليقاتٌ و حواشٍ كثيرة و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3789 / 463 ) ، و نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
النسخة الثانية عشر :
تقع في ( 144 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، و ربما كانت تكملة للنسخة السابقة الذكر ، و هي ناقصة في كثير من المواضع ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3790 / 464 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
النسخة الثالثة عشر :
تقع في ( 225 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه و هي ناقصة من أوَّلها حيث تبدأ بباب : أشراط الساعة من الصحاح ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3802 / 465 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
النسخة الرابعة عشر :
تقع في ( 201 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3899 / 466 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار .
شروح المصابيح
و إلى جانب مخطوطات ( المصابيح ) تتوفر في مكتبات البوسنة نسخ من شروحه الخمسة التالية :
الشرح الأوَّل :
بعنوان :شرح مصابيح السنة .
تأليف علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بزين العرب (1)( ت سنةَ 758 هـ/ 1286 م ) .
و لهذا الشرح أربع نسخ خطية في مكتبات البوسنة فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (287) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها يوسف بن إدريس بن عبد الوهَّاب ، البيبزاري ، و لا يُعرف مكان نسخها و لا تاريخه ، و هي ناقصة من أوّلها بنحو تسعين ورقة .
و عليها تملك مؤرَّخ في عام 1106هـ / 1695 م باسم شيت شكوري بن نوح بن أحمد الأسكوبي .
و هي من أوقاف سفرزو محمد أفندي بن محمد آغا ، البوسنوي ، من أهالي سراييفو ، و محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم :
(292/471).
النسخة الثانية :
ناقصة من بدايتها و نهايتها ، تقع (470) ورقة ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (331/472) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الثالثة :
تقع في جزأين عدة الأوَّل منها ( 274 ) ورقة ، و عدّة الثاني ( 363 ) ورقة ، و هي مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها الناسخ عبد الله بن أحمد قنطميري البوسنوي سنة 1179 هـ / 1766 م ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 516 / 474 ) و ( 525 / 473 ) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الرابعة :
تقع في ( 464 ) ورقة ، تمّ نسخها سنة 1041 هـ / 1632 م ، بخط نسخي جميل .
كتبها المؤلف بنفسه ، و كفى بهذا دلالة على قيمتها العلمية و التاريخية ، و عليها ما يفيد مكليتها لمحمد الإزنكي ، و الحافظ أحمد أفندي بن محمد محمود بن علي ، و هي من أوقاف موستاي بيك جنتيتش على ذريته من بعده ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3779/478).
الشرح الثاني :
بعنوان : الميسر في شرح مصابيح السنة .
تأليف شهاب الدين فضل الله بن حسن التوربشتي ( المتوفّى سنة 661 هـ / 1263 م ) (2) .
و توجد منه نسخة خطية وحيدة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 1392 / 467 ) و تقع في ( 327 ) ورقة ، تمّ نسخها سنة 749 هـ / 1348 م ، بخط تعليقي دقيق ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه و قد نُقلت إليها من المكتبة الشهدية .
الشرح الثالث :
و هو بعنوان : تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة .
__________
(1) ... زين العرب : عالم بالحديث ، و نقل حاجي خليفة عن قاسم زاده ( أنه نخواني ) ، ثم تعقبه فقال : ( و الذي في شرح علي القارئ : أنه مصري ) .
انظر ترجمته في : كشف الظنون 2 / 1699 ، هديّة العارفين ، للبغدادي 1 /720 ، الأعلام 4/ 310 ، معجم المؤلفين 7 / 135 .
(2) ... التوربشتي : فقيه و محدث من أهل شيراز ، قال السبكي : ( شرح مصابيح البغوي شرحا حسنا ) . له أيضا : مطلب الناسك في علم المناسك ، و المعتمد في المعتقد ، و تحفة السالكين .
انظر ترجمته في : طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8 / 349 ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2 / 34، كشف الظنون : 1/ 366 ، 373 و 2 / 1698 و 1719 و 1733 .(/22)
تأليف ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي (المتوفَّى سنة 685 هـ / 1286 م ) (1).
توجد نسخة خطية واحدة منه في البوسنة ، تقع في (179) ورقة ، تمّ نسخها سنة 1041هـ/1631م ، بخط تعليقي ، كتبها الناسخ علي بن سنان .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (375/468) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
الشرح الرابع :
و هو بعنوان : المفاتيح في شرح المصابيح ، أو حل المصابيح .
تأليف مظهر الدين الحسين بن محمود بن الحسن الزيداني رحمه الله ( المتوفَّى سنةَ 727 هـ / 1326 م ) (2) .
و توجد منه نسختان خطيتان في مكتبات البوسنة فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
تقع في ( 205 ) ورقة ، تمّ نسخها سنة 845 هـ / 1441م ، بخط معظمه تعليقي.
كتبها الناسخ إبراهيم بن حسن بن إلياس ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3794/469) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك .
النسخة الثانية :
تقع في (293) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا تاريخ نسخها أو مكانه ، و عليها تملك باسم الأخوين مصطفى و حسين جابيتش . و هي محفوظة في دار محفوظات الهرسك ، تحت رقم : (742/334) .
الشرح الخامس :
و هو بعنوان : شرح مصابيح السنة (3) .
تأليف محمد بن عبد اللطيف بن الملك الرومي ( المتوفى قبل سنة 806 هـ / 1403 م ) (4) .
النسخة الأولى :
... و هي عبارة عن المجلد الثاني من الكتاب ، الذي يبدأ بكتاب البيوع و ينتهي بنهاية الكتاب ، و تقع في (289) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي يتخلَّله بعض التعليق كتبها الناسخ عبد الرحمن الشريف بن حاجي نصوح فقيه بن حاجي طور حسن ، سنة 914 هـ/ 1508 م ، و في نهايتها ذكر المدرسَين صالح أفندي، و محمد أفندي، وهما ممن أفاد منها ، و هي من أوقاف المرحوم مميشاه أفندي على المسجد القديم في مدينة فوتشا ، و هي محفوظة اليوم في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (289/475) .
النسخة الثانية :
تقع في ( 289 ) ورقة ، هي مكتوبة بخط تعليقي ، يعود إلى سنة 1058 هـ / 1648 م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه، وهي من أوقاف سفرزو محمد أفندي بن محمد آغا ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (293,1/476) .
النسخة الثالثة :
تقع في ( 365 ) ورقة ، هي مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها الناسخ عبد الله بن أحمد قنطميري البوسنوي ، و لم يذكر تاريخ نسخها ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 428 / 477 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الرابعة :
تقع في ( 464 ) ورقة ، و هي مكتوبة بخط نسخي جميل ، يعود إلى سنة 799 هـ / 1397 م ، كتبها الناسخ جيوان بن عبد الله ، نزيل إسطنبول ، و قد وقع في بدايتها أنَّ عنوانها : ( المفاتيح شرح المصابيح ) ، و هو خطأٌ جليٌّ ، و قد تقدَّم ذكر كتاب المفاتيح و شروحه ، و ليست هذه النسخة منها . وهي من أوقاف الغازي درويش باشا الموستاري ، و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3779 / 478 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك بموستار.
النسخة الخامسة :
تقع في ( 334 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخي ، كتبها حسين بن عثمانوف ، قاضي زفورنيك ، سنة 1064 هـ / 1654 م .
و هي محفوظة في دار محفوظات الهرسك بموستار ، تحت رقم : (754/549) .
و على هذه النسخة ما يفيد ملكيتها سنة 1263 هـ / 1847 م للحاج إبراهيم بن الحاج دوراكوما ، و من بعده الحافظ حسن ، ثمَّ أحمد لاكيشتش بن عبد الله .
الشرح السادس :
شرح مصابيح السنة .
__________
(1) ... البيضاوي : نسبة إلى البيضاء من بلاد فارس ، و هو : أبو الخير الشيرازي ، الشافعي ، القاضي ، كان إماماً مبرزاً ، صالحاً متعبداً ، عالماً بالفقه و التفسير و النحو و علم الكلام ، توفي بمدينة تبريز ، له : تفسير القرآن الكريم ، و شرح كافية ابن الحاجب في النحو .
(2) نظر ترجمته في : طبقات الشافعية للأسنوي 1 / 283 ، البداية و النهاية 13 / 309 ، الطبقات الكبرى للسبكي 8 / 157 ، بغية الوعاة 2 / 50 ، شذرات الذهب 7 / 685 .
... الزيداني : محدث ، نعته حاجي خليفة بالإمام الفاضل . له أيضا المكمل شرح التنبيه على أغلاط الزمخشري .
انظر ترجمته في : كشف الظنون ، لحاجي خليفة : 2/ 1699و 1776 ، و معجم المؤلِّفين ، لعمر رضا كحالة : 4 / 60 .
(3) ... ذكره حاجي خليفة في " كشف الظنون " 2 / 1701 ، و قال : ( هو شرح لطيف ممزوج ) . و ذكره عمر كحالة في " معجم المؤلفين " 10 / 193 لكنه سماه : ( شرح مشكاة المصابيح ) . وهو خطأ !
(4) ... ابن عبد الملك الرومي : فقيه و محدث ، فاضل ، و من آثاره أيضا : شرح الوقاية ، و روضة المتقين .
انظر ترجمته في : الشقائق النعمانية 1 / 31 ، كشف الظنون 932 و 1701 ، معجم المؤلِّفين10/193.(/23)
لمؤلِّفٍ مجهول ، أكثر النقل من المشكاة ، و الكاشف ، و شرح التوربشتي ، و غيرها .
توجد نسخة خطية وحيدة منه في البوسنة ، و هي ناقصة من أوَّلها و آخرها ، و يقع القدر الموجود منها في ( 384 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي جميل ، كتبها الناسخ أبو بكر بن حمزة بن عثمان الذرتنكي ، في المدرسة النظامية ببغداد ، سنة 740 هـ / 1340 م .
و عليها تملك باسم عبدُه شيخ محمد ، سنة 1114 هـ / 1703 م .
و هي محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 169 / 479 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة الشيخ محمد خانجيتش (الخانجي).
و بذكر هذه النسخة نأتي على تمام عشر نسخ خطية لشروح ( مصابيح السنة ) للإمام البغوي رحمه الله .
الكتاب الثاني :
مشكاة المصابيح (1) :
للخطيب محمد بن عبد الله التبريزي ( ت نحو 737 هـ/ 1337 م ) .
لم أقف لكتاب مشكاة المصابيح ، في مكتبات البوسنة سوى على نسخة خطية واحدةٍ ، و هي نسخة كاملةٌ تقع في ( 583 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخيٍّ واضح و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف هرمو زاده صالح أفنديرحمه الله ، و تحفظ اليوم في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (457/480) .
أما شروح ( المشكاة ) في مكتبات البوسنة شرحٌ واحد منها ، و هو بعنوان :
الكاشف عن حقائق السنن :
تأليف الحسين بن محمد بن عبد الله الطيببي (المتوفَّى سنة َ743 هـ /
1343 م )(2).
توجد نسخة خطية للجزء الثاني منه ، تقع في ( 318 ) ورقة ، تمّ نسخها سنة 1043 هـ / 1634 م ، و هي مكتوبة بخطٍ نسخي واضح ، بدأ ببداية كتاب النكاح و ينتهي بنهاية الكتاب ، و عليها تملك باسم الفقير شيخ محمد المولوي بمصر القاهرة سنة 1075 هـ / 1665 م ، و قد أوقفها على فقراء المولويَّة القادرين على مطالعتها من بعده ، و عليها وقفٌ آخر من إبراهيم باشا على جامعه في قصبة بوجيتل قرب موستار .
و هي اليوم محفوظة في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3768 / 481 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك في موستار .
الكتاب الثالث :
مختصر جامع الأصول في أحاديث الرسول .
تأليف نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري ( ت : 637هـ/1240م )(3) .
توجد في البوسنة نسخةٌ خطيَّة للمجلَّد الأوَّل من الكتاب ، تقع في ( 232 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ ، مكتوبة سنة 691 هـ / 1291 م ، و لا يعرف اسم كاتبها . و هي من أوقاف إبراهيم باشا على مسجده بقصبة بوجيتيل .
و تحفظ اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 563 / 508 ) .
الكتاب الرابع :
مختصر آخر لجامع الأصول في أحاديث الرسول(4) - صلى الله عليه وسلم - لابن الأثير ، و اسمه : تيسير
الوصول إلى جامع الأصول (5) .
تأليف الشيخ عبد الرحمن بن عليّ الشهير بابن الدَيْبَع الشيباني اليمني ( ت : 944 هـ / 1537 م ) .
توجد نسخةٌ خطيَّة للمجلَّدين الأوَّلين من الكتاب ، يقع الأول منهما في (203) أوراق ، و ينتهي بالفصل الثالث فيمن غيَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسمه .
أما الجزء الثاني من الكتاب ، فيقع في ( 66 ) ورقة تبتدئ بالفصل الثالث فيمن غيَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسمه . و تنتهي بفصلٍ في بيع الثمار و الزروع ، و هي مكتوبة بخطٍ نسخيٍ .
__________
(1) ... طبع في بومباي سنة 1270 هـ/ 1854 م ، ثم طبع بعد ذلك عدة طبعات .
(2) ... الطيبي : شرف الدين ، عالم موسوعي ، قال ابن حجر : ( كان آية في استخراج الدقائق من القرآن و السنن ، متواضعا ، حسن الاعتقاد ، شديد الرد على الفلاسفة و المبتدعة ) .
انظر ترجمته في : الدرر الكامنة 2 / 68 – 69 ، بغية الوعاة 1 / 522 ، البدر الطالع ، للشوكاني : 1/229 معجم المؤلفين 4 / 53 .
(3) ابن الأثير ، هو : نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني ، المعروف بابن الأثير الجزري ، أبو الفتح ، ضياء الدين ، أخُ مؤلِّف جامع الأصول ، كان أديباً ، كاتباً ، تقلَّب في المناصب أيام الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي ، و من بعده ، من آثاره : المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر ، و الوشي المرقوم في حلِّ المنظوم .
انظر ترجمته في : وفيَّات الأعيان 2 / 208 ، تذكرة الحفَّاظ 4 / 201 ، شذرات الذهب 5 / 188 ، هديَّة العارفين 2 / 492 .
(4) ... و قد طبع هذا الكتاب لأول مرة بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي ، ثم حققه و خرج أحاديثه تحقيقاً متقناً الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ، ثم أعاد إخراجه الشيخ بشير عيون ، و أضاف إليه بعض الأجزاء الناقصة في الطبعتين السابقتين .
و لصعوبة البحث فيه عمل الأستاذ يوسف الزبيبي فهرساً لأحاديثه على حروف المعجم .
(5) ... طبع في القاهرة سنة 1331 هـ / 1913 م ، بالمطبعة الجمالية في ثلاث مجلدات ، ثم طبع بعد ذلك عدة طبعات .(/24)
و هذان المجلدان مع ترجمتهما إلى اللغة البوسنوية مكتوبان بخطِّ المترجم الشيخ محمد خانجيتش ( الخانجي ) رحمه الله ، و قد فرغ من نسخهما سنة 1348هـ/ 1930م .
و هما محفوظان في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو برقم تحت رقم : (16/596 و 203/595) .
أمَّا بقيَّة أجزاء الكتاب فلا وجود لها فيما وقفت عليه من مخطوطات البوسنة .
رابعاً : الجوامع العامَّة :
الجوامع : جمع ( جامع ) ، و هو في اصطلاح المحدثين : كلُّ كتاب حديثي يوجد فيه من الحديث جميع ما يُحتاج إليه في العقائد و الأحكام و الرقاق
و الآداب ، و ما يتعلَّق بالتفسير و التاريخ ، و السير و الفتن و المناقب و المثالب
و غير ذلك (1) .
و قد وقفت على تسعة كتب من هذا القبيل ، و هي :
الكتاب الأوَّل :
شهاب الأخبار في الأحاديث المرويَّة عن الرسول المختار ( و يعرف اختصاراً باسم : الشهاب في الحكم و الآداب ) (2) .
تأليف أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القُضاعي ( ت : 454هـ/ 1062 م ) (3) .
و هو كتاب جامعٌ ، أورد فيه مؤلفه رحمه الله ألف حديث في الوصايا و الآداب و المواعظ و الأمثال ، و ساقها مسرودة يتلو بعضها بعضاً ، مجرَّدة من أسانيدها، و مبوبة بحسب المواضيع .
و في البوسنة ثلاث نسخ خطيَّة من الكتاب باللغة العربية ، و نسخة رابعة مترجمة إلى اللغة التركية ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (21) ورقة ، مكتوبة بخط الرقعة ، مع بعض النسخ و التعليق . و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و في آخرها ترجمة لجملة من الأحاديث النبوية الشريفة إلى اللغة التركية ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (901,1/448) .
النسخة الثانية :
تقع في (78) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه بدقة ، بسبب تأثير الأرَضة على ختم الناسخ ، و الذي ظهر لي أن سنة النسخ هي 901هـ/ 1496 م ، و الله أعلم ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (2742/449).
النسخة الثالثة :
تقع في (22) ورقة ( 1-22 ) ، مكتوبةً بخط النسخ و التعليق ، كتبها خضر بن إلياس ، و لم يذكر تاريخ نسخها ، و يتخلَّلها نقصٌ في بعض المواضع ، لولاه لكانت لها قيمةٌ خاصة ، حيث كتبت في عصر المؤلِّف ، و قُرئت عليه رحمه الله ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (3098 ,1/450) .
أما النسخة المترجمة التركية ، فهي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : (1349/583) ، و قد تعذر علي الحصول عليها ، أو وصفها .
الكتاب الثاني :
نصاب الأخبار لتذكرة الأخيار (4).
تأليف سراج الدين أبي محمد علي بن عثمان بن محمد الأوشي الفرغاني(5) ( ت : 569 هـ/ 1174 م ) .
و هو كتاب جامع أورد فيه مؤلفه ألف حديث اختارها من الصحاح ، و وزَّعها على مئة باب ، في كلٍّ منها عشرة أحاديث في الآداب و الأحكام ، جمعها المؤلف رحمه الله بناء على طلب مصطفى باشا .
__________
(1) ... انظر : أصول التخريج و دراسة الأسانيد ، للدكتور محمود أحمد الطحان ، ص : 97 .
(2) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/343 ، و حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1067 ، و سمَّاه ( شهاب الأخبار في الحكم و الأمثال و الآداب ) ، و هو كتابٌ مطبوعٌ قامت بنشره مطبعة الشابندر في بغداد ، سنة 1372هـ .
(3) ... القضاعي ، هو : العلامة القاضي ، المحدث الواعظ ، الفقيه الشافعي ، المصري ، قال السلفي : ( كان من الثقات الأثبات ، شافعي المذهب و الاعتقاد ) . و قال ابن ماكولا : ( كان متفننا في عدة علوم ، لم أر بمصر من يجري مجراه ) . قدم إلى صور رسولا من المصريين إلى بلد الروم ، و من آثاره أيضا : تاريخٌ مختصرٌ ، و أخبار الشافعي .
انظر ترجمته في : الإكمال لابن ماكولا 7 / 147 ، الأنساب للسمعاني 4 / 516 ، وفيات الأعيان 4 / 212 سير أعلام النبلاء 18 / 92 ، هديّة العارفين 2/71 .
(4) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1954 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/430 .
(5) ... الأوشي الفرغاني : نسبة إلى أوش من بلاد فرغانة ، و فرغانة كورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان. انظر : معجم البلدان لياقوت 1 / 281 و 4 / 253 . =
= ... و هو حنفي ، و لقبه حاجي خليفة في موضع بركن الدين ، و من آثاره أيضا : قصيدة في أصول الدين ، و شرح منظومة النسفي في الخلاف ، و ثواقب الأخبار .
انظر ترجمته في : توضيح المشتبه لابن ناصر الدين 1 / 284 ، الجواهر المضية 1 / 285 و 367 ، كشف الظنون 1/ 526 و 2 / 1867 و 1954 ، معجم المؤلفين 7 / 148 .(/25)
و للكتاب نسخة واحدة في البوسنة و الهرسك ، مع الترجمة التركيَّة المسماة : ( زكاة الأخيار من نصاب الأخبار ) ، تقع في (88) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها نور الدين بن علي ، سنة 1051 هـ / 1641 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3399/504) .
الكتاب الثالث :
أنس المنقطعين إلى عبادة رب العالمين (1) .
تأليف أبي محمد معافى بن إسماعيل بن الحسن الشيباني الموصلي(2) ( ت : 630 هـ /1233 م ) .
و هو كتاب جامع أورد فيه مؤلفه ثلاثمئة حديث محذوفة الأسانيد ، و مثلها من الآثار و أخبار الصالحين .
و للكتاب نسخة واحدة في البوسنة و الهرسك ، تقع في (215) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و عليها تملك باسم عبد الباقي محمد بن الحاج محمد آغا ، الشهير بجنتيتش ، و هي من أوقافه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1509/507) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة جنتيتش .
الكتاب الرابع :
مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية (3) .
تأليف الإمام حسن بن محمد بن حسن بن حيدر بن علي الصغاني ( ت : 650هـ/ 1252 م ) (4) .
و هو كتابٌ شهير ، قال عنه حاجي خليفة في ( كشف الظنون ) : 2/1688 : جمع فيه من الأحاديث الصحاح 2246 حديثاً و بين في آخر كل باب أو نوع عدد أحاديثه . اهـ
و للكتاب إحدى عشرة نسخة خطية في البوسنة ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (163) ورقة . مكتوبةً بخطٍ نسخيٍ كبير ، سنة 794 هـ /
1592 م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف الحاج مرتضى آغا بن محمد بيك ، على طلبة العلم و أهله ، في مدينة فوتشا سنة 1000 هـ / 1592 م .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (241/509) .
النسخة الثانية :
تقع في (144) ورقة . مكتوبةً بخطٍ نسخيٍ، سنة 1192هـ / 1778 م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف محمد أفندي ، من أهالي مدينة غراجانيتسا ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1902/510) .
النسخة الثالثة :
تقع في ( 195 ) ورقة . مكتوبةً بخطٍ نسخيٍ ، كتبها يوسف بن حسن ، سنة 989هـ / 1581 م ، في اسطنبول .و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1951/511) .
النسخة الرابعة :
تقع في ( 201 ) ورقة . مكتوبةً بخطٍ نسخيٍ، كتبها حسين بن إبراهيم بن أحمد ، سنة 1162 هـ / 1749 م ، في مدرسة الغازي خسرو بيك بسراييفو. و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1972/512) .
النسخة الخامسة :
تقع في (136) ورقة . مكتوبةً بخطٍ نسخيٍ واضح ، كتبها محمد بن أحمد ، سنة 791هـ / 1389 م ، و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3265/513) .
النسخة السادسة :
تقع في (101) ورقة . مكتوبةً بخطٍ تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا
مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة اليوم ضمن مجموع في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3499,1/514) .
النسخة السابعة :
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/178 المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي: 1/358
(2) ... الموصلي : يعرف بابن الحدوس ، إمام فقيه شافعي ، مفسر ، محدث ، أديب ، عابد ، ولد بالموصل و توفي بها ، و من تصانيفه : الكامل في الفقه ، البيان في تفسير القرآن ، و الموجز في الذكر .
... انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ 4 / 1456 ، سير أعلام النبلاء 22 / 356 ، الطبقات الكبرى للسبكي 8/374 ، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 116 ، شذرات الذهب 7 / 259 ، معجم المؤلفين 12 / 301 .
(3) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1 / 361 ، و حاجي خليفة في : كشف الظنون : 2 / 1688 ، و هو كتابٌ مطبوع ، نشرته الشركة الخيريَّة الصحافيَّة الشمالية بالآستانة ، سنة 1311هـ.
(4) ... الصغاني ، هو : القرشي ، العدوي ، العمري ، اللاهوري ، البغدادي ، رضي الدين ، أبو الفضائل ، ولد بلاهور ، و نشأ بغزنة ، و قدم بغداد ، ثم ذهب رسولا إلى ملك الهند سنة 617 هـ / 1221 م ، ثم قدم سنة 624 هـ / 1227 م فأعيد إليها رسولا لسنته ، فما رجع إلى سنة 637 هـ / 1240 م ، قال الدمياطي : كان شيخا صالحا صدوقا إماما في اللغة و الفقه و الحديث . توفي ببغداد ، له : مجمع البحرين ، و العباب ، و هما معجمان .
انظر ترجمته في : معجم الأدباء 9 / 189 ، سير أعلام النبلاء 23 / 282 ، الوافي بالوفيات 12 / 240 ، بغية الوعاة 1/ 519 ، شذرات الذهب 7 / 431 .(/26)
تقع في (151) ورقة . مكتوبةً بخطٍ نسخيٍ كبير، سنة 835 هـ / 1432 م ، لا يعرف اسم كاتبها ، و هي من أوقاف إبراهيم باشا على مسجده في قصبة بوجيتيل ، الواقعة قُرب موستار ، و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3796/515) و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
النسخة الثامنة :
تقع في ( 162 ) ورقة . مكتوبةً بخطٍ تعليقي دقيق ، كتبها أحمد بن علي الغزغاني البوسنوي السرائي ( نسبةً إلى سراييفو ) سنة 1146 هـ /1734 م ، وعليها تملك باسم الحاج إبراهيم بن الحاج دوراك ، سنة 1164 هـ / 1751 م ، ثمَّ عبيد الله زهدي ، سنة 1186 هـ / 1772 م ، ثم الحاج باشا زاده مميش آغا ، سنة 1230 هـ / 1815 م ، ثم سليمان سليموفيتش ، سنة 1322 هـ / 1904 م ، و هي محفوظة اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 4284 / 516 ) .
النسخة التاسعة :
تقع في ( 29 ) ورقة ، و هي نسخة ناقصة ، مكتوبة بخطٍ نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف مراد قبودان مراد بن عثمان قبودان ، من أهالي بلدة قراداتشتس بالبوسنة ، و هي نسخة ناقصة ، تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم : (4429 ,1 /517 ) .
النسخة العاشرة :
تقع في ( 154 ) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي ، سنة 1196 هـ / 1782 م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و هي محفوظة اليوم في خزانة دار المحفوظات بموستار تحت رقم : ( 479 / 92 ) .
النسخة الحادية عشر :
و هي ناقصة و يقع القدر الموجود منها في (309) أوراق ، مكتوبةً بخطٍ
نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه، و عليها حواشٍ لم يُذكر اسم مُعلِّقها ، و هي محفوظة اليوم في دار المحفوظات بموستار ضمن مجموع تحت رقم : (65/134) .
شروح مشارق الأنوار :
أما شروح كتاب ( مشارق الأنوار النبويَّة ) ، فهي كثيرة ، و في مكتبات البوسنة مخطوطات كثيرة لعدد منها ، و هي :
الشرح الأول :
و هو بعنوان : روضة الأخيار في شرح مشارق الأنوار (1) .
تأليف عمر بن عبد المحسن الأرزنجاني (2) ( ت نحو 871 هـ / 1467 م ) .
توجد نسخة خطية وحيدة منه تقع في ( 301 ) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي واضح ، كتبها المؤلِّف بيمينه سنة 697 هـ / 1298 م ، و ختمها بقوله : ( هذا آخر ما تيسر لي جمعه على مشارق الأنوار النبوية و الأحاديث المصطفويَّة من مصنفات أئمة الدين و علماء الصدق و اليقين ، و قد سمَّيته روضة الأخيار في شرح مشارق الأنوار … فرغ من تعليقه مؤلِّفه العبد الضعيف … عمر بن عبد المحسن بن أبي بكر الأرزنجاني ، غفر الله له و لوالديه … ) ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 587 / 520 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا ) الفيروزيَّة ( بترافنيك .
