36- قال أبو جعفر البقال : دخلت على أحمد بن يحيى رحمه الله ، فرأيته يبكي بكاء كثيرا ما يكاد يتمالك نفسه !! فقلت له : أخبرني ما حالك؟!! فأراد أن يكتمني فلم أدعه ، فقال لي : فاتني حزبي البارحة !! ولا أحسب ذلك إلا لأمر أحدثته ، فعوقبت بمنع حزبي !!ثم أخذ يبكي !! فأشفقت عليه وأحببت أن أسهل عليه ، فقلت له : ما أعجب أمرك !! لم ترض عن الله تعالى في نومة نومك إياها ، حتى قعدت تبكي !! فقال لي : دع عنك هذا يا أبا جعفر !! فما احسب ذلك إلا من أمر أحدثته !! ثم غلب عليه البكاء !! فلما رأيته لا يقبل مني انصرفت وتركته .
37- عن أي غالب قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما ينزل علينا بمكة ، وكان يتهجد من الليل ، فقال لي ذات ليلة قبل الصبح : يا أبا غالب : ألا تقوم تصلي ولو تقرأ بثلث القرآن ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن قد دنا الصبح فكيف اقرأ بثلث القرآن ؟!! فقال إن سورة الإخلاص { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن .
38- كان أبو إسحاق السبيعي رحمه الله يقول : يا معشر الشباب جدوا واجتهدوا ، وبادروا قوتكم ، واغتنموا شبيبتكم قبل أن تعجزوا ،ـ فإنه قلّ ما مرّت عليّ ليلة إلا قرأت فيها بألف آية !!
39 - كان العبد الصالح عبد الواحد بن يزيد رحمه الله يقول لأهله في كل ليلة : يا أهل الدار انتبهوا !! ( أي من نومكم ) فما هذه ( أي الدنيا ) دار نوم ، عن قريب يأكلكم الدود !!
40- قال محمد بن يوسف : كان سفيان الثوري رحمه الله يقيمنا في الليل ويقول : قوموا يا شباب !! صلوا ما دمتم شبابا !! إذا لم تصلوا اليوم فمتى ؟!!
41- دخلت إحدى النساء على زوجة الإمام الأوزاعي رحمه الله فرأت تلك المرأه بللاً في موضع سجود الأوزاعي ، فقالت لزوجة الأوزاعي : ثكلتك أمك !! أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ ( أي مكان صلاته بالليل ) فقالت لها زوجة الأوزاعي : ويحك هذا يُصبح كل ليلة !! من أثر دموع الشيخ في سجوده .
42- قال : إبراهيم بن شماس كنت أرى أحمد بن حنبل رحمه الله يحي الليل وهو غلام .
43- قال أبو يزيد المعَّنى : كان سفيان الثوري رحمه الله إذا أصبح مدَّ رجليه إلى الحائط ورأسه إلى الأرض كي يرجع الدم إلى مكانه من قيام الليل !!
44- كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر .
45- رأى أحد الصالحين في منامه خياماً مضروبة فسأل : لمن هذه الخيام ؟!! فقيل هذه خيام المتهجدين بالقرآن !! فكان لا ينام الليل!!
46- كان شداد بن أوس رضي الله عنه إذا دخل على فراشه يتقلب عليه بمنزلة القمح في المقلاة على النار!! ويقول اللهم إن النار قد أذهبت عني النوم !! ثم يقوم يصلي إلى الفجر .
47- كان عامر بن عبد الله بن قيس رحمه الله إذا قام من الليل يصلي يقول : أبت عيناي أن تذوق طعم النوم مع ذكر النوم .
48- قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : إني لأستقبل الليل من أوله فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأُصبح وما قضيت نهمتي ( أي ما شبعت من القرآن والصلاة ) .
49- لما احتضر العبد الصالح أبو الشعثاء رحمه الله بكى فقيل له : ما يبكيك !! فقال : إني لم أشتفِ من قيام الليل !!
50- قال الفضيل بن عياض رحمه الله : كان يقال : من أخلاق الأنبياء والأصفياء الأخيار الطاهرة قلوبهم ، خلائق ثلاثة : الحلم والإنابة وحظ من قيام الليل .
51- كان ثابت البناني رحمه الله يصلي قائما حتى يتعب ، فإذا تعب صلى وهو جالس .
52- قال السري السقطي رحمه الله : رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل .
53- كان بعض الصالحين يقف على بعض الشباب العبّاد إذا وضع طعامهم، ويقول لهم : لا تأكلوا كثيرا ، فتشربوا كثيرا ، فتناموا كثيرا ، فتخسروا كثيرا !!
54- قال حسن بن صالح رحمه الله : إني أستحي من الله تعالى أن أنام تكلفا ( أي اضطجع على الفراش وليس بي نوم ) حتى يكون النوم هو الذي يصير عني ( أي هو الذي يغلبني ) ، فإذا أنا نمت ثم استيقظت ثم عدت نائما فلا أرقد الله عيني !!
55- كان العبد الصالح سليمان التميمي – رحمه الله – هو وابنه يدوران في الليل في المساجد ،فيصليان في هذا المسجد مرة ، وفي هذا المسجد مرة ، حتى يصبحا !!
وأخيراً أخي الحبيب قم ولو بركعة واختم بهذا الحديث قال صلى الله عليه وسلم { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كُتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داوود وصححه الألباني ] والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر .(/3)
ما بعد الجماعات
د. محمد العبدة 18/4/1426
26/05/2005
مدخل:
ليس هذا المقال دعوة لإلغاء الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة اليوم، ولا لتجاوزها إنكاراً لجهودها، ولكن للمحافظة على مكتسباتها والتقدم بها نحو بنية تحقق المزيد من العمل والمزيد من الأمل، التقدم نحو مرحلة تستطيع هذه الجماعات أن تجترح الحلول للمشكلات القائمة، وأن تتجدد في الأهداف المرحلية ومعرفة الواقع (1).
القضية اليوم ليست قضية جماعات، وإنما قضية أمة لم يعد لها كلمة مسموعة، وليس لها ثقل سياسي تفرضه على الآخرين، ولا نتكلم هنا عن الغايات والنوايا(ونرجو أن تكون سليمة) ولكن نتكلم عن الوسائل والمراحل والنظر إلى المستجدات والتحديات، والتجديد في الفكر والهيكلية. إن وجود تجمعات وجمعيات داخل جسم الأمة الإسلامية ليس أمراً غريباً أومستحدثاً، بل قد يكون واجباً في بعض الظروف، وذلك عندما تحدث تحوّلات كبرى وتُقام دول وتسقط أخرى. وأصل وجود مثل هذه التجمعات شيء مطلوب داخل المجتمع، قال تعالى : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران:104] وقال تعالى: ( وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف:159] والتعاون على البر والتقوى مأمورٌ به شرعاً.
وتكون التجمعات أحياناً من الأمور الفطرية، فكما أن في الإنسان غريزة حفظ الذات، فكذلك عنده غريزة حب التجمع وحب الانتماء والشعور الجماعي في حدود الأسرة أو القبيلة أو الحزب ... الخ. ومن هنا جاء تأسيس الجمعيات والجماعات بعد سقوط الدولة العثمانية، وبعد تقسيم العالم العربي وفقدان المرجعية السياسية، ومحاولات التشويه والتغريب الذي تعرّض لها المسلمون عن طريق الاستشراق والتبشير والمدارس الأجنبية، فكان رد الفعل تأسيس الجماعات دفعاً لهذا البلاء النازل، وفوائد الجمعيات كثيرة جداً، خاصةً عندما يتسنى لها الثبات على مشروعها مدة طويلة مما لايفي به عمر الفرد. وقد وُجد في المجتمع الإسلامي زمن الدولة العباسية والدولة العثمانية تجمعات كانت تساعد المستضعفين في المدن، وكانوا يسمون في بغداد بـ(الفتوة) وفي دمشق بـ(الأحداث)، هذا عدا عن وجود التجمعات المهنية؛ إذ يكون لكل مهنة رئيس يشرف على أفرادها ويفض الخصومات فيما بينهم ويعلم المنتسبين الجدد. يقول ابن تيمية -رحمه الله- عن التجمعات وشرعيتها (فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يُقال له: هو زعيم، فإن كان قد تكفل بخير كان محموداً على ذلك، وإن كان شراً كان مذموماً على ذلك، وإن كان أهل الحزب مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير زيادة أو نقصان فهم مؤمنون لهم مالهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا ونقصوا، مثل التعصب لمن دخل حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمّن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم)(2) .
واقع الجماعات والاخطاء التي وقعت فيها :
لاشك أن الجماعات- وخاصةً الكبرى منها المعروفة- قد أدت دوراً إيجابياً قلَّ أو كثر، وأوجدت مناخاً إسلامياً عامَّاً، وأوجدت -بفضل الله- أجيالاً من الشباب المسلم يتفهمون الإسلام، ويعملون من أجله، ويستعدون للتضحية في سبيله، هذا مما لا خلاف فيه، وليس حديثنا اليوم عن الإيجابيات فهي معروفة.
سارت هذه الجماعات في طرق ودروبٍ طويلة وشائكة، أصابت وأخطات، ونشأت من خلال الأحداث محاولات للمعالجة ولكنها كانت جزئية ومحدودة الأثر، كان لكل جماعة من هذه الجماعات منهجه ورؤيته للأحداث، وتظهر مدى اقترابه أو ابتعاده عن الثوابت والأصول، وكان لكل جماعة أهداف مرحلية قد تكون حققت بعضها وأخفقت في البعض الآخر، ولكن عندما انتهت هذه الأهداف وجدت نفسها أمام جدار مسدود، ومع الزمن أُصيبت بالجمود والتكلّس والتصلّب وخاصة في الهيكلية التي هي من معوّقات الانتقال إلى مرحلة أفضل وأقوى. لقد تغيّرت الظروف، وسقطت إمبراطوريات ودول، وجاءت ثورة المعلومات، وجاءت (العولمة) سيئة الذكر وكبرت التحديات، ولكن طرائق وأساليب الجماعات في التربية والإعداد والنظرة إلى الحاضر والمستقبل لم تتغير كثيراً.
هناك مبررات تستدعي هذا الانتقال والتحوّل، مبررات من داخل الجماعات، هناك أخطاء وأمراض مزمنة لا فكاك منها إلا بالانتقال إلى حال أخرى، ومن هذه الأخطاء:
1-الحزبية:(/1)
إنني أعتقد أن طريقة تأسيس الجماعات والهيكلية التي بُنيت عليها (وكانت في زمن وظروف معينة)، هذه الطريقة تحمل في داخلها جراثيم الحزبية، سواء قلّت أو كثرت؛ لأن الجماعة عندما انفصلت عن جسم الأمة، ولم تحاول بعدئذٍ تجديد نفسها والارتباط بجمهور الأمة مرة ثانية، وإقامة المؤسسات الفكرية والعلمية لاستيعاب القدرات والأذكياء، فلابد أن ينشأ مرض الحزبية، وهو مرض عضال، أضر كثيراً بالجماعات الإسلامية وفرقها وأضعفها؛ لأن الفرد عندما يكون داخل مجموعة صغيرة، ويُقال له: منهجنا هو الأصوب، فسيكون إنساناً منغلقاً متعصباً لجماعته، لا يقبل بسهولة ما عند الآخرين، والطريقة الحزبية تكون دائماً لاهثة وراء كسب الناس، فإن لم ينصتوا إليها تقوقعت على نفسها واتهمت الآخرين. وفي الطريقة الحزبية يقفز أنصاف المتعلمين ليبعدوا المؤسسين الأوائل، ويتظاهرون بالحماس الزائد للوصول إلى المناصب، وقد يكون خارج هذه الحلقات الضيقة من هو أكثر تقًى وعلماً، ولكن لأنه لم يلتزم بالجماعة فلا يُستفاد منه، ويضغط المتعالمون الذين يظنون أن بانتسابهم إلى الجماعة وتغنيهم بشعاراتها وقراءة كتبها يرتفعون إلى درجة الفكر والمفكرين (ومن ملاحظات علوم الإدارة في الشركات التي فقدت المرونة أن الابتكارات تأتي غالباً من أشخاص لا يعملون في الشركة أو من أولئك الذين تعدّهم الشركة غير منضبطين بأنظمتها) (3).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ليس لأحد أن يعلق الحمد والذم، والحب والبغض، بغير الأسماء التي علق الله بها ذلك، فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان، والذي يبني محبته وبغضه ومعاداته ونصرته على الانتساب لأسماء معينة أو مذهب معين أو جماعة أو حرفة فهذا من أمور الجاهلية المفرقة بين الأمة)(4) .
2- القيادة:
ربما لا يشك أحد بأن هناك مشكلة في القيادة، وربما يتذكر الدعاة والقراء شعار مجلة الفتح لصاحبها محب الدين الخطيب رحمه الله (المسلمون إلى خير ولكن المشكلة في القيادة) فما جذور هذه المشكلة التي تظهر خاصةً عندما يذهب المؤسس الأول أو عندما يغيب عالم كبير؟. إن غياب الممارسة الحقيقية للشورى، وغياب الممارسة العملية للإدارة والقيادة من قبل الصف الثاني، وعدم التأسيس لهذا الجيل هو أحد هذه الأسباب، فالقيادة ليست موهبة فقط، بل يمكن أن تأتي بالتعليم والممارسة مع وجود العناصر الأخرى الضرورية. ومن الأسباب أن المجتمعات الإسلامية -وبسبب تخلفها الحضاري- لا تزال تحلم بالرجل الأوحد والبطل الملهم الذي تتركز كل الأمور بيده، ويُطلب منه أن يحل كل المشاكل، فمثل هذا الشخص ـ إن وجد ـ وأرضى غرور الناس، ولكنه لا يستطيع في الواقع أن يقوم بشيء كبير.
إن القيادة عندما تتحمل الأعباء الكثيرة، ولا يتهيأ لها العوامل المساعدة من الأفكاروالأشياء، فربما تسير مرحلة وفترة معينة يكون فيها نشاط، وفيها عمل وإنتاج، ولكنها ستتوقف بعدئذ ثم ينكفئ العاملون على أنفسهم، وتتحول الاهتمامات إلى شؤون أكاديمية بحتة.
والملاحظ أنه لا يوجد في البرامج التربوية شيء من المقارنة والنقد، ولا توجد هذه الصلة العميقة بين القيادة والأجيال الجديدة، ومن المؤسف أن تجري الأمور على الشكل التالي:
الذي يتقرب من المسؤول أو على الأقل يسكت، فهو المرضي عنه ويصعد إلى أعلى المسؤوليات، وأما الذي يناقش ويسأل فهو(مشاغب) غير منضبط، ولا يفهم السرية والعمل الحركي ويجب أن يُفصل!!
ومن التأملات العميقة في طبيعة الاجتماع الإنساني لمؤرخنا الكبير ابن خلدون، أن بعض الدول بعد أن يستقر بها الحال تبدأ بإبعاد من شاركوا وساهموا في التأسيس حتى لا يكون لهم منَّة ودالَّة على الدولة، وتأتي بأناس بعيدين لا حول لهم ولا طول، ينفذون ما تريده الدولة، وبعض الجماعات تفعل مثل هذا.
إن بعض القيادات لا يحبون الظهور العلني، ولكنهم يريدون التحكم في الدعوة من وراء ستار، فيضعون واجهة ضعيفة هي القيادة في الظاهر وأمام أعين الناس، وهكذا تفعل بعض الطغم العسكرية في البلاد المتخلفة.
وفي كثير من الأحيان كان المعيار في تفوق فلان ليكون قائداً وزعيماً (مدى الحياة) هو تفوقه في الخطابة، وعندما تكون الأمة في حالة تخلّف فإنها تسحرها الكلمة الخلابة والصوت العالي.
3-المنهج:
لم تستطع الجماعات الإسلامية تطوير مدرسة تربوية واعية بتحديات العصر ومشكلات الواقع، قادرة على إنزال (آيات الكتاب) على الواقع القائم، ولم تبلور مشروعاً نهضوياً متكاملاً، وما قامت به من دروس علمية وتربية خاصة لإيجاد الشباب الصالح، فهذا شيء لا ينكر بل يشكر، وهو عمل جيد، ولكنه لا يكفي لمشروع كبير، وبعض الجماعات التزمت بالعموميات في المنهج العلمي والعقدي حرصاً على تجميع أكبر عدد من الأنصار، سواء كانت أفكارهم صحيحة أم فيها انحراف عن المنهج القويم.(/2)
وبسبب الاضطراب وعدم الوضوح في المنهج، دخل البعض في معارك سياسية قبل أوانها، وكانت نتائجها وخيمة، وكانت ردة الفعل إما الابتعاد كلياً عن الشؤون العامة أو الدخول بفكر وعقل ذرائعي ليس له حدود ولا ضوابط. ومازال العمل الإسلامي ومؤسساته يسيرون على نظرية (إذا صلح الفرد صلحت الأمة) وهي مقولة تُذكر وكأنها بديهية من البديهيات، وظاهرها صحيح ولكن فيها تبسيط لقضية كبيرة. وكانت نتيجة هذه النظرية أن وجد عدد غير قليل من الأفراد الصالحين، ولكن ليس لديهم فقه (بناء الأمم) فالبناء المرصوص ليس حجارة، وإنما هو حجارة مصقولة مشدودة بالإسمنت والحديد، وحسب قوانين هندسية تتعلق بعمق الأساس وسمك الجدار... وهناك عوائق ومؤثرات ثقافية واجتماعية تعيق الفرد إذا لم يوضع ضمن مشروع متكامل.
ومن الاضطراب في المنهج رفع الشعارات الكبيرة التي يصعب تحقيقها في الواقع وتحول الوسائل إلى غايات، فالجماعة بنظمها ومؤسساتها هي وسيلة للعطاء، وخميرة للنهوض، ولكن هذه النظم تحوّلت إلى غاية يجب الحفاظ عليها ولو بالانغلاق عن الأمة، وعدم الاستفادة مما عند الآخرين، فكل شيء يجب أن يقبل باسم (التنظيم) والمصلحة. مع أن حفظ الدين والعقيدة أهم من حفظ الجماعة وحفظ النفس والمال، والدليل قصة موسى عليه السلام حين قال لأخيه هارون: (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) ولما رجع موسى عليه السلام وجد قومه يعبدون العجل، فقال مخاطباً هارون عليه السلام: (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ، أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ؟ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) [طه: 92-94].
قال الشيخ الطاهر بن عاشور: (هذا اجتهاد من هارون في سياسة الأمة؛ إذ تعارضت عنده مصلحتان: مصلحة حفظ العقيدة ومصلحة حفظ الجماعة من الهرج، وحفظ الأنفس والأموال فرجح الثانية، وكان اجتهاده مرجوحاً، لأن حفظ الأصل الأصيل للشريعة أهم من حفظ الأصول المتفرعة، لأن مصلحة صلاح الاعتقاد هي أم المصالح التي بها صلاح الاجتماع.....) (5).
ومن الاضطراب في المنهج أو النقص فيه، ما يُلاحظ من معالجة أعراض المرض وعدم معالجة جذوره، فالوعظ والإرشاد يتجه دائماً إلى مشاكل سطحية تظهر في تصرفات أفراد المجتمع، ولكن لا يُنظر إلى الأسباب العميقة التي أوصلت المجتمع إلى هذه المشاكل أوهذا التفلت الأخلاقي.
بعض التجمعات الإسلامية الصغيرة تمثل حالة اغتراب وانسحاب من الواقع ربما لأن المجتمعات الإسلامية مصابة بحالة (الشح) العلمي أو الخيري.
4-التجدد:
من أخطر الأمور التي تواجه المجتمعات أو الجماعات أن يسيطر الجمود الذهني عليها؛ فلا تعود هذه الجماعات عندها القابلية للتجدد والتحسين، عندها تسيطر مقولات وقوالب لا تناسب الواقع، أوتسيطر عادات وتقاليد يصعب تركها. والنهوض الحضاري لا بد له من قدرة على تحقيق التوازن بين الثوابت والمتغيرات، وإلا فقدت الجماعة المرونة والحيوية. أعرف أناساً يردّدون كلام مؤسسي الدعوة أو بعض المفكرين الذين عاشوا قبل عقود من الزمن، وكأن كلامهم منزل، ويبدو من حال هذا الذي يردّد كلامهم أنه لم يقرأ شيئاً جديداً منذ عشرين سنة، ولم يطلع على فكرٍ أوعلم، ولم يوسّع من ثقافته أو يمارس عملية الانفصال والاتصال، الانفصال عن مفاهيم وأشكال وأطر وتنظيمات عفا عليها الزمن، واتصال بالثوابت والعلم والمستجدات وكيفية بناء الأمم. فهناك تحديات كبيرة لا ينفع معها اللجوء إلى النظم والهياكل التي لا تصلح للعمل من خلالها. وهذا لا يعني أنه لم يقع تجديد أبداً، بل كانت محاولات ولكنها جزئية، ولم تستطع التجدد المتكامل، ولذلك نرى ونسمع بين كل فترةٍ وأخرى انسحاب مفكر أو مثقف من الجماعة الفلانية لأن طبيعة تكوينها ونظمها لا تساعد في ـ الغالب ـ على استيعاب أهل الفكر والعلم، ولا تساعد على تهيئة كل الأجواء المناسبة لأداء دورهم، وهكذا تخسر الجماعات صفوة المجتمع. ومن العجيب أن بعض هذه الجماعات تستمر في التعيّش على سمعة هؤلاء المفكرين أو العلماء، وفي الوقت نفسه تحذر أعضاءها من أفكارهم وقراءة كتبهم!
ربما كان استمرار بعض هذه الجماعات يعود إلى أنها تسير بالدفعة الأولى، فعندما يكون المؤسس قوياً ومخلصاً يعطي العمل دفعة قوية، ولكنها مع الأيام تضعف وتهرم بسبب عدم التجدد.
إن تطلعات المسلمين وحركة التاريخ لا تنتظر أمثال هؤلاء (المحنطين) الذين يعيشون على أمجاد فتراتٍ معينة من الزمن الماضي.
5-عندما تكون النتائج ضعيفة(/3)
رغم الجهود الكبيرة التي بُذلت وتُبذل خلال عقود من الزمن، فلا بد أن في الأمر شيئاً، لابد من وجود خلل ما في الوسائل أو المراحل، وأما مقولة نحن عملنا وليس من الضروري أن تقع النتائج، فهذه حيلةٌ نفسية لإرضاء الذات، لأن الله سبحانه وتعالى وعد بالنصر والتمكين للذين ينصرونه، وربما يؤجل هذا النصر لأسباب، وربما تكون هزائم وانتصارات، أما ألاّ يكون هناك انتصارات، فهذا يحتاج إلى مراجعة شاملة وصريحة، للمنهج وطرق التربية، ومراجعة شاملة لصدق النوايا وأعمال القلوب والأخلاق المطلوبة.
ماذا نريد؟!
بعد هذا الجمود أو الفتور الذي نلحظه، وشعور الجميع بأنه لا أحد يستطيع وحده أن يقوم بالمهمة الكبرى، ألا يجب أن ننتقل إلى مرحلة أقوى وأكبر؟ مرحلة تُزال فيها هذه السدود التي صُنعت، وهذه الجدران العالية التي بُنيت، ويتحول العمل الإسلامي إلى تيار يعتمد على مؤسسات ذات خبرة فقهية وثقافية وسياسية واقتصادية. يشارك هذا التيار في صنع الأحداث، حتى لا يُنظر إلى المسلمين على أنهم من المستضعفين الذين تفكر كل جهة حاقدة في تحجيمهم وضربهم.
لماذا لا يتحول العمل الإسلامي إلى تيارشعبي، الكل يحمل هم الإسلام، حتى لا تبقى الدولة جسماً منفصلاً عن الأمة، جسماً يشعر الفرد ازاءها وكأنه ذرة رمل تطحنها آلة جبارة؟!
إن العلاقة بين الجماعة والأمة هي كالعلاقة بين الشجرة والتربة، وانقطاع الصلة بينهما سيكون من بعده اليبوسة، قلت لأحد الأخوة وكان يكلمني عن ضعف الموارد المالية عند الجماعات، قلت له: عندنا ثروة بشرية. لماذا لا نسخرها في سبيل الأهداف السامية التي نحملها؟ عندنا شباب ذكي متعلم، أينما توجهه يأت بخير. لماذا لا ندفع هؤلاء الشباب لخوض معركة الحياة ؟ معركة الحق والباطل، ففي هذا العصر الذي تطرح فيه مسالة (العولمة)، لا بد أن تكون المبادرات كبيرة وغير مبعثرة. يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: "إن رجل الشعب يمارس الأفكار بقلبه وعقله معاً، بينما لا يقرأ (المثقف) عندنا إلا بعقله، فرجل الشعب يتمتع بالبداهة الصادقة" (6). ويلاحظ أحد المفكرين أن "الجماعات عاملت المجتمع الإسلامي على أنه متلقٍ للخطاب النهضوي، ولم يُعامل على أنه يمكن أن يكون فاعلاً في التعبئة لذلك الخطاب.."(7). ويرى الشيخ طاهر الجزائري "أنه لا بد من تثقيف (العامة)؛ لأنهم برأيه أطوع للحق من كثير من المنتفعين بالدين، خاصةً إذا تتبع المصلح الحكمة في دعوتهم وأعطاهم من العلم ما تطيقه عقولهم.
عندما يعطي تصرف الجماعة انطباعاً بأنها هي المسؤولة عن الإسلام، فهذا يجعل بقية المسلمين يركنون إلى شيءٍ من الراحة والكسل وعدم تحمل المسؤولية، ومن الأمور التي تساعد على تشكيل هذا التيار العريض:
1- الاهتمام بالجمعيات والمؤسسات المدنية بشتى أنواعها سواء أكانت خيرية أو علمية أو اجتماعية أو اقتصادية، فهذه كلها قوى للوطن وللأمة ومنابع حياة لها.
2- الاستفادة من الكيان القبلي كمؤسسة اجتماعية فطرية: والإسلام كما هو معلوم، لم يحطّم التنظيم القبلي، بل رشَّده ودمجه في نطاق الأمة، وطهّره من المفاهيم الجاهلية. (والجماعات الإسلامية لم تستفد من هذا الكيان، ربما للشعارات الكبيرة التي رفعتها (الوحدة الإسلامية..) أو كرد فعل على الدعوات القومية) (8).
3- جمعيات العلماء:
وهم أهل العلم والخبرة الذين ينظرون في مصالح المسلمين ويصدرون عن تشاور، وهم يجتهدون في النوازل المعاصرة، حتى لا تتحول الاجتهادات الفردية إلى فوضى علمية، فالخلافات بين أولي الألباب مهما اشتدت تظل محكومة بأخلاق أهل العلم وتسامحهم بينما نجد في العقلية الحزبية إذا ما حصل خلاف فإن الكبار يوجهون الصغار لممارسة أبشع ألوان الأذى والضرر للخصوم، مع تتبع العورات، وتفجر المؤامرات داخل الجماعة الواحدة. لا بد للمسلمين من هيئة تنظر في أمورهم، مع علمنا أنه ليس أحدٌ بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من يدّعي له العصمة، ولكن في عمل المؤسسة يحصل النقاش وتبادل الآراء، وفي النظام الحزبي لا أحد يناقش أفكار الزعيم، والقرآن الكريم يوجه لهذه المكانة لهؤلاء: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ((122) . والأمة إذا فقدت قيادتها الربانية فإنها تتعرض لشياطين الإنس ليجتالوها عن عقيدتها وهويتها، وإذا كان لا بد من تكامل بين أهل العلم وأهل الثروة، فالقيادة يجب أن تكون لأهل العلم.
4- الاهتمام بالثروة البشرية: وخاصة (أولي الألباب) والاذكياء من الشباب الذين يطورون النظريات التربوية، ويقودون المؤسسات، وهكذا كان جيل الصحابة، الذين أكرم الله بهم نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقد كانوا أذكياء نابهين عقلاء، فلما جاء الاسلام كانوا كما قال تعالى: (نورٌ على نور) .
________________________________________(/4)
1- حدثني أحد الأخوة الثقات أن أحد شيوخ هذه الجماعات طلب من القيادة اجتماعاً لبحث مشكلة كانت قد انتهت وانتهى أصحابها، فقال له شاب : يا شيخ كأنك لم تقرأ في القرآن قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الجن ؟
2 - الرسائل والمسائل 1/161
3 - بشير شكيب الجابري : القيادة والتغيير /53
4 - الفتاوى، مجمل اعتقاد السلف 3/342.
5 -انظر: أحمد الريسوني (نظرية التقريب والتغليب) /381 .
6 - في مهب المعركة /187 .
7 - عبد المجيد النجار: عوامل الشهود الحضاري 2/287 .
8 - المصدر السابق 2/287.(/5)
ما حكم تأجير جزء من المسجد؟
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ المعاملات/الإجارة والجعالة
التاريخ ... 15/12/1422
السؤال
في ألبانيا لدينا مسجد اشترى أحد المحسنين من السعودية أرضاً بجانبه، وأدخلها في أرض المسجد، والآن الإمام يرغب أن يفتح في جزء منه محلاً ويؤجره على أحد الإخوة الذين لا يبيعون أشياء محرمة، ويستفيدون من الإيجار في إصلاحات، أو نظافة المسجد، وغير ذلك، فهل هذا العمل جائز ؟
الجواب
إذا كان ذلك الجزء الذي بجانب المسجد لا يحتاج إليه المصلون في الجمع والأعياد والمناسبات الإسلامية فلا بأس بتأجيره متجراً يصرف ريعه على المسجد في فرشه ونظافته وصيانته وكل ما يحتاجه، ويشترط أن لا يباع فيه شيء من المحرمات الشرعية، وينبغي أن يسجل هذا ويقيد بدائرة يعتاد تسجيل الأوقاف فيها عادة كالأوقاف، أو البلدية، أو الجمعية والمركز الإسلامي .
وعليه فإن فعل الإمام والحالة هذه جائز شرعاً ومأجور عليه – إن شاء الله -(/1)
ما خاب من استشار
30/7/1426
أ. د .ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ننتقل لمشهد آخر من مشاهد قصة يوسف _عليه السلام_، ونقف مع قوله _تعالى_: "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً". كلمة استيأسوا تدل على أن مواقف يوسف _عليه السلام_ كانت مواقف حازمة. هذا النبي، هذا العزيز، هذا الكريم الرقيق اللطيف، لا يفرط في جنب الله أبداً. بهذا تُملك القلوب.
"خَلَصُوا نَجِيّاً" وهذا دليل على أن النجوى مشروعة إذا كانت لمصلحة ولا تضر بالصالح العام . تناجوا لينظروا ما هم فاعلون. فتحدث كبيرهم، وهو أكبرهم سناً أو رئيسهم أو أعقلهم، وربما يكون هو الذي قال لهم من قبل: "لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ" (يوسف: من الآية10)، كل هذا محتمل، وقد يكون فعلاً هو أكبرهم سناً وأعقلهم وهو رئيسهم، ويجوز أن يكون المقصود بكبيرهم أنه صاحب الأمر والنهي فيهم، وهو الأقرب، المهم أن له شأناً، وكلمته مسموعة ورأيه مسدد، وقبل أن نقول: ماذا قال نقف مع فائدة وهي أهمية التشاور.
الشورى سبب من أسباب السداد، ولذلك قال الشاعر:
شاور سواك إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنت من أهل المشورات
سليمان _عليه السلام_ يسمع من نملة، ومن هدهد. هدهد يقول لسليمان الذي جمع الله له بين الملك والنبوة:"أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ" (النمل: من الآية22)، هل قطع سليمان رأسه؟ لا، وإنما قال: أثبت، أعطني برهاناً على ما تقول، وإلا ستعاقب، فالمسألة ليس دعوى لكنه لم يردّه ابتداءً، فما الذي حدث؟ ثبت أن ما قاله الهدهد صحيح، فعلاً ثبت أنه أحاط بما لم يحط به سليمان _عليه السلام_، ووجد مملكة لم يعلمها سليمان، فلما أخذ سليمان _عليه السلام_ برأي الهدهد كان سبباً .
لنجاة مملكة ولدخولها في دين الله، وفي ملك سليمان "وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (النمل: من الآية44).
بلقيس ملكة سبأ لما جاءتها رسالة سليمان وهي كافرة في ذلك الوقت وأسلمت بعد ذلك كما في سورة النمل، ماذا فعلت؟ هل استبدت بالرأي مع أنها كافرة؟ كلا، بل "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ" (النمل:32) فهي وإن لم تأخذ برأيهم لكنها تشاورت معهم، فسلمت مملكتها، بل أعظم من ذلك دخلت في دين الله، وأسلمت "مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (النمل: من الآية44).
الله _جل وعلا_ يقول لمحمد – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي لا يتصرف إلا بوحي؛ يقول له: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر" (آل عمران: من الآية159)، ويقول: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" (الشورى: من الآية38).
وإخوة يوسف _عليه السلام_ كأن الشورى سجية بينهم وطبيعة حتى أصبحوا يألفونها في كل شيء. تشاوروا عندما أرادوا أن يأخذوا يوسف، وتشاوروا في قصة بنيامين، بل حتى قريش كانت تفعل ذلك في دار الندوة.
فما بال بعض الدعاة يتجافون عن هذا الأمر؟ ما بال كثير من الحكام لا يمارسون الشورى الحقيقية؟ نعم كل البلاد الإسلامية فيها برلمانات، ومجلس أمة ومجلس شعب ومجلس شورى، لكن هل تمارس الشورى الحقيقية؟ الحكام وأعضاء مجالس الشعب يعرفون قبل غيرهم هل تمارس الشورى الحقيقية أم لا؟ نخلص من هذا إلى أن الشورى من سير العقلاء سواء كانوا من المسلمين أو من الكفار؛ لأن الشورى توصل إلى الحقائق.
عقلية فرعون "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر: من الآية29) أدت إلى هلاك فرعون، ودمار ملكه، وبعده عن الهدي النبوي والشريعة الإلهية .عدم قبول الرأي الآخر _أنا لا أقصد بالرأي الآخر الرأي المخالف للشرع كما يستخدم الآن_ ربما كان سبباً في الهلاك، فالذين يرفضون الشورى يسيئون إلى أنفسهم وإلى أهلهم وإلى بلادهم.
مارسوا الشورى يا أحبتي في بيوتكم، لا تتصوروا أن الشورى لا تمارس إلا على مستوى الحكام أو على مستوى الدول أو الوزارات، بل حتى في بيتك شاور زوجك وأبناءك، اسمع من غيرك فإن وجدت خيراً فالتزمه ، وإن لم تجد فالأمر بيدك.
نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(/1)
ما خلف كواليس.. أكاديمية إبليس..!!
ندى عبد العزيز محمد اليوسفي
عادَت وكانت مختفية ثلاثة أيام، أخذت تتحدث بانتشاء عن رحلتها، وحضورها العرض الأخير لشيطان أكاديمي، تحدثت عن كيف جُهّزَ الأستوديو للتصوير، وكيف أُجلِسوا، وماذا لبست، وغير ذلك مما دار خلف الكواليس و خفي على صديقاتها متابعات أكاديمية إبليس..!!!!
وبين ارتفاع الأصوات بعبارات التهنئة على هذا الشرف الذي نالته، وليس بعده شرف، كان ذلك الاستقبال الأسطوري، للبطل الصنديد، والمجاهد الرعديد، في صالة التشريفات، وبمائة ألف أو يزيدون، بالأحضان والورود والدموع، ويهتف الأب بفرح: (أحمد الله فقد مثَّلَ ابني بلدهُ خير تمثيل)..!!!!، ويقول البطل بسعادة: (أحمد الله فقد كفّيت و وفّيت)..!!!!
أُتابِع هذه المواقف وأقرأ عن ذلك الاستقبال الأسطوري؛ وصوتُ الرّائي ينخر أُذني، لم يتنبّه إليه أحد وسط ضجّة الاستقبال والاحتفال، يتلو نشرة الأخبار، يعلن أن الأمة تُذبح من الوريد إلى الوريد، ويقرأ بياناً تلو بيان عن منازل تهدّم، ودماءٍ تسيل، ومُقْعَدٍ يُذبَح، وعقولٍ تُوأَد، وعِفّةٍ تُنحَر..!!!!
انتهى البرنامج كما انتهى سابقه سيء الذكر، سوبر شيطان، ونصّب كما نصّب ومازال ينصّب غيره؛ أبطال الأمة وشجعانها، من صمدوا و جاهدوا وصبروا على كل ما لاقوا، من أول التصفيات حتى النهائي، بكل بسالة، ووقفت الجماهير العربية والمسلمة خلفهم، تعاضدهم برسائل الجوال، والاتصالات، وأعمدة الصحف، والإعلانات، والدموع، بل والدعاء..!!!!
لم يمر على الأمة الإسلامية زمانٌ كهذا الزمان، ولا فتنٌ كهذه الفتن، ولا محنٌ ومصائب كالتي نرى ونسمع، اشتدّت عليها الهجمة، وأغار عليها العدو، واستوطن بقاعها، برّاً وجوّاً وبحراً بل وقلباً وفكراً..!!!!
ظلماتٌ بعضها فوق بعض، كلما انقضت طامة من الطوام جاء ما هو أشد منها ألماً و خطراً وانفتاحاً وتحرراً وتغريباً وتمييعاً للدين..!!!!
الإعلام، أداة العدو المتربّص، الأداة التي فُعّلَت واستُخدمَت للنفوذ للأقطار التي لم يَتَسنّى احتلالها عسكرياً للآن، إعلام وُجّه أصلاً لإعدام شباب هذه الملّة، بعد أن فشلت كل الطرق؛ احتلوا العقول والعيون والقلوب والألسن احتلالاً أعظم من ألف ألف احتلالٍ عسكري، وأكثر عملاً و تدميراً وإيلاماً، والله المستعان..!!!!
الإعلام، أصبح أخبث ما يكون، يتابع بدقّة أدقّ الدقائق في حياة أقل القوم وأوضعهم في ميزان الأخلاق والعطاء، تُضخَّم صورهم وأخبارهم وخلافاتهم وانجازاتهم وحتى أفضل مآكلهم و مشاربهم، يصوّرون على أنهم الصورة المثالية للحياةِ النموذجية..!!!!
الإعلام، أخذ بكل خُبث ينظّم الحوارات والبرامج المصفوفة والمزينة والمنقوشة بكل دعوى إلى الخروج على المجتمع و أعرافه البائدة، وكأن الدين عُرفٌ أكل عليه الدهر وشرب، وتراث مكانه المعارض والمهرجانات وقصص الجدّات..!!!!
وإن لم يكن هذا ولا ذاك، فأخبث ما صنع على الإطلاق، رفع أهل البدعة، وتقديمهم للجمهور، على أنهم الرحمة المهداة، وأصحاب المنهَج الحق، ونشر خزعبلاتهم وعرض طوامهم ومشادّاتهم..!!!!
تعذّر من تعذّر أن متابعة الأخبار، والأحداث أولاً بأول، هي ما تلتَفِت إليه أنفسهم، وأنهم لا يولون اهتماماً بما عدى ذلك، وما رأيتُ حجّة أعجب من هذه، فهل نحنُ صنّاع قرار حتى تحمل النفس همَّ متابعة الخبر لحظة بلحظة..؟!!، وهل نملك أن نغيّر من الحال شيء؟!!، وهل ملك صنّاع القرار أنفسهم تغيير شيء..؟!!، وكيف تحتمل النفس مشاهدة مناظر القهر والإبادة ليل نهار..؟!!، وكيف يهنأ لها نومٌ وعيش مع ضعف الحيلة وتقطّع الأسباب دون الوسيلة..؟!!
أما الفتاة فهل تتابع الأخبار..؟!!، أم آخر التحليلات السياسية..؟!!، أم في أحسن الأحوال تتابع برنامجاً عن الإعجاز العلمي و خفايا الطب..؟!!!!، إنها تتسمّر أمام 500 قناة في غرفة مغلقة، تتقلب بين هذه القمامة وتلك، تراقب تمايل هذه، وتقبيل ذاك، وتراقُص تلك..!!!!، ويمضي بها الوقت، وتحتار ماذا تصنع بهذه النفس، تخرج إلى الأسواق وتغوص في بحار النت، تبحث عن قشة تتعلق بها، تُنَفِّس عمّا في النّفس..!!!!
لست ألوم العدو المتربّص، ولا أمتدح ذكاؤه ومعرفته من أين تُؤكَل الكتف؛ وإنما ألوم من جعل من نفسهم إناءً بل قمامة تستقبل كلما هبّ ودب، ألوم من جلب هذا البلاء لنفسه وداره، ويستصرخ اليوم: وااااامُنقِذاه..!!!!
قبل سنوات كان أئمة المساجد والعلماء يستصرخون، ينادون، يحذرون، من هذه الأطباق الفضائية، ولاقت الدعوى حينها تسفيهاً من البعض واستخفافا، واليوم هم من يدفع الثمن بشهادتهم، فأطفال الأمس، أصبحوا كباراً اليوم، و ضاعت القيم، وتثبطت الهمم، وشُغِلَ فراغُهم بالعفن و مُلِئَت بطونهم من النّهَم..!!!!(/1)
لن يغفر الجيل الجديد أبداً لمن عطّل قدراته، وشغل تفكيره، وأضاع أوقاته، ولكن عندما يستيقظ من سكرته ويتنبّه لحاضره ويعرف عدوّه..!!!!، وحتى ذلك الحين فبين بعض أبناء الأمة والوعي بالعدو الفضائي مسافات، خاصة مع تخفّيه، وتكلمه بألسنتنا ودعمه مادياً ومعنوياً من قِبَلِ بعض بني جلدتنا، وإلباسه الباطل النّتِن لباس الحقّ الفاتن..!!!!
ولن ينفع مع هذه الأداة الإعلامية القوية، والتي سخرت كل شيء لخدمة أهدافها، وإعادة صياغة جيل أمة الإسلام بشكلٍ يَسهُل معه استيطان عقولهم وأفئدتهم قبل أراضيهم؛ إلا أداة إعلامية قوية أخرى موجّهة ومضادّة لهذه الهجمة الشرسة، تكتسحهم اكتساحاً، وتبعثر أوراقهم، وتكشف خططهم، وتفضح عداءهم..!!!!
لكن للأسف، وبما أننا أمة صادق القول، وعظيم الفعل، فما إن خرجت مؤسسة إعلامية هادفة موجّهة دعوياً وإسلامياً، تفعل ما تستطيع لاستقطاب الإبداعات الإعدادية والإخراجية و عباقرة صنّاع الإعلام الهادف، حتى تناولتها فئةٌ بالهجوم والتبديع..!!!!، في وقتٍ هي أحوج ما تكون فيه للدعم المعنوي والمادي..!!!!، واستكثر البعض عليها ريالاً ونصف في اليوم يدعم مسيرتها، ويعزّز جهودها، ويعينها على مزاحمة ما مُليء بهِ الفضاء من عَفَن..!!!!، منتظرين أن تمدّ لها إعلانات الشامبو الماجنة والفوط النسائية المقزّزة يد الدعم والمؤازرة..!!!!!
بيدنا أن نصنع أعظم أداة إعلامية نقية هادفة، بيدنا أن نخرج لمخاطبة العالم أجمع بصورة إعلامية جميلة، متوازنة، سليمة المنهج، إسلامية التوجّه، ولكن متى ما اتّحدت الجهود و خَلُصت لله النيات، و ربّينا النفوس على الصبر، وتوكّلنا على الله، ( ولن يَتِرَكُم أعمالكم)..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا وحّدنا الخطاب الدعوي، و نسينا حظوظ النفس، و تسامينا عن الخلافات الشخصية، والمشادّات الكلامية، والهجوم والأخذ والردّ الذي ما ضرّ إلا خطابنا الدعوي، وطعنهُ في الصميم، حينما انشغل به البعض عن العمل الجادّ لهذا الدين، واهتزت بذلك صورته عند البعض، والله المستعان..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا تولّى الإشراف على هذا الخطاب الإعلامي خيارنا، من العلماء وأصحاب الفضيلة وطلاّب العلم، والدعاة، ومن عُرِف عنه صحة التوجّه، وسلامة المنهج، وصفاء العقيدة، مما يُكسب الخطاب المصداقية والقوّة..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا وثقنا بقدراتنا ونمّينا في دواخلنا عزّة المسلم التي تدفعه لكل محمَدة، وتسمو به إلى آفاق العزّة، و تحملهُ على كل برٍّ وخير، واستغلال كل طاقاته في نشر كل فضيلة ومحاربة كل شرٍّ ورذيلة، بخطابٍ مدروس ومنطلقاتٍ ثابتة، وتوجّهات سليمة، وعقيدة صافية..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا تحمّلنا في ذات الله ما نلاقي، وصبرنا، ولم نستعجِل الثمرة، وتقبّلنا النقد مهما كان، وتعاملنا مع بإيجابية، تدفع العمل الإعلامي الإسلامي نحو الأمام..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا قيّمنا أنفسنا، وقوّمنا معوجّها، و حاولنا أن نصل بها لأعلى مراتب الكمال كما أراد لنا هذا الدين، وكنّا قدوةً في أنفسنا وتعاملنا وأخلاقنا وسمتنا وعطائنا، تنطق إنجازاتنا، وينطق خطابنا بعظمة ومحاسن هذا الدين، بكل واقعية، بكل شفافية، بكل إبداع، و عطاء، لا ينتظر شكراً من أحد؛ إلا من الواحد الأحد..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا أدرك صاحب القناة الفضائية الإسلامية والمجلة الإسلامية والكتاب الإسلامي والكاتب الإسلامي والشريط الإسلامي والمؤسسة الإسلامية جميعهم أنهم على ثغرٍ واحد، تتعاضد جهودهم، و يتعاون أخيارهم، ويبحثون عن كل وسيلة لتطوير طريقة عرضهم، و ملاحقة الإبداع أنّى كان ليخدم توجّههم وخطابهم، بما ليس فيه تمييع الدين ولا ما ينتظره المتربصون من سَقْط القول وخطأ الأسلوب و الوسيلة..!!!!
هاهم يعلنون عن عرض شيطان أكاديمي إكسترا..!!!!، والجماهير الإسلامية ما بين شاجبٍ ومستنكر و آخر بفرحٍ وحماسٍ مُترَقّب، وتستمر الحرب الإعلامية، و تطيب النفس برؤية بعض أبناء الأمة المخلصين وسط هذا الغثاء، بإخلاص وتفانٍ يعملون، وعن الإبداع في الطرح يبحثون، وفي القلوب النقيّة لفسائلهم الطيبة يغرسون، ببطء يسيرون، لكن على درب العزة هم سائرون، وبالحكمة والموعظة الحسنة العالمَ يُخاطبون، للنقد بصدورٍ رحبةٍ متقبّلون، أقول لهم: لا تحزنوا، الله معكم ولن يَتِرَكُم أعمالكم، أمّا الظالمون فسيعلمون أيّ منقلبٍ ينقلبون..!!!!(/2)
ما خلف كواليس.. أكاديمية إبليس..!!
ندى عبد العزيز محمد اليوسفي
عادَت وكانت مختفية ثلاثة أيام، أخذت تتحدث بانتشاء عن رحلتها، وحضورها العرض الأخير لشيطان أكاديمي، تحدثت عن كيف جُهّزَ الأستوديو للتصوير، وكيف أُجلِسوا، وماذا لبست، وغير ذلك مما دار خلف الكواليس و خفي على صديقاتها متابعات أكاديمية إبليس..!!!!
وبين ارتفاع الأصوات بعبارات التهنئة على هذا الشرف الذي نالته، وليس بعده شرف، كان ذلك الاستقبال الأسطوري، للبطل الصنديد، والمجاهد الرعديد، في صالة التشريفات، وبمائة ألف أو يزيدون، بالأحضان والورود والدموع، ويهتف الأب بفرح: (أحمد الله فقد مثَّلَ ابني بلدهُ خير تمثيل)..!!!!، ويقول البطل بسعادة: (أحمد الله فقد كفّيت و وفّيت)..!!!!
أُتابِع هذه المواقف وأقرأ عن ذلك الاستقبال الأسطوري؛ وصوتُ الرّائي ينخر أُذني، لم يتنبّه إليه أحد وسط ضجّة الاستقبال والاحتفال، يتلو نشرة الأخبار، يعلن أن الأمة تُذبح من الوريد إلى الوريد، ويقرأ بياناً تلو بيان عن منازل تهدّم، ودماءٍ تسيل، ومُقْعَدٍ يُذبَح، وعقولٍ تُوأَد، وعِفّةٍ تُنحَر..!!!!
انتهى البرنامج كما انتهى سابقه سيء الذكر، سوبر شيطان، ونصّب كما نصّب ومازال ينصّب غيره؛ أبطال الأمة وشجعانها، من صمدوا و جاهدوا وصبروا على كل ما لاقوا، من أول التصفيات حتى النهائي، بكل بسالة، ووقفت الجماهير العربية والمسلمة خلفهم، تعاضدهم برسائل الجوال، والاتصالات، وأعمدة الصحف، والإعلانات، والدموع، بل والدعاء..!!!!
لم يمر على الأمة الإسلامية زمانٌ كهذا الزمان، ولا فتنٌ كهذه الفتن، ولا محنٌ ومصائب كالتي نرى ونسمع، اشتدّت عليها الهجمة، وأغار عليها العدو، واستوطن بقاعها، برّاً وجوّاً وبحراً بل وقلباً وفكراً..!!!!
ظلماتٌ بعضها فوق بعض، كلما انقضت طامة من الطوام جاء ما هو أشد منها ألماً و خطراً وانفتاحاً وتحرراً وتغريباً وتمييعاً للدين..!!!!
الإعلام، أداة العدو المتربّص، الأداة التي فُعّلَت واستُخدمَت للنفوذ للأقطار التي لم يَتَسنّى احتلالها عسكرياً للآن، إعلام وُجّه أصلاً لإعدام شباب هذه الملّة، بعد أن فشلت كل الطرق؛ احتلوا العقول والعيون والقلوب والألسن احتلالاً أعظم من ألف ألف احتلالٍ عسكري، وأكثر عملاً و تدميراً وإيلاماً، والله المستعان..!!!!
الإعلام، أصبح أخبث ما يكون، يتابع بدقّة أدقّ الدقائق في حياة أقل القوم وأوضعهم في ميزان الأخلاق والعطاء، تُضخَّم صورهم وأخبارهم وخلافاتهم وانجازاتهم وحتى أفضل مآكلهم و مشاربهم، يصوّرون على أنهم الصورة المثالية للحياةِ النموذجية..!!!!
الإعلام، أخذ بكل خُبث ينظّم الحوارات والبرامج المصفوفة والمزينة والمنقوشة بكل دعوى إلى الخروج على المجتمع و أعرافه البائدة، وكأن الدين عُرفٌ أكل عليه الدهر وشرب، وتراث مكانه المعارض والمهرجانات وقصص الجدّات..!!!!
وإن لم يكن هذا ولا ذاك، فأخبث ما صنع على الإطلاق، رفع أهل البدعة، وتقديمهم للجمهور، على أنهم الرحمة المهداة، وأصحاب المنهَج الحق، ونشر خزعبلاتهم وعرض طوامهم ومشادّاتهم..!!!!
تعذّر من تعذّر أن متابعة الأخبار، والأحداث أولاً بأول، هي ما تلتَفِت إليه أنفسهم، وأنهم لا يولون اهتماماً بما عدى ذلك، وما رأيتُ حجّة أعجب من هذه، فهل نحنُ صنّاع قرار حتى تحمل النفس همَّ متابعة الخبر لحظة بلحظة..؟!!، وهل نملك أن نغيّر من الحال شيء؟!!، وهل ملك صنّاع القرار أنفسهم تغيير شيء..؟!!، وكيف تحتمل النفس مشاهدة مناظر القهر والإبادة ليل نهار..؟!!، وكيف يهنأ لها نومٌ وعيش مع ضعف الحيلة وتقطّع الأسباب دون الوسيلة..؟!!
أما الفتاة فهل تتابع الأخبار..؟!!، أم آخر التحليلات السياسية..؟!!، أم في أحسن الأحوال تتابع برنامجاً عن الإعجاز العلمي و خفايا الطب..؟!!!!، إنها تتسمّر أمام 500 قناة في غرفة مغلقة، تتقلب بين هذه القمامة وتلك، تراقب تمايل هذه، وتقبيل ذاك، وتراقُص تلك..!!!!، ويمضي بها الوقت، وتحتار ماذا تصنع بهذه النفس، تخرج إلى الأسواق وتغوص في بحار النت، تبحث عن قشة تتعلق بها، تُنَفِّس عمّا في النّفس..!!!!
لست ألوم العدو المتربّص، ولا أمتدح ذكاؤه ومعرفته من أين تُؤكَل الكتف؛ وإنما ألوم من جعل من نفسهم إناءً بل قمامة تستقبل كلما هبّ ودب، ألوم من جلب هذا البلاء لنفسه وداره، ويستصرخ اليوم: وااااامُنقِذاه..!!!!
قبل سنوات كان أئمة المساجد والعلماء يستصرخون، ينادون، يحذرون، من هذه الأطباق الفضائية، ولاقت الدعوى حينها تسفيهاً من البعض واستخفافا، واليوم هم من يدفع الثمن بشهادتهم، فأطفال الأمس، أصبحوا كباراً اليوم، و ضاعت القيم، وتثبطت الهمم، وشُغِلَ فراغُهم بالعفن و مُلِئَت بطونهم من النّهَم..!!!!(/1)
لن يغفر الجيل الجديد أبداً لمن عطّل قدراته، وشغل تفكيره، وأضاع أوقاته، ولكن عندما يستيقظ من سكرته ويتنبّه لحاضره ويعرف عدوّه..!!!!، وحتى ذلك الحين فبين بعض أبناء الأمة والوعي بالعدو الفضائي مسافات، خاصة مع تخفّيه، وتكلمه بألسنتنا ودعمه مادياً ومعنوياً من قِبَلِ بعض بني جلدتنا، وإلباسه الباطل النّتِن لباس الحقّ الفاتن..!!!!
ولن ينفع مع هذه الأداة الإعلامية القوية، والتي سخرت كل شيء لخدمة أهدافها، وإعادة صياغة جيل أمة الإسلام بشكلٍ يَسهُل معه استيطان عقولهم وأفئدتهم قبل أراضيهم؛ إلا أداة إعلامية قوية أخرى موجّهة ومضادّة لهذه الهجمة الشرسة، تكتسحهم اكتساحاً، وتبعثر أوراقهم، وتكشف خططهم، وتفضح عداءهم..!!!!
لكن للأسف، وبما أننا أمة صادق القول، وعظيم الفعل، فما إن خرجت مؤسسة إعلامية هادفة موجّهة دعوياً وإسلامياً، تفعل ما تستطيع لاستقطاب الإبداعات الإعدادية والإخراجية و عباقرة صنّاع الإعلام الهادف، حتى تناولتها فئةٌ بالهجوم والتبديع..!!!!، في وقتٍ هي أحوج ما تكون فيه للدعم المعنوي والمادي..!!!!، واستكثر البعض عليها ريالاً ونصف في اليوم يدعم مسيرتها، ويعزّز جهودها، ويعينها على مزاحمة ما مُليء بهِ الفضاء من عَفَن..!!!!، منتظرين أن تمدّ لها إعلانات الشامبو الماجنة والفوط النسائية المقزّزة يد الدعم والمؤازرة..!!!!!
بيدنا أن نصنع أعظم أداة إعلامية نقية هادفة، بيدنا أن نخرج لمخاطبة العالم أجمع بصورة إعلامية جميلة، متوازنة، سليمة المنهج، إسلامية التوجّه، ولكن متى ما اتّحدت الجهود و خَلُصت لله النيات، و ربّينا النفوس على الصبر، وتوكّلنا على الله، ( ولن يَتِرَكُم أعمالكم)..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا وحّدنا الخطاب الدعوي، و نسينا حظوظ النفس، و تسامينا عن الخلافات الشخصية، والمشادّات الكلامية، والهجوم والأخذ والردّ الذي ما ضرّ إلا خطابنا الدعوي، وطعنهُ في الصميم، حينما انشغل به البعض عن العمل الجادّ لهذا الدين، واهتزت بذلك صورته عند البعض، والله المستعان..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا تولّى الإشراف على هذا الخطاب الإعلامي خيارنا، من العلماء وأصحاب الفضيلة وطلاّب العلم، والدعاة، ومن عُرِف عنه صحة التوجّه، وسلامة المنهج، وصفاء العقيدة، مما يُكسب الخطاب المصداقية والقوّة..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا وثقنا بقدراتنا ونمّينا في دواخلنا عزّة المسلم التي تدفعه لكل محمَدة، وتسمو به إلى آفاق العزّة، و تحملهُ على كل برٍّ وخير، واستغلال كل طاقاته في نشر كل فضيلة ومحاربة كل شرٍّ ورذيلة، بخطابٍ مدروس ومنطلقاتٍ ثابتة، وتوجّهات سليمة، وعقيدة صافية..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا تحمّلنا في ذات الله ما نلاقي، وصبرنا، ولم نستعجِل الثمرة، وتقبّلنا النقد مهما كان، وتعاملنا مع بإيجابية، تدفع العمل الإعلامي الإسلامي نحو الأمام..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا قيّمنا أنفسنا، وقوّمنا معوجّها، و حاولنا أن نصل بها لأعلى مراتب الكمال كما أراد لنا هذا الدين، وكنّا قدوةً في أنفسنا وتعاملنا وأخلاقنا وسمتنا وعطائنا، تنطق إنجازاتنا، وينطق خطابنا بعظمة ومحاسن هذا الدين، بكل واقعية، بكل شفافية، بكل إبداع، و عطاء، لا ينتظر شكراً من أحد؛ إلا من الواحد الأحد..!!!!
سنُفلِح بإذن الله إذا أدرك صاحب القناة الفضائية الإسلامية والمجلة الإسلامية والكتاب الإسلامي والكاتب الإسلامي والشريط الإسلامي والمؤسسة الإسلامية جميعهم أنهم على ثغرٍ واحد، تتعاضد جهودهم، و يتعاون أخيارهم، ويبحثون عن كل وسيلة لتطوير طريقة عرضهم، و ملاحقة الإبداع أنّى كان ليخدم توجّههم وخطابهم، بما ليس فيه تمييع الدين ولا ما ينتظره المتربصون من سَقْط القول وخطأ الأسلوب و الوسيلة..!!!!
هاهم يعلنون عن عرض شيطان أكاديمي إكسترا..!!!!، والجماهير الإسلامية ما بين شاجبٍ ومستنكر و آخر بفرحٍ وحماسٍ مُترَقّب، وتستمر الحرب الإعلامية، و تطيب النفس برؤية بعض أبناء الأمة المخلصين وسط هذا الغثاء، بإخلاص وتفانٍ يعملون، وعن الإبداع في الطرح يبحثون، وفي القلوب النقيّة لفسائلهم الطيبة يغرسون، ببطء يسيرون، لكن على درب العزة هم سائرون، وبالحكمة والموعظة الحسنة العالمَ يُخاطبون، للنقد بصدورٍ رحبةٍ متقبّلون، أقول لهم: لا تحزنوا، الله معكم ولن يَتِرَكُم أعمالكم، أمّا الظالمون فسيعلمون أيّ منقلبٍ ينقلبون..!!!!(/2)
ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم
وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فطره الله على مكارم الأخلاق فهو على خلق عظيم , اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها الإخوة المسلمون : اتقوا الله وأطيعوه واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } (البقرة 197) .
عباد الله: ليس أسعد للمرء ولا أطرد لهمومه ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم الصدر بعيداً عن الحسد والحقد فإذا رأى أحداً في نعمة رضي له بها وفرح وأدى فضل الله فيها وفقر عباده إليه وذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر) رواه أبو داود . وإذا رأى أذى يلحق بأحد من مصيبة في المال أو الولد أو البدن أشفق عليه ورق له قلبه ورجا الله أن يفرج كربه ويغفر ذنبه ويخلف عليه ما فقد خيراً منه وبهذا يكون المسلم سليم الصدر مستريح النفس من نزعات الحسد والحقد , ومثل هذا الإنسان قلبه مشرق يبارك الله فيه لأنه إلى كل خير أسرع . من منا لا يرجو أن يكون من (أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )
تعرف على خصلة من خصالهم لتفز معهم بجنات ونهر.
أما نريد أن ينادى علينا يوم القيامة، يوم الطامة .. يومٌ يصيح فيه الناس بأنفسهم :نفسي نفسي، وأولئك ينادى عليهم حتى يمتازوا اليوم؟
روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينادي منادٍ يوم القيامة: أين الذين كانت أجورهم على الله عزّ وجلّ؟ فيقوم العافون عن الناس فيدخلون الجنة"
لماذا نرد الإساءة بالإساءة ولا نطمع بأن يثني علينا الله ويرزقنا الفضل العظيم؟
يقول تعالى: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)
من عزم الأمور: أي من حقائق الأمور التي يثاب فاعلها على ذلك وينال أجراً عظيماً.
أتعرف يوم تذكر الله عند غضبك ماذا تنال؟
سبحان الله العظيم وبحمده، أما تريد أن يذكرك الله يوم تغضب؟ لماذا إذا لا نرضى بنصرة الله بأن نعفو عن المسيئين إلينا؟
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما كسرت رباعيته في أحُد شُق ذلك على أصحابه مشقة شديدة فقالوا: يا رسول الله لو دعوت الله تعالى على هؤلاء الذين صنعوا بك ما نرى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"
الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ، وإبليس يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم ، وهو يتربص لنا في الدخول من المداخل الثلاث: الشهوة والغفلة والغضب، وتفكر معي بهذا الحوار:
ذكر أن إبليس جاء إلى موسى صلوات الله تعالى وسلامه عليه
فقال له: أنت الذي اصطفاك الله تعالى برسالته وكلمك تكليماً، وإنما أنا خلق من خلق الله تعالى أردت أن أتوب إلى ربك فاسأله أن يتوب عليّ، ففرح بذلك موسى، فدعا وصلّى ما شاء الله تعالى.
ثم قال: يا رب إنه إبليس خلق من خلقك يسألك التوبة فتب عليه.
فقيل له: يا موسى إنه لا يتوب.
فقال: يا رب إنه يسألك التوبة.
فأوحى الله تعالى: إني استجبت لك يا موسى فمره أن يسجد لقبر آدم فأتوب عليه
فرجع موسى مسروراً فأخبره بذلك، فغضب من ذلك واستكبر
ثم قال: أنا لم أسجد له حياً أأسجد له ميتاً، ثم قال: يا موسى إن لك حقاً عليَّ بما تشفعت لي إلى ربك، فأوصيك بثلاثة أشياء: اذكرني عند ثلاث خصال: اذكرني حين تغضب، فإني في قلبك أجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى العدو في الزحف، فإني آتي ابن آدم حين يلقى العدو فأذكره زوجته وأهله وولده حتى يولى دبره، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم منك فإني رسولها إليك ورسولك إليها.
فإياك أن تسعد عدوك الشيطان في غضبك ، ولكن كن بالحلم متصفاً :
الحلم أوله مر مذاقته * * * لكن آخره أحلى من العسل
وخذ من سلفك الصالح قدوة حسنة تفز برضا الله تعالى عنك
روى ميمون بن مهران أن جارية له جاءت بمرقة فعثرت فصبت المرقة عليه فأراد ميمون أن يضربها فقالت الجارية: يا مولاي استعمل قول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ) فقال: قد فعلت، فقالت: اعمل بما بعده (والعافين عن الناس) قال: قد عفوت، فقالت: اعمل بما بعده (والله يحب المحسنين) فقال ميمون: أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى.
وذكر أن رجلاً من التابعين مدحه رجل في وجهه، فقال له: يا عبد الله لم تمدحني أجربتني عند الغضب فوجدتني حليماً؟ قال: لا، قال: أجربتني في السفر فوجدتني حسن الخلق؟ قال: لا، قال: أجربتني عند الأمانة فوجدتني أميناً؟ قال: لا. فقال: ويحك ما لأحد أن يمدح أحداً ما لم يجربه في هذه الأشياء الثلاثة.(/1)
كما يروى أن أبا ضمضم وهو أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال : اللهم إنه لا مال لي أتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهو في حل , فقال عليه الصلاة والسلام: (من منكم يستطيع أن يكون كأبي ضمضم)
قال ابن القيم في مدارج السالكين بعد هذا الموقف: "وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه "
جاء في تفسير قوله تعالى: "والعافين عن الناس"[16] كما قال القرطبي رحمه الله: (العفو عن الناس من أجل ضروب فعل الخير، حيث يجوز للإنسان أن يعفو، وحيث يتجه حقه، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه، واختلف في معنى "عن الناس"، فقال أبو العالية والكلبي والزجاج: "والعافين عن الناس" يريد عن المماليك، قال ابن عطية: وهذا حسن على جهة المثال، إذ هم الخَدَمَة، فهم يذنبون كثيراً، والقدرة عليهم متيسرة، وإنفاذ العقوبة سهل، فلذلك مثل هذا المفسِّر به.
وقال زيد بن أسلم: "والعافين عن الناس" عن ظلمهم وإساءتهم، وهذا عام، وهو ظاهر الآية).
نماذج حسنة لمعاملة بعض الأخيار لخدمهم:
كانت معاملة سيد الخلق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، لمن يخدمه معاملة الوالد الشفوق لولده، والأخ الرحيم لأخيه، لا يميز بين رقيق وأجير ومتطوع، ما جعل زيد بن حارثة رضي الله عنه يفضله على والديه وعشيرته.
زيد بن حارثة عربي من بني كلب أسِرَ وهو طفل في الجاهلية، وبيع بمكة، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها، ثم تبناه بعدُ، وكان يُدْعى زيد بن محمد حتى نزل قوله تعالى: "ادعوهم لآبائهم" الذي أبطل التبني.
قال ابن عبد البر رحمه الله: (قال أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده:
بكيتُ على زيد ولم أدر ما فعلْ أحَيٌّ يُرْجَّى أم دونه أتى الأجلْ
فوالله لا أدري وإن كنتُ سائلاً أغالك سَهْلُ الأرض أم غالك الجبلْ
فيا ليت شعري هل لك الدَّهْرُ رجعة فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجَلْ
تذكرنيه الشمسُ عند طلوعها وتعرضُ ذكراه إذا قارب الطَّفَلْ
وإن هبت الأرواحُ هيجن ذكره فيا طول حزني عليه ويا وَجَلْ
سأعمِلُ نَصَّ العيس في الأرض جاهداً ولا أسأمُ التطواف أو تسأم الإبلْ
حياتي أو تأتي عليَّ منيتي وكل امرئ فانٍ وإن غرَّه الأجلْ
سأوصي به عمراً وقيساً كليهما وأوصي يزيدَ ثم من بعده جَبَلْ
فحج ناس من كلب، فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه، فقال لهم: أبلغوا عني أهلي هذه الأبيات، فإني أعلم أنهم قد جزعوا عليَّ؛ فقال:
أحن إلى قومي وإن كنتُ نائياً فإني قعيد البيت عند المشاعر
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ولا تعملوا في الأرض نَصَّ الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة كرام معدٍّ كابراً بعد كابر
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه، فقال: ابني وَرَبَّ الكعبة؛ ووصفوا له موضعه، وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه، وقدما مكة، فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو في المسجد؛ فدخلا عليه، فقال: يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه؛ قال: ومن هو؟ قالوا: زيد بن حارثة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا غير ذلك! قالوا: وما هو؟ قال: أدعوه فأخيِّره، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً؛ قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت؛ فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم؛ قال: من هذا؟ قال: هذا أبي وهذا عمي؛ قال: فأنا من قد علمتَ ورأيتَ صحبتي لك، فاخترني أو اخترهما؛ قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني مكان الأب والعم؛ فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك، وعلى أهل بيتك! قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئاً، ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً؛ فلما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحِجْر، فقال: يا من حضر، اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه؛ فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا).
* عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً، قالت أم سليم رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا غلامي أنس يخدمك؛ فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمره آنذاك عشر سنين، فخدم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فقال: "خدمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ما قال لي لشيء فعلتُه لم فعلتَه، ولا لشيء تركتُه لم تركته".
* ومن النماذج الطيبة، والصور الحسنة، والمواقف النادرة، معاملة الخليفة الراشد والإمام العادل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لخدمه ومماليكه، هذا على الرغم من شدة عمر في الحق وهيبة الناس له، يوضح ذلك ما حكاه عنه مولاه أسلم رحمه الله.(/2)
قال الحافظ الذهبي في ترجمة أسلم: (وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال ابن عمر: يا أبا خالد، إني أرى أمير المؤمنين يلزمك لزوماً لا يلزمه أحداً من أصحابك، لا يخرج سفراً إلا وأنت معه، فأخبرني عنه؛ قال: لم يكن أولى القوم بالظل، وكان يرحِّل رواحلنا، ويرحل رحله وحده، ولقد فزعنا ذات ليلة وقد رحَّل رحالنا وهو يرحل رحله ويرتجز:
لا يأخذ الليلُ عليك بالهم وألبسن له القميص واعتم
وكن شريك نافع وأسلم واخدم الأقوام حتى تُخدم
* كان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يُلبس خادمه ويُطعمه ويُسكنه من نفس ما يلبس ويطعم ويسكن، وذلك لأن مناسبة حديث: "إخوانكم خولكم" كانت خاصة به.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وفيه قصة أن المعرور بن سويد رأى أبا ذر وعليه حُلَّة وعلى غلامه مثلها، فسأله عن ذلك، فذكر أنه سابَّ رجلاً فعيره بأمه، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ فيك جاهلية – أي خلق من أخلاقهم، فذكره).
العفو عند المقدرة.. فضيلة الفضائل
العفو هو الصفح عن الذنوب وترك مجازاة المسيء وقال أبو حامد الغزالي: أن يستحق حقا فيسقطه ويبري عنه من قصاص أو غرامه، وهو غير الحلم وكظم الغيظ.
والعفو، من أسماء الله تعالى ومعناه كثير العفو.. قال ابن جرير في قوله تعالى: “إن الله كان عفواً غفوراً” إن الله لم يزل عفوا عن ذنوب عباده وترك العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به.
وقد ورد هذا الاسم في القرآن خمس مرات، ومن آثار الإيمان به:
أن الله سبحانه هو العفو الذي له العفو الشامل ولاسيما إذا أتى العباد بما يوجب العفو عنهم من الاستغفار والتوبة، فالله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات. ولولا كمال عفوه وسعة حلمه سبحانه ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب ولا عين تطرف “ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى”.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولدا وإنه ليعافيهم ويرزقهم”.
وقال ابن القيم:
وهو العفو فعفوه وسع الورى لولاه غارت الأرض بالسكان
أنه تعالى عفو غفور مع قدرته على خلقه وقهره لهم وقد نبه خلقه إلى ذلك: “إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً” أي فاعفوا أنتم أيضا عن الناس، كما أن الله يعفو عنكم ويغفر لكم.
وقد حث الله تعالى عباده على العفو والصفح وقبول الأعذار فمن ذلك: “وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم”.. وقد خاطب الله نبيه بذلك وحثه على قبول العفو فقال: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”.
ومدح بذلك عباده المؤمنين “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس”.
نبل وسماحة
العفو عند المقدرة من الفضائل الكريمة التي تدل على نبل صاحبها وسماحته، وعلى أصالة معدنه وطيب سجاياه، وهذا الخلق الكريم لا يبدأ من فراغ وإنما ينبع من القلوب الطاهرة النقية التي جبلت على الكرم والإحسان، ولنا في الرسول صلوات الله وسلامه عليه أسوة حسنة في هذا المضمار، فبعد أن فتح الله عليه مكة وأصبح الذين آذوه بالأمس واضطهدوه ومكروا به وأخرجوه، أصبحوا في قبضة يده، وفي وسعه وقدرته، أن ينزل بهم من العقاب ما يشاء إلا أنه واجههم بنفسه السمحة وبعفوه الشامل، فقال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وبالعفو والإحسان، يتحول الكاره إلى محب، والعدو إلى صديق، فكما أن للعفو أثره في نفس من يعفو حيث يعينه على التقوى، وعلى راحة الضمير، وسكينة النفس فإن له كذلك أثراً بالغاً فيمن يعفو الإنسان عنه، إنه يستشعر خطأه، وإساءته، ويرى كيف قوبل خطؤه بالعفو والإحسان فيثوب إلى الرشد والصواب، وتنطفئ من داخله الكراهية وتذوب النزعة العدوانية ولا يملك إلا أن يكون مع أخيه كأنه ولي حميم، قال الله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم”.
*لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في العفو والتسامح، فتحول أمام إنسانيته الكريمة العدو إلى محب، روى ابن هشام أن فضالة بن عمير الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضالة؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء كنت أذكر الله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله أحب إليّ منه.(/3)
هكذا يكون أثر العفو وحب الخير، في إصلاح النفس الإنسانية وتقويمها وبنائها وفيما رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيات ويرفع الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك، وتصل من قطفك”.
ومن أروع مواقف العفو لرسول الله صلى الله عليه وسلم موقفه مع هذا الأعرابي الكافر الذي دنا منه وهو نائم ورفع السيف فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: من يمنعك؟ فقال: يمنعني الله منك فارتعد الأعرابي وسقط السيف منه، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم السيف وقال: ومن يمنعك منى؟ فقال: كن خير آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: لا ولكن أعاهدك على ألا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم وخلى سبيله فأتى أصحابه وقال: “جئتكم من عند خير الناس”.
ومرة أخرى ظهر إيمان يوسف الصديق حين تمكن من إخوته لأبيه أولئك الذين أرادوا أن يقتلوه ليخلو لهم وجه أبيهم. ثم ألقوه في غيابة الجب، ثم باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، وعرضوه للذل والعبودية.
لقد جاءوا مصر من فلسطين يطلبون المدد والزاد، وقدر يوسف على الانتقام منهم، ولكنه عفا وغفر وأماط يوسف اللثام عن شخصيته بعدما لمس من إخوته هذا الهوان، وقال لهم في نبرة هزت قلوبهم، وأحيت الخامد من مشاعرهم: "هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون"؟ (89) "قالوا أإنك لأنت يوسف؟ قال: أنا يوسف وهذا أخي قد منَّ الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (90).
"قالوا: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين. قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" (91-92).
إن الكبير لا يحقد، وهو بعد انتصاره يزداد سماحة وتواضعا لله، ثم قال يوسف لإخوته: "اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين" (93).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق , قيل ما القلب المحموم ؟ قال هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد , قيل فمن على أثره ؟ _قال الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة , قيل فمن على أثره ؟ قال مؤمن في خلق حسن ) رواه بن ماجة.
وقد وعد الله سبحانه بالفضل العظيم من وقى شح نفسه , وشح النفس ليس مقصورا على الشيء المادي كالمال والأكل والإنفاق بل يتعداه إلى الشيء المعنوي مثل العفو والسماحة وسلامة الصدر ونقاوته من الحقد والضعينة والكراهية للخلق دون مبرر { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ }(الحشر 9) وسلامة الصدر خصلة عظيمة يغفل عن معرفة فضلها كثير من المسلمين ويجهلونها مع أنه من أسباب دخول الجنة . عن أنس ين مالك رضي الله عنه قال كنا جلوسا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة ) قال فطلع علينا رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان من الغد قال عليه الصلاة والسلام مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي عليه الصلاة والسلام مثل مقالته الأولى فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام الرسول عليه الصلاة والسلام تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني حتى تمضي الثلاث قال نعم . قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات عنده ثلاث ليال لم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار من الليل لا يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أحقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فلم أرك تعمل كثير عمل , فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجذ في نفسي على أحد من المسلمين غشا ولا أحسده على خير أعطاه الله تبارك وتعالى قال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) رواه أحمد بسند صحيح.
ولقد ضرب سلف هذه الأمة أروع الأمثلة في سلامة الصدور ونظافتها من الأحقاد والحسد والضغينة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم آذاه قومه بجميع الأنواع من ضرب وطرد وإهانة وسخرية فيأتيه ملك الجبال فيقول يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت , إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ( وهي جبال عالية محيطة بمكة ) فماذا يقول عليه الصلاة والسلام : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري(/4)
ولما قيل له ( يا رسول الله ادع على ثقيف فقال اللهم اهد ثقيفا وائت بهم ) أخرجه أحمد والترمذي
و في مكة لما دخل المسجد الحرام و خطب بأهلها وأعلن فيها كلمة التوحيد و قضى على الأصنام قال: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم قالوا خيرا ، أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم كما قال _يوسف لأخوته ، لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله ، لكم اذهبوا فأنتم الطلقاء ) أحمد وابن ماجة والنسائي
وقد كانوا رضوان الله عليهم قمة في سلامة الصدر والعفو ولهذا أثنى الله عليهم بقوله {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} الحشر ( 9 ) . {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} الحشر(10)
وهذا الإمام أحمد رحمه الله يقول ( أحللت المعتصم من ضربي ) .
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لقي صنوفا من العذاب والسجن أزمنة طويلة من أجل إعلاء كلمة التوحيد وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه رحمه الله لم يختصم لنفسه طرفة عين , وحين يتكلم عمن وقف في وجهه وظلمه وخالفه وحقد عليه يقول ( أول ما أبدأ به من هذا الأصل ما يتعلق بي فتعلمون رضي الله عنكم أني لا أحب أن يؤذى أحد من المسلمين بشيء لا باطناً ولا ظاهراً ولا عندي عتب على أحد ولا لوم أصلا بل لهم عندي من الإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان , كل بحسبه ولا يخلو الرجل منهم إما أن يكون مجتهدا أو مخطئا مذنبا فالأول مأجور مشكور والثاني مع أجره على اجتهاده معفو عنه مغفور له والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المسلمين والذين كذبوا أو ظلموا فهم في حل من جهتي )
وهكذا كان سلف هذه الأمة سليمة صدورهم نظيفة من الحقد والحسد والبغضاء . وقد يعجز الشيطان عن الإنسان العابد لله أن يجعله يتجه بالعبادة لغير الله ولكنه مع ذلك يحتال في إيقاد نار العداوة والبغضاء في القلوب فإذا اشتعلت هذه النار استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتقطع أواصرهم , ويقوم شياطين الإنس بإلهابها كلما خمدت أو كادت . يقول عليه الصلاة والسلام : ( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم ) رواه مسلم ولهذا فإن دين الإسلام يسعى لعلاج بوادر الجفاء وما يثير البغضاء وينمي الشحناء . يقول عليه الصلاة والسلام : ( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ) رواه مسلم ( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) رواه مسلم والبخاري
أيها المسلمون : لقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار و خسة الطبيعة أن يرسب الغل والحقد في أعماق النفس فلا يخرج منها بل يبقى يموج في جوانبها كما يموج البركان , وكثير من هؤلاء الذين يترسب الغل في نفوسهم يتلمسون متنفسا له فيؤذون عباد الله لأنهم لا يسترحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا وآذوا وأفسدوا . عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم: ( قال ألا أنبئكم بشراركم قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال إن شراركم الذي ينزل وحده ويجلد عبده ويمنع رفده ، أفلا أنبئكم بشر من ذلك : قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال من يبغض الناس ويبغضونه قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال: الذين لا يقيلون عثرة ولا يقبلون معذرة ولا يغفرون ذنبا , قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره ) رواه الطبراني
ومن متنفس الحقد الاعتداء على الأبرياء بدافع الكره الشديد والرغبة في تشويه سمعتهم . روت عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( أتدرون ما أربى الربا استحلال عرض امرئ مسلم ثم قرأ { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } الأحزاب(58)
إن سلامة الصدر تقتضي أن يتمنى المؤمن الخير للناس إن عجز عن سوقه إليهم بيده . فكيف بمن ينتحل الشر انتحالا على الناس ويزوره عليهم فهذا أفاك أثيم متعرض لعذاب الله . يقول سبحانه وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } النور (19)(/5)
ومن فضل الله على عباده أن استحب ستر عيوب الخلق ونهى عن إشاعتها وفضحها ولو صدق اتصافهم بها . وما يجوز لمسلم أن يتشفى بالتشنيع لأن كل ذلك ينافي سلامة الصدر على مسلم ولو ذكره بما فيه ولذا حرم الإسلام الغيبة والنميمة ونهى عن سوء الظن وتتبع العورات والغمز وتعيير الناس . فلنسعى أيها الإخوة المسلمون إلى ما به سلامة صدورنا ولنبتعد عن كل أسباب البغضاء والشحناء والعداوة والحقد ولنتذكر قوله عليه السلام ( تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا ) رواه مسلم.
وقد كان المصطفى عليه الصلاة والسلام ينهى أن يبلغه عن أصحابه ما يسوؤه قال عليه الصلاة والسلام ( لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) رواه أبو داود
وعلى من سمع شيئا من ذلك ألا يوسع الخرق على الراقع ويحمل الكلمة ما لا تتحمل فرب كلمة شر تموت لو تركت مكانها حيث قيلت ورب كلمة شر سعرت الحروب لأن أحمقا نقلها ونفخ فيها فأصبحت شرارة تحرق ما حواليها , وكم في واقع المسلمين من الشحناء والعداوة والبغضاء ما كان سببه إلا كلمة سارت بها الركبان وزادوا فيها .
وقد كان أحد السلف الصالح إذا بلغه أن أحدا اغتابه أو وقع في عرضه أرسل إليه بهدية ثم قال : بلغني أنك أهديت لي حسنات فأردت أن أكافئك بهذه الهدية . فأين نحن من هؤلاء ؟؟
إن كثيرا من الناس عندما يبلغه أن أحدا وقع في عرضه أو تعرض له بأي أذى يبادله الوقيعة والسباب والشتم وليس هذا من أدب الإسلام ولا من أخلاقه , فلنحرص على سلامة صدورنا فلن ينفعنا يوم القيامة غير ذلك { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } الشعراء (88)(89). ولنعلم أن الشحناء والبغضاء والحقد التي كرهها الإسلام وكره ما يدفع إليها أو ينشأ عنها هي التي تنشب من أجل الدنيا وأهوائها وملذاتها ومتعها ومناصبها . أما الغضب لله والعداوة لله والبغضاء لله فذلك من الإيمان . يقول تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } التوبة(23)
هناك أسباب تعين على سلامة الصدر منها :- صدق اللجوء إلى الله والاستعانة به على طرد الخواطر والهواجس .
1- معرفة خطورة هذا الأمر( البحث عن الحق واتباعه وإن خالف رأيك )
2- دراسة السيرة ومواقف السلف من ذلك
3- ضبط النفس في كل ميدان ولاسيما عند النقاش والجدل والحوار
4- سلامة القصد وحسن النية
5- التجاوز عن الهفوات والزلات وتعويد النفس على الصبر
6- الدعاء لمن خالفك بصفة خاصة والمسلمين عامة والذكر واشتغال النفس بذلك
7- إفشاء السلام بين المسلمين
8- الإيثار بين المسلمين وتجنب الأثرة وحب الذات
9- البعد عن إساءة الظن بالمسلمين بل وحسن الظن بهم
فلنحسن في بقية عمرنا من العمل بأخلاق الإسلام، ولنكتم غيظنا و لنصبر عند الغضب، ويا إخوتي لا يأتي شيء إلا بمعونة من الله فادعوا الله أن يلهمنا الصبر والقوة أن نكون من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.(/6)
ما على ظني باس
شعر: ابن زيدون
ما على ظنيَ باسُ يجرح الدهر وياسو
ربما أشرف بالمر ء على الآمال ياسُ
ولقد يُنجيك إغفا لٌ ويرديك احتراس
والمحاذير سهام والمقادير قياس
ولكم أجدى قعودٌ ولكم أكدى التماس
وكذا الدهر إذا ما عزَّ ناسٌ ذل ناس
وبنو الأيام أخيا ف: سَراةٌ وخِساس
نلبَسُ الدنيا ولكنْ متعةٌ ذاك اللباس
يا أبا حفص وماسَا واكَ في فهمٍ إياس
من سَنَا رأيكَ لي في غسق الخطب اقتباس
وودادي لك نصٌّ لم يُخالفه قياس
أنا حيران وللأ مر وضوح والتباس
ما ترى في معشر حا لوا عن العهد وخاسوا
ورأوني سامريا يُتَّقى منه المِساس
أذؤبٌ هامت بلحمي فانتهاشٌ وانتهاس
كلهم يسأل عن حا لي وللذئب اعتساس
إنْ قسا الدهر فللما ء من الصخر انبجاس
ولئن أمسيتُ محبو ساً فللغيث احتباس
يَلْبُدُ الوردُ السَّبَنْتَى وله بعدُ افتراس
فتأمل كيف يغشى مقلةَ المجدِ النعاسُ
ويُفَتُ المسكُ في التر ب فيُوطا ويُداسُ
لا يكن عهدُك وَرْدَاً إن عهدي لك آسُ
وأدِرْ ذكريَ كأساً ما امتطتْ كَفَّكَ كاس
واغتنم صفوَ الليالي إنما العيش اختلاس
وعسى أن يسمحَ الدهرُ فقد طال الشِماس(/1)
ما قيل في مسألة الجمع في الحضر لأجل المطر
الشيخ / عبدالله بن مانع العتيبي 14/10/1423
18/12/2002
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلل له ، ومن يضلله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد .
فقد اشتدت الحاجة إلى إبراز كلام أهل العلم في مسألة الجمع في الحضر لأجل المطر ، وما ذلك إلا لكثرة الكلام في هذه المسألة وعدم معرفة السبيل السوي لدى كثير من الناس، والواجب على العلماء وطلاب العلم إظهار العلم للناس ، فإن وجود العلم في الكتب ليس علماً ، العلم القول والعمل والاعتقاد الصحيح.
وقد جمعت كلاماً نفيسا – أغلبه – لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة وما تعلق بها اسأل الله أن ينفع به كل من رآه ،وأصل هذا الكلام هو حديث ابن عباس المخرج في الصحيحين وغيرهما ولفظه : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً ،والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر ،وفي لفظ و لا مطر ، وفي لفظ صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله (24/76) " وبهذا استدل أحمد رحمه الله على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى وهذا من باب التنبيه بالفعل ، فإنه إذا جمع ليدفع الحرج الحاصل بدون الخوف والسفر والمطر فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع . والجمع لها أولى من الجميع لغيرها ".
وقال رحمه الله (24/84) " فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا ، ليس نفياً منه للجمع بتلك الأسباب بل إثبات منه لأنه جمع بدونها ، وإن كان قد جمع بها أيضاً ، ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر ".
وقال أيضاً ( 24/76 ) " ومما يبين أن ابن عباس لم يرد الجمع للمطر – وإن كان الجمع للمطر أولى بالجواز – ما رواه مسلم من حديث حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس ، وبدت النجوم ، فجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة فجاء رجل من بني تميم لا يفتر الصلاة الصلاة فقال: أ تعلمني السنة لا أم لك ؟ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يجمع بين الظهر والعصر ،والمغرب والعشاء قال: عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته . ورواه مسلم من حديث عمران بن حدير عن ابن شقيق قال : قال رجل لابن عباس " الصلاة فسكت ثم قال الصلاة فسكت ثم قال : لا أم لك أتعلمنا الصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ ! " فهذا ابن عباس لم يكن في سفر ولا في مطر ، قد استدل بما رواه على ما فعله ، فعلم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر ، ولكن كان ابن عباس في أمر مهم من أمور المسلمين يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته ورأى أنه إن قطعه ونزل فاتت المصلحة ، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر ، بل للحاجة تعرض كما قال " أراد ألا يخرج أمته " ومعلوم أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف ولا مطر ولا لسفر أيضاً ، فإنه لو كان جمعه لسفر لجمع في الطريق ، ولجمع بمكة كما كان يقصر بها ، ولجمع لما خرج من مكة إلى منى وصلى الظهر و العصر والمغرب والعشاء و الفجر ، ولم يجمع بمنى قبل التعريف ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى ، بل يصلى كل صلاة ركعتين غير المغرب ، ويصليها في وقتها .
ولا جمعه أيضاً كان للنسك ، فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم ، فإنه من حينئذ صار محرماً ، فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر ولا خوف ولا لخصوص النسك ولا لمجرد السفر ، فهكذا جمعه في المدينة الذي رواه ابن عباس ، وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته ، فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا ".(/1)
وقال رحمه الله يرد على من زعم أن جمعه بالمدينة ، كان صورياً قال ( 24/54) " ومراعاة هذا من أصعب الأشياء وأشقها ، فإنه يريد أن يبتدئ فيها إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات أو ثلاث من المغرب ، ويريد مع ذلك ألا يطيلها ، وإن كان بنية الإطالة تشرع في الوقت الذي يحتمل ذلك ، وإذا دخل في الصلاة ثم بدأ له أن يطيلها أو ينتظر أحدا ليحصل الركوع والجماعة لم يشرع ذلك ويجتهد في أن يسلم قبل خروج الوقت ، ومعلوم أن مراعاة هذا من أصعب الأشياء علماً وعملاً ، وهو يشتغل قلب المصلي عن مقصود الصلاة ، والجمع شرع رخصة ودفعاً للحرج عن الأمة ، فكيف لا يشرع إلا مع حرج شديد ومع ما ينقض مقصود الصلاة ، فعلم أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أخر الظهر و عجل العصر وأخر المغرب و عجل العشاء ، يفعل ذلك على الوجه الذي يحصل به التيسير ورفع الحرج له ولأمته ولا يلتزم أنه لا يسلم من الأولى إلا قبل خروج وقتها الخاص ، وكيف يعلم ذلك المصلي في الصلاة وآخر وقت الظهر أول وقت العصر وإنما يعرف على سبيل التحديد بالظل ، والمصلى في الصلاة لا يمكنه معرفة الظل ، و لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلّم آلات حسابية يعرف بها الوقت ، ولا موقت يعرف ذلك بالآلات الحسابية ، والمغرب إنما يعرف آخر وقتها بمغيب الشفق فيحتاج أن ينظر إلى جهة الغرب هل غرب الشفق الأحمر أو الأبيض والمصلي في الصلاة منهي عن مثل ذلك ، وإذا كان يصلي في بيت أو فسطاط أو نحو ذلك مما يستره عن الغرب ويتعذر عليه في الصلاة النظر إلى المغرب ، فلا يمكنه في هذه الحال أن يتحرى السلام في آخر وقت المغرب ، بل لا بد أن يسلم قبل خروج الوقت بزمن يعلم معه أنه يسلم قبل خروج الوقت ، ثم الثانية لا يمكنه على قولهم أن يشرع فيها حتى يعلم دخول الوقت وذلك يحتاج إلى عمل وكلفة مما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يراعيه بل ولا أصحابه ، فهؤلاء لا يمكن الجمع على قولهم في غالب الأوقات لغالب الناس إلا مع تفريق الفعل و أولائك لا يكون الجمع عندهم إلا مع اقتران الفعل وهؤلاء فهموا من الجمع اقتران الفعلين في وقت واحد أو وقتين و أولائك قالوا لا يكون الجمع إلا في وقتين ، وذلك يحتاج إلى تفريق الفعل ، وكلا القولين ضعيف.
والسنة جاءت بأوسع من هذا وهذا ولم تكلف الناس لا هذا ولا هذا ، والجمع جائز في الوقت المشترك فتارة يجمع في أول الوقت كما جمع بعرفة ، وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع في مزدلفة ، وفي بعض أسفاره ، وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين ، وقد تقعان معاً في آخر وقت الأولى وقد تقعان معاً في أول وقت الثانية ، وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا ، كل هذا جائز لأن أصل المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك والتقديم والتوسط بحسب الحاجة والمصلحة ففي عرفة ونحوها يكون جمع التقديم هو السنة وكذلك جمع المطر السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب حتى اختلف مذهب أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية ؟ على وجهين .
وقال الحبر البحر الخزاني ( 24/80 ) " وكيف يليق بابن عباس أن يقول فعل ذلك كيلا يحرج أمته والوقت المشهور هو أوسع وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه ، وكيف يحتج على من أنكر عليه التأخير لو كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى في الوقت المختص بهذا الفعل (1) وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها ، وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يغنيه عن هذا .
وإنما قصد ابن عباس جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء ليبين أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره ، وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة ، ثم ابن عباس قد ثبت عنه في الصحيح أنه ذكر الجمع في السفر ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في السفر إذا كان على ظهر سيره ... فعلم أن لفظ الجمع في عرفه وعادته إنما الجمع في وقت إحداهما ، أما الجمع في الوقتين فلم يعلم أنه تكلم به ، فكيف يعدل عن عادته التي يتكلم بها إلى ما ليس كذلك ؟.
وأيضاً فابن شقيق يقول حاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته ، أتراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت ؟ وأن العصر لا يجوز تقديمها إلي أول الوقت ؟ وهل هذا مما يخفى على أقل الناس علما حتى يحيك في صدره منه ؟ وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبي هريرة أو غيره حتى يسأل عنه إن هذا مما تواتر عند المسلمين وعلموا جوازه وإنما وقعت الشبهة لبعضهم في المغرب خاصة وهؤلاء يجوزون تأخيرها إلى آخر وقتها ، فالحديث حجة عليهم كيفما كان.(/2)
وجواز تأخيرها ليس معلقاً بالجمع ، بل يجوز تأخيرها مطلقاً إلى آخر الوقت حتى يؤخر العشاء أيضا وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين بين أحاديث المواقيت ، وهكذا في الحديث الصحيح " وقت المغرب ما لم يغب نور الشفق ، ووقت العشاء إلى نصف الليل ، كما قال وقت الظهر ما لم يصر ظل كل شيء مثله ، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس " فهذا الوقت المختص الذي بينه بقوله وفعله وقال " الوقت ما بين هذين " ليس له اختصاص بالجمع ولا تعلق به ، ولو قال قائل جمع بينهما بالمدينة من غير خوف ولا سفر المراد به الجمع في الوقتين كما يقول ذلك من يقوله من الكوفيين لم يكن بينه وبينهم فرق ، فلماذا يكون الإنسان من المطففين لا يحتج لغيره كما يحتج لنفسه ؟ ولا يقبل لنفسه ما يقبله لغيره ؟ وأيضا فقد ثبت هذا من غير طريق ابن عباس رواه الطحاوي(2) حدثنا ابن خزيمة وابراهيم بن أبي داود وعمران بن موسى أنبأنا الربيع بن يحيى الأشناني حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخصة من غير خوف ولا علة لكن ينظر في حال الأشناني (3) .
وجمع المطر عن الصحابة ، فما ذكره مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ليلة المطر جمع معهم في ليلة المطر ، قال البيهقي رواه العمري عن نافع فقال : قبل الشفق وروى الشافعي في القديم أنبأنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن حبيب أن ابن عباس جمع بينهما في المطر قبل الشفق وذكر ما ورواه أبو الشيخ الأصبهاني بالإسناد الثابت عن هشام بن عروة وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين ، ولا ينكر ذلك وبإسناده عن موسى بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر وان سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبابكر ابن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك .
فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين ، مع أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك ، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك ، لكن لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا للمطر ، بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه أيضا للمطر ، كان قد جمع من غير خوف ولا مطر ، كما أنه إذا جمع في السفر وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر ، فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا ليس نفيا منه للجمع بتلك الأسباب ، بل إثبات منه لأنه جمع بدونها ، وإن كان قد جمع بها أيضا ، ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى ، فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر ، فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى ، ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بحرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور".
وقال تقي الدين حفيد المجد في موضع آخر (25/229) وكذلك يجمع بين الظهر والعصر على أظهر القولين هو إحدى الروايتين عن أحمد ، ويجمع بينهما للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة ونحو ذلك في أظهر قولي العلماء وهو قول مالك وأظهر القولين في مذهب أحمد.
وقال أيضاً ( ص 230 ) من الجزء نفسه " ولهذا كان الجمع المشروع للمطر هو جمع التقديم في وقت المغرب ولا يستحب أن يؤخر بالناس المغرب إلى مغيب الشفق ، بل هذا حرج عظيم على الناس ، وإنما شرع الجمع لئلا يحرج المسلمون ( وقال أيضا ) " وكذلك جواز الجمع لا يشترط له الموالاة في أصح القولين ، كما قد ذكرناه في غير هذا الموضع ".
وقال تقي الدين ( 24/28 ) فأوسع المذاهب في الجمع بين الصلاتين مذهب الإمام أحمد فإن نص على أنه يجوز الجمع للحرج والشغل لحديث روى(4) في ذلك قال القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا يعني إذا كان هناك شغل يبيح له ترك الجمعة والجماعة جاز له الجماعة ، يجوز عنده وعند مالك وطائفة من أصحاب الشافعي الجمع للمرض ويجوز عند الثلاثة الجمع للمطر بين المغرب والعشاء وفي صلاتي النهار نزاع بينهم ، ويجوز في ظاهر مذهب أحمد ومالك الجمع للوحل والريح الشديدة الباردة ونحو ذلك ويجوز للمرضع أن تجمع إذا يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة نص عليه أحمد (5) .(/3)
وتنازع العلماء في الجمع والقصر هل يفتقر إلى نية ؟ فقال جمهورهم : لا يفتقر إلى نية وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة ، وأحد القولين في مذهب أحمد وعليه تدل نصوصه وأصوله ، وقال الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد إنه يفتقر إلى نية وقول الجمهور هو الذي تدل عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قد بسطت هذه المسألة في موضعها "
وسئل رحمه الله (24/29 ) عن رجل يؤم قوماً وقد وقع المطر والثلج فأراد أن يصلي بهم المغرب فقالوا له يجمع فقال : لا أفعل فهل للمؤمنين أن يصلوا في بيوتهم أم لا ؟
فأجاب : الحمد لله نعم يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلتة الظلماء ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم بل ترك الجمع مع الصلاة في بيوتهم بدعة مخالفة للسنة إذا السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة ، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع كمالك والشافعي وأحمد والله تعالى أعلم " .
وقال رحمه الله ( صـ 50 من الجزء نفسه ) " والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلى بأصحابه جمعاً وقصراً لم يكن يأمر أحداً منهم بنية الجمع والقصر ".
وقال أيضاً ( صـ 51 ) " والإمام أحمد لم ينقل عنه فيما أعلم أنه اشترط النية في جمع ولا قصر ".
وقال (صـ 54 )" والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية ،فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولأن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة "
وقال ( صـ 52 ) وقال أحمد إذا صلى إحدى صلاتي الجمع في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس وهذا نص منه على أن الجمع هو جمع في الوقت لا تشترط فيه المواصلة " انتهى كلامه رحمه الله.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم
(1)-أما ما وقع في- رواية- النسائي : أخر الظهر وعجل العصر .. إلخ فهذا مدرج من كلام جابر أبي الشغثاء أو من تحته كما بينت رواية البخاري ذلك ، وممن جزم بالإدراج المنذري تهذيب السنن ( 2/56 ) وابن عبد البر في التمهيد ( 12/219 ) وهو مقتضى صنيع البخاري.
(2)-رواه الطحاوي في شرح المعاني ( 1/161 ) وتمام في فوائده الروض البسام (2/43) والحديث قال فيه أبو حاتم باطل عن الثوري 1. هـ واصله ثابت عن ابن عباس والكلام على حديث جابر يطول دون كثير فائدة وخلاصة الكلام أنه بهذا السند لا شيء وكذا قال الدار قطني
(3)-هو ثقة رحمه الله لكن الحديث فيه علة .
(4)-هو ما رواه النسائي ( 1/286 ) اخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم حدثنا حبان بن هلال حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس " أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء ، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء ، فعل ذلك من شغل وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء " إسناده لا بأس به ، وحبيب حدث عنه ابن مهدي.
(5)-وفي الإختيارات قال الشيخ صـ 74 ويجوز الجمع أيضاً للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله.(/4)
ما لا يسع التاجر جهله في البيع والشراء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : -
أولاً : قواعد عامة لا يسع التاجر جهلها:
1- النية الصالحة :
النية الصالحة من الأمور المطلوبة عموماً على كل الناس لاسيما التجار منهم ، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم – " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"(1) ، والمقصود بصلاح النية للتاجر أن يقصد بتجارته وجه الله تعالى فلا يبتغي من ورائها افتخاراً على الناس ولا تطاولاً ولا إفساداً في الأرض ولا علواً ، قال تعالى عن قارون : ? وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ? [القصص : 77] ، وعليه أن ينوي بتجارته هذه إعفاف نفسه عن المال الحرام ، وعن ذل السؤال، وأن يقصد الاستعانة به على طاعة الله عز وجل ، قال تعالى عن قارون : ? وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ? [القصص : 77]، وعليه أن يُعين بهذا المال الفقيرَ وذا الحاجة الملهوف وخاصة الأرحام منهم بإكرامهم والتصدق عليهم وتفقد أحوالهم قال تعالى: ? وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ?[القصص : 77] ، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب . قال أنس فلما أنزلت هذه الآية ، قال تعالى: ? لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ? [آل عمران:92] ، قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال يا رسول الله : إن الله تبارك وتعالى يقول ? لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ? [آل عمران:92] ، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :" بخٍ ذلك مال رابح ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه " (2)
2- الخلق الحسن :
والمقصود بحسن الخلق أن يتحلى التاجر بالصدق والأمانة ، قال - صلى الله عليه وآله وسلم – " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء "(3)، وعليه بالقناعة والابتعاد عن الطمع ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال :" ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه من الخيلاء " (4)،وعليه أن يفي بالوعود وأن يؤدي الحقوق ، قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ? [المائدة :1] ، وعليه أن يحسن القضاء والطلب وأن يكون سمحاً في بيعه وشرائه فلا يغش ولا يخدع ولا يحتال لا في بيعه ولا في شرائه ، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال :" رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى " (5)، وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – " تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم ؛ قالوا : أعملت من الخير شيئاً ؟ قال " كنت آمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر . قال : قال :" فتجاوزوا عنه " (6) .
3- موالاة المؤمنين :
إن المال قوة وسلطان يودَع عند العبد ،لينظر ربه كيف يصنع به ولو شاء الله أن ينزعه منه لنزعه قال تعالى: ? وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ? [المنافقون :7] ، وعلى التاجر أن يسخر هذا المال فيما أمره الله به ومما أمر الله به أن يسخر ماله لتقوية اقتصاد المسلمين وتحسين حياتهم ورفع معايشهم ، وهذا من تمام الموالاة للمسلمين والله سبحانه يقول : ? وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ? [التوبة :71]، وعلى ذلك فلا يجوز للتاجر أن يحوّل ماله إلى البنوك الكافرة لأنه بذلك يسهم في تقوية اقتصاد الكافرين وتحسين معيشتهم ورفع مستوى حياتهم؛ وهذا بدوره يؤدي إلى تطاولهم على المسلمين وإهانتهم وإذلالهم ، وفي ذلك خيانة للمسلمين ينبغي للتاجر أن يتجنبها وأن يحذر من الوقوع فيها ؛ حتى ولو كان ذلك من دون قصد منه .
4- أداء الحقوق :(/1)
ينبغي أن يعلم التاجر أن المال لله يهبه لمن يشاء من عباده فهو المالك الحقيقي للمال وإنما هو وديعة عندك أيها العبد ، قال تعالى: ? اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [العنكبوت : 62]، والله قد جعل في هذا المال حقاً للغير ،كالفقير والمسكين .. فإن لهم حقاً فيه من الزكاة وغيرها قال تعالى : ? وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ?[ التوبة:34 ] ، فلا يجوز للتاجر أن يحتال على الزكاة بُغية التقليل منها أو عدم إخراجها ، وعليه أن يعطي الأجراء أجرتهم قبل أن يجف العرق منهم ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه "(7)، وعليه أن يعطيهم أجورهم كاملة موفاة من غير أن ينقص أو يقتطع شيئاً منه بغير حق ، وليكن كأحد الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار فجاءت صخرة فسدت عليهم الباب فقال " اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم إلا رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله أدِ إليّ أجري . فقلت له : كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق . فقال : يا عبد الله لا تستهزىء بي ! فقلت : إني لا أستهزىء بك . فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً ، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون " (8) ، كما أنه يجب على التاجر أيضاً أن يعطي الدائنين حقهم من الديون وألا يماطلهم أو ينكرهم حقوقهم وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم – " مطل الغني ظلم " (9).
5- عدم الإضرار بالآخرين :
وهذا ما دلت عليه النصوص من تحريم البيع على البيع ، والاحتكار ، والنجش ، والغرر وبيع الحاضر للبادي وبيع العربون .. فإن هذا مما يوقع الضرر بالآخرين وإن كان في ذلك مصلحة له ولكنه سيضر بالآخرين ، ولا يجوز للمرء أن يجلب النفع لنفسه ثم هو بذلك يضر غيره ، وقد تقرر أنه لا ضرر ولا ضرار وأن الضرر يُزال ، وكما أن الشريعة قد راعت مصلحة التاجر فإنها أيضاً راعت مصلحة التاجر الآخر وكذا مصلحة المشتري .
6- تعلم أحكام المعاملات :
إن تعلم أحكام البيع والشراء من فروض الأعيان على التجار ؛ لأن لكل امرئ عبادة تليق به بحسب موقعه وزمانه .. والتاجر مطالب أن يعبد الله بتجارته هذه ، ولذا لا بد له من تعلم أحكام البيع والشراء وأحكام الربا والصرف .. وغيرها مما يحتاج إليه ؛ وإذا كان ديننا شاملاً لكل مناحي الحياة فإنه من غير المعقول أن يعلمنا الإسلام كيفية البول والغائط وغيرها من الأمور البسيطة في نظرنا ثم لا يعلمنا الأمور الأهم !! ولذلك فقد جاء في شرعنا الإسلامي ضبط لهذه التعاملات التجارية ، ومن هنا كان عمر ينهى من لا يعرف أحكام البيع والشراء عن التجارة ، لأنه ربما تعامل مع غيره معاملة تجارية محرمة وهو لا يدري (وحسن المقصد لا يبرر سوء الفعل) ولذا يجب على التاجر أن يتعلم أحكام التجارة والاستثمار في الإسلام حتى لا يكون مأكله ومشربه وملبسه حرام فيكون ذلك سبباً في عدم إجابة دعوته عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : ? يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ? [المؤمنون :51] ، وقال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ? [البقرة :172] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ،ومطعمة حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذّي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟ "(10) ، ولأن في تعلمه لهذه الأحكام صيانة لماله لأن الله لا يشرع تشريعاً إلا وفيه المصلحة للعبد ولا ينهى عن شيء إلا وفيه مفسدة له .
7- التبايع في الطيبات والمباحات :(/2)
فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، ولا يليق بالمسلم أن يتعامل مع غيره بالخبائث قال تعالى : ? وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ? [المائدة:100] ، وخرج بقولنا الطيبات ما كان بيعه مخلاً بالعقيدة كبيع الأصنام ومجسمات صور الأحياء ، وكذا ما ذبح لغير الله تعالى أو ما لم يذكر اسم الله عليه ، وخرج أيضاً كل ما كان خبيثاً مستقذراً في ذاته فلا يجوز له أن يبيع النجاسات وكذا الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير والكلاب عن أبي جحيفة قال: نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- عن ثمن الكلب وثمن الدم " (11) ، ومثله في الحكم أيضاً السجائر والدخان ، وخرج بقولنا المباحات ما كان محرماً كآلات الطرب والمعازف وأشرطة الأغاني والأفلام الخليعة والصور العارية وكذا كل ما فيه نشر للفاحشة.. فهذه وأمثالها يحرم بيعها .
8- تجنب أكل أموال الناس بالباطل :
قال تعالى:? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ? [ النساء:29 ] ، ومن هنا حرمت الرشوة " لعن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – الراشي والمرتشي " (12)، وعليه فلا يجوز للتاجر أن يعطي الرشوة لبعض الموظفين لقصد الإضرار بالتجار الآخرين أو لقصد تسهيل معاملةٍ ما أو لقصد التلاعب بالمواصفات .
وحرمت الحيلة والخديعة أيضاً قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم– " إذا بايعت فقل لا خلابة " (13) وعليه لا يجوز له أن يدلس على المشتري في السلعة أو المواصفات ، كما لا يجوز له أن يغير في ملصقات السلع أو تواريخ الانتهاء ليغش بذلك المشتري ، ومثله التغيير في الأوزان والمكاييل ، قال تعالى : ? وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ? [المطففين :1-3].
وحرم أيضاً القمار (الميسر) ، قال تعالى: ? إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ?[المائدة:90]، وهو ما احتمل أن يكون المرء فيه غارماً وغانماً في نفس الوقت، وعليه فلا يجوز ما يقوم به بعض التجار من مسابقات الليانصيب أو ما يسمى بسحب الكوبونات على بعض الجوائز بسبب شراء بعض السلع .
وحرم أيضاً الغش قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم– " من غش فليس مني "(14) وقد سبق ذكر بعض الأمثلة .
وحرم أيضاً الغرر في البيع " نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر "(15)، والغرر في اللغة : الجهل والخطر. ومداره في الاصطلاح على : الجهل بالعاقبة أو التردد بين السلامة والعطب(16)، وعليه فلا يجوز ما يحصل في البورصات من البيوع ؛ لأن فيها غرراً وفيها أيضاً بيع الشيء قبل قبضه ، وفيها بيع مل ليس عندك ، وفيها جهالة .
وحرم أيضاً النجش في البيع " نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – عن النجش "(17)، وهو الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيه(18)، وهو ما يفعله بعض السماسرة حيث يوهم المشتري أنه مشتر آخر وأنه قد وجد نفس هذه السلعة بثمن أغلى ليوهمه أن سعرها عند هذا التاجر رخيص فيبادر إلى شرائها من دون التثبت في سعرها الحقيقي .
وحرم أيضاً بيع المسلم على بيع أخيه المسلم قال - صلى الله عليه وآله وسلم – " لا يبع بعضكم على بيع أخيه " (19)،فلا يجوز للتاجر أن يبيع السلعة مرتين بحجة أن الثاني أعطاه سعراً أكثر من الأول .
وحرم أيضاً الاحتكار قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم– "لا يحتكر إلا خاطئ " (20)، والاحتكار هو : شراء السلعة في وقت الغلاء وحبسها ليغلو ثمنها مع حاجة الناس إليها (21) ؛ سواء كانت هذه السلعة من الأطعمة أو الأدوية أو كل ما كان ضرورياً أو حاجياً لا يمكن الاستغناء عنه إلا بمشقة وعناء (22) .
9- تجنب الربا وما كان ذريعة إليه :(/3)
لا يسع التاجر أن يجهل حرمة الربا ، وأن فاعلة متوعد بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :? الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ?[البقرة:275]، وهو من الموبقات قال - صلى الله عليه وآله وسلم – " اجتنبوا السبع الموبقات : قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال :" الشرك بالله ،والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ،وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "(23) ، وأكل الربا يعني إعلان الحرب على الله تعالى :? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ? [ البقرة: 278، 279] ، والربا في البيع على نوعين : ربا الفضل ، وربا النسيئة .
فأما ربا الفضل فهو زيادة أحد العِوضين عن الآخر في بيع الأموال الربوية (24)، والأموال الربوية هي الواردة في قول عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -" ينهى عن بيع الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والبر بالبر،والشعير بالشعير،والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء عيناً بعين ؛ فمن زاد أو ازداد فقد أربى"(25)، فهذه لا يجوز بيعها إلا بشرط التقابض (الحلول) والتماثل ، وعليه فلا يجوز للتاجر أن يستبدل ذهباً بذهب – والفضة مثله - إلا بشرط التماثل في الوزن والتقابض ، وكذا سائر الأطعمة والأقوات -كالأرز مثلاً - وكل ما كان ضرورياً ، لا يجوز استبدالها بمثلها إلا بالشرطين المذكورين ، ويقال في هذا أيضاً لا يجوز صرف العملة كريالات سعودية بمثلها إلا بالشرطين المذكورين بالقياس على ما ورد في الحديث ؛ ومثله لا يبدل سكر أو دواء .. بمثله إلا بما تقدم من الشروط .
وأما ربا النسيئة فهو تأخُر قبض أحد العِوضين في بيع الأموال الربوية (26) ، ومثلها سائر الأطعمة والأقوات وكل ما كان ضرورياً ؛ لأنه يشترط في بيع جنس بجنس آخر -مما تقدم ذكره -كذهب بفضة أو ريالات بدولارات أو ملح بسكر أو دواء بذرة يشترط فيها التقابض (الحلول) فقط ، وعلى ذلك يقال إن الصرف أو التبادل إن تم عبر البنوك أو الشركات فلا يصح ذلك في الجنس بجنس آخر إلا بشرط التماثل وإلا بوصول برقيةٍ أو إفادة من البنكين أو الشركتين بوصول المبلغين قبل انصراف المتبايعين .
وأما الربا في الديون فهو أن يزيده عند القضاء ليمهله في الأداء إلى أجل معلوم ، وهذا محرم أيضاً ، وذلك نحو أن يقترض التاجر من البنك مثلاً بعض النقد ويشترط عليه البنك أن يزيدهم نسبة معينة أو غير معينة عند القضاء .
ثانياً : ما لا يسع التاجر جهله في البيوع المحرمة :
1- حرمة التبايع وقت الجمعة :
قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ? [الجمعة :9] ، ولأن الصلاة قد تعيّن وقتها في تلك الساعة بينما التجارة لم تتعين في تلك الساعة ؛ ولأن الصلاة إذا فاتته لا يمكن تعويضها أما التجارة فيمكن تعويضها ، ولأن الأصل في أمور الآخرة ومنها الصلاة هو المسارعة والمسابقة ؛ قال تعالى: ? وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ? [آل عمران: 133] ، وأما أمور الدنيا فالأصل في طلبها المشي بتأني وهدوء .
2- حرمة بيع الحاضر للبادي :(/4)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه "(27)، والمقصود بالحاضر : الذي يعيش في المدينة ، والبادي : الذي يعيش في البادية ، والمراد من النهي عن ذلك أن يكون سمساراً له ، وعليه فلا يجوز للتاجر أن يأخذ السلعة أو الثمرة من صاحب البادية ليخزنها عنده حتى يقل عرضها في السوق ويرتفع سعرها ثم يقوم ببيعها له ؛ وذلك لما قد يؤدي إلى الإضرار بهما أو بأحدهما؛ فإن السلعة ربما تتلف بكثرة بقائها في المخازن ،والمزارع ربما يحتاج لقيمة هذه السلعة ولعل تأخيرها يضره , وربما لحق الضرر بالمشتري بسبب ارتفاع سعر السلعة ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – " لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " (28) .
3- حرمة بيع الكالئ بالكالئ:
وهو بيع الدين بالدين عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ " (29)، ومن صوره المحرمة بيع مثمن مؤجل بثمن مؤجل(30) ، وذلك نحو أن يبيعه سيارة غير موجودة على أن يسلمها له بعد وصولها من اليابان بعد شهر مثلاً وعلى أن يدفع له ثمنها حين وصولها ويتفاوضان على سعرها ويكتبان عقد البيع في تلك اللحظة ، فهذه الصورة وأمثالها غير جائزة .
4- حرمة بيعتين في بيعة :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -" نهى عن بيعتين في بيعة " (31) والصورة المحرمة في هذا ، هو بيع السلعة بثمنين مختلفين : مؤجل ومعجل على جهة الإبهام من دون اختيار أحدهما (32)، وذلك نحو أن يقول البائع : أبيعك سيارة أو عقاراً أو عروضاً بثلاثة آلاف نقداً أو أربعة آلاف مؤجلة إلى سنة ، فيأخذ المشتري السلعة من دون أن يحدد هل سيأخذها معجلة أم مؤجلة ؟ ثم يتفرقا على هذا الإبهام ؛ فإن مثل هذا التصرف فيه غرر وسيفضي إلى التنازع .
5- حرمة شرطين في بيع :
عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- قال " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك " (33)، مثل له النسائي بقوله : (وهو أن يقول أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا وإلى شهرين بكذا)(34) ، فيتفرقا من دون اختيار المدة المؤجلة فإن مثل هذا البيع فيه غرر وسيفضي إلى التنازع ، ومن الشروط المحرمة في هذا :كل شرط خالف أمر الشرع ؛ مثل أن يشترط عليه أن يصنع بهذا التمر خمراً ، ومثله كل شرط خالف مقتضى العقد كشرط عدم الانتفاع بالمبيع أو الثمن(35).. ؛ نحو أن يشترط عليه ألا يهب الأرض أو ألا يبني فيها أو ألا يوقفها أو ألا يقرض فلاناً هذا الثمن أو ألا يتبرع به ؛ فإن مثل هذه الشروط تنافي مقتضى العقد من تملك المشتري للسلعة وتملك البائع للثمن ؛ ومقتضى هذا التملك أن يتصرف كلٌ فيما يملك كما يريد ما دام لم يخالف أمر الله فيه ، ومن الشروط المحرمة أيضاً كل شرط مجهول لم يضبط ؛ نحو أن يقول له : أبيعك على أن لي شرطاً سأخبرك به بعد شهر أو على أن لي السكنى في الدار حتى أجد بيتاً آخر ؛ فإن المدة المستثناة هنا مجهولة .
6- حرمة بيع الثنيا :
عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الثُنْيا " (36) والمقصود بالثُنْيا المحرمة هنا الاستثناء المجهول الذي لم يبينه المشتري نحو أن يبيع سِربا من السيارات إلا بعضها من دون أن يعين المستثنى لما سيؤول إليه هذا الفعل من المشاحّة والاختلاف بين المتبايعين ، ومثله لو باع عقاراً على أن يستثني بعضه .
ثالثاً : ما لا يسع التاجر جهله في شروط البيع :
1- الأهلية :
والمقصود بذلك أن يكون المتصرف بالبيع أو الشراء بالغاً أو مميزاً (يدرك معنى البيع والشراء) ومعنى ذلك أن البائع أو المشتري إن كان أحدهما أو كليهما صغيراً غير عالم بمعنى البيع وما يترتب عليه من الآثار فبيعه غير نافذ وهو بيع باطل ، فأما المميز الذي أُذِن له في البيع فبيعه صحيح .
ويدخل في معنى الأهلية : أن يكون عاقلاً ؛ فلا يصح التبايع مع المجنون ولا المغمى عليه في حال إغمائه ولا السكران في حال سكره ؛ لأن كلاً من هؤلاء لا يدرك حقيقة البيع حال بيعه ، وقد علم أن التراضي بين المتبايعين من شروط صحة البيع قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ? [ النساء:29 ] ، ولا شك أن الجنون والإغماء والسكر مما لا يمكن حصول التراضي معها .
ويدخل في معنى الأهلية : أن يكون مختاراً غير مكره ، وعليه فمن باع أو اشترى تحت تهديد السلاح أو فعل ذلك هرباً من ضرر يلحقه في نفسه أو أهله أو ماله أو عرضه فبيعه أو شراؤه غير صحيح لأن الإكراه مظِنة عدم الرضا .
2- التملُّك :(/5)
والمراد به تملك البائع للسلعة وتملك المشتري للثمن ، فلا يصح للبائع أن يبيع ما لا يملكه ولا يصح للمشتري أن يشتري بمال لا يملكه ، وعليه فلا يصح للتاجر أن يبيع الحبوب التي ينوي استيرادها ولم يستوردها بعد ، وكذا لا يصح بيع السيارات التي لا تزال في طور التصنيع ، وهذا داخل في النهي عن بيع ما ليس عندك ؛ عن حكيم بن حزام – رضي الله عنه – قال : سألت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت : يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه ثم ابتاعه له من السوق ؟ قال :" لا تبع ما ليس عندك "(37) ، إلا أنه يصح لك أن تبيع ما لا تملك إن أَذِن لك المالك أو كان قد وكّلك في هذا البيع .
3- عدم الجهالة بالثمن أو المثمن :
الأصل في البيع أن يكون بيّناً معلوماً لا تكتنفه جهالة ؛ لأن التراضي بين البائع والمشتري على إنفاذ البيع شرط في صحة البيع كما تقدم ، ومعرفة قدر الثمن والمثمن طريق إلى معرفة هذا الرضا ؛ ومن هنا لا بد من تعيين الثمن ، ولا بد أيضاً من تعيين المثمن (السلعة) إما بالمشاهدة أو بالوصف المنضبط الذي لا يلتبس بغيره حتى لا يفضي الأمر إلى النزاع . ولا شك أن الجهل بالثمن أو المثمن داخل في معنى الغرر المنهي عنه .
4- أن يكون المبيع مما يجوز بيعه :
ويشترط لصحة البيع أن يكون المبيع مما جوّز الشرع بيعه ، فأما ما حرمه الشرع فبيعه باطل ، وبناء على ذلك فلا تترتب على هذا البيع آثاره الشرعية المترتبة على البيع الصحيح من تملك البائع للثمن وتملك المشتري للسلعة ، وقد تقدم بيان البيوع المحرمة .
5- القدرة على التسليم :
فلا يصح بيع المعدوم لأنه غير مقدور على تسليمه، وعليه فلا يجوز بيع السيارة قبل أن تصنع ، ولا بيع المعلبات قبل أن تنتج ، ولا بيع الملابس قبل أن تغزل ، ولا شك أن بيع المعدوم داخل في بيع الغرر المنهي عنه .
ويدخل في هذا الباب ما ليس للبائع قدرة على تسليمه حتى وإن كان في ملكه ، كبيع الصياد السمك وهو لا يزال في البحر أو الطير وهو لا يزال في الهواء ، وكبيع الأرض أو السيارة المغتصبة والتي كان قد اغتصبها منه من يعجز عن مواجهته أو استخراج حقه منه ، ومثل ذلك لو باع عروضاً صادرته الدولة وعجز عن استخراجه منها ؛ فمثل هذه البيوع غير جائزة ؛ لأن معنى عدم القدرة على التسليم أن المشتري لن يتملك المبيع ملكاً حقيقياً ، وعليه فلا يستطيع أن يتصرف فيه ؛ فوجود هذا الملك وعدمه سواء .
ويدخل في هذا الباب أيضاً بيع ما لم يتم ملك البائع له كبيع السيارة أو الملابس أو السكر أو الأدوية .. قبل أن يتسلمها ويحوزها إلى مخزنه ، أو أن يبيعها وهي لا تزال في السفينة على البحر ، ومثل ذلك ما لو باع الأرض قبل أن يخلى بينه وبينها ، وكذا البيت قبل أن يسلم له مفتاحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال : " لقد رأيت الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يبتاعون جزافاً - يعني الطعام - يُضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم "(38) ، وعن جابر – رضي الله عنه – قال : - " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان ؛ صاع البائع ، وصاع المشتري "(39) ، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : ابتعت زيتاً في السوق ؛ فلما استوجبته (أي صار في ملكي) لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحاً حسناً فأردت أن أضرب على يده ، فأخذ رجل من خلفي بذراعي ، فالتفت فإذا زيد بن ثابت . فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك ؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " (40) ، ولا شك أن مثل هذه البيوع داخلة في الغرر المنهي عنه .
والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي :علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس
الخميس – 9 ربيع الثاني 1427هـ ، 7/5/2006م
(1) صحيح البخاري ج: 1 ص: 3 ، صحيح مسلم ج: 3 ص: 1515 .
(2) صحيح البخاري ( جزء 2 صفحة 530 ] ، صحيح مسلم [ جزء 2 صفحة 693 ].
(3) سنن الترمذي ج: 3 ص: 515 ، وبنحوه في سنن ابن ماجه ج: 2 ص: 724 ، قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 2501 في ضعيف الجامع .
(4) المعجم الأوسط [ جزء 5 صفحة 328 ] ، مصنف عبد الرزاق [ جزء 11 صفحة 304 ] قال الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 3039 في صحيح الجامع [ الجامع الصغير وزيادته جزء 1 صفحة 535 ]
(5) صحيح البخاري [ جزء 2 صفحة 730 ] ، سنن ابن ماجه [ جزء 2 صفحة 742 ]
(6) صحيح البخاري [ جزء 2 صفحة 731 ]، صحيح مسلم [ جزء 3 صفحة 1194 ] ولفظه " أن رجلا مات فدخل الجنة . فقيل له : ما كنت تعمل ؟ فقال " إني كنت أبايع الناس فكنت أنظر المعسر ، وأتجوز في السكة أو في النقد فغفر له "
(7) سنن ابن ماجه ج: 2 ص: 817 ، سنن البيهقي الكبرى ج: 6 ص: 120(/6)
(8) صحيح البخاري ج: 2 ص: 793 ، صحيح مسلم ج: 4 ص: 2099
(9) صحيح البخاري ج: 2 ص: 799 ، صحيح مسلم ج: 3 ص: 1197
(10) صحيح مسلم [ جزء 2 صفحة 703 ] ، سنن الترمذي [ جزء 5 صفحة 220 ] .
(11) صحيح البخاري [ جزء 2 صفحة 735 ] ، صحيح مسلم [ جزء 3 صفحة 1198 ] عن أبي مسعود ولم يذكر الدم
(12) سنن الترمذي ج: 3 ص: 622، سنن أبي داود ج: 3 ص: 300 ، والحديث صحيح ؛ انظر مختصر إرواء الغليل 1: 522 .
(13) صحيح البخاري ج: 2 ص: 745 واللفظ له ، صحيح مسلم ج: 3 ص: 1165.
(14) صحيح مسلم ج: 1 ص: 99 ، سنن الترمذي ج: 3 ص: 606 .
(15) صحيح مسلم ج: 3 ص: 1153 ، وعليه بوب البخاري في صحيحه باب بيع الغرر ج: 2 ص: 753 .
(16) انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:309 .
(17) صحيح البخاري ج: 2 ص: 753 ، صحيح مسلم ج: 3 ص: 1155 .
(18) انظر حاشية ما لا يسع التاجر جهله ص:14 .
(19) صحيح البخاري ج: 2 ص: 970 ، صحيح مسلم ج: 2 ص: 1032
(20) صحيح مسلم ج: 3 ص: 1228 ، سنن الترمذي ج: 3 ص: 567 .
(21) انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:16 .
(22) هذا هو الحق من أقوال أهل العلم أن الاحتكار غير مقتصر على الأطعمة وأن ما كان احتكاره سيضر بالناس فهو محرم قياساً على الأطعمة .
(23) صحيح البخاري ج: 3 ص: 1017 ، صحيح مسلم ج: 1 ص: 92 .
(24) انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:284 .
(25) صحيح البخاري ج: 2 ص: 761 ، صحيح مسلم ج: 3 ص: 1210 واللفظ له .
(26) انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:284 .
(27) صحيح البخاري [ جزء 2 صفحة 752 ] ، صحيح مسلم [ جزء 2 صفحة 1033 ] .
(28) صحيح مسلم [جزء 3 صفحة 1157] ، سنن النسائي [جزء 7 صفحة 256] ، سنن الترمذي [جزء 3 صفحة526].
(29) سنن الدارقطني ج: 3 ص: 71 ، موطأ مالك ج: 2 ص: 660 .
(30) انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:78 .
(31) سنن الترمذي ج: 3 ص: 533 ، سنن النسائي (المجتبى) ج: 7 ص: 295 ، وإسناده حسن انظر إرواء الغليل 5: 149، وللحديث طريق أخرى عند أبي داود بلفظ " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا " انظر سنن أبي داود ج: 3 ص: 274 وقال الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 6116 في صحيح الجامع .
(32) انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:84 .
(33) سنن النسائي (المجتبى) ج: 7 ص: 295 ، سنن الترمذي ج: 3 ص: 535 ، سنن أبي داود ج: 3 ص: 283 والحديث حسن انظر إرواء الغليل 5: 148.
(34) سنن النسائي (المجتبى) ج: 7 ص: 295.
(35) انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:80 .
(36) انظر صحيح مسلم [جزء 3 صفحة 1172] ، سنن النسائي (المجتبى) [جزء 7 صفحة 37] ، سنن الترمذي [جزء 3 صفحة 585] وفيه " والثنايا إلا أن تعلم " ، وهذا هو الحق من أقوال العلماء أن الثنيا المعلومة جائزة بخلاف المجهولة .
(37) سنن النسائي [ جزء 7 صفحة 289 ]، سنن الترمذي [ جزء 3 صفحة 534 ] ، قال الألباني : صحيح ، وعليه بوب البخاري "باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك" انظر صحيح البخاري [ جزء 2 صفحة 750 ]
(38) صحيح البخاري [ جزء 2 صفحة 751 ] ، صحيح مسلم [ جزء 3 صفحة 1160 ] .
(39) سنن ابن ماجه [ جزء 2 صفحة 750 ] ، قال الألباني : حسن . وفي الزوائد : في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عبد الرحمن الأنصاري وهو ضعيف .
(40) سنن أبي داود [ جزء 2 صفحة 304 ] قال الألباني : حسن لغيره(/7)
ما لَنا كلُّنا جَوٍ يَا رسُولُ!
د. خالد الكركي
(إلي محمد جبر الحربي مبدعا وصديقا)
ذاك أنت تسأل عنّا، نحن الذين التحقوا بصفوف اليتامي من المثقفين العرب بعد أن ذبحتنا السياسة وأهلها حين غلّقت الأبواب وقالت إن القيد هيت لكم، وخلفتنا نتشظي رؤي من الحسرة، والعزلة، وصدي القبور الموحشة، والدروب الوعرة في الزمان الإقطاعي الأمريكي الظالم والعجيب.
ها نحن وقد كتبنا بكاءً علي فلسطين فإذا الدمع لا يسعف، وصرخنا باسم الحرية فرددت الجدران صدي باهتا، وحرّضنا علي ظهور الخوارج ضد هذا العالم الذي أفسده الظلم، وخرّبه الذين لا ضمائر لهم يوم قتلوا إنسانيتنا فألقوا بمن ظل منا في غيابة الجبّ، ويوم عرفوا أن عطشنا للحرية هو مقدمة التغيير حرّموا علينا ذكرها، وياسمينها البهي، ورؤاها الخضر،ودفترها الحزين وقالوا لنا: إنكم عما يجري في زمان العولمة غافلون! وها نحن نعيد الأسئلة، ونقع في دائرة التكرار حتي يصاب القراء بالملل منا ومن أفكارنا، ذلك أننا لم نجرؤ علي الدخول في المسكوت عنه ، و الممنوع ، و المخبوء في أدراج الرقابات العربية، الحكومي منها، والطائفي، والأقليمي ! ولم نملك رؤية نقدمها للناس كي يتعلم الغاضبون مباديء تنظيم غضبهم النبيل حتي يكون احتجاجهم واضحا، وكي لا يسحقوا فرادي تحت أقدام الطغاة والغزاة والقاهرين.
إننا نكتب ولكننا لم نقل للناس كيف يخرج المقهورون من ثقافة الصمت إلي بهجة الخطاب، أو علي الأقل إلي فوضي الكلام ! وكيف يتغير واقع يرفض الذين أرهقوا أنفسهم وهم يتحاورون حول أمراضه، وعلله، أن يتقدموا إلي مرحلة تغييره، ولو بالحد الأدني من الوسائل المدنية التي تمثل الحراك الاجتماعي الضروري حتي لا تتصلب شرايين المجتمع وهو يتوهم أنه في أفضل الأحوال.
إنها أزمة، والناس الذين تطحنهم أشكال جديدة من البطالة، والفقر والقمع يحدّقون في كتاب التنوخي الفرج بعد الشدة ، او كتاب ابن عاصم الغرناطي جنة الرضا في التسليم لما قدّر الله وقضي ، وينتهي قلقهم بالصبر والتسليم واستعادة مطلع قصيدة أندلسية لكل شيء إذا ما تم نقصان !
إنها أزمة، وكأن الأمة لا تريد أن تتوحد، والدول القطرية تسعي إلي تجميل نفسها بالحديث عن الديمقراطية، ولا نية لديها لمواجهة الاسئلة الكبيرة في الحرية، و العدل ، والمساواة وقد وزعت حقوق الإنسان المقدسة بين الجمعيات وبعض أهل الإعلام والكلام اعتقادا منها أن هذا مفيد لدي الغرب الذي يهذي بحقوق الانسان وغاب عنها أنه يضيق عليها الخناق فقط، وليس مهتما إن صارت ديموقراطية او دكتاتورية ما دامت موادها الخام تصل إليه، وأسواقها مفتوحة لبضائعه، وإعلامها لا يحرض علي التصدي لهيمنته، وإن ألقي بشقيق لها في غيابة الجبّ فعليها أن تنأي بنفسها عن المقاومة والجهاد والاستشهاد، فهذه أفكار تضرّ بصحة الأنظمة والحكومات!
إن التحولات تتدفق في الدنيا، وهذا عصرٌ مدهش، وأمتنا كما يقول د. أحمد كمال أبو المجد، أمة مدهشة، ولم تفرغ بعد من الدهشة حتي تتعامل مع الواقع تعامل القادر علي إمساك الخيوط بيدها، والتعامل معه تعاملا جدّيا وها نحن ننفصل عن العصر، ويضيق بنا الحاضر، ولا نستشرف المستقبل، وندّعي أننا دخلنا القرن الحادي والعشرين دون أن نخجل من الاعتراف أننا نملك نسبا عالية من الأمية، ومن الناس الذين تحت خط الفقر، والذين لا مساكن لهم، ومن لا يجدون الماء الصالح للشرب، ومن لم يصلهم من بهجة الحياة سوي ما يكون في ساعة ولادة طفل جديد، ثم ينتظرون حزن ساعة الموت وهو أضعاف سرور في ساعة الميلاد ، كما أخبرنا المعري الذي نشتاق إلي ندائه:
الأرضُ للطوفانِ مشتاقةٌ لعلها من درنٍ تغسلُ
(نسلم عليه، ونقرأ مطلع رائعة الجواهري في ذكراه:
قف بالمعرةِ وامسح خدَّها التَّرِبا واستوحِ من طوّقَ الدنيا بما وهبا)
وأعرف أن هذا اعتراض لا ضرورة له، لكنني أدرب قلمي علي الخروج علي،ّ والبوح بما يجب البوح به، لكنه يأبي أن يتغير الأسلوب!
إن الأزمة في اسلوبنا أيضا، وها نحن نتكيء علي التراث أحيانا، وعلي الشعبي من الأخبار في أحيان أخري، وقد جربنا الغموض والتستر وراء بهارج الألفاظ، ونحن ندرك أننا أمام غزو إقطاعي عالمي جديد ينشر الفوضي والخراب في الدنيا كلها، وقد استبد، وانحط، وتخلي عن القيم الإنسانية، حتي صار من أمرنا في فلسطين وأفغانستان والعراق ما هو واضح وجارح وهو يطالبنا بحلف بين الجزار والمذبوحين، وبسلام بين القتلة الصهاينة والاستشهاديين الفلسطينين، وقد ضاعت الحقيقة بين مصطلحات التكنوقراط، وأدعياء الديمقراطية الذين هم لها كارهون، وقالوا إن خلاصنا في الليبيرالية، ونحن أدري منهم بجراحنا وعلاجنا، ولدينا فيض في أعداد الذين تعلموا لا في الذين حوّلوا المعرفة إلي ثقافة ورؤية، وموقف من الحياة:
حقوق الإنسان، والكرامة، والخبز، والغناء، والكتاب، والتقدم.(/1)
قد يري آخرون، خاصة من أهل السياسة، أن الناس يسعون وراء أمور لا تعنيهم، ولا يتركون أمور الحكم وادارة المجتمعات لأهلها، والجواب هو ما قاله الحارث بن عباد في حرب البسوس، يوم قتل ابنه: لم أكن من جُناِتها علمَ الله وإني بحرِّها اليوم صَالي وهذا هو حالنا، فنحن أجيال ظلت تنتظر التحرير فأطلت عليها النكبة والنكسة، ورأت حروبا أهلية من النوع الذي يشيب له الولدان، وعاصرت زيادة السجون، وكبت الحريات، وظلّت تري التناقص بين ما تتعلم وما تري في الواقع، لذلك كان عليها أن تخرج من ثقافة الصمت لتقول كلاما مختلفا أوّله عن حقها في البكاء علي أسوار القدس وبغداد، إن لم نقل إن عليها عبء التنوير والتحريض والتغيير، وإلا أسلمنا الأمة لمغول الزمان الجدد، وتجار الإعلام والحروب، ونسينا أحلامنا التي بدأها الكواكبي قبل قرن من الزمان وهو يهجو الاستبداد.
إن من يحاول أن يقدم شيئا متميزا يخشي جزاء سنمار ، والحكاية معروفة، لكن ما يبعث علي الأسي أن النعمان، سيد القصر الجديد، أراد أن يحتكر الفنان لنفسه، وحين أحسّ بأن ذلك قد لا ينجح ألقي به إلي حتفه!إنها حالات تبعث علي الأسي، وما تحاوله الرأسمالية العالمية اليوم هو احتكار من تراه نافعا لها، وإن وقعت منه علي ضعف في الولاء ألقت به من شاهق، أو أودعته في غيابة النسيان.
إن زمانا لا يعطي فيه الناس حقهم في الخبز والحرية والكرامة والعلم زمان بائس، وأن أنظمة أو حكومات تغيب الشعوب عن الفعل السياسي، وتحتكر الحقيقة والقرار، هي أيضا بائسة، وإن فئات تريد العودة إلي الماضي والجمود عنده هي أيضا طيبة النية لكنها ساذجة، وإن الجاحدين الذين يتنكرون للأمة ويلقون بأنفسهم في أحضان الآخر المهيمن متآمرون، وأن الصراخِ الذي لا يتبعه تغيير في الواقع نحو الحياة الجديدة بمعاييرها (الحرية، والعدل،والمساواة، والديمقراطية) هو فعل ناقص لا فائدة ترجي منه وإن أمة تعدادها 257 مليون (تعداد 1996) بينهم 13 ملايين من الأميين، قد تظل في دائرة الفقر والتبعية إلي زمان قادم بعيد وستظل جراحها دامية، وقد لا تتمكن من تحقيق مشروعات التنمية لأنها غير متكاملة قوميا، ولا تملك في سائر الأقطار العربية قاعدة علمية وتكنولوجية راسخة.تلك هي الأمة الموزعة في اثنين وعشرين كيانا، وذاك هو صوت غناء قديم يمتد في مناخ الضعف: ويلي من البينِ ماذا حلَّ بي وبها من نازلِ البينِ، حلَّ البينُ، وارتحلواوقد عجبت لتكرار البين ثلاث مرات وكأن صخرة تطبق علي روح الشاعر، فتذكرت أن قطعا هائلة من الصخور تطبق علي أرواحنا، ويكفينا مصطلحات التصريحات السياسية العربية في موضوع احتلال أمريكا للعراق، والكثير من حوارات الإعلام العربي التي تضع الباطل إلي جانب الحق ثم تقول لنا: هذا هو الحوار، وهذا هو التعبير عن بنية الوعي الجديد،إذن فليتشكل الوعي الجديد بسيطا وعذبا مثل قصيدة لناظم حكمت:
أريد أن يغني أطفالنا
حين يعودون متشابكي الأيدي
من حدائق الأطفال
الأغاني التي غنيتها لنفسي
إن أجمل ما سمعته من أصوات
سؤال طفل عن النجوم
وهو ينام علي ركبتي في ليلة صيف
وليكن المبدعون العرب جديرين باسمائهم في الزمان القادم، وهم يحلقون بأجنحة منسوجة من الحرية، والعدل، وكرامة الإنسان، ولتكن لغتهم، وألوانهم، وإيقاعاتهم فرحا بالحياة والمقاومة، ورفضا لهذا السواد الذي يمدّه علي أرضنا الغزاة والمستبدون ولينشدوا مع جدّهم أبي الطيب رائعته:
ما لنا كلُّنا جَوٍ يا رسولُ أنا أهوى وقلبك المتبولُ
إنها لحظة تاريخية صعبة، ولكن الصمت فيها هزيمة، وخير من الهزيمة أن نحمل أكفاننا ونسعي إلي المقابر قبل زمان موتنا بزمان هذا إن كان الخائفون يستحقون أضرحة في تراب الوطن، ونعيا في أعمدة الصحافة، وتذكرا في أربعين الخوف والهزيمة، والصمت المريب.
صوت:
هوّنْ علي بصرٍ ما شقََّ منظرُهُ
فإنما يقظاتُ العينِِ كالحُلُمِِ
ولا تشكََّ إلي خلقٍ فتُشْمِتَهُ
شكوي الجريحِِ إلي الغربانِِ والرَّخَمِِ
وكنْ علي حذرٍ للناسِِ تسترهُ
ولا يغرَُّك منها ثغرُ مبتسمِِ
سبحانَ خالقِ نفسي كيف لذ ّتها
فيما النفوسُ تراهُ غايةََ الألمِِ
(المتنبي)
* ناقد وأكاديمي من الأرد(/2)
ما مشروعك الخاص؟
د. خالد بن سعود الحليبي 11/2/1425
01/04/2004
تخيل أن هذا السؤال طرح عليك بعد أن بلغت من العمر عتيا!!
ربما كان جوابك: إنني كنت مديرًا لكذا، ورئيسًا لكذا، وخدمت أربعين عامًا في كذا .. ثم ماذا بعد؟ إنك لم تجب عن هذا السؤال!
ربما كان جوابك: إنني ألفت كذا كتاب، وكنت عضوًا في كذا جمعية، وشاركت في كذا مؤتمر.. ثم ماذا بعد؟ إنك لم تجب عن هذا السؤال!
كل إنسان غيرك يمكن أن يقوم مقامك!
إذا لم تكن قد ابتدعت مشروعًا ابتداعًا، أو أسست عملاً لم يكن موجودًا من قبل، أو اخترعت جديدًا للبشرية، أو كان لك مشروع ثقافي خاص عرفت به...؛ فأنت لم تصنع شيئًا تضيفه للإنسانية، بل أنت من بين الملايين السائرين في هذه الحياة بالقدر الذي وفقوا له بما تسمح لهم به مواهبهم وقدراتهم وبيئاتهم.
الواقع أن الحياة تسير بسرعة هائلة لا تعرف البطء، ومن يسوف فسيجد نفسه فجأة أمام نهاية المطاف دون أن يشعر. والمبدعون –وحدهم- الذين يعرفون قيمة الزمن المنصرم.. هم مهندسو الدقائق والثواني، الذين يعرفون كيف يديرون اللحظات بكل جدارة، ولذلك يذهل الآخرون وهم يرون إنجازاتهم التي لا تكف عن التبرعم ثم الإزهار ثم الإثمار، وبينما هم مشغولون بإنتاج الجديد ينشغل الآخرون بعد إنجازاتهم أو الحومان حولها تفنيدًا أو إعجابًا أو دراسة.
إن كثيرًا من الناس قد شغل حياته بمشروعات الآخرين، يتمم لهذا مشروعًا، ويرخص لهذا ساعاته الطوال كي ينجح مشروعًا آخر ليس من إنتاج فكره.. وفي ذلك تعاون على البر والتقوى ولا شك؛ ولكن الحقيقة أنه سوف يبقى مثل هذا دون مشروع يخصه، يقدمه لأمته ولمجتمعه.
إذا لم تقف الآن تراجع حساباتك السابقة، وتفكر مليًّا فيما ذهب وفيما سيأتي، وتخطط لحياتك واضعًا هدفك الشريف أمام عينيك، سوف تجد نفسك تسير نحو هوة سحيقة هي النهاية غير المنتجة.
كلنا نغرم بقراءة سير العظماء الذين تقدمت بهم البشرية، ونالت بهم شرف الاستخلاف، عمروا الأرض بأمر الله، واستقبلوا الموت بابتسامة الرضا عن أنفسهم. والمؤمنون منهم كلهم ظن في الله الكبير أن يتقبل منهم ما عملوا وأن يجدوا ذلك حسنات لا يعرف حدها إلا الله تعالى.
ولعل من أبرز موانع تسنّم هذا الأمر هو الشعور السلبي الذي يحسه بعضنا بأنه ليس من هؤلاء، ولن يستطيع أن يفعل شيئًا في هذا الاتجاه، والحقيقة أنه ربما كان بين أعصابنا يجثم عملاق يريد أن يتحرر من ربقة ظلم النفس، والاستهانة بطاقاتها الكامنة؛ فمتى سنطلقه؟!
إن لدى كل مولود طاقة إبداعية رائعة، اكتشفها بعضهم فسقاها فأورقت، وغيبها آخرون فماتت؛ فلم يخسروا هم وحدهم، بل خسرتهم البشرية كلها.
نعم يجب أن يكون لك أيها المؤلف كتابًا يمثلك من بين عشرات الكتب التي أصدرتها، وأن يكون لك أيها المهندس اختراعك الذي تسجل له براءة في أكبر المؤسسات العالمية التي تخص اختصاصك، وأن يكون لك أيها الصحفي عملك الذي لا تشبه فيه الآخرين، وأن يكون لك أيها العالم أيها الأديب أيها الطبيب أيها...مشروعك الخاص بك أنت وحدك .. فهل ستبدأ الآن؟(/1)
ما هكذا توردُ الإبلُ يا دكتور . . . مقالٌ عجيبٌ ...
الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
اطلعتُ على مقالٍ للدكتور طارق سويدان - عفا اللهُ عنه - في جريدةِ المدينةِ في عمودهِ الأسبوعي : " قوالب فكرية " وعنون له : " تلبس الجان بالإنسان .. حقيقة أم وهم ؟ " ، وأتى في مقالهِ على مسألةِ تلبسِ الجنّ بالإنسِ ، وقرر فيه أن تلبسَ الجنِ بالإنسِ انتشر عن طريقِ الخرافةِ والوهمِ ، وهذا لا يعني أن ما قالهُ وقررهُ هو الصوابُ ، وإنما المرجعُ في ذلك أدلةُ الكتابِ والسنةِ ، والرجوعُ إليهما حال التنازعِ قال تعالى : " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " [ النساء : 59 ] ، ولو لم يوجد في المسألةِ إلا نصٌ واحدٌ لكفى ، فكيف إذا تكاثرتِ النصوصُ بذلك ؟ وقررهُ علماءُ أهلِ السنةِ والجماعةِ في كتبهم .
افتتح الدكتور طارق – غفر اللهُ له – مقالهُ بمقدمةٍ جيدةٍ فقال : " كثير من المسائل تأخذ انتشارها من قصة مروية أو إشاعة مكذوبة أو وهم متخيل ، فإذا تراخى الناس في الرد عليها وتكذيبها أخذت شكل الحقيقة ، وأصبحت معتقدا ثابتا في عقول الكثير لا يجوز الجدال فيه ، مع أن أصلها ما ذكرناه من خرافة ووهم " .
وهذا كلامٌ جيدٌ ، ولكنه أتى بمثالٍ على ذلك تلبس الجنّ بالإنسِ فقال : " وقد أثبت الله سبحانه وتعالى في مواضيع عدة من كتابه أن الشيطان ليس له سبيل على بني آدم فقال تعالى : " إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " وقال سبحانه يحكي على لسان إبليس حين تبرأ من الكافرين : " وما كان لي عليكم من سلطان " .
فكيف نأتي بعد هذا البيان الإلهي ونقول بأن الجن يتلبس بالإنسان ، ثم يتكلم عوضا عنه ، ويوحي له بالتصرفات التي يريدها ، والله سبحانه يثبت أن الشيطان لا سلطان له على البشر ؟!! كما أن العقل البشري لا يصدق مثل هذه الأوهام. وعلاوة على كل ذلك فأنا أرى أن أصول التشريع ترفض ذلك من وجه آخر وهو أن الجن إذا تلبس بالإنسان وتصرف عوضا عنه فمن المفترض أن يسقط التكليف عن الإنسان في تلك الحالة، وليس في الشرع ما يشير إلى أن من أسباب سقوط التكليف تلبس الجن " .
سبحانَ اللهِ ! هكذا بكلِّ بساطةٍ يا دكتور طارق – عفا اللهُ عنك - ، لأن العقلَ لا يقبلُ مثل هذا الكلامِ تُردُّ نصوصُ الكتابِ والسنةِ الواضحةِ البينةِ في المسألةِ ، وقد عدها أهلِ العلمِ من أصولِ أهل السنةِ والجماعةِ فهذا شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ يقولُ في " الفتاوى " (24/276) : " ليس في أئمةِ المسلمين من ينكرُ دخولَ الجني في بدنِ المصروعِ وغيرهِ ، ومن أنكر ذلك ، وأدعى أن الشرعَ يكذبُ ذلك ، فقد كذب على الشرعِ ، وليس في الأدلةِ الشرعية ما ينفي ذلك " ، ثم قال : " دخولُ الجني ثابتٌ باتفاقِ أئمةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ " .ا.هـ.
وأما تقديمك للعقلِ على النصوصِ الواضحةِ فهذا مظهرٌ خطيرٌ من مظاهرِ الانحرافِ أنزهك عنه ، وقد قيل : " اجعلِ الشرعَ في يمينك والعقلَ في يسارك " تنبيهاً على تقديمِ النقلِ على العقلِ ، ولهذا قال الشاطبي في " الاعتصام " : إن اللهَ جعل للعقولِ في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداهُ ، ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراكِ في كلِّ مطلوبٍ ، ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري في إدراكِ جميعِ ما كان وما يكونُ وما لا يكونُ " .ا.هـ.
ولعلي أكتفي بذكر دليلين مما لم تشر إليها في مقالك ، وأنقلُ كلامَ العلماءِ عليهما .
الدليلُ الأولُ :
مِنْ أظهرِ الأدلةِ على تلبسِ الجنِ بالإنس قولهُ تعالى : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ " [ البقرة : 275 ] ، وتعجبتُ من الدكتور طارق – غفر اللهُ له – أنه لم يوردها في مقالهِ ! فلا أدري هل غابت عنهُ ؟ أم أنهُ تعمد عدم ذكرها ؟ ولكننا نحسنُ الظنَّ به ، ونقول : ربما غابت عنه .
وهذه الآيةُ صريحةٌ جداً في المسألةِ ، ولو لم يكن في الأدلةِ إلا هذه الآية لكفى .
قال القرطبي عند تفسيره للآيةِ : " فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى فَسَاد إِنْكَار مَنْ أَنْكَرَ الصَّرْع مِنْ جِهَة الْجِنّ , وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ فِعْل الطَّبَائِع , وَأَنَّ الشَّيْطَان لَا يَسْلُك فِي الْإِنْسَان وَلَا يَكُون مِنْهُ مَسّ " .ا.هـ.
وقال ابنُ حزمِ في " الفصل " (5/113) : " وأما الصرعُ فإن اللهَ عز وجل قال : " الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ " فذكر عز وجل تأثيرَ الشيطانِ في المصروعِ إنما هو بالمماسةِ ، فلا يجوزُ لأحدٍ أن يزيدَ على ذلك شيئاً " .ا.هـ.(/1)
وقال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية : " أَيْ لَا يَقُومُونَ مِنْ قُبُورهمْ يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا كَمَا يَقُوم الْمَصْرُوع حَال صَرْعه وَتَخَبُّط الشَّيْطَان لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُوم قِيَامًا مُنْكَرًا " .ا.هـ.
وقال الشوكاني في " فتح القدير " : " وفي الآيةِ دليلٌ على فسادِ قولِ من قال : إنّ الصرعَ لا يكونُ من جهةِ الجنِّ ، وزعم أنهُ من فعلِ الطبائعِ ، وقال : إن الآيةَ خارجةٌ على ما كانت العربِ تزعمهُ من أن الشيطانَ يصرعُ الإنسانَ ، وليس بصحيحٍ ، وإن الشيطانَ لا يسلك في الإنسانِ ولا يكونُ منه مس " .ا.هـ.
وقال الشيخُ محمدُ بنُ صالحٍ العثيمين عند تفسيرها (3/376) : " ومنها – أي من فوائد الآيةِ - أن الشيطانَ يتخبطُ بني آدم فيصرعهُ ؛ ولا عبرة بقولٍ من أنكر ذلك من المعتزلةِ وغيرهم ؛ وقد جاءتِ السنةُ بإثباتِ ذلك ؛ والواقعُ شاهدٌ به ؛ وقد قسم ابنُ القيمِ – رحمهُ اللهُ – في زاد المعاد الصرعَ على قسمين : صرع بتشنجِ الأعصابِ ؛ وهذا يدركهُ الأطباءُ ، ويقرونه ، ويعالجونهُ بما عندهم من الأدويةِ ، والثاني : صرع من الشيطانِ ، وذلك لا علم للأطباءِ به ، ولا يعالجُ إلا بالأدويةِ الشرعيةِ كقراءةِ القرآنِ ، والأدعيةِ النبويةِ الواردةِ في ذلك " .ا.هـ.
وأكتفي بنقولِ هؤلاءِ الأئمةِ ولو تتبعتُ كلامَ غيرهم في تفسيرِ الآيةِ لطال المقامُ ، ولا أدري هل هؤلاءِ أعلمُ أم الدكتور طارق – غفر اللهُ له - ؟
الدليلُ الثاني :
عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : " أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ " ، قُلْتُ : " بَلَى " ، قَالَ : " هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ؛ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : " إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي " ، قَالَ : " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ " ، فَقَالَتْ : " أَصْبِرُ " ، فَقَالَتْ : " إِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ " ، فَدَعَا لَهَا .
أخرجهُ البخاري (5652) ، ومسلم (2576) .
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتحِ " (10/115) : " وَقَدْ يُؤْخَذ مِنْ الطُّرُق الَّتِي أَوْرَدَتْهَا أَنَّ الَّذِي كَانَ بِأُمِّ زُفَر كَانَ مِنْ صَرْع الْجِنّ لَا مِنْ صَرْع الْخَلْط " .ا.هـ.
المنكرون لتلبس الجنِّ بالإنس :
لقد أنكرت طوائفُ تلبسَ الجنِّ بالإنس وهم بعضُ المعتزلةِ والرافضةِ والمدرسةِ العقليةِ ، قال السيوطي في " لقط المرجانِ " ( ص 134 ) : " أنكرَ طائفةٌ من المعتزلةِ دخولَ الجنِّ في بدنِ المصروعِ " .ا.هـ.
ونقل أبو الحسن الأشعري في " مقالاتِ الإسلامين " ( ص 61 ) عن أصحابِ هشامِ بن الحكمِ قولهم عن الجنِّ : " فعلمنا أنه يوسوسُ ، وليس يدخلُ أبدانَ الناسِ " .ا.هـ.
وزعم الزمخشري في " الكشافِ " (1/164) فقال : " وتخبطُ الشيطانِ من زعماتِ العربِ ، يزعمون أن الشيطانَ يخبطُ الإنسانَ فيصرعُ " .ا.هـ.
وتعقبهُ البقاعيُّ في " تفسيرهِ " (4/111) فقال : " وظاهرهُ إنكارُ ذلك ، وليس بمنكرٍ ، بل هو الحقُّ الذي لا مريةَ فيه " .ا.هـ.
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (19/12 – 13) : " أنكر طائفةٌ من المعتزلةِ كالجبائي وأبي بكرٍ الرازي وغيرهما دخولَ الجنِّ في بدنِ المصروعِ ، ولم ينكروا وجودَ الجنِّ ، إذ لم يكن ظهورُ هذا في المنقولِ عن الرسولِ كظهورِ هذا ، وإن كانوا مخطئين في ذلك . ولهذا ذكر الأشعري في مقالاتِ أهلِ السنةِ والجماعةِ أنهم يقولون : إن الجني يدخلَ بدن المصروعِ كما قال تعالى : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ " [ البقرة : 275 ] ، وقال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبل : قلتُ لأبي : " إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخلُ في بدنِ الإنسي " ، فقال : " يا بني ؛ يكذبون ، هو ذا يتكلمُ على لسانهِ " . وهذا مبسوطٌ في موضعهِ " .ا.هـ.
وأكتفي بهذا القدر ، وأسألُ اللهَ أن يوفق الدكتور طارق سويدان للعملِ بالكتابِ والسنةِ ، وقد ختم مقالهُ بقولهِ : " والبعض ممن يروجون لهذه الأوهام يستدلون بأحاديث وآيات ليس فيها أي دليل على ذلك " .
فاقولُ : أسألُ اللهَ لك الهدايةَ ، أصبح الاستدلالُ بالآياتِ والأحاديث التي ذُكرت آنفاً أوهاماً يا دكتور طارق ! وأيضاً ليس فيها أيُّ دليلٍ !(/2)
وذكر الدكتورُ دليلاً واحداً فقال : " كقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من ابن آدم كمجرى الدم في العروق " والغريب أنهم لم يستوعبوا القصة كاملة وهي أن بعض الصحابة رأى النبي صلى الله عليه وسلم مع إحدى نسائه فناداهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنها زوجته صفية وليست امرأة غريبة فقالوا: أفيك نشك أو نظن يا رسول الله ؟ فقال: (إن الشيطان يجري ...) فانظر إلى مجرى القصة وإلى استدلالهم يتبين لك ما فيه من البطلان " .
البطلان يا دكتور طارق – غفر اللهُ لك - ! وهذا الحديث قد استدل به على إمكانيةِ دخولِ الجني بدن الإنسي عددٌ من العلماءِ منهم القرطبي في " تفسيرهِ " (2/50) ، وشيخُ الإسلامِ في " الفتاوى " (24/277) ، والبقاعي في " نظم الدرر " (4/112) ، والقاسمي في " محاسن التأويل " (3/701) ، والشيخ عبد الله بن حميد في " الرسائل الحسان في نصائحِ الإخوان " ( ص 42 ) .
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " بذلِ الماعونِ " ( ص 151 ) : " وهو وإن كان في سياقهِ مخصوصٌ بالوسوسةِ ، لكنهُ يدلُّ على إمكانِ ما أشرتُ إليهِ . والدلالةُ الوجوديةُ فيمن يصرعهُ الجنُّ من الإنسِ كثيرةٌ جداً " .ا.هـ.
فلا أدري يا دكتور طارق هل نبطلُ كلامَ العلماءِ وفهمهم للحديثِ ونأخذ بتقريرك ؟
وختاماً نسألُ اللهَ أن يفقهنا والدكتور طارق في الدينِ ، وأن يقيهِ شر نفسهِ وشر الشيطانِ ، وأن يرجعَ إلى كلامِ العلماءِ الثقاتِ في فهمِ الكتابِ والسنةِ لا إلى عقلهِ .
إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه . .
أما بعد . . فقد نشرت بعض الصحف المحلية وغيرها في شعبان من هذا العام أعني عام 1407 هـ أحاديث مختصرة ومطولة عما حصل من إعلان بعض الجن - الذي تلبس ببعض المسلمات في الرياض - إسلامه عندي بعد أن أعلنه عند الأخ عبد الله بن مشرف العمري المقيم في الرياض ، بعدما قرأ المذكور على المصابة وخاطب الجني وذكره بالله ووعظه وأخبره أن الظلم حرام وكبيرة عظيمة ودعاه إلى الإسلام لما أخبره الجني أنه كافر بوذي ودعاه إلى الخروج منها ، فاقتنع الجني بالدعوة وأعلن إسلامه عند عبد الله المذكور ، ثم رغب عبد الله المذكور وأولياء المرأة أن يحضروا عندي بالمرأة حتى أسمع إعلان إسلام الجني فحضروا عندي فسألته عن أسباب دخوله فيها فأخبرني بالأسباب ونطق بلسان المرأة لكنه كلام رجل وليس كلام امرأة ، وهي في الكرسي الذي بجواري وأخوها وأختها وعبد الله بن مشرف المذكور وبعض المشايخ يشهدون ذلك ويسمعون كلام الجني ، وقد أعلن إسلامه صريحا وأخبر أنه هندي بوذي الديانة ، فنصحته وأوصيته بتقوى الله ، وأن يخرج من هذه المرأة ويبتعد عن ظلمها ، فأجابني إلى ذلك ، وقال : أنا مقتنع بالإسلام ، وأوصيته أن يدعو قومه للإسلام بعدما هداه الله له فوعد خيرا وغادر المرأة وكان آخر كلمة قالها : السلام عليكم .
ثم تكلمت المرأة بلسانها المعتاد وشعرت بسلامتها وراحتها من تعبه . ثم عادت إلي بعد شهر أو أكثر مع أخويها وخالها وأختها وأخبرتني أنها في خير وعافية وأنه لم يعد إليها والحمد لله ، وسألتها عما كانت تشعر به حين وجوده بها فأجابت بأنها كانت تشعر بأفكار رديئة مخالفة للشرع وتشعر بميول إلى الدين البوذي والاطلاع على الكتب المؤلفة فيه ، ثم بعدما سلمها الله منه زالت عنها هذه الأفكار ورجعت إلى حالها الأولى البعيدة من هذه الأفكار المنحرفة .
وقد بلغني عن فضيلة الشيخ علي الطنطاوي أنه أنكر مثل حدوث هذا الأمر وذكر أنه تدجيل وكذب ، وأنه يمكن أن يكون كلاما مسجلا مع المرأة ولم تكن نطقت بذلك . وقد طلبت الشريط الذي سجل فيه كلامه وعلمت منه ما ذكر ، وقد عجبت كثيرا من تجويزه أن يكون ذلك مسجلا مع أني سألت الجني عدة أسئلة وأجاب عنها ، فكيف يظن عاقل أن المسجل يسأل ويجيب ، هذا من أقبح الغلط ومن تجوبز الباطل ، وزعم أيضا في كلمته أن إسلام الجني على يد الإنسي يخالف قول الله تعالى في قصة سليمان : " وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " ولا شك أن هذا غلط منه أيضا هداه الله وفهم باطل فليس في إسلام الجني على يد الإنسي ما يخالف دعوة سليمان .
فقد أسلم جم غفير من الجن على يد النبي صلى الله عليه وسلم . . وقد أوضح الله ذلك في سورة الأحقاف وسورة الجن وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعتّه ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان عليه السلام رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فرده الله خاسئا(/3)
هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم : إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فذعته فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم ثم ذكرت قول أخي سليمان : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " فرده الله خاسئا وروى النسائي على شرط البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حتى وجدت برد لسانه على يدي ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس " ، ورواه أحمد وأبو داود من حديث أبي سعيد وفيه : فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الإبهام والتي تليها
وخرج البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به جـ 4 ص 487 من الفتح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة ، قال فخليت عنه ، فأصبحت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله . قال : أما إنه قد كذبك وسيعود ، فعرفت أنه سيعود؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرصدته فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ولا أعود ، فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله " قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود . . قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت : ما هي؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة " قلت : يا رسول الله ، زعم أن يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : " ما هي؟ " قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة " ؟ قال : لا قال " ذاك شيطان
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . وروى الإمام أحمد رحمه الله في المسند جـ 4 ص 216 بإسناد صحيح أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي ، قال : " ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا " قال : ففعلت ذاك فأذهبه الله عز وجل عني
كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله أعانه عليه فأسلم فلا يأمره إلا بخير . وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه ، فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى ، بل تقليدا لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة ؟ فالله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأنا أذكر لك أيها القارئ ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله .
رد إرسل للشيخ علي الطنطاوي بتاريخ 2 /11 / 1408 هـ
بيان كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ
قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ما نصه :(/4)
يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه " من المس " يعني : من الجنون . وقال البغوي رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه : لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ أي : الجنون . يقال مس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنونا . ا هـ .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ أي : لا يقومون من قبورهم بوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياما منكرا .
وقال ابن عباس رضي الله عنه آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق رواه ابن أبي حاتم ، قال : وروي عن عوف ابن مالك وسعيد بن جبير ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله .
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع ، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس . ا هـ .
وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه [إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين] الموجود في مجموع الفتاوى جـ 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه بعد كلام سبق . ( ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن ، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك . ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون أن الجني يدخل في بدن المصروع ، كما قال تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي فقال يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه . وهذا مبسوط في موضعه ) .
وقال أيضا رحمه الله في جـ 24 من الفتاوى ص 276- 277 ما نصه . ( وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة قال الله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " ) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : ( قلت : لأبي إن أقواما يقولون : إن الجني لا يدخل بدن المصروع ، فقال : يا بني ، يكذبون . هو ذا يتكلم على لسانه ) ، وهذا الذي قاله أمر مشهور ، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما ، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله ، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان ، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان . وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع ، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع ، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك ) . ا هـ .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [زاد المعاد في هدي خير العباد] جـ 4 ص 66 إلى 69 ما نصه :
( الصرع صرعان : صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية ، وصرع من الأخلاط الرديئة ، والثاني : هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه .
وأما صرع الأرواح . فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه . ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع أثارها ، وتعارض أفعالها وتبطلها . وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه . فذكر بعض علاج الصرع . وقال : ( هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة ، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج .
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة فأولئك ينكرون صرع الأرواح ، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل ، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك ، والحس والوجود شاهد به ، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها .
إلى أن قال : وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم ) .(/5)
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين : أمر من جهة المصروع ، وأمر من جهة المعالج ، فالذي من جهة المصروع : يكون بقوة نفسه . وصدق توجهه إلى فاطر . هذه الأرواح وبارئها . والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان . فإن هذا نوع محاربة . والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين : أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل . فكيف إذا عدم الأمران جميعا ، ويكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ، ولا سلاح له .
والثاني من جهة المعالج : بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا ، حتى أن من المعالجين من يكتفي بقوله : ( اخرج منه ) أو يقول : ( بسم الله ) أو يقول : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اخرج عدو الله أنا رسول الله
وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه . ويقول قال لك الشيخ : اخرجي ، فإن هذا لا يحل لك ، فيفيق المصروع ، وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب . فيفيق المصروع ولا يحس بألم ، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا . . . إلى أن قال : وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة ، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية ، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا . . ) . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله .
وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي ، يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك وخطأ فضيلة الشيخ علي الطنطاوي في إنكاره ذلك .
وقد وعد في كلمته أنه يرجع إلى الحق متى أرشد إليه فلعله يرجع إلى الصواب بعد قراءته ما ذكرنا ، نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق .
ومما ذكرنا أيضا يعلم أن ما نقلته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 14 / 10 / 1407 هـ ص 8 عن الدكتور محمد عرفان من أن كلمة جنون اختفت من القاموس الطبي ، وزعمه أن دخول الجني في الإنسي ونطقه على لسانه أنه مفهوم علمي خاطئ مائة في المائة . كل ذلك باطل نشأ عن قلة العلم بالأمور الشرعية وبما قرره أهل العلم من أهل السنة والجماعة ، وإذا خفي هذا الأمر على كثير من الأطباء لم يكن ذلك حجة على عدم وجوده بل يدل ذلك على جهلهم العظيم بما علمه غيرهم من العلماء المعروفين بالصدق والأمانة والبصيرة بأمر الدين ، بل هو إجماع من أهل السنة والجماعة ، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عن جميع أهل العلم ، ونقل عن أبي الحسن الأشعري أنه نقل ذلك عن أهل السنة والجماعة ونفل ذلك أيضا عن أبي الحسن الأشعري العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفي سنة 799 هـ في كتابه [آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان] في الباب الحادي والخمسين من كتابه المذكور .