الشرح الثاني :
و هو بعنوان : حدائق الأزهار بشرح مشارق الأنوار .
تأليف وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد الأرزنجاني (3) (المتوفّى سنة 643 هـ /1245 م ).
توجد في البوسنة نسختان خطيتان منه فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
تقع في ( 337 ) ورقة . مكتوبةً بخطٍ تعليقي ، كتبها عبد الله قنطميري ، و لم يذكر سنة نسخها ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 1726 / 519 ) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الثانية :
تقع في (266) ورقة . مكتوبةً بخطٍ نسخي ، كتبها حسام بن قطرو بيك بن عمر ، سنة 773 هـ / 1372 م .
و هي من أوقاف المدرس الحاج أحمد أفندي .
و هي محفوظة حالياً ضمن مجموع في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3499,1/518) .
الشرح الثالث :
__________
(1) ... أشكل على حاجي خليفة في " كشف الظنون " 2/1689 اسم هذا الكتاب و اسم مؤلفه ، حيث خلط بين كتاب ( روضة الأخيار ) ، و كتاب ( حدائق الأزهار ) الآتي بعده ، فنسب كتاب الحدائق ، إلى عمر بن عبد المحسن الأرزنجاني ، و سكت عن الروضة و مؤلِّفها عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز الأرزنجاني ، فلم يذكرهما ألبتة ، و في مثل ذلك الخلط وقع عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين : 7 / 295 .
(2) عمر الأرزنجاني ، هو : وجيه الدين ، الحنفي ، عالم بالحديث و العربية ، و الأصول ، و من آثاره أيضا : شرح أصول البزدوي ، و حاشية على الفوائد الضيائية لجامي في النحو . =
= ... انظر ترجمته في : كشف الظنون 1 / 112 و 132 و 2/ 1689 ، هديّة العارفين 1/ 794 ، معجم المؤلِّفين 7 /295 .
(3) ... عبد الرحمن الأرزنجاني : قال عنه طاش كبري زاده في " الشقائق النعمانية " 1 / 36 – 37 : ( الشيخ العارف بالله ، كان من خلفاء الشيخ صفي الدين ، ثم أتى بلاد الروم ، و توطن بها قريباً من أماسية ، و كان منقطعا عن الناس ، ساكنا في الجبال ) .(/27)
و هو بعنوان : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار(1).
تأليف عبد اللطيف بن عبد العزيز بن الملك (2)( ت نحو 885 هـ / 1480م).
و لهذا الشرح في البوسنة عدة نسخ ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (272) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، كتبها خليل بن حمزة الكرمياني ، سنة 961 هـ / 1554 م ، و هي محفوظة حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (104/523) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي .
النسخة الثانية :
تقع في (310) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي يتخلله بعض النسخ ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (221/524) .
النسخة الثالثة :
نسخة ناقصة يقع القدر الموجود منها في (112) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي يتخلله بعض النسخ ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي قطعة من بداية الجزء الأوَّل من الكتاب ، تنتهي عند حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : ( لا يحلبنَّ أحدكم ماشية أحدٍ إلا بإذنه )(3) ، و هي من أوقاف الحاج مميش آغا كاسوماغيتش ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (226/525)
النسخة الرابعة :
تقع في (172) ورقة ، وهي ناقصة كثيراً ، و قد كُتبت بخط تعليقي ، كتبها إسماعيل بن حمزة بن إسماعيل ، سنة 872 هـ / 1467 م ، و في نهايتها حواشٍ باللغتين العربية و التركية ، لا يُعرف كاتبها ، و هي من أوقاف الحاج مميش آغا كاسوماغيتش . و توجد في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (242/526) .
النسخة الخامسة :
تقع في (327) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي يتخلَّله بعض النسخ ، كتبها عبد الله بن المؤمن في مدينة بلغراد سنة 1077هـ/ 1667 م ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (288/517) .
النسخة السادسة :
تقع في (225) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها يوسف بن عبد القادر ، سنة 872هـ / 1468 م ، ببلدة آق بينار ، و هي نسخة ناقصة في مواضع عدة ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (473/528) .
النسخة السابعة :
تقع في (214) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي جميل ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (529/529) .
النسخة الثامنة :
تقع في (164) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها أحمد بن بيرم بن سليم الصوفيوي ، سنة 1126هـ / 1714 م ، في مدينة صوفيا ، و هي من أوقاف الحاج مميش آغا كاسوماغيتش . و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (551,1/530) .
النسخة التاسعة :
تقع في (551) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و عليها تملك باسم الوزير أحمد آغا البوشناقي ، و صالح عزت المعروف بهرموزاده ، قاضي منطقة بوسنة برود (في محافظة ترافنيك) .
و هي من أوقاف القاضي هرموزاده صالح عزت ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (698/531) .
النسخة العاشرة :
تقع في (339) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي جميل ، كتبها الناسخ عبد الله قنطميري ، و لم يذكر تاريخ نسخها ، و هي من أوقاف موستاي بيك جنتيتش ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم: (1324/532) .
النسخة الحادية عشر :
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون : 2/ 1688 ،و هو مطبوع بالآستانة ، مطبعة الشركة الصحافية العثمانية سنة 1311هـ / 1894 م .
(2) ... عبد اللطيف بن عبد العزيز بن الملك ، هو : المولى عز الدين ، الشهير بابن قرشته ، قال في " الشقائق النعمانية " : كان عالما فاضلا ماهرا في جميع العلوم الشرعية ، و من آثاره أيضا : شرح مجمع البحرين ، و شرح كتاب المنار في الأصول ، و رسالة في علم التصوف .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 4 / 329 ، الشقائق النعمانية ص 30 ، شذرات الذهب 9 / 512 ، البدر الطالع 1 / 374 ، هديّة العارفين 1 / 617 ، معجم المؤلِّفين 6 / 11 .
(3) ... الحديث : أخرجه البخاري ( 2435 ) في اللقطة ، باب : لا تحتلب ماشية أحد إلا بإذنه . و مسلم
( 1726 ) في اللقطة ، باب : تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها . و أبو داود ( 2623 ) في الجهاد ، باب : فيمن قال لا يحلب . و مالك في الموطأ 2 / 971 في الاستئذان ، باب : ما جاء في أمر الغنم . من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .(/28)
تقع في (270) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها الناسخ عبد الله قنطميري ، و لم يذكر تاريخ نسخها ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (533) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الثانية عشر :
تقع في (401) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي غالباً ، و نسخيٌّ أحياناً ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (2191/534) .
النسخة الثالثة عشر :
تقع في (393) ورقة ، كتب الصفحات السبعين الأولى منها إسماعيل بن ميكائيل بخط تعليقي ، سنة 871هـ / 1467 م ، و أتمَّها الحسن بن الحاج عثمان ، بخطٍ نسخي ، سنة 1085هـ / 1674 م ، و عليها تملك باسم عبيد الله زهدي ، سنة 1186هـ / 1772 م ، و إبراهيم بن محمد الجبشوي (1)، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (2280/535) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا (الفيروزيَّة) بترافنيك .
النسخة الرابعة عشر :
تقع في ( 354 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍ تعليقي ، كتبها الناسخ : صالح بن أحمد كريسو الموستاري ، أثناء دراسته بمدرسة قركوز بيك في موستار سنة 1242هـ/ 1827 م ، و هي من أوقاف محمد سباهيتش الموستاري ، على مكتبة قركوز بيك ، بموستار ، سنة 1324هـ / 1906 م ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : ( 3785 / 536 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
النسخة الخامسة عشر :
تقع في ( 308 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍ تعليقي ، كتبها الناسخ يوسف بن إبراهيم بن الشيخ زين العابدين ، في مدينة ( يدرن ) ، سنة 1122هـ/1710م، و هي من أوقاف علي غالب باشا ستوجيفيتش على مكتبة تكيَّته بموستار ، سنة 1258هـ / 1842 م ، و عليها ما يفيد أنَّ صالح أفندي حسناغيتش عثر عليها معروضةً للبيع بين متاع مصطفى أفنديحاجي محمودوفيتش فابتاعها و أوقفها على مكتبة قركوز بيك ، بموستار ، و منها نقلت إلى مكتبة الغازي خسرو بيك حيث تحفظ حالياً تحت رقم : ( 3799 / 537 ) .
النسخة السادسة عشر :
تقع في (340 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخي جميل ، مكتوب سنة 1122هـ/1710م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف جيوان كيتهودا في موستار ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (5886/538) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
الشرح الرابع :
و هو بعنوان : تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار .
تأليف أكمل الدين محمد بن محمد بن محمود بن أحمد البابرتي الرومي الحنفي (2)
( ت :786 هـ/ 1384 م ) .
و توجد في البوسنة نسختان خطِّيتان منه فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
تقع في (321) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، كتبها علي بن محمد الدمياطي و لا يعرف مكان نسخها أو تاريخه ، و هي للجزء الأوَّل من الكتاب ، و عليها تملك باسم عبد الله بن درسون ، و هي من أوقاف أحمد آغا للتدريس العام بمدينة موستار . و تحفظ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3805/521) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك .
النسخة الثانية :
تقع في ( 289 ) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي يتخلله بعض النسخ ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و عليها تملك باسم مصطفى بن يوسف الموستاري ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3755 / 522 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة
قركوز بيك .
الكتاب الخامس :
رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين (3)
تأليف الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676 هـ/1278م ) .
__________
(1) ... لعلَّ هذه النسبة تعود إلى مدينة جبشة الواقعة بين زينتسا و دوبوي ، و الواقعة حالياً في قبضة الكروات ، الذين أجلوا المسلمين عنها ، أثناء الحرب الأخيرة ، و قد شهدت مدينة جبشة مقتل أمير المجاهدين الشيخ أنور شعبان المصري رحمه الله و ثلاثة من رفاقه قادة الجهاد غيلةً على أيدي عصابات الكروات الكاثوليك .
(2) ... البابرتي : ولد سنة بضع عشرة و سبع مئة ، و اشتغل بالعلم ، و رحل إلى حلب ، فأقام بها مدة ، ثم نزل القاهرة ، فأخذ عن علمائها ، و كان قوي النفس عظيم الهمة ، مهابا عفيفا ، حسن المعرفة بالفقه و العربية و الأصول و التفسير ، عرض عليه القضاء مرارا فامتنع ، و كان السلطان الظاهر يبالغ في تعظيمه ، إلى أن مات بمصر .
انظر ترجمته في : إنباء الغمر 2 / 179 ، الدرر الكامنة 4 / 250 ، النجوم الزاهرة 11 / 302 ، شذرات الذهب 8 / 504 – 505 ، هديّة العارفين 2/ 171 ، معجم المؤلِّفين 11/ 299 .
(3) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1 / 936 ، و هو مطبوع متداول مشهور .(/29)
توجد منه نسخة و حيدة في البوسنة ، تقع في ( 103 ) أوراق ، مكتوبة بخط تعليقي يتخلله بعض النسخ ، سنة 670 هـ / 1272 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3649/2105 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
و لهذا الكتاب شرح بعنوان :
الفوائد المنزعة الحياض في شرح كتاب الرياض (1) :
تأليف محمد علي بن محمد علان بن إبراهيم البكري الصديقي(2) ( ت :1057 هـ / 1647 م ) .
توجد منه نسخةٌ وحيدة في البوسنة ، و هي واقعة في (386) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
الكتاب السادس :
الجامع الصغير من حديث البشير النذير (3)
تأليف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت : 911هـ /
1505 م ) .
و هو كتابٌ جامع ، جمع فيه الإمام السيوطي الأحاديث النبوية القولية مرتبة على حروف المعجم ، و قد بلغ عدد الأحاديث التي جمعها ، عشرة آلافٍ و واحدٍ و ثلاثين حديثاً ، ثمَّ أضاف إليها زيادة أخرى من الأحاديث فاتت عليه ، بلغ عددها أربعة آلافٍ و أربعمئة و أربعين حديثاً ، و رمز السيوطي لكل حديث منها بما يبين درجته من حيث الصحة أو الضعف .
و للكتاب في البوسنة و الهرسك ست نسخ خطية فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
و هي نسخة كاملة ، تقع في ( 215 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها و لا تاريخه على وجه الدقة ، غير أنَّها قد تكون ممَّا كتب في زمن المؤلِّف رحمه الله ، حيث جاء في آخرها ما يفيد ذلك ، و هو قول الناسخ : ( … هذا آخر كتاب الجامع الصغير من حديث البشير النذير و هو عشرة آلاف حديث مرتبة على حروف المعجم ، تأليف سيدنا و مولانا … أبي الفضل السيوطي الشافعي ، فسح الله تعالى في مدته ، و نفعنا و المسلمين بعلومه و بركته ) .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (377/557) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الثانية :
و هي نسخة كاملة ، تقع في ( 238 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها الناسخ : عبد الرازق بن عبَّاس العبادي الشافعي الأزهري ، سنة 968 هـ / 1561 م .
و على هذه النسخة ما يفيد ملكيتها للقاضي معروف بمصر سنة 969 هـ /1562 م ، ثمَّ لابنه محمد بن معروف ، بالقدس الشريف ، سنة 972 هـ/
1565 م .
و هي من أوقاف الحاج محمد بيجاكجيتش بن فضل الله ، من أهالي سراييفو على مكتب عيني بيك ، سنة 1254هـ/1838م ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (377/558)
النسخة الثالثة :
و هي نسخة كاملة ، تقع في ( 238 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي دقيق ، و جميل ، كتبها الناسخ محمد بن إبراهيم السروري المقدسي الغانمي ، سنة 1128 هـ / 1716 م .
و هي من أوقاف هرموزاده . و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (723/559) .
النسخة الرابعة :
و هي نسخة كاملة ، تقع في (358) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، كتبها الناسخ علي بن محمد المؤذن سنة 1098هـ/ 1687 م .
و على هذه النسخة ما يفيد أنها من ممتلكات الشيخ محمد الخانجي ( خانجيتش ). و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1340/560) .
النسخة الخامسة :
و هي نسخة كاملة ، تقع في (241) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم ناسخها و لا تاريخ نسخها .
و هي من أوقاف علي غالب باشا ، على مكتبته بموستار ، سنة 1257 هـ / 1841 م .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (3840/561) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز .
النسخة السادسة :
و هي نسخة كاملة ، تقع في (470) ورقة ، و هي مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3902/562) و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز.
شروح الجامع الصغير :
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/936 ، و البغدادي في هديّة العارفين : 2/283 .
(2) ... البكري الصديقي : مشهور بابن علاّن ، مفسر ، محدث ، مشارك في عدة علوم ، قال المحبي : ( كان شبيهاً بالجلال السيوطي في معرفة الحديث و ضبطه ، و كثرة مؤلفاته و رسائله ، ألف كتبا كثيرة في عدة فنون تزيد على الستين و تآليفه كلها غرر ، فمنها : التفسير ، سماه ضياء السبيل إلى معالم التنزيل ، و..) . ولد بمكة سنة 996 هـ / 1588 م ، و نشأ و توفي بها .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر للمحبي 4 / 184 ، معجم المؤلفين 11 / 54 – 55 .
(3) ... وهو كتاب مطبوعٌ ، نُشر لأول مرة في مرسيليا ، سنة 1268هـ ، ثم طبع في المطبعة الأميرية بالقاهرة سنة 1286هـ ، و بعد ذلك كثرت طبعاته .(/30)
أمَّا شروح ( الجامع الصغير ) للسيوطي ، ففي البوسنة و الهرسك نسخ خطيَّة لاثنين من أجلّها ، و هي :
الشرح الأوَّل :
و هو بعنوان : الكوكب المنير شرح الجامع الصغير (1) .
تأليف شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي العلقمي الكوكبي (2) ( ت نحو : 963 هـ / 1556 م ) .
و له في البوسنة نسختان خطيتان فيما يلي وصفهما :
النسخة الأولى :
و هي ناقصة من بدايتها و من نهايتها ، و ينتهي القدر الموجود منها بحديث من كتاب التوبة ، و تقع في ( 447 ) ورقة ، مكتوبة سنة 1000 هـ / 1592م ، بخط نسخي يتخلله بعض التعليق ، و لا يُعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (129/563) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قرجوز بيك الموستاري .
النسخة الثانية :
و هي كالنسخة السابقة ناقصة من بدايتها و من نهايتها ، و أول الموجود من الكتاب حديث : ( إنَّ الله نظيف يحبُّ النظافة ) (3)، و تقع في (277) ورقة ، و هي مكتوبة بخط نسخي سنة 1000 هـ / 1592 م ، و لا يعرف اسم ناسخها أو مكان نسخها .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : ( 3359 / 564 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز .
الشرح الثاني :
و هو بعنوان : السراج المنير بشرح الجامع الصغير (4) .
تأليف : علي بن أحمد بن محمد بن إبراهيم العزيزي (5) (ت:1070هـ/
1660م).
و له في البوسنة نسختان خطيتان فيما يلي وصفهما :
النسخة الأولى :
و هي ناقصة من آخرها ، و يقع القدر الموجود منها في (193) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1399/568) و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي .
النسخة الثانية :
و هي ناقصة من أوَّلها ، و يقع القدر الموجود منها في (288) ورقة ، يبدأ
بحديث : ( إنَّ الودَّ يورث و العداوة تورث ) (6)
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة في " كشف الظنون " 1 / 560 ، و هو مطبوع سنة 1329 هـ / 1911 م ، بمطبعة الجمالية بالقاهرة ، بهامش فيض القدير شرح الجامع الصغير .
(2) ... العلقمي الكوكبي ، هو : شمس الدين ، الإمام العلامة ، الفقيه الشافعي ، ولد سنة 897 هـ / 1492 م ، و هو تلميذ الجلال السيوطي ، درّس بالأزهر ، قال ابن العماد الحنبلي : ( له حاشية حافلة على الجامع الصغير للسيوطي ، و كتاب سماه : ملتقى البحرين ، و كان متضلعاً من العلوم العقلية و النقلية ، قوّالاً بالحق ، ناهياً عن المنكر ) .
انظر ترجمته في : الكواكب السائرة للغزي 2 / 41 ، شذرات الذهب 10 / 490 - 491 ، هديّة العارفين 2 / 244 ، الأعلام للزركلي 6 / 195 ، معجم المؤلِّفين لعمر رضا كحالة 10 / 144 .
(3) ... إسناده ضعيف جدا :
أخرجه الترمذي ( 2799 ) في الاستئذان ، باب : ما جاء في النظافة ، و أبو يعلى في " مسنده " ( 970 و 971 ) ، و ابن عدي في " الكامل " 3 / 6 ، و ابن حبان في " المجروحين "1 / 275 ، و الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " ( 855 ) ؛ من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - و لفظه : =
(4) وهو مطبوع بالقاهرة سنة 1357 هـ / 1938 م ، بمطبعة مصطفى الحلبي في ثلاث مجلدات .
(5) ... العزيزي : نسبة إلى العزيزية من الشرقية بمصر ، و هو : نور الدين ، البولاقي ، الشافعي ، قال المحبي :
( كان إماماً ، فقيهاً محدثاً ، حافظاً متقناً ، ذكياً ، سريع الحفظ ، بعيد النسيان ) و بالغ في الثناء عليه ، إلى أن قال : ( و له مؤلفات كثيرة ، نقله فيها يزيد على تصرفه ، منها شرح على الجامع الصغير للسيوطي في
مجلدات ) . توفي ببولاق في مصر .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر 3 / 201 ، هديّة العارفين 1 / 760 ، معجم المؤلِّفين 7 / 24 .
(6) ... ضعيف :
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 1 / 121 ، و الطبراني في " المعجم الكبير " 17 / 189 (507) ، ، و الحاكم في " المستدرك " 4 / 176 ، و الخطيب في " الموضح " 1 / 34 من طريق أبي بكر عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، عن محمد بن طلحة بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رجلاَمن العرب كان يغشى أبا بكر ، يقال له : عفير . فقال له أبو بكر - رضي الله عنه -: يا عفير ، ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الود ؟ ، فذكره .
·وروي من طريق أبي بكر المليكي أيضاَ ، و فيه : ( عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) . بدون ذكر : ( عفير ) . و ذلك فيما أخرجه البخاري في " التاريخ " أيضا ، و الخطيب في " الموضح " 1 / 33 .
قلت : و إسناده ضعيف ؛ أولاً : لضعف عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، كما في " التقريب " ( 3813 ) و ثانياً : للانقطاع : قال أبو زرعة الرازي : ( طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن أبي بكر الصديق مرسل ) .
انظر : " المراسيل " لابن أبي حاتم رقم 154 .
وفي إسناده علة ثالثة ، هي أن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن لم يوثقه سوى ابن حبان في " ثقاته " 4 / 392 ، و قال يعقوب بن شيبة كما في " تهذيب الكمال " 13 / 404 : ( لا علم لي بطلحة ) .
و الحديث : صححه الحاكم ، فتعقبه الذهبي بقوله : ( المليكي واه ، و في الخبر انقطاع ) .
و قال ابن حبان في " الثقات " 3 / 322 في ترجمة عفير : ( إسناد خبره ليس بشيء ) .(/31)
، و ينتهي بحديث : ( الحمى من كير جهنم ، وهي نصيب المؤمن من النار )(1) ، و خط هذه النسخة نسخي سيئ ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (784/569) . (2)
مختصرات الجامع الصغير .
و إضافةً إلى أصل الكتاب و شروحه يوجد في مكتبات البوسنة ثماني نسخ خطية يحمل العنوان ذاته ، و هو : مختصر الجامع الصغير للإمام السيوطي ، و لا تحمل أيٌّ منها أسماء المُختَصِرين ، و فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (136) مكتوبة بخط تعليقي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و هي من أوقاف أحمد عاصم بن محمد متوليتش على مدرسة الغازي خسرو بيك بسراييفو .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (715/2189) .
النسخة الثانية :
تقع في (57) ورقة ، و قد كتبها بخط نسخي الناسخ إبراهيم الموستاري المعروف باسم سباهي .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم : (3594،8/2188) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك .
النسخة الثالثة :
تقع في (204) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (1345/2190) .
النسخة الرابعة :
تقع في (195) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و عليها ما يفيد ملكيتها للحافظ سابت أحمد عبد الصمد ، سنة 1282 هـ / 1866 م .
و هي من أوقاف سالم أفندي مفتيتش .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (1360/2191) .
النسخة الخامسة :
تقع في (134) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : ( 1626 / 2191 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا ( الفيروزيَّة ) بترافنيك .
النسخة السادسة :
__________
(1) قال ابن حجر في " الإصابة " 4 / 348 : ( فيه عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، وهو ضعيف ) .
·و رواه يوسف بن عطية أحد المتروكين فوصل إسناده بذكر : ( عبد الرحمن بن أبي بكر ) . بين طلحة ، و أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - : وذلك فيما أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 176 .
فتعقبه الذهبي بقوله : ( يوسف هالك ) .
·و له شاهد من حديث رافع بن خديج ، بلفظ : "الود يتوارث في أ هل الإسلام " .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 4419 ) .
قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1 / 28 : ( فيه محمد بن عمر الواقدي ، و هو متروك ، و لذا حكم عليه شيخنا – يعني الحافظ العراقي – بالوضع ) .
2 ... صحيح بشواهده :
روي هذا الحديث عن أبي أمامة ، و أبي هريرة ، و أبي ريحانة الأنصاري ، و عثمان بن عفان ، و عائشة ، وأنس - رضي الله عنهم - .
فحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - :
أخرجه أحمد 5 / 252 و 264 ، و الطحاوي في " مشكل الآثار " 5 / 468 ( 2216 ) . =
= ... و فيه أبو الحصين الفلسطيني : قال فيه ابن حجر في " التقريب " ( 8055 ) : ( مجهول ) .
2 - ... حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :
أخرجه ابن ماجه ( 3470 ) في الطب ، باب : الحمى ، و أحمد في " مسنده " 2 / 440 ، و الحاكم في " المستدرك "1 / 345 ـ و صححه ـ
و رجاله كلهم ثقات .
3- ... حديث أبي ريحانة الأنصاري - رضي الله عنه -
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 7 / 63 ، و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2217 ) .
(2) إسناده حسن في الشواهد ، رجاله من أهل الصدق .
فيه أشعث بن جابر الحداني ، هو: صدوق ، كما في " التقريب " ( 527 ) .
و فيه أيضاً شهر بن حوشب : صدوق كثير الإرسال و الأوهام ، كما في " التقريب " ( 2830 ).
4- ... حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - :
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " 2 / 287 ، و قال : ( إسناده غير محفوظ ، و المتن معروف بغير هذا الإسناد و قد رويت في هذا أحاديث مختلفة الألفاظ ، بأسانيد صالحة ) .
حديث عائشة رضي الله عنها :
أخرجه البزار في " مسنده " ( رقم 765ـ كشف ) وقال : ( لا نعلم أسنده عن هشيم إلا عثمان ) .
قلت : و هو عثمان بن مخلد الواسطي التمار في عداد المجهولين ؛ ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " 6 / 170 ، و لم يذكر فيه جرحاً و لا تعديلاً ، و باقي رجاله ثقات .
و قال الهيثمي في " المجمع " 2 / 306 : ( رواه البزار ، و إسناده حسن ) .
حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - :
أخرجه البزار ( 762 – كشف ) ، و الطبراني في " الأوسط " ( 5299 ) .
وفيه الوليد بن محمد الموقري : متهم .
انظر : التقريب ( 7453 ) ، و ميزان الاعتدال 4 / رقم (9400 ) .(/32)
تقع في (199) ورقة مكتوبة بخط نسخي غالباً ، و تعليقي أحياناً ، كتبها الناسخ يحيى بن صالح ، و لم يذكر مكان نسخها أو تاريخه .
و عليها ما يفيد ملكيتها لسليمان بن مراد ، سنة 1223هـ / 1808 م .
و هي من أوقاف إبراهيم بييفو ، على مكتبة جامع السلطان بسراييفو سنة 1232هـ / 1887 م .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (1887/2194) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة السابعة :
تقع في ( 118 ) ورقة مكتوبة بخط تعليقي ، يرجع إلى سنة 980 هـ / 1572 م ، و لا يعرف اسم كاتبها و لا مكان النسخ .
و قد جاء في آخر المخطوط بخط الشيخ محمد الخانجي ما نصُّه : ( … فُرغ من قراءته و تدريسه لأصحابه فقير رحمة ربه ، و أسير و سمة ذنبه ، محمد بن محمد بن محمد بن صالح بن محمد الخانجي البوسنوي ، عفا الله عنه و عن والديه و أجداده ، و غفر له و لهم بمنه و كرمه ، في أواسط ذي الحجة الشريفة من سنة إحدى و ستين و ثلاثمئة و ألف ، في مدينة سراي بوسنة ، صانها الله تعالى ، و جعلها دار أمن و إيمان و مأوى للإسلام و أهله إلى يوم القيامة ، إنه وليُّ الإسلام و أهله . قاله بلسانه ، و كتبه ببنانه ، الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد الخانجي … ) .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : ( 2271 / 2195 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة الشيخ محمد الخانجي ( خانجيتش ) .
النسخة الثامنة :
تقع في (164) ورقة مكتوبة بخط تعليقي دقيق ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : ( 1973 ) .
جزء من الكتاب :
كما يوجد جزء مستخرج من كتاب (الجامع الصغير من حديث البشير النذير).
للسيوطي ، جمَعَ أحاديث الشمائل من ( الجامع الصغير ) في تسع و عشرين ورقة (101 - 130) ، مكتوبة بخطِّ نسخيٍّ كتبها الناسخ علي بن بيري بن يوسف ، سنة 1034هـ / 1625 م ، في حصن ( بدرنش ) ، و هي من أوقاف ألجي إبراهيم باشا ، محافظ البوسنة في زمنه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (881/6)و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا ) الفيروزيَّة ( بترافنيك . .
الكتاب السابع :
مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار للتحضيض إلى سنن السيد المختار - صلى الله عليه وسلم - (1) .
لعلاء الدين علي بن محمد المصري(2) ( ت نحو : 1127هـ / 1715 م ) .
و هو كتابٌ جامعٌ لأحاديث سنن الأقوال و الأفعال ، و غيرها ، في ثمانٍ و أربعين باباً ، يكثر فيه مؤلِّفه النقل عن الإمام محمد بن محمد حجة الإسلام
الغزالي (3)رحمه الله .
و توجد منه ثلاث نسخ خطية في البوسنة فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (320) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه على وجه التحديد ، إلاَّ أنه قريب من خط عبد الله قنطميري البوسنوي المعروف ، و عليها تملك باسم أبي بكر بن محرم بن ولي الأقحصاري ، و حسين عبدي قدري أفندي زاده ، و عبد الله بن أحمد ، و كلُّهم بوسنويون ، و هي محفوظة في دار المحفوظات بموستار تحت رقم : (1709/2272) و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الثانية :
تقع في (306) أوراق ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و عليها تملك باسم مصطفى بن سليم مؤذن مسجد سنان باشا في بلدة ( ليفنو ) قرب موستار ، سنة 1067هـ / 1657 م ، و هي محفوظة في دار المحفوظات بموستار تحت رقم : (5656/2270) و قد نُقلت إليها من مكتبة عثمان أفندي صوقولوفيتش .
النسخة الثالثة :
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1693 .
(2) ... علاء الدين المصري : فقيه ، واعظ ، من آثاره أيضاً : كشف القناع عن ألفاظ شبهة السماع ، و الأجوبة الغالية عن المسائل الخافية .
انظر ترجمته في : الأعلام 5 / 168 ، هدية العارفين 1 / 773 ، معجم المؤلفين 7 / 233 .
(3) ... الغزالي ، هو : زين الدين ، أبو حامد ، الطوسي ، الشافعي ، الشيخ الإمام البحر ، أعجوبة الزمان ، صاحب التصانيف ، و الذكاء المفرط ، تفقه ببلده أولا ، ثم رحل إلى نيسابور ، فلازم إمام الحرمين ، قدم بغداد فولي تدريس النظامية ، ثم درس بنظامية نيسابور ، و صحب الفقيه نصر المقدسي بدمشق ، قال الذهبي : ( أدخله سيلان ذهنه في مضايق الكلام ، و مزالق الأقدام 00 فرحم الله أبا حامد فأين مثله في علومه و فضائله ، ولكن لا ندعي عصمته من الخطأ و الغلط ، و لا تقليد في الأصول ) .
انظر ترجمته في : تبيين كذب المفتري ص 291 ، الكامل لابن الأثير 10 / 491 ، وفيات الأعيان 4 / 216 سير أعلام النبلاء 19 / 322 ، الطبقات الكبرى للسبكي 6 / 191 ، طبقات الأسنوي 2 / 242 ، النجوم الزاهرة 5 / 203 .(/33)
تقع في (367) ورقة ، مكتوبة بخط نسخ تعليقي ، مكتوب سنة 1185هـ/ 1771م ، لا يعرف اسم كاتبها، و هي محفوظة في دار المحفوظات بموستار تحت رقم : (6394/2271) و قد نُقلت إليها من مكتبة بسيم أفندي قرقط الخاصة .
الكتاب الثامن :
رياض الآحايين .
تأليف أبي جعفر بن بختيار البخاري (1) .
توجد منه نسخة وحيدة في البوسنة ، تقع في ( 55 ) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي سنة 1185 هـ / 1771 م ، و هي محفوظة في دار المحفوظات بموستار ، تحت رقم :( 372 / 257 ) .
الكتاب التاسع :
كنز العرفان .
تأليف محمد أسعد أفندي(2) .
و هو كتاب جامع أورد فيه مؤلفه ألف حديث و حديث مختارة ، جمعها و ترجمها إلى اللغة التركية ، في عهد السلطان عبد الحميد(3) رحمه الله .
و للكتاب نسخة واحدة في البوسنة و الهرسك ، تقع في (88) ورقة ، مكتوبة بخط الرقعة ، و قد كتبها محمود جميل بن مصطفى ، سنة 1319هـ /1901م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (4139/593) .
الكتاب العاشر :
مجموعة الأحاديث المئة و العشرين .
تأليف أبي الأسعد أحمد بن محمد الشهير بكاتب الفتوى(4) .
و هو كتاب جامع أورد فيه مؤلفه مئة و عشرين حديثاً مختار مما رواه الشيخان أو أحدهما ، و قسَّمه إلى ثلاثة أقسام ، أورد في القسم الأوَّل منها أربعين حديثاً مما اتفق الشيخان على صحته ، و في الثاني أربعين حديثاً أخرى ممَّا انفرد به البخاري في صحيحه ، و في القسم الأخير أربعين حديثاً مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله .
و للكتاب نسخة واحدة في البوسنة و الهرسك ، تقع في عشرة أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، كتب سنة 1319 هـ /1901 م ، و لا يعرف اسم كاتبها، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (1045.1/401) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة محمد أنور قاضيتش .
الكتاب الحادي عشر :
رسالة في كلام خاتم الأنبياء و الخلفاء و الأولياء .
لمؤلِّفٍ مجهول .
و هي رسالة صغيرة جمعت طائفة من الأحاديث ( و معظمها يتردد بين الضعيف و الموضوع ) مع ما يناسبها من الآثار ، و لها في البوسنة ثلاث نسخ خطية ، فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
و هي كثيرة النقص ، ويقع القدر الموجود منها في عشرة أوراق ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها عبد الوهاب بن عبد الوهاب ، سنة 1208هـ/ 1794 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3302،6/2129).
النسخة الثانية :
تقع في (71) ورقة ، مكتوبة بخط نسخ تعليقي ، سنة 1214 هـ / 1800 م لا يعرف اسم كاتبها ، و عليها تملك باسم صالح بن مصطفى شمعي زاده (شمعيتش) البوسنوي ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 3993 / 2130 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
النسخة الثالثة :
تقع في (85) ورقة ، و هي ناقصة الآخر ، و قد كتبت بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (930/2131) .
الكتاب الثاني عشر :
أوائل كتب الحديث ( و يعرف اختصاراً بأوائل القلعي ) (5) .
تأليف : القلعي ( ؟ ) (6).
و هو كتابٌ صغير جمع فيه مؤلِّفه رحمه الله الحديث الأوَّل من كلِّ كتاب من كتب الحديث الشهيرة ، و أوَّلها الجامع الصحيح للإمام البخاري رحمه الله .
توجد نسخة خطية واحدة منه و تقع في (114) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ
تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (3505،18/591) .
خامساً : كتب الأحاديث القدسيَّة :
الأحاديث القدسية :
قال شهاب الدين بن حجر الهيتمي رحمه الله (7)
__________
(1) ... لم أقف له على ترجمة .
(2) ... لم أقف له على ترجمة .
(3) ... السلطان عبد الحميد ، هو : الثاني ، آخر سلاطين الدولة العثمانية ، تولى الحكم بعد خلع أخيه السلطان : مراد بن عبد الحميد ، سنة 1293 هـ / 1876 م ، و حكم أكثر من ثلث قرن ، و نادى بالجامعة
الإسلامية ، ثم تم خلعه بانقلاب قام به رجال الاتحاد و الترقي سنة 1327 هـ / 1909 م .
(4) ... لم أقف له على ترجمة .
(5) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2 / 522 .
(6) القلعي : لم أعرفه .
(7) ... الهيتمي ، هو : أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر – نسبة على ما قيل إلى جدّ من أجداده كان ملازماً للصمت فشبه بالحجر - السعدي ، الأنصاري ، أبو العباس ، الفقيه الشافعي ، مشارك في أنواع من =
= ... العلوم ، أذن له بالإفتاء و التدريس و عمره دون العشرين ، قال ابن العماد : ( ازدحم الناس على الأخذ عنه ، و افتخروا بالانتساب إليه ) ، ولد بمصر في محلة أبي الهيتم بالغربية فنسب إليها ، و توفي بمكة
انظر ترجمته في : شذرات الذهب 10 / 541 - 542 ، النور السافر ص 287 – 292 ، الكواكب السائرة 3 / 111 ، البدر الطالع 1 / 109 ، معجم المؤلفين 2 / 152 .(/34)
( ت 973 هـ / 1566 م ) في شرح الحديث الرابع و العشرين من ( الأربعين النووية ) ، و هو حديث أبي ذر الغفاري(1) - رضي الله عنه - ، أ ن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي ، و جعلته بينكم محرَّماً فلا تظالموا ) (2) : ( اعلم أن المضاف إليه تعالى أقسام
ثلاثة ، أوَّلها – و هو أشرفها – القرآن الكريم … و ثانيها كتب الأنبياء قبل تغييرها و تبديلها … و ثالثها بقيَّة الأحاديث القدسية ، و هي ما نقل إلينا آحاداً عنه - صلى الله عليه وسلم - مع إسناده لها عن ربه ، فهي من كلامه تعالى ، فتضاف إليه ، و هو الأغلب و نسبتها إليه حينئذٍ نسبة إنشاء ، لأنَّه المتكلم بها أوَّلاً ، و قد تضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه المخبر بها عن الله تعالى، بخلاف القرآن فإنه لا يُضاف إلاَّ إليه تعالى ، فيقال فيه : قال الله تعالى، وفيها – أي في الأحاديث القدسية – قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروى عن ربِّه تعالى) (3) .
و قد أفرد عدد من أهل العلم الأحاديث القدسية بالجمع ، كما فعل محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي الأندلسي(4) ( ت : 638 هـ / 1241 م ) في كتاب مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه و تعالى من الأخبار(5) . و الشيخ عبد الرؤوف المناوي(6) ( ت : 1031 هـ/ 1621 م ) في كتاب الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية (7) .
و أثناء بحثي لم أقف فيما زرت من مكتبات البوسنة على ما كنت أتوقع من مجامع ( الأحاديث القدسية ) ، بل كلُّ ما وقفتُ عليه في هذا الباب كتابان لمؤلفين مجهولين و جزء صغير .
أما الكتابان فهما :
الكتاب الأوّل :
الصحائف القدسية ( أو الموعظة في الأحاديث القدسية ) .
و هو كتاب مختصر يحوي إحدى و أربعين موعظة ، أقام مؤلِّفه كلاً منها على حديث قدسي ، بدأها بذكره ، و له في البوسنة نسختان خطيتان فيما يلي
وصفهما :
النسخة الأولى :
تقع في ( 32 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و عليها تملُّكٌ باسم القاضي مصطفى أديب بن إبراهيم المعروف باسم قُجق زاده السرائي ، و هي من أوقاف ذي الفقار آغا بن محمد سباهي زاده ، من أهالي الهرسك ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2407،1/578) .
النسخة الثانية :
و هي كثيرة النقص ، و يقع القدر الموجود منها في خمسة أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (1652،18/1214) .
الكتاب الثاني :
__________
(1) ... أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - ، هو : صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، اختلف في اسمه ، فقيل : جندب بن جنادة ، و قيل غير ذلك ، كان خامس خمسة في الإسلام ، أسلم بمكة ، ثم رجع إلى قومه بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قدم المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلازمه و جاهد معه ، من القراء و علماء الصحابة .
قال الذهبي : ( كان رأسا في الزهد و الصدق و العلم و العمل ، قوالا بالحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، على حدة فيه ) . توفي بالربذة في خلافة عثمان - رضي الله عنه - سنة 32 هـ / 653 م .
انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 4 / 227 ، الحلية لأبي نعيم 1 / 156 – 170 ، أسد الغابة 1/357، تهذيب الكمال 33 / 294 ، سير أعلام النبلاء 2 / 46 – 78 .
(2) ... الحديث : أخرجه مسلم ( 2577 ) في البر و الصلة ، باب : تحريم الظلم ، و الترمذي ( 2495 ) في صفة القيامة ، و ابن ماجه ( 4257 ) في الزهد ، باب : ذكر التوبة ، و البخاري في " الأدب المفرد " ( 490 ) باب : الظلم ظلمات ، و عبد ا لرزاق في " المصنف " ( 20272 ) ، و أحمد 5 / 160 ، و الطيالسي ( 463 ) و ابن حبان ( 619 ) ، و الحاكم في " المستدرك " 4 / 241 ، و أبو نعيم في " الحلية " 5/125 –126.
(3) ... ذكر هذا الكلام جمال الدين القاسمي ، في " قواعد التحديث " ص 57 .
(4) ... ابن عربي : علامة صوفي ، صاحب التواليف الكثيرة ، إلا أنه متكلم فيه بكلام شديد ، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ( هو شيخ سوء مقبوح كذاب ) . و قال الذهبي : ( و من أردأ تواليفه كتاب الفصوص ، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر ) .
انظر ترجمته في : التكملة لوفيات النقلة للمنذري 3 / 555 ترجمة 2972 ، سير أعلام النبلاء 23 / 48 ، العقد الثمين 2 / 160 – 199 .
(5) ... طبع بالقاهرة سنة 1369 هـ / 1950 م بمطبعة الصدق الخيرية ، تعليق أبي بكر مخيون ، في 111 صفحة.
(6) ... المناوي ، هو : زين الدين ، القاهري ، الشافعي ، عالم مشارك في أنواع العلوم ، صاحب تصانيف كثيرة ، توفي بالقاهرة .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر 2 / 412 ، البدر الطالع 1 / 357 ، معجم المؤلفين 5 / 220 .
(7) ... طبع بالقاهرة سنة 1393 هـ / 1973 م ، في مطبعة محمد علي صبيح .(/35)
الأحاديث القدسية .
توجد منه نسخة خطية وحيدة في البوسنة ، تقع في عشرة أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (921،1/549) .
أمّا الجزء الذي أشرت إليه آنفاً ففيه جملة من الأحاديث القدسية مستخرجة من كتاب ( مشارق الأنوار ) .
تأليف الحسن الصغاني .
و يقع في ثلاثة أوراق (126-128) ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها الناسخ عبد الوهاب بن الشيخ أحمد بن الحاج عبد الله ، سنة 1177 هـ / 1764 م ، و عليها تملُّكٌ باسم الحاج محمد آغا الغراتشانيتسي ( من أهالي بلدة غراتشانيتسا البوسنوية ) سنة 1180 هـ / 1767 م .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (4150،4/2290) .
سادساً : كتب الأحاديث المشهورة :
يوجد في البوسنة نسخٌ خطيَّة لكتابين من كتب هذا الفن ، و هما :
الكتاب الأوَّل :
اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة (1) .
تأليف بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي (2) ( ت : 794 هـ / 1392 م ) .
توجد في البوسنة قطعة من إحدى نسخ الكتاب تقع في (22) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف ألجي إبراهيم باشا ، محافظ البوسنة في زمنه ، و قد نقلت من مكتبته في ترافنيك ، إلى خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، حيث تحفظ حالياً ضمن مجموعٍ تحت رقم : (881،17/1974) .
الكتاب الثاني :
الدرر المنتثرة في الأحاديث المنتشرة (3) .
تأليف الإمام عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي(4) (ت : 911 هـ / 1505 م).
توجد بالبوسنة نسخة (5) كاملة منه ، تقع في (30) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ ، كتبها عبد الله قنطميري .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1688،2/577) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
سابعاً : كتب الترغيب و الترهيب :
الترغيب و الترهيب (6) .
تأليف الحافظ أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري (7) ( ت : 656 هـ / 1258 م ) .
و للكتاب ذي المجلَّدين في البوسنة و الهرسك نسختان خطيتان ، كلٌ منهما لمجلَّدٍ منه ، و فيما يلي وصفهما :
النسخة الأولى :
للجزء الأوَّل من الكتاب ، و فيها نقصٌ من البداية ، و يقع القدر الموجود منها في (253) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ قديم ، كتبها عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله المؤذن الشافعي البعلي ، سنة 867 هـ /1462م . و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : ( 376 ) .
و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الثانية :
للجزء الثاني من الكتاب ، تبدأ بباب : النكاح ، و تقع في ( 257 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخيٍ قديم ، كتبها أبو بكر بن يوسف بن أحمد بن محمد بن إسماعيل المعوي العدوي الشافعي ، في المدرسة الفارسيَّة قرب المسجد الأموي بدمشق ، سنة 845 هـ / 1441 م ، و هي محفوظةٌ حالياً خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 398 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
التقريب من الترغيب و الترهيب :
__________
(1) ... كتاب مطبوع ، نشرته دار الكتب العلمية في بيروت ، سنة 1406 هـ ، بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا.
(2) ... الزركشي ، هو : محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي ، بدر الدين ، المصري ، الشافعي ، أصولي ، أديب ، فاضل ، له من الكتب إعلام الساجد بأحكام المساجد ، و البحر المحيط في أصول الفقه ، و البرهان في علوم القرآن ، و التنقيح في شرح الجامع الصحيح للإمام البخاري ، و كثيرٌ غيرها .
انظر ترجمته في : إنباء الغمر 3 / 138 ، الدرر الكامنة 3 / 397 ، شذرات الذهب 8 / 752 ، هديّة العارفين 2/175 .
(3) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/148 ، و هو كتاب مطبوع ، قامت بنشره مطبعة البابي الحلبي ، في القاهرة ، سنة 1380 هـ / 1960 م .
(4) ... السيوطي : تقدمت ترجمته .
(5) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/362 تحت رقم : 577 .
(6) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/367 ، حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/400 ، و هو كتاب مطبوع ، نُشر في الهند سنة 1300هـ/ 1883 م .
(7) ... المنذري ، هو : أبو محمد الشامي الأصل ، المصري ، الشافعي ، الإمام الحافظ العلامة ، ولد سنة 581 هـ /1185 م ، قال عنه الذهبي : ( كان متين الديانة ، ذا نسك و سمت و جلالة ، و ما كان في زمانه أحفظ
منه ) .
انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ 4 / 220 ، سير أعلام النبلاء 23 / 319 ، الطبقات الكبرى للسبكي 8 / 259 ، شذرات الذهب 7 / 479 ، هديّة العارفين 1 / 586 ، معجم المؤلِّفين 5 / 264 .(/36)
و هو مختصر كتاب الترغيب و الترهيب للمنذري (1) .
تأليف محمد بن أبي بكر بن خضر الديري (2) ( ت : 862 هـ /1458م ) .
توجد منه نسخة للجزء الثاني فقط و هي ناقصة من أوَّلها و آخرها (3)، و يقع القدر الموجود منها في (150) ورقة مكتوبة بخطٍ نسخيٍ ، كتب معظمها علي بن أبي بكر ، و هو حفيد المؤلِّف رحمه الله ، و أتمَّه محمد بن الأمير ، سنة 1053هـ / 1643 م .
و على هذه النسخة ما يفيد ملكيتها لمحمد جاويش ، بطرابلس ، سنة 1062هـ/1652م ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (398) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
ثامناً : كتب الشمائل و الخصائص النبويَّة .
إنَّ موضوع شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - و صفاته وثيق الصلة بموضوع السيرة النبوية مباحثها ، و إن استقل عنها في التأليف و التصنيف ، لذلك ألحق مباحث الشمائل بمباحث السيرة غير واحد من العلماء ، و منهم الحافظ ابن كثير الدمشقي (4) رحمه الله ، حيث شرع في جمع الشمائل بعد أن فرغ من كتابة السيرة مباشرةً (5) ، و قال :
... (( وهذا أوان إيراد ما بقي علينا من متعلقات السيرة الشريفة ، و ذلك أربعة كتب : الأول في الشمائل ، و الثاني في الدلائل ، و الثالث في الفضائل ، و الرابع في الخصائص ، و بالله المستعان )) (6) .
و عليه فإن موضوع الشمائل يُعد من ملاحق السير التي أردفت بها في التأليف و التصنيف .
غير أن هذا لم يحل دون إفراد الشمائل الشريفة بكتب مستقلة ، فقد عدها كثير من العلماء من علوم الحديث ، بحكم مادتها التي تبحث في أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، سواء في العبادات أم الأخلاق ، أم المعاملات ، و جمعوا ما روي عنه من الأقوال و الأفعال و التقريرات إلى جانب صفاته الخَلقية ، و الخُلُقية مما هو منثور في كتب الحديث و السير و غيرها 0
و كتاب ( الشمائل النبوية و الخصال المصطفويَّة ) المعروف اختصاراً بالشمائل ، للإمام أبي عيسى الترمذي (7) رحمه الله ، هو أشهر الكتب التي تناولت هذا الموضوع و هو كتاب نفيس في بابه عني به العلماء ، و تواصوا به ، و أفادوا منه ، فمنهم الشارح له ، و المحشِّي عليه ، و منهم المترجم و الناسخ له ، و كلُّهم يثني عليه خيراً .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : (( قد صنف الناس في هذا - يريد موضوع الشمائل النبوية الشريفة - قديماً و حديثاً ، كتباً مفردةً و غير مفردة ، و من أحسن من جمع في ذلك فأجاد الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي رحمه الله أفرد في هذا المعنى كتابه المشهور بالشمائل )) (8) .
__________
(1) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/367 - 1/627 ، و هديّة العارفين ، للبغدادي : 2/201 ، و قد طبع مؤخَّراً ، و نشرته دار اليمامة بدمشق ، سنة 1411هـ .
(2) ... الديري ، هو : شمس الدين ، أبو عبد الله ، الصفدي ، القادري ، فاضل ، ولد بدير الخليل من الناصرة بقرب صفد ، وزار دمشق و مصر غير مرة .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 7 / 167 ، هديّة العارفين 2 / 201 ، الأعلام 6/284 ، معجم المؤلفين 9/108.
(3) ... نظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/332-333 تحت رقم : 542 .
(4) ... ابن كثير ، هو : إسماعيل بن عمر بن كثير ، عماد الدين ، أبو الفداء ، محدث ، مؤرخ ، مفسر ، فقيه ، أصولي ورع ، صاحب التصانيف الرائقة المفيدة ، توفي سنة 774 هـ / 1373 م .
انظر ترجمته في : المعجم المختص للذهبي ص 74 – 75 ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3 / 113 ، الدرر الكامنة 1 / 373 ، البدر الطالع 1 / 153 .
(5) ... لقد ألَّف الحافظ ابن كثير رحمه الله كتاباً بسيطاً في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه ( السيرة النبوية ) و كثيراً ما كان يُحيل عليه في تفسيره و غيره ، إلا أن هذا الكتاب ظلَّ ضمن ( البداية ) و طبع معه مراراً ، إلى أن ارتأى القائمون على مكتبة عيسى البابي إفراده بطبعة خاصة ، فطبعوه مستقلاً جزاهم الله خيراً 0
(6) ... شمائل الرسول ، للحافظ ابن كثير ، بتحقيق مصطفى عبد الواحد ، ص : 3 .
(7) ... الترمذي ، هو : محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك ، السلمي ، إمام في الحديث ، ارتحل فسمع بخراسان و العراق و الحرمين ، و لم يرحل إلى مصر و الشام ، و قد أضر في كبره بعد رحلته و كتابته العلم ، قال الذهبي : ( جامعه قاض له بإمامته و حفظه و فقهه ، و لكن يترخص في قبول الأحاديث ، و لا يشدد ، و نفسه في التضعيف رخو ) ، مات بترمذ .
انظر ترجمته في : وفيات الأعيان 4 / 278 ، تذكرة الحفاظ 2 / 633 ، سير أعلام النبلاء 13 / 270 ، البداية و النهاية 11 / 66 ، النجوم الزاهرة 3 / 88 ، الأعلام 2 / 367 .
(8) ... شمائل الرسول ، لابن كثير ، ص : 5 .(/37)
و في البوسنة و الهرسك نسخ خطيَّة لأربعة من كتب الشمائل المعروفة ، مع بعض شروحها و مختصراتها ، فيما يلي وصفها :
الكتاب الأوَّل :
الشمائل النبويَّة .
للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ( 279 هـ / 892 م ) .
وقد وقفتُ على إحدى عشرة نسخة خطِّيَّة من كتاب الشمائل و عدَّة نسخ خطيَّة لشروحه في مكتبات البوسنة و الهرسك فيما يلي وصفها :
أوَّلاً : مخطوطات كتاب الشمائل النبويَّة :
النسخة الأولى :
و هي كاملة تقع في ( 87 ) ورقة ، كتبها بخطٍ نسخيٍّ واضحٍ القاضي عزَّتي صالح سنة 1094 هـ / 1682م ، و عليها إهداءٌ من قاضي سراييفو إبراهيم أفندي ، يرجع تاريخه إلى سنة 1169 هـ / 1755م ، و هي من أوقاف هرمو زاده .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (1790/437) .
النسخة الثانية :
تقع في ( 45 ) ورقة ، و هي ناقصة من آخرها ، و مكتوبة بخط تعليقي جميل ، كتبها مصطفى النقشبندي ، المعروف باسم عطَّار زاده ، سنة 1169 هـ /
1756 م ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : (2408،1/438) .
النسخة الثالثة :
و هي كاملة تقع في أربع و أربعين ورقة ، كتبها عبد الرحمن بن أبي بكر البانيالوكي(1)، سنة 1113هـ/1701م ، في المدرسة السليمانية بمكة المكرمة .
و هي محفوظةٌ حالياً ضمن مجموعة الكتب الشرقيَّة في الأكاديميَّة اليوغسلافيَّة تحت رقم (1167/1) .
النسخة الرابعة :
و هي ناقصةٌ من أوَّلها و تقع في سبعٍ و خمسين ورقة ، في بداية مجموعٍ يحوي بالإضافة إليها قصيدة البردة للبوصيري(2) ، و يعود تاريخ نسخها إلى سنة 1127هـ / 1748 م .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 883 / 1 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا
( الفيروزيَّة ) بترافنيك (3) .
النسخة الخامسة :
و هي كاملة مُتقنة ، تقع في سبع و أربعين ورقة ، مكتوبة في سراييفو بخط تعليقي واضح ، كتبها الناسخ البوسنوي عبد الله بن أحمد قنطميري (4) 0
و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم (1742،1/436) .
النسخة السادسة :
و هي كاملة تقع في سبعٍ و أربعين ورقة ، جاء في آخرها ما نصُّه: ( قد اتفق الفراغ من تسويده وقت العصر بمدرسة حكيم جلبي لسنة أربع و ستين و مئتين بعد ألفٍ ) ، و عليها تملك باسم حسين بن مفيد الدين الحسيني .
و هي موجودة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم (1322،4/152) .
النسخة السابعة :
و هي كاملة و واضحة ، تقع في ثنتين و تسعين ورقة ، كُتبت بخط الناسخ البوسنوي أحمد بن محمد بن علي بن مصطفى آغا بن صالح آغا ديزدتر بن حسين آغا بن أحمد آغا ، سنة 1284هـ/1867م ، و هي محفوظةٌ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو برقم (3029) ، و لم تتح لي فرصة معاينتها بسبب عمليات الترميم في المكتبة .
النسخة الثامنة :
تقع في مئةٍ و أربع عشرة ورقة متوسطة الحجم ، نسخها بخطٍ نسخيٍّ جميل الناسخ البوسنوي سليمان جابيتش بن شاكر أفندي، سنة 1285هـ/1868م (5) .
وهي موجودة في دار مخطوطات الهرسك بمدينة موستار تحت رقم (256) .