وقد سبق في كلام ابن القيم رحمه الله أن أئمة الأطباء وعقلاءهم يعترفون به ولا يدفعونه ، وإنما أنكر ذلك جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم وزنادقتهم . فاعلم ذلك أيها القارئ وتمسك بما ذكرناه من الحق ولا تغتر بجهلة الأطباء وغيرهم ولا بمن يتكلم في هذا الأمر بغير علم ولا بصيرة ، بل بالتقليد لجهلة الأطباء وبعض أهل البدع من المعتزلة وغيرهم ، والله المستعان . .
تنبيه
قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفا لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة ص أنه قال : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي . .
وقد سبق في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم : ذعت الشيطان حتى سال لعابه على يده الشريفة عليه الصلاة والسلام وقال لولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس وفي رواية لمسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .(/6)
وهكذا كلام أهل العلم ، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الحق ، واسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه ، والثبات عليه ، وأن يمن علينا جميعا بإصابة الحق في الأقوال والأعمال ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من القول عليه بغير علم ، ومن إنكار ما لم نحط به علما ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان .
وجدتُ عبارةً جميلةً للشيخِ علي الطنطاوي - رحمهُ اللهُ - في " ذكرياتهِ " (8/8) قال فيها : " وللطب حُماتهُ ، والذائذون عنهُ ، فإن انتحل صفةَ الطبيبِ من ليس من أهلهِ ، ففتح عيادةً ، أو كتب وصفةً لاحقوهُ قضائياً فعاقبوهُ ، وكذلك من ادعى أنهُ مهندسٌ وما هو بمهندسٍ ، فرسم خريطةً حاكموهُ وجازوهُ ، فما لنا نرى بابينِ مفتوحين لا حارس عليهما ، ولا بواب ، يدخلهما من شاء ، وهما أخطرُ من الطب ومن الهندسةِ ، هما : " الدينُ والسياسيةُ " .
فمن أراد تكلم في الدينِ ، ولو خالف الأئمةَ الأولين والآخرين ، أو أفتى ولو جاء بما لم يقل به أحدٌ من المفتين ...
فما للدينِ لا يجدُ من يحميهِ ؟ لقد كانوا يقولون قديماً :
لقد هزلت حتى بدا من هزالها * * * * سلاها وحتى سامها كل مفلس
فماذا نقولُ وقد زاد بها الهزالُ حتى لم يبق منها إلا العظام ، وحتى أقدمت عليها السباعُ والضباعُ والهوامُ " .ا.هـ.
وصدق - رحمهُ اللهُ - .
أصبح دينُ الإسلام مستباحاً لكلِّ أحدٍ يخوضُ فيه ، ويفتي ، ويقعد ، وينظر ، فصار المهندسُ يتكلمُ في الدينِ ... وصار الخبازُ يتكلمُ في الدين ... وصار الفنانُ الذي يمثل في السينما والمسرح يفتي ... وهكذا دواليك ... ولو تكلمت فيما يحسنهُ هو ويتقنهُ لزمجر ورفع عقيرتهُ ، ولكن دين الله حلالٌ لكلِّ أحدٍ يخوض فيه .
اللهم أبرم لهذا الدينِ أمرَ رشدٍ .
السؤال: ما حقيقة مسّ الجن للإنس وهل يجوز استخدامهم في العلاج ؟
أجاب عن السؤال الشيخ/ د.عبد الله بن عمر الدميجي (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى)
الجواب: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
جواباً على سؤال السائل : ما حقيقة مس الجن للأنس وهل يجوز استخدامهم في العلاج؟
فنقول :
أما مس الجن للإنس فحقيقة ثابتة دل عليها الكتاب والسنة والواقع. ولم يخالف في ذلك إلا بعض من يسمون بالعقلانيين قديماً وحديثاً بناء على تقديسهم العقل.
علماً أن العقل السليم لا يمنع من ثبوت ذلك، بل تعدى بعضهم إلى إنكار حقيقة الجن أصلاً وهذه مكابرة.
قال الله تعالى: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس …". وقد ثبت ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة.
كما يشهد له الواقع، وأقوال العلماء في ذلك قديماً وحديثاً مشهودة ... ...
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل ...(/7)
ما هو الإسلام ؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه وبعد :
.
الإسلام : هو الاستسلام لله ، والانقياد له سبحانه بتوحيده ، والإخلاص له والتمسك بطاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام لأنه المبلغ عن ربه ، ولهذا سمي إسلاماً لأن المسلم يسلم أمره لله ، ويوحده سبحانه ، ويعبده وحده دون ما سواه ، وينقاد لأوامره ويدع نواهيه ، ويقف عند حدوده ، هكذا الإسلام .
وله أركان خمسة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع .
والشهادتان معناهما : توحيد الله والإخلاص له ، والإيمان بأن محمدا رسوله إلى الناس كافة ، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين ، وهما أساس الملة ، فلا معبود بحق إلا الله وحده ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، كما قال عز وجل : (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ))
وأما شهادة أن محمداً رسول الله فمعناها : أن نشهد - عن يقين وعلم - أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي هو رسول الله حقاً . وأن الله بعثه للناس عامة . إلى الجن والإنس ، إلى الذكور والإناث ، إلى العرب والعجم ، إلى الأغنياء والفقراء ، إلى الحاضرة والبادية ، (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تهتدون )) فهو رسول الله إلى الجميع ، من اتبعه فله الجنة ، ومن خالف أمره فله النار ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ))
فهذه العقيدة الإسلامية العظيمة مضمونها : توحيد الله ، والإخلاص له ، والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بجميع المرسلين ، مع الإيمان بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج ، والإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله . هذه هي العقيدة الإسلامية .
أهل الكتاب لا يفقهون ما تعني كلمة الإسلام :
يبدو أن أهل الكتاب عموماً لا يفقهون شيئاً مما تعني كلمة ( الإسلام ) الذي يمقتونه ويرفضونه ، وإلا لكان لهم موقف آخر من المسلمين غير هذا الموقف البغيض العدائي ، وفي هذا المعنى يقول المرحوم الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز في كتاب الدين :
( إذا إخذنا كلمة الإسلام بمعناها القرآني نجدها لاتدع مجالاً لهذا السؤال عن العلاقة بين الإسلام وبين سائر الأديان السماوية ، فالإسلام في لغة القرآن ليس اسماً لدين خاص وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء ، وانتسب إليه كل اتباع الأنبياء )
هكذا نرى نوحاً يقول لقومه : (( وأمرت أن أكون من المسلمين )) [ يونس : 72 ]
ويعقوب يوصي بنيه فيقول : (( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) [ البقرة : 132 ]
وأبناء يعقوب يجيبون أباهم : (( قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون )) [ البقرة : 133 ]
وموسى يقول لقومه : (( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )) [ يونس : 84 ]
والحواريون يقولون للمسيح عيسى : (( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون )) [ آل عمران : 52 ]
بل إن فريقاً من أهل الكتاب حين سمعوا القرآن : (( قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين )) [ القصص : 53 ]
ويقول الله سبحانه وتعالى عن ابراهيم : (( ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلماً )) [ آل عمران : 67 ]
ثم نرى القرآن الكريم يجمع هذه القضايا كلها في قضية واحدة يوجهها إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لهم فيها أنه لم يشرع لهم ديناً جديداً ، وإنما هو دين الأنبياء من قبلهم قال الله تعالى : (( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .. )) سورة الشورى
ما هذا الدين المشترك الذي اسمه الإسلام ، والذي هو دين كل الانبياء ؟(/1)
إن الذي يقرأ القرآن يعرف كنه هذا الدين ، إنه هو التوجه إلى الله رب العالمين في خضوع خالص لا يثوبه شرك ، وفي ايمان واثق مطمئن بكل ما جاء من عنده على أي لسان وفي أي زمان أو مكان دون تمرد على حكمه ، ودون تمييز شخصي أو طائفي ، أو عنصري بين كتاب وكتاب من كتبه ، أو بين رسول ورسول من رسله ، هكذا يقول القرآن : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )) سورة البينة ويقول : (( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) سورة البقرة
غير أن كلمة الاسلام قد اصبح لها في عرف الناس مدلول معين ، هو مجموعة الشرائع والتعاليم التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم أو التي استنبطت مما جاء به ، كما أن كلمة اليهودية أو الموسوية تخص شريعة موسى وما اشتق منها ، وكلمة النصرانية أو المسيحية تخص شريعة المسيح عيسى وما تفرع منها .
علاقة الإسلام بالديانات السماوية السابقة :
إن علاقة الإسلام بالديانات السماوية في صورتها الأولى هي علاقة تصديق وتأييد كلي ، أما عن علاقته بها في صورتها المنظورة فهي علاقة تصديق لما تبقى من أجزائها الأصلية ، وتصحيح لما طرأ عليها من البدع والإضافات الغريبة عنها . ا . هـ
ان ما جاء به الإسلام لم يكن جديداً بقدر ما كان تصحيحاً للرسالات التي سبقته وكيف ان الاسلام كان مجدداً بالدرجة الأولى لما أوحاه الله على أول الانبياء .
ان الإسلام لم يزد الأديان ديناً جديداً ، فهو ليس بدين جديد ، بل هو رد الأديان المحرفة إلى أصولها يقول الله تبارك وتعالى : (( إن الدين عند الله الإسلام ، وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم )) آل عمران : 19
ان الاسلام دين الأنبياء جميعاً ، الذي رضيه الله للبشر جميعاً منذ آدم إلى محمد ، عليهم الصلاة والسلام . وهو بمفهومه العام يعني الانقياد لأحكام الله ، باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، أي اخلاص العبادة لله ، وكل الانبياء دعوا إلى ذلك . فجوهر رسالة الإسلام يشتمل على رسالة كل نبي وكل كتاب أنزل ، فالأنبياء جميعاً جاءوا بالاسلام . لذلك نرى أن أسس رسالات الرسل ومبادىء دعوتهم واحدة ، لأنهم رسل من مرسل واحد .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين(/2)
ما هو الهدف الأكبر والأسمى في حياتك أيها المسلم ؟!
ما هي سائر الأهداف الرئيسة التي يجب أن تنهض إليها أيها المسلم ؟!
من الذي يحدّد لك الهدف الأكبر والأسمى وسائر الأهداف الرئيسة ؟!
ما هي أهم مظاهر الخلل في واقع المسلمين اليوم ؟!
ما هي أهم وسائل علاج هذا الخلل ؟!
ما هو الميزان الذي يجب اعتماده لمعرفة مظاهر الخلل وعلاجها ؟!
ما هي طريق النصر إلى فلسطين وسائر الميادين ؟!
إن النصر من عند الله ، ينزله على من يشاء من عباده على حكمة بالغة وحق نافذ ، فما هي الخصائص التي يجب توافرها في المؤمنين عسى الله أن يُنزل نصره عليهم ؟!
هل يُعقَل أن لا يكون الله قد بيّن لنا وفصّل الأهداف ووسائل معالجة الخلل وطريق النصر ، وسبيل النجاة من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة ، وقد جعل المصير إلى جنّة أو إلى نار ؟!
لا شك أن الله سبحانه وتعالى قد بيّن لنا ذلك كله وفصّله في منهاجه الرباني ـ قرآناً وسنّة ولغة عربيّة ـ رحمة منه بعباده المؤمنين .!
كيف ندرس الإسلام ـ دين الله الحق ـ ؟! وما هو المصدر الربّانيّ الرئيس ؟! وما هي الخطة إلى ذلك وما هو النهج ؟!
إن المصدر الرئيس هو منهاج الله ـ قرآناً وسنة ولغة عربيّة ـ ،كيف نتدبره وندرسه ؟! ما هي الخطة وما هو المنهج ؟!
الدعوة الإسلاميّة حقٌّ أمر بها الله كل مسلم قادر ، فما هي خصائصها وأسسها ؟!
إلى ماذا يجب أن ندعو ؟! وما هو النهج والخطة في واقعنا اليوم ؟!
على هذه الأسئلة وغيرها تدور الدراسات التي نقدّمها ، لنقدّم بها النهج المترابط والنظرية العامة والمناهج التطبيقيّة والنماذج العملية ، ونقدّم هنا موجزاً لبعض هذه القضايا .(/1)
ما هو من الأقوال ، والأعمال ، والاعتقادات كفر
تمهيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين.
وبعد..
قبل الشروع في المقصود أود التنبيه على الآتي:
أولاً: إن الإكفار 1 ملك لله ورسوله، فلا يحل لأحد أن يكفر أحداً إلا من أكفره الله ورسوله.
ثانياً: مسألة الإكفار والتفسيق والتبديع من المسائل الخطرة التي زلت فيها أقدام، وضلت فيها أفهام، وانحرفت بسببها أقوام، لهذا لا ينبغي أن يخوض فيها إلا الراسخون في العلم، ولا يتعاطاها كل أحد من طلاب العلم، دعك عن العوام.
ثالثاً: هناك فرق بين الإكفار العام وإكفار المعين، أي بين أن تقول: هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، أومن قال كذا فقد كفر، وبين أن تقول: فلان من الناس كافر، إذ تكفير المعين له شروط وموانع.
رابعاً: لا يكفر المعين إلا بتوفر شرطين هما:
1. البلوغ.
2. العقل.
وبانتفاء موانع هي:
1. الجهل.
2. الخطأ.
3. التأويل أو الشبهة.
4. الإكراه.
فإذا تعاطى الشخص سبباً من أسباب الكفر القولية أو العملية أو الاعتقادية، بفعل أوترك، جاداً كان أم هازلاً أم شاكاً، فأقيمت عليه الحجة، وبصِّر إن كان جاهلاً، وأزيلت عنه الشبهة، ثم أصر على ذلك، فقد كفر إن كان بالغاً، عاقلاً، طائعاً، مختاراً، غير مكره.
والتأويل منه ما هو فاسد وهذا لا عبرة به، ومنه ما هو راجح أومرجوح، وهذا لا يكفر أحد تعاطاه.
ولا تقبل دعوى الجهل لمسلم يعيش بين ظهراني المسلمين، ولكن لحديث عهد بالإسلام.
خامساً: يحكم في ذلك الفقهاء والقضاة الموثوق بدينهم وعلمهم الشرعي وعدالتهم، وينفذ الحكم ولاة الأمر وليس العامة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الحدود لا يقيمها إلا الإمام ونائبه). 2
سادساً: الإكفار منه ما هو بدعي، وهو الذي يكون بسبب اقتراف بعض الذنوب غير المكفِّرة، نحو تعاطي الخمر، والتعامل بالربا، وممارسة الزنا لمن يقر بحرمتها، أما من استحلها ولو لم يتعاطاها فقد كفر، أوبسبب الابتداع، والتعصب، والحسد، ونحو ذلك؛ ومنه ما هو شرعي، كالذبح لغير الله، والسجود لصنم، وإلقاء المصحف في دورة مياه مثلاً، ونحو ذلك.
سابعاً: من المسائل التي يجب على المسلم تعلمها نواقض الإسلام، وهي الأمور التي تبطل الإسلام وتفسده وتخرج المسلم من حظيرة الإيمان إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.
ثامناً: النطق بالشهادتين والدخول في الإسلام ليس عاصماً ولا مانعاً من الكفر بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي كافراً ويصبح مسلماً". 3
فقد يكون المرء مصلياً صائماً وهو متعاطي لسبب من أسباب الكفر المحبطة لأعماله الصالحة وهو لا يشعر، عقدياً كان هذا السبب، أو عملياً، أو قولياً: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم".
ولا تغتر أخي المسلم بما يقوله أهل الأهواء المرجئة: "لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، حيث اختزلوا كلمة التوحيد التي بها قامت السموات والأرض في التصديق بالقلب أوالنطق باللسان ولو لم يصاحب ذلك عمل بالأركان وكف عن المحرمات والآثام، أو بقول مشايخهم من الجهمية الطغام الذين قصروا الإيمان على المعرفة القلبية، ففي شرعهم فإن إبليس وفرعون مؤمنان كاملا الإيمان لمعرفتهم برب الأرباب، حيث حكى الله عن إبليس لعنه الله: "قال رب فأنظرني إلى يوم يُبعثون"4، وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين"5، وقال عن فرعون وملئه أبعدهم الله من رحمته: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً". 6
بعد هذه التنبيهات والتوطئات التي لابد منها ندلف إلى ما عزمنا عليه، فنقول وبالله التوفيق:
بم يكون الكفر عند أهل السنة والجماعة؟
الكفر عند أهل السنة والجماعة، نقاوة المسلمين، الفرقة الناجية المنصورة، يكون بالقول والعمل والاعتقاد، وبالفعل والترك، وبالجد والهزل والشك، فقد يكفر المسلم بالعمل كما يكفر بالاعتقاد، وقد يكفر بالفعل كما يكفر بالترك، وقد يكفر وهو هازل مازح كما يكفر وهو جاد حازم، وقد يكفر وهو متيقن أوشاك: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"7، وأن الكفر العملي ليس قاصراً على سب الله ورسوله ودينه.
فكما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد، فقد يكفر المسلم بقول أوعمل وإن كان يعتقد بقلبه خلاف ما نطق به لسانه أوكسبته يداه، إلا المكره، فقد استثناه الله - عز وجل -: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"8.(/1)
لقد تعجبت كثيراً كما تعجب غيري من زعم البعض هدانا الله وإياهم سبل الرشاد أن الحاكم الذي يشرِّع دستوراً ويسن قانوناً على غرار دساتير وقوانين الكفار ويحكم به وينبذ شرع الله وراءه ظهرياً لا يكفر مثلاً إلا إذا اعتقد ذلك بقلبه؛ وكان تعجب الإمام ابن الوزير اليماني - رحمه الله - من إحدى فرق المعتزلة وهم "البهاشمة"9 أشد حين لم يكفِّروا النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، مع نص القرآن بتكفيرهم، حيث قال: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"10، إلا إذا اعتقدوا ذلك بقلوبهم11، وأعجب من هذا وذاك نسبة هذا المعتقد لأهل السنة والجماعة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - كما نشر في مجلة الفرقان الكويتية العدد "94": (الذبح لغير الله، والسجود لغير الله، كفر عملي مخرج من الملة، وهكذا لو صلى لغير الله فإنه يكفر كفراً عملياً أكبر والعياذ بالله وهكذا إذا سب الدين، أوسب الرسول، أواستهزأ بالله ورسوله، فإن ذلك كفر عملي أكبر عند جميع أهل السنة والجماعة).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء12 بالسعودية في رد على سؤال: اعتبار تارك الصلاة من غير جحود كافراً كفراً عملياً، والكفر العملي لا يخرج صاحبه من الملة إلا ما استثنوه من سب الله - تعالى -وما شابهه، فهل تارك الصلاة مستثنى؟ وما وجه الاستثناء؟
فأجابت: (ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام).
ما هو من الأقوال والأعمال والاعتقاد كفر
عندما يُطلق الكفر يراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة، الكفر الأكبر مساوٍ للشرك الأكبر وللنفاق الأكبر وللردة.
نماذج الكفر القولية والعملية و الاعتقادية، الفعلية والتركية، لا تحصى كثرة.
فإجمالاً: يكون الكفر إما بإثبات ما نفاه الله ورسوله أو بنفي ما أثبتاه، وبعبارة أخرى بإنكار كل ما هو معلوم من الدين ضرورة.
وتفصيلاً: من أمثلة الكفر التي توصل إليها أهل العلم بالاستقراء، والتي تعرف بنواقض الإسلام، ما يأتي:
1. الدعاء والاستغاثة بغير الله - عز وجل -.
2. اتخاذ الوسائط بين العبد وبين ربه، نحو قول أحدهم: اللهم إني أسألك بجاه فلان؛ قال - تعالى -موضحاً سبب شرك وكفر الأوائل: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى". 13
3. موالاة الكفار والمشركين.
4. التحاكم لغير شرع الله، فالحاكم - وكذلك القاضي - الذي يحكم بغير ما أنزل الله يكفر، إلا في حالين، هما:
(1) الخطأ في الاجتهاد في الوصول إلى حكم الله - عز وجل -.
(2) الحياد عنه لقرابة أو رشوة في قضية معينة، مع يقينه بأنه الحق.
ففي هاتين الحالتين يكون كفره كفراً أصغر، أما ما سواهما فكفره أكبر14.
يخطئ خطأ فاحشاً من ينزل قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه"، على كثير من حكم المسلمين بعد سقوط الدولة العثمانية، وجثوم الاستعمار على صدر الأمة، وإقصاء شرع الله إلا في دائرة الأحوال الشخصية، حيث استبدل الذي هو أدنى الدساتير والقوانين الوضعية بالذي هو خير، شرع الله - عز وجل -.
5. تعلم أنواع من السحر، نحو ما يعرف بالصرف والعطف، أو الحل والعقد، وما شابهه، والإيمان به، وغشيان محترفيه، وتصديقهم فيما يقولون.
6. من لم يكفِّر الكفار، نحو اليهود، والنصارى، والشيوعيين، والجمهوريين، أوشك في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم فقد كفر، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
7. الإعراض الكلي أو الجزئي عن دين الله - عز وجل -.
8. اعتقاد أن بعض الناس يمكنهم الاستغناء عن شرع محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو تسقط عنهم بعض التكاليف الشرعية.
9. الاستهزاء والسخرية بالله، وآياته، ورسله، وملائكته، تصريحاً أو تلميحاً.
10. استحلال ما حرَّم الله، أو تحريم ما أحل الله.
11. إباحة الردة وإنكار حدها.
12. الدعوة إلى مساواة الأديان السماوية بعد تحريفها وتبديلها ونسخها بشريعة ولد عدنان.
13. سب الله، والرسل، والملائكة، والدين، تصريحاً أو تلميحاً.
14. الانتساب للأحزاب الكافرة والعلمانية.
15. تكفير أو تضليل جماعة الصحابة.
16. التجسس لصالح الكفار، والقتال تحت رايتهم.
17. رمي عائشة - رضي الله عنها - بما برَّأها الله منه.
18. من ادعى النبوة أو أنه يوحى إليه، ومن صدقه.
19. اعتقاد أن أحد المخلوقين ينفع ويضر أو يعلم الغيب.
أقوال أهل العلم والفتوى في ذلك
• سئل الشافعي المتوفى 204هـ، - رحمه الله - عمن هزل بشيء من آيات الله - تعالى -، فقال: (هو كافر؛ واستدل بقوله - تعالى -: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"15). 16(/2)
• وقال الإمام إسحاق بن إبراهيم المتوفى 238هـ: (ومما أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، فالمؤمن الذي آمن بالله - تعالى -، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبياً أو أعان على قتله، وإن كان مقراً ويقول: قتل الأنبياء محرم، فهو كافر، وكذلك من شتم نبياً، أورد عليه قوله من غير تقية ولا خوف أي من غير إكراه.
وقال: وأجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله، أو دفع شيئاً مما أنزل الله - عز وجل -، أو قتل نبياً من أنبياء الله، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله). 17
• وقال الحميدي: (أخبرت أن قوماً يقولون: إن من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، حتى الموت ما لم يكن جاحداً بقلبه أنه مؤمن (!)، فقلت: هذا الكفر بالله الصَّراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وفعل المسلمين.
• وقال حنبل: قال أبوعبد الله أحمد بن حنبل: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره، وعلى الرسول ما جاء).18
• وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك؛ قال أبي: هذا مرتد عن الإسلام؛ قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم، تضرب عنقه). 19
• وقال فقيه المغرب محمد بن سُحنون المالكي: (أجمع العلماء أن شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المنتقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر). 20
• وقال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أي عامة أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقتل، وممن قال ذلك: مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.
قال القاضي عياض: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولا تقبل توبته عند هؤلاء، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، وأهل الكوفة، والأوزاعي.
إلى أن قال: ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة.
• وقال القاضي عياض21 تحت فصْل: "الحكم الشرعي فيمن سب النبي - صلى الله عليه وسلم – أو انتقصه": (اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، يُقتل كما نبينه، ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري22 فيه تصريحاً كان أوتلويحاً.
• حكى ابن مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: (من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتل ولم يستتب). 23
• وقال ابن القاسم في "العتبية"24: (من سبه، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يُقتل، وحكمه عند الأمة القتل كالزنديق، وقد فرض الله - تعالى -توقيره وبره). 25
• أفتى أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجل سمع قوماً يتذاكرون صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية، فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟ هي في صفة هذا المارّ في خَلقه ولحيته؛ قال: ولا تقبل توبته، وقد كذب لعنه الله، وليس يخرج من قلب سليم الإيمان). 26
• وقال أحمد بن أبي سليمان صاحب سُحنون: (من قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أسود يُقتل). 27
• وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - المتوفى 324هـ: (إرادة الكفر كفر، وبناء28 كنيسة يُكفر فيها بالله، لأنه إرادة الكفر). 29
• وقال أبو بكر الجصاص الحنفي المتوفى 370هـ: (قال - تعالى -: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب" إلى قوله: "إن نعفُ"، فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعباً، فأخبر الله عن كفرهم).
• وقال ابن شاس المالكي: (وظهور الردة إما أن يكون بالتصريح بالكفر، أوبلفظ يقتضيه، أوبفعل يتضمنه). 30
• وقال النووي في "روضة الطالبين"31 معرفاً الردة: (هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل.
والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح، كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها).
• وقال في شرح صحيح مسلم32 عن حكم السحر: (ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر أي في تعلمه وتعليمه كفَّر).
• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (إن من سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السابّ يعتقد أن ذلك محرم، أوكان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل). 33(/3)
• وقال تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي: (التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قول أو فعل حكم الشرع بأنه كفر وإن لم يكن جحداً). 34
• وقال الشيخ خليل بن إسحاق المالكي صاحب المختصر: (الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه، كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار وسحر). 35
• وقال الإمام الزركشي الشافعي: (فمن تكلم بكلمة الكفر هازلاً ولم يقصد الكفر كفر). 36
• وقال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: (فقد يترك دينه، ويفارق الجماعة وهو مقر بالشهادتين ويدعي الإسلام، كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام، أو سب اللهَ ورسولَه، أو كفر ببعض الملائكة، أو النبيين، أو الكتب المذكورة في القرآن، مع العلم بذلك). 37
• وقال محمد بن شهاب البزار الحنفي: (ومن لقن إنساناً كلمة الكفر ليتكلم بها كفر، وإن كان على وجه اللعب والضحك). 38
• ونقل أبو بكر الفارسي الشافعي في كتاب الإجماع أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء39.
• وقال ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق"40: (والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به "قاضي خان" في فتاواه، ومن تكلم بها مخطئاً أو مكرهاً لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالماً عامداً كفر عند الكل).
• وقال مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي: (ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور:
1. بالقول: كسب الله ورسوله، أو ادعاء النبوة، أو الشرك له - تعالى -.
2. وبالفعل: كالسجود للصنم، وكإلقاء المصحف في قاذورة.
3. وبالاعتقاد: كاعتقاده الشريك له - تعالى -، أو أن الزنا والخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك، ومما أجمع عليه إجماعاً قطعياً.
4. وبالشك في شيء من ذلك). 41
• وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسالة "نواقض الإسلام"42: (السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول، أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قوله - تعالى -: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف43، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر".
الثامن: مظاهرة44 المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف، إلا المكره).
• وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى 1233هـ في "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك": (... قوله - تعالى -: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره... "، فحكم - تعالى - حكماً لا يبدَّل أن من رجع عن دينه إلى الكفر فهو كافر، سواء كان له عذر: خوف على نفس أو مال أوأهل 45 أم لا، وسواء كفره بباطنه أم بظاهره دون باطنه، وسواء كفر بفعاله ومقاله أم بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا... فهو كافر على كل حال إلا المكره). 46
ناقل الكفر وناشره
كما أن الكفر يكون بإنشاء الكلام أوتدوينه، يكون كذلك بنقله، ونشره، والدلالة عليه، وتلقينه.
ناقل الكفر له أربع حالات كما ذكرها القاضي عياض في "الشفا"47، ملخصها:
الأولى: إن كان نقلها بغرض التعريف بقائلها والتحذير منه، والإنكار عليه، أو حكاه في كتاب أو مجلس على طريق الرد والنقض له، فهذا تعتريه الأحكام الأربعة: الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، حسب حال المنقول إليهم:
• فإن كان قائل ذلك له أتباع يقلدونه ويتبعونه فيما يقول فيجب النقل للرد عليه في هذه الحال، ويكون ناقل الكفر ليس بكافر، وهذا من فروض الكفاية، إذا قام به البعضُ سقط عن الباقين.
• أو حكاه شاهداً.
• أو حكى ذلك لمن يمكنه الرد عليه أو مناظرته، فهذا يُحمد ويُشكر على ذلك.
الثاني: وأما حكايتها على غير ذلك فإن كان الحاكي لها على غير قصد أو معرفة بخطورتها، وعلى غير عادته، ولم يظهر منه قبل ذلك شيء يشبه هذا، زجر وعُزر تعزيراً شديداً وأغلظ عليه.
وقد حكي أن رجلاً سأل مالكاً عمن يقول: القرآن مخلوق؛ فقال مالك: كافر فاقتلوه؛ فقال: إنما حكيته عن غيري؛ فقال مالك: إنما سمعناه عنك!
وهذا من مالك - رحمه الله - على سبيل الزجر والتغليظ، بدليل أنه لم يسع في تنفيذ قتله.
الثالث: أما إن كان الناقل عُرف بتجرئه وتطاوله على أمثال ذلك فهذا يكفر.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام فيمن حفظ شطر بيت مما هُجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كفر.
وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع إجماعَ المسلمين على تحريم رواية ما هُجي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكتابته، وقراءته، وتركه متى وجد دون محو.
الرابع: أن يكون الناقل مكرهاً، فهذا لا إثم عليه.
سابّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس له توبة في الدنيا(/4)
لا يملك أحد أن يقبل توبة سابّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومنتقصه تلميحاً كان ذلك أم تصريحاً في الدنيا، فلابد أن يُقتل زجراً له ولأمثاله، فإن تاب وصدق في توبته فإن ذلك ينفعه في الآخرة، مسلماً كان أم كافراً ذمياً، هذا ما عليه عامة أهل العلم.
قال القاضي عياض48: (قال عبد الله بن الحكم المالكي: "من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب"، و حكى الطبري مثله عن أشهب عن مالك).
وعن عثمان بن كنانة المالكي المتوفى 186هـ في كتابه "المبسوط": (من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتِل أو صُلِب حياً ولم يُستتب، والإمام مخير في صلبه حياً أو قتله).
وقال أصبغ: (يقتل على كل حال، أسَرَّ ذلك أو أظهره، ولا يُستتاب لأن توبته لا تعرف).
وفي كتاب محمد بن سعيد المالكي المتوفى 198هـ: (أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب النبي - صلى الله عليه وسلم – أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر يقتل ولا يُستتاب).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تحت عنوان: "أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله، وحكي الإجماع على ذلك": (هذا مذهب عليه عامة أهل العلم، قال ابن المنذر: على أن حد من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتل، وممن قاله: مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.
وقال: وحكي عن النعمان أبي حنيفة- لا يُقتل أي الكافر يعني الذي عليه من الشرك أعظم). 49
ثم نقل أقوال الأئمة50، فقال:
قال أحمد في رواية حنبل: كل من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل، وأرى أن يُقتل ولا يستتاب.
وقال مالك في رواية ابن القاسم و مطرف: من سب النبي قتل ولم يستتب، قال ابن القاسم: من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل كالزنديق.
أما مذهب الشافعي فلهم في ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجهان:
أحدهما: هو كالمرتد إذا تاب سقط عنه القتل.
والثاني: أن حد من سبه القتل، فكما لا يسقط حد القاذف بالتوبة لا يسقط القتل الواجب بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتوبة، قالوا: ذكر ذلك أبو بكر الفارسي المتوفى 350هـ، وادعى فيه الإجماع، ووافقه الشيخ أبو بكر القفال).
الأدلة51 على قتل سابّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم استتابته
ومن الأدلة على وجوب قتل ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
من القرآن
• قوله - تعالى -: "إن الذين يؤذون اللهَ ورسولَه لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً". 52
قال القاضي عياض: (فمن القرآن لعنة الله - تعالى -لمؤذيه في الدنيا والآخرة وقرانه أذاه بأذاه، ولا خلاف في قتل من سب الله، وأن اللعن يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل)53.
• وقوله: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم". 54
من السنة
• وفي الصحيح55: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل كعب بن الأشرف، وقوله: "من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله"، ووجَّه56 إليه من قتله غيلة من غير دعوة.
• وقُتِل أبو رافع، قال البراء: كان يؤذي رسول الله ويعين عليه.
• وفي فتح مكة قُتِل ابن أخطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان بسبه - صلى الله عليه وسلم -.
• وكان رجل يسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال خالد: أنا؛ فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتله.
• كذلك قتل جماعة كانوا يؤذونه من الكفار ويسبونه، منهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي مُعَيْط.
وروى البزار عن ابن عباس أن عقبة نادى: يا معشر قريش، مالي أقتل من بينكم صبراً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بكفرك وافترائك على رسول الله.
• وروى عبد الرزاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبه رجل، فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أنا؛ فبارزه، فقتله الزبير.
• وروي أن امرأة كانت تسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من يكفيني عدوي؟ فخرج إليها خالد بن الوليد فقتلها.
هذه الآثار بعضها لا يخلو من ضعف في سندها.
الإجماع
من أقوى الأدلة على قتل ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم استتابته إجماع الأمة العملي من لدن الصحابة ومن بعدهم الذي نقلناه، والأمة لا تجتمع على ضلالة.
ورحم الله مالكاً عندما سأله الرشيد عن رجل شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده؟ فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟ من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جُلد.
ولهذا أفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي وصلبه بما شهد عليه من استخفافه بحق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وخَتْن حيدرة57، وزعمه أن زهده لم يكن قصداً، ولو قدر على الطيبات أكلها.(/5)
وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سُحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلوم، وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس - قاضي قرطبة - بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا - صلى الله عليه وسلم -، فأحضر له القاضي يحيى بن عمرو غيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين وصلب منكساً، ثم أنزل وأحرق بالنار.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب رسولك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، وصلى الله وسلم وبارك وعظم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.(/6)
ما هو من الأقوال ، والأعمال ، والاعتقادات كفر
تمهيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين.
وبعد..
قبل الشروع في المقصود أود التنبيه على الآتي:
أولاً: إن الإكفار 1 ملك لله ورسوله، فلا يحل لأحد أن يكفر أحداً إلا من أكفره الله ورسوله.
ثانياً: مسألة الإكفار والتفسيق والتبديع من المسائل الخطرة التي زلت فيها أقدام، وضلت فيها أفهام، وانحرفت بسببها أقوام، لهذا لا ينبغي أن يخوض فيها إلا الراسخون في العلم، ولا يتعاطاها كل أحد من طلاب العلم، دعك عن العوام.
ثالثاً: هناك فرق بين الإكفار العام وإكفار المعين، أي بين أن تقول: هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، أومن قال كذا فقد كفر، وبين أن تقول: فلان من الناس كافر، إذ تكفير المعين له شروط وموانع.
رابعاً: لا يكفر المعين إلا بتوفر شرطين هما:
1. البلوغ.
2. العقل.
وبانتفاء موانع هي:
1. الجهل.
2. الخطأ.
3. التأويل أو الشبهة.
4. الإكراه.
فإذا تعاطى الشخص سبباً من أسباب الكفر القولية أو العملية أو الاعتقادية، بفعل أوترك، جاداً كان أم هازلاً أم شاكاً، فأقيمت عليه الحجة، وبصِّر إن كان جاهلاً، وأزيلت عنه الشبهة، ثم أصر على ذلك، فقد كفر إن كان بالغاً، عاقلاً، طائعاً، مختاراً، غير مكره.
والتأويل منه ما هو فاسد وهذا لا عبرة به، ومنه ما هو راجح أومرجوح، وهذا لا يكفر أحد تعاطاه.
ولا تقبل دعوى الجهل لمسلم يعيش بين ظهراني المسلمين، ولكن لحديث عهد بالإسلام.
خامساً: يحكم في ذلك الفقهاء والقضاة الموثوق بدينهم وعلمهم الشرعي وعدالتهم، وينفذ الحكم ولاة الأمر وليس العامة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الحدود لا يقيمها إلا الإمام ونائبه). 2
سادساً: الإكفار منه ما هو بدعي، وهو الذي يكون بسبب اقتراف بعض الذنوب غير المكفِّرة، نحو تعاطي الخمر، والتعامل بالربا، وممارسة الزنا لمن يقر بحرمتها، أما من استحلها ولو لم يتعاطاها فقد كفر، أوبسبب الابتداع، والتعصب، والحسد، ونحو ذلك؛ ومنه ما هو شرعي، كالذبح لغير الله، والسجود لصنم، وإلقاء المصحف في دورة مياه مثلاً، ونحو ذلك.
سابعاً: من المسائل التي يجب على المسلم تعلمها نواقض الإسلام، وهي الأمور التي تبطل الإسلام وتفسده وتخرج المسلم من حظيرة الإيمان إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.
ثامناً: النطق بالشهادتين والدخول في الإسلام ليس عاصماً ولا مانعاً من الكفر بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي كافراً ويصبح مسلماً". 3
فقد يكون المرء مصلياً صائماً وهو متعاطي لسبب من أسباب الكفر المحبطة لأعماله الصالحة وهو لا يشعر، عقدياً كان هذا السبب، أو عملياً، أو قولياً: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم".
ولا تغتر أخي المسلم بما يقوله أهل الأهواء المرجئة: "لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، حيث اختزلوا كلمة التوحيد التي بها قامت السموات والأرض في التصديق بالقلب أوالنطق باللسان ولو لم يصاحب ذلك عمل بالأركان وكف عن المحرمات والآثام، أو بقول مشايخهم من الجهمية الطغام الذين قصروا الإيمان على المعرفة القلبية، ففي شرعهم فإن إبليس وفرعون مؤمنان كاملا الإيمان لمعرفتهم برب الأرباب، حيث حكى الله عن إبليس لعنه الله: "قال رب فأنظرني إلى يوم يُبعثون"4، وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين"5، وقال عن فرعون وملئه أبعدهم الله من رحمته: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً". 6
بعد هذه التنبيهات والتوطئات التي لابد منها ندلف إلى ما عزمنا عليه، فنقول وبالله التوفيق:
بم يكون الكفر عند أهل السنة والجماعة؟
الكفر عند أهل السنة والجماعة، نقاوة المسلمين، الفرقة الناجية المنصورة، يكون بالقول والعمل والاعتقاد، وبالفعل والترك، وبالجد والهزل والشك، فقد يكفر المسلم بالعمل كما يكفر بالاعتقاد، وقد يكفر بالفعل كما يكفر بالترك، وقد يكفر وهو هازل مازح كما يكفر وهو جاد حازم، وقد يكفر وهو متيقن أوشاك: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"7، وأن الكفر العملي ليس قاصراً على سب الله ورسوله ودينه.
فكما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد، فقد يكفر المسلم بقول أوعمل وإن كان يعتقد بقلبه خلاف ما نطق به لسانه أوكسبته يداه، إلا المكره، فقد استثناه الله - عز وجل -: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"8.(/1)
لقد تعجبت كثيراً كما تعجب غيري من زعم البعض هدانا الله وإياهم سبل الرشاد أن الحاكم الذي يشرِّع دستوراً ويسن قانوناً على غرار دساتير وقوانين الكفار ويحكم به وينبذ شرع الله وراءه ظهرياً لا يكفر مثلاً إلا إذا اعتقد ذلك بقلبه؛ وكان تعجب الإمام ابن الوزير اليماني - رحمه الله - من إحدى فرق المعتزلة وهم "البهاشمة"9 أشد حين لم يكفِّروا النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، مع نص القرآن بتكفيرهم، حيث قال: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"10، إلا إذا اعتقدوا ذلك بقلوبهم11، وأعجب من هذا وذاك نسبة هذا المعتقد لأهل السنة والجماعة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - كما نشر في مجلة الفرقان الكويتية العدد "94": (الذبح لغير الله، والسجود لغير الله، كفر عملي مخرج من الملة، وهكذا لو صلى لغير الله فإنه يكفر كفراً عملياً أكبر والعياذ بالله وهكذا إذا سب الدين، أوسب الرسول، أواستهزأ بالله ورسوله، فإن ذلك كفر عملي أكبر عند جميع أهل السنة والجماعة).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء12 بالسعودية في رد على سؤال: اعتبار تارك الصلاة من غير جحود كافراً كفراً عملياً، والكفر العملي لا يخرج صاحبه من الملة إلا ما استثنوه من سب الله - تعالى -وما شابهه، فهل تارك الصلاة مستثنى؟ وما وجه الاستثناء؟
فأجابت: (ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام).
ما هو من الأقوال والأعمال والاعتقاد كفر
عندما يُطلق الكفر يراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة، الكفر الأكبر مساوٍ للشرك الأكبر وللنفاق الأكبر وللردة.
نماذج الكفر القولية والعملية و الاعتقادية، الفعلية والتركية، لا تحصى كثرة.
فإجمالاً: يكون الكفر إما بإثبات ما نفاه الله ورسوله أو بنفي ما أثبتاه، وبعبارة أخرى بإنكار كل ما هو معلوم من الدين ضرورة.
وتفصيلاً: من أمثلة الكفر التي توصل إليها أهل العلم بالاستقراء، والتي تعرف بنواقض الإسلام، ما يأتي:
1. الدعاء والاستغاثة بغير الله - عز وجل -.
2. اتخاذ الوسائط بين العبد وبين ربه، نحو قول أحدهم: اللهم إني أسألك بجاه فلان؛ قال - تعالى -موضحاً سبب شرك وكفر الأوائل: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى". 13
3. موالاة الكفار والمشركين.
4. التحاكم لغير شرع الله، فالحاكم - وكذلك القاضي - الذي يحكم بغير ما أنزل الله يكفر، إلا في حالين، هما:
(1) الخطأ في الاجتهاد في الوصول إلى حكم الله - عز وجل -.
(2) الحياد عنه لقرابة أو رشوة في قضية معينة، مع يقينه بأنه الحق.
ففي هاتين الحالتين يكون كفره كفراً أصغر، أما ما سواهما فكفره أكبر14.
يخطئ خطأ فاحشاً من ينزل قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه"، على كثير من حكم المسلمين بعد سقوط الدولة العثمانية، وجثوم الاستعمار على صدر الأمة، وإقصاء شرع الله إلا في دائرة الأحوال الشخصية، حيث استبدل الذي هو أدنى الدساتير والقوانين الوضعية بالذي هو خير، شرع الله - عز وجل -.
5. تعلم أنواع من السحر، نحو ما يعرف بالصرف والعطف، أو الحل والعقد، وما شابهه، والإيمان به، وغشيان محترفيه، وتصديقهم فيما يقولون.
6. من لم يكفِّر الكفار، نحو اليهود، والنصارى، والشيوعيين، والجمهوريين، أوشك في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم فقد كفر، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
7. الإعراض الكلي أو الجزئي عن دين الله - عز وجل -.
8. اعتقاد أن بعض الناس يمكنهم الاستغناء عن شرع محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو تسقط عنهم بعض التكاليف الشرعية.
9. الاستهزاء والسخرية بالله، وآياته، ورسله، وملائكته، تصريحاً أو تلميحاً.
10. استحلال ما حرَّم الله، أو تحريم ما أحل الله.
11. إباحة الردة وإنكار حدها.
12. الدعوة إلى مساواة الأديان السماوية بعد تحريفها وتبديلها ونسخها بشريعة ولد عدنان.
13. سب الله، والرسل، والملائكة، والدين، تصريحاً أو تلميحاً.
14. الانتساب للأحزاب الكافرة والعلمانية.
15. تكفير أو تضليل جماعة الصحابة.
16. التجسس لصالح الكفار، والقتال تحت رايتهم.
17. رمي عائشة - رضي الله عنها - بما برَّأها الله منه.
18. من ادعى النبوة أو أنه يوحى إليه، ومن صدقه.
19. اعتقاد أن أحد المخلوقين ينفع ويضر أو يعلم الغيب.
أقوال أهل العلم والفتوى في ذلك
• سئل الشافعي المتوفى 204هـ، - رحمه الله - عمن هزل بشيء من آيات الله - تعالى -، فقال: (هو كافر؛ واستدل بقوله - تعالى -: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"15). 16(/2)
• وقال الإمام إسحاق بن إبراهيم المتوفى 238هـ: (ومما أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، فالمؤمن الذي آمن بالله - تعالى -، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبياً أو أعان على قتله، وإن كان مقراً ويقول: قتل الأنبياء محرم، فهو كافر، وكذلك من شتم نبياً، أورد عليه قوله من غير تقية ولا خوف أي من غير إكراه.
وقال: وأجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله، أو دفع شيئاً مما أنزل الله - عز وجل -، أو قتل نبياً من أنبياء الله، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله). 17
• وقال الحميدي: (أخبرت أن قوماً يقولون: إن من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، حتى الموت ما لم يكن جاحداً بقلبه أنه مؤمن (!)، فقلت: هذا الكفر بالله الصَّراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وفعل المسلمين.
• وقال حنبل: قال أبوعبد الله أحمد بن حنبل: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره، وعلى الرسول ما جاء).18
• وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك؛ قال أبي: هذا مرتد عن الإسلام؛ قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم، تضرب عنقه). 19
• وقال فقيه المغرب محمد بن سُحنون المالكي: (أجمع العلماء أن شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المنتقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر). 20
• وقال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أي عامة أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقتل، وممن قال ذلك: مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.
قال القاضي عياض: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولا تقبل توبته عند هؤلاء، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، وأهل الكوفة، والأوزاعي.
إلى أن قال: ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة.
• وقال القاضي عياض21 تحت فصْل: "الحكم الشرعي فيمن سب النبي - صلى الله عليه وسلم – أو انتقصه": (اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، يُقتل كما نبينه، ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري22 فيه تصريحاً كان أوتلويحاً.
• حكى ابن مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: (من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتل ولم يستتب). 23
• وقال ابن القاسم في "العتبية"24: (من سبه، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يُقتل، وحكمه عند الأمة القتل كالزنديق، وقد فرض الله - تعالى -توقيره وبره). 25
• أفتى أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجل سمع قوماً يتذاكرون صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية، فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟ هي في صفة هذا المارّ في خَلقه ولحيته؛ قال: ولا تقبل توبته، وقد كذب لعنه الله، وليس يخرج من قلب سليم الإيمان). 26
• وقال أحمد بن أبي سليمان صاحب سُحنون: (من قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أسود يُقتل). 27
• وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - المتوفى 324هـ: (إرادة الكفر كفر، وبناء28 كنيسة يُكفر فيها بالله، لأنه إرادة الكفر). 29
• وقال أبو بكر الجصاص الحنفي المتوفى 370هـ: (قال - تعالى -: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب" إلى قوله: "إن نعفُ"، فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعباً، فأخبر الله عن كفرهم).
• وقال ابن شاس المالكي: (وظهور الردة إما أن يكون بالتصريح بالكفر، أوبلفظ يقتضيه، أوبفعل يتضمنه). 30
• وقال النووي في "روضة الطالبين"31 معرفاً الردة: (هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل.
والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح، كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها).
• وقال في شرح صحيح مسلم32 عن حكم السحر: (ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر أي في تعلمه وتعليمه كفَّر).
• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (إن من سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السابّ يعتقد أن ذلك محرم، أوكان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل). 33(/3)
• وقال تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي: (التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قول أو فعل حكم الشرع بأنه كفر وإن لم يكن جحداً). 34
• وقال الشيخ خليل بن إسحاق المالكي صاحب المختصر: (الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه، كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار وسحر). 35
• وقال الإمام الزركشي الشافعي: (فمن تكلم بكلمة الكفر هازلاً ولم يقصد الكفر كفر). 36
• وقال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: (فقد يترك دينه، ويفارق الجماعة وهو مقر بالشهادتين ويدعي الإسلام، كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام، أو سب اللهَ ورسولَه، أو كفر ببعض الملائكة، أو النبيين، أو الكتب المذكورة في القرآن، مع العلم بذلك). 37
• وقال محمد بن شهاب البزار الحنفي: (ومن لقن إنساناً كلمة الكفر ليتكلم بها كفر، وإن كان على وجه اللعب والضحك). 38
• ونقل أبو بكر الفارسي الشافعي في كتاب الإجماع أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء39.
• وقال ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق"40: (والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به "قاضي خان" في فتاواه، ومن تكلم بها مخطئاً أو مكرهاً لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالماً عامداً كفر عند الكل).
• وقال مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي: (ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور:
1. بالقول: كسب الله ورسوله، أو ادعاء النبوة، أو الشرك له - تعالى -.
2. وبالفعل: كالسجود للصنم، وكإلقاء المصحف في قاذورة.
3. وبالاعتقاد: كاعتقاده الشريك له - تعالى -، أو أن الزنا والخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك، ومما أجمع عليه إجماعاً قطعياً.
4. وبالشك في شيء من ذلك). 41
• وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسالة "نواقض الإسلام"42: (السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول، أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قوله - تعالى -: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف43، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر".
الثامن: مظاهرة44 المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف، إلا المكره).
• وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى 1233هـ في "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك": (... قوله - تعالى -: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره... "، فحكم - تعالى - حكماً لا يبدَّل أن من رجع عن دينه إلى الكفر فهو كافر، سواء كان له عذر: خوف على نفس أو مال أوأهل 45 أم لا، وسواء كفره بباطنه أم بظاهره دون باطنه، وسواء كفر بفعاله ومقاله أم بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا... فهو كافر على كل حال إلا المكره). 46
ناقل الكفر وناشره
كما أن الكفر يكون بإنشاء الكلام أوتدوينه، يكون كذلك بنقله، ونشره، والدلالة عليه، وتلقينه.
ناقل الكفر له أربع حالات كما ذكرها القاضي عياض في "الشفا"47، ملخصها:
الأولى: إن كان نقلها بغرض التعريف بقائلها والتحذير منه، والإنكار عليه، أو حكاه في كتاب أو مجلس على طريق الرد والنقض له، فهذا تعتريه الأحكام الأربعة: الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، حسب حال المنقول إليهم:
• فإن كان قائل ذلك له أتباع يقلدونه ويتبعونه فيما يقول فيجب النقل للرد عليه في هذه الحال، ويكون ناقل الكفر ليس بكافر، وهذا من فروض الكفاية، إذا قام به البعضُ سقط عن الباقين.
• أو حكاه شاهداً.
• أو حكى ذلك لمن يمكنه الرد عليه أو مناظرته، فهذا يُحمد ويُشكر على ذلك.
الثاني: وأما حكايتها على غير ذلك فإن كان الحاكي لها على غير قصد أو معرفة بخطورتها، وعلى غير عادته، ولم يظهر منه قبل ذلك شيء يشبه هذا، زجر وعُزر تعزيراً شديداً وأغلظ عليه.
وقد حكي أن رجلاً سأل مالكاً عمن يقول: القرآن مخلوق؛ فقال مالك: كافر فاقتلوه؛ فقال: إنما حكيته عن غيري؛ فقال مالك: إنما سمعناه عنك!
وهذا من مالك - رحمه الله - على سبيل الزجر والتغليظ، بدليل أنه لم يسع في تنفيذ قتله.
الثالث: أما إن كان الناقل عُرف بتجرئه وتطاوله على أمثال ذلك فهذا يكفر.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام فيمن حفظ شطر بيت مما هُجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كفر.
وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع إجماعَ المسلمين على تحريم رواية ما هُجي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكتابته، وقراءته، وتركه متى وجد دون محو.
الرابع: أن يكون الناقل مكرهاً، فهذا لا إثم عليه.
سابّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس له توبة في الدنيا(/4)
لا يملك أحد أن يقبل توبة سابّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومنتقصه تلميحاً كان ذلك أم تصريحاً في الدنيا، فلابد أن يُقتل زجراً له ولأمثاله، فإن تاب وصدق في توبته فإن ذلك ينفعه في الآخرة، مسلماً كان أم كافراً ذمياً، هذا ما عليه عامة أهل العلم.
قال القاضي عياض48: (قال عبد الله بن الحكم المالكي: "من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب"، و حكى الطبري مثله عن أشهب عن مالك).
وعن عثمان بن كنانة المالكي المتوفى 186هـ في كتابه "المبسوط": (من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتِل أو صُلِب حياً ولم يُستتب، والإمام مخير في صلبه حياً أو قتله).
وقال أصبغ: (يقتل على كل حال، أسَرَّ ذلك أو أظهره، ولا يُستتاب لأن توبته لا تعرف).
وفي كتاب محمد بن سعيد المالكي المتوفى 198هـ: (أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب النبي - صلى الله عليه وسلم – أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر يقتل ولا يُستتاب).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تحت عنوان: "أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله، وحكي الإجماع على ذلك": (هذا مذهب عليه عامة أهل العلم، قال ابن المنذر: على أن حد من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتل، وممن قاله: مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.
وقال: وحكي عن النعمان أبي حنيفة- لا يُقتل أي الكافر يعني الذي عليه من الشرك أعظم). 49
ثم نقل أقوال الأئمة50، فقال:
قال أحمد في رواية حنبل: كل من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل، وأرى أن يُقتل ولا يستتاب.
وقال مالك في رواية ابن القاسم و مطرف: من سب النبي قتل ولم يستتب، قال ابن القاسم: من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل كالزنديق.
أما مذهب الشافعي فلهم في ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجهان:
أحدهما: هو كالمرتد إذا تاب سقط عنه القتل.
والثاني: أن حد من سبه القتل، فكما لا يسقط حد القاذف بالتوبة لا يسقط القتل الواجب بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتوبة، قالوا: ذكر ذلك أبو بكر الفارسي المتوفى 350هـ، وادعى فيه الإجماع، ووافقه الشيخ أبو بكر القفال).
الأدلة51 على قتل سابّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم استتابته
ومن الأدلة على وجوب قتل ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
من القرآن
• قوله - تعالى -: "إن الذين يؤذون اللهَ ورسولَه لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً". 52
قال القاضي عياض: (فمن القرآن لعنة الله - تعالى -لمؤذيه في الدنيا والآخرة وقرانه أذاه بأذاه، ولا خلاف في قتل من سب الله، وأن اللعن يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل)53.
• وقوله: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم". 54
من السنة
• وفي الصحيح55: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل كعب بن الأشرف، وقوله: "من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله"، ووجَّه56 إليه من قتله غيلة من غير دعوة.
• وقُتِل أبو رافع، قال البراء: كان يؤذي رسول الله ويعين عليه.
• وفي فتح مكة قُتِل ابن أخطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان بسبه - صلى الله عليه وسلم -.
• وكان رجل يسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال خالد: أنا؛ فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتله.
• كذلك قتل جماعة كانوا يؤذونه من الكفار ويسبونه، منهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي مُعَيْط.
وروى البزار عن ابن عباس أن عقبة نادى: يا معشر قريش، مالي أقتل من بينكم صبراً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بكفرك وافترائك على رسول الله.
• وروى عبد الرزاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبه رجل، فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أنا؛ فبارزه، فقتله الزبير.
• وروي أن امرأة كانت تسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من يكفيني عدوي؟ فخرج إليها خالد بن الوليد فقتلها.
هذه الآثار بعضها لا يخلو من ضعف في سندها.
الإجماع
من أقوى الأدلة على قتل ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم استتابته إجماع الأمة العملي من لدن الصحابة ومن بعدهم الذي نقلناه، والأمة لا تجتمع على ضلالة.
ورحم الله مالكاً عندما سأله الرشيد عن رجل شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده؟ فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟ من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جُلد.
ولهذا أفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي وصلبه بما شهد عليه من استخفافه بحق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وخَتْن حيدرة57، وزعمه أن زهده لم يكن قصداً، ولو قدر على الطيبات أكلها.(/5)
وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سُحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلوم، وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس - قاضي قرطبة - بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا - صلى الله عليه وسلم -، فأحضر له القاضي يحيى بن عمرو غيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين وصلب منكساً، ثم أنزل وأحرق بالنار.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب رسولك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، وصلى الله وسلم وبارك وعظم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.(/6)
ما وراء خدمات الصحة الإنجابية والجنسية د. ست البنات خالد*
خدمات الصحة الإنجابية والجنسية عرفها مؤتمر القاهرة 1994 بأنها : ” حالة رفاه كامل بدنياً وعقلياً واجتماعياً فى جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلى ووظائفه وعملياته ، وليس مجرد السلامة من المرض والإعاقة.“ , ولهذا تعنى الصحة الإنجابية : قدرة الناس على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة وقدرتهم على الإنجاب ، وحريتهم فى تقرير الإنجاب وموعده.
ويشتمل هذا الشرط الأخير على : حق الرجل والمرأة فى معرفة واستخدام أساليب تنظيم الأسرة المأمونة والفعالة والميسورة والمقبولة وأساليب تنظيم الخصوبة التى يختارانها ،مع الحق فى الحصول على خدمات الرعاية الصحية المناسبة التى تمكن المرأة من أن تختار بأمان فترة الحمل والولادة .
عرفتها منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها : حالة من الكمال البدني والنفسي والاجتماعي للفرد والأسرة والمجتمع، وليست فقط الخلو من الأمراض أو الاعاقة، ووفقاً لهذا المفهوم يجب ان تهتم المؤسسات الصحية بالانسان في اطواره المختلفة وخاصة فيما يعنى صحة المرأة.
في السنوات الماضية كانت برامج الأمومة والطفولة تهدف إلى تحسين الوضع الصحي للأمهات بغرض تخفيض نسبة الأمراض والوفيات في هذه الشريحة من المجتمع، وذلك من خلال تقديم الخدمات العلاجية والوقائية فى مجال الامومة و الطفولة. اليوم تغيرت هذه النظرة كثيرا ..... كيف؟؟؟
يمكننا ان نجمع مكونات الصحة الانجابية الى :
1 - الاجندة الاساسية للصحة الانجابية.
2 - مكافحة المشاكل الصحية الناتجة عن نشر ثقافة الصحة الانجابية .
3 - تحويل نمط الحياة والثقافة (( المجتمع )).
1 - الاجندة الاساسية للصحة الانجابية:
وفيها يتم ترويج ونشر مكثف لكل انواع وسائل منع الحمل المختلفة دون اى مراعاه
للحالة الاجتماعية من خلال :
• رعاية الشباب اليافعين و المراهقين (الجنس الامن ) ( Safe Sex)
• الامومة الامنة (رعاية الأمهات في الحمل و الولادة وما بعد الولادة). (Safe Motherhood)
• تقنين الاجهاض كحق من حقوق المرأة (. Safe Abortion )
2 - مكافحة المشاكل الصحية والاجتماعية الناتجة عن نشر ثقافة الصحة الانجابية :
1- مكافحة الأمراض الجنسية التناسلية وأمراض القناة التناسلية .( STDs)
2 – مكافحة طاعون العصر الايدز .(AIDS)
3 - مكافحة سرطان الجهاز التناسلي . Cervical Cancer ))
4 – مكافحة سرطان الثدى . ( Breast Cancer)
5 – مكافحة العقم . (Infertility & Assisted Fertilization )
6 – المسنين والشيوخ .
3 - تحويل نمط الحياة والثقافة (( المجتمع )):
1 – إدماج دور الرجل فى برامج الصحة الانجابية .
2 -تعزيز المساواة بين الجنسين (( ترسيخ مفهوم الجندر.))
3– تنمية و تمكين المرأة.
4 - استغلال المساعدات المقدمة في حالات الكوارث الطبيعية و الحروب و التهجير.
الجديد فى اهداف الصحة الانجابية :
1 - تغيير أنماط السلوك الشخصى و الاجتماعى .
2 – صحة الجندر .Gender health ) (هذا من أخطر ما وصلت اليه الافكار الجندرية وهو تغير جنس المرأة أو الرجل عن طريق الجراحة والعقاقير الهرمونية من ذكر إلى أنثى و من أنثى إلى ذكر حسب الاجتياجات النفسية والاجتماعية للافراد , و هنا أقول: على الرغم من بريق صورة هذه الخدمات و تصور حسن نوايا مقدميها من خلال النظرة قريبة المدى ..فان لها أهداف استراتيجية بعيدة المدى (كالسم في الدسم) محطمة لهذه المجتمعات المنقادة لها. حيث انها تهدف و في النهاية إلي إبادة وتحديد نسل هذه الشعوب وهدمها بتقليل قوة و قيمة الأسرة الطبيعية المترابطة و أضعافها ودمارها , مما يؤدى فى النهاية الى ازالة الجنس البشرى عموماً و خاصة الفقراء والشعوب غير المرغوب فيها .
وهى تشبه لي قمة الجبل الجليدي الظاهرة من أعلى على سطح الجليد و الذي يغمر تحته باقي الجبل الذي يغلى بما فيه من أخطار و مفاسد و انحلال وخروج من تعاليم ديننا الحنيف ما لا يعلم مداه إلا الله سبحانه و تعالى. وحتى لو وجهت هذه الخدمات إلى مجتمعات غير إسلامية ذات قيم أخلاقية ومبادئ و كشفت عن حقيقة أهدافها لما وجدت قبولا لهذة الاجندة حيث توجد الان عدد كبير من المنظمات العالمية التى تعمل على كشف مخططات هذه البرمج والعمل على توعية المجتمعات و
تنبيهها ولكن للاسف الشديد كل هذه المنظمات منظمات كنسية صليبية ولكن لها مثلها وقيمها التى تدافع عنها , و لكن أين نحن فى هذا المجال حيث نجد أن كل أجندة هذه البرامج تعمل لترويج كل ما ينهى عنه ديننا الحنيف وتعاليمة السمحة .أسأل الله العلى العظيم أن يكون عملى هذا جزء يسير فى التعريف بهذه الاعاصيرالتى تهب علينا من كل النواحى.(/1)
تروج اغلب هذه الخدمات في دول العالم الثالث و هي الدول النامية و الفقيرة بما فيها العالم الإسلامي و هذا هو بيت القصيد !!!!! حيث تنعم هذه البلاد بمعدل نمو سكاني هائل برحمة الله سبحانه و تعالى تمثل خطرا حقيقيا للعالم الغربي و الذي يعانى ما يعانى من حالة الموت السكاني وشيخوخة السكان , والذي اصبح عبارة عن طبقة شيوخ مريضة وعاجزة متعطشة للرعاية الأسرية والاجتماعية و طبقة شباب طائش ومائع منحل غارق في أوحال الرذيلة والخمور والمخدرات والعلاقات الشاذة والأمراض الجنسية والإيدز. و عدد مذهل من المواليد و الأطفال غير الشرعيين الذي يفقد الأسرة الطبيعية السعيدة و المترابطة التي يحتاجها لضمان التنشئه الصالحة .
في نفس الوقت الذي نجد فيه أن الغرب الآن يبذل كل جهده في تكثيف عدد المواليد و رعاية الام الحامل و تقديم كافة المساعدات العينية و المادية و منع تحديد النسل حتى تزيد كثقافتهم السكانية ولو كانت هذه الام عزباء أو الام مراهقة أو كان تلقيحا صناعيا أو استنساخا للبشر في المستقبل القريب,على الرغم من عدم وجود الجو الأسرى المناسب لتنشئة هؤلاء الصغار, وإدعائهم أن المنظمات الاجتماعية ودور الحصانة قادرة وحدها على القيام بتربية الصغار بعيدا عن الجوالاسرى والحنان والمراقبة ووالنصح والارشاد الموجود فى الاسرة الطبيعية.
وقد أقامت منظمات الامم المتحدة العديد من المؤتمرات الدولية والاقليمية لنشر هذه المفاهيم, ورغم الاختلاف البسيط في موضوعات تلك المؤتمرات إلا أنها تجتمع في عدد من الأهداف تسعى في كل مرة لعرضها وطرحها كسبل نجاة وحماية لحقوق المرأة كما يدعون, ويتبع ذلك بسط بضاعتهم فيما يخص تحديد النسل كهدف اساسى من خلال تدمير الأسرة ورفض القيم والأخلاقيات وعدها حواجز وعقبات في سبيل حقوق الإنسان, كما يزعمون!!
تتلخص أهداف مؤتمرات الأمم المتحدة السابقة فيما يلي:
أولا : رفض الشرائع السماوية التي تدعم المبادىء والقيم الأخلاقية, التي كفلت للمرأة كرامتها وللأسرة وجودها وحقوقها. (هدم الدين)
ثانيا : توسيع مساحة الحرية الشخصية الجنسية ومنحها شرعية دولية.(هدم العقل)
ومن ذلك:
أ) الترويج للعلاقات الجنسية المحرمة خارج نطاق الزواج واعتبار ذلك حقا من حقوق الفرد.
ب) الدفاع عن الشذوذ الجنسي (السحاق واللواط والعلاقات الجنسية المنهى عنها فى عقيدتنا الاسلامية السمحة) وعدم اعتبار ما ينشأ عنه من علاقات محرما أو شاذا بل تبني ما ينشأ عنه كشكل جديد من أشكال الأسرة غير النمطية . (هدم العرض )
ج) عدم رفض الزنا وما ينتج عنه ومطالبة الحكومات بدعم وسائل منع الحمل والاجهاض الامن للمراهقات غير المتزوجات بحجة ان ذلك جزء من حريتهن الشخصية والسعى الى حد نسل الامم
( هدم النسل )
ثالثا : السعي لإقرار تلك الأهداف ثم تنفيذها وفق آلية قوية تفرضها الامم المتحدة على الشعوب والمجتمعات من خلال الضغوط العسكرية والاقتصادية ( هدم اقتصاد الامم - هدم المال) مما يجعلها تتخذ الصفة الشرعية الدولية يؤنب أو يجرم من يخالفها بحجة ان ذلك مخالف للشرعية الدولية.
هذه هي مجمل أهداف مؤتمرات الأمم المتحدة السابقة الخاصة بقضايا السكان والأسرة والمرأة.
والتى تسعى فى مجملها الى هدم كل مقاصد الشريعه الاسلامية فى المحافظة على : الدين, العرض , النفس, المال والنسل.
1 - المراهقين و الشباب والجنس الآمن ( Adolescents & safe sex)
ماذا سنجد بعد رفع الرقابة الأسرية عن المراهقين و الشباب والذين حددت أعمارهم من سن 10 – 19 وتشجيعهم على تمردهم على كل القيود والضوابط الاخلاقية والشرعية بحجة حقوق الانسان والحرية والمسؤلية الفردية وانشاء المراكز التدريبية لتدريبهم على اهداف هذه البرامج و كيفية نشرها بين الشباب انفسهم (برامج من الشباب الى الشباب ...الى المجتمع ) أو( من الانداد ...الى الانداد ) وفتح ما اسموه (بمقاهى الرفالات) ووسائل منع الحمل الاخرى مع نشر الثقافة الجنسية المنفتحة دون اى رقابة حتى وصل بهم الحال الى المطالبة بإدخال هذه االثقافة الجنسية فى مناهج التعليم الاساسى والعالى والجامعى. إذا سالنا لماذا كل ذلك ؟؟ ذلك حتى يستمتع هؤلاء الشباب والمراهقين بما يسمى بالجنس الآمن ( safe sex). وفى نفس الوقت هنالك محاربة صريحة للزواج المبكر للشباب والذى يساعد اكثر فى نشر العفة والفضيلة و التنفير منه والترويج الى حدوث المضاعفات و الموت للام الصغيرة الحامل مع خفض سن الممارسات الجنسية خارج نطاق الزواج الشرعى ورفع سن الزواج.(/2)
و هنا يجئ دور خدمات الصحة الإنجابية من توفير لوسائل منع الحمل المختلفة و توفير الحرية الجنسية لديهم للتمتع بحياتهم الخاصة مع تأمينها لهم من الحمل غير المرغوب فيه و من الأمراض الجنسية والتناسلية بما فيها مرض الإيدز ومن هنا يجئ الترويج للعوازل الذكرية والنسوية.وهنالك سؤال مهم للغاية : هل استعمال الرفالات يحمى من نقل فيروس الايدز ؟ أم يساعد على زيادة إنتشار المرض؟؟ أم لتحديد النسل؟؟ وهذا من أهم الاسباب .
كما أن الاطفال الذكور والاناث فى هذه الفترة يتعرضون لعملية الختان , وقد قامت هذه البرامج بمحاربة شرسة لختان الاناث بكل انواعة المختلفة الشرعى منها و الغير شرعى تحت دعوى ان ختان الاناث نوع من انواع العنف ضد المراة وكان سعيهم حثيثا لاصدار قانون فى البلاد يحرم ويجرم كل انواع الختان .و قد تم بحمد الله سبحانه وتعالى اقامة بحوث دراسات فى جامعة أم درمان الاسلامية ومجمع الفقة الاسلامى واصدار فتوى رسمية بمحاربة الختان غير الشرعى وإباحة الختان الشرعى للاناث على أنه من السنة النبوية المطهرة ويؤجر من يقوم به كشعيرة من شعاير الله سبحانه وتعالى اثبتت ان ختان الاناث موجود فى الشريعة الاسلامية وشعيرة من شعائر الله جل وعلا ولا توجد علاقة بينه وبين الختان غير الشرعى من حيث الطريقة ولا توجد فيه اى من مضاعفات الختان غير الشرعى و الذى بينا انه محرم دينيا ومرفوض صحيا واجتماعيا . وأن الختان الشرعى للاناث((Safe circumcision )) على حد قولهم. يوازى تماما ختان الذكور من حيث الفوائد الصحية والاجتماعية والجنسية والشرعية, وإذا وافقنا رأيهم فى محاربة ختان الاناث الشرعى فسينتهى بنا المطاف الى محاربة ختان الذكور ايضا والذى ينادى به عالميا من طوائف من الشواذ جنسيا.هنا نتساءل لماذا يرفض هذا الحل الإسلامي السهل لمشكلة الختان الفرعوني التي تعذر حلها بالرغم من جهود 30 سنة؟حيث مازالت نسبة الختان غير الشرعى حسب إحصائياتهم عالية 89% - 93 % ؟؟!! فهذا إن دل على شئ فأنما يدل على أن الختان له الخلفية العقائدية في أذهان الناس لابد من أحترامها وتوضح وتصحيح الخطأ و الاعوجاج الموجود فيها وإيجاد البديل الشرعى المناسب.
2 - الأمومة الآمنة........ (safe motherhood).
فى هذا الجانب من هذه البرامج نجد هنالك عمومية وكثرة للمصطلحات المستعملة وتغيرها المستمر حتى تكتسب القبول لدى الشعوب, فإذا رجعنا الى هذه المسميات نجد انها قد بدأت باسم تحديد النسل فى عهد مالتوس ولم تجد رواجا نسبة لمخالفتها لفطرة المراة والاسرة فى ذلك الزمان ,وتغير الاسم إلى تحسين النسل فى زمن اليوجينيا النازية ولكنه لم يحظ بالقبول لان مروجو الفكرة حصروها فى الفئات الفقيرة والضعيفة المستضعفة فقط وسمحوا للفئات الغنية بالتكاثر والانجاب. وجاء دور تنظيم الاسرة والذى وجد شئ من القبول على اساس ان الاسرة المعنية هى الاسرة الطبيعية الشرعية التى لها اسسها و قواعدها وقوانينها التى تحميها ولا بأس من تنظيمها وبرمجة وترتبيب الانجاب فيها تحت الرعاية الصحية المتوفرة والمسؤلة كل على حسب حاله واجتياجاته وإمكانياته الصحية والنفسية والاجتماعية . ولكن نجد فجأة من خلال هذه البرامج من ينادى بتهميش دور الاسرة الشرعية الطبيعية ونشر مفاهيم عقيمة( بكل دلالات الكلمة) عن أنواع الاسر غير نمطية كما يسمونها و غير شرعية وغير انسانية ومخالفة للفطرة ولكل الشعائر السماوية ولديننا الحنيف حيث هنالك عقوبات وحدود لله سبحانه وتعالى لابد ان تقام على مثل من يقوم بهذه الافعال . وياتى دور مسما اخر هو الامومة والطفولة وهو ايضا يكون مقبولا حيث اضاف وربط بين الام ووليدها فى هذه الفترة وشجع على الرضاعة الطبيعية وحث عليها وتم اقتراح إجازات الامومة للامهات ودور رعاية الطفولة للامهات العاملات وذلك سلاح ذو حدين يخدم مصالح الام فى كفل رعايتها لوليدها كما يخدم مصالحهم فى حد النسل من جانين تأخير الحمل التالى الى ابعد حد ممكن , تشجيع الام وتمكينها للخروج للعمل المأجور خارج بيتها . ثم تم فصل المولود جاء ايضا دور مسمى اخروهو الامومة الامنة أو السالمة والذى يجب ان يكون ايضا فى ظل الاسرة الشرعية الطبيعية وقد وفرت لها كل حقوقها ورعايتها الصحية طوال فترة الحمل و اثناء الولادة وما بعد الولادة والرضاعة , ولكن حقا علينا ان لا ننسى ان الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم قد كفل هذا الحق والامان حتى للام التى جاءت بهذا الحمل عن طريق غير شرعى و راعى أمنها وأمانها وحق وجنينها ولم يبيح لها التخلص منه واجهاضه , حين جاءت اليه المرأة الغامدية واعترفت بالزنا وبحملها حيث امرها صلى الله عليه وسلم بالرجوع و اتمام الحمل والنفاس والرضاعة الى ان انفصل طفلها عنها ثم اقام عليها الحد,رأفة بالحامل والمرضع والنفساء..(/3)
ونجد ايضا اسما مرادفا هو تنظيم الوالدية والذى ترعاه ايضا منظمات دولية من خلالها تدعو الى نفس اجندة الصحة الانجابية وتدعم عملها .
هى مسميات مختلفة ظاهرة اهدافها ويصعب فى كثير من الاحيان ترجمتها الى اللغة العربية لكى تقنع العالم يطيب نواياه. والجميع يعلم بان تنظيم الاسرة الطبيعية الشرعية لا غرابة فيه وانه جائز من الناحية الشرعية كل أسرة حسب ظروفها ومتطلباتها وأحوالها لها الحق فى تنظيم عدد افرادها والمسافات بين ولاداتهم على ان لا يكون ذلك التنظيم تحديد لعدد معين خشية إملاق كما منهى عنه بالنصوص القرانية الواضحة .
حتى لو سلمنا بهذه الاهداف السامية نجد ان هنالك تخويف للأمهات و تهويل مقصود من مضاعفات الحمل و الولادة و تهويل شديد لمخاطر الموت من تكرار الحمل والولادة حيث يشيعون ان كل حمل ياتى بمخاطر جديدة و صعوبات اكثر .لذا لابد من تشجيع الامهات على استعمال موانع الحمل لكي تمنع الموت عن نفسها!!!وتحدد عدد أطفالها و تتمتع بالأمومة الآمنة (safe motherhood) .والتى لها اكبر دور فى تمكين المرأة و تشجيعها على تفضيل عملها خارج بيتها من عملها لبيتها واسرتها .
الناسور البولي والشرجى الولادى: و الذى يعتبر من اهم واصعب المضاعفات التى تحدث من الولادة الطبيعية المتعسرة والتى غالبا ما تتم بدون اى اشراف أو مساعدة حتى من اى قابلة ولو كانت غير مدربة التدريب الكافى .
ومن اهم سبل مكافحة هذه المشكلة التوعية الصحية ووجود كادر صحى مدرب ووجود مستشفيات ومراكز صحية قريبة من سكن المواطنين و سهوله فى المواصلات حتى يتم تحويل مثل هذه الحالات المتعسرة ليتم توليدهم بالطرق الصحيه المناسبة . وهذه متطلبات تخص الخدمات الصحيه وعبء كبير على الدولة يجب ان تتناوله بشئ من الجدية والسرعة حتى لا تترك الفرص للمنظمات الاجنيبة والكنسية لتتولاها وتجد الفرص فى تبنى بناء هذه المراكز و رعاية و تأهيل هؤلاء النسوة المنبوذات و جلب الكوادر الخارجية لتدريب الكوادر المحلية وإجراء العمليات الجراحية ثم يتم بعدها التبشير النصراني بكافة قواه و ردة أغلب هؤلاء المريضات وأسرهم كما هو حاصل في اكبر مستشفيات الناسور في أديس أبابا في أثيوبيا.
الاجهاض الآمن : Safe Abortion
تأكد تقارير الامم النتحدة ومنظمة الصحة العالمية بأن الإجهاض الغير قانونى من أكبروأهم الاخطار التى تواجة صحة المرأة حيث يمثل حوالى 13% من نسبة وفيات الامهات . ومن أهم متطلبات الامومة الامنة أن يكون الاجهاض حق من حقوق المرأة حتى تتمكن من التخليص من الحمل غير المرغوب فيه فى اى وقت حسب قرارها الذى تتخذه لنفسها.وإذا سألنا متى يكون الحمل غير مرغوب فيه ؟ ولأى نوع من النساء ؟ هذا الاجهاض الامن الذى يروجون له بطريقة أو بأخرى هو إجهاض أجنة الزنا والحمل غير الشرعى وللمراهقات والذى يجرى بالطرق الغير مأمونة ومن وراءالكواليس وفيه ما فيه من المضاعفات والمشاكل الصحية. ولكن هل يبرر لنا ذلك أباحة الاجهاض لهؤلاء الفتيات أو حتى المتزوجات تلبية لرغباتهم وحقوقهن الانسانية ؟ إن الاجهاض غير مسموح به فى الشريعة الاسلامية إلا فى حالات خاصة جدا و محدودة جدا ثم يقام بعد ذلك بالطريقة المأمونة الصحيحة تحت الاشراف الطبى المتخصص .
ونجد فى أغلب أجندة الصحة الانجابية بعض الحذر فى التصريحات التى تتناول موضوع الاجهاض مباشرة حيث يدعون فى الوقت الراهن يتوفير الخدمات الصحية لمكافحة المضاعفات التى تحدث بعد الاجهاض والترويج لخطورة الاجهاض غير القانونى ويدعون إلى تدريب الكوادر الطبية جميعها على التعامل مع مضاعفات الإجهاض غير القانونى Post abortion careثم يدعون للترويج للاجهاض الامن فى وقت لاحق . وذلك لما تم من الحكومات الامريكية المختلفة التى تروج لنفسها عدم موافقتها على الاجهاض عموما كنوع من الدعاية السياسية لها من ناحية ,أو عدم موافقة مذهبها الدينى للاجهاض من ناحية اخرى ,ونجد ذلك واضحا فى قرار الرئيس الامريكى الحالى فى بداية فترة توليه الحكم فى الفترة السابقة فى يناير 2001 حيث اصدر قانون ال (Global Gag Rule )و الذى اعلن من خلاله : سحب الدعم الامريكى لكل المنظمات العالمية التى تدعم المنظمات المدنية (NGOS) خصوصصا فى بلاد العالم النامية إذا كانت هذه المنظمات تدعو الى أى نوع من أنواع الترويج للاجهاض من استشارات أو توجيه او تنفيذ .
و ستأتي دور المطالبة بإلغاء القانون السائد في البلاد. وعلى الرغم من وجود كل المضاعفات المعروفة للإجهاض بجميع اشكاله غير انه فى حالة الاجهاض الامن لا يجرى من وراء الكواليس. ثم ياتى يعد ذلك الترويج لوسائل منع الحمل لكل طبقات المجتمع بدون فرز حتى اذا كانت متزوجة او مطلقة او حتى مراهقة ما دام انه حق من حقوقها الانجابية والجنسية كبديل مناسب يغنى عن عملية الإجهاض و تكاليفها باهظة.(/4)
نلاجظ أن هنالك ترويج حاصل فى بلادنا لنوع معين من انواع العقاقير التى تؤدى للاجهاض المبكر ( RU-486) فى خلال ال 7- 9 الاولى من الحمل بدون وجود اى رقابة صحية لاستعمالها فى هذا المجال مع العلم بان لها حوجة طبية فى بعض الحالات ولكن لابد من مراقبة هذه العقاقير لما فيها من خطورة بالغة على الصحة .
مكافحة المشاكل الصحية والاجتماعية الناتجة عن نشر ثقافة الصحة الانجابية :
اما بالنسبة لمواجهة المشاكل والعقبات التى تنتج عن نشر مفاهيم الثقافة
الجنسية و الانحلال و الرزيلة والزنا والشذوذ الجنسى واباحية الاجهاض : وهى
1- مكافحة الأمراض الجنسية و أمراض القناة التناسلية .
2 – مكافحة طاعون العصر الايدز.
3 - مكافحة سرطان الجهاز التناسلي(عنق الرحم)
4 – مكافحة سرطان الثدى .
5 – مكافحة العقم .
6- الشيوخ والمسنين .
1 - مكافحة الأمراض الجنسية و أمراض القناة التناسلية:
هنا يتم التركيز على توزيع الواقى الذكرى والانثوى يشكل ملحوظ على انها تعمل من جانبين وليست مثل وسائل منع لمحل الاخرى التى تعمل علىمنع الحمل فقط بينما يفترض أن تعمل الواقيات على الوقاية من الحمل بجانب الوقاية من الامراض التناسلية بما فيها مرض الايدز .
وهل برامج مكافحة الايدز والامراض التناسلية والجنسية بطريقة الغرب الا برامج دعائية للاباحية والشذوذ الجنسى والتى اصبحت سمة هذا العصر ؟ حيث يتم ارتداء علامة الشواذ ((الربطة الحمراء The Red Ribbon )) من قبل كل من يعمل فى هذه البرامج وهو قد يعلم معناها وقد لا يعلم ...
وهل استعمال هذه الرفالات يحمى من نقل فيروس الايدز ؟؟؟؟
هنالك علامة استفهام كبيرة على هذا الموضوع فقد قامت بعض الجهات عالميا بفحص هذه العوازل الذكرية ومدى أمنها فى الوقاية من فيروس الايدز وقد توصلوا الى ان هذه العوازل قد تم تصنيعها سابقا لمكافحة الامراض التناسلية التى تسببها البكتيريا ولمنع الحمل حيث ان مسامات هذه العوازل لها القدرة على عدم مرور الباكتيربا والحيوانات المنوية ولكنها يمكن ان تسمح بمرور الفيروس لانه اصغر بكثير من الباكتريا والحيوانات المنوية لذلك نجد ان تشجيع الشباب على اللجوء الى استعمال هذه الوسائل قد يؤدى الى انتشار اكثر لمرض الايدز لا للوقاية منه . ومن الطريف المحزن أن نجد ان معنى كلمة الرفالات التى استعملت لتعريب كلمة
condom نجدها فى المعاجم العربية بمعنى كيس يوضع على قضيب (( التيس)) لكى لا يفسد !!! فكيف لنا ان ندعو الى معالجة الفساد فى شبابنا وأولادنا بنفس الطريقة التى يعامل بها حيوان ابكم لا عقل له ولا ادراك !! وهل يعالج الفساد بفساد اكبر منه ؟؟؟
2 – مكافحة طاعون العصر الايدز:
حملات مكافحة الايدز على طريقة المنظمات الاجنبية والسياسات العالمية التى لا علاقة لها بالاخلاق والقيم والتعاليم والشرائع السماوية تعمل على زيادة نشر الايدز بين الشعوب الفقيرة والضعيفة والمقصودة بالابادة الجماعية ,فعلى الرغم من تصدير هذه المنظمات لكميات مهولة من العوازل الذكرية والانثوية فإن أعداد الاصابات والموت بهذا المرض الفتاك فى زيادة مستمرة . ولابد أن يوعى المسؤلون إلى أن تتولى جهات مسؤلية برامج مكافحة هذا الوباء وتوعية الامم بان أسلم وأحسن اساليب الوقاية هى الالتزام والنهى عن العلاقات المحرمة والمشبوهه و لابتعاد من
الفواحش ما ظهر منها وما بطن و العفة والزواج المبكر والذى فيه الاحصان اللازم للشباب , مثل ما حصل فى يوغندا حين تمت التوعية بهذه الطريقة ووجدوا انخفاض هائل فى معدلات الاصابة بهذا الطاعون .
3 - مكافحة سرطان الجهاز التناسلي(عنق الرحم):
أما السعي لمكافحة سرطان عنق الرحم فأنه معروف لديهم انه يحدث نتيجة لحياة الفساد و الانحلال الأخلاقي وممارسة الجنس مع اكثر من فرد و الالتهابات التناسلية الجنسية بواسطة فيروس 16 - 18HPV .وكما هو معروف ايضا ان امراض الجهاز التناسلى والامراض المنقولة جنسيا بما فيها الايدز فانها نتاج مباشر للزنا والعلاقات الغير شرعية والانحلال والشذوذ الجنسى لذا أضطرت برامج مكافحة سرطان عنق الرحم فى البلاد الغربية بعمل التحالل وأخذ العينات لتحليلها بإمكانيات مالية و تكنولوجية هائله , فما لنا نحن وزيادة التكاليف فى برامج نحن فى غنى عنها إذا تمسكنا بشعائر ديننا وتزينا بمحاسنه .
4 - سرطان الثدي:
اما بالنسبة لسرطان الثدي والذي له علاقة قوية بهرمون ألاستروجين المتواجد في حبوب منع الحمل و طول فترة استعمال الحبوب وتاخير الزواج و الانجاب والرضاعة و إستعمال الهرمونات المعوضة فى مرحلة إنقطاع الطمث . كما أوضحت الدراسات لديهم أن نسبته قد تضاعفت لدى النساء الآتي تعرضن لإجراء الاجهاض القسري فى الشهور الاولى من الحمل في أول حياتهن.
5- مكافحة العقم :(/5)
العقم ايضا أغلب ما ينتج بعد الاصابة بالامراض التناسلية و المنقولة جنسيا مما يؤدى الى خلل بانابيب فالوب و التصاقات فى داخل الحوض وحول الاجهزة التناسلية الداخلية مما يؤدى الى عدم الانجاب و اللجوء الى مراكز التلقيح الصناعى. اهتمام خدمات الصحة الإنجابية بمكافحة العقم يدعو للريبة في الوقت الذي يمنعون فيه الانجاب الطبيعى غير المكلف ويشجعون الانجاب الصناعي الذى لا تقدر عليه الطبقات الفقيرة وذلك كما ذكرنا فى تاريخ نشات حركة تحديد النسل العالمية فى انهم كانوا يسعون الى تحسن النسل من سلالات معينة لطبقات اجتماعية معينة (حركة اليوجينيا النازية ) بكل أنواعه و لعل ذلك قد يكون عونا للأسر غير النمطية للحصول على أبناء من خارج العلاقات الأسرية الطبيعية والتلاعب الحاصل عالميا فى المتاجرة بالبويضات وحفظها بالتجميد والبنوك المنوية المنتشرة والاجنة المحفوظه ايضا والاستنساخ كما حدث في أول طفل من الاستنساخ و الذي زرع في رحم إحدى السحاقيات!!!!
إذن لابد من ان تكون مثل هذة الخدمات عند وجودها فى البلاد الاسلامية - لخدمة الاسر الطبيعية الشرعية – فى ايدى امينة تراعى المبادئ الشرعية قبل الانسانية .
6 – رعاية الكهول و المسنين:
من المضاعفات و الاضرار التى تنتج من تنفيذ برامج الصحة الانجابية تكون طبقة اجتماعية من الشيوخ و الكهول الذين في اشد الحوجه للرعاية الأسرية و الاجتماعية مما أدى إلى أن تطلق على القرن الواحد والعشرين مصطلحات عالمية عدة، بينها مصطلح "عصر الشيخوخة". والذى أدى إلى كثير من الدراسات الاجتماعية والديموغرافية مثل "الثورة الرمادية" Grey Revolution، و"الثورة الصامتة" و"الانسانية الراشدة". وتشير تلك المصطلحات جميعها إلى حال المسنين في هذا
القرن, جعل هذا الأمر الحكومات والمنظمات الدولية تطرح إشكالية التعامل مع المسنين، ومدى استيعابهم لمتغيرات العصر وتحدياته وإرهاصاته من جهة والحفاظ على آدميتهم وضمان حقوقهم الإنسانية والمدنية والمهنية من جهة ثانية.
فى الوقت الذى تكون فيه المراة المسؤلة من رعاية هؤلاء العجزة والمسنين فى داخل البيوت فى عملها خارج بيتها مما يضطر الاسر والمجتمعات الى اللجوء الى دور العجزه والمسنين .كما هو حاصل فى التفرق من مسؤولية الأطفال بتوسيع دور حضانة الصغار.
كما يتم توزيع وسائل منع الحمل إلي النساء في سن 40-50 سنه لمنع حملهن فى هذه السن, وترهيب الامهات فى هذه المرحلة من العمر من الحمل لما يكون فيه من انجاب اطفال معوقبن ومتخلفين ومنغولين , ولنا فى أمنا السيدة خديجة الاسوة الحسنة حيث انجبت افضل واحسن ذرية فى الدنيا والاخرة لرسولنا الكريم وهى فى هذه الفترة من حياتها.
ويتم ايضا التشجيع على استعمال الهرمونات المعوضة في مرحلة القطوع ( سن اليأس)
HRT . لزيادة العناية بجمال المراة وحماية شيخوختها مع ما فيها من مخاطر جسيمة, والله سبحانه وتعالى أدرى منا بأحوال أجسام هؤلاء النساء وهو القادر ان يتولى تنظيم هذه الهرمونات فى جسد المرأة إن كانت فى حمجة لها فى مثل هذه السن .
تغيير أنماط السلوك الشخصى و الاجتماعى :
يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان طائفة واسعة من التدخلات في مجال الاتصال لتغيير السلوك والتثقيف بشأن مهارات الحياة تُراعى فيها اعتبارات السن ونوع الجنس والبيئة الثقافية. ويتمثل الهدف من تلك التدخلات في:
1- تشجيع أساليب الحياة الإيجابية والصحية،
2 - والأعراف الاجتماعية الجيدة،
3 - والسلوكيات الجنسية الأكثر أماناً.
ويستتبع ذلك، لاسيما فيما يتعلق بصغار السن، تشجيع المواقف والمهارات الإيجابية ـ أي احترام الذات والتفاوض والتأقلم والتفكير النقدي وصنع القرار والاتصال وتأكيد الذات.
وهذا وقد ظهرت هذه التغيرات فى الغرب بعدما نجحت الفلسفة الغربية في اخراج المرأة من خدرها، واقحامها في سوق المنافسة مع الرجال، وبعد أن تخلى كل نوع عن دوره الفطري الذي خلق من أجله؛ أن رجال الغرب يتأنثون وإناثه يسترجلن حيث أصبح توجه الرجل نحو التأنث كما تتجه المرأة نحو الاسترجال في المجتمعات الغربية حيث تختفي الحدود التقليدية بين الجنسين، هذا ما كشفه بحث جديد قامت به مؤسسة بريطانية متخصصة.ففي السنوات العشر المقبلة سيكون الرجل أكثر "تأنثا" حيث يقوم أكثر فأكثر بدور فعال في تربية الصغار، وتزيد اهتماماته بالموضة (!) ويستعمل أدوات التجميل(!) أكثر مثل مواد الزينة وأدوات الرشاقة وحتى إجراء عمليات جراحةالتجميل. فمثلا؛ الدعايات التلفزيونية لترويج حضانات (لفافات) الأطفال يقوم بها الرجال الآن بدلا من النساء، هذا ما كشفه بحث حديث قامت به مؤسسة مراقبة المعلومات البريطانية (داتامونيتر) ونشرته صحيفة "الديلي اكسبريس" اللندنية.(/6)
وفي الوقت الذي يتبنى فيه الرجال سلوكيات أنثوية أكثر، يحدث العكس للنساء إذ يتجهن نحو الاسترجال، حيث يلتحقن بالمدارس والجامعات أو العمل أكثر فأكثر بدلا من المكوث في البيت، مع ازدياد عدد اللواتي يتعاطين الخمور باستمرار.ووصلت نسبة زيادة تناول النساء للخمور في بريطانيا خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 27 %.
وكشف البحث، الذي يتنبأ بتغير السلوكيات والعادات الاجتماعية خلال العام المقبل وما بعده، أيضا كيف أن الهوة بين الأجيال تضيق حيث يقبل الصغار في عمر الثانية عشرة على منتجات كانت من قبل لا يطلبها من هم اقل من 17 عاما في العمر. وحددت "داتا مونيتور" ما وصفته بأنه عشرة "عناصر فعالة" ستؤثر على طبيعة حياة الرجال والنساء والأطفال. هذه العناصر هي: الجنس (ذكر أو أنثى)، العمر، العائلة، الدخل، الفردانية، حياة البيت، الانترنت، المخاطرة، وسائل الراحة والصحة.
هذه هي الصحة الإنجابية : تيار غربي قوى مفروض من القوى اليهودية الصليبية الطاغية (النظام العالمى الجديد) على الدول الفقيرة و النامية خصوصا الدول الإسلامية وهى من أسلم وألطف الطرق لتفكيك أسرها ولتحديد نسلها وتحطيم كيانها ولإبادة البشرية جميعها!!وجر العالم إلى اسفل مستنقعات الرذيلة و الانحلال والفساد بطريق مباشر او غيرمباشر...
أسال الله العظيم أن يجعل كيدهم في نحورهم و يخرجنا من الظالمين آمنين(/7)
ما وظيفة الأم ؟... [4] هل أنت أم ناجحة ؟
مفكرة الإسلام :عزيزتي الأم القارئة:
قد تظن الكثيرات أن وظيفة الأم تقف عند إعداد الطعام للأبناء، والحفاظ على نظافة البيت والأولاد والاهتمام بصحتهم، وأنها إذا فعلت ذلك؛ فقد بذلت أقصى ما تستطيع، والأب عليه أن يكمل هذه المسيرة بتوجيه الأبناء أو ضربهم إذا اقتضت الحاجة لذلك.
فهل فعلًا تتوقف وظيفتها عند هذا الحد؟
إن وظيفة الأم تتركز في نقطتين:
الأولى: الرعاية والحماية للطفل بكل أشكالها، وقد تعرضنا لها بالتفصيل في المقال السابق.
والثانية: التربية والتدريب والبرمجة للأبناء، وهذا هو قلب موضوعنا اليوم.
انتبهي لبرمجة ابنائك:
وسنبدأ هنا بالبرمجة الوالدية للأبناء، وخاصة الأم لأهميتها في تكوين التصور الذاتي عن الطفل لنفسه، فقد تصدر عن الأم عبارات سلبية مثل: أنت كسلان، أنت غبي، أنت غير منظم، ستظل فاشل دائمًا... وغيرها من هذا القبيل.
وليس معنى ذلك أن هذه الأم تكره الأبناء، ولكنها ليست على دراية بأي طريقة أخرى أفضل من هذه الطريقة؛ ظنًا منها أنهم بذلك سيتحسنون ويتقدمون، ولا تدري أنها تقوم ببرمجة العقل على ذلك؛ فيكون التحدث مع الذات بنفس الطريقة: [[ أنا غبي.. أنا كسلان... ]] حياة الإنسان.
يقول د. تاد جيمس وويات وود سمول في كتابهما 'خط الحياة': [ عندما نبلغ سن الواحدة والعشرين؛ تكون جميع قيمنا قد اكتملت واستقرت في عقولنا ].
وبهذه الطريقة نكون قد نشأنا مبرمجين؛ أما سلبيًا أو إيجابيًا.
التدريب على التهام الوجبة الأولى:
رأيتُ كلبة وقد ولدت صغارها، وبعد فترة قصيرة لا تتجاوز عدة أشهر إذا بها تبدأ في تدريب الصغار على الطعام، فأخذت ترمي من وعاء الأكل قطعة خبز طرية أمام كل واحد منهم، وقطعة صغيرة أيضًا من اللحم حتى يشمها الصغار ويلعقوها بلسانهم، وبعد فترة قصيرة بدأت تعلمهم الهجوم، فتجهم على الصغير فيقلدها، وهكذا.
فسبحان الله العظيم هذا ما يحدث في عالم الحيوان، ومثله يحدث في عالم الإنسان، ولكن بالنسبة للإنسان المسألة أعقد بكثير بسبب عمليات التفكير، وسجايا الأخلاق والتربية والتعليم يأخذ وقتًا كبيرًا في حياة الإنسان، غير الحيوان الذي قد يستغرف فترة تدريبه شهورًا لا تصل إلى عام.
ما معنى التربية ؟
إن الطفل أمانة الله بأيدينا، ولا حفاظ على هذه الأمانة إلا بالتربية الحسنة، والتربية هي عمل واعٍ دؤوب ومستمر، هدفه تنمية الفطرة لبناء الإنسان المتوازن فكريًا وروحيًا وخلقيًا وجسديًا.. الإنسان الصالح في ذاته المصلح لأمته.
فهي إذًا علم وفن ووعي وجهاد، فتحتاج التربية إلى تكامل وتواصل كل الجهود، إذ يشترك المهد في البيت، والمقعد في المدرسة، والمنبر في المسجد في صياغة الإنسان الصالح.
كما تنطلق العملية التربوية ابتداءً من اللحظة الأولى من عمر الإنسان، وهي تبليغ الوليد مبادئ الإسلام بسنة الأذان في أذنه؛ كي تشرب روحه هذه الكلمات الخالدة التي تنجده عندما تعصف به الحياة، وفي هذا الأذان إشعار بأن الطفل قد أكتملت إنسانيته، فهو أهل لتلقي أعظم المبادئ في الوجود، وفيه أيضًا إيذانًا للمربي بأن مهمته التربوية قد بدأت من هذه اللحظة، وكثيرًا ما تكون الخطوة الأولى هي أهم عمل في مسير طويل.
التعليم عند واطسون:
ركزت النظرية السلوكية على عملية التعلم وأهميته على سلوك الإنسان.
فقد قال جون لوك: [[ إن الإنسان صفحة بيضاء وأنا أكتب فيه ما أريد ]]
ومن رواد هذه المدرسة وهذه النظرية في تفسير شخصية الإنسان واطسن، الذي قال عبارته الشهيرة: [ أعطوني مجموعة من الأطفال الأصحاء سليمي البنية، وأنا كفيل أن أُخرج منهم الطبيب والمحامي والفنان والتاجر ورئيس العمل، بل والشحاذ واللص، بصرف النظر عن استعداداتهم وميولهم وقدراتهم وأعمال آبائهم وأصولهم الوراثية، فليس ثمة شيء اسمه وراثة القدرات أو المهارات أو المزاج أو التكوين العقلي ] .
وتقوم هذه النظرية على أنه يمكن تشكيل أي شخصية عن طريق التعلم الشرطي القائم على المثير والاستجابة، وكذلك عن طريق التحكم في الظروف.
وبغض النظر عن إيجابيات وسلبيات هذه النظرية؛ فإنها تؤكد على أهمية عامل التعليم على سلوك الإنسان، وتكوين شخصيته.
وقد أقر لنا رسولنا الكريم منذ أكثر من 1400 سنة على أهمية مبدأ التربية والتعليم.
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
[[ لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع ]] رواه الترمذي
[[ ما غل والد ولدًا أفضل من أدب حسن ]] رواه الترمذي
[[ أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن ]] رواه الطبراني.
وقد أكد أيضًا عليه الصلاة والسلام على عامل البيئة الصالحة في أكثر من مناسبة فقال:
[[ كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه ]] رواه البخاري.(/1)
ويُفهم من هذا الحديث أن الولد إذا تيسر له أبوان مسلمان صالحان، لقناه مبادئ الإيمان والإسلام؛ نشأ الولد على عقيدة الإيمان والإسلام، وهذا يؤكد دور البيئة المنزلية في نشأة الطفل.
وأما عن البيئة الاجتماعية سواء كانت مدرسة أو صديق أو...
فقد قال صلى الله عليه وسلم [[ المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ]] رواه الترمذي.
ويُفهم من هذا الحديث أن الصديق للصديق، فإن كان صالحًا تقيًا؛ فيكتسب منه صفة الصلاح والتقوى، وإن كان غير ذلك؛ فالنتيجة كذلك:
قال الشاعر:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
ويؤكد أثر البيئة على تكوين شخصية الإنسان أيضًا حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، فأمره الرجل الصالح، فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرض قومك، فإنها أرض سوء ]] رواه البخاري ومسلم.
الأبناء أمانة:
قال الإمام الغزالي في إحيائه في تعويد الولد خصال الخير أو مبادئ الشر باعتبار قابليته وفطرته:
[ والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عُوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقى وهلك، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق... ]]
وذهب ابن خلدون في مقدمته مذهب الغزالي في قابليته واستعداده، وإمكانية إصلاحه بعد فساده.. بل كثير من فلاسفة الغرب أو الشرق ذهبوا هذا المذهب، أمثال واطسن وسكتر وبافلوف كما ذكرنا.
وقد قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحجي ولكن يعوّده التدّين أقربوه
وإذا سألت الأم: كل ما سبق كلام جميل ولكن نظري، أنا أريد كلام واقعي يمكن تطبيقه مع الأبناء، فكيف أربي أبنائي؟ إجابتنا على هذا السؤال في المقال التالي.
فتابعي معي عزيزتي الأم المسلمة.(/2)
ما يتقاضاه المعاق من الضمان الاجتماعي
السؤال :
تعرّضت لإصابةٍ بسحر تسبب لي فيه مسؤول شركة وطنية كنتُ أعمل فيها و كان القصد منه إبعادي عن العمل بعد أن قضيت 18 سنة فيه ، و بالفعل تمّ الأمر ـ و تأثرت نفسياً ، و تركت عملي ، و كونت ملفاً عن طريق طبيب أعصاب ، ثمّ لجئت إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للأُجَرَاء ( العمّال ) في بلدنا فمنحني منحةً شهرية ، مع العِلم أنّني قادر على الرجوع إلى عملي جسمياً ، و لكنّي خائف من جهة أخرى ، إذ مازلت أعاني من الاضطرابات النفسية و الجسمية و الخوف من الرجوع إلى العمل .
سؤالي : هل المبلغ الذي أتقاظه من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للأُجراء حرام أم حلال ؟ أفيدوني أفادكم الله .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
إنّ ما تدفعه الحكومات و الشركات و المؤسسات لموظّفيها من رواتب تقاعديّة بعد توقّفهم عن العمل بسبب التقدّم في السنّ أو بلوغ مستوىً متقدّم في الخِدمة أو الإعاقة عن العمَل أو الإصابة بمَرضٍ عُضال لا بأس فيه من حيث المبدأ إن شاء الله .
و الحالة التي ذَكَرَها الأخ ما لم يكُن فيها تحايُلاً منه أو التفافاً على ما تمّ التعاقد عليه مع ربّ العمل للحصول على أكثر من حقّه ، أو الاستيلاء على حقّ غيره فلا بأس في حصوله على الراتب الشهري الذي خصّص له باعتباره معاقاً صحّيّاً عن العمل .
و إذا وَقَع التردّد أو الحيرة بشأن حالته الصحيّة ( النفسيّة أو الجسديّة ) هل تعيق عمله أم لا ، وجب عليه الرجوع إلى طبيب مسلم ثقةٍ عدلٍ لينظر في حاله ، و يقرّر ما إذا كان مُعاقاً أم لا ، و يلتزم بقراره .
فإن كان قادراً على العمل لم يحلّ له تقاضي الراتب مع قعوده عنه ، و إن كان عاجزاً عنه فدخلُه حلال لا شبهةَ فيه إن شاء الله ( بل الإنسان على نفسه بصيرة * و لو ألقى معاذيره ) و الله أعلم .
وفّقنا الله و الأخ السائل ، و سائر المسلمين لما فيه صلاح الدنيا و الدين ، و الحمد لله ربّّّ العالمين ، و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .(/1)
ما يجب أن تعرفه عن الإيدز
د. أبوبكر محمد عثمان*
ماهو الأيدز:
كلمة أيدز هي الحروف الأولي من الاسم الإنجليزي لمرض متلازمة نقص المناعة المكتسبة AIDS Acquired Immune Deficiency Syndrome، ويسببه فيروس HIV، والفيروسات هي كائنات حية اصغر كثيراً من الميكروبات ولا تري بالمجهر الإلكتروني، وهو يصيب جهاز المناعة الذي يحصن جسم الإنسان ضد الأمراض ويقاوم الأجسام الغازية سواء ميكروبات أو فيروسات أو طفيليات أو غيرها؛ فيعجز الجسم عن مقاومة أي من هذه الأجسام الغازية.
أعرض المرض:
لكل مرض مدة حضانة وهي المدة بين دخول الجسم الغازي إلى جسم الإنسان وبين ظهور أعراض المرض وهي تختلف أختلافاً كبيراً؛ فهي تبلغ 24 ساعة في مرض الجدري الكاذب ( الجديري – البرجم) لكنها تبلغ 5- 10 سنوات في حالة الإيدز ولا يشعر خلالها الشخص بأي أعراض بل يبدو في صحة جيدة، لهذا فهو ينقل الفيروس إلى الآلاف من البشر الذين لا يتجنبونه، وهذا يبين أهمية الوقاية التي هي ليست خيراً من العلاج فحسب بل هي العلاج نفسه المتوفر لدينا حتى الآن لتجنب الإصابة بهذا المرض القاتل .
لازال العلماء يبحثون عن دواء يشفي من هذا المرض خلال السنوات العشرين الماضية: منذ ظهوره أول مرة حوالي سنة1982م إلى الآن، ولم ينجحوا إلا في إيجاد أدوية تقلل من حدوث المضاعفات وتجعل حياة المريض أقل إيلاما وبؤساً.
من أوائل أعرض هذا المرض إصابة الشخص بحمي واسهال شديدين, ثم فقدان الشهية والوزن والهزال الشديد، فتتكالب عليه الميكروبات والفيروسات والطفيليات لفشل جهاز المناعة في مقاومتها ثم يصاب بسرطان يقال له كابوسي CAPOSY ينهي حياته.
ومما يزيد من احتمال الاصابة بالإيدز أن يكون الشخص مصاباً بأحد الأمراض المنقولة جنسياً مثل السيلان والزهرى.
وسائل انتقال المرض:
من أهم وسائل انتقال فيروس الايدز:
- العلاقات الجنسية سواء الطبيعية أو الشاذة بين المتماثلين.
- نقل الدم الملوث أو مشتقاته البلازما ودواء الهيموفيليا وغيرها.
- الحقن الملوثة التي سبق استعمالها سواء بالعضل أو الوريد وتحت الجلد، وهذا منتشر بصفة خاصة بين مدمني المخدرات، لكن ليس مقصوراً عليهم.
- من دم الأم المرضية بالإيدز إلى الجنين في بطنها.
- من دم الأمر المريضة إلى الرضيع بواسطة حليب الأم.
- أي آلة ملوثة تجرح الجلد مثل الأمواس المستعملة للحلاقة أو الحجامة أو الفصد أو الختان أو بري الأقلام.
- أي آلة تخرق الجلد مثل الإبرة أو المسدس المستعمل بواسطة تجار الذهب لخرم حلقة الأذن لتركيب الحلق.
- الإبرة الملوثة المستعملة لوشم الشفة السفلي أو الذراع أو غيرها.
كيف تقي نفسك من الإيدز:
لابد لكل شخص أن يكون على علم تام بوسائل انتقال فيروس الإيدز، ولا يكفي العلم فقط بل لابد من نشر هذه المعلومات بين أكبر عدد من الناس بشتى الوسائل سواء بالوعظ والخطابة في أماكن التجمعات كالسجون والمعسكرات والمصانع والمساجد والداخليات ومخيمات النازحين واللاجئين، ويكون ذلك أكثر إفادة عبر الشرح باستخدام الوسائل التعليمية المقروءة والمسموعة والمرئية، دون الشعور بالحرج أو الخجل فالتجاهل لا يؤدي إلى الحد من انتشار الإصابات.
كما يجب أن نلتزم الموجهات التالية للوقاية من هذا المرض:
1- العفاف والابتعاد عن الزنا.
2- عدم نقل الدم أو مشتقاته إلا للضرورة القصوى التي تهدد الحياة، حتى لو توفرت وسائل الفحص للأيدز فلا زالت الفحوصات غير مضمونة 100%
3- عدم استعمال حقنة سبق أستعمالها والتاكد من ذلك.
4- التأكد من استعمال الحلاق لموس جديدة لم يسبق استعماله لها، وكذلك للحجامة أو الفصد أو برى الأقلام.
5- أن لا ترضع المريضة طفلاً سليماً.
6- التأكد من تعقيم الإبرة أو المسدس المستعمل في خرق حلمة الإذن لتركيب الحلق .
7- التأكد من تعقيم الإبرة المستعملة في الوشم.
8- التأكد من تعقيم آلات الختان بواسطة أفراد المهن الطبية المساعدة.
9- عدم الاشتراك في فرش الأسنان والمساويك، ونحو ذلك.
والله يحفظ الجميع.(/1)
ما يحق لكل إمرأة فى العالم أن تعرفه! د. ست البنات خالد*
العلاقة بين الاجهاض و سرطان الثدى !!!
أعلنت منظمة الصحة العالمية في دراستها العلمية سنة 1970 فيما يتعلق بموضوع الاجهاض و نسبة سرطان الثدي بعد دراسة 17000 امرأة في سبع مناطق في أنحاء العالم, هذة الحقائق التي لم تتغير بعد 30 سنة وهي :
النساء اللواتى يحملن فى سن مبكرة هن أقل عرضة لسرطان الثدى من النساء اللواتي يحملن فى سن متأخرة او لا يحملن مطلقاً . وأثبتت الأبحاث أن النساء اللواتي يلدن أول مولود تحت سن 18 سنه يأخذن ثلث نسبة الإصاية بسرطان الثدي من اللواتي يلدن طفلا من سن 35 وما فوق ذلك .
و بالنسبة للإجهاض أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه :
- تزداد نسبة سرطان الثدي مع ممارسة عملية الاجهاض بضعف نسبة الاصابة بعد الحمل الكامل و التام .
- الأبحاث الطبية الحديثة فى مختلف المجالات الطبية فى العالم ثبت من النتائج السبب الهرموني لذلك 25 دراسة علمية فى انحاء العالم و خاصة عند نساء من أفريقيا و آسيا و أوربا أثبتت زيادة نسبة الاصابة بسرطان الثدي حتى من عملية إجهاض واحدة .
- خطر الإجهاض مع خطر تأخير ولادة أول طفل يزيدان نسبة الاصابة بسرطان الثدي مرتين .
وهل أحد منا يستغرب بعد مرور أقل من نصف قرن حيث الاجهاض هو قانوني و منتشر حين نجد ان الإصابة بسرطان الثدي قد تضاعفت نسبتها فى العالم ؟
وهل بلادنا مهيئة باجهزتها الصحية لاستقبال وباء سرطان الثدي ؟؟؟
علاقة هرمون الاستروجين .. ولماذا القيام بعملية الاجهاض يزيد من نسبة سرطان الثدي ؟؟
بينما السقط الطبيعى لا خطر منه على الثدي.
تحت تاثير هرمون الأستروجين يزداد نمو الثديين لكل فتاة مع التأثير على باقى الاعضاء الجنسية الأخرى للفتاة . عند بداية الحمل يزداد هذا الهرمون لنسبة عالية جداً (6 أضعاف ) عما هو عليه عند التلقيح وعند السقط الطبيعى تكون نسبته طبيعية وكأنه لم يحدث حمل . الأستروجين هو الذى يجعل الثدي ينمو أكثر خلال الحمل بتاثيره على الخلايا الأولية والتي تتطور فى نموها حتى تصبح خلايا مصنعة للحليب بعد ذلك .
ان الخلايا الاولية هى التي تتطور نحو السرطان لأسباب أخرى مثل الأشعة و بعض الكيمياويات ..إلخ
لذلك إذا تم الحمل لمدة من الزمن وفجأة تمت عملية إجهاض فإن المرأة تبقى معرضة لسرطان الثدي بسبب وجود الخلايا الأولية الغير متطورة والتي هي في كمية أكثر مما لو تكن حاملاً مما يجعلها معرضة أكثر للإصابة بالسرطان وخاصة أنها بدات في التزايد فى بداية الحمل على عكس حالة الحمل الطبيعية إلى نهايتها فإن الخلايا الأولية هذه تتحول إلى خلايا متخصصة لصنع الحليب والتي هي بعيدة عن الإصابة بالسرطان . لذلك فان الابحاث الطبية أثبتت دائمًا أن الحمل الكامل بدون انقطاع (بالاجهاض ) لا يقود إلى سرطان الثدي عادة وكلما تم الحمل فى سن مبكرة دون انقطاع فان خلايا الثدي الأولية تتكون نهائياً لتصبح خلايا متخصصة لصنع الحليب مما يبعدها مبكراً من أن تتعرض للسرطان لأنها خلايا غير أولية .
قرار المؤتمر العالمى عن سرطان الثدي عند النساء بوجود العلاقة بين عملية الإجهاض و نشوء سرطان الثدي :
تم أول مؤتمر عالمى عن سرطان الثدي فى كنكستون فى كندا سنة 1997 و كان مساعداً فى تنظيمة جمعية المرأة العالمية للحفاظ على الطبيعة و النمو ، وقدم الدكتور وهو اخصائى معروف في علم الغدد الصماء فى جامعة City University فى أمريكا Endocrinology Joel Brind prof.of وأيضا هو رئيس تحرير المجلة الطبية الدورية و الإجهاض – سرطان الثدي , قدم بحثاً مفصلاً في المؤتمر وأثبت بوضوح العلاقة مابين الإجهاض و سرطان الثدي . و بعد مرور سنة 1998 نشر المؤتمر العالمي تقريره العلمي للعالم و الذى دعا فيه بجدية إلى العمل لمنع الاصابة بسرطان الثدي و كان مما ذكر فى التقرير :
تتعرض المرأة اليوم إلى نسبة عالية من هرمون الأستروجين خلال حياتها أكثر مما كانت عليه فى الأجيال السابقة ، والحقيقة أن المرأة اليوم تتعرض كثيراً إلى كمية أكبر من الأستروجين الطبيعي و الصناعي نتيجة لاستعمال حبوب منع الحمل ، تأخير الحمل أو عدم الحمل وعدم الرضاعة و الاجهاض والغذاء الغني باللحوم و الدهنيات و المواد الحيوانية والهرمونات المعوضة والتي توصف وتعطى عند سن اليأس ، كل هذة الامور تزيد من نسبة الأستروجين وسرطان الثدي ...
لذلك قبل استيراد و قبول أي شعار مثل شعار الحقوق الإنجابية أو الصحة الإنجابية يجب على كل امرأة فى العالم أن تعرف حقها فى معرفة العواقب والأخطار و الأضرار لأي قرار تختاره ,,,(/1)
ما يراه الخاطب من خطيبته
السؤال :
هل يجوز للفتاة المحجبة أن تخلع حجابها لشاب أتى ليراها أول مرة قبل أن يخطبها أو بالأحرى ليقرر هل يخطبها أو لا ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
من الثابت مشروعيّة نظر الخاطب إلى المرأة التي يريد خطبتها ، بل استحباب ذلك امتثالاً لأمر النبيّ صلى الله عليه و سلّم به ، فقد روى الترمذي و حسّنه و النسائي و ابن ماجة و أحمد عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : « انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا » .
و روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنظرت إليها ) قال : لا ، قال : « فاذهب فانظر إليها ؛ فإن في أعين الأنصار شيئا » .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث : ( فيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها , و هو مذهبنا و مذهب مالك و أبي حنيفة و سائر الكوفيين و أحمد و جماهير العلماء ... ثم إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها و كفيها فقط لأنهما ليسا بعورة , و لأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده , و بالكفين على خصوبة البدن أو عدمها . هذا مذهبنا و مذهب الأكثرين . و قال الأوزاعي : ينظر إلى مواضع اللحم , و قال داود : ينظر إلى جميع بدنها , و هذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة و الإجماع ) .
و ذكر الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله [ في حاشيته : 6 / 68 ] : عن أحمد ثلاث روايات فيما يجوز للخاطب أن ينظر إليه من جسم المخطوبة ؛ فقال : ( إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها ، و الثانية : ينظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ) .
و عليه فإنّ من حصر نظر الخاطب إلى مخطوبته في الوجه و الكفّين فقط راعى الأحوط ، و ذَهَب مَذهب جمهور أهل العلم ، و من أباح له النظر إلى سائر جسمها و هي متجرّدة كما قال داوود الظاهري فقد توسّع و أفرَط ، إذ لا فَرق عنده بين ما المتقدّم للخطبة و بين الزوج بعد الدخول في ما يجوز له النظر إليه .
و أوسط الأقوال هو المذهب الوسط عند الحنابلة ، و هو جواز النظر إلى ما يظهر منها – أمام محارمها و بنات جِنسِها - غالباً كالرقبة و الساقين و نحوهما ، و يدخل في ذلك شعرها ، إذا كان ذلك بمقدار الحاجة و في حضور وليٍّ أو مَحرَم .
و الذي أراه درءاً للمفاسد ، و سداً للذرائع ، هو التمسك بمذهب الجمهور ، و عدَم التوسّع في هذا الباب ، خشية الفتنة ، و الله أعلم .(/1)
ما يعتقده المسلم في أسماء الله وصفاته
سئل سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ ما هي عقيدتكم التي تدينون الله بها في أسماء الله وصفاته ، وبخاصة في إثبات صفة العلو لربنا تبارك وتعالى ـ باختصار ـ بارك الله فيكم وفي علمكم ؟
عقيدتي التي أدين الله بها ، وأسأله سبحانه أن يتوفاني عليها: هي الإيمان بأنه سبحانه هو الإله الحق المستحق للعبادة، وأنه سبحانه فوق العرش، قد استوى عليه استواءً يليق بجلاله وعظمته بلا كيف، وأنه سبحانه يوصف بالعلو فوق جميع الخلق، كما قال سبحانه: ( الرحمن على العرش استوى)[طه/5]، وقال عز وجل: ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش)[الأعراف/54]، وقال عز وجل في آخر آية الكرسي: ( ولا يَؤُودُهُ حفظهما وهو العلي العظيم )[البقرة/255]، وقال عز وجل: ( فالحكم لله العلي الكبير )[غافر/12]، وقال سبحانه: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )[فاطر/10] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وأومن بأنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، كما قال عز وجل: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )[الأعراف/180].
والواجب على جميع المسلمين هو الإيمان بأسمائه وصفاته الواردة في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، وإثباتها له سبحانه على الوجه اللائق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، كما قال سبحانه: ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )[الشورى/11] ، وقال عز وجل: (فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون )[النحل/74]، وقال سبحانه: ( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كُفُوًا أحد )[الإخلاص/1ـ4] .
وهي توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها لله إلا بنص من القرآن أو من السنّة الصحيحة، لأنه سبحانه أعلم بنفسه وبما يليق به، ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أعلم الناس به، وهو المبلغ عنه، ولا ينطق عن الهوى كما قال الله سبحانه: ( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى )[النجم/1ـ4] .
وأومن بأن القرآن كلامه عز وجل، وليس بمخلوق، وهذا قول أهل السنَّة والجماعة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن بعدهم.
وأومن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة، والنار، والحساب، والجزاء، وغير ذلك مما كان وما سيكون، مما دل عليه القرآن الكريم أو جاءت به السنَّة الصحيحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم .
والله المسؤول أن يثبتنا وإياكم على دينه، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعًا ، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يجمع كلمتهم على الحق ، وأن يوفق ولاة أمرهم ، ويصلح قادتهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/291)
--------------------------------------------------------------------------------
الفرق بين الأسماء والصفات
س1: ما الفرق بين الأسماء والصفات ؟
الجواب: كل أسماء الله سبحانه مشتملة على صفات الله سبحانه تليق به وتناسب كماله ، ولا يشبهه فيها شيء ، فأسماؤه سبحانه أعلام عليه ونعوت له عز وجل ، ومنها : الرحمن ، الرحيم ، العزيز ، الحكيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن .. إلى غير ذلك من أسمائه سبحانه الواردة في كتابه الكريم وفي سنّة رسوله الأمين .
فالواجب إثباتها له سبحانه على الوجه اللائق بجلاله ؛ من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل . وهذا هو معنى قول أئمة السلف - كمالك والثوري والأوزاعي وغيرهم - أمروها كما جاءت بلا كيف . والمعنى أن الواجب إثباتها لله سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه.
أما كيفيتها فلا يعلمه إلا الله سبحانه ، ولما سئل مالك رحمه الله عن قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى ) (طه : 5 ) . كيف استوى ؟ أجاب رحمه الله بقوله : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة . يعني بذلك رحمه الله: السؤال عن الكيفية .. وقد روي هذا المعنى عن شيخ ربيعة ابن أبي عبد الرحمن ، وعن أم سلمة رضي الله عنها .
وهو قول أئمة السلف جميعًا ، كما نقله عنهم غير واحد من أهل العلم ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " العقيدة الواسطية " وفي "الحمودية" و " التدمرية " وفي غيرها من كتبه رحمه الله . هكذا نقله عنهم العلامة ابن القيم رحمه الله في كتبه المشهورة، ونقله عنهم قبل ذلك أبو الحسن الأشعري رحمه الله.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/294)
من رأي عدم التحدث عن توحيد الأسماء والصفات
س 2: هناك طائفة من المنتسبين للدعوة الإسلامية يرون عدم التحدث عن توحيد الأسماء والصفات بحجة أنه يسبب فرقة بين المسلمين ، ويشغلهم عن واجبهم وهو الجهاد الإسلامي . ما مدى صحة تلك النظرة؟(/1)
الجواب : هذه النظرة خاطئة ، فقد أوضح الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أسمائه وصفاته، ونوّه بذلك ليعلمها المؤمنون، ويسموه بها، ويصفوه بها ويثنوا عليه بها سبحانه وتعالى.
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبه وفي أحاديثه مع أصحابه، بذكره لأسماء الله وصفاته، وثنائه على الله بها، وحثه على ذلك عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على أهل العلم والإيمان أن ينشروا أسماءه وصفاته، وأن يذكروها في خطبهم ومؤلفاتهم ووعظهم وتذكيرهم، لأن الله سبحانه بها يُعرف، وبها يُعبد، فلا يجوز الغفلة عنها، ولا الإعراض عن ذكرها بحجة أن بعض العامة قد يلتبس عليه الأمر، أو لأن بعض أهل البدع قد يشوش على العامة في ذلك، بل يجب كشف هذه الشبهة، وإبطالها، وبيان أن الواجب إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله جل وعلا، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، حتى يعلم الجاهل الحكم في ذلك، وحتى يقف المبتدع عند حده وتقام عليه الحجة.
وقد بيّن أهل السنة والجماعة في كتبهم أن الواحب على المسلمين - ولا سيما أهل العلم - إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، وعدم تأويلها وعدم تكييف صفات الله عز وجل، بل يجب أن تمر كما جاءت، مع الإيمان بأنها حق، وأنها صفات الله وأسماء له سبحانه، وأن معانيها حق موصوف بها ربنا عز وجل على الوجه اللائق به؛ كالرحمن، والرحيم، والعزيز، والحكيم، والقدير، والسميع، والبصير إلى غير ذلك.
فيجب أن تمر كما جاءت، مع الإيمان بها، واعتقاد أنه سبحانه لا مثيل له، ولا شبيه له، ولا كفو له سبحانه وتعالى، ولكن لا نكيفها لأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو، فكما أنه سبحانه له ذات لا تشبه الذوات، ولا يجوز تكييفها، فكذلك له صفات لا تشبه الصفات، ولا يجوز تكييفها.
فالقول في الصفات كالقول في الذات يحتذى حذوه ويقاس عليه، هكذا قال أهل السنة جميعًا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رضي الله عنهم جميعًا ، قال سبحانه: ( قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد ) ( الإخلاص : 1-4)، وقال سبحانه : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى : 11)، وقال عز وجل: ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ( النحل: 74 )، وقال سبحانه: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) (الأعراف : 180 ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/295)
--------------------------------------------------------------------------------
تأويل آيات الصفات
س3: ما حكم التأويل في الصفات ؟
الجواب: التأويل في الصفات منكر ولا يجوز، بل يجب إمرار الصفات كما جاءت على ظاهرها اللائق بالله جل وعلا؛ بغير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
فالله جل جلاله أخبرنا عن صفاته وعن أسمائه، وقال: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى : 11 )، فعلينا أن نمرها كما جاءت، وهكذا قال أهل السنة والجماعة: أمروها كما جاءت بلا كيف، أي أمروها كما جاءت بغير تحريف لها ولا تأويل ولا تكييف، بل يقر بها كما جاءت على ظاهرها، وعلى الوجه الذي يليق بالله جل وعلا، ومن دون تكييف ولا تمثيل؛ فيقال في قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى ) ( طه : 5 ) وأمثالها من الآيات إنه استواء يليق بجلال الله وعظمته ، لا يشبه استواء المخلوقين .
وهكذا يقال في العين، والسمع، والبصر، واليد، والقدم، وغير ذلك من الصفات الثابتة لله جل وعلا والواردة في النصوص الشرعية، وكلها صفات تليق بالله سبحانه، لا يشابهه فيها الخلق جل وعلا وعلى هذا سار أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من أئمة السنة؛ كالأوزاعي الثوري ومالك وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وغيرهم من أئمة المسلمين رحمهم الله جميعًا.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة نوح: ( وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا ) (القمر:13،14)، وقوله سبحانه في قصة موسى: ( ولتصنع على عينى ) ( طه: 39) : فسرها أهل السنة بأن المراد بقوله سبحانه: ( تجري بأعيننا ): أي أنه سبحانه سيرها برعايته جل وعلا، حتى استوت على الجودي، وهكذا قوله في قصة موسى: ( ولتُصنع على عينى ) أي على رعايته سبحانه ، وتوفيقه للقائمين على تربيته عليه الصلاة والسلام .
وهكذا قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم: ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) ( الطور : 48 ) أي أنك تحت كلاءتنا وعنايتنا وحفظنا، وليس هذا كله من التأويل، بل ذلك من التفسير المعروف في لغة العرب وأساليبها.
ومن ذلك الحديث القدسي، وهو قول الله سبحانه: " من تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرّب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هروله) يمر كما جاء عن الله سبحانه وتعالى، من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل، بل على الوجه الذي أراده الله سبحانه وتعالى.(/2)
وهكذا نزوله سبحانه في آخر الليل، وهكذا السمع والبصر، والغضب والرضا، والضحك، والفرح، وغير ذلك من الصفات الثابتة، كلها تمر كما جاءت على الوجه الذي يليق بالله من غير تكييف، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، عملاً بقوله سبحانه: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى: 11)، وما جاء في معناها من الآيات.
أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ، ومن سار في ركابهم ، وهو مذهب باطل أنكره أهل السنة والجماعة ، وتبرؤوا منه ، وحذروا من أهله . والله ولي التوفيق.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/297)
تفسير قوله تعالى ( الله نور السموات والأرض )
س4: أريد من سماحتكم تفسير قوله تعالى: ( الله نور السموات والأرض ).
الجواب : معنى الآية الكريمة عند العلماء : أن الله سبحانه منورها ، فجميع النور الذي في السموات والأرض، ويوم القيامة كان من نوره سبحانه.
والنور نوران:
نور مخلوق: وهو ما يوجد في الدنيا والآخرة وفي الجنة وبين الناس الآن؛ من نور القمر والشمس والنجوم. وهكذا نور الكهرباء والنار كله مخلوق، وهو من خلقه سبحانه وتعالى.
أما النور الثاني: فهو غير مخلوق، بل هو من صفاته سبحانه وتعالى. والله سبحانه وبحمده بجميع صفاته هو الخالق وما سواه مخلوق، فنور وجهه عز وجل ونور ذاته سبحانه وتعالى كلاهما غير مخلوق، بل هما صفة من صفاته جل وعلا.
وهذا النور العظيم وصف له سبحانه، وليس مخلوقًا بل هو صفة من صفاته؛ كسمعه وبصره ويده، وقدمه وغير ذلك من صفاته العظيمة سبحانه وتعالى. وهذا هو الحق الذي درج عليه أهل السنة والجماعة.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/308)
--------------------------------------------------------------------------------
ولله المشرق والمغرب
س5: هل قول الله تعالى: ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) من آيات الصفات أم لا ؟ جزاكم الله خيرًا .
الجواب: بسم الله والحمد لله .. نعم هذه الآية من آيات الصفات؛ من جهة أن الله له وجه، كما قال: ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) والواجب إثبات الوجه لله، والوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى: ( كل شي هالك إلا وجهه ) .
وهي من آيات القبلة؛ من جهة أن المؤمن يستقبل أي جهة إذا خفي عليه الأمر، فيجتهد ويصلي لأي جهة ظن أنها قبلة، ويجزيه ذلك ففي الأسفار قد تشتبه الأمور، فإذا اجتهد وظن أن القبلة في جهة معينة حسب اجتهاده وصلى فلا حرج عليه، والحمد لله ( فثم وجه الله ) جل وعلا أمام المصلي فإن الله قبل وجهه أينما كان.
وهو فوق عرشه وفوق جميع خلقه سبحانه وتعالى، لأن صفات الله لا تشابه صفات المخلوقين، وهو سبحانه فوق العرش فوق جميع الخلق، وأينما توجه العباد فهم إليه سبحانه وتعالى.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/309)
--------------------------------------------------------------------------------
إثبات اليد والقدرة جميعًا لله سبحانه وتعالى
س6: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ .. وفقه الله آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
اطلعت على ما ذكرتم في الرسالة المرفقة من جهة كلام الحافظ ابن حجر على قول عبد الله بن مسعود : " والذي نفسي بيده .. إلخ ) وأن المراد باليد القدرة، وفهمته. ولا شك أنه كلام ناقص مخالف لما عليه أهل السنّة والجماعة.
والصواب : أن ما ورد في هذا من الأحاديث والآثار يراد به إثبات اليد والقدرة جميعًا، فهي تدل على أن بيده كل شيء _سبحانه_ وله القدرة الكاملة ، كما تدل على إثبات اليد له سبحانه على الوجه اللائق به، من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته.
وقد دل على هذا المعنى قوله تعالى في سورة المائدة: ( بل يداه مبسوطتان ) ( المائدة : 64)، وقوله سبحانه في سورة ص: ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) (ص : 75)، وقوله صلى الله عليه وسلم: [ إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل]، وقوله صلى الله عليه وسلم: " يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المستكبرون ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون " والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأما السؤال عن قول الحافظ في الرد على من قال إن حرف (لا) في قوله : (لا أقسم) أنها زائدة ، وتعقب بأنها لا تزاد إلا في أثناء الكلام ، وأجيب بأن القرآن كله كالكلام الواحد.
والجواب : أني لا أعلم بأسًا في مثل هذا الكلام من جهة أن القرآن كله كلام الله، وكله محترم ومعظم، وكله يفسر بعضه بعضًا، ويدل بعضه على بعض، لكن ليس هذا الجواب بسديد.(/3)
والصواب أنها تزاد حيث وضح المعنى ولو كان ذلك في أول الكلام، كما في قوله تعالى في آخر سورة الحديد: ( لئلا يعلم أهل الكتب ) ( الحديد : 29)، وقوله تعالى في سورة الأنعام: ( قل تعالوا اتلُ ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا ) ( الأنعام: 151) وما أشبه ذلك، وهكذا قوله سبحانه: ( لا أقسم بيوم القيامة ) ( القيامة :1) و ( لا اقسم بهذا البلد ) ( البلد:1 ) المراد بذلك في هاتين الآيتين وأمثالهما نفي ما يقوله المشركون من التعلق على غير الله، والتقرب إلى آلهتهم بأنواع العبادة ليشفعوا لهم عند الله، وإنكارهم المعاد. ثم أثبت بعد ذلك إقسامه سبحانه بما أقسم به من يوم القيامة والنفس اللوامة في السورة الأولى، وبالبلد الأمين وما بعده في السورة الثانية، على ما ذكره سبحانه بعد ذلك في السورتين.
ويجوز أن يقال: إن هذا الحرف جيء به للافتتاح لا لنفي شيء، كما في الحروف المقطعة الأخرى في أول السور؛ نحو ( الم ) و ( الر) و(حم ) وأشباه ذلك. وهذا هو معنى ما ذكره الإمام ابن جرير والحافظ ابن كثير.
وأما ما رواه الحافظ عمر بن شبة في تاريخ المدينة، من قول عمر رضي الله عنه: أنه وجد عبد الله بن عمر ريح شراب .. إلخ .
فالصواب : أنه عبيد الله وليس عبد الله المشهور، ولكن وقع في اسمه تصحيف كما تدل على ذلك روايات أخرى بيّنت أنه عبيد الله بن المصغر، هو تابعي وليس بصحابي غفر الله للجميع . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/310)
--------------------------------------------------------------------------------
معنى المثل الأعلى
س7: قوله سبحانه: ( وله المثل الأعلى في السموات والأرض)(الروم:27) هل المثل يعني الشبيه؟
الجواب : يعني المثل الأعلى: الوصف الأعلى من كل الوجوه، فهو سبحانه الموصوف بالكمال المطلق من كل الوجوه، كما قال سبحانه: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى : 11)، وقال سبحانه: ( قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد ) ( الاخلاص : 1-4 ) . والله ولي التوفيق.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/312)
--------------------------------------------------------------------------------
الحق في معنى الساق
س8: طالب يسأل ويقول: ما هو الحق في تفسير قوله تعالى: ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) ( القلم:42).
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم فسرها بأن المراد يوم يجيء الرب يوم القيام يكشف لعباده المؤمنين عن ساقه، وهي العلامة التي بينه وبينهم سبحانه وتعالى، فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه .. وإن كانت الحرب يقال لها : كشفت عن ساق، إذا اشتدت، وهذا معنى معروف لغويًا قاله أئمة اللغة - ولكن في الآية الكريمة يجب أن يفسر بما جاء في الحديث الشريف، وهو كشف الرب عن ساقه سبحانه وتعالى، وهذه من الصفات التي تليق بجلال الله وعظمته، لا يشابهه فيها أحد جل وعلا.
وهكذا سائر الصفات كالوجه، واليدين، والقدم ، والعين، وغير ذلك من الصفات الثابتة بالنصوص، ومن ذلك: الغضب، والمحبة، والكراهة، وسائر ما وصف به نفسه سبحانه في الكتاب العزيز، وفيما أخبر به عنه النبي صلى الله عليه وسلم كلها صفات حق، وكلها تليق بالله جل وعلا، لا يشابهه فيها أحد سبحانه وبحمده، كما قال تعالى: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى: 11 )، وقال تعالى: ( قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد )( الإخلاص : 1-4 ) ، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان من أئمة العلم والهدى .. والله الموفق .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/317)
--------------------------------------------------------------------------------
معنى قول الله تعالى : ( أفأمِنوا مكر الله .. )
س9: ما معنى قول الحق تبارك وتعالى: ( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) (الأعراف : 99 ) ؟
الجواب: هذه الآية العظيمة يحذر الله فيها سبحانه عباده من الأمن من مكره، فيقول سبحانه: (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) المقصود من هذا تحذير العباد من الأمن من مكره؛ بالإقامة على معاصيه، والتهاون بحقه.(/4)
والمراد من مكر الله بهم: كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره، فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم، ويعاقبوا على غرتهم، بسبب إقامتهم على معاصيه وأمنهم من عقابه وغضبه، كما قال سبحانه: ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملي لهم إن كيدي متين ) ( الأعراف : 182- 183 )، وقال عز وجل: ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) ( سورة الأنعام : 110) ، وقال سبحانه: ( فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) ( الأنعام : 44) أي آيسون من كل خير.
فالواجب على المسلمين ألا يقنطوا من رحمة الله ولا يأمنوا من مكره وعقبوته، بل يجب على كل مسلم أن يسير إلى الله سبحانه في هذه الدنيا - الدار الفانية - بين الخوف والرجاء، فيذكر عظمته وشدة عقابه إذا خالف أمره، فيخافه ويخشى عقابه، ويذكر رحمته وعفوه ومغفرته وجوده وكرمه، فيحسن به الظن، ويرجو كرمه وعفوه، والله الموفق سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/318)
--------------------------------------------------------------------------------
معنى كلمة اسمه تعالى " الظاهر"
س10: ما رأي سماحتكم في من قال في معنى اسم الله الظاهر، أي الظاهر في كل شيء؟ هل يدخل هذا في القول بالحلول أم لا ؟ ؟
الجواب: هذا باطل، لأنه خلاف ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، فاقض عني الدين وأغنني من الفقر ) ( أخرجه مسلم ) فالظاهر معناها العالي فوق جميع الخلق.
ولكن آيات ودلائل وجوده وملكه وعلمه، موجوده في كل شيء، وأنه رب العالمين وخالقهم ورازقهم، فأنت أيها الإنسان الذي أعطاك الله السمع والبصر والعقل، وأعطاك هذا البدن، والأدوات التي تبطش بها، وتمشي بها - من جملة الآيات الدالة على أنه رب العالمين - وهكذا السماء والأرض والليل والنهار والمعادن والحيوانات وكل شيء، كلها آيات له سبحانه وتعالى تدل على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته، وأنه المستحق للعبادة، كما قال الشاعر:
فواعجبًا كيف يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد
والله يقول جل وعلا: ( وإلهكم إله واحدٌ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) ( البقرة: 163)، ثم قال بعدها: ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقومٍ يعقلون ) ( البقرة : 164 )، فأوضح سبحانه في هذه الآية أنواعًا من مخلوقاته الدالة على أنه سبحانه هو الإله الحق، الذي لا تجوز العبادة لغيره سبحانه وتعالى، فكل شيء له فيه آية ودليل على أنه رب العالمين، وأنه موجود، وأنه الخلاق، وأنه الرزاق، وأنه المستحق لأن يعبد سبحانه وتعالى.
وأما معنى الظاهر فهو العالي فوق جميع الخلق، كما تقدم ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/327)
--------------------------------------------------------------------------------
بداية الثلث الأخير من الليل ونهايته
س11: ورد في الحديث : " ينزل الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل " الحديث ، متى يبدأ الثلث الأخير ومتى ينتهي ؟
الجواب : قد تواترت الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإثبات النزول ، وهو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له .. " .
وقد أجمع أهل السنّة والجماعة على إثبات صفة النزول على الوجه الذي يليق بالله سبحانه ، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته ، كما قال سبحانه : ( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كُفُوًا أحد )[الإخلاص/1ـ4] ، وقال عز وجل : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )[الشورى/11] .
فالواجب عند أهل السنَّة والجماعة إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ؛ من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، مع الإيمان بها ، واعتقاد أن ما دلت عليه حق ، ليس في شيء منها تشبيه لله بخلقه ، ولا تكييف لصفته ، بل القول عندهم في الصفات كالقول في الذات ، فكما يثبت أهل السنة والجماعة ذاته سبحانه بلا كيف ، ولا تمثيل ، فهكذا صفاته يجب إثباتها بلا كيف ، ولا تمثيل .(/5)
والنزول في كل بلاد بحسبها ؛ لأن نزول الله سبحانه لا يشبه نزول خلقه ، وهو سبحانه يوصف بالنزول في الثلث الأخير من الليل في جميع أنحاء العالم ، على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه ، ولا يعلم كيفية نزوله إلى هو ، كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو عز وجل : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )[الشورى/11] ، وقال عز وجل : ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون )[النحل/74] .
وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه ؛ فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر ، وإذا كان الليل اثنتي عشرة ساعة كان أول الثلث الأخير أول الساعة التاسعة إلى طلوع الفجر ، وهكذا بحسب طول الليل وقصره في كل مكان ، والله ولي التوفيق .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/331) .
--------------------------------------------------------------------------------
علو الرب سبحانه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم .. وفقه الله وزاده من العلم والإيمان آمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد
كتابكم المطول، وصَل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الأمور الآتية:
1- قولك في صدر الكتاب : الله منزّه عن الجهة ، ولا يحيط به مكان .
2- قولك : لفت نظري واسترعى انتباهي وأنا أتصفح كتاب " صراع بين الحق والباطل " للأستاذ سعد صادق ، ثم ذكرت ما احتج به على علو الله من الآيات والأحاديث ، إلى أن قلت : ولست أدري ما الذي يجنيه ذلك المؤلف وأمثاله من هذا الاعتقاد ، الذي يكون في الغالب مثارًا للفتن والاضطرابات ، وتفريق الصفوف ؟ إلى أن قلت وخاصة وأن العامة يتمسكون بما في هذا الكتاب ، ويعتقدون بأن الله موجود في السماء .. إلخ ، ثم ذكرت في آخر هذا الكتاب أنك نقلت كلام الرازي والقرطبي والصاوي للإحاطة ، ولعلي أرد عليها .
والذي يظهر لي من كتابك هذا أنك لست متبصرًا في أمر العقيدة في باب الأسماء والصفات ، وأنك في حاجة إلى بحث خاص ، وعناية بما يوضح لك العقيدة الصحيحة ، وعليه فاعلم بارك الله فيك أن أهل السنّة والجماعة من أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتابعين لهم بإحسان ، مجمعون على أن الله في السماء ، وأنه فوق العرش ، وأن الأيدي ترفع إليه سبحانه كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث الصحيحة .
كما أجمعوا أنه سبحانه غني عن العرش وعن غيره، وأن جميع المخلوقات كلها فقيرة إليه، كما أجمعوا أنه سبحانه في جهة العلو؛ فوق العرش، وفوق جميع المخلوقات، وليس في داخل السماوات، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، بل هو سبحانه وتعالى فوق جميع المخلوقات، وقد استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، ولا يشابه خلقه في ذلك، ولا في شيء من صفاته، كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ لما سئل عن الاستواء قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ـ يعني عن كيفية الاستواء ـ .
وهكذا قال أهل السنة ـ في جميع الصفات ـ مثل قول مالك: المعاني معلومة على حسب ما تقتضيه اللغة العربية التي خاطب الله بها العباد، والكيف مجهول، وتلك المعاني معانٍ كاملة ثابتة، موصوف بها ربنا سبحانه، لا يشابه فيها خلقه، والكلام في هذا يحتاج إلى مزيد بسط، وسنفعل ذلك إن شاء الله بعد وصولنا إلى المدينة، ونقرأ عليك كتابك وننبهك على ما فيه من أخطاء، ونوصيك بتدبر القرآن الكريم، والإيمان بأن جميع ما دل عليه حق لائق بالله سبحانه فيما يتعلق بباب الأسماء والصفات، كما أن جميع ما دل عليه حق في جميع الأبواب الأخرى، ولا يجوز تأويل الصفات، ولا صرفها عن ظاهرها اللائق بالله، ولا تفويضها بل هذا كله من اعتقاد أهل البدع.
أما أهل السنّة والجماعة فلا يؤولون آيات الصفات وأحاديثها، ولا يصرفونها عن ظاهرها، ولا يفوضونها، بل يعتقدون أن جميع ما دلت عليه من المعنى كله حق ثابت لله لائق به سبحانه، لا يشابه فيه خلقه، كما قال سبحانه: ( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كُفُوًا أحد )[الإخلاص/1ـ4]، وقال سبحانه: ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )[الشورى/11]، فنفى عن نفسه مماثلة الخلق ، وأثبت لنفسه السمع والبصر على الوجه اللائق به ، وهكذا بقية الصفات .(/6)
ونوصيك أيضًا بمطالعة جواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة ، وجوابه لأهل تدمر ، ففي الجوابين خير عظيم ، وتفصيل لكلام أهل السنة ، ونقل لبعض كلامهم ، ولاسيما الحموية ، كما أن فيهما الرد الكافي على أهل البدع ، ونوصيك أيضًا بمطالعة العقيدة النونية ، ومختصر الصواعق المرسلة ، وكلاهما للعلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ وفيهما من البيان والإيضاح لأقوال أهل السنة والرد على أهل البدع ، ما لعلك لا تجده في غيرهما ، مع التحقيق والعناية بإيضاح الأدلة من الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة ، والله المسؤول أن يوفقنا وإياك للعلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يمنحنا جميعًا الفقه في دينه ، والثبات عليه ، وأن يعيذنا جميعًا من زيغ القلوب ، ومضلات الفتن ، إنه سميع قريب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/299)
--------------------------------------------------------------------------------
توضيح معاني بعض آيات الصفات
من عبد العزيز ابن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم . سلمه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
فأشير إلى كتابكم الذي جاء فيه : نرجو من فضيلتكم توضيح معاني الآيات الكريمة التالية : بسم الله الرحمن الرحيم : ( وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون )[الأنعام/3] ، والآية : ( وسِع كُرسيُّهُ السموات والأرض ولا يؤُودُهُ حفظهما وهو العلي العظيم )[البقرة/255] ، والآية : ( وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم )[الزخرف/84] ، والآية : ( ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسُهُم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيءٍ عليم )[المجادلة/7] .
وحديث الجارية الذي رواه مسلم حينما سألها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : " أين الله ؟ " فقالت : في السماء ، وقال لها : " من أنا ؟ " قالت : رسول الله ، قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أعتقها فإنه مؤمنة " .
نرجو توضيح معاني هذه الآيات الكريمة ، وتوضيح معنى حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للجارية ؟
وأفيدك بأن المعنى العام للآيات الكريمات والحديث النبوي الشريف ، هو الدلالة على عظمة الله سبحانه وتعالى ، وعلوه على خلقه ، وألوهيته لجميع الخلائق كلها ، وإحاطة علمه وشموله لكل شيء ؛ كبيرًا كان أو صغيرًا ، سرًا أو علنًا ، وبيان قدرته على كل شيء ، ونفي العجز عنه سبحانه وتعالى .
وأما المعنى الخاص لها : فقوله تعالى : ( وسِع كرسيُّه السموات والأرض ) ففيها الدلالة على عظمة الكرسي وسعته ، كما يدل ذلك على عظمة خالقه سبحانه وكمال قدرته ، وقوله : ( ولا يؤُودُهُ حفظهما وهو العلي العظيم ) أي لا يثقله ولا يكرثه حفظ السموات والأرض ، ومن فيهما ، ومن بينهما ، بل ذلك سهل عليه يسير لديه ، وهو القائم على كل نفس بما كسبت ، الرقيب على جميع الأشياء ، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء ، والأشياء كلها حقيرة بين يديه ، متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه سبحانه ، محتاجة وفقيرة إليه ، وهو الغني الحميد الفعال لما يريد ، الذي لا يسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ، وهو القاهر لكل شيء ، الحسيب على كل شيء ، الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه.
وقوله سبحانه : ( وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) فيها الدلالة على أن المدعو الله في السموات وفي الأرض ، ويعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض ، ويسمونه الله ، ويدعونه رغبًا ورهبًا ، إلا من كفر من الجن والإنس ، وفيها الدلالة على سعة علم الله سبحانه ، واطلاعه على عباده وإحاطته بما يعملونه ؛ سواء كان سرًا أو جهرًا ، فالسر والجهر عنده سواء سبحانه وتعالى ، فهو يحصي على العباد جميع أعمالهم ، خيرها وشرها .
وقوله سبحانه : ( وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم ) معناها أنه سبحانه هو إله من في السماء وإله من في الأرض ، يعبده أهلهما ، وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه إلا من غلبت عليه الشقاوة ؛ فكفر بالله ولم يؤمن به ، وهو الحكيم في شرعه وقدره ، العليم بجميع أعمال عباده سبحانه .
وقوله سبحانه وتعالى : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) معناه أنه مطلع سبحانه على جميع عباده أينما كانوا يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم ويعلم أعمالهم ، ورسله من الملائكة الكرام والكاتبين الحفظة أيضًا مع ذلك يكتبون ما يتناجون به ، مع علم الله به وسمعه كله .(/7)
والمراد بالمعية المذكورة في هذه الآية عند أهل السنّة والجماعة معية علمه سبحانه وتعالى ، فهو معهم بعلمه محيط بهم ، وبصره نافذ فيهم ، فهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه لا يغيب عنه من أمورهم شيء ، مع أنه سبحانه فوق جميع الخلق قد استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته ، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته ، كما قال عز وجل : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )[الشورى/11] ، ثم ينبئهم يوم القيامة بجميع الأعمال التي عملوها في الدنيا ؛ لأنه سبحانه بكل شيءٍ عليم ، وبكل شيءٍ محيط ، عالم الغيب ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبين .
أما حديث الجارية التي أراد سيدها إعتاقها كفارة لما حصل منه من ضربها ، فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أين الله ؟ " قالت : في السماء ، قال " من أنا ؟ " قالت : رسول الله ، قال : " اعتقها فإنها مؤمنة " . فإن فيه الدلالة على علو الله على خلقه ، وأن الاعتراف بذلك وبرسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ دليل على الإيمان ، هذا هو المعنى الموجز لما سَألت عنه .
والواجب على المسلم أن يسلك في هذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحيحة الدالة على أسماء الله وصفاته، مسلك أهل السنَّة والجماعة، وهو الإيمان بها، واعتقاد صحة ما دلت عليه، وإثباته له سبحانه على الوجه اللائق به؛ من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهذا هو المسلك الصحيح الذي سلكه السلف الصالح واتفقوا عليه.
كما يجب على المسلم الذي يريد السلامة لنفسه تجنيبها الوقوع فيما يغضب الله ، والعدول عن طريق أهل الضلال الذين يؤولون صفات الله ، أو ينفونها عنه ، سبحانه وتعالى عمَّا يقول الظالمون والجاهلون علوًا كبيرًا ، نرفق لك نسخة من العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وشرحها للشيخ محمد خليل الهراس ، لأن فيها بحثًا موسعًا في الموضوع الذي سألت عنه ، ونسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل به ، وأن يوفق الجميع لما يرضيه إنه سميع مجيب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/304).
--------------------------------------------------------------------------------
شرعية التخلق بما يحب الله من معاني أسمائه وصفاته :
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم .. سلمه الله وتولاه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
كتابكم الكريم المؤرخ 23/3/1986م وصل وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من السؤال عمَّا قاله بعض الخطباء في خطبة الجمعة من الحث على الاتصاف بصفات الله، والتخلق بأخلاقه هل لها محمل ؟ وهل سبق أن قالها أحد .. إلخ ؟.
والجواب : هذا التعبير غير لائق ، ولكن له محمل صحيح ، وهو الحث على التخلق بمقتضى صفات الله ، وأسمائه وموجبها ، وذلك بالنظر إلى الصفات التي يحسن من المخلوق أن يتصف بمقتضاها ، بخلاف الصفات المختصة بالله ؛ كالخلاق ، والرزَّاق ، والإله ، ونحو ذلك ، فإن هذا شيء لا يمكن أن يتصف به المخلوق ، ولا يجوز أن يدعيه ، وهكذا ما أشبه هذه الأسماء .
وإنما المقصود الصفات التي يحب الله من عباده أن يتصفوا بمقتضاها؛ كالعلم، والقوة في الحق، والرحمة، والحلم، والكرم ، والجود، والعفو، وأشباه ذلك، فهو سبحانه عليم يحب العلماء، قوي يحب المؤمن القوي، أكثر من حبه للمؤمن الضعيف، كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، عفو يحب العفو .. إلخ .
لكن الذي لله سبحانه من هذه الصفات وغيرها أكمل وأعظم من الذي للمخلوق ، بل لا مقارنة بينهما ، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء في صفاته وأفعاله ، كما أنه لا مثيل له في ذاته ، وإنما حسب المخلوق أن يكون له نصيب من معاني هذه الصفات ، يليق به ويناسبه على الحد الشرعي ؛ فلو تجاوز في الكرم الحد صار مسرفًا ، ولو تجاوز في الرحمة الحد عطل الحدود والتعزيرات الشرعية ، وهكذا لو زاد في العفو على الحد الشرعي وضعه في غير موضعه ، وهذه الأمثلة تدل على سواها .
وقد نص العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ على هذا المعنى في كتابيه " عدة الصابرين " و " الوابل الصيب " ، ولعله نص على ذلك في غيرهما كـ " المدارج " و " زاد المعاد " وغيرهما ، وإليك نص كلامه في العدة والوابل قال في العدة ـ ص:310 ـ : ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة ، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر ، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها ، أو اتصف بضدها ، وهذا شأن أسمائه الحسنى ، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها ، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها ، ولهذا يبغض الكافر ، والظالم ، والجاهل ، والقاسي القلب ، والبخيل ، والجبان ، والمهين، واللئيم .(/8)
وهو سبحانه جميل يحب الجمال ، عليم يحب العلماء ، رحيم يحب الراحمين ، محسن يحب المحسنين ، سِتِّيرٌ يحب أهل الستر ، قادر يلوم على العجز ، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف ، فهو عفو يحب العفو ، وتر يحب الوتر ، وكل ما يحبه فهو من آثار أسمائه وصفاته وموجبها ، وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها .
وقال في الوابل الصيب ـ ص:43 ـ من مجموعة الحديث : " والجود من صفات الرب جل جلاله ، فإنه يعطي ولا يأخذ ، ويطعِم ولا يطعَم ، وهو أجود الأجودين ، وأكرم الأكرمين ، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته ،فإنه كريم يحب الكرماء من عباده ، وعالم يحب العلماء ، وقادر يحب الشجعان ، وجميل يحب الجمال " . انتهى .
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية وحصول للفائدة ، وأسال الله سبحانه أن يوفقنا جميعًا للفقه في دينه والقيام بحقه ، إنه سميع قريب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(1/329) .
--------------------------------------------------------------------------------
بداية الثلث الأخير من الليل ونهايته
ورد في الحديث : " ينزل الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل " الحديث ، متى يبدأ الثلث الأخير ومتى ينتهي ؟
الجواب : قد تواترت الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإثبات النزول ، وهو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له .. " .
وقد أجمع أهل السنّة والجماعة على إثبات صفة النزول على الوجه الذي يليق بالله سبحانه ، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته ، كما قال سبحانه : ( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كُفُوًا أحد )[الإخلاص/1ـ4] ، وقال عز وجل : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير )[الشورى/11] .
فالواجب عند أهل السنَّة والجماعة إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ؛ من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، مع الإيمان بها ، واعتقاد أن ما دلت عليه حق ، ليس في شيء منها تشبيه لله بخلقه ، ولا تكييف لصفته ، بل القول عندهم في الصفات كالقول في الذات ، فكما يثبت أهل السنة والجماعة ذاته سبحانه بلا كيف ، ولا تمثيل ، فهكذا صفاته يجب إثباتها بلا كيف ، ولا تمثيل .
والنزول في كل بلاد بحسبها ؛ لأن نزول الله سبحانه لا يشبه نزول خلقه ، وهو سبحانه يوصف بالنزول في الثلث الأخير من الليل في جميع أنحاء العالم ، على الوجه الذي يليق بجلاله سبحان
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(/9)
ما يكره ويستحب ويباح في الصلاة
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم
باب في بيان ما يكره في الصلاة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
- يكره للمسلم في الصلاة الالتفات بوجهه وصدره؛ لقول النبي : { وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد } [رواه البخاري]، إلا أن يكون ذلك لحاجة، فلا بأس به، كما في حالة الخوف أو كان لغرض صحيح.
فإن استدار بجميع بدنه، أو استدبر الكعبة في غير حالة الخوف بطلت صلاته؛ لتركه الاستقبال بلا عذر.
فتبين بهذا أن الالتفات في الصلاة في حالة الخوف لا بأس به؛ لأن ذلك من ضروريات القتال، وإن كان في غير حالة الخوف، فإن كان بالوجه والصدر فقط دون بقية البدن، فإن كان لحاجة فلا بأس، وإن كان لغير حاجة فهو مكروه، وإن كان بجميع البدن بطلت صلاته.
- ويكره في الصلاة رفع بصره إلى السماء؛ فقد أنكر النبي على من يفعل ذلك، فقال: { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! }، واشتد قوله في ذلك، حتى قال: { لينتهن أو لتخطفن أبصارهم } [رواه البخاري].
وقد سبق أنه ينبغي أن يكون نظر المصلي إلى موضع سجوده، فلا ينبغي له أن يسرح بصره فيما أمامه من الجدران، والنقوش، والكتابات، ونحو ذلك؛ لأن ذلك يشغله عن صلاته.
- ويكره في الصلاة تغميض عينيه لغير حاجة؛ لأن ذلك من فعل اليهود، وإن كان التغميض لحاجة، كأن يكون أمامه ما يشوش عليه صلاته كالزخارف والتزويق، فلا يكره إغماض عينيه عنه، هذا معنى ما ذكره ابن القيم رحمه الله.
- ويكره في الصلاة إقعاؤه في الجلوس، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه؛ لقوله : { إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب } [رواه ابن ماجه]، وما جاء بمعناه من الأحاديث.
- ويكره في الصلاة أن يستند إلى جدار أو نحوه حال القيام، إلا من حاجة؛ لأنه يزيل مشقة القيام، فإن فعله لحاجة - كمرض ونحوه - فلا بأس.
- ويكره في الصلاة افتراش ذراعيه حال السجود، بأن يمدها إلى الأرض مع إلصاقهما بها؛ قال : { اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب } [متفق عليه]، وفي حديث آخر: { ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب }.
- ويكره في الصلاة العبث - وهو اللعب - وعمل ما لا فائدة فيه بيد، أو رجل، أو لحية، أو ثوب، أو غير ذلك، ومنه مسح الأرض من غير حاجة.
- ويكره في الصلاة التخصر، وهو وضع اليد على الخاصرة، وهي الشاكلة ما فوق رأس الورك من المستدق؛ وذلك لأن التخصر فعل الكفار المتكبرين، وقد نهينا عن التشبه بهم، وقد ثبت في الحديث المتفق عليه النهي عن أن يصلي الرجل متخصراً.
- ويكره في الصلاة فرقعة أصابعه وتشبيكها.
- ويكره أن يصلي وبين يديه ما يشغله ويلهيه؛ لأن ذلك يشغله عن إكمال صلاته.
- وتكره الصلاة في مكان فيه تصاوير؛ لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام، سواء كانت الصورة منصوبة أو غير منصوبة على الصحيح.
- ويكره أن يدخل في الصلاة وهو مشوش الفكر بسبب وجود شيء يضايقه، كاحتباس بول، أو غائط، أو ريح، أو حالة برد أو حر شديدين، أو جوع أو عطش مفرطين؛ لأن ذلك يمنع الخشوع.
- وكذا يكره دخوله في الصلاة بعد حضور طعام يشتهيه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: { لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان } [رواه مسلم].
وذلك كله رعاية لحق الله تعالى ليدخل العبد في العبادة بقلب حاضر مقبل على ربه.
- ويكره للمصلي أن يخص جبهته بما يسجد عليه؛ لأن ذلك من شعار الرافضة، ففي ذلك الفعل تشبه بهم.
- ويكره في الصلاة مسح جبهته وأنفه مما علق بهما من أثر السجود، ولا بأس بمسح ذلك بعد الفراغ من الصلاة.
- ويكره في الصلاة العبث بمس لحيته، وكف ثوبه، وتنظيف أنفه، ونحو ذلك؛ لأن ذلك يشغله عن صلاته.
والمطلوب من المسلم أن يتجه إلى صلاته بكليته، ولا يتشاغل عنها بما ليس منها، يقول الله سبحانه: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين [البقرة:238]؛ فالمطلوب إقامة الصلاة بحضور القلب والخشوع، والإتيان بما يشرع لهما، وترك ما ينافيهما أو ينقصهما من الأقوال والأفعال؛ لتكون صلاة صحيحة مبرئة لذمة فاعلها، ولتكون صلاة في صورتها وحقيقتها، لا في صورتها فقط.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
باب في بيان ما يستحب أو يباح فعله في الصلاة:
- يسن للمصلي رد المار من أمامه قريباً منه؛ لقول النبي : { إذا كان أحدكم يصلى، فلا يدعن أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين } [رواه مسلم].
لكن إذا كان أمام المصلي سترة (أي: شيء مرتفع من جدار أو نحوه) فلا بأس أن يمر من ورائها، وكذا إذا كان يصلي في الحرم، فلا يمنع المرور بين يديه؛ لأن النبي كان يصلي بمكة والناس يمرون بين يديه وليس دونهم سترة، رواه الخمسة.(/1)
واتخاذ السترة سنة في حق المنفرد والإمام؛ لقوله : { إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها } [رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد]، وأما المأموم فسترته سترة إمامه.
وليس اتخاذ السترة بواجب؛ لحديث ابن عباس أنه { صلى في فضاء ليس بين يديه شيء } [رواه أحمد وأبو داود].
وينبغي أن تكون السترة قائمة كمؤخرة الرجل، أي: قدر ذراع، سواء كانت دقيقة أو عريضة.
والحكمة في اتخاذها؛ لتمنع المار بين يديه، ولتمنع المصلي من الانشغال بما وراءها.
وإن كان في الصحراء؛ صلى إلى شيء شاخص من شجر أو حجر أو عصا، فإن لم يمكن غرز العصا في الأرض؛ وضعه بين يديه عرضاً.
- وإذا التبست القراءة على الإمام، فللمأموم أن يسمعه القراءة الصحيحة.
- ويباح للمصلي لبس الثوب ونحوه، وحمل شيء ووضعه، وفتح الباب، وله قتل حية وعقرب؛ لأنه أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب، رواه أبو داود والترمذي وصححه، لكن، لا ينبغي له أن يكثر من الأفعال المباحة في الصلاة إلا لضرورة، فإن أكثر منها من غير ضرورة، وكانت متوالية أبطلت الصلاة؛ لأن ذلك مما ينافي الصلاة ويشغل عنها.
- وإذا عرض للمصلي أمر كاستئذان عليه، أو سهو إمامه، أو خف على إنسان الوقوع في هلكة فله التنبيه على ذلك، بأن يسبح الرجل وتصفق المرأة؛ لقوله : { إذا نابكم شيء في صلاتكم؛ فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء } [متفق عليه].
- ولا يكره السلام على المصلي إذا كان يعرف كيف يرد، وللمصلي حينئذ رد السلام في حال الصلاة بالاشارة لا باللفظ؛ فلا يقول: وعليكم السلام، فإن رده باللفظ بطلت صلاته؛ لأنه خطاب آدمي، وله تأخير الرد إلى ما بعد السلام.
ويجوز للمصلي أن يقرأ عدة سور في ركعة واحدة؛ لما في الصحيح: أن النبي قرأ في ركعة من قيامه بالبقرة وآل عمران والنساء، ويجوز له أن يكرر قراءة السورة في ركعتين، وأن يقسم السورة الواحدة بين ركعتين، ويجوز له قراءة أواخر السور وأوساطها؛ لما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس أن النبي كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا... الآية [البقرة:136]، وفي الثانية الآية في آل عمران: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم اللآية [آل عمران:64]، ولعموم قوله تعالى: فاقرءوا ما تيسر منه [المزمل:20]، لكن لا ينبغي الإكثار من ذلك، بل يفعل أحياناً.
- وللمصلي أن يستعيذ عند قراءة آية فيها ذكر عذاب، وأن يسأل الله عند قراءة آية فيها ذكر رحمة، وله أن يصلي على النبي عند قراءة ذكره؛ لتأكد الصلاة عليه عند ذكره.
هذه جملة من الأمور التي يستحب لك أو يباح لك فعلها حال الصلاة، عرضناها عليك رجاء أن تستفيد منها وتعمل بها؛ حتى تكون على بصيرة من دينك، ونسأل الله لنا ولك المزيد من العلم النافع والعمل الصالح.
وليعلم أن الصلاة عبادة عظيمة لا يجوز أن يفعل أو يقال فيها إلا في حدود الشرع الوارد عن الرسول ، فعليك بالاهتمام بها ومعرفة ما يكملها وما ينقصها، حتى يؤديها على الوجة الأكمل.(/2)
ما يمنحه الأب لأحد أبنائه في حياته
السؤال :
هل مساعدة أبي لي بمبلغ من المال في حياته تعتبر كالميراث و حتى لو كان هذا المال به شبهه فهو حلال لي بحكم أنّه ميراث .
و هل الأولى له الحج أم مساعدتي في الزواج .
ما الحكم من الناحيه الشرعية في هاتين المسألتين ؟
الجواب :
ما يمنحه الأب لابنه في حياته لا يُعتَبَرُ من الميراث ، و ليسَ مِثلَه في الأحكام ، بل يأخذ أحكام الهديّة ، فلا تجب فيه - مثلاً - المساواة بين الأبناء ، و لا إعطاء الذكَر مثل حظّ الأنثيين ، و لا يَسقُط من حق الولد في الميراث مثل الذي أخذه من أبيه في حياته .
ثمّ إنّ إثمَ المال يقع على كاسبه إن كان كسِبَه من حرام ، أمّا في حقّ الوَرَثة فالأصل أنّه حلٌّ لهم ، إذ ( لا تزِر وازرةٌ وِزرَ أُخرى ) ، ما لم تكن عين المال الموروث مغصوبةً أو مكتسبةً من حرام لا شبهة فيه ، أو يكونوا على عِلمٍ بحرمته البيّنة .
و ههنا ثلاثُ مسائل يجِبُ التنبّه لها :
المسألة الأولى : كراهيةُ تخصيص بعض الأبناء بهبةٍ أو عطيّةٍ ، أو تفضيلُ بعضٍ على بعضٍ فيها ( و هذا مذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشافعيّة ) ، لحديث النعمان بن بشير بن الحصاصية رضي الله عنهما قال : أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال إني نحلت ابني هذا غلاماً فقال : ( أكل بنيك نحلت ؟ ) قال : لا ، قال : ( فاردده ) [ رواه الستة و غيرهم بألفاظ متقاربة ] .
المسألة الثانية : إذا كان المال الموروث حراماً على وَجه اليقين لا الاحتمال ، فإنّ تملّكه لا يجوز أصلاً ، و إذا عُلِم عين الحرام فلا يجوز قبضه ممّن حازه من غير حلِّه .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : (ما في الوجود من الأموال المغصوبة و المقبوضة بعقود لا تُباح بالقبض ، إن عرفه المسلم اجتنبه، فمن علمتُ أنه سرق مالاً أو خانَه في أمانته أو غَصَبَه فأخَذَه من المغصوب قهراً بغير حق لم يَجُز لي أن آخذه منه لا بطريق الهبة ، و لا بطريق المعاوضة ، و لا و فاءً عن أجرة ، و لا ثمن مبيعٍ ، و لا وفاءً عن قرض ؛ فانَّ هذا عينُ مال ذلك المظلوم ) [ مجموع الفتاوى : 29 / 323 ] .
و عليه فلا يجوز لك أن تأخذ من مال أبيك المحرّم قطعاً هديّةً في حياته ، و لا إرثاً بعد وفاته .
المسألة الثالثة : من لوازم برّ الولد بوالده ، أن يُشفِق عليه من النار ، و يأخذ بحُجزته عنها في حياته و بعد مماته ؛ فيعظه في الحياة بالكفّ عن الحرام ، و يتلطّف إليه بالموعظة ترغيباً و ترهيباً ، و لا يُعينه على معصيةٍ أو كسبٍ حرام ، و لا يطيعه في معصية الله ، إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق ، و لكنّ الطاعة في المعروف .
روى الشيخان و أبو داود و النسائي و أحمد عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ » .
فإن أصرَّ الأب على الكسب الحرام حتى مات على ذلك ، فالواجب على أبنائه ردّ المظالم إلى أهلها ، و تطهير ماله من الحرام بعد وفاته ، براً به ، و إحساناً إليه .
أمّا السؤال عن المفاضلة بين حجّ البيت و تزويج الابن فأقول جواباً عليه :
إذا امتلك الأب ما يكفي للقيام بالأمرَين معاً ، لم يجُز له تقديم أحدِهما على الآخَر إن وَجبا عليه جميعاً .
أمّا إنْ وجَب عليه أحدُهما دون الآخر ، فليؤدّه ما وَجب عليه حال قُدرته .
و إن وَجب عليه الحج لامتلاكه الزاد و الراحلة و أمنِ الطريق ، و وَجب عليه أيضاً تزويج ابنه خشية الوقوع في الفاحشة ، مع قُدرته على أن يُعفَّه بالزواج ، و لم يقدر على الأمرين معاً ، فعليه تزويجه أوّلاً ، ثمّ يحجّ البيت ، لأنّ وجوب الحجّ على التراخي ( مرّةً في العمر ، و يسعه تأخيره إلى عام تالٍ ) ، أمّا تزويج الابن ففي تأخيره مفسدةٌ راجحةٌ أو متيقّنة ، فلا يجوز تأخيره .
و إذا كان تزويج الابن من باب المباح ( كزواج الثانية ، أو زواج غير المضطر ) أو المستحب ( كالراغب فيه مع قدرته على الصبر ، و عدم تعرّضه أو تطلّعه إلى الحرام ) ، فليس هذا بواجبٍ على الأب أصلاً ، و لا يجوز له أن يتعلّل به للقعود عن أداء ركن من أركان الإسلام ، و هو حجّ بيت الله الحرام .
و الله أعلم ، و بالله التوفيق ، و عليه الاتكال .(/1)
مائة نصيحة للشباب
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه أنه قال : « الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة قالو لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » [ رواه مسلم ]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » [ متفق عليه ] .
وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : « بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم » . [ متفق عليه ].
فالنصيحة - أخي الحبيب – ليس كما يراها البعض تدخلاً في شئون الآخرين بغير حق ، وليست إحراجاً لهم ، أو انتقاصاً من شأنهم ، أو إظهار لفضل الناصح على المنصوح ، بل هي أسمى من ذلك وأرفع ، إنها برهان محبة ، ودليل مودة ، وأمارة صدق ، وعلامة وفاء ، وسمة وداد .
النصيحة : أداة إصلاح .. وأجور وأرباح .. وصدق وفلاح .
النصيحة : باقة خير يهديها إليك الناصح .
النصيحة : نور يتلألأ لينير لك الطريق .
النصيحة : قارب نجاة يشق عباب أمواج الفتن الهائجة لتصل إلى بر الأمان .
النصيحة : عبير طهر في خضم طوفان الشهوات .
النصيحة : شذا عفاف يدعوك إلى الله و الدار الآخرة .
النصيحة : حق لك على الناصح وواجب على الناصح تجاهك .
فيا أخي الشاب !
أفسح : للنصيحة مجالاً في صدرك .
اعلم : أن الناصح ما دعاه إلى نصحك إلا محبته لك وخوفه عليك .
واعلم : كذلك أن الناصح ما هو إلا ناقل لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإذا تواضعت له وقبلت نصحه ، فقد تواضعت لربك جل وعلا ، واتبعت نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا رفضت النصيحة ورددتها ، فقد رددت – في الحقيقة – كلام ريك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .
واعلم : – أيها الحبيب – أن بداية الإصلاح هو رؤية التقصير والاعتراف به والنظر إلى النفس بعين المقت والازدراء ، فلا تجادل بالباطل ، واعترف بخطئك ولا تتكبر ، فإن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .
وعليك : بعد اعترافك بالخطأ - إن كنت واقعاً فيه – أن تترك هذه المعصية ، وتندم على فعلها ، وتعزم ألا تعود إليها في المستقبل .
وإذا : شكرت الناصح ودعوت له ، فإن هذا من كرمك وسمو نفسك ، واعترافك بالفضل لأهله ، وإن لم تفعل فإنه لا يريد منك جزاءاً ولا شكورا .
.:: النصائح ::.
هذه : أخي الشاب نصائح ذهبية ، ووصايا سنية ، لا تحرم نفسك من خيرها والعمل بها . ولا تحملها مغبة تركها ، والإعراض عنها ، فإن السعيد من وُعِظ بغيره ، والشقي من أعرض عما ينفعه
(1) اعلم - أخي الشاب - :
أن كلمة التوحيد (( لا إله إلا الله )) لا تنفع قائلها إلا بشروط ثمانية هي :
العلم المنافي للجهل . اليقين المنافي للشك .
الإخلاص المنافي للشرك . الصدق المنافي للكذب .
المحبة المنافية للبغض . الانقياد المنافي للترك .
القبول المنافي للرد . الكفر بما يُعبد من دون الله .
فاحرص – رمك الله – على تحقيق هذه الشروط وإياك والتفريط في شيء منها .
(2) اعلم أن نواقض الإسلام عشرة هي :
الشرك في عبادة الله .
اتخاذ الوسائط من دون الله يدعوهم ويسألهم الشفاعة .
من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم .
من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه .
من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه .
السحر فمن فعله ورضي به كفر .
مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين .
اعتقاد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة الإسلام .
الإعراض عن دين الله .
فاحذر – أخي الشاب – أشد الحذر من هذه النواقض فإنه لا ينفع معها عمل .
(3) اعلم أن الإيمان بالله عز وجل ليس اعتقاداً فقط أو قولاً فقط .
إنما هو اعتقاد بالجنان ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان ، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان . فعليك بطاعة الرحمن وترك العصيان ، فإنهما سبيلك إلى زيادة الإيمان .
(4) اعلم أن الله عز وجل خلقنا لعبادته وحده لا شريك له :
كما قال سبحانه { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [56: سورة الذاريات]
وإخلاص العبادة لا يتحقق إلا بنفي استحقاق العبادة عن غيره تعالى ، ثم إثباتها لله وحده ، وهذا مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ، قال تعالى { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } [ سورة البقرة : 265] .
فعليك بإخلاص العبادة لله تعالى وحده ، وإياك أن تصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى .
(5) اعلم أن العبادة هي لفظة جامعة لكل ما يحبه الله ويرضاه :(/1)
من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، فاجتهد في معرفة ما يحبه ربك ، وابحث عن فضائل تلك الأعمال .
(6) اعلم أن أفضل العبادة هي ما افترضه الله عليك :
كما قال سبحانه في الحديث القدسي : « وما يتقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه » [ رواه البخاري ] فاعتن أخي الشاب بالفرائض أشدّ الاعتناء ، وحافظ عليها أشد المحافظة ، وأتِ بها على أكمل وجه .
(7) اعلم أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين :
هما الإخلاص لله عز وجل والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم فالرياء يحبط العمل ويوجب العقوبة ، وكذلك الابتداع يوجب العقوبة ويرد العمل .
فاجتهد – أخي الشاب – في تصفية نيتك من الرياء ورؤية المخلوقين . واحرص على تصفية أعمالك من الابتداع والسير على طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم .
(8) حافظ على أداء الصلوات المكتوبات في أوقاتها :
فإن ذلك أفضل الأعمال .
(9) أحسن وضوءك للصلاة :
فإن الطهور شطر الإيمان ، واعلم أن الوضوء مفتاح الصلاة ، ولا يحافظ عليه إلا مؤمن .
(10) لا تتأخر عن أداء الصلاة في المسجد :
فإن صلاة الجماعة واجبة لا يجوز تركها دون عذر .
(11) احرص على إدراك تكبيرة الإحرام خلف الإمام والصلاة في الصف الأول :
واستحضر قلبك في الصلاة ، واجتهد في الخشوع فيها وتدبر معانيها .
(12) تعلم أحكام الصلاة :
وكيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، واستعن على ذلك ببعض الكتب النافعة كشروط الصلاة للإمام محمد بن عبد الوهاب . وصفة الصلاة للعلامة ابن باز رحمهما الله .
(13) احذر من تضييع صلاة الفجر والنوم عنها :
واستعن بمن يوقظك لأدائها ، وداوم على أدائها في مسجد واحد ، حتى إذا تغيبت سأل عنك جماعة المسجد .
(14) احذر من السهر الطويل الذي يؤدي إلى ضياع صلاة الفجر .
(15) احرص على الأذكار المشروعة بعد الصلاة :
ولا تسرع بالخروج من المسجد قبل الإتيان بها .
(16) احرص على أداء السنن الرواتب :
وعلى أدائها في البيت ، وهي اثنتا عشرة ركعة : اثنتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر ، واثنتان بعدها ، واثنتان بعد المغرب ، واثنتان بعد العشاء .
(17) احذر من المرور أمام المصلي :
ولا تستهن بهذا الأمر بل انتظر حتى تظهر لك فرجة .
(18) حافظ على صلاة الوتر :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتركها حضراً ولا سفراً .
(19) اعلم أن صلاة الجمعة فرض :
على كل ذكر حر مكلف مستوطن غير مسافر ، فاحرص على حضورها ، والتبكير إليها ، والاغتسال والتطيب والتسوك ولبس أحسن الثياب ، والإنصات للخطبة والاهتمام بما يقال فيها ، واحذر من اللغو والانشغال عنها وتخطي رقاب الناس .
(20) أكثر من الصلاة والسلام على رسول صلى الله عليه وسلم :
في كل يوم وبخاصة في يوم الجمعة ، فقد أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(21) اعلم أن في يوم الجمعة ساعة إجابة :
فحاول اغتنامها بالصلاة والدعاء وسؤال الحاجات .
(22) إذا كنت من أهل الزكاة فبادر بإخراجها :
فإنها طهرةُ لك ونماء لمالك وزكاة لنفسك .
(23) أكثر من الصدقات :
فإن العبد في ظل صدقته يوم القيامة .
(24) تخلص من البخل والشح وعود نفسك على البذل والعطاء .
(25) لا تستهن بالصدقة وإن قلت :
فقد تصدقت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعنبة واحدة وقالت : كم فيها من ذرة !! والله يقول { فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره } [7: سورة الزلزلة].
(26) احذر من الرياء في الصدقات :
واعلم أن صدقة السر تطفئ غضب الرب ، فاخف صدقتك حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك .
(27) شهر رمضان شهر الهدى والغفران :
فأحسن استعدادك لهذا الشهر العظيم .
(28) كان السلف يدعون الله :
ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان ، فأين أنت من هؤلاء .
(29) رمضان شهر الصيام والقيام :
لا شهر الكسل والنيام ، فاغتنم أيامه ولياليه في طاعة الله وترك معاصيه .
(30) لا تضيع صيامك بالسب واللعن والفحش من الأقوال والأفعال :
وإن تعدى عليك أحد أو شتمك فقل : إني امرؤ صائم .
(31) اجعل رمضان شهر توبة وإنابة ومحاسبة للنفس :
وحرص على الطاعات واغتنام الأوقات ، واعزم على أن يكون ذلك دأبك دائماً حتى بعد رمضان .
(32) حافظ على قيام رمضان مع المسلمين في مساجدهم :
ولا تنصرف حتى ينتهي الإمام من الصلاة حتى يكتب لك أجر قيام ليلة .
(33) كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان :
وهذه سنة تركها الأكثرون ، فأحيها أحيا الله قلبك ورفع قدرك .
(34) اعلم أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان :
والعبادة فيها خير من عبادة ألف شهر أي ما يعادل ثلاثاً وثمانين سنة !! فماذا أنت فاعل في هذه الليلة العظيمة المباركة ؟!
(35) أكثر من تلاوة القرآن وبخاصة في هذا الشهر الكريم :
فإنّ القرآن شفاء وهدى وموعظة ورحمة للمؤمنين .
(36) كان النبي صلى الله عليه وسلم :
أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، فليكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوتك في ذلك .(/2)
(37) درب نفسك على صيام النوافل ومنها :
صيام الاثنين والخميس ، وثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام الثالث والرابع والخامس عشر ، وصيام يوم عرفة لغير الحاج ، فإنه يكفر ذنوب سنتين ، وصيام عاشوراء ، فإنه يكفر ذنوب سنة واحدة ، وصيام ستة أيام من شوال .
(38) أحرص على أداء عمرة رمضان :
فإنها تعدل حجة .
(39) ذكر الله عز وجل شفاء للقلوب :
وجلاء الأحزان والنفوس ، فداوم على ذكر الله تعالى ، فإن الله مع عبده إذا ذكره ، واعلم أن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب .
(40) الزم الاستغفار :
يجعل الله لك من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ويرزقك من حيث لا تحتسب .
(41) اعلم أن الدعاء أكرم شيء على الله عز وجل :
وأنه سبب لرفع البلاء بعد نزوله ، وهو من أسباب حفظ الله عز وجل لعبده ، فأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ، واعلم أن أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد فأكثر من الدعاء .
(42) الحج فريضة كبيرة وركن من أركان الإسلام :
وعمل من أفضل الأعمال فسارع بأدائه ، ولا تؤخره فإنه واجب على الفور على الصحيح من أقوال أهل العلم .
(43) احرص على أن يكن حجك مبروراً :
فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، والحج المبرور هو ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن فيه رفث ولا فسوق ولا جدال ، وكانت نفقته حلالاً لا شبهة فيها .
(44) اعلم أن الحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والآثام :
فمن اهتدى بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجته رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، فاحرص على أن ترجع من حجك نقياً طاهراً خالياً من الذنوب والآثام .
(45) تابع بين الحج والعمرة دائماً :
فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد .
(46) أكثر من الطاعات والأعمال الصالحة في العشر الأوائل من ذي الحجة :
فإن العمل الصالح هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منه في غيرها .
(47) اعلم أن طلب العلم فريضة :
فلا تترك نفسك فريسة للجهل والهوى .
(48) اعلم أن العلوم الشرعية أعظم من أن يحيط بها عمرك :
فاجتهد في تعلم ما يجب عليك ، وابدأ بالأهم فالأهم ، ولا تبدد أوقاتك فيما لا يفيد ، زاحم العلماء بالركب : واحرص على مجالسهم ، وإياك أن تستقل بنفسك في الطلب، فمن كان شيخه كتابه كثرت أخطاؤه .
(50) عليك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
والنصح لكل مسلم ، فإن الدال على الخير كفاعله .
(51) اعلم أن أولى الناس بنصحك هم أهل بيتك :
فاجتهد في نصحهم وإرشادهم وتعليمهم ، ثم عليك بالأقرب فالأقرب .
(52) كن رفيقاً في أمرك ونهيك :
حتى يقبل الناس منك ولا ينفضوا حولك .
(53) لا تكن ممن يأمر بالمعروف ولا يأتيه ، وينهاهم عنهم المنكر ويأتيه .
(54) ليكن الخوف من الله عز وجل ومراقبته شعارك في السر والعلن .
(55) كن متوكلاً على الله في كل أمورك :
ولا يمنع ذلك من الأخذ بالأسباب .
(56) ارض بما قسم الله لك :
وانظر إلى من هو أسفل منك في أمور الدنيا ، واعلم أن الغنى في القناعة .
(57) لا ترج إلا ربك ، ولا تخش إلا ذنبك .
(58) احرص على الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل :
من أعظمها الاعتصام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأداء النوافل .
(59) الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام :
واعلم أن « من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة من النفاق » [ رواه مسلم] .
(60) تتبع أخبار إخوانك المسلمين في كل مكان :
من المصادر الموثوقة ، وحاول دعمهم بما تستطيع ، ولا تنس الدعاء لهم بظهر الغيب .
(61) إياك وعقوق والديك :
فإنهما أحق الناس بصحبتك.
(62) إذا غضب عليك أحد والديك فلا تهدأ حتى تسترضيه .
(63) أنت ومالك لأبيك :
فلا تبخل بمالك ومعروفك على والديك .
(64) قدم أمك في البر والإكرام والصلة :
وإياك أن تغضبها فإن الجنة تحت قدميها .
(65) صل رحمك وإن قطعوك :
وتعاهد أقربائك بالبر والإحسان .
(66) إذا كانت هناك خلافات عائلية فحاول إصلاحها :
فإن إصلاح ذات البين من أعظم الحسنات .
(67) أحسن إلى جيرانك ، ولا تؤذ أحداً منهم .
(68) كن حسن الخلق مع أهلك وجيرانك وأصدقائك :
فإنه ليس شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق .
(69) إكرام الضيف من الإيمان :
وهو دليل على المروءة وشرف النافي ، فأكرم ضيوفك يحبوك .
(70) لا تسخر وتستهزئ بأحد من المسلمين :
فعسى أن يكون خير منك .
(71) صاحب الأخيار :
واحذر من مصاحبة الأشرار ، فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين .
(72) بادربالسلام على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين :
فإن ذلك يدعو إلى المحبة والمودة بين الناس .
(73) لا تبدأ يهودياً ولا نصرانياً بالسلام :
فإنهما ليسا من أهله .
(74) ارفع الأذى عن طريق المسلمين :
فإن ذلك من أسباب دخول الجنة .
(75) أرشد الضال ، وساعد المحتاج ، وانصر المظلوم ، وخذ على يد المسيء وأعط الطريق حقها .
(76) غض البصر عن النساء الأجنبيات :(/3)
في الطرقات والقنوات والصحف والمجلات فقد قال أحد السلف : غضوا أبصاركم ولو عن شاة أنثى !!
(77) احفظ فرجك إلا من زوجتك :
وإياك والزنا فإنه مذهب الإيمان ومورد النيران .
(78) إياك والعادة السرية :
فإنها عادة خبيثة لا تزيد المرء إلا شهوة وشبقاً وضعفاً .
(79) عليك بالعلاج النبوي لضبط الشهوة وهو الزواج :
فإن لم تستطع فعليك بالصيام فإنه يضعف جانب الشهوة .
(80) إياك وصحبة الأحداث فإن صحبتهم فتنة لكل مفتون .
(81) إياك والخلوة والاختلاط بمن لا يحل لك من النساء :
فإن الخلوة والاختلاط من أعظم الذرائع إلى الزنا .
(82) احرص على عدم تواجدك في الأماكن المختلطة :
كالأسواق مثلاً ، وإذا اضطررت إلى التواجد ، فليكن ذلك على قدر حاجتك .
(83) احذر المعاكسات الهاتفية وغير الهاتفية :
فإنها سلم الحسرة والندامة .
(84) احذر مصافحة امرأه لا تحل لك مصافحتها :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح امرأه لا تحل له قط .
(85) كن متواضعاً في كلامك ولباسك وكل شئونك :
فإن التواضع شعار الأنبياء والصالحين .
(86) إياك وإسبال ثوبك أسفل من الكعبين :
فإن ذلك دليل على الكبر وأمارة الخيلاء ، قال صلى الله عليه وسلم : « ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار » [ رواه البخاري] .
(87) إياك والتشبه بالكفار في ملابسهم وكلامهم وقصات شعورهم :
فقد قال صل الله عليه وسلم « من تشبّه بقوم فهو منهم » [ رواه أحمد وأبو داوود وصححه الألباني ]
(88) إياك والتشبه بالنساء :
فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تشبه بالنساء من الرجال .
(89) لا تلبس الحرير ولا الذهب ولا القلائد ولا الأساور :
فإنها من زينة النساء .
(90) احذر من السيجارة ، فإنها عنوان الخسارة .
(91) لا تقتل نفسك بتعاطي المسكرات والمخدرات :
فإنهما طريق إلى الهاوية فاجتنبها .
(92) احفظ لسانك من الكذب والغيبة والنميمة والبهتان والسب واللعن :
واجعل مكان ذلك ذكراً وتسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً وحمداً وثناء .
(93) لا تشغل نفسك بعيوب الآخرين وعليك بعيوب نفسك .
(94) احذر من سماع الموسيقى والغناء :
واعلم أن من أدمن سماع الألحان والقيان ذهب من صدره نور القرآن .
(95) إياك والظلم :
فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .
(96) لا تكذب وإن كنت مازحا ، ولا تجادل إلا بالحق .
(97) كن حليماً ولا تغضب لغير الله ، فإن الغضب من الشيطان .
(98) اجعل حبك وبغضك وعطاءك ومنعك وكلامك وصمتك لله وفي الله :
تؤجر في كل ما تأتي وما تذر .
(99) طهر بيتك من صور ذوات الأرواح :
واعلم أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو صورة .
(100) احذر مشاهدة القنوات الفضائية وغير الفضائية :
التي تعرض للجنس والفساد والرذيلة ، وإياك والدخول إلى مواقع الفساد على شبكة الإنترنت .
(101) كن صابراً عند البلاء :
شاكراً عند الرخاء ، راضياً بالقضاء ، تكن من السعداء .
(102) لا تحلف بغير الله :
فإن الحلف بغير الله شرك .
(103) لا تؤذ مسلماً :
ولا تشر إليه بحديدة أو نحوها .
(104) لا تغش ولا تخدع ولا تغدر :
ولا تخن وتخلف وعداً ، ولا تجُر في قضية .
(105) اعلم أنك على ثغر من ثغور الإسلام :
فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك .
(106) اجعل همك نشر الإسلام :
وإعادة أمجاد المسلمين من جديد .
(107) لا تسرف في الطعام والشراب :
فإن الإسراف فيهما يؤدي إلى الفتور والكسل وكثرة النوم ، وإثارة الغرائز .
(108) اختم يومك بالتوبة الصادقة إلى الله :
ومحاسبة النفس ، وليكن يومك أفضل من أمسك ، وغدك أفضل من يومك .
أسأل الله تعالى لي ولك الهداية والتوفيق والسداد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .(/4)
مائة وسيلة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
مواقع أخرى*
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد: إن أول ركن من أركان الإسلام العظيمة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وتحقيق الشطر من الشهادتين وهو شهادة أن محمداً رسول الله تتم من خلال الأمور التالية :
أولاً : تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به ، وأوله : أنه رسول الله ومبعوثه إلى الجن والأنس كافة لتبليغ وحيه تعالى بالقرآن والسنة المتضمنين لدين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى ديناً سواه .
ثانياً : طاعته والرضى بحكمه ، والتسليم له التسليم الكامل ، والانقياد لسنته والاقتداء بها ، ونبذ ما سواها .
ثالثاً : محبته صلى الله عليه وسلم فوق محبة الوالد والولد والنفس ،مما يترتب عليه تعظيمه ، وإجلاله ، وتوقيره ، ونصرته ، والدفاع عنه ، والتقيد بما جاء عنه .
فعلى كل مسلم ؛ أن يسعى لتحقيق هذا المعنى ، ليصح إيمانه ، وليحقق الشطر الثاني من كلمة التوحيد ، ولتقبل شهادته بأن محمداً رسول الله ، فإن المنافقين قالوا : { نشهد إنك لرسولُ الله والله يعلمُ إنك لرسولُهُ واللهُ يشهدُ إنَّ المنافقين لكاذبون} {المنافقون : }، فلن تنفعهم شهادتهم ، لأنهم لم يحققوا معناها .
وإليك بعض الأمور التي يمكننا من خلالها العمل بمقتضى تلك المحبة ، وواجب القيام بذلك الحق للنبي صلى الله عليه وسلم تجاه هذه الهجمة الشرسة عليه أن نفديه بأولادنا ووالدينا وأنفسنا وأموالنا ، كل على قدر إمكانياته ، فالكل يتحمل مسؤوليته ومن خلال موقعه:
• على مستوى الفرد :
1. التفكير في دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم القاطعة بأنه رسول رب العالمين ، وأصلها القرآن الكريم ، وما تضمنه من دلائل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم .
2. تعلم الأدلة من القرآن والسنة والإجماع الدالة على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، والأمر باتباعه ، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم .
3. العلم والمعرفة بحفظ الله لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وذلك من خلال الجهود العظيمة التي قام بها أهل العلم على مر العصور المختلفة , فبينوا صحيحها من سقيمها ، وجمعوها على أدق الأصول التي انفردت بها هذه الأمة عن غيرها من الأمم السالفة .
4. استشعار محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب بتذكر كريم صفته الخَلقية والخُلقية ، وقراءة شمائله وسجاياه الشريفة ، وأنه قد اجتمع فيه الكمال البشري في صورته وفي أخلاقه صلى الله عليه وسلم .
5. استحضار عظيم فضله وإحسانه صلى الله عليه وسلم على كل واحد منا ، إذ أنه هو الذي بلغنا دين الله تعالى أحسن بلاغ وأتمه وأكمله ، فقد بلغ صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، ورسولاً عن قومه.
6. عزو كل خير دنيوي وأخروي نوفق إليه ونتنعم به إليه صلى الله عليه وسلم بعد فضل الله تعالى ومنته ، إذ كان هو صلى الله عليه وسلم سبيلنا وهادينا إليه ، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
7. استحضار أنه صلى الله عليه وسلم أرأف وأرحم وأحرص على أمته .قال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } {الأحزاب : }.
8. التعرف على الآيات والأحاديث الدالة على عظيم منزلته صلى الله عليه وسلم عند ربه ، ورفع قدره عند خالقه ، ومحبة الله عز وجل له ، وتكريم الخالق سبحانه له غاية التكريم.
9. الالتزام بأمر الله تعالى لنا بحبه صلى الله عليه وسلم ، بل تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) .
10. الالتزام بأمر الله تعالى لنا بالتأدب معه صلى الله عليه وسلم ومع سنته لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } {الحجرات : } وقوله تعالى { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } {الحجرات : } وقال تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } {النور : }.
11. الانقياد لأمر الله تعالى بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به ، أو نقص ينسب إليه ، كما قال تعالى : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) .
12. استحضار النية الصادقة واستدامتها لنصرته ، والذب عنه صلى الله عليه و سلم .
13. استحضار الثواب الجزيل في الآخرة لمن حقق محبة النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الصحيح ، بأن يكون رفيق المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قال إني أحب الله ورسوله : ( أنت مع من أحببت ).(/1)
14. الحرص على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وبعد الآذان ، وفي يوم الجمعة ، وفي كل وقت ، لعظيم الأجر المترتب على ذلك ، ولعظيم حقه صلى الله عليه وسلم علينا .
15. قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، مع الوقوف على حوادثها موقف المستفيد من حكمها وعبرها ، والاستفادة من الفوائد المستخلصة من كل حادث منها ، ومحاولة ربطها بحياتنا وواقعنا .
16. تعلم سنته صلى الله عليه وسلم ، بقراءة ما صححه أهل العلم من الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم ، مع محاولة فهم تلك الأحاديث ، واستحضار ما تضمنته تلك التعاليم النبوية من الحكم الجليلة والأخلاق الرفيعة والتعبد الكامل لله تعالى ، والخضوع التام للخالق وحده .
17. اتباع سنته صلى الله عليه وسلم كلها ، مع تقديم الأوجب على غيره .
18. الحرص على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في المستحبات ، ولو أن نفعل ذلك المستحب مرة واحدة في عمرنا ، حرصاً على الاقتداء به في كل شيء .
19. الحذر والبعد عن الاستهزاء بشيء من سنته صلى الله عليه وسلم .
20. الفرح بظهور سنته صلى الله عليه وسلم بين الناس.
21. الحزن لاختفاء بعض سنته صلى الله عليه وسلم بين البعض من الناس .
22. بغض أي منتقد للنبي صلى الله عليه وسلم أو سنته .
23. محبة آل بيته صلى الله عليه وسلم من أزواجه وذريته ، والتقرب إلى الله تعالى بمحبتهم لقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولإسلامهم ، ومن كان عاصياً منهم أن نحرص على هدايته لأن هدايته أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هداية غيره ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مهلاً يا عباس لإسلامك يوم أسلمت كان أحب لي من إسلام الخطاب ، ومالي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب) .
24. العمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في آل بيته ، عندما قال : ( أذكركم الله في أهل بيتي ) ثلاثاً .
25. محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم واعتقاد فضلهم على من جاء بعدهم في العلم والعمل والمكانة عند الله تعالى .
26. محبة العلماء وتقديرهم ، لمكانتهم وصلتهم بميراث النبوة فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، فلهم حق المحبة والإجلال ، وهو من حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته .
على مستوى الأسرة والمجتمع :
27. تربية الأبناء على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم .
28. تربية الأبناء على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله .
29. اقتناء الكتب عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
30. اقتناء الأشرطة عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
31. انتقاء الأفلام الكرتونية ذات المنهج الواضح في التربية.
32. تخصيص درس أو أكثر في الأسبوع عن السيرة تجتمع عليه الأسرة.
33. اقتداء الزوج في معاملة أهل بيته بالرسول صلى الله عليه وسلم.
34. تشجيع الأبناء على حفظ الأذكار النبوية وتطبيق ذلك.
35. تشجيع الأبناء على اقتطاع جزء من مصروفهم اليومي من أجل التطبيق العملي لبعض الأحاديث ، مثل : كفالة اليتيم , إطعام الطعام , مساعدة المحتاج.
36. تعويد الأبناء عل استخدام الأمثال النبوية في الحديث مثل المؤمن كيس فطن , لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين , يسروا ولا تعسروا .
37. وضع مسابقات أسرية عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .
38. تعريف الأسرة المسلمة بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال تطبيق مشروع ) يوم في بيت الرسول (.
على مستوى قطاع التعليم والعاملين فيه :
39. زرع محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس الطلبة والطالبات من خلال إبراز حقه صلى الله عليه وسلم على أمته .
40. الإكثار من عقد المحاضرات التي تغطي جوانب من حياة الرسول شخصيته صلى الله عليه وسلم .
41. حث مسئولي قطاعات التعليم إلى إضافة مادة السيرة النبوية إلى مناهج التعليم والدراسات الإسلامية في التخصصات الإنسانية .
42. العمل على تمويل وضع كراسي لدراسات السيرة النبوية في الجامعات الغربية المشهورة.
43. تشجيع البحث العلمي في السيرة النبوية وحث الباحثيين على تصنيف كتب السنة بتصانيف عدة مثل المغازي والشمائل .
44. العمل على إقامة المعارض المدرسية والجامعية التي تعرف بالرسول صلى الله عليه وسلم مع مراعاة التمثيل الجغرافي لنشأة الإسلام .
45. تخصيص أركان خاصة في المكتبات تحوي كل ماله علاقة بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته والإهتمام به وجعلها في مكان بارز.
46. العمل على إعداد أعمال موسوعية أكاديمية غنية في السيرة النبوية تصلح كأعمال مرجعية وترجمتها إلى اللغات العالمية.
47. إقامة مسابقة سنوية للطلبة والطالبات لأفضل بحث في السيرة النبوية وتخصيص جوائز قيمة لها.
48. إقامة مخيمات شبابية تتضمن أنشطة تزرع محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والتعلق بسنته.(/2)
49. إقامة دورات تدريبية متخصصة لإعداد القادة بالإقتداء بالمصطفي صلى الله عليه وسلم.
على مستوى الأئمة و الدعاة وطلبة العلم :
50. بيان خصائص دعوته ورسالته صلى الله عليه وسلم وانه بعث بالحنيفية السمحة وأن الأصل في دعوته هو حرصه على هداية الناس كافة إلى إفراد العبادة لرب الناس.
51. العمل على دعوة الناس وهدايتهم إلى هذا الدين ؛ بجميع أجناسهم وقبائلهم.
52. بيان صفاته صلى الله عليه وسلم الخلقية والخُلقية قبل وبعد الرسالة .
53. بيان فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته بأسلوب ممتع .
54. بيان مواقفه صلى الله عليه وسلم مع أهله وجيرانه وأصحابة رضوان الله عليهم.
55. بيان كيفية تعامله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين.
56. بيان منهجه صلى الله عليه وسلم في حياته اليومية .
57. تخصيص الخطبة الثانية لبعض الجمع للتذكير بمشاهد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فضلاً عن تخصيص خطب كاملة عنه من وقت إلى آخر.
58. التعليق على الآيات التي تتكلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند قراءتها في الصلاة ولمدة ثلاث إلى خمس دقائق .
59. إضافة حلقات لتحفيظ السنة النبوية إلى جوار حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد.
60. تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى عامة الناس حول سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى التمسك بما صح عنه صلى الله عليه وسلم بأسلوب بسيط واضح.
61. ذكر فتاوى علماء الأمة التي تبين حكم من تعرض لرسول الأمة صلى الله عليه وسلم بشيء من الانتقاص ووجوب بغض من فعل ذلك والبراءة منه .
62. العمل على رد الناس إلى دينهم من خلال عرض مبسط لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوية .
63. التحذير في الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة من الغلو فيه صلى الله عليه وسلم ، وبيان الآيات التي تنهي عن الغلو كقوله ( لا تغلو في دينكم ) . والأحاديث الخاصة في ذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ) ، وبيان أن المحبة الصادقة هي في اتباعه صلى الله عليه وسلم .
64. حث الناس على قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مصادرها الأصلية وتبيين ذلك لهم.
65. دحض وتفنيد الشبهات والأباطيل التي تثار حول الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته.
على مستوى المثقفين والمفكرين والإعلاميين والصحفيين :
66. إبراز شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته من خلال نشر ذلك والتحدث عنه في المناسبات الإعلامية والثقافية.
67. عدم نشر أي موضوع ينتقص فيها من سنته صلى الله عليه وسلم .
68. التصدي للإعلام الغربي واليهودي المضاد والرد على ما يثيرونه من شبهات وأباطيل عن ديننا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
69. عقد اللقاءات الصحفية والإعلامية والثقافية مع المنصفين من غير المسلمين والتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته.
70. نشر ما ذكره المنصفون من غير المسلمين بشأنه صلى الله عليه وسلم .
71. عقد الندوات والمنتديات الثقافية لإبراز منهجه وسيرته وبيان مناسبة منهجه صلى الله عليه وسلم لكل زمان وكان .
72. إعداد المسابقات الإعلامية عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتخصيص الجوائز القيمة لها.
73. كتابة المقالات والقصص والكتيبات التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
74. الاقتراح على رؤساء تحرير الصحف والمجلات لتخصيص زاوية يبين فيها الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وأن محبته مقدمة على الولد والوالد والناس أجمعين بل ومقدمة على النفس وأن هذه المحبة تقتضي تعظيمه وتوقيره وإتباعه وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق .
75. الاقتراح على مدراء القنوات الفضائية لإعداد برامج خاصة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيفية تعامله مع زوجاته وأبناءه وأصحابه وأعدائه وغير ذلك من صفاته الخلقية والخلقية.
76. حث مؤسسات الإنتاج الإعلامي على القيام بإنتاج أشرطة فيديو تعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة احترافية شيقة.
77. حث المحطات التلفزيونية الأرضية والقنوات الفضائية على إنتاج وبث أفلام كرتونية للناشئة تحكي شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض القصص من السنة النبوية.
على مستوى المؤسسات الخيرية والدعوية :
78. إنشاء لجان أو أقسام تحمل لواء نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
79. تخصيص أماكن في المعارض والمؤتمرات المحلية والدولية التي تشارك بها المؤسسات لعرض الكتب والأشرطة المرئية والمسموعة التي تبرز خصائص الرسالة المحمدية.
80. تخصيص أماكن دائمة لتوزيع الأشرطة والكتب والمطويات التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
81. تخصيص جائزة قيمة بمعايير متفق عليها سلفاً لأفضل من خدم السنة والسيرة النبوية وإقامة حفل تكريم سنوي يدعى له كبار الشخصيات.(/3)
82. تبني طباعة كتب السيرة النبوية باللغات الأجنبية وتوزيعها على مراكز الإستشراق والمكتبات العامة والجامعية حول العالم .
83. إصدار مجلة أو نشرة دورية تهتم بالسيرة النبوية المطهرة وتعاليم الدين الإسلامي وتبرز صفات هذة الأمة ومحاسن هذا الدين الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
84. تخصيص صناديق تبرع لتمويل حملات نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتأليف في السيرة والترجمة وإنشاء المواقع على الشبكة العالمية .
على مستوى العاملين في الشبكة العنكبوتية وأصحاب المواقع :
85. تكوين مجموعات تتولى إبراز محاسن هذا الدين ونظرة الإسلام لجميع الأنبياء بنفس الدرجة من المحبة وغيره من الموضوعات ذات العلاقة.
86. إنشاء مواقع أو منتديات أو تخصيص نوافذ في المواقع القائمة تهتم بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتبرز رسالته العالمية.
87. المشاركة في حوارات هادئة مع غير المسلمين ودعوتةم لدراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والدين الذي جاء به.
88. تضمين أو تذييل الرسائل الإلكترونية التي ترسل إلى القوائم البريدية الخاصة ببعض الأحاديث والمواعظ النبوية.
89. إعداد نشره إلكترونية - من حين إلى آخر- عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته وخاصة في المناسبات والأحداث الطارئة.
90. الإعلان في محركات البحث المشهورة عن بعض الكتب أو المحاضرات التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
على مستوى الأغنياء والحكومات الإسلامية :
91. دعم النشاطات الدعوية المتعلقة بالسيرة النبوية الشريفة .
92. طباعة الملصقات التي تحمل بعض الأحاديث والمواعظ النبوية .
93. المساهمة في إنشاء القنوات الفضائية والإذاعات والمجلات التي تتحدث عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم باللغات المختلفة وبالأخص اللغة الإنجليزية.
94. استئجار دقائق في القنوات أو الإذاعات الأجنبية لعرض أطروحات عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
95. إنشاء مراكز متخصصة لبحوث ودراسات السيرة النبوية والترجمة إلى اللغات العالمية.
96. إنشاء متاحف ومكتبات متخصصة في بالسيرة والتراث النبوي الشريف .
97. إنشاء مواقع على الإنترنت متخصصة في السيرة والسنة النبوية الشريفة.
98. طباعة ونشر الكتب والأشرطة والبرامج الإعلامية التي تبرز محاسن الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله بعدة لغات وخاصة اللغة الإنجليزية.
99. المساهمة في دعم المسابقات الدعوية التي تهتم بالسيرة النبوية ورصد مبالغ تشجيعية لها.
100. الرقم نتركة لك لتكمله وتبعث به إلينا.
أخي المسلم أختي المسلمه .. إن الواجب علينا جميعاً - كلٌ حسب إستطاعته - أن ننصر نبينا وأمامنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك أعددنا هذة المذكرة ختى لا يبقى لأحد منا عذر ، فلنعمل جميعاً على نشرها وتوزيعها ، ودعوة الأهل وعموم الناس من خلال المجالس العائلية ، والمكالمات الهاتفية ، ورسائل الجوال ، على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم .
*** اللجنة العالمية لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم(/4)
مات كما كان يتمنى!!
مفكرة الإسلام : كثيرة هي الأمنيات التي تحدو أذهاننا صباح مساء, أمنيات في الزوجة والعمل والمركز الاجتماعي والمال والمسكن ولكن من منا جلس مع نفسه يتفكر في شكل الخاتمة التي يرجوها لهذه الحياة, لا شك أن الناس يتفاوتون في أمنياتهم ورؤاهم لهذه اللحظة وما من شك أن هذا الاختلاف ما هو إلا انعكاس لأحلام حياتهم كلها فتعالوا بنا نتأمل كيف تمنى الآخرون خاتمتهم:
** لما نزل الموت بالعابد الزاهد عبد الله بن إدريس اشتد عليه الكرب فلما اخذ يشهق بكت ابنته
فقال : يا بنيتي لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة .. كلها لأجل هذا المصرع ..
** أمّا عامر بن عبد الله بن الزبير فلقد كان على فراش الموت يعد أنفاس الحياة وأهله حوله يبكون فبينما هو يصارع الموت سمع المؤذن ينادي لصلاة المغرب ونفسه تحشرج في حلقه وقد أشتدّ نزعه وعظم كربه فلما سمع النداء قال لمن حوله : خذوا بيدي ..!!
قالوا : إلى أين ؟ ..
قال : إلى المسجد ..
قالوا : وأنت على هذه الحال !!
قال : سبحان الله .. !! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه خذوا بيدي
فحملوه بين رجلين فصلى ركعة مع الإمام ثمّ مات في سجوده
نعم مات وهو ساجد ..
** واحتضر عبد الرحمن بن الأسود فبكى فقيل له : ما يبكيك !! وأنت أنت يعني في العبادة والخشوع .. والزهد والخضوع ..
فقال : أبكي والله أسفاً على الصلاة والصوم ثمّ لم يزل يتلو حتى مات ..
** أما يزيد الرقاشي فإنه لما نزل به الموت أخذ يبكي ويقول :
من يصلي لك يا يزيد إذا متّ ؟ ومن يصوم لك ؟ ومن يستغفر لك من الذنوب ثم تشهد ومات ..
** وها هو هارون الرشيد لما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقواده وحجابه :
اجمعوا جيوشي فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله كلهم تحت قيادته وأمره فلما رآهم .. بكى ثم قال :
يا من لا يزول ملكه .. ارحم من قد زال ملكه ..ثم لم يزل يبكي حتى مات ..
** أما عبد الملك بن مروان فإنه لما نزل به الموت جعل يتغشاه الكرب ويضيق عليه النفس فأمر بنوافذ غرفته ففتحت فالتفت فرأى غسالاً فقيراً في دكانه .. فبكى عبد الملك ثم قال : يا ليتني كنت غسالاً .. يا ليتني كنت نجاراً .. يا ليتني كنت حمالاً .. يا ليتني لم ألِ من أمر المؤمنين شيئاً .. ثم مات ..
وهذا مشهد من عصرنا الحديث[1]:
** شاب أمريكى من أصل أسبانى ، دخل على إخواننا المسلمين فى إحدى مساجد نيويورك في مدينة 'بروكلين' بعد صلاة الفجر وقال لهم أريد أن أدخل فى الإسلام.
قالوا : من أنت ؟
قال دلوني ولا تسألوني.
فاغتسل ونطق بالشهادة ، وعلموه الصلاة فصلى بخشوع نادر تعجب منه رواد المسجد جميعاً.
وفى اليوم الثالث خلى به أحد الإخوة المصلين واستخرج منه الكلام وقال له: يا أخي بالله عليك ما حكايتك ؟
قال: والله لقد نشأت نصرانياً وقد تعلق قلبى بالمسيح عليه السلام ولكننى نظرت فى أحوال الناس فرأيت الناس قد انصرفوا عن أخلاق المسيح تماماً فبحثت عن الأديان وقرأت عنها فشرح الله صدرى للإسلام ، وقبل الليلة التي دخلت عليكم فيها نمت بعد تفكير عميق وتأمل في البحث عن الحق فجاءنى المسيح عليه السلام فى الرؤيا وأنا نائم وأشار لى بسبابته هكذا كأنه يوجهني، وقال لي: كن محمدياً .
يقول : فخرجت أبحث عن مسجد فأرشدنى الله إلى هذا المسجد فدخلت عليكم.
بعد هذا الحديث القصير أَذَّنَ المؤذن لصلاة العشاء ودخل هذا الشاب الصلاة مع المصلين ، وسجد فى الركعة الأولى ، وقام الإمام بعدها ولم يقم أخونا المبارك بل ظل ساجداً لله فحركه من بجواره فسقط فوجدوا روحه قد فاضت إلى الله جل وعلا .
** أخي في الله تأمل طويلا في هذه الخاتمة:
وهذا زوج نجاه الله من الغرق في حادث الباخرة ' سالم اكسبريس ' يحكي قصة زوجته التي غرقت في طريق العودة من رحلة الحج يقول: ' صرخ الجميع [[ إن الباخرة تغرق ]] وصرخت فيها هيا اخرجي.
فقالت : والله لن أخرج حتى ألبس حجابى كله
فقال : هذا وقت حجاب !!! اخرجي!! فإننا سنهلك !!!.
قالت : والله لن أخرج إلا وقد ارتديت حجابى بكامله فإن مت ألقى الله على طاعة فلبست ثيابها وخرجت مع زوجها
فلما تحقق الجميع من الغرق تعلقت به وقالت استحلفك بالله هل أنت راضٍ عنى ؟
فبكى الزوج.
قالت هل أنت راضٍ عنى ؟
فبكى.
قالت أريد أن أسمعها.
قال والله إني راضٍ عنك.
فبكت المرأة الشابة وقالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وظلت تردد الشهادة حتى غرقت
فبكى الزوج وهو يقول : أرجو من الله أن يجمعنا بها فى الآخرة فى جنات النعيم .
**وهذه أيضا....(/1)
وها هو رجل عاش أربعين سنة يؤذن للصلاة لا يبتغى إلا وجه الله ، وقبل الموت مرض مرضاً شديداً فأقعده فى الفراش ، وأفقده النطق فعجز عن الذهاب إلى المسجد ، فلما اشتد عليه المرض بكى ورأى المحيطون به على وجهه أمارات الضيق وكأنه يخاطب نفسه قائلاً يارب أؤذن لك أربعين سنة وأنت تعلم أني ما ابتغيت الأجر إلا منك، وأحرم من الأذان فى آخر لحظات حياتي. ثم تتغير ملامح هذا الوجه إلى البشر والسرور ويقسم أبناؤه أنه لما حان وقت الآذان وقف على فراشه واتجه للقبلة ورفع الآذان فى غرفته وما إن وصل إلى آخر كلمات الآذان لا إله إلا الله خر ساقطاً على الفراش فأسرع إليه بنوه فوجدوا روحه قد فاضت إلى مولاها .
**وهذه أيضا....ختامها مسك:
وهذا شيخنا المبارك عبد الحميد كشك رحمه الله يقبض فى يومٍ أحبه من كل قلبه فى يوم الجمعة يغتسل ، ويلبس ثوبه الأبيض ، ويضع الطيب على بدنه وثوبه ويصلى ركعتى الوضوء ، وفى الركعة الثانية وهو راكع يخر ساقطاً فيسرع إليه أهله وأولاده ، فوجدوا أن روحه قد فاضت إلى الله جل فى علاه.
لقد أجرى الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شىء مات عليه ومن مات على شىء بعث عليه.
هذه قصصهم فهل سيأتي يوم نكتب فيه قصتك......بفخر وشرف وعزة؟
-----------------
[1] القصص مستقاة من سلسلة الدار الآخرة للشيخ محمد حسان.(/2)
ماجدة
عبيد الشحادة
عُرضت على الإعلام العربي صور انتهاك السجناء العراقيين، غير أن الذي لم يُعرض وقد حدث انتهاك أعراض السجينات العراقيات (الماجدات)!
تداعت نحونا الأمم *** وعاد الروم والعجمُ
وما هي قوة فيهم *** وليس الأمرُ كُثرَهم
ولا من قلةٍ فينا *** ولا حُباً بنا لهمُ
أتونا غاصبين فما *** دعاهم عندنا الكرم
وليسوا آبهين إذا *** نضيق ضيافةً بهمُ
بعقرِ ديارنا حلّو *** وصار البيتُ بيتهمُ
وصرنا عندهم أسرى *** ونستجدي لعطفهمُ
ونرجو عندهم عدلاً *** وأن تُرعى بنا الذِّمَمُ
ولكن السجونَ بها *** تُهانُ وتُهتَكُ الحُرم
ويعلو صوتُ ماجدةٍ *** تنادي اليومَ: معتصمُ
فيا خجلاً ويا أسفاً *** لنسلٍ أنت جدُّهم
ويا عاراً على عربٍ *** تُساقُ كأنها غنم
خنازيرٌ دياييثٌ *** يُداسُ العرضُ بينهم
ويحترفون ضبطَ *** النفسِ تبريراً لصمتهمُ
* * * ***
أيسبى عرضُ ماجدةٍ *** أمام الناس كلهمُ
وتُغتَصبُ السبايا *** مكرهاتٍ لا أبالكمُ
أمام عيونكم جهراً *** وليست من ورائكم
ووافوكم بتصويرٍ *** لكي لا يُلبِسَ الوَهَمُ
تَخَالَفَ فوقهنَّ الجيشُ *** حتى ضاعَ صهرُكمُ
فمن أبُ هذه الأبناء *** في نسبٍ وعمُّهم؟
* * * ***
أتشفقُ من علوج *** الرومِ أقوامٌ وتحتشمُ
ويعصر قَلبَها ألمٌ *** كأنَّ العِرضَ عِرضُهمُ
وأنتم مثلُ أمواتٍ *** فلا حسٌ ولا ألم
ولا اختلجتْ جوارحُكم *** ولا هزّتكم الشِّيم
ولا نبستْ ولا همستْ *** شفاهٌ منكمُ وفَمُ
وكنتم قبل ذلك لا *** يُقارنُ فيكم الهَرَمُ
سراعٌ لا تسابقكم *** إلى عليائكم قَدَمُ
وكنتم خيرَ أقوامٍ *** إليكم تُنسب القِيمُ
أباةٌ تأنفون الضيمَ *** فوق أنوفكم شمم
فبانت من معادنكم *** بأن شحومَكم وَرَمُ
ولستم من بني عربٍ *** ولستم شِسْعَ نعلهمُ
كأن دماءَكم ماءٌ *** وما هزَّ العروقَ دمُ
http://www.odabasham.net المصدر:(/1)
ماذا أستطيع فعله في الأزمات؟
رئيسي :تربية :الأحد 24 ربيع الآخر 1425هـ - 13 يونيو 2004 م
تمرّ الأزمات بنا متتابعة متتالية، ويَرِد السؤال ويتكرر: ماذا أستطيع فعله في الأزمات؟
والبعض يُلقي بالعبء الأكبر على غيره، ليقول: ما بيدي شيء، أو يقول: ليس لي من الأمر شيء
وما علِم أن بيده خيراً كثيراً . وربما تنصّل من المسؤولية محتجاً بمقارفة الذنوب، وما علِم أن هذا لا يُعفيه، بل قد أضاف ذنباً على ذنوب !
إذاً ماذا بأيدينا؟وماذا بوسعنا أن نُقدّم ؟ وكيف ؟ ومتى ؟
فأقول : بوسعنا الكثير، سواء كان على ذلك مما يعم أو مما يخص، ومن ذلك:
1- سهام الليل والسلاح المعطّل الذي انتصر به رُسل الله عليهم الصلاة والسلام:
وهو سِلاح فعّال لا يملكه سوى المسلم الموقن بوعد الله ونصره، ومع ذلك كثيراً ما نترك هذا السلاح أو نُفرّط فيه ونهمله، فنتكاسل أن نرفع أيدينا، وهذا غاية العجز، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: [ أََعْجَزُ النَّاس مَنْ عَجَزَ عَنْ الدُّعَاءِ] رواه ابن حبان وغيره، وحسنه الألباني .
أين نحن من أوقات الإجابة؟
[ بين الأذان والإقامة – في السجود – قبل السلام من الصلاة – في جوف الليل – آخر ساعة من يوم الجمعة ... ] إلى غير ذلك من الأوقات والأحوال التي هي مظانّ إجابة الدعاء .
2- مجاهدة الكفار:
وليست المجاهدة مُقتصرة على السلاح، بل هي باليد وباللسان، وبالمال وبالقلب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: [جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ] رواه أبو داود والنسائي والدارمي وأحمد.
وقال عليه الصلاة والسلام: [ مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ] رواه مسلم . فمن عجز عن جهاد الكافرين بيده؛ جاهدهم بلسانه وماله، وأضعف الإيمان أن يُجاهدهم بقلبه .
فالجهاد باللسان بالدعوة والمحاجة..والدعوة بالأموال بدعم إخواننا المضطهدين، ولا يُتركون لقمة سائغة للصليب يُنصّرهم كيف شاء..فالجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس في كتاب الله، ومن هذا الباب تحديث النفس بالغزو، لقوله عليه الصلاة والسلام: [مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ] رواه مسلم .
3- النكاية بالكافرين وإغاظتهم: كيف ذلك؟
أشد ما تكون النكاية بأئمة الكفر أن تتزايد أعداد المسلمين على حساب تعداد الكافرين أياً كانوا !
فمن وقف مواقف الدعوة إلى الله ، ولو بكلمة، أو جهد، أو كتاب، أو شريط، أو محاجة، أو بيان حق؛ فقد وطئ موطئاً يغيظ الكفار .
أما أغاظوك يوم تسلّطوا على ديار ورقاب المسلمين؟
إذاً أغظهم أنت بالدعوة إلى دين الله عز وجل، بل أغظهم بصلاح نفسك، والرجوع إلى الله.
أما سمعت قول الله عز وجل في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم:{ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ...[29]}[سورة الفتح]. ؟
ثم إن الإصلاح مما يدفع العقوبات: تأمل قوله عليه الصلاة والسلام وقد سُئل: اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ: [ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ] رواه البخاري ومسلم .
والخبث إذا كثُر، والمنكر إذا ظهر، والمعاصي إذا فشت، والفجور إذا انتشر، كان ذلك سببًا في الهلاك، وهو أعظم من الحرب، قال عليه الصلاة والسلام: [ إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَة فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَاب اللَّه] رواه الحاكم، وصححه. وقال: [إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد . فالصلاح في النفس، والإصلاح في الغير مما يدفع الله عز وجل به العقوبة .
4- توعية الناس بالقضية، وتعرية مزاعم قوى الكفر:
وتبصير الناس بحقائق دعاوى الكفار، كتبجّحهم بالديموقراطية والعدل والمساواة إلى غيرها مما أُلغيت في التعامل مع قضايا المسلمين في سائر أقطار الأرض!
وهذه الحرب قد أسقطت الكثير من الأقنعة، وتبين لكثير من الناس – حتى مَن خُدِعوا فيهم – الوجه الكالح لأمم الكفر، ولأئمة الكفر !
ويتبع ذلك تبنّي قضايا الأمة، وليست قضية الساعة، فإحياء قضايا الأمة مما يقض مضاجع الأعداء؛ لأنهم يُشغلون الأمة بقضية عن قضايا .
5- تحقيق التوكل وعدم الإرجاف، وإخافة الناس بالوهم !(/1)
فإن الإرجاف والتخويف سمة من سمات المنافقين، فاحذر أن تكون ممن قال الله فيهم:{ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا[60]مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا[61]}[سورة الأحزاب].
وربّ إرجاف وتخويف أورث الضعف والهوان، وإنما كان قول المؤمنين على مر الزمان:{...كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [249]}[سورة البقرة] .
6- الالتفاف حول العلماء، والصدور عنهم تنفيذاً للتوجيه الرباني:
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ...[83]}[سورة النساء] . وعدم التفرّق والتناحر والتنازع؛ لأن الضعف مرهون بالتنازع:{...وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[46]}[سورة الأنفال] .
وتفويت الفرصة على المنافقين المتربصين الذين يتحيّنون الفُرص لبث سمومهم، والعدو إنما يدخل من خلال الثغرات التي يصنعها له الطابور الخامس؛ ولذا قال عليه الصلاة والسلام: [مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ] رواه أبوداود والنسائي وأحمد، وحسنه الألباني .
7- ضبط الحماس، وطرح التصرفات الفردية ؛ لأنها تضرّ أكثر مما تنفع:
فالعاطفة إذا لم تُضبط بالشرع صارت عاصفة ! - كما يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله-. وعدم التطلّع للفتن والاستشراف لها، قال عليه الصلاة والسلام: [سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ] رواه البخاري ومسلم .
8- الإقبال على العبادة، وإصلاح النفس، وترك القيل والقال، ونبذ الشائعات:
والإكثار من العبادة، قال عليه الصلاة والسلام: [الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ] رواه مسلم .
قال الإمام النووي:' الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس. وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا, وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا, وَلَا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلَّا أَفْرَاد'.
9- صدقة السر:
لأن صدقة السر لها أثر عجيب، وبها يدفع الله عن العباد والبلاد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ الْسُّوءِ، وَصَدَقَةُ الْسِّرِ تُطْفِيءُ غَضَبَ الْرَّبِّ] رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني .
فإن لم يتصدّق فليكفّ يده ولسانه:عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ: [الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ] قَالَ قُلْتُ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ: [أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا] قَالَ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ: [تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ] قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ : [تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ] رواه البخاري ومسلم .
ألا ترى أن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم من بكى حينما لم يجد ما يُنفق، ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه؟!
حتى عُرفوا بـ ' البكائين ' وسُطّرت أخبارهم في كتاب الله عز وجل، فقال سبحانه فيمن رُفع عنهم الحرج:{ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ[92]}[سورة التوبة].
حتى جاء في سيرة علبة بن زيد أنه خرج من الليل فصلى وبكى، وقال:' اللهم إنك قد أمرت بالجهاد، ورغّبت فيه، ولم تجعل عندي ما أتقوّى به مع رسولك، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في جسد، أو عرض' .
فهذه إشارات لما نستطيع عمله..وصاحب الهمة ليس بحاجة إلى أن يُشار له نحو القمّة ! والمعصية ليست عُذراً للتخلّف عن ركب السائرين، ولا القعود عن مشاركة العاملين، بل الاحتجاج بالمعصية والتعذّر بها عن خدمة هذ االدين ذنب يُضاف إلى ذنوب صاحب العُذر، والله أسأل أن يُهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشدًا .(/2)
من :' ماذا أستطيع فعله في الأزمات؟' للشيخ/عبد الرحمن بن عبد الله السحيم(/3)
ماذا أعددت لها؟ محمد الحبر يوسف*
الإسلام دين يربي أتباعه على الحقائق لا على الأماني والأوهام ، قال تعالى عن أهل الكتاب ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ولما تفاخر المؤمنون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أحق بالله منكم ، قال المؤمنون نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على سائر الكتاب ، كان لابد لهذا النوع من الجدال والمفاخرة أن يحسم فقال الله للجميع ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأؤلئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا )
والتربية على الحقائق لا تتم في منهج الإسلام بإدراكها فحسب وإنما بإدراكها ثم بإحسان التعامل معها روى البخاري ومسلم- واللفظ لمسلم- عن أنس رضي الله عنه( أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعددت لها قال حب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت ) فها أنت ترى أن الساعة حقيقة من حقائق الوجود وركن من أركان الإيمان والمسلم موقن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، ولكن الاستعداد للقاء الله تعالى بفعل الصالحات وابتدار الطاعات هو آية الإحسان في التعامل مع هذه الحقيقة وهذا ما نبه إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الأعرابي السائل ولفت نظره إلى القضية الأساسية التي يجب أن يهتم لها وأن تستحوذ على تفكيره ومشاعره ( ماذا أعددت لها ؟ )
و من هنا فإن منهج القرآن في عرض الحقائق أنه لا يذكرها بمعزل عن آثارها ومقتضياتها اقرأ قول الله تعالى :( والسماء بنينها بأييد وإنا لموسعون والأرض فرشنها فنعم الماهدون . ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون. ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) فالحقيقة التي تعرض لها هذه الآيات الكريمات أن الكون وما فيه من آيات هو من صنع الله الذي أتقن كل شيء ، ولكن هذه الحقيقة لا تعرض إلا مقرونة بالدعوة إلى الإيمان بالله والبراءة من الشرك (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين ) ذلك لأن التسليم المجرد لحقيقة أن الله هو الخالق الموجد لهذا الكون لا يكفي في النجاة من الهلاك فإن من المشركين من كان يعتقد أن الله خالق هذه الأكوان ولكنهم ما انتفعوا بهذه الحقيقة يوم حجبوا قلوبهم عن الله واستنكفوا عن عبادته ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون )
ومن الحقائق القرآنية التي أحسب أننا محتاجون إلى إدراكها وإحسان التعامل معها حقيقة أن الله ناصر عباده المؤمنين فقد تكرر ذكر هذه الحقيقة في القرآن مرارا في قوله تعالى (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويقوم يقوم الأشهاد ) وفي قوله (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وقوله(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) وكثيرا ما نقرأ هذه الآيات ثم نغفل عن القضية الأساسية التي تتصل بهذه الحقيقة القرآنية وهي أخذ النفس بالاستقامة والاستمساك بالحق استيفاء لشروط النصر والتمكين قال تعالى( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ولما دعا موسى على فرعون وملئه بالهلاك (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) قال الله لموسى وهرون (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) إن هلاك الكفار المعاندين للرسل والرسالات أمر يجريه الله وفق سنته وليس من واجب المؤمن أن يرهق نفسه في (متى) و( كيف) ولكن الواجب الذي ينتظره التفكير فيه والعمل له (ماذا عليّ أن أفعل) وهذا ما بينه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ( فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)(/1)
ماذا أفعل وقد ابتليت بحب المردان؟
أجاب عليه جمّاز الجمّاز
17/5/1427هـ
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا شاب على طريق الاستقامة، ولكني ابتليت (بحب المردان) فماذا أفعل؟
الإجابة:
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
إن ظاهرة التعلق دبّت وعمت في المجتمع بين الفتيان مع بعضهم، والفتيات مع بعضهن، وكل مع الجنس الآخر، على مختلف أعمارهم وفئاتهم، واتجاهاتهم ومحاضنهم التربوية، وانتشرت في صفوف المراحل الجامعية والثانوية، والصف الثالث المتوسط، وبقلّة في الأول والثاني المتوسط، وربما بين الأقارب والقريبات، والناس فيه - أي التعلق - أنواع، كلٌّ له فيه طريقة وأسباب ومظاهر، يشترك الجميع في غالبها، وكل واحد يبحث فيه عن هدفه وغايته.
إنه داء عضال، بل شر ووبال، إنها فتنة أهلكت الشباب، ودمّرت الفتيات، ولم ينج منها إلا القليل، إنها مشكلة أتت على الصحيح والسقيم، بل بدأت تدب حتى في أوساط من يُشار إليهم بالبنان، جاوزت الحدود والقيود، ذهب ضحيتها الكثير والكثير، والكل يشهد ذلك ويلحظه، ما بين ضائع، ومنتكس، وحائر أو مسجون.
هذه الظاهرة لها أسباب عدة، من أبرزها:
1- بعد القلوب عن الله - عز وجل -، وعدم تعلقها وأنسها بالله - تبارك وتعالى -.
2- قلة مراقبة الله - تعالى-، وعدم الخوف منه - سبحانه وتعالى-.
3- التقصير في أداء الصلوات، وإهمال السنن، وهجر القرآن الكريم.
4- الفراغ القاتل "أبو المصائب".
5- صديق السوء "السم القاتل".
6- مشاهدة القنوات الفضائية التي تخل بالآداب، وتعرض صور النساء، وتحكي الفساد وتنشره.
7- كثرة المخالطة والمجالسة للصغار من قبل الكبار، وإدامة النظر إليهم.
8- ترك الزواج، وإهمال تحصين الفروج.
9- التخفيف من الشهوة بالتلذذ بالنظر إلى الوجه، وكثرة مجالسته.
10- اعتقاد أن التعلق أمر طبيعي ولا بد منه.
11- الاهتمام بقراءة قصص الحب والغرام، وشعر الغزل.
12- الشهوة الخفية، وإدامة النظر والقراءة في المجلات الخليعة.
13- استخدام خط الخيانة، لا الصداقة.
وعلاج هذه المشكلة يكمن في معرفة أسبابها، ومن ثم الابتعاد عنها، وإليك بعض الوسائل والطرق المناسبة للعلاج، منها:
1- ادع الله - تعالى- كثيراً أن يُنجّيك من هذه المعصية، وأن يهيئ لك من أمرك رشداً، فالدعاء سلاح المؤمن.
2- تذكّر أن الله - تعالى- مطلع على نيتك وأفعالك، وأن ملائكته وجوارحك شهود عليك يوم القيامة.
3- اسلك طريق الاستقامة، وجدّد التزامك بهذا الدين.
4- غيّر حياتك وأصدقاءك، تقدّم لا تتردد.
5- اجعل قلبك مليئاً بالحب لله - تعالى-، والخوف منه - سبحانه -، علّقه بقراءة القرآن والصلاة، والاستغفار وذكر الرحمن - تبارك وتعالى -.
6- ليكن تعلقّك بالله - عز وجل - لا بالذات والأشخاص من أصحاب الفن أو الرياضة.
7- تذكر دائماً أنك واقع في وحل المعصية، واستحضر ما يصاحب ذلك من نيل غضب الله - تعالى - وسخطه، وعدم توفيقه لك.
8- استشعر ما أنت فيه من ضعف الإيمان، وفقدك للذة العبودية وحلاوة الطاعة.
9- ألم تعلم أن التعلق يسبب وحشة في القلب، وظلمة في الوجه، وسوءاً في الخاتمة، والله أعلم بما في الآخرة، فماذا تنتظر؟
10- تأمل النتائج التي دمّرت نفسك وحياتك وبيتك ومجتمعك من الهم والضيق والاكتئاب، والحيرة والخوف والاضطراب، والسهر والقلق والمرض، فضلاً أنه لا يهدأ لك بال، ولا يقر لك قرار، كم من أموال ضاعت، كم من أملاك تلفت، كم من أخلاق فسدت.
11- هل تعلم أنك باستمرارك في عملك المشين هذا تغلق أبواب الطاعة أمامك، وتفتح أبواب الخذلان أمامك، إذن لا تستمر توقف.
12- تصور أنك قد فقدت الغيرة والحياء، فماذا بعده يا تُرى؟
13- اعلم علم اليقين أن التعلق بعده وقوع في المحرمات، وانتهاك للحرمات.
14- اعلم أنك في ضياع وانحراف، ومعرّض للمز والغمز والهمز، وتناقل الإشاعات حولك، سوف ترديك في مواطن الريب والتُّهم، فانج بنفسك.
15- كل من سلك هذا المسلك فهو في فرقة وخلاف، وكل حين عداوات وتحزبات ومشكلات، فهل أنت راغب في هذا؟ هل أنت قادر على تحمّل هذا؟
16- اعلم أنك بفعلك هذا تهدم وتفسد الأسر والمجتمعات، وتفكك محاضن التربية ودور التوجيه، فهل يفعل هذا عاقل؟
17- ألم تعلم أنك بتعلقك هذا تهدم مستقبل الإنسان وعمره وشخصيته، وتتسبب في تعطيل فكره وعقله، وتتحمل فشله في مسيرته الدراسية أو الوظيفية، فلماذا أنت مُصِرّ على الإضرار به؟
18- يجب أن تعلم أنك ظالم لنفسك، ولتلك النفوس التي تحمل براءة الطفولة والعفاف من بنين وبنات، فلماذا تظلمه، وأنت لا تريد له إلا الخير؟
19- ابتعد عن كل ما يثير الغرائز والشهوات، وتلامس الأجسام.
20- غض طرفك، ولا تنظر إلى ما يثيرك.
21- ابتعد عن ذلك الإنسان، وكل ما يذكرك به.
22- حاول أن تنساه بشتى الطرق وبكل قوة.
23- لا تلتفت إلى طيب لسانه، وجميل إحسانه، وكلام الناس عنه.
24- حاول التهرب منه، والاعتذار عن المكالمات واللقاءات، مهما كلفك الأمر.(/1)
25- تذكّر أخطاءه وزلاته ومعايبه، وأنه مثلك يحمل في بطنه ما تحمله في بطنك من الأذى والأقذار.
26- املأ وقتك بزيارة الأقارب والجيران، وأصحاب الأخلاق وأهل الرجولة والشهامة.
27- اهتم بقراءة الكتب النافعة، والمجلات المفيدة.
28- استمع للمحاضرات والأناشيد فهي بديل عن كل رذيل.
29- تعلّم الحاسب والخط، شارك في الدورات المهنية بأنواعها.
أظنّك بعد هذا: ستجد صعوبة في أول الأمر، لكن الراحة في النهاية، لن تخسر شيئاً إذا تركته، بل ستعيش حياة الأحرار، وتخرج من ذلك الأسر السُّعار.
ووصيتي لك أن يكون حبك للآخرين معتدلاً خالصاً لله - تبارك وتعالى -، بحسب إيمانه وتقواه، لا للجمال والأنساب، والأحساب والمصالح، وحسن الأجسام والهيئة، وتذكّر دائماً:
أن الجمال الحقيقي هو جمال الأخلاق: طهارة القلوب، ونقاء النفوس، خلق عال، وأدب راق، وأما جمال الوجوه فسرعان ما يزول ويفنى ويُنسى، ويبقى جمال النفوس يذكر على الدوام فلا يُنسى، إن الافتخار بالجمال ليس من شِيَم الرجال.
وما ينفع الفتيان حسن وجوههم إذا كانت الأخلاق غير حسان
وما تنفع الثياب اللامعة، والأطياب المنعشة إذا كانت النفوس مظلمة لا تعرف لله حقاً ولا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - طاعة وانقياداً، ولا لأحد من الوالدين أو الناس احتراماً وتقديراً، صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم) وأشار بأصابعه إلى صدره(1).
عجبتُ لمن ثوبه لامع، ولكنما القلبُ كالفحمة، مظاهرُ براقة تحتها بحارٌ من الزيف والظلمة، وأشير عليك بقراءة كتاب (وفي الصراحة تكون الراحة) لفهد بن يحيى العماري فإنه نافع مفيد، أسأل الله - تعالى- أن يهديك لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا هو - سبحانه -، وفقك الله لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
(1) صحيح مسلم (2564) البر والصلة والآداب(/2)
ماذا بعد الالتزام ؟
المحتويات
مقدمة
الجانب الأول
الجانب الثاني
الجانب الثالث
الجانب الرابع
الجانب الخامس
الجانب السادس
الجانب السابع
مقدمة
الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم على خاتم المرسلين وبعد :
معشر الشباب عنوان هذه المحاضرة : ماذا بعد الهداية ؟ وهي ظاهرة نشهدها كثيراً ، وربما نكون نحن من نتاج هذه الظاهرة ، إذ ترى صورة ذاك الشاب الذي عاش فترة من الغفلة والإعراض والجرأة على ما حرم الله - سبحانه وتعالى - ثم من الله - سبحانه وتعالى - عليه بالهداية فسلك طريق الخير والاستقامة ، أو ترى ذاك الشاب الذي لا يكون له تجربة في الفساد والإغراق فيه ولكنه هو الآخر له تجربة قريبة من هذه فقد يكون عاش شخصاً عادياً لا اهتمام له ولا غاية ما يهمه إلا فوز فريقه الرياضي أو تقدمه ، أو مايشاكلها من هذه القضايا ، أما قضية الاستقامة وقضية الدين فلا تقدم عنده ولا تؤخر ، ثم من الله عليه هو الآخر بالهداية فسلك مع الشباب الأخيار طريق الخير والاستقامة فسار مع هذا الركب ومن هنا كان لا بد لهؤلاء وأولئك من حديث خاص حول هذه المرحلة التي انتقلوا إليها ولإن كان الحديث قد يبدو لنا أنه خاص بأولئك الذين هم حدثاء عهد بهذه المرحلة إلا أنني أتصور أننا سنجد جوانب من هذا الحديث تعنينا ونشترك فيها جميعاً .
الجانب الأول
هذه الهداية إنما هي عودة للأصل فإن الله -سبحانه وتعالى - يقول : (( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ... )) الآية . أي أن الله - تعالى - فطر الناس منيبين إليه ومسلمين له ومتوجهين له ، فالبعض قد يتصور أنه قد سلك بعدما اهتدى مسلكاً وطريقاً آخر ولكنه في الحقيقة إنما عاد إلى الأصل والمسار الطبيعي الذي كان ينبغي أن يسير فيه ، ونلمس هذا المعنى في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه - عز وجل - (( خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن ذكر الله - عز وجل - فحرمت عليهم ما أحللت لهم )) ، إذاً الجميع خلق أصلاً على هذا الطريق ثم جاءته الشياطين فاجتالته فأخذ المسار الآخر ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من مولود يولد إلا على الفطرة حتى يعجم عنه لسانه فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) .
الجانب الثاني
لو خرجت خارج المدينة وتأملت فيما أمامك لوجدت مظاهر من هذا الكون الجبال والأشجار والسماء وما فيها من نجوم ولتذكرت قوله تعالى (( ألم ترى أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب .... )) الآية إذاً فهذا الكون بكل ما فيه يسجد لله تبارك وتعالى حتى الظل الذي تستظل به يسجد لله تعالى (( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرها وظلالهم بالغدو والآصال )) ، وأيضاً فإن من في الكون يسبح الله قال تعالى : ((تسبح له السماوات السبع و الأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً )) . إذاً فهذا الإنسان الذي هداه الله إلى طريق الخير يسير في اتجاه متوازن مع الجميع ، أما الشخص الآخر الذي يسلك طريق المعصية والغواية فإنه يسير في طريق معاكس للجميع وإن كان يتخيل أن غالب الناس معه بدليل (( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله )) فيتصور بعد ذلك أنه يسير مع التيار !! والواقع أنه المعاكس للتيار ولمن في الكون جميعاً . حين يدرك الشاب هذه المعاني يشعر أنه يسير على الجادة ومع التيار حتى وإن وجد في مجتمع أصبح فيه الوحيد و الغريب بينهم ، فإن الغريب والمعاكس للتيار غيره ، فلو سبرنا التاريخ ابتداءً بآدم ونوح وما بعدهما من القرون لوجدنا أن عشرة قرون كانت على عبادة الله فأنت لك امتداد تاريخي عريق وتسير بمنهجك مع الجادة الصحيحة ثبتنا الله وإياك عليها .
الجانب الثالث(/1)
قد تتفاعل بعد فترة وتقول وفقت في سلوك هذا الطريق نتيجة قدرات عقلية ، وتنسى السبب الحقيقي والأساس وهو فضل الله عليك ورحمته ، وهي قضية يجب أن تتصورها ولا تغيب عن بالك يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماًً )) وأبونا إبراهيم - عليه السلام - يقول كما حدثنا الله عنه في كتابه العزيز (( فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لأن لم يهدني ربي لأكو نن من القوم الضالين )) فإبراهيم عير مستغنٍ عن هداية الله وتوفيقه والله - عز وجل - يقول في الحديث القدسي (( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم )) والنبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا حقيقة الإنسان ومدى قدرته عن الاستغناء عن خالقه (( إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء )) ومفهوم تقليبها مفهوم واسع ، فالحديث خطاب لمن كان مستقيماً أن يسأل الله الثبات وخطاب للمنحرف أن الله - عز وجل - قد يقلب قلبه فيتحول إلى خير رجالات الإسلام بعد أن كان من أفسق الناس ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لقلب ابن آدم أشد تقلباً من القدر إذا استجمعت غليانه )) والمشرك قد يقتنع أن الإسلام هو الدين الصحيح لكن الله لم يوفقه لسلوك ذلك الطريق فيبقى منحرفاً ضالاً وفي هذا المعنى يقول أبو طالب:
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة *** لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
فقد مات وهو يردد هذه الأبيات التي تبين أثر منة الله - عز وجل - في توفيقه لسلوك الطريق المستقيم .
الجانب الرابع
هذه المرحلة بداية حياة جديدة بعد أن تشعبت بك الطرق . والتغيير يطرأ أولاً في المظهر ثم في القلب والاهتمامات ، فتجد الشاب في السابق كانت أكبر قضية عنده الرياضة أو الدراسة ثم تغيرت اهتماماته لتصبح نصرة الدين وحسن الختام والتعلق بالآخرة ، وقد يكون الشاب يحب فلاناً لظرافته ثم لما تغيرت مفاهيمه بدأ يحب في الله ويبغض في الله .
ومن التغيرات النظرة إلى الوقت فقد كان في السابق يعتبر الوقت فراغاً يريد التخلص منه بأي صورة ، أما الآن فيعتبر الوقت فرصة لحفظ كتاب الله ولفعل أمورٍ تفيده في الدنيا والآخرة ، بل يعتبره الشاب أثمن ما يملك لأن الوقت هو العمر وهو الحياة ، فإذا انتهى الوقت انتهى الإنسان .
إذاً نظرة الشاب للوقت اختلفت باختلاف اتجاهه فأصبح لا يشتكي من الفراغ بل على العكس يفرح به ليدخل على شخصيته مزيداً من التقدم والعطاء المحفوف برضى الخالق - جل وعلا - وقد يفهم بعض الشباب أنه بمجرد أن قرر سلوك الطريق المستقيم قد انقطع عن الماضي بكامل رواسبه وهذا تصور خاطئ ولا شك ، إذ عليه أن يوقن أن رواسب الماضي ستبقى وقتاً طويلاً وأن الخلاص منها يحتاج إلى تربية .
يقول أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - : (( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حدثاء عهد بكفر - أي جدد على الإسلام -فكانت للمشركين شجرة ينوطون بها أسلحتهم ويتبركون بها فتنادينا من جنبات الوادي وقلنا يا رسول الله : أجعل لنا ذات أنواط )) .
إذا الإنسان يحتاج حتى يرتقي في مراتب الخير والصلاح إلى تربية نفسه وإعدادها لذلك .
الجانب الخامس
سؤال يطرح دائماً كيف اتعامل مع الماضي؟
هناك عدة نقاط :
أولاً : بعض الناس كل تجاربهم سيئة فقد كان يفعل المعاصي ويتحدث بها مع زملاءه ومع الناس وهذا مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملاً في الليل فيستره الله فيصبح فيقول يا فلان عملت كذا وكذا بات يستره الله فيكشف ستر الله عليه )) ، فالمجاهر بالمعصية يهونها على نفسه وأما بقائها داخله فتدفعه إلى التوبة والدعاء والاستغفار لكن المجاهرة بها تجعلها سهلة ومألوفة .
والمعصية بين الإنسان وربه تشكل ضغطاً عليه، وهذا يعود عليه بالفائدة لأنه سيتوب إلى الله ومن نتائج المجاهرة أن يهونها على زملائه وتكون بذلك دعوة غير مباشرة للوقوع في تلك المعصية .
إذاً القضية الأولى أن تتجنب الحديث عن الماضي بكل ما فيه من معاصي وبعد عن الله - عز وجل - إلا لحاجة شرعية أو لكفارة ، أما سوى ذلك فلا ينبغي التحدث فيها لما تنطوي عليه من سلبيات كثيرة .(/2)
ثانياً : التفكير في الماضي كثيراً قد يعيق عن العمل الصالح والمفترض في الشاب المهتدي حديثاً أن يستغل تذكر الماضي في إكثار التوبة والاستغفار ، وذلك بخوفك من الماضي ورغبة في تعويض ما فات من العمر ، أما أن يسيطر على الشاب التفكير المزعج في الماضي ويتذكر أيامها ولياليها ويتلذذ في صورٍ رآها فهذا يدعوه جزماً إلى الرجوع إليها وتكرار ما حدث في الماضي ، وهناك نقطة مهمة تتعلق بالماضي وهي أصدقاء ذلك الوقت فالأحرى بالشاب أن يتعامل معهم بصورة أخرى ،وأن لا يستدرجه الشيطان إذ يزين له الجلوس معهم بقصد مناصحتهم فيقع في أمر لا يريده لأن أصدقاء الماضي يعرفون نقاط الضعف عند الشاب ، فيضغطون عليه من خلال ذلك الجانب الذي قد يرجع إلى سابق عهده بسبب ذلك والمفترض في ا لشاب أن يترك دعوتهم لغيره .
الجانب السادس
كن حذراً من الضلالة بعد الهدى وهي نقطة يجب أن تشكل هاجس عند الجميع ، واسأل الله الثبات كما الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (( يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك )) وكان يقول : (( اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه ، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علي )) فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى تثبيت الله فغيره من باب أولى ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيمعل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )) .
ويجب أن يكون هذا التفكير يقودنا إلى عمل وإلى دعاء واستغفار ، وتعلق بالله - سبحانه وتعالى - ومن الجوانب المفيدة في هذا المجال الزيادة في عمل الصالحات لأنها تزيد المؤمن تثبيتاً (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )) .
والحذر من المعاصي واجب على المسلم ، لأن المعصية تجر أختها حتى تصبح عادة ، وكم من معصية واحدة كانت سبباً في الغواية وقديماً قيل ( المحافظة على النصر أصعب من الحصول عليه )
الجانب السابع
سؤال يطرح من قبل الشباب ( أشعر بعد الالتزام بحماس وحب للخير ثم أشعر أنني فقدت هذا ، فهل هذا مرض ) قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه عبد الله بن عمرو بن العاص وكان يصوم النهار ويقوم الليل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن لكل عمل شره ولكل شره فتره فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك )) فكل إنسان يكون عنده اندفاع ، وكل عمل له حماس لابد أن ينطفئ أو يقل، والحماس يجب ألا يخرجه إلى الابتداع بل إلى السنة فقط ، فمن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك ، والفتور الذي يصيب الإنسان إذا جره إلى المعاصي والتقصير في الفرائض فهذا معيار الهلاك ، أما ضعف المشاعر والضعف في أعمال الخير فهي قضية لابد منها .
وبعد ذلك كله لابد أن تعترف بالفضل لصاحب الفضل وهو الخالق - جل وعلا- وأن تسعى في نقل هذه النعمة العظيمة إلى الآخرين بالدعوة والنصح ...
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين ،،،(/3)
ماذا بعد تدنيس القرآن الكريم؟!
د. نورة خالد السعد
نرفع شعار حوار الآخر وآداب الحوار ومنهج الجدل في الفكر الإسلامي.. نقنع الجميع بأن الظروف المعاصرة تتطلب فهم الآخر واستيعاب ثقافة الآخر.. نقسو على ذواتنا ونتهمها بالتخلف وأنها عصية على التقدم والانفتاح على الآخرين.. ونبعد كل مقولات تحارب العدو حتى لا نتهم بمعاداة السامية!! وكل هذا ... والآخر يمعن في الجبروت والصلف .. ويمعن في الإيذاء المعنوي والنفسي والجسدي للمسلمين في كل مكان.. الطائرات تقتل والمدرعات تسحق والقنابل العنقودية تصهر العظام وتمزق الأجساد إلى أشلاء..
والتطاول على سيد البشرية لا يتوقف فمرة هناك كاتب يؤلف الكتب ليهاجم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وآخر يصفه بأنه حشرة!! وردة الفعل لا تختلف في كل مرة عن شجب هنا وهناك.. وتعود الأمور إلى ما كانت عليه ويعاودون امتهان ديننا وعقيدتنا ويصفونهما بالإرهاب.. ويعلنون أنه لا سلام ولا أمان مع الإرهاب!!
يصفون أفعال بعض المسلمين بأنها (فعل إسلامي) لا يقولون فعل هذا الفرد أو ذاك، ولكن يعممون الصفة إلى الدين كله.. وللأسف بعض بني جلدتنا يسيرون في الركب.. وتختلط الأصوات ويزداد عدد الناقدين والشامتين والمحبطين.. ويبقى صوت العداء للإسلام هو الأعلى.. يعذبون السجناء ويتفننون في هذا التعذيب.. ويتلذذون بمشاهدتهم عرايا!! ويهينونهم ويمعنون في هذه الإهانة بأن يهينوا قرآننا الكريم وهم يدركون ماذا يعني إهانة هذا الكتاب الكريم عند أي مسلم ليس في معتقلات جوانتانامو فحسب، بل في العالم الإسلامي جميعه.
ولهذا من كان يرمي بصفحات القرآن الكريم في مراحيض جوانتانامو كان يدرك أن هذا الفعل سيحدث هذه الهزة العنيفة في العالم الإسلامي.. ولن تتوقف إلى أن تتم محاسبة هؤلاء المجرمين بحق الدين وبحق الإنسانية ولن يكفي قول إنه تصرف فرد غير واع أو الادعاء بأنه لم يحدث..
ولن يكفينا بصفتنا مسلمين أي تبرير لهذه الجريمة النكراء.. فالذي يرتكبها لا يرتكبها نسياناً بل إصراراً كالجندي الذي قتل العراقي الجريح في المسجد وتم تبرئته لاحقاً بدعوى أنه كان يدافع عن نفسه!! كيف يدافع جندي مدجج بالسلاح عن نفسه من جريح أعزل شاهده العالم كله أمام الكاميرا ولا سلاح في يده؟!
إهانة قرآننا هي إهانة لكل مسلم.. وما المظاهرات التي انطلقت في الباكستان وأفغانستان وعدد من الدول العربية إلا ردة فعل متوقعة.. فكما تهتز أروقة السفارات والقنصليات في دولة ما عندما يهان رئيسها في كاريكاتير أو على لسان مسؤول دولة أخرى.. ولا تهدأ إلا في حالة اعتذار أو توضيح موقف.. كانت هذه المظاهرات ردة فعل شعبية من عالم إسلامي لجريمة ترتكب بيد من يدعون الديمقراطية والعدالة..
واحتجاج المملكة على ما حدث من تدنيس للقرآن الكريم في سجن جوانتانامو ومطالبتها رسمياً الحكومة الأمريكية بإجراء تحقيق رسمي يعاقب فيه الفاعلون ويمنع تكراره... كان متوقعاً..
.. إهانة القرآن الكريم وتدنيسه لم يكونا إيذاءً وإهانة لأولئك السجناء المعتقلين الذين تتفنن الإدارة الأمريكية في تعذيبهم منذ أعوام ثلاثة وتحتجزهم كالحيوانات في أقفاص وتجرب عليهم أنواعاً من العقاقير كما جاء في تقرير محامي الفرنسي المعتقل الذي نُشر منذ عام.. جميع صنوف العذاب تمارس هناك وتأتي الضربة القاضية والاجتراء على كلام الله المقدس وكتابه الكريم بأن تمتد إليه أيدي الزبانية والذين لا يدركون أن هذا السجين يهز في إهانة قرآنه شبكة مليار ونصف مليارمسلم في العالم لا يرتضون إهانة قرآنهم ولا المساس به.. لا بأس اقتلونا ولكن لا تمسوا قرآننا ربما هذا لسان حال البعض..
.. ما يهم هو أن لا يمر هذا الحدث عند حدود الشجب من كافة المنظمات الإسلامية بل لا بد من المطالبة والإصرار على محاكمة هؤلاء المجرمين ومن يدعمهم في الإدارة الأمريكية.
أما التوقف عند قول أن جهود الإدارة الأمريكية لتحسين صورتها المتدهورة في العالم الإسلامي قد تلقت ضربة جديدة وأن اندلاع المظاهرات في أفغانستان وصاحبها من اضطرابات وسقوط قتلى هناك خرجوا للدفاع عن هذا القرآن من تدنيسه بأيدي زبانية المعتقل المشهور جوانتانامو .. شاهد العصر على عدالة الإدارة الأمريكية .. وأن اندلاع هذه المظاهرات فاجأ السلطات الأمريكية وأربكها فضاعفت التصريحات المطمئنة والوعود بإلقاء الضوء كاملاً على هذه الوقائع، جميع هذه التصريحات وسواها.. لن يغير من حقيقة الواقعة وكما قال ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية: (إن ذلك قد يبقى مسألة أليمة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي).(/1)
.. ما هو المطلوب هو أن لا نتهاون في هذه القضية ولا نبرر ما حدث ونستجدي الإدارة الأمريكية لتحاسب هؤلاء المجرمين كما جاء في كتابات البعض.. بل لا بد من منطق قوي ووحدة صف وتوحيد جهودنا الدبلوماسية والمؤسسات الإسلامية جميعها في هذه القضية، وأن لا نتهاون في محاسبة من يستخف بمشاعرنا ويهين قرآننا ويجترئ على مقدساتنا.(/2)
ماذا بعد رمضان
الحمد لله السميع البصير، اللطيف الخبير، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي القدير، القويّ المتين، الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يريد، الحليم الشكور، العزيز الغفور، قائم على كل نفس بما كسبت، يحصي على العباد أعمالهم، ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمدُه سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، الصادق الوعد الأمين، صاحبُ النهج الراشِد والقول السديد اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ويعد ،،،
لقد فارقنا رمضان بعد أن حل ضيفا عزيزا غاليا ... نسأل الله أن يتقبل منا رمضان كما بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه وتلاوة القرآن.
وأول ما ننصح به ألا يغتر العبد منا بعبادته
ولا يقل: لقد صمت رمضان كاملا. بل عليه أن يحمد الله أن وفقه وبلغه شهر رمضان ووفقه لصيامه وقيامه؛ فكم من محروم وممنوع.
وثانيا: ينبغي أن يستغفر الله
فتلك عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كل طاعة....
فقه هذا المعنى الخليفة الفقيه الراشد عمر بن عبد العزيز-رضى الله عنه-
فكتب إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة
بقوله:-
قولوا كما قال أبوكم آدم:-
(ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
وقولوا كما قال نوح عليه السلام:-
( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين )
وقولوا كما قال إبراهيم عليه السلام:-
(والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)
وقولوا كما قال موسى عليه السلام:-
(رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم )
وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام:-
(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
يقول الحسن البصري، رحمه الله:-"أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة".
ويوصى لقمان ابنه فيقول:- " يا بنى عود لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا".
فلنكثر من الخصلتين اللتين نرضى يهما ربنا بأن نشهد أن لا إله هو إلا هو الغفور الرحيم
وأن نستغفره ونتوب إليه.
ثالثا: أن نحرص على دوام حمد الله وشكره
فإن اكتمال النعمة على العبد وتمامَها، سواءٌ بانتصاره على نفسه، أو على عدوه في معركة ،أو نجاحٍ في دعوة ،أو فراغٍ من موسم طاعةٍ وُفِّق فيه العبد لما تيسر من العمل الصالح، كُلُّ ذلك يحتم شكر الله والاعتراف بنعمه وفضله.
وهذا دأب الصالحين من سلفنا سلام الله ورضوانه عليهم؛ فقد كانوا دائما شاكرين لأنعم الله، لهَجَتْ به ألسنتهم، وتحركت به شفاههم، وظهر ذلك على أعمالهم. فالله _تعالى_ صرّح بالثناء على صفوة خلقه من أولي العزم من الرسل _عليهم الصلاة والسلام_ بأنهم كانوا من الشاكرين، فوصف نوحاً بأنه " كَانَ عَبْداً شَكُوراً"، ووصف إبراهيم بأنه كان "شَاكِراً لأَنْعُمِهِ " ،وقال لكلٍ من موسى ومحمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ : "وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ" ،وقد كانا ـ والله ـ كذلك.
فتأمل في كلمة (شكور ) فهي صيغة مبالغة، وتأمل في كلمة (شاكر) كيف جاءت على صيغة اسم الفاعل الدال على الاستمرار. وهذا نبي الله يوسف، عليه صلوات الله وسلامه، بعد ما جمع الله شمله بأبويه وإخوته، وتمت له النعمة، يقول: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" (يوسف:101).
لقد انتزع نفسه من فرحة اللقاء، وأنس الاجتماع؛ ليلهج بهذه الدعوات المباركة، المليئة بالافتقار والتذلل، والرغبة في تمام النعمة عليه بأن يتوفاه ربه مسلماً، وأن يلحقه بالصالحين من عباده.
وهذا سليمان بن داود، عليهما الصلاة والسلام، الذي له عند ربه زلفى وحسن مآب، يكثر من شكره لنعم ربه. فحينما خرج في موكبه، وسمع النملة تنذر قومها بقولها : " ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ"(النمل: من الآية18) ! لم يشغله الاستمتاع بمعرفة لغة هذه الحشرة الصغيرة التي حجبت لغتها عن غيره من البشر ! عن التوجه إلى من أنعم عليه بهذه النعمة، بل قال: { رب أوزعني لأن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه}. ولمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقراً عنده، بسرعةٍ هي أقل من طرفة العين، قال : "هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل:40).(/1)
وهكذا تستمر القافلة المباركة ؛ لتقف عند أكمل الخلق شكراً واستغفاراً ،ألا وهو نبينا، فبعد حياةٍ حافلة بالبلاغ ،والجهاد ،والصبر ،والبذل ،والعطاء ،تتنزل على قلبه سورة النصر ، تلك السورة العجيبة التي جمعت ـ رغم قصرها ـ بين البشرى بالفتح، وبين نعي أكرم نفس بشرية ،فيمتثل _صلوات الله وسلامه عليه_ هذا الأمر في أمرين : أحدهما قولي، والآخر فعلي :
أما القولي فكان يكثر أن يقول ـ في ركوعه وسجوده ـ سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن ،أي : يمتثل أمر الله له بالتسبيح والاستغفار، والحديث متفق عليه.
وأما الامتثال الفعلي، فيتجلى في الإكثار من قيام الليل حتى تتفطر قدماه. وحين يدخل ـ بأبي هو وأمي ونفسي ـ مكة عام الفتح منكساً رأسه، متخشعاً، معلناً بذلك خضوعه، وتواضعه، وتذلله لربه _جل وعلا_ ، ثم شفع هذه الهيئة المعبرة عن التواضع العظيم بثمان ركعات من الضحى، شكراً لله _تعالى_ على هذه النعمة الكبرى.
فإذا كان هذا حال سادة الرسل، فغيرهم أحوج ما يكون إلى شكر الله، والدوام على ذلك، مع دوام استغفار الله؛ فإن الحاجة تشتد إلى الإكثار من هاتين العبادتين، فبالشكر تدوم النعمة، وبالاستغفار تُغفر الزلة وتقال العثرة.
لذا فنحن مضطرون أشد الاضطرار إلى أن تتواطأ ألسنتنا مع قلوبنا على شكرٍ يحفظ النعمة، واستغفارٍ يرقع الخلل، عسى ربنا أن يتقبل ما منَّ به علينا، ويتجاوز عما قصّرنا فيه، وما أكثره !
فبعد أن ذكر الله _تعالى_ فرضية الصيام، وشيئاً من أحكامه، جاء التعليل الرباني لهذه الأحكام بقوله : " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون"(البقرة: من الآية185) ،والمعنى : ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق.
يقول التابعي الجليل بكر بن عبد الله المزني ـ رحمه الله ـ : قلت لأخٍ لي : أوصني! فقال : ما أدرى ما أقول ! غير أنه ينبغي لهذا العبد ألا يفتر من الحمد والاستغفار، فإن ابن آدم بين نعمةٍ وذنبٍ ،ولا تصلح النعمة إلا بالحمد والشكر، ولا يصلح الذنب إلا بالتوبة والاستغفار.
ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : "وما أتي من أُتي إلا من قِبَلِ إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر ـ بمشيئة الله وعونه ـ إلا بقيامة بالشكر، وصدق الافتقار والدعاء، ومِلاكُ ذلك : الصبر، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء للجسد".
وحري بمن وفق للشكر أن يلاقي من ربه أعظم مما قدّم ،فإن الرب أعظم شكراً.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : "والله _تعالى_ يشكر عبده إذا أحسن طاعته، ويغفر له إذا تاب إليه، فيجمع للعبد بين شكره لإحسانه، ومغفرته لإساءته، إنه غفور شكور. والله _تعالى_ أولى بصفة الشكر من كل شكور، بل هو الشكور على الحقيقة، فإنه يعطي العبد ، ويوفقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء، فلا يستقله أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة، ويشكر عبده بقوله، بأن يثنى عليه بين ملائكته، وفي ملئه الأعلى، ويلقي له الشكر بين عباده، ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئاً أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئاً رده عليه أضعافاً مضاعفة، وهو الذي وفقه للترك والبذل، وشَكَره على هذا وذاك ...".
رابعا: الاهتمام بالقبول، ويقول علي، رضي الله عنه: كان أصحاب النبي يعملون العمل بهمة ثم إذا فرغوا أصابهم الهم أقبل العمل أم لا؛ فالهدف من الصوم هو التقوى فإذا تحققت فيك التقوى مع نهاية الشهر فقد قبل منك رمضان بفضل الله وبين لنا الحبيب أن من علامات قبول الطاعة أن تتبعها طاعة لا أن تتبعها معصية.
وها هو علي، رضي الله عنه، يخرج في آخر ليلة من شهر رمضان، ينادى بأعلى صوته:-
ليت شعري ! من هذا المقبول فنهنيه ؟؟ ومن هذا المحروم فنعزيه ؟؟
ومثله كان ابن مسعود، رضي الله عنه، يقول:
من هذا المقبول منا فنهنيه ؟؟
ومن ها المحروم منا فنعزيه ؟؟
أيها المقبول هنيئا لك
أيها المردود جبر الله مصيبتك !
فلنجتهد لنكون من المقبولين
ولنلحق بركب الصالحين
خامسا: الثبات على الطاعة
صحيح أن أيام رمضان لها ميزة خاصة وطاقة خاصة. ولكن نأخذ من هذه الطاقة ما يعيننا على الثبات بعد رمضان؛ فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. وهنا تتضح الحكمة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ) والحكمة أن تثبت على الطاعة وتأكيد على الاستمرار في فعل الخيرات ورب رمضان هو رب كل الشهور.
ماذا تقول لامرأة جلست طوال شهر كامل تصنع ملبسا من الصوف بالمغزل حتى ما ان قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعته .(/2)
هذا المثل يمثل حال بعضنا فبمجرد انتهاء شهر رمضان سرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب فهو طوال الشهر في صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرع وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته، لدرجة أن أحدنا يتمنى أن يقبضه الله على تلك الحالة التي هو فيها من كثرة ما يجد من لذة العبادة والطاعة ولكنه ينقض كل هذا الغزل بعد مغرب أخر يوم في رمضان.
ولا يكون الثبات إلا بالحذر الشديد من العدو الأكبر:الشيطان الذي حُبس عنا كثير من عظيم كيده شهرا كاملا وهو الآن خرج هائجا مغتاظا فكل ما فعله معك طوال العام وما أوقعك فيه من معاصي، ربما يكون قد غُفر لك في شهر، أو في الليالي العشر، أو في ليلة القدر. وهو يصر على دخولك النار، ويريد أن يضيع عليك ما كسبته من أجر في هذا الشهر في يوم واحد؛ ليثبت لك أن لا فائدة منك وانك مهما كنت طائعا فمن السهل أن تقع في المعصية .
ولذا لابد من الثبات على الطاعة بعد رمضان.
من الأشياء التي كانت تسر النظر وتفرح القلب وتشرح الصدر في رمضان منظر المسجد وهو مملوء بالمصلين في الخمس صلوات فعينك تقع إما على راكع أو ساجد أو مبتهل بالدعاء وإما قارئ للقرآن. والكل مملوء بالطاقة والحيوية والعزيمة والنشاط، ولكن مع أول أيام العيد يحدث الفتور والكسل والخمول فمنا من يؤخر الصلاة، ومنا من يترك قراءة القرآن، ويترك الدعاء، وقيام الليل.
فلنحافظ بعد رمضان على الصلوات في المسجد، وأنت استطعت أن تقرأ كل يوم جزءا أو جزئيين أو ثلاث، واجتهدت في ذلك، فحاول أن تجعل لنفسك وردا يوميا ثابتا من القرآن ولو صفحة واحدة يوميا. واحرص بعد رمضان على الدعاء ، أم ليس لك عند الله حاجة بعد رمضان فكلنا فقراء إلى الله وهو الغني الحميد فخصص وقتا للدعاء يوميا. المهم أن لا يمر يوم دون أن تدعو واسأل الله أن يثبتك على الطاعة .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
فمن كان منكم أحسن فيه فعليه بالتمام
ومن كان فرط فليختمه بالحسنى
أسأل الله ان يجعلنا من المقبولين ... وأسأله ان يعيننا على تدارك ما بدر منا من تقصير في شهره.. وتفريط في جنبه .. إنه ولي ذلك والقادر عليه.(/3)
ماذا تعرف عن الإخلاص ؟
محمد المنجد
أعمال القلوب اهتم بها العلماء فصنفوا فيها المؤلفات ، وابتدؤوا أعمالهم بالتذكير والحث عليها. أعمال القلوب تحتاج إلى مجاهدة وعناية، وبما أن النجاة مدارها على أعمال القلوب بالإضافة إلى أعمال الجوارح التي لابد أن تأتي إذا صحّت أعمال القلوب.
الإخلاص هو أولها وأهمها وأعلاها وأساسها، هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء))((ألا لله الدين الخالص)).
الإخلاص هو لب العبادة وروحها، قال ابن حزم: النية سر العبودية وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب.
والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤدي إلى الجنة.
معنى الإخلاص :
خلص خلوصاً خلاصاً، أي صفى وزال عنه شوبه، وخلص الشيء صار خالصاً وخلصت إلى الشيء وصلت إليه، وخلاص السمن ما خلص منه. فكلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاء والتنزه من الأخلاط والأوشاب. والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. وأخلص الدين لله قصد وجهه وترك الرياء. وقال الفيروز أبادي: أخلص لله ترك الرياء.
كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، والمخلصون هم الموحدون والمختارون ، وأما تعريف الإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم –رحمه الله -: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة أن تقصده وحده لا شريك له.
وتنوعت عبارات السلف فيه، فقيل في الإخلاص:
- أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه.
- إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
- تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
- تصفية العمل من كل شائبة.
المخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عزوجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله. قال تعالى: ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ((قل الله أعبد مخلصاً له ديني)).
(( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)).
قال تعالى: ((الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)) أحسن عملاً أي أخلصه وأصوبه.
قيل للفضيل بن عياض الذي ذكر هذا: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل وإن لم يكن خالصاً وكان صواباً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون موافقاً للسنة ، ثم قرأ : ((فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)).
وقال تعالى: ((ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن)) يعني أخلص القصد والعمل لله ، والإحسان متابعة السنة، والذين يريدون وجه الله فليبشروا بالجزاء (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه))، (( ذلك خير للذين يريدون وجه الله ))،(( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي مالها يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى)).
وأما أهل النقيض وأهل الرياء فإن الله ذمهم وبيّن عاقبتهم (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار))، (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً))، (( من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب))، (( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورءاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط)).
وقد مدح الله المخلصين : (( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً))، (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً))، (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه)).
في غزوة أحد أراد الله الابتلاء والتمحيص (( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)).
قال صلى الله عليه وسلم : ((إنما الأعمال بالنيات)) ، إنه أهم حديث، علمنا إياه صلى الله عليه وسلم في كل شيء، في الصلاة والصيام والحج وغيرها..
قال صلى الله عليه وسلم : (( من غزا في سبيل الله ولم ينوي إلا عقالاً فلهو ما نوى))..، كذلك فإن بعث الناس على حسب نياتهم : ((إنما يبعث الناس على نياتهم))..
أهمية الإخلاص
1- النجاة تكون بسببه في الآخرة.
2- اجتماع القلب في الدنيا وزوال الهم لا يكون إلا به : (( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر عليه )).(/1)
3- مصدر رزق عظيم للأجر وكسب الحسنات ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليه حتى ما تجعل في فم امرأتك)) {رواه البخاري}.
4- ينجي من العذاب العظيم يوم الدين فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة وهم متصدق أنفق ليقال جواد، وقاريء تعلم العلم وعلمه ليقال عالم، و مجاهد قاتل ليقال جريء..، وهذا الحديث حدث به أبو هريرة فكان يغشى عليه من هوله كلما أراد التحديث به، ويمسح وجهه بالماء حتى استطاع التحديث به. وفي مجال عدم الإخلاص في طلب العلم يقول صلى الله عليه وسلم : ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لم يتعلمه إلا ليصيب به عرض من عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة))، وقال: (( من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار)).
الإخلاص يريح الناس يوم يقول الله للمرائين اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء.
الإخلاص ينجي الإنسان من حرمان الأجر و نقصانه ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل غزى يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له"ثلاثاً" إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه.
ابن مكرز رجل من أهل الشام قال : يارسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم : لا أجر له. فأعظم ذلك الناس فقالوا عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمه فقال له لا أجر له.
قال صلى الله عليه وسلم : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)).
كذلك الإخلاص هو أساس أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح تبع ومكمل له، الإخلاص يعظم العمل الصغير حتى يصبح كالجبل ، كما أن الرياء يحقر العمل الكبير حتى لا يزن عند الله هباء(( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً)).
قال ابن المبارك: (( رب عمل صغير تكثره النية ورب عمل كبير تصغره النية)).
الإخلاص مهم جداً لأن أغلب الناس يعيشون في صراعات داخلية ويعانون من أشياء فحرموا البركة والتوفيق إلا من رحمه الله، فكيف يكون النصر و تعلم العلم إلا من المخلصين، الإخلاص مهم في إنقاذنا من الوضع الذي نعيش فيه، فقد أصبح عزيزاً نادراً قليلاً، مشاريع ودعوات تلوثت بالرياء، حركات إسلامية دمرت بسبب افتقاد الإخلاص وبعد أن أريد بها الرئاسة والجاه والمال..
يقول ابن أبي جمرة وهو من كبار العلماء: وددت لو أنه كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك.
ومن فوائد الإخلاص أنه يقلب المباحات إلى عبادات وينال بها عالي الدرجات، قال أحد السلف: إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية حتى في أكلي ونومي ودخولي الخلاء وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله. لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن وفراغ القلب للمهمات مطلوب شرعاً.
النية عند الفقهاء: تمييز العبادات عن العادات وتمييز العبادات عن بعضها البعض، إرادة وجه الله عزوجل .
الإخلاص ينقي القلب من الحقد والغل ويسبب قبول العمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه)).
الإخلاص سبب للمغفرة الكبيرة للذوب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه فيغفر فيه كبائر، وإلا فأهل الكبائر كلهم يقولون لا إله إلا الله. كالبغي التي سقت كلباً فقد حضر في قلبها من الإخلاص ما لا يعلمه إلا الله فغفر الله لها.
تنفيس الكروب لا يحدث إلا بالإخلاص ، والدليل على ذلك حديث الثلاثة الذين حبستهم صخرة ففرج الله همّهم ، وكان منهم الرجل الذي وفى عاملاً أجره ونماه وصبر على ذلك سنين، وقد كان يقول كل واحد منهم اللهم إنك إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه.
وبالإخلاص يرزق الناس الحكمة، ويوفقون للصواب والحق ((إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً))، وبالإخلاص يدرك الأجر على عمله وإن عجز عنه بل ويصل لمنازل الشهداء والمجاهدين وإن مات على فراشه((ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً أن لا يجدوا ما ينفقون)). وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن أقواماً خلفنا في المدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر)){رواه البخاري}. وفي مسلم : إلا شاركوكم في الأجر.
بالإخلاص يؤجر المرء ولو أخطأ كالمجتهد والعالم والفقيه، وهو نوى بالاجتهاد استفراغ الوسع وإصابة الحق لأجل الله، فلو لم يصب فهو مأجور على ذلك..(/2)
فالمرء ينجو من الفتن بالإخلاص، ويجعل له حرز من الشهوات ومن الوقوع في براثن أهل الفسق والفجور، لذلك نجى الله يوسف عليه السلام من امرأة العزيز (( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين))((إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم)).
- الإخلاص في التوحيد: قال صلى الله عليه وسلم : ((ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر)).
- في السجود : قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط بها عن خطيئة)).
- في الصيام: قال صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ، (( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)).
- في قيام الليل: قال صلى الله عليه وسلم : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
- الإخلاص في ترك الحرام،المحبة في الله، الصدقة....(حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله).
- الإخلاص في الخروج إلى المساجد (( خرج للمسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت به خطيئة، فإن صلى ما دامت الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة)).
- الإخلاص في طلب الشهادة: (( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)).
- الإخلاص في اتباع الجنائز: (( من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط كأحد ومن صلى ثم رجع قبل أن يدفن فإنه يرجع بقيراط)).
- الإخلاص في التوبة: (( قصة قاتل المائة نفس وملائكة الرحمة)).
الإنسان يحتاج أن يبين لنفسه بالكلام أشياء مما ينويه حتى يزداد أجره كرجل ليس لديه مال فيقول لو كان لي مثل هذا عملت مثلما يعمل. قال صلى الله عليه وسلم : ((فهما في الأجر سواء)).
لقد مر في الأمة كثير من المخلصين كانت سيرتهم نبراساً لمن بعدهم وقدوة وخيراً، لذلك أبقى الله سيرتهم وذكرهم حتى يقتدي بهم من بعدهم وعلى رأس هؤلاء الأنبياء ، النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحواريو الأنبياء والصحابة الذين فتحوا البلاد بإخلاصهم ومن بعدهم من التابعين..
يقول عبدة بن سليمان:كنا مع سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فلما التقى ساعة فطعنه ازدحم الناس عليه ليعرفوا من هو فإذا هو يلثم وجهه ، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال لائماً أءنت يا أباعمر ممن يشنع علي.
يقول الحسن: إن كان الرجل جمع القرآن ولما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولما يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولم يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبداً.
لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم (( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية)).
يقول علي بن مكار البصري الزاهد : (( لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى فلاناً أخاف أن أتصنع له فأسقط من عين الله)) فقد كان السلف يخشون من قضية المجاملات.
قال الذهبي: يقول ابن فارس عن أبي الحسن القطان: (( أصبت ببصري وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة)) قال الذهبي: صدق والله فإنهم كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالباً يخافون من الكلام وإظهار المعرفة.
قال هشام الدستوائي: ((والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبت يوماً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عزوجل)).
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس)).
ومن عجائب المخلصين ما حصل لصاحب النفق، حاصر المسلمون حصناً واشتد عليهم رمي الأعداء ، فقام أحد المسلمين وحفر نفقاً فانتصر المسلمون، ولا يُعرَف من هو هذا الرجل، وأراد مَسْلَمَة يريد أن يعرف الرجل لمكافأته،ولما لم يجده سأله بالله أن يأتيه، فأتاه طارق بليل وسأله شرطاً وهو أنه إذا أخبره من هو لا يبحث عنه بعد ذلك أبداً ، فعاهده، و كان يقول : (( اللهم احشرني مع صاحب النفق)).
وعمل الخلوة كان أحب إلى السلف من عمل الجلوة.
يقول حماد بن زيد : كان أيوب ربما حدث في الحديث فيرقّ وتدمع عيناه، فيلتفت و ينتخط ويقول ما أشد الزكام!!، فيظهر الزكام لإخفاء البكاء.
قال الحسن البصري: ((إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام وذهب وبكى في الخارج)).
يقول محمد بن واسع التابعي: (( إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته لا تعلم)).(/3)
للإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألف المؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك ولم يظهر شيء في حياته لما دنت وفاته قال لشخص يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما إذا عاينت الموت و وقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمد إليها وألقها في دجلة بالليل وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني وأني ظفرت بما أرجوه من النية الخالصة، فلما حضرته الوفاة بسط يده ، فأظهرت كتبه بعد ذلك.
كان علي بن الحسن يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين بالظلمة ، فالصدقة تطفيء غضب الرب، وكان أهل بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم ، فلما مات عرفوا، و رأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القرب والجرب بالليل فكان يعول 100 بيت .
تلك الأحوال والقصص أظهرها الله ليكون أصحابها أئمة (( واجعلنا للمتقين إماماً)).
وهكذا كان أحدهم يدخل في فراش زوجته فيخادعها فينسل لقيام الليل وهكذا صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله فكان يأخذ إفطاره ويتصدق به على المساكين ويأتي على العشاء..
وهذا أعرابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أهاجر معك، فغنموا بعد خيبر وقسم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي وصلني؟ ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : ((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً وهاجموا العدو وأثاب الله الأعرابي كما طلب فقيل أهو أهو قال صلى الله عليه وسلم : (( صدق الله فصدقه)) فكُفِّن في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة (( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك وقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك )).
ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص..؟
قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبداً أحب الشهرة.
قال بعضهم: ينبغي للعالم أن يتحدث بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت وإن أعجبه الصمت فلينطق. فإن خشي المدح فليصمت ولا يفتر عن محاسبة نفسه فإنها تحب الظهور والثناء.
سُئِل سهل بن عبد الله التستوري : أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب. فمع الإخلاص تنسى حظوظ النفس.
قال سفيان: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي إنها تنقلب علي. إذا أراد أن يجاهد نفسه يجد تقلبات، ولا يدري أهو في إخلاص أم رياء، وهذا طبيعي أن يشعر أنه في صراع لا تسلم له نفسه دائماً فهو يتعرض لهجمات من الشيطان ، والنفس الأمارة بالسوء، وهذا فيه خير، أما من اطمأنت نفسه بحاله فهذه هي المشكلة.
قال ابن يحيى بن أبي كثير: تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل.
قال الزبيد اليامي: إني أحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب.
عن داود الطائي : رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية وكفاك به خيراً وإن لم تنضب. أي حتى وإن لم تتعب فإن ما حصلته من اجتماع نفسك لله وإخراج حظوظ النفس من قلبك ، هذا أمر عظيم.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما سبق الناس بأنه كان أكثرهم صلاة وصيام بل بشيء وقر في قلبه.
قال داود: البر همة التقي، ولو تعلقت جميع جوارحه بحب الدنيا لردته يوماً نيته إلى أصلها.
قال يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
قيل لنافع بن جبير : ألا تشهد الجنازة فقال: كما أنت حتى أنوي. أي انتظر حتى أجاهد نفسي.
قال الفضيل: إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك.
ومن أصلح الله سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح ما بينه وما بين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله في صفحات وجهه وفلتات لسانه.
والمخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته ومن شاهد في إخلاصه الإخلاص فإن إخلاصه يحتاج إلى إخلاص.
ومما قيل في الإخلاص:
- نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
- إفراد الحق سبحانه بالقصد والطاعة.
- استواء عمل الظاهر والباطن.
- من تزين للناس فيما ليس منه سقط من عين الله.
- إنه سر بين الله والعبد، لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده والله قد يعلم الملائكة ما يشاء من أحوال العبد.
- الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهداً إلا الله، وإذا داوم عليه الإنسان رزقه الله الحكمة.
قال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
قال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطع عنه كثرة الوساوس والرياء.
كان السلف يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا يعلم عنها زوجة ولا غيرها. وأعز شيء في الدنيا الإخلاص.
يقول يوسف بن الحسين: كم أجتهد في إسقاط الرياء من قلبي فينبت لي على لون آخر.(/4)
وكان من دعاء مطرف بن عبدالله: اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أفِ لك به، وأستغفرك مما زعمت أنني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمته.
تبيهات في مسألة الإخلاص
1- متى يكون إظهار العمل مشروعاً؟
قال ابن قدامة: {فصل في بيان الرخصة في قصد إظهار الطاعات} قال: وفي الإظهار فائدة الإقتداء، ومن الأعمال ما لا يمكن الإسرار به كالحج والجهاد، والمظهر للعمل ينبغي أن يراقب قلبه حتى لا يكون فيه حب الرياء الخفي بل ينوي الإقتداء به {إذاً ينبغي أن نحسن نياتنا في الأعمال المظهرة لندفع الرياء وننوي الإقتداء لنأخذ الأجر}، قال ولا ينبغي للضعيف أن يخدع نفسه بذلك، ومثل الذي يظهره وهو ضعيف كمثل إنسان سباحته ضعيفة فنظر إلى جماعة من الغرقى فرحمهم فأقبل إليهم فتشبثوا به وغرقوا جميعاً.
المسألة فيها تفصيل:
- الأعمال التي من السنة أن يكون عملها سرّاً يسرّ.
- الأعمال التي من السنة أن يظهرها يظهرها.
- الأعمال التي من الممكن أن يسرها أو يظهرها، فإن كان قوياً يتحمل مدح الناس وذمهم فإنه يظهرها وإن كان لا يقوى فيخفي، فإذا قويت نفسه فلا بأس في الإظهار لأن الترغيب في الإظهار خير.
ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يظهرون بعض أعمالهم الشريفة ليقتدى بهم كما قال بعضهم لأهله حين الاحتضار (( لا تبكوا علي فإني ما لفظت سيئة منذ أسلمت)).
قال أبو بكر بن عياش لولده (( يا بني إياك أن تعصي الله في هذه الغرفة فإني ختمت القرآن فيها اثنتا عشرة ألف ختمة)) من أجل موعظة الولد، فمن الممكن أن يظهر المرء أشياء لأناس معينين مع بقاء الإخلاص في عمله لقصد صالح.
2- ترك العمل خوف الرياء، وهذا منزلق كشفه الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما. قال النووي: من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مرائي" لأنه ترك لأجل الناس" لكن لو ترك العمل ليفعله في الخفاء. فمن ترك العمل بالكلية وقع في الرياء، وكذلك من كان يستحب في حقه إظهار العمل فليظهره كأن يكون عاملاً يقتدى به أو أن العمل الذي يعمله المشروع فيه الإظهار.
3- أن من دعا إلى كتم جميع الأعمال الصالحة من جميع الناس ؛ هذا إنسان خبيث وقصده إماتة الإسلام، لذلك المنافقون إذا رؤوا أمر خير وسموه بالرياء، فهدفهم تخريب نوايا المسلمين وأن لا يظهر في المجتمع عمل صالح، فهؤلاء ينكرون على أهل الدين والخير إذا رؤوا أمراً مشروعاً مظهراً خصوصاً إذا أظهر عمل خير معرض للأذى فيظهره احتسابا لإظهار الخير فيستهدفه هؤلاء المنافقون فليصبر على إظهاره ما دام لله ، قال تعالى: (( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم)).
ينبغي أن نفرق بين الرياء ومطلق التشريك في العمل، فمتى يبطل العمل ؟ إذا حصل تشريك فيه ، ومتى يأثم ؟ ومتى لا يأثم؟
1- أن يعمل لله ولا يلتفت إلى شيء آخر ( أعلى المراتب).
2- أن يعمل لله ويلتفت إلى أمر يجوز الالتفات إليه ، مثل رجل صام مع نية الصيام لله أراد حفظ صحته، ورجل نوى الحج والتجارة، ورجل جاهد ونظر إلى مغانم، ورجل مشى إلى المسجد وقصد الرياضة، ورجل حضر الجماعة لإثبات عدالته وأن لا يتهم، فهذا لا يبطل الأعمال ولكن ينقص من أجرهاـ والأفضل أن لا تكون موجودة ولا مشركة في العمل ولا داخلة فيه أصلاً.
3- أن يلتفت إلى أمر لا يجوز الالتفات إليه من الرياء والسمعة وحمد الناس طلباً للثناء ونحو ذلك:
أ - إذا كان في أصل العمل فإنه يبطله كأن يصلي الرجل لأجل الناس.
ب - أن يعرض له خاطر الرياء أثناء العمل فيدافعه ويجاهده، فعمله صحيح وله أجر على جهاده.
جـ - أن يطرأ عليه الرياء أثناء العمل ولا يدافعه و يستمر معه وهذا يبطل العمل.
4- أن يكون عمله الصالح للدنيا فقط، فيصوم لأجل الحمية والرجيم ولا يطلب الأجر، ويحج للتجارة فقط، ويخرج زكاة أموال لتنمو، ويخرج للجهاد للغنيمة ، فهؤلاء أعمالهم باطلة (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما يشاء لمن يريد ثم جعلنا له جهنم))، (( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها)).
5- أن يكون عمله رياءً محضاً، وبالرياء يحبط العمل بل ويأثم به الإنسان، لأن هناك أشياء تبطل العمل ولا يأثم صاحبها كخروج ريح أثناء الصلاة، ومن الناس من يرائي في الفتوى للأغنياء والوجهاء وقد يكون لضعفه أمامهم ، فقال بعض السلف: (( إذا رأيت العالم على أبواب الغنى والسلطان فاعلم أنه لص)) ، أما الذي يذهب لقصد الإنكار والخير فلهو ما نوى.(/5)
ماذا تعرف عن الحركة السنوسية ()؟
د.خالد الأحمد *
مازلت أذكر عندما كنت مدرساً للفلسفة ، في منطقة يتغلب فيها الفكر الماركسي يومذاك ، وكان عليّ أن أقرأ كل ماكتبه الأستاذ روجيه جارودي ، رئيس المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي يومذاك ، وقد انشق عن الماركسية اللينينية السوفياتية ، وشق طريق الاشتراكية القومية ، ولا أنس أن أشكر وزارة الثقافة والارشاد القومي السورية ( البعثية ) يومذاك التي ترجمت كل ماكتبه الجارودي ، للقارئ العربي لأن حزب البعث كان يقف في صف الاشتراكية العربية وليس الماركسية اللينينية ، كنت تواقاً بشغف الشاب لقراءة ذلك الفكر كي أصارع الفكر الماركسي اللينيني القوي في تلك المنطقة ، وللتاريخ أقول أن ( الطلاب البعثيين العلويين ) وقفوا معي في صراعي ضد الماركسية يومذاك ... وتوقفت كثيراً عند جملة قالها الجارودي ، وكنت أكررها يومياً تقريبا ً وهي :
يقول الجارودي [ كان كارل ماركس واقعاً تحت تأثير ( فيورباخ ) الألماني الملحد ، عندما قال كلمته المشهورة : الدين أفيون الشعوب ، ولو عرف كارل ماركس الإسلام لقال إنه ثورة عالمية ] ...
ومن هذا المنطلق أريد أن أذكر بعض الأمثلة من التاريخ تبين أن الإسلام ثورة إنسانية عالمية ، ثورة ضد الظلم والاستبداد واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان ... وسأبدأ بالحركة السنوسية .
مؤسس الحركة :
ولد محمد بن السنوسي المجاهدي الحسني الإدريسي حوالي عام (1800م) قرب مستغانم في الجزائر ، وينتسب إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، درس في القرويين ، ثم حج واستقر في مكة ، وأسس أول زاوية لحركته في جبل أبي قبيس بمكة المكرمة () .
ثم عاد إلى ليبيا بسبب احتلال الجزائر من قبل فرنسا ، فأسس الزاوية البيضاء بالقرب من (درنة ) في الجبل الأخضر ، ثم نقل مركزه إلى واحة ( الجغبوب ) جنوب صحراء ليبيا ، وتوفي يرحمه الله ( 1859) ، وخلفه ابنه ( سنوسي المهدي ) الذي نقل مركز ه إلى واجة الجوف ( الكفرة ) في جنوب ليبيا ، وتوفي عام (1902م) . وخلفه ابن أخيه أحمد الشريف الذي عرف باسم (السيد السنوسي ) الذي اشتهر في حربه ضد الطليان ، وأقام في استانبول ، ثم توفي في المدينة المنورة عام (1933م ) يرحمه الله .
وفي عهده امتدت الزوايا السنوسية في شمال إفريقيا حتى غدت على مدى ثمانين عاماً عاملاً كبيراً في تيار الحركة الإسلامية ، وبات لها أتباع في كل قطر إسلامي ، حتى كان لها (12) زاوية في الحجاز ، ووصل عدد الزوايا في ليبيا والسودان وحولهما إلى (130) زاوية ().
الزواية :
هي مؤسسة دعوية إسلامية ، يديرها (مقدم ) يتولى أمور القبيلة ، لأن الزاوية غالباً توجد في قبيلة معينة ، ويلي المقدم (وكيل ) الدخل والخراج والزراعة والمال ، ثم ( إمام ) الصلاة ، وهو أيضاً معلم الصبيان ، يعلمهم القراءة والكتابة بعد أن يتعلموا القرآن الكريم ، في المسجد ، أو ملحقاته ...
وكل فرد في القبيلة يتبرع بعمل يوم في أرض الزاوية ( حراثة ، حصاد ، دراس ، ....) . وكانت الزاوية وحدة متكاملة مهمتها الأولى التربية وإعداد الدعاة ، ثم إرسالهم للعالم الإسلامي ينشرون الدعوة الإسلامية ، وتكفي الزاوية طلابها في معيشتهم ، ومعيشة كل من يقطنها معهم ، كما أن الزاوية معدة ومدربة للدفاع عن نفسها ضد العدو() .
كانت الزاوية مركزاً للجهاد ، ومركزاً للحياة الروحية ، وفي الوقت نفسه كانت مركزاً للحياة الزراعية والتجارية والسياسية والادارية والقضائية ، وتتألف من مجموعة أبنية كالمسجد والمدرسة والمضافة ، تحيط بها مزرعة يعمل فيها ألأتباع في الزراعة ، كما يعملون في التجارة ، ويستقبلون الضيوف ... وكان للزاوية تنظيم عسكري ، إذ غالباً مايختار مكانها في موقع حصين ، عند ملتقى طرق ، لتأمين الغايتين الحربية والتجارية ، وكان أفرادها مسلحين ، منظمين تنظيماً عسكرياً ، فلما اسحبت الدولة العثمانية من ليبيا ، دعا السنوسيون إلى تأليف حكومة وطنية ، أذت على عاتقها الدفاع عن ليبيا ضد الايطاليين .
وتغلغلت الحركة السنوسية في إقريقيا مبشرة بالإسلام بين الوثنيين ، ويقول شكيب أرسلان أن مجموع زواياها بلغ (300) زاوية .
وتمتاز الحركة السنوسية بأنها أرادت النهوض بالمسلمين والعودة بهم إلى أصول الإسلام الأولى ( الكتاب والسنة ) ، كما كان صحابة رسول الله () .
وتتميز بعداوتها الشديدة للأوربيين ، وقادت المسلمين في ليبيا مدة عشرين سنة ضد الطليان الذين احتلوا ليبيا ، وقتلت من الطليان مائة وخمسين ألف عسكري ، عدا الجرحى ، ومن ألمع قادة السنوسيين البطل ( عمر المختار ) يرحمه الله .
كانت الحركة السنوسية تهدف إلى بعث فكرة الجامعة الإسلامية ، وإعادة الخلافة ، بالإضافة إلى اهتمامها بالتربية الإسلامية الشاملة ، وفهمها الشامل وغير المجزئ للإسلام .(/1)
وتمتاز الحركة السنوسية بتأثرها بالحركة السلفية ، ومحاربة البدع والخرافات التي فشت بين المسلمين في إفريقيا . وأوجب السنوسيون على أنفسهم الامتناع عن شرب القهوة والتدخين ، والتضرع للأولياء ، وزيارة القبور ... ويستعين السنوسيون على نجاح دعوتهم بفتح المدارس ، وقد اشتروا عبيداً أفارقة ، ثم علموهم الإسلام في واحة ( الجغبوب ) ثم أعتقوهم وأعادوهم إلى أوطانهم ليبشروا بالإسلام بين إخوانهم() .
فهمهم الشامل للإسلام :
يقول شكيب أرسلان : ( لقد كان السيد المهدي رحمه الله يهدي هدي الصحابة والتابعين ، ولايقتنع بالعبادة دون العمل ، ويعلم أن أحكام القرآن محتاجة إلى السلطان ، فكان يحث مريديه دائماً على الفروسية والرماية ، ويعلمهم فضيلة الجهاد ، وقد أثبتت حربهم مع إيطاليا أن لديهم قوة مادية تضارع الدول الكبرى ، وكان عند المهدي خمسون بندقية خاصة به ، يتعهدها بالتنظيف والصيانة بيده ، وكان نهار الجمعة خاصاً بالتمرينات الحربية من طراد ورماية ، أما يوم الخميس فكان مخصصاً للعمل اليدوي ، فيتركون الدروس كلها ويشتغلون بأنواع المهن من : بناء ونجارة وحدادة ، ونسيج ، وصحافة ... وغير ذلك ... فلاتجد منهم ذلك اليوم إلا عاملاً بيده ، حتى السيد المهدي ، وكان يهتم بالزراعة والغرس ، وكان لكل زاوية بستان كبير حولها ، كما في الكفرة والجغبوب ().
أمثلة على شجاعة السنوسيين في مقاومة إيطاليا :
1- معركة الفويهات :
حيث دخل (200) مجاهد بين خطين للطليان ، فأحاط الطليان بالمجاهدين ، ولم يستطع المجاهدون الآخرون نصرة إخوانهم ، بسبب القذف المدفعي من البر والبحر . لذلك قاتل المجاهدون حتى الظلام ، حيث تمكن (80) منهم فقط من النجاة ، واستشهد (120) يرحمهم الله تعالى ، أما الطليان فقد خسروا (1500) جندي منهم (28) ضابطاً ، أحدهم برتبة (جنرال ) ، كما أصيب بالجنون عدة ضباط لهول ما رأوا .
2- معركة مرسي مطروح :
سار السنوسي ب (4000) مجاهد ودخلوا مرسي مطروح لمحاربة الانجليز بناء على طلب العثمانيين ...ووقعت معركة ( بئر تونس ) مع (30000) جندي انجليزي معهم عدد كبير من المدافع ، وانتصر السيد السنوسي ، وتراجع من هناك إلى الجغبوب ، بعد أن هرب العثمانيون الذين كانوا معه ...
3- معركة القرضابية :
في عام (1915م) انهزم فيها الطليان شرهزيمة ، عندما وقف (1500) مجاهد سنوسي أمام (12000) جندي ايطالي ، ولم ينج من الطليان سوى (500) فروا على وجوههم إلى جهة البحر ، وغنم السنوسيون جميع عتادهم واسترجعوا بر طرابلس حتى (1923)().
4- عمر المختار يرحمه الله :
كان شيخاً على زاوية القصور في الجبل الأخضر ، وبعد احتلال ليبيا من قبل الطليان وتخلي العثمانيين عنها ، بسبب انشغالهم في البلقان ، وانتهت مقاومة الأدراسة ، عندئذ تولى عمر المختار قيادة المجاهدين السنوسيين في الجبل الأخضر ، وصار القائد العام للمجاهدين السنوسيين في ليبيا ().
وقف عمر المختار في وجه الفاشست بقيادة موسوليني الذي عمل جاهداً على انقراض الإسلام من ليبيا ، وقرروا أن ليبيا أرض إيطالية ، وقتلوا مئات الألوف من المسلمين ، كما أجلوا ثمانين ألفاً من القبائل العربية عن الجبل الأخضر إلى صحراء ( سرت ) الجدباء فمات منهم خلق كثير جوعاً وعطشاً ، ثم جندت الرجال من سن البلوغ إلى الخامسة والأربعين وساقتهم إلى الجيش ، وجمعت الأحداث ( 4 12) وأرسلتهم قهراً إلى إيطاليا لتنصيرهم () ...
مجازر الطليان الوحشية :
كانت ايطاليا تحمل حقداً صليبياً في احتلالها لليبيا ، فلقد كان النشيد الذي ردده الجيش الايطالي الذي غزا ليبيا عام (1911) يقول :
( أمي أتمي صلاتك ولاتبك ، بل اضحكي وتأملي ، ألا تعلمين أن ايطاليا تدعوني ، ,انا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسروراً لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ، ولأحارب الديانة الإسلامية ، سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن . وإن لم أرجع فلا تبك على ولدك . وإن سألك أخي عن عدم حزنك عليّ فأجيبيه أنه مات في محاربة الإسلام ) ().
واشتهر الطليان بالمجازر الوحشية أينما حلوا ، وعندما احتلوا الكفرة استباحوا قراها ثلاثة أيام ، وقتلوا أئمة المساجد والعلماء والشيوخ ، واعتدوا على أعراض النساء ، واستباحوا زاوية ( التاج ) في ( درنة ) وأراقوا الخمور فيها ، وداسوا المصاحف الشريفة بالأقدام ، وكانوا يكتبون على الجدران : ( ليأتي نبيكم البدوي محمد الذي أمركم بالجهاد وينقذكم من أيدينا ) .
وينقل مراسل الديلي تلغراف فيقول : ( في يوم 7/11/1911) قتل الطليان أربعة آلاف شخص من العرب في ليبيا بينهم (400) امرأة ... ()
ولكن عمر المختار وإخوانه صمموا على استمرار الجهاد ، حتى الوصول إلى الجنة ، لذلك قاد حرب عصابات ضد الطليان استمرت عشرين سنة ، في الجبل الأخضر ،
خاض خلالها ( 263) معركة ضدهم كما قال القائد الايطالي (غراسياني ) .(/2)
وقد جاوز عمر المختار الخمسين من عمره ، وبقي حتى جاوز السبعين يرحمه الله تعالى ، يقود المعارك على صهوة جواده ، من عام (1329ه) وحتى (1350 ه ) وكانت الغنائم التي يحصل عليها في المعارك هي الامدادات الوحيدة لجيشه .
وفي ربيع (1348ه ) عرض عليه الجبرال (بادوليو ) هدية قدرها مليون فرنك ، فرفضها البطل المجاهد وأجاب بأنه لي سمن طلاب الهدايا ...
وفي عام (1931م) الموافق (1350ه) كان البطل عمر المختار قد جاوز السبعين من العمر ، وامتطى جواده مع سرية من رجاله يستكشف مواقع العدو في ناحية (سلطنة ) بالجبل الخضر ، ومعه خمسون فارساً فقط ، فاجأتهم قوة ايطالية كبيرة وأحاطت بهم فقاتلوا قتال الأبطال ، حتى استشهد معظمهم ، وجرح البطل عمر المختار ، وقتل جواده ، وسقط على الأرض ، وأسر ، ثم أعدم يرحمه الله ()...
أمام جمهور كبير من الشعب الايطالي ، لبث الرعب والخوف في قلوب العرب المسلمين في ليبيا .
وهكذا انتهت مقاومة الحركة السنوسية ضد المستعمر الايطالي ، بعد أن كبدته ( مائة وخمسين ألف مقاتل إيطالي ) ، بالاضافة إلى أموال باهظة .. لم يكن الطليان يحسبون لها حساباً عندما احتلوا ليبيا ...
* كاتب سوري في المنفى
مقتطف من كتاب المسلمون والتربية العسكرية للباحث خالد الأحمد ، دار المطبوعات في جدة ، 1989 الموافق 1409 .
مسلم حمود الجهني ، أثر حركة محمد بن عبدالوهاب في العالم الاسلامي ، النادي الأدبي بالمدينة المنورة (1981) ص 50 .
شكيب ارسلان ، حاضر العالم الاسلامي ، دار الفكر ، ط4 ، 1973م ، ج2، ص 140 .
شكيب ارسلان ، ص 297 .
شوقي أبو خليل ، الاسلام وحركات التحرر العربية ، دار االفكر ، دمشق ، ط4 ، 1985 م . ص119
شوقي أبو خليل ، مرجع سابق ، ص 118
حسن ابراهيم حسن ، تاريخ الاسلام ، النهضة المصرية ، 1967م ، القاهرة ، ص 48 .
شكيب ارسلان ، ج2 ، ص 163
شكيب ارسلان ، مرجع سابق ، ج2 ، ص 148
خير الدين الزركلي ، الأعلام ، دار الملايين ، المجلد الخامس ، ص 66 .
شكيب ارسلان، ص67
شوقي أبو خليل ، مرجع سابق ، ص 119 .
شكيب ارسلان ، ص 76 .
شوقي أبو خليل ، الاسلام وحركات التحرر العربية ، دار الفكر ، ط4 ، 1985 م ، دمشق ، ص 125 .(/3)
ماذا تعرف عن تحديد النسل؟! د. ست البنات خالد*
من أولويات مهام برامج تنظيم الأسرة – هى نشر وسائل منع الحمل وجعلها فى متناول يد جميع من يحتاجها وحتى بعيداً عن الاشراف الطبى المسئول - وأصبحت حاليا تستخدم للتأكيد على الحرية في إقامة العلاقات الجنسية المحرمة، والتخلص من ثمرة هذه العلاقات المحرمة. ومن ذلك: إدراج هذه البرامج في المناهج الدراسية الاساسية للجنسين، وكذلك الإشارة إلى حق الأفراد (أي الزناة والزواني) في التمتع بالجنس الآمن والذى من أهم معوقاته حدوث الحمل غير المرغوب فيه والوقاية من الامراض التناسلية والايدز وحتى لا تضطر الفتيات للجوء الى الاجهاض و إذا حدث الحمل رغم عن الموانع تجئ المطالبة بتوفير خدمات الاجهاض الآمن .
إن القول بأن استخدام أساليب تنظيم الأسرة - ومنه تأخير الحمل – يسهم في اتقاء وفيات صغيرات السن، يعتبر قولاً مردوداً، كما تبين ذلك من أقوال وبحوث بعض العلماء والأطباء , حيث أثبت هؤلاء أن مشاكل الإنجاب في سن مبكرة أقل من مشاكل الإنجاب في سن متأخرة.
أشارت لمؤتمرات المرأة والصحة الإنجابية إلى أن هناك آثاراً سيئة لاستخدام وسائل منع الحمل، لكنها لم تشر إلى هذه الوسائل، ولم تذكر أضرارها.
بعض هذه الوسائل وأضرارها الناتجة من جراء استعمالها:
أ – طريقة المحاليل: وهي عبارة عن محاليل خاصة تستعملها النساء - قبل الجماع وبعده –؛ لقتل الحيوانات المنوية، ومن المعروف طبياً أن هذه المواد كاوية، ولها تأثير سيئ على الغشاء المخاطي المبطن للمهبل، فتحدث فيه تقرحات سطحية والتهابات قد يمتد أثرها فتصيب الجهاز التناسلي كله، وقد يؤدي ذلك إلى العقم.
وهناك حالة نفسية جديرة بالاعتبار، وهي شعور الزوجين بأنهما مقدمين على عمل خطر ذي ضرر لهما، فهما يستعدان له بوسائل الحيطة والحذر. كما أن هذه العملية تعطي الجماع مظهر الشهوة البهيمية المجردة من العاطفة .
ب – طريقة اللبوسات (التحاميل): وهي عناصر طبية سامة موضوعة في زبدة الكاكاو؛ لتحفظها في شكل قمع يوضع في المهبل قبل المباشرة، فتتأثر زبدة الكاكاو بالحرارة الداخلية فتذوب، فيؤثر ما فيها من المواد على الحيوانات المنوية فتقتلها. أو تستخدم على هيئة كريم أو مرهم، أو غشاء رقيق، أو تحاميل.
وتعد هذه الطريقة من أقبح الطرق؛ لأنها تلهب عنق الرحم – كالطريقة السابقة -، وتحدث لزوجة تثير اشمئزاز الزوج، وتقلل من الشعور بلذة الجماع، كما أن فيها عين التأثير النفسي السيئ السابق الذكر .
ج – طريقة سد عنق الرحم: وقد تستعمل المرأة أدوات مختلفة لسد عنق الرحم؛ ومنع دخول الحيوانات المنوية إليه، كاللولب، والسداد، والكبوت، وغيرها من الأدوات.
وجميع هذه الطرق ذات أضرار عظيمة الخطر، إذ تحدث في عنق الرحم التهابات شديدة الضرر، كثيراً ما تكون سبباً في إصابته بالسرطان، وتؤثر كذلك في عضلات الرحم فتحدث فيه تشنجاً يؤدي إلى قفله، أو ارتخائه، وكثيراً ما ينجم عن ذلك العقم.
وتقدر الوفيات بعشرين امرأة من كل مليون يستخدمن اللولب.
د - طريقة كبوت الرجل: والكبوت ( أو الكبود) الذي يستعمله الرجل، كالسداد الذي تستعمله المرأة، يقلل حساسية الطرفين، ويمنع – بجانب ذلك – وصول السائل المنوي إلى جهاز المرأة، وقد ثبت أن المرأة يمتص جهازها من هذا السائل ما يهدئ أعصابها، ويريح نفسها، ثم إنه كثيراً ما يتمزق الكبوت ويحدث الحمل.
هـ – حبوب منع الحمل: وهي حبوب مركبة من مشتقات الأوستروجين والبروجستين. وهناك ما لا يقل عن سبعين مليون امرأة يستخدمن هذه الحبوب يومياً. وهناك مئات الملايين من النساء اللاتي استخدمن هذه الحبوب في مرحلة ما من حياتهن التناسلية.
ورغم مضي أكثر من ربع قرن على ظهور هذه الحبوب في الأسواق، والتغييرات الكبيرة التي حدثت في تركيبها منذ ذلك الحين، إلا أن المجلات الطبية تصدر كل يوم العديد من الأبحاث عن مخاطر هذه الحبوب على الصحة.
ومن أبرز أضرار هذه الحبوب: زيادة في الأمراض الجنسية التناسلية، وزيادة في الأمراض البولية، وزيادة في ارتفاع ضغط الدم، وزيادة الإصابة بأمراض الكبد والمرارة، وزيادة حدوث الكآبة، والقلق، والأمراض النفسية، وزيادة حدوث البول السكري، وزيادة في حدوث ارتفاع في دهنيات الدم، وزيادة في الوزن، وسقوط الشعر، وتوقف الطمث، وزيادة في حدوث سرطان عنق الرحم، وزيادة في حدوث سرطان الثدي، كما يصحب استعمال هذه الحبوب غثيان، ودوخة، وآلام عامة لدى بعض النساء، وكذلك آلام في المعدة والجهاز الهضمي، وأخيراً فقدان الرغبة الجنسية .
هـ – طريقة الإنزال خارج الرحم (العزل) : وهذه طريقة معروفة منذ القدم، وهي من أشد الطرق ضرراً – كذلك – إذ إنها كطريقة الكبوت، وتزيد في كونها تكبد الرجل جهداً عضلياً وعصبياً شديداً، وتحرم المرأة من الحصول على اللذة. كما أن الرجل يصعب عليه الإخراج قبل الإنزال.(/1)
و – طريقة مد الرضاعة: وبعض النساء يحسبن أن الحمل لا يأتي أثناءها، وهي طريقة لا يمكن الاعتماد عليها.
ز – طريقة الإجهاض الجنائي ( أي بدون مبرر طبي، للتخلص من الجنين ): والسموم التي تستعمل للإجهاض بالغة الضرر، وقد تسبب الوفاة بعد قيء، وإسهال، وآلام مبرحة في البطن، يعقبها نزيف رحمي .
ح – طريقة الخصي والتعقيم: والطريقة التي تضمن عدم الحمل هي خصي الرجل أو تعقيم المرأة، وهذه عملية لا يرضى بها رجل مسلم أو امرأة مسلمة، فخصي الرجل يسبب له شذوذاً عضوياً، وكذلك خصيه في طفولته، فلا ينمو شعر بدنه أو لحيته، ويرق صوته، ويشذ قوامه عن قوام الرجال . وقد ذكر الله تعالى أن عملية الخصي هذه من وحي الشيطان، فقال سبحانه على لسان الشيطان: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } .
كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخصاء، { فَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا} رواه البخاري ومسلم واللفظ له .
وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي. بمنع التعقيم إذا لم تدع إلى ذلك ضرورة، ونص القرار:
(( يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية)).
إن هذه المؤتمرات تعتبر زيادة السكان – خاصة في البلدان النامية – تؤثر بصورة ضارة على صحة الأفراد والأسر، وتشكل عائقاً خطيراً أمام التقدم الاجتماعي والاقتصادي في كثير من البلدان.
ومناقشة هذه الدعوى والرد عليها يطول , ولكن يمكن تلخيص هذا الرد بالأمور التالية:
أ – إن هذه الدعوى تعتبر تلخيصاً لنظرية القسيس والعالم الاقتصادي الإنجليزي ((مالتوس)) حينما نشر أفكاره في (1798م))؛ في مجلة تحت عنوان [ تزايد السكان وتأثيره في تقدم المجتمع في المستقبل ]، وملخص نظريته: أن زيادة السكان تتم بنسبة متوالية هندسية (1،2،،4،8) في حين أن زيادة الغذاء تتم بنسبة متوالية حسابية (1،2،3،4). وإذا استمر النسل بصورته الفطرية فسيأتي يوم تضيق الأرض بمن عليها من البشر، وعندها لا تعود وسائل الرزق ومصادره تكفي لسد حاجات البشر، فتعيش في ضنك وضيق. وعلى هذا الأساس دعا مالتوس إلى الحد من النسل، وإيجاد الطرق الكفيلة بذلك، من أجل تنظيم عملية الإنجاب، بحيث تتماشى زيادة السكان مع إمكانات العيش ووسائله المتاحة؛ وذلك حفاظاً على الرفاه المادي والاقتصادي، ويتم هذا الأمر عن طريقين:
- ألا يتزوج الأفراد إلا بعد أن يتقدم بهم السن.
- أن يحاولوا التغلب على أهواء النفس من نزواتها في الحياة الزوجية إذا تزوجا.
ب – إن أفكار (مالتوس) قد لقيت تجاوباً وصدىً في أوربا لعوامل، منها:
- الثورة الصناعية وما صاحبها من هجرة السكان إلى المدن، ومن غلاء الأسعار، وصراع على لقمة العيش؛ مما حدا بالفرد – في تلك الحياة المادية – أن يكرس اهتمامه في إنفاق ما يكسبه على نفسه فقط، وأن يقلل عدد الشركاء فيه.
- خروج المرأة للعمل لكسب عيشها - بعد أن تخلى الرجل عن هذه المهمة - وهذا الأمر دفعها لترك وظيفتها الفطرية في إنجاب الأولاد؛ لعدم تفرغها لهم.
- الاختلاط بين الجنسين في العمل وغيره، جعل المرأة تزدري وظيفة الأمومة، وتوجه جل اهتمامها إلى العناية بقوامها ومظهرها الذي ترى في الإنجاب ما يشينه ويسيء إليه.
- الفلسفات المادية والمناهج الإلحادية التي لا تؤمن إلا بما في الحوزة من المال، وتنكر وجود إله تكفل برزق كل مخلوق .
ج – مع مرور الزمن وتعاقب تجارب الأمم والدول، ثبت بطلان هذه النظرية وما دعا إليه أصحابها، بل ثبت خلاف ما تدعو إليه هذه النظرية، فقد تضاعف سكان أوربا منذ أن أقدم (مالتوس) على نظريته عدة مرات، ومع ذلك لم تصب إنكلترا، ولا أوربا، ولا الولايات المتحدة بالمسغبة والمجاعات التي كان ينذر بها (مالتوس). بل على العكس من ذلك زاد الإنتاج زيادة رهيبة، حتى إن الفائض من الطعام في أوربا والولايات المتحدة بلغ جبالاً من القمح والجبن واللحم، وأنهاراً من اللبن والزبد. ومن أجل ذلك، قامت حكومات هذه الدول بحرق الفائض أو رميه في البحر؛ حتى لا ينخفض السعر في السوق العالمي!!!.
ولأجل ما سبق، أصبحت كثير من الدول تدعو إلى زيادة النسل والإنجاب وتحث عليه، وتزيل الأسباب التي تعوق ذلك.
فهذه إيطاليا تصدر قانوناً ضد منع الحمل المراقب، فقد صدرت رسالة بابوية عام (1968م) تمنع ذلك. وهذه إسبانيا تحظر بيع وسائل منع الحمل. وهذه ألمانيا تحذر من انقراض الألمان في القرن القادم – أي القرن الحالي-، إن لم يحصل توازن بزيادة عدد المواليد.(/2)
وهذا الرئيس اليوناني يحض على إنجاب المزيد من الأبناء؛ لإقامة قوات مسلحة ضخمة لمواجهة القوات التركية وتهديداتها .وهذه زوجة رئيس فرنسا اختارت الأمهات المثاليات – على مستوى الدولة – من اللواتي أنجبن نحو ثلاثة عشر مولوداً .
د – بعد ما تبين خطأ الدعوة - المالتوسية - إلى تحديد النسل، وموقف الدول – السابقة الذكر – من هذه النظرية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تُرَوّج دعوى تحديد النسل من قبل الدول الغربية ومن يسير في فلكها - من خلال هذه المؤتمرات وغيرها من الآليات – في أوساط الدول الإسلامية والعربية، وتقدم المعونات المالية – التي تصل إلى بلايين الدولارات -، والطبية، والمادية، والفنية؛ من أجل تنفيذ برامج تحديد النسل، والدعوة إلى انتشار هذه الوسائل، وجعلها أكثر أمناً، وأرخص ثمناً، وتيسير الوصول إليها من قبل العملاء في هذه الدول؟؟!!.
إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في تصاريح أعداء المسلمين:
فقد عمل (ديستان) الرئيس الفرنسي السابق مقارنة هادفة بين سكان فرنسا، وسكان الجزائر والمغرب، فقال: (( سنة (1960م) مقابل 52 مليون ساكن في فرنسا، كان سكان الجزائر 10ملايين، والمغرب 11,6مليون. أي في المجموع أقل من سكان فرنسا!. وفي عام (1990م) تعداد الجزائر 25,4مليون ساكن، والمغرب 25,1مليون، أي في مجموع فرنسا!!. وفي عام (2025م) يكون في الجزائر 50 مليون ساكن، وفي المغرب أكثر من 45 مليون، أي ما يعادل فرنسا مرتين!!، وحسبما أوضح لي علماء السكان، فإن شعوب المغرب العربي بتجاوزها 110ملايين نسمة، تفوق قدرة استيعاب أرضها ومواردها.
وهذا الكلام السابق ناضح بمدى تخوف الإدارة الفرنسية من النمو السكاني الإسلامي على الشاطئ الآخر للبحر المتوسط؛ خشية أن يتمدد المسلمون نحو أوربا!!.
وهذا التخوف كفيل بأن يجعل الغرب الصليبي كله يحسب ألف حساب للنمو السكاني الإسلامي، فيقدم كل ما يستطيع من فكرة وطريقة وأموال للحد من ذلك النمو كماً وكيفاً، بحجة قلة الموارد، وعدم استيعاب الأرض لهذه الأعداد من المسلمين.
كما جاء في إحدى النشرات الأمريكية:
(( إن الدعوة إلى تحديد النسل في مصر وسوريا تخدم التوسع الصهيوني في إسرائيل، وفي الوقت الذي تبدي فيه الأمم المتحدة قلقها من زيادة السكان في الدول النامية، فإنها تدق أجراس الخطر منادية باتخاذ إجراءات لزيادة السكان في الدول الصناعية؛ لأنها تواجه خطر الانقراض ))
وأخيراً فهذا ((ميك كارل)) يوضح حقيقة الأمر بجلاء، فيقول: (( إن أهل الشرق سوف لا يلبثون إلا قليلاً حتى يطلعوا على حقيقة هذا الدجل – أي الدعوة إلى تحديد النسل -، ثم لا يغتفرونه لأهل الغرب؛ لأنه استعمار من نوع جديد يهدف إلى دفع الأمم غير المتقدمة – ولا سيما الأمم السوداء -، إلى مزيد من الذل والخسف؛ حتى تتمكن الأمم البيضاء من الاحتفاظ بسيادتها )) .
ومن خلال هذه التصريحات من الغربيين أنفسهم ندرك لماذا تصدر إلى الشرق الإسلامي دعاوى تحديد النسل – أو ما يسمونه تضليلاً تنظيم النسل -، بينما يشاع في أوساط الغربيين الدعوة إلى زيادة النسل وتشجيعه بكافة الوسائل الممكنة.
وهذا المفكر الإسلامي (( محمد إقبال)) يبين خطر تصدير دعاوى تحديد النسل إلى المسلمين من الغرب النصراني، فيقول: (( وكل ما هو واقع اليوم - أو هو على وشك الوقوع في الغد القريب – في بلادنا، إن هو إلا من آثار دعاية أوربا. هناك سيل عرم من الكتب والوسائل الأخرى قد انجرف في بلادنا لدعوة الناس إلى خطة منع الحمل، وتشويقهم إلى قبول حركتها. على حين أن أهل الغرب في بلادهم أنفسهم يتابعون الجهود الفنية لرفع نسبة المواليد وزيادة عدد السكان. ومن أهم أسباب هذه الحركة عندي، أن عدد السكان في أوربا في تدهور شديد وتناقص مطرد، بناء على الظروف التي ما أوجدتها أوربا إلا بنفسها، وقد استعصى عليها اليوم أن توجد لها حلاً مرضياً، وإن عدد السكان في بلاد الشرق – على العكس من هذا – في زيادة مطردة، فهذا ما ترى فيه أوربا خطراً مخيفاً على كيانها السياسي)).(/3)
ماذا تعرف عن صلاة الإستخارة ؟؟؟
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما , قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الإستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن ؛ يقول : (( إذا همٌ أحدكم بالأمر , فاليركع ركعتين من الفريضة ثم ليقل :
اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك , وأسألك من فضلك العظيم , فأنك تقدر ولاأقدر وتعلم ولاأعلم ,وانت علام الغيوب , اللهم إن كنت تعلم أن هذاالأمر (ويسمي حاجته) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري _ أوقال :عاجل أمري وآجله_فاقدره لي , ويسره لي ,ثم بارك لي فيه , وان كنت تعلم أن هذا الأمر ( ويسمي حاجته ) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري _ أو قال: عاجل أمري وآجله _ فاصرفه عني , وصرفني عنه ,وقدر لي الخير حيث كان , ثم أرضني به))
* أخرجه البخاري حديث صحيح
وفي الحديث فوائد :
الأولى : فيه مشروعية صلاة الأستخارة , وفيه مايشعر بوجهها .
الثانية : أن الأستخارة تشرع في أي أمر , سواء كان عظيماً مهماً ام حقيراً قال النووي : الاستخارة مستحبة في جميع الامور, كما صرح به نص هذا الحديث الصحيح . وظاهر أن فعل الواجبات وترك المحرمات وفعل المستحبات وترك المكروهات لا إستخارة من جهتها .وتدخل الاستخارة في الواجب والمستحب المخير , وفي ماكان زمنه موسعاً.
قال ابن حجر : ويتناول العموم العظيم من الامور والحقير , فرب حقير يترتب عليه الامر العظيم .
الثالثة : صلاة الاستخارة ركعتين من غير الفريضة .قال النووي : } والظاهر انها تحصل بركعتين السنن الرواتب , وبتحية المسجد , وغيرها من النوافل {
الرابعة : أن الاستخارة لا تكون في حال تردد , لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا همٌ أحدكم بالأمر )) ولأن الدعاء جميعه يدل على ذلك . فإذا كان المسلم متردداً في امرين , وأراد الاستخارة , عليه أن يختار منهما أمراً ويستخير عليه ثم بعد الأستخارة يمضي فيه , فإن كان خيرا يسره الله له وبارك له فيه , وإن كان غير ذلك صرفه عنه ,ويسر له مافيه الخير بإذنه تعالى .
الخامسة : لا يتعين في الركعتين قراءة سورة او أيات معينة بعد الفاتحة .
السادسة : إن الخيرة في الأمر تظهر بتيسير الامر والبركة فيه , وإلا ، صرف المستخير عنه ، ويُسر له الخير حيث كان .
السابعة : أن المسلم إذا صلى الإستخارة , مضى لما عزم عليه سواء انشرح صدره ام لا..
قال ابن الزملكاني : { اذا صلى الانسان ركعتي الاستخارة لأمر , فاليفعل بعدها مابدا له , سواء اتشرحت نفسه له أم لا
,فإن فيه الخير , وان لم تنشرح له نفسه } قال : { وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس {
الثامنة : محل الدعاء _ دعاء الاستخارة _ يكون بعد السلام(/1)
ماذا تفعل في الحالات التالية
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد فإن المسلم يتعرض في حياته لعدد من الحالات الطارئة ، التي يحتاج فيها لوجود جواب فوري يعمل بمقتضاه عند حصول الحالة المعينة ، وكثيراً ما يصعب أو يتعذر وقتها البحث عن الحكم الشرعي أو السؤال عنه .
وهذا يؤكد أهمية التفقه في الدين ومعرفة أحكام الشريعة حتى إذا ما احتاج المسلم للحكم وجده عنده فأنقذ نفسه أو غيره من إخوانه المسلمين من الوقوع في المحرمات أو الأخطاء، وكثيراً ما يؤدي الجهل إلى فساد العبادة أو الوقوع في الحرج ، ومن المؤسف أن يقوم إمام إلى الخامسة سهواً في صلاته بالجماعة فلا تجد في المسجد واحداً يعرف الحكم الشرعي في هذه المسألة ، أو يأتي مسافر وقت إقلاع الطائرة وهو ينوي العمرة ويكتشف فجأة أنه قد نسي لباس الإحرام ، وليس هناك وقت لتوفيره ثم لا يوجد في المطار من المسلمين من يخبره بماذا يفعل في هذه الحالة الطارئة ، ويدخل شخص المسجد وقد جمعوا للمطر وهم في صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب فيقع في حيرة من أمره ، وقل مثل ذلك من الحالات التي يختلف المصلون فيها ويتناقشون بجهلهم ، فيقع الاضطراب والتشويش في مساجد المسلمين وجماعتهم ، وفي كثير من الأمور الشخصية والفردية ، فإن الجهل يوقع في الحرج وربما الإثم وخصوصاً إذا كان المرء في موقف يجب عليه فيه أن يتخذ قراراً وليس عنده علم يبني عليه قراراه .
وإذا كان أهل الدنيا يضعون الإجابات المسبقة للتصرف السليم في الحالات الطارئة ؛ كحصول الحريق ، وانتشال الغريق ، ولدغة العقرب ، وحوادث الاصطدام ، والنزيف والكسور ، وسائر إجراءاتهم في الإسعافات الأولية وغيرها ، يعلمون ذلك للناس ويقيمون الدورات لأجل ذلك ، فأهل الآخرة أولى أن يتعلموا ويعلموا أحكام هذا الدين .
ومما ينبغي الانتباه له هنا التفريق بين المسائل الافتراضية التي لا تقع أو نادرة الوقوع وبين المسائل الواقعة فعلاً ، التي علم من التجربة وحال الناس أنها تحدث ويقع السؤال عنها .
فأما القسم الأول : فالبحث فيه من التكلف الذي نهينا عنه شرعاً وقد حذرنا من هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، بقوله : ( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم …) الحديث في الصحيحين واللفظ لمسلم برقم 1337 ج : 2 ص : 975 .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث : ( فدلت هذه الأحاديث على النهي عن السؤال عما لا يحتاج إليه .. وعلى النهي عن السؤال على وجه التعنت والعبث والاستهزاء ) جامع العلوم والحكم ابن رجب 1/240 ت : الأرناؤوط .
وعلى هذا المعنى يحمل كلام جماعة من السلف كما جاء عن زيد بن ثابت ، رضي الله عنه ، أنه كان إذا سئل عن الشيء يقول كان هذا ؟ فإن قالوا لا قال : دعوه حتى يكون . أورده ابن رجب المرجع السابق 1/245 وانظر آثاراً مشابهة في سنن الدارمي 1/49 ، وجامع بيان العلم لابن عبد البر 2/174 .
أما القسم الثاني : وهي المسائل التي تقع فالسؤال عنها محمود ( وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يسألونه عن حكم حوادث قبل وقوعها لكن للعمل بها عند وقوعها كما قالوا له: إنّا لاقو العدو غداً وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟ وسألوه عن الأمراء الذين أخبر عنهم بعده وعن طاعتهم وقتالهم ، وسأله حذيفة عن الفتن وما يصنع فيها ) جامع العلوم والحكم 1/243 فهذا يدل على جواز السؤال عما هو متوقع حصوله .
وهذا عرض لبعض المسائل الشرعية التي يتعرض لها الناس في حياتهم ، وهي من المسائل الواقعية التي حصلت وتحصل لبعض الناس مع كل مسألة جوابها مقروناً بذكر المصدر من أهل العلم الثقات ، وقد يكون في المسألة أقوال لكن جرى الاقتصار في الغالب على قول واحد معتبر بدليله مع الإيجاز طلباً للتسهيل والاختصار خشية التطويل والله أسأل أن ينفعني بهذا وإخواني المسلمين في هذه الدار ويوم يقوم الأشهاد وأن يجزي بالخير من ساهم في هذا إنه جواد كريم والله أعلم وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أولاً : الطهارة
إذا وجد في أصابعه طلاء أثناء الوضوء فهل الاشتغال بحكه وإزالته يقطع الموالاة ويلزمه إعادة الوضوء ؟ .
الجواب : لا تنقطع الموالاة بذلك - على الراجح - ولو جفت أعضاؤه لأنه تأخر بعمل يتعلق بطهارته ، وكذلك لو انتقل من صنبور إلى صنبور لتحصيل الماء ونحو ذلك .
أما إذا فاتت الموالاة بأمر لا يتعلق بوضوئه ، كإزالة نجاسة من ثوب ، أو أكل أو شرب ونحوه ، ونشفت الأعضاء فحينئذ ينبغي عليه أن يعيد الوضوء . فتاوى ابن عثيمين 4/145-146 .
إذا كان الإنسان مجروحاً في أحد أعضاء الوضوء ولا يستطيع وضع لاصق فليتوضأ ثم يتيمم للعضو المجروح المغني مع الشرح الكبير 1/282 ، ولا يجب عليه غسل مكان الجرح مادام يتضرر بالماء .(/1)
إذا رأى في ثوبه أثر جنابة وقد صلّى عدة صلوات ولم يكن يدري فإن عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة من أحدث نومة نامها في هذا الثوب إلا إذا عرف أن الجنابة من نومة قبلها فيعيد الصلاة من آخر نومة يظن أن الجنابة حصلت فيها ، المغني مع الشرح الكبير 1/199 . والأدلة على وجوب الاغتسال من الجنابة لأجل الصلاة كثيرة منها قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) سورة النساء /43 . وحديث علي رضي الله عنه قال : كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو ذكر له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة فإذا فضحت الماء فاغتسل ) فضخت أي صببت والمقصود خروج المني ، رواه أبو داود رقم 206 وصححه الألباني في إرواء الغليل رقم 125 . فدل ذلك على أن المني يجب منه الغسل والمذي يكفي فيه غسل الفرج والوضوء .
إذا كان مسافراً بالطائرة في رحلة من الرحلات الطويلة فأصابته جنابة ، ولا يستطيع الاغتسال ، وليس في الطائرة شيء يجوز التيمم عليه ، ولو انتظر حتى يصل إلى البلد الآخر لخرج وقت الصلاة التي لا تجمع كالفجر أو وقت جمع الصلاتين كالظهر والعصر، لأنه قد يسافر قبل الفجر ولا يصل إلا بعد طلوع الشمس أو يسافر قبل الظهر فلا يصل إلا بعد المغرب فماذا يفعل ؟ .
الجواب : إذا سلمنا انه لا يستطيع الاغتسال في الطائرة فإن هذه المسألة تسمى عند الفقهاء بمسألة فاقد الطهورين ، وقد تباينت أقوالهم فيه ورأي الإمام أحمد وجمهور المحدثين أنه يصلي على حاله وهذه قدرته واستطاعته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، والدليل الخاص في هذه المسألة ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أناساً لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء ( لعدم وجود الماء ) فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم صحيح مسلم 367 . ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، ولا أمرهم بإعادة ، فدل على أنها واجبة ولأن الطهارة شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمها . المغني مع الشرح الكبير 1/251 . ومثل هذه الحالة قد تقع لبعض المرضى الذين لا يستطيعون تحريك أعضائهم مطلقاً أو السجناء في بعض الأوضاع كالمقيد والمعلّق .
والمقصود أن يؤدي الصلاة ولا يخرجها عن وقتها بحسب حاله ولا إعادة عليه على الصحيح وما جعل الله علينا في الدين من حرج .
إذا أسقطت المرأة ونزل عليها الدم فهل تصلي أم لا ؟ .
هذه المسألة مبنية على نوع الدم هل هو نفاس أو استحاضة وقد ذكر العلماء الضابط في ذلك فقالوا : " إذا رأت الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان فهو نفاس .. وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس " المغني مع الشرح الكبير 1/361 .
وفي هذه الحالة تكون مستحاضة تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلي ، أما إذا كان الذي سقط جنيناً متخلقاً أو فيه آثار لتخطيط أحد الأعضاء كيد أو رجل أو رأس فإنه نفاس، وإن قالت إنهم أخذوه في المستشفى فرموه ولم أره فقد ذكر أهل العلم أن أقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوماً من الحمل . مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 4/292 . بناء على ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - فقال : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكاً يؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وشقي أو سعيد .. ) هذا السياق في البخاري فتح 6/303 .
فمثل هذه تجتهد وتستعين بتقديرات الأطباء حتى يتبين لها حالها .
وأما الدم النازل قبيل الولادة إن كان مصحوباً بآلام الطلق فهو نفاس وإلا فلا . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ما تراه حين تشرع في الطلق فهو نفاس ، ومراده طلق يعقبه ولادة وإلا فليس بنفاس " . مجموع فتاوى ابن عثيمين 4/327 .
ثانياً : الصلاة
إذا تعرض المصلي لوسوسة الشيطان في صلاته يلبس عليه القراءة ويأتي له بالخواطر السيئة ويشككه في عدد الركعات فماذا يفعل ؟ .
لقد حصل هذا لأحد الصحابة وهو عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه ، فجاء يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ ؟ { أي يخلطها ويشككني فيها } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً ) ، قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . صحيح مسلم رقم 2203 .
فتضمن هذا الحديث أمرين لدفع شيطان الصلاة ، الأول : الاستعاذة بالله من شره فيتلفظ بها المصلي ولا حرج ، والثاني : التفل عن الشمال ثلاثاً وهو نفخ الهواء مع شيء من الريق بشرط أن لا يؤذي من بجانبه ولا يقذر المسجد .(/2)
إذا نابه شيء في صلاته ، فإذا كان رجلاً فليسبح ، وإن كان امرأة فلتصفق ، والدليل على ذلك ما جاء عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجال وليصفح النساء ) رواه أبو داود ، ولفظ الصحيحين : ( التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ) . التصفيح هو التصفيق ، سنن أبي داود 941 ، وفي صحيح البخاري ط.البغا 1145 ، وفي صحيح مسلم 106 .
إذا أقيمت الصلاة وحضرت حاجة الإنسان ، فليذهب إلى الخلاء ، ويقضي حاجته ولو فاتت الجماعة .
الدليل : عن عبد الله بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء ) رواه أبو داود رقم 88 وهو في صحيح الجامع 373 .
إذا شك المصلي هل احدث أم لا ؟ أو أحس بحركة في بطنه فهل ينصرف أم يواصل ؟ .
إذا تيقن من الحدث يخرج من الصلاة ، أما إذا شك ولم يتيقن فلا يخرج إلا بيقين ، وهو سماع الصوت أو وجود الريح ، فإن وجد ذلك فلينصرف ، وإلا فلا يلتفت .
والدليل : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أم لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) رواه أبو داود 177 وهو في صحيح الجامع 750 .
وهذا من التشريعات الإسلامية العظيمة في علاج الوسوسة .
إذا كان يصلي الوتر وأثناء صلاته أذن المؤذن لصلاة الفجر فهل يكمل وتره ؟ .