كما يوجد في دار مخطوطات الهرسك ثلاث مخطوطات أُخرى ، أرقامها (209-211-222) (6) ، و قد حال دون تمكني من معاينتها سقوط موستار في أيدي كروات البوسنة ، و اتخاذها عاصمة لدولة الهرسك التي أعلنوها سنة 1415هـ/1995م 0
ثانياً : مخطوطات شروح ( الشمائل ) في مكتبات البوسنة :
كان لمكتبات البوسنة حظٌ وافر من شروح شمائل الترمذي ، و دورٌ هام في
حفظها ، و قد وقفتُ على عدة نسخٍ خطيَّة لبعض شروح ( الشمائل ) أعرضها في ما يلي :
الشرح الأول :
و هو بعنوان : أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل .
للحافظ أحمد بن حجر الهيتمي (ت :973هـ/1565م) .
__________
(1) ... البانيالوكي نسبة إلى مدينة ( بانيالوكا ) ثاني مدن البوسنة بعد العاصمة سراييفو ، و قد احتلها الصرب في الحرب الأخيرة ، و اتخذوا منها عاصمة لكيان صرب البوسنة .
(2) ... البوصيري ، هو : محمد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله ، شرف الدين ، أبو عبد الله الصنهاجي ، الدلاصي ، المغربي الأصل ، البوصيري المنشأ ، صوفي من أهل الطرق ، ناظم ، ولد بدلاص سنة 608 هـ / 1211 م ، و توفي بالأسكندرية سنة 694 هـ / 1294 م .
انظر ترجمته في : الوافي بالوفيات 3 / 105 – 113 ، شذرات الذهب 7 / 753 ، كشف الظنون 1331 و 1349 ، معجم المؤلفين 10 / 28 .
(3) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/268 تحت رقم : 435 .
(4) ... لم أقف على ترجمة له .
(5) ... انظر : فهرس المخطوطات الشرقية بدار مخطوطات الهرسك ، في موستار ، ص : 37 تحت رقم : 36 .
(6) ... انظر : فهرس المخطوطات الشرقية بدار مخطوطات الهرسك ، في موستار ، ص :24-40- 31 تحت رقم : 6 - 43- 23 .(/38)
شرح الهيتمي رحمه الله شمائل الترمذي في المسجد الحرام ، و أثبت ذلك في مقدمته فقال : ( الحمد لله رب العالمين … و بعد فهذه عجالةٌ علَّقتها على مشكل شمائل الإمام الحافظ أبي عيسى الترمذي رحمه الله علَّقتها لمَّا قرئ عليَّ في رمضان سنة تسع و أربعين و تسعمئة بحرم مكة المكرمة … ) ، و قال في آخره : ( فرغتُ منه لثمانية عشر من رمضان سنة تسعٍ و أربعين و تسعمئة ( 1561 م ) ، و كان الابتداء فيه ثالث رمضان من السنة المذكورة ) .
و لهذا الشرح في البوسنة نسخة واحدة كاملة تقع في ثنتين و تسعين ورقة ، كتبها محمد بن صلاح الدين البكري التيمي الدمنهوري ، في حياة مؤلفها ، و قرأ غالبها عليه عام ثمان و ستين و تسعمئة ، و عليها ما يفيد ملكيتها للشيخ عبد العزيز مؤمن زاده المدرس في مدرسة كركجي باشا بتركيا 0
و ترجعُ أهميَّتها إلى قِدم تاريخ نسخها ، و كون ناسخها أحد تلاميذ المؤلف ، و قد قرأ معظمها عليه ، كما صرَّح بذلك في نهايتها .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (507/441) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا
الشرح الثاني :
و هو بعنوان : جمع الوسائل في شرح الشمائل .
للشيخ علي القاري رحمه الله (ت : 1014هـ/1605م) .
و قد شرح الشيخ علي القاري رحمه الله كتاب ( الشمائل ) في مكة المكرمة سنة ثمانٍ و ألفٍ للهجرة .
و لهذا الشرح في البوسنة عدَّة نسخ خطية فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
و هي كاملة تقع في مئتين و ثمان و سبعين صفحة مكتوبة بخط نسخي واضح يتخلله بعض التعليق و لا يُعرف اسم ناسخها و لا تاريخ النسخ .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (325/443) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي بسراييفو .
النسخة الثانية :
تقع في ثنتين و خمسين و مئتي ورقة مكتوبة بخطٍ نسخي قديم ، كتبها إسماعيل ( كذا ورد ذكره ) باسطنبول ، في رمضان سنة 1127هـ/1715م ، و عليها ما يفيد ملكيتها لعمر بن محمد البوسنوي عام 1176هـ/1762م ، ثم عمر زهدي عام 1193هـ/1779م ، ثم محمد شاكر مويدوفيتش .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (1327) ، و قد أهدتها إلى المكتبة الخسرويَّة أخيراً السيدة منيبة مويدوفيتش .
النسخة الثالثة :
تقع في تسعٍ و سبعين و ثلاثمئة ورقة ، مكتوبة بخط نسخ تعليق ، كتبها الناسخ البوسنوي مصطفى بن إبراهيم الملقب بجقوري ، في مدينة بانيالوكا سنة 1065هـ/1654م ، و عليها ما يفيد ملكيتها للقاضي محمد رشيدحافظ زادة ، قاضي
بانيالوكا .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (3374/444) .
النسخة الرابعة :
تقع في ثنتين و سبعين و خمسمئة ورقة ، كتبها بخط النسخ عبد الله الأبوصيري الشافعي ، سنة 1156هـ/1743م (1) 0
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (3903) ، و قد نقلها إلى الخسروية من مكتبة قركوز بك في موستار عبد الرؤوف ساجني الشهيد رحمه الله .
كما توجد في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم
( 2147 / 18) قطعة صغيرة من ( جمع الوسائل ) للشيخ علي القاري ، تقع في ثلاثة أوراق ، و هي وقف من سليم أفندي مفتيتش و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1356،18/2147).
الشرح الثالث :
و هو من تأليف الشيخ عبد الرؤوف المناوي رحمه الله ( ت : 1031 هـ /1621 م ) .
و أوَّله : ( شمائل أهل الفضائل في الحديث و القديم … ) . و هو مكتوب بخط النسخ ، بقلم الناسخ علي بن حسن بن تاج الدين ، سنة 1109 هـ / 1697 م ، ، و هو محفوظ اليوم تحت رقم : ( 3358 / 446 ) ، في مكتبة الغازي خسرو بيك ، و قد نقل إليها من مكتبة الحاج خليل أفندي الغراجانيتسي الوقفية (2) .
الكتاب الثاني :
و هو : كتاب الشِّفا بتعريف حقوق المُصطفى .
تأليف : القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي ( ت : 544 هـ / 1150 م ) .
و لهذا الكتاب في مكتبات البوسنة عدة نسخ خطية ، إضافة إلى عدة نسخٍ خطِّيَّة لشروحه، فيما يلي وصفها :
أوَّلاً : مخطوطات كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى .
النسخة الأولى :
تقع في (250 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ نسخي كتبها خالد بن إسماعيل الطرابلسي في دمشق سنة 764 هـ / 1463 م ، و هي من أوقاف مميشاه أفندي البوسنوي و قاضي فوتشا مصطفى بن إبراهيم على أهالي مدينة ( فوتشا ) البوسنوية ، سنة 1116 هـ / 1705 م ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 130/483 ) .
__________
(1) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/274 تحت رقم : 445
(2) ... انظر : قاسم دوبراجا : فهرس المخطوطات العربية و التركيَّة و الفارسيَّة في مكتبة الغازي خسروبيك : 1/275 تحت رقم : 446(/39)
النسخة الثانية :
تقع في (211 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ تعليقي يتخلله بعض النسخ ، ذُكر في آخرها أنَّها بخط أحمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن عيسى العفطي الشافعي ، المعروف بابن دينار ، سنة 738 هـ / 1338 م ، و في مكان آخر ذُكر أن محرِّر هذه النسخة هو سليمان بن علي بن محمد ، المدرس في مدرسة ( نَشانجي باشا ) باسطنبول ، سنة 1130 هـ / 1718 م . و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 256/484 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا ) الفيروزيَّة ( بترافنيك .
النسخة الثالثة :
تقع في (174 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ تعليقي كتبها خجا زاده أحمد بن محمد ، سنة 1141 هـ / 1729 م ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 368/485 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الرابعة :
تقع في (230 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ نسخي كتبها علي بن أيوب بن موسى المالكي ، سنة 748 هـ / 1347 م ، و عليها تملك باسم محمد صالح عبد الرحيم و عبد الله حسن بيك محرمي زاده ، و محمد خانجيتش ، و من مكتبة هذا الأخير نُقلت إلى مكتبة الغازي خسرو بيك حيث تحفظ اليوم تحت رقم : ( 483/486) .
النسخة الخامسة :
تقع في (316 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : (704/487) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة حسن أفندي يويو زاده .
النسخة السادسة :
تقع في (281) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ نسخي كتبها مصطفى بن مصطفى الأَسكوبي في مدرسة الغازي خسرو بيك سنة 1211 هـ / 1797 م ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 1231/488 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا ) الفيروزيَّة ( بترافنيك .
النسخة السابعة :
تقع في (132) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ تعليقي ، كتبها فيض الله إسماعيل جنتي زاده ( جنَّتيتش ) البوسنوي ، في سراييفو سنة 1219 هـ / 1804 م ، و قد أوقفها موستاي بيك جنتيتش على عقبه ، سنة 1289 هـ / 1872 م ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 1234/489 ) .
النسخة الثامنة :
تقع في (188 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ النستعليق ، كتبها محمد حلوى زاده ، سنة 1166 هـ / 1753 م ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 2113 /490 ) .
النسخة التاسعة :
تقع في ( 237 ) ورقة ( 1-237 ) ، مكتوبة بخطٍّ نسخي كتبها سيد حسين صادق القادري ، سنة 997 هـ / 1589 م ، و هي من أوقاف أحمد عاصم متولي على مدرسة الغازي خسرو بيك و تحفظ اليوم ضمن مجموع في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 2808،1/491 ) .
النسخة العاشرة :
تقع في ( 197 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ تعليقي ، كتبها حسين بن حسين البلغرادي سنة 1151 هـ / 1738 م ، و عليها تملك باسم الحاج خليل الغرادجانيتسوي ( من أهالي غرادجانيتسا في البوسنة ) ، و قد نُقلت من مكتبته إلى مكتبة الغازي خسرو بيك حيث تحفظ في خزانتها تحت رقم : (3482/
492 ) .
النسخة الحادية عشرة :
تقع في ( 226 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ نسخي كتبها محمد بن خليل ، في مدرسة رئيس الكُتَّاب بمنطقة ( كاستامونيا ) ، سنة 1162 هـ / 1749 م ، و عليها تملك باسم هرمو زاده صالح صدقي ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 4213 /493 ) .
النسخة الثانية عشرة :
تقع في ( 309 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ تعليقي ، كتبها عبد الله بن منلا صالح حرميك ( حرميتش ) ، في مدرسة قرة كوز بيك بموستار ، و لم يذكر تاريخ نسخها و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : (4308/494).
النسخة الثالثة عشر :
تقع في ( 42 ) ورقة (31-72) ، و هي كثيرة النقص ، و قد كتبت بخطٍّ نسخي واضح ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 3492،2/1688 ) .
ثانياً : مخطوطات مختصرات كتاب الشفا :
اختصر الشيخ محمد بن أحمد بن علي بن عمر الإسنوي رحمه الله (1)( ت : 763 هـ / 1362 م ) كتاب الشفا بتعريف أحوال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في جزءٍ واحدٍ سمَّاه : تحفة إخوان الصفا في اختصار كتاب الشفا (2).
__________
(1) ... الإسنوي ، هو : شمس الدين ، ابن عم جمال الدين ، الشافعي ، محدث ، فقيه ، نحوي ، كان أحد العلماء العاملين ، أقام بإسنا مدة ، ثم بمكة ، و توفي بها بعد الحج ، و له أيضا : شرح مختصر مسلم للمنذري ، و شرح ألفية ابن مالك .
انظر ترجمته في : الدرر الكامنة 3 / 342 ، ذيل العبر لابن العراقي 1 / 107 ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3 / 155 – 156 ، بغية الوعاة 1 / 35 ، شذرات الذهب 8 / 338 ، معجم المؤلفين 8 / 297 .
(2) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1053-1054 .(/40)
و توجد في البوسنة نسخة خطية واحدة منه تقع في ( 91 ) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي كتبها مسعود بلال ، سنة 793 هـ / 1391 م ، و هي محفوظةٌ حالياً في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 3379/495 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك في موستار .
ثالثاً : شروح كتاب الشفا :
لكتاب الشفا شروحٌ كثيرة ، ذكر منها حاجي خليفة بضعة عشر شرحاً من بينها ثلاثة شروح لها نسخ خطِّية في مكتبات البوسنة ، و فيما يلي ذكر هذه الشروح و بيان نسخها الخطيَّة :
الشرح الأوَّل :
و هو بعنوان : رفع الخفاء عن ذات الشفاء (1) .
للشيخ علي بن سلطان القاري ( ت : 1014هـ / 1606 م ) .
و توجد ثلاث نسخ خطية منه في البوسنة ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في ( 413 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف جينو زاده ، و تحفظ اليوم في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 130/483 ) .
النسخة الثانية :
تقع في ( 656 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ تعليقي ، كتبها الحاج محمد بن ولي الدين المدرس بزاوية خانقاه بسراييفو ، سنة 1193 هـ / 1779 م ، و عليها تملك باسم الحاج عبيد الله زهدي بن الحاج إبراهيم ، سنة 1284 هـ / 1868 م ، و تحفظ اليوم في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 689/498 ) .
النسخة الثالثة :
تقع في ( 501 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ نسخي واضح ، كتبها علي المنوفي ، سنة 1165 هـ / 1752 م ، و هي محفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك تحت رقم : ( 3742/499 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
الشرح الثاني
و هو عبارة عن حواش على الكتاب ، تعرف بحاشية الشفا .
لشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاَّني ( ت : 923هـ / 1517 م ) .
وله في البوسنة نسخة واحدة ، و هي نا قصة ، يقع القدر الموجود منها في (174) ورقة ، مكتوبة بخطٍّ نسخي ، كتبها سليمان بن محمد المالكي الأبياري ، سنة 1075 هـ / 1665 م ، و هي ممَّا نُقل إلى المكتبة الخسروية من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
الشرح الثالث :
بعنوان : نسيم الر ياض في شرح شفاء القاضي عياض (2).
للشيخ أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري(3) (ت : 1069هـ/ 1659م).
توجد في البوسنة نسخةٌ من هذا الشرح بمجلَّداته الثلاثة ، و تقع مجتمعةً في
( 1247 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و تحمل اسمين لناسخين مختلفين ،هما : محمد بن داود العناني ، و محمد اليعقوبي الونامي ، و قد تم نسخها بين عامي 1062 ، و 1068 هـ/ 1652 و 1658 م .
و هي محفوظةٌ حالياً في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت الأرقام
( 110/500 ) و ( 111/501 ) و ( 112/512 ) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي بسراييفو .
الكتاب الثالث :
و هو كتاب : الشمائل الشريفة ، المقتصر على أحاديث الشمائل النبوية الشريفة من كتاب ( الجامع الصغير ) ، للإمام السيوطي (ت : 911 هـ / 1505 م ) .
توجد منه نسخةٌ واحدة في البوسنة تقع في تسعٍ و عشرين ورقة ، مكتوبة بخط نسخيّ و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (881،6/1974) .
الكتاب الرابع :
خلاصة الأخبار في أحوال النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - (4) .
تأليف الشيخ عزيز محمود أفندي بن فضل الله بن محمود الأسكداري(5) (ت : 1038هـ/ 1629 م ) .
توجد في البوسنة نسخة واحدة منه ، تقع في (85) ورقة (1-85) ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (634،1/2254) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
تاسعاً : كتب الفضائل و المناقب :
الكتاب الأوَّل :
فضائل الشام و دمشق (6) .
__________
(1) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/369 .
(2) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1 / 631 .
(3) ... الخفاجي ، هو : شهاب الدين ، أبو العباس ، الحنفي ، لغوي ، أديب ، مشارك ، ولد بمصر سنة 979 هـ / 1571 م ، و توفي بها و قد أناف على التسعين ، و له مؤلفات كثيرة ، منها شرح درة الغواص في أوهام الخواص للحريري ، ديوان العرب في ذكر شعراء العرب .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر 1 / 331 – 343 ، كشف الظنون 699 و 741 ، هدية العارفين 1 / 160 معجم المؤلفين 10 / 138 .
(4) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/717 .
(5) ... محمود الأسكداري : ويعرف بالهدائي ، حنفي ، صوفي ، ناظم ، ناثر ولد ببلده حصار ، و توفي باسكدار ، له مصنفات كثيرة .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر للمحبي 4 / 327 – 329 ، معجم المؤلفين 12 / 189 .
(6) ... كتاب مطبوع ، نشره المجمع العلمي العربي ، بدمشق ، سنة 1370هـ/ 1951 م ، بتحقيق صلاح الدين المنجد .(/41)
تأليف أبي الحسين علي بن محمد الربعي المالكي (1) .
و هو جزءٌ صغيرٌ يجمع بين دفتيه جملة واسعة من الأحاديث الواردة في فضائل بلاد الشام ، و حاضرتها دمشق .
و توجد في البوسنة نسخة وحيدة منه ، تقع في ( 17 ) ورقة ( 171-187 ) ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها الناسخ عثمان بن بالين ، سنة 1033 هـ / 1624 م و هي محفوظة في دار المحفوظات بموستار ضمن مجموعٍ تحت رقم : ( 473،5 / 253 ) .
الكتاب الثاني :
القرب في فضل ( محبة ) العرب (2).
تأليف الإمام زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي ( ت : 806 هـ/ 1404 م ) .
و هو كتاب جمع فيه الحافظ العراقي رحمه الله طائفة صالحة من الأحاديث الثابتة في فضائل العرب .
و توجد في البوسنة نسخة واحدة منه ، و قطعةٌ من نسخةٍ أخرى .
أمَّا النسخة الكاملة فتقع في (12) ورقة (75-86) ، مكتوبة بخط نسخي، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3505،10/391) .
و أمّا القطعة فتقع في ورقتين فقط (232-233) ، و هي مكتوبة بخط نسخي سنة 996 هـ / 1588 م ، لا يعرف اسم كاتبها ، و في الصفحتين الموجودتين جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل العرب ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم :
(1643،2/981) .
الكتاب الثالث :
مطلع البدرين فيمن يؤتى أجره مرَّتين ( أو فيمن يؤتى أجرين ) (3).
تأليف الإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت: 911هـ / 1506م ).
و هو في الفضائل جمع فيه الإمام السيوطي رحمه الله ما ورد من الأحاديث الدالة على مضاعفة الأجور ، و شرحها .
توجد في البوسنة نسخة واحدة منه تقع في أربعة أوراق ( 136 – 139 ) ، مكتوبة بخط الناسخ البوسنوي الشهير عبد الله قنطميري ( قنطمير زاده ) ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : ( 1688 ، 5 /577 ) .
الكتاب الرابع
لباب الأحاديث ( أو كتاب اللباب في الحديث ) (4).
لمؤلف مجهول .
و هو كتاب في الفضائل - كما قال حاجي خليفة - رحمه الله ، جعله مؤلفه في أربعين باباً ، أورد في كل باب منها عشرة أحاديث في فضائل الأعمال (5).
و توجد في البوسنة نسخة واحدة منه تقع في تسعة أوراق ، مكتوبة بخط تعليقي، كتبها أحمد بن مصطفى ، سنة 1154 هـ / 1741 م ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3505،10/391) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة محمد أنور قاضيتش .
كما توجد في البوسنة مجموعة أجزاء حديثية يحوي كلٌ منها جملة من الأحاديث الواردة في فضائل بعض الشهور ، و كلُّها مجهولة أسماء المؤلفين ، و هي مشحونة بكثيرٍ من الأحاديث الواهية و الموضوعة ، و هي :
جزءٌ بعنوان ( فضائل رجب ) ، يقع في ثماني أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هو محفوظ في دار المحفوظات بموستار تحت رقم : (4961/1304) .
جزءٌ بعنوان ( فضائل شهر رجب ) ، يقع في خمسة أوراق (84-88) ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها الناسخ محمد سلطان باشا ، سنة 1265هـ / 1849 م ، و هو محفوظ في دار المحفوظات بموستار ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3536،2/2136) ، و قد نُقلت إليها سنة 1401هـ/ 1981 م ، شراءً من إسماعيل سليموفيتش ، آخر مُلاَّكها ، و هو إمام مسجد في زفورنيك .
__________
(1) ... الربعي : يعرف بابن أبي الهول ، المالكي ، من أهل دمشق ، توفي 444 هـ / 1052 م ، كذا في الأعلام للزركلي ، و في الديباج المذهب ص 203 : أنه قيرواني ، نزل سفاقس ، و حاز رئاسة إفريقيا ، ت 498 هـ / 1105 م ، و أرخه صاحب شجرة النور الزكية ص 117 ، سنة 478 هـ / 1085 م .
(2) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1 / 137.
(3) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1719 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/147 ، و هو كتاب مطبوع نشرته دار الهجرة في الدمام ، سنة 1410 هـ / 1990 م ، بتحقيق سليم بن عيد الهلالي .
(4) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2 / 1540 مقتصراً على اسمه ، دون ذكر مؤلفه ، و للسيوطي كتاب بنفس الاسم ( لباب الحديث ) طبع بالقاهرة سنة 1374 هـ ، كما في " دليل مؤلفات الحديث الشريف المطبوعة " رقم 1555 ، و لم أقف عليه حتى الآن .
(5) قول حاجي خليفة نقلته من على طرة الكتاب المخطوط ، و لم أقف عليه في " كشف الظنون " .(/42)
جزءٌ بعنوان ( فضائل شعبان العظيم ) ، يقع في خمسة أوراق ( 88 – 92 ) مكتوبة بخط نسخي ، كتبها الناسخ محمد سلطان باشا ، سنة 1265 هـ / 1849 م ، و هو محفوظ في دار المحفوظات بموستار ضمن مجموعٍ تحت رقم : ( 3536 ، 3 / 2136 ) ، و قد نُقلت – مع سابقتها - إلى مكتبة الغازي خسرو بيك سنة 1401 هـ / 1981 م ، شراءً من إسماعيل سليموفيتش .
جزءٌ بعنوان ( فضائل شعبان العظيم ) ، يقع في خمسة أوراق ( 88-92 ) مكتوبة بخط نسخي ، كتبها الناسخ محمد سلطان باشا ، سنة 1265 هـ/ 1849 م ، و هو محفوظ في دار المحفوظات بموستار ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3536،3/2136) ، و قد نُقلت - مع سابقتها - إلى مكتبة الغازي خسرو بيك سنة 1401هـ / 1981 م ، شراءً من إسماعيل سليموفيتش .
كما يوجد عدد من الأجزاء الحديثية المجموعة في فضائل بعض الأعمال و الأماكن و الأزمنة ، و لا تحمل أسماء مؤلفيها ، و ربما لم تحمل عليها أسماء النساخ أيضاً ، و غالبها مثقل بالأحاديث الضعيفة و الموضوعة ، و من هذه الأجزاء ما هو محفوظ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت الأرقام التالية:
(914.4/116) بعنوان : فضائل عاشوراء .
(3098،9/450) بعنوان : أحاديث في فضائل السور .
عاشراً : كتب أحاديث الأحكام :
حظيت مكتبات البوسنة و الهرسك باثنين من أشهر ما صُنِّف في ( أحاديث الأحكام ) ، و جزءٍ لمؤلف مجهول . أمّا الكتابان فهما :
الكتاب الأول :
بستان العارفين (1) .
تأليف أبي الليث نصر بن محمد السمرقندي ( ت : 393 هـ / 1003 م ) (2).
توجد منه خمس نسخ خطية في البوسنة ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (160) ورقة مكتوبة بخط نستعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (863/1963) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
النسخة الثانية :
تقع في (113) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، سنة 872 هـ / 1468 م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1303/1962) .
النسخة الثالثة :
تقع في (100) ورقة (92-191) ، مكتوبة بخط تعليقي ، سنة 1055 هـ / 1645 م ، لا يعرف اسم كاتبها ، و عليها تملُّكٌ باسم قاسم بن إبراهيم ، سنة 1039هـ / 1630 م ، و هي من أوقاف عبد الباقي جينو زاده ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (1533،2/2015) .
النسخة الرابعة :
تقع في (93) ورقة (86-179) ، مكتوبة بخط تعليقي ، و لا يعرف اسم
كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و عليها تملك باسم صالح أفندي شميتش ، و هي من أوقافه رحمه الله ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (4614،2/2115) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
النسخة الخامسة :
و قد سقط معظمها ، و يقع القدر الموجود منها في (8) أوراق تشمل باب : طلب العلم من الكتاب فقط ، و هي مكتوبة بخطٍ تعليقي ، كتبها أحمد بن مصطفى سنة 1154 هـ / 1741 م .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (2539،3/585) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة محمد أنور قاضيتش .
الكتاب الثاني :
المنتقى في أحاديث الأحكام عن خير الأنام ( و هو كتاب منتقى الأخبار ) (3).
__________
(1) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/348 .
و قال عنه حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/243 : ( و هو كتاب مختصر مفيد على مئة و خمسين باباً في الأحاديث و الآثار الواردة في الآداب الشرعية ، و الخصال و الأخلاق و بعض الأحكام الفرعية ) ، قلت : و هذا معارضٌ بكلام السمرقندي نفسه في مقدمة كتابه ، حيث عرَّف بالكتاب فقال : ( إني قد جمعت في كتابي هذا فنوناً من العلم … و استخرجت ذلك من كتب كثيرة ، و سميته كتاب البستان ، مشتملاً على مئة و اثنتين و ستين باباً … ).
انظر : نسخة المخطوط المحفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم :
(1533،2/2015) ، ص : 3 .
و هو مطبوع سنة 1402 هـ / 1982 م ، بدار الرائد العربي مع كتاب تنبيه الغافلين .
(2) ... السمرقندي ، هو : الإمام ، الفقيه ، المحدث ، الزاهد ، الحنفي ، صاحب كتاب تنبيه الغافلين ، و كتاب الفتاوى .
انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ للذهبي : 3-169 و هديّة العارفين ، للبغدادي : 2-490 و معجم
المؤلِّفين ، لعمر رضا كحالة : 13-91 .
(3) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/399 ، و هو مطبوعٌ نشرته المكتبة الفاروقيَّة بدلهي ، سنة 1296هـ / 1879 م ، مع حاشية بعنوان ( نزل من اتقى ببيان أحوال المنتقى ) ، لعبد الرشيد بن محمود الإبراهيمي الكشميري ، و نشرته مفرداً بعد ذلك مطبعة البابي الحلبي بالقاهرة ، سنة 1351هـ / 1933 م .(/43)
تأليف مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيميَّة الحرَّاني (1) ( ت : 652هـ / 1254 م ) .
و هو من أشهر ما أُلِّف في أحاديث الأحكام ، و قد استخلصه المجد رحمه الله من الكتب السبعة ( الصحيحين ، و السنن ، و الموطأ ) .
و للكتاب في البوسنة نسخة خطيةٌ واحدة فقط ، و هي ناقصةٌ من أوَّلها
و آخرها ، و يقع القدر الموجود منها في ( 128 ) ورقة ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ قديم و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (775/539) .