نعم إذا أذن وهو أثناء الوتر فإنه يتم الصلاة ولا حرج عليه . ابن عثيمين فتاوى إسلامية 1/346 والمسالة داخلة في قضية وقت الوتر هل هو إلى طلوع الفجر أم إلى انتهاء صلاة الصبح وقول الجمهور إلى طلوع الفجر . إسعاف أهل العصر بما ورد في أحكام صلاة الوتر فيحان المطيري ص : 33 .
إذا فاتته صلاة العصر مثلاً فجاء إلى المسجد فوجد المغرب قد أقيمت فماذا يفعل ؟ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : يصلي المغرب مع الإمام ثم يصلي العصر باتفاق الأئمة ، لكن هل يعيد المغرب فيه قولان :
أحدهما : يعيد وهو قول ابن عمر ومالك وأبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه .
الثاني : لا يعيد وهو قول ابن عباس وقول الشافعي والقول الآخر من مذهب أحمد .
والثاني أصح فإن الله لم يوجب على العبد أن يصلي الصلاة مرتين إذا اتقى الله ما استطاع . والله أعلم . مجموع فتاوى ابن تيمة 22/106 .
إذا أتى مسافر على جماعة يصلون لكنه لا يدري هل الإمام مسافر فيدخل معه بنية القصر أم مقيم فيتم وراءه ، فالأظهر أنه يعمل بما ترجح لديه من القرائن كرؤية حلية المسافر وآثار السفر على الإمام ، فإن رجح أنه مقيم ، فيتم .
الدليل : ما رواه الإمام أحمد بسند عن ابن عباس أنه سئل : " ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعا إذا ائتم بمقيم ؟ فقال : تلك السنة " وفي رواية أخرى " تلك سنة أبي القاسم " الحديث سكت عنه الحافظ في التلخيص 2/50 ، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند 3/260 . وإن رجح أنه مسافر فصلى معه بنية القصر ركعتين ، وبعدما سلم مع الإمام تبين له أن الإمام مقيم وأن الركعتين اللتين صلاهما هما الثالثة والرابعة للإمام ، فيقوم ويأتي بركعتين ليتم بهما الصلاة ، ويسجد للسهو . المجموع للنووي 4/356 . ولا يضره ما حصل من الكلام والسؤال لمصلحة صلاته .
إذا عجز المصلي عن القيام فجأة أثناء الصلاة أو كان عاجزاً عن القيام فصلى قاعداً ثم استطاع القيام أثناء الصلاة فماذا يفعل ؟ .
قال ابن قدامة رحمه الله : " متى قدر المريض أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته ، وهكذا لو كان قادراً فعجز في أثناء الصلاة أتم صلاته على حسب حاله لأن ما مضى من الصلاة كان صحيحاً فيبني عليه كما لو لم يتغير حاله " . المغني مع الشرح الكبير 1/782 وكذلك المجموع للنووي 4/318 . والدليل حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، فقال : ( صلّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب ) رواه البخاري فتح 2/587 .
إذا طرق على المصلي الباب أثناء الصلاة وهو يصلي أو رأت الأم ولدها يعبث بمصدر الكهرباء ونحو ذلك مما يطرأ فما العمل ؟ .
الجواب : إذا احتاج المصلي لعمل يسير أثناء الصلاة مثل فتح باب ونحوه ، فلا بأس بشرط أن لا يغير اتجاهه عن القبلة .
والدليل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والباب عليه مغلق فجئت فاستفتحت فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه - وذكر أن الباب كان في القبلة . سنن ابي داود رقم 922 وصحيح سنن أبي داود 815 .(/3)
وكذلك لو احتاجت الأم وهي تصلي أن تبعد ولدها عن خطر أو إيذاء ونحو ذلك فالحركة اليسيرة يميناً أو شمالاً ، أماماً أو وراءً لا تضر بالصلاة وكذلك لو سقط الرداء فللمصلي أن يرفعه وإذا انحل الإزار فله أن يشده ، وقد أباحت الشريعة للمصلي في بعض الحالات الحركة الكثيرة ولو كان يتغير اتجاهه عن القبلة كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب ) سنن ابي داود رقم 921 وفي صحيح سنن أبي داود 814 .
إذا ألقي السلام على المصلي في صلاته ، فإنه يرد السلام بالإشارة كما جاء عن صهيب رضي الله عنه قال : مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فرد إشارة . سنن أبي داود 925 وصحيح سنن ابي داود 818 . وقد وردت صفة الإشارة في أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه ، قال فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال فقلت لبلال كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي ، قال : يقول هكذا وبسط كفه ، وبسط جعفر بن عون ( أحد الرواة ) كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق . سنن ابي داود 927 وصحيح سنن أبي داود 820 .
إذا دخل الرجل المسجد والإمام يصلي فهل يدخل مع الإمام مباشرة أو ينتظر حتى يرى الإمام هل سيقوم أو سيجلس ؟ الصحيح الذي يدل عله الدليل أنه يدخل مع الإمام في أي حال يكون فيه الإمام ساجداً أو قائماً أو راكعاً أو قاعداً ، والدليل هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة ) سنن أبي داود 893 وصحيح سنن أبي داود 792 . وعن معاذ قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام ) سنن الترمذي 591 وهو في صحيح سنن الترمذي 484 . ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( فما أدركتم فصلوا ) .
إذا أقيمت الصلاة والإنسان في طريقه إلى المسجد فلا يسرع في مشيته ، بل يمشي بسكينة ووقار لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، وأتوها تمشون عليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا ) رواه البخاري فتح 2/390 .
إذا أحدث الرجل في صلاة الجماعة فماذا يفعل في هذا الموقف المحرج ؟ .
الجواب : عليه أن يأخذ بأنفه فيضع يده عليه ثم يخرج .
والدليل : عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف ) سنن أبي داود 1114 وهو في صحيح سنن أبي داود 985 . قال الطيبي : أمر بالأخذ ليخيل أنه مرعوف وليس هذا من الكذب بل من المعاريض بالفعل ورخص له في ذلك لئلا يسول له الشيطان عدم المضي استحياء من الناس أ.هـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3/18 .
وهذا من التورية الجائزة والإيهام المحمود رفعاً للحرج عنه ، فيظن من يراه خارجاً بأنه أصيب برعاف في أنفه ، وكذلك من فوائد هذا التوجيه النبوي قطع وساوس الشيطان بأن يبقى في الصف مع الحدث أو يواصل مع الجماعة وهو محدث وهذا لا يرضي الله ، وكيف يبقى وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالانصراف ، هذا ويجوز له اختراق الصفوف أو أن يمشي إلى الجدار ثم يخرج فيتوضأ ويعود للصلاة .
وإذا صلّى إنسان في مسجد ثم أتى مسجداً آخر لدرس أو حاجة فوجدهم يصلون فإنه يدخل معهم في الصلاة ويحتسبها نافلة حتى لو كان في وقت من أوقات النهي لأنها صلاة ذات سبب ، والدليل ما رواه الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في سننه في باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة من حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه ، قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف ، فلما قضى صلاته انحرف إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه ، فقال : عليَّ بهما ، فجيء بهما ترعد فرائصهما { أي يرجفان ويضطربان خوفاً من النبي صلى الله عليه وسلم والفريصة : هي اللحمة التي بين الجنب والكتف تهتز عند الفزع } فقال : ( ما منعكما أن تصليا معنا ) ، فقالا : يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا ، قال : ( فلا تفعلا ، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) رواه الترمذي رقم 219 وهو في صحيح الجامع 667 .(/4)
وفي الحديث انهما أتيا بعد صلاة الفجر وهو وقت النهي . وأخرج مالك في الموطأ في باب ما جاء في إعادة الصلاة مع الإمام بعد صلاة الرجل لنفسه عن محجن رضي الله عنه أنه كان في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ورجع ومحجن في مجلسه لم يصل معهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم ؟ ) قال : بلى يا رسول الله ! ولكني قد كنت صليت في أهلي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت ) موطأ مالك 1/130 ، وهو في السلسلة الصحيحة رقم 1337 .
إذا دخل الرجل المسجد فصلى السنة فأقيمت الصلاة فأحسن ما يقال في ذلك أنه إذا أقيمت الصلاة والرجل في الركعة الثانية فإنه يتمها خفيفة وإذا كان في الركعة الأولى فيقطعها ويدخل مع الإمام . فتاوى ابن عثيمين 1/345 . والأصل في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) مسلم 1/394 . فإذا أنهى ركوع الركعة الثانية فيتمها وإن كان قبل ذلك يقطع الصلاة لأن ما بقي من السجود والتشهد لا يسمى صلاة ، وقطع الصلاة يكون بغير سلام بل بمجرد النية خلافاً لما يتوهمه كثير من الناس .
إذا كان جماعة يصلون وأثناء الصلاة تبين لهم أن القبلة إلى جهة أخرى فعند ذلك يتحولون جميعاً إلى جهة القبلة ، وكذلك المنفرد وما مضى من صلاتهم صحيح ، ودليل ذلك : ما رواه الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام ) سورة البقرة ، الآية 144 . فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى : ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كما هم نحو القبلة. رواه مسلم رقم 527 .
أما إن تبين لبعضهم ولم يتبين للآخرين فإن الذي تبين له يستدير إلى الجهة التي يعتقدها جهة القبلة ، فإن كان المختلفون في جهة واحدة فمال بعضهم يميناً وبعضهم شمالاً فيصح اقتداء بعضهم ببعض وإن اختلفت الجهة بالكلية فقد اختلف العلماء في صحة اقتداء بعضهم ببعض ، وإن كان فيهم من لم يتبين له شيء فإنه يختار أوثقهم معرفة جهة القبلة ويقلده . المغني مع الشرح الكبير 1/473 . ومن خفيت عليه جهة القبلة فيلزمه السؤال إن استطاع وإلا اجتهد إن كان يستطيع الاجتهاد ، فإن لم يستطع فإنه يقلد غيره ممن يصح تقليده ، فإن لم يجد فليتق الله ما استطاع وليصل وصلاته صحيحة ، وهذا يحدث كثيراً لمن يُبتلى بالسفر إلى بلاد الكفار وليس حوله أحد من المسلمين ولا عنده أحد يخبره ولا وسيلة تمكنه من معرفة اتجاه القبلة . فأما إن كان بإمكانه أن يعرف جهة القبلة ، ولكنه أهمل ولم يبذل ما يستطيعه وصلى ، فعليه الإعادة لأنه مفرط . المغني مع الشرح الكبير 1/490 .
إذا كان يصلي في جماعة فانقطع مكبر الصوت أو نعس وهو يصلي وسبقه الإمام بركن أو أكثر ثم تنبه أو رجع الصوت فالعمل أن يأتي بما فاته من الأركان ثم يلحق بالإمام وهذه المسالة لها عدة صور منها : أن يقرأ الإمام آية فيها لفظة سجود ويتوهم بعض المأمومين أنها سجدة وليست كذلك فيكبر الإمام للركوع بعد انتهاء الآية ويركع ويظن بعض المأمومين خصوصاً ممن هم في أطراف الصفوف أنه كبر لسجدة التلاوة فيسجدون ثم يقول الإمام سمع الله لمن حمده فيقوم هؤلاء من السجود فاتهم مع الإمام الركوع والرفع منه فعلى هؤلاء أن يأتوا بما فاتهم ويلحقوا بالإمام لأنهم ليسوا بمتعمدين ، فأما من تعمد التخلف عن الإمام كمن يطيل في السجود بحجة الدعاء حتى يفوت الركن الذي بعد السجود ، فقول الجمهور فيمن فاته ركنان متواليان بغير عذر : إن صلاته باطلة ويأثم . كشاف القناع 1/467 والموسوعة الفقهية 6/29 . والأصل في وجوب متابعة الإمام قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ، فإن ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا : ربنا لك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلّى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ) صحيح البخاري رقم 689 .
إذا أحدث الإمام وهو يصلي بالناس أو تذكر أثناء الصلاة أنه ليس على طهارة فإنه يخرج من الصلاة وله أن يستخلف من يتم بالناس الصلاة كما ورد عن عمر وعلي وعلقمة وعطاء . وإن لم يستخلف وصلوا فرادى جاز ذلك وهو اختيار الشافعي أي صلاتهم فرادى . وإن قدموا رجلاً منهم ليتم بهم الصلاة جاز ذلك .(/5)
والدليل ما ورد عن عمر رضي الله عنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة . رواه البخاري فتح 7/60 . ووجه الاستدلال أن عمر فعل ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكر منكر فكان إجماعاً . أحكام الإمامة . المنيف ص : 234 . وإن تذكر أنه ليس على طهارة فأشار إليهم أن يبقوا كما هم فذهب فتطهر ثم عاد فكبر وصلى بهم صح ذلك ، والدليل ما رواه أبو داود عن أبي بكرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم ) سنن أبي داود رقم 233 ، وهو في صحيح سنن أبي داود 1/45 . وعنون عليه أبو داود باب : في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس ، وقال الخطابي في شرح الحديث : في هذا الحديث دلالة على أنه إذا صلّى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة . سنن أبي داود ومعه معالم السنن للخطابي ت : الدعاس 1/159 .
إذا كان في صلاة الجماعة وراء الإمام فرأى عورة الإمام غير مستورة لشق في ثوبه أو كان الثوب رقيقاً شفافاً فإن أمكنه أن يتقدم فيسترها أو يغطيها بشيء فليفعل وإلا فعليه أن ينصرف من صلاته ويخرج فينبه الإمام كأن يقول له غط العورة أو احفظ ما تكشف منها ولا يجوز له السكوت ومواصلة الصلاة لأنه علم أن صلاة الإمام غير صحيحة وائتمامه به غير صحيح . من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز مشافهة .
إذا كان يصلي ( إماماً أو مأموماً أو منفرداً ) فتذكر أثناء الصلاة أنه مسح على الخفين بعد انتهاء مدة المسح فعليه أن يخرج من الصلاة لأن طهارته غير صحيحة وقد نص عليه الإمامان أحمد والشافعي . المغني 2/505 .
إذا قرأ الإمام في الصلاة ما تيسر من القرآن ثم نسي تكملة الآية ولم يفتح عليه أحد من المصلين فهو مخير إن شاء كبر وأنهى القراءة وإن شاء قرأ آية أو آيات من سور أخرى إذا كان ذلك في غير الفاتحة أما الفاتحة فلا بد من قراءتها جميعها لأن قراءتها ركن من أركان الصلاة . ابن باز فتاوى إسلامية 396 .
إذا خرج الناس إلى صلاة الاستسقاء أو أرادوا الخروج فنزل المطر فهذه المسألة على حالتين :
إن تأهبوا للخروج فسقوا قبل أن يخرجوا شكروا الله تعالى على نعمه ولم يخرجوا .
وإن خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا صلوا شكراً لله تعالى . المغني مع الشرح الكبير 2/296 .
إذا نعس الإنسان وهو يستمع إلى خطبة الجمعة فيستحب له أن يتحول إلى مكان صاحبه ويتحول صاحبه إلى مكانه ولا يتكلم بل يشير إليه إشارة . والدليل : حديث سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول إلى مقعد صاحبه ويتحول صاحبه إلى مقعده ) . رواه البيهقي 3/238 وهو في صحيح الجامع 812 . وكذلك حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره ) رواه أبو داود 1119 وهو في صحيح الجامع 809 .
ثالثاً : أحكام السهو
إذا شك الإنسان في صلاته هل صلّى ثلاثاً أو أربعاً فالعمل على ما ترجح لديه فإن لم يترجح لديه شيء فليبن على اليقين وهو الأقل ثم يسجد للسهو . والدليل : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى ؟ ثلاثاً أو أربعاً ؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلّى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلّى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان . صحيح مسلم رقم 571 .
إذا تذكر الإمام في التشهد الأخير أنه قد قرأ التحيات في القيام في الركعة السرية بدلاً من الفاتحة فإنه يقوم ليأتي بركعة صحيحة بدلاً من الركعة غير الصحيحة التي لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) رواه البخاري رقم 723 . وينبغي على المأمومين أن يتابعوه ولو كانت الخامسة لهم فإن لم يتفطنوا ولم يقوموا وجعلوا يسبحون أشار إليهم بيديه يميناً وشمالاً أن قوموا ليعلمهم أنه جازم في قيامه غير ناس ولا ساه .
وإذا وقع مثل ذلك للمأموم خلف إمامه فصلاته صحيحة ما دام خلف إمامه . والدليل : حديث أبي بكرة لما دخل راكعاً ولم يقرأ الفاتحة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) رواه البخاري رقم 750 . فالمأموم إذا نسي قراءة الفاتحة أو جهل وجوبها عليه أو أدرك الإمام راكعاً فإنه في هذه الأحوال تجزئه الركعة وتصح صلاته ولا يلزمه قضاء الركعة لكونه معذوراً بالجهل والنسيان وعدم إدراك القيام وهو قول أكثر أهل العلم . ابن باز فتاوى إسلامية 1/263 . وهذا مما يتحمله الإمام عن المأموم كما قال الناظم :
ويحمل الإمام عن مأموم ***** ثمانية تعد في المنظوم
فاتحة كذا سجود السهو ******* وسترة مع القنوت المروي
وسمع الله مع السجود في ****** تلاوة الإمام سراً فاكتفي(/6)
وهكذا تلاوة المأموم ******* خلف الإمام فافهمن منظومي
تشهد أول عمن سبق ******* بركعة من أربع فكن محق
إذا ركع ثم رفع رأسه فتذكر أنه لم يقل سبحان ربي العظيم في ركوعه فإنه لا يعود إلى الركوع لأن التسبيح قد سقط برفعه من الركوع فلو عاد إلى الركوع عمداً أبطل صلاته لأنه يكون قد زاد ركنا وهو هذا الركوع الثاني وإن عاد جاهلاً أو ناسياً لم تبطل الصلاة وعليه في مثل ذلك أن يسجد للسهو إن كان منفرداً أو إماماً لأن التسبيح واجب يجبره بسجود السهو ، أما إن كان مأموماً فيسقط عنه الواجب بسهوه عنه . المغني مع الشرح الكبير 1/679 .
إذا نسي التشهد الأول وقام للثالثة وابتدأ الفاتحة فقول أكثر أهل العلم أنه لا يرجع وإن رجع عالماً أن نزوله لا يجوز تبطل صلاته لشروعه في ركن آخر وأما الواجب الذي فاته فإنه يجبره بسجود السهو ، والدليل ما روى المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس فإن استوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو ) رواه أبو داود رقم 1036 وهو في السلسلة الصحيحة 321 .
فالخلاصة : أن من قام إلى الثالثة ناسياً التشهد فله ثلاث حالات :
أن يذكره قبل اعتداله قائماً فيلزمه الرجوع إلى التشهد .
أن يذكره بعد اعتداله قائماً وقبل شروعه في قراءة الفاتحة فالأولى له أن لا يجلس وإن جلس فصلاته صحيحة .
أن يذكره بعد الشروع في الفاتحة فلا يجوز له الرجوع . المغني مع الشرح الكبير 1/677 . وهذه الحالات مستنبطة من الحديث السابق .
إذا سلم الإمام فقام المأموم ليتم ما فاته فإذا بالإمام يسجد للسهو بعد السلام فإن كان المأموم لم ينتصب قائماً فإنه يرجع ويسجد للسهو مع إمامه وإن انتصب قائماً فإنه لا يرجع فإذا أتم صلاته سجد للسهو الذي فاته . ودليل هذه المسألة هو دليل المسألة السابقة . المغني مع الشرح الكبير 1/697 .
إذا سها الإمام في الصلاة وترك ركناً وجعل المأمومون يسبحون وهو لا يفهم مقصودهم ولا يدري أين الخطأ وينتقل إلى أركان ليس بينها الركن المتروك فلأهل العلم عدة أقوال في إفهامه ، من أمثلها أن يجهروا بالذكر الخاص بالركن المفقود فإن كان ركوعاً قالوا : سبحان ربي العظيم ، وإن كان سجوداً قالوا : سبحان ربي الأعلى ، وإن كان الجلسة بين السجدتين قالوا : رب اغفر لي وهكذا . المغني مع الشرح الكبير 1/707 .
أحكام متفرقة
إذا نسي ملابس الإحرام وأقلعت به الطائرة فإن استطاع أن يتدبر أمره بإزار ورداء من أي لون أو صنف من الشراشف أو المناشف ونحوها فعل ذلك وإن لم يجد أزال من المخيط وغطاء الرأس وأحرم في ثيابه إذا حاذى الميقات من الجو ولا يجاوز الميقات بغير إحرام فإذا وصل إلى مكان يستطيع فيه استبدال ملابسه بإزار ورداء فعل ذلك وعليه فدية ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين وهو مخير في فعل أي واحدة منها وإحرامه صحيح . من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز مشافهة .
إذا كان الرجل في الطواف أو السعي فعرضت له حاجة كأن عطش وأراد أن يشرب أو فقد أحد من أهله فتوقف للبحث عنه أو تعب واحتاج أن يستريح فإن كان التوقف يسيراً عرفاً فإنه يتابع الطواف ويبني على ما سبق . أما إذا أقيمت الصلاة فقطع الطواف وصلّى فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة والأحوط عند إكماله الأشواط الباقية أن لا يعتد بالشوط الأخير الذي لم يكمله وقطعه لأداء الصلاة . ابن باز فتاوى الحج والعمرة ص : 80 ، والمجموع للنووي 8/49 .
أما مسألة الاستراحة في الطواف والسعي فهي مبنية على مسألة اشتراط الموالاة في الطواف والسعي .
فأما السعي فلا تشترط فيه الموالاة على القول الراجح . المغني مع الشرح الكبير 3/414 . فعليه لو سعى الإنسان عدة أشواط ثم توقف ليستريح ثم عاد ليكمل جاز ذلك . وأما الموالاة في الطواف فقد اختلف فيها أهل العلم على قولين :
القول الأول : وجوب الموالاة فيبطل الطواف بالتفريق الكثير بغير عذر .
القول الثاني : أن الموالاة سنة فلا يبطل الطواف وإن طالت المدة . اختاره النووي في المجموع 8/47 . والعمل بالقول الأول أحوط .
إذا توفي رجل في سفينة في البحر فيقول الإمام أحمد : ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعاً ( كجزيرة في البحر أو شاطيء ) يدفنونه به حبسوه يوماً أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد ، فإن لم يجدوا غسل وكفن وحنط وصلى عليه ويُثقل بشيء ويلقى في الماء . المغني مع الشرح الكبير 2/381 .(/7)
إذا كان لدى رجل ورقة من فئة الـ 50 ريالاً مثلاً واحتاج إلى صرفها عشرات فذهب إلى آخر ليصرفها فلم يكن لدى صاحبه إلا ثلاث عشرات مثلاً فهل يجوز أن يعطيه الخمسين ويأخذ منه ثلاث العشرات والعشرين الباقية تبقى ديناً له على صاحبه يستوفيها منه بعد ذلك ؟ رغم شيوع مثل هذه الصورة وانتشارها في الواقع إلا أن كثيراً من الناس يتعجبون إذا قيل لهم هذا ربا والعلة أن التفاوت موجود فيما قبضه كل منهما وشرط التبايع والصرف في الأوراق النقدية إذا كانت من جنس واحد أن تكون مثلاً بمثل يداً بيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تُشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز ) رواه البخاري رقم 2068 . { تشفوا من الاشفاف وهو التفضيل والزيادة - الورق : أي الفضة - غائباً : أي مؤجلاً - بناجز : أي بحاضر } والحديث فيه النهي عن ربا الفضل وربا النسيئة .
فإن قيل فما هو المخرج والبديل والناس دائماً يحتاجون إلى صرف الأوراق النقدية :
فالجواب : إن الحل في ذلك أن يضع الخمسين رهناً عند صاحبه ويأخذ منه الثلاثين ديناً وسلفاً ثم يسدد الدين بعد ذلك ويفك الخمسين المرهونة ويأخذها . من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز مشافهة .
إذا أمر الرجل في وظيفته بأمر فعليه أن ينظر فإن كان الأمر ليس فيه معصية لله فإنه يفعل ما أمر به ، أما إن كان في الأمر معصية فلا يطع حينئذ وإلا كان مشاركاً في الإثم والوزر ، قال عليه الصلاة والسلام : ( لا طاعة لبشر في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) الحديث في البخاري الفتح 13/121 ، وأحمد 1/94 والسياق من السلسلة الصحيحة رقم 181 . وقال الله تعالى : ( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) .
سنن وآداب
إذا تجددت للمسلم نعمة أو اندفعت عنه نقمة فيستحب له أن يسجد سجود الشكر . المغني مع الشرح الكبير 1/654 ، فعن أبي بكرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجداً شاكراً لله تعالى ) رواه أبو داود 2774 وهو صحيح : تخريج المشكاة 1494 . ولا تشترط الطهارة واستقبال القبلة ولكن إذا توضأ واستقبل القبلة فهو أفضل . مجموع فتاوى ابن عثيمين 4/216 .
إذا أتاك مال حلال من شخص أو من جهة دون طلب منك ولا مد يد ولا إذلال ولا تطلع فخذه والدليل : عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك ) رواه البخاري 1404 .
إذا وضع للمسلم طعام في بيت أخيه المسلم فتحيَّر في أمر اللحم هل هو حلال أم لا ؟ فيجوز له الأكل دون السؤال لأن الأصل في المسلم السلامة . والدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاماً فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه فإن سقاه شراباً من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه ) رواه أحمد 2/399 وهو في السلسة الصحيحة 627 . وكذلك فإن في السؤال إيذاء للمسلم وجعله في مجال الشك والريبة .
إذا كان يمشي في نعليه وانقطع أحدهما فلا يمش في نعل واحدة والأخرى حافية فإما أن يصلحها ويمشي بهما أو يخلعهما ويحتفي والاحتفاء أحياناً سنة . والدليل : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يمشي أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً ) رواه البخاري 5518 ، وأما العلة في ذلك فقد ذكر العلماء أقوالاً أصحها دليلاً ما ذكره ابن العربي وغيره أن ( العلة أنها مشية الشيطان ) فتح الباري 10/310 . ودليل ذلك : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة ) السلسلة الصحيحة 348 .
إذا رأى المسلم رؤيا حسنة أو صالحة يستحب فعل ما يلي :
أن يحمد الله عز وجل .
يعبرها لنفسه أو يخبر عالماً يعبرها له .
لا يخبر بها إلا ناصحاً أو لبيباً أو حبيباً ولا يخبر حاسداً . والدليل : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها ) رواه البخاري 6584 ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح ) رواه الترمذي 2280 وهو في السلسلة الصحيحة 119 . لأنهما يختاران أحسن المعاني في تأويلها بخلاف الحاسد والجاهل .
إذا رأى المسلم حلماً سيئاً فإنه يفعل ما يلي :
يبصق عن يساره ثلاثاً .
يستعيذ بالله من الشيطان ثلاثاً .
يستعيذ بالله من شرها .
أن يقوم فيصلي .
يغير الجنب الذي كان نائماً عليه إذا أراد مواصلة النوم ولو كان تحوله إلى الشمال لظاهر الحديث .
لا يخبر بها أحداً من الناس .(/8)
لا يفسرها لنفسه ولا يطلب تفسيرها . والدليل : عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ) رواه مسلم 2262 . وفي رواية ( وليعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره ) فقال - أي الراوي - إن كنت لأرى الرؤيا أثقل علي من جبل ، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها . رواه مسلم 2261 . وعن جابر قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : ( لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك ) رواه مسلم 2268 . وفي رواية ( فمن رأى ما يكره فليقم فليصل ) رواه الترمذي 2280 وهو في صحيح الجامع 3533 .
إذا وقع بصر المسلم على امرأة أجنبية وبقي أثر ذلك في نفسه فإن كان له زوجة فليذهب إلى بيته وليأت أهله ليرد ما وجد في نفسه . والدليل : عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه ) رواه مسلم 1403 .
إذا صار مجلسه بين الشمس والظل فليتحول عن مجلسه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم ) رواه أبو داود 4821 وهو في صحيح الجامع 748 . والعلة في ذلك أنه مجلس الشيطان ، والدليل : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس بين الضح والظل وقال : ( مجلس الشيطان ) . رواه أحمد 3/413 وهو في صحيح الجامع 6823 .
إذا أصاب أهل الرجل الوعك فيستحب له أن يفعل كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ( كان إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه وكان يقول إنه ليرتق فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسر إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها ) . { يرتق أي يشد القلب لأن الحزن يرخيه ، ويسروا أي : يكشف ويجلو - رواه الترمذي 2039 وهو في صحيح الجامع 4646 } .
إذا كذب أحد أبناء الرجل أو أحد أفراد أهله فإنه يعالج هذا الموقف كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضاً عنه حتى يحدث توبة ) السلسلة الصحيحة 2052 وصحيح الجامع 4675 .
إذا واجه المرء المسلم ظروفاً صعبة محرجة يحتاج فيها أن يتكلم بخلاف الحقيقة لينقذ نفسه أو ينقذ معصوماً أو يخرج من حرج عظيم أو يتخلص من موقف عصيب فهل من طريقة غير الكذب ينجو فيها من الحرج ولا يقع في الإثم ؟ .
الجواب : نعم توجد طريقة شرعية ومخرج مباح يستطيع أن يستخدمه عند الحاجة ألا وهو التورية أو المعاريض وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه ( باب المعاريض مندوحة عن الكذب ) صحيح البخاري كتاب الأدب باب 116 .
والتورية هي الإتيان بكلام له معنى قريب يفهمه السامع ومعنى آخر بعيد يقصده المتكلم تحتمله اللغة العربية ويشترط أن لا يكون فيها إبطال حق ولا إحقاق لباطل وفيما يلي التوضيح بأمثلة من المعاريض التي استخدمها السلف والأئمة أوردها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان :
ذكر عن حماد رحمه الله أنه إذا أتاه من لا يريد الجلوس معه قال متوجعاً : ضرسي ، ضرسي ، فيتركه الثقيل الذي ليس بصحبته خير .
وأحضر سفيان الثوري إلى مجلس الخليفة المهدي فاستحسنه ، فأراد الخروج فقال الخليفة لا بد أن تجلس فحلف الثوري على أنه يعود فخرج وترك نعله عند الباب ، وبعد قليل عاد فأخذ نعله وانصرف فسأل عنه الخليفة فقيل له أنه حلف أن يعود فعاد وأخذ نعله .
وكان الإمام أحمد في داره ومعه بعض طلابه منهم المروذي فأتى سائل من خارج الدار يسأل عن المروذي والإمام أحمد يكره خروجه فقال الإمام أحمد : ليس المروذي هنا وما يصنع المروذي ها هنا وهو يضع إصبعه في كفه ويتحدث لأن السائل لا يراه .
ومن أمثلة التورية أيضاً :
لو سألك شخص هل رأيت فلاناً وأنت تخشى لو أخبرته أن يبطش به فتقول ما رأيته وأنت تقصد أنك لم تقطع رئته وهذا صحيح في اللغة العربية أو تنفي رؤيته وتقصد بقلبك زماناً أو مكاناً معيناً لم تره فيه ، وكذلك لو استحلفك أن لا تكلم فلاناً : فقلت : والله لن أكلمه ، وأنت تعني أي لا أجرحه لأن الكلم يأتي في اللغة بمعنى الجرح . وكذلك لو أرغم شخص على الكفر وقيل له اكفر بالله ، فيجوز أن يقول كفرت باللاهي . يعني اللاعب . إغاثة اللهفان : ابن القيم 1/381 وما بعدها 2/106-107 ، وانظر بحثاً في المعاريض في الآداب الشرعية لابن مفلح 1/14 . هذا مع التنبيه هنا أن لا يستخدم المسلم التورية إلا في حالات الحرج البالغ ولذلك لأمور منها :
أن الإكثار منها يؤدي إلى الوقوع في الكذب .(/9)
فقدان الإخوان الثقة بكلام بعضهم بعضاً لأن الواحد منهم سيشك في كلام أخيه هل هو على ظاهره أم لا ؟ .
أن المستمع إذا اطلع على حقيقة الأمر المخالف لظاهر كلام الموري ولم يدرك تورية المتكلم يكون الموري عنده كذاباً وهذا مخالف لاستبراء العرض المأمور به شرعاً
أنه سبيل لدخول العجب في نفس صاحب التورية لإحساسه بقدرته على استغفال الآخرين.
وفي خاتمة هذه الرسالة أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في ديننا ويعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(/10)
ماذا تفعل في عشر دقائق
هذه بعض الأعمال التي يمكن عملها في وقت يسير كعشر دقائق مثلاً فالعمر لحظات والحياة دقائق والوقت أغلي من الذهب وأمضي من السيف قال تعالي "وما خلقت اجن والإنس إلا ليعبدون "فهذا نموذج لبعض الأعمال والتي يمكن تكرارها أو تنوعها خلال اليوم الواحد لينال الأخ المسلم الخير الكثير علي قليل من العمل ..
1) تلاوة القرءان : فهو كلام الله وعند التلاوة فإن المسلم يثاب بكل حرف حسنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم والتلاوة لمدة عشر دقائق تقريبا خمسة أوجه أي أنه يمكن ختم القرءان الكريم كاملاً خلال أربعة أشهر وعندما تتكرر خمس مرات يومياً فيمكن ختم القرءان كل أربعة وعشرين يوماً ويكون هذا مقدمة لحفظ القرءان فإنه بحفظ ثلاث آيات يومياً يكتمل حفظ القرءان خلال ثمان سنوات ولو حفظت كل يوم صفحة وربع لحفظت القرءان في سنتين فقط ولو حفظت وجهين يوميا لختمت القرءان في سنة فقط .
2) ذكر الله تعالي: قال صلى الله عليه وسلم"لا يزال لسانك رطباً بذكر الله"_وهو من أحب الأعمال إلي الله ويكون اللسان والقلب أوبهما معاً ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"أحب الأعمال إلي الله أن تموت ولسنك رطب بذكر الله" ابن حبان فاذكر الله بالتحميد والتسبيح والتكبير والتهليل وغير ذلك كما أن الذكر لمدة عشر دقائق من 100_300 مرة أي في السنة يكون الناتج من36500 الي109500 مرة فانظر إلي عظيم الأجر والثواب فكيف لو تكرر هذا الفعل عدة مرات يوميا .
3) الدعاء : وهو من الذكر ولكنه باب كبير وله شروط وآداب وموانع ومستحبات فهو يسبب السكينة والانشراح والصبر وهو ذكر باللسان وخضوع بالقلب ومن آدابه الإخلاص وحضور القلب ويستحب أن يكون من المأثور أو الجامع أو مما يعجبه فمن استغفر للمؤمنين والمؤمنات كان له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة كما قال الني صلى الله عليه وسلم وكقوله "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني "وفي زيادة "واجبرني وارفعني"
4) صلاة الجماعة : فخلال عشر دقائق تستطيع أن تصلي الجماعة وحبذا لو كانت في المسجد فإنهن من سنن الهدى وهي تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين .
5) صلاة التطوع والسنن والنوافل وقيام الليل : صلاة الضحى وهي من 2_8 ركعات ولقد قال صلى الله عليه وسلم"صلاة الأوابين حين ترمض الشمس"وهي تجزيء عن الصدقة عن كل مفصل,هي أحد وصايا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام،صلاة الجنازة قال صلى الله عليه وسلم"من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان"قيل وما القيراطان؟ قال "مثل الجبلين العظيمين" البخاري,كقيام الليل والتهجد والاستخارة والتوبة .
6) الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم : فهي أقل القليل لأداء حق النبي صلى الله عليه وسلم وهى من أذكار الصباح والمساء وهى سبب لاكتساب الشفاعة وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا " مسلم .
7) محاسبة النفس : يجب على المسلم أن يحاسب نفسه كل حين وذلك مستحب عند الصفاء والسكينة و الهدوء . وهى على أربع مراحل _المشارطة _المتابعة _المراقبة _المحاسبة وللمحاسبة فائدتان : معرفة الرب جل وعلا والتزود من الطاعات ،معاقبة النفس والابتعاد عن مواطن الردى، وهى أن تنظر في الواجبات فإن قصرت فتدارك نفسك ثم انظر في المحرمات هل تجاوزتها ثم إلى مواطن الغفلة ثم تدارك نفسك بالاستغفار والتوبة .
8) عبادة التفكر والتدبر: هل تفكرت في خلقك ؟ خلق الأرض؟خلق الكائنات من حولك ؟هل فكرت في خلايا جسدك ؟قال صلى الله عليه وسلم:"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاْ ولبكيتم كثيرا" متفق عليه فقليل من التفكر ينتج عنه الكثير من العلم والإيمان واليقين بالله تعالى كما قال تعالي "ويتفكرون في خلق السماوات والأرض"
9) القراءة : القراءة المفيدة مهمة ومطلوبة في كل حين ففي(10) دقائق يمكنك قراءة باب من العلم بشكل واضح وفهم وعند المداومة فإنه في الشهر الواحد تقرأ (300) دقيقة أي خمس ساعات هذا مع النية الصالحة وطلب العلم تكسب أجراً في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالي .
10) الدعوة إلي الله : وهي من أوسع الأبواب وأسهلها وأجلها خيراً وبركة قال صلى الله عليه وسلم"من دعا إلي هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيء" مسلم،وهي بالكلمة وبغيرها كالصحف والمجلات والأشرطة والكتب وغيرها ويدخل فيها نشر دين الله ونشر العلم الشرعي كما تكون بالرسائل الدعوية أيضا قال صلى الله عليه وسلم " لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حمر النعم " متفق عليه .(/1)
11) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فهو وظيفة الأنبياء والمرسلين وقد قال تعالي "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" ،و قال صلى الله عليه وسلم:"بلغوا عني ولو آية " فيسهل عليك في عشر دقائق الأمر بالمعروف (بمعروف) والنهي عن المنكر ( بغير منكر) دون تكلف وقت أو جهد يذكر خاصة وأن بعض العلماء اعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من أركان الدين وتدخل النصيحة بالطبع فالدين النصيحة .
12) الهاتف : الكثير يسيء استخدامه ولكن خلال عشر دقائق تستطيع به عمل الكثير من صلة للرحم وأمر معروف أو نهي عن منكر أو سؤال عن علم أو دعوة أو نصيحة أو نحو ذلك فهو وسيلة من الوسائل .
13) الصدقة : يمكنك التصدق خلال هذا الوقت البسيط بالشيء اليسير قال الرسول محمد "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجد فبكلمة طيبة"البخاري ولو كانت صدقة جارية فهي أرجي للقبول وأنفع للعد وإخوانه في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم"إن مما يلحق العبد المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره ،وولداً صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته تلحقه بعد موته "ابن ماجة، وما أيسر ذلك يأخي كغرس شجر وسقي ماء أو توزيع كتاب نافع في العلم النافع .
14) الزيارة في الله : فهي من موجبات المحبة والمودة والأخوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه"وهي أيضا من الدعوة في سبيل الله عز وجل .
15) صلة الرحم : وهي من الزيارة في الله "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"
وهي علي ثلاث درجات : 1- الواصل 2- المكافئ 3- القاطع . فالواصل من صل حتى لو لم يوصل والمكافئ من لا يزيد علي ما يأخذ أي لا يصل حتى يوصل والقاطع الذي يصله الغير وهو لا يصلهم , والصلة بطرق كثيرة وأبواب كثيرة بالمال والإعانة علي قضاء الحوائج والتودد لهم والسؤال عنهم ولو بالهاتف وكذلك الدعاء لهم .
16) المنزل : فتكون في خدمة أهلك ورعاية منزلك ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلمكما في البخاري يكون في مهنة
أهله حتي إذا حضرت الصلاة خرج إليها واعلم أن :"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي "
وأخيرا نقول: الزم أخي الإخلاص لله والرضا عن الله في حياتك كلها واحرص علي أن تفوز بالجنة وسارع إليها بفعل الخيرات واجتناب المحرمات والدعاء بالقبول والتوفيق واشتغل بعيبك عن عيب غيرك ..
قال صلي الله عليه وسلم " اغتنم خمساً قبل خمس ,حياتك قبل موتك،وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل
هرمك، وغناك قبل فقرك" . الحاكم وصححه الألباني
وأخيرا نسألكم الدعاء لنا ولجميع المسلمين بالهداية والتوفيق في الدنيا والآخرة
هذا مختصر لكتاب ماذا تفعل في عشر دقائق للشيخ عبد الملك القاسم(/2)
ماذا خسر المسلمون بإسقاط فريضة الجهاد
[الكاتب: يحيى هاشم حسن فرغل]
الجهاد - كما يقول الإمام الصنعاني في كتابه سبل السلام - مصدر جاهدت جهادا، أي بلغت المشقة، هذا لغة، وفي الشرع بذل الجهد في قتال الكفار أو البغاة.
وإنه لمن فواجع المرحلة التي يمر بها المسلمون اليوم أن لم يكفهم من الخسارة تعطيل الجهاد على مستوى الفعل من سلوكهم ومقاومتهم، ولكن أن زادوا خسرانا فسمحوا لمن كفر بدينهم واحتقر ثقافتهم وصنع هزيمتهم أن يدخل إلى مخادعهم ليفرض عليهم إسقاط الجهاد على مستوى النية من ثقافتهم وتعليمهم في بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم.
لكن تعالوا نتعرف أولا على الأدوار التي مر بها مبنى الإسلام - حتى اليوم - في تعرضه لخطر إسقاط الجهاد.
إن مبنى الإسلام لا يحتاج إلى ضمان بقائه كدين غير الضمان الذي ذكره الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، ولكننا نبحث هنا عن ضمان بقاء الناس فيه أو معه.
لقد بدأ الإسلام غريبا بمرحلة النقاء والتميز الأولى، ثم مر بمرحلة الخلط والتزييف في العقل والعلم والقوة والمتعة والدنيوية، ثم بمرحلة المحن والابتلاء الحاضر، ثم يعود - حسب وعد الله - إلى مرحلة النقاء والتميز مرة أخرى، وهذا هو بقاؤه.
لقد مرت عملية بناء الإسلام بالدوائر الآتية:
دائرة المركز: في بناء الأفراد بالتربية والقيم.
ودائرة الوسط التي تحيطها: في بناء المجتمع.
ودائرة الانتشار: بالدعوة على المستوى العالمي.
ودائرة الحراسة: بالقوة التي تحمي ما قبلها، أي في بناء الدولة.
وإنه ليتحرك الجهاد أولا لبناء هذه الدوائر، ثم يتحرك الجهاد لحماية هذه الدوائر على عكس الترتيب السابق. فلما تركنا الجهاد تبددت - أول ما تبددت - دائرة الحراسة بالدولة، ثم انتقل هجوم العدو إلى دائرة الدعوة على المستوى العالمي، ثم انتقل هجوم العدو إلى دائرة المجتمع بتفكيك وحدته على أساس الإسلام، ثم انتقل هجوم العدو إلى دائرة المركز؛ دائرة التربية والقيم والأفراد.
ومن جهتنا فلقد تحركنا في إسقاط فريضة الجهاد في ثلاثة اتجاهات:
الأول: إشاعة مفهوم مزيف عن السلام يعني الاستسلام.
الثاني: ضرب فريضة الجهاد خوفا من البعث الإسلامي المنشود.
الثالث: إخفاء المفهوم الديني لصراعنا مع الغرب تجاهلا لقوله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.
ولم يتمكن العدو منا لمحض قوة فيه، فنحن الذين أعطيناه شرعية أن يضربنا، لتحريرنا من "الاحتلال الداخلي" - يعنون نظام الحكم الفاسد - وهو مفهوم شديد التهرؤ سياسيا، شديد السقوط أخلاقيا، شديد الكذب واقعيا، فليس لذي ذرة من شرف أو طائف من عقل، أو مسحة من كرامة، أو بقية من دين أن يؤيد المحتل الخارجي الكافر ضد فساد داخلي مهما يكن أمره، مبررا ذلك بلعبة لفظية كاذبة بتسميته الفساد الداخلي احتلالا، وهو في هذا أشبه بامرأة اعترفت بقلة حيلتها ثم استقبلت في فراشها المهجور علجا أجنبيا مقتحما زانيا - ربما لساعة أو ساعتين أو عقد أو عقدين أو قرن أو قرنين!! - بعد أن ساعدته على طرد رجلها الذي عاشرته طويلا لأنه قاس فاسد ولكن أيضا لأنه: لم يعد قادرا على الإنجاب، فهلا استبدلت به زوجا شرعيا؟
ونحن الذين أنكرنا من قبل وما زلنا على مجاهدينا التوجه إلى ساحة المعركة باسم الإسلام، وقدمنا لذلك كله بعملية غسيل الذاكرة: محو التاريخ (تاريخنا)، تشويه التاريخ (تاريخنا)، تجميل التاريخ (تاريخ العدو)، ثم إنكار ما أصبح يسمى دعائيا "نظرية المؤامرة" في حين أن إنكارها - بشروطها - هو في حد ذاته جزء من المؤامرة.
ونحن في معارك الحرب الصليبية الأخيرة؛ نحن الذين قدمنا الأرض والتسهيلات التي دخلت منها جيوش العدو إلى أفغانستان، ثم إلى العراق عبر دول استحقت مفهوم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}، ثم استحقت حكم الله في قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، وقوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله ورسوله يوادون من حاد الله ورسوله}، والبقية تأتي...
ويخطئ من يظن أن الجهاد بدعة في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما هو بصريح قوله تعالى: {وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن}، وباستعراض ما جاء في تاريخ الأنبياء السابقين.. نجده جوهرا في رسالاتهم جميعا.(/1)
في كتابه "الإعلام بمناقب الإسلام" للفيلسوف الإسلامي أبي الحسن العامري يقارن المؤلف بين الإسلام وستة من الأديان الأخرى المعروفة في شريعة الجهاد - من اليهودية والمسيحية والثنوية والصابئة والزرادشتية والإسلام - فيقول: (وأما العبادة الملكية - وهي الجهاد المشتمل على حراسة الملة - فهو شيء تشترك فيه الأديان الستة، ولولا قيام أهل الدين بالمحاماة عن دينهم بالسيف لاجتاحهم أعداؤهم، ولظهر الفساد في البر والبحر، ولهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد. فأساس العالم إذن لا يحتمل تركه، ولهذا قيل: "لا يصدق الحرب إلا ثلاثة: مستبصر لدينه، أو غيران على حرمه، أو كريم ممتعض من ذل أصابه".
هؤلاء الثنوية والنصارى - الذين يدينون بأن معاونة الدين تكون بالدعاء إليه دون الحرب - لو قصد قاصد بعض هياكلهم بالتخريب أو عمد إلى واحد من كتبهم بالإحراق لما كانوا مقرين له على ذلك، فإن المقصود بالضيم يجد لا محالة من قوته الغضبية تحريكا له... وليس الذي حكي عن المسيح؛ أن من لطم خدك الأيمن فأمكنه من الأيسر، بقادح فيما ندعيه، فإنه قول خارج منه مخرج الأمثال للإغضاء، والاحتمال، حسب ما يقول القائل لأخيه؛ إنك إن لطمتني احتملته منك).
ثم يقول: (لسنا نشك أن الوقائع الحربية بين أصناف الخليقة لن تقع إلا على جهات ثلاثة: وهي الجهاد والفتنة والتصعلك، فأما الجهاد؛ فهو الذي يتولاه عمار البلاد وساسة العباد، من الدفاع عن الدين والصيانة للمراتب، وأما الفتنة؛ فهو ما يقع بين طبقات الأمم من الهيج والقتال لتعصب بلدي أو تعصب نَسَبي، وأما التصعلك؛ فهو ما يقصد به من انتهاب المال واستلاب الأملاك. فالنوع الأول نتيجة القوة التمييزية وهو محمود عند ذوي الألباب، وأما النوعان الآخران فأحدهما نتيجة القوة الغضبية، والآخر نتيجة القوة الشهوية وكلاهما مذمومان عند ذوي الألباب).
يقول الدكتور أحمد عبد الحميد غراب محقق كتاب "الإعلام بمناقب الإسلام" للعامري فيما يتعلق بالمسيحية في مسألة الجهاد: (قارن الفيلسوف الإنجليزي المعاصر برتراند رسل في كتابه "لماذا أنا غير مسيحي" حيث اقتبس قول المسيح: من لطمك... إلخ، وقرر أنه ليس بالمبدأ الذي يقبله المسيحيون في واقع حياتهم، ومن ثم فهولا ينصح أحدا بأن يذهب مثلا ويلطم رئيس الوزراء الإنجليزي على أي من خديه، فإنه لن يسكت على هذا بالرغم من أنه مسيحي مخلص وسيحمل هذا القول للمسيح محملا مجازيا) [ص 147 - 148].
ومع ذلك فنحن المسلمين عطلنا الجهاد أو أسقطناه وتمسك به أبناء الديانات الأخرى على طريقتهم الصليبية الصهيونية الاستعمارية، أولئك الذين توهم بعضنا أنهم دعاة سلام، فخسرنا كل غال وشريف كما خسرنا السلام.
1) لقد خسرنا كل غال حين أسقطنا الجهاد أو أسقطنا شروطه؛ خسرنا شرف تبليغ الإسلام إلى العالم، وفعالية دخول العالم في الإسلام:
العالم الذي كان مشتاقا إلى دين الله فأخذ ينزوي أمام المجاهدين شرقا وغربا، كما جاء في الحديث الشريف: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) [رواه الامام مسلم]، وكما جاء في تعبير بعض المستشرقين: (كانت الأرض تطوى تحت سنابك خيل المسلمين، لفرط ما فتحت لهم سريعا).
خسرنا عولمة الإسلام:
ولم تكن فتوحات الإسلام استعمارا أو نشرا للإسلام بالسيف كما يشيع بعض المتشرقين والمتغربين، لقد تحدثوا كثيرا عن انتشار الإسلام بالسيف، وهاهم اليوم لا ينبسون ببنت شفة عن انتشار ما يسمونه الديموقراطية بالدبابة في العراق وما قبل العراق وما بعد العراق، وهم يكذبون في الحالين، لابد لنا هنا من الكشف عن الفرق الذي عميت عنه عيونهم بين فتح إسلامي جعله الإسلام لأصحاب العقيدة لا لخصوص الفاتحين، ولتصبح أجناس من الأمم هم أصحاب الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة، وأصحاب دولته حقا من فرس وأكراد ومماليك وتتار وأتراك وهنود وأوربيين أيضا، وصل اعتناقهم للإسلام إلى حد جرى فيه النقاش ومن ثم التشكيك حول ما إذا كان العرب أصحاب الفتوحات الأولى مثلهم أو أقل منهم في ميزان صلتهم بالإسلام دولة وشريعة وحضارة؟
أقول: لا بد لنا هنا من الإشارة إلى الفرق بين هذا الفتح الإسلامي وغزو يوناني، وروماني، وصليبي، واستعماري،وصهيوني، وأمريكي أخيرا! لسنا بحاجة في هذه العجالة لسرد جرائمه وجرائره في استعباد الشعوب وامتصاص دمائهم وتصديرها لحساب الرجل الأبيض.
ويكفي الإشارة العلمية ردا على هؤلاء بالإحالة إلى كتاب "الدعوة إلى الإسلام" للمستشرق الإنجليزي توماس أرنولد، الذي فند فيه القول بانتشار الإسلام بالسيف، فلم يكن الجهاد لإكراه أحد على الدخول فيه، ولكن لإزاحة السدود المصطنعة في طريقه، ولجعله حقا متساويا مع الجميع(/2)
نعم لقد خسرنا وخسر العالم فتوحات الإسلام في فرنسا، خسرنا وخسر العالم فتوحات الإسلام في الأندلس، خسرنا وخسر العالم فتوحات الإسلام في شرق أوربا، خسرنا وخسر العالم فتوحات الإسلام في آسيا الهند والصين والفيليبين، خسرنا وخسر العالم فتوحات الإسلام في آسيا الوسطى، خسرنا وخسر العالم فتوحات الإسلام في أفريقيا، خسرنا فلسطين والعراق وما يتبعهما، وفي أثناء ذلك خسرنا الشهادة والعزة والشرف والكرامة والسيادة والاستقلال والوطن، وأخيرا خسرنا الحياء - وإذا لم تستح فاصنع ثم اخسر ما شئت - ثم سكنا في مساكن الذين ظلموا، فبكينا كالنساء دنيا لم نحافظ عليها كالرجال.
2) وعلى مستوى العقيدة - وهذا هو لب القصيد - لقد خسرنا إذ أسقطنا الجهاد؛ خطوة البداية في طريق "الإيمان" على مستوى النية:
وهذا ما غفلنا عنه جدا قبل أن نخسره باعتباره نقطة الذروة، على مستوى الفعل.
وكونه كذلك هو ما يدل عليه ما جاء في صريح عقد الإيمان وأولياته الذي عقده مع الله كل مسلم يطلب "الجنة" وهو عقد يقر به كل مسلم ابتداء، حيث إن كل مسلم "يطلب الجنة ابتداء، واسألوا عن الجنة أي مسلم مبتدئ!
وفي أساس هذا المعنى جاء قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، إن المبايعة التي تمت هكذا بين العبد وربه كما تدل عليها هذه الآية تدور حول حقيقة الإيمان أساسا، وفي هذه الآية يأتي تقديم النفس والمال – الجهاد - في الصيغة الأساسية لعقد الإيمان على مستوى النية، فضلا عن كونه يأتي بعد ذلك - على مستوى الفعل - دليلا على صدق العبد فيما تعاقد عليه مع الله {يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلونَ وَيُقْتَلونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً في التَّوْراةِ والْأِنْجيلِ والْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فاسْتَبْشِروا بِبَيْعِكُمُ الَّذي بايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ}.
إن هذه المبايعة ترد العبد إلى أصل العلاقة بينه وبين الله وأنها تقوم على تسليم النفس، وخير تجسيد لها جاء: في الذبيح إسماعيل، أما فداء إسماعيل بالكبش فما هو إلا محض رحمة أو فضل وتنازل من المالك، لكن لا تستقيم الأمور بعد هذا الفضل إلا بالرجوع إلى الأصل في نموذج المبايعة، {قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُموها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأْتيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لا يَهْدي الْقَوْمَ الْفاسِقينَ}.
حقيقة الإيمان إذن - سواء على مستوى النية أو على مستوى الفعل - تقتضي تسليم النفس وما تملك لله تعالى، لا لأنه هو الخالق المالك وحده بغير شك فحسب، ولكن لاستقامة أمر ملك الله، وملك الله لم يكن الإنسان فيه غير ترس من تروس الماكينة الكونية الكبرى المصنوعة بصنع المالك، ولا يسمح لهذا "الترس" أن يخرج عن نسق الكل وإلا سمي "فاسقا" واستحق من ثم ألا يهديه الله. حقيقة الإيمان إذن تقتضي تسليم النفس.
أما الجزاء على ذلك بالجنة مع كونه جزءا أساسيا من عقد الإيمان فقد كان محض فضل من الله تعالى.
إن الثمن الذي يأتيه نظير تسليمه النفس والمال يأتيه تفضلا من مالك الملك، مالك النفس والمال، ولهذا جاء التعبير عن قضاء الثمن بكلمة " بانتدب " التي تفيد التفضل، قال صلى الله عليه وسلم: (انْتَدبَ اللّهُ لِمَنْ خَرَج في سَبِيلِه - لا يُخْرجُه إِلاّ إِيمانٌ بي وَتَصْدِيقٌ برُسُلي - أَنْ أُرْجِعهُ بما نال مِنْ أَجْر أو غَنِيمة، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنّة) [رواه البخاري].
ولما كان الثمن تفضلا كان عظيما واسعا كأنه بغير نهاية، متناسبا في ذلك مع سعة الفضل الذي يملكه المتفضل، ففي صحيح البخاري بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رِباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ منَ الدّنيا وما عليها. ومَوضعُ سَوطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ منَ الدّنيا وما عليها، والرّوحةٌ يَروحُها العبدُ في سبيلِ الله أوِ الغَدْوَةُ خيرٌ منَ الدّنيا وما عليها).
وفي صحيح البخاري بسنده عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّ في الجنةِ مائةَ درجةٍ أعدّها الله للمجاهدينَ في سَبيلِ الله ما بينَ الدرجتين كما بينَ السماءِ والأرض فإذا سألتمُ اللهَ فاسألوهُ الفِردَوسَ فإنهُ أوْسَطُ الجنة وأعلى الجنة - أَراهُ قال: وفوقَهُ عرشُ الرحمنِ - ومنهُ تَفَجّر أنهارُ الجنة)، قال محمدُ بنُ فُلَيحٍ عن أبيهِ: (وفوقَهُ عرشُ الرحمن).(/3)
وكان من هذا الفضل الرباني أن أتيحت الفرصة نفسها لمن تعرض للغزو مخلصا وإن لم يحصل عليه، ففي كتاب الجهاد للإمام عبد الله المبارك المتوفى عام 181 ه بسنده عن أبو صالح الحمصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يبعث الله عز وجل يوم القيامة أقواما يمرون على الصراط كهيئة الريح، ليس عليهم حساب ولا عذاب)، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: (أقوام يدركهم موتهم في الرباط).
وكان من هذا الفضل الرباني أن أتيحت الفرصة نفسها لمن أراد الغزو ولم يقدر عليه بنفسه.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَهّزَ غَازِياً فَقَدْ غَزَا. وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا) [رواه مسلم].
وقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ طَلَبَ الشّهَادَةَ صَادِقا، أُعْطِيَهَا، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ) [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبْتْ لَهُ الْجَنّةُ، وَمَنْ سَأَلَ اللّهَ الْقَتْلَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ صَادِقا ثُمّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، وَمَنْ جُرحَ جُرْحا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً فَإنّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ لَوْنُهَا كَالزّعْفَرَانِ ن وَرِيحُهَا كَالْمِسْكِ، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَعَلَيْهِ طَابِعُ الشّهَدَاءِ) [رواه النسائي].
وقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: الأَنْبِيَاءُ ثُمّ الْعُلَمَاءُ ثُمّ الشّهَدَاءُ) [رواه ابن ماجة في سننه].
إن صدق العبد في هذا التعاقد يكون ببذل النفس والمال في ساحة القتال في سبيل الله، لذلك جاء قوله تعالى بعد ذكر المبايعة " يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون " فإذا فعل العبد ذلك فقد قدم فورا كل ما يمكن أن يقدمه تنفيذا لذلك العقد، وقدمه منجزا كاملا. لذلك أيضا يأتي الثمن - الجنة - فورا منجزا كاملا، ولذلك كان انتقال الشهيد من ساحة الجهاد إلى الجنة مباشرة: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقونَ}.
وإذن فإن الجهاد لا يعتبر فحسب أسمى الأعمال التي يطلبها الدين وأرقاها وأعلاها ولكنه يعتبر فوق ذلك الاختبار الوحيد العملي لصدق الإيمان واكتماله في قلب المؤمن، وفي ضوء هذه الحقيقة نفهم قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق) [رواه مسلم]، وهو يتحدث عن الجانب المقابل من الموضوع.
إنه يتحدث عمن كان بإيمانه الظاهر قد تعاقد مع الله على تسليم النفس والمال وبيعها لله تعالى لتكون له الجنة، ومع ذلك جاءته الفرصة لتسليم النفس والمال طبقا للتعاقد فلم يفعل، جاءته الدعوة إلى الجهاد فلم يستجب لها، بل إنه لم يحدث نفسه بأن يسلم لله ما تعاقد على تسليمه له، إنه عندما قامت الموانع بينه وبين الجهاد الفعلي اتجه الاختبار إلى قلبه: هل حدث نفسه بالغزو؟ هل تمناه؟ هل تشوق إليه؟ هل تطلع لأداء ما وجب عليه في التعاقد الذي عقده مع ربه لتكون له الجنة؟ إنه إذا لم يفعل شيئا من ذلك قام الدليل عليه أنه لم يصدق حق الصدق في تعاقده، ولم يصدق حق الصدق في إيمانه، لقد دهم إيمانه شيء من النقص، أو شيء من الوهن، أو من الفسق، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء بجامع الترمذي بسنده قالَ: (مَنْ لَقِيَ الله بِغَيْرِ أثَرٍ مِنْ جِهَادٍ لَقِيَ الله وفِيهِ ثُلْمَةٌ). فهو إذن على شعبة من النفاق كما جاء في حديث سابق.
ومن هنا كان الجهاد لا يعد شيئا في الإسلام إلا إذا كان في سبيل الله حقا وصدقا.
وفي "سبيل الله"؛ تعني أنه ليس من الصواب أن يقاس الجهاد بمقياس الحرب الدفاعية أو الهجومية، لأن كلا الوصفين ناشئ من قيمة واحدة يصدران عنها، وهي قيمة التملك، فعندما تكون المسألة هكذا يمكن أن يقال؛ هي دفاع عن هذا الملك، أو هجوم عليه؟
ولكن المسألة في الإسلام تصدر من قيمة أخرى أعلى وأسمى وأشمل، هي قيمة الحق الذي يعبر عنه في الإسلام بـ "سبيل الله" انتصارا له أو اعتداء عليه.
ففي رواية للبخاري بسنده عن رسول الله صلى لله عليه وسلم أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وعندئذ فالجهاد في سبيل الله حركة تصويب، وإرجاع إلى سبيل الله بعد أن يزيغ عنه البشر، يتبين ذلك من جهة أن الجهاد في "سبيل الله" في الإسلام يقوم على بعدين: أحدهما تعاقدي وقد قدمناه في قوله تعالى: {إن الله اشترى}، والثاني كوني، أما البعد الكوني فيتم التعبير عنه بعبارة هي من ذاتيات الإسلام؛ "في سبيل الله".(/4)
وتوضيح ذلك: أن كل ما في الوجود يتحرك في سبيل الله، وإشكالية الإنسان أنه قد أراد الله له أن يتحرك حركته في سبيل الله - كما هو الشأن في المخلوقات جميعا - ولكن باختياره وإرادته.
في سبيل الله بالنسبة للطبيعيات؛ هو ما نسميه "قوانين الطبيعة"، بالنسبة للشمس كذا، وبالنسبة للقمر كذا، وهكذا.. بالنسبة للرياح، والذرة،والخلية الحية، والزهرة، و... الخ.
أما في سبيل الله بالنسبة للإنسانيات؛ فهي أوامره تعالى ونواهيه، أوامره ونواهيه في الدين والأخلاق، والتشريع والجهاد والتربية والاقتصاد والإعلام... في سبيل الله بالنسبة للإنسان تعني: انخراط كل نشاط إنساني في حركته وفقا لإرادة الله وأوامره ونواهيه، وإذن فكل نشاط إنساني: فرديا كان أو اجتماعيا أو دوليا يخرج عما يريده الله وعما بينه في شريعته... لا يقال عنه فحسب إنه "خارج سبيل الله"، ولكن يقال عنه بحق: إنه "اعتداء على سبيل الله".
وفي هذا يقول فيلسوف الإسلام أبو الحسن العامري في كتابه "مناقب الإسلام": (لم يِشَك أحد أنه صلى الله عليه وسلم كان متمسكا في سيره بصورة عبد قد أخلص الولاية لمولاه، وعلم أن عباده كلهم قد انتهكوا حرمته وخلعوا طاعته، واستعانوا بأموالهم على أبواب عصيانه، فحملته سجية الوفاء لمولاه وخلق الحفاظ لأياديه على نهيهم وزجرهم، فبالغ فيه بالقول أزمنة طويلة حتى إذا أيس من ارعوائهم وأيقن أن الوعظ لا ينجع فيهم ذهب في علاجهم مذهب الطبيب المتحدب، الذي خاف إتيان الداء العضال على نفس العليل، وعلم أن السبيل إلى استبقائه غير موجود إلا بقطع عضو من أعضائه، فأوقع في مغازيه بعدد من القتلى، تدرجا إلى استنقاذ الجمهور من الهلك والردى، وذلك لتيقنه من أن المحمولين على شرف الدين في مبدأ أمرهم كرها متى وقفوا على فضائل دعوة الحق أخيرا فإنهم بعد الاستيضاء برونقها سيعتدون له بجسيم المنة وجزيل النعمة، ويقبلون على خدمة مولاهم ليتلافوا به فارطهم، فتصير أحوالهم فيه شبيهة بحال المأخوذ في صغره بالتأديب، وهو يبغض مؤدبه حتى إذا عقل وانتبه أيقن موقع النعمة العظيمة فالتزم شكره واعتقد إحماده).
ومن هنا تسقط المعركة المصطنعة حول الجهاد، وهل هو هجومي، أو دفاعي... الخ، إذ يكون مجرد وجود نمط من السلوك البشري على هذه الأرض مخالف لشريعة الله التي بينها في رسالاته التي حملها الأنبياء... يعني أن اعتداء وقع علي سبيل الله، ما كان ليقع من غير الإنسان الممتحن - والمنعم عليه معا - بخاصة الاختيار.
من أجل هذا كان كل قتال بنية إقامة سبيل الله ودفع اعتداء عليه في المجتمع الإنساني - بوعي المختار وتبصره وحكمته -... هو في سبيل الله، {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}، ومن هنا كانت صور الجهاد في سبيل الله لا تعني فحسب رفع راية "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، ولكنها تعني مع ذلك وبوجه عام: إقرار شرع الله في المحافظة على النفس والدين والعقل والنسل والمال وفقا لمقاصد الشريعة وأحكامها.
يقول الله تعالى في البعد الكوني: {إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت، ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير}، وذلك في سياق البعد التعاقدي للقتال في سبيل الله بعد آيتين اثنتين من قوله: {إن الله اشترى...}، هنا يتضح عمق المسألة الذي يربطها بالبعد الكوني، الملكية لله، وذات الإنسان هي من ملك الله، وليست من ملك صاحبها {يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير}.
ففي طبيعة الكون وواقعه؛ أن أحدا منا لا يملك نفسه أو ذاته، وإنما الذي يملكها هو الله سبحانه وتعالى؛ غاية ما في الأمر - كما سبق أن قلنا - أننا امتحنا - وأنعم علينا - في هذه الحقيقة، بوضع الأمانة في أيدينا، لنردها إلى مالكها بإرادة منا واختيار معطرة بالطاعة أو بغيرها حسب الأحوال، ومن هنا كانت ديانة الإسلام تعني كلمة الإسلام معنى ولفظا؛ الإسلام يعني التسليم.
ولذلك كان العقد موضع التطبيق وإن لم يتفق حدوث قتال، ولهذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات ميتة جاهلية) [رواه مسلم].
هذا هو العقد القائم بين العبد وبين المسلم بحرفيته.
وإجمالا فلقد خسرنا بإسقاط الجهاد؛ خسرنا علاقته التصحيحية بضمير المسلم فإنه لا يتحقق للمسلم البراءة من النفاق، والدخول الصحيح في حظيرة الإيمان إلا إذا قام بواجبه الديني في الجهاد في سبيل الله بالفعل، أو في تمني القيام به إن منعه مانع، سواء رجع هذا المانع إليه شخصيا، أو رجع إلى الظروف المحيطة به: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق) [رواه مسلم].
ومن أجل هذا كانت ممارسة الجهاد نية أو فعلا.. كشفا عن حقيقة العقد في قلب المسلم. وكان إسقاطه نية أو فعلا.. كشفا عن حضيض الزيف في قلب المنتسب إلى الإسلام.(/5)
3) ثم خسرنا إذ أسقطنا الجهاد أو أسقطنا شروطه؛ نصرة من الله نطلبها من فوق المنابر ثم لا تأتي:
إن نصرة الله للمجاهدين قد جاء التصريح بشروطها، وهي شروط تتعلق بصفات المجاهدين، وهي لا تكون لغيرهم بحال.
إن المسلم في كل زمان ومكان مفتوح أمامه باب الاستناد إلى نصرة الله له في الجهاد، مع الأخذ بالأسباب العادية، إذا عمل بموجبات المنهج الإسلامي:
أولا: أن يحقق شرط النصر بالله: كما جاء تلميحا في الآية التالية لآية العقد في قوله تعالى: {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ومن أوفى بعهده من الله}، ثم في قوله تعالى في وصف أصحاب العقد: {التّائِبونَ الْعابِدونَ الْحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الْآمِرونَ بِالْمَعْروفِ والنّاهونَ عَنِ الْمُنْكَرِ والْحافِظونَ لِحُدودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنينَ}.
وكما جاء محددا واضحا في قوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.
ثانيا: أن يصحح موقفه من الدنيا - في إطار تحقيق الذاتية الإسلامية - وذلك بأن يخضعها للآخرة: وفقا لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواة الترمذي في سننه بسنده: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له).
ثالثا: أن يكون ربانيا بالقرب من ربه: ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
رابعا: أن يحقق شرط التوكل: وهو استفراغ الوسع والجهد في الأخذ بالأسباب، إذ هذه الأسباب هي التي وضعها الله، ولا يكون متوكلا على الله إذا رفض قوانينه وأسبابه.
فقد روى الترمذي في سننه بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: (اعقلها وتوكل).
ما حدث للمسلمين اليوم هو من إهمالهم الأخذ بالأسباب لأزمان طويلة تراكمت آثارها ومخازيها لسنوات طويلة وقرون، ومن ذلك توقفهم عن الإنفاق الرشيد على القتال أولا، مما جعلهم يتخلفون تكنولوجيا ثانيا، ولا يقاتلون ثالثا.
إن التفوق التكنولوجي للعدو جاء نتيجة هذا التوقف، لقد كان العالم الإسلامي على قمة التفوق والعلم في حينه، ولكن الذي حدث أنهم توقفوا عن الإنفاق الرشيد للاستعداد للحرب والقتال في الوقت الذي سارع فيه أعداؤهم إلى مواصلة الاستعداد للحرب والإنفاق على القتال.
إن قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}، يعني أن يصل الإعداد إلى حد إرهاب العدو حتى قبل الدخول في المعركة ردعا له عن التفكير في ذلك. وهي هي نظرة الردع التي تقوم عليها الأحلاف العسكرية في عالم اليوم.
والأمر الذي لاشك فيه أنك إن أردت الشهادة أو محض الدفاع عن النفس كرد فعل فوري ضد الاعتداء فمن حقك بل من واجبك أن تدخل المعركة بما تيسر لك، أما إن كنا نتحدث عن النصر أو نريده أو ندعو الله به فتلك مسألة أخرى، لا يكفي فيها أن تدخل المعركة بما تيسر لديك، خلافا لما شاع في الثقافة الشعبية المعاصرة، حيث يستشهدون على ذلك - خطأ - بانتصار المسلمين مع التفاوت الكبير بين قوتهم وقوة المشركين في غزواتهم تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم، والواقع أن هذا التفاوت لم يكن إلا في العدد البشري وقد عوضه المسلمون بإيمانهم وفقا للميزان الرباني؛ {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين}، وهو ميزان محسوب بميزان الإيمان، أما في أدوات المعركة الأخرى فلم يكن هناك كبير تفاوت في قوة السلاح؛ فالسيف هنا هو السيف هناك، والخيل هنا هو الخيل هناك نعم كان هناك فرق، نعم... ولكنه الفرق واطئ السقف - إن صح التعبير - الذي يمكن تعويضه بالروح المعنوية التي نجدها في أدنى مستوياتها في قوله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين...).
أما القوة المادية المخدومة بالتقدم العلمي فلا يمكن إسقاط التفاوت فيها إلى ما لانهاية، كذلك فإنه لا يصح وقف التطوير فيها إلى مالا نهاية.(/6)
وبالطبع فإنه ليدخل في ميزان القوى وحساباته ما يبدعه الجهاد - ولا يملك أن يبدعه غيره - من سلاح الاستشهاد، أو ما يروق للبعض تسميته بالقنبلة البشرية، بقدر موزون قادر على تحييد عناصر التفوق لدى العدو.
وذلك هو الفهم الصحيح لشرط (ترهبون) في قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}.
ولقد كان المسلمون في جهادهم ضد الحروب الصليبية على مستوى أعلى من العدو، أو على مستوى واحد معه، أو قريب منه، ولدينا نموذج تاريخي للتقدم العلمي لجيش المسلمين في عصر الحروب الصليبية متفوقا فيه على جيش الصليبيين.
ففي "الكامل" لابن الأثير [ج 10 / ص 191 - 193] في أخبار سنة ست وثمانين وخمسمائة: (كان الفرنج في مدة مقامهم على عكا قد عملوا ثلاثة أبراج من الخشب عالية جدا، طول كل برج منها خمس طبقات، كل طبقة مملوءة من المقاتلة، وقد جمع أخشابها من الجزائر وغشوها بالجلود والخل والطين والأدوية التي تمنع النار من إحراقها، وأصلحوا الطرق لها، وقدموها نحو مدينة عكا من ثلاث جهات، وزحفوا بها من العشرين من ربيع، فأشرفت على السور وقاتل من بها من عليه، فأشرف البلد - عكا - على أن يسقط عنوة وقهرا، فأرسل أهله إلى صلاح الدين إنسانا سبح في البحر فأعلمه ما هم فيه من الضيق وما قد أشرفوا عليه من أخذهم وقتلهم، فركب هو وعساكره وتقدموا إلى الفرنج، وقاتلهم من جميع جهاتهم قتالا عظيما دائما يشغلهم عن مكاثرة البلد، ودام القتال ثمانية أيام متتابعة آخرها الثامن والعشرون من الشهر، وسئم الفريقان القتال وملوا منه، لملازمته ليلا ونهارا، والمسلمون قد تيقنوا استيلاء الفرنج على البلد، لما رأوا من عجز من فيه عن دفع الأبراج، فأتاهم الله بنصر من عنده، وكان سبب ذلك أن إنسانا من أهل دمشق كان مولعا بجمع آلات النفاطين وتحصيل عقاقير تقوي عمل النار، فلما رأى الأبراج قد نصبت على عكا شرع في عمل ما يعرفه من الأدوية المقوية للنار بحيث لا يمنعها شيء من الطين والخل وغيرهما.
فلما فرغ منها حضر عند الأمير قراقوش وهو متولي الأمور بعكا والحاكم فيها، وطلب منه أن يأمر المنجنيقي أن يرمي في المنجنيق المحاذي لبرج من هذه الأبراج ما يعطيه حتى يحرقه، فأجابه إلى ذلك، وأمر المنجنيقي بامتثال أمره، فرمى عدة قدور نفطا وأدوية، ليس فيها نار، فكان الفرنج إذا رأوا القدر لا يحرق شيئا يصيحون ويرقصون ويلعبون على سطح البرج، حتى إذا علم أن الذي ألقاه قد تمكن من البرج ألقى قدرا مملوءة وجعل فيها النار فاشتعل البرج، وألقى قدرا ثانية وثالثة فاحترق البرج ومن فيه، فلما احترق البرج الأول انتقل إلى الثاني وقد هرب من فيه لخوفهم فأحرقه، وكذلك الثالث، وكان يوما مشهودا لم ير الناس مثله، فرحا بالنصر وخلاص المسلمين من القتل... وحمل ذلك الرجل إلى صلاح الدين، فبذل له الأموال الجزيلة والأقطاع الكثيرة، فلم يقبل منه الحبة الفرد، وقال إنما عملته لله تعالى ولا أريد الجزاء إلا منه).
4) خسرنا إذ أسقطنا الجهاد أو أسقطنا شروطه؛ خسرنا اختصاصه بترقية المسلم في الدين:
فهو - أي الجهاد - هو ما يجعل المجاهد الأفضل.
قِيل: يا رسول اللهِ أيّ الناسِ أفضلُ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مُؤمنٌ يُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ بنَفسِهِ ومالهِ) [صحيح البخاري].
وهو - أي الجهاد - (ذروة السنام) منه؛ أي الدرجة العليا من الدين [رواه أحمد].
والمجاهد مثله (كَمَثَلِ الصّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللّهِ. لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ. حَتّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ تَعَالَىَ) [رواه مسلم وجاء مثله في صحيح البخاري].
وبه (يرفع الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنّةِ. مَا بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ) [رواه مسلم].
وبه حرم الله سائر جسده على النار [رواه أحمد في مسنده].
وبه (يُجْرَي عَلَيْهِ أَجْرُهُ - أي بمجرد موته - حَتّى يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيُوفَى فِتْنَةَ الْقَبْرِ) [رواه احمد].
5) خسرنا إذ أسقطنا الجهاد أو أسقطنا شروطه؛ خسرناه كما خسرنا حلاوة شروطه:
ولأن الجهاد إنما هو في سبيل الله فإنه مشمول بشروط العدل وعدم الاعتداء: (وقاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
ولأنه في سبيل الله وجب في الجهاد أن تكون نفقته - على المقاتل أو من يرسله - من كسب حلال، ليكون مقبولا عند الله، لأنه لا يقبل إلا طيبا؟!
ولأنه في سبيل الله فإنه مشمول بحماية غير المقاتلين من الضعفاء.
ويظهر حرص الإسلام على هؤلاء الضعفاء - وهو إنما أجاز القتال دفاعا عنهم - من شروطه التي وضعها للقتال، ومن شروطه الكف عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، والتمثيل بالجثث، ولايمنع ذلك من المعاملة بالمثل إذا دعت الضرورة.(/7)
ونظلم الإسلام إذا وقفنا هنا لنلفت إلى ما يجري على الساحة الدولية بعامة من تدمير المدن ومئات الآلاف من غير المحاربين في طلقة نووية واحدة، وإلى ما يجري بين جيش إسرائيل وأطفال الانتفاضة الفلسطينيين، نظلم الإسلام أن نضعه هنا في موضع المقارنة، فهي كأنها مقارنة بين الماء الطهور الذي يغسل، وبين الماء النجس الذي يسمم.
6) خسرنا إذ أسقطنا الجهاد وضوح الهدف في معاركنا المتخبطة منذ عشرات السنين:
فليس الجهاد من أجل الشعارات الفارغة أو تخليد الزعماء، أو السمعة، أو شفاء الغليل، أو ترسيخ السلطة أو توسيع الملك، ولا هو من أجل المال أوالبترول، أو من أجل الفتنة وإثارة الشغب.
ففي صحيح مسلم بسنده عن ا بن سيرين سمعت أبا هريرة يقول: قال: أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه).
7) خسرنا إذ أسقطنا الجهاد أو أسقطنا شروطه؛ وضوح الرؤية الشرعية في معاركنا القتالية:
إذ يجب أن يكون القتال ضد أعداء الإسلام المعتدين قصدا على حرماته، ولا يقصد به مسالم معاهد أو ذمي، وأن يكون قرار القتال خاضعا لحسابات دقيقة، محسوبا بالفائدة للمسلمين فلا تكون حركة الجهاد اندفاعا إلى الشهادة بغير حساب، وأن يكون القتال مفتوحا لتقبل السلام بشروطه المعروفة شرعا، وأن يخضع ذلك كله لقيادة مسئولة شرعا، مع التنسيق اللازم مع القيادات المعنية لكي نتجنب ضرر الفتنة الأشد، وفقا لأصول الفقه وقواعده؛ من دفع الضرر، وسد الذرائع، وجلب المصلحة، و... رجوعا إلى مصطلحات أصول الفقه.
كما ينبغي العلم بأن اتصاف القائد باٌلإيمان في معناه المطلق ليس كافيا للنصر أو لإبراء الذمة - كما يعتقد البعض - إذ لابد مع تحصيل المعرفة بالحكم الشرعي أن تكون هناك معرفة بالواقع، ثم بطريقة تنزيل الحكم الشرعي عليه، وبغير تحصيل هذه الشروط يمكن للفقيه، أو للمرجع، أو آية الله أو ما يشبه من الأسماء والألقاب؛ أن يكون رجل دعوة، لكنه لا يصلح رجل سياسة، أو يصلح ليكون زعيم طائفة ولا يصلح أن يكون قائد دولة، أو يصلح مفتيا مشروطا بأن تظل فتياه معلقة بالفضاء حتى ينزلها على الواقع رجل الحركة القادر على أن يجمع في نفسه ثلاثة شروط؛ فقها بالحكم، وفقها بالواقع، وفقها بطريقة تنزيل الحكم على الواقع.
8) وبإسقاط الجهاد خوفا من التهلكة؛ خسرنا المال وأهلكنا الولد ووقعنا في التهلكة:
متناسين أن الإسلام قد قفل الباب أمام المتقاعسين عن الجهاد بدعوى ما فيه من ظاهر تهلكة.
ففي جامع الترمذي بسنده عن أَسْلَمَ أَبي عِمْرَان التّجِيبيّ قالَ: (كُنّا بِمَدِينَةِ الروّمِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفّاً عَظِيماً مِنَ الروّمِ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ وَعَلى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ المسْلمِينَ عَلَى صَفّ الروّمِ حَتّى دَخَلَ عَلَيهِمْ، فَصَاحَ النّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ الله يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التّهْلُكَةِ، فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ الأنْصَارِيّ فَقَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّكُمْ لَتُأَوّلُونَ هَذِهِ الاَيَة هَذَا التّأْوِيلُ، وَإنّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَة فِينَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، لَمّا أَعَزّ الله الإسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ. فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضِ سِرّا دُونَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أَمْوَالَناَ قَدْ ضَاعَتْ، وَإنّ الله قَدْ أَعَزّ الإسْلاَمَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فأَصْلَحْنَا مَا ضَاع مِنْهَا، فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدْ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا بقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا في سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيِكُمْ إلَى التّهْلُكَةِ}، فَكَانَتْ التّهْلُكَةُ الإقَامَةَ عَلَى الأمْوَالِ وَإصْلاَحَهَا وَتَرْكَنَا الغَزْوَ. فَمَا زَالَ أَبُو أَيّوبَ شَاخِصاً في سَبِيلِ الله حَتّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرّمِ) [قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ].
وعقب الإمام الصنعاني في كتابه "سبل السلام" بقوله: (وصرح الجمهور: إذا كان لفرط شجاعته يظن أنه يرهب العدو أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فهو ممنوع، لا سيما إن ترتب على ذلك وهن المسلمين). اهـ
ومن ثم ينبغي أن نقول إن حركة الجهاد في الإسلام ليست في أي وضع من أوضاعها حركة انتحارية ينساق إليها الإنسان بمحض سخطه على الأوضاع التي يرفضها الإسلام بصرف النظر عن نتائج هذه الحركة كما يراد لها أن تكون على هذه الأرض...(/8)
إنه حركة محكومة بقوله تعالى: {وَأَنْفِقوا في سَبيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقوا بِأَيْديكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ}، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ}، {وَأَعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وآخَرينَ مِنْ دونِهِمْ لا تَعْلَمونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقوا مِنْ شَيْءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمونَ}.
وأخيرا: فهي بهذا حركة مشمولة برعاية الله وتوفيقه لا محالة، يقول الله تعالى: {والَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنينَ}.
9) خسرنا إذ أسقطنا الجهاد أو أسقطنا شروطه؛ خسرنا خصال المجاهد التي ترقى به ليكون عضوا صالحا في المجتمع كما ترقى به ليكون أهلا للنصر:
ذكر الإمام أبو الليث السمرقندي بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي مجموعة من الخصال المستخلصة من ثوابت الشريعة وصحيح السنة وأحكام الفقه؛ قال: (من أراد أن يكون غازيا حقا مجاهدا في سبيل الله فليحافظ على عشر خصال: أولها: ألا يخرج إلا برضا الوالدين، والثاني: أن يؤدي أمانة الله في عنقه من الصلاة والزكاة والحج والكفارات. ثم يؤدي أمانات الناس التي في عنقه من المظالم والغيبة وقول الزور. والثالث: أن يدع لأهله من النفقة ما يكفيهم قدر إقامته. والرابع: أن تكون نفقته من كسب حلال، فإن الله تعالى لا يقبل إلا الطيب. والخامس: أن يسمع ويطيع لأميره. والسادس: أن يؤدي حق رفيقه ويتبسم في وجهه كلما لقيه، وينفق أكثر مما هو ينفق، ويمرضه ويقوم بحوائجه. والسابع: ألا يؤذي في طريقه مسلما ولا معاهدا. والثامن: ألا يفر من الزحف. والتاسع: ألا يغل من المغانم. والعاشر: أن يريد بغزوه إعزاز الدين ونصرة المؤمنين).
وختاما:
فإن عبرة تاريخنا تقول: إن هذا الدين - رجوعا إلى ثوابته ورجوعا إلى تجاربه - يسفر عن كونه " دين الجهاد "، بمعنى أن توطن المسلمين فيه مرهون بجهادهم هذا هو قدرهم، وهذا هو نظامه، وكل من يطلب هذا الدين خارج هذا السياق يجد نفسه خارج ذاته، ثم يجد نفسه داخل أسوار الرقيق إن لم يلحقه الحظ ليكون داخل أمعاء الذئاب: {خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}.
ولقد علم العدو منا ذلك، ولهذا كان عداؤهم للجهاد في الإسلام لا يعادله عداء، فأي خسارة خسرناها إذن عندما جاريناهم أمس بإسقاط الجهاد في ساحة القتال، وأي خسارة سوف نخسرها غدا عندما نواصل محوه من مؤسسات العبادة والتربية والإعلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(/9)
ماذا عندما يعلوكِ التراب؟!!
مفكرة الإسلام: أخيتي.. هل فكرتِ مرة في زيارة القبور؟! هل تخيلتِ مرة أنك تحت التراب؟!! أين يمكن أن يحدث ذلك ؟ بالطبع في تلك الحفرة الرهيبة التي تسمي القبر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'كنت نهيتكم عن زيارة القبور.. ألا فزوروها، فإنها ترق القلب وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هُجرًا'.
ولأهمية زيارة القبور وعظيم أثرها في رقة القلب وخشوعه لربه ،كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم صحابته الكرام زيارة المقابر, بل ويعظ ويذكّر ويستغل المواقف لتكون منها العبرة والتذكرة..
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أبصر بجماعة فقال: 'علام اجتمع هؤلاء؟!' قيل: على قبر يحفرونه, قال: ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبدا بين يدي أصحابه مسرعًا، حتى انتهى إلى القبر فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه.. ثم أقبل علينا فقال: 'أي إخواني, لمثل هذا اليوم فأعدوا'.
وعلى درب النبي صلى الله عليه وسلم سار صحابته الكرام في تذكر القبر وزيارة القبور.. فها هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه يتأسى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويعظ الناس في خطبته قائلاً: 'الوضاءة الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم، الذين كانوا لا يعطون الغلبة في مواطن الحرب، أين الذين بنوا المدائن وحصونها بالحيطان؟! قد تضعضع بهم الدهر، وصاروا في ظلمة القبور'.
وأما عمر بن الخطاب ، فيقول عنه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فلما وقفنا على مقبرة البقيع، اختلس يده من يدي, وكنت قابضًا على يده, ثم وضع نفسه على قبر فبكى بكاء طويلاً, فقلت: ما بك يا أمير المؤمنين؟!
قال: يا ليت أم عمر لم تلد عمر، يا ليتني كنت شجرة تعضد, أنسيت يا ابن عوف هذه الحفرة، قال: فأبكاني والله, فالله المستعان على تلك اللحود الضيقات، الله المستعان على تلك اللحظات الحرجات.
وعن ميمون بن مهران قال: 'خرجت مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى المقابر، فلما نظر إلى القبور بكى، ثم قال: يا أبا أيوب, هذه قبور آبائي بني أمية, كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم وعيشتهم، أما تراهم صرعى، قد حلت بهم المثلات، واستحكم فيهم البلاء، وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلاً، ثم بكى حتى غُشي عليه, ثم أفاق فقال: فانطلق بنا, فوالله ما أعلم أحدًا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله عز وجل'.
حفرة الغاوين:
فعن يزيد بن سخبرة 'يقول القبر للرجل الكافر أو الفاجر: أما ذكرت ظلمتي، أما ذكرت وحشتي، أما ذكرت ضيقي، أما ذكرت غمي'.
فيا لتعاسته ويا لشقاوته هذا العاصي.. هل سيتحمل هذا النداء القاسي في هذه الظروف الصعبة وهذا الحال المؤلم؟!! هل سيتحمل نداءات العتاب في الوقت الذي ما عاد ينفع فيه العتاب؟! وفي الساعة التي ليس بعدها رجعة إلى دار الغرور؟! كم هو في ألم؟! كم هو في وجع؟! كم هو في حيرة وقلق وشرود وهو لا يدري ما يفعل به؟!! بل حتى يعاتبه جيرانه من سكنى القبور :
عن محمد بن صبيح قال: بلغنا أن الرجل إذا وضع في قبره فَعُذِّب أو أصابه بعض ما يكره ناداه جيرانه من الموتى: أيها المتخلف في الدنيا بعد إخوانه.. أما كان لك فينا معتبر؟! أما كان لك في تقدمنا إياك فكرة؟! أما رأيت انقطاع أعمالنا هنا وأنت في المهلة؟! فهلا استدركت ما فات؟! وتناديه بقاع الأرض: أيها المغتر بظهر الأرض.. هلا اعتبرت بمن غيب من أهلك في بطن الأرض ممن غرته الدنيا قبلك!! ثم سبق به أجله إلى القبور!! وأنت تراه محمولاً تناديه أحبته إلى المنزل الذي لا بد له منه!!!
ضمة القبر:
فإذا كان سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن ضمّه القبر ضمّة ثم خفف عنه, فكيف إذن بالمفرط الذي أغضب الله تعالى؟!!
يضمّه القبر ضمّة ويضغطه ضغطه حتى تختلف عليه أضلاعه كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه: 'ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه'..
الامتحان الأخير:(/1)
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصف لنا حال المفرط في داخل القبر، فيقول '. ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟! فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد! فيقول: هاه هاه، لا أدري, سمعت الناس يقولون ذاك، فيقولان: لا دريت ولا تلوت, فينادي منادٍ أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويأتيه [وفى رواية: ويمثل له] رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: وأنت فبشرك الله بالشر من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالشر! فيقول: أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمت إلا كنت بطيئًا عن طاعة الله، سريعًا إلى معصية الله، فجزاك الله شرًا، ثم يقيّض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة, لو ضُرب بها جبل كان ترابًا, فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابًا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، ويُمهد من فُرش النار، فيقول: رب لا تقم الساعة.
العذاب النفسي أشد وأنكى:
فسبحان الله, هو يرى الجنة أمام عينه.. يرى مقعده في الجنة.. يرى الخير الذي أعد له إذ كان أطاع الله تعالى.. فحقًا.. إن الله لا يخلف الميعاد.. وحقًا والله إن الجنة حق والنار حق, ولكن المعذب في قبره لا يدرك هذا كله إلا بعد فوات الأوان..
قبر الغاوي من الداخل:
كثيرًا ما يغرق الإنسان في حياة المادة والشهوات, فإذا ما ذكر بأحاديث القبر ونعيمه وعذابه لا يتذكر ولا يتدبر, بل وقد يشتط ويطغى, مثل من أنكر عذاب القبر من الغفلة والغاوين.
ولكن إذا ما تطابق الغيب مع الشهادة, ورأت العين ورفعت حجب الغيب، وانكشف غطاء الشك.. لا يسع الإنسان بعدها إلا أن يرفع إصبع السبابة إلى السماء, ويعلو صوته في الأجواء, ويقول: 'لا إله إلا الله'.
يقول رجل كان يعمل نباشًا للقبور, فلما تاب إلى الله سأله أحد العلماء: ما السر في توبتك؟! فقال له الرجل: لقد كنت أنبش قبور المسلمين بعد دفنهم لأسرق الأكفان والأسنان الذهبية وغير ذلك, فنبشت ألف قبر, فما وجدت واحدًا منهم موجهًا إلى القبلة, مع أن أقاربه دفنوه منذ ساعات وتركوه موجَّهًا إلى القبلة!!! فقلت في نفسي: ما الذي حوَّلهم عن القبلة؟! فعلمت أن ما فعلوه في الدنيا ظهر في قبورهم, فعزمت على أن أتوب قبل أن يأتيني ملك الموت وأنا على تلك الحالة.
نعم أخيتي.. ما فعلوه هنا ظهر هناك!!!
قد يقول ضعيف الإيمان: هذه خرافات, وما الذي يؤكد لي أن هذا الكلام صحيح؟!
فهذا نقول له: أيها الأخ الحبيب, هذا مما رواه علماء فضلاء, ولكن إن أبيت إلا الإعراض فنذكر لك ما رواه من هو من خير القرون, خادم النبي صلى الله عليه وسلم وغلامه النجيب 'أنس بن مالك' رضي الله عنه وأرضاه..
قال: كان منا رجلٌ من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا: ما هذا؟! قد كان يكتب لمحمد صلى الله عليه وسلم. فأعجبوا به, فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه, فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه, فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذًا.
روضة المحبين!!
هل يعذب المحب حبيبه؟!!
هل يزعجه؟! هل يخيفه؟! هل يفزعه؟! هل يؤلمه؟!
هذا غير متعارف عليه في عالم البشر, فكيف إذن مع رب البشر سبحانه وتعالى!!
الذي قص في كتابه الكريم أن رحمته وسعت كل شيء, وأنه سيكتبها للمتقين.. قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 156]
وقال أيضاً عن أوليائه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
فها هم.. أخيتي.. أحباب الله تعالى كانت موتتهم هنية, وتوفتهم ملائكة طيبون بيض الوجوه, وصعدت أرواحهم الطيبة إلى مغفرة من الله ورضوان, تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، صلى عليهم كل ملك بين السماء والأرض, وكل ملك في السماء.. وحان الوقت الآن أن تعود الروح إلى الجسد، وآن الأوان أن يصدق وعد الله: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}.
عندما يكلم القبر المؤمن:
هل يتكلم القبر؟! هل يتكلم التراب والحجر؟!
هل يتكلم وينطق ويفهم منه الكلام؟! نعم أيتها الأخت الحبيبة, إن الذي أذن للطفل الرضيع أن يتكلم في مهده قادر على أن ينطق الحجر والشجر.. هكذا جاء في الأثر..
ولكن ماذا يقول للعَبد المؤمن...(/2)
هذا ما نعرفه أخيتي من كلام أسيد بن عبد الرحمن رحمه الله قال: بلغني أن المؤمن إذا مات وحمل قال: أسرعوا بي, فإذا وضع في لحده كلمته الأرض فقالت له: إن كنت لأحبك وأنت على ظهري, فأنت الآن أحب إليّ.
فهذه بداية عهد المؤمن بالقبر, سعة وخضرة وطمأنينة.. ثم ماذا بعد أيها الأخت الحبيبة؟!
ضمة الأم الحنون:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: 'إن للقبر ضغطة؛ لو كان أحد ناجيًا منها لنجا سعد بن معاذ', وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: دفن صبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'لو أفلت أحد من ضمة القبر لأفلت هذا الصبي'.
فحتى سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن ضمه القبر.
وبحسب الذنوب تكون الضمة؛ فكلما قلت الذنوب هانت ضمة القبر, وكانت مثل الأم الحنون, وكلما كثرت الذنوب قويت الضمة, وكانت كالوحش الكاسر..
سؤال أعددت له الإجابة:
كثيرًا ما يمتحن الإنسان في حياته الدنيا.. ولكن أسعد لحظات حياته هي اللحظة التي يجد فيها عاقبة صبره وتعبه ويقف مسرورًا أمام ورقة الامتحان, وقد أعد لكل سؤال إجابة..
فهذا ما يحدث للمؤمن عندما يواجه سؤال الملكين.. يجد نفسه أمام أسئلة بسيطة قد أعد لها الإجابة, قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم : 27]
صديق العمر صديق القبر:
هناك صديق سيأتيكِ في القبر أيتها الحبيبة كان صديق العمر بالنسبة لك في الحياة, ولكن رغم طول فتره الصداقة لن تعرفيه بعد الممات, فإن هول الموت والسكرات والقبر أنساكِ كل شيء, فنسيتِ حتى أقرب أصدقائك.
ففي حديث البراء الطويل: ويأتيه [وفى رواية: يمثل له] رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح, فوالله ما علمتك إلا كنت سريعًا في طاعة الله، بطيئًا في معصية الله، فجزاك الله خيرًا، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجّل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن.
نموذج واقعي لنعيم القبر:
هذه القصة على لسان من نحسبه من الصادقين ولا نزكي على الله أحدًا, العم الشيخ: محمد العثمان رحمه الله من علماء الكويت الأجلاء, وقد كان كفيفًا, وكان معروفًا بصلاحه وقراءته على المرضى لعلاجهم, وقد شفى به الله الكثيرين.
عندما أحس الشيخ بدنو الأجل بعد صلاة المغرب جمع المغرب والعشاء, وطلب من ولده أن يأخذه إلى المستشفى, وفي الطريق أخبر ولده بأنه أحس بدنو أجله, وأنه يرى الملائكة وهم ينظرون إليه ويبتسمون, ولما وصلوا إلى المستشفى أدخلوه غرفة العناية الفائقة, وكانت الغرفة ضيقة, وهو ينازع ويذكر الله كلما أفاق ويقول لولده: أرى جمعًا كثيرًا في الغرفة, وأرى نورًا, وما كان في الغرفة سوى ولده, ثم قال لولده: سلم على والدتك وإخوانك والأقرباء, ثم تشهّد ومات يرحمه الله.
عندما غسلوه وكفنوه وأنزلوه إلى قبره نزل معه ولده وأحد الحاضرين ليلحدوه, فلما فرغوا من دفنه وكان العزاء سأل أحد الحاضرين عن ولد الشيخ الذي نزل القبر, فأرشدوه إليه؛ فقال: أنا الذي نزلت معك لنلحد أباك, فهل رأيت ما رأيت عندما أدخلنا جنازة الشيخ في لحده؟! قال: نعم, فيقول ولد الشيخ على لسانه: عندما أدخلنا الشيخ محمد العثمان في لحده اتسع اللحد مد البصر, فسبحان الله العظيم.
وأخيرا أيتها الزهرة : تذكري ذلك الموقف الرهيب ، وأعدي له ، تذكري يوما يعلوك فيه التراب ، وتنقطع عنك فيه الأسباب ، وتفارقين فيه الأهل والأحباب ، وساعتها لن ينفعك إلا ما قدمت ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر : 18](/3)
ماذا قدمت لدين الله؟
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى. أما بعد!
• أخي الحبيب! إن للباطل في هذا العصر صولة وجولة، وكلمة وموقفاً، وما انتفش الباطل وارتفعت كلمته إلا لتخاذل أهل الحق، ونكوصهم عن المواجهة، وإظهار محاسن الحق الذي يحملونه وينتسبون إليه.
• إن أهل الباطل يدافعون عن باطلهم، ويبذلون في سبيل نشره وإقناع الناس به كل غالٍ ونفيس. قال تعالى }:وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ {[ص:4 - 7].
• إنها الدعوة إلى الشرك والكفر والضلال، والتواصي بالصبر على عبادة غير الله من الطواغيت والأحجار والأشجار والأفكار والمذاهب والمناهج.
وليس الأمر مقتصراً على الدعوة فقط، بل إنهم يبثون أتباعهم في صفوف الجماهير لتثبيتهم على الوفاء لهذا المبدأ الخبيث، والهدف القبيح، والغاية الخاسرة.
• أخي الحبيب! اقرأ معي هذه الإحصائيات والأرقام عن نشاط المنصرين لعام 1996م:
1. بلغ ما جمعته المنظمات التنصيرية مبلغاً قدره (193) مليار دولار أمريكي!!
2. بلغ عدد المنظمات التنصيرية (23300) منظمة عاملة.
3. بلغ عدد المنظمات التنصرية التي ترسل منصرين إلى الخارج (4500) منظمة.
4. بلغ عدد المنصرين الذين يعملون داخل أوطانهم (4,635,500) منصراً. أما الذين يعملون خارج أوطانهم فعددهم (398,000) منصراً.
5. بلغ عدد نسخ الإنجيل التي تم توزيعها خلال عام واحد فقط (178,317,000) كتاباً.
6. بلغ عدد المجلات والدوريات التنصيرية (30100) مجلة دورية.
7. بلغ عدد الإذاعات والمحطات التليفزيونية التنصيرية (3200) إذاعة ومحطة تلفزة مختصة بالتنصير.
8. بلغ عدد أجهزة الكمبيوتر في المؤسسات التنصيرية (20,696,100) جهازاً.
]من كتاب: ليس عليك وحشة]
• وماذا بعد أخي الحبيب؟ ماذا قدمت أنت لدين الله؟ ماذا بذلت للإسلام من جهد؟ ماذا أنفقت له من مال؟ ماذا قدمت له من وقت؟ كم مرة حزنت على ما يتعرض له المسلمون من ذبح وإبادة في كثير من بلدان العالم؟ كم مرة مسحت دمعة يتيم. . . أو أعدت فيها البسمة إلى شفاة أرملة. . أو سترت فيها جسد مسلمة من التهتك والانحراف؟
• إن الإسلام ـ أخي الحبيب ـ هو شرفنا وعزتنا وكرامتنا ومصدر قوتنا وهيبتنا بين الأمم: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44].
وإذا تخلينا عن الإسلام فقد مكنا عدونا من رقابنا، وأبحنا له حرماتنا، وخولناه في العبث بمقدساتنا.
وإذا انشغل كل واحداً منا بنفسه، وترك جراحات إخوانه، فسوف تأتي الدائرة عليه، وربما قتل أو مات قبل الذي هم في الميدان، يلاقون العدو بصدورهم العارية وإمكاناتهم البسيطة. قال النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"
وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد،إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [رواه مسلم]
وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن مثل النحلة، إن أكلت أكلت طيباً، وإن وضعت وضعت طيباً، وإن وقعت على عود نخراً لم تكسره" [رواه البيهقي وحسنه الألباني]
• هكذا أنت أيها المؤمن.. تنفع نفسك وإخوانك في كل مكان.. تشارك إخوانك أفراحهم وأتراحهم.. وتعمل على إيصال الخير لهم إيما وجدوا..
قال الشاعر:
ليس لي أرض وطين *** موطني عز ودين
إنه نور مبين *** إنه بالله أكبر
وقال آخر:
فأينما ذكر اسم الله في بلد *** أعددت ذاك الحمى من بعض أوطاني
• هل تعلم أن هناك قرى كاملة في كثير من بلدان أفريقيا لا يجدون مسجداً للصلاة! مع أن تكلفة بناء المسجد هناك لا يتجاوز خمسة آلاف ريال؟!
• هل تعلم أن هناك إخوة لك في الإسلام لا يجدون مدرسة يتعلمون فيها أمور دينهم ودنياهم؟!
• هل تعلم أن هناك إخوة لك في الإسلام لا يجدون طعاماً يقيمون بهم ضرورتهم، وإن وجد فثمن باهظ جداً، وهو خروجهم من الإسلام ودخولهم في النصرانية؟!
• هل تعلم أن هناك أخوات لك في الإسلام تتمنى إحداهن أن تستر جسدها، ولكنها لا تستطيع لأنها لا تجد من يقدم لها الحجاب الشرعي؟!
• هل تعلم أن هناك إخوة لك في الإسلام لا يجدون بئراً يشربون منه مع أن تكلفة حفر البئر عندهم يستطيعها كل وأحد منا؟!
• هل تعلم أن هناك إخوة لك في الإسلام لا يملكون دواءً لما يصيبهم من أمراض وأدواء، ولا يجدون سوى أطباء التنصير الذين يعلقون في رقابهم الصلبان قبل إعطائهم الدواء؟!
• هل تعلم أن هناك إخوة لك في الإسلام لا يجد أحدهم مصحفاً يقرأ فيه، مع أن الإنجيل المحرف يوجد بكثرة في بلاده؟!(/1)
• هل تعلم أن هناك إخوة لك في الإسلام يشهدون الشهادتين، ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن الحلال والحرم والأحكام والآداب الإسلامية، وأنهم ينتظرون من يعلمهم ويزيل عنهم غشاوة الجهل وظلمة التقليد؟!
• هل تعلم أن الإسلام هو أوسع الأديان انتشاراً في أوربا وأمريكا، وأن المسلمين الجدد هناك يحتاجون إلى جهود ضخمة لترسيخ أقدامهم في الإسلام، وإزالة بقايا ما يحملونه من عقائد ضالة وأخلاق سيئة؟!
• هل تعلم أن التنصير نجح في صد كثير من المسلمين عن دينهم وإخراجهم من الإسلام، وإدخالهم في النصرانية، حتى أن قرى بأكملها تحولت من الإسلام إلى النصرانية، وأصبحوا سلاحاً موجهاً ضد الإسلام والمسلمين؟ وصدق الله إذ يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة:120]
وقال تعالى: { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:217]
يمكنك أن تفعل شيئاً
• أخي الحبيب: يمكنك أن تفعل شيئاً لخدمة دينك، مهما كانت إمكاناتك محدودة، فإن مجالات خدمة الإسلام كثيرة جداً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم ألف درهم" فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: "رجل له مال كثير، أخذ من عرضه مائة ألف درهم تصدق بها. ورجل ليس له إلا درهمان، فأخذ أحدهما فتصدق به" [رواه النسائي وحسنه الألباني].
• واعلم ـ أخي الحبيب ـ أن القليل الذي تقدمه لدين الله خير من الكثير الذي يقدمه أعداء الإسلام في سبيل إضلال المسلمين وإخراجهم من دينهم، فقد قال الله تعالى: { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض}[الرعد:17]
• وهذه الأموال والأوقات والجهود سوف تكون عليهم لا لهم يوم القيامة كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36]
• واعلم ـ أخي الحبيب ـ أن المستقبل لهذا الدين، وأن العاقبة للمتقين، وأن المتولي عن نصرة الإسلام والمسلمين هو الخاسر النادم المتحسر، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً *يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27ـ29] وقال تعالى: { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:38]
• ومن مجالات خدمة الإسلام في هذا العصر:
1. شراء الكتب الإسلامية النافعة وتوزيعها في الداخل والخارج مع الاهتمام بتوزيع الكتب المترجمة باللغات المختلفة.
2. شراء المطويات النافعة وتوزيعها.
3. شراء الأشرطة النافعة وتوزيعها.
4. شراء المصاحف وبخاصة المترجمة إلى اللغات الأخرى وتوزيعها.
5. المساهمة في بناء المساجد في الدول الفقيرة.
6. المساهمة في حفر الآبار وإنشاء المدارس وحلقات تحفيظ القرآن.
7. المساهمة في إيجاد فرص عمل للمسلمين في البلدان الفقيرة حتى يقوموا بكفالة أنفسهم ولا يحتاجوا إلى جهود المنصرين.
8. قيام الأطباء المسلمين بواجبهم في معالجة فقراء المسلمين في كل مكان.
9. قيام طلاب العلم بواجبهم في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذهاب إلى المسلمين في كل مكان لتعليمهم وإرشادهم.
10. التعاون مع المنظمات والهيئات الإغاثية الإسلامية في تقديم يد العون إلى إخوانهم في كل مكان.
11. المساهمة في إنشاء إذاعات ومحطات تلفزة إسلامية تعمل على نشر الفكر الإسلامي الصحيح.
12. المساهمة في إثراء المجلات والصحف والدوريات الإسلامية بكل مفيد.
13. دعم المسلمين الجدد مادياً ومعنوياً.
14. تكوين رأي عام إسلامي، وتعريف الناس بحقائق الإسلام ومحاسنه.
15. استغلال موسم الحج في ترسيخ مبادئ العقيدة الصحيحة والأخوة الإسلامية لدى الحجاج الذين يأتون من كل بقاع الدنيا.
16. الاهتمام بدعوة غير المسلمين الذين يعملون في بلادنا وتعريفهم بالوجه المشرق للإسلام والمسلمين.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لخدمة دينه، وأن يجعلنا من الدعاة الصادقين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين. ...(/2)
ماذا نريد من المرأة ؟
المحتويات
مقدمة
دور المرأة
الأول: دور المرأة أماً.
الثاني: دور المرأة زوجةً :
الثالث: دور المرأة داعيةً:
مقدمة
الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد :
هنّأ أحدهم بالبنت فقال : (أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء، وأم الأبناء، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتناسبون، و نجباء يتلاحقون
ولو كان النساء كما ذكرنا *** لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** وما التذكير فخر للهلال
الله تعالى يعرفك البركة في مطلعها، والسعادة في موقعها، فالدرع ارتبطا واستأنف نشاطا، فالدنيا مؤنثة والرجال يخدمونها والذكور يعبدونها، والأرض مؤنثة ومنها خُلقت البرية وفيها كثرت الذرية، والسماء مؤنثة وقد حليت بالكواكب وحليت بالنجم الثاقب، والنفس مؤنثة وهي قوام الأبدان وملاك الحيوان، والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام ولا عُرف الأنام، والجنة مؤنثة وبها وُعد المتقون وفيها ينعَّم المرسلون، فهنيئا لك هنيئاً بما أوتيت، و أوزعك الله شكر ما أُعطيت).
إن للمرأة المسلمة دوراً تحتاجه الأمة في كل عصر ووقت ، وفي هذا العصر - عصر هذه الصحوة المباركة - نحن أحوج ما نكون إلى دور المرأة، ذلك أن أمام الصحوة تحديات كبيرة، وآمال طموحة، وتطلعات عالية، لا يمكن أن تتم بجهد الرجال وحدهم ، ولا يمكن أبداً أن نستغني عن دور المرأة وجهدها ، ثم إن الصحوة الإسلامية تواجه تحدياً شرساً من أعدائها وكيداً وتآمراً ، لهذا فهي أحوج ما تكون إلى أن تستنفر قواها وأن تستثمر طاقاتها أجمع، والمرأة - ولا شك - جزء من طاقة هذه الأمة، وإنما الآخر كالأول ، والمتأمل لسيرة النبي -صلى الله عيه وسلم- يرى أن للمرأة دوراً بارزاً على مدى صفحات تاريخ سيرته صلى الله عيه وسلم ، ففي المرحلة المكية -مرحلة الاستضعاف و التعذيب والإيذاء والمضايقة ، ومرحلة بداية الدعوة - نجد خديجة -رضي الله عنها- التي صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت معه زوجة وفيّة كخير ما تكون المرأة مع الرجل حتى بشرها الله سبحانه وتعالى ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، وكذلك سمية -رضي الله عنها- أول شهيدة في الإسلام ، وأسماء ذات النطاقين وغيرهن من النساء المؤمنات اللاتي كان لهن دور بارز في تلك المرحلة الحرجة من مراحل الدعوة. وأما في المدينة بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فتبرز نماذج أخرى منهن: أم سليم بنت ملحان، وأم سلمة، وصفية، وحفصة، وسائر زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنهن -أيضاً- أم عمارة نسيبة بنت كعب، وسائر المؤمنات من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، فمادام للمرأة دور هناك فإن لها دوراً هنا.
دور المرأة
و يتمثل في محاور ثلاثة :
الأول: دور المرأة أماً.
على مدى التاريخ القريب والبعيد لابد أن تظهر أسماء لامعة، كتبت بصفحات بيضاء ناصعة في تاريخ أمتنا، وتلك الأسماء سواء كانت قائدة أومجاهدة أوعالمة أومصلحة وأياً كان موقعها؛ لابد أن وراء بروزها وظهورها امرأة صالحة كان لها أثر كبير في إعدادهم حتى صاروا إلى ما صاروا إليه ، وهذا الأمر ليس حكراً على المسلمين، بل يعترف الصادق من سائر الأمم بدور المرأة العظيم، كما قال دنكول -أحد الزعماء الأمريكان- حين هنّئ: لا تهنئوني وإنما هنؤوا أمي التي رفعتني إلى مقامي هذا.
ولسنا بحاجة إلى أن نستعرض سيرة هذا الرجل وأشباهه ودور أمه، فأمامنا صفحات واسعة قد لا نستطيع أن نأتي بجزء يسير منها في هذه المقالة.
فهذه صفية بنت عبد المطلب -رضي الله عنها- تقبل حين استشهد حمزة -رضي الله عنه- لتنظر ماذا فعل القوم بأخيها فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لابنها الزبير: "دونك أمك فامنعها" وأكبر همّه -صلى الله عليه وسلم- ألا يجد بها الجزع لما ترى ، فلما وقف ابنها يعترضها قالت: دونك لا أرضى لك لا أم لك. فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك فقال: "خلّ سبيلها" فأتت إلى صفوف الناس حتى أتت إلى أخيها فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له وقالت لابنها: قل لرسول الله: ما أرضانا ما كان في سبيل الله ، لأحتسبَنَّ ولأصبرَنَّ إن شاء الله.(/1)
وحين كان لعبد الله بن الزبير ما كان دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهم- فقال: يا أُمَّه، خذلني الناس حتى أهلي وولدي، ولم يبق معي إلا اليسير ممن لا دفع له أكثر من صبر ساعة من نهار، وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا، فما رأيك. فقالت: الله الله يا بني ، إن كنت تعلم أنك على حق كنت تدعو إليه فامض عليه، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أُمية فيلعبوا بك، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك، وإن كنت قلت أنك على حق فلما ضعف أصحابي ضعفت فليس هذا فعل الأحرار ولا من فيه خير، كم خلودك في الدنيا ؟ القتل أحسن مايقع بك، يابن الزبير، والله لضربة سيف في عز أحب إليّ من ضربة سوط في ذل . فقال : يا أماه ، أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثّلوا بي ويصلبوني . فقالت: يا بني إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح ، فامض على بصيرتك واستعن بالله .
وحين قُتل رضي الله عنه دخل ابن عمر المسجد فأبصره مطروحا قبل أن يصلب فقيل له: هذه أسماء، فمال إليها، وعزّاها، وقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، إن الأرواح عند الله -عز وجل-. فقالت له أسماء -رضي الله عنها-: وما يمنعني وقد أُهدي رأس يحيى إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل.
وحينما دخل عليها الحجاج بعد قتل ابنها فقال : يا أمه إن أمير المؤمنين وصاني لك ، هل لك من حاجة . قالت: لست لك بأم ، ولكني أم المصلوب على الثنية ، ومالي من حاجة، ولكني أحدثك: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يخرج من بني ثقيف كذّاب ومبير" فأما الكذاب فقد رأيناه - تعني المختار- وأما المبير فأنت . فقال لها: مبير المنافقين .
وفي رواية عن يعلى التيمي قال: دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث وهو مصلوب، فجاءت أمه عجوز عمياء طويلة، فقالت للحجاج: أما آن للراكب أن ينزل . قال: المنافق ؟. قالت: والله ما كان منافقاً ، كان صوّاماً قوّاماً برّاً . قال: انصرفي يا عجوز فقد خرفتي . قالت: لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يخرج من بني ثقيف كذّاب و مبير ... " الحديث .
إن تلك الروح التي كانت لدى أسماء -رضي الله عنها-هي التي زرعت الاستبسال والشجاعة في ابن الزبير -رضي الله عنهما- ، ويحتاج المصلحون -الذين يضحون بأنفسهم ودنياهم ثمناً لعقيدتهم ودعوتهم- إلى مثل هذه الأم التي تدفعهم إلى ميدان البطولة والاستشهاد، وتحمّل ما يصيبهم من الجهر بكلمة الحق ، وبعيدًا عن تلك الأم التي تخذّل وتخاف على ابنها من مصائب الدنيا .
و هاهي هند بنت عتبة -رضي الله عنها- أم معاوية بن أبي سفيان ، الذي كان يفتخر بها ويقول : أنا ابن هند .
ومن النساء اللاتي سطر لهن التاريخ صفحة سامقة عالية في ميدان الأمومة لأولئك الرجال الصادقين: أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية -رضي الله عنها- وهي أم عبد الله بن زيد الأنصاري الذي وصف حديث وضوء النبي -صلى الله عليه و سلم- ورُوي أنه قتل مسيلمة . وأم خبيب الذي قابل مسيلمة في القصة المشهورة فقطع مسيلمة -عليه من الله ما يستحق- أعضاءه، وهو يرفض أن يجيبه إلى ما يريد. و لها مواقف مشهورة مشهودة في التاريخ لايسعنا ذكرها في هذه العجالة .
و أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الحطاب -رضي الله عنهم- وهي أم عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- وقد كان لها دورٌ عظيم في تربيته و إصلاحه.
وأمير المؤمنين في الأندلس عبد الرحمن الناصر -الذي حكم خمسين سنة وستة أشهر، ووطئت أقدام جيوشه بلاد فرنسا وأسبانيا وإيطاليا، وأزعج أوربا- قُتل والده وله في بطن أمه واحد وعشرون يوماً، فانفردت أمه بتربيته فكان من نتاجها.
وفي ميدان العلم والفقه كان للأم دورٌ بارز في إعداد الرجال .
فهذا سفيان الثوري -رحمه الله- الإمام المحدث الذي قال فيه الأوزاعي: لم يبق من تجتمع عليه الأمة بالرضى إلا سفيان الثوري . لقد كان سفيان ثمرة أم صالحة، كما روى الإمام أحمد بسنده عن وكيع قال: قالت أم سفيان لسفيان: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي -أي: تكفيه نفقته وشؤون حياته حتى يتفرغ للعلم-، وقالت له توصيه: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فلم تر في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك فإنها تضرك ولا تنفعك .
والإمام الفقيه الثبت إمام أهل الشام و فقيههم عمر الأوزاعي -رحمه الله- الذي قال فيه بقية: إنا لنمتحن الناس بالأوزاعي فمن ذكره بخير عرفنا أنه صاحب سنة ؛ كان يتيماً فقيراً في حجر أمه تنقله من بلد إلى بلد حتى تعلم، ونال مرتبة الإمامة والفقه .
والإمام مالك قال لأمه: أذهب فأكتب العلم ؟ قالت: فالبس ثياب العلم. قال: فألبستني وعمّمتني ثم قالت: اذهب فاكتب الآن. وكانت تقول له: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه .(/2)
والإمام الشافعي, الإمام الفقيه المجدد مات أبوه وهوجنين أو رضيع ، فتولته أمه بعنايتها فانتقلت به من غزّة إلى مكة مستقر أخواله ، وكانت من العابدات القانتات، وكانت من أزكى الخلق فطرة ، وقد حصلت لها قصة مشهورة عند أحد قضاة مكة ، ذلك أنها شهدت هي وأم بشرى فأجاز شهادتهما فذكّرته بقول الله تعالى: { أَن تَضِل إحداهما فتذكّرَ إحداهما الأُخرى }.
والمهدي الخليفة العباسي الذي كان يلقَّب بقصَّاب الزنادقة وعدو الزَّنادقة ، أجمع المؤرخون أنه نتاج تربية أمه التي أخذت الفقه من الإمام الأوزاعي .
ولله درُّ القائل :
وليس النبت ينبت في جنان *** كنبت ينبت في الفلاة
وهل يرجى لأطفال كمال *** إذا ارتضعوا ثُديّ الناقصات
ومن النماذج القريبة زوجة محمد بن سعود -رحمه الله- بنت أبي وهقان، فقد كان لها دور كبير في إقناعه بمناصرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، بعد أن أتاها أخوا محمد بن سعود وطلبا منها أن تقوم بإقناعه بأن يناصر الشيخ ودعوته فما زالت به حتى أقنعته بذلك، وطلبت أمرأته أن يذهب إليه و يقابله، وتم ما تم حتى كتب الله النصر والتمكين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-. وهي أم للإمام عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود -رحمهما الله- الذي بلغ غاية في العدل والعلم والورع ولقب بمهدي زمانه .
هذه نماذج عديدة من أمهات القادة والفقهاء والعلماء والمصلحين اللاتي صنعنهم وتعاهدنهم بالعناية والتربية والإحسان حتى أبلغنهم ما بلغوا .
فهل تكون تلك الأم التي تربي ابنها على أن يخاف حتى من ظله ، وتربيه على أن يخاف من أي هاجس، وتخلق القلق والجزع والخوف والجبن لديه ، هل تكون قادرة على أن تنتج ابناً يقول كلمة الحق حين يحتاج إلى ذلك؟ ، أتكون قادرة على أن تنتج ابناً يحمل السلاح والجهاد في سبيل الله حين تفتقد الأمة إلى أمثاله؟ ، أفتنتج مصلحًا يدع الدنيا ويطلقها ليحمل على عاتقة أمانة الدعوة ومسئوليتها؟ أتكون تلك المرأة التي تربي ابنها على حب الدنيا والتعلق بها وبمتاعها الزائل ، أو تربيه على أن يلبي داعي شهواته ورغباته فلا ترى أن يكدر له نومه ولا أن تقلق راحته ولا أن يهب عليه الهواء ، أتكون هذه الأم قادرة على أن تنتج طالباً للعلم حاملاً لرسالته متحملاً المشقة واللأواء والنَّصب في سبيل تحصيل العلم الذي ينفعه الله سبحانه وتعالى ويهديه به ومن ثَم يحمله بعد ذلك إلى أمته .
إن أولئك الذين يتحدث عنهم التاريخ من القادة والمصلحين والحكماء والعلماء والدعاة وغيرهم من العظماء إما أن تكون وراء كل واحد منهم أم صالحة تعاهدته بالرعاية والتنشئة، أو أن يكون يتيماً، أو يكون قد ألقى بوصايا أمه المخذِّلة وراء ظهره؛ لأن أولئك الذين يرضعون الجبن ويتربون في كنف الذلة والعار لا يرتجى منهم أن يصلوا إلى هذه المنازل ولا أن يبلغوها .
والأمة أحوج ما تكون إلى هؤلاء المصلحين والعلماء والدعاة والقائلين بالحق والقادة والمجاهدين ، فهلا أخذت المرأةعلى عاتقها أن تعد ابنها ليكون من هؤلاء ، هلا أخذت على عاتقها وهي تداعب ابنها -وهو صغير- أن يبلغ مبلغ الرجال وأن تعده لذلك وتربيه على هذه المهمة وأن تنشِّئه من صغره حاملاً لقضية الإسلام وأمة الإسلام، لا يعيش لنفسه إنما يعيش لله سبحانه وتعالى ، ويشعر بأن الدنيا لا قيمة لها، وأن الدنيا لا تعدل جناح بعوضة ، حين تقوم المرأة بهذا الجهد فإنها تقدم خيراً عظيماً لهذه الأمة وتؤدي دوراً لن يؤديه غيرها، فهلا انتبهت المرأة إلى ذلك .
الثاني: دور المرأة زوجةً :
كما أن للأم دوراً في تربية ولدها ودفعه إلى ميادين العزة والكرامة ؛ فالزوجة كذلك لها دور في إعانة زوجها ودفعه أو في تثبيطه والقعود به؛ لهذا حذر الله سبحانه وتعالى عباده فقال: { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } ذلك أن المرء قد تقعد به زوجه أو يقعد به أولاده عن ميادين العزة والفداء والتضحية فيحذر الله سبحانه عباده من أن يسيروا وراء أهواء أهليهم .
إن الزوجة إذا أخذت على عاتقها أن تقف مع زوجها معينة له ومؤيدة ومثبتة ، تسد فراغه إذا غاب عن بيتها، وتسدد ما ترى عليه من خير، وتأخذ بيده إلى ما ترى أنه تجاوز وتقصير، فلها أسوة حسنة في خديجة -رضي الله عنها- حيث كان لها القدح المعلى في نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والوقوف معه حتى بشرت ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، حين أتاها -صلى الله عليه وسلم- يرتجف فؤاده بعد الوحي فقالت له مطمئنة مثبتة: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك تحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق . ثم ذهبت إلى ورقة وكان قد تنصر فحدثته بما صار للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى طمأنها أن هذا هو الناموس الذي جاء موسى وأنه يرجو أن يكون زوجها نبي هذه الأمة، وقد تم له ذلك .
إن من خير ما يتخذ الإنسان في دنياه كيما يستقيم دينه: قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينه.
الثالث: دور المرأة داعيةً:(/3)
كما أن المرأة أم للدعاة والمصلحين ، وهي زوجة لهم ، فالمرأة -أيضاً- داعية في موقعها ومع بنات جنسها، وهذا الدور الدعوي يتأكد ويتزايد في هذه المرحلة التي نعيشها، وليست الأدوار الأولى بآكد من هذا الدور ولا أولى منه.
إن كثيراً من فتيات المسلمين في مراحل التعليم -اللاتي يعانين ما يعانين من نتائج الحملة الشرسة التي تشن على المرأة المسلمة في عفافها ودينها وفي حيائها وفي أمور حياتها- يقابلن كل صباح من تدرسهن وتربيهن في المدرسة، ولن تعدم مدارس المسلمين وجامعاتهم من مُدرِّسة صالحة وفيّة، ومن امرأة داعية مخلصة صادقة ناصحة ، ولو قمن بدورهن وواجبهن لكانت المدارس والجامعات ميداناً للتربية والتنشئة والإصلاح، فهل تدرك المعلمة وهي تتحمل أمانة التدريس وعبء التربية أن دورها يتجاوز بكثير تلك الأسطر التي تقرؤها في الكتاب المدرسي ثم تعيد بعد ذلك إلقاءها على فتياتنا، إن لها دوراً أكبر من ذلك وجهداً أعظم من هذا، ولا يسوغ بحال أن يقف دور المرأة على تلقين التلميذات معلومات جافة وهي تعلم أنهن يعانين ما يعانين .
إن الفتاة المسلمة في عرض العالم الإسلامي وطوله قد أصبحت ضحية المجلة الهابطة والفلم الساقط، وضحية مؤامرة شنيعة تدبر لها لتلحق بنساء الغرب، وتسير وفق طريقهن، لتسلك طريق الهاوية والدمار والهلاك .
وبلادنا يرد إليها أكثر من خمسين مجلة تهتم بالمرأة والأسرة ، وهي مجلات تنحى المنحى الغربي الساقط، وقد لا يمنعها من الإسفاف والوقاحة إلا رغبتها في مزيد من الانتشار وإسماع الصوت ، وهذه الصحف والمجلات تتاجر بالغرائز وتثري أصحابها على حساب فضيلة وعفة من يقرؤها ويقتنيها. وتلك الأفلام من ينظر إليها ويستمع ما فيها ؟ وتلك الأصوات النشاز - التي تتحدث إلى المرأة عن قضيتها وباسمها دون وكالة شرعية ولا تملك أدنى مؤهل يؤهلها إلى ذلك- من يسمعها إلا الفتاة المسلمة هنا وهناك ، وهي حين تعيش في هذا المجتمع، وتقرأ تلك الأحرف، وتسمع تلك الأصوات، وترى تلك المشاهد؛ تبحث عمن يوجهها ويأخذ بيدها وينقذها من هذا الطريق المظلم الذي تقاد إليه ، فممن تسمع الصوت الناصح؟ وممن تتلقى التوجيه إن لم يكن من معلمتها ، فهي التي تعلمها وتلقي عليها الدرس صباح مساء .
إن المدرسة والمربية حين تريد أن تصل إلى أداء دور فعال في التربية والتنشئة والإصلاح والتقويم؛ تكون بحاجة إلى أن ترتقي أكثر في أسلوب الخطاب ولغة التوجيه والحديث، فينبغي أن تتجاوز تلك اللغة التي لم تعد المرأة تعرف فيها إلا الحديث عن بعض القضايا التي تخص الفتاة أو المخالفات التي تقع فيها النساء ، فهي حين تسمع حديثاً يخصها تنتظر أن تسمع حديثاً عن الحجاب والتحذير من السفور وعن قوامة الرجل وعن اختلاطها بالأجانب وعن اللبس المحرم وعن السماع المحرم وعن الكلام المحرم وغير ذلك ، وهو حديث لابد أن تسمعه ولا يجوز أبداً أن يقلل من قيمته وشأنه؛ لكن أليس هناك أمور أخرى ينبغي أن تعرفها المرأة؟ أليست الفتاة بحاجة إلى أسلوب آخر ومواضيع أخرى تتعلمها؟
لقد جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى النساء ليعظهن ويعلمهن فكان مما قال لهن: "ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كان لها حجاباً من النار". قالت امرأة: ولا اثنين؟ قال: "ولا اثنين". إن النبي -صلى الله عليه وسلم- فتح لهن باباً في الرجاء، وحدثهن عن دور وأمر يجب أن يحتسبنه وتحتاج إليه المرأة . وفي موطن آخر أمرهن -صلى الله عليه وسلم- بالصدقة وأخبرهن أنهن من أكثر أهل النار، وأمرهن أن يتصدقن ولو بالقليل. والمقصود أنه لا ينبغي أن يُقتصر على هذا اللون من الخطاب، ولا ينبغي أن لايعرف الناس عن قضية المرأة إلا الحجاب و النقاب والمنع من اللباس الفاضح والاختلاط بالرجال. إن الفتاة التي تتهاون بأمر الله سبحانه وتعالى ستتهاون بالحجاب، وهي تعلم تمام العلم وتوقن تمام اليقين أن هذا السلوك مخالفة لأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا يرضي الله سبحانه وتعالى، فلو خوطبت بلغة أخرى، وسعت الداعية والمدرسة والمربية والموجهة إلى أن يغرسن الإيمان في قلوب الفتيات، ويذكرنهن بالله سبحانه وتعالى واليوم الآخر حتى تصبح الفتاة تخشى الله سبحانه وتعالى وتخافه وتبتغي مرضاته عز وجل، وتدرك تمام العبودية والخضوع لله تعالى، سترى أن الحجاب والعفاف لباس عز وشرف، لأنه استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى وعبودية له عز وجل.
ومما زادني شرفاً وتيهاً *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا(/4)
فتفتخر الفتاة وتعتز بأن ترتدي هذا الحجاب، وبأن تمتنع عن هذا اللباس وهذا السلوك وتتجنب ذلك الموقف. إنها تعتز بمثل هذه المواقف وترى أنها تمثل عبودية لله سبحانه، وأن هذا يزيدها رفعة وشرفاً وفخراً ، إن المرأة تتعلق بالمظاهر وتفتتن بالزينة وتسعى إليها {أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} وحين ترى الفتاة أن لباس التقوى خير {يا بني آدم قد أنا إنزلنا عليكم لباساً يواري سواءتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير} وأن زينة الإيمان هي أعلى زينة وأتم ، ويغرس هذا المعنى في نفسها ، وينمى لديها بالكلمة المؤثرة والقدوة وسائر أساليب التربية ، فإنها تنطلق لأمر الله سبحانه وتعالى راغبة راضية متوجهة إليه، لا أن تتوجه إليه وهي تؤطر إليه أطراً .
وثمت جانب آخر له أهميته، وهو أن فتياتنا وشبابنا يعيشون أزمات هي جزء من نتائج هذه الأزمة الموجهة إلى الأمة، وهم جميعاً يحتاجون إلى من يوجههم من منطلق واقعهم خاصة في مرحلة الشباب، فالفتاة بحاجة إلى أن تسمع من المعلمة التي ترى أنها تعرف واقعها وتدرك مشكلاتها وتعي حقيقة معاناتها، فتحدثها بلغة واقعية وبلغة العارفة المدركة لواقعها، وتطرح عليها الحلول العملية، وليست تلك الحلول المثالية والمغرقة في الخيال، ولا تلك الحلول التي ترى أنها لا تتناسب معها، وتتحدث معها بكل صراحة ووضوح، فهي حين تسمع هذا وتنصت إلى مثل هذا الخطاب فإنها حينئذ تدرك أنها تستمع لصوت يجمع بين المصارحة والشفقة والعلم والوعي والمعرفة بالواقع، فهذا أدعى للاستجابة وأدعى أن تؤتي هذه الجهود بإذن الله عز وجل ثمرتها وبركتها .
إن على المرأة -في قطاع التعليم أو غيره وفي أي ميدان كانت- دوراً لا يمكن أن يقوم به غيرها، فحين تقوم المرأة بتحمل أمانتها ودورها ومسؤوليتها فإنها تبلغ كلمة لا يستطيع الرجال أن يبلغوها، وتخاطب من لا يستطيع الرجال أن يخاطبوها ، فهل تدر ك المرأة الداعية عظم الأمانة والمسؤولية التي حملها الله إياها ، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". والله سبحانه قد وصف الأمة بأنها أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وأخبر أن هذا مناط خيريتها : {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} وخطاب الشرع يعم الرجال والنساء، فنحن أمة أمّارة بالمعروف .. ناهية عن المنكر .. قائمة بالحق .. داعية إلى الله سبحانه وتعالى .
فعلى الداعية تحمل هذه الأمانة، والقيام بدورها، وإبلاغ الكلمة لبنات جنسها سواء كن طالبات أو كن صديقات أو قريبات، ولكل من تلقاهن، ولا تيأس ولا تعجز من أن تبلغ كلمة أو تأمر بخير أو تنهى عن منكر، فالأمة أحوج ما تكون إلى دورها، وإلى أن يتكاتف المسلمون جميعاً و يحملوا الأمانة جميعاً، ويدركوا أنها أمانة لا تخص طائفة دون طائفة.
أسأل الله تعالى للمسلمات الستر والعفاف والحياء وأن يرزقهن الزوج الصالح الناجح والذرية الصالحة .. إن الله سبحانه وتعالى سميع قريب مجيب .
وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم.(/5)
ماذا نستفيد من الجيل الفريد
الصحابة هم الجيل الفريد الذي لم يأت مثله قبله، ولن يأتي مثله بعده، ومجالات الاستفادة منهم كثيرة جداً، وقد قام الشيخ بذكر مقدمة عن هذا الجيل، فتحدث عن تعريف الصحابة، ووضح عدد الرواة والمفتين من الصحابة، بالإضافة إلى نبذة عن فضلهم في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بين عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة وأقوال العلماء فيهم رضي الله عنهم. أما بالنسبة للمجالات التي يتم الاستفادة فيها من هذا الجيل فهي كثيرة جداً.
مقدمة عن الصحابة رضوان الله عليهم
الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله والحمد لله، وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة، والسراج المنير، والبشير والنذير؛ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. إخواني في الله: هذه تحيةٌ في هذه الليلة في هذا البيت من بيوت الله، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشملنا برحمته، وأن ينزل علينا سكينةً من عنده، وأن يجعل ملائكته تغشانا، وأن يجعل دار الخلد مثوانا إنه سميعٌ مجيبٌ. أيها الإخوة: عنوان هذا الدرس" ماذا نستفيد من الجيل الفريد؟" والمقصود بالجيل الفريد هم: صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم. والله تعالى لما جعل النبي محمداً عليه الصلاة والسلام أفضل الأنبياء، جعل حواريه أفضل الصحابة، وأفضل الحواريين من بين صحابة الأنبياء جميعاً. فاختارهم عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحمل دينه وشرعه، والجهاد مع رسوله، فنشروا الإسلام في الآفاق. هذا الجيل الفريد، وقلت (الفريد)؛ لأنه لن يتكرر في البشرية مثله على الإطلاق، ولم يأتِ قبله مثله، ولم يأتِ بعده مثله أبداً. إنه جيلٌ فريدٌ اصطفاهم الله تعالى، وهذه معلوماتٌ عن الصحابة في سطور قبل أن نشرع في تبيان العنوان والشروع في المقصود. ......
تعريف الصحابي
الصحابي: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه ولو ساعةً من نهار، فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال علي بن المديني: الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل في ذلك من لقيه ممن طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يروِ، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض العمى وكان مؤمناً به، يدخل فيها كل مكلفٍ من الجن والإنس، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى، أم لم يجتمع، وهذا هو الصحيح المعتمد عند الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله. قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، وجملة الصحابة يبلغون مائة وعشرين ألفاً. قال ذلك: أبو زرعة الرازي . مات في المدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرق في البلدان. نقل ذلك عن مالك بن أنس الأصبحي . نزل في الكوفة من الصحابة ألفٌ وخمسون منهم أربعة وعشرون بدريون، وقدم حمص من الصحابة خمسمائة رجل. وهذا القول لقتادة بن دعامة السدوسي .الصحابي: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه ولو ساعةً من نهار، فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال علي بن المديني: الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل في ذلك من لقيه ممن طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يروِ، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض العمى وكان مؤمناً به، يدخل فيها كل مكلفٍ من الجن والإنس، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى، أم لم يجتمع، وهذا هو الصحيح المعتمد عند الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله. قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، وجملة الصحابة يبلغون مائة وعشرين ألفاً. قال ذلك: أبو زرعة الرازي . مات في المدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرق في البلدان. نقل ذلك عن مالك بن أنس الأصبحي . نزل في الكوفة من الصحابة ألفٌ وخمسون منهم أربعة وعشرون بدريون، وقدم حمص من الصحابة خمسمائة رجل. وهذا القول لقتادة بن دعامة السدوسي .
عدد الرواة من الصحابة(/1)
الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفٌ وخمسمائة. هذا قول الحافظ الذهبي . والذين روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته من الصحابة تسعمائةٍ وسبعة وثلاثون نفساً، ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك ما يقارب من ثلاثمائة صحابي أيضاً. الحافظ إسماعيل أبي الفداء ابن كثير رحمه الله تعالى.الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفٌ وخمسمائة. هذا قول الحافظ الذهبي . والذين روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته من الصحابة تسعمائةٍ وسبعة وثلاثون نفساً، ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك ما يقارب من ثلاثمائة صحابي أيضاً. الحافظ إسماعيل أبي الفداء ابن كثير رحمه الله تعالى.
الصحابة في الفتوى
أكثر الصحابة فتوى مطلقاً سبعة: عمر ، و علي ، و ابن مسعود ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و زيد بن ثابت ، و عائشة رضوان الله عليهم. ورد ذلك عن ابن حزم ، وقال: يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلدٌ ضخم، ويليهم عشرون في الفتوى هم: أبو بكر ، و عثمان ، و أبو موسى ، و معاذ ، و سعد بن أبي وقاص ، و أبو هريرة ، و أنس ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، و سلمان ، و جابر ، و أبو سعيد ، و طلحة ، و الزبير ، و أم سلمة ، يمكن جمع من فتيا كل واحدٍ منهم جزءاً صغيراً. قال: وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفساً مقلون في الفتيا جداً، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث، يمكن أن يجمع من فتوى جميعهم جزءٌ صغيرٌ بعد البحث؛ كأبي بن كعب ، و أبي الدرداء ، و أبي طلحة ، و المقداد ، وغيرهم.أكثر الصحابة فتوى مطلقاً سبعة: عمر ، و علي ، و ابن مسعود ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و زيد بن ثابت ، و عائشة رضوان الله عليهم. ورد ذلك عن ابن حزم ، وقال: يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلدٌ ضخم، ويليهم عشرون في الفتوى هم: أبو بكر ، و عثمان ، و أبو موسى ، و معاذ ، و سعد بن أبي وقاص ، و أبو هريرة ، و أنس ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، و سلمان ، و جابر ، و أبو سعيد ، و طلحة ، و الزبير ، و أم سلمة ، يمكن جمع من فتيا كل واحدٍ منهم جزءاً صغيراً. قال: وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفساً مقلون في الفتيا جداً، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث، يمكن أن يجمع من فتوى جميعهم جزءٌ صغيرٌ بعد البحث؛ كأبي بن كعب ، و أبي الدرداء ، و أبي طلحة ، و المقداد ، وغيرهم.
فضل الصحابة في الكتاب والسنة
ما هو فضلهم في الكتاب والسنة، حتى نعرف قيمة الصحابة؟......
فضل الصحابة في القرآن(/2)
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] تتكلم هذه الآية عن قسمين. من هم؟ إنهم المهاجرون والأنصار الموصوفون في الآية الأولى من هذه الآيات في الصفات الثلاث وهي: الإيمان، والهجرة، والجهاد: هم المهاجرون الأولون الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم إيثاراً لله ولرسوله من أجل إعلاء كلمة الله، وإظهار دين الإسلام على سائر الأديان. والموصوفون في الآية نفسها بالإيواء والنصرة هم الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، فإنهم آووا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين في منازلهم، ونصروا نبي الله صلى الله عليه وسلم بمقاتلة أعداء الدين، ثم بين الله تعالى الولاء والتلاحم الثابت بين المهاجرين والأنصار بقوله: أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] في النصرة والمساعدة، وهذا مما يؤكد قطع الموالاة بينهم وبين الكفار، وقال عز وجل عن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [التوبة:100] رغماً عن أنوف الحاقدين: وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] فهذه الآية اشتملت على أبلغ الثناء من الله رب العالمين على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، حيث أخبر الله تعالى أنه رضي عنهم، ويكفيهم فخراً وأجراً أن الله رضي عنهم. وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55] وهذه تشمل الإيمان، والعمل الصالح، والخلافة، وإقامة الدعوة؛ والإيمان والعمل الصالح في الآية يشمل الخلافة وإقامة الدعوة، ويقول ابن تيمية رحمه الله: ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة في زمن أبي بكر و عمر و عثمان ، فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف، وتمكن الدين بعد الخوف، لما قهروا فارس والروم، وفتحوا الشام و العراق و مصر و خراسان و أفريقيا ... إلى آخر كلامه رحمه الله. وصفهم الله بوصفٍ جميلٍ في آخر سورة الفتح، فقال عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] فقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] هي التي استدل بها الإمام مالك رحمه الله على أن الذين يبغضون الصحابة لا حظ لهم في الفيء، وأن من أبغضهم كافر، ومن غاظه الصحابة فهو كافر: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]. هذه الصورة العظيمة التي تبين العلاقة بينهم: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ُ)[الفتح:29] وتبين عبادتهم، والعلاقة، والتربية، وكيف نشئوا نشأةً قويةً، وأنهم باستمرار الزمن زادت عبادتهم وأعمالهم مثل: النبتة الصغيرة مع الزمن وتعاهدها بالسقيا تصبح شجرة كبيرة متجذرة في الأرض، وافرة الظلال، كثيرة الأغصان، متشابكة الجذوع: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29] وكل واحد يهديه الله إلى الدين، فيتعاهد نفسه بالإيمان، والعمل الصالح، ومجالس الذكر، وأصحاب الخير؛ فإن إيمانه يزداد ويقوى حتى يصبح شجرة قوية، ومرور الوقت في صالحه، وعمره خيرٌ له.قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] تتكلم هذه الآية عن قسمين. من هم؟ إنهم المهاجرون والأنصار الموصوفون في الآية الأولى من هذه الآيات في الصفات الثلاث وهي: الإيمان، والهجرة، والجهاد: هم المهاجرون الأولون الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم إيثاراً لله ولرسوله من أجل إعلاء كلمة الله، وإظهار دين الإسلام على سائر الأديان. والموصوفون في الآية نفسها بالإيواء والنصرة هم الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، فإنهم آووا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين في منازلهم، ونصروا نبي الله صلى الله عليه وسلم بمقاتلة أعداء الدين، ثم بين الله(/3)
تعالى الولاء والتلاحم الثابت بين المهاجرين والأنصار بقوله: أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] في النصرة والمساعدة، وهذا مما يؤكد قطع الموالاة بينهم وبين الكفار، وقال عز وجل عن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [التوبة:100] رغماً عن أنوف الحاقدين: وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] فهذه الآية اشتملت على أبلغ الثناء من الله رب العالمين على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، حيث أخبر الله تعالى أنه رضي عنهم، ويكفيهم فخراً وأجراً أن الله رضي عنهم. وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55] وهذه تشمل الإيمان، والعمل الصالح، والخلافة، وإقامة الدعوة؛ والإيمان والعمل الصالح في الآية يشمل الخلافة وإقامة الدعوة، ويقول ابن تيمية رحمه الله: ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة في زمن أبي بكر و عمر و عثمان ، فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف، وتمكن الدين بعد الخوف، لما قهروا فارس والروم، وفتحوا الشام و العراق و مصر و خراسان و أفريقيا ... إلى آخر كلامه رحمه الله. وصفهم الله بوصفٍ جميلٍ في آخر سورة الفتح، فقال عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] فقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] هي التي استدل بها الإمام مالك رحمه الله على أن الذين يبغضون الصحابة لا حظ لهم في الفيء، وأن من أبغضهم كافر، ومن غاظه الصحابة فهو كافر: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]. هذه الصورة العظيمة التي تبين العلاقة بينهم: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ُ)[الفتح:29] وتبين عبادتهم، والعلاقة، والتربية، وكيف نشئوا نشأةً قويةً، وأنهم باستمرار الزمن زادت عبادتهم وأعمالهم مثل: النبتة الصغيرة مع الزمن وتعاهدها بالسقيا تصبح شجرة كبيرة متجذرة في الأرض، وافرة الظلال، كثيرة الأغصان، متشابكة الجذوع: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29] وكل واحد يهديه الله إلى الدين، فيتعاهد نفسه بالإيمان، والعمل الصالح، ومجالس الذكر، وأصحاب الخير؛ فإن إيمانه يزداد ويقوى حتى يصبح شجرة قوية، ومرور الوقت في صالحه، وعمره خيرٌ له.
وصف الصحابة في السنة النبوية(/4)
قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: (صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء) -مثلما أنتم الآن جالسون أيها الإخوة، فلا تنسوا النية بانتظار الصلاة القادمة؛ لأن من قعد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة- فالصحابة صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام صلاة المغرب- (ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا، فقال: ما زلتم هاهنا -من المغرب- قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم -أو أصبتم- فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: معنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية في السماء، فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة وهنت السماء، فانفطرت وانشقت وذهبت، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي: من الفتن والحروب، وارتداد الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام: (وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه: ما يوعدون من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم، وانتهاك المدينة و مكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم. فإذاً: الآن انظروا ماذا حصل من النقص لما ذهب الصحابة، والأمة في نقصٍ بعد ذهابهم ولا تزال يزداد نقصها. هؤلاء الصحابة هم الأمة الوسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] وهم على رأس الشهود الذين يشهدون لكل نبي على أمته، هل جاءكم نذير؟ يقولون: لا. ما جاءنا النذير: (يقال للنبي: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال: من شهودك؟ -يا نوح من شهودك؟! يا شعيب من شهودك؟! يا إبراهيم! يا عيسى! يا موسى؟! فيقول: محمدٌ وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] ) اعدلوا لتكونوا شهداء على الناس والحديث في صحيح البخاري . كل الصحابة عدول وأثبات: ولذلك ما بحث أهل الجرح والتعديل في حال الصحابة، ولا يوجد في كتب الجرح والتعديل الصحابي هذا ثقة، وهذا ثقةٌ ثبتٌ، أو هذا صدوق، أو هذا لا بأس به، أو هذا ضعيف، فكلهم ثقات لا مجال للبحث فيهم في مسألة الجرح والتعديل، لأن الله عدلهم، وما دام الله عدلهم، فمن بعد ذلك يبحث في تعديلهم؟! المسألة منتهية، لكن النظر فيمن بعدهم، فالذين مات النبي عليه الصلاة والسلام وهم باقون على العهد وماتوا على العهد هؤلاء كلهم أخيار. ولذلك لما جاء في الحديث أن عائد بن عمر وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد الأمير، فقال: (أي بني -ينصحه- إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة. فإياك أن تكون منهم) -تقسوا على الرعية، وتشتد على الرعية، وتحطم الرعية، وتكلف الرعية ما لا يطيقون، إياك أن تكون من الرعاء هؤلاء الحطمة الذين يحطمون الرعية- (فقال له: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابي: وهل كانت لهم نخالة، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) كلهم أخيار لا يوجد فيهم نخالة، فالنخالة بعدهم، والحديث في الصحيح.قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: (صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء) -مثلما أنتم الآن جالسون أيها الإخوة، فلا تنسوا النية بانتظار الصلاة القادمة؛ لأن من قعد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة- فالصحابة صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام صلاة المغرب- (ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا، فقال: ما زلتم هاهنا -من المغرب- قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم -أو أصبتم- فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: معنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية في السماء، فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة وهنت السماء، فانفطرت وانشقت وذهبت، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي: من الفتن والحروب، وارتداد الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام: (وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)(/5)
معناه: ما يوعدون من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم، وانتهاك المدينة و مكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم. فإذاً: الآن انظروا ماذا حصل من النقص لما ذهب الصحابة، والأمة في نقصٍ بعد ذهابهم ولا تزال يزداد نقصها. هؤلاء الصحابة هم الأمة الوسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] وهم على رأس الشهود الذين يشهدون لكل نبي على أمته، هل جاءكم نذير؟ يقولون: لا. ما جاءنا النذير: (يقال للنبي: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال: من شهودك؟ -يا نوح من شهودك؟! يا شعيب من شهودك؟! يا إبراهيم! يا عيسى! يا موسى؟! فيقول: محمدٌ وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] ) اعدلوا لتكونوا شهداء على الناس والحديث في صحيح البخاري . كل الصحابة عدول وأثبات: ولذلك ما بحث أهل الجرح والتعديل في حال الصحابة، ولا يوجد في كتب الجرح والتعديل الصحابي هذا ثقة، وهذا ثقةٌ ثبتٌ، أو هذا صدوق، أو هذا لا بأس به، أو هذا ضعيف، فكلهم ثقات لا مجال للبحث فيهم في مسألة الجرح والتعديل، لأن الله عدلهم، وما دام الله عدلهم، فمن بعد ذلك يبحث في تعديلهم؟! المسألة منتهية، لكن النظر فيمن بعدهم، فالذين مات النبي عليه الصلاة والسلام وهم باقون على العهد وماتوا على العهد هؤلاء كلهم أخيار. ولذلك لما جاء في الحديث أن عائد بن عمر وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد الأمير، فقال: (أي بني -ينصحه- إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة. فإياك أن تكون منهم) -تقسوا على الرعية، وتشتد على الرعية، وتحطم الرعية، وتكلف الرعية ما لا يطيقون، إياك أن تكون من الرعاء هؤلاء الحطمة الذين يحطمون الرعية- (فقال له: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابي: وهل كانت لهم نخالة، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) كلهم أخيار لا يوجد فيهم نخالة، فالنخالة بعدهم، والحديث في الصحيح.
العلماء الجهابذة وعقيدتهم في الصحابة
ماذا قال العلماء في شأن الصحابة؟ نحن نعلم أن الكلام في الصحابة حدث، وأن الطعون عليهم من أعداء الله قام سوقها، وأن التشكيك فيهم قد حصل، فنحن نحتاج إلى أن نقاوم بكلام مضاد نثبت به فضلهم ومكانتهم في الدين.......
الحسن البصري يصف الصحابة
قال الحسن البصري رحمه الله وقد سأله بعض الناس: [أخبرنا عن صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فبكى ثم قال: ظهرت منهم علامات الخير في السيماء والسمت والهدي والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين في رضا الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مئونتهم، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم]. قال الحسن البصري رحمه الله وقد سأله بعض الناس: [أخبرنا عن صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فبكى ثم قال: ظهرت منهم علامات الخير في السيماء والسمت والهدي والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين في رضا الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مئونتهم، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم].
أيوب السختياني وعقيدته في الصحابة
وقال أيوب السختياني رحمه الله: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.وقال أيوب السختياني رحمه الله: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.
قول الطحاوي في الصحابة(/6)
وقال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيانٌ. أما شارح الطحاوية فقد قال: فمن أضل ممن يكون في قلبه غلٌ على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين، بل قد فَضَلهم اليهود والنصارى بخصلة -الذي يسب الصحابة كان اليهود والنصارى أفضل منهم بخصلة- قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى. وقيل لأهل الرفض: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يستثنوا منهم إلا القليل.وقال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيانٌ. أما شارح الطحاوية فقد قال: فمن أضل ممن يكون في قلبه غلٌ على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين، بل قد فَضَلهم اليهود والنصارى بخصلة -الذي يسب الصحابة كان اليهود والنصارى أفضل منهم بخصلة- قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى. وقيل لأهل الرفض: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يستثنوا منهم إلا القليل.
قول الإمام أحمد بن حنبل في الصحابة
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ومن السنة الواضحة الثابتة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، والكف عن ذكر ما شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحداً منهم، أو تنقصهم، أو طعن فيهم، أو عرض بعيبهم، أو عاب أحداً منهم، فهو مبتدعٌ خبيثٌ مخالفٌ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة، وخير هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، و عمر بعد أبي بكر ، و عثمان بعد عمر ، و علي بعد عثمان ، وهم خلفاء راشدون مهديون، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، ومن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، وليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يرجع، وما صح فيما جرى بينهم من خلاف، فهم فيه مجتهدون، إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، لكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم إذا نسب إلى أخطاء غيرهم، ولهم من الله المغفرة والرضوان رضي الله عنهم. وقال الإمام أحمد رحمه الله: ومن السنة الواضحة الثابتة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، والكف عن ذكر ما شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحداً منهم، أو تنقصهم، أو طعن فيهم، أو عرض بعيبهم، أو عاب أحداً منهم، فهو مبتدعٌ خبيثٌ مخالفٌ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة، وخير هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، و عمر بعد أبي بكر ، و عثمان بعد عمر ، و علي بعد عثمان ، وهم خلفاء راشدون مهديون، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، ومن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، وليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يرجع، وما صح فيما جرى بينهم من خلاف، فهم فيه مجتهدون، إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، لكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم إذا نسب إلى أخطاء غيرهم، ولهم من الله المغفرة والرضوان رضي الله عنهم.
قول أبي زرعة في الصحابة(/7)
قال أبو زرعة الرازي : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة .قال أبو زرعة الرازي : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة .
ابن القيم ووصفه للصحابة
وقال ابن القيم رحمه الله في وصفهم: أفقه الأمة، وأبرها وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً، وأصحهم قصوداً، وأكملهم فطرةً، وأتمهم إدراكاً، وأصفاهم أذهاناً، الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول، وإن أحداً ممن بعدهم لا يساويهم في رأيهم، وكيف يساويهم؟ وقد كان أحدهم يرى الرأي فينزل القرآن بموافقته؟ عمر وافق ربه في مواضع، وأبو أيوب الأنصاري ذكر كلمة فنزلت كما هي في القرآن. قال عمر : [عسى ربه يبدله خيراً منكن] فنزل قوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [التحريم:5] فنزلت بنصها في القرآن. و أبو أيوب قال: [سبحانك هذا بهتان عظيم] فنزلت كما هي في القرآن، وقد كان أحدهم يرى الرأي، فينزل القرآن بموافقته، وحقيقٌ لمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيراً من رأينا لأنفسنا. ا هـ وقال ابن القيم رحمه الله في وصفهم: أفقه الأمة، وأبرها وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً، وأصحهم قصوداً، وأكملهم فطرةً، وأتمهم إدراكاً، وأصفاهم أذهاناً، الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول، وإن أحداً ممن بعدهم لا يساويهم في رأيهم، وكيف يساويهم؟ وقد كان أحدهم يرى الرأي فينزل القرآن بموافقته؟ عمر وافق ربه في مواضع، وأبو أيوب الأنصاري ذكر كلمة فنزلت كما هي في القرآن. قال عمر : [عسى ربه يبدله خيراً منكن] فنزل قوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [التحريم:5] فنزلت بنصها في القرآن. و أبو أيوب قال: [سبحانك هذا بهتان عظيم] فنزلت كما هي في القرآن، وقد كان أحدهم يرى الرأي، فينزل القرآن بموافقته، وحقيقٌ لمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيراً من رأينا لأنفسنا. ا هـ
الصحابة وسبب قوة إيمانهم
من أسباب عظم إيمان الصحابة: أنهم رأوا المعجزات، فهم عايشوا نزول الوحي، فتحدث القضية هنا وينزل الوحي هنا مباشرة وبالتفاصيل، بل إن واحداً من الصحابة اشتهى أن ينظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام عند نزول الوحي، فسأل عمر ، فلما نزل الوحي، دعاه عمر ، وقال له: تعال، وكشف الغطاء، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم له غطيط كغطيط البَكر -أي: صوت مثل صوت الإبل، مثل: صوت النائم- تعلوه الرحضاء، يحمر وجهه صلى الله عليه وسلم، ويعرق حتى في الشتاء، أراه صفة النبي عليه الصلاة والسلام عند نزول الوحي. وكادت فخذ بعضهم أن ترض، كان الصحابي يحس بثقل الوحي، كانت فخذ الصحابي تحت فخذ النبي عليه الصلاة والسلام، وينزل الوحي والوحي ثقيل، وتكاد فخذ الصحابي أن ترض. سمعوا خبر الجن بالبشارة به قبل بعثته، وأهل الكتاب، وسمعوا كلام الذئب عنه، وعاينوا نزول الوحي عليه، ورأوا خاتم النبوة بين كتفيه، وأخبرهم بأمور من الغيب، فرأوا تحققها عياناً، ورأوا استجابة دعائه، وشموا رائحة الطيب من عرقه، وعاينوا مس يده الشريفة ليناً وبرودةً، وشربوا من مكان شربته في الإناء شراباً أحلى من العسل، وأطيب من المسك، وشاهدوا تكثير الطعام، وسمعوا تسبيحه وهو يأكله بين يديه، ورأوا الماء ينبع من بين كفيه، وحنين الجذع إليه، والتئام الشجر عليه، وشكوى البعير دامعةً عينه إليه، وتسابق نوق الهدي إليه للنحر، وإخبار الذراع بما فيه من السم، كل هذا رأوه، فلماذا لا يكون إيمانهم في المرتبة العالية؟ ولماذا لا يكون فضلهم في المنزلة العليا والعظمى؟ ولماذا لا يكون قولهم حجة من الحجج الظاهرة؟ وتكون استنباطاتهم آية من آيات الله الباهرة؟ فهم كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس: (ولو أن أحداً أنفق مثل أحدٍ ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).......
الصحابة فتحت لهم الأمصار(/8)
فتحت لأجلهم البلدان، وسلم أهل الأمصار مفاتيح أمصارهم إليهم بفضلهم وإيمانهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي زمانٌ يغزو فئام من الناس، فيقال: فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم. فيفتح عليه، ثم يأتي زمانٌ، فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح، ثم يأتي زمانٌ، فيقال: فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم. فيفتح) رواه البخاري. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخيرٍ مادام فيكم من رأى من رآني وصاحبني) أخرجه ابن أبي شيبة وحسنه في الفتح ، هذا معنى حديث: (خير الناس قرني... الحديث). فتحت الأمصار، وكانت تسلم إليهم؛ لأنهم صحابة، بعض الأمصار سلمت إليهم بالمفتاح؛ لأنهم صحابة، مكانتهم عند الله عظيمة جماعات وفرادى، وقد عرفنا بعض ما نزل في القرآن بشأنهم.......
فضائل لبعض الصحابة دون غيرهم
وأما عن أفرادهم، فنأخذ مثالين من فضلهم عند الله.......
منزلة عبد الله بن حرام
قال طلحة بن خراش : سمعت جابر بن عبد الله يقول: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا جابر ! ما لي أراك منكسراً؟ قلت: يا رسول الله! استشهد أبي، قتل يوم أحد وترك عيالاً وديناً، قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً، فقال: يا عبدي! تمنَّ عليَّ أعطك، قال: يا رب! تحييني فأقتل فيك ثانية، فقال عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، وأنزلت هذه الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ [آل عمران:169-171]) فهذا والد جابر أحياه الله، وقام أمام الله عز وجل وكلمه كفاحاً، وقال: يا عبدي! تمنَّ عليَّ أعطك. كرامة، والحديث رواه الترمذي وحسنه وهو في صحيح البخاري.قال طلحة بن خراش : سمعت جابر بن عبد الله يقول: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا جابر ! ما لي أراك منكسراً؟ قلت: يا رسول الله! استشهد أبي، قتل يوم أحد وترك عيالاً وديناً، قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً، فقال: يا عبدي! تمنَّ عليَّ أعطك، قال: يا رب! تحييني فأقتل فيك ثانية، فقال عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، وأنزلت هذه الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ [آل عمران:169-171]) فهذا والد جابر أحياه الله، وقام أمام الله عز وجل وكلمه كفاحاً، وقال: يا عبدي! تمنَّ عليَّ أعطك. كرامة، والحديث رواه الترمذي وحسنه وهو في صحيح البخاري
أبي بن كعب سيد القراء(/9)
مثال آخر: عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي -لاحظوا يا إخوة، وفكروا بالحديث- ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك ) والنبي عليه الصلاة والسلام يقول عن أبي : (أقرؤهم أبي ) (إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:1] قال أبي : وسماني؟ قال: نعم. فبكى رضي الله عنه) . وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال: آلله سماني لك؟ قال: نعم. قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم. فذرفت عيناه) قوله: سماني، يعني: هل نص عليَّ باسمي، أو قال: اقرأ على واحد من أصحابك فاخترتني أنا، قال: الله سماك، الله قال: أبي ، فبكى فرحاً وسروراً وخشوعاً وخوفاً من التقصير في شكر تلك النعمة، والحديث في الصحيح وهؤلاء الصحابة نماذج.مثال آخر: عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي -لاحظوا يا إخوة، وفكروا بالحديث- ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك ) والنبي عليه الصلاة والسلام يقول عن أبي : (أقرؤهم أبي ) (إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:1] قال أبي : وسماني؟ قال: نعم. فبكى رضي الله عنه) . وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال: آلله سماني لك؟ قال: نعم. قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم. فذرفت عيناه) قوله: سماني، يعني: هل نص عليَّ باسمي، أو قال: اقرأ على واحد من أصحابك فاخترتني أنا، قال: الله سماك، الله قال: أبي ، فبكى فرحاً وسروراً وخشوعاً وخوفاً من التقصير في شكر تلك النعمة، والحديث في الصحيح وهؤلاء الصحابة نماذج.
الصحابة والخلافة
ومن جوانب العظمة أن النبي عليه الصلاة والسلام توفي عن عدد من الصحابة كلهم يصلح للخلافة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ربى أعداداً من الصحابة كل واحد يصلح أن يكون خليفة، تخرج من مدرسته صلى الله عليه وسلم ذهب نقي، كُمَّل في أنفسهم، ويكمل بعضهم بعضاً، وتخصصوا في الجوانب، وهذا نستفيد منه في الواقع. عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياءً عثمان ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ألا وإن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) رواه الترمذي وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقال: (ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر) رواه الترمذي وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وهو في صحيح الجامع . وعن علقمة ، قال: [قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً، فأتيت قوماً، فجلست إليهم، فإذا شيخٌ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟ فقالوا: أبو الدرداء ، فقلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسرك لي، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة . قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين -لأنه كان يحمل نعلي النبي صلى الله عليه وسلم ويتعاهد ذلك باستمرار- والوساد؟] وذكر ابن حجر في الشرح، فقال: وورد برواية: (السواد) وهي أوجه، والسواد يعني: السرب، ميزة لابن مسعود ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام له: (إذنك عليَّ أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي) ارفعه في أي وقت شئت، ميزة لابن مسعود . [أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والسواد والمطهرة؟ وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم] من المقصود بالذي أجاره الله من الشيطان؟ الحديث في الصحيح من أحاديث الصحيح في صحيح البخاري، أبو الدرداء يسأل الرجل الذي جاء من الكوفة ، يقول: أتأتي تطلب العلم وعندك ابن مسعود وعندك فلان وفلان؟ قال: [وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم] من هو؟ الصحابي هو: عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه: [أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحدٌ غيره؟] من هو؟ إنه حذيفة رضي الله عنه وأرضاه، والمقصود بالسر أسماء المنافقين.......
حرص التابعين على الاستفادة من الصحابة
فالتابعون لما رأوا الصحابة بهذه المنزلة، أقبلوا عليهم، واتجهت النفوس إليهم، واحترموهم، وصانوهم، وحرصوا على لقياهم، والأخذ عنهم، وسؤالهم واستفتائهم، فجمعوا علمهم وبلغوه لمن بعدهم.......
يزيد بن حيان يذهب إلى زيد بن أرقم(/10)
وهذه نماذج: عن يزيد بن حيان قال: [انطلقت أنا و حصين بن سبرة و عمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت -يا زيد - خيراً كثيراً، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت حديثه وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت -يا زيد - خيراً كثيراً، حدثنا -يا زيد - ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا بن أخي! والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوا، وما نافى فلا تكلفونيه. ثم ذكر حديثاً] وهذا في صحيح مسلم، فكان التابعون يقولون للصحابة: رأيتم خيراً كثيراً، وأدركتم خيراً كثيراً، حدثونا وأعطونا أخباراً من التي رأيتموها.وهذه نماذج: عن يزيد بن حيان قال: [انطلقت أنا و حصين بن سبرة و عمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت -يا زيد - خيراً كثيراً، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت حديثه وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت -يا زيد - خيراً كثيراً، حدثنا -يا زيد - ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا بن أخي! والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوا، وما نافى فلا تكلفونيه. ثم ذكر حديثاً] وهذا في صحيح مسلم، فكان التابعون يقولون للصحابة: رأيتم خيراً كثيراً، وأدركتم خيراً كثيراً، حدثونا وأعطونا أخباراً من التي رأيتموها.
عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ورؤية أبي اليسر
وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال: [خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا -يريدون اللحاق بمن يمكن من الصحابة قبل أن يموت الصحابة- فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم -ثم سألوه وحدثهم، وحتى السؤال فيه أدب- فقال له أبي: يا عمي! -يقول للصحابي- إني أرى في وجهك سكعةً من غضب، قال: أجل، ثم قص عليه القصة] الحديث رواه مسلم. وعن جبير بن نصير قال: [جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمر به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت] رواه البخاري في الأدب المفرد ، وهو في صحيح الأدب المفرد.وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال: [خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا -يريدون اللحاق بمن يمكن من الصحابة قبل أن يموت الصحابة- فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم -ثم سألوه وحدثهم، وحتى السؤال فيه أدب- فقال له أبي: يا عمي! -يقول للصحابي- إني أرى في وجهك سكعةً من غضب، قال: أجل، ثم قص عليه القصة] الحديث رواه مسلم. وعن جبير بن نصير قال: [جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمر به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت] رواه البخاري في الأدب المفرد ، وهو في صحيح الأدب المفرد.