·و إلى جانب هذين الكتابين ثمة جزءٌ فيه ذكر الأحاديث التي تدور عليها أبواب الفقه .
لمؤلف مجهول .
و هو جزءٌ صغيرٌ يجمع بين دفتيه الأحاديث التي استنبط منها الفقهاء قواعد الفقه الكلِّية ، و تخريجها ، و له في البوسنة نسخة وحيدة ، تقع في ( 9 ) أوراق ( 68-76 ) ، مكتوبة بخط الناسخ محمد بن عبد الفتاح ، سنة 1042 هـ / 1633 م ، و هي من أوقاف أحمد بن مصطفى .
و هو محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (300،5/162) .
حادي عشر : الأجزاء الحديثية :
الأجزاء : جمع ( جزء ) ، و الجزء الحديثي في اصطلاح المحدثين ، يعني كتاباً صغيراً يشتمل على أحد أمرين :
جمع الأحاديث المروية عن صحابي واحد من الصحابة أو من بعدهم .
أو جمع الأحاديث المتعلِّقة بموضوع واحد ، على سبيل البسط
والاستقصاء (2).
و في البوسنة و الهرسك الكثير من الأجزاء الحديثية ، التي تتناول موضوعات متعددة ، و قد وقفت من هذه الأجزاء على ما يلي :
الجزء الأول :
جزء فيه مرويات إبراهيم بن سعد الزهري (3) .
جمعه و رواه مسنداً الشيخ جمال الدين إبراهيم بن علاء الدين على بن أحمد بن إسماعيل القرشي القلقشندي الشافعي (4) رحمه الله ، و هو مما سمعه من شيخه أبي الفضل محمد بن محمد بن العماد البلبيسي (5) رحمه الله (ت : 917هـ / 1511م).
و يقع هذا الجزء في (13) ورقة ، (59-71) ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه، و هو محفوظ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2682،2/556) .
الجزء الثاني :
جزء فيه ما رواه الشيخ زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري(6) ( ت : 926 هـ / 1520م ) ، عن شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي ( ت : 902 هـ / 1497 م ) .
__________
(1) ... المجد ابن تيمية ، هو : الإمام ، العلامة ، فقيه العصر ، شيخ الحنابلة ، المحدث ، المفسر ، الأصولي ، ولد سنة 590 هـ / 1194 م ، صنف التصانيف مع الدين و التقوى ، و حسن الاتباع ، و جلالة العلم ، قال ابن مالك – صاحب الألفية في النحو - : ( ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديد ) .
انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 23 / 291 ، معرفة القراء الكبار 2 / 520 ، العبر 5 / 212 ، البداية و النهاية 13 / 185 ، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2 / 249 ، النجوم الزاهرة 7 / 33 ، شذرات الذهب 7 / 443 .
(2) ... انظر : أصول التخريج و دراسة الأسانيد ، للدكتور محمود الطحان ، ص : 121 .
(3) ... هو : أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن عوف الزهري - رضي الله عنه - ، المدني قاضي المدينة و محدثها ، نزيل بغداد ، ثقة حجة ، روى عنه : شعبة و ابن مهدي و أبو داود الطيالسي ، و خلقٌ كثير ، ت : 184 هـ / 800 م ، في المدينة المنورة رحمه الله .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 6 / 81 – 86 ، تذكرة الحفاظ 1 / 252 ، سير أعلام النبلاء 8 / 304 ، شذرات الذهب لابن العماد 1/ 306 .
(4) ... جمال الدين القلقشندي : أبو إسحاق و أبو الفتح القاهري ، الإمام المحدث الحافظ الرّحلة القدوة ، ولد سنة 831 هـ / 1428 م ، و توفي سنة 922 هـ / 1516 م ، عن ( 91 ) سنة .
انظر ترجمته في : شذرات الذهب 10 / 149 ، معجم المؤلفين 1 / 61 ، كشف الظنون 1 / 57 .
(5) ... البلبيسي ، هو : محمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد ، الحملي ، ثم البلبيسي ، المصري ، الشافعي ، شمس الدين ، ولد في بلبيس بمصر سنة 825 هـ / 1422 م ، و رحل عنها إلى الحرمين ، و بيت المقدس ، و غيرها ، و من آثاره : مختصر تفسير القاضي البيضاوي .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع للسخاوي 9 / 162 ، و معجم المؤلِّفين ، لعمر رضا كحالة 11 / 251 .
(6) ... زين الدين الأنصاري ، هو : السنيكي ، ثم القاهري الأزهري ، الشافعي ، الفقيه ، المحدث ، النحوي ، له الباع الطويل في كل فن ، ولي تدريس عدة مدارس ، إلى أن رقي إلى منصب قاضي القضاة . =
= ... انظر ترجمته في : الضوء اللامع 3 / 234 ، الكواكب السائرة للغزي 1 / 196 ، و هدية العارفين للبغدادي 1 / 374 ، و الأعلام 3 / 64 .(/44)
و هو عمل جليل جمع فيه جملة صالحة من مرويات الشيخ الأنصاري عن الإمام الصغاني ، و أوردها بأسانيدها ، مرتبة بحسب أنواعها مبتدئاً بما رواه مسلسلاً ، ثمَّ بقية أنواع الحديث .
و عليه تعليقات حسان بخط الشيخ محمد الخانجي رحمه الله ، يبين فيها أهميَّة هذا الجزء ، و يثني عليه ، و يحشي على بعض أحاديثه .
و تقع نسخة هذا الجزء في ( 58 ) ورقة ، (1-58) ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2682/556) .
الجزء الثالث :
جزء من حديث أبي الحسين أحمد بن محمد القُدُوري(1) ( ت : 428 هـ / 1037 م )
لم يذكر اسم جامعه ، لكن من المرجح أن يكون الشيخ جمال الدين إبراهيم بن علي القرشي القلقشندي الشافعي ، و ذلك لسببين :
الأول أنه جاء ملحقاً بالجزء الذي جمعه القلقشندي من مرويات إبراهيم بن سعد الزهري ، و ناسخهما واحد ، فلعله أسقط اسم الجامِع للجزء الثاني مكتفياً بذكره في مطلع الجزء الأوَّل .
و الثاني : أنَّ المؤلف ذكر أن ما أورده في هذا الجزء هو مما سمعه من شيخه كريم الدين أبي الفضل محمد بن محمد بن العماد البلبيسي ، و هذا موافق لما ذكره في مطلع الجزء السابق ، و الله أعلم .
و يقع هذا الجزء في ثلاثة أوراق (72-75) ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه، و هو محفوظ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2682،3/556) .
الجزء الرابع :
جزء فيه جملة من الأحاديث القدسية
المستخرجة من كتاب مشارق الأنوار من صحاح الآثار
تأليف الإمام حسن بن محمد بن حسن الصغاني (ت : 650 هـ / 1252م ).
و يقع في ثلاثة أوراق (126-128) ، مكتوبة بخط الناسخ عبد الوهاب بن الشيخ أحمد بن الحاج عبد الله ، سنة 1177 هـ / 1764 م ، و عليها تملُّكٌ باسم الحاج محمد آغا الغراجانيتسا ( من بلدة غراجانيتسا البوسنوية ) ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (4150،4/2290) .
الجزء الخامس :
جزء فيه جملة من أحاديث الجهاد .
لمؤلف مجهول .
و هو جزء صغير يحوي ثمانية و عشرين حديثاً في فضل الجهاد و المجاهدين في سبيل الله ، مع ترجمتها إلى اللغة التركية ، و أوَّل أحاديثه حديث أبي ذر- رضي الله عنه - قال قلت : يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله ، و جهادٌ في سبيله ) الحديث(2). و يقع في سبعة أوراق (169-175) ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها محمد الحسيني ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3634،15/848) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
الجزء السادس :
جزء فيه ستة أحاديث من كتاب ( الثمانين ) .
تأليف الإمام أبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري (3) ( ت 360 هـ / 971 م ).
يقع هذا الجزء في ورقتين (81-82) ، مكتوبتين بخط نسخي ، كتبه محمد بن ياشباك اليوسفي .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2682،3/556) .
الجزء السابع :
جزءٌ فيه شرح حديث الحوض .
لمؤلف مجهول .
__________
(1) ... القدوري : نسبة إلى بيع القدور ، بغدادي ، انتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق ، و عظم و ارتفع جاهه ، له مؤلفات كثيرة ، أشهرها : المختصر في فروع الحنفية .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 4 / 377 ، وفيات الأعيان 1 / 78 ، تذكرة الحفاظ 3 / 1086 ، سير أعلام النبلاء 17 / 574 ، معجم المؤلفين 2 / 66 .
(2) ... الحديث : أخرجه البخاري ( 2518 ) في العتق ، باب : أي الرقاب أفضل ؟ ، و مسلم ( 84 ) في الإيمان ، باب : كون الإيمان بالله أفضل الأعمال ، و النسائي 6 / 19 في الجهاد ، باب : ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل ؛ من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - .
و أخرجه البخاري ( 26 ) في الإيمان ، باب : من قال : الإيمان هو العمل ، و ( 1519 ) في الحج ، باب
(3) ضل الحج المبرور . و مسلم ( 83 ) في الإيمان ، باب : بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال و النسائي 6 / 19 في الجهاد ، باب : ما يعدل الجهاد ، و الترمذي ( 1658 ) في فضائل الجهاد ،
باب : ما جاء أي الأعمال أفضل ؛ من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - .
2 ... الآجري ، هو : البغدادي ، الإمام الحافظ المحدث القدوة ، شيخ الحرم الشريف ، كان عالما عاملا ، ثقة صدوقا ، دينا خيرا ، صاحب سنة و اتباع ، مصنف كتاب الشريعة ، و الأربعين و غيرهما .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 2 / 243 ، الأنساب للسمعاني 1 / 59 ، وفيات الأعيان 4 / 292 ، تذكرة الحفاظ 3 / 936 ، سير أعلام النبلاء 16 / 133 ، معجم المؤلفين 9 / 243 .(/45)
و هو شرح لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين و غيرهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن ، و ريحه أطيب من المسك ، و كيزانه كنجوم السماء ، من شرب منها فلا يظمأ أبداً ) (1) .
وله في البوسنة نسخة وحيدة تقع في ثمانية أوراق (243-250) ، مكتوبة بخط تعليقي جميل ، كتبها محمد الحسيني ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3634،6/848) و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
الجزء الثامن :
جزءٌ فيه ذكر الأحاديث التي تدور عليها أبواب الفقه .
لمؤلف مجهول .
و هو جزءٌ صغيرٌ يجمع بين دفتيه الأحاديث التي استنبط منها الفقهاء قواعد الفقه الكلِّية ، و تخريجها ، و له في البوسنة نسخة وحيدة ، تقع في ( 9 ) أوراق ( 68 – 76 ) ، مكتوبة بخط الناسخ محمد بن عبد الفتاح ، سنة 1042 هـ / 1633 م ، و هي من أوقاف أحمد بن مصطفى .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (300،5/162) .
الجزء التاسع
جزءٌ فيه عدد ما لكلِّ واحدٍ من الصحابة من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
لمؤلِّفٍ مجهول .
و هو جزءٌ صغير أورد فيه المؤلِّف أسماء عشرات الصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم ، مرتبة على حروف المعجم ، و ذكر عدد مرويَّات كلٍّ منهم من الأحاديث المرفوعة .
توجد في البوسنة نسخة وحيدة منه ، تقع في سبعة أوراق (90-96) ، كتبها الناسخ محمد بن عبد الفتاح ، سنة 1024هـ / 1615 م ، و هي من أوقاف أحمد بن مصطفى.
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (300،8/162) .
و إلى جانب ما تقدم ، في البوسنة عددٌ كبيرٌ من الأجزاء الحديثية متنوعة
المواضيع ، لا يُعرف مؤلفوها ، و ربما كان بعضهم بشانقة ، أو ممن نزل البوسنة يوماً ، كتلك المحفوظة في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت الأرقام التالية:
( 4344،3/2301 ) ، و ( 4150،3/2290 )(2)، و ( 2627/1629 ) و ( 1890،8/1255 ) ، و ( 1973،8/1030 ) ، و ( 2682،4/556 ) ، و
( 1197،4/139 ) (3) ، و ( 4253،2/592 ) ، و ( 4673و2/2022 ) ، و
( 4898،3/2051 ) ، و ( 6836،2/2069 ) ، و ( 3499،3،5/514 ) و
( 1945،2/398 ) ، و ( 561/2246 ) (4) ، و ( 4178،3/590 ) (5) ، و
( 2585،2/2621 ) ، و ( 4807/2622 ) (6) ، و ( 6852/2623 ) .
و جزءٌ واحد في دار المحفوظات بموستار ، تحت رقم : (658،5/79) .
ثاني عشر : الأربعينيات الحديثية :
لقد أكثر العلماء من جمع الأربعينيات الحديثية ، حفزهم على ذلك حديث :
( من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ينتفعون بها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالماً ) (7)
__________
(1) ... الحديث :أخرجه البخاري ( 6579) في الرقاق ، باب : ذكر الحوض ، و مسلم ( 2292 ) في الفضائل ، باب : إثبات حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
قال القاضي عياض : أحاديث الحوض صحيحة ، و الإيمان به فرض ، و التصديق به من الإيمان ، وهو على ظاهره عند أهل السنة و الجماعة لا يتأول ، و لا يختلف فيه . و قال أيضا : و حديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة ، فذكره مسلم في صحيحه من رواية ابن عمرو بن العاص ، و عائشة ، و أم سلمة ، وعقبة بن عامر ، و ابن مسعود .رضي - رضي الله عنهم -... إلى أن ذكر عددا من الصحابة .
انظر : شرح مسلم للنووي 15 / 53 .
(2) ... هي بخط الناسخ عبد الوهاب بن الشيخ أحمد بن الحاج عبد الله ، سنة 1177 هـ / 1764 م ، و عليها تملك باسم الحاج محمد آغا الغراجانيتسي ( من بلدة غرادجانيتسا البوسنوية ) ، سنة 1180هـ/1767م.
(3) ... هي بخط الناسخ البوسنوي أحمد بن والي ، و قد نسخها في مدرسة سيم زاده بسراييفو ، سنة 1117 هـ/ 1764 م .
(4) ... قد نقلت إلى خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو من مكتبة شهدي أفندي بسراييفو .
(5) ... تسمى هذه المجموعة بالأحاديث الكنزية ، و هي تتناول الثناء على الفقراء الصابرين و تسليتهم ، و ذم الغنى و الترف ، و فيها كثير من الضعاف و الموضوعات .
(6) ... عل هذه النسخة تملك باسم الحاج درويش أفندي ريجانوفيتش ، سنة 1275 هـ / 1859 م .
(7) ... هذا الحديث متفق على ضعفه بين العلماء ، و أنا ذاكر أقوالهم مرتبة بحسب تقدم وفاة أصحابها :
قال أبو علي صالح بن محمد الحافظ ( ت 293 هـ / 906 م ) - فيما رواه عنه الخطيب في " تاريخه " 6 / 322 - : ( هذا الحديث باطل ) .
و قال أبو علي سعيد بن السكن الحافظ ( ت 353 هـ / 964 م ) – فيما نقله عنه ابن عبد البر في
" جامع بيان العلم " 1 / 198 - : ( ليس يروى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه ثابت ) .
... و قال الدارقطني ( ت 385 هـ / 995 م ) – نقله عنه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " 1 / 128 - :
( كل طرق هذا الحديث ضعاف ، و لا يثبت منها شيء ) .
و قال البيهقي ( ت 458 هـ / 1066 م ) في " شعب الإيمان " 2 / 271 : ( هو متن مشهور فيما بين الناس و ليس له إسناد صحيح ) .
و قال البيهقي أيضا في " الأربعون الصغرى " ، ص : 73 : ( أسانيده واهية ) .
و قال البيهقي أيضا – فيما نقله عنه ابن حجر في " الإمتاع " ص 298 - : ( أسانيده كلها ضعيفة ) .
و قال ابن عبد البر ( ت 463 هـ / 1071 م ) في " جامع بيان العلم " 1 / 192 : ( و إسناد هذا الحديث كله ضعيف ) . =
= ... و قال ابن عساكر ( ت 571 هـ / 1176 م ) في كتابه " الأربعين البلدانية " ، ص : 43 : ( أسانيده كلها فيها مقال ، ليس للتصحيح فيها مجال ، و لكن الأحاديث إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة ، لا سيما ما ليس فيه إثبات فرض ) .
و قال ابن الجوزي ( ت 597 هـ / 1201 م ) في " العلل المتناهية " 1 / 126 – 129 بعد أن أورد الحديث من طرقه ، وتكلم على كل طريق بمفرده : ( هذا لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد بنى على هذا الحديث الذي بينا علله جماعة من العلماء ، فصنف كل منهم أربعين حديثا منهم من ذكر فيها الأصول ، و منهم من قصر على الفروع ، و منهم من أورد الرقاق ، ومنهم من جمع بين الكل ، فأولهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي ، و بعده – فذكر جماعة ثم قال : - و أكثرهم لا يعرف علل الحديث ومنهم من تسامح بعد العلم لحث على الخير ) .
و قال عبد القادر الرهاوي ( ت 612 هـ / 1215 م ) – فيما نقله عنه ابن حجر في " الإمتاع " ، ص : 298 ، و الزبيدي في " إتحاف السادة المتقين " 1 / 76 - : ( طرقه كلها ضعاف ؛ إذ لا يخلو طريق منها أن يكون فيها مجهول لا يعرف ، أو معروف مضعف ) .
و قال ابن حجر : ( و قال الحافظ رشيد الدين العطار - ( ت 622 هـ / 1264 م ) - ، و زكي الدين المنذري - ( ت 656 هـ / 1258 م ) - نحو ذلك ) .
ولفظ المنذري – كما في " إتحاف السادة المتقين " 1 / 76 - : ( ليس في جميع طرقه ما يقوى و تقوم به الحجة ، إذ لا يخلو طريق منها أن يكون فيها مجهول ، أو معروف مشهور بالضعف ) .
و قال النووي ( ت 676 هـ / 1278 م ) في خطبة كتابه الأربعين ، ص : 7 : ( اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف و إن كثرت طرقه ) .
و قال النووي أيضا في " الفتاوى " ص 272 – 273 : ( طرقه كلها ضعيفة و ليس هو بثابت ) .
و قال الحافظ ابن حجر ( ت 850 هـ / 1446 م ) في " تلخيص الحبير " 3 / 108 : ( روي من رواية ثلاث عشر من الصحابة ، أخرجها ابن الجوزي في العلل المتناهية ، و بين ضعفها كلها ، و أفرد المنذري الكلام عليه في جزء مفرد ، وقد لخصت القول فيه في المجلس السادس عشر من الإملاء ، ثم جمعت طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة ) .
و قال ابن حجر أيضا في " الإمتاع " ص 297 : ( و لا يصح منها شيء ) .
قلت : و انفرد الحافظ السلفي ( ت 576 هـ / 1181 م ) فذكر في كتابه " الأربعين البلدانية " أن العلماء رووه من طرق وثقوا بها و عولوا عليها و عرفو صحتها و ركنوا إليها !!
قال المنذري : ( لعل السلفي كان يرى أن مطلق الأحاديث الضعيفة إذا انضم بعضها إلى بعض أحدث
قوة ) .
قال الحافظ ابن حجر : ( لكن تلك القوة لا تخرج هذا الحديث من مرتبة الضعف ، فالضعف يتفاوت ، فإذا كثرت طُرُق حديثٍ رجحت على حديثٍ فَرْد ، فيكون الضّعف الذي سببه ناشئٌ عن سوء حفظ رواته إذا كثرت رواته ارتقى عن مرتبة المردود و المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى مرتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في فضائل الأعمال ) . =
= ... و قال ابن حجر الهيتمي المكي ( ت 973 هـ / 1566 م ) في " فتح المبين شرح الأربعين - النووية " ص 33 : ( و لا يَرِدُ على قول المصنف – يعني النووي في حكاية التضعيف – قول الحافظ أبي طاهر السلفي في " أربعينه " أنه روي من طرق وثقوا بها و ركنوا إليها و عرفوا صحتها و عولوا عليها . انتهى ؛ لأنه مُعْتَرَضٌ و إن أجاب عنه الحافظ المنذري ؛ بأنه يمكن أن يكون سلك في ذلك مسلك من رأى أن الأحاديث الضعيفة إذا انضم بعضها لبعض أحدث قوة ، و لا يَرِدُ على المصنف ذكر ابن الجوزي له في الموضوعات ؛ لأنه تساهل منه ، فالصواب أنه ضعيف لا موضوع ، فإن قلت : سلمنا عدم وضعه ، لكنه شديد الضعف ، و الحديث إذا اشتد ضعفه لا يعمل به ولا في الفضائل ، كما قال السبكي و غيره ، و حينئذ فكيف عمل به جمع من الأئمة ، أتعبوا أنفسهم في تخريج الأربعينيات، اعتمادا عليه ؟ قلت : لا نسلم أنه شديد الضعف ؛ لأنه الذي لا يخلو طريق من طرقه عن كذاب ، أو متهم بالكذب ، و هذا ليس كذلك ؛ كما دل عليه كلام الأئمة ، و لئن سلمنا ذلك ، فهم لم يعتمدوا في ذلك عليه ؛ بل على ما سيذكره المصنف من الأحاديث الصحيحة ، مثل : ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، و نضر الله أمرا سمع مقالتي فوعاها ، فأداها كما سمعها ) اهـ .
و علق المناوي في " فيض القدير " 6 / 119 على قول ابن عساكر : ( ليس للتصحيح فيه مجال ) بقوله : ( لكن كثرة الطرق تقويه ) .
مع أنه قال في 1 / 41 : ( قالوا : و إذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر ، وإن كثرة طرقه ، ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث : " من حفظ على أمتي أربعين حديثا " ، مع كثرة طرقه لقوة ضعفه و قصورها عن الجبر بخلاف ما خف ضعفه ) .
قلت : وكذا نقل العجلوني في " كشف الخفاء " 1 / 33 الاتفاق على قصورها عن الجبر لشدة ضعفها .
و تساهل ملا علي القاري في " مرقاة المفاتيح " 1 / 253 فحسنه لاجتماع طرقه .
ومن تدبر طرق هذا الحديث ، وكلام العلماء عليها علم شدة ضعفها كلها ، و صحة من قال بعدم انجبارها.
و للاستزادة انظر : المقاصد الحسنة للسخاوي ص 411 ، تنزيه الشريعة لابن عراق 1 / 33 و 2 / 340 ، تذكرة الموضوعات لابن القيرواني ص 187 ، الفوائد المجموعة للشوكاني ص 290 .(/46)
، وفي رواية : ( … قيل له : ادخل من أيِّ أبواب الجنة شئت ) ، و في رواية :
( ... بعثه الله فقيهاً ، و كنت له شافعاً وشهيداً ) ، إلى غير ذلك من الروايات ،
و كلُّها متقاربة في المعنى .
و قد حرص العلماء على التصنيف في الأربعينيات الحديثيَّة و شرحها ، و التعليق عليها ، حتى جاوزت المصنفات في هذا الموضوع المئة مصنَّف ، و انتشرت مخطوطةً و مطبوعةً في المكتبات الإسلامية المنتشرة في شتى أنحاء العالم .
وكان للبوسنة حظٌّ وافرٌ منها ، حيث توجد في مكتباتها عشرات المخطوطات ، لأربعينيَّاتٍ حديثيَّة ، و قفتُ منها على ما يلي :
أولاً : مخطوطات الأربعين النووية للإمام يحيي بن شرف النووي ( ت : 676 هـ / 1278 م ) وشروحها :
أ) مخطوطات المتن :
توجد ثنتا عشرة نسخة خطية لمتن الأربعين النووية ، في مكتبات البوسنة ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في ثلاث و أربعين ورقة مكتوبة بخط نسخي ، وهي مرقمة الأحاديث ، نسخت سنة 842 هـ / 1439 م ، بخط محمد بن عبد المنعم بن طاهر بن كريم الحسيني رحمه الله . وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع برقم ( 1،2825/544 ) .
النسخة الثانية :
تقع في أربع وثلاثين ورقة ( 189 – 223 ) مكتوبة بخط نسخي ، وهي من أوقاف الحاج محمد أفندي البوسنوي ، و تحفظ حالياً ضمن مجموع تحت رقم ( 2،4215 / 549 ) .
النسخة الثالثة :
تقع في احدى وثلاثين ورقة ( 130 – 161 ) مكتوبة بخط نستعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم
( 2،2854/439 )
النسخة الرابعة :
تقع في إحدى و عشرين ورقة ( 119 – 140 ) مكتوبة سنة 1176هـ / 1763 م ، بخط نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم ( 2،3386 /
854 ) .
النسخة الخامسة :
تقع في خمس عشرة ورقة ( 1-15) مكتوبة بخط نسخي ، وعليها تملك يرجع إلى سنة 1221 هـ / 1806 م باسم لطف الله لطفي ، ولا يعرف اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 1،2166 / 543 ) .
النسخة السادسة :
تقع في عشر ورقات ( 1-10) مكتوبة بخط نسخي ، ولا يعرف اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 1،3331 / 545 )
النسخة السابعة :
تقع في عشر ورقات ( 3-7-316) مكتوبة بخط نسخي ، ولا يعرف اسم ناسخها ، ولا تاريخ نسخها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 3،1533 / 2015 ) .
النسخة الثامنة :
تقع في تسع أوراق ( 5-13) ، و لا يعرف اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم
( 2،2898 / 740 ) .
النسخة التاسعة :
تقع في ثماني عشرة ورقة ( 1-18) مكتوبة بخط نسخي جميل ، تضم الأربعين النووية و تكملتها للحافظ ابن رجب الحنبلي(1) ( ت 790هـ / 1388 م ) وتحمل عنوان ( خمسون حديثا للنووي وابن رجب ) و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم
( 1،2650/553 ) .
النسخة العاشرة :
و هي قطعة من الأربعين تقع في صفحة واحدة ، لا يعرف اسم ناسخها ، ولا تاريخ نسخها ، وقد أوقفها موستاي بيك جنتيتش سنة 1289هـ / 1872 م ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم ( 2752.2 / 551) .
النسخة الحادية عشر :
تقع في (13) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي جميل ، سنة 1316 هـ / 1899 م لا يعرف اسم كاتبها ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم ( 2036.2/1039) .
النسخة الثانية عشر :
تقع في (12) ورقة ، مكتوبة سنة 1181 هـ / 1768م ، و لا يعرف اسم ناسخها ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم ( 2036.2/1039) .
ب) مخطوطات شروح الأربعين النووية :
في مكتبات البوسنة أربعة شروح للأربعين النووية فيما يلي وصفها :
الشرح الأول :
و هو بعنوان : المبين المعين لفهم الأربعين (2)
__________
(1) ... ابن رجب الحنبلي ، هو : زين الدين ، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن عبد الرحمن ، أبو الفرج ، البغدادي الدمشقي ، الإمام العالم العلامة ، الزاهد القدوة ، الحافظ العمدة ، الثقة الحجة ، أعرف أهل عصره بالعلل و تتبع الطرق ، ولد سنة 736 هـ / 1336 م .
انظر ترجمته في : تاريخ ابن قاضي شهبة 3 / 488 ، إنباء الغمر 3 / 175 ، الدرر الكامنة 2 / 321 ، شذرات الذهب 8 / 578 ، المقصد الأرشد 2 / 81 ، معجم المؤلفين 5 / 136 .
(2) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/ 396 ، و قد طبع بالقاهرة سنة 1328 هـ / 1910 م بمطبعة الجمالية في 239 صفحة .(/47)
للشيخ علي بن سلطان محمد القاري الهروي ( ت : 1014هـ / 1606م ).