معاوية بن قرة ولقاؤه بمعقل المزني(/11)
لقاء التابعين بالصحابة لم يكن لقاء تضييع أوقات، معاذ الله! بل كان لقاء انتفاع واستفادة، ولقاء أخذٍ وتربية، وانظروا إلى هذه القصة: عن معاوية بن قرة ، قال: [كنت مع معقل المزني -صحابي و معاوية بن قرة تابعي- يقول: ألازمه وأستفيد منه -ينظر إلى حركاته وتصرفاته، يقتبس منه- فأماط أذىً عن الطريق، وبعد برهة قال التابعي: فرأيت شيئاً فبادرته وأمطته عن الطريق، فقال الصحابي للتابعي: ما حملك على ما صنعت يا بن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئاً فصنعت] هنا التلقي والتربية بالقدوة، وهذه اسمها: التربية بالقدوة، التابعي رأى الصحابي يفعل شيئاً، ففعل مثله وسأله الصحابي ثم علمه، [ فقال: أحسنت يا بن أخي، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أماط أذىً عن طريق المسلمين، كتبت له حسنة، ومن تقبلت له حسنة، دخل الجنة) ] رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة . فإذاً: الناحية التربوية هنا يا أيها الإخوة! أن التشبه والاقتداء يسري في الأجيال، ولذلك لما ترى علم ابن مسعود مثلاً انتقل إلى من؟ فمن؟ فمن؟ وعلم ابن عباس انتقل مِن مَن؟ إلى من؟ فمن؟ وهكذا، ثم الانتقال ما كان انتقال روايات فقط، بل كان انتقال تأثر بالشخصية، ولذلك قال قبيصة : (كان ابن مسعود أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: في هديه وسمته. وكان علقمة يشبه ابن مسعود ، ويشبه بعلقمة إبراهيم ، وبإبراهيم منصور، وبمنصور سفيان، وبسفيان وكيع، في التلقي عبر الأجيال؛ وكيع يأخذ عن سفيان ، و سفيان أخذ عن منصور، ومنصور عن إبراهيم ، و إبراهيم عن علقمة ، و علقمة صاحب ابن مسعود.لقاء التابعين بالصحابة لم يكن لقاء تضييع أوقات، معاذ الله! بل كان لقاء انتفاع واستفادة، ولقاء أخذٍ وتربية، وانظروا إلى هذه القصة: عن معاوية بن قرة ، قال: [كنت مع معقل المزني -صحابي و معاوية بن قرة تابعي- يقول: ألازمه وأستفيد منه -ينظر إلى حركاته وتصرفاته، يقتبس منه- فأماط أذىً عن الطريق، وبعد برهة قال التابعي: فرأيت شيئاً فبادرته وأمطته عن الطريق، فقال الصحابي للتابعي: ما حملك على ما صنعت يا بن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئاً فصنعت] هنا التلقي والتربية بالقدوة، وهذه اسمها: التربية بالقدوة، التابعي رأى الصحابي يفعل شيئاً، ففعل مثله وسأله الصحابي ثم علمه، [ فقال: أحسنت يا بن أخي، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أماط أذىً عن طريق المسلمين، كتبت له حسنة، ومن تقبلت له حسنة، دخل الجنة) ] رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة . فإذاً: الناحية التربوية هنا يا أيها الإخوة! أن التشبه والاقتداء يسري في الأجيال، ولذلك لما ترى علم ابن مسعود مثلاً انتقل إلى من؟ فمن؟ فمن؟ وعلم ابن عباس انتقل مِن مَن؟ إلى من؟ فمن؟ وهكذا، ثم الانتقال ما كان انتقال روايات فقط، بل كان انتقال تأثر بالشخصية، ولذلك قال قبيصة : (كان ابن مسعود أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: في هديه وسمته. وكان علقمة يشبه ابن مسعود ، ويشبه بعلقمة إبراهيم ، وبإبراهيم منصور، وبمنصور سفيان، وبسفيان وكيع، في التلقي عبر الأجيال؛ وكيع يأخذ عن سفيان ، و سفيان أخذ عن منصور، ومنصور عن إبراهيم ، و إبراهيم عن علقمة ، و علقمة صاحب ابن مسعود.
الصحابة وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم مدرسة في الفضائل والأعمال، فنحن نريد أن نتبين كيف نستفيد منهم؟ ماذا علمنا الصحابة؟ لقد علمونا -أيها الإخوة- محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وضربوا لنا الأمثلة الرائعة في محبته عليه الصلاة والسلام حباً شديداً يقول الكافر لما رجع إلى قومه: (والله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم -يعني: من أصحابه- فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم، ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له) هكذا وصف، والحديث في صحيح مسلم ......
عمرو بن العاص وحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: عمرو بن العاص: [وما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه] رواه مسلم .قال: عمرو بن العاص: [وما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه] رواه مسلم .
حب غلمان الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم(/12)
حتى الغلمان الصغار من الصحابة: كان عبد الرحمن بن عوف واقفاً يوم بدر بين غلامين حديثي السن، فتمنى أن يكون بين أقوى وأضرع منهما، وإذا بأحدهما يميل عليه ويقول: يا عم! هل تعرف أبا جهل ؟ قلت: نعم. وما حاجتك إليه يا بن أخي؟ قلت: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده! لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت، فغمزني الآخر فقال لي مثلها، وهذا بدون اتفاق، وكل واحد يريد أن يخفي عن صاحبه بالغمز لعبد الرحمن بن عوف ، هؤلاء صغار الصحابة، من حبهم للنبي عليه الصلاة والسلام لما سمعوا أن أبا جهل كان يسبه، يريدون الانتقام منه بأية طريقة، وقد جعل الله مقتله على يديهما.حتى الغلمان الصغار من الصحابة: كان عبد الرحمن بن عوف واقفاً يوم بدر بين غلامين حديثي السن، فتمنى أن يكون بين أقوى وأضرع منهما، وإذا بأحدهما يميل عليه ويقول: يا عم! هل تعرف أبا جهل ؟ قلت: نعم. وما حاجتك إليه يا بن أخي؟ قلت: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده! لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت، فغمزني الآخر فقال لي مثلها، وهذا بدون اتفاق، وكل واحد يريد أن يخفي عن صاحبه بالغمز لعبد الرحمن بن عوف ، هؤلاء صغار الصحابة، من حبهم للنبي عليه الصلاة والسلام لما سمعوا أن أبا جهل كان يسبه، يريدون الانتقام منه بأية طريقة، وقد جعل الله مقتله على يديهما.
الصحابة وفداؤهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم
من حبهم للنبي عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يفدونه بأنفسهم. عن الزبير بن العوام قال: (كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد ، فنهض إلى الصخرة، فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب طلحة) حديث حسن في الترمذي ، ((أوجب طلحة) أي: الجنة، فأثبتها لنفسه بهذا العمل؛ لأنه خاطر بنفسه يوم أحد ، وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وقايةً له حتى طعن ببدنه، وجرح جميع جسده حتى شلت يمينه وقطعت أصابعه، طلحة كانت يده شلاء رضي الله عنه. و أبو طلحة لما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم ليرى نتائج المعركة وماذا في الساحة، جعل أبو طلحة يقول ((يا نبي الله! بأبي أنت وأمي لا تشرف فيصيبك سهمٌ من سهام القوم، نحري دون نحرك) رواه البخاري. وفي غزوة أحد وقف سبعة من الأنصار، واثنان من قريش عند النبي عليه الصلاة والسلام حماية، فلما رهقوه -أي: المشركون رهقوا النبي عليه الصلاة والسلام- قال: (من يردهم عنا وله الجنة؟ -أو هو رفيقي في الجنة- فتقدم رجلٌ من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضاً، فقال: من يردهم عنا وله الجنة؟ -أو هو رفيقي في الجنة- فتقدم رجلٌ من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ما أنصفنا أصحابنا) قال لصاحبيه الباقيين من قريش -وهم مهاجرون- الحديث رواه مسلم .من حبهم للنبي عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يفدونه بأنفسهم. عن الزبير بن العوام قال: (كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد ، فنهض إلى الصخرة، فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب طلحة) حديث حسن في الترمذي ، ((أوجب طلحة) أي: الجنة، فأثبتها لنفسه بهذا العمل؛ لأنه خاطر بنفسه يوم أحد ، وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وقايةً له حتى طعن ببدنه، وجرح جميع جسده حتى شلت يمينه وقطعت أصابعه، طلحة كانت يده شلاء رضي الله عنه. و أبو طلحة لما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم ليرى نتائج المعركة وماذا في الساحة، جعل أبو طلحة يقول ((يا نبي الله! بأبي أنت وأمي لا تشرف فيصيبك سهمٌ من سهام القوم، نحري دون نحرك) رواه البخاري. وفي غزوة أحد وقف سبعة من الأنصار، واثنان من قريش عند النبي عليه الصلاة والسلام حماية، فلما رهقوه -أي: المشركون رهقوا النبي عليه الصلاة والسلام- قال: (من يردهم عنا وله الجنة؟ -أو هو رفيقي في الجنة- فتقدم رجلٌ من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضاً، فقال: من يردهم عنا وله الجنة؟ -أو هو رفيقي في الجنة- فتقدم رجلٌ من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ما أنصفنا أصحابنا) قال لصاحبيه الباقيين من قريش -وهم مهاجرون- الحديث رواه مسلم .
سرعة استجابة الصحابة لأمر الله ورسوله
نتعلم من الصحابة -أيها الإخوة- سرعة استجابتهم لأوامر النبي عليه الصلاة والسلام، وسرعة التفاعل مع النص، وسرعة التنفيذ، فالتلقي للتنفيذ، لم يكن تلقياً بارداً، ولم يكن تخزين معلومات، كان أخذاً للعمل، وتعلماً للعمل، ولو كان ضد هواه أو ضد مشاعره.......(/13)
معقل بن يسار وسرعة استجابته لأمر الله
هذا معقل بن يسار رضي الله عنه زوج أخته رجلاً من المسلمين، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت عنده مدة من الزمن، ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة، ورجعت إلى أخيها -أخوها زوَّجها لهذا الرجل وأكرمه بها وأعطاه إياها، فإذا به يطلقها ولا يراجعها في العدة- فرجعت إلى بيت أخيها الذي خرجت منه، وهذا الزوج بعد فترة هويها، وهويته، يعني: أراد كل واحد منهم الرجوع إلى الآخر، فخطبها مع الخطاب، وفي القديم ما كانت المطلقة كما يقولون اليوم سوقها بائرة، فلا أحد يتقدم إلى المطلقة، لا. قال: فخطبها مع الخطاب، فالمطلقات تمشي أمورهن بسرعة، فقال له معقل : [يا لكع! أكرمتك بها وزوجتكها، فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبداً آخر ما علي] وفي رواية البخاري قال: [زوجتك وفرشتك وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعودك أبداً] وعودة إلى رواية الترمذي ، قال: [فعلم الله حاجته إليها، وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله تبارك وتعالى في هذه القصة آية وهي قوله سبحانه وتعالى: (( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ))[البقرة:232]] لما سمعها معقل ، ماذا قال؟ والآن تصور أن واحداً منا زوج رجلاً من الشباب الطيبين أخته وسهل له الأمور، والمهر لا يكاد يذكر، كأنه أعطاه عطية، والمهر يسير، وأكرمه بها، وربما تكون أخته الوحيدة المدللة المعززة المكرمة في البيت، وإذا بهذا بعد فترة من الزمن يطلقها ويرميها، ثم يأتي بعد ذلك يريد أن يخطبها مرة أخرى، ما راجعها في العدة، تركها حتى تخرج من عصمته، كيف يكون شعورك؟ وماذا عساه أن يفعل بهذا الرجل الذي جاء يطلبها مرة ثانية؟ فهذا معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه شعوره معروف، نفسه مشحونة الآن، لما نزلت الآية، ماذا قال؟ لقد قال: [[سمعاً لربي وطاعةً، ثم دعاه، فقال: أزوجك وأكرمك، فزوجها إيا] . ما هو الفرق بيننا وبين الصحابة؟ الفرق سرعة الامتثال: سمعاً لربي وطاعة، التسليم مباشر، وفي رواية: [فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه] حلف ألا يعطيها إياه مرة ثانية، فكفر عن يمينه، وفي رواية: [فقلت: الآن أقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعاً لربي وطاعة، فدعا زوجها، فزوجها إياه].هذا معقل بن يسار رضي الله عنه زوج أخته رجلاً من المسلمين، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت عنده مدة من الزمن، ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة، ورجعت إلى أخيها -أخوها زوَّجها لهذا الرجل وأكرمه بها وأعطاه إياها، فإذا به يطلقها ولا يراجعها في العدة- فرجعت إلى بيت أخيها الذي خرجت منه، وهذا الزوج بعد فترة هويها، وهويته، يعني: أراد كل واحد منهم الرجوع إلى الآخر، فخطبها مع الخطاب، وفي القديم ما كانت المطلقة كما يقولون اليوم سوقها بائرة، فلا أحد يتقدم إلى المطلقة، لا. قال: فخطبها مع الخطاب، فالمطلقات تمشي أمورهن بسرعة، فقال له معقل : [يا لكع! أكرمتك بها وزوجتكها، فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبداً آخر ما علي] وفي رواية البخاري قال: [زوجتك وفرشتك وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعودك أبداً] وعودة إلى رواية الترمذي ، قال: [فعلم الله حاجته إليها، وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله تبارك وتعالى في هذه القصة آية وهي قوله سبحانه وتعالى: (( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ))[البقرة:232]] لما سمعها معقل ، ماذا قال؟ والآن تصور أن واحداً منا زوج رجلاً من الشباب الطيبين أخته وسهل له الأمور، والمهر لا يكاد يذكر، كأنه أعطاه عطية، والمهر يسير، وأكرمه بها، وربما تكون أخته الوحيدة المدللة المعززة المكرمة في البيت، وإذا بهذا بعد فترة من الزمن يطلقها ويرميها، ثم يأتي بعد ذلك يريد أن يخطبها مرة أخرى، ما راجعها في العدة، تركها حتى تخرج من عصمته، كيف يكون شعورك؟ وماذا عساه أن يفعل بهذا الرجل الذي جاء يطلبها مرة ثانية؟ فهذا معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه شعوره معروف، نفسه مشحونة الآن، لما نزلت الآية، ماذا قال؟ لقد قال: [[سمعاً لربي وطاعةً، ثم دعاه، فقال: أزوجك وأكرمك، فزوجها إيا] . ما هو الفرق بيننا وبين الصحابة؟ الفرق سرعة الامتثال: سمعاً لربي وطاعة، التسليم مباشر، وفي رواية: [فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه] حلف ألا يعطيها إياه مرة ثانية، فكفر عن يمينه، وفي رواية: [فقلت: الآن أقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعاً لربي وطاعة، فدعا زوجها، فزوجها إياه].
أبو بكر وسرعة تنفيذه لأمر الله(/14)
وكذلك أبو بكر الصديق لما حلف بعدما وقع بعض الناس في ابنته عائشة حتى ذاقت المر، وبكت حتى انقطع بكاؤها، وجف الدمع وانتهى وما بقي منه قطرة، فهي في كرب شديد. وكان من ضمن الذين تورطوا في القضية مسطح، وهو رجل فقير كان الصديق ينفق عليه وهو من قرابته، فلما فعل هكذا بابنته، منع عنه النفقة معاقبة له على ما فعل، فلما أنزل الله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النور:22] إلى أن قال: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22] قال أبو بكر : [بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه] الحديث في صحيح البخاري فرجع بسرعة.وكذلك أبو بكر الصديق لما حلف بعدما وقع بعض الناس في ابنته عائشة حتى ذاقت المر، وبكت حتى انقطع بكاؤها، وجف الدمع وانتهى وما بقي منه قطرة، فهي في كرب شديد. وكان من ضمن الذين تورطوا في القضية مسطح، وهو رجل فقير كان الصديق ينفق عليه وهو من قرابته، فلما فعل هكذا بابنته، منع عنه النفقة معاقبة له على ما فعل، فلما أنزل الله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النور:22] إلى أن قال: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22] قال أبو بكر : [بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه] الحديث في صحيح البخاري فرجع بسرعة.
نتعلم من الصحابة الصدق
نتعلم مع الصحابة -أيها الإخوة- الصدق مع الله عز وجل، لا كذب، ولا إخلاف عهد مع الله، بل الصدق مع الله تعالى. عن شداد بن الهاد : أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فآمن به واتبعه -اسمعوا يا أيها الإخوان! إلى هذا الحديث- ثم قال: (أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يعلموه) فالذي أسلم حديثاً يلتقي بالقديم، الجديد مع القديم يأخذ معه ويتربى عنه، هناك تعليم واهتمام بالأفراد، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يهتم بأصحابه: (فلما كانت غزوةٌ، غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبياً، فقسم وقسم له -لهذا الأعرابي- أعطى أصحابه ما قسم له -يعني: أمرهم أن يوصلوا نصيبه إليه- فجاءوا به إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسمٌ قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما هذا؟ قال: قسمته لك. قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى بسهم هاهنا -وأشار إلى حلقه- فأموت وأدخل الجنة -لا غنائم، ولا أموال- فقال: إن تصدق الله؛ يصدقك، فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل وقد أصابه سهمٌ حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم. قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فقتل شهيداً أنا شهيدٌ على ذلك) رواه النسائي وهو حديث صحيح. فالصحابة عرفوا الالتزام، وعرفوا التدين، وعرفوا التطوع، وقل: هذا متدين، أوهذا مطوع، أوهذا ملتزم، قل ما شئت، لكن المسألة -والله العظيم- في النهاية شيء واحد، الصدق مع الله فقط، لو يعمل أحدنا في حياته فقط لهذه القضية الصدق مع الله، فهذا أعرابي صدق مع الله في موقف واحد ودخل الجنة.......
نتعلم من الصحابة اليقين بصدق كلام رسول الله(/15)
كيف كان يقينهم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ اليقين درجة عالية، (عندما يرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً و الزبير و أبا مرثد ليأتوا بالخطاب الذي أرسله حاطب مع المرأة، ويفتشوها التفتيش الأولي، فلا يجدون شيئاً، ويقولون لعلي : ما وجدنا شيئاً -فماذا قالوا للمرأة؟- قالوا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب، أو لنجردنك، فلما رأت الجد، أهوت إلى حجزتها وأخرجت الكتاب) والقصة في الصحيح، ذهبوا متيقنين بصدق النبي عليه الصلاة والسلام. وكثير من الأحاديث وردت سواء في علاج الأمراض، أو في أشياء، فما دام النبي عليه الصلاة والسلام قالها، يعني: قطعاً أنها حق، وبعض الناس ينقصهم اليقين بكلام النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه قصة لطيفة عن عائشة رضي الله عنها: (دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عائشة بأسير -أي: لتبقيه عندها ولا يهرب- قالت عائشة : فلهوت عنه) -لعلها كانت حديثة السن- (فذهب، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فعل الأسير؟ قالت: لهوت عنه مع النسوة فخرج، فقال: ما لك قطع الله يدك -أو يديك؟- فخرج، فآذن به الناس، فطلبوه، فجاءوا به) -ألقي القبض عليه- (فدخل عليَّ -تقول عائشة- وأنا أقلب يدي، فقال: ما لك أجننت؟ قلت: دعوت عليَّ فأنا أقلب يدي أنظر أيهما يقطع ) -من يقين عائشة تقول: هذه أو هذه متى ستسقط- (فحمد الله وأثنى عليه، ورفع يديه، وقال: اللهم إني بشرٌ أغضب كما يغضب البشر، فأيما مؤمنٍ أو مؤمنة دعوت عليه، فاجعله له زكاةً وطهوراً) رواه أحمد ، وهو حديثٌ صحيحٌ. فإذاً: النبي عليه الصلاة والسلام إذا دعا على أحَدَ من المؤمنين، فدعوته هذه خصوصية، دعوته عليه تكون بركة ورحمة وخيراً لهذا الرجل المسلم، ولو قال: ثكلتك أمك، أو تربت يداك أو أي دعوة، وهي في الأصل من كلام العرب لا يقصدون بها حقيقتها بالتصديق بكلامه عليه الصلاة والسلام، والالتزام بكلامه كان قائماً بين الصحابة، وليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى المجتمع. وقصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه: لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام مع الثلاثة لما تخلفوا، قال كعب : [فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف] كل المجتمع قاطع بلا استثناء. وقال له المقداد يوم بدر : (يا رسول الله! إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ))[المائدة:24] لكن امض ونحن معك، امض نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك حتى تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم) . إذاً: الالتزام جماعي، الالتزام قائم، ولذلك انتصروا، والحديث في صحيح البخاري و أحمد.......
تحمل الصحابة للغربة والعذاب في سبيل الله
لقد تحمل الصحابة الغربة في سبيل الله، تقول أسماء بنت عميس التي هاجرت إلى الحبشة : [وكنا في دار، أو في أرض البعداء، أو البغضاء في الحبشة ، وذلك في الله وفي رسول الله -لأجل الله ورسوله، تحملوا الغربة- ونحن كنا نؤذى ونخاف] الحديث رواه مسلم . تحملوا الأذى والعذاب في سبيل الله. يقول خباب وقد اكتوى يومئذٍ سبع كيات في البطن لمعالجة أذى مولاته، حيث كانت تطرحه على الأسياخ المحماة، فلا يطفئها إلا شحم ظهره إذا سال عليها، يقول: [لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت، لدعوت بالموت] رواه البخاري . وهذا بلال معروفة قصته، وكان الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُضرب حتى إنه لا يقدر أن يستوي قاعداً من الضرب، حفروا الخندق بأيديهم، وبذلوا في سبيل الله، بأيديهم عملوا ، ما كان لهم عبيد، حفروا الخندق بأيديهم، في غداة باردة يقول أنس : وهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً(/16)
كم طول الخندق؟ كم عرضه؟ كم عمقه؟ من أجم الشيخين طرف بني حارثة شرقاً حتى المذاب غرباً، وكان طول الخندق خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة، وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً، وقد تولى المهاجرون الحفر من ناحية حصن راتج في الشرق إلى حصن ذباب ، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب. وتم الحفر بسرعة وفي الجو البارد والمجاعة، فحفروه في أسبوع، وكان الخندق منتهياً، طعامهم شعير مخلوط بدهن متغير الرائحة، لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون طعاماً، لكن بحرارة الإيمان حفروه. لما أرادوا اليوم حفر مائة متر في شارع الخندق، تكسرت حفارات، واستسلم مقاولون، وحفره آخرون في شهر مائة متر، في شهر الآن في هذا الزمان في نفس المنطقة، وكل القضية هي تسوية شارع!! وأولئك الصحابة حفروه بأيديهم بأدوات بدائية، هذا عمقه وهذا عرضه وهذا طوله. فهم جاهدوا على القلة، وأكلوا ورق الشجر كما قال سعد في صحيح البخاري. وفي حديث سرية الخبط، أكلوا أوراق الشجر حتى تقرحت أشداقهم، وكان أبو عبيدة يعطيهم تمرة تمرة، يقول التابعي: [كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: كنا نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل] جهاد على تمرة في اليوم!! رواه مسلم.......
تحمل الصحابة للفقر في سبيل الله
تحملوا الفقر في سبيل الله، كان الواحد لا تجد إلا إزاراً يستر به عورته، ويجمعه بيده حتى لا تنكشف العورة، وخرج أبو بكر و عمر -وزيرا النبي عليه الصلاة والسلام، ثاني وثالث أهم رجلين في الأمة- على باب البيت في الشارع، يقول النبي عليه الصلاة والسلام (ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله) رواه مسلم. يقول المقداد : [أقبلت أنا وصاحبان لي قد أذهب أسماعنا وأبصارنا الجهد من الجوع] السمع اختل، وكذلك البصر، وقالت عائشة : [جئنا بعبد الله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه، فطلبنا تمرة للتحنيك، فعز علينا طلبها] هذا الحديث والذي قبله في صحيح مسلم .......
الصحابة تركوا الدنيا لطلب العلم
كانت قراءتهم للقرآن مؤثرة؛ فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما ابتنى مسجداً بفناء داره يقرأ القرآن، جعل نساء المشركين وأطفاله يتقصفون عليه -يجتمعون- حتى خشيت قريش على نسائها وأطفالها من بكاء الصديق. وتلك مدينة النبي عليه الصلاة والسلام هل فتحت بالسيف؟ ما فتحت إلا بالقرآن، فقد فتح مصعب بن عمير و ابن أم مكتوم المدينة بالقرآن، بالقرآن اهتدى أهل المدينة ، ولم تفتح بالسيف. والحديث في صحيح البخاري . نتعلم من الصحابة ترك الدنيا لطلب العلم، فلا نلهث وراء الدنيا ونترك كتب العلماء، و نترك دروس العلماء.......
أبو هريرة وطلبه للعلم(/17)
يا أيها الإخوة! يقول أبو هريرة رضي الله عنه: [والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير -لا ألبس ثياباً موشاة مخططة- ولا يخدمني فلان، ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع] رضي الله تعالى عنه، وهذا من أجل أي شيء؟ من أجل أن يطلب العلم، ولذلك أثمر الجهد خمسة آلاف حديث في دواوين السنة منتشرة، وكان أول صحابي وأكثر صحابي يصرع بين المنبر وبيت النبي عليه الصلاة والسلام مغشياً عليه، يأتي الآتي يضع رجله على عنقه -لعله للقراءة والرقيا- يظنون به جن فيقول: [ما بي جنون، ما بي إلا الجوع] رواه البخاري. هؤلاء الصحابة الفقراء لما انفتحت عليهم الدنيا، وجاءت الغنائم، وجاءت المناصب، ما منهم أحد إلا صار أميراً على مصر من الأمصار، فهل تغيروا أو تبدلت نفوسهم لما جاءت خزائن كسرى وقيصر، وكثرت الأموال، وجاءت (الطفرة) فهل تغيرت نفوسهم؟ يقول عتبة بن غزوان : [ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا طعامٌ إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك ، فائتزرت بنصفها، وائتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحدٌ إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً] رواه مسلم. يا أيها الإخوة! يقول أبو هريرة رضي الله عنه: [والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير -لا ألبس ثياباً موشاة مخططة- ولا يخدمني فلان، ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع] رضي الله تعالى عنه، وهذا من أجل أي شيء؟ من أجل أن يطلب العلم، ولذلك أثمر الجهد خمسة آلاف حديث في دواوين السنة منتشرة، وكان أول صحابي وأكثر صحابي يصرع بين المنبر وبيت النبي عليه الصلاة والسلام مغشياً عليه، يأتي الآتي يضع رجله على عنقه -لعله للقراءة والرقيا- يظنون به جن فيقول: [ما بي جنون، ما بي إلا الجوع] رواه البخاري. هؤلاء الصحابة الفقراء لما انفتحت عليهم الدنيا، وجاءت الغنائم، وجاءت المناصب، ما منهم أحد إلا صار أميراً على مصر من الأمصار، فهل تغيروا أو تبدلت نفوسهم لما جاءت خزائن كسرى وقيصر، وكثرت الأموال، وجاءت (الطفرة) فهل تغيرت نفوسهم؟ يقول عتبة بن غزوان : [ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا طعامٌ إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك ، فائتزرت بنصفها، وائتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحدٌ إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً] رواه مسلم.
الشجاعة عند الصحابة
نتعلم منهم الشجاعة: لما تكالب كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن أبي معيط يضع الثوب حول عنقه يخنقه به، ويقوم الصديق يدافع، ويقول: [أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!] والحديث في صحيح البخاري .......
حمزة بن عبد المطلب وشجاعته
وحمزة وشجاعته في أحد لما قام مشرك يقول: [هل من مبارز؟ خرج إليه حمزة بن عبد المطلب يقول: يا سباع! يا بن أم أنمار مقطعة البظور -كانت ختانة للنساء- أتحاد الله ورسوله؟ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب] رواه البخاري .وحمزة وشجاعته في أحد لما قام مشرك يقول: [هل من مبارز؟ خرج إليه حمزة بن عبد المطلب يقول: يا سباع! يا بن أم أنمار مقطعة البظور -كانت ختانة للنساء- أتحاد الله ورسوله؟ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب] رواه البخاري .
الزبير وشجاعته في اليرموك(/18)
الزبير رضي الله عنه وقف في موقعة اليرموك ، قال له أصحابه: [ألا تشد فنشد معك؟ قال: إني إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل. فحمل على الروم حتى شق صفوفهم فجاوزهم] واحد فقط يشق صفوف الروم في معركة اليرموك حتى ينفذ إلى الجانب الآخر، وما معه أحد، ثم رجع مقبلاً مرة ثانية، فضربوه ضربتين على عاتقه رضي الله تعالى عنه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة بن الزبير : كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب بهن وأنا صغير. وهذا عروة ، أخوه عبد الله شجاع كأبيه، عبد الله بن الزبير ابن عشر سنين، أو اثنتي عشرة سنة حمله أبوه على فرس ووكل به رجلاً -والحديث في الصحيح- حتى لا يتجرأ الصغير هذا ويدخل في صفوف المشركين، ولكن مع ذلك ماذا كان يفعل؟ وكان عبد الله بن الزبير وهو صغير يجهز على جرحى المشركين، فبعد المعركة ينظر من بقي فيه رمق من الكفار فينحره ويكمل عليه، فهذا عمره اثنتا عشرة سنة، والآن من عمره اثنتا عشرة سنة لو جاء صرصور صاح من الخوف، يقول خالد بن الوليد : [لقد انقطعت في يدي في مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية] صبرت في يدي صفيحة يمانية. رواه البخاري . وجليبيب رضي الله عنه الفقير المسكين وجدوه بعد المعركة، سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، يعني: قتل من كثرة ما طعن. وإذا كان أنس بن النضر به بضعة وثمانون ضربة ورمية في جسده، فكم قاتل حتى مات، ولفظ أنفاسه الأخيرة؟ ليس من أول طعنة، ولا من ثاني طعنة، ولا من عاشر طعنة، ولا من عشرين، بقي يقاتل حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وحُمل جليبيب حمله النبي صلى الله عليه وسلم وعندما وقف عليه، قال: (قتل سبعةً، ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه فوضعه على ساعديه ليس له سرير إلا ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم، فحفر له ووضع في قبره) رواه مسلم .الزبير رضي الله عنه وقف في موقعة اليرموك ، قال له أصحابه: [ألا تشد فنشد معك؟ قال: إني إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل. فحمل على الروم حتى شق صفوفهم فجاوزهم] واحد فقط يشق صفوف الروم في معركة اليرموك حتى ينفذ إلى الجانب الآخر، وما معه أحد، ثم رجع مقبلاً مرة ثانية، فضربوه ضربتين على عاتقه رضي الله تعالى عنه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة بن الزبير : كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب بهن وأنا صغير. وهذا عروة ، أخوه عبد الله شجاع كأبيه، عبد الله بن الزبير ابن عشر سنين، أو اثنتي عشرة سنة حمله أبوه على فرس ووكل به رجلاً -والحديث في الصحيح- حتى لا يتجرأ الصغير هذا ويدخل في صفوف المشركين، ولكن مع ذلك ماذا كان يفعل؟ وكان عبد الله بن الزبير وهو صغير يجهز على جرحى المشركين، فبعد المعركة ينظر من بقي فيه رمق من الكفار فينحره ويكمل عليه، فهذا عمره اثنتا عشرة سنة، والآن من عمره اثنتا عشرة سنة لو جاء صرصور صاح من الخوف، يقول خالد بن الوليد : [لقد انقطعت في يدي في مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية] صبرت في يدي صفيحة يمانية. رواه البخاري . وجليبيب رضي الله عنه الفقير المسكين وجدوه بعد المعركة، سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، يعني: قتل من كثرة ما طعن. وإذا كان أنس بن النضر به بضعة وثمانون ضربة ورمية في جسده، فكم قاتل حتى مات، ولفظ أنفاسه الأخيرة؟ ليس من أول طعنة، ولا من ثاني طعنة، ولا من عاشر طعنة، ولا من عشرين، بقي يقاتل حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وحُمل جليبيب حمله النبي صلى الله عليه وسلم وعندما وقف عليه، قال: (قتل سبعةً، ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه فوضعه على ساعديه ليس له سرير إلا ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم، فحفر له ووضع في قبره) رواه مسلم .
تسخير الطاقات عند الصحابة لنصرة الدين
نستفيد من الصحابة -أيها الإخوة- تسخير الطاقات في نصرة الدين.......
زيد بن ثابت يتعلم السريانية لخدمة دين الله(/19)
النبي عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى تعلم السريانية من بعض أصحابه ليقرءوا له خطابات اليهود، ويريد أن يكتب خطابات إلى اليهود، ولا يأمنهم على كتابه، فيطلب من زيد رضي الله تعالى عنه أن يتعلم له لغة جديدة، فتعلمهازيد بن ثابت في كم يوم؟ في سبعة عشر يوماً، رواه أحمد رحمه الله، قال: [تعلمتها له، فلما تعلمتها كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابه] قال الترمذي : حديث حسن صحيح، حذق في سبعة عشر يوماً لغة جديدة لنصرة الدين ولإعلاء كلمة الله. الآن الإخوان الذين يعرفون اللغة الإنجليزية، يا ترى هل فكروا في الدعوة إلى الله في وسط الأقوام الذين يتكلمون بهذه اللغة؟ الذين عندهم أي نوع من أنواع الخبرات في الكمبيوتر أو غيره، الذين عندهم خطابة، الذين عندهم حسن خط، الذين عندهم قدرات إنشائية في الكتابة، والذين عندهم قدرات مالية، والذين عندهم خبرات إدارية، هؤلاء ماذا قدموا لهذا الدين؟ لقد كان الصحابة طاقات تفجر ينابيع لخدمة الدين، هذا ما يجب أن نستفيد منهم. كان الصحابة رضي الله عنهم يتفاعلون مع النصوص كان الواحد منهم إذا سمع كلاماً طيباً يتمنى أن يكون صاحبه، فأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه لما سمع حديث: (للعبد المملوك المصلح أجران) قال: [والذي نفس أبي هريرة بيده! لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك] متفق عليه. لأجل ما سمع الأجر يتمنى أنه عبد مملوك لينطبق عليه الحديث. والصحابي الجليل عمير بن الحمام الأنصاري لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض) هي كلمة واحدة تفاعلت مع الصحابي، فألقى التمرات، وترك الحياة، وذهب ليقاتل حتى قتل. والحديث في صحيح مسلم . وأبو طلحة يسمع: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] فكان أحب ماله إليه بستان فتصدق به مباشرة في سبيل الله، وهو أنفس أمواله، لو أن أحداً عنده مزرعة، وقصر منيف، يسمع الآية هل يتصدق بهما مباشرة في سبيل الله؟ هؤلاء الصحابة. يقول عوف بن مالك : (قام النبي عليه الصلاة والسلام على جنازة فسمعته يدعو للميت يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، أو من عذاب النار، قال عوف : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت) لأجل هذا الدعاء وهو يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يستجاب له، والحديث في صحيح مسلم. كان الصحابة يبادرون ليس في الواجبات والفروض فقط، بل في المستحبات كانوا ينطلقون، يسمع عبد الله بن عمر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (نعم الرجل عبد اللهلو كان يصلي من الليل) فما ترك قيام الليل بعدها. وعمر بن أبي سلمة لما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بيمينك) كان يقول بعدها: [ما زالت تلك طعمتي بعد] وآخر لما سب وعاتبه النبي عليه الصلاة والسلام: [ما ساببت بعده أحداً] وهكذا، شعورهم مشاركة، تفاعل بالمشاعر وليس فقط بالمجهودات العضلية.النبي عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى تعلم السريانية من بعض أصحابه ليقرءوا له خطابات اليهود، ويريد أن يكتب خطابات إلى اليهود، ولا يأمنهم على كتابه، فيطلب من زيد رضي الله تعالى عنه أن يتعلم له لغة جديدة، فتعلمهازيد بن ثابت في كم يوم؟ في سبعة عشر يوماً، رواه أحمد رحمه الله، قال: [تعلمتها له، فلما تعلمتها كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابه] قال الترمذي : حديث حسن صحيح، حذق في سبعة عشر يوماً لغة جديدة لنصرة الدين ولإعلاء كلمة الله. الآن الإخوان الذين يعرفون اللغة الإنجليزية، يا ترى هل فكروا في الدعوة إلى الله في وسط الأقوام الذين يتكلمون بهذه اللغة؟ الذين عندهم أي نوع من أنواع الخبرات في الكمبيوتر أو غيره، الذين عندهم خطابة، الذين عندهم حسن خط، الذين عندهم قدرات إنشائية في الكتابة، والذين عندهم قدرات مالية، والذين عندهم خبرات إدارية، هؤلاء ماذا قدموا لهذا الدين؟ لقد كان الصحابة طاقات تفجر ينابيع لخدمة الدين، هذا ما يجب أن نستفيد منهم. كان الصحابة رضي الله عنهم يتفاعلون مع النصوص كان الواحد منهم إذا سمع كلاماً طيباً يتمنى أن يكون صاحبه، فأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه لما سمع حديث: (للعبد المملوك المصلح أجران) قال: [والذي نفس أبي هريرة بيده! لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك] متفق عليه. لأجل ما سمع الأجر يتمنى أنه عبد مملوك لينطبق عليه الحديث. والصحابي الجليل عمير بن الحمام الأنصاري لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض) هي كلمة واحدة تفاعلت مع الصحابي، فألقى التمرات، وترك(/20)
الحياة، وذهب ليقاتل حتى قتل. والحديث في صحيح مسلم . وأبو طلحة يسمع: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] فكان أحب ماله إليه بستان فتصدق به مباشرة في سبيل الله، وهو أنفس أمواله، لو أن أحداً عنده مزرعة، وقصر منيف، يسمع الآية هل يتصدق بهما مباشرة في سبيل الله؟ هؤلاء الصحابة. يقول عوف بن مالك : (قام النبي عليه الصلاة والسلام على جنازة فسمعته يدعو للميت يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، أو من عذاب النار، قال عوف : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت) لأجل هذا الدعاء وهو يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يستجاب له، والحديث في صحيح مسلم. كان الصحابة يبادرون ليس في الواجبات والفروض فقط، بل في المستحبات كانوا ينطلقون، يسمع عبد الله بن عمر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (نعم الرجل عبد اللهلو كان يصلي من الليل) فما ترك قيام الليل بعدها. وعمر بن أبي سلمة لما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بيمينك) كان يقول بعدها: [ما زالت تلك طعمتي بعد] وآخر لما سب وعاتبه النبي عليه الصلاة والسلام: [ما ساببت بعده أحداً] وهكذا، شعورهم مشاركة، تفاعل بالمشاعر وليس فقط بالمجهودات العضلية.
استشعار المسئولية عند الصحابة
شعورهم لما شاع أن النبي عليه الصلاة والسلام طلق نساءه، ماذا فعل الصحابة؟ قعدوا عند المنبر يبكون، والحديث في صحيح البخاري من حديث عمر ، قعد الصحابة يبكون وجاء معهم عمر وجلس معهم وهم يبكون. مشاعر تعاطف مع النبي عليه الصلاة والسلام وحزناً على ما حصل لأهله. إنهم الصحابة الذين علمونا الشعور بالمسئولية، ما كانوا لعابين أو مهملين، فأبو بكر الصديق عندما كلف زيداً أن يجمع القرآن ويكتبه قال له: [إنك رجلٌ شابٌ عاقلٌ لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن تجمعه، يقول: والله لو كلفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن] رواه البخاري . وعبد الرحمن بن عوف يستشير الناس بعد مقتل عمر : بقي الآن علي و عثمان ، من الخليفة؟ يستشير الناس، ويجمع رأي المسلمين جماعات وأشتاتاً، ومثنى وفرادى، وسراً وجهراً حتى خلص إلى النساء واستشار العجائز، وحتى سأل الولدان في المكاتب، وحتى سأل الركبان والأعراب ثلاثة أيام بلياليها لا يغتمض بكثير نومٍ إلا صلاةً ودعاءً واستخارةً، تحمل مسئولية اختيار الخليفة، يحس الإنسان أن هناك شيئاً ثقيلاً يلقى عليه، يتحمل ويقوم ويمشي. اليوم عدد من الشباب وعدد من الناس إما أن يهرب من المسئولية فلا يريدون مسئوليات، لا أقصد مناصب، إنما أقصد تحمل الأعباء، والشيء الثقيل، وإذا حملها قال: تشريف، وعمله يدل على أنه تشريف وتفاخر بها، ولا تعطى حقها، لماذا أيها الإخوة؟
أمور أخرى نتعلمها من الصحابة
......
الإيثار
الصحابة يعلموننا الإيثار، إيثار الأخوة، إيثار الأنصار، لقد أعطوا نصف الثمرة للمهاجرين. والحديث في صحيح البخاري. فهذا جعفر بن أبي طالب أبو المساكين: [ينقلب بنا، فيطعمنا ما في بيته حتى يخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها] . يقول أبو هريرة : والحديث في صحيح البخاري : (والجود بالموجود، خير الناس للمساكين جعفر ، يخرج لهم يؤثرون ضيف النبي عليه الصلاة والسلام بطعام الأولاد) والقصة مشهورة عن الذي آثر ضيفه بطعام صبيانه ونوَّمهم -أي: الصبيان- وأطفئوا السراج حتى لا يحرج الرجل، ونزلت آيات من القرآن، وضحك الله منهما وعجب منهما عز وجل من إخلاصهما، وإذا ضحك ربك إلى عبد فلا عذاب عليه.الصحابة يعلموننا الإيثار، إيثار الأخوة، إيثار الأنصار، لقد أعطوا نصف الثمرة للمهاجرين. والحديث في صحيح البخاري. فهذا جعفر بن أبي طالب أبو المساكين: [ينقلب بنا، فيطعمنا ما في بيته حتى يخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها] . يقول أبو هريرة : والحديث في صحيح البخاري : (والجود بالموجود، خير الناس للمساكين جعفر ، يخرج لهم يؤثرون ضيف النبي عليه الصلاة والسلام بطعام الأولاد) والقصة مشهورة عن الذي آثر ضيفه بطعام صبيانه ونوَّمهم -أي: الصبيان- وأطفئوا السراج حتى لا يحرج الرجل، ونزلت آيات من القرآن، وضحك الله منهما وعجب منهما عز وجل من إخلاصهما، وإذا ضحك ربك إلى عبد فلا عذاب عليه.
التراحم بينهم(/21)
الرحمة بين الإخوان: لو أصيب الواحد منهم بمصيبة، كيف يكون شعور الآخر؟ إنهم مؤمنون كالجسد الواحد، تقول عائشة رضي الله عنها: [لما حكم سعد في بني قريظة، ماذا قال بعد ذلك؟ قال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريشٍ شيئاً، فأبقني له، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم، فاقبضني إليك] لكي لا يفوته أجر الشهادة من الجرح، فانفجر كله، وكان الجرح قد قارب على أن يبرأ ولكن عندما انفجر الجرح، قالت عائشة ((فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم و وأبو بكر و عمر ، قالت: فوالذي نفس محمد بيده! إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر ، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عز وجل: (( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ))[الفتح: 29]) رواه أحمد ، قال ابن كثير : وإسناده جيد. مشاركاتهم الأخوية بينهم وبين بعض: إلى كل أخوين بينهما مصارمة! إلى كل أخوين بينهما عداوة! إلى كل أخوين بينهما شحناء وبغضاء! يا إخوان! هذا كعب بن مالك لما تاب الله عليه، كيف كان تفاعل إخوانه المسلمين معه؟ يقول: [فجعل الناس يتلقوني فوجاً فوجاً، يهنئوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إليَّ رجلٌ غيره من المهاجرين] قام إليه والناس يتلقونه أفواجاً ويهنئونه إنهم الصحابة الذين أخذوا زمام المبادرة لصالح المسلمين. وخالد بن الوليد رضي الله عنه الذي تأمر لمصلحة المسلمين مع أن المسألة كانت على وشك الضياع لأجل إنقاذ الموقف. و جرير بن عبد الله لما مات أمير الكوفة من الصحابة المغيرة بن شعبة ، وقف جرير على المنبر، وأثنى على الله وحمد الله، وقال: [عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا لأميركم -اطلبوا له العفو- فإنه كان يحب العفو] ثم ذكر الحديث. وإذا جئت إلى أشياء كثيرة، لن يكون هناك وقت لأن نسرد بقيتها، لكن أيها الإخوة! الصحابة مدرسة، ويجب علينا أن نهتم بسير الصحابة، وأن نجمع أخبار الصحابة، وندرس أخبار الصحابة، ونقتدي بأفعال الصحابة، والله إنا نشهد الله على حبهم. اللهم اجعلنا ممن أحبهم، اللهم ارزقنا شفاعتهم يوم الدين، فإن أولياء الله لهم شفاعة يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (شفع الأنبياء، وشفع الصديقون، وشفعت الملائكة) الجميع لهم شفاعة، و نحن نسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وشفاعة أصحابه، وأن يحشرنا معهم، وأن يجعلنا في زمرتهم، وأن يوردنا معهم حوض نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا معهم في الجنة؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) فالصحابة حبهم إيمان كلما سمعت بصحابي، فأحبه، وإذا سمعت بأبي هريرة وأمه، فاستغفر لهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمن يستغفر لأبي هريرة وأمه، وقال: [ما رآني أحد إلا أحبني] لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، ونحن نحبه ونشهد الله على محبة أبي هريرة رغم أنوف الحاقدين، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بسيرهم، وأن يرزقنا الاقتداء بهم إنه سميعٌ مجيبٌ قريبٌ، وصلى الله على نبينا محمد.الرحمة بين الإخوان: لو أصيب الواحد منهم بمصيبة، كيف يكون شعور الآخر؟ إنهم مؤمنون كالجسد الواحد، تقول عائشة رضي الله عنها: [لما حكم سعد في بني قريظة، ماذا قال بعد ذلك؟ قال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريشٍ شيئاً، فأبقني له، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم، فاقبضني إليك] لكي لا يفوته أجر الشهادة من الجرح، فانفجر كله، وكان الجرح قد قارب على أن يبرأ ولكن عندما انفجر الجرح، قالت عائشة ((فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم و وأبو بكر و عمر ، قالت: فوالذي نفس محمد بيده! إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر ، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عز وجل: (( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ))[الفتح: 29]) رواه أحمد ، قال ابن كثير : وإسناده جيد. مشاركاتهم الأخوية بينهم وبين بعض: إلى كل أخوين بينهما مصارمة! إلى كل أخوين بينهما عداوة! إلى كل أخوين بينهما شحناء وبغضاء! يا إخوان! هذا كعب بن مالك لما تاب الله عليه، كيف كان تفاعل إخوانه المسلمين معه؟ يقول: [فجعل الناس يتلقوني فوجاً فوجاً، يهنئوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إليَّ رجلٌ غيره من المهاجرين] قام إليه والناس يتلقونه أفواجاً ويهنئونه إنهم الصحابة الذين أخذوا زمام المبادرة لصالح المسلمين. وخالد بن الوليد رضي الله عنه الذي تأمر لمصلحة المسلمين مع أن المسألة كانت على وشك الضياع لأجل إنقاذ الموقف. و جرير بن عبد الله لما مات أمير الكوفة من الصحابة المغيرة بن شعبة ، وقف جرير على المنبر، وأثنى على الله وحمد الله، وقال: [عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة حتى(/22)
يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا لأميركم -اطلبوا له العفو- فإنه كان يحب العفو] ثم ذكر الحديث. وإذا جئت إلى أشياء كثيرة، لن يكون هناك وقت لأن نسرد بقيتها، لكن أيها الإخوة! الصحابة مدرسة، ويجب علينا أن نهتم بسير الصحابة، وأن نجمع أخبار الصحابة، وندرس أخبار الصحابة، ونقتدي بأفعال الصحابة، والله إنا نشهد الله على حبهم. اللهم اجعلنا ممن أحبهم، اللهم ارزقنا شفاعتهم يوم الدين، فإن أولياء الله لهم شفاعة يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (شفع الأنبياء، وشفع الصديقون، وشفعت الملائكة) الجميع لهم شفاعة، و نحن نسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وشفاعة أصحابه، وأن يحشرنا معهم، وأن يجعلنا في زمرتهم، وأن يوردنا معهم حوض نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا معهم في الجنة؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) فالصحابة حبهم إيمان كلما سمعت بصحابي، فأحبه، وإذا سمعت بأبي هريرة وأمه، فاستغفر لهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمن يستغفر لأبي هريرة وأمه، وقال: [ما رآني أحد إلا أحبني] لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، ونحن نحبه ونشهد الله على محبة أبي هريرة رغم أنوف الحاقدين، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بسيرهم، وأن يرزقنا الاقتداء بهم إنه سميعٌ مجيبٌ قريبٌ، وصلى الله على نبينا محمد.
الأسئلة
كتب في فضائل الصحابة
السؤال: ما هي بعض الكتب النافعة في سير الصحابة؟ الجواب: الصحيح المسند من فضائل الصحابة كتاب جيد، الإصابة في تمييز الصحابة القسم الأول منه بالذات في كل حرف من الحروف، سير أعلام النبلاء المجلدات الأولى، والكتب كثيرة في سير الصحابة، وبعضها مبسط ومنها صور من حياة الصحابة ، ومجلد صدر حديثاً أيضاً حول هذا العنوان. السؤال: ما هي بعض الكتب النافعة في سير الصحابة؟ الجواب: الصحيح المسند من فضائل الصحابة كتاب جيد، الإصابة في تمييز الصحابة القسم الأول منه بالذات في كل حرف من الحروف، سير أعلام النبلاء المجلدات الأولى، والكتب كثيرة في سير الصحابة، وبعضها مبسط ومنها صور من حياة الصحابة ، ومجلد صدر حديثاً أيضاً حول هذا العنوان.
السؤال عن الفتن التي جرت بين الصحابة
السؤال: ما رأيكم في الفتن التي جرت بين الصحابة؟ الجواب: علينا أن نمسك فهي فتنة عصم الله منها دماءنا، فنحن نعصم ألسنتنا منها ولا نتكلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصانا وقال: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) وما دام أنه أوصانا فنحن ننفذ، والذين تكلموا من العلماء إنما تكلموا لما تكلم أهل البدع، ولا يصح أن نأتي إلى مكان نظيف ما أثيرت فيه قضية ما دار بين الصحابة فنثيرها نحن، لا نحتاج إثارة الشبهة، ثم نرد عليها، لماذا؟ لأن هذا مخالفة صريحة لحديث: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) فالله الله في الصحابة، لكن لو أتاك واحد، فقال: أنا سمعت كذا، وقرأت كذا، ووصل إلى علمي كذا، تقول: خذ هذا الكتاب، أو هذا الشريط حول الموضوع، أما أن تنشر القضية فهذا خطأ وإجرام، ولا يجوز هذا النشر أبداً. أما بالنسبة للمنافقين فهم لا يعدون من الصحابة طبعاً، والحمد لله لم يتمكن منافق واحد أن يروي حديثاً، ولا يوجد من رواة الأحاديث منافق واحد، ما تجرءوا، وعصم الله حديث نبيه صلى الله عليه وسلم من المنافقين.السؤال: ما رأيكم في الفتن التي جرت بين الصحابة؟ الجواب: علينا أن نمسك فهي فتنة عصم الله منها دماءنا، فنحن نعصم ألسنتنا منها ولا نتكلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصانا وقال: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) وما دام أنه أوصانا فنحن ننفذ، والذين تكلموا من العلماء إنما تكلموا لما تكلم أهل البدع، ولا يصح أن نأتي إلى مكان نظيف ما أثيرت فيه قضية ما دار بين الصحابة فنثيرها نحن، لا نحتاج إثارة الشبهة، ثم نرد عليها، لماذا؟ لأن هذا مخالفة صريحة لحديث: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) فالله الله في الصحابة، لكن لو أتاك واحد، فقال: أنا سمعت كذا، وقرأت كذا، ووصل إلى علمي كذا، تقول: خذ هذا الكتاب، أو هذا الشريط حول الموضوع، أما أن تنشر القضية فهذا خطأ وإجرام، ولا يجوز هذا النشر أبداً. أما بالنسبة للمنافقين فهم لا يعدون من الصحابة طبعاً، والحمد لله لم يتمكن منافق واحد أن يروي حديثاً، ولا يوجد من رواة الأحاديث منافق واحد، ما تجرءوا، وعصم الله حديث نبيه صلى الله عليه وسلم من المنافقين.
حكم التسمي بأسماء الصحابة(/23)
السؤال: ما حكم تسمية الأبناء بأسماء الصحابة؟ الجواب: نعم. طبعاً نحن أيضاً ينبغي أن نقدر مسألة الصحابة الذين سموا في الجاهلية بأسماء سماهم بها آباؤهم الكفار، فبعضها طيبة، وبعضها هناك ما هو أفضل منها، ولذلك فربما يكون الأدق أن نسمي بأسماء أبناء الصحابة، وكذلك أسماء التابعين؛ لأن هذا الجيل سمي في الإسلام، فلنا أن نقتدي بهم في هذه المسألة.السؤال: ما حكم تسمية الأبناء بأسماء الصحابة؟ الجواب: نعم. طبعاً نحن أيضاً ينبغي أن نقدر مسألة الصحابة الذين سموا في الجاهلية بأسماء سماهم بها آباؤهم الكفار، فبعضها طيبة، وبعضها هناك ما هو أفضل منها، ولذلك فربما يكون الأدق أن نسمي بأسماء أبناء الصحابة، وكذلك أسماء التابعين؛ لأن هذا الجيل سمي في الإسلام، فلنا أن نقتدي بهم في هذه المسألة.
عوامل تساعد على الاستيقاظ لصلاة الفجر
السؤال: ما هي الطرق التي تساعد على الاستيقاظ لصلاة الفجر؟ الجواب: الطرق التي تساعد على الاستيقاظ لصلاة الفجر كثيرة، وعلى رأسها: الوضوء والنوم المبكر والأذكار والصدق مع الله، فلا يقل: ليت الساعة ما تدق، وليت ما أحد يضرب عليَّ الجرس، وليت أني أواصل النوم، وبعض الآباء يقول: اترك الولد في حاله، عندما يكتفي من النوم يقوم لوحده، فأين يذهب قوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ [طه:132]؟ السؤال: ما هي الطرق التي تساعد على الاستيقاظ لصلاة الفجر؟ الجواب: الطرق التي تساعد على الاستيقاظ لصلاة الفجر كثيرة، وعلى رأسها: الوضوء والنوم المبكر والأذكار والصدق مع الله، فلا يقل: ليت الساعة ما تدق، وليت ما أحد يضرب عليَّ الجرس، وليت أني أواصل النوم، وبعض الآباء يقول: اترك الولد في حاله، عندما يكتفي من النوم يقوم لوحده، فأين يذهب قوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ [طه:132]؟
حكم فتح القرآن
السؤال: ما حكم فتح القرآن؟ الجواب : إذا كان المقصود بالفتح أن الإنسان إذا أراد أن يقدم على عمل أو شيء فتح القرآن، فإذا رأى آيات الجنة استبشر، وإذا رأى آيات النار رجع وتراجع، فهذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.السؤال: ما حكم فتح القرآن؟ الجواب : إذا كان المقصود بالفتح أن الإنسان إذا أراد أن يقدم على عمل أو شيء فتح القرآن، فإذا رأى آيات الجنة استبشر، وإذا رأى آيات النار رجع وتراجع، فهذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
حكم الحلف بالقرآن
السؤال: ما حكم الحلف بالقرآن؟ الجواب: الحلف بالقرآن جائز؛ لأنه كلام الله، ليس بالمصحف، ولا بالورق والحبر أنه يقسم بآيات الله، وآيات الله كلامه، كلامه صفة من صفاته، فيجوز أن يحلف به، ولكن بعض أهل العلم أشار إلى بدعية وضع اليد على المصحف للحلف؛ لأن بعض الناس إذا أراد أن يغلو اليمين، جاءوا بالمصحف، قال: احلف عليه وضع يدك واحلف عليه، فأشار الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين إلى أن هذا العمل لا أصل له وهو وضع اليد على المصحف والحلف فيه.السؤال: ما حكم الحلف بالقرآن؟ الجواب: الحلف بالقرآن جائز؛ لأنه كلام الله، ليس بالمصحف، ولا بالورق والحبر أنه يقسم بآيات الله، وآيات الله كلامه، كلامه صفة من صفاته، فيجوز أن يحلف به، ولكن بعض أهل العلم أشار إلى بدعية وضع اليد على المصحف للحلف؛ لأن بعض الناس إذا أراد أن يغلو اليمين، جاءوا بالمصحف، قال: احلف عليه وضع يدك واحلف عليه، فأشار الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين إلى أن هذا العمل لا أصل له وهو وضع اليد على المصحف والحلف فيه.
مسألة في الحج
السؤال: رجل اعتمر في الحج، فهل الأفضل أن يحج متمتعاً أم يحج مفرداً؟ الجواب: مسألة التمتع في الحج، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الرجل إذا اعتمر في الحج أن الأفضل له الإفراد، وجمهور أهل العلم يرون أن التمتع أفضل الأنساك قاطبةً. السؤال: رجل اعتمر في الحج، فهل الأفضل أن يحج متمتعاً أم يحج مفرداً؟ الجواب: مسألة التمتع في الحج، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الرجل إذا اعتمر في الحج أن الأفضل له الإفراد، وجمهور أهل العلم يرون أن التمتع أفضل الأنساك قاطبةً.
مسألة في العقيقة
السؤال: رجل له ثلاثة أولاد ماتوا في الشهر السابع، ولم يعق عنهم؟ الجواب: يعق عنهم الآن ولا بأس، ما دام أن الأولاد قد نفخت فيهم الروح، فتشرع له العقيقة، فإذا سقط بعد نفخ الروح تشرع له العقيقة، ولا يشترط أن يجمع لها الناس، بل يذبحها ويفرقها ويأكل منها.السؤال: رجل له ثلاثة أولاد ماتوا في الشهر السابع، ولم يعق عنهم؟ الجواب: يعق عنهم الآن ولا بأس، ما دام أن الأولاد قد نفخت فيهم الروح، فتشرع له العقيقة، فإذا سقط بعد نفخ الروح تشرع له العقيقة، ولا يشترط أن يجمع لها الناس، بل يذبحها ويفرقها ويأكل منها.
حكم تطليق المرأة وهي حامل(/24)
السؤال: ما حكم تطليق المرأة وهي حامل؟ الجواب: طلاق الحامل يقع بإجماع العلماء، وحصل خلاف في طلاق الحائض، وحصل خلاف في طلاق النفساء، وحصل خلاف في طلاق من طلقها في طهر جامعها فيه، لكن طلاق الحامل يقع بإجماع العلماء، والعلماء يسمون الحامل: أم العدد، لأنها إذا وضعت حملها خرجت سواء كانت مطلقة، أو توفي عنها زوجها، وأي وضع كانت فيه إذا وضعت حملها خرجت من عدتها.السؤال: ما حكم تطليق المرأة وهي حامل؟ الجواب: طلاق الحامل يقع بإجماع العلماء، وحصل خلاف في طلاق الحائض، وحصل خلاف في طلاق النفساء، وحصل خلاف في طلاق من طلقها في طهر جامعها فيه، لكن طلاق الحامل يقع بإجماع العلماء، والعلماء يسمون الحامل: أم العدد، لأنها إذا وضعت حملها خرجت سواء كانت مطلقة، أو توفي عنها زوجها، وأي وضع كانت فيه إذا وضعت حملها خرجت من عدتها.
استئجار السيارات المنتهي بالتمليك
السؤال: ما هو حكم استئجار السيارات الاستئجار المنتهي بالتمليك؟ الجواب: هذا السؤال تكرر كثيراً، والذي خرجت فيه من النقاش مع بعض أهل العلم أن الاستئجار المنتهي بالتمليك والبيع عقدان في عقد واحد، وأن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، وهي تعني: أن يشمل أبيعك على أن تؤجرني، أو أؤجرك على أن تقرضني، أو أزوجك على أن تبيعني، فهذا كله لا يجوز، ربط العقدين مع بعض، لا بد أن تفرق حتى يكون أبعد عن الجهالة والغرر، ولذلك إذا قلت: يا وكالة السيارات نريد أن نفصل عقد الإيجار عن عقد البيع، أنا أستأجر منكم السيارة بإيجار شهري، أو سنوي بمبلغ كذا وكذا، وإذا أردت أن أشتريها منكم، ننهي عقد الإجارة ونوقفه ونعقد عقد بيع جديد، ونتفق فيه على سعر معين، أنتم تقولون: بقي لك ألف خذها بألف، المهم نتفق على سعر، لكن يكون عقد الإجارة منفصلاً عن عقد البيع.السؤال: ما هو حكم استئجار السيارات الاستئجار المنتهي بالتمليك؟ الجواب: هذا السؤال تكرر كثيراً، والذي خرجت فيه من النقاش مع بعض أهل العلم أن الاستئجار المنتهي بالتمليك والبيع عقدان في عقد واحد، وأن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، وهي تعني: أن يشمل أبيعك على أن تؤجرني، أو أؤجرك على أن تقرضني، أو أزوجك على أن تبيعني، فهذا كله لا يجوز، ربط العقدين مع بعض، لا بد أن تفرق حتى يكون أبعد عن الجهالة والغرر، ولذلك إذا قلت: يا وكالة السيارات نريد أن نفصل عقد الإيجار عن عقد البيع، أنا أستأجر منكم السيارة بإيجار شهري، أو سنوي بمبلغ كذا وكذا، وإذا أردت أن أشتريها منكم، ننهي عقد الإجارة ونوقفه ونعقد عقد بيع جديد، ونتفق فيه على سعر معين، أنتم تقولون: بقي لك ألف خذها بألف، المهم نتفق على سعر، لكن يكون عقد الإجارة منفصلاً عن عقد البيع.
أمين هذه الأمة
السؤال: من هو أمين هذه الأمة؟ الجواب: أمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح ، وقد كان أبو عبيدة من أعظم الصحابة حفظاً للأمانة، والأمانة تشمل: أمانة العبادات وأمانات الناس، وكان كثيراً ما يؤمِّره النبي عليه الصلاة والسلام لأمانته، من الذي أتى بمال البحرين ؟ أبو عبيدة .السؤال: من هو أمين هذه الأمة؟ الجواب: أمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح ، وقد كان أبو عبيدة من أعظم الصحابة حفظاً للأمانة، والأمانة تشمل: أمانة العبادات وأمانات الناس، وكان كثيراً ما يؤمِّره النبي عليه الصلاة والسلام لأمانته، من الذي أتى بمال البحرين ؟ أبو عبيدة .
حكم استخدام الطبل
السؤال: هل يجوز استخدام الطبل في الأعراس؟ الجواب: الطبل لا يجوز استخدامه لحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكوبة) والحديث صحيح، والكوبة هي: الطبل، والذي يجوز هو الدف للنساء في الأعراس والأعياد. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي بالخير جميع الحاضرين، وأن يغفر ذنوبنا أجمعين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.السؤال: هل يجوز استخدام الطبل في الأعراس؟ الجواب: الطبل لا يجوز استخدامه لحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكوبة) والحديث صحيح، والكوبة هي: الطبل، والذي يجوز هو الدف للنساء في الأعراس والأعياد. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي بالخير جميع الحاضرين، وأن يغفر ذنوبنا أجمعين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(/25)
ماذا نُعَلِمْ المرأة الجزء الأول
أم معاوية
من تكريم الإسلام للمرأة أن شرع لها التعليم ، ولم يحرمها منه كما كانت الجاهليات المختلفة قبل الإسلام لا ترى للمرأة الحق في أن تتعلم .. وأما الإسلام فقد جعل للعلم منزلة لا تدانيها منزلة وذلك لأن أهل العلم هم أهل الخشية
?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ?[فاطر:28]من أجل ذلك كان طلب العلم فريضة وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) [رواه البيهقي عن أنس]
ولفظة مسلم هنا تشمل المسلم والمسلمة معاً .. وقد صح أن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية علمت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة .. وكان ذلك بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت النساء شقائق الرجال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فلا عجب إذن أن يكرمها الإسلام بأن شرع لها التعليم كالرجل تماماً ولم يحرمها منه ..
أمثلة مضيئة :
وقد ضربت نساء الصحابة رضى الله عنهن أبلغ مثل بحرصهن على أخذ العلم النافع والعمل بذلك العلم الذي يفيدهن في الدنيا والآخرة .. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فقال صلى الله عليه وسلم اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا فاجتمعن فأتاهن فعلمهن مما علمه الله ) [رواه البخاري] .
فلا عجب إذن .. أن يسطر التاريخ عن العالمات الفقيهات .. والمحدثات النابغات في أزهى عصور الإسلام .. في عصر الصحابة ومن جاء بعدهم ، فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها يصفها عروة بن الزبير وغيره فيقول : ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض والمواريث . ولقد نبغت من نساء المسلمات الكثيرات ، ولقد وجد على مر القرون نساء تجاوزن علوم فروض الأعيان إلى فروض الكفاية .. فكانت منهن المحدثات العظيمات .. والراويات الثقات .. وهذا الإمام محمد بن سعد صاحب الطبقات .. يعقد جزأً من كتابه الطبقات الكبير لراويات الحديث من النساء .. أتى فيه على نيف وسبعمائة امرأة روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته رضي الله عنهم .. وروى عنهن أعلام الدين وأئمة المسلمين .. يقول الحافظ الذهبي في كتابه ميزان الإعتدال " ما علمت من النساء من اتهمت ولا من تركوها " يعني لعدالتهن لم تتهم ولم تترك واحدة منهن ..!!
· وما أدراك ما الواقع !!
· إذا كان هذا حال نساء السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فماذا عن المرأة المسلمة اليوم ؟.. التي تفتخر بأنها تخرجت في الجامعة .. هذه المرأة التي قضت ستة عشر عاماً أو يزيد في التعليم .. إذا ما سألتها عن فريضة من الفرائض كالصلاة أو الصيام أو الزكاة .. أو حتى معنى الشهادتين أو عن كتاب ربها .. تجدها جاهلة كل الجهل في هذه الأمور التي يجب عليها تعلمها .. وقد تفتخر مثلاً بأنها تجيد الإنكليزية ولا تستحي ولا تخجل من أنها تجهل لغتها العربية !! .. فالمرأة اليوم تستهلك زهرة شبابها في تعلم أمور جانبية ثانوية لا تفيدها في عبادتها ولا في حياتها العملية أو بيتها .. فهي تستذكر المواد الدراسية لمجرد اختبار آخر العام . ثم الحصول على شهادة تنال بها وظيفة خارج بيتها .. ثم هي تنسى كل ما استذكرته طوال عشرين عاماً !!.. فيا عجبا .. هذا في حين أنها لا تدرك عن أمور الدين الواجبة شيئاً اللهم إلا القليل الذي لا يصلح فاسداً ولا يقيم معوجاً !! ..
· برامج التعليم الجائرة ..
· ولكن ما السبب في هذه الحال التي وصلت إليها المرأة المسلمة خريجة الجامعة .. من جهل تام أو شبه تام بدينها ؟!..إن المساواة بين الفتى والفتاة في نفس برامج التعليم يضر بالفتاة أكثر مما ينفعها .. إذ هي يجب أن تؤهل وتعلم تعليماً سليماً يعدها للقيام بمسئولياتها وأداء واجباتها على خير وجه والتي تختلف حتماً عن مسؤليات الفتى وواجباته ..كما أن من أكبر الأخطاء ألا تعتمد خطة التعليم على رجال أكفاء من صلحاء العلماء المشهود لهم بالعدالة وغير المتهمين في دينهم .. أما أن نعتمد على سياسة القسيس الصليبي " دنلوب " أو بقايا خطته التعليمية التي صدرت هنا وهناك .. مع اختلافات قليلة بين كل دولة وأخرى بحسب طبيعة أجوائها ونظمها فهذا ما شهدت بسوء عاقبته الأيام ..! هذه الخطة الدنلوبية التي هدفت إلى تخريج أجيال جاهلة بكتاب ربها ولغتها العربية .. وأمور دينها ... هذه الخطة التى عملت على إخراج المرأة المسلمة من جلدتها لتحاكي المرأة الكافرة .. يقول الأستاذ محمد قطب دخلت المرأة الجامعة لا (لتتعلم ) فقط ولكن ( لتتحرر ) !.. لتتحرر من الدين والأخلاق والتقاليد ..(/1)
· وقد اعترفت لي عدة فتيات ممن أنهين الدراسة الجامعية وأخذت في الإعداد للدراسات العليا وكانت دراستهن في أحد فروع علم النفس .. وهو فرع تربوى محترم !! .. وتعرضن من خلاله إلى هوامش عن بقية فروع علم النفس
· قلن لي :" نشعر بأننا نفقد حياءنا شيئاً فشيئاً نتيجة لهذه الدراسة المخزية لقد كنا أطهر قلوباً وأصفى نفوساً قبل ذلك .. أما الآن فإننا نشعر أن دراستنا هذه تلوث قلوبنا وعقولنا
فهل هذا التعليم هو الذي يصلح للمرأة المسلمة؟!! .. والله ما هو بالذي يصلح لها .. وإن كنت لا أنكره كلية .. ولكن لا تتصدى له إلا من رسخت عقيدتها سليمة حتى تميز بين طيبه وخبيثه.. وكذا مراعاة الأهم فالمهم.. ومن هنا فلا بد من إيجاد تعليم خاص بالفتيات يختلف عن تعليم الفتيان.. وقد نادى بهذا كثيرون ..بل لقد وضع بعضهم تصوراً لما يكون عليه منهج تعليم الفتيات منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة .. والتي هي على حد تعبير الأستاذ محمد منير الغضبان " غير أساسية بالنسبة للمرأة .. لأن تأخر المرأة في الزواج بعد سن العشرين بحجة الدراسة هو أمر غير طبيعي .. ولا يتلاءم مع روح الإسلام وتوجيهاته العامة إلى الزواج المبكر "
· ولكن .. سؤالاً لابد منه مادمنا بصدد الكلام عن تعليم المرأة المسلمة .. ماذا نعلم المرأة إذن؟!!هل تُعَلَّم الرقص والغناء والموسيقي والتمثيل ومواد الفجور مثلاً ؟! ويُتَاجر بأنوثتها وجسدها سلعتين رخيصتين .. ما أهونهما عند من يدَّعون مناصرتها ؟! . . أم هل تدخل الجامعة لكي تقضي زهرة عمرها بين الكيمياء في المعامل والفيزياء والجيولوجيا والهندسة والرياضيات والفلك ونحو ذلك .. ثم تكمل فتكون أستاذة مثلاً في هذه الفروع ؟!.. ماذا تُعلَّم المرأة إذن ؟!
· إن المرأة كإنسان قرر لها الإسلام الكرامة والإنسانية كالرجل تماماً وفرض على كل منهما فروضاً وحقوقاً وواجبات .. وساوى بينهما في الأجر والمثوبة إن هما قاما بالتكاليف الشرعية المنوطة بكل منهما .. فكيف يتسنى إذن للمرأة أن تقوم بما أمرها الله به .
· فرض العين .. وفرض الكفاية: هناك علم يجب على المرأة تعلمه وهو من قبيل فرض العين .. وهناك علم من قبيل فرض الكفاية إن قامت به بعضهن سقط عن الأخريات .. فالعلم الذي يجب أن تعلم المرأة أنه فرض عين عليها لابد لها - لصلاح دينها ودنياها وأخراها - من تعلمه وإتقانه والعمل به .. هو أن تعرف أولاً لماذا خلقها الله ؟! أللهو والعبث والمجون والفساد في الأرض وفتنة الرجال كحال غالبية النساء اليوم ؟! أم هو للعبادة ؟ كما قال الله عز وجل ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات 56 فإذا كان الله سبحانه وتعالى خلقها وغيرها للعبادة فهكذا تكون المرأة قد عرفت الغاية من وجودها في هذه الحياة .. والغاية كما هو معلوم لابد لها من وسيلة أو وسائل تحققها وتوصل إليها وهذه الوسائل محكومة بشريعة الله فالحلال ما أحل الله والحرام ما حرم الله وليست الغاية تبرر الوسيلة كما يقرر الكفار .. كلا فما هي الوسائل إذن ؟.. إنها العلم والعمل ... العلم النافع .. والعمل الصالح .. إذ لابد للمرأة المسلمة كي تعبد الله عز وجل عبادة صحيحة يقبلها الله عز وجل .. لابد أن تعرف خالقها ... تعرف الله بأسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم .. وما ينبغي لله من الجلال والكمال .. وتعرف توحيده بأقسامه الثلاثة التي اصطلح عليها استقراءً من نصوص الكتاب والسنة .. وهي توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات .. وتتكون لديها عقيدة سليمة راسخة لا يخالجها شك ولا شرك .. ثم تعرف أركان الإيمان الستة ... وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.. وتعرف معنى الإسلام وقواعده الخمس وهي ... الشهادتان والصلاة والصوم والزكاة والحج ... هذا بشيء من التفصيل الذي لابد منه .. وكذلك تتعلم القرآن وكيف ترتله ترتيلاً صحيحاً كما أمر الله .. وكيف يملأ بيتها وحياتها فلا تهجره ، ثم تعرف بعد ذلك فقه العبادات التي تعبد بها الله عز وجل .. كالصلاة وكيفية أدائها وشروطها وأركانها وواجباتها وسننها ومبطلاتها .. وكذا بقية الفروض كالصوم وأحكامه .. والزكاة إن كانت من أهلها .. وكذا الحج والعمرة . ثم تعرف الحقوق .. كحق الله وحق رسوله وحق الوالدين .. وذوي القربى.. والجار.. واليتامى.. والمساكين .. والزوج .. وحقوق المسلمين عامة .. ومعرفة الحلال والحرام والكبائر .. وكل ما تصلح بتعلمه عبادتها وحياتها الدنيوية والأخروية ... وكذلك دراستها للسيرة .. والتركيز خاصة على سيرة الصحابيات والنابغات ممن جئن بعدهن إذ فيهن القدوة الحسنة.(/2)
ومما يجب أن تتعلمه المرأة ويتعين عليها معرفته أمور كالقيام بشؤون بيتها .. ورعاية زوجها .. وتربية أبنائها .. وفضل إتقان ذلك والقيام به وثوابه عند الله عز وجل .. وعليها أن تعرف عقوبة التقصير في هذه الأمور التي تعتبر الوظيفة الأساسية للمرأة .. والتي خلقت من أجلها .. وعليها أن تتعبد الله بها وتتقرب بها إليه سبحانه.
وهذه المهمة التي لا تكاد تتقنها في زماننا هذا إلا القليلات .. ثم هذه الأصول التي ذكرتها لا تكاد تدرس إلا في حدود ضيقة جداً في المدارس .. ثم تلغى تماماً من الجامعة! .. اللهم إلا إذا كانت الكلية خاصة بالعلوم الشرعية !!
لهذا .. فإنني أدعو أخواتي المسلمات ألا يكتفين بما يدرسنه من علم أكاديمى بحت أو من مادة دينية قاصرة عن أن تفي بالمطلوب سواء في المدارس أو الكليات .. ولكن إقرأى - أختي - لتعرفي أمور دينك .. من عقيدة وفقه وسيرة .. وحق زوجك عليك وتربية أبنائك وقيامك على بيتك .. اعرفى الوسائل التي تحققين بها الغاية التي خلقك الله لها.. ألا وهى العبادة فإنك إن فرطت يا أختاه فاعلمى أن الله سائلك عما تهاونت فانظري ماذا تقدمين من عمل بين يدى آخرتك ؟ .. واعلمي أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق عبثاً .. ?أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ؟! فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ? ?المؤمنون:115/116?
فروض الكفاية وتعلم النساء
ثم هناك علوم هي من قبيل فرض الكفاية .. إن قامت به بعض المسلمات سقط عن الأخريات .. مثل تمريض النساء وتطبيبهن، وتوليدهن، وتعليمهن. وهذه لتعلمها شروط.
أهمها: ألا يعوق تعلم هذه الأشياء الكفائية فعل الواجبات .. فإن القاعدة .. أن الواجبات إذا تزاحمت قدم الأوجب فالأوجب .. مثل رعاية الأولاد ورضا الزوج والوالدين.
الثاني: ألا يوقع في حرام وإلا انقلب حراماً ووجب تركه .. مثل الاختلاط بالرجال .. أو تأخير الصلاة عن وقتها .. أو إهمال الواجبات الشرعية.
الثالث: أن تطلبه ابتغاء وجه الله .. ورغبة في كفاية نساء المسلمين في هذه التخصصات التي لابد لها من امرأة تقوم بها .. وقياماً بواجب الدعوة إلى الله من خلاله .. فبهذا تنال الثواب عند الله .. وتشارك في إصلاح مجتمعها.
الثرى .. والثريا
وبعد هذه اللمحة السريعة عن المرأة المسلمة وتعليمها .. وهل نستطيع أن نقارن بين المرأة في عهد الصحابة مثلاً .. أو القرون التالية له أو المرأة التي تسير في تعليمها على مثل ما سرن عليه حيث تعكف على كتاب ربها .. وسنة نبيها .. وتقتدى بسيرة الصحابيات .. والمؤمنات الصادقات في كل زمان ومكان .. حيث كانت آمن على تربية أبنائها .. ورعاية زوجها .. وصون لبيتها .. وأحفظ لعرضها .. وأعف للسانها .. وأطهر لقلبها .. تلك التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأمر بالزواج منها "فاظفر بذات الدين تربت يداك" [متفق عليه عن أبي هريرة].
هل نستطيع أن نقارن بين تلك المرأة .. وبين المرأة اليوم التي تدرس الفيزياء والكيمياء والرياضيات ليس من أجل هدف أو غاية سوى الحصول على شهادة تستعلى بها على الناس .. ثم وظيفة تزاحم بها الرجال .. لا لمصلحة المجتمع .. ولكن ليقال هذه المرأة العصرية !! .. ثم هي جاهلة كل الجهل بأمور دينها التي فرض الله عليها أن تتعلمها وتعمل بها مما ينشأ عنه فساد في التصور وفساد في السلوك .. ثم لا نعجب إذا رأينا أكثرهن تجعلن من الكافرات والممثلات وغيرهن قدوة لهن في زيهن ومشيتهن وكلامهن ؟!
إن المجتمع الذي تقوم فيه المرأة بدورها الذي ناطه بها الشرع الشريف جدير بأن يصنع رجالاً قادرين على العطاء بلا ملال .. ونساء متخصصات في صنع الرجال وتربية الأجيال .. وأما المجتمع الذي ينادى به دعاة "تخدير المرأة" .. فهو مجتمع مريض ملئ بالرجال المخنثين والنساء المرتجلات .. لم يعد أحد يعرف دوره .. من آثار التخدير..!!
فهل لنا أن نعرف خطورة ما يدبره لنا الأعداء .. هل آن للمرأة أن تحترم دورها ورسالتها التي شرفها الله بها(/3)
ماذا يجري في الصحف السعودية؟
الكاتب: الشيخ د.محمد بن موسى الشريف
الصحافة السعودية تميزت خلال عقود كثيرة منذ تأسيسها بعدم تعدي حدود الشريعة الإسلامية، وكان هذا خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه أو المس به، وتفتخر بهذه المحافظة جماهير المسلمين في هذا البلد، وكان ذلك في وقت كان الإسلام والمسلمون والشريعة الإسلامية ومكتسباتها وإنجازاتها وحضارتها كل ذلك كانت السهام الصحفية توجه إليه في أكثر البلاد العربية والإسلامية، وفي ذلك مخازٍ كثيرة يطول سردها ويحزننا استقصاؤها.
وكان من يريد أن ينال من الإسلام في الصحافة السعودية إنما يفعل ذلك بتعريض وتورية، وتردد طويل، وبإشارات قد تغمض على الكثير، وتستنتج استنتاجاً، وكان كل من يريد إنزال مواد تخالف الشريعة يفكر طويلاً قبل ذلك، وإذا أنزلها خائفاً مترقباً معرِّضاً مُوَرِّياً وُوجه على الأغلب بما لا يسره، ويسارع العلماء إلى الإنكار، والشعب إلى الرفض، وهكذا سار الأمر طويلاً، ولله الحمد.
لكن المتابع للصحافة السعودية من قبل عشر سنوات تقريباً إلى الآن يجد أن المسار السابق لهذه الصحافة قد أخذ في مفارقة ثوابته شيئاً فشيئاً حتى وصل اليوم إلى حال لا تسر، وهذه المفارقة التدرجية لا تخطئها عين البصير لكن أورد شيئاً منها على النحو التالي:
أولاً: السماح لعدد ليس بالقليل من المتحررين من الضوابط الشرعية والثوابت المرعية بالكتابة في عدد من الصحف السعودية وعرض بضاعتهم على الجمهور، ولئن قيل إن هذا من باب حرية الرأي والتعبير فأقول إن حرية الرأي والتعبير لا يمكن أن تمس ثوابت الشريعة وضوابطها، وضوابط المجتمع، وهؤلاء الكتاب المتفلتون زاد عددهم وكثر غثاؤهم في السنوات الأخيرة على وجه ملحوظ، وفي هذا خطورة كبيرة على الأجيال التي أصبحت تتناول كثيراً من جوانب ثقافتها من الجرايد وما ينقله الإنترنت عن هذه الصحف.
ثانياً: يمنع الكتاب الإسلاميون الجيدون من الكتابة في أكثر الصحف أو التضييق عليهم والتصرف في نصوصهم، وهو كأخي المنع، بل إن التعقيبات الجيدة التي يرسلها القراء الجادون على ما ينشر في أكثر هذه الجرايد الكثير منه لا ينشر أو يتصرف فيه حتى يفقد قوته وتأثيره.
ولكل هذا الذي سبق انصرف كثير من الناس عن استقاء الأخبار من الصحف المحلية، وذهبوا ليتلقفوها من كل مصدر آخر للمعلومات؛ وذلك معلوم مشاهد.
ثالثاً: ما صرنا نشاهده من التفلت الكبير في عرض صور النساء بلا حياء ولا تحرج، ولقد كانت صحافتنا تتحرج من نشر صور النساء، ثم أصبحت تعرض صوراً مطموسة، ثم صارت تعرض صور النساء مموهة، ثم أصبحت تعرضها واضحة جلية بلا حياء ولا حرج ولا خوف إنكار من أحد، وفي هذا تدرج واضح بالمجتمع ليتقبل هذه الفوضى المتفلتة من الضوابط الشرعية والثوابت المرعية.
والعجيب أننا لا نرى إنكاراً جاداً وقوياً من جهة العلماء الرسميين والشعبيين لهذا الذي يحصل.
رابعاً: الزيادة الكبيرة في الملاحق لما يسمى بالفن في الصحف، والتفنن في إيراد أخبار من يسمونهم بأهل الفن، والتوسع في عرض إنتاجهم، والإشادة بهم وجعلهم قدوة لأجيال هذا البلد، وفي هذا خطورة شديدة على دين وثقافة وتصور أبناء هذه البلد وبناته.
خامساً: التقليل من إيراد الإخبار الإسلامية وأخبار النشاطات في تلك الدائرة، وليس لها ملحق خاص بها في أكثر الصحف، والصفحات الخاصة بها أكثرها باهت مكرور وليس جذاباً.
وهنا أناشد وزير الإعلام في دولتنا التي قامت على الجمع بين السيف والقرآن، والتي ينادي المسؤولون فيها ليل نهار بأن العقيدة الإسلامية والشريعة هي مستندهم ودستورهم، أناشده الحد من هذه التصرفات التي تحدث في صحافتنا المحلية، فهو مسؤول بين يدي الله تعالى عن ذلك وإن لم يصنع فبماذا سيجيب في ذلك اليوم الرهيب؟!
وأقول لرؤساء تحرير صحفنا المحلية ما يلي:
أ- إن مسؤولية تثقيف الأجيال مسؤولية عظيمة أنتم مضطلعون بأعباء كثير منها، وهي مسؤولية جسيمة لا بد من التوقف طويلاً إزاءها، ووضع الأسس الصحيحة لبناء هذه الثقافة بما لا يتعارض مع القواعد الشرعية والثوابت المرعية.
ب- إن ما ينشر في صحفكم أنتم مسؤولون عنه مسؤولية تامة لا شك فيها، فانظروا في حال صحفكم، ونقوها من كل ما يمكن أن يلحقكم بسببه إثم، وأخرجوا الخبث منها.
ج- تذكروا الموقف العظيم بين يدي الله تعالى يوم لا ينفعكم مال ولا بنون، ويوم تقفون لا مساند لكم ولا شفيع، فبالله عليكم ماذا ستقولون لربكم؟ وبماذا ستعتذرون؟ وهل ستنفعكم مناصبكم وشهرتكم؟ وهل تقبلون أن يُنادى عليكم يوم القيامة بإضلال الأجيال، وتمييعها، وتشويشها؟ وهل تساوي الحياة كلها لحظة من تلك اللحظات الرهيبة بين يدي الله؟ أترك الجواب لكم وأنتم المرجو منكم إن شاء الله تعالى أن تراجعوا أنفسكم وتستدركوا أمركم قبل فوات الأوان.
والآن ما العمل:(/1)
تحدثت مع عدد من المشايخ والفضلاء عن كيفية مواجهة ما ينشر من السوء في صحفنا فأوصى بعضهم بالرد عليه فقلت إن المقالات الهادمة أو التي فيها عوج وميل كثيرة كثرةً فاحشة، وأصبحنا كل يوم نواجه بمقالات كثيرة تفتقر إلى تقويم ومناقشة ، من الصفحة الأولى في الجريدة إلى صفحة الرأي إلى الصفحة الأخيرة ، وأمر كهذا يصعب جدا معه الرد والمناقشة بل تصعب المتابعة ، وأمر آخر مهم هو أن الصحافة المصرية التي أُسست في أواخر القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي على أيدي أشخاص أكثرهم نصارى أو مشبوهون كانت تعج بمقالات شبيهة بما في مقالات صحافة بلادنا اليوم وكانت هناك ردود من قبل علماء وعقلاء وفضلاء فهل أغنت عنهم هنالك ؟ المتابع على مدى قرن وثلث إلى الآن يجد كل محاولات الرد لم تغن الغناء المطلوب بل ولا عشر المطلوب، وازدادت الصحافة المصرية تفسخاً وفسقاً واستقبالاً لأقلام المشبوهين ثم الملاحدة وقت سيطرة الشيوعية الماركسية على مصر في زمان العبد الخاسر، ولله در القائل
ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكن سهم وثاني وثالث
وهناك ملاحظة مهمة وهي أن عدداً من الجرائد لا تسمح بالرد أو تورده على غير وجهه أو في غير مكانه أو في غير أوانه فيفتقد إلى حرارة وحماسة المقال المردود عليه ، ثم ما هي القيمة الحقيقة للرد بعد إن تلقى القارئ الجرعات المسمومة وانطبعت في ذهنه أفكار الكاتب المشوشة ؟! ولعل قائلاً يقول : كلموا رؤساء التحرير ، ولا أظن هذا كافياً - وان كنت أرى إن المحاولة جيدة – فقد أرسلت لبعضهم رسالة فلم يحرك ساكنا ولم يسكن متحركا، وبعضهم متعاطف مع ما يكتب.
وأرى والله اعلم أن يتحرك العلماء والمشايخ وطلبة العلم والدعاة والفضلاء للذب عن الإسلام وأهله في هذا البلد ، قبل أن يتسع الخرق على الراقع ويصعب العلاج ، وسماحة المفتى مطالب بعمل شيء ، وكذلك الرئيس العام كهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذلك هيئة كبار العلماء مطالبة بإنزال بيان توضيحي لما يجري في الساحة الثقافية اليوم ، وقد يقول قائل أن هذا حداً من حريات الناس في الحديث والنقاش ، وأقول : هل يسمح لمن هو غير طبيب أن يتحدث عن الطب وينتقد الأطباء ، وكذلك الحال مع المهندسين وسائر التقنيين والفنيين ؟ فكيف يسمح لكل من هب ودب أن يتحدث عن الإسلام ومناهج تدريسه وطرق الدعوة إليه وهو بعيد كل البعد عن الالتزام بأحكامه ، ومعرفة مراميه ومقاصده وفهم شريعته ؟ وكيف تكون هناك لجنة لإجازة المحاضرات في المساجد ، وكثير منها يحضرها العشرات أو المئات على الأكثر وتظل هذه اللجنة تدقق أسابيع طويلة في المحاضر ومادة المحاضرات قبل إجازتها ، ثم يسمح لكل ناعق ان ينعق بما شاء كيفما شاء في صحفنا يقرأها عشرات الآلاف ، وبعضها يقرأها مئات الآلالف فهل هذا يعقل يا عباد الله ؟
إن الحد من هذيان المفسدين ومنعهم من الإفساد عبادةً نتعبد الله بها ، فينبغي أن يكون هناك نظام يمنع من النقد الهادم المر للإسلام وأهله بدعوى حرية الرأي وحرية النقاش ، نعم إن حرية النقاش والرأي إنما هي لمن كان أهلاً للحديث عن هذه الأمور ، فاهماً بما يريد الحديث عنه ، ينطلق من نقد واع بناء هادف ، يريد المصلحة العامة أما غيره فلا، ولا بد أن يتحدث العلماء مع أولى الأمر في هذه المسألة المهمة، بل هي في غاية الأهمية لأن إفساد الدين والعقل بمثل هذه المقالات أخطر من إفساد الجسد بتعاطي الفواحش والمنكرات ، لأن المرجو من متعاطي المنكرات أن يتوب ويؤوب لكن قليل من تاب من مرض الشبهة وفساد الفكر وتلويثه ، وإن لم يأخذ ولي الأمر على أيدي هؤلاء المفسدين والمغرضين فإني أخشى أن تصبح صحفنا بلاد الحرمين مثل جرائد مصر والشام التي حاربت كثيراً منها الإسلام وأهله جهاراً نهاراً.
وهناك مسألة مهمة لا بد من ذكرها قبل أن أختم تحذيري وبياني وهي أننا اليوم نحارب الغلو والتشدد الذي ظهر في بلادنا أخيرا ، ونفعل كل ما في وسعنا من اجل إيقافه ومحاصرته ، لكن الذي يجري في صحفنا من التوسع المريع في عرض صور الممثلات وأخبار الوسط الفني الذي يرشح بل يفيض بالسوءات والحرام والتوسع في ذم كل ما له صلة بالمناهج الإسلامية والدعوية ، والتوسع في القدح في علماء الإسلام ورموزه ، والتوسع في عرض آراء المشبوهين والمغرضين الساعين في الأرض فساداً ، والتوسع في عرض آراء الجهال وأرباع المثقفين الذين يظنون أنهم يحسنون صنعاً، والتوسع في إبراز كل السلبيات والسيئات التي تنتج عن التطبيقات اليومية لمختلف الأنشطة الإسلامية التربوية الدعوية والخيرية والإغاثية وغض النظر عن الإيجابيات ، التوسع في كل ذلك يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً وهماً وكمداً ، ونخشى والله أن تبوء جهودنا لتطويق العنف والغلو بالإخفاق وتذهب أدراج الرياح.(/2)
والله تعالى المسؤول أن يقشع عنا هذه الغمة إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .(/3)
ماذا يراد بالمؤسسات الخيرية ؟!
د. إبراهيم الدويش 24/2/1425
14/04/2004
إن آثار وتداعيات مسرحية الحادي عشر من سبتمبر تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، وتتكشف كثير من أهدافها، وما زال العالم الإسلامي يصطلي بنار المكر الصهيوني الغربي وأذنابهم من المنافقين والمتغربين، وخاصة البلاد العربية، وبالأخص هذه البلاد المباركة، قلب الإسلام النابض ونبعه الفياض؛ فهم يدركون جيدًا معنى كونها بلاد الحرمين ومهبط الوحي، ويعلمون تمامًا أثر أهل هذه البلاد وعطاءاتهم الخيرة المستمرة، وبذلهم الذي لا ينقطع من أجل هذا الدين، ولذا فلا غرابة أن تتوجه سهامهم وتصوَّب -وبقوة- لكل منابع الدين فيها، بدءًا بأنظمتها التعليمية، ومناهجها الدراسية، ومنابرها الدعوية، ومحاضنها التربوية، ومؤسساتها الخيرية، وهذه الأخيرة -أعني الجمعيات والمؤسسات الخيرية- تشهد هذه الأيام منعطفًا مصيريًّا وحاسمًا في تاريخها، قد لا يدرك أبعاد هذا الخطر الداهم الكثير من عامة الناس؛ بل حتى من خواصهم، ونظرًا لخطورة الأمر، وأداءً للأمانة التي حمَّلها الله أهل العلم من البلاغ والنصح وبيان الحق للناس –ولأن محاصرة العمل الخيري في الخارج وتحجيمه وتجفيف منابعه الأصيلة يعد كارثة في حق الشعوب المنكوبة والمستضعفة والفقيرة والمحتاجة في العالم كله- كان هذا البيان، الذي أسأل الله فيه السداد والتوفيق، والإخلاص والصواب.
إن العمل الخيري عبادة وجزء من عقيدة الأمة، ولا يمكن للأفراد أو الأمم أو المؤسسات أو الدول تهميش هذا العمل الجليل أو التخلى عنه؛ فالمسلم كما أنه مطالب بالركوع والسجود والعبادة، فهو مطالب بفعل الخير، والتعاون على كل بر وفضيلة، يؤكد هذا الكثير من النصوص الشرعية؛ بل إن فعل الخير ورد بسياق قرآني قبل الجهاد في سبيل الله، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم قال: (وجاهدوا..)، كما أمر سبحانه بالدعوة إلى فعل الخيرات إضافة إلى فعله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وربط سبحانه بين أداء الصلاة حقاً لله، وإطعام المساكين حقاً للضعفاء فقال: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ)[المدثر:42-44]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)(1) وفي لفظ: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه) (2).(/1)
سبحان الله! وهل بقي للمنكوبين والمستضعفين - بعد الله - سوى هذه المؤسسات الأهلية والتي تبذل الكثير لمحاولة تخفيف بؤسهم ومعاناتهم، رغم ضعف إمكاناتها ومواردها؟! إن الجميع يدرك أن من أهم مقومات نجاح هذه الجمعيات والمؤسسات أنها مؤسسات أهلية شعبية، قامت على أكتاف أمثالكم ممن يؤثرون إخوانهم على أنفسهم، وممن يقتطعون من رواتبهم وقوت أولادهم من أجل الضعفاء والمنكوبين، تقوم هذه المؤسسات بجمع الريال على الريال من عرق جبينكم؛ لتكون الشريان الذي يمتد لإخوانكم، والله يرى ويطلع ويعلم حالكم، يعلم أن هذا هو الطريق الوحيد الذي بأيديكم لنصرة المنكوبين والمستضعفين، ومد يد العون لهم، وكأني بكم ولسان حالكم يقول: وهل من عمل صالح نرجوه، وتقوم الحجة لنا فيه أمام ربنا تجاه إخواننا سوى هذا الشريان؟! ولكأني بلسان حالكم يقول: إننا نظن أنه السبب الأكبر في حفظ الله لنا ولبلادنا، وأمننا وأرزاقنا، فليس بيننا وبين ربنا نسب ليخصنا بالأمن والنعم، إنما نحسب أنه ببذلنا ونصرتنا للضعفاء والأيتام، ففي البخاري قَالَ النَّبِيُّ e: ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ)). وفي رواية عند النسائي قالe: ((إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ)). فكأني بكم ترددون: إن حفظ الله لنا بعطائنا لبناء المساجد والمدارس، إن حفظ الله لنا بكفالة اليتيم، وإطعام الفقير والمسكين، إن حفظ الله لنا إنما هو بطباعة المصحف وكتب التفسير والتوحيد ! فقاتل الله الصهيونية وأعداء الإسلام، عجباً! حتى هذا الطريق لن يدعوه لنا، أيعقل أننا لن نستطيع حتى أن نمد أيدينا لإخواننا، أو حتى أن نمسح دمعة أيتامنا؟! أيمكن أن يُتسلط حتى على كسرة الخبز التي تمدها الشعوب بعضها لبعض؟ يا الله أي شيء يبقى لنا، لقد أغلقوا باب الجهاد وشوهوه، ووقفوا بباب الدعوة وحاصروه، وهاجموا باب الفضيلة وخرقوه، وها قد جاء الدور على العمل الطوعي الشعبي ليغتالوه، وهنا أسئلة وعلامات تعجبٍ تدور حول بعضها: لماذا تحجيم العمل الخيري؟ ولماذا تجهض المؤسسات الأهلية بهذا الشكل؟ ومن أجل مصلحة من؟ أحقًّا أن هذا كله باسم محاربة الإرهاب؟ أم بسبب الضغط الخارجي والغربي كما يقال؟! أم أن هناك من يحاول الصيد في الماء العكر، ويسعى لاستغلال الأوضاع والفرص لأفكاره ومصالحه؟! أم هو تقويض لدور المصلحين والعاملين؟ هل هناك أيد خفية تحاول لسبب أو لآخر قطع هذا الشريان أو تحجيمه باسم تطويره وتنظيمه؟! ولا أظن عاقلاً يعترض على التنظيم، أو الإشراف أو حتى المراقبة القانونية والمالية، وبكل أنواعها دولية أو محلية؛ فالمؤسسات معروفة، والعاملون فيها ثقات معروفون، والعمل فيها يجري تحت ضوء الشمس ليس عندها ما تخفيه، وهو كغيره من الأعمال عرضة للخطأ، والنقص والقصور، ومن أخطأ يحاسب؛ بل ويعاقب، والعمل الخيري خاصة في هذه البلاد عمل مشاهد ومحسوس تحكيه الأرقام والتقارير، ويشهد به الواقع، وليس راءٍ كمن سمع، ودعمه متواصل بفضل الله ثم بفضل هذه البلاد قيادة وشعبًا، فأينما حلت الكوارث، وأينما نزلت النكبات والأزمات، تجد المؤسسات الإسلامية الخيرية هناك حاضرة بإمكانياتها المباركة، وهي في غالب الأحيان تطعم بلا إحصاء، وتعطي بلا عدد، حيث إن لغة الأرقام لم تدخل عالم المؤسسات الخيرية الإسلامية إلا بشكل متأخر، ومع ذلك فإليكم هذه الأرقام على سبيل المثال:
لقد بلغ عدد المغاثين من قبل بعض المؤسسات الخيرية في الخمس سنوات الأخيرة حتى عام اثنين وعشرين بعد ألف وأربع مئة (1422هـ) أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون محتاج، بلغت تكاليفها ما يقارب مئتين وخمسة وثمانين (285) مليون دولار. وهناك بعض المؤسسات تحصي إغاثتها بالأطنان فيصعب تقدير التكاليف، كما أن نقل الإغاثة للمحتاجين وفي أغلب البلدان يكلف أكثر من الإغاثة نفسها.
وأما مداواة المرضى؛ فقد بلغ إجمالي المخيمات الطبية التي أقامتها بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية في شتى أصقاع العالم أكثر من خمس مئة مخيم طبي في أفريقيا وآسيا وأوربا بلغت تكاليفها أكثر من ستة وعشرين (26) مليون دولار، وذلك لمعالجة كافة الأمراض الفتاكة وغير الفتاكة، هذا غير المستشفيات الميدانية التي تقام في ساعات الكوارث والحروب، وغير ما ينفق في تشغيل وصيانة هذه المرافق الصحية الحيوية. وهناك مؤسسات خيرية إسلامية متخصصة قلما يوجد لها مثيل حتى في النمط الغربي للعمل الخيري ومنها: مؤسسة البصر الخيرية العالمية؛ والتي تعنى بالذين حرموا نعمة الرؤية، وأظلمت الدنيا في وجوههم فامتدت إليهم الأيادي الرحيمة من هذه المؤسسة، فكان بفضل الله ثم بجهودها الخيرية خلال ثلاثة عشر عامًا أن أقامت أربع مئة وسبعة وأربعين (447) مخيمًا لعلاج البصر، وأكثر من مليون وخمسمئة ألف عيادة، شملت ثماني وثلاثين (38) دولة من قارتي آسيا وأفريقيا.(/2)
وأما إنشاء المساجد؛ فقد تم في بقاع إسلامية كثيرة، ما يزيد عن مئة وسبعة وعشرين (127) ألف مسجدٍ قدرت تكاليفها بما يقارب مئة وستة وعشرين (126) مليون دولار.
وأما التعليم فيشكل أولوية مشهودة في العمل الخيري ليقين القائمين عليه أن الجهل هو عدو البشرية الأول، فعلى سبيل المثال، فإن مصروفات تسع مؤسسات كبيرة لها وجود فعلي دولي خلال فترات متفاوتة قد أنشأت تقريبًا ثلاثة آلاف وثلاث مئة وستة وستين (3366) مشروعًا تعليميًّا تكاليفها فاقت مئة وثلاثةً وثلاثين (133) مليون دولار، وقدمت أكثر من مئة واثنتين وعشرين(122)ألف منحة دراسية، زادت تكاليفها عن خمسة وأربعين (45) مليون دولار، وصرفت إعانات لأكثر من خمس مئة واثنين وستين (562) ألف طالب، وبلغت نفقاتهم أكثر من ستة وعشرين (26) مليون دولار، علمًا أن هذه المصروفات لا تشمل نفقات التشغيل لتلك المدارس وتسيير أعمالها، ولا مرافق التعليم التابعة للمساجد، وأيضًا هذه المؤسسات الخيرية لا تقوم فقط بوضع البنى التحتية للمرافق التعليمية، بل تنفق عليها النفقات التشغيلية كليًّا أو جزئيًّا، وتوفر المباني والمعلمين والوسائل الحديثة والكتب الجيدة، علاوة على الرعاية الصحية للطلاب والعاملين في حقل التعليم . وهناك جمعيات خيرية برزت بأعمال اجتماعية واقتصادية، ومشاريع تعنى بالمرأة والطفولة والشباب، كل ذلك من أجل رفع المستوى التعليمي والثقافي للمنكوبين والمحتاجين في العالم، إضافة إلى توفير الكتب والنشرات والمطبوعات والأشرطة التي يصعب حصرها كجهود جماعية للمؤسسات .
وأما الآبار وتوفير مياه الشرب، خاصة في أفريقيا، وبعض دول آسيا، فهناك تكون معاناة الإنسان والحيوان مع الماء، ليس فقط لسد الرمق وإبعاد شبح الموت ولكن لشؤون الحياة كلها، فأينما انعدمت المياه انعدمت الحياة، وقد بلغت الأموال التي صرفت على حفر الآبار وتوفير مياه الشرب من قبل بعض المؤسسات الخيرية ما يزيد على ستة وثلاثين (36) مليون دولار، وبلغت أعداد الآبار ومشاريع المياه ما يقرب من ثمانية آلاف بئر.
وأما مراكز الخدمات الاجتماعية، والتأهيل والتدريب المهني وغيرها، فقد بلغت ما يقارب ألفي مركز، بأكثر من ثلاثة وستين(63) مليون دولار.
وأما كفالة الأيتام؛ فقد ساهمت بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية في هذا البرنامج بما فاق تسعة وأربعين(49) مليون دولار على أكثر من مئة ألف يتيم. إلى آخر لغة الأرقام الطويلة والتي هي على سبيل المثال لا الإحصاء والحصر، إنما الهدف من ذكرها إبراز حجم المعاناة الإنسانية في حال غياب تلك المؤسسات الخيرية الإسلامية، أتصدقون - إخوة الإيمان - أنه في أيام عيد الأضحى الماضي تم تسريح حوالي ألفين وست مئة يتيم في إحدى المدن الصومالية وقد كانت تكفلهم إحدى المؤسسات الخيرية في هذه البلاد، وبعد إغلاق مكتبها أصبح هؤلاء الأيتام في الشوارع يهيمون على وجوههم بدون مأوى ولا طعام ولا لباس، حتى بكتهم كثير من الأقلام الغربية، وتعاطفت معهم الصحف العالمية، حيث تم نشر أكثر من اثني عشر مقالاً عنهم في كل من أمريكا وبريطانيا واستراليا، كلها تتألم وتتحسر على تسريح هؤلاء الأيتام بهذا الشكل المخزي واللا إنساني .
يا ضيعة الآمال في ... ...
زمن تُباع به القيمْ
وُئدَ الحياءُ وحُطِّمت ... ...
في عصرنا شُمُّ الشيمْ
لا تسألوا عن أمتي ... ...
في عالَمٍ شرهٍ نَهمْ
لا تسألوا عن قصعة ... ...
فوقَ الموائد تُلتهمْ
لا تسألوني فالجوا ... ...
بُ يزيدُ في قلبي الألمْ(3)(/3)
وإن سألتم، فماذا عسانا نقول؟! إنها كارثة ومأساة ؟! فمن لمئات آلالاف من الأيتام الذين كانت تكفلهم تلك المؤسسات؟ من للمرضى؟ من للمساجد والمدارس؟! من سيتولاها؟ من سينفق عليها؟ من للمنكوبين والمستضعفين؟ من للأرملة والمسكين؟ أترك الإجابة لكل ذي ضمير حي وإحساس نبيل؟ أترك الإجابة لكل إنسان يحمل الإنسانية الصادقة بين جنبيه، يا الله كم ستكون الصدمة شديدةً إذا عطل هذا الدور، أو توقفت هذه المسيرة، أو حجب ذلك النور؟! يا الله كم ستكون المصيبةً كبيرةً إذا جُفِّفَ ذلك النهر من العطاء، أو أغلق هذا الباب من الخير؟! ستكون الكارثة التي تحل بالأرض، فلا تعاون ولا تآزر، ولا تواصل ولا تراحم، ولا سخاء ولا عطاء، ليهلك المريض، ويموت الجائع، ويرتكس العالم في مستنقعات الجهل والبدع والخرافات، فهذه المؤسسات هي اليد الرحمة التي تمتد على كل أرض، وتجوب كل قطر، فتمسح دموع اليتامى، وتبدد أحزان الثكالى، وتقتلع مآسي الأرامل، وتراعي الأطفال، وتواسي المنكوبين، فكم للشتاء القارس من رزايا، وكم للحروب من ضحايا، وكم للفقر من أنياب تعض أكباد الجياع والمعوزين، كم من يتيم مات أبوه، وأرملة فقدت عونها وشريكها، وثكلى بقيت وحيدة تجتر آلامها وأحزانها، فطرقت مؤسسات العمل الخيري أبوابهم، تحمل الأفراح بعد الأتراح، وترسم البسمة مكان الدمعة، وتشعل الشمعة وسط الظلمة، وتكون لمسة حانية في وجه قسوة الأيام والآلام، فالمؤسسات الخيرية الإسلامية كانت وما زالت خير معين، في رفع المعاناة عن كاهل المنكوبين، بل لقد تجاوزت حقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)، بل ها هو أحد مصارف الزكاة الثمانية موجه للمؤلفة قلوبهم من غير المسلمين أينما وكيفما كانوا . فأي شقاء سيحل بالبشرية إذا حيل بينها وبين هذا الخير، وأي بؤس سيعشش في أجوائها إذا اغتيل هذا العطاء . أيعقل بعد هذا الخير كله أن يكون هناك من يُغيظه نجاح العمل الخيري، وتأثيره العالمي ؟!.
إن اتهام المؤسسات الخيرية بالإرهاب أو التضييق عليها من الأعداء أمر ليس ذا بال، ولا يهمنا لأنه ليس بجديد؛ بل هو الصراع بين الحق والباطل منذ زمن بعيد، لكن أن تُجهض المؤسسات الخيرية، وبأيد مسلمة، فهو ظلم تقشعر له الأبدان .
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... ...
على المرء من وقع الحسام المهند
إي وربي ظلم وأي ظلم، يوم تُتهم اليد الحانية بالغدر، ويفاجأ العاملون المخلصون بالنحر؟! كان المفترض أن يُشكرون، أو على الأقل أن يستشارون فهم مؤتمنون، وهم أصحاب رأي وتجارب، لقد كانوا يعملون ونحن سادرون؟ كانوا يسهرون ونحن نائمون؟ كانوا يجوبون الأرض ونحن بين أزواجنا وأولادنا منعمون؟ كان همهم إشباع الفقير، وتقديم الدواء للمريض، وتوفير الغطاء لليتيم، وإزاحة ركام الأسى والألم من قلب الثكلى والأرملة، كواهلهم مثقلة بالأعباء ، يمدون أيديهم بالعون وألسنتهم تلهج بالدعاء، وقلوبهم تنضح بالصفاء، إنهم الرئة السليمة في هذا العالم الموبوء، ويوم تخنق هذه الرئة، أو يحجم دورها؛ فهي الكارثة الكبرى والخسران المبين للناس أجمعين .
بدايات القصة(/4)
لقد بدأت قصة المحاولات لاغتيال العمل الخيري الإسلامي قديمًا عندما شرقت الهيئات التنصيرية رغم ضخامة حجمها ودعمها، نعم شرقت وربي بثمار وبركات المؤسسات الخيرية الإسلامية رغم التضييق عليها وضعفها، لقد جن جنونهم وبذلوا المستحيل، وبان العداء، وانكشف الغطاء، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، وذلك باتهام ومطاردة كل ما هو إسلامي، فمورس مع هذه المؤسسات وعلى مستوى العالم كل أنواع التضييق والتحجيم والإغلاق لمكاتبها، والتهديد والترحيل والاعتقال لمنسوبيها، وإدراج الكثير منها على قائمة المنظمات الإرهابية، وتوالت الضغوطات على الحكومات الإسلامية تجاه هذه المؤسسات والجمعيات بالداخل؛ لتقطع خيرها عن المسلمين ودعم قضايا الإسلام بأي صقع في العالم، حتى ولو كان لأيتام يتضوون جوعًا في دغل إفريقي، في الوقت الذي تُطلق فيه آلاف الجمعيات التنصيرية واليهودية بكل مكان في العالم وبكل التسهيلات، خاصة في بلاد المسلمين، فلا أحد يستطيع أن ينكر حجم نشاط الجمعيات الغربية والتنصيرية في أفغانستان والعراق خاصة بعد الحرب عليهما، بل إن عدد المؤسسات غير الربحية في أمريكا وحدها تزيد على مليون ونصف المليون،كما تشير التقارير والإحصائيات الرسمية، وأن ثلثيها مؤسسات خيرية، والعجب معاشر الإخوة أن مجموع إيرادات هذه المنظمات يزيد على مائتين واثني عشر مليار دولار، كما يشير آخر إحصاء في عام ألفين وواحد، وأن ثماني وثلاثين بالمئة (38%) منها تذهب لمنظمات وأغراض دينية. أما في إسرائيل الدولة الصغيرة الناشئة، فتؤكد الدراسات أن عدد المنظمات غير الربحية فيها عام ألفين واثنين: أكثر من ثلاثين ألف منظمة مسجلة، وأن نحو النصف منها قائم على أساس ديني، وقد بلغت تكاليف مشروعاتها الخيرية في ذلك العام وحده: أحد عشر مليار دولار، وتؤكد الدراسات أن أكثر هذه المنظمات الأمريكية والإسرائيلية بل وفي كثير من الدول الغربية معنية بالدين والتنصير، ومن حقها القانوني العمل في الخارج وفي جميع ساحات النزاع والصراع، ولها كل التسهيلات وتذليل العقبات..، وأن هذه المؤسسات شعبية حرة طليقة لا علاقة للحكومات فيها بأي حال، بل هي تسمى: بالقطاع غير الحكومي، أو بالقطاع المستقل، وهو استقلال حقيقي يحظى بالدعم المادي والمعنوي الكبير، وكل هذا دلالات على إدراك القوم بأهمية مؤسسات العمل الخيري وتعددها، ويقينهم بأنها لا يمكن أن تكسب ثقة الناس وتعاونهم إلا باستقلالها عن الحكومات، وهم يعرفون جيدًا دورها العظيم في التنمية وبناء الحضارات، فأين المتأمركون؟! فإن هذا ما يستحق أن يقتدى بهم فيه ويؤخذ من تجاربهم، فيا سبحان الله!
أحرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس ؟!
الكيل بمكيالين(/5)
إنه ليشتد بك الألم ويبلغ مداه عندما تسمع أنه في الوقت الذي يُسعى لاختزال أعمال الجمعيات الخيرية بمؤسسة واحدة، يتم في أمريكا افتتاح مئتي (200) جمعية خيرية يوميًّا، وبشكل مستمر حسب ما أشارت إليه معدلات النمو في بعض الدراسات، وتصيبك الحسرة حين تعلم أن مجموع عدد المنظمات الخيرية في كل أقطار العالم العربي تقدر بنحو ثلاثين ألف منظمة، أي بحجم مؤسسات دولة إسرائيل وحدها، ولم أجد إحصاءات تَذكر مجموع إيرادت تلك المؤسسات العربية، لكن يكفي أن أذكر أن عدد الجمعيات الخيرية المعنية بشئون الخارج في مجموع دول الخليج يقدر بثلاث وثلاثين منظمة فقط، وقد لا يتجاوز حجم إنفاقها السنوي نحو نصف مليار دولار، يزيد أو ينقص قليلاً . فيا عجباً! أيصدق هذا ؟ أيعقل أن هذا المبلغ الزهيد نصف مليار أمام مئات المليارات، هو الذي أحدث ضجة في الأروقة السياسية في دول العالم الكبرى، وأقام كل هذه الضجة الإعلامية والسياسية، وكل هذه الضغوطات على الحكومات الإسلامية، من إغلاق وتحجيم لمؤسساتها الخيرية، إنها أرقام تزيد المسلم يقينًا بخبر القرآن: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) إنه اليقين برب العالمين، إنها بركة المال المسلم، وإن كنا نتألم عندما نعلم أن الكثير من هذه المؤسسات الإسلامية رغم قلتها وضعف إمكاناتها، قد أغلق، أو حجم! وقد يكون بعضها مؤسسات عريقة ذات اسم عالمي، وكل منصف سيدرك حتمًا أن إلغاء المؤسسات الخيرية القائمة، والتي لها باع طويل وخبرة في العمل الخيري سيترك فراغًا تنشط فيه الخلايا المشبوهة، والأعمال الفردية، وسيغذي التطرف والتشنج، وسيحرج العقلاء والعلماء، وربما يكون التوجه للمؤسسات الخيرية في الدول المجاورة، والخطر كل الخطر أن الساحة العالمية ستخلو لآلاف المؤسسات التنصيرية وغيرها من المؤسسات الغربية..، فهل يُتنبه لهذه الآثار قبل فوات الأوان؟! ثم إن الجميع يشهدون بأن مؤسسات العمل الخيري واجهة إنسانية مشرفة لهذا البلد، وأن لها دورًا كبيرًا في تأصيل وتوثيق سمعة وعلاقة هذه البلاد وأهلها بالدول والشعوب والأقليات المسلمة، حتى أصبحت هناك ولاءات متينة وكبيرة لهذه البلاد وقادتها وشعبها، وبالتالي فلا بد أن ندرك أن أي محاولة لتحجيم أو إضعاف دور تلك المؤسسات لا شك سينعكس سلبًا على تلك العلاقات، بل هو سيثبت للمشككين تلك الادعاءات الصهيونية بأن بلادنا دولة إرهابية، وأنها تدعم الإرهاب، وأن الوهابية تعني التطرف والعصبية، وكلها افتراءات ومحاولات مستميتة لإبعاد هذه البلاد المباركة عن مكانتها الدينية والعلمية والدعوية والإغاثية .
نداءات وكلمات
وأختم بنداءات وكلمات، أبدؤها بقيادتنا وولاة أمرنا الذين يَشهد لهم العالم بأسره بحبهم للخير، ونصرتهم للمنكوبين،حتى أصبحوا روادًا فيه، بل يجري في عروقهم ودمائهم، وربي يعلم أني لا أقوله مجاملةً، بل اعترافًا لأهل الفضل بالفضل، ونحن على يقين أنهم بحنكتهم وحكمتهم سيحرسون العمل الخيري ومؤسساته مهما كانت التحديات، وسيرجعون البسمة لعامة الناس وخاصتهم والذين أصابهم اليأس والإحباط بكثرة القيل والقال حول مصير مؤسسات العمل الخيري، وسيردون كعادتهم وبمشيئة الله - المكر لأهله، نسأل الله أن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأن يقيهم بطانة السوء وشر المنافقين والكافرين .
أيها القائمون على المؤسسات الخيرية! اتقوا الله، إنما هي أوقاف وأمانات وهي عظيمة وثقيلة وستسألون عنها، فاصبروا وصابروا، وجاهدوا ولا تيأسوا، فحسبكم أن الله شرفكم في هذا العمل وخصكم، وهي حقوق للمسلمين ائتمنوكم عليها،ووثقوا بكم، ولن تُعذروا أمامهم ولا أمام الله، فإياكم والتفريط فيها، مهما أصابكم .
أيها المحامون..يارجال القانون..!هذا يوم جهادكم ، فهيا لإبطال الدعاوى، وكشف الشبهات ، ونصرة المظلوم .
يا كل مسلم قادر، ويا كل مسؤول وعالم! هيا ضعوا أيديكم بأيدي ولاة أمركم، وكونوا بطانة ناصحة لهم، وقفوا معهم مناصحة ومشافهة ومكاتبة؛ فإن هذا حقهم المشروع بالكتاب والسنة، وهو نصرة لدينكم ووطنكم، وحفظ لأنفسكم، فنحن لا نخاف على الفقير واليتيم والمحتاج فلهم رب رحيم كريم، وللعمل الخيري رب يحميه، لكن نخاف على أنفسنا، نخاف على وطننا، نخاف على أمننا وخيراتنا؛ لأننا نعلم يقينًا أن ما نحن فيه من رغد ونعمة، هو بسبب تلك اليد الرحيمة المعطاء التي تُطعم المسكين، وتمسح على رأس اليتم، ولعل دعواتهم قد دفعت عن أهل هذا البلد من الشرور الكثير، ولا ندري والله إن حُجمت أو توقفت، أي شيء يبقى لنا عند ربنا؟! نسأله أن يرحمنا ولا يؤاخذنا بضعفنا وفتورنا، ولا بما يفعله السفهاء منا.(/6)
وأنتم يا رجال الأعمال والمال! احذروا فإن المال مجبنة مبخلة، وهو مال الله عارية عندكم، وستسألون عن القرش والريال، فإياكم أن تبخلوا أو تجبنوا أو أن تتخلوا عن إخوانكم في الخارج ليصبحوا فريسة سهلة للتنصير والبدع والخرافات، اسمعوها جيدًا وعوها: إن هذا امتحان من الله لكم، إنما تُنصرون بضعفائكم، وتذكروا دائمًا أن الحافظ لكم ولأموالكم هو ربكم، فهو الذي بيده مفاتيح الرزق، وهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وهو القادر أن يذهب خيركم ، ويمحق تجارتكم، فثقوا به وأحسنوا الظن يزدكم ويبارك لكم. ولعلي أستثيركم والخير في نفوسكم، بهذا الرقم، فالمؤسسات الوقفية المانحة بأمريكا تتجاوز اثنين وثلاثين ألف مؤسسة وقفية، كان آخرها تقريبًا مؤسسة (بل غيتس) الخيرية، والتي تساوي أوقافها فقط، مجموع أوقاف دول العالم العربي كلها، فأوقافها بنحو: أربعة وعشرين مليار دولار. إن في هذا لذكرى لمن كان له قلب .
وآخر النداءات: رجاء ملؤه الحب والتقدير للمتحمسين بتركيز العمل الخيري على الداخل وأنا منهم بأن نكون على مستوى الحدث، وعمق الفهم وبعد النظر، وأن نتنبه للمراد، وأن العمل الخيري في الخارج والداخل كلاهما واجب شرعي، وأنه في كلٍ خير، ولكلٍ فرسانه، وأن هذا يكمل هذا، وأن العمل الخيري الإسلامي كله مستهدف ولن يتوقف الكيد له، بل إنها خطوة يتبعها خطوات، وهانحن نسمع ونقرأ في هذه الأيام الهجوم الصريح والاستعداء الكبار من المتغربين حتى على المناشط والمحاضن الخيرية الداخلية،) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)
إن من المبشرات اليوم بأن من يكيد للعمل الخيري لا يفهم حقيقة الإسلام ولا يعرف أن له طعمًا هو الذي يدفع المسلم من داخله بغرسه وعطائه، نسي هؤلاء أن المسلم يقرأ كل يوم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)، وأنه يرتل ترتيلا: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(. يبدو أنهم نسوا أن العمل الخيري كان ولم تكن مؤسسة ولا جمعية، غفلوا أن المسلم الفرد هو مؤسسة متنقلة بكل مكان يحمل الهم، ويغرس الأمل، ويمد يده لكل محتاج، غاب عنهم أن مكرهم بجمعيات ومؤسسات العمل الخيري في الخارج سيجعل كل مسلم على وجه الأرض مؤسسة وحده، فهو سيشعر بالتحدي والذاتية، وستنطلق ملايين المؤسسات الفردية، للعمل الدؤوب في كل مكان في العالم مهما كانت العقبات والتضحيات، وحينها سيندم هؤلاء ويتمنون أن لم يحركوا ساكنًا.
وما على المسلم إلا فعل الأسباب،وبذل المستطاع، وبحكمة وهدوء، وإلا فإن العمل الخيري بحر زاخر، إن أُغلق طريقه شق له ألف طريق، "والمسلم صاحب عقيدة، يؤمن بأن كلمة الله هي العليا، وأن الحق يعلو، وأن الخير سينتصر في النهاية، وأن العزة لله ورسوله وللمؤمنين، وأن أعداء الله (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ)، (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)، ويبقى أن يتذكر المسلم في كل محنة أن الهزيمة إنما هي هزيمة الروح، وأن هذه بيده لا بيد عدوه" [من مقدمة الشيخ صالح الحصين لكتاب القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب (ص9) بتصرف يسير].
وأوصي في النهاية من أراد مزيدًا من الأخبار والأرقام والمفاجآت بقراءة كتاب مهم ورائع وجميل، اسمه:( القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب)، ألفه وبذل فيه جهدًا كبيرًا أحد أبناء هذه البلاد المباركة د. محمد بن عبد الله السلومي، جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، نسأل الله أن يثبتنا على الدين، وأن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يكفينا شر المبطلين والمنافقين.
1 - صحيح الجامع عن أنس . انظر: الصحيحة (ح:149).
2 - صحيح الجامع عن ابن عباس . انظر: الصحيحة (ح:149).
3 - مليكة الطهر ، المقرن (ص 27).(/7)
ماذا يريد الأقباط في مصر؟
ممدوح إسماعيل
يظهر على السطح بين حين وآخر صوت صارخ لمشكلة للأقباط الأرثوذكس في مصر، مع أنهم يتمتعون بحالة نادرة من المزايا لا توجد لأي أقلية في العالم؛ وذلك منذ دخل الصحابي الجليل عمرو بن العاص مصر وأنقذهم من اضطهاد الرومان الكاثوليك، وقد دخل منهم الكثير في دين الله أفواجاً بدون أي إكراه، وعن طواعية واختيار وحب في الإسلام.
ومما يؤكد عظمة الإسلام في التسامح مع الأديان الأخرى وعدم اضطهاد أصحابها بقاء كثير من الأقباط على دينهم حتى الآن، وهو ما لم يحدث مع المسلمين في جميع دول العالم من اضطهاد، بل وإبادة -كما حدث في الأندلس كمثال-.
وقد وقّع الأقباط الأرثوذكس في مصر مع الخليفة المسلم اتفاقية بابليون عام 20 هـ، التي تضمّنت بنود عقد الذمة التي يلتزم بها النصارى. ولكن مضت السنوات والنصارى يتمتّعون بعدل الإسلام والأمن، ولكن كانت تحدث بعض الخروقات لعهد الذمة، كما حدث من تمرد من بعض النصارى عام 121هـ في عهد الخليفة هشام عبد الملك وتم السيطرة عليه.
وقد تنوعت مواقف الأقباط النصارى في مصر من سعيهم وطلبهم الدائم الحصول على امتيازات تحت دعوى حقوقهم المهضومة، وبين الانسلاخ من الانتماء للوطن المصري والانتماء للأجنبي المستعمر. وكان أبرز موقف لنصارى مصر، وسجّله الجبرتي في تاريخه في المجلد الرابع من تعاون النصارى مع المحتل الفرنسي إبان الحملة الفرنسية، وذكر منهم المعلم يعقوب حنا الذي عيّنه الفرنساوية ساري عسكر، وملطى، وجرجس الجوهري، وأبو طاقية، وبرتيجلى.
ويرصد الدكتور محمد محمد حسين في كتابه الاتجاهات الوطنية، في الأدب المعاصر المجلد الأول ص107 وما بعدها، ويرصد انحياز الأقباط للمستعمر البريطاني المحتل لمصر، وكيف كانت صحيفتا الوطن لمالكها ميخائيل عبد السيد، ومصر التي يملكها تادرس شنودة ويحررها الأقباط، عملت على تأييد الانجليز في كل قراراتهم، بل وذهبت إلى أنهم أمة منفصلة وأنهم سلالة الفراعنة، وأصحاب البلاد حتى عندما جاء الرئيس الأمريكي روزفلت إلى مصر عام1910 وألقى خطبة في الجامعة المصرية غضب منها الشعب المصري كان الوحيد الذي استحسنها الأقباط وغيرهم كثير.
ومضت السنوات، حتى لم يعد أي ذكر أو علاقة للأقباط بعهد الذمة الذي حماهم ومتّعهم بكل العدل، وذلك لسقوط الخلافة الإسلامية وإبعاد الشريعة الإسلامية عن الحكم وتطبيق القوانين الوضعية.
وتصاعدت أساليب الأقباط حتى عقدوا المؤتمر القبطي في أسيوط في 5 مارس عام 1910م، وكانت لهم مطالب تناقض كل بنود عهد الذمة بل تناقض كل مشاعر الانتماء الوطني, وكان التصاق الأقباط بالأجانب معروف للجميع؛ حتى ذكرت جريدة العلم في عدد 7 مارس1911 في مقال بعنوان "وطنيون أم أجانب"، ذكرت إن فخري عبد النور كان متجنساً بالجنسية الألمانية, وأن بشرى حنا كان وكيل القنصل الروسي, وأنجورجي ويصا وكيل القنصل الأمريكي, وتادرس مقار وكيل قنصل فرنسا.
وفي أزمة وفاء قسطنطين، كان أبرز ما لفت الانتباه حينها هو عودة الأنبا شنودة إلى استخدام سلاح الاعتكاف الذي يخرجه من مكانه كلما استدعى الأمر؛ حرباً لتحقيق مطالبه وتطلعاته، وهو سلاح أو أسلوب دأب على استخدامه الأنبا شنودة منذ توليه كرسي البابوية للأقباط الأرثوذكس خلف للبابا كيرلس عام 1971، وهو رقم 117 فيمن تولى كرسي البابوية للأقباط في مصر, وبالتأكيد فله حريته في اتخاذ ما يراه مناسباً من مواقف، إذا كان ذلك في إطار المصلحة العامة ومصلحة الوطن.
غير أن المتتبع للأحداث لابد أن يتوقف كثيراً مع ذلك الأسلوب ومراميه؛ فهو يستفزّ أتباعه ويبتزّ الحكومة، وقد تعددت مشاكل الكنيسة مع الحكومة منذ تولى الأنبا شنودة لكرسي البابوية. واللافت أنه يتصدّر كل مشاكل النصارى، مع أن أتباع طائفته من الأرثوذكس الأقباط لا يتعدى على أقصى تقدير ثمانمائة ألف نسمة.
فقد شهد عام 1977م، عندما شرعت الحكومة في تعديل الدستور بجعل الشريعة المصدر الرئيسي في التشريع، والشروع في تقنيين الشريعة الإسلامية، وبرز وقتها مشروع بقانون لتجريم الردة.. هنا ثارت الكنيسة واعتكف الأنبا شنودة وبالتوازي كان هناك ثورة من أقباط المهجر وتأليب للغرب على مصر.
ومن السبعينات حتى الآن لم يتوقف أقباط المهجر عن أسلوبهم, فتراجعت الحكومة عن فكرة مشروع قانون الردة، ولكن الأنبا شنودة لم ينس هو ومن معه التعديل الدستوري بجعل مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع..
وهنا تساؤل هام: ماذا يضير المسيحيين من قانون الردة إلا إذا كانت لهم أغراض في التنصير؟(/1)
وتعددت المشاكل حتى وصلت إلى أحداث الزاوية الحمراء الشهيرة عام 81، عندما قام مسيحي يدعى كمال عياد بإطلاق النار من مدفعه الرشاش على المصلين بمسجد النذير، فاندلعت الأحداث والصدامات وسرعان ما تداركت الدولة الموقف، غير أن نبرة العداء القبطية في المهجر كانت عالية ومخيفة وصريحة إلى أقصى حد في الاستعانة بالغرب ضد الحكومة المصرية.
وفي الداخل لم يكن الخطاب القبطي مختلفاً، فأدرك السادات خطورة الضغط على مشاعر الجماهير المسلمة بالاستفزازات القبطية، وكان وقتها الشيخ عند الحميد كشك رحمه الله، يردد على المنبر "نحن ليس لنا بابا"، فوجّه السادات رسالة صريحة من على منبر مجلس الشعب للأقباط، أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة؛ وذلك لاحتواء المشاعر ولسحب البساط من تحت أرجل الجماعات الإسلامية التي نشطت واستثمرت الأحداث. كان يقول لهم أيضاً لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين!
ولكن الأمور مضت بوتيرة مخيفة وتصاعدت مقولة الدولة القبطية، فقام السادات بعزل الأنبا شنودة وتحديد إقامته بوادي النطرون، والقبض على بعض القساوسة، وكذلك معظم رموز التيار الإسلام من إخوان وسلفيين وجهاد وشيوخ أزهريين، وأيضاً بعض السياسيين فيما سمي بقرارات التحفظ في 5-9-1981م واغتيل السادات في 6-10-1981، وبدأت مرحلة حكم جديدة بعودة الأنبا شنودة للبابوية، وتوقف مقولة الدولة القبطية، ومنحتهم الدولة التصريح ببناء الكنائس كيفما يشاؤون، وتعددت الامتيازات حتى وصلت إلى جعل السابع من يناير عيداً وعطلة رسمية بالدولة، وهو ما لم يطمح إليه أكثر المسيحيين تطلعاً، وقيل وقتها إن طلبات النصارى انتهت بإلغاء الخط الهاميوني الذي يحدد بناء الكنائس والتصريح ببناء الكنائس بقرار من المحافظ.
وحدثت مشاكل كثيرة خلال تلك السنوات وكان أبرزها حادثة نشر صور جنسية لأحد القساوسة، ثم حادثة الكشح. وفي ظل تلك الأحداث كانت الأحداث الدولية، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، تضغط على الدول العربية ومنها مصر -بالطبع- بالتخويف من اضطهاد الأقليات وضرورة منح الحريات الدينية لمن يشاء. واستغل أقباط المهجر تلك الموجة الدولية للضغط الإرهابي على الدولة، ولكن كان صبر الدولة لا حدود له، حتى مع بعض النبرات والأصوات التي تصاعدت من بعض أقباط الداخل من استعانة بحكام غربيين مثل بوش، وحتى شارون، أو تبرؤ من نظام الحكم المصري.. وكان يقابل ذلك تسامح حكومي وتقديم تسهيلات وامتيازات، منها تقديم آلاف الأفدنة من الوقف المسيحي الذي كان تحت يد وإدارة الدولة للكنيسة، في الوقت الذي يبحث كثير من المسلمين عن أوقافهم بالسنوات في دهاليز المحاكم.
يبقى أن الأزمة الأخيرة نبهت الكثيرين للابتزاز القبطي، فكلما حصلوا على طلب ظهر آخر وهكذا.. مما دعا من لم يكونوا في خطوط المواجهة مع تلك المشاكل القبطية المفتعلة إلى الظهور في خطوط المواجهة, وإلى الحديث الآن عن مطالب اعتذارية من البابا والكنيسة ودعاوى لسبر أغوار الكنيسة ومطالب بتحقيقات ضد قساوسة ومسؤولين كنسيين, وإلى مكافحة دولة الكنيسة التي ظهرت في مصر؛ مستغلة ضعف النظام المصري وعدم وجود رقابة من الدولة على ما تفعله الكنيسة، كأنها دولة داخل دولة، ورفض مسلك الدولة في الأحداث الأخيرة، وفي تسليم النساء المسلمات إلى الكنيسة واعتباره قبضاً واعتقالاً باطلاً، وإلى التنديد بحصول الكنيسة على أموال تصل إلى مليار دولار سنوياً بدون رقابة مالية من الدولة على تلك الأموال، والمطالبة بخضوع الأديرة للتفتيش القضائي والصحي والاجتماعي! ولكن صوت الكنيسة علا بالرفض وسكتت الدولة.
ويبقى السؤال المهم ماذا يريد الأقباط في مصر؟؟؟
1- طلبوا بناء كنائس، فحصلوا على بناء كنائس في كل قرية في مصر بما لا يتلاءم مطلقاً مع عددهم؛ فهم لا يتجاوزون سبعة مليون من سبع وسبعين مليون مصري.
2- أصبحوا يسيطرون على أربعين في المائة من الاقتصاد المصري.
3- جرى العرف السياسي بتعيين اثنين منهم وزراء في كل حكومة.
4- لا تراقب كنائسهم ولا تتدخل الدولة فيها ولا تستطيع منع قسيس لأنه هاجم الدولة أو حتى الإسلام بعكس ما يفعل بالمساجد من منع خطباء ومراقبة وغير ذلك.
5- لا يتعرض من يخرق منهم الوحدة الوطنية للاعتقال كما يفعل بالمسلمين.
6- الكنيسة يصلها مليار دولار من الخارج ولا تتدخل الدولة بخلاف ما يجمع من النصارى في الداخل ولا يعرف أين يذهب كل ذلك.
7- يكرهون النساء اللاتي أسلمن على العودة للنصرانية، وتقوم الدولة بمعاونتهم في ذلك.
8- يسعون بالاتفاق مع الأقباط في المهجر على توزيع الأدوار في الهجوم الصارخ بالخارج على الإسلام والمسلمين ثم الحكومة المصرية بصفتها حكومة أغلبها مسلمون، ويستنجدون بأمريكا بل وصل الأمر إلى "إسرائيل" وفي الداخل نتيجة الضغط الأجنبي والابتزاز يجنون الثمرات.
9- يسيطرون على معظم الوظائف الحكومية.
10- حاولوا من قبل إنشاء دولة قبطية في أسيوط وفشلوا في ذلك.(/2)
11-يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع؛ أسوة بما حدث في الدستور العراقي الذي وضعه بريمر.
فهل هذا يكون نهاية مطاف مطالب الأقباط في مصر القضاء على ما تبقى في النظام المصري من مرجعية إسلامية استغلالاً للظروف الدولية، من هيمنة الأمريكان وطغيانهم وضعف الحكومة المصرية.. أظن أن هذا المطلب بإذن الله نهاية الخطايا العشر للأقباط في مصر، إن لم يتدارك بعض العقلاء في الأقباط الأمر، فلن تسكت الأغلبية المسلمة أبداً على ذلك.
ممدوح إسماعيل
أمين عام رابطة المحامين الإسلامي(/3)
ماذا يعني هذا الشعار... لمصلحة من يُصد الناس عن الإنتخابات!!! ...
...
17-01-2006
ماذا يعني هذا الشعار
لمصلحة من يُصد الناس عن الإنتخابات!!!
في بيان وزع في مدينة القدس بتاريخ 6 ذو الحجة تحت هذا العنوان أكد على ضرورة مشاركة المسلمين بانتخابات المجلس التشريعي، متسائلاً لمصلحة من يُصد الناس عن الانتخابات؟ معتبراً المرحلة الحالية مرحلة حاسمة، لا بد فيها من أن يسمع كل مسلم صوته، مستغرباً من وجود فئة من الناس تدعو إلى عدم المشاركة في الانتخابات، معتبراّ ذلك طعناً في العلماء والدعاة،وذوي التضحية والإخلاص .
ولا شك من أن كل من يقرأ هذا العنوان يعلم يقيناً أن الذين يدعون الناس إلى عدم المشاركة في الانتخابات يعملون لصالح إسرائيل وأمريكا، والدول المحالفة لها، لذا فإنني أتسأل : ماذا وراء هذا المنشور، ولماذا توجه الحركة الإسلامية هذا الخطاب لأهل القدس خاصة، معتبرة كل من خالفها عاملاً لمصلحة إسرائيل ، ألم تمتنع حماس في عام 96 من المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي معلنة حرمة ذلك لما فيه من إجحاف لحقوق الشعب الفلسطيني فعلى سبيل المثال لا الحصر، قرأت في صحيفة منبر الإصلاح العدد الرابع عشر صفحة 5 تحت عنوان ( لماذا حماس في التشريعي) بقلم ثامر سباعنة النقطة الأولى : عندما لم تشارك حركة المقاومة الإسلامية حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996 لم يكن ذلك بناء على فتوى دينية، إنما بناء على موقف سياسي تجاه اتفاقيات أسلو . ورفض لسلسلة التنازلات التي كان يقدمها المفاوض الفلسطيني. بالإضافة إلى أن حماس تستند بأفعالها وأقوالها للشرع والدين الإسلامي الحنيف وليس لرغباتها أو أهواء أفرادها كما يدعي البعض، فإن خطوة كخطوة دخول حماس للمجلس التشريعي لا بد من أن ترجعها حماس للإفتاء وضمن الضوابط الشرعية أهـ .
فحماس لم تمتنع عن دخول المجلس التشريعي عام 1996 لحرمة ذلك شرعاً، بل لمواقف سياسية متعلقة باتفاقيات أسلو، وهي اليوم ترى جواز المشاركة سياسياً رغم ما صرح به أبو مازن محمود عباس من كون المشاركة في السلطة لا بد وأن تستند إلى اتفاقيات أسلو فقد نشرت قناة الجزيرة عن أبي مازن بتاريخ 15/1/2006 تحت عنوان عباس لايزال عند موقفه من إجراء الانتخابات بموعدها ما يلي :
وفيما يتعلق بمشاركة حماس في الانتخابات، قال عباس في المقابلة الخاصة التي أجرتها الجزيرة معه، إنه لا يمكن تجزئة الخيار الديمقراطي، وإن من ينجح في الانتخابات سيصبح داخل المجلس التشريعي، ولكن على أرضية اتفاقيات أوسلو وخيار السلام. أهـ
فالسلطة الوطنية لا زالت متمسكة باتفاقيات أوسلو معتبرة أن الالتزام باتفاقيات أسلو شرطاً للمشاركة في السلطة الوطنية ، وإني لأتساءل : إذا كانت حركة المقاومة الإسلامية حماس لم تشترك في انتخابات المجلس التشريعي عام1996 وأفتت بحرمة المشاركة، وشددت على المشاركين، لا من منطلق شرعي، بل من منطلق قيام المجلس على اتفاقيات أسلو، فلمَ تشارك اليوم في هذه الانتخابات التي تقوم على الاتفاقيات نفسها، بل على أسوأ منها، وهي خارطة الطريق؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إذا كان المشاركون في انتخابات المجلس التشريعي عام1996 آثمين متنازلين عن الثوابت الشرعية والوطنية، داعمين للمخططات الاستعمارية، فلمَ الممتنعون عن المشاركة في المجلس التشريعي اليوم متخاذلون آثمون صادون عن الحق ، والقاعدة التي انطلق منها المجلسان واحدة؟؟؟؟؟؟؟؟
لماذا ارتفعت أصوات العلماء المخلصين، والدعاة العاملين، والمجاهدين الصادقين، عالية منادية بتحريم المشاركة في المجلس التشريعي الأول، مطالبين بمقاطعتها واتهام أصحابها، ثم تنقلب الأمور اليوم رأساً على عقب ؟ فإذا كان المنطلق التي انطلقوا منه ليس منطلقاً دينياً، فلماذا أصبح اليوم منطلقهم منطلقاً دينياً على الأسس نفسها؟؟؟؟؟؟؟
لماذا كان الداعون إلى مقاطعة المجلس التشريعي الأول علماء مخلصين صادقين، ثم اليوم يتهمون بالتخذيل والتضليل والجهل والنفاق ؟؟؟؟؟؟؟
يا قومنا :إن كان المنطلق منطلقاً شرعياً، فالحكم واضح لا مجال للتلبيس فيه، وقد بينا الحكم مفصلاً برسالتنا حكم المشاركة في المجلس التشريعي، وإن كان المنطلق منطلقاً وطنياً، فهل من المصلحة الوطنية احترام اتفاقيات أسلو؟ هل من المصلحة الوطنية الالتزام بخارطة الطريق؟ هل من المصلحة الوطنية تغييب أبرز نقاط الخلاف،كقضية القدس واللاجئين وغيرها؟ بل أقولها وبكل صدق وصراحة، هل من مصلحة الحركات الإسلامية المحافظة على المصالح الوطنية النتنة المفرقة للأمة الواحدة،المتحاكمة إلى أنظمة الكفر والطاغوت؟؟؟؟؟؟؟؟
يا قومنا ما لكم كيف تحكمون!!!!!!!!(/1)
إن المستفيد الوحيد من هذه المشاركة، هو الكفر، فما قامت السلطة إلا على المباركات الغربية الرامية إلى محاربة الإسلام وأهله، وإن الخوض في ما يشتهي الكافر تكريس لزندقته وعناده وتجبره،ومهما حاولت الحركات الإسلامية يائسة من تحسين مظهرها أمام أعدائها، فلن يزيدها ذلك إلا ضعفاً ووهناً وذلاً، فإن اليهود والنصارى لن ترضى عن هذه الأمة إلا بأن تتبع الأمة ملتها لقوله تعالى : ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) ) . البقرة
فالله سبحان يبين بياناً واضحاً أن الكفار لن يرضوا عن المؤمنين حتى يكفر المؤمنون ،وخروج المؤمنين من الملة أمر مستبعد، لذا لم يقل سبحانه : ولأن اتبعت ملتهم ، بل قال ولئن اتبعت أهواءهم ،فالمسلم قد يتبع أهواء الكفار مع بقائه على عقيدته لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله) أخرجه الحاكم 1/129.
وفي حديث آخر عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله).
وقد توعد الله سبحانه كل من يتبع أهواء الكافرين من المسلمين بالتخلي عنهم وتسليط الكافرين على رقابهم،فكيف يمكن للأمة أن تغير ما بها من ذل وهوان وصغار، مع موافقتها لأهواء الكافرين؟ أوليس المجلس التشريعي من أهواء الكافرين وسياستهم التضليلية؟
يا قومنا: نحن لسنا ضد الإصلاح والتغيير،ولسنا ضد حركة معينة، لكننا ضد كل أمر يحول دون رجوع المسلمين إلى سابق عزهم ومجدهم، وإننا لعلى يقين بأن المجالس التشريعية بأشكالها كافة، تقوم وفق أنظمة الشرعية الدولية وشروطها، وإن هذه الأنظمة لا تعمل إلا لمصالح الكفر والاستعمار ، فحري بنا أن ننأى بأنفسنا عن هذه المجالس لنبعد عن أنفسنا الشبه ، حري بنا أن لا نكون دواعم ثابتة لمخططات أعدائنا، بل حري بنا أن نتوقف عن مهاجمة المخالفين لنا، واتهامهم بالتخاذل والجهل والتفريق، وعلينا جميعاً أن نتقي الله ربنا ونعمل معاً لمصلحة الأمة الإسلامية على أسس شرعية صحيحة، لا على أسس قومية وطنية لا تزيد الأمة إلا ضلالاً وتفريقاً، هداني الله والمسلمين جميعهم إلى ما يحبه ويرضاه، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(/2)
ماذا يقرأ الشباب المسلم
يجب أن يستجيب الكاتب المسلم في هذه الآونة لهذه الدعوة الملحة الموجهة من الشباب تحت عنوان (ماذا نقرأ) حتى تكون في مأمن من ذلك الإعصار الخطير الذي يتمثل في عشرات من المؤلفات ذات مظهر براق وعناوين لامعة وتخفي في أطوائها السموم.
يجب أن لا تخدعنا الأسماء ذات الدوى ولا الأثواب البراقة ولا أرقام التوزيع أو براعة الإعلان وأن نكون قادرين على الحكم على الكتابات المطروحة من خلال قيمتها الحقيقية ومن خلال معرفتنا لمدى إيمان كتابها بأمتهم وفكرهم، ذلك أن هذه الدعوة: هي بمثابة خطوة أساسية وثابتة على الطريق الصحيح. ذلك أننا أنما أوتينا من قبل الكتب اللامعة والأسماء البراقة.
وأن أول علامات الصحة في حكمنا على الأمور أن نحاكم الفكر نفسه بإخلاص والإيمان وأن يكون الكتاب المقرون لدينا الأثيرون عندنا، نأخذ منهم ونتلقى عنهم، هو أولئك الذين عرفوا بنصاعة الصفحة وصدق الإيمان وسلامة الماضي ونقاء الوجهة والتحرر من التبعية والولاء لغير هذه الأمة وفكرها. وهناك عشرات من الأسماء ذات الأصالة يستطيع الكاتب أن يقرأ لها وهو على ثقة بأنه في الطريق الصحيح:
وهناك كتب ضرورية وأساسية:
1- الغارة على العالم الإسلامي:
تأليف شاتليه وترجمة محب الدين الخطيب.
2- محاضرات في النصرانية:
محمد أبو زهرة.
3- الإسلام على مفترق الطريق:
محمدان (ليوبولبر فابس).
4- بين الدين والعلم:
الدكتور محمد أحمد الغمراوي.
5- الخطر المحيط بالإسلام:
الجنرال جواد رفعت.
6- منهج التربية الإسلامية:
محمد قطب.
7- قادة الفتح الإسلامي:
محمود شعيب خطاب.
8- التبشير الاستعمار:
دكتور عمر فروخ.
9- في وكر الهدامين:
محمد محمد حسين.
10- مؤامرات ضد الأسرة المسلمة:
محمد عطية خميس.
11- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين:
أبو الحسن الندوي.
12- أحجار على رقعة الشطرنج:
الأميرال ويام جاي كار.
13- الخطر اليهودي (بروتوكولات صهيون):
ترجمة محمد خليفة التونسي.
14- جذور البلاء:
عبد الله التل.
وليكن دليلنا دائماً: أن نقرأ الكاتب قبل كتابه، فإذا طبقنا علم الجرح والتعديل استطعنا أن نعرف مدى إيمان الكاتب وصدق انتمائه إلى أمته وفكرها، وهذا هو ما نتقبل منه عطاءه أما غيره فلنكن منه على حذر فإذا قدم شيئاً نافعاً فلنقبله إيماناً بأن الحكمة ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق الناس بها ولنكن على إيمان كامل بأن الكاتب الصادق يستمد قوته من الحق ويستمد مظهره من تراث الأنبياء والأبرار ويكون في دعوته وهدفه وكتاباته مطابقاً للآية الكريمة: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً" – القصص آية 83 – فهو لا ينكر العلم ولا يكتمه، وهو في نفس الوقت لا يشتري بالحق ثمناً قليلاً.
ولا يكون أبداً أداة لتزييف الحق أو تضليل الناس أو إعلاء شأن الأهواء وخداع الناس بها تحت عناوين الفكر الحر أو الانطلاق أو غيرها.
###مسئولية القارئ
إن الكاتب الذي يطمع في أن يكتب ثقة الشباب المسلم المثقف يجب أن يكون قادراً على تحمل أمانة الكلمة مقدراً للأبعاد المختلفة لهذه الأمة وفكرها والتحديات التي تواجهها.
وأن يكون من كرامة الشخصية بحيث لا يغش ولا يموه ولا يزدري مقدرات هذا الفكر. وليعلم أنه سوف لا يمر وقت طويل حتى تكشف الحقائق أمره ودوره ونحلته ومن ثم يسقط سقوطاً لا سبيل معه إلى استعادة الثقة.
ذلك أن القارئ المثقف في هذا العصر على الرغم من وجوده على حافة الدائرة وليس في قلبها فإنه قد آمن بأن أمته تواجه اليوم تحديات خطيرة عن طريق الغزو الثقافي والتغريب وأن الثقة لم تعد في المستطاع الحصول عليها إلا لعدد قليل ممن برهن تاريخهم وكشفت وقائع حياتهم عن الصدق والإخلاص.
إن في الساحة كتاباً كثيرين، وهناك من قد يستطيعون عن طريق البراعة والذكاء وإحسان العبارة وإخفاء الهوى أن يصلوا إلى بعض العقول والنفوس نتيجة لمرحلة القصور الذاتي الموجودة بين الشباب الذي لم يتعلم من أصول فكره الإسلامي العربي إلا شذرات قليلة، بينما اتخم بفنون مختلفة من فكر الغرب. إن الكتب البراقة والصحف اللامعة والأسماء الشهيرة قد كانت على مدى هذا العصر الحديث تخطت الأبصار ولكنها كانت عاجزة عن أن تمتلك القلوب والنفوس. أن عشرات من هذه الأسماء التي لمعت لم تلبث أن سقطت وانكشفت زيفها، وأن عشرات من هذه الكتب التي أحدثت ضجة لم تلبث أن انطوت وظهرت عشرات الكتب والأبحاث في كشف زيفها والرد عليها.
إن هناك نظريات كثيرة سادت بسلطان التغريب زمناً ثم سقطت. فعلى الكتاب الذين يتصدرون اليوم أن يعرفوا هذه الحقيقة. إنهم سوف لا يستطيعون الصمود فوق المسرح وتحت الأضواء إلا زمناً قليلاً ثم ينكشف زيفهم.
أما الكتاب الصادقون فإنهم مهما عجزوا عن تسنم المنابر الضخمة والصحف الكبرى، فإنهم معروفون بأعيانهم أن وجودهم في الظل هو علامة على قدرتهم على التمسك بالحق وصمودهم بعيداً عن مغريات الأضواء.(/1)
إن الكاتب الذي يصطفيه الشباب المسلم هو القادر على أن يقول الحق، وأن ينصح للأمة، وأن يدل على الطريق الصحيح.
وأن أخطر أخطاء الكتاب هو التعصب الخفي المستور وراء مظاهر المنهج العلمي، بينما تبدو الأحقاد واضحة ليست في حاجة إلى من يكشف عنها.
وأن أكبر أخطاء الكتاب العجز عن النظرة الكلية والكلمة المنصفة.
إن الكاتب القادر على الإنصاف من النفس هو القادر على أن يكسب ثقة القارئ، ليس من شأن الكاتب أن يجعل نظرته الذاتية قانوناً شاملاً. وليس من شأن الكاتب أن يتطرف إلى جانب أو يقف عند النظرة الجزئية.
ليكن الكاتب منتمياً إلى أمته وفكرها وعقائدها.
وليكن صادقاً في هداية قومه إلى الحق.
ذلك أن الباطل مهما أسبغ عليه من صور العلمية أو بريق العبارة، فإنه سوف ينكشف ويتعرى، والشيء المصادم لطبائع الأشياء لا يدوم.
إن كل دعوى إلى نظرية لا تندمج في العقيدة الأساسية للأمة سوف يرفضها هذا الفكر مهما حشد لها من قوى وأقلام كما يرفض الجسم الحي أي جسم أجنبي غريب.
إن الكاتب الذي هو معقد المسئولية والأمانة: من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق.
وهو الذي يتعصب للحق وحده، وينكر ذاته وينكر التبعية عن أي صورة من صورها. ولا قيمة للكاتب الذي يفصل بين القيم فيعجز عن معرفة الصورة الكاملة، ويجهل أبعاد القضايا.
لا قيمة لكاتب بلا عقيدة كاملة، تستطيع أن تضع كل شيء موضعه، وتقف من كل الأمور موقفاً حاسماً.
إن الكاتب بلا عقيدة كالربان الذي فقد اتجاه الريح، وعلامات السماء، لقد استطاع الفكر الوافد أن يخلق طبقة تقول أنني مشتغل بالأدب فلا أعرف في العقائد أو المناهج، بينما كل ما يعرض عليها في الفكر الغربي من وجودية أو علمانية أو مادية أو لا معقول له ارتباط كامل بكل قيم الإنسان. والمجتمع مؤثر فيها، هادف إلى أحداث آثار بعيدة المدى بالقيم والعقائد.
على الكاتب الذي يحمل أمانة هذه الأمة أن يكون قادراً على التحرر من التبعية الفكرية وأن يكافح من أجل تحرير فكره وأمته منها وأن يعرف أن المعرفة الإنسانية عامة وأنة العلم عالمي وأن العقائد والثقافات خاصة بكل أمة.
وأن يؤمن بأن هذه الأمة لها رسالة مستمرة ما زالت تؤديها للبشرية.
وأنه ليس من عمل الكاتب المسلم تبرير الواقع بل عليه أن يضع المعالجات لإصلاحه وأن يدعو إلى تغييره إذا تطلب التغيير. وأن يرد كل تغيير وإصلاح إلى الإطار الأصيل الذي يتحرك فيه الفكر الإسلامي العربي.
وليؤمن الكاتب الذي يريد أن يكسب ثقة الشباب المثقف أن انبعاث الأمم إنما يستمد قوته من فكرها ومقوماتها وأن انبعاث المسلمين والعرب لن يكون من خارج مقومات فكرهم وعقائدهم.
وأن الكاتب ليس بهلواناً جاء لإضحاك الناس وإرضاء غرائزهم وهدهدة أهوائهم، ولكنه جاء ليصحح الأخطاء ويكشف الزيف ويضيء الطريق إلى الحق.
وليؤمن الكاتب بأمته وفكرها والدور الذي قامت به في التاريخ والفكر البشري، ليؤمن بأن الفكر الإسلامي رفض المنطق الأرسطي وأقام منهجاً جديداً هو المنهج التجريبي وليؤمن بأن أصول مختلف العلوم التي تدرس الآن في الجامعات كالطب والآداب والاجتماع والتاريخ والقانون والفلك والتربية بدأت من نقطة الإسلام وحضارة القرآن.
وليؤمن بأن كل ما يقال عن النضال أو الصراع بين العلم والدين أنما يقصد به تاريخ الغرب وليؤمن بأن ضعف المسلمين أنما يرجع إلى إغفالهم تعاليم الإسلام وليس إلى منهج الإسلام نفسه وأن الإنسان ليس حيواناً كما تقول النظريات المادية ولا آثم بحكم ولادته ولا مجبور التناسخ، وإنما هو مستخلف في الأرض.
وأن أزمة القلق التي يعانيها الشباب اليوم قد صدرت عن الفصل بين الدين والمجتمعات وبين الأخلاق والتربية.
وأنه ما من علم أو فن يتحدث عنه الناس في أدب من الآداب إلا له ضريب في اللغة العربية.
وأن أهم ما في الفكر الإسلامي المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وأن على الكاتب المسلم أن يفرق بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية من ناحية وأن يفرق بين المفاهيم الأصلية والمفاهيم الزائفة الوافدة.
وأنه لا خطأ في الإسلام وإنما الخطأ في طريقة إسلامنا وأن فترة ضعف الإسلام لا تمثل حقيقة جوهره، وإن من أكبر الأخطار التي تواجه الكاتب المسلم هي تلك النظرة الخاطئة التي تحاول أن تعطي الأدب مكاناً أكبر من حجمه الحقيقي في عالم الفكر، ومن ثم كان تجاوزه الخطير لمهمته ومفهومه.
وإن لا تناقض في الفكر الإسلامي بين العلم والأدب، ولا بين العقل والقلب، ولا بين الروح والمادة، بل هناك تكامل وترابط.
وإن الإسلام لا يعلى الجنس أو الشهوة وإن كان يعترف بالرغبات البشرية ويفتح الطريق لها عن طريق طبيعي مع وضع الضوابط والحدود التي تحول دون التحلل والسقوط.
وإن على كتاب الإسلام أن يغربلوا ذلك الركام الضخم ويكشفوا عن الأصيل والزائف والأساسي والدخيل.(/2)
وعلى الكاتب المسلم أن يكون مقاوماً، داعياً إلى الله وليس مستسلماً أو موالياً للباطل وليس لفهم الفكر الإسلامي سبيل إلا النظرة الكلية الجامعة.
وليؤمن كاتب الإسلام أن الإسلام منذ انتشر لم يتغلب عليه متغلب، وإن تغلبت على أممه الشدائد ومنذ ظهر الإسلام وكل حدث في العالم مرتبط به وأن العمل على الالتقاء بين روح العصر وروح الأمة لا يكون على حساب القيم الأساسية بل في ضوئها وعلى هداها. وأن الإسلام قد رفض مبدأ التبعية ولم يستسلم في تاريخه الطويل لأي نظرية وافدة.
وأن التجديد في الأدب كالتجديد في العلم لا يمكن أن يقوم إلا على أساس تعاون الماضي والحاضر.
إن بريق الأسماء لا يغني شيئاً عن الحقائق.
إن محاولة رفع أسماء بعينها سوف تكشف زيف الأيام.
إن كل صيحة علت بغير الحق لم تلبث أن تحطمت.
إن الضجيج والبريق ليسا شيئاً إلا في الأمد القصير.
"أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". صدق الله العظيم.
###في سبيل بناء مشروع إطار للقراءة
هذه محاولة لاقتراح مشروع إطار للقراءة يقوم على أساس تحديد النظرة، بحيث لا تضطرب أمام الكثير المطروح في السوق، مع اتساع الآفاق لمعرفة ما وراء هذه الألوان والأنواع المختلفة المتضاربة.
وأساس النظرة وقمتها هو القرآن الكريم: هو المختبر الأصيل الذي يبقى دائماً موضع الثبات والصدارة والقدوة، وعلى ضوئه يختبر كل فكر وكل كتاب فما التقى معه ينظر فيه ويقبل، وما يتعارض معه لا بأس من النظر فيه مع الاحتفاظ والتحفظ.
والمسلمون أساساً ليسوا في حاجة إلى مذاهب من خارج فكرهم فقد كفاهم غنى، إذ قدم لهم ثلاثة مناهج أساسية هي:
أولاً: "منهج الغيب": أو "ما وراء المادة" وقد كشف القرآن للمسلمين صورة كاملة لهذا الجانب المتصل بعالم الشهادة المرتبط به وبذلك كفاهم أمر البحث فيه، حيث أن العقل البشري في ذاته قاصر عن أن يدرك هذا العالم بنفسه أو يصل إليه بالبحث التجريبي أو المناهج المجردة.
ثانياً: منهج المعرفة: وقد أعطي القرآن المسلمين منهجاً كاملاً قائماً على العقل والقلب، وتجربة التاريخ وعبرة الكون القائم أمام أعين الناس وبذلك أعطاهم أوسع منهج للمعرفة وأكمله وأكثره إيجابية وسماحة.
ثالثاً: منهج العلم التجريبي: فقد دفع القرآن المسلمين إلى النظر في السماوات والأرض، والتماس التجربة، والبحث عن البرهان والدليل فاستطاعوا إنشاء المنهج العلمي التجريبي الذي هو مصدر النتاج العلمي الحديث كله (وليس في هذا مبالغة بل هي شهادة علماء العلم أنفسهم وفي مقدمتهم: بريفولت ودرابر وجوستاف لوبون ودكتورة هونكة).
ثم قدم الإسلام للمسلمين: منهج المجتمع ونظام الحياة وهي شريعة الإسلام الخالدة التي اعتمدت قيم ثلاث أساسية:
أولاً: المسئولية الفردية للإنسان وإرادته الحرة في عمله.
ثانياً: القانون الأخلاقي.
ثالثاً: الجزاء الأخروي.
وقد قامت هذه المناهج كلها على قاعدة أساسية هي "التوحيد".
ولقد التقى القرآن إلى المسلمين حصيلة ضخمة وافرة من معطيات الاجتماع والسياسة والأخلاق والاقتصاد والتربية والقانون، كان أبرز ما فيها: أنها ليست موقوفة على عصر ما أو بيئة ما، بل هي خالدة باقية مرتبطة بالإنسان نفسه من حيث هو كيان متكامل: (روح ومادة).
وهي بذلك لم تتشكل في هيئة قانون له مواد، بل قدمت على هيئة إطار واسه من قابل من داخله للتغيير والحركة والتطور بما يناسب العصور والبيئات، ولذلك جاءت أساساً على هيئة قيم كبرى فيها طابع الثبات وقادرة في أطرافها على الحركة.
وهي في ضوابطها وحدودها عمدت إلى حماية الفرد نفسه من الانحراف إلى أحد القطبين:الجمود أو الانحلال، ولذلك فقد أبعدته عن الزهادة والترف معاً وإقامته في توسط يحفظ له كيانه العقلي والجسدي من العطب ويجعله قادراً دائماً على ممارسة دوره في الحياة وأداء رسالته.
ومن هنا فإن السؤال القائم في هذا الموقف هو هل المسلمون في حاجة إلى إيديولوجية أو مذاهب أو دعوات تطرح عليهم إذا كان منهجهم كاملاً، وقد طبق فعلاً فأحدث تقدماً عظيماً وسيطر على البشرية عطاء وعدلاً أكثر من ألف عام؟(/3)
والإجابة: أن لا. وهنا يجيء السؤال الآخر: إذن لماذا تخلف المسلمون؟ والإجابة هي أنهم تركوا المنهج الذي صيغت عليه حياتهم، وشكل وفقه مزاجهم النفسي والاجتماعي، وتخلفوا عنه ضعفاً وجموداً، أو انطلاقاً وانحرافاً. ومن هنا فإن أمة تشكلت على منهج مدى أربعة عشر عاماً من العسير أن يصلح لها منهج آخر وافد، خاصة إذا كانت هذه الأمة قد كانت على حذر دائم وعلى طبيعة أساسية ترفض الدخيل ولا تقبل لا ما يزيدها قوة وما ينصهر داخل كيانها ومفهومها في هذا الضوء يمكن أن يقرأ الشباب المسلم وينظر في هذا الحشد الهائل الضخم الذي تطرحه عليه المطابع هو يعرف مقدماً أن ليس كل من كتب له إنما يريد به الخير، أو يقول له الحق. وأن هناك ملابسات كثيرة وأساليب دقيقة وبريق خاطف وكلمات براقة يراد بها إخراج الأمة عن الأصالة وعن الذاتية.
إن هذه الأمة ما تزال تواجه التحدي وستظل تواجهه وقتاً طويلاً:
تحدى الاستعمار والصهيونية والقوى الغازية والمتربصة والطامعة. ولذلك فإن ما يطرح في سوق القراءة خاضع لهذه التيارات.
وإذا كان القارئ المسلم يستطيع أن يقرأ لكتاب يعرف صدقهم، فإنه في المرحلة التالية مطالب بأن يقرأ كل شيء يعرف الزيف من الصحيح وليكشف هذا الزيف، ويصحح الأخطاء، ويحرر المفاهيم على الضوء الكاشف الذي تعرض عليه كل شيء وهو (القرآن).
ونحن نعرف أن حركات التبشير والاستشراق والغزو الثقافي مما نطلق عليه اسم "التغريب" قد غيرت جلدها فلم تعد تهاجم في صراحة ولا تنتقد في جرأة، وإنما اتخذت أسلوباً جديداً: هو أن تدخل إلى البحث في رقة وأن تتكلف من كلمات المدح والإنصاف صفحات حتى تكسب ثقة القارئ، ثم لا تلبث أن توجه إليه شكوكاً قليلة، وتعود مرة أخرى إلى الإنصاف والمجاملة، إلى أن تصل في النهاية إلى شيء يثير الصدر، ويفسد الحقيقة الأصلية، دون إزعاج أو إثارة عواطف.
فلننتبه إلى هذا الاتجاه الجديد ولنجعل رائدنا أساساً: أن تكون حقائق الإسلام الأساسية هي المصادر والدعامات التي لا تتخلف ولا نقبل أن نفرط فيها.
هناك محاولات الآن للقول بالتطوير: تطوير الإسلام أو تطوير الشريعة الإسلامية، والتطور لا يدخل إلا على الأشياء التي أنشأها الإنسان لأنها تعجز عن أن تستمر مع تغير الأزمان ولذلك فقد تعرضت عقائد ومذاهب وإيديولوجيات كثيرة للتطور إما بالنسبة للدين الحق، الذي صاغه خالق الإنسان وفق علمه الواسع بطبيعة الإنسان، وتحولات المجتمعات فإنه لا يخضع للتطور. وهناك أسسه القائمة الثابتة التي لا سبيل إلى الاجتهاد حولها، ولكن الإسلام مع ذلك يعتبر الاجتهاد قاعدة أصلية في المتغيرات وفي الفروع، أما محاولة البعض في تبرير الحضارة والمجتمعات الغربية القائمة فإن ذلك مما لا يقره الإسلام، كذلك محاولة استخدام الإسلام لإقرار مذهب معين من الديمقراطية أو الاشتراكية، فإنه مما يتعارض مع ذاتية الإسلام التي تتمثل في منهج متكامل له أبعاده واستقلاليته.
وما أكثر محاولات التشكيك والاحتواء! وما أكثر اختلاف المناهج وتفسيرات القيم! وكل منهج مرتبط بثقافته وعقائده وتحدياته التاريخية. ومن المستحيل أن ينقل مجال المعركة أو التحدي من أمة إلى أخرى أو من ثقافة إلى أخرى.
والفكر الإسلامي لا يعرف العنصرية ولا يعرف التفرقة بين الدين والمجتمع، ولا يعرف عزلة الإنسان عن المجتمع باسم العبادة. وهو يربط الفرد بالمجتمع والمجتمع بالفرد، ويؤمن بالله، والتدين جزء من الطبيعة البشرية، وأن الإنسان جامع بين العقل والروح، وأنه ليس روحاً خالصة، ولا عقلاً خالصاً وأن له رغباته المادية وتطلعاته الروحية في إطار ضوابط قصد بها حماية الإنسان نفسه من الانهيار.
والحرية في مفهوم الإسلام هي التحرر من قيد الوثنية والجهل والخرافة والتقليد ومن أهم ما دعا إليه الإسلام المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وينكر الإسلام عبادة الجسد وتقديس الشهوة، وتأليه الأبطال والعظماء، وقد فرق الإسلام بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية.
وأن أبرز مفاهيم الإسلام الذي انتصر بها هو أن قيمة وحدة متكاملة لا يصح تجزئتها أو تفتيتها، أو الأخذ بنوع منها دون الآخر أو إعلاء عنصر منها على مختلف العناصر فكل يؤثر في الآخر ويتأثر به، ولقد عمل الإسلام على تحرير أتباعه من التأثير الأجنبي بكل أنواعه ودعا إلى اليقظة إزاء الحرب النفسية والشبهات والمحاولات التي تهدف إلى تغيير المعالم الأصلية. وقد ربط الإسلام بين العقيدة والتطبيق، وقرن العلم بالعمل، ورفض مبدأ العلم لذاته، وقرر أن العلم إنما يطلب من أجل العمل به والاستفادة منع في تحسين الحياة الإنسانية وتقدمها.
ومن أبرز مفاهيم الإسلام: الوضوح الصادق حيث لا تأويل ولا كناية ولا غمغمة، وحيث لا يحمل اللفظ أكثر مما يطيق، أو يؤدي أكثر من معنى وحيث الحق والباطل باطل.(/4)
وقد ألغى الإسلام الفكرة التي تقول بأن هناك صراعاً بين الروح والجسم، وأعلن أن الروح والجسم متكاملان، ودعا إلى الاهتمام بهما معاً.
وأن من أبرز مفاهيم الإسلام التي تميزه تميزاً واضحاً في مجال الفكر البشري كله أن الإسلام فصل بين الله والعالم، وفصل بين الألوهية والنبوة، وفصل بين الألوهية والبشرية، وألغى الوساطة بين الإنسان وربه، وأمكر سقوط التكاليف الشرعية عن أي إنسان مهما بلغ قدره من الإيمان. وبذلك أسقط الإسلام نظريات وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وحرر الفكر من الأساطير.
وقد أسقط الإسلام نظريتين باطلتين: الأولى أن الناس كانوا وثنيين في الأصل ثم عرفوا التوحيد، وأن الدين ينشر بالظروف المادية والعوامل الاقتصادية.
والإسلام في حقيقته منهج وليس نظرية: منهج متكامل يستهدف تحقيق إقامة المجتمع الإنساني الرباني المصدر وما يزال ارتباط الإسلام بمنابعه الأصلية من القرآن والسنة. ونصه الموثق هو العامل الأول والأكبر الذي يحول دون سقوطه في هوة الانحراف، والذي يعطيه القدرة على استعادة تشكيل نفسه بعد الأزمات وفي مواجهة التحديات. وأن وضع الإسلام تحت ضوء أي منهج من المناهج المستمدة من الفكر المادي تعجز عن استيعاب حقيقته وأبعاده. وأن علم الأديان المقارن لا يستطيع أن يعالج الإسلام كبقية الأديان دون اعتبار أن هذا الدين هو دين الله، وأنه ليس من صنع البشر، وأنه فوق أهواء المذاهب والنظريات والفلسفات والمناهج البشرية، وهو يستمد أصالته من مصدره الرباني أولاً، ويتجاوب في نفس الوقت مع الفطرة والعقل والعلم، ولا يتعارض مع الطبيعة البشرية أو يضادها.
في ضوء هذا الإطار يستطيع الشباب المسلم أن يجد الضوء الكاشف لمعرفة الفكر الصحيح من الفكر الزائف، فيما يطرح الآن في السوق من كتابات وآراء ونظريات.
ويبقى أن يعرف شبابنا المسلم: ما هو الدور الذي أداه أجداده وتاريخه للبشرية في مجال الحضارة الإنسانية والتمدن البشري وموعدنا به في بحث فقادم.(/5)
ماذا يقرأ الشباب المسلم
يجب أن يستجيب الكاتب المسلم في هذه الآونة لهذه الدعوة الملحة الموجهة من الشباب تحت عنوان (ماذا نقرأ) حتى تكون في مأمن من ذلك الإعصار الخطير الذي يتمثل في عشرات من المؤلفات ذات مظهر براق وعناوين لامعة وتخفي في أطوائها السموم.
يجب أن لا تخدعنا الأسماء ذات الدوى ولا الأثواب البراقة ولا أرقام التوزيع أو براعة الإعلان وأن نكون قادرين على الحكم على الكتابات المطروحة من خلال قيمتها الحقيقية ومن خلال معرفتنا لمدى إيمان كتابها بأمتهم وفكرهم، ذلك أن هذه الدعوة: هي بمثابة خطوة أساسية وثابتة على الطريق الصحيح. ذلك أننا أنما أوتينا من قبل الكتب اللامعة والأسماء البراقة.
وأن أول علامات الصحة في حكمنا على الأمور أن نحاكم الفكر نفسه بإخلاص والإيمان وأن يكون الكتاب المقرون لدينا الأثيرون عندنا، نأخذ منهم ونتلقى عنهم، هو أولئك الذين عرفوا بنصاعة الصفحة وصدق الإيمان وسلامة الماضي ونقاء الوجهة والتحرر من التبعية والولاء لغير هذه الأمة وفكرها. وهناك عشرات من الأسماء ذات الأصالة يستطيع الكاتب أن يقرأ لها وهو على ثقة بأنه في الطريق الصحيح:
وهناك كتب ضرورية وأساسية:
1- الغارة على العالم الإسلامي:
تأليف شاتليه وترجمة محب الدين الخطيب.
2- محاضرات في النصرانية:
محمد أبو زهرة.
3- الإسلام على مفترق الطريق:
محمدان (ليوبولبر فابس).
4- بين الدين والعلم:
الدكتور محمد أحمد الغمراوي.
5- الخطر المحيط بالإسلام:
الجنرال جواد رفعت.
6- منهج التربية الإسلامية:
محمد قطب.
7- قادة الفتح الإسلامي:
محمود شعيب خطاب.
8- التبشير الاستعمار:
دكتور عمر فروخ.
9- في وكر الهدامين:
محمد محمد حسين.
10- مؤامرات ضد الأسرة المسلمة:
محمد عطية خميس.
11- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين:
أبو الحسن الندوي.
12- أحجار على رقعة الشطرنج:
الأميرال ويام جاي كار.
13- الخطر اليهودي (بروتوكولات صهيون):
ترجمة محمد خليفة التونسي.
14- جذور البلاء:
عبد الله التل.
وليكن دليلنا دائماً: أن نقرأ الكاتب قبل كتابه، فإذا طبقنا علم الجرح والتعديل استطعنا أن نعرف مدى إيمان الكاتب وصدق انتمائه إلى أمته وفكرها، وهذا هو ما نتقبل منه عطاءه أما غيره فلنكن منه على حذر فإذا قدم شيئاً نافعاً فلنقبله إيماناً بأن الحكمة ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق الناس بها ولنكن على إيمان كامل بأن الكاتب الصادق يستمد قوته من الحق ويستمد مظهره من تراث الأنبياء والأبرار ويكون في دعوته وهدفه وكتاباته مطابقاً للآية الكريمة: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً" – القصص آية 83 – فهو لا ينكر العلم ولا يكتمه، وهو في نفس الوقت لا يشتري بالحق ثمناً قليلاً.
ولا يكون أبداً أداة لتزييف الحق أو تضليل الناس أو إعلاء شأن الأهواء وخداع الناس بها تحت عناوين الفكر الحر أو الانطلاق أو غيرها.
###مسئولية القارئ
إن الكاتب الذي يطمع في أن يكتب ثقة الشباب المسلم المثقف يجب أن يكون قادراً على تحمل أمانة الكلمة مقدراً للأبعاد المختلفة لهذه الأمة وفكرها والتحديات التي تواجهها.
وأن يكون من كرامة الشخصية بحيث لا يغش ولا يموه ولا يزدري مقدرات هذا الفكر. وليعلم أنه سوف لا يمر وقت طويل حتى تكشف الحقائق أمره ودوره ونحلته ومن ثم يسقط سقوطاً لا سبيل معه إلى استعادة الثقة.
ذلك أن القارئ المثقف في هذا العصر على الرغم من وجوده على حافة الدائرة وليس في قلبها فإنه قد آمن بأن أمته تواجه اليوم تحديات خطيرة عن طريق الغزو الثقافي والتغريب وأن الثقة لم تعد في المستطاع الحصول عليها إلا لعدد قليل ممن برهن تاريخهم وكشفت وقائع حياتهم عن الصدق والإخلاص.
إن في الساحة كتاباً كثيرين، وهناك من قد يستطيعون عن طريق البراعة والذكاء وإحسان العبارة وإخفاء الهوى أن يصلوا إلى بعض العقول والنفوس نتيجة لمرحلة القصور الذاتي الموجودة بين الشباب الذي لم يتعلم من أصول فكره الإسلامي العربي إلا شذرات قليلة، بينما اتخم بفنون مختلفة من فكر الغرب. إن الكتب البراقة والصحف اللامعة والأسماء الشهيرة قد كانت على مدى هذا العصر الحديث تخطت الأبصار ولكنها كانت عاجزة عن أن تمتلك القلوب والنفوس. أن عشرات من هذه الأسماء التي لمعت لم تلبث أن سقطت وانكشفت زيفها، وأن عشرات من هذه الكتب التي أحدثت ضجة لم تلبث أن انطوت وظهرت عشرات الكتب والأبحاث في كشف زيفها والرد عليها.
إن هناك نظريات كثيرة سادت بسلطان التغريب زمناً ثم سقطت. فعلى الكتاب الذين يتصدرون اليوم أن يعرفوا هذه الحقيقة. إنهم سوف لا يستطيعون الصمود فوق المسرح وتحت الأضواء إلا زمناً قليلاً ثم ينكشف زيفهم.
أما الكتاب الصادقون فإنهم مهما عجزوا عن تسنم المنابر الضخمة والصحف الكبرى، فإنهم معروفون بأعيانهم أن وجودهم في الظل هو علامة على قدرتهم على التمسك بالحق وصمودهم بعيداً عن مغريات الأضواء.(/1)
إن الكاتب الذي يصطفيه الشباب المسلم هو القادر على أن يقول الحق، وأن ينصح للأمة، وأن يدل على الطريق الصحيح.
وأن أخطر أخطاء الكتاب هو التعصب الخفي المستور وراء مظاهر المنهج العلمي، بينما تبدو الأحقاد واضحة ليست في حاجة إلى من يكشف عنها.
وأن أكبر أخطاء الكتاب العجز عن النظرة الكلية والكلمة المنصفة.
إن الكاتب القادر على الإنصاف من النفس هو القادر على أن يكسب ثقة القارئ، ليس من شأن الكاتب أن يجعل نظرته الذاتية قانوناً شاملاً. وليس من شأن الكاتب أن يتطرف إلى جانب أو يقف عند النظرة الجزئية.
ليكن الكاتب منتمياً إلى أمته وفكرها وعقائدها.
وليكن صادقاً في هداية قومه إلى الحق.
ذلك أن الباطل مهما أسبغ عليه من صور العلمية أو بريق العبارة، فإنه سوف ينكشف ويتعرى، والشيء المصادم لطبائع الأشياء لا يدوم.
إن كل دعوى إلى نظرية لا تندمج في العقيدة الأساسية للأمة سوف يرفضها هذا الفكر مهما حشد لها من قوى وأقلام كما يرفض الجسم الحي أي جسم أجنبي غريب.
إن الكاتب الذي هو معقد المسئولية والأمانة: من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق.
وهو الذي يتعصب للحق وحده، وينكر ذاته وينكر التبعية عن أي صورة من صورها. ولا قيمة للكاتب الذي يفصل بين القيم فيعجز عن معرفة الصورة الكاملة، ويجهل أبعاد القضايا.
لا قيمة لكاتب بلا عقيدة كاملة، تستطيع أن تضع كل شيء موضعه، وتقف من كل الأمور موقفاً حاسماً.
إن الكاتب بلا عقيدة كالربان الذي فقد اتجاه الريح، وعلامات السماء، لقد استطاع الفكر الوافد أن يخلق طبقة تقول أنني مشتغل بالأدب فلا أعرف في العقائد أو المناهج، بينما كل ما يعرض عليها في الفكر الغربي من وجودية أو علمانية أو مادية أو لا معقول له ارتباط كامل بكل قيم الإنسان. والمجتمع مؤثر فيها، هادف إلى أحداث آثار بعيدة المدى بالقيم والعقائد.
على الكاتب الذي يحمل أمانة هذه الأمة أن يكون قادراً على التحرر من التبعية الفكرية وأن يكافح من أجل تحرير فكره وأمته منها وأن يعرف أن المعرفة الإنسانية عامة وأنة العلم عالمي وأن العقائد والثقافات خاصة بكل أمة.
وأن يؤمن بأن هذه الأمة لها رسالة مستمرة ما زالت تؤديها للبشرية.
وأنه ليس من عمل الكاتب المسلم تبرير الواقع بل عليه أن يضع المعالجات لإصلاحه وأن يدعو إلى تغييره إذا تطلب التغيير. وأن يرد كل تغيير وإصلاح إلى الإطار الأصيل الذي يتحرك فيه الفكر الإسلامي العربي.
وليؤمن الكاتب الذي يريد أن يكسب ثقة الشباب المثقف أن انبعاث الأمم إنما يستمد قوته من فكرها ومقوماتها وأن انبعاث المسلمين والعرب لن يكون من خارج مقومات فكرهم وعقائدهم.
وأن الكاتب ليس بهلواناً جاء لإضحاك الناس وإرضاء غرائزهم وهدهدة أهوائهم، ولكنه جاء ليصحح الأخطاء ويكشف الزيف ويضيء الطريق إلى الحق.
وليؤمن الكاتب بأمته وفكرها والدور الذي قامت به في التاريخ والفكر البشري، ليؤمن بأن الفكر الإسلامي رفض المنطق الأرسطي وأقام منهجاً جديداً هو المنهج التجريبي وليؤمن بأن أصول مختلف العلوم التي تدرس الآن في الجامعات كالطب والآداب والاجتماع والتاريخ والقانون والفلك والتربية بدأت من نقطة الإسلام وحضارة القرآن.
وليؤمن بأن كل ما يقال عن النضال أو الصراع بين العلم والدين أنما يقصد به تاريخ الغرب وليؤمن بأن ضعف المسلمين أنما يرجع إلى إغفالهم تعاليم الإسلام وليس إلى منهج الإسلام نفسه وأن الإنسان ليس حيواناً كما تقول النظريات المادية ولا آثم بحكم ولادته ولا مجبور التناسخ، وإنما هو مستخلف في الأرض.
وأن أزمة القلق التي يعانيها الشباب اليوم قد صدرت عن الفصل بين الدين والمجتمعات وبين الأخلاق والتربية.
وأنه ما من علم أو فن يتحدث عنه الناس في أدب من الآداب إلا له ضريب في اللغة العربية.
وأن أهم ما في الفكر الإسلامي المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وأن على الكاتب المسلم أن يفرق بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية من ناحية وأن يفرق بين المفاهيم الأصلية والمفاهيم الزائفة الوافدة.
وأنه لا خطأ في الإسلام وإنما الخطأ في طريقة إسلامنا وأن فترة ضعف الإسلام لا تمثل حقيقة جوهره، وإن من أكبر الأخطار التي تواجه الكاتب المسلم هي تلك النظرة الخاطئة التي تحاول أن تعطي الأدب مكاناً أكبر من حجمه الحقيقي في عالم الفكر، ومن ثم كان تجاوزه الخطير لمهمته ومفهومه.
وإن لا تناقض في الفكر الإسلامي بين العلم والأدب، ولا بين العقل والقلب، ولا بين الروح والمادة، بل هناك تكامل وترابط.
وإن الإسلام لا يعلى الجنس أو الشهوة وإن كان يعترف بالرغبات البشرية ويفتح الطريق لها عن طريق طبيعي مع وضع الضوابط والحدود التي تحول دون التحلل والسقوط.
وإن على كتاب الإسلام أن يغربلوا ذلك الركام الضخم ويكشفوا عن الأصيل والزائف والأساسي والدخيل.(/2)
وعلى الكاتب المسلم أن يكون مقاوماً، داعياً إلى الله وليس مستسلماً أو موالياً للباطل وليس لفهم الفكر الإسلامي سبيل إلا النظرة الكلية الجامعة.
وليؤمن كاتب الإسلام أن الإسلام منذ انتشر لم يتغلب عليه متغلب، وإن تغلبت على أممه الشدائد ومنذ ظهر الإسلام وكل حدث في العالم مرتبط به وأن العمل على الالتقاء بين روح العصر وروح الأمة لا يكون على حساب القيم الأساسية بل في ضوئها وعلى هداها. وأن الإسلام قد رفض مبدأ التبعية ولم يستسلم في تاريخه الطويل لأي نظرية وافدة.
وأن التجديد في الأدب كالتجديد في العلم لا يمكن أن يقوم إلا على أساس تعاون الماضي والحاضر.
إن بريق الأسماء لا يغني شيئاً عن الحقائق.
إن محاولة رفع أسماء بعينها سوف تكشف زيف الأيام.
إن كل صيحة علت بغير الحق لم تلبث أن تحطمت.
إن الضجيج والبريق ليسا شيئاً إلا في الأمد القصير.
"أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". صدق الله العظيم.
###في سبيل بناء مشروع إطار للقراءة
هذه محاولة لاقتراح مشروع إطار للقراءة يقوم على أساس تحديد النظرة، بحيث لا تضطرب أمام الكثير المطروح في السوق، مع اتساع الآفاق لمعرفة ما وراء هذه الألوان والأنواع المختلفة المتضاربة.
وأساس النظرة وقمتها هو القرآن الكريم: هو المختبر الأصيل الذي يبقى دائماً موضع الثبات والصدارة والقدوة، وعلى ضوئه يختبر كل فكر وكل كتاب فما التقى معه ينظر فيه ويقبل، وما يتعارض معه لا بأس من النظر فيه مع الاحتفاظ والتحفظ.
والمسلمون أساساً ليسوا في حاجة إلى مذاهب من خارج فكرهم فقد كفاهم غنى، إذ قدم لهم ثلاثة مناهج أساسية هي:
أولاً: "منهج الغيب": أو "ما وراء المادة" وقد كشف القرآن للمسلمين صورة كاملة لهذا الجانب المتصل بعالم الشهادة المرتبط به وبذلك كفاهم أمر البحث فيه، حيث أن العقل البشري في ذاته قاصر عن أن يدرك هذا العالم بنفسه أو يصل إليه بالبحث التجريبي أو المناهج المجردة.
ثانياً: منهج المعرفة: وقد أعطي القرآن المسلمين منهجاً كاملاً قائماً على العقل والقلب، وتجربة التاريخ وعبرة الكون القائم أمام أعين الناس وبذلك أعطاهم أوسع منهج للمعرفة وأكمله وأكثره إيجابية وسماحة.
ثالثاً: منهج العلم التجريبي: فقد دفع القرآن المسلمين إلى النظر في السماوات والأرض، والتماس التجربة، والبحث عن البرهان والدليل فاستطاعوا إنشاء المنهج العلمي التجريبي الذي هو مصدر النتاج العلمي الحديث كله (وليس في هذا مبالغة بل هي شهادة علماء العلم أنفسهم وفي مقدمتهم: بريفولت ودرابر وجوستاف لوبون ودكتورة هونكة).
ثم قدم الإسلام للمسلمين: منهج المجتمع ونظام الحياة وهي شريعة الإسلام الخالدة التي اعتمدت قيم ثلاث أساسية:
أولاً: المسئولية الفردية للإنسان وإرادته الحرة في عمله.
ثانياً: القانون الأخلاقي.
ثالثاً: الجزاء الأخروي.
وقد قامت هذه المناهج كلها على قاعدة أساسية هي "التوحيد".
ولقد التقى القرآن إلى المسلمين حصيلة ضخمة وافرة من معطيات الاجتماع والسياسة والأخلاق والاقتصاد والتربية والقانون، كان أبرز ما فيها: أنها ليست موقوفة على عصر ما أو بيئة ما، بل هي خالدة باقية مرتبطة بالإنسان نفسه من حيث هو كيان متكامل: (روح ومادة).
وهي بذلك لم تتشكل في هيئة قانون له مواد، بل قدمت على هيئة إطار واسه من قابل من داخله للتغيير والحركة والتطور بما يناسب العصور والبيئات، ولذلك جاءت أساساً على هيئة قيم كبرى فيها طابع الثبات وقادرة في أطرافها على الحركة.
وهي في ضوابطها وحدودها عمدت إلى حماية الفرد نفسه من الانحراف إلى أحد القطبين:الجمود أو الانحلال، ولذلك فقد أبعدته عن الزهادة والترف معاً وإقامته في توسط يحفظ له كيانه العقلي والجسدي من العطب ويجعله قادراً دائماً على ممارسة دوره في الحياة وأداء رسالته.
ومن هنا فإن السؤال القائم في هذا الموقف هو هل المسلمون في حاجة إلى إيديولوجية أو مذاهب أو دعوات تطرح عليهم إذا كان منهجهم كاملاً، وقد طبق فعلاً فأحدث تقدماً عظيماً وسيطر على البشرية عطاء وعدلاً أكثر من ألف عام؟(/3)
والإجابة: أن لا. وهنا يجيء السؤال الآخر: إذن لماذا تخلف المسلمون؟ والإجابة هي أنهم تركوا المنهج الذي صيغت عليه حياتهم، وشكل وفقه مزاجهم النفسي والاجتماعي، وتخلفوا عنه ضعفاً وجموداً، أو انطلاقاً وانحرافاً. ومن هنا فإن أمة تشكلت على منهج مدى أربعة عشر عاماً من العسير أن يصلح لها منهج آخر وافد، خاصة إذا كانت هذه الأمة قد كانت على حذر دائم وعلى طبيعة أساسية ترفض الدخيل ولا تقبل لا ما يزيدها قوة وما ينصهر داخل كيانها ومفهومها في هذا الضوء يمكن أن يقرأ الشباب المسلم وينظر في هذا الحشد الهائل الضخم الذي تطرحه عليه المطابع هو يعرف مقدماً أن ليس كل من كتب له إنما يريد به الخير، أو يقول له الحق. وأن هناك ملابسات كثيرة وأساليب دقيقة وبريق خاطف وكلمات براقة يراد بها إخراج الأمة عن الأصالة وعن الذاتية.
إن هذه الأمة ما تزال تواجه التحدي وستظل تواجهه وقتاً طويلاً:
تحدى الاستعمار والصهيونية والقوى الغازية والمتربصة والطامعة. ولذلك فإن ما يطرح في سوق القراءة خاضع لهذه التيارات.
وإذا كان القارئ المسلم يستطيع أن يقرأ لكتاب يعرف صدقهم، فإنه في المرحلة التالية مطالب بأن يقرأ كل شيء يعرف الزيف من الصحيح وليكشف هذا الزيف، ويصحح الأخطاء، ويحرر المفاهيم على الضوء الكاشف الذي تعرض عليه كل شيء وهو (القرآن).
ونحن نعرف أن حركات التبشير والاستشراق والغزو الثقافي مما نطلق عليه اسم "التغريب" قد غيرت جلدها فلم تعد تهاجم في صراحة ولا تنتقد في جرأة، وإنما اتخذت أسلوباً جديداً: هو أن تدخل إلى البحث في رقة وأن تتكلف من كلمات المدح والإنصاف صفحات حتى تكسب ثقة القارئ، ثم لا تلبث أن توجه إليه شكوكاً قليلة، وتعود مرة أخرى إلى الإنصاف والمجاملة، إلى أن تصل في النهاية إلى شيء يثير الصدر، ويفسد الحقيقة الأصلية، دون إزعاج أو إثارة عواطف.
فلننتبه إلى هذا الاتجاه الجديد ولنجعل رائدنا أساساً: أن تكون حقائق الإسلام الأساسية هي المصادر والدعامات التي لا تتخلف ولا نقبل أن نفرط فيها.
هناك محاولات الآن للقول بالتطوير: تطوير الإسلام أو تطوير الشريعة الإسلامية، والتطور لا يدخل إلا على الأشياء التي أنشأها الإنسان لأنها تعجز عن أن تستمر مع تغير الأزمان ولذلك فقد تعرضت عقائد ومذاهب وإيديولوجيات كثيرة للتطور إما بالنسبة للدين الحق، الذي صاغه خالق الإنسان وفق علمه الواسع بطبيعة الإنسان، وتحولات المجتمعات فإنه لا يخضع للتطور. وهناك أسسه القائمة الثابتة التي لا سبيل إلى الاجتهاد حولها، ولكن الإسلام مع ذلك يعتبر الاجتهاد قاعدة أصلية في المتغيرات وفي الفروع، أما محاولة البعض في تبرير الحضارة والمجتمعات الغربية القائمة فإن ذلك مما لا يقره الإسلام، كذلك محاولة استخدام الإسلام لإقرار مذهب معين من الديمقراطية أو الاشتراكية، فإنه مما يتعارض مع ذاتية الإسلام التي تتمثل في منهج متكامل له أبعاده واستقلاليته.
وما أكثر محاولات التشكيك والاحتواء! وما أكثر اختلاف المناهج وتفسيرات القيم! وكل منهج مرتبط بثقافته وعقائده وتحدياته التاريخية. ومن المستحيل أن ينقل مجال المعركة أو التحدي من أمة إلى أخرى أو من ثقافة إلى أخرى.
والفكر الإسلامي لا يعرف العنصرية ولا يعرف التفرقة بين الدين والمجتمع، ولا يعرف عزلة الإنسان عن المجتمع باسم العبادة. وهو يربط الفرد بالمجتمع والمجتمع بالفرد، ويؤمن بالله، والتدين جزء من الطبيعة البشرية، وأن الإنسان جامع بين العقل والروح، وأنه ليس روحاً خالصة، ولا عقلاً خالصاً وأن له رغباته المادية وتطلعاته الروحية في إطار ضوابط قصد بها حماية الإنسان نفسه من الانهيار.
والحرية في مفهوم الإسلام هي التحرر من قيد الوثنية والجهل والخرافة والتقليد ومن أهم ما دعا إليه الإسلام المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وينكر الإسلام عبادة الجسد وتقديس الشهوة، وتأليه الأبطال والعظماء، وقد فرق الإسلام بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية.
وأن أبرز مفاهيم الإسلام الذي انتصر بها هو أن قيمة وحدة متكاملة لا يصح تجزئتها أو تفتيتها، أو الأخذ بنوع منها دون الآخر أو إعلاء عنصر منها على مختلف العناصر فكل يؤثر في الآخر ويتأثر به، ولقد عمل الإسلام على تحرير أتباعه من التأثير الأجنبي بكل أنواعه ودعا إلى اليقظة إزاء الحرب النفسية والشبهات والمحاولات التي تهدف إلى تغيير المعالم الأصلية. وقد ربط الإسلام بين العقيدة والتطبيق، وقرن العلم بالعمل، ورفض مبدأ العلم لذاته، وقرر أن العلم إنما يطلب من أجل العمل به والاستفادة منع في تحسين الحياة الإنسانية وتقدمها.
ومن أبرز مفاهيم الإسلام: الوضوح الصادق حيث لا تأويل ولا كناية ولا غمغمة، وحيث لا يحمل اللفظ أكثر مما يطيق، أو يؤدي أكثر من معنى وحيث الحق والباطل باطل.(/4)
وقد ألغى الإسلام الفكرة التي تقول بأن هناك صراعاً بين الروح والجسم، وأعلن أن الروح والجسم متكاملان، ودعا إلى الاهتمام بهما معاً.
وأن من أبرز مفاهيم الإسلام التي تميزه تميزاً واضحاً في مجال الفكر البشري كله أن الإسلام فصل بين الله والعالم، وفصل بين الألوهية والنبوة، وفصل بين الألوهية والبشرية، وألغى الوساطة بين الإنسان وربه، وأمكر سقوط التكاليف الشرعية عن أي إنسان مهما بلغ قدره من الإيمان. وبذلك أسقط الإسلام نظريات وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وحرر الفكر من الأساطير.
وقد أسقط الإسلام نظريتين باطلتين: الأولى أن الناس كانوا وثنيين في الأصل ثم عرفوا التوحيد، وأن الدين ينشر بالظروف المادية والعوامل الاقتصادية.
والإسلام في حقيقته منهج وليس نظرية: منهج متكامل يستهدف تحقيق إقامة المجتمع الإنساني الرباني المصدر وما يزال ارتباط الإسلام بمنابعه الأصلية من القرآن والسنة. ونصه الموثق هو العامل الأول والأكبر الذي يحول دون سقوطه في هوة الانحراف، والذي يعطيه القدرة على استعادة تشكيل نفسه بعد الأزمات وفي مواجهة التحديات. وأن وضع الإسلام تحت ضوء أي منهج من المناهج المستمدة من الفكر المادي تعجز عن استيعاب حقيقته وأبعاده. وأن علم الأديان المقارن لا يستطيع أن يعالج الإسلام كبقية الأديان دون اعتبار أن هذا الدين هو دين الله، وأنه ليس من صنع البشر، وأنه فوق أهواء المذاهب والنظريات والفلسفات والمناهج البشرية، وهو يستمد أصالته من مصدره الرباني أولاً، ويتجاوب في نفس الوقت مع الفطرة والعقل والعلم، ولا يتعارض مع الطبيعة البشرية أو يضادها.
في ضوء هذا الإطار يستطيع الشباب المسلم أن يجد الضوء الكاشف لمعرفة الفكر الصحيح من الفكر الزائف، فيما يطرح الآن في السوق من كتابات وآراء ونظريات.
ويبقى أن يعرف شبابنا المسلم: ما هو الدور الذي أداه أجداده وتاريخه للبشرية في مجال الحضارة الإنسانية والتمدن البشري وموعدنا به في بحث فقادم.(/5)
ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا ؟
محمد بن عبدالله بن صالح الهبدان
كثيراً ما يتحدث الناس في منتدياتهم ومجالسهم وحواراتهم عن ما يحدث لإخواننا في كل مكان سواء كان ذلك في فلسطين أو في أفغانستان أو الشيشان أو العراق وبالأخص في الفلوجة ، الكل يشرح المأساة ، وما آلت إليه أحوال إخواننا ، وغالباً ما يكون السؤال: ما العمل ؟ ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا ؟
وقد كتب عن هذه القضية عدة دراسات من قبل علماء وباحثين، ودوري فيها تلخيص مقترحاتهم ودراساتهم، ومن ثم عرضها للاستفادة منها وتطبيقها قدر المستطاع.
أولا- واجبات الفرد:
* استحضار النية الصادقة واستدامتها لنصرة إخواننا في كل مكان .
* تحري أوقات الإجابة والدعاء يومياً لإخواننا بالنصرة والدعاء.
* إبداء النصرة لإخوانهم ونشر أخبارهم وأحوالهم من خلال المشاركة في برامج البث المباشر وبرامج الفتاوى عبر الإذاعة والتلفاز ومنتديات الإنترنت.
* توزيع شريط إسلامي يخدم القضية ريعاً وموضوعاً.
* وضع حصالة منزلية باسم ( حصالة النصرة ) ولنتذكر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم :" ما نقص مال من صدقة " . تصرف في النازلة التي وقعت .
* التحدث في جمع من الأقارب أو مجموعة العمل الوظيفي أو الأصدقاء عن الواجب نحو إخواننا .
* استخدام الرسائل الهاتفية للتذكير بالواجب نحو إخواننا.
* توصية من عرف بالعبادة والخير والصلاح بالدعاء لإخوانه .
* السعي لإنشاء أوقاف خيرية تصرف في مصرف ( في سبيل الله ) .
* زيارة العلماء وحثهم وتذكيرهم بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه قضايا المسلمين ومطالبتهم بأداء الدور المنوط بهم ، كل ذلك بأدب واحترام .
ثانياً- واجبات الأسرة :
* إثارة الموضوع وقضايا المسلمين بينهم وجعلها الهم رقم واحد في قلوبهم .
* وضع صندوق خاص للعائلة تضامناً لإخوانهم المسلمين في كل مكان .
* تذكير الأسرة بفضل النصرة للمسلمين والوقوف معهم في وقت المحن وذكر الآيات والأحاديث التي تؤيد ذلك .
* تلقين الأمهات وربات البيوت أطفالهم حب الله ورسوله، وحب الجهاد، من خلال الكتب المختارة والشعر والأناشيد المسجلة بالأشرطة وغيرها.
* إنشاء مكتبة صغيرة تشمل كتيبات ونشرات وأشرطة تتضمن موضوعات عن أحوال المسلمين وتبين واقعهم .
* إضافة عبارة أو كلمة مأثورة عن نصرة المستضعفين في العالم الإسلامي لبطاقات المعايدة والأفراح والدعوات الشخصية .
ثالثا- واجبات الإعلاميين والصحفيين والمثقفين:
* كتابة المقالات في الصحف السيارة بكل ما يتعلق بواقعهم وكشفها للناس وإثارة القضية في كل يوم .
* دعم المقالات والتقارير الصحفية بالصورة والأدلة التي توضح حجم معاناة إخواننا وما يمرون به من أزمات ، فالصورة أبلغ ألف مرة من الكلمة .
* عقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات بخصوص قضايا المسلمين عامة والقضية النازلة على سبيل الخصوص .
رابعا- واجبات العاملين في قطاعات التعليم :
* اجعل قضية المسلمين هماً لا ينفك عنك في كل أوقاتك أو جلها.
* اصنع من طلابك محبين لنصرة إخوانهم .
* خصص وقتاً يسيرا لتوضيح النازلة التي وقعت والموقف الشرعي تجاهها واطرح الموضوع للنقاش معهم .
* اطلب منهم كتابة التعبير عن القضية النازلة .
* استخدم شريط الكاسيت والفيديو والإنترنت وكل ما توصل إليه العلم في إذكاء حب نصرة إخواننا .
* إعداد بحوث عن كل قضية تنزل بالمسلمين وكتابة تقرير عنها .
خامسا- واجبات الأئمة والخطباء والدعاة والعلماء :
* إخراج البيانات التي توضح الحقيقة وتكشف للناس الأمر ، وإصدار الفتوى الشرعية في النازلة .
* أن يعطي الإمام تصورا صحيحا عن النازلة الواقعة ويوضح لهم الحقائق قدر الوسع والطاقة .
* القنوت لهم في الصلوات .
* لتكن منابرنا وسيلة لنصرة إخواننا وشرح قضاياهم لعامة الأمة .
* وضع لوحات حائطية توضح أخبار النازلة الواقعة لإثارة الاهتمام في قلوب الناس.
* إلقاء الكلمات في المساجد التي تبين الدور المنوط على الأفراد تجاه قضايا المسلمين .
سادساً- واجبات مستخدمي الإنترنت
* توظيف استخدام قنوات المحادثة والدردشة والحوار المباشر وقنوات المحادثة غير المباشرة، من خلال برامج ساحات الحوار والمنتديات، ولا تنس مجموعات الأخبار والحوار المنتشرة على مستوى العالم، للحديث عن نصرة إخواننا.
* بادر إلى إنشاء موقع إسلامي للتعريف بالقضية وأخبارها ( باللغة العربية أو غيرها )، أو على الأقل الدلالة على مثل هذه المواقع.
* توظيف البريد الإلكتروني، إذ يعد وسيلة ممتازة ورائعة النتائج، وذلك بإرسال تقارير وأخبار ودعوات.
* يمكنك أن تقدم خدمة متميزة بتقديم الأخبار ونقل البث الحي والمباشر للمقابلات والندوات والخطب الخاصة بالقضية كما يمكنك نشر مقال متميز أو موقع أو كتاب أو روابط تخدم القضية، ويمكنك نسخ مقال متميز وإرساله إلى منتديات يكثر فيها الزوار .(/1)
* إعداد الفلاشات والعروض المتميزة عن النازلة التي وقعت في المسلمين ونشرها في المنتديات .
هذه بعض الخطوات ..ويقيني أن ما عندك أكثر ..ونحن في انتظار مشاركة الإخوة والأخوات في إثراء هذا الموضوع وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(/2)
ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا ؟
رئيسي :الدعوة :الثلاثاء 2 ذي القعدة 1425هـ - 14 ديسمبر 2004 م
كثيراً ما يتحدث الناس في منتدياتهم ومجالسهم وحواراتهم عمّا يحدث لإخواننا في كل مكان سواء كان ذلك في فلسطين، أو في أفغانستان، أو الشيشان، أو العراق، وبالأخص في الفلوجة، الكل يشرح المأساة، وما آلت إليه أحوال إخواننا، وغالباً ما يكون السؤال:
ما العمل؟ ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا ؟
وقد كتب عن هذه القضية عدة دراسات من قبل علماء وباحثين، ودوري فيها تلخيص مقترحاتهم ودراساتهم، ومن ثم عرضها للاستفادة منها وتطبيقها قدر المستطاع:
أولًا:واجبات الفرد:
1- استحضار النية الصادقة، واستدامتها لنصرة إخواننا في كل مكان .
2- تحري أوقات الإجابة والدعاء يومياً لإخواننا بالنصرة والدعاء.
3- إبداء النصرة لإخوانهم، ونشر أخبارهم وأحوالهم من خلال المشاركة في برامج البث المباشر، وبرامج الفتاوى عبر الإذاعة والتلفاز، ومنتديات الإنترنت.
4- توزيع شريط إسلامي يخدم القضية ريعاً وموضوعاً.
5-وضع حصالة منزلية باسم:'حصالة النصرة'، ولنتذكر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: [مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ...]رواه الترمذي وأحمد. تصرف في النازلة التي وقعت .
6- التحدث في جمع من الأقارب، أو مجموعة العمل الوظيفي، أو الأصدقاء عن الواجب نحو إخواننا .
7- استخدام الرسائل الهاتفية للتذكير بالواجب نحو إخواننا.
8- توصية من عرف بالعبادة والخير والصلاح بالدعاء لإخوانه .
9-السعي لإنشاء أوقاف خيرية تصرف في مصرف:'في سبيل الله'.
10- زيارة العلماء وحثهم وتذكيرهم بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه قضايا المسلمين، ومطالبتهم بأداء الدور المنوط بهم، كل ذلك بأدب واحترام .
ثانياً:واجبات الأسرة:
1- إثارة الموضوع وقضايا المسلمين بينهم وجعلها الهم رقم واحد في قلوبهم .
2- وضع صندوق خاص للعائلة تضامناً لإخوانهم المسلمين في كل مكان .
3- تذكير الأسرة بفضل النصرة للمسلمين والوقوف معهم في وقت المحن، وذكر الآيات والأحاديث التي تؤيد ذلك .
4- تلقين الأمهات وربات البيوت أطفالهم حب الله ورسوله، وحب الجهاد، من خلال الكتب المختارة والشعر والأناشيد المسجلة بالأشرطة وغيرها.
5- إنشاء مكتبة صغيرة تشمل كتيبات ونشرات وأشرطة تتضمن موضوعات عن أحوال المسلمين وتبين واقعهم .
6- إضافة عبارة أو كلمة مأثورة عن نصرة المستضعفين في العالم الإسلامي لبطاقات المعايدة، والأفراح، والدعوات الشخصية .
ثالثًا: واجبات الإعلاميين، والصحفيين، والمثقفين:
1- كتابة المقالات في الصحف السيارة بكل ما يتعلق بواقعهم، وكشفها للناس، وإثارة القضية في كل يوم .
2- دعم المقالات والتقارير الصحفية بالصورة والأدلة التي توضح حجم معاناة إخواننا وما يمرون به من أزمات، فالصورة أبلغ ألف مرة من الكلمة .
3- عقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات بخصوص قضايا المسلمين عامة والقضية النازلة على سبيل الخصوص .
رابعًا: واجبات العاملين في قطاعات التعليم:
1- اجعل قضية المسلمين هماً لا ينفك عنك في كل أوقاتك أو جلها.
2- اصنع من طلابك محبين لنصرة إخوانهم .
3- خصص وقتاً يسيرًا لتوضيح النازلة التي وقعت، والموقف الشرعي تجاهها، واطرح الموضوع للنقاش معهم .
4- اطلب منهم كتابة التعبير عن القضية النازلة .
5- استخدم شريط الكاسيت والفيديو والإنترنت وكل ما توصل إليه العلم في إذكاء حب نصرة إخواننا .
6- إعداد بحوث عن كل قضية تنزل بالمسلمين وكتابة تقرير عنها .
خامسًا: واجبات الأئمة والخطباء والدعاة والعلماء:
1- إخراج البيانات التي توضح الحقيقة وتكشف للناس الأمر، وإصدار الفتوى الشرعية في النازلة .
2- أن يعطي الإمام تصورًا صحيحًا عن النازلة الواقعة، ويوضح لهم الحقائق قدر الوسع والطاقة .
3- القنوت لهم في الصلوات .
4- لتكن منابرنا وسيلة لنصرة إخواننا، وشرح قضاياهم لعامة الأمة .
5- وضع لوحات حائطية توضح أخبار النازلة الواقعة لإثارة الاهتمام في قلوب الناس.
6- إلقاء الكلمات في المساجد التي تبين الدور المنوط على الأفراد تجاه قضايا المسلمين .
سادسًا: واجبات مستخدمي الإنترنت:
1- توظيف استخدام قنوات المحادثة والدردشة، والحوار المباشر، وقنوات المحادثة غير المباشرة، من خلال برامج ساحات الحوار والمنتديات، ولا تنس مجموعات الأخبار والحوار المنتشرة على مستوى العالم، للحديث عن نصرة إخواننا.
2- بادر إلى إنشاء موقع إسلامي للتعريف بالقضية وأخبارها-باللغة العربية أو غيرها-، أو على الأقل الدلالة على مثل هذه المواقع.
3- توظيف البريد الإلكتروني، إذ يعد وسيلة ممتازة ورائعة النتائج، وذلك بإرسال تقارير وأخبار ودعوات.(/1)
4- يمكنك أن تقدم خدمة متميزة بتقديم الأخبار، ونقل البث الحي والمباشر للمقابلات والندوات والخطب الخاصة بالقضية، كما يمكنك نشر مقال متميز، أو موقع، أو كتاب، أو روابط تخدم القضية، ويمكنك نسخ مقال متميز وإرساله إلى منتديات يكثر فيها الزوار .
5- إعداد الفلاشات والعروض المتميزة عن النازلة التي وقعت في المسلمين ونشرها في المنتديات .
هذه بعض الخطوات .. ويقيني أن ما عندك أكثر .. ونحن في انتظار مشاركة الإخوة والأخوات في إثراء هذا الموضوع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم .
من:' ماذا يمكن أن نقدم من خدمة لإخواننا ؟' للشيخ/محمد بن عبد الله بن صالح الهبدان(/2)
ماذا ينقمون على المقاومة الإسلاميَّة؟
خباب بن مروان الحمد
Khabab00@hotmail.com
لن تنضج فصائل العمل الإسلامي بجميع أطيافها ، إلاَّ باستمرار التداول فيما بينهم بالنقد والتوجيه ، والنصح والتقويم ، وتحمُّل بعضهم البعض في نقد الأعمال والتوجُّهات المغايرة للمنهج الإسلامي القويم .
ولا أظن أنَّ أحداً يجادل في أهمية النقد البنَّاء لجميع أشكال العمل الإسلامي سواء الفكرية أو العلمية أو السياسية أو التربويَّة ... فإنَّ العمل البشري سيبقى معرَّضاً للخلل والقصور، ويبقى الكمال لله ـ عزَّ وجل ـ .
هذه مقدِّمة مهمَّة أحسب أنَّها من الأهميَّة بمكان ، ليبقى التناصح و النقد البنَّاء ما بين الاتجاهات الإسلاميَّة قائم على قدم وساق .
وفي هذا الزمن والذي يصح بأن يوصم بأنَّه زمن صراع وقتال بين أهل الإيمان وأهل الكفر، فإنَّ فيه للمجاهدين في سبيل الله دوراً كبيراً في الدفاع عن حياض الإسلام ، ودفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا معاً ، ورد كيد العتاة و مغتصبي حقوق المسلمين وبلادهم وأعراضهم.
وحيال جهود المجاهدين ، نجد أنَّ هناك أناساً لا يهنأ لهم بال ، ولا يقرُّ لهم قرار إلاَّ بالقدح فيهم ، ولمزهم ، والسخرية بهم ، والتندر بأحوالهم ، بل الإقذاع في ذلك وكأنَّهم مجرمون إرهابيُّون !
وحسبي في هذا المقال أن أخاطب من خلاله شريحتين لهما دور واضح في تسفيه جهود المقاومة الإسلاميَّة ، وكثرة البَرَم والحديث في وسائل الإسلام بتشويه صورة المجاهدين ، والتنقيص من قدرهم وهما:
1ـ من يسمُّون أنفسهم بالإسلاميين الليبراليين ، والذين يتصدَّرون الوسائل الإعلاميَّة بالقدح واللمز والتشويه للمجاهدين في سبيل الله.
2ـ بعض المنتسبين للعلم ـ وإن كانوا قلَّة ـ والذين يحقِّرون من المقاومة الإسلاميَّة ، ويقولون لا جهاد حقيقي وصحيح في هذا الزمان ، بل جميع الحركات المنتسبة للمقاومة الإسلاميَّة حركات عميَّة جاهليَّة !
وحقَّ لنا أن نعجب من هؤلاء القادحين كيف يسمحون لأنفسهم بأن يكونوا نوَّار فتنة ، ومشعلي حربٍ ضروسٍ، ضدَّ أناس لا يدافعون عن أنفسهم ، لأنَّهم خرجوا بأنفسهم وأموالهم ابتغاء رضا الله ـ تعالى ـ ؟! فهم معرَّضون للقتل والاستشهاد في سبيل الله ، بل هؤلاء المجاهدون يدافعون عن حرمات المسلمين وعن هؤلاء الذين يلمزونهم ، ويحتقرونهم ، وهم الدرع الحصين خشية تسلل الكفرة من أعداء الدين إلى بقيَّة بلاد المسلمين .
وهؤلاء القادحون بجهود المجاهدين والمقاتلين في سبيل الله ... لهم طرق وأحوال في الهمز واللمز بعدَّة أشكال ، فتارة يستهزئ هؤلاء بالمجاهدين قائلين عنهم :إنَّهم قوم ضعاف عاطفيُّون ناقصو العلم والعقل!
وتارة يقولون : أنَّهم متمرِّدون انفصاليُّون !
وتارة يقولون عنهم : إنَّهم مجانين يعرِّضون أنفسهم للقتل والخطر ، ولا يصنعون مشروعات شخصيَّة تخدمهم!
وتارة يقولون : إنَّهم متحمِّسون مستعجلون متعطِّشون للدماء !
وتارة يقولون : إنَّهم يضعون أنفسهم في محرقة وأتون حرب لا نجاة لهم منها !
إلى غير ذلك من أنواع التهكُّم والتسفيه لجهود المجاهدين الذائدين عن حياض الأمَّة وكرامتها .
نعم ... إنَّ المجاهدين غير معصومين فهم بشر تعترضهم الأخطاء ، وينتابهم القصور ، ويقعون في الزلل ، ولا شك في ذلك ، بل إنَّهم لا يدَّعون ذلك لأنفسهم ، فهم يطلبون من المسلمين المناصرة والمناصحة على حدٍّ سواء ...
بيد أنَّه هل المنهج العلمي الصحيح يبيح لهؤلاء اللاَّمزين أن يُقدِموا على لمز المجاهدين ، والطعن فيهم واتِّهامهم بالإرهاب والتطرف؟
وهل مثل هذه العبارات التي سقت شيئاً منها آنفاً ، هل يلمس من ورائها نصحٌ وتذكير للمجاهدين ، أو نقد بنَّاء يصبُّ في مصلحة الإسلام والمسلمين؟
والجواب عن ذلك : يستحيل أن يكون الهزء بالمجاهدين وحركات المقاومة الإسلاميَّة من قبيل النصح ، والفرق بين ذلك واضح .
* تقويم الخطأ بالنصح والتوجيه لا بالسخرية والتسفيه :
إنَّ المنهج الصحيح وهو منهج أهل السنَّة والجماعة أن لا أحد فوق النصح ، ولا يعني أنَّه إذا أخطأ المجاهدون في سبيل الله أنَّهم لا يُنصحون ولا يُبيَّن لهم خطؤهم وقصورهم ، ولكن تبيين الخطأ شيء واللمز من طرف خفي شيء آخر ، وكذلك التبرؤ من بعض الأفعال الخاطئة شيء والتبرؤ من الشخص الفاعل شيء آخر ، إنَّها موازنة تقتضي الإنصاف والعلم والعدل .(/1)
وخذ مثلاً يوضِّح هذه الحقيقة ؛ فعن سالم عن أبيه، قال: بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، فدعاهم إلى الإسلام؛ فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا ، وجعل خالد (يعمل فيهم) قتلاً وأسراً. قال: فدفع إلى كل رجل أسيره، حتى إذا أصبح يومنا، أمر خالد بن الوليد أن يقتل كل رجل منا أسيره. قال ابن عمر: فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل أحد ، وقتل بشر من أصحابي أسيره. قال: فقدمنا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فذكر له صنع خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ـ ورفع يديه ـ: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين .وبالتَّأمل في هذا الحديث فإنّا نجد أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ تبرأ من فعل خالد ، ولكن بقي خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلَّه الله على المشركين ، ولم يُغْمِدَ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ هذا السيف على أعداء الدين أو يتنقصه .
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة:(ولهذا كان النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يستعمل خالد بن الوليد على الحرب ، منذ أسلم ، وقال :( إنَّ خالداً سيف سلَّه الله على المشركين) مع أنَّه أحياناً قد كان يعمل ما ينكره النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ، حتَّى إنَّه ـ مرَّة ـ قام ثمَّ رفع يديه إلى السماء وقال :( اللهم إنِّي أبرأ إليك ممَّا فعل خالد ) لمَّا أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم ، وأخذ أموالهم بنوع شبهة ، ولم يكن يجوز ذلك ، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة ، حتَّى وَدَاْهُم النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ، وضمن أموالهم ؛ ومع هذا فما زال يقدِّمه في إمارة الحرب ؛ لأنَّه كان أصلح في هذا الباب من غيره ، وفعل ما فعل بنوع تأويل)
وكلام شيخ الإسلام دقيق ، فكما أنَّ العلماء يخطئون وكذا التجَّار والأطبَّاء والمهندسون فإنَّ المجاهدين كغيرهم في هذا الأمر ، إلاَّ أنَّ الفارق في طريقة تقويم الخطأ ما بين ناصح أو حاقد ، فالناصح يبيِّن الحق ، ويذكر سبب الخطأ ، ثمَّ يذكر الوجه الصحيح لعلاج ذلك ، وأمَّا الحاقد فإنَّه لا يفتأ يلمز ويهمز في المجاهدين ، وشتَّان شتَّان ما بين الأمرين !
ولننظر لطريقة القرآن الكريم في تقويم أخطاء المجاهدين ، فحين لم يلتزم الرماة في غزوة أحد بأمر رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ونزلوا لأرض المعركة مع أنَّه ـ عليه السلام ـ أمرهم بأن يلزموا مكانهم ، ولا ينزلوا لأرض المعركة إلاَّ حين انتهائها بينهم وبين كفَّار قريش ، إلاَّ أنَّهم استعجلوا الأمر ونزلوا لأرض المعركة قبل انتهائها ، وبعد هزيمتهم تساءلوا :ما السبب في ذلك ؟
كما قال الله ـ تعالى ـ: ( أولمَّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم ) ففي هذه الآية بيَّن ـ سبحانه وتعالى ـ خطأ أولئك المجاهدين ، إلاَّ أنَّه ـ عزَّ وجل ـ لم يقدح في عدالتهم ، أو يشكِّك في نيَّاتهم.
وذلك لأنَّ هؤلاء لهم دور كبير في نصرة الإسلام ، والمنهج الإسلامي في عمليَّة النقد متوازن وموضوعي في الوقت ذاته ، فالعتاب وتبيين الخطأ لكلِّ من أخطأ فريضة إسلاميَّة ، ولكنَّ ذاك الخلل ينبغي أن يغتفر في الحسنات الكثيرة التي أصاب بها المخطئ ، وكثيراً ما كان يركِّز ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ على ذلك ويستشهد بحديث رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(إذا كان الماء قلَّتين لم يحمل الخبث).وكذلك فإنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول :(أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) وبهذا يكون الاتزان في منهج التعامل مع أخطاء ذوي الأقدار والمروءات.
وعلى ضوء هذه الآيات والأحاديث ينبغي أن ننتهج بنهجها ، وحري بنا أن نسير في مضمارها ، بدون تلكؤ ولا ارتياب ؛ ذلك أنَّ الآيات والأحاديث كلام ليس بالأغاليط بل هو وحي يوحى ، فأين هؤلاء القادحين من هذا؟
* خطورة التشبُّه بالمنافقين في نقد المجاهدين :
إنَّ المرء المسلم ينبغي عليه أن يكون حذراً لدينه في أن يكون مشابهاً للمنافقين في بعض أحوالهم ، ومن قرأ سورة الأحزاب بتأمُّل سيجد فيها وصفاً لحال أولئك المنافقين الذين ما فتئوا يقدحون برسول الله والعصابة المؤمنة المجاهدة من الجيل الأول ـ رضوان الله عليهم ـ ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ :( قد يعلم الله المعوِّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمَّ إلينا ولا يأتون البأس إلاَّ قليلاً * أشحَّة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحَّة على الخير).
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة :(وهذا السلق بالألسنة الحادَّة ، يكون بوجوه :
تارة يقول المنافقون للمؤمنين : هذا الذي جرى علينا بشؤمكم ؛ فإنَّكم أنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين ، وقاتلتم عليه ، وخالفتموهم ؛ فإنَّ هذه مقالة المنافقين للمؤمنين من الصحابة .(/2)
وتارة يقولون : أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا ، والثبات بهذا الثغر إلى هذا الوقت ، وإلاَّ فلو كنَّا سافرنا قبل هذا لما أصابنا هذا .
وتارة يقولون ـ أنتم مع قلَّتكم وضعفكم ـ تريدون أن تكسروا عدوَّكم ، وقد غرَّكم دينكم ، كما قال تعالى :( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرَّ هؤلاء دينهم ومن يتوكَّل على الله فإنَّ الله عزيز حكيم).
وتارة يقولون : أنتم مجانين ، لا عقل لكم ، تريدون أن تهلكوا أنفسكم والناس معكم .
وتارة يقولون أنواعاً من الكلام المؤذي الشديد . وهم مع ذلك أشحَّة على الخير ، أي حرَّاص على الغنيمة والمال الذي قد حصل لكم ) ا.هـ
والعجب من هؤلاء المغتابين الهمَّازين للمجاهدين أنَّهم حين يتكلَّمون عن المخالفين لشرع الله ، أو الكفَّار عموماً حتَّى المحاربين منهم فإنَّك تجدهم يتوقَّون أشدَّ التوقي للكلمات التي لا تثيرهم عليهم ولا تستفزُّهم ؛ ويطالبون الناس بالعدل معهم ، وإنصافهم ؛ خشية إثارة مشاعرهم بل يجادلون عنهم ، مع أنَّ الله ـ سبحانه ـ يقول:( ولا تكن للخائنين خصيماً * واستغفر الله إنَّ الله كان غفوراً رحيماً * ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إنَّ الله لا يحبُّ من كان خوَّاناً أثيماً) ويقول ـ تعالى ـ محذِّراً من مغبَّة فعل:( هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أمَّن يكون عليهم وكيلاً)
وفي مقابل ذلك تجد الكلمات التي يقتبسوها من قاموس المجرمين ليطلقوها ويلصقوها بالمجاهدين ، وفي حال سماعهم إشاعة عن مجاهد أو اتهاماً له سارعوا بإذاعة ذلك بكل وسيلة ممكنة ، وكأنَّ لحومهم مسموح لها التعرُّض بالقيل والقال ، فهل هذا عدل وإنصاف؟!
(إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم).
ويعجبني في هذا الصدد كلام للمفكِّر الإسلامي منير شفيق حيث كتب مقالاً طيِّباً دفاعاً وذبَّاً عن أعراض المجاهدين قائلاً :(وتسمع بعضهم يتَّهمون المجاهدين في سبيل الله ؛ بأنَّهم يتاجرون باسم الله أو يتاجرون بالإسلام ، ويقصدون القول إنَّ الاستناد إلى الإسلام في مواجهة أمور الدنيا بما فيها أمور السياسة والاقتصاد متاجرة في الدين ، وهذه تهمة لا يوجِّهونها للذين يرفعون شعارات الوطنيَّة والقوميَّة والاشتراكيَّة ، فهؤلاء لا يسمون متاجرين بالوطنية والقومية والاشتراكية ، على اعتبار أنَّهم منزهون عن الغرض الخاص أو الحزبي حين يرفعون تلك الشعارات وكذلك الأمر بالنسبة إلى كل تلك العبارات التي يتملَّقون بها الناس فهذه كلُّها ليست متاجرة بالمبادئ والدين ، أمَّا إذا اغتسل مؤمن وتوضَّاً وصلَّى ، ولبس كفنه ليجاهد في سبيل الله لا يطلب من حطام الدنيا شيئاً فهو متاجر بالدين .
أمَّا بعض الحكَّام الذين يحرصون على أن تؤخذ لهم الصور ساجدين ، أو يظهرون في التلفزة وهم يؤدُّون الصلاة وأكثرهم لا يقومون لها إلاَّ وقت التقاط الصور ، فهؤلاء لا يتاجرون بالدين . وبالمناسبة إنَّ الجهاد في سبيل الله تجارة حقَّاً ولكنَّها تجارة تباع فيها الدنيا لتشترى الآخرة ، وهذه تختلف عن المتاجرة بالدين للكسب في الدنيا )
نعم ! إنَّي لا أنكر أنَّه يتوجَّبُ علينا أن نكون متحرِّين لنقاوة الجهاد ، وناصحين لإخواننا المجاهدين في كل صقع محتل من أصقاع المسلمين ، بألاَّ يصيب جهادهم خلل ولا خطل ولا دخل، ولكن لا يكون ذلك إلاَّ بالأساليب الطيِّبة النافعة ، والتي لا تستغلُّها الوسائل الإعلاميَّة للقدح فيهم ، وتشويه صورتهم .
ونحن نعلم قصَّة قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام ، واستغلال الكفَّار للإساءة للمؤمنين بذلك ، ولكنَّ الله تعالى علَّم المؤمنين أن يقرِّوا بما وقعوا فيه من خلل ، ويحذروا ذلك في المستقبل ، كما قال تعالى:(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) ولكنَّ ذلك الرد عليهم من قِبَلِه ـ سبحانه ـ متَّسم بالأسلوب القرآني الراقي في العتاب وتبيين الصواب ، بلا شتيمة أو إسفاف .
وقبل الختام :
فقد أجمع علماء الإسلام على حرمة الغيبة والسخرية بالمسلمين ، وعدُّوها من كبائر الذنوب ، و على هذا فإنَّه يجدر بنا أن يكون لدينا دور تجاه الذَّب عن أعراض المجاهدين قدر الإمكان ، فإنَّهم قوم خرجوا بمالهم وأنفسهم لا يبتغون إلاَّ ما عند الله عزَّ وجلَّ من الأجر العظيم ، والثواب الجزيل، بل هم حرَّاس الدين وحماته في هذا الزمان وفي كل زمان ، فكيف يليق بنا أن نقدح فيهم وهم الذين كان لهم الدور الكبير في صدِّ عدوان المعتدين ؟!
لهذا فإنَّ اللاَّمزين للمجاهدين والقادحين فيهم ، لا يقال لهم إلاَّ ما قاله الشاعر العربي الأوَّل:
أقلُّوا عليهم لا أبا لأبيكم *** من اللوم أو سدُّوا المكان الذي سدُّوا(/3)
لقد وصف رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ المجاهدين بالخيرية فقال:( خير الناس في الفتنة رجل معتزل في ماله يعبد ربَّه ويؤدي حقه ، ورجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله يخيفهم ويخيفونه) ؛ بل جعل رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ من صفات الطائفة المنصورة طائفة مجاهدة في سبيل الله في عدد من الأحاديث النبويَّة ساق الإمام مسلم فيها ثلاثة أحاديث .
ولنتذكر إنجازات المقاومة الإسلاميَّة في تحقيق المناعة للأمَّة ، بمواردها واقتصادها وسيادتها ، وكيف أنَّهم قاموا بمنع أفكار التمدُّد ـ أو تأخيرها على الأقل ـ في الغزو الصهيوصليبي لديار المسلمين وأراضيهم ، وعلى سبيل المثال : فنحن لا ننسى كيف كان اليهود يقولون : أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ، وهم يتمنَّون إقامة أرض إسرائيل الكبرى ، بيد أنَّهم حين رأوا قوَّة المقاومة في فلسطين ، وإضعافهم لقوَّتهم ، بدؤوا يضعون الحواجز والجدار العازل بينهم وبين الفلسطينيين ، وينادون كذلك بأهميَّة تحديد وترسيم حدود إسرائيل ، وهذا لم يتأتَّى إلاَّ بفعل ضربات المقاومة الجهاديَّة في أرض فلسطين .
إنَّها دعوة لنستشعر الأحاديث النبويَّة الواردة في ثواب من ذبَّ عن عرض أخيه المسلم ؛ فعن أسماء بنت يزيد ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(من ذبَّ عن عرض أخيه بالغيبة ، كان حقَّاً على الله أن يعتقه من النار ) ، وعن جابر بن عبد الله وأبي طلحة ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته ، وينتقص فيه من عرضه ؛ إلاَّ خذله الله في موطن يحب نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته ، إلاَّ نصره الله في موطن يحب نصرته)
وأخيراً : فإنَّ على المجاهدين أن يكون لديهم رحابة في الصدر لمن ينقد بعض أعمالهم ، ولو قسوا في ذلك ، ولا يكون لديهم حساسية تجاه هذا الأمر ، بل يستمعوا لكلِّ ناصح وناقد ، ولو اعتدوا في نقدهم ، فليأخذوا ما وجدوه موافقاً للحقِّ في ذلك ، وينتهوا عنه ، ويتركوا سخرية المستهزئين، والله الموعد لكلِّ من تربَّص ، وكذلك فليحذروا من المخترقين للمقاومة ، أو المتسلِّلين لها لتشويه صورتها ، فإنَّ ذلك أمر لا تخفى أهميَّته على كلِّ مجاهد.ويوم القيامة ينتظر الجميع وليس عنه مفر ، ليحيا من حيَّ عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بيِّنة ، وكفى بربِّك هادياً ونصيراً، وإذا كانت لحوم العلماء مسمومة ، فإنَّ لحوم المجاهدين كذلك مسمومة فإنَّ هذا العصر عصر الجهاد والمقاومة وهو في أعلى مراتب الأولويات !!
) تنبيه مهم : ينبغي أن يفهم من مقالي هذا بأنَّه دفاع عن المجاهدين والمقاومة الإسلاميَّة في أراضي الجهاد الحقيقيَّة فحسب، كفلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان والصومال ، وغيرها من الأراضي الإسلاميَّة المحتلَّة ، وأمَّا عن العمليَّات المسلَّحة التي تقوم بها الجماعات المسلَّحة في بعض البلاد الإسلاميَّة ، فإنَّ مقالي لا يتطرَّق لها ولا يقصدها ، وذلك لأنَّ هذه الأعمال تنقصها الضوابط الشرعيَّة ، التي نبَّه عليها كثير من العلماء ، وكان الأولى بهم أن يجنِّبوا بلادهم هذه الأعمال غير المشروعة، جمعاً للصفوف ، وتركيزاً لجهود المقاومة ـ سائلاً المولى للجميع الهداية والتوفيق ـ
) أخرجه البخاري (3/391 فتح الباري).
) مجموع الفتاوى (28/255)
) أخرجه أحمد( 2/12،27) وأبو داود ، كتاب الطهارة : باب ما ينجس الماء رقم (63)
وصححه : أحمد ، والشافعي ، وابن معين ، وابن منده ، وعبد الحق الإشبيلي، وابن الملقن ، وغيرهم ، وقال النووي : ( وهو صحيح ، صححه الحفاظ) .
) أخرجه أحمد ( 6/181) وأبو داود ( 5/ 437) والنسائي في الكبرى ( 4/310-311( ، والحديث متكلَّم فيه عند أهل الحديث، وانظر: السلسلة الصحيحة (2/231)
) مجموع الفتاوى :( 28/ 457ـ458)
) الأستاذ المفكر منير شفيق ، عربي فلسطيني ، كان نصرانياً ثمَّ اشتراكياً ، ثمَّ أسلم وحسن إسلامه ، و له كتابات تناصر الصحوة الإسلاميَّة ، فنسأل الله لنا وله الثبات .
) مقطع من كتابه : ردود على أطروحات علمانية :34ـ35.
) أخرجه أحمد(6/419).
) أخرجه أحمد (6/461) وصححه الألباني في صحيح الجامع .
أخرجه أبو داود (4/271) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(/4)
ماضي البصيرة واضح المنهاج عمر الحبر يوسف*
عنوان هذه الكلمة عجز بيت لجرير بن عطية الخطفي يمدح فيه الحجاج بن يوسف الثقفي , و تمام البيت :
مثل هذا الكلام يعد من أحسن المدح , إذ أنه لا يجنح إلى مبالغة لا يقبلها عقل , فمضاء البصيرة و وضوح المنهج –أياً كان هذا المنهج – ليست بالصفات التي يتعذر وجودها في بني الإنسان , و بالمقابل فإن أقبح المدح ما مال إلى شطط و غلوّ , فكان على شاكلة :
كذلك يقبح في المدح مخالفته لحال الممدوح , فأحسن المدح ما كان صادقاً في الوصف موافقاً للحال . و أنا لا أزعم أن هذا الرأي مذهب من مذاهب النقاد في فن المديح لكنه بلا ريب الإتجاه النقدي في هذه المسألة برؤية إسلامية , و مما يؤكد هذا و يعضده أن الفاروق رضي الله عنه استدل على شاعرية زهير بن ابي سلمى بأنه " لا يعاظل بين الكلام و لا يتبع حوشيه و لا يمدح الرجل إلا بما فيه " .
أعود إلى بيت الشعر و أقول أن جريراً قد أصاب المفصل – كما تقول العرب – في منهجية العمل الإسلامي , و كأني به قد نظر إلى قوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) , و لئن كانت هذه الآية من سورة الأنعام التي يقول فيها الله عز و جل : ( قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ) قد حددت ميدان العمل الإسلامي و غاياته , فجعلت غايته مرضاة الله عز و جل و ميدانه الحياة بأسرها , فإن الآية من سورة يوسف
( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) قد بينت الطريق الذي ينبغي أن يسير عليه العمل الإسلامي و هو منهج الدعوة إلى الله , الواضح السمات البيّن القسمات الذي يقوم على بصيرة ماضية حدّاء , و البصيرة في لسان العرب من الكلمات الجوامع شأنها في ذلك شأن (البر) الجامع لمعاني الصدق و الطاعة و الخير و الصلاح . فالبصيرة هي اليقين و الهدى كما أنها الحجة و الحكمة و الفطنة . و الناظر في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة و أتم التسليم و في أخبار أئمة السلف عليهم الرضوان يجد أن الآيتين الكريمتين المذكورتين آنفاً قد تنزلتا واقعاً يحياه الناس و يعيشونه , فلم يكن بمستغرب أن تخرج تلك الحياة – و أكرم بها من حياة – عن قريب أناساً ملئوا الدنيا رحمة و هداية و عدلاً و علماً و إحساناً و فضلا ً .
و ما كان لهم أن يبلغوا ذلك كله لولا اتباعهم لمنهج مستبصر موصول بالله تعالى و ما تأخرنا نحن اليوم و لا تقدم غيرنا إلا لأننا ابتعدنا عن ذلك المنهج لتتحقق فينا سنة الله سبحانه في خلقه و لن تجد لسنة الله تبديلا .
و لقد آن لهذه الأمة المسلمة أن تختار أحد طريقين :
طريق الإستقلالية و العزة و سعادة الدارين , أو طريق التبعية و الذلة الذي أودى بأمتنا إلى أن تعيش حالة اللا تواصل و الا إلحاق – كما يسميها بعض المفكرين – فانقطعت عن تاريخها و حضارتها , و لم تلحق بتقدم الغرب الدنيوي و ماديته , و ليس سبيل للخروج من هذه الحالة إلا بصحوة إسلامية جادة تنتظم كافة مناحي الحياة في الدعوة و الفكر و في السياسة و الإقتصاد و الإجتماع تلتزم في ذلك كله منهج الإسلام المستبصر الذي لا يضيّق واسعاً و لا يضيّع حقاً واجباً.
و هذه الصحوة المنشودة لن تقوم بها جماعة من الجماعات الإسلامية منفردة – مهما بلغت قوتها و عظم تأثيرها – فهي تحتاج إلى جهد كل من يحمل همّ العمل للإسلام لذلك لا بد من تعاون – و لا أقول وحدة فقد ملّ الناس شعاراتها و شكلياتها – تعاون على البر و التقوى و الصلاح يقوم على ظن حسن و نصح كريم , تعاون يقوم على برامج عملية , فرجل العقيدة جندي عامل لا فيلسوف مجادل و ثمرة العلم العمل .
و ينبغي أن يكون أكبر هم هذه الصحوة و أولى أولوياتها الحركة وسط المجتمع هداية و رعاية و تثقيفاً و إيجاداً لسبل الكسب و رفعاً لمستوى معاش الناس و لأمر مّا قال الله تعالى :
( فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ) , و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يطعم اللقمة و يعلم الكلمة و يؤمّن الناس إذا فزعوا و يعطي عطاء من لا يخشى الفقر .
و لا يخفى على عاقل ما للعمل الإجتماعي من تأثير في حياة الناس و في توجيه ولاءاتهم , لذلك لا بد لأهل الصحوة الإسلامية من أن يتحركوا في الأحياء السكنية بتقديم البرامج الإجتماعية الخدمية التي يقطف الناس فيها ثمرة التعاون و التكافل . و إذا كان بعض الناس يقدمون مثل هذه البرامج طمعاً في مكاسب دنيوية فينبغي لأهل الصحوة الإسلامية أن يؤكدوا للناس بالقول و بالفعل و بكل وضوح و صدق أن هذا الأمر من صميم الإسلام و أن الدافع إليه هو واجب الإخاء و التراحم حتى يعلم الناس ما في ديننا من خير .(/1)
و من المنهج المستبصر اتباع أسلوب التقويم لا الهدم في تغيير المنكر , و الإسلام قد أبقى على بعض أعراف الجاهلية و أخلاقها , و النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) و لم يقل بأن الجاهلية كانت شراً محضاً , بل إنه صلى الله عليه و سلم استحسن بعض أفعال الجاهليين كحلف الفضول الذي اثنى عليه الثناء كله و أخبر أنه لو دعي إلى مثله في الإسلام لأجاب .
و النهج الصحيح في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يقوم على قواعد من الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن و الله عز و جل يقول : ( و قولوا للناس حسنا ) بهذا الإطلاق , لأن هذا هو الأصل و ما سواه من الجهر بالسوء من القول –الذي لا يحبه الله-
فعارض طارىء .
و قد سمعت بعضهم يتحدث عن طائفة من المسلمين يراها في ظلمات من الضلال بعضها فوق بعض فتأملت في وجهه و تألمت لحال الأمة – كما فعل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مع السائل المتكلف – إذ كان الرجل فظاً غليظ القلب فاجراً في الخصومة مال إلى سباب لم يسلم منه حي و لا ميت , و هؤلاء الذين سبّهم لهم في نفوس أتباعهم محبة عظيمة و تقدير جمّ , ثم الرجل يرجو بعد استجابة أولئك الأتباع له !!
و الله عز و جل يقول : ( و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) , إذا كان هذا هو الحال مع عبدة الأوثان فكيف يكون مع مسلمين نرى فيهم انحرافاً و ضلالاً ؟!
الداعية إلى الله حقاً و صدقاً آسٍ يريد العلاج لا خصم غايته الحجاج , و إن الحرص على هداية الناس يحتم عليه أن يدعوهم بالحسنى و بالرفق و للين و أن يجتهد في ذلك الإجتهاد كله , فإن أصروا و استكبروا استكباراً فلن يكون أحرص على هداية الناس من نوح عليه السلام !!
و من المنهج المستبصر في الدعوة إلى الله أن يحدّث الناس بما يعرفون و باللغة التي يفهمون , و أن يبتعد الدعاة عن أساليب التكلف و محاولات ( التعالم ) الأجوف . إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول لأقوام : ( ليس من أمبر أمصيام في أمسفر ) – بإبدال اللام ميماً – و يقول لآخرين : ( اليد المنطية خير من اليد المنطاة ) – بإبدال العين نوناً – لأن هذه و تلك هي الطريقة التي يتحدث بها هؤلاء و أولئك و إنما الغاية هي الإرشاد و الهداية .
أما السياسة عند أهل الصحوة الإسلامية فلا شك أنها من الدين لا تنفصل عنه و لا تنفصم , غايتهم فيها – و بها يتميزون - : ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) , لا يعارضون حباً في معارضة و لا يصالحون من أجل المصالحة , المسيء عندهم مسيء حكم أم لم يحكم و المحسن كذلك .
و هم في ميدان العمل السياسي قوم أهل مبادرة , لا ينتظرون وقوع الحدث ليعلقوا عليه بل هم من يصنع الحدث الذي لن يكون إلا معروفاً أو إصلاحاً بين الناس , و هم عندما ينادون بتطبيق شرع الله و يطالبون حكام المسلمين بذلك يتبعون منهجاً مستبصراً عبر عنه د. جعفر شيخ إدريس بقوله : " إن النهج السليم أن نرحّب بكل خطوة خير – ولو كانت من كافر – و أن نطالب كل فاعل خير بالمزيد حتى يدخل في شرائع الإسلام جميعاً . إنه من المشادة الفكرية للدين أن يرفع شعار إمّا الإسلام كله و إمّا تركه كله , و إنه من المشادة العملية للدين أن يحاول أقوام تطبيق هذا الشعر و جعله سلوكاً عملياً و إنهم لمغلوبون إن هم فعلوا ذلك و لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه " .
الله نسأل أن يوفق لما فيه الخير و الرشاد , و أن يهيىء لهذه الأمة صحوة إسلامية ماضية البصيرة واضحة المنهج .(/2)
مال المرأة لها ما لم تتنازل عنه
السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم سؤالي هو: والدي مقيم مع جدي فيما يسمي نظام العائلة باع والدي مصوغات والدتي و اشتري بها قطعة أرض و كتبها جدي باسم والدي و جدي ساعد و الدي بملبغ بسيط من المال فيها. فما رأي الدين في هذا ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
المصوغات و سائر الأثمان و الأعيان المنقولة و غير المنقولة التي تمتلكها المرأة من كسبها أو ممّا ورثته أو أهدي إليها ، أو قبضته صداقاً من بعلها ، ملكٌ لها لا يجوز لأحدٍ التصرُّف فيه إلاّ بإذنها ، و لا عبرةَ بعُرفٍ يخالف الشريعة في التمليك أو غيره .
و عليه فإن الأرض التي اشتريَت بالصورة المذكورة في السؤال ملك مشتركة بين دافعي ثمنها و هما والدة السائل و جدّه ، و ليس لأبيه حقّ فيها إلاّ ما دَفَع ثمنه أو أُهدِيَ إليه عن طيب نفس من مالكه .
أمّا كونه مكتوباً في السجّلات الرسميّة و سندات التمليك باسم الأب فلا يجعله ذلك مالكاً للأرض ، و لزوجته الرجوع عليه بحقّها ، و مطالبته به متى شاءت ، ما لم تبعه أو تهبه ، و الله أعلَم .
و الحمد لله ربّ العالمين .(/1)
مال المرأة وحق الرجل فيه
ـ إن مسألة الذمة المالية للزوجة مسألة كثر فيها الكلام، وباتت مسألة شائكة تسبب كثيرًا من المشاكل وتقع كأي مسألة بين إفراط وتفريط، فهناك صنف من الأزواج ينظر إلى زوجته على أنها بقرة حلوب تدر مبالغ من الأموال إلى خزانتها العامة، دون أن يكون للزوجة أدنى حق في مالها التي اكتسبته يداها ومن تعبها وعرقها، وينتظرها كل شهر ليأخذ منها راتبها دون شفقة أو رحمة، وإلا فالويل ثم الويل لها.
ـ وهناك صنف من النساء يخرج يوميًا ما لا يقل عن عشرة ساعات، وتقصر في خدمة زوجها وبالتالي في الرعاية المستحقة لأبنائها وتعود وقد سئلت حقيبة بمال كثير نظير هذا العمل، ولا ترى لزوجها ولا لأولادها أي حق في مالها الخاص، بل يجب على الزوج النفقة عليها وعلى أولادها بلا أي تقصير، بل أحيانًا يتعدى الأمر ذلك وتكلفه ما لا يطيق، فيعيش مهمومًا فقيرًا ورفيق الدرب عُني بكنز أمواله.
ـ وفي الغالب فإن الرجل الكريم القادر لا يطلب من زوجته مالاً ينفق منه على البيت، وكذلك فإن المرأة الكريمة القادرة لا تنتظر تنبيهًا من أحد يدفعها أن تساهم في نفقات الأسرة، لأن هذا الكيان المشترك الذي يتكون من الأب والأم والأطفال صغروا أو كبروا مسئولية مشتركة تقوم فيها المرأة بالدور الأكبر في الرعاية والتربية وتساعد ببعض المال بحسب الظروف والأموال، مع أن الأصل الذي نميل إليه هو أن الرجل هو المسئول عن الإنفاق بشكل كامل على قدر دخله، ولو كانت زوجته ذات مال.
ـ وهناك مسألة يجب التنبيه إليها وهي أنه ليس للرجل أي حق في مال المرأة الذي ورثته، أو وصل إليها بصورة لا تضر بالبيت أو الأولاد كالتجارة تمارسها في بيتها، أو إيجار بيوت أو عقارات، أما راتبها من العمل فمسألة أخرى اختلف فيها الفقهاء: فمنهم من قاسها على الأصل السابق بما لا يجعل الرجل فيه حقًا، ومنهم من رأى فيها مسألة مستحدثة تستقطع فيها المرأة جزء من الوقت المخصص أصلاً لرعاية البيت، لتقوم بأداء هذا العمل مما يترتب عليها حقًا ما نظير خروجها هذا.
ـ والأمر المهم أننا عندما نناقش الأمور الزوجية يجب ألا نغفل عن الأصل القرآني وأن هذه العلاقة المقدسة وإن كان يحكمها ويضبطها الحدود الشرعية والواجبات ويجب ألا ننسى الفضل في هذه العلاقة كما في قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] وإن كانت المرأة وهبت للرجل أعز ما تملك ووهبت له زهرة شبابها فهل تبخل عليه بدريهمات، وكذلك الرجل, فقد ضحى بالغالي والنفيس حتى يتمكن من الزواج والإنفاق على زوجته وأولاده, فلم يبق له شيء، فهل يطمع في دريهمات من مال زوجته تعبت في الحصول عليه.
ـ إذًا فإن الأصل في إدارة شئون الأسرة سواء في الاقتصاديات أو غير ذلك، إنما يقوم على الثقة والفضل، وفي إطار هذه الثقة وهذا الفضل نتوقع من الزوجة أن تساهم بقدر معقول تقدره هي حسب ظروف البلد وحسب احتياجاتها الأخرى التي تقوم بقضائها من ملبس وغيره بالاتفاق مع الزوج، وإن كانت غير ملزمة شرعًا بذلك والله أعلم.
ـ وأفضل ما تنفقه الزوجة، بل خير الإنفاق على العموم، هو إنفاق الزوجة على زوجها، إن هذا من باب التراضي بين الزوجين، ودفعها إلى مزيد من الترابط، شرط أن يكون ذلك عن طيب نفس منها، ولا تنسى أن ذلك كان موقف ا لسيدة خديجة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثته حيث يقول: [وواستني بمالها].
وهذه الطريقة من الإنفاق بالتراضي تعمر البيت المسلم، أما سلب مال الزوجة دون رغبتها فهو يخربه، أو تجعلها مغبونة وهو ما لا يرضاه الله عز وجل.
وفصل الخطاب في هذا الأمر يتضح من خلال النقاط التالية:
1] أن مسئولية الإنفاق على الزوجة والأبناء تقع على الرجل وهي القوامة.
2] أن للزوجة ذمة مالية خاصة بها، ولا يجوز للزوج ولا لغيره أخذ شيء منها إلا برضاها.
3] أن الحياة الزوجية السعيدة مبنية على الفضل والتنازل وليست على الصراع والسيطرة والأنانية.
4] أن أفضل النفقة والقربة إلى الله عز وجل هي نفقة الرجل على زوجته وعياله وكذلك الحال بالنسبة للمرأة.
5] في حالة يسر الرجل فالأولى له ترك مال الزوجة للزوجة، فهذا أفضل القوامة عليها وأسكن لنفسها.
6] الإنفاق بين الرجل والمرأة والتفاهم العاقل يحل كثيرًا من هذه المشاكل، فمثلاً يتفقا على قدر معين من المشاركة، ويقول بعد ذلك جزء للمرأة تتصرف فيه كما تشاء، وهذا بالطبع ليس إلزامًا ولكنه يكون عن تراض منها.
7] أن هناك فرقًا بين الميراث أو المال الذي يخص المرأة بصورة ليس للرجل أي دخل فيها، وصورة عمل المرأة الذي يمكن أن ينقص من حقوق الرجل، فالكلام والنقاش في هذا وليس من أي مال للمرأة.
8] أن خروج المرأة للعمل لا بد وأن يصاحبه تقصير في حق الزوج، على المرأة أن تعوضه بالمشاركة في المنزل.(/1)
مالك يعظ بعض الخلفاء
أ.د/محمد أديب الصالح
رئيس تحرير مجلة حضارة الإسلام
كتب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه إلى بعض الخلفاء كتاباً جاء فيه:
"اعلم أن الله تعالى قد خصَّك من موعظتي، إياك بما نصحتك به قديماً وأتيت لك فيه ما أرجو أن يكون الله تعالى جعله لك سعادة وأمراً جعل به سبيلك إلى الجنة. فلتكن - رحمنا الله وإياك - بما كتبت إليك مع القيام بأمر الله وما استرعاك الله في رعيته، فإنك المسؤول عنهم صغيرهم وكبيرهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، وروي في بعض الحديث أنه يؤتى بالوالي ويده مغلولة إلى عنقه فلا يفك عنه إلا العدل.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول:
"والله إن هلكت سخلة بشط الفرات ضياعاً لكنت أرى الله سائلاً عنها عمر". وحجَّ عشر سنين وبلغني أنه كان ما ينفق في حجه إلا اثني عشر ديناراً. وكان ينزل في ظل الشجرة ويحمل على عنقه الدرة ويدور في الأسواق يسأل عن أحوال من حضره وغاب عنه. وبلغني أنه وقت أصيب حضر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه، فقال: المغرور من غررتموه، لو أن ما على الأرض ذهباً لافتديت به من أهوال المطلع، فعمر رحمه الله تعالى كان مسدداً موفقاً مع ما قد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ثم مع هذا خائف لما تقلد من أمور المسلمين فكيف من قد علمت.
فعليك بما يقي بك من الله إلى الله وينجيك منه غداً، واحذر يوماً لا ينجيك فيه إلا عملك. ويكون لك أسوة بما قد مضى من سلفك، وعليك بتقوى الله، فقدمها حيث هممت، وتطلع فيما كتبت به إليه في أوقاتك كلها وخذ به نفسك فتعاهدها في الأخذ به والتأديب عليه واسأل الله التوفيق والرشاد إن شاء الله تعالى.
*مجلة حضارة الإسلام –السنة 10- العدد 2 –ربيع الثاني 1389هـ /تموز 1969م(/1)
ماهية الدعوة وأخلاق الدعاة
يتناول الدرس الأمور التي يجب أن تنطلق منها الدعوة إلى الله ، والأخلاق التي ينبغي أن يتصف بها الدعاة إلى الله في طريق دعوتهم من إخلاص وبصيرة وحلم وعلم ورفق .
بيان الأمر الذي يدعى إليه: الشيء الذي يدعى إليه , ويجب على الدعاة أن يوضحوه هو الدعوة إلى صراط الله المستقيم، وهو دين الله الحق , قال سبحانه: [ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ......[125][ سورة النحل] , فسبيل الله هو الإسلام، وهو دين الله؛ فهو:
1- عبادة وقيادة , يكون عابدًا وقائدًا للجيش.
2- عبادة وحكم , ويكون عابدًا ومصليًا صائمًا، ويكون حاكمًا بشرع الله منفذًا لأحكامه.
3- عبادة وجهاد, ويدعو إلى الله , ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله.
4- مصحف وسيف , يتأمل القرآن ويتدبره , وينفذ أحكامه بالقوة ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه.
5- سياسة واجتماع , فهو يدعو إلى الأخوة الإيمانية والجمع بين المسلمين كما قال جل وعلا : ] وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ....[103][ سورة آل عمران ؛ فدين الله يدعو إلى السياسة الصالحة الحكيمة التي تجمع ولا تفرق.
6- يدعو إلى أداء الأمانة , والحكم بالشريعة , وترك الحكم بغير ما أنزل الله؛ كما قال الله تعالى: ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ .....[58][ سورة النساء .
7- وهو أيضًا سياسة واقتصاد, فهو يدعو إلى الاقتصاد الشرعي المتوسط؛ ليس رأسماليًا غاشمًا، وليس اقتصادياً شيوعيًا إلحاديًا؛ بل هو وسط بين الاقتصاديين.
8- كما أنه سياسة وعبادة وجهاد.
9- والدين يدعو إلى الأخوة الإيمانية من النصح لله والعبادة ، وإلى احترام المسلم لأخيه ؛ لا غلّ، ولا حسد، ولا غشّ، ولا خيانة؛ كما قال جل وعلا: ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ......[71][ سورة التوبة ، وقال : ] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ .....[10][ سورة الحجرات ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: [ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ] أخرجه السبعة من حديث أبي هريرة.
أخلاق الدعاة:
أخلاق الدعاة وصفاتهم أوضحها الله في آيات كثيرة فمنها :
أولاً: الإخلاص ، فيجب على الداعية أن يكون مخلصًا له عز وجل؛ لا يريد رياء ولا سمعة؛ كما قال سبحانه: ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ......[108] [سورة يوسف ، وقال عز وجل ] وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [33][ سورة فصلت .
ثانيًا: أن يكون على بيّنة في دعوته , أي على علم ؛ قال عز وجل: ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ .......[108][ سورة يوسف .
ثالثًا: أن يكون حليمًا رقيقًا متحملاً صبورًا , قال عز وجل : ] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ......[125][ سورة يوسف ، وقوله سبحانه وتعالى: ] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ......[159][ سورة آل عمران , وقوله في قصة موسى وهارون: ] فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[44][ سورة طه .
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي اله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: [اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ] أخرجه مسلم وأحمد.
فعليك يا عبد الله أن ترفق في دعوتك ، ولا تشق على الناس ، ولا تنفرهم من الدين ، ولا تنفرهم بغلظتك ولا بجهلك ولا بأسلوبك العنيف المؤذي الضار.
عليك أن تكون حليمًا صبورًا سلس القيادة، ليّن الكلام؛ حتى تؤثر في قلب أخيك.(/1)
رابعًا: يجب على الداعية أن يعمل بدعوته , وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه؛ ليس من يدعو إلى شيء ثم يتركه أو ينهى عنه ثم يرتكبه ، قال الله عز وجل : ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[2]كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[3][ سورة الصف ، وقال سبحانه موبّخًا اليهود على أمرهم الناس بالبر ونسيان أنفسهم: ] أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[44][ سورة آل عمران ، وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ] متفق عليه.
من كتاب وجوب الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة….. للعلامة عبد العزيز بن ب(/2)
مايجب على المرأة في العدة
السؤال :
توفي زوجي قبل فترة و أنا أقيم في بلاد الغربة ، فما الذي يجب علي في العدة غير القرار في البيت ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
قد جرت عادت الناس في بلادنا و غيرها على التشديد على المرأة المتوفى عنها زوجها و التيسير على المطلقة في العدة ، و هذا أمر مناف لما جاء به الشرع الحنيف الذي لم يفرق بين أحكام العدة الواجبة بسبب الطلاق أو الوفاة ، بل هما سواء في ما يجب على المرأة فيهما ، اللهم إلا في المدة التي تمكثها المرأة بعد مفارقة الزوج .
و من العجب أن يُفتى للمرأة المعتدة من وفاة زوجها بتحريم خروجها من البيت ، أو الاختلاط بالرجال ، أو السفور أمام غير المحارم باعتبار ذلك من محرمات الحداد على الزوج أثناء العدة .
و ليس العجب في تحريم هذه الأمور و ما شابهها على المرأة المسلمة ، و لكن العجب العجاب في قصر التحريم على فترة العدة ، وكأن السفور و الاختلاط و ما إليهما حلٌ لا بأس به إلا في العدة ، و هذا من التقول على الله بغير علم ، بل من العبث الذي تنزه عنه الشريعة الغراء ، و ينبغي أن يتنبه له أعلامُ الموقعين عن ربِّ العالمين .
و الحق أن يقال : إن الواجب على المرأة في العدة من حيث اللباس و الحشمة و مجانبة الرجال و تحاشي الاختلاط بهم و الخروج من بيتها لغير الضرورة هو عينه الواجب على بنات جنسها العُمرَ كُلَّه ، لا فرق في ذلك بين معتدة وغير معتدة ، و يضاف إلى ذلك على المعتدة خاصَّةً تحريم الخطبة و النكاح و التزيُّن في جسمها و ملبسها حتى تنقضي عدتها لما رواه مسلم و أحمد وغيرهما ، عن أم عطية رضي الله عنها ، قالت : ( كُنَّا نُنْهَىَ أَنْ نُحِدَّ عَلَىَ مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ ، إِلاَّ عَلَىَ زَوْجٍ ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ و عَشْراً ، و لاَ نَكْتَحِلُ ، و لاَ نَتَطَيَّبُ ، و لاَ نَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً ، و قَدْ رُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي طُهْرِهَا ، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا ، فِي نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ و أَظْفَارٍ ) .
و المراد في هذا الحديث واضح لمن تدبره ، و جماع ما فيه نهي المرأة عن التزين أثناء عدَّتها ، باستثناء ما لا بد منه للمرأة إذا انقضت حيضتها ، فإنها تحتاج لتتبع الأذى و رفع أثره ، و لذلك رخص لها في القدر اليسير من القسط و الأظفار ، و هما نوعان من البخور يتخذان لغير التطيُّب كما قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم .
أما ما سوى ذلك من أحكام الاختلاط و خروج المرأة لغير حاجة و الحجاب و ستر الوجه ( عند من أوجبه ) و نحو ذلك ، فالنساء فيه سواء ، المعتدة و غير المعتدة ، و لا فرق في حكم شيء من ذلك بين فترة الحداد و غيرها .
هذا ، و الله أعلم و أحكم ، و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و آله و صحبه و سلَّم .(/1)
مبادئ الحكم التي سار عليها نظام الحكم
في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والخلفاء الراشدين من بعده
1- سيادة القانون الإلهي: يعني خضوع الناس جميعاً لحكم الله تعالى، فلا حكم إلا لله.
2- العدل بين الناس: فهم متساوون في جميع أحكام الشرع من حيث : إقامة الحدود ، والفرائض ، والحلال والحرام.
3- المساواة بين المسلمين:لا فضل لعنصر، أو لون أو لغة على آخر، وتفاضلهم عند الله بالتقوى .
4- مسئولية الحكومة: وضع الرجل المناسب في المكان المناسب حفظاً للأمانات من السلطة والمال الذين هما لله.
5- الشورى: والتشاور يكون بين أهل الحل والعقد من أهل العلم والرأي سواء في تولية الحكم أو غيرها .
6- الطاعة في المعروف: أي أن أمر الحكومة واجب الطاعة ما دام في حدود المعروف، أما المنكر فلا .
7- طلب السلطة ممنوع: أي أنه لا يجوز لأي مسلم أن يطلب السلطة سواء أكانت الخلافة أو ما دونها للأدلة .
8- هدف وجود الدولة: إقامة نظام الحياة الإسلامي : ?الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ? [الحج:41 ]
9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أي أن يكون ذلك حقاً لكل فرد يمارسه في المجتمع لنشر الخير والدعوة إليه ومحاربة المنكر هذا النمط من الحكم هو الذي عرف عند المسلمين (بالخلافة الراشدة) ومعنى ذلك أنه لا يحق إطلاق مثل هذا الوصف على أي نوع من الحكم إلا إذا قام على هذه المبادئ، وإنه عندما ينحرف عنها ، فإنه لا يستحق هذه التسمية .
خصائص الخلافة الراشدة :
1- خلافة انتخابية، ليست بالوراثة ولا بالقسر ولكن بالشورى .
2- حكومة شورى ، يشاور الحاكم أهل الشورى فيما طرأ عليه إن لم يجد له نصاً من كتاب أو سنة .
3- أمانة بيت المال، هو أن يأخذ الحاكم المال بوجهٍ شرعي، ثم لا يضعه إلا في حقه، فهو أمانة لله ولخلقه.
4- توضيح صورة الحكومة للناس عامة، أي بيان الهدف من قيام الحكومة ، وواجب الحاكم والوالي في الإسلام حتى لا يظلم أحد .
5- سيادة القانون، يستوي الحاكم وأدنى رجل في رعيته أمام القانون ، فلا محاباة، ولا مجاملة أمام القضاء .
6- حكومة بلا عصبية ، أي العمل على إذابة العصبية الجنسية والقومية والقبلية ونحوها ، والسلوك مسلك أبي بكر وعمر حيث لم يؤثر أحد من الخليفتين أحداً من أقاربه على غيرهم، كما لم يسلطا أقاربهما على رقاب الناس.
7- روح الديمقراطية: إعطاء الحرية الكاملة للنقد وإبداء الرأي، ومعاشرة، الخلفاء للناس في مناسبات عديدة دون تميز ولا احتجاب .
أ ـ الحاكم يطلب من الرعية التقويم عند الخطأ، والعون عند الإصابة .
ب ـ الحاكم لا يحابي أحداً لشرفه أو جاهه في الحق .
ج ـ الطاعة في المعروف دون المعصية .
د ـ لا يحق للحاكم أخذ أموال الناس بدون حق ، وأن يصرف ما يأخذه بحقه في حقه.
هـ- وصية الحاكم للوالي بتقوى الله ومراقبته ، وأن يكون بالناس رحيماً ، وأن يقبل منهم الظاهر ويكل السرائر إلى الله سبحانه .
و ـ تحذير الحاكم للوالي من ظلم الناس، وأنَّ مهمته إقامة الصلاة بالناس، والقضاء بينهم بالحق، والقسم بينهم بالعدل .
ز ـ التحذير من الاحتجاب عن الناس.
ح ـ دعوة الرعية للاستفادة من العمال والولاة إن كانوا ظلموا أحداً منهم .
من خصائص الدولة الإسلامية الراشدة :
1- أن تأسيسها كان بعهد واعٍ من شعب حر، على أن يكون الوالي خليفة تحت سلطة الله العليا ، وأن يعمل طبق القوانين والأحكام التي أقرها الله في كتابه وأرسل بها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
2- أن تكون الحاكمية في هذه الدولة خالصة لله رب العالمين وحده .
3- أن تتكون الحكومة برأي الشعب، دون أن يكون ذلك الرأي نابعاً من فراغ أو هوى بل مضبوط بضوابط الشرع، وفي إطار القانون الإلهي الذي عاهد كل مؤمن الخضوع له والانصياع ، وهي الضوابط والقوانين التي لا طاقة لهيئة مهما كانت أن تخرج عن نطاقها، إلا عند رفض الإيمان بالله وحلّ عقده، وهذا من الفوارق بين الشورى والديمقراطية .
4- وهي دولة لا يقوم بها ولا يديرها إلا من يؤمن بدساتيرها وقوانينها ويحترم مبادئها ونظرياتها الأساسية .
5- وهي دولة ينصهر فيها كل أفراد الدولة، فهي لم تقم على أساس أسرة أو عصبية أو لون أو جنس، بل قامت على مبدأ هو الإسلام الذي لا يقرُّ فارقاً من تراب أو عرق أو لون ، ومن حق كل مسلم أن ينتمي إليها أينما كان إذا قبل بمبادئها واحترام نظامها.
6- وهي دولة تتبع الأخلاق، وتسيّر الأمور على تقوى الله وخشيته ، والأولوية فيمن يستحق الحكم فيها لمن تفوق في الأخلاق والعلم والكفاءة الذهنية والبدنية، وكل شُعَب هذه الدولة تسير على الأمانة والعدل والصدق والمساواة.(/1)
7- إن هذه الدولة ليست مهمتها قاصرة على رفع السوط في ظهور الناس وإرهابهم باسم حفظ النظام والاستقرار، بل دولة تستعمل كل وسائل السلم لاستئصال الشر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحقيق العدل الاجتماعي، وتنمية الخير والخلق والفضيلة .
8- من الأهداف الأساسية لهذه الدولة الحرص على المساواة بين أفراد الأمة في الحقوق والمنازل والفرص،وعلى تنفيذ القانون وإمضائه، وعلى أن يتعاون الجميع على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان وعلى شعور الجميع بالمسئولية أمام الله سبحانه .
هذه الدولة يقوم نظامها على إيجاد التوازن بين الحاكم والمحكوم، إذ أن هذا النظام لا يعطي الدولة السلطان المطلق على الفرد، بحيث يصير الفرد وكأنه عبد، ولا يعطى العبد كذلك الحرية المطلقة لينطلق في المجتمع فيفسد الحياة على نفسه وعلى الآخرين وإنما لزم الدولة باتباع القانون الأعلى – حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم – والتزام الشورى، كما أعطى الفرد حقوقه الأساسية، ولم يجعل للسلطة يداً على الفرد بدون حق يدان به ، كما أوجب على الفرد طاعة الدولة في حدود المعروف و الشرع .(/2)
مبادئ في العقيدة
تعريف العقيدة:
العقيدة في اللغة: من العَقْد: وهو الرَّبطُ، والإبرامُ، والإحكامُ، والتَّوثُّقُ، والشَّدُّ بقوة، والتماسُك، والمُراصَّةُ، والإثباتُ؛ ومنه اليقين والجزم.
والعقد نقيض الحل، ويقال: عقده يعقده عقداً، ومنه عقدة اليمين والنكاح، قال الله - تبارك و تعالى -: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِ أيْمانِكُمْ ولَكِنْ يُؤَاخذُكُمْ بِما عَقَّدْتُّمُ الأيْمَانَ). (المائدة/89).
والعقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده. والعقيدة في الدين: ما يُقْصَدُ به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل، والجمع: عقائد . وخلاصته: ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به؛ فهو عقيدة، سواءٌ؛ كان حقاً، أو باطلاً.
وفي الإصطلاح: هي الأمور التي يجب أن يُصَدَّقَ بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك. وسمي عقيدة؛ لأن الإنسان يعقد عليه قلبه.
والعقيدة الإسلامية:
هي الإيمان الجازم بالله - تعالى -، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، وأُصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله - تعالى - في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
والعقيدة الإسلامية: إذا أُطلقت؛ فهي عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأنها هي الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة المفضلة؛ من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان.
وللعقيدة الإسلامية أسماء أخرى عند أهل السنة والجماعة، ترادفها وتدل عليها، منها:"التوحيد"،"السنة"،"أصول الدين"،"الفقه الأكبر"،"الشريعة"،"الإيمان".
هذه أشهر إطلاقات أهل السنة على علم العقيدة.
تعريف السلف:
السلف في اللغة: ما مضى وتقدم، يقال: سَلَف الشيء سَلَفاً، أي مضى، والسَّلف: الجماعة المتقدمون، أو القوم المتقدمون في السير.
قال - تعالى -: (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمنْا مِنْهُمْ فَأغْرقْناهُمْ أجْمَعِينَ، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمثَلاً للآخِرِينَ). (الزخرف/55،56). أي؛ جعلناهم سلفاً متقدمين لمن عمل بعملهم، وذلك ليعتبر بهم من بعدهم، وليتعظ بهم الآخرون.
والسلف: (من تقدمك من آبائك وذي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل، ولهذا سُمي الصدر الأول من التابعين؛ السلف الصالح ).
وفي الاصطلاح: إذا أطلق السلف عند علماء الاعتقاد؛ فإنما تدور كل تعريفاتهم حول الصحابة، أو الصحابة والتابعين، أو الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ من الأئمة الأعلام المشهود لهم بالإمامة والفضل واتباع السنة والإمامة فيها، واجتناب البدعة والحذر منها، وممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظيم شأنهم في الدين، ولهذا سمي الصدر الأول بالسلف الصالح. قال الله - تعالى -: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتَبَّعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنينَ نُوَلَّهِ مَا تَوَلَّى ونَصُلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصيراً). (النساء/115).
وقال: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصار والَّذينَ اتَّبَعُوهُم بإحْسانٍ - رضي الله عنهم -ورَضُوا عَنْهُ وأعدَ لَهُمْ جنَّاتٍ تجري تَحتَْها الأنْهارُ خَالِدينَ فيها أبَداً ذلكَ الفَوْزُ العَظيم). (التوبة /100).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]. رواه البخاري ومسلم.
ورسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وصحابته والتابعون لهم بإحسان؛ هم سلف هذه الأمة وكل من يدعو إلى مثل ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وصحابته والتابعون لهم بإحسان؛ فهو على نهج السلف.
والتحديد الزمني ليس شرطاً في ذلك؛ بل الشرط هو موافقة الكتاب والسنة في العقيدة والأحكام والسلوك بفهم السلف؛ فكل من وافق الكتاب والسنة فهو من أتباع السلف، وإن باعد بينه وبينهم المكان والزمان، ومن خالفهم فليس منهم وإن عاش بين ظهرانيهم.
وإمام السلف الصالح؛ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. قال - تعالى -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله والذين مَعَهُ أشدَّاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُم تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتغُونَ فَضْلاً منَ اللهِ ورِضْواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أثرِ السُّجُودِ ذلكَ مَثَلُهُم في التوراةِ ومَثَلُهُم في الإنجيل..). (الفتح/29).
ولهذا كان مرجع السلف الصالح عند التنازع؛ هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما قال - تعالى -: (فَإنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليومِ الآخِرِ ذَلكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تأويلاً). (النساء /59).(/1)
وأفضلُ السَّلف؛ بعد رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الصحابة الذين أخذوا دينهم عنه بصدقٍ وإخلاص، كما وصفهم الله - تعالى - في كتابه العزيز، بقوله: (مِنَ المُؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليهِ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلاً). (الأحزاب/23).
ثم الذين يلونهم من القرون المفضلة الأولى؛ الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
[خيرُ الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم].
ولذا فالصحابة والتابعون؛ أحق بالاتباع من غيرهم، وذلك لصدقهم في إيمانهم، وإخلاصهم في عبادتهم، وهم حراس العقيدة، وحماة الشريعة، العاملون بها؛ قولاً وعملاً، ولذلك اختارهم الله - تعالى - لنشر دينه، وتبليغ سنة نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: [تفترقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملةً؛ كُلهم في النار؛ إلا ملة واحدة] قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: [ما أنا عليه وأصحابي].
ويطلق على كل من اقتدى بالسلف الصالح، وسار على نهجهم في سائر العصور:"سَلَفِيٌّ"نسبة إليهم وتمييزاً بينه وبين من يخالفون منهج السلف ويتبعون غير سبيلهم. قال - تعالى -: (وَمَنْ يُشاقِق الرَّسُولَ مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لهُ الهُدَى وَيَتَبعْ غَيْرَ سبيلِ المؤمنين نُولِّهِ ما تولى ونَصلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءتْ مَصيراً). ولا يسع أي مسلم إلا أن يفتخر بالانتساب إليهم.
ولفظ"السَّلفيَّة"أصبح علماً على طريقة السلف الصالح في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه. وبهذا فإن مفهوم السلفية يطلق على الملتزمين بكتاب الله وما ثبت من سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ التزاماً كاملاً.
تعريف أهل السنة والجماعة:
السنة في اللغة:السنة في اللغة مشتقة من: سَنَّ يَسِنُ، ويَسُنُّ سَّناً فهو مَسْنُون. وسَنَّ الأمرَ: بَيَّنَه. والسنةُ: الطريقة ُ والسيرة، محمودة كانت أم مذمومة.ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
[لتتبعُنَّ سَنَن من كان قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ]. رواه البخاري ومسلم. أي: طريقتهم في الدين والدنيا. وقوله: [من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده؛ من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة...] رواه مسلم، أي سيرة.
السنة في الاصطلاح: الهدي الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه؛ علماً، واعتقاداً، وقولاً، وعملاً، وتقريراً.
وتطلق السنة على سنن العبادات والاعتقادات، ويقابل السنة؛ البدعة.
قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:[فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين]. رواه أبو داود.
الجماعة في اللغة: (مأخوذة من الجمع، وهو ضم الشيء، بتقريب بعضه من بعض، يقال جمعته؛ فاجتمع).ومشتقة من الاجتماع، وهو ضد التفرق، وضد الفرقة. والجماعة: العدد الكثير من الناس، وهي أيضاً طائفة من الناس يجمعها غرض واحد.
الجماعة في الاصطلاح: جماعة المسلمين، وهم سلف هذه الأمة؛ من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ الذين اجتمعوا على الكتاب والسنة، وساروا على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظاهراً وباطناً.
وقد أمر الله - تعالى - عباده المؤمنين وحثهم على الجماعة والائتلاف والتعاون، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف والتناحر، فقال: (واعتصمُوا بحبلِ الله جمعياً ولا تَفرَّقُوا). (آل عمران/103). وقال: (ولا تكُونُوا كالذينَ تفرَّقُوا واختلفُوا مِنْ بعدِ ما جاءَهُم البيِّنات). (آل عمران /105).
وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:[وإنَّ هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، واحدةٌ في الجنة، وهي: الجماعة]. رواه أبو داود. وقال: [عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد،وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بُحْبوحَة الجنة؛ فليلزم بالجماعة]. رواه الإمام أحمد. وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (الجماعة ما وافق الحقَّ، وإن كنت وحدك).
فأهل السنة والجماعة: هم المتمسكون بسنة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه ومن تبعهم وسلك سبيلهم في الاعتقاد، والقول والعمل والذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع، وهم باقون ظاهرون منصورون إلى يوم القيامة فاتباعهم هدى، وخلافهم ضلال.
عبد الله بن عبد الحميد الأثر(/2)
مبادئ في العقيدة
عبد الله بن عبد الحميد الأثري
تعريف العقيدة:
العقيدة في اللغة: من العَقْد: وهو الرَّبطُ، والإبرامُ، والإحكامُ، والتَّوثُّقُ، والشَّدُّ بقوة، والتماسُك، والمُراصَّةُ، والإثباتُ؛ ومنه اليقين والجزم.
والعقد نقيض الحل، ويقال: عقده يعقده عقداً، ومنه عقدة اليمين والنكاح، قال الله - تبارك و تعالى -: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِ أيْمانِكُمْ ولَكِنْ يُؤَاخذُكُمْ بِما عَقَّدْتُّمُ الأيْمَانَ). (المائدة/89).
والعقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده. والعقيدة في الدين: ما يُقْصَدُ به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل، والجمع: عقائد . وخلاصته: ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به؛ فهو عقيدة، سواءٌ؛ كان حقاً، أو باطلاً.
وفي الإصطلاح: هي الأمور التي يجب أن يُصَدَّقَ بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك. وسمي عقيدة؛ لأن الإنسان يعقد عليه قلبه.
والعقيدة الإسلامية:
هي الإيمان الجازم بالله - تعالى -، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، وأُصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله - تعالى - في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
والعقيدة الإسلامية: إذا أُطلقت؛ فهي عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأنها هي الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة المفضلة؛ من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان.
وللعقيدة الإسلامية أسماء أخرى عند أهل السنة والجماعة، ترادفها وتدل عليها، منها:"التوحيد"،"السنة"،"أصول الدين"،"الفقه الأكبر"،"الشريعة"،"الإيمان".
هذه أشهر إطلاقات أهل السنة على علم العقيدة.
تعريف السلف:
السلف في اللغة: ما مضى وتقدم، يقال: سَلَف الشيء سَلَفاً، أي مضى، والسَّلف: الجماعة المتقدمون، أو القوم المتقدمون في السير.
قال - تعالى -: (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمنْا مِنْهُمْ فَأغْرقْناهُمْ أجْمَعِينَ، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمثَلاً للآخِرِينَ). (الزخرف/55،56). أي؛ جعلناهم سلفاً متقدمين لمن عمل بعملهم، وذلك ليعتبر بهم من بعدهم، وليتعظ بهم الآخرون.
والسلف: (من تقدمك من آبائك وذي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل، ولهذا سُمي الصدر الأول من التابعين؛ السلف الصالح ).
وفي الاصطلاح: إذا أطلق السلف عند علماء الاعتقاد؛ فإنما تدور كل تعريفاتهم حول الصحابة، أو الصحابة والتابعين، أو الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ من الأئمة الأعلام المشهود لهم بالإمامة والفضل واتباع السنة والإمامة فيها، واجتناب البدعة والحذر منها، وممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظيم شأنهم في الدين، ولهذا سمي الصدر الأول بالسلف الصالح. قال الله - تعالى -: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتَبَّعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنينَ نُوَلَّهِ مَا تَوَلَّى ونَصُلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصيراً). (النساء/115).
وقال: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصار والَّذينَ اتَّبَعُوهُم بإحْسانٍ - رضي الله عنهم -ورَضُوا عَنْهُ وأعدَ لَهُمْ جنَّاتٍ تجري تَحتَْها الأنْهارُ خَالِدينَ فيها أبَداً ذلكَ الفَوْزُ العَظيم). (التوبة /100).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]. رواه البخاري ومسلم.
ورسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وصحابته والتابعون لهم بإحسان؛ هم سلف هذه الأمة وكل من يدعو إلى مثل ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وصحابته والتابعون لهم بإحسان؛ فهو على نهج السلف.
والتحديد الزمني ليس شرطاً في ذلك؛ بل الشرط هو موافقة الكتاب والسنة في العقيدة والأحكام والسلوك بفهم السلف؛ فكل من وافق الكتاب والسنة فهو من أتباع السلف، وإن باعد بينه وبينهم المكان والزمان، ومن خالفهم فليس منهم وإن عاش بين ظهرانيهم.
وإمام السلف الصالح؛ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. قال - تعالى -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله والذين مَعَهُ أشدَّاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُم تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتغُونَ فَضْلاً منَ اللهِ ورِضْواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أثرِ السُّجُودِ ذلكَ مَثَلُهُم في التوراةِ ومَثَلُهُم في الإنجيل..). (الفتح/29).
ولهذا كان مرجع السلف الصالح عند التنازع؛ هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما قال - تعالى -: (فَإنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليومِ الآخِرِ ذَلكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تأويلاً). (النساء /59).(/1)
وأفضلُ السَّلف؛ بعد رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الصحابة الذين أخذوا دينهم عنه بصدقٍ وإخلاص، كما وصفهم الله - تعالى - في كتابه العزيز، بقوله: (مِنَ المُؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليهِ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلاً). (الأحزاب/23).
ثم الذين يلونهم من القرون المفضلة الأولى؛ الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
[خيرُ الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم].
ولذا فالصحابة والتابعون؛ أحق بالاتباع من غيرهم، وذلك لصدقهم في إيمانهم، وإخلاصهم في عبادتهم، وهم حراس العقيدة، وحماة الشريعة، العاملون بها؛ قولاً وعملاً، ولذلك اختارهم الله - تعالى - لنشر دينه، وتبليغ سنة نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: [تفترقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملةً؛ كُلهم في النار؛ إلا ملة واحدة] قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: [ما أنا عليه وأصحابي].
ويطلق على كل من اقتدى بالسلف الصالح، وسار على نهجهم في سائر العصور:"سَلَفِيٌّ"نسبة إليهم وتمييزاً بينه وبين من يخالفون منهج السلف ويتبعون غير سبيلهم. قال - تعالى -: (وَمَنْ يُشاقِق الرَّسُولَ مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لهُ الهُدَى وَيَتَبعْ غَيْرَ سبيلِ المؤمنين نُولِّهِ ما تولى ونَصلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءتْ مَصيراً). ولا يسع أي مسلم إلا أن يفتخر بالانتساب إليهم.
ولفظ"السَّلفيَّة"أصبح علماً على طريقة السلف الصالح في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه. وبهذا فإن مفهوم السلفية يطلق على الملتزمين بكتاب الله وما ثبت من سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ التزاماً كاملاً.
تعريف أهل السنة والجماعة:
السنة في اللغة:السنة في اللغة مشتقة من: سَنَّ يَسِنُ، ويَسُنُّ سَّناً فهو مَسْنُون. وسَنَّ الأمرَ: بَيَّنَه. والسنةُ: الطريقة ُ والسيرة، محمودة كانت أم مذمومة.ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
[لتتبعُنَّ سَنَن من كان قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ]. رواه البخاري ومسلم. أي: طريقتهم في الدين والدنيا. وقوله: [من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده؛ من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة...] رواه مسلم، أي سيرة.
السنة في الاصطلاح: الهدي الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه؛ علماً، واعتقاداً، وقولاً، وعملاً، وتقريراً.
وتطلق السنة على سنن العبادات والاعتقادات، ويقابل السنة؛ البدعة.
قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:[فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين]. رواه أبو داود.
الجماعة في اللغة: (مأخوذة من الجمع، وهو ضم الشيء، بتقريب بعضه من بعض، يقال جمعته؛ فاجتمع).ومشتقة من الاجتماع، وهو ضد التفرق، وضد الفرقة. والجماعة: العدد الكثير من الناس، وهي أيضاً طائفة من الناس يجمعها غرض واحد.
الجماعة في الاصطلاح: جماعة المسلمين، وهم سلف هذه الأمة؛ من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ الذين اجتمعوا على الكتاب والسنة، وساروا على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظاهراً وباطناً.
وقد أمر الله - تعالى - عباده المؤمنين وحثهم على الجماعة والائتلاف والتعاون، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف والتناحر، فقال: (واعتصمُوا بحبلِ الله جمعياً ولا تَفرَّقُوا). (آل عمران/103). وقال: (ولا تكُونُوا كالذينَ تفرَّقُوا واختلفُوا مِنْ بعدِ ما جاءَهُم البيِّنات). (آل عمران /105).
وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:[وإنَّ هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، واحدةٌ في الجنة، وهي: الجماعة]. رواه أبو داود. وقال: [عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد،وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بُحْبوحَة الجنة؛ فليلزم بالجماعة]. رواه الإمام أحمد. وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (الجماعة ما وافق الحقَّ، وإن كنت وحدك).
فأهل السنة والجماعة: هم المتمسكون بسنة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه ومن تبعهم وسلك سبيلهم في الاعتقاد، والقول والعمل والذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع، وهم باقون ظاهرون منصورون إلى يوم القيامة فاتباعهم هدى، وخلافهم ضلال.
http://go2top.net المصدر:(/2)
مبادئ في
تعريف العقيدة:
العقيدة في اللغة: من العَقْد: وهو الرَّبطُ، والإبرامُ، والإحكامُ، والتَّوثُّقُ، والشَّدُّ بقوة، والتماسُك، والمُراصَّةُ، والإثباتُ؛ ومنه اليقين والجزم.
والعقد نقيض الحل، ويقال: عقده يعقده عقداً، ومنه عقدة اليمين والنكاح، قال الله - تبارك و تعالى -: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِ أيْمانِكُمْ ولَكِنْ يُؤَاخذُكُمْ بِما عَقَّدْتُّمُ الأيْمَانَ). (المائدة/89).
والعقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده. والعقيدة في الدين: ما يُقْصَدُ به الاعتقاد دون العمل؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل، والجمع: عقائد . وخلاصته: ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به؛ فهو عقيدة، سواءٌ؛ كان حقاً، أو باطلاً.
وفي الإصطلاح: هي الأمور التي يجب أن يُصَدَّقَ بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك. وسمي عقيدة؛ لأن الإنسان يعقد عليه قلبه.
والعقيدة الإسلامية:
هي الإيمان الجازم بالله - تعالى -، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، وأُصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله - تعالى - في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
والعقيدة الإسلامية: إذا أُطلقت؛ فهي عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأنها هي الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة المفضلة؛ من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان.
وللعقيدة الإسلامية أسماء أخرى عند أهل السنة والجماعة، ترادفها وتدل عليها، منها:"التوحيد"،"السنة"،"أصول الدين"،"الفقه الأكبر"،"الشريعة"،"الإيمان".
هذه أشهر إطلاقات أهل السنة على علم العقيدة.
تعريف السلف:
السلف في اللغة: ما مضى وتقدم، يقال: سَلَف الشيء سَلَفاً، أي مضى، والسَّلف: الجماعة المتقدمون، أو القوم المتقدمون في السير.
قال - تعالى -: (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمنْا مِنْهُمْ فَأغْرقْناهُمْ أجْمَعِينَ، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمثَلاً للآخِرِينَ). (الزخرف/55،56). أي؛ جعلناهم سلفاً متقدمين لمن عمل بعملهم، وذلك ليعتبر بهم من بعدهم، وليتعظ بهم الآخرون.
والسلف: (من تقدمك من آبائك وذي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل، ولهذا سُمي الصدر الأول من التابعين؛ السلف الصالح ).
وفي الاصطلاح: إذا أطلق السلف عند علماء الاعتقاد؛ فإنما تدور كل تعريفاتهم حول الصحابة، أو الصحابة والتابعين، أو الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ من الأئمة الأعلام المشهود لهم بالإمامة والفضل واتباع السنة والإمامة فيها، واجتناب البدعة والحذر منها، وممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظيم شأنهم في الدين، ولهذا سمي الصدر الأول بالسلف الصالح. قال الله - تعالى -: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتَبَّعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنينَ نُوَلَّهِ مَا تَوَلَّى ونَصُلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصيراً). (النساء/115).
وقال: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصار والَّذينَ اتَّبَعُوهُم بإحْسانٍ - رضي الله عنهم -ورَضُوا عَنْهُ وأعدَ لَهُمْ جنَّاتٍ تجري تَحتَْها الأنْهارُ خَالِدينَ فيها أبَداً ذلكَ الفَوْزُ العَظيم). (التوبة /100).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]. رواه البخاري ومسلم.
ورسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وصحابته والتابعون لهم بإحسان؛ هم سلف هذه الأمة وكل من يدعو إلى مثل ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وصحابته والتابعون لهم بإحسان؛ فهو على نهج السلف.
والتحديد الزمني ليس شرطاً في ذلك؛ بل الشرط هو موافقة الكتاب والسنة في العقيدة والأحكام والسلوك بفهم السلف؛ فكل من وافق الكتاب والسنة فهو من أتباع السلف، وإن باعد بينه وبينهم المكان والزمان، ومن خالفهم فليس منهم وإن عاش بين ظهرانيهم.
وإمام السلف الصالح؛ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. قال - تعالى -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله والذين مَعَهُ أشدَّاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُم تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتغُونَ فَضْلاً منَ اللهِ ورِضْواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أثرِ السُّجُودِ ذلكَ مَثَلُهُم في التوراةِ ومَثَلُهُم في الإنجيل..). (الفتح/29).
ولهذا كان مرجع السلف الصالح عند التنازع؛ هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما قال - تعالى -: (فَإنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليومِ الآخِرِ ذَلكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تأويلاً). (النساء /59).(/1)
وأفضلُ السَّلف؛ بعد رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الصحابة الذين أخذوا دينهم عنه بصدقٍ وإخلاص، كما وصفهم الله - تعالى - في كتابه العزيز، بقوله: (مِنَ المُؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليهِ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلاً). (الأحزاب/23).
ثم الذين يلونهم من القرون المفضلة الأولى؛ الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
[خيرُ الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم].
ولذا فالصحابة والتابعون؛ أحق بالاتباع من غيرهم، وذلك لصدقهم في إيمانهم، وإخلاصهم في عبادتهم، وهم حراس العقيدة، وحماة الشريعة، العاملون بها؛ قولاً وعملاً، ولذلك اختارهم الله - تعالى - لنشر دينه، وتبليغ سنة نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: [تفترقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملةً؛ كُلهم في النار؛ إلا ملة واحدة] قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: [ما أنا عليه وأصحابي].
ويطلق على كل من اقتدى بالسلف الصالح، وسار على نهجهم في سائر العصور:"سَلَفِيٌّ"نسبة إليهم وتمييزاً بينه وبين من يخالفون منهج السلف ويتبعون غير سبيلهم. قال - تعالى -: (وَمَنْ يُشاقِق الرَّسُولَ مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لهُ الهُدَى وَيَتَبعْ غَيْرَ سبيلِ المؤمنين نُولِّهِ ما تولى ونَصلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءتْ مَصيراً). ولا يسع أي مسلم إلا أن يفتخر بالانتساب إليهم.
ولفظ"السَّلفيَّة"أصبح علماً على طريقة السلف الصالح في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه. وبهذا فإن مفهوم السلفية يطلق على الملتزمين بكتاب الله وما ثبت من سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ التزاماً كاملاً.
تعريف أهل السنة والجماعة:
السنة في اللغة:السنة في اللغة مشتقة من: سَنَّ يَسِنُ، ويَسُنُّ سَّناً فهو مَسْنُون. وسَنَّ الأمرَ: بَيَّنَه. والسنةُ: الطريقة ُ والسيرة، محمودة كانت أم مذمومة.ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
[لتتبعُنَّ سَنَن من كان قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ]. رواه البخاري ومسلم. أي: طريقتهم في الدين والدنيا. وقوله: [من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده؛ من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة...] رواه مسلم، أي سيرة.
السنة في الاصطلاح: الهدي الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه؛ علماً، واعتقاداً، وقولاً، وعملاً، وتقريراً.
وتطلق السنة على سنن العبادات والاعتقادات، ويقابل السنة؛ البدعة.
قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:[فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين]. رواه أبو داود.
الجماعة في اللغة: (مأخوذة من الجمع، وهو ضم الشيء، بتقريب بعضه من بعض، يقال جمعته؛ فاجتمع).ومشتقة من الاجتماع، وهو ضد التفرق، وضد الفرقة. والجماعة: العدد الكثير من الناس، وهي أيضاً طائفة من الناس يجمعها غرض واحد.
الجماعة في الاصطلاح: جماعة المسلمين، وهم سلف هذه الأمة؛ من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ الذين اجتمعوا على الكتاب والسنة، وساروا على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظاهراً وباطناً.
وقد أمر الله - تعالى - عباده المؤمنين وحثهم على الجماعة والائتلاف والتعاون، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف والتناحر، فقال: (واعتصمُوا بحبلِ الله جمعياً ولا تَفرَّقُوا). (آل عمران/103). وقال: (ولا تكُونُوا كالذينَ تفرَّقُوا واختلفُوا مِنْ بعدِ ما جاءَهُم البيِّنات). (آل عمران /105).
وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:[وإنَّ هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، واحدةٌ في الجنة، وهي: الجماعة]. رواه أبو داود. وقال: [عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد،وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بُحْبوحَة الجنة؛ فليلزم بالجماعة]. رواه الإمام أحمد. وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (الجماعة ما وافق الحقَّ، وإن كنت وحدك).
فأهل السنة والجماعة: هم المتمسكون بسنة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه ومن تبعهم وسلك سبيلهم في الاعتقاد، والقول والعمل والذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع، وهم باقون ظاهرون منصورون إلى يوم القيامة فاتباعهم هدى، وخلافهم ضلال.
عبد الله بن عبد الحميد الأثر(/2)
مبادرة الشرق الأوسط الكبير
• الرئيس الأميركي بوش يطرح مبادرة جديدة أطلق عليها مبادرة الشرق الأوسط الكبير، ويريد خلالها إجراء تعديلات جوهرية في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط، ويريد إشراك دول الغرب معه في المساعدة على تحقيق أطماعه في صياغة الشرق الأوسط إذا استطاع ذلك، أو بقي في السلطة لرئاسة ثانية.
• قبل بوش الإبن طرح بوش الأب (النظام العالمي الجديد) وفي أيام كلنتون ظهر مصطلح (العولمة) وفي الفترة نفسها نزل إلى السوق مصطلح (الشرق أوسطية) التي تضم إسرائيل في مشاريع الشرق الأوسط السياسية والاقتصادية، وكتبت الأقلام وأسهبت في كل هذه المصطلحات التي دخلت بازار السياسة، والتهى بها الكثيرون من أصحاب الأقلام المخلصة أو المأجورة، ولن تتوقف جعبة الأميركيين عن طرح الألغاز والأُحجيات التي تجعلنا ننشغل فيها بعض الوقت ريثما (يفبركون) أو يصنّعون مصطلحاً جديداً.
• سوف يرى الناس في الأشهر القادمة هجمة أميركية وعربية تجاه المرأة وإخراجها من بيتها (المقصود المرأة المسلمة)، وسوف يزداد البكاء عليها وعلى حقوقها، وسوف تؤلف الكتب، وتعقد عشرات المؤتمرات، وسوف يتصدر هذه المؤتمرات والندوات بعض النساء المتأمركات لأن صورة المسرح الأميركية يلزمها تطعيم الصورة ببعض النساء حتى يقولوا (للسيد بوش) ها نحن عند حسن ظنك بنا، وهذا نوع من الانسلاخ والانسحاق أمام الجلاد لم يسبق لها مثيل.
• سوف يرى الناس أيضاً مزيداً من الذين يتغنون بالديمقراطية، ويتباكون على الأقطار التي لم تسارع في ركوب القطار الأميركي المليء بصناديق الديمقراطية المعلبة الجاهزة على الطريقة الأميركية، وسينافق المنافقون، وسوف يتدفق سيل الانتهازيين في جرأته على الباطل، وسيصنّف الناس على الطريقة الأميركية: «من ليس معها فهو ضدها». وسوف يطير بعض الجبناء إلى واشنطن والبيت الأبيض ليقولوا لساكنيه { نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } . لكنهم سيرتدون خائبين كما هي عاقبة الخونة دائماً وأبداً(/1)
مبررات منع المرأة من قيادة السيارة
29-5-2005
بقلم د. عدنان با حارث
"...كان من بين هذه الانتقادات الموجهة إلى بلاد الحرمين حرمان المرأة من حق قيادة المركبات أو ما يسمى اليوم بالسيارات، بحجة أنه أصبح حقًا عامًا تستمتع به كل امرأة راغبة في الدول الأخرى..."
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن ظروف الحياة الاجتماعية المعاصرة تختلف عن فترات زمنية ماضية في العديد من جوانبها، فقد أصبح التجديد، والتطور، والتغير سمات بارزة لطبيعة الحياة المعاصرة، ولم تعد لدى غالب فئات المجتمع تلك القناعات السابقة التي كانت تحدُّ من عنف تيار التغيير الجارف.
وقد أسهمت الطبيعة المتسارعة للحياة المعاصرة في زعزعة كثير من الثوابت الأخلاقية والعرفية، وشارك في ذلك التقدم التقني الهائل، وما رافقه من الإنتاج الصناعي المذهل، الذي انفتحت أمامه أسواق العالم التجارية ـ رغبة ورهبة ـ في الوقت الذي لم يكن للأمة المسلمة ـ ضمن هذه المنظومة العالمية المتسارعة، والتطور العلمي والتقني ـ أيُّ دور جاد في هذا البناء الحضاري المعاصر يُخوِّلها فرضَ معاييرها الاعتقادية والأخلاقية، أو حتى لاحترامها والاعتراف بها ضمن ثقافات الأمم المتغلبة، مما أوقع الأمة المسلمة في شباك مصالح الآخرين المادية والفكرية، وزاد بالتالي من تمزُّقها وتفككها.
ولقد عاشت الأمة زمنًا ليس بالقصير تقاوم رياح التغريب، وتدفع عن نفسها موجات التغيير، إلا أن هذا الصمود وتلك المقاومة لم تدم طويلاً، حتى أخذت حصون الأمة تتداعى، ومعاقلها تتهاوى أمام قوى الغزو الفكري الجارف. حتى بلغت الأمة عصر العولمة، والانفتاح الثقافي العالمي الذي لم يكن ليبقي للأمة خصوصية تتميز بها، أو أصلاً تلوذ به، حتى وصل الداء إلى أخصِّ خصوصيات الأمة الاجتماعية، وأهم ما يُميِّزها ـ اجتماعيًا ـ عن غيرها وهي قضية المرأة، ونوع الحياة التي يجب أن تحياها.
لقد أدرك الغربيون أن تغيير نمط الحياة الاجتماعية للأمة المسلمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير أسلوب وأهداف تربية المرأة المسلمة، فكانت الهجمة ـ منذ فترة ليست قصيرة ـ على الوضع الاجتماعي للمرأة المسلمة في غاية القسوة، توَّجتها ـ في السنوات الأخيرة ـ مجموعة من المؤتمرات العالمية والندوات المحلية تُؤصِّل من خلال توصياتها توجهات عالمية عامة توحِّد نهج تربية المرأة في جميع أقطار العالم، وتُذيب الفوارق الثقافية، والأنماط الاجتماعية لتصب نساء العالم في قوالب ثقافية من شكل واحد، لا يفرِّق بينهن سوى ما تفرضه الجينات الوراثية من الألوان والأشكال.
ولقد عانت المملكة العربية السعودية منذ زمن ـ ولا سيما في الفترة الأخيرة ـ من هجمات شرسة تستهدف الشريعة الإسلامية، ونمط الحياة الاجتماعية المحافظ، مما جعلها مقصودة من الدول الغربية ومنظماتها الإنسانية بالنقد والإساءة، تحت ستار حقوق الإنسان، مستهدفة بذلك وضع المرأة في بلاد الحرمين، وحقوقها المسلوبة ـ حسب زعمهم ـ في شكل لباسها، وأسلوب سفرها، ونوع ارتباطها الأسري، ومجالات عملها، وغيرها من قضايا المرأة المسلمة الحيوية.
وقد كان من بين هذه الانتقادات الموجهة إلى بلاد الحرمين حرمان المرأة من حق قيادة المركبات أو ما يسمى اليوم بالسيارات، بحجة أنه أصبح حقًا عامًا تستمتع به كل امرأة راغبة في الدول الأخرى. دون نظر جاد لعواقب الأمور، وطبيعة المرأة، والخصوصية التي تتميز بها بلاد الحرمين الشريفين.
ولقد كان هذا الموضوع موضع اهتمام الباحث منذ زمن, ولا سيما بعد أن احتدم الصراع عبر وسائل الإعلام بين المشجعين والمانعين، رغبة في بيان وجه الصواب ضمن المنهج التربوي الإسلامي، الذي يعتمد الكتاب والسنة أساسًا للانطلاقة الفكرية والعلمية.
مدخل :
تعتبر المواصلات من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العاملة في هذا العصر، ولا سيما بعد التوسع الهائل في تشغيل النساء الذي شهده سوق العمل ضمن خطط التنمية المتعاقبة التي توصي بمشاركة النساء في التنمية الشاملة؛ ولهذا يضيق بعض النساء العاملات والمتحمسون لهن في البلاد المحافظة بالمنع من مزاولة المرأة قيادة السيارة، ويشعرن بالضيم، فلا يزلن يطالبن بذلك، دون نظر جاد لعواقب الأمور .(/1)
ورغم أن مهارة قيادة المركبات الصغيرة من حاجات هذا العصر المهمة : فإنها لا تبلغ عند المرأة المسلمة درجة الضرورة التي تبلغها عند رب الأسرة، بل ولا تبلغ درجة الحاجة التي تبلغها عند الشاب العَزَب الذي لا يقوم على أسرة، فهي في حقها في الأعم الأغلب من باب التحسينيات التي لا تتضرر بنقصها، والنادر ـ كما هو معروف ـ لا حكم له ؛ ولهذا يُلاحظ في البلاد التي تسمح للمرأة بالقيادة توافر السيارات لدى الشباب أكثر بكثير من توافرها لدى الفتيات ، كما أن إتقان مهارتها يكاد يكون عامًا لدى غالب طلاب المرحلة الثانوية وكثير من طلاب المرحلة الإعدادية، حتى إن الشاب منهم يشعر بأن السيارة جزء من حياته، وعدم امتلاكها يمثل له نوعًا من الحرمان .
ورغم أن غالب دول العالم تسمح للنساء بممارسة هذه المهارة دون حرج، ورغم إتقان كثير منهن لها بصورة كبيرة ، ورغم ممارسة جمع منهن لهذه المهارات في بعض الأرياف خارج المدن : فإن المختار في هذه القضية المنع، حتى في البلاد التي سمحت بها، واعتادها بعض النساء، فإن الأولى تركها، وإفراغ الوسع في تجنُّبها ، لا لكون مهارة القيادة محرمة في ذاتها ولكن لما يمكن أن تفضي إليه من المحظورات المتعددة. ولعل فيما يلي من المبررات ما يجلي هذا التوجه ويقوي اختياره:
أولاً: المبرر الفقهي لمنع المرأة من قيادة المركبات:
ويظهر هذا المبرر في كون الشريعة مبناها على جلب المصالح ودفع المفاسد، فما غلبت مصلحته أباحته، وما غلبت مفسدته منعته . فالمأمورات والمنهيات في الشريعة تشتمل كل منهما على مصالح ومضار، والحكم في كل منها على الأغلب . يقول ابن عبد السلام: "المصالح المحضة قليلة وكذلك المفاسد المحضة، والأكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد... والإنسان بطبعه يؤثر ما رجحت مصلحته على مفسدته، وينفر مما رجحت مفسدته على مصلحته". وهذه المسألة في تقديم الجهة الغالبة: من مسائل الإجماع عند العلماء، الثابتة بالكتاب والسنة والعقل، خاصة في هذا العصر الذي اختلطت فيه المصالح بالمفاسد بصورة كبيرة .
ومن هنا جاء باب سد الذرائع المفضية إلى المفاسد ، أو المؤدية إلى إهمال أوامر الشرع، أو التحايل عليها ولو بغير قصد ، فإن "سد الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يُتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات... ولا يقتصر ذلك على مواضع الاشتباه والاحتياط؛ وإنما يشمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام"، فالشارع الحكيم إذا حرَّم أمرًا حرَّم الوسائل المفضية إليه ؛ فإن "الوسائل تبعٌ للغايات في الحكم"، و"وسائل الحرام حرام" ، و"ما أفضى إلى حرام حرام".
والمسألة الفرعية التي يختلف في حكمها الناس: يُؤخذ فيها بالإجماع، فإن لم يُوجد، أخذ بالأحوط، ثم بالأوثق دليلاً، ثم يُؤخذ بقول من يُظن أنه أفضل وأعلم . ولا شك أن ترك المرأة لقيادة السيارة في هذا العصر هو الأحوط على أقل تقدير؛ فإن"فعل ما يُخاف منه الضرر إذا لم يكن محرماً فلا أقَلَّ أن يكون مكروهاً"، حتى وإن تكلف رب الأسرة مهام نقل نسائه، أو اضطر لجلب الرجل الأجنبي لتولي هذه المهمة ـ كما هو حاصل في بعض البلاد ـ فإن هذا في العموم أهون الشرين، وأخف الضررين؛ لأن الضرر الخاص الذي يتكلفه هذا الأب وأمثاله، وما يمكن أن يحصل من الرجل الأجنبي يُتحمل في سبيل دفع الضرر العام الذي يمكن أن يعم المجتمع بتوسيع دائرة قيادة النساء للسيارات، فإن المفسدة العامة المنع فيها أشد من المفسدة الخاصة .
كما أن الفقهاء لا يعتبرون الطريق خلوة، فإنما الخلوة: الأمن من اطلاع الناس ؛ بحيث يجتمع رجل بامرأة "في مكان لا يمكن أن يطلع عليهما فيه أحد، كغرفة أغلقت أبوابها ونوافذها وأرخيت ستورها"، أو في فلاة لا يصلهما فيها أحد. ويُستأنس في هذا المقام بما نقله المروزي عن الإمام أحمد رحمهما الله حين سُئل عن: "الكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده النساء، هل هذه الخلوة منهي عنها؟ قال: أليس هو على ظهر الطريق، قيل: بلى، قال: إنما الخلوة تكون في البيت". ثم إن مبدأ خدمة الرجل الأجنبي في السفر حين يركب النساء الهوادج كان أمرًا معلومًا منذ القديم، وقد كانت النساء زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحملن في الهوادج، ويقوم الرجال على خدمتهن وحمل هوادجهن .
ولا يفهم من هذا التهاون في مسألة خلوة السائق بالمرأة ، فإن المفروض تقليل مثل هذه الفرص، وضبطها قدر المستطاع؛ بل إن بعض العلماء يرى أن ركوب المرأة وحدها مع السائق الأجنبي أخطر من الخلوة به في البيت ؛ لكونه يستطيع أن يذهب بها حيث شاء. وقد عالجت بعض الأسر في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارات مشكلة الخلوة بطريقة عجيبة حيث جلبت من بعض البلدان الأجنبية نساء سائقات. يتولين هذه المهام بدلاً من الرجال الأجانب .
ثانيًا: المبرر الأخلاقي لمنع المراة من قيادة المركبات:(/2)
وتظهر قوة هذا المبرر من حيث المفاسد الكثيرة التي يمكن أن تترتب على انطلاق النساء والفتيات بهذه المركبات الخاصة من: هجران المنزل، والسفر بغير محرم، والتعرض للمضايقات، والاختلاط بالأجانب، والتوسع في مجالات عمل المرأة المتعلقة بشؤون النساء السائقات، إضافة إلى مشكلات صيانة مركباتهن ضمن أجواء لا تناسب المرأة المسلمة، مع الاضطرار لكشف الوجوه، إلى مفاسد كثيرة يمكن أن تحدث إذا استمرأ المجتمع صورة المرأة السائقة ؛ فإن غالب التغيرات الاجتماعية التنازلية تبدأ باليسير ثم تنتهي بما لا قِبَل للمجتمع به، وكما قيل: معظم النار من مستصغر الشرر؛ ففي بريطانيا قبل خمسين سنة تقريبًا كانت المرأة لا تحصل على رخصة القيادة إلا بعد إذن زوجها ، ثم ما لبث أن فتح لهن الباب على مصراعية.
وفي إحدى البلاد المحافظة كانت المرأة لا تركب المواصلات العامة الصغيرة إلا مع محرم لها، ثم تبدل الوضع وتوسع الأمر دون نكير . وهكذا طبائع الناس تنتقل من الأهون إلى الأشد بالتدريج حتى يصبح الممنوع مرغوبًا فيه، والسيارة كمركبة متحركة داخل المجتمع ليست حصنًا للمرأة من أن تُنال بسوء، أو تتعرض للفتنة، أو تعرض غيرها للافتتان، ولا سيما عندما تتعطل مركبتها في أماكن لا تأمن فيها المرأة على نفسها.
ثالثًا: المبرر الصحي لمنع المراة من قيادة المركبات:
ومبنى هذا المبرر أن الشريعة تنهى عن التعرض للهلاك؛ إذ حفظ النفس منمقاصدها ، وقيادة المرأة للسيارة يعرضها للتلف ، فإن السيارة آلة عنيفة لا تناسب طبيعة الإناث، وقد أكدت ذلك دراسة بريطانية على مجموعة من النساء السائقات، حيث توصلت إلى "أن 58% منهن يتوفين قبل الأربعين، و 6% منهن يصبن بأمراض نفسية، وقالت الدراسة: إن قيادة المرأة للسيارة لا تليق ولا تتناسب معها". ولا تزال هذه الآلة تتصف بالعنف حتى بعد تطورها، فإن حوادثها على المستوى العالمي في غاية القسوة، وغالبًا ما يتعرض لها العُزَّاب من الشباب، والنساء المبتدئات، وينفرد الشباب بأعنف وأشد حوادثها .
وقد أشارت الإحصاءات أن نسبة ضحايا حوادث المرور في دول الخليج تفوق نسبتها في أمريكا وبريطانيا ؛ حيث يهلك في كل ساعة سبعة أشخاص في دول مجلس التعاون الخليجي ، ويهلك في المملكة العربية السعودية وحدها ـ التي سجلت أعلى معدل لحوادث السير في العالم ـ حوالي سبعة أشخاص يوميًا .
وبلغ عدد الحوادث في العالم العربي خلال عام 2م نصف مليون حادث، نجم عنها اثنان وستون ألف قتيل . ولا شك أن توسع النساء في هذه الممارسة سوف يزيد من نسبة تعرضهن للهلاك، مما يجعل هذه المهارة خطيرة على شخص المرأة، وعلى دورها التناسلي الذي يستوجب مزيدًا من السكون والاستقرار ، إلى جانب ما يحدثه هذا التوسع من استنزاف للبيئة وتلويثها .
ويحاول بعض المتحمسين لتمرير موضوع قيادة المرأة للسيارة بضبطه من خلال منعهن من السفر بسيارتهن خارج المدن، والسماح لهن بقيادتها في فترات النهار دون الليل.
وقد اتضح من خلال بعض الدراسات المحلية بالمملكة العربية السعودية أن 79% من حوادث السيارات تحصل داخل المدن، و65% منها تحصل في فترات النهار، كما أن 65% من هذه الحوادث تشارك فيها سيارات من الحجم الصغير ، وهو الحجم المناسب من السيارات المرشح للمرأة. ويضاف إلى كل هذا وجود تلك العلاقة القوية بين ارتفاع درجة حرارة الجو وزيادة عدد الحوادث ، ومن المعلوم أن دول الخليج من أكثر دول العالم ارتفاعًا في درجات الحرارة. ولما كان غالب حوادث السيارة "تقع في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الإنسان في أعمق فترات النوم"؛ فإن مزيدًا من الحوادث المرورية سيكون من نصيب المرأة العاملة السائقة؛ لكونها أكثر فئات المجتمع على الإطلاق جهدًا، أقلهن نومًا. ثم إن متغير التعليم والزواج لا دخل لهما في التقليل من حوادث السيارات؛ فقد دلت إحدى الدراسات في المملكة العربية السعودية على أن أكثر من 76% من السائقين المشتركين في حوادث المرور من المتعلمين، وأكثر من 53% منهم من المتزوجين؛ مما يدل على أن التعليم والزواج لم يخففا من أزمة الحوادث المرورية .
رابعًا: المبرر الفطري لمنع المرأة من قيادة المركبات:
وتظهر حجة هذا المبرر من حيث رقة جهاز الأنثى العصبي الذي لا يساعدها على حسن الأداء ، وسرعة ارتباكها في أثناء القيادة لأبسط الأسباب ، إلى جانب الخوف الذي ينتابها عادة من المسافات الطويلة ، والخوف أيضًا من المناطق المفتوحة، الذي يزيد عند الإناث كلما كبرت أعمارهن، وهو ما يُسمى برهاب الساح، وهو نوع من الخوف ينتاب بعض الناس من المناطق المزدحمة والمفتوحة، إلى جانب ضعف قدراتهن على تعلم المفاهيم الجغرافية، كالمواقع والأماكن وتقدير الحيز الفراغي المرئي والمسافات، وقلة خبرات السفر لديهن؛ ولهذا يُلاحظ أن الإناث أقل قدرة على تعلم المفاهيم الجغرافية من المذكور. ولا شك أن هذه القضايا الفطرية مهمة لإتقان مهارة القيادة.(/3)
وأهم من هذا كله الضعف الصحي العام الذي لا تنفك عنه المرأة في العموم من آثار الدورة الشهرية، ومضاعفات النفاس وفترة الحمل، من حيث: الانفعالات النفسية، وارتفاع الضغط، وكثرة الصداع، والتوتر، والقلق، والتذبذب، والكآبة، وحدة المزاج، والآلام العامة خاصة في الحوض والظهر، والغثيان، وما يصيب عامة النساء الحوامل من الاضطرابات النفسية، وما يرافق ذلك من انكماش فطري طبيعي في حجم الدماغ عندهن في أثناء الحمل، وما يصاحب ذلك من ضعف الذاكرة، وصعوبة التذكر. إلى جانب تأثير هذه الأعراض على الاتزان العام، مما قد يدفع المرأة في هذه الظروف الفطرية إلى شيء من العنف والعجلة في بعض المواقف ؛ ولهذا يشير العديد من الدراسات والإحصاءات المختلفة إلى ارتفاع نسبة تعرض المرأة أكثر من الرجل للاضطرابات النفسية، وحدة الانفعال، والانهيارات النفسية خاصة في هذه الفترات الفيسيولوجية، وبعد الولادة، وفي سن اليأس، وبعد عمليات الإجهاض.
ومن المعلوم أن واحدة من هذه الأعراض الجسمية لا تسمح للرجل واقعيًا ولا نظاميًا بالقيادة، فكيف بها مجتمعة؟ ولا شك أن ما بين ربع إلى ثلث النساء على الأقل يقعن تحت هذه التأثيرات الفطرية بصورة دائمة، بمعنى أن ثلث النساء في المجتمع لا يصلحن ـ تحت ضغط هذه الطبيعة الفطرية وتأثيراتها الجسمية ـ لقيادة السيارات. ولعل هذه الأسباب كانت وراء قلَّة أعداد النساء السائقات في العالم مقارنة بأعداد الرجال.
ولعل أعظم من هذا وأخطر: التأثير السلبي لنزيف الدماء الطبيعية على حاستي السمع والبصر عند المرأة ـ أهم عناصر هذه المهارة ـ ولهذا يُلاحظ كثرة حوادث النساء المرورية في العموم ، ولاسيما في أثناء فترة الحيض وما قبلها بقليل ،حيث تزيد لديهن العصبية، وتكثر لديهن الغفلة والنسيان والشرود الذهني، وهن في العموم يعانين من نقص في الاتزان النفسي والفسيولوجي، يجعلهن أكثر تعرضاً للسآمة والتعب، وأقل انتباهاً وتركيزاً، وأميل للتوتر والقلق، ولاسيما المرأة العاملة، التي تجمع بين العمل الوظيفي ومسؤولياتها المنزلية ؛ لذا فإن النساء أكثر تعرضاً لعصاب قيادة المركبات من الذكور ، مما يجعل قضية القيادة بالنسبة لهن في غاية الحرج.
ومن المعلوم أن السائق هو همزة الوصل بين المركبة والطريق، وصفاته الوراثية والمكتسبة ومهارته وخبرته تلعب أدوارًا رئيسة في حصول الحوادث، وقد ثبت يقينًا من خلال الواقع أن السائق يتحمل أكثر أسباب الحوادث المرورية، وهي مرتبطة – إلى حد كبير – بشخصيته، فقيادة السيارة تشكل ضغطاً على نفس قائدها حيث يحتاج إلى طاقات نفسية وذهنية وجسمية، تمكنه من التعامل مع الطريق وشكله، وما يحويه من متغيرات كالسيارات الأخرى، والمارة، وإشارات المرور، وظروف الازدحام، وهذا يتطلب من السائق درجة عالية من الانتباه ، والتركيز، والتوازن النفسي ، وقدرة جيدة على الحركة التلقائية السريعة التي تحصل له بالخبرة والمران ، وتأتي بعفوية دون قصد.
ولعل هذه الأسباب الفطرية في عنصر النساء، مضافاً إليها هذه الشروط المطلوبة في السائق كانت السبب في رفع قيمة التأمين على السيارات التي تمتكلها النساء ، ومن المعلوم أن شركات تأمين السيارات تراعي ظروف الشخص المتقدم لطلب التأمين؛ ولهذا تزيد من قيمته على الأشخاص المطلقين ؛ لكونهم في الغالب يعيشون حالة من التوتر النفسي الذي يعد سببًا رئيسًا في وقوع الحوادث.
خامسًا: المبرر الاقتصادي لمنع المرأة من قيادة المركبات:
ويظهر هذا المبرر من الناحية الفقهية في حالات حوادث المرور وما يقع فيها من الجنايات؛ حيث تُعفى المرأة مطلقًا من المشاركة في دية المقتول خطأ حتى وإن كانت هي الجانية، في حين يشترك الجاني البالغ من الذكور ـ على خلاف بين الفقهاء ـ مع باقي العاقلة من القرابات في دفع دية القتل الخطأ، بل وتستمتع المرأة مع الورثة في الحصول على نصيبها من دية زوجها، في الوقت الذي لا تُكلَّف فيه مع العاقلة بشيء، وهذا فيه إجحاف اقتصادي بحق رجال الأسرة من العصبات إذا مُكِّنت الفتيات من ممارسة أسباب العطب، خاصة إذا شعرن بالأمان من مغبة تحمل الغرامة المالية، ومن المعلوم أن الأصل في إلزام العاقلة دفع الدية في حال القتل الخطأ ـ مع ما فيه من التعاون ـ هو تأديبها لتقصيرها في كفِّ المستهترين والطائشين المنتمين إليها من العبث بأمن المجتمع، مما يدفعها ـ بصورة تضامنية جماعية ـ لحفظ سفهائها، ومن يُتوقع منهم الخطأ الذي يُكلفها الغرامات المالية .(/4)
وأما الزعم بأن مسألة الدية في مثل هذه الجنايات قد انحلت اليوم من خلال التأمين التجاري فلا حاجة إلى نظام العاقلة؛ فإن هذا النوع من التأمين القائم اليوم في المعاملات التجارية ممنوع شرعاً , والضرر ـ كما هو معلوم شرعاً ـ لا يُزال بضرر, والخطأ لا يُعالج بخطأ.كما أن التأمين التعاوني ـ الغائب من المعاملات الاقتصادية المعاصرة ـ لو عُمل به في مثل هذه الجنايات – بالشروط الشرعية- لكان جلُّ ميزانياته تُنفق في جنايات النساء السائقات ـ ولا سيما المبتدئات منهن ـ والشباب المتهور، مما يُجحف من جديد بباقي المساهمين، من الحريصين على سلامة المجتمع وأمنه. ولهذا لن يرضوا بمشاركة هذه الفئات المتوقع منها الضرر بصورة كبيرة في صندوق تأمينهم التعاوني، مما سيضطر هذه الفئات ـ من جديد ـ للرجوع مرة أخرى بأزماتها الجنائية إلى العاقلة والعصبات، مما يُعطي لنظام العاقلة أهميته الاقتصادية والتعاونية، ودوره التربوي التوجيهي في الحياة الإسلامية.
وفي الجانب الآخر من المسألة الاقتصادية: استهلاك الثروة في هذه المراكب، وتجميد الأموال فيها، والاستنزاف المالي في مصروفاتها، وخسائرها التي تُقدر في دول الخليج ببليون دولار، وفي المملكة وحدها بملياري ريال، إضافة إلى ضغط الحركة المرورية في البلاد النامية التي لا تتسع طرقها لمراكب الرجال فضلاً عن مراكب النساء والفتيات، خاصة بعد أن ثبت أن ازدحام الطرق من أعظم أسباب كثرة الحوادث .
وفي بلد مثل المملكة العربية السعودية زاد عدد السيارات تسعة أضعاف ما بين عامي 1395هـ و 1411هـ ، وأعجب من هذا ما أشارت إليه الإدارة العامة للمرور بالمملكة أن واقع عدد السيارات عام 145هـ تضاعف عما كان عليه عام 1391هـ ثمانية وعشرين ضعفًا ، وأعجب من هذا وأغرب ما أشارت إليه إحدى الدراسات أن عدد السيارات في المملكة تضاعف 38 مرة في الفترة ما بين عام 1391هـ وعام 1413هـ، كما أشارت الدراسة إلى أن ما بين كل 1 شخص في المملكة هناك 35 شخصًا يمتلكون سيارة خاصة، رغم أن النساء لا يقدن فيها السيارات، في حين يملك في بريطانيا السيارة الخاصة من كل 1 شخص 36 شخص .
"وبالرغم من التوسع الهائل في المملكة في إنشاء الطرق داخل المدن وخارجها فإن هذا التوسع لا يُواكب الزيادة الهائلة في أعداد السيارات ووسائل النقل الأخرى، وهذا قد سبب ـ ولا شك ـ الكثير من الاختناقات المرورية والزحام الشديد في المواصلات خاصة في المدن الكبيرة كجدة والرياض". فهاتان المدينتان مع مدينة الدمام تستوعب ثلث سكان المملكة تقريباً .
ولا شك أن لو سُمح للنساء بالقيادة لزاد عدد السيارات بصورة كبيرة لا تستوعبها الطرق، في الوقت الذي يُهدد فيه العالم ـ ولا سيما في الدول الصناعية ـ بزيادة عدد السيارات والتلوث البيئي.
ومن المعلوم أن سحر السيارة الجديدة في هذا العصر مظهر من مظاهر الترف الذي يتنافس فيه الناس ، وسوف يكون في غاية القوة والترف إذا شارك النساء في هذه المنافسة الاجتماعية الأخَّاذة؛ لكونهن ـ بالفطرة ـ مأخوذات بعواطفهن، مشدودات برغباتهن.
فلن يكون امتلاك السيارة عن حاجة بقدر ما يكون للمفاخرة والاستكثار، وقد دلَّ البحث الميداني في دول الخليج على أن عدد السيارات للأسرة الواحدة يزيد عند الأسر التي لا يشارك نساؤها في قوى العمل، وتقل أعدادها في الأسر التي يشارك نساؤها في قوى العمل؛ مما يدل على أن امتلاك السيارة ليس هو دائمًا للحاجة؛ فإن المرأة العاملة التي يقل لدى أسرتها عدد السيارات قد تكون أحوج إليها من غير العاملة التي يكثر لدى أسرتها عدد السيارات.
سادسًا: المبرر التاريخي لمنع المرأة من قيادة المركبات:
يعتمد المؤيدون لقيادة المرأة للسيارة على المبرر التاريخي رغم أنه لا يُؤيد توجههم؛ فعلى الرغم من الفارق الكبير بين طبيعة وظروف قيادة السيارة وقيادة الدواب فإن النساء منذ القديم لم يكنَّ من أهل الخيل والفروسية إنما الخيل من مطايا الرجال ، وقد كان من المستغرب ركوب النساء للخيل في بلاد زنجبار في القرن التاسع عشر، والسيارات الخاصة أشبه مراكب هذا العصر بها ، فهي من هذه الجهة متعلقة بالرجولة إلى حد كبير. ولهذا لا يجد الباحث ذكرًا للنساء عند ذكر الخيل والفروسية؛ لما اشتمل عليه ركوب الخيل من البطولة والطلب والهرب، ومواقع القتال من الكر والفر ، مما لا يناسب الطبيعة الأنثوية، بل إن بعض القبائل في القديم كانت تُحرِّم على النساء ركوب الخيل لمعتقدات وأخلاق اجتماعية كانوا يرونها .(/5)
وأما البغال ـ مع كونها ليست من المراكب الآمنة بصورة مطلقة ـ فقد نُقل عن بعض نساء السلف ركوبها وهنَّ مستورات بستور أو في بواطن الهوادج ، إلا أن الإبل كانت من أوسع مراكب النساء العربيات وألطفها بأحوالهن، ومع هذا لم يكنَّ ـ في الغالب ـ ينفردن بركوبها، فقد ارتبط ركوبهن عليها بالهوادج المستورة، التي يتولى قيادتها عادة ساقة الإبل من الرجال ؛ ولهذا ارتبط الهودج بالمرأة في تنقلها وأسفارها ، وحتى على مستوى التعريف اللغوي والاصطلاحي فالهودج مركوب المرأة ، وأبعد من هذا تفسير رؤية الهودج في المنام بالمرأة عند مفسري الأحلام .
ومما يُشير إلى هذا أيضًا ويؤيده جواب التابعي أبي ثفال المري حين سُئل عن خروج المرأة؟ فقال: "لأي شيء تخرج؟ والله لا تنفر في النفير ولا تسوق البعير"، ولما استأذنت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة أردفها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما خلفه على الدابة، ولم تنفرد بركوبها وحدها ، ومن المعلوم أن سائق إبل النساء يتلطف في سيره، ولا يشتد عليهن خوفًا من سقوطهن لقلة ثباتهن على الدواب ؛ فقد وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوارير ، يعني أنهن كالزجاج، "يُسْرع إليها الكسر، ولا تقبل الجبْر". وقد وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها اعتناء الرجال، وقيامهم على بعيرها وهودجها فتقول: "وكنت إذا رُحِّل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتيني القوم ويحملونني، فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به"، وفي خبر الإفك لما تأخرت عن الركب، وأدركها صفوان بن المعطَّل رضي الله عنه قالت: "ثم قرَّب البعير فقال: اركبي، واستأخر عني فركبت، فأخذ برأس البعير وانطلق سريعًا يطلب الناس"، يعني أنها لم تنفرد بقيادة البعير رغم وقوعها في مثل هذا الموقف الحرج، في خلوة مع شخص أجنبي، وما ترتب على مرافقته لها ـ بعد ذلك ـ من أزمة اجتماعية خطيرة.
وفي هذا المعنى يصف الأخطل ـ شاعر الأمويين ـ رحيل النساء على الإبل حين يسوقهن الحادي، وقد رُحِّلت مراكبهن فيقول:
لبثن قليلاً في الديار وعُوليتْ ***** على النُجْب للبيض الحسان مراكب
إذا ما حدا الحادي المجدُّ تدافعت ***** بهن المطايا واستُحثَّ النجايب
وهذا كلُّه يُشير ـ في الجملة ـ إلى أن مهارة القيادة للآليات أو للدواب مرتبطة بالذكور ارتباطًا وثيقًا؛ بل إن المرأة المعاصرة لم تقد السيارة في أوروبا إلا قبل زمن يسير؛ فإلى الثلاثينات من القرن العشرين الميلادي كانت السيارة حكرًا على الرجل، ووسيلته لجذب المرأة وإغرائها بالزواج ، إلا أنه ذُكر أن صانع أول سيارة في ألمانيا عام 1888م سمح لزوجته أن تقودها لأول مرة أمام الجماهير. وهذا الخبر إن صحَّ لا يعدو أن يكون لطيفة من اللطائف الأوروبية؛ وإلا فإن تحريك عجلة القيادة إلى عهد قريب جدًا كان شديدًا على الرجل المكتمل البنية فضلاً عن أن يكون سهلاً بيد المرأة العادية.
الخاتمة:
إن هذه المبررات المتعددة لكفِّ النساء عن مزاولة مهارة قيادة السيارات لا تُجيز ـ في الجانب الآخر ـ للمرأة المسلمة أن يُقتطع من عرضها وشرفها في المواصلات العامة المزدحمة بالأجساد المتراكمة كما هو حاصل في كثير من البلاد النامية ؛ وإنما الهدف من كل هذا ربط المرأة بحصن البيت من الجهة المالية عن طريق تطوير التنمية الاقتصادية العائلية، من خلال الصناعات المنزلية التي أثبتت جدواها الاقتصادية ، مع الاستفادة من فرص العمل المتاحة عبر شبكات الإنترنت التي أصبحت واقعًا في كثير من بلاد العالم ، فلا تحتاج للكسب خارج نطاق الأسرة. وربطها أيضًا بالبيت من الجهة المعرفية من خلال التعليم عن بعد بوسائله المختلفة، فقد أصبح هذا النوع من التعليم واقعًا عالميًا مقبولاً ، فلا يبقى للمرأة خارج المنزل إلا ما لا بد لها منه من الحاجات والمصالح.(/6)
وإلى جانب ذلك لا بد أيضًا ـ ضمن ظروف الحياة الواقعية ـ من التوسع في وسائل النقل العام من الحافلات الكبيرة ونحوها؛ بحيث تصبح أكثر جدوى وراحة وأمانًا بالنسبة للمرأة المحتاجة للخروج، كالمعلمة والطالبة ونحوهما. إلا أن الواقع يشهد بقصور وسائل النقل العام؛ ففي بلد كالمملكة العربية السعودية لا يزيد النقل العام عن استيعاب 7% فقط من حركة الرحلات المرورية، في الوقت الذي يستوعب فيه النقل العام في أوروبا 4% من هذه الرحلات المرورية ، حتى إن مدينة مثل الرياض لا يتولى فيها النقل المدرسي العام أكثر من 1% من أعداد الطلاب ، في حين لا يُسمح لطلاب المدارس في اليابان الانتقال إلى مدارسهم بسياراتهم الخاصة، ولا حتى بالدراجات النارية ، إنما بالنقل العام، وفي سنغافورة تتبنى الدولة سياسة متشددة في استخدام السيارات الخاصة، وتفرض قيودًا عليها، رغبة في توجيه الناس نحو النقل العام ؛ ولهذا جاء في توصيات الندوة العلمية الأربعين المنعقدة في الرياض عام 1417هـ حول أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور، والتي شاركت فيها ثلاث عشرة دولة عربية ما نصه: "ضرورة التوسع في وسائل النقل الجماعية في المدن العربية، وتوفيرها بأسعار مشجعة، لحمل ساكني المدن على استخدامها بمختلف فئاتهم من موظفين وطلاب وغيرهم"، فلا بد أن تكون توصية كهذه ضمن اهتمامات المسؤولين، بحيث تفعَّل بصورة جادة لتحقيق هدف التخفيف من كثرة السيارات، وإقناع المجتمع ـ ولا سيما النساء ـ باستخدام وسائل النقل العام، وفي الوقت نفسه تُغنيهنَّ عن السعي في المطالبة بقيادة السيارات الخاصة التي تزيد من أعداد السيارات، وبالتالي تزيد من احتمالات وقوع الحوادث، إلى مشكلات أخرى تقدم ذكرها.
إن مما ينبغي أن تدركه المرأة والنساء عمومًا أن هناك تقبلاً اجتماعيًا خطيرًا نحو قيام المرأة بأدوار الرجل التي كانت إلى عهد قريب مناطة به كالعمل للكسب، وعلاج الأبناء، والترفيه عنهم، ونحوها من الأعمال، فقد أصبح المجتمع المعاصر يتقبل اتكال الرجل على زوجته في هذه المهمات ، فلا يعدو تولي المرأة قيادة السيارة أن تكون تكليفًا جديدًا لمهمات أخرى تنحط عن كاهل الرجل لتنوء بأعبائها المرأة، مقابل استمتاعها بمهارة قيادة السيارة.
نتائج البحث: من خلال فقرات الدراسة توصل الباحث إلى العديد من النتائج ومن أهمها:
1. الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، ومن حق السلطان المسلم أن يمنع النساء من قيادة المركبات سدًا للذرائع المفضية إلى المفاسد.
2. لا تعتبر السيارة الخاصة مهما كانت صالحة حصنًا للمرأة من أن تنال بسوء، إلى جانب ما يترتب على انطلاقها بها من انفلات اجتماعي لا يوافق توجيه الإسلام لها بالقرار والالتفات إلى المنزل.
3. السيارة آلة عنيفة في طبيعتها وبنائها لا تناسب الطبيعة الأنثوية والدور المناط بها المتطلب لمزيد من السكون والهدوء، إلى جانب مخاطرها وقسوة حوادثها.
4. الجانب الفطري في طبيعة خلْقة المرأة وظروفها الجسمية والنفسية لا يسمح لها بتحمل مسؤولية القيادة، والمخاطرة بنفسها وبغيرها.
5. تعود أسباب كثير من الحوادث إلى ضيق الشوارع عن استيعاب السيارات، كما أن حجم التلوث البيئي مرتبط بكثرتها أيضًا، وفي السماح للنساء بقيادة السيارات زيادة في أعدادها المسببة للحوادث من جهة، وزيادة في تلويث البيئة من جهة أخرى. إلى جانب أن النساء لسن من العاقلة التي تتحمل في حال القتل الخطأ الغرامات المالية التي يتحملها البالغون من الرجال، وهذا فيه إجحاف بالرجال إذا مكِّنوا النساء من أسباب العطب والضرر.
6. المرأة عبر التاريخ لم تكن من أهل الفروسية والخيل وإنما ارتبطت منذ القديم بركوب الإبل في الهوادج المستورة، وتولى الرجل منذ ذلك الزمن خدمتها في الأسفار وحمل هودجها عند الترحال، فلا يصح ـ بناء على ذلك ـ اعتبار ركوب المرأة في القديم على الإبل كقيادتها للسيارة في هذا العصر.
7. وجود بدائل عصرية يمكن من خلالها إغناء النساء عن قيادة المركبات من خلال وسائل النقل العام الكبيرة وإحياء الصناعات المنزلية، والاستفادة من وسائل التعليم عن بعد.
8. شح الدراسات العملية في موضوع قيادة المرأة للسيارات مما يتطلب مزيدًا من البحث في الموضوع والوقوف على دراسات أجنبية للتأكيد على صحة القرار بالمنع.
من الأولى بالمنع | قلب خذيته يقول...
من الأولى بالمنع من قيادة السيارة الرجل أو المرأة في ضوء المعطيات التالية:
ليس من المناسب أن يصبح موضوع قيادة السيدات للسيارات هو الموضوع الذي تقوم عليه السعودية أو تنهار, وليس من المناسب أن يصبح هذا الموضوع هو الذي يميز المؤمن عن الكافر, بل إنه ليس من المناسب أن يصبح هو شغلنا الشاغل. صحيح أنه مهم ويمس حياتنا ولكنه يظل واحداً فقط من مواضيع كثيرة مهمة وتمس حياتنا - وربما بشكل أقوى منه.(/7)
ولعلنا نتفق على أن الانطلاق يجب أن يكون من أساس أن السعي هدفه مصلحتنا جميعاً, وأنه ليس هناك فريق عميل يهدف لخدمة أفكار تدميرية لمجتمعنا, وفريق آخر يجرنا إلى الخلف ولا يرغب في أي تطوير أو تقدم لمجتمعنا. ليس هناك فريق يدعو إلى التبعية للغرب والتخلي عن مبادئنا, وليس هناك فريق يعمل لهدم المجتمع الحالي.
لماذا لا ننطلق من كوننا فريق واحد يسعى لنقاش موضوع هام ولتحديد ما هي فوائد وما هي مخاطر أو مساوئ هذا الموضوع, وأننا جميعاً نسعى لتحقيق ما هو في الصالح العام, لأننا جميعاً أبناء مجتمع واحد, ووطن واحد, وندين بدين واحد, وبما أننا تطرقنا إلى هذا الدين العظيم, فدعونا نتذكر بأن الحوار هو جزء أساسي من هذا الدين, فأمامنا القرآن الكريم والذي يحدثنا من ضمن آياته وأمرنا بكل وضوح أن نحاور غير المسلمين, وأن نحاورهم بالحسنى, فما بالك إذا كان التحاور بين المسلمين? لا شك بأنه أولى أن يكون بالحسنى وألا يتخلله أبداً أي نوع من التجريح أو التهجم الشخصي.
في ظل هذه الأساسيات لديننا الحنيف دعونا نتطرق لموضوع قيادة المرأة للسيارة ونراجع ما هي المبررات لمنع ذلك.
أولاً: اعتقد أن الجميع متفق على أنه لا يوجد هناك نص من القرآن أو حديث من السنة يمنع قيادة السيدات للسيارات, فلا أحد ذكر ذلك, أو ادعى ذلك. وهذا ما طالبت المتحاورين به في حديثي السابق.
ثانياً: يبدو أن المنع أتى من باب سد الذرائع أو درء المفاسد, وبالطبع هذا مجال علماء الفقه والدين, ولكن في المقابل هناك حاجة لتحديد ما هي المفاسد التي تنتج من قيادة السيدات, فهل هي مفسدة عظمى ولا يوجد أي مفر من حدوثها; أم أنها مثل أي حدث آخر قد يكون له مخاطر ومحاذير, ولكن أيضاً هناك فوائد ومنافع منه:
منع أي شيء فقط لأنه يمكن أن يجلب مفسدة هو أمر غير مقبول من أحد, فلا اعتقد أن أياً منا - بغض النظر عن موقفه - سوف يطالب بمنع السكاكين لأنه تم استخدام سكين في جريمة قتل, أو يطالب بمنع السيارات لأنها تقتل سنوياً ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص .. هذه مفاسد تحدث, ولكننا نعلم جميعاً أن مقابلها هناك منافع كثيرة لمجتمعنا, وأن منع هذه الأدوات سوف يؤدي إلى خسائر أكبر مما لو قمنا بالسماح بها, حتى لو كان بالسماح بها بعض المفسدة.