و توجد في البوسنة ثلاث نسخ خطية منه ، فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (118) ورقة ( 1-118) مكتوبة بخط نسخي ، كتبها عمر بن علي بن يعقوب بن علي في المدينة المنورة سنة 1174 هـ / 1761م ، وهي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم
( 1،3386/548) في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو .
النسخة الثانية :
تقع في (162) ورقة مكتوبة بخط نسخي جميل ، كتبها أحمد أفندي الأقحصاري بمدرسة الغازي خسروبيك في سراييفو سنة 1163هـ / 1750 م ، وهي محفوظة تحت رقم ( 4225/550) في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو .
النسخة الثالثة :
تقع في (188) ورقة ( 1-188) مكتوبة بخط نسخي كتبها علي بن أحمد بن صالح بن درميش في بلدة ستوليتسا بالبوسنة ، سنة 1215هـ / 1801 م ، و هي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم ( 1/ 3215/549) في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو .
الشرح الثاني :
و هو بعنوان : الجواهر البهية في شرح الأربعين النووية (1) :
للشيخ أبي الفضل ولي الدين المصري الشافعي الأشعري البكري(2) ( ت نحو 990هـ / 1582 م ) .
و توجد منه نسخة خطية واحدة تقع في ثلاث و أربعين ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، ولا يعرف اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها أو مكانها .
وقد أوقفها إبراهيم باشا على مسجد قصبته بوجتيل ، وهي محفوظة اليوم تحت رقم ( 4083 / 547 ) في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، وقد نقلت اليها من مكتبة قركوزبيك في موستار .
الشرح الثالث :
و هو بعنوان : المجالس السنية في الكلام على الأربعين النووية (3)
تأليف أحمد بن حجازي الفشني (4)( ت : نحو 978هـ / 1570م ) .
و توجد منه نسخة خطية واحدة تقع في ( 166) ورقة مكتوبة بخط تعليقي ، وعليها تملك باسم حسن بن محمد الموستاري ، وهي محفوظة تحت رقم (320/
16) في دار محفوظات الهرسك بموستار .
الشرح الرابع :
و عنوانه : شرح الأربعين النووية .
لمؤلف مجهول .
و توجد في البوسنة نسخة خطية ناقصة منه ، يقع القدر الموجود منها في (24) ورقة ( 1-24) لا يعرف اسم ناسخها ، ولا مكان نسخها ، وقد أوقفها موستاي بيك جنتيتش على ذريته من بعده ،سنة 1289هـ / 1872م .
وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم ( 1،2752/551) في مكتبة الغازي خسر وبيك بسراييفو .
ثانياً : مخطوطات الأربعين البركوية للشيخ محمد بن علي البركوي ( ت : 981هـ / 1574م ) وشروحها .
أ ) مخطوطات متن الأربعين البركوية (5) :
توجد منه نسخة وحيدة في ستة أوراق ( 1-6) مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم ناسخها ، ولا مكان نسخها ، وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم
(1،1141/573) في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو .
ب ) مخطوطات : شرح الأربعين البركوية (6) :
تأليف محمد بن مصطفي الآق كرماني(7) ( ت : 1174 هـ/ 1761 م ) .
وهو شرح قيم مقسم إلى ثمانية أبواب ، بعدد أبواب الجنة ، صدر المؤلف كل باب منها بكلمة دالة على جملة ما فيه بإيجاز ثم سرد الأحاديث المندرجة تحته وشرحها الواحد تلو الآخر . وقد وضح منهجه هذا في مقدمة الشرح .
ولهذا الشرح ست نسخ خطية في البوسنة ، فيما يلي بيانها :
النسخة الأولى :
تقع في (140) ورقة مكتوبة سنة 1142 هـ / 1857 م ، بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها .
وقد أوقفها إبراهيم نافرانيا ، المدرس بمدرسة سرياتسكاسواتشكا في سراييفو ، وهي محفوظة تحت رقم (605/575) في مكتبة الغازى خسرو بيك بسراييفو .
النسخة الثانية :
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1 / 60 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1 / 396 و قد طبع سنة 1318 هـ / 1901 م بدمشق ، بهامش كتاب مصباح الظلام ، و بهجة الأنام في شرح نيل المرام للجرداني .
(2) ... البكري ، هو : أبو الفضل ، ولي الدين محمد بن علي بن سالم الشّبْشيري ، القاهري ، العالم الفاضل المعمر أخذ عن السخاوي ، و الديمي ، و السيوطي ، و القاضي زكريا ، و آخرين .
انظر ترجمته في : الكواكب السائرة 3 / 66 ، شذرات الذهب 10 / 614 .
(3) ... و هو مطبوع نشرته دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة ، سنة 1343 هـ .
(4) ... أحمد حجازي الفشني ، هو : شهاب الدين ، الشافعي ، محدث .
(5) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/54 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/654 .
(6) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2 / 942 ، و هو كتاب منشور في مطبعة أحمد كامل ، باسطنبول سنة 1328 هـ .
(7) ... محمد بن مصطفي , هو : الكفوي , الحنفي , المعروف بآقكرماني , عالم مشارك في بعض العلوم , تولى القضاء بمكة , و توفي بها , و من تصانيفه : حاشية على الجامع الصحيح للبخاري , و حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي .
انظر ترجمته في : هدية العارفين 2 / 332 , معجم المؤلفين 12 / 28 .(/48)
وهي ناقصة من عدة مواضع فيها ، ويقع القدر الموجود منها في ( 19 ) ورقة (1-19) مكتوبة بخط نسخي يتخلله بعض التعليق ، كتبها صالح بن شعبان النيكشيتشوي ( من بلدة نيكشيتسا البوسنوية ) سنة 1207 هـ / 1793 م .
و هي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم (ا،666/576) في مكتبة الغازي خسرو بيك سراييفو .
النسخة الثالثة :
تقع في ( 132 ) ورقة ( 30-162 ) ، وهي ناقصة من آخرها ، ولا يعرف اسم ناسخها ولا مكان نسخها ، وتحفظ حالياً ضمن مجموع تحت رقم (2،8434/2236) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الرابعة :
و هي ناقصة ، يقع القدر الموجود منها في ( 39 ) ورقة مكتوبة بخط نسخي ولا يعرف اسم كاتبها ، ولا تاريخ نسخها أو مكانها ، وهي محفوظة تحت رقم (4678/2237) بمكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الخامسة :
و هي كسابقتها ناقصة ، يقع القدر الموجود منها في (39) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، كتبها فيض الله بن إسماعيل جنتي زاده ( جنتيتش ) سنة 1236هـ / 1821م ، وهي من أوقافه . وتحفظ حالياً ضمن مجموع تحت رقم (ا،1183/2238) في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو .
النسخة السادسة :
تقع في (61) ورقة (4-65) مكتوبة بخط نسخي ، لا يعرف اسم كاتبها ولا تاريخ نسخها ، وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم ( 3،4296/2248) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
ثالثاً : مخطوطات الأربعين العصفورية :
لأبي بكر بن محمد العصفوري(1) ( ت : 1103هـ / 1692 م ) .
للأربعين العصفورية في البوسنة أربع نسخ خطية فيما يلي بيانها :
النسخة الأولى :
تقع في (47) ورقة مكتوبة بخط نسخي ولا يعرف اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها ، وهي محفوظة تحت رقم ( 1242/586) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الثانية :
تقع في (18) ورقة ( 81-89) مكتوبة بخط نسخي يتخلله بعض التعليق ، ولا يعرف اسم ناسخها ، ولا تاريخ نسخها ، وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم
(6ر1401/149) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الثالثة :
تقع في (37) ورقة ( 1-37) و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم ( ا،3978/587) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الرابعة :
تقع في (27) ورقة (1-27) مكتوبة سنة 1164هـ / 1751 م ، بخط نسخي ولا يعرف اسم ناسخها ، ولا تاريخ نسخها ، وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم ( ا،4369/588) في مكتبة الغازي خسرو بيك.
رابعا : مخطوطات كتاب الأحاديث الأربعين (2) :
تأليف شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا ( كمال باشا زاده )(3)
( ت : 940 هـ / 1533 م ) .
و توجد منه ثلاث نسخ خطية في البوسنة فيما يلي بيانها :
النسخة الأولى :
تقع في تسع أوراق (27-35) مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه وهي ناقصة من آخرها بمقدار خمسة أحاديث ، والقدر الموجود منها محفوظ ضمن مجموع تحت رقم (3،3411/571) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الثانية :
تقع في ثنتي عشرة ورقة (1-12) مكتوبة بخط نسخي لا يعرف اسم ناسخها ولا مكان نسخها وعليها تملك باسم فهمي علي قاضي بلدة بلاغاي بالبوسنة . وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم ( ا،3411/571) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الثالثة :
تقع في ست عشرة ورقة (13-26) مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه، وهي محفوظة ضمن مجموع تحت رقم
(2،3411/571) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
خامساً : مخطوطات كتاب الأربعين حديثاً من جوامع الكلم (4)
تأليف الشيخ علي بن سلطان القاري الهروي ( ت1044 هـ/1606 م ) .
و توجد منه نسختان خطيتان في البوسنة ، فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
و هي ناقصة ، يقع القدر الموجود منها في أربع أوراق ( 11 – 14 ) مكتوبة سنة 1189 هـ / 1775 م ، و لا يعرف اسم ناسخها و هي محفوظة تحت رقم
(2،3331/545) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
النسخة الثانية :
__________
(1) ... العصفوري : سماه الجبرتي : أبو بكر بن محمود بن أبي بكر بن أبي الفضل العمري ، الدمشقي ، الشافعي . شاعر ، ولد بدمشق ، و بها نشأ ، و رحل إلى مصر ، و تَوَطّنها ، و توفي بها .
انظر ترجمته في : عجائب الآثار للجبرتي 1 / 66 ، إيضاح المكنون 1 / 513 ، معجم المؤلفين 3 / 75 .
(2) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/54 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/450
(3) ... ابن كمال باشا ، هو : شمس الدين ، الرومي ، الحنفي ، عالم مشارك في كثير من العلوم ، ولي قضاء العسكر الأناضولي ، ثم صار مفتيا بالقسطنطينية إلى وفاته .
انظر ترجمته في : الشقائق النعمانية ص 226 – 228 ، الكواكب السائرة 2 / 107 ، الأعلام 1 / 133 ، شذرات الذهب 10 / 335 .
(4) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2 / 494 ، و قد طبع في الآستانة سنة 1317 هـ / 1900 م .(/49)
و هي ناقصة أيضاً ، يقع القدر الموجود منها في ورقتين (162-163) مكتوبتين بخط نستعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2854,3/439) .
سادساً : مخطوطات كتاب : الأربعين في أصول الدين (1) :
تأليف الإمام حجة الاسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( ت : 505 هـ / 1112 م ) .
وهو جزء من كتابه ( جواهر القرآن ) وقد أجاز أن يكتب مفرداً فكتب كذلك .
توجد في البوسنة نسخة وحيدة منه تقع في (144) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي جميل ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة تحت رقم (1530/615) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
سابعاً : شرح كتاب الأربعين الودعانية الموضوعة (2) :
و هو شرح لكتاب القاضي أبي نصر محمد بن علي بن عبيد الله بن ودعان (3)
( ت : 494 هـ / 1101 م ) الذي جمع فيه أربعين خطبة .
والشارح هو أبو نصر عبد العزيز بن أحمد البارجيلغي(4) ( ت : 750 هـ / 1349 م ) .
توجد منه نسخة خطية وحيدة تقع في ( 109 ) أوراق ، مكتوبة بخط نسخي يتخلله بعض التعليق ، وقد نسخها عبد الرحمن بن قاسم في بلغراد سنة 970 هـ / 1563م ، ووقفها على مدرسة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، وهي محفوظة تحت رقم (705/505) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
ثامناً : كتاب الأربعين في إرشاد السائرين إلى منازل المتقين ( أو الأربعون
الطائية ) (5) :
تأليف أبي الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي الهمداني(6) ( ت : 555 هـ / 1160م ) .
و قد جمع فيه مؤلفه أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً ، كل حديث عن صحابي ، وضمنه ترجمة من روى عنهم من الصحابة ، وذكر فوائد الأحاديث ، وشرح غريبها .
توجد منه نسخة خطية وحيدة في البوسنة ، تقع في خمس و أربعين ورقة ، نسخها وتملكها الحاج حسن مظفري البوسنوي ( من أهالي سراييفو ) سنة 1115 هـ/ 1704 م ، وهي نسخة قيمة عليها سماعات كثيرة ، وقد قابلها ناسخها بأصل الشيخ تاج الدين القسطلاني(7)( 665 هـ/ 1267 م ) . وتحفظ اليوم تحت رقم
(1323/503) في مكتبة الغازي خسرو بيك .
تاسعاً : أربعينات حديثية ، وشروح لها ، لا يعرف مؤلفوها :
و هي كثيرة في مكتبات البوسنة ، منها أربعة عشرة نسخة خطية في مكتبة الغازي خسرو بيك أشير إلى أرقامها فيما يلي على وجه الاختصار ، معرضاً عن وصفها خشية الإطالة فيما لا طائل من ورائه .
( 2،1912/360 )(8) ، و ( 2،2166 / 543 ) ، و ( 3،3978 / 587 ) ، و ( ا،2435 / 589 ) ، و ( ا،4178 / 590 ) ، و ( 2،4178 / 590 ) ، و ( 5ر1533/2015 ) و ( 2،1892/ 2071 )(9)، و ( 2،1850/2091 ) ، و
( 2،1422 / 2156 ) ، و ( 6254 /231 )(10)، و ( 1624,4/ 945 )(11) ، و
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1 / 61 .
(2) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1 / 60 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1 / 355 ، و قد نشره المكتب الإسلامي في بيروت سنة 1407 هـ / 1987 م ، بتحقيق علي حسن عبد الحميد .
(3) ... ابن ودعان ، هو : الموصلي ، القاضي ، قال ابن ناصر : ( رأيته و لم أسمع منه ؛ لأنه كان متهما بالكذب ). و ذمه ، و قال أبو طاهر السلفي : ( هالك متهم بالكذب ) . و قال الذهبي : ( إنه غير ثقة و لا مأمون ) .
انظر ترجمته في : ميزان الاعتدال 3 / 657 ، سير أعلام النبلاء 19 / 164 ، لسان الميزان 5 / 305 ، معجم المؤلفين 11 / 26 .
(4) ... البارجيلغي : الحنفي ، محدث . انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 582 ، معجم المؤلفين 5 / 240 .
(5) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1 / 56 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/355
(6) ... الطائي الهمداني ، هو : الشيخ الإمام الصالح الواعظ المحدث الحافظ ، ولد بهمذان سنة 475هـ/1082م. قال السمعاني : كان يرجع إلى نصيب من العلوم فقه و حديث و أدب و وعظ ، حضرت وعظه بهمذان ، فاستحسنته .
انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 20 / 360 ، العبر 4 / 159 ، الوافي بالوفيات 1 / 144 ، طبقات السبكي 6 / 188 – 189 ، معجم المؤلفين 11 / 251 .
(7) ... تاج الدين القسطلاني ، هو : علي بن أحمد بن علي القيسي ، المصري ، المالكي ، المفتي ، العدل ، درس بمصر ، ثم ولي مشيخة الكمالية إلى أن توفي ، وله سبع و سبعون سنة . =
= ... انظر ترجمته في : العبر 5 / 281 ، شذرات الذهب 7 / 556 ، النجوم الزاهرة 7 / 223 .
(8) ... و هي من أوقاف جنتيتش .
(9) ... نُقلت إلى مكتبة الغازي خسرو بيك من مكتبة شهدي أفندي .
(10) ... نُقلت إلى مكتبة الغازي خسرو بيك من مكتبة ألجي إبراهيم باشا بترافنيك .
(11) ... و قد نقلت إلى مكتبة الغازي خسرو بيك من المكتبة الفيضية .(/50)
( 293,2/476 )(1) ، و ( 2407,1/578 ) (2) .
و نسختان خطيتان في دار محفوظات الهرسك بموستار محفوظتان تحت الرقمين : (ا،423/157) و (443,1/697) .
ثالث عشر : كتب الأدعية و الأذكار :
في البوسنة نسخ خطية لثلاثة من كتب الأدعية و الأذكار ، الواسعة الانتشار ، وهي :
الكتاب الأول
و هو بعنوان : حلية الأبرار و شعار الأخيار في تلخيص الدعوات و الأذكار المستحبة في الليل و النهار ( المعرف بكتاب الأذكار ) (3) .
تأليف الإمام يحيى بن شرف النووي رحمه الله ( ت : 676هـ/ 1278م ) .
و هو كتاب معروف مشهور جمع فيه المؤلف رحمه الله الأذكار الواردة في الكتاب و السنة و قسَّمها بحسب الأحوال و الأزمان ، فكان من أنفس ما أُلِّف في بابه .
و له في البوسنة و الهرسك نسختان خطيتان فيما يلي بيانهما :
النسخة الأولى :
تقع في ( 280 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي يتخلله بعض التعليق ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي من أوقاف جنتي زاده (جنتيتش) على مكتبة شهدي أفندي ، و من هذه المكتبة نقلت إلىخزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو حيث تحفظ حالياً تحت رقم : ( 2374 /752 ).
النسخة الثانية :
تقع في (253) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها نصر بن إسحاق بن عبد المجيد بن جرجس بن يعقوب الزاهدي الحسيني ، سنة 822 هـ / 1419 م ، و عليها تملك باسم علي بن محمد بن إسماعيل الشيرازي و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (3289/753) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة ألجي إبراهيم باشا ) الفيروزيَّة ( بترافنيك .
الكتاب الثاني :
و هو بعنوان : الكلم الطيب و العمل الصالح ( و هو كتاب الوابل الصيب و رافع الكلم الطيب )(4).
تأليف الإمام محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ( ت : 751 هـ/
1350م ).
و هو كتاب جليل يبدأ بمقدمة في بيان فضائل و فوائد الذكر ثم يجمع الأذكار الواردة في الكتاب و السنة الصحيحة .
و في البوسنة قطعة فقط من هذا الكتاب و هي عبارة عن فوائد الذكر التي جمعها الإمام ابن القيم رحمه الله ، و عددها ثلاثٌ و سبعون فائدة ، مع ما يكملها على المئة من كلام قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الحموي الشهير بالرسَّام(5)( ت 844 هـ / 1440 م ) .
و يقع القدر الموجود من الكتاب في خمسة أوراق (26-30) ، مكتوبة بخط نسخي جميل ، كتبها محمد بن عمر أفندي شاكرد ، سنة 1103 هـ / 1692 م ، و هي من أوقاف هرمو زاده ، و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2100,6/769) .
الكتاب الثالث :
و هو بعنوان : الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين (6)
تأليف الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري(7) ( ت : 833هـ /
1430م ) .
__________
(1) ... تحمل هذه النسخة عنوان ( جوهر الأخبار) ، و هي من أوقاف سفرو محمد أفندي بن محمد آغا البوسنوي .
(2) هذه النسخة من أوقاف ذي الفقار آغا بن محمد سباهي زاده ( سباهيتش ) من أهالي الهرسك ، و عليها تملك باسم القاضي مصطفى أديب بن إبراهيم قجق زاده السرائي .
(3) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 688-689 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1/397 ، 685 ، و هو كتاب مطبوع نشرته دار الكتب العربية في القاهرة سنة 1321 هـ .
(4) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1994 ، و هو مطبوع نشرته مكتبة المؤيد بالطائف سنة 1393 هـ ، بتحقيق و تخريج عبد القادر الأرناؤوط .
(5) ... الرسام ، هو : أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسماعيل ، الحموي الأصل ، الحلبي ، الحنبلي ، القادري ولد بحماة سنة 773 هـ / 1371 م ، و جمع في فضائل الأعمال كتابا سماه : عقد الدرر و اللآلي في فضل الشهور و الأيام و الليالي .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 1 / 249 ، شذرات الذهب 9 / 367 ، معجم المؤلفين 1 / 174 .
(6) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/669 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/203 ، و هو كناب مطبوع نشر في القاهرة ( طبع حجر ) سنة 1277 هـ .
(7) ... ابن الجزري ، هو : محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف ، العمري ، الدمشقي ، الشيرازي ، الشافعي، مقرئ ، مجود ، محدث ، حافظ ، مؤرخ ، مفسر ، فقيه ، ولد سنة 751 هـ / 1350 م ، قال ابن حجر : ( انتهت إليه رئاسة علم القراءات في الممالك ، و ذيل طبقات القراء للذهبي ، و أجاد فيه ، و كان يلقب في بلاده الإمام الأعظم ، و لم يكن محمود السيرة في القضاء ) . و قال ابن العماد : ( انتفع الناس بكتبه ، و سارت في الآفاق مسير الشمس ) .
انظر ترجمته في : غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 2 / 247 ، الضوء اللامع 9 / 255 ، شذرات الذهب 9 / 298 ، كشف الظنون 53 .(/51)
و هو من الكتب الجامعة للأدعية و الأذكار المروية عن سيد الأخيار - صلى الله عليه وسلم - ، صدَّره المؤلف رحمه الله بمقدمة في فضل الأدعية و الأذكار و آداب الدعاء ، و قد فرغ من تأليفه سنة 791 هـ / 1389 م ، و التزم فيه بعزو الأحاديث الواردة فيه إلى الكتب المأخوذة عنها .
و قد اختصره في كتاب سماه : ( عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - الجامع للأحاديث و الأوراد و الأذكار الواردة في الحديث و الآثار ) (1) .
و لأصل الكتاب في البوسنة و الهرسك نسختان خطيتان و لمختصره نسخة واحدة فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (43) ورقة (29-72) ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، كتبت سنة 1164 هـ / 1751 م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (4369.3/588) .
النسخة الثانية :
و هي مترجمة إلى اللغة التركية ، و تقع في (386) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (2952/790) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
أما نسخة المختصر فتقع في (34) ورقة (1-34) ، مكتوبة بخط نسخي يتخلله بعض التعليق ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2360,1 /755) .
رابع عشر : كتب الأحاديث الموضوعة :
الوضع في الحديث النبوي أحد الأمور التي ابتليت بها الأمَّة ، و قد جاء به الزنادقة و القصاص ، عن سوء قصدٍ من الأوَّلين ، و سذاجة و جهل من الآخرين - في الغالب - حتى عمَّ خطرها ، ممَّا حدا بأهل العلم أن يقفوا في طريقها و يكشفوا حقيقتها للأمَّة ، إبراءً للذمة ، و ذباً عن السنة .
و قد انتشر و اشتهر في المكتبات الإسلامية عدد من المصنفات التي تجمع الأحاديث الموضوعة ، للتحذير و التنفير منها ، و كان نصيب مكتبات البوسنة و الهرسك منها الكتب الخمسة التالية :
الكتاب الأول :
و هو بعنوان : مختصر كتاب الموضوعات لابن الجوزي(2) .
تأليف عبد الله بن محمد بن سليمان بن داود بن يوسف النواجي الشافعي (3).
و له في البوسنة نسخة خطيةٌ واحدة و تقع في ( 147 ) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، كتبها المؤلِّف بنفسه سنة 748 هـ / 1347 م . و أردفها نبذةً في الموضوعات من كلام الإمام أبي حفص عمر بن بدر الموصلي(4) ، بحدود صفحتين، و أعقبها بنبذة أيضاً من فتاوى الشيخ تقيِّ الدين ابن تيميَّة فيها جواب لمن سأله عن الموضوعات .
و على هذه النسخة ما يفيد ملكيتها لأبي بكر بن رستم بن أحمد الشرواني ، ثمَّ الحاج مصطفى أفندي .
و هي محفوظةٌ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : ( 3313 /554 ) .
الكتاب الثاني :
بعنوان : المقتضب من كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات (5) .
و هو مختصر آخر لكتاب ( الموضوعات من الأحاديث المرفوعات ) للإمام ابن الجوزي رحمه الله .
و لا يُعرف اسم مؤلف هذا المختصر .
توجد منه في البوسنة نسخة خطيَّة واحدة ، تقع في (143) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، سنة 626هـ / 1229 م .
و هي محفوظةٌ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (619/506) .
الكتاب الثالث :
__________
(1) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 1/669 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/277 ، و هو كناب مطبوع نشرته مطبعة لجنة البيان العربي في القاهرة سنة 1381 هـ/ 1962 م ، مع شرحٍ للأستاذ حسنين محمد مخلوف .
(2) ... ابن الجوزي ، هو : عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي ، التميمي ، البكري ، البغدادي ، الفقيه الحنبلي ، الحافظ ، المفسر ، الواعظ ، المؤرخ ، الأديب ، صاحب المصنفات الكثيرة في فنون العلم . توفي سنة 597 هـ / 1201 م .
انظر ترجمته في : وفيات الأعيان 3 / 140 ، تذكرة الحفاظ 4 / 136 ، سير أعلام النبلاء 21 / 365 ، البداية و النهاية 13 / 28 ، غاية النهاية لابن الجزري 1 / 375 .
(3) ... لم أقف للمؤلف على ترجمة ، و النواجي : نسبة إلى نواج من الغربية بمصر ، بالقرب من المحلة . قاله السخاوي . انظر : " التحفة السنية في أسماء البلاد المصرية " لابن الجيعان ص 99 .
(4) ... أبو حفص الموصلي ، هو : ضياء الدين ، الكردي ، الحنفي ، الإمام المحدث المفيد الفقيه ، ولد سنة 557 هـ / 1162 م ، قال الذهبي : جمع و صنف و حدث بحلب و دمشق و بيت المقدس ، و له تواليف مفيدة.
انظر ترجمته في : التكملة للمنذري 3 / 2072 ، سير أعلام النبلاء 22 / 287 ، العبر 5 / 91 ، شذرات سالذهب 7 / 178 ، معجم المؤلفين 7 / 278 .
(5) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1 / 503 .(/52)
و هو بعنوان : رسالة في بيان الأحاديث الموضوعة ( و هو موضوعات الصغاني )(1) .
تأليف الحسن بن محمد الصغاني ( ت : 650هـ / 1252 م ) .
توجد منه سبع نسخ في البوسنة خطية فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (7) أوراق ، مكتوبة بخط تعليقيٍ واضح ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظةٌ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (3151,5/120) .
النسخة الثانية :
تقع في (6) أوراق .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (1682,2/580) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة الثالثة :
تقع في (4) أوراق .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3325,2/582) .
النسخة الرابعة :
تقع في (5) أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها مصطفى بن علي البابداغي ، سنة 1160هـ/ 1748 م .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3499,4/580) .
النسخة الخامسة :
تقع في (3) أوراق ، مكتوبة بخط نسخي و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي من أوقاف هرموزاده صالح أفندي.
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (675,6/2107) .
النسخة السادسة :
تقع في (4) أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها عمر بن محمد ، سنة 1114هـ / 1703 م .
و عليها ما يفيد ملكيَّتها للأحمد نَيْلي ميرزا زاده .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (1773,18/2292) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
النسخة السابعة :
تقع في (6) أوراق ، مكتوبة بخط نسخي ، كتبها أحمد بن عثمان الطوسوي سنة 1137هـ/ 1725 م .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2369,3/623) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
الكتاب الرابع :
و هو بعنوان : الموضوعات الصغرى ( أو المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ) (2) .
تأليف علي بن سلطان بن محمد القاري ( ت : 1014 هـ / 1606 م ) .
و له في البوسنة تسع نسخ خطية فيما يلي وصفها :
النسخة الأولى :
تقع في (79) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي سنة 1295 هـ / 1878 م ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و هي ناقصة من أوّلها و آخرها ، و تحفظ اليوم في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم :
(1164,3/240) .