بالتالي القول بأن قيادة المرأة للسيارة سوف يجلب لنا المفاسد, يجب ألا يتم إطلاقه بصفة عامة, بل يجب دراسته لنرى ما هو حجم المفاسد هذه, وهل تتساوى مع مفسدة منع حوالي ثلاثة ملايين سيدة من قيادة السيارات, ومن منع بعض ممن لديهن مسئوليات, أو أطفال مرضى من قضاء حوائجهن, يجب أن نقارن ما بين الخيارين لنرى أيهما أكثر مفسدة.
ثالثا: هناك من يقول أن منع قيادة المرأة للسيارة هو منع ناتج عن الخوف من المجهول - تماماً كما كان هناك خوف من الراديو عندما أطل علينا, ومن التلفون, ومن التلفزيون, ومن تعليم البنات - كانت هناك ردة فعل ناتجة من الخوف تجاه المجهول, وناتجة من الخوف على مجتمعنا أن يتأثر, أو يتغير بطرق لا نعلمها ولا نستطيع أن نقدرها , وناتجة من الحرص على الحفاظ على هذا المجتمع وعلى تقاليده والتمسك بها.
وهذه كلها مشاعر نبيلة, ونتعاطف معها, والمفروض أن نقدر موقف الخوف على مجتمعنا وتقاليدنا, وخصوصاً ونحن ندخل في بحر من الفضائيات والغزوات المادية والمعنوية, فما يحدث الآن ليس سبباً للخوف وحسب, وإنما يسبب الذعر, ولكن لم يكن أبداً الخوف والذعر هو حل لأي مشكلة, بالعكس أنه يزيدها تعقيداً, ويزيدنا ضعفاً.(/8)
ولا ننسى أنه عندما كان الاسلام يحكم العالم بقوة, وكانت أوروبا غارقة في بحر الظلمات, وكانت تحرم وتجرم وتقتل أياً من يقول إن الأرض كروية, أو إن الأرض تدور حول الشمس, في تلك الفترة كانت الحضارة الاسلامية عاكفة على دراسة وترجمة وتطوير علوم الاغريق والروم والفرس والهند, ( ولم يكن آنذاك قد تم فك ترجمة لغة حضارة الفراعنة بعد. وإلا لكان المسلمون أول من درسها وترجمها وصورها), فلم يكن هناك رفض للشيء الغريب أو الجديد, ولكن كانت هناك دراسة وتحليل واستخدام ما هو مفيد وتطويره, وهذا دليل على القوة. ومما لا شك فيه أن ديننا القوي يسمح بالتطور ويواكب التغيرات, فهو دين صالح لكل زمان, ولكل مكان. وحتى لو رغبنا في غلق الأبواب والنوافذ على مجتمعنا - فإننا لا نستطيع ذلك لأننا نعيش في عالم تتسارع فيه التغييرات, وتتلاشى الحدود, ومهما كنا حريصين على تقاليدنا وأعرافنا فنحن أمام موجة من المتغيرات القادمة, ولن يفيد أبداً أن نغلق أعيننا وأذاننا, فالتغيرات قادمة وستصيبنا سواء شئنا أم أبينا. والمرأة كانت منذ آلاف السنين ولا زالت إلى اليوم تقود الإبل والبغال وخلافها, وهي اليوم في مختلف دول العالم لا تقود فقط السيارات وإنما تقود أيضاً الطيارات والدبابات والمدرعات. ونحن في شريعتنا عندما نستنبط أحكاما للمسافر في عصرنا الحالي, وهو يسافر بالطائرة وليس بالجمال إلا أننا نستخدم ما كان ينطبق على الجمال لاستنباط ما يمكن تطبيقه على السفر حالياً بأحدث الوسائل, ونطبق صلاة القصر والجمع, فلماذا لا يتم استخدام نفس المعيار الاستنباطي للسماح للمرأة بقيادة السيارات ?
رابعاً: لا شك أننا جميعاً سمعنا عن ما الذي سيحدث للسيدات عندما تصاب سيارة إحداهن ببنشر أو تتعطل, وكيف أنهن سيصبحن فريسة لشبابنا الذي لن يتوانى في الهجوم عليهن. بصراحة أنا أستغرب من هذا المنطق, لأنه ببساطة يعني أن شبابنا عبارة عن وحوش كاسرة تتجول في الشوارع لتصطاد أي ضعيف, أو فريسة, وربما كان هذا ينطبق على بعض من الشباب, ولكني أربأ أن يكونوا كلهم بهذه الصورة, وأعتقد أنه لكل حادثة معاكسة واحدة أو استهتار لفئة ضالة من الشباب, هناك حالات عديدة من الشهامة والمروءة لشبابنا الذي تربى في حضن مجتمع يدعو إلى الشهامة والمروءة. بالإضافة لذلك فإن منع السيدات من القيادة بسبب خوفنا عليهن من المضايقات أو الهجوم, هو شبيه منطقياً بالمطالبة بمنع أطفالنا من الذهاب للمدارس لأنهم قد يتعرضون لتحرش جنسي أو إيذاء جسدي, وشبيهة أيضاً منطقياً من منع شبابنا من السفر للخارج لأنهم قد يتعرضو ن لفتن تضلهم عن الطريق المستقيم, وتؤدي إلى انحرافهم.
المطلوب في مثل هذه الحالات أن نسعى لمنع الأذى بالوقوف أمام المتعدي أو المؤذي والتصدي له, وعلى أساسه أن يتم معاقبة أي أستاذ أو معلم يصدر عنه سلوك غير مستقيم, وليس الحل هو أن نقفل المدارس أو نمنع الطلبة. بالتالي لو كان فعلاً السبب في منع قيادة السيدات للسيارات هو ناتج من أن لدينا شبابا ورجالا همجيين ومتوحشين فعلاً, فإن المفروض أن يتم منع الشباب والرجال من القيادة - وليس النساء - فالقانون يجب أن يعاقب المخطئ أو المعتدي, ولا يعاقب الضحية.
خامساً : أما القول بأن المجتمع غير جاهز أو غير ناضج لقيادة السيدات, فربما قد يكون هذا صحيحاً, ولكن أود أن أعلم كيف توصلنا إلى هذه المقولة, هل تم تعيين شخص معين كوصي على المجتمع السعودي بحيث يستطيع هذا الفرد أن يصدر أحكامه من تلقاء نفسه بأن المجتمع السعودي غير جاهز لهذا أو لذاك.
بصراحة أنا لم أر تطاولا وتجاوزا على أي مجتمع مثلما أراه الآن على المجتمع السعودي حيث قد يقوم أي شخص بتنصيب نفسه كوصي على هذا المجتمع, ويطلق أحكاماً عامة وصارمة بأن المجتمع غير جاهز لهذا أو لذاك.
هذه في الواقع ليست إلا أحكاماً فردية وآراء شخصية, نرجو أن يلتزم من أصدرها بتطبيقها على نفسه هو, وألا يعممها على المجتمع ككل, إلا إن كان لديه بينة تدعم مقولته, أما إطلاق الأحكام بأن مجتمعنا غير جاهز, أو غير ناضج, فنحن مجتمع لا ينتظر أن يأتينا فرد ليقول لنا متى نكون جاهزين أو ناضجين. نحن علينا بأحكام الله - وهنا علينا السمع والطاعة - أما خلاف ذلك فهو اجتهاد ويجب أن يناقش ليتم تحديد الأصلح, ويترك للمجتمع الخيار .(/9)
سادساً : أما القول بأن السماح بقيادة السيدات للسيارات سوف يؤدي لخروج النساء من بيوتهن, فإن كان المقصود بأن البديل للسماح بقيادة السيارات هو أن تبقى النساء في بيوتهن دون أن يخرجن, وإن كان المقصود بهذه المقولة أننا ضد خروج المرأة أصلا, فعلينا إذاً بإغلاق المدارس والوظائف وأي شيء له علاقة بالنساء, فلا داعي لإنفاق المليارات على أي شيء له علاقة بالمرأة, ودعونا نتفق على أنه من الولادة إلى الممات على النساء أن يبقين في البيوت, ثم إن اتفق المجتمع على هذا, علينا أن نوفر المليارات التي يتم صرفها على تعليم وتدريب النساء, ونترك موضوع النساء جانباً, وليكن هذا واضحاً للجميع, ولكن لنعلم اننا إذا قمنا بذلك فقد عطلنا وألغينا عطاء ضخما لنصف المجتمع,أما إذا كان المقصود من القول أنه مسموح للمرأة بالخروج, ولكن عليها أن تخرج مع سائق, فأنا أتساءل هنا هل إن كان السائق أجنبيا, أو غير محرم, فهذا مسموح للمرأة ? ولا يعتبر مفسدة ? بينما لو خرجت تسوق بنفسها وتقضي حاجاتها, وتوصل اخواتها فهذا يعتبر مفسدة ?
وأضيف هنا أن موضوع قيادة السيدات للسيارات هو موضوع خياري, بمعنى أن لا أحد يسعى لأن يكون القانون فرضا إجباريا على الجميع, فلو تم السماح لقيادة السيدات للسيارات هذا لا يعني أن شرطة المرور سوف تقتحم كل منزل, وتخرج النساء قسراً وترغمهن على قيادة السيارات, هذا لن يحدث, فإن كان هناك امرأة أو حتى رجل لا يرغب القيادة, فهذا موضوع راجع له, وإن كانت المرأة تعتقد أن قيادة السيارة فيه مفسدة أو ضرر, أو حتى أنه أمر لا يستهويها, فإن لها كامل الخيار ألا تقود ولن يرغمها أحد على ذلك, أما المرأة التي لها مصلحة أو ضرورة في القيادة, ويمكن أن تتولى مسئولية ذلك, فهي مسموح لها أن تقود تماما مثل الرجل.
قيادة المرأة هو أمر خياري وليس أمرا إجباريا, والسماح به لا يعني أنه يجب على كل امرأة أن تترك منزلها وتقضي وقتها تتسكع في الطرقات إلى ما بعد منتصف الليل. هذه سلوكيات غير مقبولة سواء من المرأة أو من الرجل.
سابعاً:اما القول بأننا يجب أن نحافظ على السيدات, وأن نتعامل معهن كالدرر المصونة, فأرجو الا تكون هذه المقولة كباب ظاهره الرحمة ومن باطنه العذاب, بمعنى أتمنى على الذين يقولون بأنهم يتعاملون مع النساء كأنهن درر مصونة, أتمنى عليهم أن يصرحوا بأسماء هؤلاء النساء اللائي يتعاملون معهن.
هل يا ترى لو سألت أحداً منهم عن اسم زوجته أو أخته أو أمه أو بنته سوف يقف هاتفاً بكل فخر باسم هذه (الدرة), أم أنه سوف يخجل من الاجابة, أمل أن يسارع الذين يعتزون بالسيدات ويعتبرونها كدرة مصونة للدفاع عن حقوقهن في الميراث, وحقوقهن في أموالهن, وحقوقهن في المكوث بمنازلهن (لو تم الطلاق لا سمح الله), و حقوقهن في رعاية أولادهن وحضانتهم, وحقوقهن في اختيار الزوج, وحقوقهن في النفقة والعشرة بالمعروف.
أين نساؤنا من هذه الحقوق الواضحة والصريحة والتوجيهات الصارمة في القرآن والسنة? وكيف وصلن إلى وضعهن الحالي الذي حتى أسماؤهن أصبحت مصدراً للخجل. لا شك أن الفريق المؤيد لقيادة المرأة للسيارة ينظر بكثير من الشك, وعدم التصديق لمقولات الحفاظ على النساء كالدرر المصونة, ولا شك أنه من الصعب أن نلومه, فبعض من يستخدم شعار الدرر المصونة, هم أكثر الناس خجلاً من المرأة, وأبعد ما يكون عن رعايتها وإعطائها حقوقها.
أخيراً هناك نقاط أخرى عديدة تم اثارتها خلال النقاش حول موضوع قيادة المرأة للسيارات, منها على سبيل المثال أن السماح بذلك سوف يؤدي إلى زيادة الضغط على شبكة الطرقات, وسوف يؤدي إلى زيادة الحوادث, بل إن هناك من قال أننا يجب أن نمنع المرأة من القيادة لأنه لو سمحنا بذلك فإن الضغط سوف يزيد على ورش السمكرة, وربما قال ذلك من كانت هناك ورشة بجوار منزله وتزعجه.
هناك نقاط عديدة تمت اثارتها حول هذا الموضوع, منها ما هو جاد, ومنها ما قد يكون أقرب للهزل أو السخف, وموضوع الحوادث والضغط على الطرقات هو موضوع جاد, ولكن مواجهته لا تكون بمنع القيادة, فأي مدينة أو أي بلد يتطور لابد وأن يكون هناك ضغط على شبكة المواصلات, كما يكون هناك ضغط على أي بنية اقتصادية عندما يتقدم المجتمع,ولمواجهة هذا الضغط لا نقوم بالمطالبة بألا يتقدم المجتمع وألا يستخدم الأدوات والوسائل الحديثة, وإنما نطالب بزيادة حجم البنية الأساسية, وزيادة شبكات الاتصالات والمواصلات.
أما بالنسبة لحوادث السيارات فهي بالفعل كارثة, ولكن من المعلوم حسب الاحصاءات العالمية أن المرأة أكثر أماناً في القيادة وأقل تعرضاً للحوادث من الرجل. وبالتالي إن كنا فعلاً نرغب في مواجهة كارثة حوادث السير في المملكة العربية السعودية مرة أخرى علينا أن نضع قيود على قيادة الرجال للسيارات وليس السيدات.(/10)
هذه بعض النقاط التي اثيرت حول الموضوع. وأنهي كما بدأت بالإستشهاد بديننا العظيم السمح والذي يمنع التباغض والكراهية فيما بيننا, ويحث على التواصل والتفاهم, وأنا عن نفسي سأقبل تماماً وأرضخ فوراً لأي أمر من أوامر الله - فنحن لا نرضى بغير شريعة الله - ولا نقبل عنها بديلاً, ونتناقش ونتحاور فقط من هذا المنطلق, فإن كانت الشريعة تسمح بشيء وهو في صالحنا فلنقبل به ونستخدمه, أما إن أتضح غير ذلك فلنقف جميعاً ضده.
وأعود مرة أخرى كما بدأت إلى أهمية الحوار والنقاش ما دام لا يؤدي إلى كراهية وضغينة, فالحوار المحايد والموضوعي هو تمرين للذهن, ويؤدي إلى تنمية العقل ونضج الفكر تماماً كما تؤدي التمارين الرياضية إلى قوة الجسد ونموه, وأنا مؤمنة أن تقوية العقل ونضوجه أهم من تقوية الجسد والعضلات.
وهل المرأة إلا بشر مثلها مثل الرجل ؟؟ | طارق يقول...
كلما قرأت موضوعاً يتعلق بالسماح للمرأة بقيادة السيارة من عدمه ، أتساءل بغيض ، لماذا ننظر للمرأة هذه النظرة " النرحسية " الصرفة مع أن كل البحوث دلت على أن جسد المرأة هو جسد إنساني مثلها مثل جسد الرجل ولكن بزيادة الهرمونات المؤنثة في جسدها......
وعندما أتذكر ذلك أترحم على المجتمعات " غير المسلمة " التي تنظر للمرأة كعضو فاعل في المجتمع تقود السيارة وتذهب إلى الأماكن العامة لوحدها دون أن تتعرض للمضايقة من أحد ، فهناك على ما يبدو يغضوا من أبصارهم ، أما نحن فعندما نتذكر المرأة يسيل لعابنا ونعتبرها كـ " الجوهرة " التي ينبغي لفها بأوراق الورد والسلوفان!!!
فيا أيها السادة أرجوكم لا تدخلوا الدين في عاداتكم وتقاليدكم ، فكثير من المجتمعات " المحافظة " تقود المرأة بها السيارة ولا مشكلة ، فلماذا نحن نتصور الأسوء عندما نطالب بتحرير المجتمع أو جزءاً منه من عقد الفهم الخاطيء للدين والحياة ، لماذا ، هل سألتم أنفسكم هذا السؤال ؟؟
مؤيده | هناء يقول...
اريد ان اؤيد راى الاخ الكريم فيما قاله وعلى هدا الاسلوب الرائع والراقى فىي الحديت واعتقد اننى اتفق مع وجهه نضرك واوافقك تماما واختصرت على جهدا ووقت لشرحهالاخ (قلب خديته).
رآى الاخت هناء وطارق | bingaber يقول...
أما نحن فعندما نتذكر المرأة يسيل لعابنا ونعتبرها كـ " الجوهرة " التي ينبغي لفها بأوراق الورد والسلوفان!!!
لا اننا عندما نتذكر المرأة لايسيل لعابنا ولكنناونعتبرها كـ " الجوهرة " التي ينبغي لفها بأوراق الورد والسلوفان!!!
ان هذة القضية تختلف من بلد الى أخرى
والوضع يختلف فى السعودية فنحن نعلم ان عرضهم لهذة القضية لا بسبب حرصهم علي المرأة السعودية ولكنهم يريدون أن يفككون التزام المرأة السعودية
وأنا لا أمانع أن تقود زوجتى السيارة اذا كان قيادتها للسيارة ضروريا لنا
على أن تكون هناك ضوابط لهذا الامر
1-لاتقود السيارة ليلا
2-وبالطبع لاتسافر
3-تكون قيادتها فى مناطق وسط البلد
4-عند تعارض عملي مع الحاجات التى تريد زوجتى القيام بها
5-تترك لى كل مهام وأمور السيارة من صيانة وتعامل مع رجال
6-الامر عندنا فى مصريختلف عن السعودية(/11)
مبررات منع المرأة من قيادة المركبات من المنظور التربوي الإسلامي
تأليف
د . عدنان حسن باحارث
آية وحديث
قال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُويْدَك يا أنْجَشَةُ لا تكْسِرِ القَوَارِيرَ)) [صحيح البخاري].
مقدمة البحث
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن ظروف الحياة الاجتماعية المعاصرة تختلف عن فترات زمنية ماضية في العديد من جوانبها، فقد أصبح التجديد، والتطور، والتغير سمات بارزة لطبيعة الحياة المعاصرة، ولم تعد لدى غالب فئات المجتمع تلك القناعات السابقة التي كانت تحدُّ من عنف تيار التغيير الجارف. وقد أسهمت الطبيعة المتسارعة للحياة المعاصرة في زعزعة كثير من الثوابت الأخلاقية والعرفية، وشارك في ذلك التقدم التقني الهائل، وما رافقه من الإنتاج الصناعي المذهل، الذي انفتحت أمامه أسواق العالم التجارية ـ رغبة ورهبة ـ في الوقت الذي لم يكن للأمة المسلمة ـ ضمن هذه المنظومة العالمية المتسارعة، والتطور العلمي والتقني ـ أيُّ دور جاد في هذا البناء الحضاري المعاصر يُخوِّلها فرضَ معاييرها الاعتقادية والأخلاقية، أو حتى لاحترامها والاعتراف بها ضمن ثقافات الأمم المتغلبة، مما أوقع الأمة المسلمة في شباك مصالح الآخرين المادية والفكرية، وزاد بالتالي من تمزُّقها وتفككها.
ولقد عاشت الأمة زمنًا ليس بالقصير تقاوم رياح التغريب، وتدفع عن نفسها موجات التغيير، إلا أن هذا الصمود وتلك المقاومة لم تدم طويلاً، حتى أخذت حصون الأمة تتداعى، ومعاقلها تتهاوى أمام قوى الغزو الفكري الجارف. حتى بلغت الأمة عصر العولمة، والانفتاح الثقافي العالمي الذي لم يكن ليبقي للأمة خصوصية تتميز بها، أو أصلاً تلوذ به، حتى وصل الداء إلى أخصِّ خصوصيات الأمة الاجتماعية، وأهم ما يُميِّزها ـ اجتماعيًا ـ عن غيرها وهي قضية المرأة، ونوع الحياة التي يجب أن تحياها.
لقد أدرك الغربيون أن تغيير نمط الحياة الاجتماعية للأمة المسلمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير أسلوب وأهداف تربية المرأة المسلمة، فكانت الهجمة ـ منذ فترة ليست قصيرة ـ على الوضع الاجتماعي للمرأة المسلمة في غاية القسوة، توَّجتها ـ في السنوات الأخيرة ـ مجموعة من المؤتمرات العالمية والندوات المحلية تُؤصِّل من خلال توصياتها توجهات عالمية عامة توحِّد نهج تربية المرأة في جميع أقطار العالم، وتُذيب الفوارق الثقافية، والأنماط الاجتماعية لتصب نساء العالم في قوالب ثقافية من شكل واحد، لا يفرِّق بينهن سوى ما تفرضه الجينات الوراثية من الألوان والأشكال.
ولقد عانت المملكة العربية السعودية منذ زمن ـ ولا سيما في الفترة الأخيرة ([1]) ـ من هجمات شرسة تستهدف الشريعة الإسلامية، ونمط الحياة الاجتماعية المحافظ، مما جعلها مقصودة من الدول الغربية ومنظماتها الإنسانية بالنقد والإساءة، تحت ستار حقوق الإنسان، مستهدفة بذلك وضع المرأة في بلاد الحرمين، وحقوقها المسلوبة ـ حسب زعمهم ـ في شكل لباسها، وأسلوب سفرها، ونوع ارتباطها الأسري، ومجالات عملها، وغيرها من قضايا المرأة المسلمة الحيوية.
وقد كان من بين هذه الانتقادات الموجهة إلى بلاد الحرمين حرمان المرأة من حق قيادة المركبات أو ما يسمى اليوم بالسيارات، بحجة أنه أصبح حقًا عامًا تستمتع به كل امرأة راغبة في الدول الأخرى. دون نظر جاد لعواقب الأمور، وطبيعة المرأة، والخصوصية التي تتميز بها بلاد الحرمين الشريفين.
ولقد كان هذا الموضوع موضع اهتمام الباحث منذ زمن، ولا سيما بعد أن احتدم الصراع عبر وسائل الإعلام بين المشجعين والمانعين، رغبة في بيان وجه الصواب ضمن المنهج التربوي الإسلامي، الذي يعتمد الكتاب والسنة أساسًا للانطلاقة الفكرية والعلمية.
مشكلة البحث:
تتلخص مشكلة البحث المطروحة للدراسة في الإجابة عن السؤال الرئيس الآتي:
ما مبررات منع المرأة من قيادة المركبات من المنظور التربوي الإسلامي؟
ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس مجموعة من الأسئلة الفرعية التي يسعى البحث للإجابة عنها وهي على النحو الآتي:
1. ما المبرر الفقهي لمنع المرأة من قيادة المركبات ؟
2. ما المبرر الأخلاقي لمنع المرأة من قيادة المركبات ؟
3. ما المبرر الصحي لمنع المرأة من قيادة المركبات ؟
4. ما المبرر الفطري لمنع المرأة من قيادة المركبات؟
5. ما المبرر الاقتصادي لمنع المرأة من قيادة المركبات؟
6. ما المبرر التاريخي لمنع المرأة من قيادة المركبات؟
أهمية البحث:(/1)
تعاني الأمة المسلمة المعاصرة مشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة، وتأتي قضايا المرأة بطبيعتها وخصوصيتها في نظام الاجتماع الإسلامي لتضع الأمة المسلمة في حرج أمام العالم من حولها وهو يخوض في نظامه العالمي الجديد؛ ليصهر الشعوب المستضعفة في قوالب ثقافية عالمية متشابهة.
ولئن كانت قضية قيادة المرأة للمركبات أو السيارات ـ ضمن هذه الموجة العالمية ـ لا تعدو أن تكون جزئية ضمن قضايا كثيرة وكبيرة متعلقة بالمرأة إلا أنها حلقة من حلقات تماسك المجتمع، بانحلالها تنحل حلقات أخرى كثيرة، تنتهي بهتك خصوصيات المرأة المسلمة، ودخول المجتمع المحافظ في قضايا اجتماعية جديدة ومتشعبة كان بالإمكان تفاديها، والوقائع والشواهد التي تدل على ذلك في كثير من الدول العربية والإسلامية لا تخفى.
والبحث في هذه المسألة يلقي الضوء بصورة علمية موثقة ـ ضمن التوجه التربوي الإسلامي ـ على المبررات التي من أجلها ترجَّع اختيار المنع من قيادة المرأة للسيارة، مما يدعم قرار وزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية في منع المرأة من مزاولة هذه المهارة، ويضيف البحث في هذا الميدان موضوعًا لم يسبق بحثه تربويًا - في حد علم الباحث- كما سيتضح من واقع الدراسات العربية السابقة، ومن جملة ما تقدم تظهر أهمية البحث.
أهداف البحث:
يهدف البحث من خلال فقراته إلى تحقيق الغايات الآتية:
1. إلقاء الضوء على المبررات المختلفة لمنع المرأة من قيادة المركبات.
2. الوقوف على التوجيه التربوي الإسلامي في مسألة قيادة المرأة للمركبات.
3. تحقيق القناعة الفكرية لدى المرأة المسلمة وأوليائها بعدم المطالبة بقيادة المركبات.
4. دعم قرار وزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية في منع المرأة من قيادة المركبات.
منهج البحث:
يتشعب البحث في العديد من الميادين العلمية التي تتطلب استخدام أكثر من منهج لمعالجة مشكلة البحث والإجابة على تساؤلاته، فقد استخدم الباحث المنهج الاستنباطي الذي يعد أهم المناهج المستخدمة في بحوث التربية الإسلامية، وذلك في معالجة الناحية الشرعية من البحث، وما يتعلق بها من النصوص والمنقولات الشرعية المختلفة. كما استخدم الباحث المنهج الوصفي الذي يعد أوسع المناهج التربوية استخدامًا، وذلك في معالجة المبرر الأخلاقي، والصحي، والفطري، والاقتصادي.
وأما المبرر التاريخي فقد استخدم الباحث لمعالجته المنهج التاريخي فيما يتعلق بتاريخ قيادة المرأة للمراكب.
الدراسات السابقة([2]):
1. دراسة محمد عيسى فهيم وآخران (1405هـ) بعنوان: "السلوك المزعج الصادر عن السائقين في أثناء القيادة ـ دراسة ميدانية بمدينة مكة المكرمة". كان هدف الباحثين التعرف على رأي أصحاب السيارات تجاه تصرفات السائقين المزعجة ومدى تكرارها، مع تحديد علاقة كل من العمر والمستوى التعليمي ونوع السيارة والجنسية والخبرة بمهارة القيادة إلى إدراك السائق للسلوك المزعج الصادر عن غيره من السائقين، ودرجة الشعور بهذا السلوك المزعج. وكانت عينة الدراسة مجموعة من السائقين من فئات عمرية وثقافية مختلفة داخل مكة المكرمة، حيث وُجِّهت إليهم استبانة مكونة من خمس وثلاثين فقرة، تستطلع إدراك: مدى انزعاجهم من السلوك القيادي المزعج، حيث اتضح من النتائج أن المستجيبين على وعي كامل بما يجري من السلوك المزعج في أثناء القيادة، ويتمتعون في غالبيتهم بوعي جيد بأنظمة المرور، وقد أعقب الباحثون الدراسة بمجموعة من التوصيات.
2. دراسة عبد الله النافع وخالد السيف (1408هـ) بعنوان: "تحليل الخصائص النفسية والاجتماعية المتعلقة بسلوك قيادات السيارات بالمملكة". وقد استهدفت الدراسة التعرف على الخصائص النفسية والاجتماعية التي تميز سلوك قيادة السيارات في المملكة، مع تحليل وتقويم لهذه الخصائص، وتحديد أكثرها ارتباطًا بسلوك القيادة غير الآمن المسبب للحوادث المرورية. وقد استخدم الباحثان أربع استبانات لجمع المعلومات الأساسية للمبحوثين، وطبيعة سلوك قيادة السيارات، ونوع سمات الشخصية، والمعلومات المرورية. وقد كانت عينة الدراسة من الذكور، شاملة لمناطق المملكة من فئات متنوعة. وقد توصلت الدراسة إلى نتائج من أهمها: وجود ميل نحو المخاطرة في القيادة لدى السائقين بالمملكة خاصة من الشباب، مع مخالفة للأنظمة المرورية، وعدم مراعاة أسباب السلامة، وقد ذيلت الدراسة بمجموعة من التوصيات والمقترحات للأفراد والجهات المعنية بالحركة المرورية.(/2)
3. دراسة ناصر عبد الله الصالح (1408هـ) بعنوان: "حوادث المرور بمدينة مكة المكرمة ـ العلاقة المكانية والاتجاهات الزمانية". وتهدف الدراسة إلى تحليل أسباب الحوادث في مكة المكرمة في ظل التوسع الهائل في أعداد السيارات وطبيعة ظروف منطقة المشاعر المقدسة. وقد اعتمد الباحث في جمع البيانات على إحصاءات إدارة المرور خلال السنوات الثلاث: 1403، 1404، 1405هـ. حيث اتضح من الدراسة كثرة الحوادث في فترات المواسم، والإجازات الرسمية. كما أظهرت الدراسة وجود علاقة بين كثرة الحوادث وخطورتها وعدد السائقين دون سن 18 سنة، وأن أكثر الحوادث تقع من السعوديين والمتعلمين والعزاب، كما بينت الدراسة كثرة حوادث النهار عن حوادث الليل، ثم أعقب الباحث دراسته مجموعة من التوصيات.
4. دراسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1410هـ) بعنوان: "حوادث السيارات وبيان ما يترتب عليها بالنسبة لحق الله وحق عباده". وقد كان هدف الدراسة معالجة أربع قضايا رئيسة هي: تصادم السيارات بعضها مع بعض، ما تحدثه بعض السيارات من دعس أو انقلاب، بيان ما يترتب على حوادث السيارات من العقوبات لمخالفة أنظمة المرور، وأخيرًا توزيع الجزاء على من اشتركوا في وقوع الحادث. وقد كشفت الدراسة عن وجود كم هائل من الذخيرة الفقهية العلمية في تراث الأمة الإسلامية حول قضايا حوادث التصادم وما يترتب عليها من أحكام الجنايات والغرامات والعقوبات. وقد عرضت الدراسة مجموعة من أمثلة الحوادث وما يترتب عليها من الأحكام الشرعية والعقوبات.
5. دراسة محمد المنجي (1993هـ) بعنوان: "دعوى تعويض حوادث السيارات" حيث شملت الدراسة قضايا كثيرة متعلقة بحوادث السيارات، والدعاوى المدنية ضد شركات التأمين. حيث عالج الباحث في فصول دراسته الجنائية، والتنظيم القانوني للدعوى ضد شركة التأمين، والحكم بالتعريض. حيث فصَّل الباحث في هذه المسائل من الجهة القانونية، وقد كان الدافع من وراء هذه الدراسة شدة حاجة الناس في العصر الحديث إلى تناول مثل هذه القضايا الشائكة الملحة بين المتضررين من حوادث السيارات وشركات التأمين، في وقت أصبحت فيه السيارات جزءًا من حياة الناس تلاحقهم بأضرارها وحوادثها في كل مكان.
6. دراسة عبد العزيز أحمد دياب (1416هـ) بعنوان: "الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلاج". حيث كان الدافع من وراء هذا البحث كثرة الحوادث في المملكة العربية السعودية في العقدين الأخيرين كنتيجة للنمو الاقتصادي المتسارع، وما ينجم عنها من هدر للثروة واستنزاف للطاقات. وقد سعى الباحث إلى دراسة إحصائيات الحوادث المرورية في المملكة خلال الفترة من 1977م وحتى 1991م. وقد توصل الباحث إلى أن المتغيرات المستقلة التي تسهم بدرجة عالية من الثقة في تحديد الحوادث المرورية في المملكة هي: الدخل، وثمن السيارة، ووعي السائق، والحالة الفنية للسيارة، ووقت القيادة.
7. دراسة جهاد محمد قربة (1420هـ) بعنوان: "طبيعة العلاقات المجالية للحوادث المرورية داخل الوسط الحضري لمدينة الشارقة ـ دراسة تحليلية لفترة التوسع 1987م ـ 1992م". وقد سعى الباحث من خلال دراسته إلى التعرف على الحوادث المرورية التي تحدث داخل المجال الحضري لمدينة الشارقة، والوقوف على الأسباب الرئيسة وراء وقوع هذه الحوادث. وقد اعتمد في جمع البيانات العلمية على الإحصاءات والمحاضر الصادرة عن إدارة مرور إمارة الشارقة. وقد توصل الباحث إلى أن التوسع العمراني الذي شهدته المدينة كان سببًا رئيسًا في كثرة وقوع الحوادث. ثم أعقب دراسته بمجموعة من التوصيات المتعلقة بالتدريب والتوجيه، وأخرى بالتخطيط الحضري للمدينة.
8. دراسة عامر ناصر المطير (1421هـ) بعنوان: "قيادة التلاميذ للسيارات وأثرها على الحركة المرورية في المملكة العربية السعودية". تناول الباحث في دراسته مشكلة قيادة التلاميذ للسيارات وحوادثهم المرورية في مدينة الرياض، حيث أعد الباحث استبانة تم توزيعها على عينة من طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية بلغت 900 طالب من مدينة الرياض. وقد أسفرت الدراسة على أن ما نسبته 54% من طلاب المرحلة الإعدادية و87% من طلاب المرحلة الثانوية يقودون السيارات، وأن نسبة كبيرة منهم يرتكبون حوادث ومخالفات مرورية كثيرة، وأن نسبة تصل إلى ربع العينة من طلاب الثانوية تتعمد ارتكاب الخطأ المروري. كما اتضح من الدراسة أن مدينة الرياض تأتي في المرتبة الأولى من حيث عدد صغار السن دون 18 سنة المشتركين في حوادث المرور.
9. دراسة محمد حسين منصور (د. ت) بعنوان: "تدخل السيارة في حادث المرور ـ مناط مسؤولية القائد". تناول الباحث في دراسته استعراض وسائل النقل المختلفة وطبيعة حادث المرور، وتدخل السيارة فيه سواء كانت المتحركة أو الساكنة، وحوادث فتح باب السيارة، إلى قضايا قانونية أخرى متعلقة بمسألة التأمين، وأضرار الحوادث.(/3)
التعليق على الدراسات السابقة:
من خلال الاستعراض الموجز للدراسات العربية السابقة التي وقف عليها الباحث في ضوء الموضوع المختار للدراسة الحالية اتضح أن هذه الدراسات في جملتها لم تتعرض لموضوع قيادة المرأة للمركبات، وأنها تشترك مع الدراسة الحالية في مسألة قيادة السيارات وما يتعلق بها من الحوادث، والآثار المترتبة على ذلك من الناحية الشرعية والاقتصادية والقانونية. فالدراسات: الثالثة والسابعة والثامنة جغرافية التخصص، والدراستان الخامسة والتاسعة تنحو منحنى قانونيًا، والدراسة الرابعة فقهية شرعية، والدراسة السادسة اقتصادية التوجه. إلا أن الدراستين الأولى والثانية أقرب الدراسات إلى موضوع الدراسة الحالية لطبيعتهما التربوية.
وهذه النتيجة التي ظهرت من خلال استعراض الدراسات السابقة: تعزز لدى الباحث اختيار الموضوع باعتباره دراسة جديدة لم يُسبق إليها من الناحية التربوية الإسلامية على الأقل.
* * *
مبررات منع المرأة من قيادة المركبات
من المنظور التربوي الإسلامي
تعتبر المواصلات من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العاملة في هذا العصر، ولا سيما بعد التوسع الهائل في تشغيل النساء الذي شهده سوق العمل ضمن خطط التنمية المتعاقبة التي توصي بمشاركة النساء في التنمية الشاملة؛ ولهذا يضيق بعض النساء العاملات والمتحمسون لهن في البلاد المحافظة بالمنع من مزاولة المرأة قيادة السيارة، ويشعرن بالضيم، فلا يزلن يطالبن بذلك، دون نظر جاد لعواقب الأمور ([3]).
ورغم أن مهارة قيادة المركبات الصغيرة من حاجات هذا العصر المهمة ([4]): فإنها لا تبلغ عند المرأة المسلمة درجة الضرورة التي تبلغها عند رب الأسرة، بل ولا تبلغ درجة الحاجة التي تبلغها عند الشاب العَزَب الذي لا يقوم على أسرة، فهي في حقها في الأعم الأغلب من باب التحسينيات التي لا تتضرر بنقصها، والنادر ـ كما هو معروف ـ لا حكم له ([5])؛ ولهذا يُلاحظ في البلاد التي تسمح للمرأة بالقياةدة توافر السيارات لدى الشباب أكثر بكثير من توافرها لدى الفتيات ([6])، كما أن إتقان مهارتها يكاد يكون عامًا لدى غالب طلاب المرحلة الثانوية وكثير من طلاب المرحلة الإعدادية، حتى إن الشاب منهم يشعر بأن السيارة جزء من حياته، وعدم امتلاكها يمثل له نوعًا من الحرمان ([7]).
ورغم أن غالب دول العالم تسمح للنساء بممارسة هذه المهارة دون حرج، ورغم إتقان كثير منهن لها بصورة كبيرة ([8])، ورغم ممارسة جمع منهن لهذه المهارات في بعض الأرياف خارج المدن ([9]): فإن المختار في هذه القضية المنع، حتى في البلاد التي سمحت بها، واعتادها بعض النساء، فإن الأولى تركها، وإفراغ الوسع في تجنُّبها ([10])، لا لكون مهارة القيادة محرمة في ذاتها ولكن لما يمكن أن تفضي إليه من المحظورات المتعددة. ولعل فيما يلي من المبررات ما يجلي هذا التوجه ويقوي اختياره:
أولاً: المبرر الفقهي ([11]) لمنع المرأة من قيادة المركبات:
ويظهر هذا المبرر في كون الشريعة مبناها على جلب المصالح ودفع المفاسد، فما غلبت مصلحته أباحته، وما غلبت مفسدته منعته ([12]). فالمأمورات والمنهيات في الشريعة تشتمل كل منهما على مصالح ومضار، والحكم في كل منها على الأغلب ([13]). يقول ابن عبد السلام: "المصالح المحضة قليلة وكذلك المفاسد المحضة، والأكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد... والإنسان بطبعه يؤثر ما رجحت مصلحته على مفسدته، وينفر مما رجحت مفسدته على مصلحته"([14]). وهذه المسألة في تقديم الجهة الغالبة: من مسائل الإجماع عند العلماء، الثابتة بالكتاب والسنة والعقل، خاصة في هذا العصر الذي اختلطت فيه المصالح بالمفاسد بصورة كبيرة ([15]).
ومن هنا جاء باب سد الذرائع المفضية إلى المفاسد ([16])، أو المؤدية إلى إهمال أوامر الشرع، أو التحايل عليها ولو بغير قصد ([17])، فإن "سد الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يُتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات... ولا يقتصر ذلك على مواضع الاشتباه والاحتياط؛ وإنما يشمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام"([18])، فالشارع الحكيم إذا حرَّم أمرًا حرَّم الوسائل المفضية إليه ([19])؛ فإن "الوسائل تبعٌ للغايات في الحكم"([20])، و"وسائل الحرام" ([21])، و"ما أفضى إلى حرام حرام".([22])(/4)
والمسألة الفرعية التي يختلف في حكمها الناس: يُؤخذ فيها بالإجماع، فإن لم يُوجد، أخذ بالأحوط، ثم بالأوثق دليلاً، ثم يُؤخذ بقول من يُظن أنه أفضل وأعلم ([23]). ولا شك أن ترك المرأة لقيادة السيارة في هذا العصر هو الأحوط على أقل تقدير؛ فإن"فعل ما يُخاف منه الضرر إذا لم يكن محرماً فلا أقَلَّ أن يكون مكروهاً"([24])، حتى وإن تكلف رب الأسرة مهام نقل نسائه، أو اضطر لجلب الرجل الأجنبي لتولي هذه المهمة ـ كما هو حاصل في بعض البلاد ([25])ـ فإن هذا في العموم أهون الشرين، وأخف الضررين؛ لأن الضرر الخاص الذي تكلفه هذا الأب وأمثاله، وما يمكن أن يحصل من الرجل الأجنبي يُتحمل في سبيل دفع الضرر العام ([26]) الذي يمكن أن يعم المجتمع بتوسيع دائرة قيادة النساء للسيارات، فإن المفسدة العامة المنع فيها أشد من المفسدة الخاصة ([27]).
كما أن الفقهاء لا يعتبرون الطريق خلوة، فإنما الخلوة: الأمن من اطلاع الناس ([28])؛ بحيث يجتمع رجل بامرأة "في مكان لا يمكن أن يطلع عليهما فيه أحد، كغرفة أغلقت أبوابها ونوافذها وأرخيت ستورها"([29])، أو في فلاة لا يصلهما فيها أحد. ويُستأنس في هذا المقام بما نقله المروزي عن الإمام أحمد رحمهما الله حين سُئل عن: "الكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده النساء، هل هذه الخلوة منهي عنها؟ قال: أليس هو على ظهر الطريق، قيل: بلى، قال: إنما الخلوة تكون في البيت"([30]). ثم إن مبدأ خدمة الرجل الأجنبي في السفر حين يركب النساء الهوادج كان أمرًا معلومًا منذ القديم، وقد كانت النساء زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحملن في الهوادج، ويقوم الرجال على خدمتهن وحمل هوادجهن ([31]). ولا يفهم من هذا التهاون في مسألة خلوة السائق بالمرأة ، فإن المفروض تقليل هذه الفرص، وضبطها قدر المستطاع؛ بل إن بعض العلماء([32]) يرى أن ركوب المرأة وحدها مع السائق الأجنبي أخطر من الخلوة في البيت ؛ لكونه يستطيع أن يذهب بها حيث شاء. وقد عالجت بعض الأسر في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارات مشكلة الخلوة بطريقة عجيبة حيث جلبت من بعض البلدان الأجنبية نساء سائقات. يتولين هذه المهام بدلاً من الرجال الأجانب ([33]).
ثانيًا: المبرر الأخلاقي لمنع المراة من قيادة المركبات:
وتظهر قوة هذا المبرر من حيث المفاسد الكثيرة التي يمكن أن تترتب على انطلاق النساء والفتيات بهذه المركبات الخاصة من: هجران المنزل، والسفر بغير محرم، والتعرض للمضايقات، والاختلاط بالأجانب، والتوسع في مجالات عمل المرأة المتعلقة بشؤون النساء السائقات، إضافة إلى مشكلات صيانة مركباتهن ضمن أجواء لا تناسب المرأة المسلمة، مع الاضطرار لكشف الوجوه، إلى مفاسد كثيرة يمكن أن تحدث إذا استمرأ المجتمع صورة المرأة السائقة ([34])؛ فإن غالب التغيرات الاجتماعية التنازلية تبدأ باليسير ثم تنتهي بما لا قِبَل للمجتمع به، وكما قيل: معظم النار من مستصغر الشرر؛ ففي بريطانيا قبل خمسين سنة تقريبًا كانت المرأة لا تحصل على رخصة القيادة إلا بعد إذن زوجها ([35])، ثم ما لبث أن فتح لهن الباب على مصراعية. وفي إحدى البلاد المحافظة كانت المرأة لا تركب المواصلات العامة الصغيرة إلا مع محرم لها، ثم تبدل الوضع وتوسع الأمر دون نكير ([36]). وهكذا طبائع الناس تنتقل من الأهون إلى الأشد بالتدريج حتى يصبح الممنوع مرغوبًا فيه، والسيارة كمركبة متحركة داخل المجتمع ليست حصنًا للمرأة من أن تُنال بسوء، أو تتعرض للفتنة، أو تعرض غيرها للافتتان، ولا سيما عندما تتعطل مركبتها في أماكن لا تأمن فيها المرأة على نفسها.
ثالثًا: المبرر الصحي لمنع المراة من قيادة المركبات:
ومبنى هذا المبرر أن الشريعة تنهى عن التعرض للهلاك؛ إذ حفظ النفس من
مقاصدها ([37])، وقيادة المرأة للسيارة يعرضها للتلف ([38])، فإن السيارة آلة عنيفة لا تناسب طبيعة الإناث، وقد أكدت ذلك دراسة بريطانية على مجموعة من النساء السائقات، حيث توصلت إلى "أن 58% منهن يتوفين قبل الأربعين، و 60% منهن يصبن بأمراض نفسية، وقالت الدراسة: إن قيادة المرأة للسيارة لا تليق ولا تتناسب معها"([39]). ولا تزال هذه الآلة تتصف بالعنف حتى بعد تطورها، فإن حوادثها على المستوى العالمي في غاية القسوة، وغالبًا ما يتعرض لها العُزَّاب من الشباب، والنساء المبتدئات، وينفرد الشباب بأعنف وأشد حوادثها ([40]). وقد أشارت الإحصاءات أن نسبة ضحايا حوادث المرور في دول الخليج تفوق نسبتها في أمريكا وبريطانيا ([41])؛ حيث يهلك في كل ساعة سبعة أشخاص في دول مجلس التعاون الخليجي ([42])، ويهلك في المملكة العربية السعودية وحدها ـ التي سجلت أعلى معدل لحوادث السير في العالم ـ حوالي سبعة أشخاص يوميًا ([43]).(/5)
وبلغ عدد الحوادث في العالم العربي خلال عام 2000م نصف مليون حادث، نجم عنها اثنان وستون ألف قتيل ([44]). ولا شك أن توسع النساء في هذه الممارسة سوف يزيد من نسبة تعرضهن للهلاك، مما يجعل هذه المهارة خطيرة على شخص المرأة، وعلى دورها التناسلي الذي يستوجب مزيدًا من السكون والاستقرار ([45])، إلى جانب ما يحدثه هذا التوسع من استنزاف للبيئة وتلويثها ([46]).
ويحاول بعض المتحمسين لتمرير موضوع قيادة المرأة للسيارة بضبطه من خلال منعهن من السفر بسيارتهن خارج المدن، والسماح لهن بقيادتها في فترات النهار دون الليل ([47]). وقد اتضح من خلال بعض الدراسات المحلية بالمملكة العربية السعودية أن 79% من حوادث السيارات تحصل داخل المدن، و65% منها تحصل في فترات النهار، كما أن
65% من هذه الحوادث تشارك فيها سيارات من الحجم الصغير ([48])، وهو الحجم المناسب من السيارات المرشح للمرأة. ويضاف إلى كل هذا وجود تلك العلاقة القوية بين ارتفاع درجة حرارة الجو وزيادة عدد الحوادث ([49])، ومن المعلوم أن دول الخليج من أكثر دول العالم ارتفاعًا في درجات الحرارة. ولما كان غالب حوادث السيارة "تقع في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الإنسان في أعمق فترات النوم"([50])؛ فإن مزيدًا من الحوادث المرورية سيكون من نصيب المرأة العاملة السائقة؛ لكونها أكثر فئات المجتمع على الإطلاق جهدًا، أقلهن نومًا ([51]). ثم إن متغير التعليم والزواج لا دخل لهما في التقليل من حوادث السيارات؛ فقد دلت إحدى الدراسات في المملكة العربية السعودية على أن أكثر من 76% من السائقين المشتركين في حوادث المرور من المتعلمين، وأكثر من 53% منهم من المتزوجين؛ مما يدل على أن التعليم والزواج لم يخففا من أزمة الحوادث المرورية ([52]).
رابعًا: المبرر الفطري لمنع المرأة من قيادة المركبات:
وتظهر حجة هذا المبرر من حيث رقة جهاز الأنثى العصبي الذي لا يساعدها على حسن الأداء ([53])، وسرعة ارتباكها في أثناء القيادة لأبسط الأسباب ([54])، إلى جانب الخوف الذي ينتابها عادة من المسافات الطويلة ([55])، والخوف أيضًا من المناطق المفتوحة، الذي يزيد عند الإناث كلما كبرت أعمارهن ([56])، وهو ما يُسمى برهاب الساح، وهو نوع من الخوف ينتاب بعض الناس من المناطق المزدحمة والمفتوحة ([57])، إلى جانب ضعف قدراتهن على تعلم المفاهيم الجغرافية، كالمواقع والأماكن وتقدير الحيز الفراغي المرئي والمسافات، وقلة خبرات السفر لديهن؛ ولهذا يُلاحظ أن الإناث أقل قدرة على تعلم المفاهيم الجغرافية من المذكور ([58]). ولا شك أن هذه القضايا الفطرية مهمة لإتقان مهارة القيادة.
وأهم من هذا كله الضعف الصحي العام الذي لا تنفك عنه المرأة في العموم من آثار الدورة الشهرية، ومضاعفات النفاس وفترة الحمل، من حيث: الانفعالات النفسية، وارتفاع الضغط، وكثرة الصداع، والتوتر، والقلق، والتذبذب، والكآبة، وحدة المزاج، والآلام العامة خاصة في الحوض والظهر، والغثيان، وما يصيب عامة النساء الحوامل من الاضطرابات النفسية، وما يرافق ذلك من انكماش فطري طبيعي في حجم الدماغ عندهن في أثناء الحمل، وما يصاحب ذلك من ضعف الذاكرة، وصعوبة التذكر. إلى جانب تأثير هذه الأعراض على الاتزان العام، مما قد يدفع المرأة في هذه الظروف الفطرية إلى شيء من العنف والعجلة في بعض المواقف ([59])؛ ولهذا يشير العديد من الدراسات والإحصاءات المختلفة إلى ارتفاع نسبة تعرض المرأة أكثر من الرجل للاضطرابات النفسية، وحدة الانفعال، والانهيارات النفسية خاصة في هذه الفترات الفيسيولوجية، وبعد الولادة، وفي سن اليأس، وبعد عمليات الإجهاض ([60]). ومن المعلوم أن واحدة من هذه الأعراض الجسمية لا تسمح للرجل واقعيًا ولا نظاميًا بالقيادة، فكيف بها مجتمعة؟ ولا شك أن ما بين ربع إلى ثلث النساء على الأقل يقعن تحت هذه التأثيرات الفطرية بصورة دائمة، بمعنى أن ثلث النساء في المجتمع لا يصلحن ـ تحت ضغط هذه الطبيعة الفطرية وتأثيراتها الجسمية ـ لقيادة السيارات. ولعل هذه الأسباب كانت وراء قلَّة أعداد النساء السائقات في العالم مقارنة بأعداد الرجال.(/6)
ولعل أعظم من هذا وأخطر: التأثير السلبي لنزيف الدماء الطبيعية على حاستي السمع والبصر عند النساء ([61]) ـ أهم عناصر هذه المهارة ـ ولهذا يُلاحظ كثرة حوادث النساء المرورية في العموم ، ولاسيما في أثناء فترة الحيض وما قبلها بقليل ،حيث تزيد لديهن العصبية، وتكثر لديهن الغفلة والنسيان والشرود الذهني، وهن في العموم يعانين من نقص في الاتزان النفسي والفسيولوجي، يجعلهن أكثر تعرضاً للسآمة والتعب، وأقل انتباهاً وتركيزاً، وأميل للتوتر والقلق، ولاسيما المرأة العاملة، التي تجمع بين العمل الوظيفي ومسؤولياتها المنزلية ؛ لذا فإن أكثر النساء أكثر تعرضاً لعصاب قيادة المركبات – أكثر من الذكور ([62])، مما يجعل قضية القيادة بالنسبة لهن في غاية الحرج. ومن المعلوم أن السائق هو همزة الوصل بين المركبة والطريق، وصفاته الوراثية والمكتسبة ومهارته وخبرته تلعب أدوارًا رئيسة في حصول الحوادث، وقد ثبت يقينًا من خلال الواقع أن السائق يتحمل أكثر أسباب الحوادث المرورية ([63])، وهي مرتبطة – إلى حد كبير – بشخصيه، فقيادة السيارة تشكل ضغطاً على نفس قائدها حين يحتاج إلى طاقات نفسية وذهنية وجسمية، تمكنه من التعامل مع الطريق وشكله، وما يحويه من متغيرات كالسيارات الأخرى، والمارة، وإشارات المرور، وظروف الازدحام، وهذا يتطلب من السائق درجة عالية من الانتباه ، والتركيز، والتوازن النفسي ، وقدرة جيدة على الحركة التلقائية السريعة التي تحصل بالخبرة والمران ، وتأتي بعفوية دون قصد.([64])
ولعل هذه الأسباب الفطرية في عنصر النساء كانت السبب في رفع قيمة التأمين على السيارات التي تمتلكها النساء ([65])، ومن المعلوم أن شركات تأمين السيارات تراعي ظروف الشخص المتقدم لطلب التأمين؛ ولهذا تزيد من قيمته على الأشخاص المطلقين ([66])؛ لكونهم في الغالب يعيشون حالة من التوتر النفسي الذي يعد سببًا رئيسًا في وقوع الحوادث.
خامسًا: المبرر الاقتصادي لمنع المرأة من قيادة المركبات:
ويظهر هذا المبرر من الناحية الفقهية في حالات حوادث المرور وما يقع فيها من الجنايات؛ حيث تُعفى المرأة مطلقًا من المشاركة في دية المقتول خطأ حتى وإن كانت هي الجانية، في حين يشترك الجاني البالغ من الذكور ـ على خلاف بين الفقهاء ـ مع باقي العاقلة من القرابات في دفع دية القتل الخطأ ([67])، بل وتستمتع المرأة مع الورثة في الحصول على نصيبها من دية زوجها ([68])، في الوقت الذي لا تُكلَّف فيه مع العاقلة بشيء، وهذا فيه إجحاف اقتصادي بحق رجال الأسرة من العصبات إذا مُكِّنت الفتيات من ممارسة أسباب العطب، خاصة إذا شعرن بالأمان من مغبة تحمل الغرامة المالية، ومن المعلوم أن الأصل في إلزام العاقلة دفع الدية في حال القتل الخطأ ـ مع ما فيه من التعاون ـ هو تأديبها لتقصيرها في كفِّ المستهترين والطائشين المنتمين إليها من العبث بأمن المجتمع، مما يدفعها ـ بصورة تضامنية جماعية ـ لحفظ سفهائها، ومن يُتوقع منهم الخطأ الذي يُكلفها الغرامات المالية ([69]).
وأما الزعم بأن مسألة الدية في مثل هذه الجنايات قد انحلت اليوم من خلال التأمين التجاري فلا حاجة إلى نظام العاقلة؛ فإن هذا النوع من التأمين القائم اليوم في المعاملات التجارية ممنوع شرعاً ([70]) , والضرر ـ كما هو معلوم شرعاً ـ لا يُزال بضرر, والخطأ لا يُعالج بخطأ.كما أن التأمين التعاوني ـ الغائب من المعاملات الاقتصادية المعاصرة ـ لو عُمل به في مثل هذه الجنايات – بالشروط الشرعية- لكان جلُّ ميزانياته تُنفق في جنايات النساء السائقات ـ ولا سيما المبتدئات منهن ـ والشباب المتهور، مما يُجحف من جديد بباقي المساهمين، من الحريصين على سلامة المجتمع وأمنه. ولهذا لن يرضوا بمشاركة هذه الفئات المتوقع منها الضرر بصورة كبيرة في صندوق تأمينهم التعاوني، مما سيضطر هذه الفئات ـ من جديد ـ للرجوع مرة أخرى بأزماتها الجنائية إلى العاقلة والعصبات، مما يُعطي لنظام العاقلة أهميته الاقتصادية والتعاونية، ودوره التربوي التوجيهي في الحياة الإسلامية ([71]).(/7)
وفي الجانب الآخر من المسألة الاقتصادية: استهلاك الثروة في هذه المراكب، وتجميد الأموال فيها، والاستنزاف المالي في مصروفاتها، وخسائرها التي تُقدر في دول الخليج ببليون دولار، وفي المملكة وحدها بملياري ريال، إضافة إلى ضغط الحركة المرورية في البلاد النامية التي لا تتسع طرقها لمراكب الرجال فضلاً عن مراكب النساء والفتيات، خاصة بعد أن ثبت أن ازدحام الطرق من أعظم أسباب كثرة الحوادث ([72]). وفي بلد مثل المملكة العربية السعودية زاد عدد السيارات تسعة أضعاف ما بين عامي 1395هـ و 1411هـ ([73])، وأعجب من هذا ما أشارت إليه الإدارة العامة للمرور بالمملكة أن واقع عدد السيارات عام 1405هـ تضاعف عما كان عليه عام 1391هـ ثمانية وعشرين ضعفًا ([74])، وأعجب من هذا وأغرب ما أشارت إليه إحدى الدراسات أن عدد السيارات في المملكة تضاعف 38 مرة في الفترة ما بين عام 1391هـ وعام 1413هـ، كما أشارت الدراسة إلى أن ما بين كل 1000 شخص في المملكة هناك 350 شخصًا يمتلكون سيارة خاصة، رغم أن النساء لا يقدن فيها السيارات، في حين يملك في بريطانيا السيارة الخاصة من كل 1000 شخص 306 شخص ([75]).
"وبالرغم من التوسع الهائل في المملكة في إنشاء الطرق داخل المدن وخارجها فإن هذا التوسع لا يُواكب الزيادة الهائلة في أعداد السيارات ووسائل النقل الأخرى، وهذا قد سبب ـ ولا شك ـ الكثير من الاختناقات المرورية والزحام الشديد في المواصلات خاصة في المدن الكبيرة كجدة والرياض"([76]). فهاتان المدينتان مع مدينة الدمام تستوعب ثلث سكان المملكة تقريباً ([77]). ولا شك أن لو سُمح للنساء بالقيادة لزاد عدد السيارات بصورة كبيرة لا تستوعبها الطرق، في الوقت الذي يُهدد فيه العالم ـ ولا سيما في الدول الصناعية ـ بزيادة عدد السيارات والتلوث البيئي. ومن المعلوم أن سحر السيارة الجديدة في هذا العصر مظهر من مظاهر الترف الذي يتنافس فيه الناس ([78])، وسوف يكون في غاية القوة والترف إذا شارك النساء في هذه المنافسة الاجتماعية الأخَّاذة؛ لكونهن ـ بالفطرة ـ مأخوذات بعواطفهن، مشدودات برغباتهن. فلن يكون امتلاك السيارة عن حاجة بقدر ما يكون للمفاخرة والاستكثار، وقد دلَّ البحث الميداني في دول الخليج على أن عدد السيارات للأسرة الواحدة يزيد عند الأسر التي لا يشارك نساؤها في قوى العمل، وتقل أعدادها في الأسر التي يشارك نساؤها في قوى العمل ([79])؛ مما يدل على أن امتلاك السيارة ليس هو دائمًا للحاجة؛ فإن المرأة العاملة التي يقل لدى أسرتها عدد السيارات قد تكون أحوج إليها من غير العاملة التي يكثر لدى أسرتها عدد السيارات.
سادسًا: المبرر التاريخي لمنع المرأة من قيادة المركبات:
يعتمد المؤيدون لقيادة المرأة للسيارة على المبرر التاريخي رغم أنه لا يُؤيد توجههم؛ فعلى الرغم من الفارق الكبير بين طبيعة وظروف قيادة السيارة وقيادة الدواب فإن النساء منذ القديم لم يكنَّ من أهل الخيل والفروسية إنما الخيل من مطايا الرجال ([80])، وقد كان من المستغرب ركوب النساء للخيل في بلاد زنجبار في القرن التاسع عشر،([81]) والسيارات الخاصة أشبه مراكب هذا العصر بها ([82])، فهي من هذه الجهة متعلقة بالرجولة إلى حد كبير ([83]). ولهذا لا يجد الباحث ذكرًا للنساء عند ذكر الخيل والفروسية؛ لما اشتمل عليه ركوب الخيل من البطولة والطلب والهرب، ومواقع القتال من الكر والفر ([84])، مما لا يناسب الطبيعة الأنثوية، بل إن بعض القبائل في القديم كانت تُحرِّم على النساء ركوب الخيل لمعتقدات وأخلاق اجتماعية كانوا يرونها ([85]).(/8)
وأما البغال ـ مع كونها ليست من المراكب الآمنة بصورة مطلقة ـ فقد نُقل عن بعض نساء السلف ركوبها وهنَّ مستورات بستور أو في بواطن الهوادج ([86])، إلا أن الإبل كانت من أوسع مراكب النساء العربيات وألطفها بأحوالهن، ومع هذا لم يكنَّ ـ في الغالب ـ ينفردن بركوبها، فقد ارتبط ركوبهن عليها بالهوادج المستورة، التي يتولى قيادتها عادة ساقة الإبل من الرجال ([87])؛ ولهذا ارتبط الهودج بالمرأة في تنقلها وأسفارها ([88])، وحتى على مستوى التعريف اللغوي والاصطلاحي فالهودج مركوب المرأة ([89])، وأبعد من هذا تفسير رؤية الهودج في المنام بالمرأة عند مفسري الأحلام ([90]). ومما يُشير إلى هذا أيضًا ويؤيده جواب التابعي أبي ثفال المري حين سُئل عن خروج المرأة؟ فقال: "لأي شيء تخرج؟ والله لا تنفر في النفير ولا تسوق البعير"([91])، ولما استأذنت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة أردفها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما خلفه على الدابة، ولم تنفرد بركوبها وحدها ([92])، ومن المعلوم أن سائق إبل النساء يتلطف في سيره، ولا يشتد عليهن خوفًا من سقوطهن لقلة ثباتهن على الدواب ([93])؛ فقد وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوارير ([94])، يعني أنهن كالزجاج، "يُسْرع إليها الكسر، ولا تقبل الجبْر"([95]). وقد وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها اعتناء الرجال، وقيامهم على بعيرها وهودجها فتقول: "وكنت إذا رُحِّل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتيني القوم ويحملونني، فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به"([96])، وفي خبر الإفك لما تأخرت عن الركب، وأدركها صفوان بن المعطَّل رضي الله عنه قالت: "ثم قرَّب البعير فقال: اركبي، واستأخر عني فركبت، فأخذ برأس البعير وانطلق سريعًا يطلب الناس"([97])، يعني أنها لم تنفرد بقيادة البعير رغم وقوعها في مثل هذا الموقف الحرج، في خلوة مع شخص أجنبي، وما ترتب على مرافقته لها ـ بعد ذلك ـ من أزمة اجتماعية خطيرة. وفي هذا المعنى يصف الأخطل ـ شاعر الأمويين ([98]) ـ رحيل النساء على الإبل حين يسوقهن الحادي، وقد رُحِّلت مراكبهن فيقول:
لبثن قليلاً في الديار وعُوليتْ على النُجْب للبيض الحسان مراكب
إذا ما حدا الحادي المجدُّ تدافعت بهن المطايا واستُحثَّ النجايب ([99])
وهذا كلُّه يُشير ـ في الجملة ـ إلى أن مهارة القيادة للآليات أو للدواب مرتبطة بالذكور ارتباطًا وثيقًا؛ بل إن المرأة المعاصرة لم تقد السيارة في أوروبا إلا قبل زمن يسير؛ فإلى الثلاثينات من القرن العشرين الميلادي كانت السيارة حكرًا على الرجل، ووسيلته لجذب المرأة وإغرائها بالزواج ([100])، إلا أنه ذُكر أن صانع أول سيارة في ألمانيا عام 1888م سمح لزوجته أن تقودها لأول مرة أمام الجماهير ([101]). وهذا الخبر إن صحَّ لا يعدو أن يكون لطيفة من اللطائف الأوروبية؛ وإلا فإن تحريك عجلة القيادة إلى عهد قريب جدًا كان شديدًا على الرجل المكتمل البنية فضلاً عن أن يكون سهلاً بيد المرأة العادية.
* * *
الخاتمة
إن هذه المبررات المتعددة لكفِّ النساء عن مزاولة مهارة قيادة السيارات لا تُجيز ـ في الجانب الآخر ـ للمرأة المسلمة أن يُقتطع من عرضها وشرفها في المواصلات العامة المزدحمة بالأجساد المتراكمة كما هو حاصل في كثير من البلاد النامية ([102])؛ وإنما الهدف من كل هذا ربط المرأة بحصن البيت من الجهة المالية عن طريق تطوير التنمية الاقتصادية العائلية، من خلال الصناعات المنزلية التي أثبتت جدواها الاقتصادية ([103])، مع الاستفادة من فرص العمل المتاحة عبر شبكات الإنترنت التي أصبحت واقعًا في كثير من بلاد العالم ([104])، فلا تحتاج للكسب خارج نطاق الأسرة. وربطها أيضًا بالبيت من الجهة المعرفية من خلال التعليم عن بعد بوسائله المختلفة، فقد أصبح هذا النوع من التعليم واقعًا عالميًا مقبولاً ([105])، فلا يبقى للمرأة خارج المنزل إلا ما لا بد لها منه من الحاجات والمصالح.(/9)
وإلى جانب ذلك لا بد أيضًا ـ ضمن ظروف الحياة الواقعية ـ من التوسع في وسائل النقل العام من الحافلات الكبيرة ونحوها؛ بحيث تصبح أكثر جدوى وراحة وأمانًا بالنسبة للمرأة المحتاجة للخروج، كالمعلمة والطالبة ونحوهما. إلا أن الواقع يشهد بقصور وسائل النقل العام؛ ففي بلد كالمملكة العربية السعودية لا يزيد النقل العام عن استيعاب 7% فقط من حركة الرحلات المرورية، في الوقت الذي يستوعب فيه النقل العام في أوروبا 40% من هذه الرحلات المرورية ([106])، حتى إن مدينة مثل الرياض لا يتولى فيها النقل المدرسي العام أكثر من 1% من أعداد الطلاب ([107])، في حين لا يُسمح لطلاب المدارس في اليابان الانتقال إلى مدارسهم بسياراتهم الخاصة، ولا حتى بالدراجات النارية ([108])، إنما بالنقل العام، وفي سنغافورة تتبنى الدولة سياسة متشددة في استخدام السيارات الخاصة، وتفرض قيودًا عليها، رغبة في توجيه الناس نحو النقل العام ([109])؛ ولهذا جاء في توصيات الندوة العلمية الأربعين المنعقدة في الرياض عام 1417هـ حول أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور، والتي شاركت فيها ثلاث عشرة دولة عربية ما نصه: "ضرورة التوسع في وسائل النقل الجماعية في المدن العربية، وتوفيرها بأسعار مشجعة، لحمل ساكني المدن على استخدامها بمختلف فئاتهم من موظفين وطلاب وغيرهم"([110])، فلا بد أن تكون توصية كهذه ضمن اهتمامات المسؤولين، بحيث تفعَّل بصورة جادة لتحقيق هدف التخفيف من كثرة السيارات، وإقناع المجتمع ـ ولا سيما النساء ـ باستخدام وسائل النقل العام، وفي الوقت نفسه تُغنيهنَّ عن السعي في المطالبة بقيادة السيارات الخاصة التي تزيد من أعداد السيارات، وبالتالي تزيد من احتمالات وقوع الحوادث، إلى مشكلات أخرى تقدم ذكرها.
إن مما ينبغي أن تدركه المرأة والنساء عمومًا أن هناك تقبلاً اجتماعيًا خطيرًا نحو قيام المرأة بأدوار الرجل التي كانت إلى عهد قريب مناطة به كالعمل للكسب، وعلاج الأبناء، والترفيه عنهم، ونحوها من الأعمال، فقد أصبح المجتمع المعاصر يتقبل اتكال الرجل على زوجته في هذه المهمات ([111])، فلا يعدو تولي المرأة قيادة السيارة أن تكون تكليفًا جديدًا لمهمات أخرى تنحط عن كاهل الرجل لتنوء بأعبائها المرأة، مقابل استمتاعها بمهارة قيادة السيارة.
نتائج البحث:
من خلال فقرات الدراسة توصل الباحث إلى العديد من النتائج ومن أهمها:
1. الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، ومن حق السلطان المسلم أن يمنع النساء من قيادة المركبات سدًا للذرائع المفضية إلى المفاسد.
2. لا تعتبر السيارة الخاصة مهما كانت صالحة حصنًا للمرأة من أن تنال بسوء، إلى جانب ما يترتب على انطلاقها بها من انفلات اجتماعي لا يوافق توجيه الإسلام لها بالقرار والالتفات إلى المنزل.
3. السيارة آلة عنيفة في طبيعتها وبنائها لا تناسب الطبيعة الأنثوية والدور المناط بها المتطلب لمزيد من السكون والهدوء، إلى جانب مخاطرها وقسوة حوادثها.
4. الجانب الفطري في طبيعة خلْقة المرأة وظروفها الجسمية والنفسية لا يسمح لها بتحمل مسؤولية القيادة، والمخاطرة بنفسها وبغيرها.
5. تعود أسباب كثير من الحوادث إلى ضيق الشوارع عن استيعاب السيارات، كما أن حجم التلوث البيئي مرتبط بكثرتها أيضًا، وفي السماح للنساء بقيادة السيارات زيادة في أعدادها المسببة للحوادث من جهة، وزيادة في تلويث البيئة من جهة أخرى. إلى جانب أن النساء لسن من العاقلة التي تتحمل في حال القتل الخطأ الغرامات المالية التي يتحملها البالغون من الرجال، هذا فيه إجحاف بالرجال إذا مكِّنوا النساء من أسباب العطب والضرر.
6. المرأة عبر التاريخ لم تكن من أهل الفروسية والخيل وإنما ارتبطت منذ القديم بركوب الإبل في الهوادج المستورة، وتولى الرجل منذ ذلك الزمن خدمتها في الأسفار وحمل هودجها عند الترحال، فلا يصح ـ بناء على ذلك ـ اعتبار ركوب المرأة في القديم على الإبل كقيادتها للسيارة في هذا العصر.
7. وجود بدائل عصرية يمكن من خلالها إغناء النساء عن قيادة المركبات من خلال وسائل النقل العام الكبيرة وإحياء الصناعات المنزلية، والاستفادة من وسائل التعليم عن بعد.
8. شح الدراسات العملية في موضوع قيادة المرأة للسيارات مما يتطلب مزيدًا من البحث في الموضوع والوقوف على دراسات أجنبية للتأكيد على صحة القرار بالمنع.
كتبه
د. عدنان حسن باحارث
السعودية ـ مكة المكرمة
ص. ب 6525
هاتف: 5501569
فاكس: 5663677
جوال: 055532605
البريد الالكتروني
Adnan3456@hotmail.com
المراجع
1. أحمد، عبد الرحمن يسري (1417هـ). تنمية الصناعات الصغيرة ومشكلات تمويلها. (د. ط). الإسكندرية: الدار الجامعية.
2. إدريس، عبد الفتاح محمود (1414هـ). أحكام العورة في الفقه الإسلامي ـ بحث مقارن. (د.م): (د. ن).
3. أسعد، يوسف ميخائيل (د. ت). الشخصية القوية. (د. ط). مصر: دار غريب.(/10)
4. الأسود، أبو محمد الأعرابي الغندجاني (د. ت). أسماء خليل العرب وأنسابها وذكر فرسانها. تحقيق محمد علي سلطاني. (د.ط). بيروت: الشركة المتحدة للتوزيع.
5. أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية (1418هـ). "توصيات الندوة العلمية الأربعين". الندوة العلمية الأربعون بعنوان: أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور ـ الرياض 1417هـ. أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.
6. الألباني، محمد ناصر الدين (1409هـ). صحيح سنن النسائي. بيروت: المكتب الإسلامي.
7. أيوب، ياسر (1995م). الانفجار الجنسي في مصر. القاهرة. دار سفنكس للطباعة والنشر.
8. البار، محمد علي (1402هـ). خلق الإنسان بين الطب والقرآن. ط 3. جدة: الدار السعودية.
9. ابن باز، عبد العزيز عبد الله (1416هـ). مجموع فتاوى ومقالات متنوعة. جمع محمد سعد الشويعر. ط2. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض.
10. باشا، حسان شمسي (1413هـ). النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن. ط 2. جدة: دار المنارة.
11. باول، دوغلاس (1422هـ). تسع خرافات عن الشيخوخة. ترجمة هالة النابلسي. الرياض: مكتبة العبيكان.
12. البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (1410هـ). صحيح البخاري. تحقيق مصطفى ديب البغا. ط 4. دمشق: دار ابن كثير.
13. البدر، محمود عبد العزيز (1412هـ). "الإعلام التربوي في دول الخليج العربية". وقائع اجتماع مسؤولي الإعلام التربوي في دول الخليج العربية ـ قطر 19 ـ 20/5/ 1412هـ. مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض.
14. البرديسي، محمد زكريا (1407هـ). أصول الفقه. ط3. بيروت: دار الفكر.
15. البرهاني، محمد هشام (1406هـ). سد الذرائع في الشريعة الإسلامية. بيروت: مطبعة الريحاني.
16. ابن بطال، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (1420هـ). شرح صحيح البخاري. تحقيق ياسر إبراهيم. الرياض: دار الرشد.
17. بكار، عبد الكريم (1418هـ). مدخل إلى التنمية المتكاملة ـ رؤية إسلامية. الرياض: دار المسلم.
18. بكار، نادية أحمد (1421هـ). "مدى وعي معلمات الجغرافيا بقضية سوء فهم المفاهيم الجغرافية". مجلة رسالة التربية وعلم النفس. العدد (12). الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية، الرياض.
19. البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس (د. ت). كشاف القناع عن متن الإقناع. (د. ط). بيروت: عالم الكتب.
20. بوحجي، هناء (1998م يونيه 29). "البحرين تمنع المنقبات من قيادة السيارات". صحيفة الشرق الأوسط. العدد (7153). لندن.
21. البورنو، محمد صدقي (1415ه). الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية. ط 3. الرياض: مكتبة التوبة.
22. البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسن بن علي النيسابوري (1344هـ). السنن الكبرى. بيروت: دار المعرفة.
23. بيوشامب، إدوارد (1420هـ). التعليم الياباني والتعليم الأمريكي ـ دراسة مقارنة. ترجمة محمد طه علي. الرياض. دار المعرفة للتنمية البشرية.
24. الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (د. ت). الجامع الصحيح. تحقيق أحمد محمد شاكر وآخران. (د.م): دار إحياء التراث العربي.
25. تيس، سي. ود. بيركس (1397هـ). "دور المرأة في الريف العماني". مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية. العدد (10). جامعة الكويت، الكويت.
26. ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني (د. ت). مجموع الفتاوى. ترتيب عبد الرحمن محمد العاصمي النجدي. (د. ط). الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين، مكة المكرمة.
27. الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (1997م). البغال. تحقيق علي بن ملحم. ط2. بيروت: دار الهلال.
28. جبر، يحيى عبد الرؤوف (1421هـ). "مشروع تلفزة الأيام الدراسية". مجلة رسالة الخليج العربي. العدد (42). مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض.
29. الجراية، أنور (1994م). "الشخصية". مجلة الثقافة النفسية. العدد (17). مركز الدراسات النفسية والنفسية الجسدية، بيروت: دار النهضة العربية.
30. ابن جزي، أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم الكلبي الغرناطي (1406هـ). الخيل. تحقيق محمد العربي الخطابي. (د. ط). بيروت: دار الغرب الإسلامي.
31. الجوهري، محمد فائق (1418هـ). العادة السرية عند الرجل والمرأة. ط 2. الرياض: أضواء السلف.
32. أبو جيب، سعدي (1985م). موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي. (د. ط). إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر.
33. الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري (د. ت). المستدرك. (د. ط). بيروت: دار المعرفة.
34. الحربي، سعد شارع (1415هـ). الأحكام الخاصة بالمرأة. الرياض: دار المسلم.
35. ابن حجر، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي العسقلاني (1398هـ). فتح الباري بشرح صحيح البخاري. تحقيق طه عبد الرؤوف سعد وآخران. (د. ط). القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية.(/11)
36. ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد الظاهري الأندلسي (1408هـ). المحلى بالآثار. تحقيق عبد الغفار البنداري. (د. ط). بيروت: دار الكتب العلمية.
37. حسون، تماضر زهري (1414هـ). تأثير عمل المرأة على تماسك الأسرة في المجتمع العربي. المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، وزارة الداخلية، الرياض.
38. الحسيني، عائشة (1409هـ). إعداد وتنمية القيادات الإدارية النسائية في قطاع التعليم العاليم بالمملكة العربية السعودية. جدة: دار البيان.
39. الحسيني، عائشة (1985م). "التخطيط للاحتياجات من الكفاءات الإدارية النسائية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة نظرية ميدانية". المؤتمر الإقليمي الثالث للمرأة في الخليج والجزيرة العربية 1984م. لجنة تنسيق العمل النسائي في الخليج والجزيرة العربية، الكويت.
40. الحفني، عبد المنعم (1412هـ). الموسوعة النفسية الجنسية. القاهرة: مكتبة مدبولي.
41. الدباغ، فخري (1983م). أصول الطب النفسي. ط 3. بيروت: دار الطليعة.
42. حمود، رفيقة سليم (1417هـ). المرأة المصرية ـ مشكلات الحاضر وتحديات المستقبل. القاهرة: دار الأمين.
43. خلف، سليمان نجم (1998م). "العولمة والهوية الثقافية ـ تصور نظري لدراسة نموذج مجتمع الخليج والجزيرة العربية". المجلة العربية للعلوم الإنسانية. العدد (61). جامعة الكويت، الكويت.
44. الدربندي، عبد الرحمن سليمان (د. ت). المرأة العراقية المعاصرة. وزارة التربية، العراق.
45. الدويك، يوسف راتب (1405هـ). "الرياضة في الإسلام". مجلة التربية. العدد (72). قطر.
46. دياب، عبد العزيز أحمد (1416هـ). "الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلاج". مجلة جامعة الملك عبد العزيز ـ الاقتصاد والإدارة. (د.ع). المجلد التاسع، جامعة الملك عبد العزيز، جدة.
47. الرازي، أبو بكر محمد بن زكريا (1421هـ). الحاوي في الطب. تحقيق محمد محمد إسماعيل. بيروت: دار الكتب العلمية.
48. رشاد، نادية محمد (د. ت). التربية الصحية والأمان. (د. ط) الإسكندرية: منشأة المعارف.
49. الزحيلي، وهبة (1405هـ). الفقه الإسلامي وأدلته. ط2. دمشق: دار الفكر.
50. الزرقاء، مصطفى أحمد (1408هـ). الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية وأصول فقهها. دمشق: دار القلم.
51. الزركلي، خير الدين (1980م). الأعلام. ط 5. بيروت: دار العلم للملايين.
52. السالم، زغلولة (1997م). صورة المرأة العربية في الدراما المتلفزة. (د. ط). عمان: دار آرام.
53. السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل (د. ت). شرح كتاب السير الكبير. تحقيق صلاح الدين المنجد. (د. ط). (د. م): (د.ن).
54. السعدي، عبد الرحمن ناصر (1415هـ). الفتاوى السعدية. بيروت: عالم الكتب.
55. السفاريني، أبو العون شمس الدين محمد بن أحمد النابلسي الحنبلي (د. ت). غداء الألباب. (د. ط). (د.م): مؤسسة قرطبة.
56. أبو سنة، أحمد فهمي (1412هـ). العرف والعادة في رأي الفقهاء. ط2. (د. م): (د. ن).
57. الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي (د. ت). الموافقات. عناية عبد الله دراز ومحمد عبد الله دراز: (د. ط). بيروت: دار المعرفة.
58. ابن شبة، أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري (د. ت). تاريخ المدينة المنورة. تحقيق فهيم محمد شلتوت. (د. ط). (د. م): (د. ن).
59. الشربيني، محمد الخطيب (د. ت). مغني المحتاج. (د. ط). بيروت: دار الفكر.
60. شريف، سعيدة (1419هـ ربيع الآخر 27). "حوادث السير.. حرب صامتة في المغرب". صحيفة الشرق الأوسط. العدد (6204). لندن.
61. شعبان، زكي الدين (1394هـ). أصول الفقه الإسلامي. ط3. بيروت: دار القلم.
62. الشيباني، عبد الله بن أحمد ـ محمد بن حنبل المروزي (1421هـ). فضائل عثمان بن عثمان. جدة: دار ماجد عسيري.
63. شيخاني، سمير (1416هـ). سجل الأيام. بيروت: دار الجيل.
64. الصالح، ناصر عبد الله (1408هـ). حوادث المرور بمدينة مكة المكرمة ـ العلاقات المكانية والاتجاهات الزمانية. (د. ط). مركز بحوث العلوم الاجتماعية، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
65. الصوفي، محمد سالم (1418هـ). "الشباب الباحث عن الموت". مجلة المجتمع. العدد (1261). جمعية الإصلاح الاجتماعي، الكويت.
66. الصنيع، عبد الله علي (1415هـ). دراسات في قضايا المدن المعاصرة والتحضر بأقلام نخبة من العلماء الأفاضل. جدة: دار المجتمع.
67. الظفيري, عبد الوهاب محمد(1421هـ). "النساء المعيلات للأسرة في حالة غياب الأب ـ نموذج أسر الشهداء". مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية. العدد (98). جامعة الكويت، الكويت.
68. ابن عابدين، محمد أمين (1412هـ). حاشية رد المحتار. ط 2. بيروت: دار الفكر.(/12)
69. العالم، إسماعيل أحمد (2000م). "الصور الحركية ومجالاتها في شعر الأخطل". المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد (71). جامعة الكويت، الكويت.
70. عبد الخالق، أحمد محمد وعويد سلطان المشعان (1419هـ). "المخاوف الشائعة لدى الأطفال والمراهقين الكويتيين ومدى تأثرها بالعدوان العراقي". مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية. العدد (89). جامعة الكويت، الكويت.
71. ابن عبدالسلام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (د. ت). قواعد الأحكام في مصالح الأنام. تحقيق محمود التلاميد الشنقيطي. (د. ط). بيروت: دار المعرفة.
72. عبد العال، جمال عبد المحسن (1418هـ). "الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة لها". الندوة العلمية الأربعون بعنوان: أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور ـ الرياض 1417هـ. أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.
73. عبد الفتاح، فاطمة (1414هـ). الحياة الاجتماعية في الشعر الجاهلي. (د. ط). بيروت: دار الفكر.
74. العريني، محمد ناصر (1420هـ). المرأة بين تكريم الإسلام ودعاوي التحرير. ط 2. الرياض: مطبعة سفير.
75. علي، بدر الدين (1410هـ). قضاء وقت الفراغ لدى الشباب العربي. (د. ط). المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض.
76. عياض، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (1419هـ). إكمال المعلم بفوائد مسلم. تحقيق يحيى إسماعيل، المنصورة: دار الوفاء.
77. العيسوي، عبد الرحمن (1419هـ). علم نفس الشواذ والصحة النفسية. بيروت: دار الراتب الجامعية.
78. عيسى، مصباح الحاج (1407هـ). "استخدام الهاتف والشاشة الإلكترونية في التعليم عن بعد بدول الخليج العربية". المجلة العربية لبحوث التعليم العالي. العدد (6). المركز العربي لبحوث التعليم العالي، دمشق.
79. الغامدي، علي سعيد (1418هـ). "تقنية المستقبل في مواجهة مشكلة المرور". الندوة العلمية الأربعون بعنوان: أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور ـ الرياض 1417هـ. أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.
80. فهيم، محمد عيسى وآخران (1405هـ). السلوك المزعج الصادر عن السائقين أثناء القيادة ـ دراسة ميدانية بمدينة مكة المكرمة. (د. ط). مركز البحوث التربوية والنفسية، كلية التربية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
81. القاري، نور الدين علي بن سلطان الهروي (د. ت) شرح عين العلم وزين الحلم. (د. ط). القاهرة. مكتبة الثقافة الدينية.
________________________________________
([1]) انظر: المحرر. قطوف رمضان 1422هـ. ص 6 ـ 10.
([2]) الدراسات مرتبة حسب سنة النشر.
([3]) انظر: أ ـ الحسيني، عائشة. إعداد وتنمية القيادات الإدارية النسائية في قطاع التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية. ص 113.
ب ـ الحسيني، عائشة. "التخطيط للاحتياجات من الكفاءات الإدارية النسائية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة نظرية ميدانية" ج 1، ص 406.
ج ـ المحرر. قطوف شعبان 1421هـ . ص 95.
([4]) أسعد، يوسف ميخائيل. الشخصية القوية. ص 218.
([5]) انظر: البرهاني، محمد هشام. سد الذرائع في الشريعة الإسلامية. ص 334.
([6]) انظر: علي، بدر الدين. قضاء وقت الفراغ لدى الشباب العربي. ص 85 و 158.
([7]) انظر: المطير، عامر ناصر. "قيادة التلاميذ للسيارات وأثرها على الحركة المرورية في المملكة العربية السعودية" ص 49 و 54.
([8]) انظر: الدربندي، عبد الرحمن سليمان. المرأة العراقية المعاصرة. ج 1، ص 184 ـ 185.
([9]) انظر: تيس، سي. و د. بيركس. "دور المرأة في الريف العماني" ص 106 ـ 107.
([10]) تبقى للضرورة حدودها التي تُقدر بقدرها للنساء المضطرات للقيادة في بعض البلاد.
([11]) المقصود بالمبرر الفقهي هنا: هو المعنى الاصطلاحي الخاص لكلمة "الفقه" وهو الجانب العملي التطبيقي من الشريعة الإسلامية المنزلة، وحكم الفقهاء في مسألة قيادة المرأة للمركبات بناء على المصادر الفقهية.
([12]) البرديسي، محمد زكريا. أصول الفقه. ص 308.
([13]) انظر: ابن تيمية. مجموع الفتاوى. ج 1، ص 265.
([14]) ابن عبد السلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام. ج 1. ص 12.
([15]) الوكيل، محمد. فقه الأولويات ـ دراسة في الضوابط. ص 225.
([16]) الشاطبي. الموافقات. ج 4، ص 199.
([17]) الزرقاء، مصطفى أحمد. الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية وأصول فقهها. ص 45.
([18]) منظمة المؤتمر الإسلامي. قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي. ص 209 (بتصرف).
([19]) ابن القيم. إعلام الموقعين عن رب العالمين. ج 3. ص 135.
([20]) الإدريسي، عبدالواحد. القواعد الفقهية من خلال كتاب المغني لابن قدامة. ص 428.
([21]) المرجع السابق. ص 430.
([22]) المرجع السابق. ص 430.
([23]) القاري. شرح عين العلم وزين الحلم. ج 1، ص 47.
([24]) الإدريسي، عبدالواحد. القواعد الفقهية من خلال كتاب المغني لابن قدامة. ص 427.(/13)
([25]) انظر: ولي، نور بيكم محمد. دراسة استطلاعية عن كيفية ودواعي اعتماد الأسرة السعودية على السائقين المستقدمين ص 68، 158 ـ 159.
([26]) انظر: البورنو، محمد صدقي. الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية. ص 206.
([27]) البرهاني، محمد هشام. سد الذرائع في الشريعة الإسلامية. ص 210.
([28]) إدريس، عبد الفتاح محمود. أحكام العورة في الفقه الإسلامي ـ بحث مقارن. ج2، ص 569.
([29]) قلعه جي، محمد رواس وحامد صادق قنيبي. معجم لغة الفقهاء. ص 200.
([30]) السفاريني. غذاء الألباب. ج 2، ص 22.
([31]) انظر: أ ـ عياض. إكمال المعلم بفوائد مسلم. ج 8, ص 287 ـ 288.
ب ـ ابن بطال. شرح صحيح البخاري. ج 8، ص 39.
([32]) مثل: ابن إبراهيم. فتاوى ابن إبراهيم. ج10 ، ص 52 – 54.
([33]) خلف، سليمان نجم. "العولمة والهوية الثقافية ـ تصور نظري لدراسة نموذج مجتمع الخليج والجزيرة العربية" ص 75.
([34]) انظر: أ ـ ابن باز، عبد العزيز عبد الله. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة. ج 3، ص 351 ـ 353.
ب ـ المسند، محمد. فتاوى المرأة. ص 192 ـ 194.
جـ ـ المجدوب، أحمد علي. اغتصاب النساء في المجتمعات القديمة والمعاصرة. ص 201 ـ 202.
د ـ العريني، محمد ناصر. المرأة بين تكريم الإسلام ودعاة التحرير. ص 65 ـ 78.
بوحجي، هناء. "البحرين تمنع المنقبات من قيادة السيارات" ص 28.
([35]) الموسى، عبد الرسول. "الوظيفة كأحد إفرازات التحضر في الكويت" ص 128.
([36]) الحسيني، عائشة. إعداد وتنمية القيادات الإدارية النسائية في قطاع التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية. ص 113.
([37]) انظر: شعبان، زكي الدين. أصول الفقه الإسلامي. ص 386 ـ 387.
([38]) انظر: المحرر. قطوف جمادى الأولى 1419هـ. ص 9.
([39]) المحرر. "سياقة المرأة للسيارة تقصر العمر" ص 1.
([40]) انظر: أ. النافع، عبد الله وخالد السيف. تحليل الخصائص النفسية والاجتماعية المتعلقة بسلوك قيادات السيارات بالمملكة. ص 49 ـ 50، 60.
ب ـ الصالح، ناصر عبد الله. حوادث المرور بمدينة مكة المكرمة ـ العلاقات المكانية والاتجاهات الزمانية. ص 35.
جـ ـ دياب، عبد العزيز أحمد. "الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلاج" ص 6 ـ 7.
([41]) المحرر. قطوف صفر 1419هـ. ص 123.
([42]) الغامدي، علي سعيد. "تقنية المستقبل في مواجهة مشكلة المرور" ص 70.
([43]) انظر: أ ـ الصنيع، عبد الله علي. دراسات في قضايا المدن المعاصرة والتحضر بأقلام نخبة من العلماء الأفاضل. ص 217.
ب ـ المحرر. قطوف ربيع الثاني 1423هـ. ص 123.
([44]) المحرر. قطوف ربيع الثاني 1422هـ. ص 112.
([45]) الرازي. الحاوي في الطب. ج 3، ص 1456.
([46]) بكار، عبد الكريم. مدخل إلى التنمية المتكاملة ـ رؤية إسلامية ص 355.
([47]) انظر: المحرر. قطوف شعبان 1421هـ. ص 96.
([48]) انظر: أ ـ دياب، عبد العزيز أحمد. "الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلاج" ص 10 ـ 11.
ب ـ عبد العال، جمال عبد المحسن. "الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة لها" ص 22.
([49]) العيسوي، عبد الرحمن. علم نفس الشواذ والصحة النفسية ص 269.
([50]) باشا، حسان شمسي. النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن. ص 48.
([51]) انظر: أ ـ حسون، تماضر زهري. تأثير عمل المرأة على تماسك الأسرة في المجتمع العربي. ص 66 ـ 67، 152 ـ 153.
ب ـ يونس، منى. "اعتراضات المرأة العاملة على العمل ـ بحث استطلاعي" ص 209 ـ 211.
([52]) عبد العال، جمال عبد المحسن. "الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة لها" ص 28.
([53]) انظر: كحالة، عمر رضا. المرأة في القديم والحديث. ج 3، ص 62.
([54]) الصوفي، محمد سالم. "الشباب الباحث عن الموت" ص 10.
([55]) انظر: عبد الخالق، أحمد ومحمد وعويد سلطان المشعان. "المخاوف الشائعة لدى الأطفال والمراهقين الكويتيين ومدى تأثرها بالعدوان العراقي" ص 328.
([56]) محمد، عادل شكري وفريح عويد العنزي. "دراسة إنمائية لبعض المتغيرات الباثولوجية لدى فئات عمرية متباينة" ص 115.
([57]) النابلسي، محمد أحمد. "رهاب الساح ـ دراسة حالة واستراتيجية علاج" ص 186.
([58]) انظر: أ ـ الجراية، أنور. "الشخصية" ص 50.
ب ـ السالم. زغلولة. صورة المرأة العربية في الدراما المتلفزة. ص 66 و 70.
جـ ـ بكار، نادية أحمد. "مدى وعي معلمات الجغرافيا بقضية سوء فهم المناهج الجغرافية"ص 67، 88.
د ـ باول، دوغلاس. تسع خرافات عن الشيخوخة. ص 102.
([59]) انظر: أ ـ الدباغ ، فخري. أصول الطب النفساني. ص 214 و 253 و 346.
ب ـ المالكي، موزة. "علم النفس حول العالم العدد (31)". ص 17.
([60]) النابلسي، محمد أحمد، "الاضطرابات النفسية لدى المرأة" ص 64 و 66 ـ 67.
([61]) انظر: أ ـ البار، محمد علي. خلق الإنسان بين الطب والقرآن. ص 103.
ب ـ رشاد، نادية محمد. التربية الصحية والأمان. ص 73.(/14)
([62]) الحنفي، عبد المنعم. الموسوعة النفسية الجنسية. ص 809.
([63]) انظر: أ ـ دياب، عبد العزيز أحمد. "الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلاج" ص 4 و 6.
ب ـ قربة، جهاد محمد. "طبيعة العلاقات المجالية للحوادث المرورية داخل الوسط الحضري لمدينة الشارقة ـ دراسة تحليلية لفترة التوسع 1987 ـ 1992م". ص 103 ـ 104.
([64]) أ - الحفني، عبد المنعم. الموسوعة النفسية- علم النفس والطب النفسي. ص 136 – 138.
ب- الحفني، عبد المنعم. الموسوعة النفسية- علم النفس والطب النفسي. ص 140.
([65]) معلومة غير موثقة بالمراجع منقولة من بعض أهل الخبرة ممن عاش في بعض الدول الغربية.
([66]) انظر: المسيري، عبد الوهاب. "الفكر الغربي ـ مشروع رؤية نقدية" . ص 133.
([67]) انظر: أ ـ ابن حزم. المحلى بالآثار. ج 11، ص 273 ـ 276.
ب ـ الكاساني. بدائع الصنائع. ج 7، ص 255 ـ 257.
ج ـ النووي. صحيح مسلم بشرح النووي. ج 11، ص 176 ـ 177.
د ـ الشربيني. مغني المحتاج. ج 4، ص 95.
هـ ـ المرداوي. الإنصاف. ج 10، ص 124.
و ـ القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. ج 5. ص 326.
ز ـ ابن حجر. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. ج 26، ص 80 ـ 81.
حـ ـ ابن عابدين. حاشية رد المختار. ج 6، ص 564 و 642 ـ 643.
ط ـ البهوتي. كشاف القناع. ج 6، ص 61.
ي ـ زحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته. ج 6، ص 322 ـ 323.
ك ـ أبو جيب، سعدي. موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي. ج 1، ص 426.
ل ـ الحربي، سعد شارع. الأحكام الخاصة بالمرأة ص 421.
([68]) انظر: الترمذي. الجامع الصحيح. رقم (2110). ج 4، ص 425 ـ 426. (حديث حسن صحيح).
([69]) انظر: أ ـ السعدي، عبد الرحمن ناصر. الفتاوى السعدية. ص 83.
ب ـ أبو سنة، أحمد فهمي. العرف والعادة في رأي الفقهاء. ص 242 ـ 244.
([70]) انظر: منظمة المؤتمر الإسلامي. قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي. ص 20.
([71]) أدى ظهور التأمين الإلزامي على رخص القيادة في المملكة إلى إحجام كثير من أفراد القبائل عن الإسهام المالي المعتاد في صناديقهم التعاونية، مما أثار جدلاً مع رؤساء قبائلهم. انظر: المحرر. قطوف ذو الحجة 1423هـ. ص 124.
([72]) انظر: أ ـ الصنيع، عبد الله علي. دراسات في قضايا المدن المعاصرة والتحضر بأقلام نخبة من العلماء الأفاضل. ص 267 ـ 272.
ب ـ عبد العال، جمال عبد المحسن. "الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة لها". ص 14.
ج ـ شريف، سعيدة. "حوادث السير.. حرب صامتة في المغرب" ص 15.
د - المحرر. "حوادث السير تقتل ثلاثة أشخاص كل يوم في لبنان". ص 15.
([73]) دياب، عبد العزيز أحمد. "الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلاج". ص 8.
([74]) انظر: النافع، عبد الله وخالد السيف. تحليل الخصائص النفسية والاجتماعية المتعلقة بسلوك قيادات السيارات في المملكة. ص 4.
([75]) عبد العال، جمال عبد المحسن. "الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة لها" ص 17 ـ 19.
([76]) فهيم، محمد عيسى وآخران: "السلوك المزعج الصادر عن السائقين أثناء القيادة ـ دراسة ميدانية بمدينة مكة المكرمة". ص 6. (بتصرف).
([77]) الوهيد، محمد سليمان. "القيم الاجتماعية وأثرها في مشكلة المرور". ص 43.
([78]) أ ـ المجرن، عباس علي "محددات الطلب العالمي على الجازولين" ص 96 ـ 97.
ب ـ مارتن، هانس بيتر وهارالد شومان. فخ العولمة. ص 73 ـ 74.
([79]) القدسي، سليمان. سياسات أسواق العمالة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ص 19 ـ 20.
([80]) انظر: أ ـ السرخسي. شرح كتاب السير الكبير. ج 1، ص 136 ـ 137.
ب ـ قطب، سيد. في ظلال القرآن. ج 1، ص 580.
جـ ـ هامرتن، جون وآخرون. تاريخ العالم. ج 5، ص 377 ـ 398.
([81]) انظر: أشكناني، زبيدة علي. "مذكرات أميرة عربية- الإثنوغرافيا والسيرة الذاتية". ص 132.
([82]) الدويك، يوسف راتب. "الرياضة في الإسلام" ص 121.
([83]) انظر: معاليقي، عبد اللطيف. المراهقة ـ أزمة هوية أم أزمة حضارية. ص 146 ـ 147.
([84]) انظر: أ ـ الجاحظ. البغال. ص 24.
ب ـ ابن جزي. الخيل. ص 296 ـ 302.
جـ ـ الأسود. أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها. ص 15 ـ 20 و 291 ـ 319.
([85]) انظر: الجوهري، محمد فائق. العادة السرية عند الرجال والمرأة. ص 25.
([86]) انظر: أ ـ ابن شبَّه. تاريخ المدينة المنورة. ج 4، ص 1311 ـ 1313.
ب ـ الجاحظ. البغال. ص 26 و 31 و 47 ـ 52.
جـ ـ الشيباني. فضائل عثمان بن عفان. ص 136.
([87]) انظر: أ ـ البخاري. صحيح البخاري. ص (3251). ج 3، ص 1266 ورقم (3910). ج 4،
ص 1517.
ب ـ الحاكم. المستدرك. ج 4، ص 42 ـ 43. (حديث فيه إرسال... وقد رُوي بإسناد صحيح... مختصرًا).
جـ ـ البيهقي. السنن الكبرى. ج 4، ص 34 ـ 35.
د ـ المقريزي. إمتاع الأسماع. ص 114.
هـ ـ ابن منظور. لسان العرب. ج 2، ص 389. (هدج).(/15)
و ـ ابن حجر. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. ج 19، ص 150.
ز ـ الزركلي. الأعلام. ج 3، ص 114 ـ 115.
([88]) انظر: أ ـ النسائي. سنن النسائي. ج 5، ص 120. (صحيح) الألباني، محمد ناصر الدين. صحيح سنن النسائي. ج 2، ص 560.
ب ـ عياض. إكمال المعلم بفوائد مسلم. ج 4، ص 369.
جـ ـ محمد، طارق عوض الله. الجمع والتوضيح لمرويات الإمام البخاري وأحكامه في غير الجامع الصحيح. ج 1، ص 514.
د ـ عبد الفتاح، فاطمة. الحياة الاجتماعية في الشعر الجاهلي. ص 104.
([89]) انظر: أ ـ ابن منظور. لسان العرب. ج 2، ص 389. (هدج).
ب ـ قلعه جي، محمد رواس وحامد صادق قنيبي. معجم لغة الفقهاء. ص 496.
([90]) انظر: النابلسي. تعطير الأنام في تعبير المنام. ص 466.
([91]) المرزبان. المروءة. ص 58.
([92]) انظر: ابن بطال. شرح صحيح البخاري. ج 5، ص 147.
([93]) انظر: عياض. إكمال المعلم بفوائد مسلم. ج 7، ص 287.
([94]) مسلم. صحيح مسلم. رقم (2323). ج 4، ص 1811.
([95]) ابن منظور. لسان العرب. ج 5، ص 87. (قرر).
([96]) ابن شبَّه. تاريخ المدينة المنورة. ج 1، ص 329.
([97]) نفسه. ج 1، ص 330.
([98]) ترجمة الأخطل غياث بن غوث. انظر: الزركلي. الأعلام. ج 5، ص 123.
([99]) العالم، إسماعيل أحمد. "الصور الحركية ومجالاتها في شعر الأخطل" ص 189 ـ 190.
([100]) انظر: المحرر. "علم النفس حول العالم العدد (17)". ص 20.
([101]) شيخاني، سمير. سجل الأيام. ج 3، ص 229.
([102]) انظر: أ ـ المجدوب، أحمد علي. اغتصاب النساء في المجتمعات القديمة والمعاصرة. ص 54.
ب ـ أيوب، ياسر. الانفجار الجنسي في مصر. ص 179.
جـ ـ حمود، رفيقة سليم. المرأة المصرية ـ مشكلات الحاضر وتحديات المستقبل. ص 72.
([103]) أحمد، عبد الرحمن يسري. تنمية الصناعات الصغيرة ومشكلات تمويلها. ص 25.
([104]) انظر: أ ـ المحرر. "تعويم أفكار في الكويت لرفع معدل تشغيل النساء". ص 11.
ب ـ المحرر. "فرص وظيفية للمرأة بأسلوب العمل من بعد". ص 17.
([105]) انظر: أ ـ البدر، محمد عبد العزيز. "الإعلام التربوي في دول الخليج العربية". ص 49.
ب ـ عيسى، مصباح الحاج. "استخدام الهاتف والشاشة الإلكترونية في التعليم عن بعد بدول الخليج العربية". ص 51 ـ 54.
جـ ـ جبر، يحيى عبد الرؤوف. "مشروع تلفزة الأيام الدراسية". ص 30 ـ 31.
([106]) عبد العال، جمال عبد المحسن. "الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة لها" ص 22 ـ 24.
([107]) المطير، عامر ناصر. "قيادة التلاميذ للسيارات وأثرها على الحركة المرورية في المملكة العربية السعودية".
ص 49.
([108]) بيوشامب، إدوارد. التعليم الياباني والتعليم الأمريكي ـ دراسة مقارنة. ص 28.
([109]) المجرن، عباس علي. "محددات الطلب العالمي على الجازولين". ص 110 ـ 111.
([110]) أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية. "توصيات الندوة العلمية الأربعين". ص 156.
([111]) الظفيري، عبد الوهاب محمد. "النساء المعيلات للأسرة في حالة غياب الأب ـ نموذج أسر الشهداء". ص 34.(/16)
مبشرات بانتصار الامة الاسلامية
إن الأمة الإسلامية القائمة على الدين الإسلامي قادرة على اقتحام التحديات التي تحول دون نهضتها، كما انها قادرة على الصمود في مواجهة الثقافة الغربية، فالجبال الراسيات يمكن أن تزول وهذه الأمة لا يمكن أن تزول، لانها محفوظة بهذا الدين، فقد تكفل الله بحفظ هذا الدين، ومن حفظه حفظ الأمة الآخذة به.
ويدل على قدرة هذه الأمة على الصمود والمواجهة ما يأتي:
أولاً: النصوص من الكتاب والسنة:
هنالك الكثير من الآيات والأخبار الصحيحة تدل على أن الإسلام سيبقى ظاهراً منصوراً إلى أن تقوم الساعة، وانه سيبقى قوة عالمية تزاحم القوى المضادة له مهما كانت متجبرة، يقول الله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ))، فهذه الآية الكريمة تبشرنا بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الاديان كلها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين ، وليس كذلك، فالذي تحقق انما هو جزء من هذا الوعد الصادق، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقالت عائشة: يا رسول الله ان كنت لاظن حين أنزل الله: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) ان ذلك تماماً، قال: انه سيكون من ذلك ما شاء الله....) رواه مسلم.
واوضح منه واعم قوله عليه الصلاة والسلام: (ليبلغن الامر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر الا وادخله الله هذا الدين، بعز عزيز، او بذل ذليل، عزاً يعز الله به الاسلام، وذلاً يذل به الكفر).
وهناك نصوص كثيرة منها ما اخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم عن المهدي، وما عنده من قوة وجيوش عظيمة ومنها ان المسلمين عند خروج الدجال يكونون قوة هائلة، وان تلك الجيوش تكون محاصرة للقسطنطينية، وهذا هو الفتح الثاني لتلك المدينة، ومنها ان عيسى ابن مريم عليه السلام سينزل في آخر الزمان، وسيحكم بالإسلام، وسيدخل النصارى في الدين الإسلامي، فلا يقبل منهم الا أن يدخلوا الإسلام أو القتل.
ثانياً: خصائص الإسلام:
الإسلام وحده هو الدين الذي يملك الخصائص التي تؤهله للبقاء فهو الدين الالهي الرباني الذي يصلح النفوس والقلوب والعقول والأعمال، وهو الصالح لأن يأخذ دوره في إصلاح العالم، وقد ادرك هذه الحقيقة بعض علماء الغرب، مهم (باول شتمز)، ومما قاله في كتابه (الإسلام قوة الغد العالمية): (سيعيد التأريخ نفسه مبتدئاً من الشرق، عوداً على بدء، من المنطقة التي قامت فيها القوة العالمية الإسلامية في الصدر الأول للإسلام، وستظهر هذه القوة التي تكمن في تماسك الإسلام ووحدته العسكرية وستثبت هذه القوة وجودها، واذا ما ادرك المسلمون كيفية استخراجها والاستفادة منها، وستقلب موازين القوى،لانها قائمة على أسس لا تتوافر في غيرها من تيارات القوى العالمية.
ثالثاً: عودة المسلمين إلى دينهم:
لقد اغتاظ الغرب كما اغتاظ المستغربون من عودة المسلمين إلى الإسلام، فالإسلام بدأ حيا من جديد في النفوس، وطلائع المد الإسلامي بدأت تطل هنا وهناك من الجامعات والمعاهد والمدارس، وبدأت الاصوات تتعالى منادية بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
وبدأ المثقفون في ديار الإسلام ينحازون إلى الإسلام، ويرفضون الكفر، وبدأوا يدرسون حضارة الغرب وثقافته في ضوء تعاليم الإسلام، وبدأت تتكشف لهم عورات هذه الحضارة وتلك الثقافة، وفاض سيل من الكتب والصحف والمجلات يوضح الإسلام ويشرح اهدافه ومقاصده.
وكما نما الإسلام اول مرة سينمو مرة أخرى، وسيكتمل بناؤه، على الرغم من كيد اعداء الإسلام وكيد اذنابهم في ديار المسلمين.
ويمكننا أن نجمل مظاهر الصحوة المباركة التي يعيشها المسلمون اليوم في النقاط التالية:
1- توجه الشباب إلى المنهج الإسلامي والحماس للإسلام والدعوة إليه، وعمارتهم للمساجد، ومحاولتهم الالتزام بشعائر الإسلام وشعاراته.
2- عودة نسبة كبيرة من النساء إلى الالتزام بالإسلام فكراً وسلوكاً.
3- تردد اصداء الدعوة إلى الإسلام في مختلف ديار الإسلام.
4- الدعوة إلى إصدار تشريعات وقوانين مستوحاه من الشريعة الإسلامية او مستمدة منها.
5- النشاطات والمجامع العلمية ومعاهد العلم التي تقام في كل مكان، كالمؤتمرات والتجمعات والمدارس والكليات الإسلامية التي نراها تنتشر في كل مكان.
رابعاً: انتشار الإسلام في عالم الغرب:(/1)
أصبح للإسلام وجود هائل في عالم الغرب في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وغيرها من الدول، وهو في نمو مطرد، ويكسب الإسلام في كل يوم مسلمين جدداً من أهل تلك الديار، بل دخل في الإسلام علماء مبرزون في تخصصاتهم، ومفكرون مشهورون لهم نظرات ونظريات في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وعلى الرغم من كثرة المغريات التي يمكن ان تبعد المسلمين عن دينهم، الا ان المسلمين في تلك الديار اقاموا كيانات تحفظ على المسلمين دينهم، ومن ذلك بناء المساجد، وانشاء المدارس والجامعات، وإقامة المراكز الإسلامية التي تعنى بشؤون المسلمين في تلك الديار.
خامساً: الأفول الحضاري للغرب:
اراد الغرب من خلال علمائه ومفكريه ونظرياته وإعلامه ان يغرس في اذهاننا انه لا تقدم للمسلمين ولا للأمة الإسلامية الا باتباعنا له في مذاهبه وافكاره وثقافته وحضارته، حتى زينوا لنا ان الحضارة وتعاليم الغرب وثقافته صنوان لا يفترقان.
وقد بدأت نذر سقوط الحضارة الغربية تلوح في الافق، فالعيوب والآفات بدأت تسري في كيانها، وتحدث به صدوعاً وتشققات، واصبحت عاجزة عن إخفاء آثار التآكل التي شدت اليها انظار العقلاء من ابناء تلك الحضارة، فعلت اصواتهم معلنة ان نجمها بدأ يهوي، وان الحضارة الغربية التي خيل للبعض خلودها آيلة للسقوط بعد ان اصبحت تنوء بمشكلات لاقبل لصناع تلك الحضارة بمعالجتها.
فهذا (الكسيس كاريل) في كتابه (الانسان ذلك المجهول) يدين الحضارة المادية، ويرى انها وليدة خيالات الاكتشافات العلمية وشهوات الناس وأوهامهم، وان التقدم الهائل الذي احرزته علوم الجماد لم تجن منه البشرية سوى القلق والهموم وفي ذلك يقول: (حقيقة الامر ان مدنيتنا مثل المدنيات التي سبقتها اوجدت احوالاً معينة لحياة من شأنها ان تجعل الحياة نفسها مستحيلة، وذلك لاسباب لا تزال غامضة، ان القلق والهموم التي يعاني منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية).
نعم ان المستقبل للإسلام ولكن السؤال هو ما هو دورك في تحقيق ذلك؟(/2)
مبيت المرأة في بيت بعض محارمها غير أبيها
السؤال :
هل يجوز للمرأة أن تبيت ليلةَ أو أكثر في بيت بعض محارمها كبيت خالها أو عمّها مع أن في ذلك البيت بعض الشبّان غير المحرّمين عليها ، و لكنّها تحتاط لنفسها من الحرام أثناء مبيتها عندهم .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
مع ما يبدو لي من صعوبة التزام المرأة المسلمة بالأحكام و الآداب الشرعيّة في حال المبيت أو المكث لأوقاتٍ طويلة خارج بيتها ( سواءً كان بيت أبيها الذي تعيش فيه ، أو بيت الزوجيّة ) من التزام الحجاب ، و مجانبة الاختلاط ، و ما إلى ذلك ؛ فعلى افتراض تمكّنها من ذلك فلا بأس فيه .
و لا أعلم دليلاً يمنع المرأة من المبيت في بيت محارمها ما لم يكن في ذلك ارتكابٌ لمحرّم أو ذريعة مفضيةٌ إليه فيحرُم لأجله .
و لكن النهي ثابت في حالة ما إذا كانت المرأة عرضةٌ للتعرّي أو التجرّد من ثيابها خارج بيت زوجها ، فقد روى الترمذيّ بإسنادٍ حسّنه ( و هو كما قال ) عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أنّها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها و بين ربها ) .
و قد علّل المباركفوري شارح سنن الترمذي هذا النهي بقوله : ( لأنها – أي المرأة - مأمورة بالتستر و التحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضا إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به ) .
و الخلاصة أن الأصل فيما ورد السؤال عنه الإباحة ، ما لم يكن فيه محرّمٌ أو يؤدي إلى محرّمٍ ، و الله أعلم .(/1)
متاعٌ قليلٌ من زوجٍ مفارق
فوزية الخليوي 6/1/1426
كانت الغرفة ممتلئة بالنساء ويلفّها الهدوء ويتوشّحها السواد كانت تعابير الوجوه خالية القسمات مُسلطةٌ على امرأة ممدّدة في الفراش، وقد بدا من نظراتهنّ أن المنظر مألوفٌ لديهنّ!!
وكانت المرأة شبه غائبة عن الوعي ينساب من عينيْها خطّان من الدموع لا يتوقفان وكأنما تأهّب جسدها لهذا الحادث المؤلم والفقد المُفجّع!!
كأنّ عيني لذكراه إذا خطرتْ ... فيضٌ يسيلُ على الخدّين ِمدرارُ
إنّ هذه الانتقالية في المشاعر من جزع وحزن وحسرة لتترجم -وبكل صدق- ما عليه المرأة الوفيّة لزوجها من حبّ وشوق و شفقة!!
وقد تختلف ترجمة هذا الزخم الهائل من امرأةٍ لأخرى في بعض التجافي والصدود ولكنه كما قيل:
إني لأمنحك الصدودَ وإنني ... قسماً إليك مع الصدود لأميلُ
فالمرأة منذ أن تخطو خطواتها الأولى في الحياة وقد وضعت نُصب عينيها في كنف زوج كريم.
فما ظنك بعدها بمن يتقوّض بنيانها في لحظة واحدة بموت زوجها وأنيس وحشتها!!
اصبرْ لدهرٍ نال منك فهكذا مضت الدُّهورُ
فرحٌ وحُزنٌ مرّةً لا الحُزنُ دام ولا الُّسرورُ
إنها الفضيلة التي قصرت طرف المرأة في زوجها وجعلتها تحيا بحياته وتموت بمماته!!
لا تنظر للعالم إلا بمنظاره!
ولا تعيش إلا بين أسواره!
ولا ترى بذلك قوّة ولا وجبروتاً، وسلطة!!
كما يحلو للبعض التسمية!!
بل ترى فيه أُنساً وعِزةً وشرفاً!!
وهذه خولة الفزارية عندما نام زوجها الحسن بن علي فوق سطح عمدت إلى رجله فربطت رجله بخمارها إلى خلخالها!! فلما استيقظ قال لها: ماهذا؟
فقالت: خشيت أن تقوم من شدّة النوم فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب فأعجبه ذلك منها!!
فهي ترقبه في حال حياته وتندبه في حال مماته!!
ولا تجد من ملذات الدنيا ما يؤنسها إلا كما حكت زوجة عبيد الله بن زياد عندما سُئلت عنه بعد مماته فقالت: ودِدْت أن القيامة قامت لأراه وأشتفي من حديثه!!
ولعلي لا أحيد عن الحق عندما أقول: إن هذا التقدير والتبجيل من المرأة لزوجها إنما ينبع من تربية ونشأة تُساق إليها!!
فهذا البيت النبوي: قد بلغ الأوج وطُهِّر من كل عوج، فإليك حال الأم وهى الرباب بنت أُنيف زوجة الحسين لما قُتل بكربلاء وَجَدت عليه وَجْداً شديداً وذُكِر أنها بكت عليه سنة ثم أنشدت
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقد خطبها عِدّة فقالت: ما كنت لأتخذ صهراً بعد رسول الله ووالله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقفٌ أبداً ولم تزل عليه كَمِدةً حتى ماتت!
أما ابنتها سكينة زوجة مصعب بن عمير فكانت معه لما قُتل فطلبته في القتلى حتى عرفته بشامة في خدّه فقالت: نعم بعْل المرأة المسلمة كنت!! أدركك والله ما قال عنتر:
وخليلُ غانيةٍ تركت مجندلاً ... بالقاع لم يعهد ولم يتلثمِ
فهتكت بالرمحِ الطويل إهابه ليس الكريمُ على القنا بمحرّمِ
وهنا يحول الجريضُ دون القريض بهذه القصّة والتي ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية عن عمرو بن الحمق الذي قُتل وبُعث برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد وكانت في السجن فأُلقي في حِجرها!! فوضعت كفها على جبينه ولثمت فمه وقالت:
غيّبتموه عني طويلاً ... ثم أهديتموه إليّ قتيلاً(/1)
متانة الفكر الإسلامي وحيويته
د. عبدالحكيم الفيتوري 13/8/1424
09/10/2003
الإسلام يختلف عن باقي الأديان في أنّه دين ينفذ إلى كافة شؤون الحياة ويتدخل في جميع قضايا الإنسان صغيرها وكبيرها.. فهو ليس كاليهودية والمسيحية مجرد علاقة ثنائية بين العبد والربّ تتبلور على شكل طقوس وعبادات وشعائر دينية لا غير، بل هو نظام إلهي للحياة بجميع صورها وأشكالها يراد من خلاله تحقيق العدالة وفق النظرة الإلهية. وقد اعترف الكثيرون من مفكري الغرب الموضوعيين بهذه الحقيقة، وأعربوا عن قدرة الإسلام على حلّ المشاكل الاجتماعية وتوفير حياة صحيحة لا مجال فيها لغمط الحقوق وانتهاكها. كما أقروا أيضاً بحيوية القوانين الإسلامية واتسامها بالتلاؤم مع عملية التطور الزمني.
يقول الكاتب الانجليزي المعروف برناردشو: "إنّني أكنُّ الاحترام دائماً للدين الّذي جاء به محمّد، لما يمتلكه هذا الدّين من ديمومة وخلود عجيب ، وبرأيي أن الإسلام هو الدّين الوحيد الّذي يتميز بالاستعداد للانسجام مع مختلف حالات الحياة وصورها المتغيرة والتحكم فيها...، وأتوقع أن أوروبا ستعتنق غداً إسلام محمّد، وقد ظهرت آثار ذلك منذ الآن...، فبدافع من الجهل أو التعصب رسم رجال الدّين في القرون الوسطى صوراً مظلمة عن دين محمّد (صلى الله عليه وسلم) فصوروه ـ بدافع من الحقد والعصبية ـ أنّه ضد المسيحية ، غير أنّني بحثت حول هذا الرجل ـ الرجل الفريد ـ وتوصلت إلى أنّه لم يكن ضدّ المسيح في يوم ما، بل ويجب أن ندعوه منقذ البشرية أيضاً.
وبرأيي لو ملك رجل مثله العالم الجديد؛ فإنّه سيوفق إلى حل القضايا والمشاكل العالمية بالشكل الّذي يعمل على استتباب السلام والسعادة اللّذين تطمح إليهما البشرية".
فالإسلام دين ينسجم مع مقتضيات الزمان والمكان والانسان، ويتّسع التطور في الأوضاع والحاجات ليواجهها بمفاهيمه الواقعية وتشريعاته المرنة، ولكنه غير مجبر في النهاية على ملاحقة أية عملية تغير تحدث هنا وهناك واستيعاب تلك العملية والانسجام معها!.
لأن هناك من يعتقد أنّه مادامت وسائل الحياة وأدواتها تتغير يوماً بعد آخر، فيجب أن تكون كافة التغييرات الّتي تطرأ على حياة الإنسان نوعاً من التطوّر والرقي، ولا بدّ أن تشق طريقها إلى الحياة الاجتماعية شئناً أم أبينا!.
فأولئك الّذين يتحدثون عن التغيرات والتحولات الزمنية ووجوب الانقياد لكل تغير وتحول دون تروٍّ وتفحص، فهم يلغون في الحقيقة دور الإنسان الفاعل، ويجعلون منه مجرد فارس أبله قد وضع نفسه بين يدي جواد جموح قد يلقي به من على ظهره في هوة عميقة!.
وإزاء هذا التقويم بنوعيه الإيجابي والسلبي يبرز موقفان متعارضان ولكنهما غير سليمين؛ فالموقف الأول : مرضى التحجر، والموقف الثاني : مرضى الجهل ، فينجم عن الموقف الأول : التوقف والتخلف ، وعن الثاني : الانحراف والسقوط !.
فالمتحجر عادة لا يستقبل أي شيء جديد ويشعر بالنفور تجاه أية حالة جديدة مهما كانت دون أن يحاول دراسة تلك الحالة وتمحيصها، ومن ثمّ اتّخاذ الموقف المناسب تجاهها!!
أما الجاهل فيحاول أن يعزو كلّ ظاهرة جديدة إلى الرقي والتطور، ويفسّرها على أنّها ضرورة من ضرورات الزّمن وطفرة زمنية لابدّ منها باتجاه المستقبل!.
وبعبارة أخرى "إنّ المتحجر يطلق على كلّ جديد فساداً وانحرافاً، والجاهل يعتبره جزءًا من عملية التطور والتقدم!.
وأمام هذين الموقفين المتطرفين من العملية التغييرية يقف الفكر الإسلامي موقفاً آخر يتّسم بالعقلانية والرؤية النابعة من الشعور بالمسؤولية ، فهو يعارض التحجر ويرفض الجهل، بل يعتبر الاثنين معاً جزءًا من الأخطار الّتي تتهدده وتعترض سبيله!.
فالإسلام ينظر إلى كلّ حالة جديدة بعين التفحص والتحقيق ، ويعرض تلك الحالة على ثوابته؛ فيأخذ ما توافق معها ويرفض ما اختلف معها. فهو لا يرفض كلّ جديد، ولا يأخذ أيضاً بكل جديد، بل يرفض ما تعارض مع قواعده وكلياته ويستقبل ما اتّفق منها مع تلك القواعد والكليات.
حيوية الفكر الإسلامي
الفكر الإسلامي فكر رصين متين يستمد قوته من القوة المطلقة، ويحمل معه قابلية التأثير السريع على العقول والقلوب بمجرد أن يلامسها، وهذه خصوصية أخرى ينفرد بها هذا الفكر ويتميز بها على كافة الأفكار الأخرى، وسجّلها التاريخ له بأحرف من نور ، بل يكاد المؤرخون يجمعون على أن ما تركه الاحتلال الروماني الّذي احتل البلاد نحو ستة قرون لم يصمد للفتح الإسلامي، وأنّ اللاّتينية الّتي بدا أنّها سادت الشمال الأفريقي زماناً، صفيت في القرن الهجري الأول ، وكذلك قبائل الأمازيغ التي عصت في أول أمرها؛ أصبحت بعد برهة من الزمان حامية حمى الدين والدعوة في شمال أفريقيا والأندلس وجنوب فرنسا!.(/1)
وليس من ميزات الفكر الإسلامي سرعة التأثير والنفوذ إلى قلوب وضمائر الأمم الأخرى وتحويلها إلى عناصر إسلامية مؤمنة تدافع عنه وتذود عن بيضته وحماه، وترفع لواء تحرير الشعوب المستضعفة فحسب، بل يحمل أيضاً قابلية كبيرة على مقاومة كافّة أنواع الغزو وعلى جميع الأصعدة والاحتفاظ بقوته وصلابته وتحديه لكافة الأخطار الّتي تحدق به والتاريخ والواقع خير شاهد على ذلك!.
كذلك تميّز الفكر الإسلامي بخصوصية سرعة التأثير الّتي تمتد حتّى إلى الغزاة أنفسهم - ولعل عدد من أسلم من جنود الأمريكان في حرب الخليج الأولى خير شاهد على ذلك -، وقابليته العجيبة على إحداث التغيير في المتبنيات الفكرية والعقائدية للآخرين ، يعود في الواقع إلى انسجامه الكامل مع الفطرة الإنسانية، تلك الفطرة الّتي فطر الله النّاس عليها، ومواءمته للطبيعة البشرية، وهذا يعني أن الأفكار والثقافة الإسلامية والحلول الإسلامية للمشاكل الاجتماعية ليست غريبة على العقل الإنساني كي يرفضها أو يقف منها موقفاً معانداً متصلباً ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أيضاً السلوك الإسلامي والصورة الإنسانية الرائعة الّتي تتم بها نقل هذه الأفكار، ومن هنا جاء تأكيد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على أن : "الدين المعاملة" السلوك والأخلاق .
فرصيد الفكر الإسلامي من القوة يعود بالدرجة الأولى إلى اتّساقه مع النظام الفطري الإنساني ، وانسجامه مع متطلبات الإنسان وحاجاته الفطرية الأصيلة ، وصياغته بشكل يلبي تلك الحاجات وينظمها وفق إطار سليم صحيح لا يسمح للغرائز بالاستفحال والتحول إلى خطر عظيم ربّما يهدد الوجود البشري بأسره.
ومن هنا كان لزاما على أهل العقول والفكر في الإسلام خاصة في هذا العصر أن يعيدوا للفكر الإسلامي دوره ومكانته المرموقة في قيادة الأمة والبشرية جمعاء ، وذلك بإعادة قراءة قضايا كثيرة في التراث الإسلامي وفق متغيرات الزمان والمكان والإنسان، ونظم منظومة فكرية جديدة تخدم الناس كافة وفي القضايا المطروحة كافة.(/2)
متشرد
شعر: سليم عبد القادر
حلَّ الربيعُ على الوجودِ فأشرقا
وتبرجت فيه الطبيعة iiواكتست
وتبسمت بغداد، (دجلةُ) إلفُها
ويطوف حول (الجادريّة) iiساكباً
و(الجادريّة) تزدهي iiببناتها
الجامعات ، وصار فيها iiللهوى
بنت يجاورها فتى في iiمقعد
إن الجمالَ مع الصِّبا iiوبريقه
* * ii*
وأنا هنا في غير وقتي iiقادم
متشرد، أهفو إلى وطني iiالذي
متوحد بين الجموع iiكأنني
أرنو إلى الغيد الحِسانِ كأنما
همي تنوء به الجبال ولا iiأرى
صور السجون مع الخيال iiتشابكت
إخواننا فيها انتظار iiجارح ... ... وتدفقت فيه الحياةُ iiتدفُقا
ورداً وزهراً، ياسمين iiوزنبقا
يجري ويبقى بالصبابة iiموثَقا
سحراً بهياً أو جلالاً iiشيِّقا
وشبابها المتبخترين iiتأنُّقا
والعلم آفاق رحاب ، iiملتقى
هل يستطيع الجيل ألا iiيعشقا!؟
يُغري به حتى الجماد المُطبِقا
* * ii*
أسترجع الماضي ، وأرقى iiمرتقى
فيه درجت، وفيه عمري iiأورقا
شبحٌ على أمر البرية iiأشفقا
أرنو إلى حجر ، وأمضي iiمطرقا
في طرحه حلاً ، ولا أن iiيُخنقا
حتى أبى من نيرها أن iiيُعتقا
فمتى يُلاقونَ الصباحَ المُشرقا ii!؟(/1)
متطلبات الدعوة الإسلامية ومستلزماتها
يتناول الدرس مفاهيم في المؤسسة الدعوية، وما تستلزمه من متطلبات، ووضّح ضرورة الدعوة إلى الله، ومكانة النصيحة في الدين. وتحدث عن التربية الفردية والوعظ العام، ونبه على فهم كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بالحديث الصحيح وإن خالف بعض أقوال الفقهاء .
1- [يسع العمل الفردي ما لا يسع العمل المؤسسي]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دعا بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين،أما بعد،،،
فأضع بين يدي كل داعية مسلم؛ بعض المفاهيم في المؤسسة الدعوية الإسلامية وما تستلزمه من متطلبات، ووضّحت ضرورة الدعوة إلى الله، ومكانة النصيحة في الدين . وإنني أشد على يد كل داعية أن يجعل رصيده لا ينفد، ومعينه لا ينضب، وذلك بتعمقه في فهم كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعمل بالحديث الصحيح وإن خالف بعض أقوال الفقهاء .
ويتحدث موضوعنا هذا عن مفاهيم في المؤسسة الدعوية الإسلامية، حيث إن العمل المؤسس له قيوده وحدوده التي لا يستطيع بعض أصحاب الأعمال الفردية أن يلزموها. وتحدثت فيه عن التربية الفردية والوعظ العام.ولما كان الوعظ فيه نصح وعظة وإن الدين النصيحة؛ فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الدِّينُ النَّصِيحَةُ” قُلْنَا لِمَنْ قَالَ: [ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ] رواه مسلم والترمذي وأبوداود والنسائي والدارمي وأحمد. وهذه فصول تشتمل على:
فقه الداعية وأثره في غيره.
مفاهيم في المؤسسة الدعوية.
بين الدعوة الفردية والعمل العام.
النصيحة.
الأخذ بالحديث الصحيح وإن خالف بعض أقوال الفقهاء.
يسع العمل الفردي ما لا يسع العمل المؤسسي:
دعاة الإسلام اليوم بحاجة إلى فقه دقيق لهذه الدعوة، ووعي كامل لمتطلباتها ومستلزماتها، ولا يكون ذلك إلا بالقراءة، وبالثقافة وباستغلال الوقت، حيث إن الوقت هو الحياة. وهم كذلك بأمس الحاجة إلى تكوين صف آخر لهذه الدعوة، تبنى عليه الآمال المستقبلية لهم، وأينما وجدوا يجب أن يتركوا أثرًا لوجودهم، أثرًا تعيش عليه الأجيال القادمة، فهو بمثابة الشعلة لهم في ظلمة الحياة الدنيا، وهذا يستلزم وضوح المفاهيم الإسلامية عند رجل الدعوة من أجل حماية المؤسسة الدعوية من الفتن والانشقاق والتمزق، وهذا الانضباط يوجهنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:} وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا[83]{ “سورة النساء”.(/1)
وقصة الانضباط يُسطرها لنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قال:حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ فَتًى مِنَّا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ ! قَالَ: [نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي] قَالَ فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ قَالَ: [وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ] قَالَ وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَجَعَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا فَقَالَ حُذَيْفَةُ: [يَا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ هَوِيًّا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ: [مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرَ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ] يَشْتَرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ [أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ] فَمَا قَامَ رَجُلٌ ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوِيًّا مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ:[مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرَ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ” يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْعَةَ “أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ] فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ مَعَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنْ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي فَقَالَ:[ يَا حُذَيْفَةُ فَاذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا] قَالَ فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ لَا تَقِرُّ لَهُمْ قِدْرٌ وَلَا نَارٌ وَلَا بِنَاءٌ فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِيَنْظُرْ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي إِلَى جَنْبِي فَقُلْتُ مَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ بَلَغَنَا مِنْهُمْ الَّذِي نَكْرَهُ وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ وَاللَّهِ مَا تَطْمَئِنُّ لَنَا قِدْرٌ وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ عَلَى ثَلَاثٍ فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي وَلَوْ شِئْتُ لَقَتَلْتُهُ بِسَهْمٍ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ مُرَحَّلٍ فَلَمَّا رَآنِي أَدْخَلَنِي إِلَى رَحْلِهِ وَطَرَحَ عَلَيَّ طَرَفَ الْمِرْطِ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنَّهُ لَفِيهِ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَانْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ 'رواه أحمد وأصله في مسلم.
ما كان حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه سائبًا غير منتظم، بل كان في جماعة المسلمين تضبطه ضوابط، وتقيده قيود الجماعة، والأمر الأكبر من ذلك، والأدعى إلى العجب، أنه لم يقتل أبا سفيان مع العلم بأن الحالة كانت حالة حرب وجهاد، والمعروف أنه بقتل الكافر؛ يؤجر المسلم، ومع ذلك نجد أن حذيفة كان ملتزمًا، منضبطًا، مطيعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قيده وألزمه بقوله: [وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا].وهذا الحديث هو محور حديثنا في هذا الفصل، وهو:
[يسع العمل الفردي ما لا يسع العمل المؤسسي](/2)
إن حذيفة بن اليمان كان منضبطًا، وبمقدار التزامه هو وإخوانه؛ استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن ينجو من أكبر مؤامرة ومعركة واجهها المجتمع الإسلامي في المدينة، فالدخول في مؤسسة واضحة الأهداف بينة الخطى، يجعل هناك مستلزمات ومُتطلبات وقيود لابد من الالتزام بها حتى لا تقع هذه المؤسسة بمطبات لم تحسب لها حساباً، وهذا الأمر لا يعني عدم وجود بعض الأعمال الفردية الحسنة التي يقوم بها بعض الأفراد خارج إطار المجموعة كما في قصة أبي بصير وجماعته بعد إبرام صلح الحديبية بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعوث قريش سهيل بن عمرو. والذي كانت تنص أحد بنوده على أن يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم إيواء أحد في المدينة من أبناء قريش- حتى وإن جاء مسلمًا- ما لم يكن ذلك بموافقة وليه. وأن على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعيده إلى أهله إذا هم طلبوا منه ذلك، وبعد عودته صلى الله عليه وسلم إلى المدنية أتاه لاجئ هو: 'أبو بصير عتبة بن أسيد الزهري' فارًا من سجون مكة، ولما علمت قريش بذلك؛ أرسلت في طلبه من رسول الله، وبعثت رجلين ليأتيا به، فغادر أبو بصير المدينة مع الحارسين، وفي مكان يقال له ذو الحليفة-أبيار علي اليوم- استطاع أبو بصير أن يقتل أحد حراسه، ويلحق بالآخر الذي فر إلى المدينة طالبًا النجاة، عند ذلك لم يجبره رسول الله صلى الله عليه وسلم على العودة إلى مكة، ولكنه في الوقت نفسه لم يسمح له بالإقامة في المدينة، ولا أن يأخذ خُمس غنيمة الرجل المقتول، لكيلا تفسر قريش ذلك بأن رسول الله قد نقض العهد، فالتجأ أبو بصير رضي الله عنه إلى العيص على ساحل البحر الأحمر، ولما علم المسلمون السجناء في مكة بذلك لحقوا بأبي بصير، وقاموا بقطع الطريق على قوافل قريش والاستيلاء عليها، حتى بلغ عدد المسلمين الفارين من سجون مكة إلى أبي بصير ثلاثمائة رجل. وهنا نرى أفرادًا مسلمين غير منتظمين بجماعة المسلمين يعملون أعمالاً جليلة تعود على جماعة المسلمين في المدينة بالنفع ! وجائز لهم ما فعلوا من مقاومة الكفر بالقوة، بينما لم يكن هذا الفعل جائزًا لغيرهم من جماعة المسلمين في المدينة بحكم صلح الحديبية، وإن كان الفعل بنفسه مفيدًا للمسلمين. وقد فقه المسلمون هذا المعنى فلم يطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتركوا مع أبي بصير في عمله النافع؛ لأنهم أفراد في جماعة المسلمين يلتزمون بما تلتزم به الجماعة، بينما كان أبو بصير رضي الله عنه مسلمًا حقًا، ولكنه كان خارج نطاق صفوف جماعة المسلمين. ومثل هذا الفرد في وسعه أن يعمل ما ليس في وسع غيره”أصول الدعوة”.
لماذا سعة الفرد .. وعجز المؤسسة ؟
ولابد من الإجابة على هذا السؤال قبل الخوض في مثل هذا البحث، وذلك كي تتهيأ نفوسنا لفهم دور كل من الفرد والمؤسسة وحدود عملهما، وما يمكن لأحدهما أن يصنعه مما يعجز عنه الآخر.
فالحركة الإسلامية التي تتبع خطوات الرسول عليه الصلاة والسلام في طريقة دعوته، والتي تسير وفق منهجه في الحركة، إنما تتبع وسائل محددة لتحقيق أهداف ثابتة. فليست هي التي تضع الأهداف، وإنما تسعى هي لتحقيقها. كما أنها ليست هي التي تصنع الوسائل وإنما تجدد فيها، بما يتناسب وظروف العصر الذي نعيش فيه، إضافة إلى ما تجتهده من أساليب لا تتعارض مع النصوص الشرعية، ولا مع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي الطرف الآخر تجد تسابق الأحداث وتوالي الضغوط. وتقف المؤسسة الدعوية في هذا الوسط مشدودة إلى هذا وذاك .. لا هي قادرة على تجاهل ما يجري ويدور من حولها؛ لأن في ذلك ما يعيقها عن مسيرتها أو يباعدها من أهدافها، ولا هي مؤهلة لمجابهتها والتصدي لها خشية أن تتعرض المؤسسة بكاملها لخطر محدق. ويبرز هنا دور الفرد السائب، و'يسع العمل الفردي ما لا يسع العمل المؤسسي'، وبهذا تكون النظرة إلى دور الفرد على أنه وسيلة من وسائل الدعوة، وجزء من منهجها في إطار من التكامل، لا على أساس أنهما منهجان مختلفان للدعوة. إذاً فدور الفرد يكون حينما تعجز الجماعة عن أدائه، أو حين تتعارض مصالح المؤسسة بين التزامها بمنهجها الحركي، واستجابتها للظروف الملحة، هذا بالنسبة للفرد الذي تملك المؤسسة توجيهه لأداء ما تعجز هي عن أدائه. أما الفرد السائب الذي لا سلطة للمؤسسة عليه ولا علاقة لها به، فإنه يخدم الدعوة بدافع من إيمان، أو من هوى شخصي، أو من نخوة فيه، أو غير ذلك مما تنتفع الدعوة منه، ولكل امرئ ما نوى.
العوامل المنشئة للقاعدة:
لابد لنا من التعرض لأهم العوامل التي تجعل العمل الفردي يسعه ما لا يسع المؤسسة المنظمة، وهي في جملتها تنقسم إلى قسمين رئيسين:
العوامل الداخلية : وتتمثل في طبيعة المنهج الحركي الذي تسير عليه الدعوة، ومن أهم ملامح هذا المنهج التي لها أثر بارز في موضوعنا:(/3)
المرحلية:وهي سمة أساسية في هذا المنهج. ولما كانت مستلزمات العمل المؤسسي تتبع منهج التربية الإيمانية، وتأخذ بطريقة التغيير القاعدي وتكوين القاعدة الصلبة من مراحلها الأولى، وبأسلوب الانتشار والانفتاح التدريجي في المراحل الأولى، فإنها كثيرًا ما تتعرض لدوافع وجواذب خارجية تستحثها في استعجال الطريق، وتدفعها لاستباق مرحلتها التي تمر بها . وينبغي أن تُفهم المراحل التي تمر بها الدعوة فهمًا عميقًا، كما تفهم ظروف الواقع الذي نعيش فيه، فلا تكون مرحلية تلك التي تتجمد على وسائل ثابتة لا تتجاوزها، كما لا تكون مرحلية طائشة تتحكم فيها العادات، أو تنساق مع الأهواء . ويتضح دور العمل الفردي السائب في هذا الجانب، حينما يعرض للمؤسسة حدث تحرص على دفعه أو جلبه، ولكن مرحلتها التي تمر بها قد لا تعينها، أو تسمح لها بذلك. وقد يتمكن عمل فردي سائب من دفع الضر أو جلب النفع بمفرده؛ فيكون بعمله هذا قد حقق الخيرين معًا: فالمؤسسة لا تضطر لاتخاذ موقف لا يتناسب مع مرحلتها، كما أن المنفعة التي حرصت عليها جُلبت، والمضرة التي خشيت منها دُفعت.
العمل الجماهيري:كما تعتمد المؤسسة الدعوية على التربية الهادئة العميقة .. تعمد كذلك إلى العمل الجماهيري الذي له دوره في تهيئة جو صالح للتربية .. ودفع عجلة الفساد للوراء. والعمل الجماهيري يخضع لمرحلة الدعوة وطاقتها. ففي المراحل الأولى يكون هناك تركيز على الجانب التربوي. وكلما تقدمت الدعوة في مراحلها كان للعمل الجماهيري دور أكبر وأشد. ويبرز دور الفرد السائب في هذا الجانب من العمل الجماهيري في المرحلة الأولى.
العوامل الخارجية :وهي جملة الضغوط التي يتعرض لها العمل الإسلامي من خلال الأحداث التي تصادفه في حركته ومن أهمها:
تفشي الانحلال والفساد، وتفكك الصرح الخلقي للمجتمع: نتيجة الدعوات المكثفة للتفسخ، وخاصة من مراكز التوجيه والإعلام مما يعيق تقدم الدعوة وحركتها.
تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية: نتيجة حركة الدعوات المنحرفة.
الشبهات التي يبثها أعداء العمل الإسلامي ويتداولها الجمهور: مما قد يجعل منها عائقًا أمام قبول الناس للدعوة.
مجالات تطبيق القاعدة
ونقصد بذلك الحالات المختلفة التي قد يكون عليها العمل الفردي السائب.
أولاً: فرد المؤسسة الدعوية السائب : وهو الفرد الذي منعه ظرف ما من الانخراط في سلك المؤسسة، أو زهدت المؤسسة في انتسابه إليها لسبب من الأسباب، أو لم ينتسب هو إليها . ولقد حفظت السيرة النبوية لنا حوادث متفرقة في هذا الجانب.
ثانياً:فرد المؤسسة الدعوية المجهول: وهو من لم يعرف انتسابه للمؤسسة أو لم تكشف عن علاقته بها. ويستدل على هذا بقصة نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب، فإنه حينما جاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب مسلمًا؛ أمره أن يكتم إسلامه، ورده على المشركين كي يوقع بينهم، وقال له: [إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة] فخرج 'نعيم' حتى أتى بني قريظة فكلمهم، ثم أتى قريشًا فغطفان، حتى أشعل فيهم الفتنة؛ فخذلهم الله.هكذا ذكرها ابن إسحاق بدون إسناد، قال الألباني: لكن قوله: [الحرب خدعة] صحيح متواتر عنه صلى الله عليه وسلم. وحاجة المؤسسة إلى الفرد المجهول تزيد عن حاجتها إلى غيره؛ ذلك أن ظروفًا قد تواجهها تدعوها الحاجة فيها إلى تنفيذ مهمة محددة من فرد مجهول الصلة بها، أو اتخاذ موقف حاسم في وقت عصيب، أو كشف لمؤامرة أو امتثال لخطة. كل ذلك يستلزم فردًا ذا شروط خاصة، موثوق به، وغير معروف الصلة بها. ويحقق الفرد المجهول في مثل هذه الأحوال ما لا يحققه الجمع من الاتباع.
كما أنّ مما يجعل لهذا الصنف من الأفراد شأنًا خاصًا في حساب الدعوة هو انتسابهم إليها وإن لم يدل ظاهر أمرهم على ذلك. فهم بذلك قوى تحسب في رصيد المؤسسة خلافًا للفرد السائب- ممن لا سلطة عليه، ولا قدرة لها على توجيهه متى شاءت، وكيف تشاء- والفرق كبير بين من يتخذ مواقف فردية بأمر من المؤسسة، ومن يتخذها لاجتهاد شخصي أو لهوى ذاتي. فالأول يأتي منسجمًا مع خط المؤسسة محققًا لأهدافها، بينما لا يأتي الأخير - في كثير من الأحيان- إلا بعض أهدافها. وقد يفسد جانبًا حين يعمل لإصلاح آخر.
ثالثاً:فرد من خارج الإطار العام للعمل الإسلامي : وهو الشخص الفاجر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [َإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ] رواه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد. ووجوه التأييد من هذا الفرد تتعدد وتختلف حسب الظروف والعصور؛ فلقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة عمه أبي طالب، وهو رجل مشرك. ولا يخفى ما بذله أبوطالب من نفسه وماله في نصرة الدعوة، ورد كيد المشركين عنها، وكذلك موقفه من دور قريش حين أجمعت على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذائه.(/4)
وقد تتخذ النصرة شكل الاستعانة بالمشركين- بالشروط التي ذكرها الفقهاء- يدل على ذلك ما نقله الإمام الشوكاني في كتابه 'نيل الأوطار':'وحكى أبو حنيفة وأصحابه أنه يجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه، واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وسلم بناس من اليهود، واستعانته بصفوان بن أمية، وبإخباره بأنها ستنفع المسلمين مصالحة الروم، ويغزون جميعًا عدوًا من وراء المسلمين'“نيل الأوطار 8/44”.كما أورد الشوكاني: [ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ] رواه مسلم وأبوداود وأحمد. قبل غزوة بدر وهو رجل مشرك].
وقد تكون نصرة الكافر أو الفاجر إجارة للدعوة أو حماية لها..على أنه يجب في كل الأحوال اتقاء الشبهات، والترفع عما قد يفسر على غير وجهه، أو يفتح على الدعوة بابًا لطعن أو نقد، كالتحالف مع حزب ظاهر الانحراف، أو الاستعانة بكافر أو فاجر غير ظاهر سبب الاستعانة به أو غير ذلك.
2-”التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام”:
أ- الدعوة الفردية
التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام:
لقد تعالت صيحات كصيحات المستغيث، وارتفع عويل كعويل المكروب، فالمؤسسات الكافرة تعمل على أن لا تر حقًا إلا أسكتته، ولا صالحًا إلا أهلكته، ولا خيرًا إلا طمسته، ولا شرًا إلا زينته، ولا باطلاً إلا رفعته، إنها لم تترك زاوية إلا ولها نصيب فيها وغنيمة !! وهنا تبرز ضرورة دعوة الناس إلى الله، وقد وضح سبحانه وتعالى لنا طريق الدعوة في كتابه الكريم حيث قال:} وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[104]{ “سورة آل عمران”، وعلى ذلك يجب العمل في مؤسسة دعوية إسلامية شعارها: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[108] {“سورة يوسف”.فالدعوة إلى الإسلام ضرورة شرعية وضرورة بشرية، وقد علم ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فانطلقوا للدعوة إلى الله يفتحون البلاد باسم الإسلام ويدعون أهلها إلى الإسلام. فالدعاة يقومون بمهمة الأنبياء رضوان الله عليهم.. فاجتهد أيها الداعية المسلم في تصحيح النية قبل أن تبدأ عملك ورسالتك، ثم اجعل شعارك العمل الدائب مع الصبر الجميل، واجعل هدفك }وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[33] {“سورة فصلت” .} قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا[22]إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ [23] { “سورة الجن” .وتذكر قول الإمام ابن القيم رحمه الله حيث يقول: [مقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد].
انطلاقة الدعوة المباركة :
لقد كانت اللحظة التي أنزل بها وحيه على رسوله الأمين أول مرة، كانت من اللحظات الحاسمة في التاريخ البشري، حيث أحدثت انقلابًا جذريًا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعلته داعيًا عظيمًا، شامخًا، يحمل النور والضياء في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العرب الجاهلي .. ومن هنا كانت انطلاقة الدعوة .. وكان الصراع والمواجهة، وإذا بهذا الداعية الأكرم يواجه عالمًا مظلمًا، مترامي الأطراف، ولكنه كان يعلم يقينًا أن ذلك السواد العظيم إنما هو غثاء كغثاء السيل، وأن دعوته التي يحملها هي الحق المبين، فضرب للبشرية أروع المثل في الالتزام التام بهذه الدعوة المباركة. ولقد كان بثباته على دعوة الحق بلا مواراة ولا مواربة، وبمطالبة النفس البشرية بواجباتها كاملة وصبره على ذلك، وتحمله كل شيء في هذا السبيل مرضاة لله، كل هذا كان دليلاً على الصدق والإخلاص لله وللدعوة المكلف بها، فكان أن خرّج لهذه البشرية رجالاً حملوا راية الحق من بعده، يصفهم الله بقوله: }رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [37]{ “سورة النور”. فواجهوا المحن والشدائد والفتن كضريبة لهذه الدعوة المباركة، ولكنهم صمدوا وثبتوا ثبوت الشم الرواسي، إحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل، فسقط من سقط شهيدًا في طريق الدعوة، وأكملت البقية الباقية سيرها إلى الله حتى ظفرت بالنصر المبين.
واقع الدعوة اليوم :(/5)
ولقد شاء الله أن يظل صراع الحق والباطل ما دامت السموات والأرض، وما دام هناك شيطان جحد بنعمة الله وقال في عناد : }قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[82]إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[83]{ “سورة ص” ومن هنا كان دعاة الحق في صراع دائم مع الشيطان وجنده، يدعون إلى الله فلا يلقون إلا العنف والعناد، وأمامنا في وقتنا الحاضر أمثلة من نور، لمن لاقوا ربهم، إما محاربين ذائدين عن حوض الإسلام، استشهدوا وهم يرددون: 'ألا هبي ريح الجنة على رهبان الليل فرسان النهار' وإما على حبل المشنقة وأحدهم يقول:'إني لا أخشى الموت ولكني أحب لقاء الله' أو في مواجهة الطاغوت وجنوده في غيابة السجن وهو يقول للطاغوت: 'لا' بملء فيه .. هؤلاء هم المؤمنون الصادقون، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر ليكمل الشوط، ويسير على المنهج صابرًا محتسبًا ظلم قومه، وهو يدعوهم إلى النجاة ويدعونه إلى النار.. لقد بايعوا الله على الدعوة إليه بكل وسيلة متاحة:} فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ[146] {“سورة آل عمران”
وسائل تبليغ الدعوة :
وللدعوة فن في التبليغ، ووسائل في إيصال موضوع الدعوة إلى الناس، وبديهي جدًا أن الناس اليوم بحاجة إلى من يلفت انتباههم إلى الإسلام أولاً ويشعرهم بوجوده كمنهج حياة .. كإمامة .. كقيادة .. كريادة .. وسط التيارات والقوى العالمية المتصارعة، وبديهي كذلك أن عملية اللفت هذه خطوة تمهيدية، تسبق عملية الإقناع، بل هي أشبه بخطوة أولية لتحضير عقول الناس ونفوسهم للتلقي والانفعال، ولهذا تعددت أساليب ووسائل تبليغ الدعوة وفق المنهج الصحيح والحدود الشرعية، وما ذلك إلا دليل على سعة هذا العلم، ومرونته، وتكيفه مع متطلبات هذا الدين. وهناك وسائل كثيرة نذكر منها للأهمية منهجين أساسيين هما: منهج الدعوة الفردية، ومنهج الدعوة العامة، أو الوعظ العام. ولكل من هذين المنهجين أساليب وخطط ومراحل وفنون في الدعوة، وسنتناول هذين المنهجين بشيء من التفصيل .
أولاً:التربية الفردية :
مفهومها : هو قيام كل فرد من أفراد العمل الإسلامي بواجب الاحتكاك المقصود، الهادف بعناصر جديدة، ومحاولة جذبها إلى الفكرة أولاً عن طريق التربية والتكوين، ثم إلى الدعوة أخيرًا. وحريٌ بصاحب الفكرة أن يحاول الاستفادة من كافة العلاقات والظروف لطرح أفكاره ومحاولة إقناع الآخرين بها “كيف ندعو إلى الإسلام”.
أهميتها : لقد عمد الرسل عليهم الصلاة والسلام في تربية مجموعة على حقيقة هذا الدين، تتحرك به حتى يقضي الله أمره، أو يأتي بنصره. ومن صيغ المخاطبة الفردية التي ورد بها التكليف القرآني والنبوي نرى تأكيد المسئولية الشخصية في حمل أعباء الدعوة الإسلامية:} وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[33]{ “سورة فصلت” } فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [15]{ “سورة الشورى” .} ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[125] { “سورة النحل” وقوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ] رواه مسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه والنسائي وأحمد .
متطلباتها :
المنهج السليم الذي يملك تخريج الفرد المسلم والجيل المسلم: المنهج الذي تتكامل فيه جوانب التربية كلها: الفكرية، والروحية، والأخلاقية، مما يحقق التكامل والتوازن في بناء الشخصية الإسلامية.
القدوة الحسنة: أن يكون تقيًا، ورعًا، عاملاً بعلمه.
البيئة الصالحة: يجب تهيئة المناخات والأجواء المناسبة للأفراد، وبخاصة أثناء مرحلة التكوين الأولى.
التجرد: تجرد المربي الذي يحمل رسالة الدعوة إلى بناء شخصية الفرد المسلم وتجرده عن الغرض الشخصي.
تدرج المربي في الأمور المنطقية: فيبدأ بالعقيدة قبل العبادة، وبالعبادة قبل منهاج الحياة، وبالكليات قبل الجزئيات.
اتخاذ وسائل الرفق واللين في التربية: الصبر على الزلات والأخطاء حتى يأتي اليوم الذي تظهر فيه ثمرة هذا الصبر في نفس هذا الفرد.(/6)
وسائلها : متعددة وهي تتدرج مع تدرج المربي في تربيته للفرد المدعو، فهي دائرة في اللقاءات التي يحددها المربي مع مدعوه، والتي يتدارس معه فيها قراءة القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، والسيرة النبوية، ويعمل على اختيار الأوقات والأماكن المناسبة، وأخذه إلى حلقة المسجد، والسمر الثقافي، والدعوة إلى الطعام، وإهداء كتاب لتبليغ الأفكار الإسلامية بشكل جيد.
أثرها في الفرد : تُعتبر من أنجح وسائل الدعوة، وأقواها أثرًا، وأضمنها نتيجة، فتتميز بالتركيز على المدعو، وقوة التأثير فيه؛ مما يعطي فرصة أكبر للنجاح في الدعوة والقدرة على إيصالها إلى ذلك المدعو.
خلاصة التربية الفردية ونتيجتها :
تهدف الجماعات الإنسانية في جميع الأزمنة وعلى مر العصور إلى تحقيق بقائها واستمرارها على هذه الأرض، وإلى بقاء قيمها ونظمها وعاداتها .. ولما كانت الحياة الإنسانية قصيرة، كان على الجيل القديم أن يصل أسباب بقائه واستمراره، ببقاء عاداته، ونظمه السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، بقاء يتحقق بالجيل الصاعد.. وعلى هذا كان الجيل الصاعد هو سيولة المجتمعات لإدامة بقائها قيمًا، وعادات، واتجاهات، ونظمًا، والتربية هي الوسيلة التي يتحقق بها هذا البقاء والاستمرار .. ومعنى هذا: أن التربية تعنى بالسلوك الإنساني، وتهذيبه:تطويرًا وتغييرًا.. والتربية ليست شيئًا يمتلكه الأفراد، ولكنها عملية لها مراحلها وأهدافها، فالمعرفة أو المهارة أو الأخلاق الحسنة ليست في ذاتها تربية، ولكنها تدل فقط على أن الفرد قد تربى.
وخلاصة القول أن التربية هي:' مجموعة متكاملة من الأعمال المبذولة بهدف إنماء سلوك أو اتجاه معين في شخص ما، أو مجموعة معينة من الأشخاص'.
الصفات التي تؤهل الداعية للعمل بالدعوة الفردية :
1- الفهم الشامل الكامل لملامح الإسلام ومعالمه، وإلى ما يدعو إليه : فالداعية يربي إنسانًا يملك عقلاً وحسًا وفهمًا، وهذا الإنسان يقتبس من مربيه كل ما يسمعه منه أو يلاحظه عليه، فإذا لم يتمتع الداعية المربي بالمستوى اللائق من الثقافة والمعرفة بأصول الدين، والفهم الكامل لجميع المفاهيم العملية؛ أدى ذلك إلى انتقال عدوى الجهل إلى المدعو نفسه، مما يسبب خللاً في جانب من جوانب الشخصية الإسلامية للمدعو. وهناك نفر من الشباب المتحمسين توفرت فيهم صفة الإيمان، فترى إيمان أحدهم عميقًا إلى أبعد حد، ويحسب أنه بذلك يستطيع أن يكون داعية مربيًا على قلة بضاعته في العلم، وضآلة معرفته بدينه المعرفة الحقة، وهو في هذا مخطئ .. وقد يذهب البعض إلى تعطيل الدعوة بحجة أن المتصدي لها لم يحصل المعرفة المطلوبة التي تتيح له أن يقوم بواجب الدعوة .. وكلا الطرفين مخطئ في رأيه، والصواب أن المعرفة وحدها لا تصنع من صاحبها داعية قط، ولكنها شرط لازم لابد منه في الداعية المربي الذي توفرت له الصفات الأخرى.
2- سلوك إيماني : ولابد بعد الفهم الشامل من واقع عملي يتجلى في سلوك الداعية وفي حركاته وسكناته، وكلامه وصمته، وسمته ونظراته، وعبراته .. دلائل تدل على أثر الإيمان والفهم في حياة الداعية، فتجعله في محل القدوة الصالحة، وفي محل الصدارة بين أفراد مجتمعة، ولنقرأ معًا كلمات الإمام البنا رحمه الله وهو يصف الداعية المجاهد بأنه:'شخص قد أعد عدته، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد دائمًا' .. وهكذا يجب أن يكون الداعية دائمًا: يتمثل الإيمان واليقين سلوكًا وعملاً.(/7)
وتأتي أهمية التطبيق العملي للإيمان والفهم الشامل في حياة الداعية على أنه في محل القدوة لغيره ممن يدعوهم بدعوته، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم. ويلاحظ في سير الدعاة أنهم كانوا أكثر تأثيرًا في الناس بسلوكهم وثبات أخلاقهم على كل الأحوال .. فعين الجمهور فاحصة، ومنطق الأفعال أقوى من منطق الأقوال، وقد قيل سابقًا: 'من لم تهذبك رؤيته فاعلم أنه غير مهذب'، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: 'من وعظ أخاه بفعله كان هاديًا'. ومركز القدوة حساس ودقيق جدًا، ويجب ألا يوضع فيه إلا من كان يغلب عليه الجد والزهد والتجرد، ويشتاق إلى التعب والبذل؛ لأنه إمام لمن حوله يقلدونه، ولابد أن يكون فعله أبلغ في التعبير عن عقيدته ومعاني دعوته من قوله؛ لأن المنظر أعظم تأثيرًا من القول. سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم : قَالَتْ: [كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ]رواه مسلم وأبوداود وأحمد. إجابة دقيقة عجيبة مختصرة شاملة: [كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ]!! كان الترجمة الحيّة لروح القرآن وحقائقه وتوجيهاته ..كان قدوة للناس في واقع الأرض .. يرونه وهو بشر منهم .. تتمثل فيه تلك الصفات والطاقات .. فيصدقون هذه المبادئ الحية؛ لأنهم يرونها رأي العين، ولا يقرءونها في كتاب .. ويرونها في بشر فتتحرك لها نفوسهم وتهفوا لها مشاعرهم .. ويحاولون أن يقتبسوا قبسات من الرسول .. ولا يدعونه حلمًا مترفًا لذيذًا يطوف بالأفهام، لأنهم يرونه واقعًا يتحرك على الأرض، ويرونه سلوكًا عمليًا لا أماني في الخيال، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحرى بالدعاة أن يلتزموا نهجه ويسيروا على خطاه.
3- الخبرة بالنفوس : إن ميدان عمل المربي إنما هو النفوس فتعامله معها، وهي هدفه الأول والأخير في التربية، والنفوس ليست كأسنان المشط، ولكن منها الضعيف والقوي، ومنها الحساس والرقيق سريع التأثر، ومنها القاسي بطيء التأثر، وهكذا ..ولذا كان على المربي إعطاء كل نفس حقها، والحذر في التعامل معها، فلا يلجأ إلى الشدة مع صاحب النفس الحساسة، ولكن عليه باللين، ولا يلجأ إلى اللين مع صاحب النفس القاسية، ولكن يشعره بعظم المسئولية الملقاة على عاتقه: إن هو فرّط أو قعد . وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المربي الأول خبيرًا بالنفوس، ولا يتعامل مع صحابته كتعامله مع رجل واحد، ولكن لكل حقه، وقد كان عارفًا بطبائع البشر ونفوسهم، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال:َ [ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد . الموعظة: هي النصح والتذكير، ويتخولنا: أي يتعهدنا .. والمعنى: كان يراعي الأوقات في تذكيرنا، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل .
أسلوب التربية الفردية:
التربية الفردية فن، ولهذا الفن خطوط عريضة وحدود شرعية يرسمها الإسلام، ثم تأتي المؤسسة الدعوية، فتضع النقاط على الحروف بما يتوافق مع متطلبات الدعوة والظروف المحيطة بها، ومن ثم يصوغ الداعية المربي تلك الخطوات العريضة وذلك الأسلوب واقعًا عمليًا بما يملك من قدرات وخبرة سابقة.. والآن كيف نبدأ؟ ومن أين نبدأ؟ وكيف نعمل؟ ومتى ننتهي؟ أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عليها في سبيل تحقيق منهج متكامل في الدعوة الفردية وأسلوب العمل فيها.
أولى خطوات الطريق: هي الاتصال بالشخص الذي يرغب الداعية أن يدعوه، ويحاول التعرف عليه .. يتعرف إلى أفكاره ومفاهيمه وتصوراته، ويكتشف علله ومشكلاته.
وهو بذلك سيصل حتمًا إلى معرفة المنافذ التي يمكن أن ينفذ من خلالها إلى نفسه، وهذا من شأنه أن يوفر للداعية التشخيص والمعالجة الناجحين، وبالتالي يُكسب إلقاءاته وتوجيهاته وإيحاءاته قابلية التأثير والتفاعل.
وبعد التعرف والتأكد من صلاحية الشخص المراد دعوته يبدأ الداعية معه رحلة الإيمان، وفي خلال هذه الرحلة يمر بمدعوه في أطوار ثلاثة، يبني خلالها فيه الشخصية الإسلامية، والسمت الإيماني المطلوب .. وهذه الأطوار الثلاثة- وإن لم توجد حدود واضحة المعالم تفصل بعضًا عن بعض- إلا أن ترتيبها عامل أساسي في بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة، وتجنب الخلط في التلقي، وهذه الأطوار الثلاثة هي :(/8)
طور بناء العقيدة : أي إيجاد الفكر الصحيح عن ارتباط الإنسان بربه وعلاقته مع مخلوقات الله ولسنا نقصد بالعقيدة الجانب العلمي فقط ولكنا نريد مع ذلك ما ذكره الأستاذ سيد قطب رحمه الله عن عملية التربية العقيدية بقوله: [هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة، وأن تتم خطوات البناء على مهل، وفي عمق وتثبيت .. ثم هكذا ينبغي ألا تكون مرحلة دراسة نظرية للعقيدة ..ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة ـ أولاً بأول ـ في صورة حية متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة، ومتمثلة في بناء جماعي وتجمع حركي يعبر نموه من داخله وخارجه عن نمو العقيدة ذاتها .. وخطأ أي خطأ أن تتبلور العقيدة في صورة 'نظرية'، مجردة للدراسة الذهنية المعرفية الثقافية .. بل خطر أي خطر كذلك].
طور التطبيق :إذا ما رسخت العقيدة في نفس المدعو، وأحس أنه متصل بالله، وأن علاقته بربه أصبحت أقوى من قبل، يأتي دور التطبيق، وهو انعكاس طبيعي لمعتقد المدعو يتمثل في سلوكه وتصرفاته وحركاته وسكناته، وذلك أن الأخلاق والعبادات والمعاملات الإسلامية هي مظهر من مظاهر الوجود العقائدي وأثر من آثاره .. وبقدر ما يكون هذا متينًا راسخًا بقدر ما يتحقق التوافق والتلازم بين المظهر والجوهر .. ولذلك كان من مقتضيات هذا الطور دعوة المرء إلى أخذ نفسه بما يوافق عقيدته، وينسجم انسجامًا كليًا مع التشريعات المنبعثة عن هذه العقيدة.
طور الانخراط في العمل الإسلامي :إذا ما رسخت عقيدة المدعو، وتكامل فهمه للإسلام، وحسن عمله بمقتضى الشرع، أصبح معدًا للانخراط في العمل الإسلامي المؤسسي، وهنا يبدأ الداعية المربي بربطه بالعمل المؤسسي، مع بيان الأدلة في شرعية هذا العمل وعدم الابتعاد عنه شبرًا واحدًا، فإذا ما تكاملت المفاهيم الأساسية عند المدعو، أصبح على أبواب اشتراكه في العمل الإسلامي واندماجه فيه، وتلاحمه معه.
قواعد أساسية في التربية :
وهناك بعض القواعد الأساسية في التربية يجب على المربي الانتباه لها، والأخذ بها خلال عمله مع مدعوه، ومن هذه القواعد:
1- الرفق :} وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [159]{ “سورة آل عمران”.فالرفق أساس المعاملة، والداعية لا يكسب قلب مدعوه إلا إذا عامله بالرفق واللين حتى يسهل امتلاك قلبه.
2- الابتعاد عن الذم والتعاتب : فالدعوة إلى الله لا تقوم على العتاب والذم والتوبيخ، إنما بالتناصح والتغافر والإرشاد بالحسنى، وهذا هو الزاهد ابن السماك لما قال له صديق: 'الميعاد بيني وبينك غدًا نتعاتب' فقال له ابن السماك رحمه الله:' بل بيني وبينك غدًا نتغافر'.
3- التربية تمهيد وتشويق : وهذه قاعدة ثابتة، فالتربية لا تكون بالإجبار ولا يمكن جبر إنسان على سلوك مسلك معين، بل يجب استبدال أسلوب الإجبار بأسلوب التمهيد والتشويق، وهذا الأسلوب يستدعي من الداعية شيئًا من الصبر؛ لأنه الثمرة قد تتأخر، وقد يطول على الداعية موسم قطفها،فليصبر.
4- التشجيع :فتشجيع الداعية المربي لمدعوه يزيده حماسة واندفاعًا للعمل .. وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من المواقف ما يؤيد هذه القاعدة في التربية: كموقفه مع صهيب حين قدم إلى المدينة مهاجرًا بعد أن تنازل عن ماله كله للمشركين، ونجا بدينه منهم، فقابله الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: [رَبِحَ صُهَيْبٌ .. رَبِحَ صُهَيْبٌ] رواه الحاكم والطبراني وأبونعيم في الحلية. ومواقف أخرى كثيرة تبين قيام الرسول بهذه القاعدة في تربية صحابته الكرام رضوان الله عليهم.
المؤسسة الدعوية الإسلامية ومنهج التربية :
لابد لكل دعوة تقوم من قاعدة صلبة تبني عليها صرحها، وكلما قويت هذه القاعدة؛ كان البناء أثبت وأشد قوة، والتوسع الأفقي قبل قيام هذه القاعدة خطر ماحق يهدد وجود أية حركة لا تسلك طريق الدعوة الأولى من هذه الناحية.والدعوة وهي تتصل بالسواد الأعظم من الناس بحاجة إلى رجال أكفاء يحملون أمرها، ويكوّنون القاعدة الصلبة التي تحمل بناءها، وتقوم على أكتافهم مسئوليات الدعوة وتبعاتها الثقيلة. وما التربية والتركيز إلا أسلوب من أساليب تكوين تلك العناصر القوية الصلبة التي تحتاجها المؤسسة الدعوية.
2-”التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام”:
ب- العمل العام
1-الموعظة
ثانياً: منهج الوعظ العام:
منهج آخر من مناهج الدعوة، وهو منهج الوعظ العام، وهذا المنهج يختلف بطبيعة الحال عن منهج التربية أسلوبًا وتأثيرًا ونتاجًا، ولكل منهما مجاله الذي يصلح فيه، وسنتكلم بشيء من التفصيل عن هذا المنهج:
معنى الوعظ :لغة: نصح له.. ذكّره ما يحمله على التوبة.