النسخة الثانية :
توجد منه نسخةٌ خطيَّة ناقصة من بدايتها و نهايتها و تقع في (79) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (778/579) .
النسخة الثالثة :
تقع في (88) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ تعليقي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي ناقصة من بدايتها و من نهايتها ، و عليها ما يفيد ملكيتها للشيخ عبد الله قاوقجي زاده ، من أهالي سراييفو .
و هي من أوقاف هرمو زاده .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (2482,2/166)
النسخة الرابعة :
تقع في (127) ورقة ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (840,2/2) .
النسخة الخامسة :
__________
(1) ... ذكره المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 1 / 361 ، و هو كتاب مطبوعٌ ، نشرته دار نافع ، بالقاهرة ، سنة 1401هـ/ 1981 م ، بتحقيق نجم عبد الرحمن خلف .
... و نشرت دار المأمون بدمشق طبعة مزيدة و منقحةً منه سنة 1405هـ / 1985 م .
(2) ... ذكر غير واحد ممن ترجموا للشيخ على القاري رحمه الله ، أنَّه صنف كتابين في الموضوعات ، أحدهما
( الموضوعات الكبرى ) المسماة بـ ( الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ) ، و الآخر ( الموضوعات الصغرى ) ، و هو ( المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ) .
و الكتاب المشهور المتداول بين أهل العلم هو ( الموضوعات الكبرى ) ، و جميع ما ذكرته أعلاه من مخطوطاته .
أما كتاب الموضوعات الصغرى ، يحوي ثمانية و سبعين و أربعمئة حديث ، مما حكم عليه المؤلف رحمه الله بالوضع ، و هو مطبوعٌ ، نشره مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب ، سنة 1389هـ ، بتحقيق الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله . =
= حول تسمية الكتابين ، و ما وقع العلماء من الخلط فيه ، انظر : مقدمة الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله على الموضوعات الصغرى ( المصنوع ) للشيخ علي القاري رحمه الله ( ط1 ، مكتب المطبوعات الإسلامية ، حلب 1389 هـ ) ، ص : 14 و ما بعدها .(/53)
تقع في (96) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، يتخلَّله بعض التعليق ، كتبها الناسخ يوسف الإسكوبي ، سنة 1151هـ/ 1739 م ، بمدينة إسكوبيا المقدونيَّة .
و هي من أوقاف إبراهيم زافرانيا .
و هي محفوظةٌ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (2308/581) .
النسخة السادسة :
تقع في (73) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه .
و عليها ما يفيد ملكيتها لصالح عزَّت ، و هرموزاده صالح أفندي.
و هي من أوقاف هرموزاده صالح أفندي.
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (675,8/2107) .
النسخة السابعة :
تقع في (79) ورقة ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها الناسخ خليل أفندي ، الكاتب بمحكمة بلغراد لنفسه ، ثمَّ وقفه على عموم المسلمين من بعده .
و هي محفوظةٌ في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم : (3325,1/582) .
النسخة الثامنة :
تقع في (84) ورقة ( 1-84 ) مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها عبد الله قنطميري ، و لم يذكر تاريخاً لذلك ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (1682,1/580) .
النسخة التاسعة :
تقع في (20) ورقة مكتوبة بخط نسخي ، كتبها أحمد بن عثمان الطوسوي ، سنة 1137 هـ / 1725 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2369,2/623) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي .
الكتاب الخامس :
و هو بعنوان : الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة (1) .
تأليف الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (2)( ت: 1033هـ/1623م ) .
توجد منه نسخةٌ خطيَّة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (1688/3) ، و تقع في (12) ورقةٍ ، كتبها الناسخ عبد الله قنطميري .
و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
خامس عشر : كتب شروح الحديث :
لم أقف فيما وصلت إليه من مخطوطات في البوسنة و الهرسك إلا على ثلاثة كتب و رسالتين صغيرتين في شروح الحديث .
أمَّا الكتب فهي :
الكتاب الأوَّل :
و هو بعنوان : مجالس الأبرار و مسالك الأخيار و محائق البدع و مقامع الأشرار (3) .
تأليف الشيخ أحمد بن عبد القاهر الآقحصاري الرومي(4) ( ت : 1041هـ/ 1631 م ) .
و هو أحد كتب الشروح ، حيث شرح فيه المؤلف رحمه الله مئة و بضعة أحاديث مختارة من كتاب ( مصابيح السنة ) ، للإمام البغوي رحمه الله ، و توجد نسختان خطيتان منه في البوسنة ، فيما يلي وصفهما :
النسخة الأولى :
... تقع في (204) أوراق ، مكتوبة بخط تعليقي ، كتبها الشيخ عثمان (؟) ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم :
(2623/2256) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة قركوز بيك ، بموستار .
النسخة الثانية :
تقع في (205) ورقة (1-250) ، مكتوبة بخط تعليقي يتخلله بعض النسخ ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و عليها تملك باسم شيخ زاده علاء البيضاوي ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (3649,1/2105) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة المفتي عيني بيك بيرقداروفيتش .
النسخة الثالثة :
تقع في (392) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي واضح ، كتبها مصطفى بن يوسف سنة 1162هـ/ 1749 م ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (748/2255) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
الكتاب الثاني :
__________
(1) ... ذكره البغدادي في هدية العارفين 2/ 426-427 ، و هو كتاب مطبوعٌ نشرته دار العربية ، في بيروت سنة 1395هـ / 1975 م ، بتحقيق الشيخ محمد بن لطفي .
(2) ... مرعي بن يوسف ، هو : ابن أبي بكر بن أحمد الكرمي ، المقدسي , الحنبلي , محدث فقيه , مؤرخ , أديب , ولد في طور كرم قرية بقرب نابلس بفلسطين , و انتقل إلى القدس , ثم إلى القاهرة , فكان أحد أكابر علماء الحنابلة فيها , من مؤلَّفاته : البرهان في تفسير القرآن ، و أقاويل الثقات في تأويل الأسماء و الصفات .
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر للمحبي 4 / 358 ـ 361 , كشف الظنون 1948 , معجم المؤلفين 12/218 ، هديّة العارفين 2 / 426 – 427 .
(3) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 2/1590 ، و قال : ( و هو على مئة مجلس في شرح مئة حديث من أحاديث المصابيح ) . قلتُ : بل هي على أكثر من مئة مجلس .
(4) ... أحمد الرومي : أصولي ، مفسر ، محدث ، صوفي ، و له أيضا رسالة في التقليد ، و تعليقات على ديباجة لتفسير العمادي .
انظر ترجمته في : كشف الظنون 1/ 65 و 856 و 2 / 1590 ، معجم المؤلفين 1 / 280 .(/54)
و هو بعنوان : رشحات النصيح في شرح الحديث الصحيح (1) .
تأليف محمد بن محمود بن الشيخ أحمد ، المعروف بدبَّاغ زاده (2) .
توجد منه نسخة خطية و حيدة في البوسنة ، تقع في (218) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ تعليقي ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا تاريخ نسخها.
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (2413) .
الكتاب الثالث :
و هو بعنوان : مجموعة الأحاديث الشريفة و الأخبار اللطيفة .
لمؤلف مجهول .
و هو أحد كتب الشروح ، ذكر مؤلفه أنه كتبها نزولاً عند رغبة السلطان العثماني مراد الثاني ، أي إن تأليفه كان بين عامي (981 و 1007 هـ / 1574 و 1599 م ) ، و قسمه إلى مقالات أورد في كل منها طائفة من الأحاديث و الأخبار و تناولها بالشرح .
و توجد في البوسنة نسخة وحيدة منه ، تقع في (34) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها أو تاريخه ، و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (561/2246) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة شهدي أفندي.
أمّا الرسالتان فهما :
الرسالة الأولى :
و هي بعنوان : بلوغ الأمنية في شرح حديث ( إنما الأعمال بالنية )(3).
تأليف أحمد بن محمد بن أبي الخير المرحومي الشافعي(4) ( ت : 1097 هـ/ 1668م ).
توجد منه نسخة واحدة في البوسنة ، و هي واقعة في (48) ورقة ، كتبها الناسخ عبد العزيز الزيناتي الأزهري ، سنة 1107 هـ/ 1696 م ، و عليها ما يفيد أن المؤلف رحمه الله قدَّمها إلى حمزة باشا ، سنة 1095 هـ/ 1684 م ، و هي من أوقاف حمزة باشا على من ينتفع به من المسلمين .
وهي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموعٍ تحت رقم : (1695/2264) ، و قد نُقلت إليها من المكتبة القنطميريّة .
الرسالة الثانية :
و هي بعنوان : مشكاة الاستنارة في معنى حديث الاستخارة (5) .
تأليف عبد البر بن عبد القادر الفيومي الحنفي(6) ( ت : 1071هـ/
1660م ) .
توجد منها في البوسنة نسخة وحيدة ناقصة من أوَّلها و آخرها ، و تقع في
(11) ورقة (138-149) ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ ، و لا يعرف اسم كاتبها ، أو تاريخ نسخها ، و عليها ما يفيد ملكيَّتها لمصطفى المحبِّي بن مصطفى ، سنة 1237هـ/1821م .
و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (6365/3) ، و قد نُقلت إليها من مكتبة بسيم أفندي كوركوت .
سادس عشر : كتب الفتاوى الحديثيَّة :
عثرت في مكتبات البوسنة على كتاب واحد في هذا الفن ، يحمل عنوان : فتاوى و أجوبة حديثية
أجاب عليها فخر الدين عثمان الديمي (7) .
و رواها عنه أحمد بن إبراهيم الكناني العسقلاني (8)
__________
(1) ... ذكره إسماعيل باشا البغدادي ، في : ذيل كشف الظنون 1/573 ، و المستشرق كارل بروكلمان في : تاريخ الأدب العربي : 2/430 ، و سمَّياه ( رشحة النصيح من شرح الحديث الصحيح ) ، و قد نشرت مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة ، سنة 1398هـ/ 1978 م ، كتاباً بعنوان : ( الآداب الملوكيَّة في صلاح الراعي و الرعيَّة من رشحة النصيح على الحديث الصحيح ) ، بتحقيق عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ .
(2) ... دباغ زاده : مفسر ، فقيه حنفي ، محدث ، رومي ، تولى المشيخة مرتين ، ثم عزل ، توفي سنة 1114 هـ/ 1702 م .
انظر ترجمته في : هدية العارفين 2 / 307 ، إيضاح المكنون 1 / 573 ، معجم المؤلفين 11 / 313 .
(3) ... الحديث :أخرجه البخاري 1 / 7 و 15 في بدء الوحي ، باب : كيف كان الوحي ، ثم كرره في مواضع ، و مسلم ( 1907 ) في الإمارة ، باب : قوله - صلى الله عليه وسلم - ( إنما الأعمال بالنية ) .
(4) ... أحمد المرحومي ، هو : الأزهري ، الشافعي ، ومن تصانيفه أيضا : اتحاف الوزير بهدية الفقير .
انظر ترجمته في : إيضاح المكنون 1 / 21 ، معجم المؤلفين 2 / 100 .
(5) ... ذكره حاجي خليفة ، في : كشف الظنون : 4/488 .
(6) ... الفيومي الحنفي ، هو : زين الدين ، العوفي ، المصري ، عالم ، فقيه ، أديب ، ولد في القاهرة ، ورحل إلى مكة و الشام ، و مكث بدمشق سنين ، و تولى إفتاء الحنفية بالقدس ، و ولي القضاء ، و توفي بالقسطنطينية.
انظر ترجمته في : خلاصة الأثر للمحبي : 2 / 291 و معجم المؤلِّفين ، لعمر رضا كحالة : 5 / 76 .
(7) فخر الدين الديمي :لم أقف على ترجمته .
(8) ... أحمد بن إبراهيم ، هو أحمد بن إبراهيم بن نصر بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل ، الحنبلي ، عز الدين ، أبو البركات ، و لد في القاهرة و نشأ فيها و تعلَّم ، كان قاضي الحنابلة ، له مصنفاتٌ كثيرة منها ، نظم أصول ابن الحاجب و توضيحه ، و مختصر المحرر في الفقه ، و طبقات الحنابلة ، و كثير غيرها .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 1 / 205 ، حسن المحاضرة 1 / 484 ، شذرات الذهب 9 / 479 ، و هديّة العارفين ، للبغدادي : 1/323 . أحمد بن إبراهيم ، هو أحمد بن إبراهيم بن نصر بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل ، الحنبلي ، عز الدين ، أبو البركات ، و لد في القاهرة و نشأ فيها و تعلَّم ، كان قاضي الحنابلة ، له مصنفاتٌ كثيرة منها ، نظم أصول ابن الحاجب و توضيحه ، و مختصر المحرر في الفقه ، و طبقات الحنابلة ، و كثير غيرها .
انظر ترجمته في : الضوء اللامع 1 / 205 ، حسن المحاضرة 1 / 484 ، شذرات الذهب 9 / 479 ، و هديّة العارفين ، للبغدادي : 1/323 .(/55)
( ت : 876 هـ/1472م) .
توجد نسخة خطية منه في البوسنة ، تقع في ستة أوراق (21-26) ، مكتوبة بخط نسخي ، سنة 1076 هـ / 1666 م ، لا يعرف اسم كاتبها ، و هي من أوقاف ألجي إبراهيم ، و قد نقلت من مكتبته الواقعة في ترافنيك ، إلى خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو حيث تحفظ حالياً ضمن مجموعٍ تحت رقم : (2565,2/1967) .
المبحث الثالث
جهود أهل البوسنة المتعلقة بمخطوطات الحديث النبوي و علومه
يجدر بنا بعد الانتهاء من وصف مخطوطات الحديث النبوي درايةً و روايةً في مكتبات البوسنة و الهرسك ، أن نسلّط الضوء على جهود البوسنويين المتعلّقة بهذه المخطوطات ، إذ إن هذه هي غاية البحث ، و ليست الغاية إعداد فهرسة وصفيّة لمخطوطات الحديث النبوي و علومه و حسب .
و فيما يلي سأسلّط الضوء على جهود مسلمي البوسنة في هذا المجال من خلال المحاور الخمسة التالية :
أولاً : جلب نفائس المخطوطات و نوادرها إلى االبوسنة و الهرسك :
تقدم ذكر جهود البشانقة في جلب المخطوطات إلى بلادهم عند الحديث عن كيفية تكوين المكتبات الأولى في البوسنة ، و بعد أن استعرضنا ما جلبوه من أنحاء العالم المختلفة من تلك المخطوطات تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً منها كان نفيساً في بابه ، و ذا قيمة بالغة بين أمثاله ، الأمر الذي يدل على أن حال البوسنويين في جمع للمخطوطات التي جلبوها إلى بلادهم لم يكن قط كحال حاطب ليل ، بل على العكس من ذلك مفعماً بالوعي و العلم ، و ربما الخبرة الماديّة بجودة المخطوط و كيفية حفظه .
و من الشواهد الدالة على هذه الحقيقة عشرات المخطوطات النادرة و النفيسة التي لا تزال محفوظة في مكتبات البوسنة ، و قد تقدّم وصف عدد منها ، و ممّا تقدّم وصفه أذكر على سبيل المثال لا الحصر :
النسخة الثالثة من كتاب : شهاب الأخبار في الأحاديث المرويَّة عن الرسول المختار .
تأليف أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القُضاعي ( ت : 454هـ ) .
تقع في (22) ورقة ، مكتوبةً بخط النستعليق ، كتبها خضر بن إلياس ، و لم يذكر تاريخ نسخها . ، و يتخلَّلها نقصٌ في بعض المواضع ، لولاه لكانت لها قيمةٌ خاصة ، حيث كتبت في عصر المؤلِّف ، و قُرئت عليه رحمه الله .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ضمن مجموع تحت رقم : (3098,1/450) .
النسخة الأولى من كتاب : فردوس الأخبار بمأثور الخطاب .
تأليف أبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الحمداني
( ت : 509 هـ ) .
تقع في (417) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي قديم ، كتبها عبد السلام بن محمد بن حسن بن علي الخوارزمي ، سنة 546 هـ في المدرسة العمادية بهمذان ، و هي ناقصة من بدايتها ، و فيها سَقَطٌ في مواضع عدَّة .
و تحفظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (475/451) .
و هذه النسخة أقدم ما يوجد في البوسنة من مخطوطات الحديث النبوية ، و قد كتبت سنة 1151م ، أي بعد وفاة المؤلف رحمه الله بإحدى و ثلاثين سنة
فقط .
النسخة الوحيدة من كتاب : سرح النهر لشرح الزهر .
تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الدايم البرماوي ( ت : 831هـ ) .
تقع هذه النسخة في (139) ورقة ، و هي مكتوبةً بخطٍ نسخي ، كتبها أبو البركات محمد بن محمد العراقي ، عن نسخة المؤلِّف في حياته ، سنة 827 هـ.
و في آخر هذه النسخة إجازة من المؤلِّف للناسخ برواية الكتاب عنه ، قال فيها : (( الحمد لله … و بعد فقد قرأ عليَّ الشيخ … أبو البركات … العراقي ، جميع هذا الكتاب قراءة بحث و تحقيق و مقابلة بالأصل الذي بخطي ، و قد أجزته أن يقرأه و يرويه عني ، و جميع ما يجوز لي و عني روايته ، و كذا أجزت لولده محمد … و ذلك في مجالس آخرها في العشرين من جمادى الأولى سنة ثلاثين و ثمانمئة قال ذلك و كتبه محمد البرماوي الشافعي ، عفا الله عنه ، و السلام )) .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (3050/599) .
النسخة الثانية من كتاب : فتح المغيث بشرح ألفيَّة الحديث .
تأليف الحافظ زين الدين العراقي .
تقع هذه النسخة في (127) ورقةٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ نسخيٍ قديم ، سنة 785هـ ، لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان النسخ أو تاريخه .
و على الرغم من جهالة اسم الناسخ تعتبر هذه النسخة بالغة الأهميَّة ، و القيمة التاريخية ، حيث جاء في آخرها ما نصُّه : (( نُقلت هذه النسخة من خط مؤلفها الشيخ الإمام الحافظ المحدث شيخ الإسلام زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي … )) .
و عليها إجازة بخط الحافظ العراقي نفسه رحمه الله هذا نصُّها : (( و أجزت لكل من سمع مني الأرجوزة المذكورة أو بعضها أن يروي عني جميع الشرح عليها ، و جميع ما يجوز لي و عني روايته ، قاله و كتبه مؤلِّفه عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي …(/56)
و ممَّا يزيد في قيمة هذه النسخة ما ذّيِّلت به من سماعاتٍ و إجازات جاء فيها : قرأت على شيخنا الإمام الحافظ الرحلة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن ناصر الدين الدمشقي ، أدام الله تعالى به النفع و رحم سلفه جميع هذه المجلَّدة و هي شرح ألفيَّة الإمام الحافظ أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي ، مع المنظومة قراءة بحثٍ و تقريرٍ بإجازة الشيخ لذلك من مؤلفه مكاتبة من مصر غير مرة ، و صح ذلك و ثبت في عدة مجالس من آخرها مجلس بلدان الرواة و أوطانهم إلى آخر الكتاب ، فسمع المجلس الآخر المذكور كاملاً الشيخ أحمد بن موسى بن رجب الفاخوري ، و الشيخ عبد الله بن محمد بن جمعة بن راجح السويدي ثم الدمشقي ، و الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ أحمد ين الشيخ بدر الدين حسن العجلوني ، في آخرين ، و اتفق آخر المجالس في يوم الأحد رابع جمادى الأولى سنة ست و ثلاثين و ثمانماية ، بالجامع الناصري ، من مسجد القصي ، خارج باب السلام من دمشق المحروسة ، و أجاز المسمع أبقاه الله تعالى . قاله و كتبه محمد بن حسن بن علي بن حسن البلعوي الخطيب ، و لله الحمد و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلَّم . اهـ .
و عليها تعليقاتٌ قليلة بخط الشيخ محمد خانجيتش ( الخانجي ) البوسنوي رحمه الله تعالى .
و هي محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (423/386
النسخة الوحيدة من كتاب : روضة الأخيار في شرح مشارق الأنوار.
تأليف عمر بن عبد المحسن الأرزنجاني .
تقع في (301) ورقة ، مكتوبةً بخطٍ نسخي واضح ، كتبها المؤلِّف بيمينه سنة 697هـ ، و ختمه بقوله : ( هذا آخر ما تيسر لي جمعه على مشارق الأنوار النبوية و الأحاديث المصطفويَّة من مصنفات أئمة الدين و علماء الصدق و اليقين ، و قد سمَّيته روضة الأخيار في شرح مشارق الأنوار … فرغ من تعليقه مؤلِّفه العبد الضعيف … عمر بن عبد المحسن بن أبي بكر الأرزنجاني ، غفر الله له
و لوالديه … ) .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (587/520) .
النسخة الأولى من كتاب : الجامع الصغير من حديث البشير النذير.
تأليف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت : 911هـ ) .
و هي نسخة كاملة ، تقع في (215) ورقة ، مكتوبة بخط نسخي قديم ، و لا يعرف اسم كاتبها ، و لا مكان نسخها و لا تاريخه ، غير أنَّها قد تكون ممَّا كتب في زمن المؤلِّف رحمه الله ، حيث جاء في آخرها ما يفيد ذلك ، و هو قول الناسخ : ( … هذا آخر كتاب الجامع الصغير من حديث البشير النذير ، و هو عشرة آلاف حديث مرتبة على حروف المعجم ، تأليف سيدنا و مولانا … أبي الفضل السيوطي الشافعي ، فسح الله تعالى في مدته ، و نفعنا و المسلمين بعلومه و بركته ) .
و هي محفوظةٌ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم : (377/557) .
النسخة الوحيدة لكتاب : أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل
للحافظ أحمد بن حجر الهيثمي ( ت : 973هـ/1565م ) .
و هي نسخة كاملة تقع في ثنتين و تسعين ورقة ، كتبها محمد بن صلاح الدين البكري التيمي الدمنهوري ، في حياة مؤلفها ، و قرأ غالبها عليه عام ثمان و ستين و تسعمئة .
و ترجعُ أهميَّتها إلى قِدم تاريخ نسخها ، و كون ناسخها أحد تلاميذ المؤلف و قد قرأ معظمها عليه ، كما صرَّح بذلك في نهايتها .
و هي محفوظة حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم (507/441) .
النسخة الوحيدة من جزء : الإسعاد فيما للكتب السبعة من الإسناد .
تأليف محمد بن الحسن المعروف بابن الهمات .
و قد جمع فيه مؤلفه الأسانيد الثي روى بها الكتب السبعة ( الصحيحين ، و السنن ، و الموطأ .
تقع هذه النسخة في (6) أوراق ، مكتوبة بخطٍ نسخيٍ كبير ، كتبها المؤلف رحمه الله بنفسه .
و هي محفوظة اليوم في ضمن مجموع تحت رقم (3505,5/591) .
ثانياً : تنافس البوسنويين في اقتناء المخطوطات :
شغف البوسنويون باقتناء المخطوات و العناية بها عبر تاريخهم الطويل ، و هذا ما نلحظه من ثبت الملكية الذي حملته مئات المخطوطات المحفوظة في مكتبات البوسنة حالياً وللتمثيل على ذلك يحسن بنا استعراض ما ورد على مخطوطات الحديث النبوي و علومه التي تقدم وصفها في هذا الباب من ذكر أسماء ملاكها من البوسنويين حيث سنلاحظ الآتي :
لمصطفى بن محمد بن خليل موكا زاده الموستاري تملك على النسخة الثانية عشرة و النسخة الثالثة عشرة من الجامع الصحيح للإمام البخاري .
لمحمد رفدي المدرس في مدرسة خير الدين باشا تملك على النسخة السابعة من الجامع الصحيح للإمام البخاري .
للوزير أحمد آغا البوشناقي تملك على النسخة الرابعة و النسخة الخامسة عشرة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، و النسخة التاسعة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك .(/57)
للحاج خليل الغرادتشانيتسوي تملك على النسخة العاشرة من كتاب : فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني .
لإبراهيم بن محمد الجبشوي تملك على النسخة الثالثة عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك .
لأحمد سيم زادة تملك على النسخة السادسة من كتاب : مصابيح السنة ، للإمام البغوي .
لأحمد لاكشيتش بن عبد الله تملك على النسخة الخامسة من كتاب : شرح مصابيح السنة ، لزين العرب .
لمصطفى بن يوسف الموستاري تملك على النسخة الثانية من كتاب : تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار ، للبابرتي .
لمصطفى بن سليم ، مؤذن مسجد سنان باشا قرب موستار تملك على النسخة الثانية من كتاب : مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار ، لعلاء الدين المصري .
لقاضي سراييفو إبراهيم أفندي تملك على النسخة الأولى من كتاب : الشمائل النبويّة ، لأبي عيسى الترمذي .
لعمر زهدي بن محمد البوسنوي و محمد شاكر مؤيدوفيتش تملك على النسخة الثانية من كتاب : جمع الوسائل في شرح الشمائل ، للملا علي القاري .
لحسن بن محمد الموستاري تملك على النسخة الوحيدة من كتاب : المجالس السنيّة في الكلام على الأربعين النووية ، لأحمد بن حجازي الغشني . .
للحاج محمد آغا الغرادتشانيتسوي تملك على النسخة الوحيدة جزء فيه أحاديث قدسيّة مستخرجة من كتاب ( مشارق الأنوار ) للصغاني . وجزء حديثي لا يعرف اسم مؤلفه ، يحفظ حالياً في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو تحت رقم ( 4150.3 /2290 ) .
للقاضي فهمي علي البوسنوي تملك على النسخة الثانية من كتاب : الأحاديث الأربعين ، لابن كمال باشا .
للحاج مصطفى مفتي ، المؤذن في سراييفو ، و الحاج عبد الله بن الحاج أحمد ماتشكوفيتش تملك على النسخة الأولى من كتاب : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، لابن حجر العسقلاني .
للأخوين مصطفى وحسين جابيتش تملك على النسخة الثانية من كتاب : المفاتيح في حل المصابيح ، لمظهر الدين الزيداني .
لعبد الله بن حسن بيك محرمي زادة ( محرميتش ) تملك النسخة الرابعة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي .
للحاج حسن مظفري البوسنوي ( من أهالي سراييفو ) تملك على النسخة الوحيدة من كتاب : الأربعين في إرشاد السائرين ، لمحمد بن محمد الطائي .
لأبي بكر بن محرم بن ولي الأقحصاري ، وحسين عبدي قدري أفندي زادة ، وعبد الله بن أحمد البوسنوي تملك على النسخة الأولى من كتاب : مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار ، لعلاء الدين المصري . .
لصالح بن مصطفى شمعي زادة ( شمعيتش ) البوسنوي تملك على النسخة الثانية من كتاب : رسالة في كلام خاتم الأنبياء و الخلفاء و الأولياء ، لمؤلّف مجهول ِ.
للقاضي مصطفى أديب بن إبراهيم المعروف بقجق زادة السرائي تملك على النسخة الأولى من كتاب : الصحائف القدسية ، لمؤلف مجهول ، وجزء فيه أربعونه حديثاً لمؤلف مجهول ، يحفظ حالياً في خزانة مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم ( 2407.1 /578 ) .
لإبراهيم بن حمزة الشهير بعشاقي زادة تملك على النسخة الوحيدة من كتاب : المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، للإمام النووي ِ.
لمحمد رشيد حافظ زادة قاضي بانيالوكا تملك على النسخة الثالثة من كتاب : جمع الوسائل في شرح الشمائل ، للملا علي القاري .