اصطلاحًا: الوعظ هو ما كان الخطاب فيه موجهًا إلى جماعة من الناس بقصد التأثير فيهم.(/9)
طبيعة هذا المنهج :لا شك أن 'الوعظ والإرشاد وسيلة هامة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، لا يستغنى عنها بحال ولا يجوز التهوين من تأثيرها على الكثير من الناس، ولاسيما إذا قام بها داعية ذو قلب حي، وعقل نيِّر، فإن الله يهدي به الألوف من الناس .. وقد كان الإرشاد والوعظ جزءًا من مهمة الأنبياء والمرسلين، الذين بعثهم الله مبشرين ومنذرين'“الحل الإسلامي للقرضاوي”.وتأتي أهمية الوعظ والإرشاد في أن الناس تصيبهم غفلة ونسيان، فينغمسون في الدنيا وينسون الآخرة والعمل لها .. وهنا تأتي مهمة الواعظ في أن ينبه الناس، ويوقظهم من غفلتهم، ويربطهم بربهم من جديد. ولكن هذه الوسيلة وحدها ـ برغم جلالها وتأثيرها ـ لا تكفي لتحقيق الهدف المراد، وذلك لأسباب:
أن الوعظ والإرشاد لا يتعدى جدران المساجد وروادها، أما الملاحدة، والإباحيون، وحملة الأفكار الهدامة فهؤلاء لا يحضرون أماكن الوعظ أصلاً، وحتى لو حضروها ما انتفعوا بها؛ لأن خراب عقولهم أعمق من أن تؤثر فيه كلمة، أو خطبة.
أن تأثير الموعظة محدود الزمان، فالمستمعون قد يتأثرون بالمواعظ أشد التأثر، وقد تذرف أعينهم الدمع، ولكن ما إن ينصرفوا حتى يعود كل منهم إلى حاله، وسرعان ما يتبخر أثر الوعظ إذا ما دخلوا في لجة الحياة.
أن الوعظ والإرشاد وسيلة يقصد بها التأثير على الأفراد، أما تغيير المجتمعات بتبديل مفاهيمها وقيمها وتقاليدها وقوانينها، فهذا أمر فوق قدرة الواعظ وطاقته، فتلك القوانين والأوضاع مسنودة من قبل رجالات المجتمع ومؤسساته، والكلمة لا تحرك فيهم ساكنًا.
أن أجهزة الإعلام المضادة للمنبر باتت أعظم أثرًا، وأكبر خطرًا منه، فالصحف والمجلات، والراديو والتلفاز والسينما كلها تهدم ما يبنيه الواعظ، فلايكاد يظهر لكلامه أثر في مستمعيه، وقد قال الشاعر:
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!
ولو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم؟!
أن الواعظ قد لا يجد الحرية الكافية لإبداء حكم الله، خاصة إذا كان في مجتمع يحارب الإسلام أصلاً، وبالتالي، فإن كلمته مقيدة محدودة الأثر.
هذه بعض الأسباب التي تجعل أسلوب الوعظ والإرشاد محدود الأثر والإنتاج .. فهو قد ينبه غافلاً أو يصحح خطأ، ولكنه لا يبني مجتمعًا.
صفات الواعظ :من المعروف أنه ما خرج من اللسان، لا يتجاوز الآذان، وما خرج من القلب، وصل إلى القلب؛ فحرك دم الإصلاح فيه، وهذه قاعدة لابد لكل واعظ أن يمر عليها قبل أني يقف على المنبر ..ونستطيع وصف الواعظ أو المرشد بأنه: 'شخص كملت نفسه، وتهذب خلقه، ورشد عقله، عامل بما علم، واقف عند ما رسمه له الشارع، مليء قلبه بخشية الله .. بصير بأحوال الناس، خبير بأمورهم، وليس خبًا ولا مغفلاً، عليم بالطريق الذي يسوسهم منه .. لا يعرف اليأس إليه سبيلاً، وكيف يتسرب اليأس إلى نفسه وما عليه إلا البلاغ المبين .. يعرف القرآن جد المعرفة، ويعرف أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه .. وسياسي حكيم يأتي للناس من وجهة ما يعرفون، ليصل بهم إلى ما ينكرون من حيث لا يشعرون. نَبِيهٌ يستطيع أن يعظ كل صنف من الناس، فهو بذكائه يستطيع أن يردّ شاردهم، ويكبح جامحهم إلى حيث يسمعون عظته البليغة، وقولته الساحرة'“إصلاح الوعظ الديني لمحمد البهي”.
ومن أهم الصفات التي يجب على الواعظ التمسك بها حتى تكون له كلمة مسموعة وكلام مفيد: عمله بما يقول، وتطبيقه لما يرشد إليه الناس، بل يجب أن يكون أول من يقدم على العمل؛ فهو في محل قدوة، يقول مالك بن دينار رحمه الله: [إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا]”المنطلق لمحمد الراشد”.
من آداب الوعظ العام :
حسن الاختيار : على الواعظ أن يراعي حسن الاختيار في العناصر التالية :
1- الموضوع : فالموضوع يعتمد على نوعية المخاطبين، ومستواهم الفكري والثقافي، وعليه التجديد في توضيح فكرته كلما أمكن.
2- اختيار اللفظ والعبارة : فلا يأتي بالهجين السوقي، والغريب المتشابه، ولكن يجب عليه تسهيل الكلمات والألفاظ.
3- اختيار الوقت المناسب : فلا يعظ في وقت يشق فيه على السامعين، كوعظ في حرٍ شديد، أو برد قارس.
4- اختيار المكان المناسب : يجب اختيار المكان المناسب الذي يرتاح إليه المستمعون، ويكون عاملاً في حسن إصغائهم.
عدم الإطالة :فالإطالة هي آفة الوعاظ، وهو مخالف لهدي الإسلام والطاقة الذهنية محدودة.
حسن الأداء :ومنه البدء باسم الله تعالى وحمده والثناء عليه، واستحضار المادة والتشويق، والوقار وحسن السمت.
طرق الوعظ العام :
الخطابة :وهي أشد طرق الوعظ أثرًا في النفوس إذا كانت صادرة من قلوب مخلصة، طاهرة طيبة، كان لصاحبها من طلاقة اللسان ما يحسن التعبير عما يكنّه الفؤاد”إصلاح الوعظ الديني لمحمد الخولي”. والخطابة لا تقتصر على خطب الجمع فحسب، بل تتعداها إلى الخطب العامة في الميادين والمنتديات.(/10)
الدرس :'والدرس في الغالب يكون شرحًا لآية من القرآن، أو لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بيانًا لمسألة أو مسائل من الفقه .. ويشترط للواعظ في درسه أن يُحضّر مادته مسبقًا تحضيرًا جيدًا، وألاّ يستطرد كثيرًا وهو يلقي موضوعه؛ لأن الاستطراد يبعد السامع عن أصل الموضوع'“أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان”.
الكتابة :'المقصود بالكتابة في مجال الوعظ والإرشاد هي 'الكتابة الخطابية التي يقصد فيها إلى تحريك أوتار القلوب، والتأثير في الأعصاب'“أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان”. والكتابة إما أن تكون عن طريق الرسائل ـ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب إلى حكام البلاد غير الإسلامية يدعوهم فيها إلى الإسلام ـ أو تكون بتأليف الكتب والأبحاث والمقالات، 'ويلاحظ في كتابة الرسائل والأبحاث والكتب أنها توجه إلى العموم ويقرؤها كثير من الناس على اختلاف مستوياتهم، فيجب على الداعية كتابتها بأسلوب بسيط مفهوم'“أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان”.
بين التربية الفردية والوعظ العام :
مما لا شك فيه أن المنهجين السابقين ـ منهج التربية الفردية والوعظ العام ـ هما الأساس الأول الذي تعتمد عليه كل مؤسسة في تبليغ دعوتها إلى الناس، فبالرغم من عظمة أهمية التربية الفردية بالنسبة إلى المؤسسة الدعوية لتكوين قواعد صلبة يقوم عليها بنيانها، وإعداد قيادات تحرك الجماعة وتشد من أزرها .. بالرغم من هذا كله، فإن ذلك لا يقلل من قيمة الوعظ العام كمنهج في نشر الوعي وبث الأفكار الصحيحة بين جموع الناس لكسب الآراء وتمهيد السبيل أمام المربين لإعداد الأفراد القادرين على تحمل مسئولية الدعوة والنهوض بها.وبهذا تكون المؤسسة الدعوية قد نزلت إلى الميدان مستعدة بثقلها متبعة في ذلك أسلوب التوعية والتذكير يلحقه المتابعة والإعداد. ولكن تلك الخطوات السابقة يجب أن تتم بحذر واتزان وتخطيط مسبق، والسير وفق مراحل ثابتة. يدعمها عدم الاغترار بالسواد والكثرة، فإن التكاثر على حساب التربية والتركيز قاسم للجماعة والدعوة.
أضواء على الطريق :
بعد الانتهاء من هذا الفصل لابد من ذكر الملاحظات التالية :
ضرورة الدعوة إلى الله عزّ وجّل وتحكيم شرعه في كل نواحي الحياة. والشبهات التي يثيرها الناس حول الإسلام كثيرة، فيجب على الداعية ألا يتأثر بها، وأن يحس بأن هؤلاء الذين يثيرون هذه الشبهات إما مرضى أو جهلة، ولكل من الأصناف علاج خاص . وعصرنا الحاضر عصر التجمعات، فلابد من مؤسسات تقوم بمهام الدعوة إلى الإسلام.
تعدد المؤسسات الإسلامية ليس شرًا، بل إذا خلصت النوايا فإن التقارب هو مصير جميع هذه المؤسسات.
ويجب أن تأخذ المؤسسات الإسلامية بالتربية الفردية إلى جانب الوعظ العام في إطار العمل الإسلامي وضروراته.
2-”التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام”:
ب- العمل العام
2-النصيحة
النصيحة :
قوام ديننا على النصيحة، فبها تسدد الخطى ويتضح الطريق، ورُبَّ نصيحة من شخص كانت خيرًا وبركة على صاحبها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ”الدِّينُ النَّصِيحَةُ” قُلْنَا لِمَنْ قَالَ:” لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ”رواه مسلم والترمذي وأبوداود والنسائي والدارمي وأحمد.(/11)
هذا الحديث يبيّن منهج هذا الدين الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، فهذا المجتمع حين يقوم على دعائم وأسس قوية من الإيمان بالله عز وجل والتآخي، لابد وأن يحاط بأسوار تحفظ هذه الدعائم وتقوّيها، فشرعت النصيحة لكي تكون ذلك الجدار الذي يصد نزغات الشيطان ومحاولاته للنيل من قوة الصف، فالنصيحة تنفي الأخطاء، وتعين على السير في الطريق المستقيم. وهي بمثابة المصحح للمسار المعوج، الذي تجنح إليه النفس البشرية أحيانًا، فمن هنا جاءت مبالغة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريف الدين بأنه النصيحة، أي: أن عماد الدين وقوامه قائم على النصيحة، يقول عزّ وجلّ في سورة العصر: }وَالْعَصْرِ[1]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]{“سورة العصر”. فالتواصي بالحق والصبر والتناصح على التماسك بهما هو سبب الفلاح في الدنيا والآخرة وبدونه تحل الخسارة بالمجتمع المسلم، ولم يكن الرسل في بعثتهم إلى قومهم إلا مجرد ناصحين لهم بالخروج من الضلال الذي هم فيه، فلما أصروا على باطلهم وعصوا وتجبروا وأبوا إلا الضلال؛ بيّن لهم الرسل أنهم لا يبغون سوى إبلاغ كلمة الحق، فهم لا يطمعون في عرض من دنيا، أو مال، وما يريدون إلا النصح. فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه }قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ[61] أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ [62]{“سورة الأعراف”.وقال صالح عليه السلام لقومه:} يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ[79] {“سورة الأعراف”.
المراد بالنصيحة :قال الخطابي رحمه الله:' النصيحة كلمة جامعة، معناها: حيازة الحظ للمنصوح له.. ومعناها: أن الناصح لا يترك باب خير ولا سبب فلاح إلا وبيّنه للمنصوح له. وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبَه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسدده من خلل الثوب فهو يسد له نواحي النقص ويحاول إصلاحها..وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع فشبهوا تخليص قول الناصح من الغش بتخليص العسل من الخلط. وعلى هذا يكون المراد بالنصيحة ابتغاء الخير والصلاح للمنصوح له.
النصيحة من حقوق الأخوة: من ألزم حقوق الأخوة: إسداء الأخ النصيحة لأخيه المسلم، فما أكثر ما ينتفع الأخ بأخيه مما يوضح له من زلاته وعثراته ويقيله منها، فإن الأخ إذا رأى من أخيه خطأ فسكت عنه، ولم يرشده إلى الصواب؛ فقد غشه، وكثيرون يعتقدون أن السكوت عن أخطاء الأخوة من مستلزمات الأخوة ولقد أخطأوا، فإن الساكت عن إسداء النصيحة ساكت عن قول الحق، يلحقه إثم بذلك، وآخرون يمتنعون عن إسداء النصيحة خشية أن يغضب المنصوح، وكأنهم لا يقولون النصيحة إلا طلبًا لحب الناس لا لرضى الله عز وجل، فإن من طلب رضى الله لم يهتم بغضب الناس.
فمن التقصير في حق الأخوة إهمال جانب النصيحة
وقد أطنب السلف رحمهم الله في بيان هذا الأمر وأكّدوا عليه وبيّنوا أن من ألزم حقوق الأخوة إسداء النصح للأخ المسلم فهم خير الإخوان كما يقول أبو حاتم البستي رحمه الله: [خير الإخوان أشدهم مبالغة في النصيحة، كما أن خير الأعمال أحمدها عاقبة وأحسنها إخلاصًا، وضرب الناصح خير من تحية الشانئ].
والمؤمن مرآة أخيه يرى فيه عيوبه؛ فيصححها ويقوّمها كما قال الحسن البصري رحمه الله: [المؤمن شعبة من المؤمن وهو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه؛ سدده وقوّمه ونصحه بالسر والعلانية].
وكما أن المؤمن من يصل أخاه بالزيارة تلو الزيارة، أو بهدية يرطب بها علاقات المحبة بينهما، فكذلك عليه أن يصله بنصيحة تفيده في دنياه وآخرته، يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله:'من وصل أخاه بنصيحة في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته وأدّى واجب حقه'..وجعله الحارث المحاسبي دليل الحب، فقال: 'واعلم أن من نصحك فقد أحبك، ومن داهنك فقد غشك، ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك'.(/12)
وهكذا ترى أخي المسلم أن أمر النصيحة واجب عليك تجاه أخيك المسلم، إن قصرت فيه فقد بينت عن عيب فيك، وعدم إدراك ووفاء لحق الأخوة، ووقعت في مسمى من حق عليهم الخسران الذي ذكره الله عز وجل في سورة العصر. وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يتحرجون من ذلك فيسارعون في إبداء النصيحة لا يخشون في الله لومة لائم، يتذكرون أنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم فلابد من الوفاء بالبيعة، فإن من قصّر لحقه الإثم، وما أكثر ما كانوا يسارعون إلى الخيرات، وإلى تطبيق الواجبات واجتناب المنهيات. فعن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ' بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ' رواه مسلم. ولم ينس رضي الله عنه شروط البيعة بل ظلت عالقة في ذهنه يحرص على تطبيقها، خصوصًا شرط النصح لكل مسلم فتراه في كل أحواله ناصحًا للمسلمين، فقد أَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا فَاشْتَرَى لَهُ فَرَسًا بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَم , وَجَاءَ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ , فَقَالَ جَرِير لِصَاحِبِ الْفَرَس : ' فَرَسُك خَيْرٌ مِنْ ثَلَثمِائَةِ دِرْهَم . أَتَبِيعُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَم ؟' قَالَ: ذَلِكَ إِلَيْك يَا أَبَا عَبْد اللَّه . فَقَالَ :' فَرَسُك خَيْر مِنْ ذَلِكَ . أَتَبِيعُهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَم ؟' ثُمَّ لَمْ يَزُلْ يَزِيدُهُ مِائَة , فَمِائَة , وَصَاحِبه يَرْضَى , وَجَرِيرٌ يَقُول :' فَرَسَك خَيْر إِلَى أَنْ بَلَغَ ثَمَانمِائَةِ دِرْهَم . فَاشْتَرَاهُ بِهَا' . فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ : ' إِنِّي بَايَعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْح لِكُلِّ مُسْلِم'هذه القصة رَوَاهَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيُّ .
طلب النصيحة : وقلة أولئك الذين يطلبون النصيحة، فإن الكثيرين يرون في النصيحة إظهار معايبهم فتأبى عليهم عزّة نفوسهم أن يتقبلوها، ويرون فيها إهانة لأنفسهم فيترفعون عنها، أما السلف الصالح رحمهم الله فكانوا في درجة أعلى من قبول النصيحة أو إسدائها، حيث إنهم كانوا يطلبونها ويحرصون عليها، ويوصون إخوانهم بمراقبة زلاتهم والتنبيه عليهم؛ فالمؤمن مرآة أخيه. كان عمر بن عبد العزيز يقول لمولاه مزاحم: [إن الولاة جعلوا العيون على العوام وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأ بي عنها أو فِعالاً لا تحبه، فعظني عنده وانهني عنه].
واعلم أخي وفقك الله أن الحرص على النصيحة وطلبها يورث أمورًا كثيرة حسنة في قلب المسلم:
فهو ابتداءً لم يغفل عن نفسه وشرورها وشحها، فعلم أن فيها معايب يجب أن تعالج.
وهو ثانيًا مستعد لأن يغيّر ما يعلمها من عيب في نفسه مادام مقرًا به عالمًا.
ثم إنه شُغِلَ بنفسه عن النظر إلى عيوب الناس، ومن شغل بنفسه نجا، ومن اشتغل بالنظر إلى معايب الناس هلك وكان على شفا حفرة من الضلال..يقول السري السقطي رحمه الله: [من علامة الاستدراج للعبد عماه عن عيبه واطلاعه على عيوب الناس].
ثم تراه يرى عيوب الناس ولا يرى عيبه وإن كان كبيرًا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” يُبْصِرُ أَحَدَكُمْ القَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَنْسَى الجِذْعَ فِي عَيْنِهِ” رواه ابن حبان وأبونعيم في الحلية والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني .وقد سلم من وجد في نفسه شغلاً في النظر إلى معايبها، وطلب النصيحة من الآخرين ليدلوه على معايب نفسه .
وخُلق طلب النصيحة يوجب على الإنسان أن ينتقي من يصاحب ويحرص على مجالسة الأخلاء الذين يعدون عليه معايبه بستر الناصح الأمين، والذين لا يغشونه بسكوتهم عنه، وترضيتهم له على حساب عوج في نفسه، وإن كان صادقًا فيما يدّعي فعليه أن يكثر من سؤالهم عن معايب نفسه لا أن ينتظر منهم أن يذكروها له، فيبادرهم بالسؤال بين فينة وأخرى هل ترون فيّ شيئًا كما كان سيّد تابعي الشام بلال بن سعد رحمه الله تعالى يقول لصاحبه عبد الرحمن بن يزيد: [بلغني أن المؤمن مرآة أخيه، فهل تستريب من أمري شيئًا].
قبول النصيحة : وطلب النصيحة إنما يكون لقبولها، بل هو الثمرة والاستجابة لحرص النفس على معالجة عيوبها، فمن عرف نفسه واشتغل بالنظر إليها عن النظر إلى عيوب الناس؛ أدرك أن فيه من المعايب ما يجعله يصرف همه للبحث عن النصحاء؛ ليدلوه عليها ويعينوه على تلافيها.
والصادق يفرح بالنصيحة ويأنس بها ويحس كأنه حاز على كنز ثمين، أما الكاذب فيبغض النصيحة.
فمن الناس من إذا نصحته كان لك عدوًا، واعتبرك عدوه، ويظن أنّ في النصيحة إنقاصًا له وإهانة لكرامته، فأمثال هؤلاء الذين يلجون في الخصومة إن نصحوا ليسوا أهلاً لها.(/13)
ولا رفض أحد نصيحة إلا لكبر في نفسه، أو عزة تأبى عليه أن يقبل نصيحة الناصح، ويرد كلمة الحق، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث أن رد الحق وعدم قبوله هو الكِبر، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ” قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ:” إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ”رواه مسلم . وبطر الحق أي دفعه ورده فإن المتكبر يترفع عن قبول الحق لأنه يرى فيه استصغارًا لنفسه.
آداب النصيحة :
الأسلوب المتأدب وعدم إظهار الأستاذية: فيتأدب معه في النصيحة فيأتي له بصورة الباش في وجهه، المترفق به، وعليه ألا يظهر الأستاذية فيضطره للإعراض وردّ النصيحة، فاملك قلبه أولاً، ثم انصحه تجد قبولاً لديه، وإن لجأت إلى التعريض من بعيد فافعل. فكلما كان النقد غير مباشر كان أسلم، خصوصًا لمن هو أكبر منك سنًا، فإن كبير السن إن أردت نصحه، فالأفضل بالتعريض، أو طرق الموضوع بصورة غير مباشرة. كذلك من الأساليب الأفضل اتباعها مع من هم أكبر سنًا: أن تخبر بذلك من تحس أنه يستطيع إقناعه وكلمته مسموعة لديه، فإن المقصود الأول والأخير بالنصيحة هو الإصلاح، والدال على الخير كفاعله.
الإسرار بالنصيحة: تواترت أقوال السلف بالتشديد على الإسرار بالنصيحة، وعدُّوا من أعلن بنصيحته أنه قد جاوز الحد وأخطأ خطأ كبيرًا، وقد يُحْرَمُ أجر النصيحة فيقول أبو حاتم البستي رحمه الله: [كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره؛ أمره في ستر، ونهاه في ستر؛ فيؤجر في ستره، ويؤجر في نهيه، أما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره؛ استغضب أخاه وهتك ستره].
وصفة المؤمن أنه يستر لأن من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة، أما الفاجر فيفضح، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله: [المؤمن يستر والفاجر يهتك ويُعيّر].ومن نصح أخاه في ملأ فقد فضحه، وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرًا حتى قال بعضهم: [من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رءوس الناس فإنما وبخه]. وكان السلف يأبى أحدهم أن يبيّن له عيوبه في الملأ، حدث سفيان قال: [قلت لمسعر: تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ قال: أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا، وأما أن يجيء ناصحًا فنعم].
وإنّ أولئك الذين يكثرون من فضح الناس بنصحهم في الملأ لا يقصدون بذلك إلا إظهار معايبهم، وليس مقصدهم الإصلاح أو الإخلاص في النصيحة، فالإخلاص في النصيحة أمر ضروري لنماء بركتها، ولتوفر وقعها الحسن في نفوس الناس، ومما ينافي الإخلاص إظهارها وإعلانها، فإن في ذلك مظنّة الرياء، ومن لم يكن قصده ذلك فإن استمراره في الإعلان بالنصيحة قد يؤدي به إلى الرياء أو تقصُّد إظهار عيوب الناس وفضحهم؛ فيفضحه الله تعالى.
التثبت في معرفة الأخطاء:وعلى الناصح أن يتثبت في معرفة أخطاء الناس، ويُحسن الظن في أفعالهم قبل أن يأخذها المأخذ السيئ فيقع في الإثم والخطأ، فلكي تكون النصيحة في محلها ويكون الناصح موضع ثقة في نصحه، فليحرص على التثبت في معرفة عيوب الناس وأخطائهم، فتكون النصيحة في أبهى صورها وأحسنها، ويثق الناس بنصح الناصح.(/14)
الرفق واللين في النصيحة: الرفق في ديننا مطلوب، وكل أمر فيه رفق فهو زين، وكل أمر جانبه الرفق فهو شين كما بيّن الرَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ”رواه مسلم وأبوداود وأحمد. وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذي فقد الرفق؛ فقد كل الخير، فقال: ”مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ”رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه وأحمد. فقاصد النصيحة عليه أول ما يقدم على إسدائها بالرفق واللين، فإن الأمور لا تؤخذ بالشدة وإنما تملك القلوب بالرفق واللين، فالله عز وجل يقول في كتابه:} وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...[159] {“سورة آل عمران” فالفظاظة والغلظة تبعد الناس عن الناصح وتجعلهم يرفضون نصيحته ويردونها عليه، وفيها مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الرفق واللين في النصح والإرشاد، وما نجح الدعاة في عملهم إلا بالرفق واللين والمسح بتؤدة على أخطاء الناس. ورسولنا القدوة صلى الله عليه وسلم، الذي قال الله عز وجل فيه:} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ…[21] {“سورة الأحزاب” لخير مثال يستشهد به في هذا المقام في اللطف واللين، وهو يعالج أخطاء صحابته؛ يصف الصحابي معاوية بن الحكم السلمي هذا الأسلوب في حادثة وقعت معه فيقول: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ:”إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ”رواه مسلم وأبوداود والنسائي والدارمي وأحمد.
فإذا هي كلمات الخير الرطبة اللينة الرفيقة تأسر بها القلوب، ثم تعالجها كما تريد وما يُقابل استعمال أسلوب الشدة والغلظة إلا بمثله من الشدة والإعراض، وقد يكون سببًا في تنكب الآخرين عن طريق الحق؛ فيأثم لذلك، يقول عمر بن أبي رواد: [كان من كان قبلكم، إذا رأى الرجل من أخيه شيئًا، بأمره في رفق فيؤجر في أمره ونهيه، وإن أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره'.
فإن أردت الأجر والحصول على الغنيمة فانصح بستر ولين ورفق، تجد من الآخرين سمعًا واستجابة وطاعة، وإلا فإن الإعراض والاستكبار والتعنت، وأنت سببه.
عدم تصيد الأخطاء:إن هناك كثيرين يبحثون عن أخطاء الناس ويتصيدونها، وينصرف همهم إلى ذلك؛ فيحق فيهم الوعيد من الله عز وجل بهتك سترهم وفضحهم، علاوة على ما يقعون فيه من الإثم والمعصية، فالمسلم لا يود أن يقع الناس في المعصية وفي الخطأ، ويود أن يكونوا دائمًا على الطريق المستقيم، بخلاف الحاسد المبغض فإنه يتمنى ذلك، فمن كانت فيه هذه الصفة فإنّ نصحه مردود عليه، وعمله باطل، فليس من خلق المسلم تصيد الأخطاء؛ لأنّ من تصيد أخطاء الناس أحبّ أني يقعوا في الخطأ، وفرح لذلك، وهذا حال سيئ، وقد يلبس الشيطان على المسلم أمره، فيظن أنه ينصح ويبحث عن الخير وهو يقع في الإثم، إنما الحال الصحيحة أن المسلم إن رأى خطأ وقع فيه الناس دون بحث منه وتنقيب، فليبادر إلى النصيحة ابتغاء الإصلاح والأجر، أمّا ما عدا ذلك فليستر الناس بما ستر الله عز وجل عليهم وليحفظ حرماتهم.. وبهذه الآداب التي يتأدب بها الناصح تبلغ النصيحة أثرها، وتؤدي غرضها، ويحصل للناصح كامل أجرها دون نقص، ويأتيه من أجر المنصوح حين يعمل بنصيحته ما يزيد من كفة حسناته .
من سلسلة رسائل فتيان الدعوة:'كيف يكون الداعية شخصية محبوبة' بإشراف / الشيخ / جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين.. الشيخ / أحمد بن عبد العزيز القطان .(/15)
متى الاقتصار على واحدة؟
قالت إحدى الزوجات:
اشترطتُ على زوجي في العقد عدم التزوج عليّ بثانية, فهل هذا يصح عرفًا وشرعًا؟
وماذا لو رجعت الزوجة في شرطها بعد سنوات من الزواج؟
وماذا عن موقف رسولنا صلي الله عليه وسلم عندما رفض زواج عليّ بن أبي طالب ببنت أبي جهل على فاطمة؟
وما أسباب الاقتصار على زوجة واحدة؟
عزيزي القارئ
هناك دوافع وأسباب للاقتصار على زوجة واحدة منها:
1-اشتراط المرأة عند العقد عدم التزوج عليها.
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عقبة بي عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'أحق الشروط أن يوفّى به ما استحللتم به الفروج'.
فلو اشترطت المرأة أو وليها على الرجل ألا يتزوج عليها بأخرى, عند العقد لزمه الوفاء بالشرط فإذا لم يفِ به فُسخ النكاح ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: 'المسلمون عند شروطهم' ومن المعلوم أنه يلزم الوفاء بالشروط المتفق عليها في البيع, فالوفاء بها في الزواج من باب أولى.
ومن الشروط ما يجب الوفاء به وهي التي لم تتضمن تغييرًا لحكم الله ورسوله كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها ... وغير ذلك مما تضمنه الشرع.
ومن الشروط ما لا يجب الوفاء به مع صحة العقد، وهو ما كان منافيًا لمقتضى العقد ومقتضى الشرع مثل اشتراط ترك الإنفاق والوطء ، أو اشتراط أن تُنفق عليه ... وغير ذلك مما لا يجب الوفاء به.
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو ما الفرق بين اشتراط المرأة طلاق ضرتها, وبين اشتراط المرأة أن لا يتزوج عليها عند العقد؟
أجاب ابن القيم رحمه الله عن هذا فقال: 'قيل: الفرق بينهما أن في اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما ليس في اشتراط عدم نكاح غيرها'.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم: 'نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو أن يبيع على بيعه, ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صفحتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى', وفي رواية: 'هي أن تشترط المرأة طلاق أختها' وعن عبيد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: 'لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى'.
ومعنى الحديث: نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلاًَ طلاق زوجته، وأن يتزوجها فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة.
2- جريان عرف أمثالها بألا يتزوج عليها الرجل:
وقد اشترط العلماء في صحة العرف ألا يخالف نصًا من نصوص الشريعة، ونأخذ مثالاً على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما رفض زواج عليّ ابنة أبي جهل على السيدة فاطمة ابنته رضي الله عنها.
فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي مليكة أن المسور بن مخرمة حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:
'إن بني هشام بن مغيرة استأذنوني في أن يُنكحوا ابنتهم من عليّ بن أبي طالب، فلا آذن, ثم لا آذن, ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يُطلق ابنتي وينكح ابنتهم, فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها' وفي رواية: 'إن فاطمة مني وأنا أخاف أن تُفتن في دينها' ثم ذكر صهرًا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال: 'حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي, وإني لست أحرم حلالاً, ولا أحل حرامًا, ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في مكان واحدٍ أبداً'
قال ابن القيم رحمه الله: فتضمن هذا الحكم أمورًا: 'أن الرجل إذا اشترط لزوجته ألا يتزوج عليها لزمه الوفاء بالشرط، ومتى تزوج عليها فلها الفسخ، ووجه تضمن الحديث لذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن ذلك يؤذي فاطمة ويريبها، وأنه يؤذيه صلى الله عليه وسلم ويريبه' .
وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح الإمام مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم تخوّف على عليّ الهلكة إن هو آذاه بزواجه ابنة أبي جهل على السيدة فاطمة رضي الله عنها؛ لأن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كأذى بقية الخلق.
ولكن لو تغير الحال ووافق صاحب الحق على التعدد، وتنازل عن هذا الشرط جاز ذلك، بشرط أن يتم ذلك برضاه وبمحض اختياره, كما يجوز لصاحب الميراث أن يتنازل عن ميراثه.
3- من أسباب الاقتصار على واحدة خوف الجور وعدم العدل:
إذا خاف الرجل عدم العدل بين نسائه لزمه الاقتصار على واحدة كما قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، وهذا يتعلق بالعدل الواجب المستطاع كالنفقة والسكنى والمبيت, أما ما لا يملكه العبد كالميل القلبي تجاه زوجة من زوجاته فلا يدخل في ذلك, وهو الذي عناه الله عز وجل بقوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129].(/1)
وخلاصة القول: أنه قد نمنع البعض من تعدد الزوجات لجريان الشرط اللفظي أو العرفي، وقد يمتنع البعض لاشتراط المرأة عند العقد عدم تزوج الزوج عليها, وقد يمتنع البعض لخوفه الجور وعدم العدل بين الزوجات. وليس ذلك إبطالاً لحكم التعدد فهو باق على الإباحة, ويجوز لمن خلا من مثل هذه الموانع, فيجب علينا أن نعرف الشرع ونتفهم الواقع حتى يكون الزواج سبب مودة ورحمة لا مبعث شقاء ونقمة(/2)
متى تعلن اللغة العربية استقالتها؟
د. عبد العزيز المقالح
يشكو أحد الكتاب البارزين من غياب الكلمات الملائمة للتعبير عن الواقع العربي، او بعبارته هو العراء العربي الذي يثقل القلوب والصدور معاً، وهي شكوي في محلها، فلم تعد الكلمات المتداولة، سيما تلك التي يفسدها الاعلام العربي، قادرة علي وصف معاني الهوان والمذلة العربية، فضلا عن وضع معالم للخروج من هذه المتاهة التي انهكت كل شيء، حتى اللغة صارت منهكة ومتعثرة، تعلن في كل وقت عجزها عن استيعاب ما وصلت اليه الأمة، وما يترتب علي هذه الحال من هوان جديد يقود الي هوان أجد، وهكذا يتناسل الهوان العربي، ويتناسخ في واقعنا دون توقف، إلي درجة تصعب معها القدرة علي التعبير بلغة كانت، وما تزال من اكثر لغات الدنيا غني بمفرداتها ومرادفاتها.
لماذا كل هذا العجز الذي يرافق مواقف الإنسان العربي ولغته؟ وما ذنب اللغة؟ حتي يصب عليها البعض جام غضبهم، بدلا من أن يصبوا هذا الغضب علي انفسهم، وعلي تقصيرهم تجاه هذا التراجع والهوان. وبالنسبة للغة، فان هذا الإنسان هو الذي اذلها، واضعفها، وجعلها عاجزة عن تصور واقعها المخجل والمذل. وليت للغة العربية
ـ لساننا العربي ـ ليت لها لسان لكي تعبر به عن سخطها، وعن شقائها بيننا، وتعاستها بواقعنا، فبعد ان كانت، لغة الحضارة والتطور، لغة العلوم والفلسفة والفنون والآداب، صارت اما لغة ردح وسباب، او لغة بكاء ونواح. اللغة ـ كل لغة ـ هي الناطقون بها، هي صوت نهوضهم او جمودهم، صوت كرامتهم او هوانهم، وليس لها ذنب فيما وصلنا اليه. الذنب كله ذنبنا نحن الذين ركعنا، وفتحنا بضعفنا الابواب والنوافذ للاعداء لكي يدخلوا متي شاءوا، دون ان يكلفوا انفسهم عناء الاستئذان.
لقد تعلمت الشعوب من التجارب التي مرت بها أو مرت بشعوبهم اخري، لكن شعبنا الكبير العظيم لا يستفيد من تجاربه وفيها المرير والفادح، ولا يستفيد من تجارب الآخرين، أو تهديه غريزته ـ ولا نقول عقله ـ الي بناء استراتيجية يحمي بها نفسه، ويعمل من خلالها علي تحسين ما تدمر من اوضاعه السياسة، والاقتصادية،ويدخل اصلاحات كبيرة، وملموسة تحد من الأزمات، وتخفف من وطأة القلق العام الذي يتحول بمرور السنين الي حالة تذمر شامل مصحوب بحالة شديدة من الاحباط، وغيره من الاثار السلبية التي تجعل ابناء الشعب الكبير العظيم يلقون باللوم علي الغبار والضباب، ويدفعهم انفعالهم السطحي الي توجيه الاتهام الي الحيوان والجماد، الا ان يتهموا انفسهم، ويعترفوا بان اخطاءهم القاتلة وراء كل شيء حدث، ويحدث لهم بما في ذلك العجز الحقيقي الذي منيت به لغتهم، والقصور الذي اصابها تجاه الاحداث اللاحقة.
لقد افسد الإنسان العربي بحماقاته، واطماعه، وبطموحاته الهزيلة كل شيء معه أو حوله، ولفرط ما افسد من أشياء انقلبت وبالا عليه بما فيها اللغة التي يتكلمها ويكتب بها، بعد أن كان يعتبرها وسيلة استقبال، واتصال صار يعتبرها عائقا في الحالتين. ولشاعر النيل المرحوم حافظ إبراهيم ـ طيب الله ثراه ـ قصيدة جعل فيها اللغة العربية، تتحدث عن نفسها، وتشكو بمرارة ما كانت قد وصلت إليه في مطلع القرن العشرين من إهمال، ولو عاد الشاعر الي الحياة مع بداية هذا القرن الجديد ثانية، لما تردد عن كتابة قصيدة، أو مجموعة قصائد علي لسان اللغة العربية تشكو فيها حالها، واتهامات الناطقين بها الذين لا يكفون عن تحميلها أسباب ما وصلوا اليه في حياتهم السياسية، والاقتصادية، وما نالهم من هزائم الأعداء وخيانات الأصدقاء.
وبما ان المهازل العربية تتطور وتتكاثر، فقد صار علي اللغة العربية ان تقدم استقالتها، وان تعترف بعجزها عن رصد هموم العرب، واحزانهم، ومشكلاتهم بعد ان تعلن براءتها عن كل خطيئة ارتكبها الناطقون باسمها سواء في محافلهم المحلية، أو المحافل الدولية(/1)
متى ولد النبي صلى الله عليه وسلم و ما حكم الاحتفال بمولده؟
د. عبد الحي يوسف السؤال
متى ولد النبي صلى الله عليه وسلم تحديداً؟ وما حكم الاحتفال بيوم مولده؟
الإجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد
أولا: الثابت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، فعن أبي قتادة الانصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم الاثنين فقال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه أو أنزل على فيه. رواه مسلم.. والمشهور عن أهل السير أن مولده صلوات الله وسلامه عليه كان في ربيع الأول من عام الفيل.
ثانياً: الأحتفال بمولده على الصورة التي نراها في بلاد المسلمين ليس سائغاً ولا مشروعاً بل هو بدعة مقيته ومعصية ظاهره حيث يختلط الرجال بالنساء ويكثر الصخب إلى ما بعد نصف الليل، والاحتفال بهذه الصورة أقرب إلى أعياد الجاهلية منه إلى هدي الاسلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بريئ من هذا كله. فليتق الله أقوام شغلوا المسلمين بهذا حتى ظنوه ديناً.
ثالثاً: الاحتفال بالمولد –حال خلوه من المعاصي والمنكرات- لم يفعله السلف مع قيام المقتضى وعدم المانع، فهو – بهذا الاعتبار- بدعة، لكن لو رأى بعض الدعاة أن يشغلوا الناس بالنافع عن الضار فاستغلوا تجمعهم في هذه المناسبة لتذكيرهم بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وشمائله فلا حرج إن شاء الله. والعلم عند الله تعالى.(/1)
متى يكون الأب سببا لا نحرف ابنه ؟؟
إن من نعمة الله على الآباء ( أن يرزقهم الله أبناء صالحين ), ولكن بعض الآباء قد
لا يشعربهذه النعمة وقد يغفل عنها , بل قد يكون سببا في ضياع ابنه وعودته إلى
الذنوب السابقة.
فيا ترى متى يكون الأب سببا في انحراف ابنه ؟
الجواب :
1- الاستهزاء بالابن لأجل استقامته وهدايته كقول بعض الآباء (ابني مطوع متشدد )
أو( وش هذه اللحية يا فلان ) أو (وش سويت في ثوبك) لأن الابن قد رفع إزاره إلى
فوق الكعب , والعبارات التي فيها السخرية كثيرة .
فليعلم الأب أنه عندما يسخر بولد ه أنه بذلك يضع عقبة كبيرة في ( استمرار استقامة
الابن على الدين ) ومن ناحية أخرى فإن الأب قد وقع في مصيبة عظيمه ألا وهي(
الاستهزاء بأمور الشريعة ) وهذا من( الطامات الكبار) كما قال تعالى ( قل أبالله
وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ).
2- وقد يكون الأب سببا لانحراف ابنه عندما يمنعه من مجالس الخير مثل ( حلقات
التحفيظ , الدروس العلمية والمحاضرات , الطلعات البرية , الخروج للاستراحات )
وغيرها , وهنا لابد للأب أن يعلم أن الابن يريد ( بيئة) صالحة يعيش بينها ليقوى
دينه , ويشتد ثباته وتمسكه بهذا الدين , وعندما يمارس الأب منع الابن فإنه بذلك
يحرم ابنه من الاستمتاع بمجالسة الصالحين الذين هم أقوى وسيلة للثبات وخاصة في هذا
العصر ومن جهة أخرى فإن الشاب بحاجة إلى الزملاء الصالحين لأنه يعاني من الفتن
والمصائب وجلوسه مع الزملاء يحفظه من تلك الفتن ..... ولكن للأسف ... فإن أكثر
الآباء لا يشعرون بذلك .
3- وقد يكون الأب سببا لانحراف الابن عندما يعامله بالقسوة والغلظة والشدة , فذلك
الإبن لا يسمع من أبيه إلا ( ألفاظ السب والشتم ) ولا يرى من والده إلا (العبوس
والجفاء ) , فحينها يصاب الابن ( بأزمة نفسية ) ويبدأ يعاني من ( الهموم التي
يراها في بيته ) ويصبح يكره البيت ويكره والده , ويحاول الهروب من البيت , ويبدأ
في البحث عن البديل لذلك البيت (بيت الجحيم )
فيا ترى أين سيذهب ؟ ومع من سيجلس؟
4- وبعض الآباء يحرم ابناه من المال مما يترتب على ذلك ( الضياع والبحث عن المال
بطرق غير شرعية).
5 - وبعض الآباء يريد من ابنه أن يبقى ملازما للبيت لا يخرج للترفيه عن نفسه , ولا
لحضور مجالس الخير مما يترتب على ذلك (الاكتئاب والملل) وبعد ذلك ( الانحراف
التدريجي).
6- وأحيانا يريد الأب من الابن أن يسلك وظيفة معينة أو دراسة معينة , والابن لا
يريد ذلك التخصص ولا تلك الوظيفة ,بل قد تكون في تلك الدراسة أو تلك الوظيفة بعض
المنكرات التي تكون سبباً في (الضياع والانحراف ).
7- وبعض الآباء يأتي بالمنكرات إلي البيت كالقنوات ويسمح بالنظر لها ( بدون ضوابط
وبلا رقيب ) والقنوات فيها من( الفساد والانحلال الشيء الكثير ) والضحية هم (
الأبناء ) فيبدأ ذلك الابن بالتساهل في النظر للقنوات ويبدأ في التراجع عن ( مبادئ
الاستقامة ) وتظهر عليه ( علامات الفتور) والسبب هي تلك القنوات الفاسدة.
8 - والأب عندما يتساهل في ( مبدأ السفر للخارج ) قد يترتب على ذلك ( انحراف ابنه
) عن طريق الاستقامة , لأن الأب إذا اخذ ابنه إلى تلك البلاد فإنه سيرى (الصور
العارية ) والملابس الفاضحة , ولا يخفي فتنة النساء وشدة خطرها وخاصة في البلاد
الإباحية , والنتيجة ( يرى الابن المناظر التي تثير الشهوة وتحرك الغريزة ) وبعد
ذلك ( الانتكاسة ) والرجوع إلى ( الماضي ).
9- وبعض الآباء يأتي بـ( الخادمة ) إلى البيت لأجل بعض الظروف ..... ولكنه ينسى
أن هناك في البيت (أبناء ) يتأثرون ولهم شهوة وغريزة وقد( تكون الخادمة ممن
يتساهل في الحجاب ومخالطة الرجال ) ويترتب على ذلك ( كثرة النظر لها ) و( حب
الخلوة بها) والنتيجة؟؟
10- وقد يكون الأب سبباً لانحراف الابن عندما يكون همّ الأب هو ( البحث عن الرزق )
ويترتب على ذلك الغفلة عن البيت فالأب عنده ( عمل في النهار وفي الليل ) ويغيب عن
البيت ( ساعات طويلة) مما يكون سبباً ( للانحراف التدريجي) عند الأبناء والبنات ,
والحل هنا هو ( التوازن ) في الحضور إلى البيت وعدم الغياب الدائم , والحرص على
تكوين علاقة مودة ورحمة مع الأسرة , والحرص على تفقد الأبناء والنظر في ( دينهم
وديناهم).
11– والجهل بطرق التربية الصحيحة من أكبر أسباب انحراف الأبناء , فبعض الآباء يجهل
مبادئ التربية الصحيحة ولا يعرف وسائل التأثير في أبناءه , ولا يدري ما هي الفرو
قات التربوية والنفسية بين الأبناء والبنات ,ويترتب على ذلك الأفعال الخاطئة , مما
يسبب المشاكل والمصائب .
والحل هنا :هو القراءة والسماع والثقافة في أمور التربية حتى يمكن لك أيها الأب من
زيادة الثقافة في الأمورالتربوية لتعرف كيف تربي أبناءك وبناتك , واعلم أيها الأب
أن ذلك ليس عيباً فيك , بل هذا والله من الكمال , لأن بعض الآباء ناجح في أمور دينه(/1)
أو دنياه وتجارته , ولكنه فاشل في إدارة بيته وتربية أسرته.
12- والدعاء على الأبناء من اكبر أسباب انحرافهم , فبعض الآباء يدعو على أبناءه أو
بناته , وقد يستجيب الله له , فيترتب على ذلك الخسارة العظمى , ولهذا ثبت في الحديث
\" لا تدعوا على أموالكم ولاعلى أولادكم لا توافقوا من الله ساعة فيستجيب لكم \"
رواه مسلم.
أيها الأب : قبل أن تدعو على أبناءك تذكر أن هذا الدعاء قد يستجاب , وبعد ذلك قد
يكون الضياع والانحراف لأبناءك .
أيها الأب عود لسانك الدعاء لا بناءك وبناتك , بأمور الخير والصلاح , لعل هذا يكون
مفتاح خير لهم ,( \" لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً\").
13- وكثرة المشاكل الزوجية سبب لانحراف الأبناء , نعم إن وجود الخلافات الزوجية ,
وخاصة أمام الأبناء , سبب كبير لانحراف الأبناء , والقصص كثيرة في هذا الباب .
فوصيتي للوالدين : لا يكون الخلاف والحوار أمام الأبناء , بل لا بد أن يكون في غرفة
خاصة حتى لا يشعر الأبناء بشيء.
إن رفع الأصوات بين الزوج وزوجته عند الحوار أمام الأبناء له اثر سلبي كبير على
نفسية الأبناء ويزداد الأمر خطورة إذا ضرب الرجل زوجته أمام أبناءه , حينها تبدأ
الخواطر والأفكار تتسلل إلى عقول الأبناء , ويترتب وراء ذلك ألوانا من الهموم
والأحزان.
14- وعدم المساواة بين الأبناء , من أسباب انحراف الأبناء , وهذا نوع من الظلم في
التربية , ونتائجه وخيمة .
15- ومن أسباب الانحراف : تأخير زواج الأبناء والبنات مما يترتب عليه الضياع والبحث
عن طرق محرمة في قضاء الشهوة.
أيها الأب : إن ابنك محتاج إلى العفاف وهذا العفاف لا يكون إلا بالوقوف معه في
ترغيبه في الزواج وتيسيره .
إن الشباب يعانون من تسلط القنوات ,, والصور في المجلات وقد لعبت بعقولهم , مما
جعلت بعضاً منهم يمارس العادة السرية لأجل تفريغ الشهوة الكامنة في جسده , وبعضهم
بدأ يبحث عن الحب المحرم عن طريق المعاكسات وتصيد الفتيات .
وبعض الشباب تجرأ على الأعراض , وارتكب جريمة الزنا عياذاً بالله منها , وبعضهم
انسلخ من فطرته وتخلى عن رجولته , وقام بجريمة اللواط , ولا حول ولا قوة إلا بالله
أيها الأب :
إن الشهوة قنبلة في جسد ابنك , وقد تنفجر في أقرب وقت , وإن سعيك لتزويج ابنك
يزيل أثر تلك القنبلة .
أيها الأب :
لماذا لا تقف مع ولدك لكي تعينه على إكمال نصف دينه وهو الزواج ؟ قد تحتج ببعض
الأمور فأقول لك : كن صادقاً مع الله في إعفاؤه وستجد العون من الله تعالى , واعلم
بأنه ثبت في الحديث \" ثلاثة حق على الله عونهم ..... والناكح يريد العفاف \".
أيها الأب :
لن أنسى موضوع ابنتك فهي بحاجة إلى أن تعيش في عالم الزواج وتذوق لذته وسعادته ..
فأنا أرسل لك رسالة محب : تأكد أن ابنتك تحتاج إلى زوج صادق وصاحب دين وخلق أعظم
من حاجتها إلى وجودك أنت أيها الأب .
وإن بعض الآباء وقع في جُرم عظيم عندما تساهل في تزويج بناته, فهاهم بعض بناته قد
قاربن الثلاثين وهو إلى الآن لم يفكر في تزويجهن .
وبعض الآباء قد زوج ابنته التي في العشرين من رجل عجوز تجاوز الخمسين , بل والستين
, فيا ترى , كيف ستكون حياتهم ؟ وهل سينجحون في تكوين أسرة سعيدة ؟
هذه خواطر حول أسباب تجعل الأب سببا لانحراف ابنه أو ابنته(/2)
مثل الحق والباطل
{أنزل من السماء ماءً فسالت أوديةً بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحقّ والباطل فأمّا الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال}[الرعد:17]
كان من قدر الله تعالى، وفتنته لخلقه، ابتلاء لهم وامتحانا، أن يكون الزبد رابيا (أي عاليا)، متعاظما في نفسه، منتفخا تنفّخا صوريّا، ويشمخر على غيره، مع أنّه فارغ الجوف، ساقط القيمة، لا روح له، ولا حياة، فبوضعه هذا يفتتن به أقوام، ويسرق عيونهم وأنظارهم، فيذلّون ويخضعون له، طمعا في أن يكون لهم الرفعة الظاهرة معه، ورجاء أن يعلوا بهم كما علا وربى.
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله.
سورة الرعد امتلأت بذكر الآيات الكونيّة، فذكرت رفع السماء، وتسخير الشمس والقمر، ومدّ الأرض، وذكرت الجبال والأنهار، ونبّهت إ لى عظمة الله في تنوّع الخلق مع وحدة المصدر، وذلك في تنوّع الثمار مع أنّها تُسقى بماء واحد، وأقامت أمام ناظر الإ نسان شاهدي البرق والرعد فخوّفت بهما، ومنَّ الله عليه بالسحاب، وختمَتْ هذه الآيات الكونية بقوله {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال}[الرعد:15].
ولمّا كان الأمر القدريّ بالتكوين والخلق، والأمر الشرعي بالنهي والحضّ هما من مصدر واحد هو الله تعالى، كان لا بدّ من تذكير الإنسان بما غاب عنه أو جهله أو عاداه بما يراه ويحسّه ويشهده، ليكون له فيه العبرة، وليكون عليه شاهدا وحجّة. فكان المثل القرآني العظيم: {أنزل من السماء ماء.. كذلك يضرب الله الأمثال}.
والمثل والأمثال:
"هي وشي الكلام، وجوهر اللفظ، وحلي المعاني"[العقد الفريد لابن عبد ربّه،3/63].
قال الإمام الجرجاني: "واعلم أنّ مما اتّفق العقلاء عليه: أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو برزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصليّة إلى صورته، كساها أَبَّهَة، وأكسبها منقبة، ورفع من أقدارها، وشبّ من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي البلاد الأفئدة صبابة وكلفا، وقسَرَ الطباع على أن تعطيها محبّة وشغفا.. وإن كان وعظا كان أشفى للصدر، وأدعى للفكر، وأبلغ في التنبيه والزجر، وأجدر بأن يجلي الغَيَايَة (أي الحجب) ويبصر الغاية، ويبرئ العليل ويشفي الغليل"[أسرار البلاغة،92-96].
وهذه الآية القرآنية درّة تتلألأ، أنّى جئتها وجدّت لها نورا وضياءً، ووالله لو مثلتْ خَلْقا في هذه الدنيا لأبصرها الناس جوهرة لاشية فيها، وجهها صاف، وكذا جوفها، لها ألف وجه، تبهرك كيف جئت إليها، ومن أي الوجوه نظرت إليها. ولا أذكر أنّي وقفت في تمثّل المعاني مع أيّ كلام كما تمثّلت في هذه الآية وهذا المثال، فسبحانه ما أعظم كلامه وما أحسنه.
في الآية دليل على حكمة الربّ في خلقه، وذلك بتنوّع الخلق من أجل الفتنة والابتلاء.
وفي الآية دليل على جريان السّنن في هذه الدنيا سواء كان إسناد الفعل إلى الربّ {وأنزل} أو كان إسناد الفعل إلى الخلق {يوقدون} وفي قراءة مشهورة {توقدون} فسنّته لن تتخلّف.
وفي الآية: أنّ الخير لا يأتي بالشرّ، ولكن الشرّ هو قدر لا انفكاك لهذه الحياة عنه، ولا يتصوّر الحياة بدونه: {وأنزل من السماء ماء فاحتمل السيل زبدا رابيا}.
وفيها: أنّ هناك من المنافع للناس لا تقع على أساس الفطرة القدرية كما في أصل خلقتها، بل لا بدّ لعمل الإنسان فيها ليتحقّق له مقصوده {وممّا يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع}. وما حادثة تأبير النخل في زمن رسول الله? عن ذاكرتنا ببعيدة.
وفيها: أنّ وحدة الخلق تدلّ على وحدة الخالق، حتّى لو اختلف الخلق وتعدّد، فالمثل الأوّل: مائي، والثاني: ناري.
وفيها... وفيها.
ولكنّ أعظم ما فيها {كذلك يضرب الله الحقّ والباطل}.
موقع الحقّ من الباطل، وموقع الباطل من الحقّ، ومثل الحقّ مع الباطل.. ولمن الغلبة؟
الباطل هو زبد رابي: كان من قدر الله تعالى، وفتنته لخلقه، ابتلاء لهم وامتحانا، أن يكون الزبد رابيا (أي عاليا)، متعاظما في نفسه، منتفخا تنفّخا صوريّا، ويشمخر على غيره، مع أنّه فارغ الجوف، ساقط القيمة، لا روح له، ولا حياة، فبوضعه هذا يفتتن به أقوام، ويسرق عيونهم وأنظارهم، فيذلّون ويخضعون له، طمعا في أن يكون لهم الرفعة الظاهرة معه، ورجاء أن يعلوا بهم كما علا وربى.
هذا الزبد هو حطام الشيء وفارغه، وأوساخ الأرض وقمامتها، وسقط المتاع المرذول المطروح.
هذا الزبد قشّ رخيص، ونتف الشيء الزائد، مما لا فائدة منه ولا قيمة له، زاد عن حوائج الناس فأَنِفُوا من قُنيَتِهِ فرموه في قارعة الطريق ينتظرون رحمة الله أن تخلّصهم منه.
إي والله هذا هو الباطل وهؤلاء أهله ورجاله.
ولكن أنّى للنفوس الجاهلة أن تبصر الحقائق، وتخرق بصيرتها حجب الظواهر الخادعة فتقف على حقيقة الوجود.(/1)
ألم يقل الناس: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم.
ما أضعف الخلق، وما أسرع سقوطهم أمام الظواهر الكاذبة.
في زماننا هذا: تعاظم الشرّ وانتفخ، وصار يملأ أماكن الأرض وزمن الحياة، وصوره تملأ أعين الناس وقلوبهم.
فالشر صار ملكا وحاكما، له سحرة يزيّنونه للناس ويملؤون قلوبهم خوفا منه ومحبّة له:
يقولون: حاكمنا -أبقى الله حاكمنا!!- لولاه ما ولدنا، فلنمت في سبيل حاكمنا. وحاكمنا -أبقى الله حاكمنا!!- لولاه ما أكلنا ولا شربنا، ولا طابت مطاعمنا، ولا ساغت مشاربنا.
وحاكمنا -أبقى الله حاكمنا!!-: هو الذي وهبنا الحرّية والكرامة.
وحاكمنا -أبقى الله حاكمنا!!-: ببركته زاد نسل نسائنا.
وحاكمنا.. وحاكمنا.. ألا لعنة الله على حاكمنا. والله ما هو إلا {زبدا رابيا}.
والباطل صار عاهرة وقوّادا: ولكنّه علا فصار بطلا ونجما، وقدوة ومثلا، يحفظ الناس سيرته، وينقبّون عن شمائله وصفاته، ويقلّدونه حذو القذّة بالقذّة.. حتّى لو نبح كالكلاب لنبح عبيده مثله.
قلّب نظرك، واسرح بفكرك: فماذا ترى أخي الغريب... إنّها فقاعات الهواء التي تزداد تنفّخا يوما بعد يوم.
ولمّا تعلّق المسلمون بهذا الزبد، تعلّقوا بحقويه ماذا آل حالهم، وكيف انتهى أمرهم،... "غثاء كغثاء السيل".
نعم: إنّهم غثاء يتعلّقون بزبد رخيص مهين، يصرخون ويرطنون: نحن الأعلى... ألسنا فوق، ألسنا في الربى تجبى إلينا ثمرات كلّ شيء، ونأكل من خيرات الأرض، بأموالنا وبترولنا وذهبنا نشتري الخيرات من أي جهة شئنا، فها نحن نركب المركوب الهيّن، ونأكل الطعام الهنيء، ونلبس اللباس الناعم. ولذلك فأنت لا ترى أقواما في جهنّم وهم يظنّون أنّهم في الجنّة كما هو حال أهل الإسلام هذه الأيّام، وهناك من السحرة "رجال إعلام، ودعاة زندقة، وعمائم شيوخ" يمارسون التزوير وإفساد العقول، فهم يصرخون ليل نهار: بلادنا بخير، وحالنا «ليس في الإمكان أبدع مما كان»، وحاكمنا مؤمن بصير إلى مشاشه، وبلادنا آمنة، فماذا تريدون غير هذا؟!!
الحقّ هو الأبقى والأقوى:
الله عزّ وجلّ {له دعوة الحقّ والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه -وما هو ببالغه- وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}[الرعد:14]. وتابع الحقّ وصاحبه {وجد الله عنده فوفاه حسابه}. والله عزّ وجلّ {هو الحقّ المبين}.
من الأسباب التي تجعل أهل الجهل من الناس يُعرضون عن الحقّ ولا يتّبعوه ظنّهم أن الحقّ ضعيف، وأنّه قليل غناؤه، ومن تعلّق به لم يكن له إلا طريق الخسارة والبوار، فيستعظمون تبعة الأخذ به، والتعلّق بواجباته، ويقبلون على ما ظاهره الكثرة والقوّة، والارتفاع والعلوّ، لأنّ من جهل النفوس التعلّق بالعاجلة، والاغترار بالظاهر، وعدم الغوص إلى المعاني والحقائق الباطنة، فما هي إلا لحظات حتّى تنجلي الحقيقة فيكتشفون أنّ باطلهم لا روح له، زاهق ضعيف، وأن كثرته ما هي إلا فقاعات ماء، وتجلّى الحقّ بقوّته الهادرة يكتسح سدود الباطل كالطوفان، ويرتفع بعزّة الانتساب إلى الله تعالى، وبوفاء المؤمنين به، ويزداد قوّة بتجذّره في قلوب أهله، فلا يتخلّون عنه حتّى لو رماهم الناس عن قوس واحدة، فلا يذهب من قلوبهم حتّى يذهبوا هم إلى أجداثهم، ولا يزالون عنه حتّى تزول أرواحهم من أجسادهم، اختلط بهم وفي حشاشة قلوبهم حتّى صار منهم موضع الروح من الجسد، فهو متجذّر في صدورهم وعقولهم.
والحق سيل جارف هادر لا يعيقه شيء، إذا أقبل فهو كسيف الفجر ضياء، يفلق هامة الظلمة وينحرها، وما يملك الباطل إلا تلك المحاولة أن يغطّي النور بغرباله {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}..
فالحقّ هو الضياء الذي ينير الحياة، وهو الماء الذي يسقي الأرض، فتنبت خيراتها، ويحيي النفوس، ويشفي أمراضها، فالحقّ هو الذي له البقاء {وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} فلا ينبغي لأهل الحقّ أن يحتقروا شأنه، أو يستصغروا أمره لقلّة التابع وضعفه، بل عليهم أن يعتزّوا به، ويرتفعوا عن الباطل، فإنّ القليل مع الحقّ هو الكثير كما قال تعالى {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}. وقال: { فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين}، وها هنا نقطة مهمّة لا ينبغي لأهل البصيرة إغفالها، وهي أنّ الشيطان وجنده يحاولون أن ينفخوا في مظاهرهم الكاذبة وزبدهم العالي وذلك لشغل الناس به عن طريق سِحَاليّ الإنس -أي الخطباء والبلغاء- من رجال الإعلام حتى يلتبس على أهل الحقّ حقّهم، فها أنت ترى الإعلام المقروء والمرئيّ يملأ أعين الناس وآذانهم وعقولهم وقلوبهم بالأحداث الباطلة، والتي لا قيمة لها: فموت فاجرة يشغل الناس ويملأ الدنيا، وولادة قطّة أو كلب تكون على صفحات الصحف، وتزوّج عاهر وعاهرة يدخل خبره إلى بيوت الناس وخدرهم...(/2)
أمّا إن جئت إلى الأخبار الجليلة العظيمة، والأحداث الإيمانية العالية، سواء كانت من أخبار الجهاد والمجاهدين، أو موت العلماء والصالحين، أو سجن الدعاة والمؤمنين، فإنّك قلّما تجد من يحسّ لهم خبرا، أو يسمع لهم أنينا، حتّى أنّك تجد إعراض المسلمين عن هذه الأخبار بل استصغارها لأنّها ليست بالأخبار العالمية كما يزعمون، ولم تتلقّفها صحف وشاشات الغرب، وكأنّ مقياس العالمية والقوة هو ما يشغل أهل الزندقة والشرك. فحسبنا الله ونعم الوكيل. فالواجب على المسلم أن لا ينشغل إلا بأهل الحقّ وأعمالهم وأخبارهم ولا يقيم شأنا لموت فرعون {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا مُنظَرين}. فانظر بالله عليك إلى قيمة فرعون هذا!! وهذا كلّه أدب قرآني وسبيل إيماني، فإبراهيم عليه السلام كان أمّة وحده، وليس على الأرض مؤمن سواه مع زوجه عليهما السلام، ومع ذلك هو أمّة وحده، وبقيّة الناس غثاء وزبد لا قيمة له ولا أهمّية.
هذا هو قدر الله تعالى، وهذا سبيله، فمن تعلّق بالحقّ كان ثقيلا في ميزان الله، ومن تركه كان ميتا لا قيمة له، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "مثل الذي يذكر ربّه والذي لا يذكره مثل الحيّ والميّت".
والحمد لله ربّ العالمين(/3)
مثل من ثبات الصحابة على دينهم واعتزازهم به
(خبر سعد بن أبي وقاص وأصحابه )
قال ابن إسحاق : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّوا ذهبوا في الشعاب فاستَخْفَوْا بصلاتهم, فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة , إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون , فناكروهم , وعابوا عليهم مايصنعون حتى قاتلوهم, فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بلَحْيِ بعير فشجّه , فكان أولَ دم هُريق في الإسلام ([1]).
هذا الخبر يدل على مقدار ما واجهه الصحابة رضي الله عنهم في مبدأ الإسلام من محاصرة المشركين ومتابعتهم إياهم حتى اضطروهم إلى الاستخفاء بصلاتهم في الشعاب النائية , ومع ذلك وصل إليهم المشركون فناكروهم وعابوهم وقاتلوهم .
إن محافظة هؤلاء الصحابة على دينهم وحماسهم في الدعوة إليه مع ذلك الاضطهاد الشديد من أعدائهم دليل على قوة إيمانهم وهو موقف جليل يكتب في سجلهم الحافل بالمواقف العالية .
وهكذا رأينا هؤلاء العظماء الأبطال قد اضطروا إلى الاستخفاء بأبرز شعائر دينهم وهي الصلاة, فأصبحوا يقيمونها في الشعاب والأودية خوفا من سخرية المشركين وبطشهم , ومع ذلك لم يتركوا الصلاة , فكيف بالمسلمين الذين أقيمت لهم المساجد العامرة بالمصلين المزودة بكل وسائل الراحة والنشاط ومع ذلك يهجرها طائفة من المسلمين زهدًا فيها وإيثارًا لمتاع الدنيا ولهوها؟!
إنه أمر منكر عجيب يدل على البون الشاسع بين مستوى إيمان الصحابة رضي الله عنهم وإيمان من جاء بعدهم والتفوق الواضح للصحابة في مجال الفهم والتطبيق .
كما أن هذا النص يدلنا على مستوى العزة التي ارتفع إليها المسلمون آنذاك على الرغم من ضعفهم وقلتهم حيث قام أولئك النفر بمدافعة من داهمهم من المشركين ولم يستخذوا لهم وفي ذلك إعزاز ظاهر للإسلام وتثبيت لوجوده في الأرض .
مثل من الثبات على الشدائد
( إسلام خالد بن سعيد بن العاص )
أخرج الإمام البيهقي بإسناده عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال : كان إسلام خالد – يعني ابن سعيد بن العاص – قديمًا , وكان أول أخوته أسلم , وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه وُقف به على شفير النار , فذكر من سعتها ما الله أعلم به , ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها, ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بحقويه لايقع , ففزع من نومه فقال : أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق.
فلقي أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال أبو بكر : أريد بك خير , هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه , فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام , والإسلام يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها .
فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال : يامحمد إلام تدعو ؟ فقال: أدعو إلى الله وحده لاشريك له وأن محمدًا عبده ورسوله , وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لايسمع ولايبصر ولاينفع ولايدري من عبده ممن لم يعبده .
فقال خالد : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله , فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه , وتغيب خالد , وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه , فأتي به فأنَّبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه , وقال : والله لأمنعنك من القوت , فقال خالد : إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به, وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويكون معه ([2]).
وهكذا هدى الله تعالى خالد بن سعيد بن العاص بتلك الرؤيا المباركة , فأخرجه بها من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد , وكان يقينه بالإسلام قويّا حيث لم يتزعزع إيمانه لما وبخه أبوه وضربه وهدده بقطع رزقه مع أن أباه كان من سادة أهل مكة الكبار , بل أعلن خالد استغناءه عن أبيه واعتماده الكامل على الله تعالى وحده , وثبت رضي الله عنه على حياة الفقر لأنه أحس بأن الإسلام هو سعادة الروح , وأيقن بأن الحياة الدنيا لاتساوي شيئًا أمام الآخرة , فلتكن الدنيا كما يريد الكفار المتسلطون حياة بؤس وفاقة على المسلمين فإن الموازين ستتبدل في الآخرة فيصبح المسلمون هم أصحاب الحياة السعيدة الخالدة , وقد تتبدل في الدنيا حينما ينتصر المسلمون وتكون لهم الدولة والهيمنة في الأرض .
مثل من الدعوة الناجحة والتضحية الخالدة
( إسلام عمرو بن عبسة السُّلَمي )
أخرج الإمام مسلم بإسناده عن أبي أمامة قال : قال عمرو بن عبسة السلمي : كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة , وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا , فقعدت على راحلتي , فقدمت عليه , فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا , جُرَءَاءٌ عليه قومه .(/1)
فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له : ما أنت ؟ قال : "أنا نبي" فقلت : ومانبي ؟ قال: "أرسلني الله " فقلت : وبأي شيء أرسلك؟ قال: " أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لايشرك به شيء " قلت له : فمن معك على هذا ؟ قال: " حر وعبد" قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به فقلت : إني متبعك . قال: " إنك لاتستطيع ذلك يومك هذا , ألا ترى حالي وحال الناس ؟ ولكن ارجع إلى أهلك , فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني " .
قال فذهبت إلى أهلي , وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , وكنت في أهلي , فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة , حتى قدم عليَّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة , فقلت: مافعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا : الناس إليه سِرَاعٌ . وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك .
فقدمت المدينة فدخلت عليه , فقلت : يارسول الله ! أتعرفني ؟ قال: " نعم . أنت الذي لقيتني بمكة؟ " .
وذكر بقية الحديث وفيه أنه سأله عن الصلاة والوضوء ([3]).
ففي هذا الخبر موقف يذكر لعمرو بن عبسة حيث آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في أوائل دعوة الإسلام وفي حال قلة المسلمين وكثرة أعدائهم , ولم يقتصر على ذلك , بل أبدى رغبته في مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم والبقاء معه في ذلك الظرف العصيب , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل منه إسلامه , وأبان له بأنه لايستطيع أن يتحمل مشقة الصحبة والاتباع في ذلك الوقت , لما سيتعرض له من الأذى الشديد على يد الكفار ولكون النبي صلى الله عليه وسلم لايستطيع حمايته .
وقد جاء في هذا الخبر أن عمرو بن عبسة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام بعد أن علم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : وبأي شيء أرسلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لايشرك به شيء " وفي هذا دليل على أهمية صلة الأرحام حيث كان هذا الخلق العظيم من أوليات دعوة الإسلام , مع اقترانه بالدعوة إلى التوحيد .
وقد ظهر في هذا البيان الهجوم على الأوثان بقوة مع أنها كانت أقدس شيء عند العرب , وفي هذا دلالة على أهمية إزالة معالم الجاهلية , وأن دعوة التوحيد لاتستقر ولاتنتشر إلابزوال هذه المعالم .
وفي اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم المبكر بإزالة الأوثان مع عدم قدرته على تنفيذ ذلك في ذلك الوقت دلالة على أن أمور الدين لايجوز تأخير بيانها للناس بحجة عدم القدرة على تطبيقها , فالذين يبينون للناس من أمور الدين مايستطيعون تطبيقه بسهولة وأمن , ويحجمون عن بيان أمور الدين التي يحتاج تطبيقها إلى شيء من المواجهة والجهاد .. هؤلاء دعوتهم ناقصة , ولم يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واجه الجاهلية وطغاتها وهو في قلة من أنصاره , والسيادة في بلده لأعدائه .
وجاء في هذا الخبر أن عمرو بن عبسة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أتباعه فقال " حر وعبد" وقد فسر ذلك عمرو بأن المراد أبو بكر وبلال, وهذا يحتمل أمرين :
الأول : أن الكلام على ظاهره وأنه لم يسلم في ذلك الوقت خارج بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وبلال, وبناء على ماسبق من أن أبا بكر هو أول من أسلم يكون بلال ثاني رجل أسلم خارج البيت النبوي .
الثاني : أن هناك مسلمين آخرين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى ذكرهم لكونهم يخفون إسلامهم عن قومهم, بينما كان أبو بكر ظاهر الإسلام , وبلال قد ظهر إسلامه , فذكرهما لكونهما لايتضرران بهذا الذكر , وهذا هو الظاهر لأن عمرو بن عبسة علم عن الإسلام وهو في بلاده , وظهور الإسلام خارج مكة وعلم القبائل به كان بعد الجهر بالدعوة بينما كان المسلمون الأوائل قد دخلوا في الإسلام قبل الجهر بالدعوة كما سبق في إسلام الخمسة على يد أبي بكر .
ومما يدل على تأخر وفادة عمرو بن عبسة قوله في وصف النبي صلى الله عليه وسلم "جُرءاء عليه قومه" , وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا ترى حالي وحال الناس؟ " فهذا يدل على أن وفادته كانت بعد حدوث الخلاف والعداء من المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك بعد أن جهر بنقد الجاهلية التي كان عليها قومه , وهذا النقد كان بعد الجهر بالدعوة , بل إنه قد جاء في هذا الخبر التصريح بكسر الأوثان وهذا كان بعد الجهر بالدعوة .
-------------------------
([1]) سيرة ابن هشام 1/261 , وتاريخ الإسلام للذهبي 1/147 .
([2]) دلائل النبوة للبيهقي 2/172 , وأخرجه أبو عبد الله الحاكم من هذا الطريق وذكر مثله – المستدرك 3/248 .
وذكره الحافظ ابن كثير من رواية البيهقي بإسناده – البداية والنهاية 3/248 .
([3]) صحيح مسلم 569 رقم 832 , كتاب صلاة المسافرين(/2)
مثل من ثبات النبي صلى الله عليه وسلم
(شكوى قريش لأبي طالب الأولى)
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله سرًّا في بداية بعثته إلى أن اجتمع حوله عدد من أصحابه، فأمره الله تعالى بأن يجهر بالدعوة (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر : 94)
وأمره بأن يبدأ بإنذار أقاربه (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء : 214 ) فأنذر وبشر وجمع بين الدعوة إلى المعروف والنهي عن المنكر , الدعوة إلى عبادة الله وحده والتخلق بمكارم الأخلاق, والدعوة إلى نبذ عبادة الأصنام التي هي أعظم المنكر وكذلك التخلي عن مساويء الأخلاق .
فلما عاب أصنام المشركين وسفه أحلامهم بعبادتها عرفوا أنه لن يَبْقَى على ماهو عليه من دينه ويتركهم على ماهم عليه من المنكر فناصبوه العداء وحاولوا تفريق المؤمنين بدعوته بكل ماأوتوا من قوة وحيلة .
ولما رأوا صلابة إيمان أتباعه وأن أمره صار ينتشر بين جميع طبقات المجتمع بسرعة وقوة حاولوا التأثير عليه ليترك دعوته أو يغير من أسلوبها في النكير عليهم وتسفيه أحلامهم .. حاولوا ذلك بالترغيب أحيانًا وبالترهيب أحيانًا أخرى ولكن حال دون وصولهم إلى أغراضهم صلابته في إيمانه وعطف عمه أبي طالب عليه ودفاعه عنه وتهديده لقريش إن وصلوا إليه بالأذى .
فلما رأى كفار قريش أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لن يهون أمام تهديداتهم ولن يلين أمام إغراءاتهم وأن عمه أبا طالب قد قام دونه وحماه , وأن أتباعه يتمسكون بدعوته بقوة ويزيد عددهم بسرعة ذهب بعض أشرافهم إلى عمه أبي طالب لبيان أمره والشكوى منه .
قال محمد بن إسحاق رحمه الله : فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه – فيما بلغني – حتى ذكر آلهتهم وعابها , فلمافعل ذلك أعظموه ([1]) وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون .
وحَدِب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه , ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرًا لأمره لايرده عنه شيء ,فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايُعتبهم ([2])من شيء أنكروه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا طالب قد حَدبَ عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب–وذكر أسماءهم – فقالوا : ياأبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا , فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل مانحن عليه من خلافه فنكفيكه , فقال لهم أبو طالب قولاً رقيقًا وردهم ردًّا جميلاً فانصرفوا عنه .
قال : ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ماهو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه , ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا , وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه, وحض بعضهم بعضًا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سنًّا وشرفًا ومنزلة فينا , وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا , وإنا والله لانصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يَهلَك أحد الفريقين – أو كما قالوا – ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم , ولم يطب نفسًا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه.
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدِّث أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ياابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا , للذي كانوا قالوا له فَأَبْقِ عليّ وعلى نفسك ولاتُحَمِّلني من الأمر مالا أطيق.
قال : فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بَدَاء ([3]) وأنه خاذله ومُسْلِمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ماتركته .
قال : ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى , ثم قام , فلما ولَّى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا ابن أخي , قال:فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لاأسلمك لشيء أبدًا ([4]) .
وأخرجه الأئمة البخاري في التاريخ الكبير والحاكم والبيهقي , وذكره الهيثمي من رواية الطبراني وأبي يعلى بنحوه , كلهم من حديث عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حلَّق ببصره إلى السماء فقال : فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة, فقال أبو طالب : والله ماكذَّبتُ ابن اخي قط فارجعوا .(/1)
وقال الحافظ الهيثمي : ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ([5]) وذكره الحافظ ابن حجر وقال: هذا إسناد صحيح ([6]) .
في هذا الخبر بيان لشدة المواجهة وعنف المقاومة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقاها من قومه , حيث استخدم أشراف قومه مختلف الوسائل للتأثير على عمه أبي طالب ليرفع عنه حمايته , فذكَّروه بشرف الآباء والأجداد وهو من المقتنعين بالتمسك بما عليه الأسلاف وذكروه بقدسية الآلهة وهو ممن يعظمونها , ثم هددوه بالحرب بينهم وبينه وهو ممن يكره ذلك , كما حاولوا التلطف معه بالثناء عليه فذكروا شرفه ومنزلته فيهم ليؤثروا عليه فيستجيب لشكايتهم .
ولقد كان موقفًا صعبًا ومحرجًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقع عمه الذي ناصره وحماه في هذا المأزق المحرج , حيث بقي أبو طالب في حيرة من أمره فهو لايريد أن يبادىَ قومه بالعداء ولكنه أيضًا لايريد أن يُسْلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا أن يخذله , ولكن إخراج عمه من هذا المأزق يقتضي أن يتنازل عن دعوته وأن يوافق الكفار على تعظيم الأصنام وتفخيم ميراث الآباء وهذا أمر مستحيل , لذلك كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم حازمًا وحاسمًا حينما استدعاه عمه وفاوضه في التنازل عن دعوته الكاملة إبقاء عليه وعلى نفسه , حيث بين لعمه أن هذا مستحيل كاستحالة إنزال الشمس والقمر ووضعهما في يديه صلى الله عليه وسلم .
وإن هذا لموقف عظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وقف وهو في قلة من أنصاره يتحدى زعماء قريش وهم في عزهم وغناهم ومكانتهم العالية في العرب , وقد بين صلابته في التمسك بهذا الدين ودعوة الناس إليه مهما تكن الظروف , ومهما وُضع في طريقه من عقبات , وأنه على استعداد كامل لأن يقدِّم نفسه رخيصة في سبيل هذا الدين , فضرب بذلك المثل العالي لأمته والقدوةَ الكاملة للدعاة إلى الله تعالى في تسخير نفسه بكل طاقاتها لخدمة دعوته ولو أدى ذلك إلى هلاكها.
فليسر على دربه المؤمنون المتقون في بذل الجهد في الدعوة وتحمل كل مايواجههم من صعوبات ونكبات فإن لهم فيه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة .
هذا وإن تلك الدموع الغالية التي تحدرت من عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين لنا خطورة الموقف وصعوبة الأمر عليه , حيث كان بين أمرين كل واحد منهما شاق على نفسه , لكن إيقاع عمه في الحرج أهون عليه كثيرًا من التنازل عن دعوته , بل لامقارنة بين الأمرين لأن أحدهما صعب والآخر مستحيل .
وإنه من أجل الخروج من هذا المأزق وإصدار القرار السامي الذي لاخيار له فيه فإنه لابد لصاحب النفس الكريمة التي بلغت نهاية الكمال البشري في السمو الأخلاقي أن يعبر عن أساه واسفه لصاحب المعروف الكبير عليه أن أوقعه في حرج كبير وأدخله في معركة حامية مع قومه, في الوقت الذي كان يتوسل إليه أن لايوقعه في ذلك , فكانت الدموع الزكية أبلغ تعبير عن ذلك الأسى والأسف .
إن دموع فحول الرجال الأشداء غالية , وتكون أشد غلاء حينما تنحدر من عيني من بلغ الكمال في كل معاني الرجولة , وإن غلاء تلك الدموع ليصور لنا جسامة المسؤولية التي تحملها رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهان من أجلها بكل ما تعارف عليه البشر من الأخلاق والأعمال التي تتعارض معها .
------------------------
([1] ) أي شق ذلك عليهم .
([2] ) أي لايزيل عتبهم بالرجوع عما أنكروه .
([3] ) أي ظهر له فيه رأي جديد .
([4] ) السيرة النبوية لابن هشام 1/261 – 264 .
([5] ) التاريخ الكبير 7/51 رقم 230 , المستدرك 3/577, دلائل النبوة للبيهقي,2/186 – 187,مجمع الزوائد 6/14.
([6] ) المطالب العالية 4/192 رقم 4278 .(/2)
مثل من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤثرة
( إسلام ضماد الأزدي ورجل من بني عامر)
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم النجاح في دعوته , بليغًا في التأثير على من خاطبه, حيث يؤثر على من جالسه بهيئته وسمته ووقاره قبل أن يتكلم , ثم إذا تحدث أسر سامعيه بمنطقه البليغ المتمثل من العقل السليم والعاطفة الجياشة بالحب والصفاء والنية الخالصة في هداية الأمة بوحي الله تعالى .
وإن من أبرز الأمثلة على قوته في التأثير بالكلمة المعبرة والأخلاق الكريمة , ماكان من موقفه مع ضماد الأزدي الذي وفد إلى مكة وتأثر بدعاوى المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقر في نفسه أنه مصاب بالجنون كما يتهمه بذلك قومه .
وقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن ضمادًا الأزدي قدم مكة وكان من أزد شنوءه , وكان يرقي من هذه الريح – يعني يعالج من الجنون – فسمع سفهاء مكة يقولون إن محمدًا مجنون فقال : لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي .
قال فلقيه فقال : يامحمد إني أرقي من هذه الريح , وإن الله يشفي على يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الحمد الله نحمده ونستعينه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدًا عبده ورسوله , أما بعد" .
قال فقال : أعد علي كلماتك هؤلاء , فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات, قال فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء , فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء, ولقد بلغن قاموس البحر ([1]) .
قال فقال : هات يدك أبايعك على الإسلام قال: فبايعه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعلى قومك , قال:وعلى قومي.
قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ([2]) فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئًا ؟فقال رجل من القوم : أصبت منهم مطهرة,فقال:ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد([3]).
في هذا الخبر بيان أن المشركين كانوا يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون , فهل كان وصفه بذلك مجرد تهمة ألصقها به أعداؤه من غير أن يسوغوها بأسباب يتوقعون أنها مقنعة ؟
قد تكون هذه التهمة غير مسوغة بذلك , وإنما هي مجرد رأي خطر لبعض زعمائهم لينفروا الناس من سماع دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعهم على ذلك عامتهم .
وقد تكون مسوغة بمخالفة ما عليه جمهور الناس , والقيام بتحدي من يملكون القوة والهيمنة, والتضحية من أجل المبدأ بالمال والنفس . فيرى بعض الناس أن العقل يقتضي مسايرة الناس وطلبَ السلامة في النفس والمال , وأن إهدار ذلك وتعريض النفس للهلاك , والمال للضياع من أجل المحافظة على مبدأ يخالف ماعليه الناس نوع من الجنون .
ومن هذا الباب اتهام المشركين أبا بكر بالجنون حينما عرَّض نفسه للأذى وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي .
ولذلك ترتفع نغمات بعض المنافقين في كل زمن فيتهمون دعاة الإسلام الذين يقاومون الباطل, ويتعرضون من أجل رفع دعوة الحق لضياع الأموال والتشرد والسجون والقتل أحيانًا .. يتهمونهم بالجنون .. لا على أنهم قد فقدوا عقولهم بالكلية , ولكن على أنهم فقدوا نوعًا من العقول يراها هؤلاء المنافقون وأشباههم من ضعفاء الإيمان هي العقول السليمة الجديرة بحمل هذا الاسم .. هذه العقول هي التي ترعى مصالحها الدنيوية , وتساير جميع الأوضاع التي تعيش فيها سواء كانت الهيمنة لأهل الحق أو كانت لأهل الباطل .
فالتخلي عن المال من أجل الحفاظ على المبدأ السامي يعدُّ عند هؤلاء ضربًا من الجنون.
والنظر إلى الدنيا والتفكير الدائم في تدبير الأموال وسياسة تشغيلها وصرفها هو عين العقل عند هؤلاء , ويستوي عندهم من يبعثر أمواله في الطيش والتهور , ومن ينفق أمواله في سبيل الله تعالى , فكلاهما عند هؤلاء سفيه قاصر العقل , بينما يكون الحكم في الإسلام على الأول بأنه قاصر العقل سفيه يجب الحجر عليه, أما الثاني فإنه كامل العقل حيث قدم ماله ليكسب في الآخرة أضعافًا مضاعفة من الأجر , ويستحق الثناء والشكر بما قدم من ماله لخدمة دينه وإخوانه المسلمين.
هذا وقد وجدت من كلام علماء التفسير ما يؤيد هذا التوجيه وذلك فيما رُوي عن الحسن البصري رحمه الله أنه فسر اتهام المشركين ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالضلال قال : وذلك أنهم لم يريدوا بالمجنون الذي يخرق ثيابه ويهذي , بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل العقل في نظرهم , كما يقال: ما لفلان عقْل ([4]).(/1)
وقال الحسن أيضًا في هذا المعنى : لقد رأيت رجالاً لو رأيتموهم لقلتم مجانين ([5]) . يخاطب بذلك أهل الدنيا في عصره من المسلمين , ويريد بالرجال من رآهم من الصحابة رضي الله عنهم, ويقصد بهذا الكلام أن أهل الدنيا في عصره لو رأوا الصحابة في زهدهم في الدنيا وإقبالهم على الآخرة وتنافسهم في الجهاد وطلب الشهادة والإنفاق في سبيل الله تعالى لاتهموهم بالجنون .
وفي هذا الخبر بيان اتصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفتي الصبر والحلم وهما من أهم الصفات اللازمة للنجاح في الدعوة , فهذا الرجل وهو ضماد الأزدي قد قدم مكة وهو يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنون , وذلك لكثرة مايبث قومه عنه من دعاوى كاذبة في القبائل , وحيث إن ضمادًا يعالج من ابتلي بالجنون فإنه قد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعالجه من ذلك .
وهذا موقف يثير غضب من اتهم بذلك عادة , ويتبع ذلك توبيخ المتكلم به إن لم يحصل ماهو أشد من ذلك , ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جبله الله تعالى على مكارم الأخلاق قد استقبل الامر بحلم وهدوء مما أثار إعجاب ذلك الرجل وجعله مهيئًا لقبول ماسيدعوه إليه , ولذلك ما إن بدأ النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بالمقدمة التي يستفتح بها بعض خطبه حتى أعلن ذلك الرجل أن الكلام الذي سمعه لايشبهه ولايدانيه كلام الشعراء ولا كلام الكهان والسحرة فأسلم في تلك الساعة .
وهذا شاهد على فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة بيانه , وانبعاث كلامه من قلب مُليءَ إيمانًا ويقينًا وحكمة , حيث فاض ذلك على غُرر بيانه فأصبح آسرًا لسامعيه , وجاذبًا لأصحاب القلوب المتجردة إلى اتباعه .
ولئن كان كثير من الناس اليوم لا يتأثر بهذا الكلام وأمثاله , فهذا ليس لعيب في الكلام, وإنما هو لتدني مستوى المتلقي في الذوق والوجدان وفهم اللغة العربية , أو لعدم صدور ذلك الكلام من قلب متأثر به أو لهما جميعًا .
وفي سرعة إسلام ذلك الرجل دلالة على أن الإسلام هو دين الفطرة وأن النفوس إذا تجردت من الضغوط الداخلية التي يحمل عليها اتباع الهوى , والضغوط الخارجية التي من أبرزها هيمنة الطغاة من الأكابر الذين يرسخون في النفوس رهبتهم وتقديس مبادئهم الضالة في قلوب الناس من غير أن يكون لهم اختيار وتفكير .. إذا خلت النفوس من ذلك فإنها غالبًا تتأثر وتستجيب , إما بسماع قول مؤثر , أو الإعجاب بسلوك قويم .
وفي طلب النبي صلى الله عليه وسلم البيعة من ضماد لقومه دلالة على مبلغ اهتمامه صلى الله عليه وسلم بدعوته , وذلك باغتنام كل فرصة ينتج عنها تقدم في هذه الدعوة , فقد لاحظ سرعة إقبال ذلك الرجل على الإسلام وقوة قناعته به , فدفعه ذلك إلى أخذ البيعة منه لقومه , وذلك وعد مؤكد منه بحمل قومه على الإسلام , ولاشك أن من بايع النبي صلى الله عليه وسلم نيابة عن قومه سيبذل كل ما يملك من طاقة في جذب قومه إلى هذا الدين .
وفي هذا بيان واضح لأهمية الدعوة إلى الله تعالى , حيث جعلها النبي صلى الله عليه وسلم قرينة الالتزام الشخصي , فقد بايع ضماد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الالتزام بالدين , فلم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك بل أخذ منه البيعة على دعوة قومه إلى الإسلام لأن دعوتهم متعينة عليه .
فالدعوة فرض كفاية , إذا قام بها من يكفي سقط الوجوب عن بقية الأمة , وإذا لم يتم ذلك أثم كل من كان أهلاً لهذا الأمر , وإذا تعينت على واحد بعينه كانت فرض عين كما هو الحال في هذا الخبر .
ومن المعلوم أن من دخل في الإسلام يكون في جو رَوْحَاني قوي , ويدفعه الندم على مافات من أيامه – وهو في ضلال – على مضاعفة الجهد في خدمة هذا الدين الذي هداه الله إليه , فيكون لديه استعداد قوي لبذل الجهد في هذا المجال .
ويشبه هؤلاء المسلمين الجدد في هذه الحيوية والاندفاع نحو العمل المنحرفون من المسلمين الذين منَّ الله عليهم بالتوبة والهداية فإنهم لايشعرون بانتمائهم الحقيقي للإسلام إلا بعد استنارة قلوبهم بالهدى , ولذلك فإنهم يندفعون بقوة نحو العمل الصالح والدعوة إلى الإسلام .
وإن مما يُوْصَى به مجالسة التائبين لاكتساب قوة الإيمان والحيوية الدافعة إلى العمل الصالح, وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : جالسوا التوابين فإنهم أرقّ شيء أفئدة ([6]) .
وهنا تأتي براعة الموجهين في الدعوة حيث يحاولون جهدهم الإفادة من هذه الطاقات المتدفقة وتوجيهها نحو الالتزام الصحيح بالإسلام وبذل الجهد في دعوة الناس إليه , وخاصة في مجتمع الأقران الذين كانوا قبل ذلك تجمعهم الزمالة والصداقة .
وهم في كل ذلك إنما يتأسون برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يوجه الطاقات ويغتنم كل الفرص المتاحة للدعوة .
فهل يفهم المسلمون هذا المعنى الجليل فيسارعوا إلى بذل جهدهم في الدعوة إلى هذا الدين والدفاع عنه ؟(/2)
ويشبه خبر ضماد الأزدي من بعض الجوانب ماأخرجه ابن حبان رحمه الله من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "جاء رجل من بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يداوي ويعالج فقال : يامحمد , إنك تقول أشياء هل لك أن أداويك ؟
قال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله ثم قال له : هل لك أن أريك آية ؟ وعنده نخل وشجر, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عذقًا منها فأقبل إليه وهو يسجد ويرفع رأسه ويسجد ويرفع رأسه حتى انتهى إليه صلى الله عليه وسلم فقام بين يديه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى مكانك , فرجع إلى مكانه . فقال العامري: والله لا أكذبك بشيء تقوله أبدًا . ثم قال : يا آل عامر ابن صعصعة , والله لا أكذبه بشيء يقوله " قال : والعذق : النخلة ([7]) .
فهذا الرجل العامري يتطبب ويعالج المرضى , ولما سمع أهل مكة يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون تقدم إليه وعرض عليه أن يداويه من ذلك ولكن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم للعامري اختلف عن جوابه لضماد الأزدي , فقد كان جوابه لضماد يقوم على الفصاحة والبيان وجزالة المعاني , وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في حال ضماد أنه ممن يؤثر فيهم الأدب الرفيع والمعاني السامية فبادره بذلك الجواب الذي هز كيانه وأخضع جنانه , وأمثال ضماد هم الأكثرون في حياة العرب آنذاك ولذلك كان جُلُّ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا على الإبداع في هذا المجال .
أما ذلك العامري , فقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنه من أهل العاطفة القوية والخضوع للأمور الحسية , فعرض عليه آية مشاهدة تُخضع من رآها – ممن تجرد من الهوى – إلى الإذعان لها والتسليم لصاحبها بأنه ليس من البشر العاديين .
وهكذا تتنوع أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة حسب فهمه لمداخل النفوس وطرق التأثير عليها , فهو القدوة العليا في ذلك , ومنه يجب أن تؤخذ مناهج الدعوة وأساليبها .
---------------
([1]) ذكر الإمام النووي أنه ضبط هذه الكلمة من وجهين : أولهما ناعوس والثاني قاموس , وذكر أن هذا هو الأشهر عند غير مسلم , وعليه سار أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين والحميدي في الجمع بين الصحيحين , وذكر أن هذا هو الموافق لكلام أهل اللغة وأن معناه وسط البحر وقعره ولجته – شرح النووي على صحيح مسلم 6/157 - .
([2] ) يعني بعد الهجرة .
([3] ) صحيح مسلم ص 593 , رقم 868 .
([4] ) فتاوى ابن تيمية 16 /72 .
([5] ) فتاوى ابن تيمية 16/72 .
([6] ) الزهد للإمام أحمد بن حنبل /120 .
([7] ) موارد الظمآن 520 , وذكره الحافظ الهيثمي وقال : رواه أبو يعلى , ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي وهو ثقة – مجمع الزوائد 9/10 .(/3)
مثل من قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على اختراق حصار الأعداء
(إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي)
لقد كان حصار الأعداء لدعوة الإسلام شديدًا محكمًا , حيث لم يكتفوا بتنفير ساكني مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشويه سمعته عندهم بل صاروا يتلقون الوافدين إليهم ليسمِّموا أفكارهم وليحولوا بينهم وبين سماع كلامه والتأثر بدعوته .
وإن من أبرز الأمثلة على ذلك ماجرى منهم مع الطفيل بن عمرو الدوسي , وقد أخرج خبره محمد بن إسحاق رحمه الله حيث قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على مايرى من قومه ([1]) يبذل لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه وجعلت قريش – حين منعه الله منهم – يحذِّرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب .
وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش, وكان الطفيل رجلاً شريفًا شاعرًا لبيبًا , فقالوا له : ياطفيل إنك قَدمْتَ ([2]) بلادنا , وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا , وقد فرق جماعتنا , وشتت أمرنا , وإنما أمره كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه , وبين الرجل وبين أخيه , وبين الرجل وبين زوجته , وإنا نخشى عليك وعلى قومك ماقد دخل علينا فلا تكلمنَّه ولا تسمعنَّ منه شيئًا .
قال : فو الله مازالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه , حتى حشوت في أذنيَّ حين غدوت إلى المسجد كُرْسفًا فرقًا ([3]) من أن يبلغني شيء من قوله , وأنا لا أريد أن أسمعه. قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة . قال: فقمت منه قريبًا, فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله, قال: فسمعت كلامًا حسنًا , قال: فقلت في نفسي: واثُكل أمي؛ والله إني لرجل لبيب شاعر وما يخفى عليّ الحسن من القبيح , فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول! فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته , وإن كان قبيحًا تركته .
قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتَّبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه, فقلت: يامحمد , إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا , للذي قالوا , فو الله مابرحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك , ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك, فسمعته قولاً حسنًا, فاعرض عليّ أمرك .
قال فعرض عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام , وتلا عليَّ القرآن , فلا والله ماسمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمرًا أعدل منه . قال : فأسلمت وشهدت شهادة الحق , وقلت: يانبي الله , إني امرؤ مطاع في قومي , وأنا راجع إليهم , وداعيهم إلى الإسلام , فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه , فقال : اللهم اجعل له آية .
قال : فخرجت إلى قومي , حتى إذا كنت بثَنيّة ([4]) تُطْلعُني على الحاضر ([5]) وقع نور بين عيني مثل المصباح , فقلت: اللهم في غير وجهي , إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم . قال : فتحول فوقع في رأسي سوطي , قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق , وأنا أهبط إليهم من الثنية , قال : حتى جئتهم فأصبحت فيهم .
قال : فلما نزلت أتاني أبي , وكان شيخا كبيرا , قال: فقلت : إليك عني يا أبت , فلست منك ولست مني قال: ولمَ يابني ؟ قال: قلت : أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم , قال: أي بني , فديني دينك , قال: فقلت : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك , ثم تَعَالَ حتى أعَلِّمك ماعُلِّمت. قال: فذهب فاغتسل , وطهر ثيابه , قال : ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم .
قال : أتتني صاحبتي ([6]) , فقلت : إليك عني , فلست منك ولست مني , قالت: لم ؟ بأبي أنت وأمي , قال: قلت : قد فَرَّق بيني وبينك الإسلام , وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم , قالت: فديني دينك , قال : قلت : فاذهبي إلى حنا ذي الشَّرَى فتطهري منه ([7]) .
قال : وكان ذو الشرى صنمًا لِدَوْس , وكان الحمى حمىً حموه له , وبه وَشَل من ماءٍ يهبط من جبل .
قال : فقالت : بأبي أنت وأمي , أتخشى على الصِّبْيَة من ذي الشَّرى شيئًا ؟ قال: قلت : لا أنا ضامنٌ لذلك , فذهبتْ فاغتسلتْ , ثم جاءت فعرضتُ عليها الإسلام , فأسلمت .
ثم دعوتُ دَوْسا إلى الإسلام فأبطأوا عليّ , ثم جئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت له : يانبي الله, إنه قد غلبني على دَوْس الزنى ([8]) , فادع الله عليهم , فقال : اللهم اهْد دَوسًا , إرجع إلى قومك فَادْعُهُم وارفق بهم .
قال : فلم أزل بأرض دَوْس أدعوهم إلى الإسلام , حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , ومضى بدر وأحد والخندق , ثم قدمت على رسول الله بمن أسْلَم معي من قومي , ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر , حتى نزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دَوس , ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر , فأسهم لنا مع المسلمين .(/1)
ثم لم أزَل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , حتى إذا فتح الله عليه مكة , قال : قلت : يارسول الله , ابعثني إلى ذي الكفين , صنم عمرو بن حُمَمَة حتى أحرِقَه .
قال ابن إسحاق : فخرج إليه فجعل طُفيل يوقد عليه النار ويقول :
ياذا الكَفَيْن لَستُ من عُبّادكا***ميلادُنا أقدمُ من ميلادكا
إني حشوتُ النار في فُؤَادكَا
قال ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم . فلما ارتدت العربُ خرج مع المسلمين , فسار معهم حتى فرغوا من طليحة , ومن أرض نجد كلّها .
ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة , ومعه ابنُهُ عَمْرو بن الطُّفيل , فرأى رؤيا وهو متوجّه إلى اليمامة , فقال لأصحابه : إني قد رأيت رؤيا فاعْبُرُوها لي , رأيت أن رأسي حُلق , وأنه خرج من فمي طائرٌ , وأنه لقيتْني امرأة فأدخلتني في فَرْجها , وأرى ابني يطلبني طلبًا حثيثًا ثم رأيته حُبس عني, قالوا : خيرًا .
قال : أمّا أنا والله فقد أوّلتها , قالوا : ماذا ؟ قال : أمّا حَلْق رأسي فَوضْعه , وأما الطائر الذي خرج من فمي فَرُوحي , وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض , تُحْفَرُ لي , فأغَيَّبُ فيها, وأما طلبُ ابني إياي ثم حَبْسه عني , فإني أراه سيَجْهَد أن يصيبه ما أصابني .
فقتل رحمه الله شهيدًا باليمامة , وجُرح ابنه جراحة شديدة , ثم استبَلَّ منها , ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدًا ([9]) .
وقد ذكر الحافظ ابن كثير هذه الرواية وقال : ولخبره شاهد في الحديث الصحيح , ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي أخرجه الإمامان أحمد والبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" اللهم اهد دوسًا وائت بهم" ([10]) .
يعني بذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال فيه " قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يارسول الله إن دوسًا عصت وأبت فادع الله عليها , فقيل : هلكت دوس , فقال : اللهم اهد دوسًا وائت بهم " ([11]) .
وهكذا رأينا مثالاً واضحًا للحجر الفكري الذي كان الكفار يمارسونه مع الدعوة الإسلامية في بداية عهدها , وقد استخدموا للتأثير على الناس ليصدوهم عنها مختلف الوسائل , فنجدهم كما في هذا المثال يتلقون الوافدين إلى مكة المكرمة , ويقومون بمحاولة تسميم أفكارهم وملئها بالباطل ليحول ذلك دون وصولها إلى الحق .
ونجدهم يخاطبون الناس بالأساليب المؤثرة عليهم كما في قولهم في إحدى روايات هذا الخبر للطفيل بن عمرو : إنك امرؤ شاعر سيد , فقد وصفوه بصفتين يعتز بهما العرب كثيرًا وكأن لسان حالهم يقول : لقد تبوأت في عقولنا مكانة كبيرة لهذه المؤهلات فلا تُنزل نفسك من هذه المكانة الرفيعة بسماع مايقوله مَنْ ليس في مستوى عقلك وتفكيرك , وحيث إن الطفيل عالم بالشعر والكهانة فقد اختاروا وصفًا آخر ينطلي عليه وعلى أمثاله وهو السحر وسوغوا ذلك بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرق بين الأحبة على حد زعمهم .
وهكذا نجد دعاة الباطل في كل زمن يصورون دعاة الحق على أنهم إرهابيون وعواصف مدمرة, ليكسبوا الناس إلى صفهم , فما يزال البسطاء والإمَّعات الذين ألفوا التبعية والتقليد وعطلوا جانبًا كبيرًا من عقولهم .. ما يزالون يرددون كلامهم وينفرون الناس من دعاة الحق .
ولقد تأثر الطفيل بن عمرو بكلام زعماء الكفار في مكة لما سبق أن استقر لهم من مكانة وسمعة عالية بين العرب باعتبار أنهم جيران الحرم وحراس المشاعر المقدسة حتى بلغ به الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إلى حد أنه سد أذُنيه بالقطن حتى لايسمع نداء الحق .
وإذا كان الطفيل قد سد أذنيه حقيقة فما أكثر من فتحوا آذانهم ولكنهم سدوا منافذ فكرهم وعطلوا عقولهم فأصبحوا يسمعون صوت الحق ليل نهار فما يوقظ فيهم ضمائر ولايُحْيي فيهم مواتًا .
ولكن هل استطاع الكفار أن يحولوا بين الناس وسماع دعوة الحق ؟
إنهم لم يستطيعوا ذلك لأن صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أقوى من أصواتهم , ووسائلَه في التبليغ كانت أبلغ من وسائلهم , وثباتَه على مبدئه السامي كان أعلى بكثير مما كان يتوقعه أعداؤه.
فالشيء الذي يجب أن يفكر به الدعاة وأن يجابهوا به الأعداء هو تطوير وسائلهم في التبليغ إلى الحد الذي يفوق وسائل الأعداء في صد هذا التبليغ , لأن الحيلولة بين الأعداء والوصول إلى الناس بالتضليل أمر غير ممكن غالبًا , وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تمكن من رفع صوت الإسلام, على الرغم من قوة أعدائه وكثرتهم .
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبع في بيته , ولم ينزو في زاوية من زوايا المسجد الحرام, ليستخفي بدعوته, وليقي نفسه من سهام أعدائه المسمومة , بل إنه غامر بنفسه فكان يخرج إلى مضارب العرب قبل أن يفدوا إلى مكة , وكان يجهر بتلاوة القرآن في المسجد الحرام ليسمع من كان في قلبه بقية من حياة, وأثارة من حرية وإباء , فيتسرَّب الهدى إلى مجامع لبه , وسويداء قلبه .(/2)
وكان من هؤلاء صاحبُ هذه القصة الطفيل بن عمرو الدوسي الذي أدرك حال سماعه أن ماتلاه النبي صلى الله عليه وسلم هو الحقُّ فأعلن إسلامه , وقد هيأ له ذلك كونه متجردًا من اتباع الهوى ومتحررًا من ضغط السادة والزعماء .
فكم من إنسان في مكة آنذاك يدرك أن مايدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحقُّ الذي لامرية فيه, ولكن يمنعه من اتباعه وقوعه تحت ضغط الطغاة الذين يهددونه في حياته أو في مصالحه الدنيوية .
وكان إيمان الطفيل قويَّا إلى الحد الذي تخطى به مجرد الالتزام الشخصي بتطبيق الإسلام , إلى الانطلاق به ودعوة قومه إليه فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام .
وكم من مسلم يظل عمره كله في مرحلة الالتزام الخاص ولايتحول إلى الدعوة , وهذا مظهر من مظاهر ضعف الإيمان إذا كان ممن تعينت عليهم الدعوة , ويكون الوضع منكرًا ومزريًا حينما يتخلى عن الدعوة من ينتسبون إلى العلم الديني مع احتياج الساحة الإسلامية إليهم , بل إن تخصصهم في هذا المجال وبعدهم عن الدعوة فيه شيء من التناقض , وقد يُعدُّون بواقعهم هذا فتنة للناس ومدعاة للصدود عن الدعوة .
أما حينما تكون الدعوة فرض كفاية على المسلم فإنه حينما يتخلى عنها يكون قد حرم نفسه من باب كبير من أبواب الخير .
وإن ما أجرى الله تعالى على يدي الطفيل من هذه الكرامة حيث أضاء له طرفُ سوطه واستجاب الله دعاءه يعدُّ كرامة لهذا الولي رضي الله عنه ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا له بذلك, وقد قدر الله تعالى وقوع ذلك لدعم الدعوة الإسلامية وتثبيت الدعاة .
وحين مارس الطفيل دعوته فلم يستجب له غالبية قومه أصابه شيء من اليأس منهم , فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوهم ويطلب منه أن يدعو عليهم , ولما كان ذلك من التعجل في الحكم على المدعوين واستظهار نتائج الدعوة المنافي لما تتطلبه الدعوة من الصبر والأناة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجابه بضد ماطلب حيث دعا لهم بالهداية , وهذا يعدُّ من أمثلة اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بالتأني والصبر إلى جانب اتصافه بالشفقة والرحمة والرغبة العظيمة في هداية الناس .
كما أن في عدم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك الكفار ودعائه لهم بالهداية دليلاً على أن الأصل في هذا الموضوع هو تغليب جانب الرحمة بالكفار والدعاء لهم بالهداية , وأن الدعاء على الكفار إنما يكون على المحاربين منهم إذا حصل منهم الأذى على المسلمين . فيكون الدعاء عليهم لينقطع أذاهم عن المسلمين , لا لأنهم كفار , أما المسالمون من الكفار فلا يشرع الدعاء عليهم , لأن مصلحة المسلمين في إسلامهم لافي إصابتهم في دنياهم , وإذا كانت حكومات الكفار محاربة للمسلمين وشعوبها مسالمة فإن الدعاء يكون على تلك الحكومات وجيوشها ومن لهم إعانة على أذى المسلمين فقط .
وإن ماذكره الطفيل من توغل قومه في الزنى والربا , وأن ذلك منعهم من الدخول في الإسلام يعدُّ واقعًا ملموسًا في حياة الناس , حيث إن الوقوع في الشهوات المحرمة يترتب عليه قسوة القلوب وانغلاق منافذ الفكر أحيانًا بحيث لايحب المصاب ذلك سماع دعوة الحق التي ستحول بينه وبين الاستمرار فيما هو متوغل فيه من المعاصي .
ولذا فإن مما يختصر الطريق على الدعاة ويعينهم كثيرًا على الوصول إلى قلوب الناس أن تُبذَل جهود مكثفة للحيلولة بين الشباب والوصول إلى مواقع الفتنة , وذلك بإزالة معالم الجاهلية المتمثلة بدُور البغاء والملاهي المحرمة , وحانات الخمور ومعاقل الربا ونحو ذلك من مظاهر الجاهلية .
هذا وإنّ امتناع قوم الطفيل عن الإسلام لأنه يمنعهم من الربا والزنى دليل على أنه كان في حس أهل الجاهلية وشعورهم أن دخول الإنسان في الإسلام يعني التزامه حالاً بأحكامه , وامتناعه من المنكرات المحرمة , ولم يكن في مفهومهم أن يدخل الإنسان في الإسلام ثم يستمر في ممارسة ما كان يمارسه من الشهوات المحرمة , وإنهم بذلك أعظم فهمًا للإسلام من عصاة المسلمين الذين يجمعون بين إعلان الإسلام والإصرار على المنكرات التي نهى الله تعالى عنها .
وحينما كثر المؤمنون من قوم الطفيل ورأى أنه قادر على إزالة الرمز الأكبر للجاهلية في بلاده وهو صنم "ذي الكفَّين" استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يزيله فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يبين أهمية ذلك وضرورته.
------------------------
([1] ) يعني من العداوة والإيذاء .
([2] ) وفي رواية أنهم قالوا : "إنك امرؤ شاعر سيد " – سير أعلام النبلاء 1/345 .
([3] ) كرسفًا : يعني قطنا , وفرقًا : بفتح الراء يعني خوفًا .
([4] ) الثنية : المكان المرتفع .
([5] ) يعني أهل بلده .
([6] ) يعني زوجته .(/3)
(1) قال ابن هشام : ويقال حمى ذي الشرى , وقال السهيلي : وهو موضع حموه لصنمهم ذي الشرى , فإن صحت رواية ابن إسحاق فالنون قد تبدل من الميم كما قالوا : حُلان وحلام للجدي , ويجوز أن يكون من حنوت العود , ومن مَحنِيَّة الوادي وهو ما انحنى منه – الروض الأنف 3/376 - .
([8] ) وفي رواية أخرى " الزنى والربا " – سير أعلام النبلاء 1/346 .
([9] ) سيرة ابن هشام 1/401 .
([10]) البداية والنهاية 3/98 .
([11]) صحيح البخاري رقم 2937 ( 6/107) كتاب الجهاد , صحيح مسلم , فضائل الصحابة , رقم 2524 ص 1957 , مسند أحمد 2/243.(/4)
مثل من مساومة أهل الباطل وإصرار أهل الحق
لقد حرص زعماء الكفار على التأثير على النبي صلى الله عليه وسلم ليترك دعوته أو ليتنازل عن بعضها مما يريدون منه , فمارسوا معه من أجل ذلك أنواعًا من الأذى , وجربوا معه ومع أتباعه فتنة التخويف, فلما لم ينجحوا في التأثير عليه تحولوا إلى فتنة التأليف فحاولوا مساومته بأنواع من المغريات الدنيوية في مقابل التنازل منه عما يغيظهم من دعوته.
وقد اجتمعوا يومًا فتشاوروا في أمره , واستقر رأيهم على إرسال واحد منهم لمحاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإغرائه بالمغريات المادية التي يتنافس الناس عليها عادة من أجل أن يتنازل عن تصلبه في دعوته , وأن يترك التعرض لأصنامهم وما استقر عليه أمرهم مما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم .
وقد انتدب لهذا الأمر عتبة بن ربيعة , وهو معروف عندهم بالحلم والتعقل .
أخرج الإمام البيهقي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال أبو جهل والملأ من قريش : لقد انتشر علينا أمر محمد فلو التمستم رجلاً عالمًا بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره .
فقال عتبة : لقد سمعت بقول السحرة والكهانة والشعر وعلمت من ذلك علمًا , ومايخفى علي إن كان كذلك , فأتاه , فلما أتاه قال له عتبة : يامحمد أنت خير أم هاشم, أنت خير أم عبد المطلب , أنت خير أم عبد الله ؟ فلم يجبه .
قال: فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا ؟ فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا مابقيت , وإن كانت بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت, وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ماتستغني بها أنت وعقبك من بعدك , ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لايتكلم .
فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (حم)(تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ)(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ)(الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) [فصلت 1- 13]
فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه , ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم .
فقال أبو جهل : يامعشر قريش والله مانرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه, وماذاك إلا من حاجة أصابته , انطلقوا بنا إليه , فأتوه فقال أبو جهل: والله ياعتبة ماحسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره , فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا مايغنيك عن طعام محمد ,فغضب وأقسم بالله لايكلم محمدًا أبدًا .
قال : ولقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً , ولكني أتيته – فقص عليهم القصة – فأجابني بشيء والله ماهو بسحر ولا شعر ولاكهانة , قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)حتى بلغ – (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)
فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف , وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب ([1]) .(/1)
وأخرج ابن إسحاق في السيرة من خبر محمد بن كعب القرظي وذكر نحوه , وجاء في آخره: فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به , فلما جلس إليهم قالوا : ماوراءك يا أبا الوليد ؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ماسمعت مثله قط , والله ماهو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة , يامعشر قريش أطيعوني واجعلوها بي, خلوا بين هذا الرجل وبين ماهو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم , فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم , وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به , قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه , قال: : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم ([2]) .
وهكذا قام عتبة بمحاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤثر عليه في التخلي عن دعوته أو ليخفف منها, فأتاه وناقشه وأراد أن يحرجه بالمفاضلة بينه وبين آبائه فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يريد هدايته كما أن عتبة يريد إضلاله , فلو أجابه بالحكم على آبائه بالضلال لنفر منه , فكانت الحكمة تقتضي عدم الإجابة على سؤاله .
لقد كان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لعتبة : بل أنا أفضل من أبي وسائر أجدادي, ولو قال ذلك لم يَعْدُ الحقيقة لأنه سيد الخلق أجمعين , ولكنه بانشغاله بهذا الحوار الجانبي يتيح لعتبة فرصة الهجوم المضاد الذي يدفع إليه ماتوارثه المشركون من تقديس الآباء والأجداد , وبذلك تضيع الفرصة الذهبية التي قصد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من محاولة هداية عتبة , خصوصًا وأنه قد جاء وحده وكلُّه رغبة في الوصول إلى تغيير الوضع القائم آنذاك .
ولو أنه صلى الله عليه وسلم أثنى على آبائه بما فيهم من صفات الخير من غير أن يفضلهم على نفسه لم يكن قد جاوز الحقيقة , ولكنه في ذلك يتيح الفرصة لعتبة لإلزامه بما يترتب على ذلك من اتباع دينهم, وهذا هو الأمر الذي استبعده النبي صلى الله عليه وسلم , فكان يريد إغلاق هذا الباب لينتقل إلى ما أراده من دعوته إلى الهداية .
وقد يقال : إن عدم الإجابة يعدُّ اعترافًا بالعجز , ولكنه في الحقيقة غير ذلك لأن عدم الإجابة في مثل هذا الحوار يعني أن السؤال لايستحق الإجابة لأنه ليس في صميم الموضوع , وهكذا فهم عتبة لمَّا أعرض عن متابعة لوازم ذلك السؤال وانتقل إلى سؤال آخر .
وفي هذا توجيه حكيم للداعية الذي يبتلى بالحوار مع الكفار وأشباههم ممن ينتسبون إلى الإسلام وهم يحاربون دعوته ودعاته , وذلك بأنه يشرع له أن لا يكون صريحًا معهم في إجاباته كلها, وأن لايلتزم بيان الحقيقة في الأمور الجانبية التي لاتشتمل على كتمان الحق , وهي في الوقت نفسه تؤثر على حواره معهم ومستقبل دعوته , بل يُطلب منه أن يتجاوز هذه الأمور بما تقتضيه الحكمة وتقديرُ الموقف , ليخلص إلى صلب الموضوع الذي انبثق عنه الخلاف وعقد من أجله الحوار.
بل إن في هذا توجيهًا للدعاة في الحوار الذي يجري بينهم حيث يتجه بعض قصار النظر إلى إشغال ساحة الدعوة بالمفاضلة بين قادة الدعوة , فينتج عن ذلك تتبع لأخطائهم وتشويه لسمعتهم, مما يزيد من شقة الخلاف الدائر بين أتباع أولئك القادة , ويُشغِل عن بحث أمور المسلمين المهمة التي يجب أن يجتمع عليها الدعاة .
وبِغضِّ النظر عن الفارق الجوهري بين المشبه والمشبه به من حيث كونُ طرفي المفاضلة في المشبه من المسلمين , وكونُ أحد الطرفين في المشبه به من الكفار , فإن النتائج المترتبة على انتقاص بعض قادة الدعوة تؤدي إلي مايشبه النتائج التي أرادها عتبة بن ربيعة في حواره المذكور .
ولما أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة عتبة على الأسئلة المذكورة أدرك عتبة أنه قد أساء الأدب بإحراج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك , وعتبة إنما جاء سفيرًا عن قريش ليصل إلى أي حل يخفف من شدة الخلاف الدائر بينهم وبين المسلمين , وكونه يواجَهُ بالصمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدُّ هزيمة له أمام الملأ من قريش , فلهذا ضرب صفحًا عن ذلك الحوار , ولم يحاول إلزام النبي صلى الله عليه وسلم بنتيجته مع مالاح في الأفق من مظاهر نجاحه المتخيلة .
وانتقل عتبة حالاً إلى عرض مافي جعبته من تلك العروض المغرية من المال والرئاسة وماشاء من الشهوات في مقابل أن يتخلى النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته أو أن يفاوض المشركين في البقاء على دعوة لاتؤثر على دينهم الذي يقدسونه .
وهكذا عرض عتبة بن ربيعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العروض المغرية , فماذا كان جوابه عليه؟
لقد كان جوابه بتلاوة آيات من كتاب الله تعالى كان لها الأثر الحاسم في إنهاء الحوار لصالح الإسلام .
وقد كان عتبة موصوفًا بالحلم والحكمة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمل في إسلامه بعد سماع الآيات القرآنية .(/2)
ولقد تأثر عبتة من سماع كلام الله تعالى حيث وصف القرآن الذي سمعه بقوله "قد سمعت قولاً ماسمعت مثله قط , والله ماهو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة" فأثبت أن القرآن لامثيل له, وهذا اعتراف منه بأنه ليس من كلام البشر , ثم نفى التهم الثلاث التي ألصقها قومه برسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا القرآن بها .
وكان في كمال عقله وإدراكه حينما أشار على قومه بترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأنه في الدعوة, وإثبات أن عزه يعدُّ عزّا لقريش فيما إذا نجح في دعوته وساد العرب .
وهكذا حينما كان عقلاء قريش يرجعون إلى عقولهم يدركون عظمة هذا الدين وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتميز ماجاء به من الوحي على كلام البشر , ولكنهم سرعان ماتغلبهم عواطفهم وأهواؤهم المنحرفة فينطقون بكلام لايعتقدون بقلوبهم محتواه , وإنما يدفعهم إليه الحسد والهوى المنحرف .
وفي هذا الخبر مثل من نجاح النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار الآيات المناسبة للمقام , كما أنه مثال لقدرته الفائقة في التأثير على السامعين بتلاوته كتاب الله تعالى حيث يتلوه بكل مشاعره وأحاسيسه وهو يستحضر عظمة الله تعالى الذي خاطبه وأمته بهذا القرآن العظيم .
وهكذا ينبغي للدعاة أن يهتموا باختيار النصوص المناسبة وأن يعرضوها بقلوبهم مع ألسنتهم مستحضرين عظمة الله تعالى وجلاله حتى يكون أبلغ في التأثير على المخاطبين .
لقد تأثر عتبة بسماع القرآن ومال إلى الإسلام ولكن أبا جهل عرف كيف يؤثر عليه بلمزه من الجانب الذي ينفره من الإسلام , فهو ممن يعتز بسمعته وجاهه , فاتهمه أبو جهل بأنه مال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن يصيب من طعامه , وكان ذلك كافيًا لإحداث أثر مضاد للأثر الأول, فأخذته الحَمِيَّة وأقسم أن لايكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهكذا رأينا في تصرف أبي جهل مثلاً من أمثلة الكيد والمكر التي يتقنها أعداء الإسلام ويخططون لها , حيث إنهم يقومون بدراسات دقيقة لمعرفة مداخل النفوس وإدراك مواطن الضعف فيها ليدخلوا إلى الإنسان من هذه المواطن .
ولما لم تُجْد محاولة عتبة بن ربيعة ولم تصنع شيئًا مما أراده زعماء مكة من صرف النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته بتلك المغريات اتفق رأيهم على عقد اجتماع لمجموعة منهم ليقوموا جميعا بحوار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع .
ذكر ذلك محمد بن إسحاق ثم قال : فبعثوا إليه : إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك , فأتِهم .
فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعًا , وهو يظن أن قد بَدَا لهم فيما كلّمهم فيه بَدَاءٌ ([3]) , وكان عليهم حريصًا يحب رشدَهم ويعزّ عليه عَنَتُهم ([4]) حتى جلس إليهم , فقالوا له : يامحمد , إنا قد بعثنا إليك لنكلّمك , وإنا والله مانعلم رجلاً من العرب أدْخل على قومه مثلَ ما أدخلتَ على قومك, لقد شتمت الآباء , وعبت الدين , وشتمت الآلهة , وسفّهت الأحلام , وفرّقت الجماعة, فما بقي أمرٌ قبيح إلا قد جئْتَه فيما بيننا وبينك – أو كما قالوا له – فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً , وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا ([5]) , وإن كنت تريد به مُلْكًا ملَّكناك علينا , وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه قد غلب عليك – وكانوا يسمون التابع من الجن رئيًّا – فربما كان ذلك بذلنا لك من أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه . أو نُعذِر فيك ([6]) .
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : مابي ماتقولون , ماجئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً , وأنزل عليّ كتابًا , وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا , فبلَّغْتُكم رسالات ربي ونصحت لكم , فإن تقبلوا منّي ماجئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة , وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم – أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ([7]).
هذا وإنا لنجد في هذا النص مثلاً من حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إسلام قومه حيث علم باجتماع أشرافهم فسارع إليهم ليجدد دعوتهم إلى الدين الذي فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة على الرغم مما نالوا منه من الأذى , وفي هذا دلالة على لزوم استصحاب الرغبة في هداية الناس وإن سبقت منهم مواقف مؤذية لصاحب الدعوة أو لأتباعه , لأن دعوة الإسلام لاتقوم على الرغبة في الانتقام من الأعداء , وإنما تقوم على الرحمة الشاملة بجميع الناس , والرغبة الملحة في هداية الضالين, وانتشالهم من الدرك السحيق الذي أوقعوا أنفسهم فيه .
فالداعية الحق ينظر إلى من يقومون بأذيته وتعذيبه نظرة إشفاق ورحمة , ويتمنى من قرارة قلبه أن ينقذهم من الهلاك الذي تردوا فيه وأن يحميهم من السلوك الذميم الذي ساروا فيه.(/3)
إن الداعية وهو يتلقى الأذى من المدعوين يشعر بأنه يكتسب عملاً صالحًا بالصبر على أذاهم, ولكن عليه أيضًا أن يشعر بأن الذين يقومون بإيذائه وصدِّ دعوته يكتسبون عملاً سيئًا وسيحاسبون عليه يوم القيامة , وأن يعلم أن محاولة هدايتهم عمل صالح يضاف إلى العمل السابق, فإذا صبر على أذاهم ثم قام بمحاولة هدايتهم يكون قد جمع بين عملين صالحين .
ونجد في هذا النص أن المشركين بدؤوا حوارهم مع النبي صلى الله عليه وسلم بالهجوم عليه في دعوته حيث اتهموه بشتم آبائهم وعيب دينهم , وتسفيه أحلامهم , وشتم آلهتهم وتفريق جماعتهم , وأنه اقترف معهم كل قبيح .
وهذا الهجوم يقصدون من ورائه إضعاف شخصيته وإرباك موقفه حتى يقبل منهم واحدًا من عروضهم التي سيعرضونها عليه .
وقد عرضوا عليه أمورًا ثلاثة : أحدها يتعلق بحب المال , والآخَرَين يتعلقان بحب الجاه, فعرضوا عليه أولاً أن يجمعوا له من أموالهم حتى يكون أكثرهم مالاً إن كان من الذين يستهويهم جمع المال واقتناؤه , أو أن يسودوه عليهم فيكون سيد قبيلتهم , أو أن ينصبوه ملكًا عليهم إن كان ممن يستهويهم الشرف والجاه .
وبهذا يكونون قد حققوا أعلى درجات الشرف والجاه له إن كان ممن يحبون المسؤولية, أو الغنى الكبير بدون نصب وعناء بجمع المال إن كان ممن لايحبون تحمل المسؤولية .
وهذه عروض مغرية حقًّا لأصحاب الدنيا لأن الهدف الأعلى الذي يسعى له طلاب الدنيا يتلخص في طلب المال أو الجاه أو طلبهما معًا .
وفي هذا العرض الثاني والثالث يبدي زعماء قريش استعدادهم للتنازل عن منهجهم في الحكم والسيادة من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وافق على طلبهم , وذلك أن قبائل العرب عامة لاتعرف الحكم الذي يقوم على الملك كما هو الحال في دولة الفرس والروم , وإنما كانوا يسوِّدون رجلاً منهم تجتمع له خصال الشرف التي اتفقوا عليها , وقد يسوِّدون أكثر من واحد كما هو الحال في مجتمع مكة آنذاك .
وقد عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمعوا له السيادة فيكون سيدًا على جميع فروع القبيلة بدلاً من أن يكون لكل فرع منها سيد , وإذا كان هذا لايقنعه ولايرضي طموحه فلا مانع لديهم من تمليكه عليهم بحيث يحكمهم كما يحكم ملوك الفرس والروم , وذلك أقوى في التمكين وأبلغ في الزعامة من مجرد السيادة .
هذا وإن استعداد زعماء قريش على تحمل هذا الأمر الذي يخالف ما تعارف عليه العرب آنذاك يدلنا على بعد الشقة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن انقيادهم إليه بشكل جماعي على أنه رسول من عند الله تعالى وتغيير دينهم أمر بعيد الاحتمال .
وقد سبق عرض تلك العروض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عتبة بن ربيعة , وإن كان عتبة قد أضاف عرضًا جديدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن يزوجوه عشر نسوة يختارهن من قريش , وهذا العرض في الحقيقة داخل في عرض تمليك المال حتى يكون أغنى رجل في قومه لأن صاحب الغنى يستطيع أن يحصل على مايريد من الشهوات .
هذا وإن في إعادة عرض هذه المغريات من زعماء قريش دليلاً على أنهم لم يفهموا بعدُ حقيقة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تقوم أساسًا على الزهد في الدنيا والعمل للآخرة , فإذا كان باستطاعة أولئك القوم أن يَعدوا المسلمين بالحياة السعيدة في الآخرة القائمة على الظفر بالجنة والنجاة من النار فإنهم يستطيعون التأثير عليهم .
ولكن أنَّى ذلك للمسلمين أنفسهم , بل أني ذلك للأنبياء عليهم السلام ! لأن الذي يملك ذلك الفضل الكبير هو الله تعالى وحده , وإنما مهمة الأنبياء عليهم السلام ومن اقتدى بهم من الدعاة هي أن يهدوا الناس إلى الطريق الموصل إلى هذه السعادة .
وهكذا يحاول عبثًا دعاة الباطل على مر الزمان , حيث يكررون عروضهم المغرية على الدعاة الصادقين في دعوتهم , فيخسروا بذلك وقتهم وجهدهم .
وقد يُطمعهم في الاستمرار على هذا المنهج مايرونه من سقوط بعض الدعاة في أثناء المعركة الدائرة بينهم وبين أعداء الإسلام , حيث ينجح الأعداء في تحجيم هؤلاء الدعاة وتجميد نشاطهم, أو تحويل هذا النشاط إلى عمل مضاد لاتجاه الدعوة الإسلامية .
ومما يلاحظ هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يكون ملكًا على أهل مكة, وقد يتعلق بذلك من يرى عدم ضرورة قيام الدولة الإسلامية , خصوصًا مع ملاحظة أن النبي صلى الله عليه وسلم لو تولى زعامة قريش وحلفائها لكان أعظم قدرة على بث دعوته لأنه والحال هذه يستطيع أن يفرضها من خلال سلطته وهيمنته على البلاد .(/4)
والجواب على ذلك أن زعماء قريش لم يتنازلوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن زعامتهم حقًّا , وإنما أرادوا منه أن يتنازل عن دعوته إلى التوحيد في مقابل زعامة وهمية يخضعونه بها لمبادئهم الجاهلية بينما هم لايخضعون لدعوته , والحقيقة أن الذي يحكم هي المبادئ , والرجال من وراء تلك المبادئ منفذون , فإذا بقيت مبادئهم الجاهلية – وهو المطلب الذي أصروا عليه – فهي التي تحكم, وأي زعيم ينصَّب في ظلال تلك المبادئ فإنه يكون خاضعًا لها , وهذا يعني أن يتنازل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعوة التوحيد في مقابل قبوله هذا العرض السخي في نظر أهل الدنيا , ولذلك كانت استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم أمرًا مستحيلاً .
لقد كانت تصريحات زعماء المشركين تبين استحالة أن يسندوا زعامتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بقائه على كامل دعوته , ومن ذلك ماسبق في خبر أبي جهل من قوله :"تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف , أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا , حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفَرسَي رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه ؟ " .
فهذا دليل على أن المطلب الكبير الذي يتنافسون عليه هو السيادة على مكة , ولكنهم مع هذا أبدوا استعدادهم للتنازل عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو تخلى عن دعوته أو بعض مايدعو إليه , أما في حال إصراره على دعوته إلى التوحيد فإن تنازلهم له عن ذلك يكون أمرًا مستحيلاً .
أما قيام الدولة الإسلامية فإنه أمر ضروري لقيام الدين عند القدرة على ذلك , ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام في المدينة يوم أن هاجر إليها وأصبح قادرًا على ذلك , وكونه رفض السلطة الوهمية التي عرضها عليه زعماء مكة لايعني عدم اهتمامه بإقامة دولة الإسلام , وإنما كان هذا السلوك منه تسديدًا من الله تعالى له , وفهمًا ثاقبًا منه لمقاصد الكفار الماكرة التي أرادوا بها أن يقضوا على دعوته .
ثم إنهم بعد هذه العروض الثلاثة عرضوا عليه أن يبذلوا المال في طلب الطب له إن كان الذي حمله على مخالفة قومه والإصرار على ذلك تأثر ضاغط بسبب هيمنة الجن عليه .
وكأنهم يقولون له إن لم تكن أهدافك من هذه المخالفة أن تصبح أغنى رجل في قومك , أو أن تكون لك السيادة المنفردة عليهم جميعًا فإنه لايتصور أن يدفعك إلى دعوتك تلك إلا الانقياد القسري لأصحاب الهيمنة من الجن , ومن هذا المنطلق اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون كما سبق .
هذا وعلى الرغم من كون تلك العروض الثلاثة مغرية جدَّا خاصة العرض الثالث الذي سيجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك الوحيد في بلاد العرب .
وعلى الرغم من كون المقابل لذلك فيما إذا رفض تلك العروض أن يكون متهمًا بين قومه بالجنون فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد رفض بكل إباء وعزة جميع تلك العروض المغرية وأصر على لزوم دعوته التي اجتمع أولئك الزعماء من أجل القضاء عليها .
لقد كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب المستسلم لأمر الله تعالى الثابت على مبدئه السامي حيث قال لهم : "مابي ماتقولون وماجئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم , ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل علي كتابًا , وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا , فبلَّغتكم رسالة ربي ونصحت لكم , فإن تقبلوا مني ماجئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة , وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " .
وهذا الكلام يعدُّ نهاية الاستسلام لله عز وجل وغاية التوحيد , حيث أشعرهم بأنهم إن أظهروا شيئًا من التحدي والتعجيز فإنما يواجهون الله تعالى بذلك , فالحرب حقيقةً قائمة بينهم وبين الله تعالى , ولن يفلح من جعل نفسه في مواجهة مع الله جل وعلا , فالأمر لله تعالى وحده من قبل ومن بعد , وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم مبلِّغ عن الله تعالى ومنفذ لشريعته على الوجه الأكمل, فليس طالب دنيا ولا طالب جاه , ولايملك أن يتنازل عن دعوته ولا بمعشار ماطلبوه منه ولا بما هو أقلُّ من ذلك, لأنه ليس مستقلاً بهذا الأمر حتى يفاوض عليه حسب مايمليه عليه اجتهاده المصلحي , وإنما هو رسول مبلغ عن الله تعالى منفذ لشريعته .
وفي هذا درس بليغ لأهل العلم الديني الذين يواجَهُون بشيء من التحدي والعداء من الكفار والمنافقين , والذين يضع المسلمون ثقتهم بهم في فهم هذا الدين وتبليغه , ليكون شعورهم وتفكيرهم حاضرًا مع الله تعالى حينما يُسألون ويجادَلون , وليكون فهمهم مقصورًا على كونهم مبلغين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشرفين على تنفيذ شريعة الله تعالى كما شرع , وأن لايداخلهم شيء من حب الظهور والتفوق الفكري غير المنضبط بشريعة الله جل وعلا .(/5)
فإذا كانوا مع الله تعالى وتصوروا أن الله معهم في معركتهم مع الأعداء , وأنه مطلع على مكنونات ضمائرهم فإن ذلك يعصمهم بإذن الله تعالى من الزلل , ويمنحهم دُفُعات من القوة والصمود في وجه الأعداء .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحاور الأعداء موصولاً حبله بالله عز وجل , ولم يكن في قلبه شعور بأي قوة في الأرض , وكان يستلهم من الله تعالى الثبات والقوة بقدر ماكان يتلقى الوحي الإلهي الذي يحاور المخالفين على قبسات أنواره .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اختُصَّ بالوحي كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن ممثلي العلم الديني لم يَعْدموا هذا النور الذي سار على ضوئه الساطع ورثة النبي صلى الله عليه وسلم على مر العصور , بل هو بين أيديهم قد اكتمل قبل لَحَاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى كما في قوله تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة :من الآية 3 ).
فما عليهم إلا أن يلتزموا بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , بعد أن يوثقوا صلتهم بالله عز وجل , وأن يَشْعُروا بحضوره معهم بعلمه في كل ندواتهم وجلساتهم , بل في كل همساتهم وخطرات قلوبهم .
هذا وإن في رفض النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار عروضهم المغريةَ من الملك والمال ردًّا بليغًا على أعداء الإسلام الذين فسروا الدعوة الإسلامية بأنها ثورة من الفقراء على الأغنياء الكبراء فلو كانت كما زعموا لكان في تحقق هذه العروض المغرية الوصولُ الكامل للمقاصد والأهداف التي دفعت إلى تلك الثورة .
ولو كانت كما زعموا لما رأينا في تلك الفئة المسلمة أغنياء في غاية الغنى والترف كعثمان بن عفان ومصعب بن عمير , ومن هم دونهم في الغني ولكنهم يفوقونهم في الشهرة والمكانة كأبي بكر وعمر , إذ أن المنطق الصحيح – لو كان الأمر كما زعموا – أن يكون هؤلاء في صفِّ أهل الغنى والزعامة القبلية .
ولقد بَيَّنَتْ أحداث الهجرة بعد ذلك الهدف السامي الذي ضحى من أجله المسلمون حيث تركوا أموالهم بمكة وهاجروا إلى المدينة ابتغاء رضوان الله تعالى والدار الآخرة رضي الله عنهم أجمعين .
هذا ولقد بدأ الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتنة الأذى والتخويف كما سبق , فلم يثنه ذلك عن عزيمته , وظل صامدًا في دعوته , فلما لم يُجْد معه هذا النوع من الفتنة تحولوا إلى فتنة التأليف , فعرضوا عليه هذه العروض الكبيرة .
وهكذا الكفار في كل زمن يحاولون فتنة دعاة الإسلام بهذين النوعين ليتحولوا عن دعوتهم , أو ليقْبَلوا المداهنة , وذلك بالتنازل عن بعض مايدعون إليه حسب مايريده الأعداء .
وإن للدعاة إلى الله تعالى لأسوة حسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يخضع لفتنة الكفار , سواء في مجال التأليف أو في مجال التخويف .
وهل عُرض على داعية أن يكون ملكًا على قومه كما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
لقد عُرض على بعض الدعاة لعاعةٌ من الدنيا فسارعوا إليها وتخلوا عن دعوتهم, أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظل ثابتًا على طريقه المستقيم ولم تخطر له الدنيا ببال.
-------------------------------------
(1) دلائل النبوة للبيهقي 2/203 , ورواه الحاكم بنحوه وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه , وأقره الذهبي – المستدرك 2/253 – 254 , وذكره الهيثمي من حديث جابر رضي الله عنه بنحوه وقال : رواه أبو يعلى وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره وبقية رجاله ثقات – مجمع الزوائد 6/19 – وحسن الشيخ الألباني إسناده – هامش فقه السيرة للغزالي /113 .
(2) سيرة ابن هشام 1/293 .
(3) أي ظهر لهم في شأنه أمر .
(4) يعني مشقتهم .
(5) نجعلك سيدًا .
(6) أي تبلغ منك العذر .
(7) سيرة ابن هشام 1/295 .(/6)
مجابهة الأفغان في القرن التاسع عشر
________________________________________
في هذا المقال يقوم بروس كولينز Bruce Collins بدراسة الصفات المميزة للنشاط البريطاني في أفغانستان إبان حكم الملكة فيكتوريا، وهذه الصفات هي: روح المغامرة، وإنزال الكارثة بالشعب الأفغاني، والانتقام المميت.
________________________________________
إن أحد الأفكار التاريخية السائدة من القرن التاسع عشر هو السلام البريطاني. فقد ساد السلام الطويل الأمد الذي امتد من عام 1815 إلى عام 1914 – مع توقف هذا السلام مرة واحدة خلال اندلاع حرب كريمان في أواسط عام 1850- روح أواصر العلاقات البريطانية مع قوى البلدان الأوروبية الرئيسية. أما بالنسبة للبلاد غير الأوروبية فقد شهدت في تلك الفترة سلسلة تدخلات بريطانية عسكرية وبحرية لايمكن الصفح عنها، اذ امتدت إلى كل جزء من أجزاء العالم. وقد أكد الجنرالات البريطانيون وقادة البحرية أن هذه التدخلات كانت ناجحة في معظم أرجاء العالم، أو على الأقل كان يبدو عليها سمة الانتصار. كانت الخبرة العسكرية البريطانية لها طابع خاص. اذ تتطلب التدخل الأول الذي حدث بدءا من عام 1838 إلى 1842 إظهار درجة عالية من الكفاءة لإدارة هذا التدخل ومن أجل إحراز النجاح الباهر، في حين أثبت التدخل الذي حدث منذ عام 1878 إلى عام 1881 أنه مكلف، على الرغم من إنجازه للهدف المنشود في نهاية الأمر. وفي كلتا المناسبتين تم الثأر للهزائم العسكرية التي حدثت، إلا أن إدارة السياسة في أفغانستان بقيت صعبة للغاية.
في عام 1837، قدم رئيس أركان الجيش البنغالي السير هنري فين Henry Fane تحليلاً رسميا مفاده أن الحدود الغربية والشمالية الغربية للهند البريطانية كانت آمنة بشكل تام ، وتغطي الصحراء الهندية الكبرى أو صحراء الثار جزءً منها ابتداء من البحر إلى فيروزبور Firuzpur على نهر سوتليج Sutlej. وتقف جبال الهيمالايا التي لايمكن اختراقها في نهاية الطرف الآخر. أما الجهة الوحيدة المكشوفة لتلك الجبال فهي تمتد على مسافة 120 ميلاً ابتداء من فيروزبور وحتى أعالي نهر سوتليج.
وعلى الرغم من صعوبة انقضاء عقد من القرن التاسع عشر دون حدوث بعض الحملات على الحدود التي كان لها تأثير على الجهات المتاخمة للهند البريطانية، إلا أن حاميات الحدود المنيعة قد ضمنت الأمان لهذه الحدود وأدت إلى تحسين قنوات الاتصال للقواعد الرئيسية للهند البريطانية وعملت على إقامة علاقة ودية مع البنجاب عبر نهر سوتليج، إلا أن هذا الانطباع قد تلاشى في غضون سنة.
لقد نشأ التدخل البريطاني في أفغانستان من جراء المخاوف البريطانية المتزايدة من الأطماع الروسية في آسيا الوسطى، فقد قامت روسيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بالتوسع السريع لإمبراطوريتها في آسيا الوسطى، وبحلول عام 1830 قامت روسيا بالاستيلاء على أورال سك و تورغي وأجزاء من أكمولنسك. وقبيل حلول عام 1878 تجاوز الروس في استيلائهم على الأراضي ووصلوا إلى جنوب تركستان حيث استولوا على سمرقند وبخارى وسيميرشي. لقد كان تهديد النفوذ الروسي في آسيا الوسطى وما يمكن أن يكون له من تأثير على الرأي السياسي الهندي من ضمن المخاوف البريطانية الرئيسية. إذ قامت بريطانيا بإحكام إغلاق الهند بشكل فعال لمنع أي تغلغل بحري من قبل الخصوم الأجانب، ولكن هل من الممكن أن تكون الحدود الشمالية الغربية عرضة لأحداث من المحتمل أن تشجع الأمراء الهنود على تحدي الحكم البريطاني؟ أدرك معظم صناع السياسة أنه مهما أنجز خلال التطورات التجارية والتأسيسية، ومن خلال التحسينات الإنسانية والتعليمية والدينية، أن الحكم البريطاني اعتمد بصورة كلية على القوة العسكرية. لقد تنامى الاستياء إزاء الحكم البريطاني تحت حكم الراجا. وقررت الحكومة في الهند أن بذل روسيا لأي جهد سياسي في أفغانستان يشكل تهديدا غير مباشر حيال وحدة الدولة الإنجليزية-الهندية.(/1)
لقد تطلبت عملية إذعان الحكام الهنود للحكم البريطاني-ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر وما بعده- وكذلك تحويلهم إلى رعايا أرستقراطيين،تطلب اللجوء إلى عمليتي القسر وشن الحرب للقيام بذلك. وعلاوة على هذا، يعتقد البريطانيون أنهم يمكنهم – وبشكل متكرر- إعادة تعيين الحكام الآسيويين بكل سهولة. فقد حاولوا التدخل بالشؤون الأفغانية وهم يجهلون تجاهلا نسبيا أحوال الأفغان. وقد أجري في عام 1830 أول اتصال بريطاني شبه رسمي بالمدن الأفغانية الشرقية الرئيسية. ففي مطلع القرن التاسع عشر تركزت الاهتمامات الدبلوماسية على العلاقات الفارسية مع منطقة الحدود الغربية. وفي عام 1838 بدا واضحاً أن أمير أفغانستان دوست محمد يتلاعب بفكرة الانحياز إلى روسيا، فقررت بريطانيا حينئذ إبداله. وكان في مخيلتهم الأمير الأفغاني العجوز السابق شجاع الملك الذي أمضى ثلاثين عاماً منفياً في الهند. وكانت الإمبراطورية الأفغانية خلال القرن الثامن عشر قد تكونت من كبار الأسياد الرئيسيين. وكانت حركة تطور الاقتصاد ضعيفة للغاية، وتميزت تلك الفترة بوضع تجاري محدد نسبياً، إذ غالباً ما كان الحكام الأفغانيون يعتمدون على الغارات العسكرية التي يشنونها على الأراضي المجاورة وبالأخص الأراضي الواقعة شمال غرب الهند وذلك من أجل الحصول على غنائم عينية جاهزة من خلال عمليات السلب المنتظمة. وفي بداية القرن التاسع عشر نشأت منافسة حادة حول السلطة بين عشيرتين متنازعتين وهما سودسي و ركوزي اللتان تنحدران من قبيلة الدورانية[1] التي كان أميرها أحمد شاه. وقد ادعى العشرات من الحكام المتخاصمين من أتباع كلتا العشيرتين الحق لتولي السلطة. وقد استطاع اشجاع الملك أن يضع يده على الحكم وذلك عندما قام بالإغارة على بلده في عام 1834، إلا أنه هزم في معركة بالقرب من قندهار من قبل دوست محمد.
كان الحاكم العام اللورد أوكلاند يرى بأنه يمكن تغيير الحكم بسهولة في كابل، فلا شيء يخيف من القيام بذلك.
وقد افترض البريطانيون خطأ بأن وجود حليف محلي يمكن أن يكون بمثابة المساعد لهم لدى القيام بأي عمل عسكري قد ينشأ من جراء تدخلهم. وخلال صيف عام 1838 كان متوقعاً من حاكم البنجاب السيخي رانجيت سنج أن يقدم دعماً كبيراً للقوات التي ستدخل إلى أفغانستان ، إلا أن رانجيت رفض المشاركة في تقديم الدعم. وبدلاً من أن تزود بريطانيا الجيش السيخي بـ 5000 جندي كمساعدة لهم، وجدت نفسها أنها ملزمة بإرسال 1400 جندي من الهند البريطانية نفسها.
وعوضا عن عبور نهر سوتلج ومن ثم البنجاب والتوجه إلى كابل من بيشاور من خلال ممر خيبر، أجبِرت القوات البريطانية إلى سلوك طريق غير مباشر إلى قندهار. وللبدء في القيام بالحملة في ديسمبر عام 1838، قامت القوات البريطانية الرئيسية، والتي كانت مرابطة في فيروزبور، بقطع مسافة 1000 ميل وذلك في مدة 135 يوماً، ولم تحدث أية معارك في طريقهم إلى قندهار، إلا أن القوات كانت تصارع أوضاع الصحراء القاسية ،ومعابر الجبال الوعرة، ونقص الطعام، والحرارة الشديدة والماء الذي تعمِّد تلويثه، وكذلك التهديد المستمر لغارات رجال القبائل الجبلية. وقد تحدث أحد الضباط عن الحرارة والغبار، ورياح الصحراء، وأسراب الذباب الكبيرة والرائحة النتنة للبعير النافقة. كانت رائحة المعسكر تماثل رائحة المقبرة، فلا يستطيع أحد أن يمشي ثلاث خطوات داخل المعسكر دون أن يرى رجلا ميتاً أو حيواناً نافقاً أو على وشك الهلاك.
ولدى وصولها إلى قندهار أمضت القوات البريطانية حوالي شهرين، وذلك بالتعاون مع قوات شجاع الملك، بالإضافة إلى حوالي 38000 من أتباع المعسكر والخدم، محاولةً استجماع قواتها أثناء حشد الإمدادات العسكرية. وقد جرى تنصيب شجاع الملك كأمير. وكانت المرحلة التالية عبارة عن التوجه من قندهار إلى كابل لمسافة قدرها 310 أميال. وقد جرت في الطريق المعركة الوحيدة للحملة العسكرية التي دامت ثمانية أشهر، وذلك في المدينة المحصنة غزنة. وقد استمرت المعركة أكثر من ساعة بقليل. وكان لزاما على البريطانيين الذين لم يجلبوا معهم أسلحة ثقيلة أثناء زحفهم عبر الوادي الرئيسي لشرق أفغانستان، أن يشقوا طريقهم إلى غزنة عن طريق القيام بهجوم جريء حدث في الفجر. ثم قاموا بتفجير إحدى بوابات المدينة بواسطة 300 ليبرة من مسحوق الرصاص، وبعد ذلك أرسل فريق هجومي مؤلف من عدد قليل من فرقة المشاة الأوروبية . وقد حصل هذا الفريق على الدعم اللازم في الوقت المناسب. وكما هو الحال في مسألة الحملات الاستعمارية، فقد اعتمد نجاح العملية على السرعة والجرأة وارتجالية وتحمل المخاطر الكبيرة للأقلية المميزة في القوات الموجودة.(/2)
وفي نهاية عام 1839 كانت بريطانيا واثقة بأن أهدافها السياسية قد تحققت، فقد نصب شجاع الملك أميراً للبلاد وهرب دوست محمد، وانسحبت قوات الحملة، إلا أنه بقي وجود بريطاني هام فيها. ومع ذلك تزايدت صعوبة تحدي إيجاد وإبقاء حكم مستقر في أفغانستان. فزعماء القبائل المستقلون لم يقبلوا بحكم شجاع الملك. وقد أدى حماس الناصحين البريطانيين، بشأن القيام بإصلاحات إدارية وسياسية، إلى حدوث تغييرات في زيادة الإيرادات والامتيازات و النفوذ الممنوحة للزعماء المحليين في كابل، وأدى هذا إلى إثارة المعارضة. وبحلول شهر أيار/مايو من عام 1841، نشرت بريطانيا ستة عشر ألف جندي في أفغانستان وفي الطرق المؤدية إليها مباشرة، كما نشرت تسعة آلاف جندي في الطريق الممتد من كراتشي إلى كويتا. وازدادت حدة العداء حيث امتعض الزعماء المحليون من شن الغارات البريطانية على الوديان المستقلة، حيث ساهمت تلك الغارات في القضاء على المحاصيل الزراعية ومهاجمة الحصون الصغيرة. وامتعض الزعماء المحليون كذلك من الانتشار الواسع للقوات الهندية في بلد مسلم، لا سيما أن الأفغان كانوا بمثابة الوسيط بشأن مصير هندوستان في القرن الثامن عشر.
كذلك برز مزيد من النزاعات نتيجة الزيادة الحادة في أسعار السلع الأساسية و وجود أعداد كبيرة من الجيوش الأجنبية، ورغبتها في شراء البضائع. وقد أدت الإصلاحات في تنظيم الجيش الأفغاني إلى تخفيض هائل في نسبة المدفوعات السنوية التي تقدم إلى قبائل غيلزاي المسيطرة على الطريق ما بين جلال آباد وكابل. فكانت ردة فعل هذه القبائل أن قامت بمهاجمة قافلة كبيرة كانت متجهة من جلال آباد إلى كابل وذلك في أكتوبر عام 1841. وقد حدث هذا الهجوم عندما كان البريطانيون يخططون للانسحاب الرئيسي. وخلال فصل الخريف، قاد اللواء السير روبرت سيل Robert Sale قائد جبهة القتال في غزنة في السنتين الأخيرتين الفريق العسكري البريطاني متجهاً من كابل إلى جلال آباد حيث مكان المعارضة، لفتح الطريق المباشر للانسحاب. إلا أن البريطانيين في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1841 فقدوا السيطرة على سير الأحداث في كابل. فقد هاجمت جماعة من الغوغائيين المقيم البريطاني السير الكسندر بيرنز Alexander Burnes وأردته قتيلاً. ثم قامت القوات القبلية المجندة بالاستيلاء على حصن المفوضية. وخلال تردد البريطانيين في ردة فعلهم إزاء هذا الهجوم ، انضم عدد من زعماء القبائل إلى التمرد.ووصل الأمير المخلوع محمد أكبر نجل دوست محمد إلى العاصمة وتولى قيادة فرق التمرد. وحاول المبعوث البريطاني المتقاعد السير وليام ماكنوغتين William Macnaughten إجراء مفاوضات تسوية معه إلا أنه قتل وقطعت أوصاله في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر. وإزاء هذا الاضطراب المتزايد، توصل القائد البريطاني اللواء وليام إيلفنستون William Elphinstone إلى عقد اتفاق مع ثمانية عشر زعيم قبيلة أفغانية بارزين، ونصت هذه الاتفاقية على أن يضمن زعماء القبائل سلامة الحاميات البريطانية. وفي السادس عشر من شهر كانون الثاني/يناير عام 1842، غادرت كابل القوات البريطانية المؤلفة من 4500 جندي معظمهم من الجنود الهنود (السباهيين)[2] الذين كانوا يخدمون في الجيش البريطاني، ومعهم كذلك أكثر من 12000 من الموالين والخدم وأتباع المعسكر، وقام روبرت سيل وقتئذ بتأسيس موقع دفاعي في جلال آباد عبر الطريق المؤدي إلى البنجاب.(/3)
إن الانسحاب البريطاني من كابل إلى جلال آباد قد أدى إلى وقوعهم في أسوء نكسة مرعبة في تاريخ حروب الإمبراطورية البريطانية. وخلال أيام عديدة دق ناقوس الخطر على القوات المنسحبة بسبب شدة البرد، الذي كان مهلكاً ومميتاً، و نفاذ الطعام والمؤن ،وكذلك بسبب كمائن رجال القبائل المسيطرة على أعالي الممرات الجبلية الصخرية الضيقة. وقد أدت الإصابة بالعمى الثلجي وقضمة الصقيع إلى عدم مقدرة المقاتلين من استخدام أسلحتهم، وأخذ الجوع ينخر بجميع القوات. وفي صبيحة اليوم الخامس ازداد عدد الجنود الذين كان بإمكانهم الحركة إلى عشر العدد الأصلي للجنود وهو 4500 جندي. وفي اليوم الثاني عشر من شهر كانون الثاني/يناير، هاجم الأفغان بقوة عدداً قليلاً من الجنود البريطانيين في ممر جاكدولاك واستطاعوا في اليوم التالي من خلال نصب كمين القيام بعملية مزعجة في ممر كوندامك. وتم سجن الكثير من البريطانيين، أما البقية فقد قتلوا ومن ضمنهم 18 ضابطاً.. وكان من بين الذين نجوا من هذه المحنة من القوة الرئيسية أوروبي واحد نفذ بجلده وهو الطبيب الجراح وليام برايدون William Braydon الذي وصل إلى جلال آباد وهو يعرج، وذلك في الثالث عشر من كانون الثاني/يناير. وقام [الجنود] في حامية سيل بالنفخ بالبوق طوال تلك الليلة معلنين ضرورة الحضور إلى الحامية آملين من وراء ذلك أن يأتي الناجون إليها، إلا أنه لم يأت أحد، ولم يعرف بالتحديد عدد الذين قتلوا ، إلا أن عددا كبيرا من قوات الحامية وأتباعها قد هلكوا. فالبعض منهم كان على قيد الحياة لفراره أو لأنه أصبح سجيناً. ولربما تجاوزت حصيلة المفقودين أكثر من اثني عشر ألف جندي.
وعلى الرغم من الكارثة الإنسانية المروعة التي حلت بالبريطانيين، إلا أنهم استطاعوا الحفاظ على بعض القوى العسكرية الرئيسية. فقد بقيت قوة قوامها سبعة آلاف وخمسمائة جندي في قندهار ( وهو عدد فاق كثيرا عدد الجنود المفقودين خلال الانسحاب من كابل). وقد وصلت إمدادات عسكرية ضخمة إلى بيشاور في مملكة السيخ وذلك في مطلع شهر فبراير 1842. وقد صمدت قوات الحامية سيل في جلال آباد ونجت من كارثة نقص الغذاء ومن هجمات الأفغان إلى أن وصلت قوات بيشاور للإغاثة- التي قدمت عبر ممر خيبر – للبلدة في 16 نيسان/أبريل ومعها 15 ألف جندي بريطاني.
إن الدفاع عن جلال آباد قدم رمزاً بطولياً للمرونة والمقاومة البريطانية، وكان بمثابة المقاومة الأساسية إزاء عدم الكفاءة العسكرية التي أدت إلى دمار كابل. كما أنها عملت على إيجاد الدافع إلى إرسال حملة تأديبية إلى عاصمة أفغانستان. فقد انتشرت قوات بريطانية من جلال آباد إلى الأودية المجاورة لمعاقبة القبائل المحلية. وقام البريطانيون بهدم القلاع، وحرق القرى، واقتلاع جذور الأشجار (التي هي عنصر هام للاتقاء من حرارة الصيف الشديدة )، حتى تذبل الأشجار وتموت. وجرى تبرير هذا الفعل البريطاني بأنه رد على دهاء الشعب الأفغاني. وقد كتب فيما بعد ضابط يدعى توماس سياتون أن: »كل جريمة، وكل خطيئة يمكن أن تقترفها الطبيعة الإنسانية هي أمر مألوف وواضح وضوح الشمس في أفغانستان«.
* * *
كان البريطانيون ملزمين بالانسحاب من أفغانستان سياسياً واستراتيجياً، إلا أنهم الآن يأخذون بعين الاعتبار عدة مقاييس عسكرية لمعاقبة الأفغان. وهذا ما كتبه دوق ولنغتن Duke of Willington –وهو عضو في مجلس الوزراء- إلى الحاكم العام وذلك في 30 آذار/مارس عام 1842 قائلاً: »من المستحيل أن نطبع في نفوسكم بشدة فكرة استعادة سمعتنا في الشرق«.
لقد تم إعادة الاعتبار لبريطانيا بعدة طرق مختلفة. فقد توجهت قوات الحامية في قندهار إلى كابل، وتقدم عدد كبير من القوات في جلال آباد غرباً لملاقاة قوات الحامية. وصل الجيشان إلى العاصمة في 16-17 من أيلول/سبتمبر عام 1842 وأجريا مفاوضات لإطلاق سراح 95 سجيناً بريطانياً. وقامت هذه القوات بعد ذلك رسمياً بنسف الساحات الأربع الكبيرة أو الأسواق في مركز المدينة. وأخذ البريطانيون يكررون عملية الهدم الرسمي للأبنية الرئيسية ويطبقونها كلما أرادوا إثبات قوتهم، بحجة أنه لم يكن لديهم الوقت الكافي للقيام بذلك.(/4)
قام الحاكم العام اللورد إيلنبورو Ellenborough في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر بإجراء عرض رسمي ضخم في فيروزبور وذلك للترحيب بعودة القوات إلى الهند البريطانية. وكان قد تجمع حوالي 25000 جندي إضافي على هيئة صف للترحيب بهم، وقد بلغ طول هذا الصف ميلين ونصف، وكانت الفرق والمآدب التي أقيمت والحفلات الراقصة وطلقات الترحيب كلها تنادي بالنصر ونهاية الحملة وليس بالانسحاب والفشل. وقد أعاد البريطانيون بوابات سومنوث إلى الهند، بعد أن استيلاء الأفغان عليها منذ وقت طويل، وذلك بإقامة حفل مهيب سار عبر شمال وسط الهند. وقد انتقد العديد من المعلقين البريطانيين هذا النصر الفارغ، إلا أن هذا النصر شكل عنصراً رئيسياً لسياسة ايلنبورو في إعادة بناء الثقة في الجيش الهندي.
انتهز البريطانيون الفرصة أخيرا في عدم الاستقرار السياسي والتنافس القبلي في منطقة السند حيث فتحوها وجرى ضمها إلى جنوب وجنوب شرق أفغانستان وذلك في مطلع عام 1843. وقد أشار ايلنبورو لدى اتخاذه القرار بتولي السلطة في مارس عام 1843 قائلاً: »ينبغي علينا استعادة سمعتنا التي فقدناها في الهند، وذلك عن طريق الاستيلاء على الأقاليم، وزيادة عملية الإصلاح التي ينبغي تطبيقها في إدارة المنطقة الجديدة«. وقد دفع أمراء السند الثمن باهظاً فيما يتعلق بالنكسات البريطانية في أفغانستان.
وبعد فترة الانسحاب التي تمت في عام 1842، أثبتت العلاقات البريطانية مع الأمير دوست محمد الذي أعيد إلى الحكم، أنها غير مرضية بشكل كبير. ومع ذلك فقد تغير الوضع في الإقليم الشمالي الغربي بأكمله لدى الاستيلاء البريطاني على البنجاب عام 1840. وكانت القوات البريطانية قادرة على السيطرة على البنجاب خلال فترة الاضطرابات الناتجة عن التمرد الهندي الذي حدث عام 1857. فلم يكن هناك أية تهديدات من أفغانستان ،إلا أنه في عام 1870 عادت من جديد المخاوف من التوسع الروسي، وازدادت حدة الاستياء من أمير كابل الجديد. فقد بلغت الصراعات الطويلة الأمد أوجها عام 1878، وتفاقمت بسبب صلابة الحاكم العام اللورد ليتون Lytton وعدم حذاقته السياسية، فنشأت حرب قصيرة ونتج عنها مكاسب دبلوماسية بريطانية وهو احتلال وادي كُرَم الواقع بين البنجاب وجبال أفغانستان، ونتج عن ذلك أيضا تنصيب ممثل دائم بريطاني في كابل.
وبالخضوع ظاهرياً إلى الضغوط البريطانية نجح حكم الأمير فقط في إثارة مشاعر الكره القبلي، وقام الجنود الأفغان المنشقون بحرق دار المقيمية البريطانية في أيلول/سبتمبر عام 1879 وقتلوا جميع من فيها ومن ضمنهم المبعوث البريطاني السير لويس كافاجنري Louis Cavagnari، وكان هناك وقتئذ عدد كاف من القوات البريطانية قريبة من موقع الحادث كي يعمدوا إلى اتخاذ رد فعل بريطاني سريع.
وعقب الهجوم بشهر تقريباً، توجه اللواء فردريك روبرت (الذي أطلق عليه فيما بعد اللورد روبرتس) إلى كابل. من الواضح أن اللورد ليتون قد رسم لروبرتس خطة بريطانيا. لقد وجد ليتون أنه من الأهمية بمكان إنزال عقاب عاجل لتحقيق النتائج المرجوة، وذلك قبل أن تلين المواقف السياسية البريطانية إزاء أفغانستان. فقد كان يود أن يلقن الأفغان درساً سريعاً ومؤثراً. وأكد ليتون أن جميع الشعب الأفغاني قد شارك في »جريمة عظيمة قومية، وأن أي أفغاني يقتل بيد القوة البريطانية المنتقمة فإنني سأعتبره وغداً وأقل منزلة في عالم النذالة«. وبينما كان الرأي العام البريطاني يطلب اتخاذ بعض الإجراءات القضائية، كان نائب الملك يشعر بأن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة و أشد قسوة. وقد استطاع روبرتس إنزال العقاب بالأفغان لدى وصوله إلى كابل وبشكل غير عادل. وقام البريطانيون في غضون الأربعة أسابيع التالية بإعدام حوالي 100 أفغاني، بغض النظر عما إذا كانوا قد شاركوا في الهجوم على دار المقيمية أم لا. وأشار ضابط كبير »إنهم يكرهوننا بكل معنى الكلمة ولا يهابون منا بشكل كاف«.
ومن أجل دعم ذلك الوجود العسكري الكبير خلال فصل الشتاء، أرسل روبرتس فرقاً كبيرة من الجنود للبحث عن الطعام في مناطق الريف المحيطة، وعندما واجهت تلك الفرق مقاومة، نشبت مصادمات كانت متوقعة في المنحدرات، وقد تم نهب المواد الغذائية وحرق القرى التي كانوا يدخلونها.وقد هاجمت القوات القبلية الموقع البريطاني خارج كابل في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر. ثم قامت بريطانيا في مطلع عام 1880 بتحويل أعداد كبيرة من قواتها المرابطة في بيشاور إلى كابل لتأمين خطوط الاتصال وبناء قاعدة هناك للمراقبة والتعزيزات.(/5)
وجد البريطانيون أنفسهم وسط تنافسات عنيفة بين القبائل والعشائر وداخل الأسرة الحاكمة. ففي أحد الصراعات المحلية حول السلطة بالقرب من قندهار، واجهت قوة بريطانية قوامها 2600 جندي الهزيمة في ميواند في شهر تموز/يوليو 1880، كما لحقت بالقوات البريطانية هزيمة نكراء ومخزية، إذ قتل أو جرح 43% من جنودها وهي نسبة عالية من الجرحى تفوق التصور. كان ذلك مشهداً تقليدياً لما حدث لقوة بريطانية صغيرة نسبياً والتي تعرضت إلى قوة خصم عظيمة من حيث عدد الجنود وسلاح المدفعية. وفي كثير من الأحيان تثبت المقولة القائلة بأن الإدارة البريطانية تفشل أمام النزاعات الكبيرة ،إذ تفتقر إلى تحمل المسؤولية. فعندما كان خصمهم مدججاً بالسلاح بشكل جيد-كما هو الحال بالنسبة للأفغان- لم يستطع البريطانيون التقدم بشكل ملموس أمام تلك الأعداد الكبيرة. بل على العكس من ذلك وكما حدث في ميواند كانوا قد تلقوا الهزيمة.
إلا أن البريطانيين كان يتوفر لديهم قوة بشرية كافية لتعويضهم عما فقدوه. إذ قاد روبرتس 10000 جندي كانوا على بعد 300 ميل من كابل إلى قندهار، ولدى وصوله إلى هناك هاجم جيشه الأفغان خارج قندهار وذلك في الأول من أيلول/سبتمبر من عام 1880، واستطاع روبرتس تفادي الأخطاء التي ارتكبت في ميواند، فقد كان يمتلك أسلحة تماثل أسلحة خصمه، وكذلك بالنسبة لعدد جنوده. ثم قام بردّ خصمه إلى الوراء وذلك على مراحل وبحركة جانبية موفقة. واستولت قواته على جميع أسلحة الأفغان. وقد أدت هذه الهزيمة إلى تقسيم الجيش الأفغاني إلى أقسام. إذ قامت القوات البريطانية النظامية بالعودة إلى شمال غرب المدينة وإلى قواعدها الأصلية في هراة. أما رجال القبائل المنشقون فقد لحقت بهم الهزيمة في ميدان المعركة وجرى تشتيتهم، إلا أنه لم يتم بالضرورة القضاء عليهم تماماً، فقد أشار بعض الخبراء العسكريين ومن ضمنهم روبيرتس أنه ينبغي احتلال قندهار وذلك من أجل استتباب الأمن للحكم الموالي لبريطانيا. وكان مجلس الوزراء قد رفض هذا المشروع والمناقشات من أجل القضاء على أفغانستان. وعقب حدوث عدد من المناوشات الرئيسية بين الأمراء المتنافسين في عام 1881، تم إيجاد حكم جديد في نهاية السنة وانسحب البريطانيون من المدينة. وقد احتاجت بريطانيا في أوج تدخلها إلى وجود ما يقرب 48000 جندي في مدن الهند البريطانية وفي خطوط الاتصالات، وقتل حوالي 10000 جندي وأصيب عدد منهم بالمرض.
ويبرز سؤال واضح وهو إلى أي مدى استطاع البريطانيون أن يتكيفوا بخبرتهم الحربية مع الحرب في الجبال؟. ففي عام 1841-1842 هاجم الأفغان بشدة القوات البريطانية المرابطة في أعالي التلال. وقام روبرتس خلال فترة 1878-1879 بضمان انتشار قوات على درجة عالية من الكفاءة استعداداً للتنقل من أجل تسلق قمم الجبال كي تستطيع إطلاق النار على المواقع الأفغانية، وكذلك ضمن انتشار تلك القوات في الطريق باتجاه الغرب من ممر خيبر وجلال آباد إلى كابل –وهو الطريق الذي تتحرك فيه القوات البريطانية والذي كان معظمه عرضة للمناوشات الجبلية- حيث كانت فيه الحراسة كاملة وتمت السيطرة عليه في 1879-1881. ولدى وصول البريطانيين إلى المدينتين الرئيسيتين قندهار و كابل شعروا أنهم في أمان لأن الأفغان لا يملكون أسلحة الحصار الثقيلة لنشرها في المواقع المحصنة جيداً. وقد بذل البريطانيون جهودا حثيثة للسيطرة على المناطق حول المدن الرئيسية. وكان الأسلوب الأفغاني في القتال في المناطق الخلفية المتاخمة قد سبب مشاكل للغزاة. وكانت حماية قراهم وأوديتهم من ضمن الأولويات لديهم، ومع ذلك استطاع البريطانيون التوغل بصعوبة إلى تلك الأودية العميقة والمقسمة، وذلك عن طريق نشر قواتهم. وأصر روبرتس على تزويد كتائب المشاة بستة عشر جندي مشاة ليكون هناك مجال للتحرك، إلا أن القدرة على التحرك السريع إلى أبعد حد بقي عائقاً بسبب مشاكل المواصلات.(/6)