للشيخ عبد الله قاوقجي زادة من أهالي سراييفو تملك على النسخة الثالثة من كتاب : الموضوعات الصغرى ، للملا علي القاري . .
لعبد الباقي بن الحاج محمد آغا الشهير بجنتيتش تملك على النسخة الوحيدة من كتاب : أنس المنقطعين إلى عبادة ربّ العالمين ، لمعافى بن إسماعيل الشيباني .
لصالح أفندي ميميتش تملك على النسخة الرابعة من كتاب : بستان العارفين لأبي الليث السمرقندي .
للحاج إبراهيم بن الحاج دوراك ، و الحاج باشا زاده مميش آغا تملك على النسخة الثامنة من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية ، للإمام الصغاني .
لعبيد الله زهدي بن الحاج إبراهيم تملك على النسخة الثامنة من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية ، للإمام الصغاني ، و النسخة الثانية من كتاب : رفع الخفاء عن ذات الشفاء ، للملا علي القاري.
للحاج سليمان سليموفيتش تملك على النسخة الثامنة من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية ، للإمام الصغاني .
للحاج درويش أفندي ريجانوفيتش تملك على جزء حديثي لمؤلف مجهول ، يحفظ حالياً في خزانة مكتبة الغازي خسروبيك بسراييفو تحت رقم ( 4807 /2622 ) .
لعزت صالح أفندي المعروف بهرمو زاده ، قاضي منطقة بوسنة برود بمحافظة ترافنيك تملك على النسخة التاسعة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك ، و النسخة الثانية من كتاب : رسالة في أصول الحديث ، لمحمد بن بير البركوي ، و النسخة السادسة من كتاب : الموضوعات الصغرى ، للملا علي القاري .(/58)
للشيخ محمد بن محمد الخانجي ( خانجيتش ) تملك على النسخة الرابعة من كتاب : الجامع الصغير من حديث البشير النذير ، لجلال الدين السيوطي ، و النسخة الثانية من كتاب : فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث ، للحافظ العراقي ، و النسخة الرابعة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي .
ثالثاً : جهود الكتّاب البوسنويين في نسخ المخطوطات :
تقدم معنا عند ذكر المكتبات و خزائن المخطوطات في البوسنة التنوية إلى نسخ المخطوطات ؛ وكان من أبرز جهود الطلاب و المدرسين في المدارس الشرعية و غيرهم من أهل العلم والأدب البوسنويين ، حتى إن شارعين من شوارع سراييفو اكتسبا تسميتهما من هذه الصنعة النفيسة ، و اشتهر العشرات من النساخ البوسنويين بعد أن بلغت آثارهم الآفاق .
و لتقرير هذا الواقع أشير باختصار – فيما يلي – إلى أسماء أهم النساخ البوسنويين و ما سطروه بأيديهم من مخطوطات في الحديث النبوي وعلومه مما تقدم ذكره في هذا الباب :
قام الكاتب البوسنوي الشهير عبد الله بن أحمد بن الحاج خليل القنطميري بنسخ الجامع الصحيح للإمام البخاري ، و مصابيح السنة للإمام البغوي ، و نسختين من مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك ، و الشمائل النبوية للإمام الترمذي ، و شرح مصابيح السنة لابن الملك ، و حدائق الأزهار بشرح مشارق الأنوار للأرزنجاني ، و الموضوعات الصغرى للملا علي القاري ، و مطلع البدرين فيمن يؤتى أجره مرّتين لجلال الدين السيوطي و مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار لعلاء الدين المصري ، و البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير للشيخ عبد الوهاب الشعراني ، و الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي ، و الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة لجلال الدين السيوطي .
و نسخ الكاتبان بهلول بن سليم نوسنلي ( نسبة إلى بلدة نوسنة البوسنوية ) و محمد السوخنة بن شعبان ( من مدرسة قركوز بيك في موستار ) نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، لابن حجر العسقلاني .
و نسخ الكاتب عبد الله بن المؤمن كتاب :مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك ، في بلغراد .
و نسخ إبراهيم الموستاري المعروف باسم سباهي مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي .
و نسخ صالح بن أحمد كريسو الموستاري ، أثناء دراسته في مدرسة قركوز بيك بموستار كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك .
و نسخ أحمد بن محمد بن علي بن مصطفى آغا البوسنوي كتاب : الشمائل النبوية ، لأبي عيسى الترمذي .
و نسخ فيض الله إسماعيل جنتي زادة ( جنتيتش ) البوسنوي كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي ، في سراييفو .
و نسخ حسين بن إبراهيم بن أحمد كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية ، للإمام الصغاني ، في مدرسة الغازي خسروبيك بسراييفو .
و نسخ سليمان جابيتش بن شاكر أفندي كتاب : الشمائل النبوية ، لأبي عيسى الترمذي .
و نسخ خليل أفندي ، الكاتب بمحكمة بلغراد كتاب : الموضوعات الصغرى للملا علي القاري .
و نسخ حسين بن حسين البلغرادي كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي أبي الفضل اليحصبي .
و نسخ سيف الدين محمد بن أبي سعد السرايجوقي مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث .
و نسخ عبد الله بن الحاج مصطفى كتاب نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، لابن حجر العسقلاني ، في مدينة طاشليجة بالجبل الأسود .
و نسخ مراد باشا زاده علي صادق شكري المدرس بمدرسة علي باشا كتاب : نتيجة النظر في علم الأثر ، لابن همات الحنفي .
و نسخ سليمان بن حبيب أفندي بن الحاج شعبان بن الحاج مالكوتش كتاب : نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، لابن حجر العسقلاني .
و نسخ صالح بن شعبان النكشكوي كتاب : الوسائل إلى معرفة الأوائل ، لجلال الدين السيوطي .
و نسخ الحاج محمد بن ولي الدين المدرس كتاب : مصطلحات أهل الأثر على نخبة الفكر ، للملا علي القاري .
و نسخ علي بن أحمد بن صالح بن درويش كتاب : المبين المعين لفهم الأربعين ، للملا علي القاري في بلدة ستوليتسا بالبوسنة .
و نسخ عثمان بن محرم الفوتشوي كتاب : شرح رسالة البركوي في أصول الحديث ، لداوود بن محمد القارصي .
و نسخ الحافظ إبراهيم بن محمد السرائي كتاب : أسماء أهل بدر ، لمؤلّف مجهول .
و نسخ عبد الرحمن بن قاسم كتاب :شرح الأربعين الودعانيّة ، لأبي نصر الباغيلاني ، في بلغراد .
و نسخ عبد الرحمن بن أبي بكر البانيالوكي كتاب : الشمائل النبوية ، لأبي عيسى الترمذي ، في المدرسة السليمانية بمكة المكرمة .
و نسخ مصطفى بن إبراهيم الملقب بجقوري كتاب : مع الوسائل في شرح الشمائل ، للملا علي القاري ، في بانيالوكا .
و نسخ كل من علي بن سنان البوسنوي و فيض الله بن إسماعيل جنتي زادة ( جنتيتش ) نسخة من كتاب : شرح الأربعين البركوية ، لمحمد بن مصطفى الآق كرماني .(/59)
و نسخ عبد الله بن منلا صالح حرميك ( حرميتش ) كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي ، في مدرسة قركوز بيك بموستار .
و نسخ أحمد أفندي الآقحصاري كتاب : المبين المعين لفهم الأربعين ، للملا علي القاري بمدرسة الغازي خسرو بيك في سراييفو .
و نسخ يوسف الإسكوبي كتاب : كتاب : الموضوعات الصغرى ، للملا علي القاري ، في مدينة إسكوبيا بمقدونيا .
و نسخ أحمد بن علي السرائي كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية ، للإمام الصغاني .
و نسخ مصطفى بن مصطفى الإسكوبي كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي ، في مدرسة الغازي خسروبيك بسراييفو .
و نسخ الحاج محمد بن ولي الدين المدرس بزاوية و خانقاه الغازي خسرو بيك بسراييفو كتاب : رفع الخفاء عن ذات الشفاء ، للملا علي القاري .
و نسخ عبد الوهاب بن الشيخ أحمد بن الحاج عبد الله جزءاً حديثاً يحفظ اليوم في مكتبة الغازي خسروبيك بسراييفو ضمن مجموعة تحت رقم ( 4150.3 /2290 ) ولا يعرف اسم مؤلفه .
و نسخ أحمد بن والي ، المدرس في مدرسة سليم زادة بسراييفو جزءاً حديثاً يحفظ اليوم في مكتبة الغازي خسروبيك بسراييفو ضمن مجموعة تحت رقم ( 1197.4 /139 ) ولا يعرف اسم مؤلفه .
رابعاً : وقف المخطوطات عند مسلمي البوسنة الهرسك :
... الوقف رافد عظيم من روافد التعليم الشرعي ، فمن ريعه تقام المدارس و ينفق عليها ، و يكفل الدعاة وتنشر علومهم ، ويرعى الطلبة ويكفون المؤونة ، و تحبس الكتب و تصان المكتبات .
و قد دأب المسلمون في كل عصر و مصر على ِإجراء الصدقات على المدارس و المكتبات و حبس نبلاؤهم أنفس المقتنيات على طلاب العلم و أهله ، و من أنفس ما يجود المحسنون بوقفه الكتاب .
و لو تأملنا ما أودع خزائن المخطوطات في البوسنة لوجدنا جله من أوقاف أهل تلك البلاد ، و ربما تعددت أسماء الواقفين على الكتاب الواحد مما يدل على أنه وقف وقفاً خاصاً مرةً أو أكثر إلى أن وقفه آخر من حازه وقفاً عاماً على مدرسة او مكتبة أو جامع كما الغالب .
و إذا أعدنا النظر فيما تقدم وصفه من نسخ خطية لكتب الحديث النبوي و علومه في هذا البحث سنلحظ أن معظمها موقوف من بوسنويين على من ينتفع به من أهليهم و ذويهم و أهل العلم في بلادنا ، و إليك سرد لما وقفوه من تلك النفائس :
وقف أحمد عاصم بن محمد متوليتش النسخة السادسة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، و النسخة التاسعة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي أبي الفضل اليحصبي ، و النسخة الأولى من كتاب : مختصر الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ، و النسخة الوحيدة من كتاب : مصطلحات أهل الأثر على نخبة الفكر للملا علي القاري على مدرسة الغازي خسروبيك بسراييفو .
و وقف عزت صالح أفندي المعروف بهرموزادة ، قاضي منطقة بوسنة برود في محافظة ترافنيك النسخة الخامسة و النسخة السابعة و النسخة العاشرة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، و النسخة الرابعة و النسخة الخامسة من كتاب : الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري للكرماني ، و النسخة العاشرة من كتاب : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني ، و النسخة التاسعة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك ، و النسخة الثالثة من كتاب : الجامع الصغير من حديث البشير النذير لجلال الدين السيوطي ، و النسخة الأولى من كتاب : الشمائل النبويّة لأبي عيسى الترمذي ، و النسخة الخامسة من كتاب : الموضوعات للحسن بن محمد الصغاني ، و النسخة الوحيدة من كتاب : مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي ، و النسخة الوحيدة من كتاب : الوابل الصيّب و رافع الكلم الطيب لابن قيّم الجوزيّة ، و النسخة الثانية من كتاب : رسالة في أصول الحديث لمحمد بن بير البركوي ، و النسختين الثالثة و السادسة من كتاب : الموضوعات الصغرى للملا علي القاري ، على عموم المسلمين في البوسنة .
و وقف محسن زادة عبد الله باشا ، والي البوسنة سنة 1146هـ النسخة الثامنة من الجامع الصحيح للإمام البخاري و كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي أبي الفضل اليحصبي .
و وقف مميش آغا كاسوماغيتش النسخة الحادية عشرة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، و النسخة الأولى من كتاب : الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري للكرماني ، و النسخة الوحيدة من كتاب : المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي ، و النسختين الأولى و الرابعة من كتاب : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني ، و النسختين الرابعة و الثامنة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك .(/60)
و وقف الوزير أحمد آغا البوشناقي النسخة الخامسة عشرة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، و النسخة الوحيدة من كتاب : رسالة في أقسام الحديث ، لمؤلّف مجهول ، و النسخة الأولى من كتاب : تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار للبابرتي ، و النسخة الوحيدة من كتاب : الوابل الصيّب و رافع الكلم الطيب ، لابن قيّم الجوزيّة على مدارس موستار.
و وقف سفرو محمد أفندي بن محمد آغا البوسنوي ، و هو من أهالي سراييفو النسختين الأولى و الثانية من كتاب : شرح مصابيح السنة ، لابن الملك الرومي ، وجزءاً فيه أربعون حديثاً لا يعرف مؤلفه ، و هو محفوظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسروبيك بسراييفو ، ضمن مجموع تحت رقم ( 293.2 /476 ) .
و وقف سالم ( أو سليم ) أفندي مفتيتش النسخة الثانية من كتاب : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني ، و النسخة الثامنة من كتاب : مصابيح السنة للإمام البغوي ، و قطعة من كتاب : جمع الوسائل في شرح الشمائل للملا علي القاري ، و النسخة الوحيدة من كتاب : سرح النهر بشرح الزهر لمحمد بن عبد الدايم البرماوي ، و النسخة الوحيدة من منظومة البيقوني في مصطلح الحديث ، و النسخة الرابعة من كتاب : مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي .
و وقف موستاي بيك جنتيتش النسخة الرابعة من كتاب : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني ، و النسخة العاشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك ، و النسخة العاشرة من كتاب : الأربعين النووية ، و النسخة الثانية من كتاب : مصابيح السنة للإمام البغوي ، و النسخة الوحيدة من كتاب : شرح الأربعين النوويّة لمؤلّف مجهول على ذريته سنة 1289هـ .
و وقف المدرس الحاج أحمد أفندي البوسنوي النسخة الثالثة من كتاب : حدائق الأزهار بشرح مشارق الأنوار للأرزنجاني .
و وقف جيوان كيتهودا في موستار النسخة السادسة عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك .
و وقف إبراهيم بييفو النسخة السادسة من كتاب : مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي ، على مكتبة جامع السلطان في سراييفو سنة 1232هـ .
و وقف الحاج محمد بيجاكجيتش بن فضل الله ( من أهالي سراييفو ) النسخة الثانية من كتاب : الجامع الصغير من حديث البشير النذير لجلال الدين السيوطي ، على كتّاب عيني بيك في سراييفو ، سنة 1254هـ /1838م .
و وقف محمد سباهيتش الموستاري النسخة الرابعة عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك ، على مكتبة قركوز بيك في موستار سنة 1324هـ .
و وقف ألجي إبراهيم باشا والي ترافنيك و مؤسس مدرستها و مكتبتها (الفيروزية) ، ومحافظ البوسنة في زمنه النسخة الوحيدة من كتاب : الفتاوى و الأجوبة الحديثية لفخر الدين عثمان الديلمي ، و النسخة الوحيدة من كتاب : اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة لبدر الدين الزركشي ، و جزءاً فيه أحاديث الشمائل من كتاب : الجامع الصغير من حديث البشير النذير لجلال الدين السيوطي .
و وقف فيض الله إسماعيل جنتي زاده ( جنتيتش ) البوسنوي النسخة الأولى من كتاب : الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري ، للكرماني ، و النسخة السابعة من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي أبي الفضل اليحصبي ، و النسخة الرابعة من كتاب : شرح مصابيح السنة لابن الملك الرومي ، و النسخة الخامسة من كتاب : شرح الأربعين البركويّة لمحمد بن مصطفى الآق كرماني ، و النسخة الأولى من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية للإمام الصغاني ، على طلبة العلم وأهله في فوتشا سنة 1000هـ ، و جزءاً فيه أربعون حديثاً لمؤلف مجهول ، يحفظ اليوم في مكتبة الغازي خرسوبيك بسراييفو ، ضمن مجموعة تحت رقم ( 1912.2 /360 ) .
و وقف محمد أفندي ( من أهالي غرادتشانيتسا ) النسخة الثانية من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية للإمام الصغاني ، و النسخة السابعة من كتاب : الموضوعات الصغرى للملا علي القاري ، و النسخة الثانية من كتاب : الأربعين النووية .
و وقف داوود آغا النسخة الوحيدة من كتاب : بحر الفوائد لأبي بكر الكلاباذي على مدرسة أحمد آغا في موستار .
و وقف محمد الموستاري رئيس ِأطباء موستار النسخة الوحيدة من فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني على عموم المسلمين في بلدهِ .
و وقف إبراهيم باشا ( من أهالي بوجتل قرب موستار ) النسخة الوحيدة من شرح مختصر صحيح مسلم ، لمؤلف مجهول ، و النسخة الوحيدة من مختصر جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري ، و(/61)
النسخة الوحيدة من كتاب : الجواهر البهيّة في شرح الأربعين النوويّة لوليّ الدين البكري ، و النسخة الوحيدة من كتاب : الكاشف عن حقائق السنن للحسين الطيبي ، و النسخة السابعة من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية للإمام الصغاني .
و وقف عصمت ِأفندي سفرو ِ( من أهالي سراييفو ) النسخة الأولى من كتاب : نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني ، و النسخة الوحيدة من كتاب : علوم الحديث ( و هو : مقدّمة ابن الصلاح ) في مصطلح الحديث .
و وقف مميشاه أفندي البوسنوي النسخة الأولى من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي أبي الفضل اليحصبي على أهالي ( فوتشا ) ، و النسخة الأولى من كتاب : شرح مصابيح السنة ، لابن الملك الرومي على المسجد القديم في ( فوتشا ) أيضاً .
و وقف مصطفى بن إبراهيم الفوتشوي النسخة الأولى من كتاب : الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي أبي الفضل اليحصب على أهالي بلدته .
و وقف إبراهيم زفرانيا المدرس في سراييفو النسخة الوحيدة من كتاب : الإكمال في أسماء الرجال للخطيب البغدادي ، و النسخة الأولى من كتاب : شرح الأربعين البركويّة لمحمد بن مصطفى الآق كرماني ، و النسخة الرابعة من ألفيّة العراقي في أصول الحديث ، و النسخة الخامسة من كتاب : الموضوعات الصغرى للملا علي القاري .
و وقف صالح أفندي حسن ناغيتش النسخة الخامسة عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك ، على مكتبة قركوز بيك في موستار سنة 1258هـ .
و وقف الحاج محمد باشا النسخة الوحيدة من كتاب : إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للخطيب القسطلاني ، سنة 1166هـ .
و وقف محمد أفنديتش المدرس بمدرسة الغازي خسروبيك في سراييفو النسخة الأولى من كتاب : فردوس الأخبار بمأثور الخطاب لأبي شجاع الديلمي .
و وقف الحاج مرتضى آغا بن محمد بيك ( من أهالي فوتشا ) النسخة الأولى من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية للإمام الصغاني .
و وقف مراد بن عثمان قبودان ( من أهالي غرادتشانيتسا ) النسخة التاسعة من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية للإمام الصغاني .
و وقف أحمد بن مصطفى النسخة الوحيدة من فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ، و النسخة الوحيدة من رسالة بعنوان : ذكر طبقات هذه الأمة لمؤلف مجهول ، و النسخة الوحيدة من كتاب : أعمار الأعيان لأبي الفرج ابن الجوزي .
و وقف علي غالب باشا ستوجيفيتش النسخة الخامسة عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار لابن الملك ، و النسخة الخامسة من كتاب : شرح الأربعين البركويّة لمحمد بن مصطفى الآق كرماني ، على مكتبة تكيته في موستار سنة 1258هـ .
و وقف عبد الباقي محمد بن الحاج محمد آغا الشهير بجينو زاده ، و بجنتيتش نسخ كتاب : فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني الأولى و الثالثة و التاسعة ، و النسخة الوحيدة من كتاب : أنس المنقطعين إلى عبادة ربّ العالمين لمعافى بن إسماعيل الشيباني .
و وقف عبد الرحمن بن قاسم النسخة الوحيدة من كتاب : شرح الأربعين الودعانيّة لأبي نصر الباغيلان ، على مدرسة الغازي خسروبيك في سراييفو .
و وقف حمزه باشا النسخة الوحيدة جزء بعنوان : بلوغ الأمنية في شرح حديث ( إنما الأعمال بالنية ) لأحمد بن محمد المرهومي .
و وقف صالح أفندي ميميتش النسخة الرابعة من فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 0 .
و وقف ذو الفقار آغا بن محمد سباهي زاده ( من أهالي الهرسك ) النسخة الأولى من كتاب : الصحائف القدسية لمؤلف مجهول ، وجزءاً فيه أربعون حديثاً لا يعرف جامعها ، وهو محفوظ حالياً في خزانة مخطوطات مكتبة الغازي خسروبيك بسراييفو ضمن مجموعة تحت رقم ( 2407.1 /578 ).
أما واقفو المخطوطات من غير البشانقة فهم من الكثرة بمكان ، وقد اقتصرت على ذكر الواقفين البوسنويين كما اقتصرت على ذكر النساخ والملاك البوسنويين من قبل ؛ لأن على جهودهم مدار البحث ؛ والله الموفق .
خامساً : حركة دمج المكتبات ونقل المخطوطات إلى المكتبات الكبرى في البوسنة:
... ألحت الحاجة على من عرف قدر التراث المكتوب من مسلمي البوسنة تحت الحكم الشيوعي الجائر على السعي الدؤوب لتجميع ما أمكن من المخطوطات والكتب النادرة من ملاكها الخواص ، و أماكن تواجدها في المساجد و الكتاتيب و التكايا و غيرها في مكتبات أكبر حجماً و أكثر عناية و تنظيماً ، و كانت هذه العملية تمثل المرحلة الأولى و الأهم على طريق حفظ التراث العلمي لمسلمي البوسنة و الهرسك .
ثم جاءت المرحلة الثانية متمثلة في إلحاق المكتبات الصغيرة التي كانت تنتشر في أنحاء البلاد بالمكتبة الأم و هي مكتبة الغازي خسروبيك في سراييفو .
و أشهر من سعى من أجل إنجاز هذه المهمة الشيخان الجليلان محمد الخانجي وقاسم دوبراجا رحمهما الله .(/62)
و بعد إنجاز المرحلة الثانية على أكمل وجه أصبح معظم التراث العلمي لأهل البوسنة محفوظاً في مكتبة الغازي بانتظار مرحلة ثالثة وأخيرة تعيد للمخطوطات قيمتها الحقيقية بعد ترميمها و ترتيبها و حفظها على حال تمكن رواد المكتبة من الإفادة منها على أفضل وجه و عسى أن لا يكون ذلك بعيداً .
و الذي يعنينا هنا هو الوقوف على أمثلة لحركة نقل الكتب إلى المكتبة الأم ، و هو نلحظه من خلال نظرة سريعة إلى ما نقل إلى هذه المكتبة من مخطوطات كانت قبل ذلك حبيسة مكتبات عامة أو خاصة أصغر حجماً و أقل شأناً و أضعف أمام عاديات الزمن التي كادت تأتي على ما تبقى في خزائنها من مخطوطات .
لذلك رأيت أن أسرد ما تم نقله من مخطوطات الحديث النبوي وعلومه من مكتبات البوسنة العامة و الخاصة إلى مكتبتها العامرة مكتبة الغازي خسروبيك في سراييفو ، و كانت حصيلتها كما يلي :
المخطوطات المنقولة من مكتبة قركوز محمد بيك في موستار :
النسخ الثانية عشرة و الثالثة عشرة و الرابعة عشرة من الجامع الصحيح للإمام البخاري
النسخة الثالثة من كتاب : الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري للكرماني
النسخ الحادية عشرة و الثالثة عشرة و الرابعة عشرة من كتاب : مصابيح السنة للإمام البغوي .
النسخة التاسعة من كتاب : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني .
النسخة السادسة من كتاب : نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني
و النسخة الوحيدة من كتاب : فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني .
النسخة السادسة من كتاب : نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، لابن حجر العسقلاني .
النسخة السادسة عشرة من كتاب : حدائق الأزهار بشرح مشارق الأنوار ، للأرزنجاني .
النسخة السادسة من كتاب : الجامع الصغير من حديث البشير النذير ، لجلال الدين السيوطي .
النسخة الثانية من كتاب : مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي .
النسخة الثانية من كتاب : تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار ، للبابرتي .
النسخة الثانية من كتاب : الكوكب المنير شرح الجامع الصغير ، للعلقمي .
النسختان الرابعة عشرة و الخامسة عشرة من كتاب : مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ، لابن الملك .
النسخة الرابعة من كتاب : شرح مصابيح السنة ، لابن الملك الرومي .
النسخة الثالثة من كتاب : رفع الخفاء عن ذات الشفاء ، للملا علي القاري.
النسخة الوحيدة من كتاب : الكاشف عن حقائق السنن ، للحسين الطيبي .
النسخة الرابعة من كتاب : بستان العارفين ، لأبي الليث السمرقندي .
النسخة الأولى من كتاب : المفاتيح في حل المصابيح ، لمظهر الدين الزيداني .
النسخة الرابعة من كتاب : جمع الوسائل في شرح الشمائل ، للملا علي القاري .
النسخة السابعة من كتاب : مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفوية ، للإمام الصغاني .
النسخة الأولى من كتاب : مجالس الأبرار و مسالك الأخيار ، لأحمد بن عبد القادر الأقحصاري .
النسخة الوحيدة من شرح مختصر صحيح مسلم ، لمؤلف مجهول .
النسخة الأولى من كتاب : تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار ، للبابرتي .
النسخة الخامسة من كتاب : شرح الأربعين البركويّة ، لمحمد بن مصطفى الآق كرماني.
النسخة الأولى من كتاب : حواشي نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، لإبراهيم المدني الكردي .
النسخة الوحيدة من كتاب : الجواهر البهيّة في شرح الأربعين النوويّة ، لوليّ الدين البكري .
النسخة الثانية من كتاب : رسالة في كلام خاتم الأنبياء و الخلفاء و الأولياء ، لمؤلّف مجهول .
النسخة الوحيدة من كتاب : الوابل الصيّب و رافع الكلم الطيب ، لابن قيّم الجوزيّة .
جزء فيه شرح حديث الحوض ، لمؤلف مجهول .
النسخة الوحيدة من كتاب : رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين ، للإمام النووي .
النسخة الأولى من كتاب : الكوكب المنير شرح الجامع الصغير ، للعلقمي ..
النسخة الوحيدة من كتاب : تحفة إخوان الصفا في اختصار كتاب الشفا ، لمؤلف مجهول .
النسخة الوحيدة من كتاب : حاشية الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، لشهاب الدين القسطلاني .
جزء فيه جملة من أحاديث الجهاد لمؤلف مجهول ، و هذا الجزء محفوظ حالياً في مكتبة الغازي خسرو بيك بسراييفو ، تحت رقم ( 3634,15/848 ) .
المخطوطات المنقولة من مكتبة شهري أفندي (الشهدية) في سراييفو :
النسخة الرابعة من الجامع الصحيح للإمام البخاري .
النسخة الثانية من كتاب : الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري ، للكرماني .
النسخة السادسة من كتاب : مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي.
النسخة الأولى من كتاب : مختصر الجامع الصغير ، لجلال الدين السيوطي .
النسخة الأولى من كتاب : جمع الوسائل في شرح الشمائل ، للملا علي القاري .
النسخة الثالثة من كتاب : شرح مصابيح السنة ، لابن الملك الرومي .
النسخة التاسعة من كتاب : الموضوعات الصغرى ، للملا علي القاري .(/63)