كلمات و أفعال و معتقدات خاطئة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء فما ترك خيرا يقرب إليه إلا ودلنا عليه. وما ترك شرا يباعد عنه إلا حذرنا منه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبلغ عن ربه شريعته ووحيه. فما قُبض حتى أتم البلاغ وأقام الحجة على العالمين فتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدهr إلا هالك .
وبعد....
تبقى الأمة الإسلامية صالحة ما صلح رجالها ونساؤها. والصلاح لا يكون إلا بالثبات على دين الله الحق، الذي ارتضاه لعباده. آي لابد من صلاح في الأقوال وصلاح في الأفعال وصلاح في الاعتقادات وصلاح في المعاملات وصلاح في كل نواحي الحياة. وهذا ما سوف نوضح بعضه بما يسر الله لنا في هذا الموضوع الذي تم جمع مادته بفضل الله وتوفيقه من عدة مصادر.
من المؤسف أن نجد كثيرا من الأمثال الشعبية والأقوال والأفعال والاعتقادات والمعاملات والأسماء تجترئ جرأة غريبة على شرع الله وتتعارض مع كلام الله وسنة ورسوله r حتى أصبح كثير من الناس يعتقدون في الخرافات والجهالات و يضربون الأمثال الضالة المضلة التي تتصادم مع العقيدة الصحيحة. ومثل هذا الذي يفعله الناس أو يعتقدونه أو تلوكه ألسنتهم بغير تدبر أو روية قد يؤدى إلى الخسران المبين قال تعالى :{ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم ٌ} [لنور:15] وبسبب هذه الأخطاء و الخرافات والاعتقادات الخاطئة أصبحنا أضعف أهل الأرض وحل بنا البوار في ديننا و دنيانا حتى ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدينا.
بل إن كثيرا من الأوامر القرآنية و السنة النبوية هُجرت وضُرب بها عرض الحائط بل ومعظم ما نهى عنه رسول الله r انتهك حتى أصيب المسلمون بما لم يصب به غيرهم من العداوة والبغضاء و القسوة والغلظة وسفك دماء بعضهم لبعض وبغيهم على بعض وظلمهم لبعض. كل هذا من جراء بعدهم عن شرع الله بعد أن بلغت أمتنا قديما من الفخر والمجد و الرفعة والارتقاء ما لم يسبق له نظير ولا يشهد التاريخ بمثله. ملكوا على ضعفهم وقلة عددهم وعدتهم ممالك الأرض ورفعوا راية التوحيد خفاقة فوق الرؤوس فملأوا الأرض توحيداً وإيماناً وعلماً وحكمة وعدلا، ملأوا الأرض بالعلوم والصدقات والصلوات والأذكار والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعبادة الله الواحد القهار {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:148].
وأما الآن فحال الأمة لا يخفي على p] أحد من الذل والهوان والخزي. وذلك نتيجة البعد عن شرع الله وسنة النبي r. وأيم الله إن هذا لعار مبين أن نصل إلى ما نحن فيه وبين أيدينا وحي السماء من قرآن وسنة. ولن ينصلح حالنا حتى نغير ما بأنفسنا ونعود إلى كتاب ربنا وسنة نبينا r. قال تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد:11 ].
ونظراً لأن الكلمة أمانة وتبعاتها من أعظم وأجل التبعات. ونظراً لعظم مسئولية الكلمة قال تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ ق :18 ] ولهذا لما سأل معاذ بن جبل رضى الله عنه رسول الله r:" وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ أجاب النبي r :" ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم ". ولما سأله أحد صحابته رضوان الله عنهم: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على؟ أخذ رسول الله r بلسان نفسه ثم قال:هذا.
ولذا قال رسول الله r :" إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ".
فيجب أن يكون كلامنا وأفعالنا واعتقاداتنا ومعاملاتنا وأسماؤنا موافقة لشرع الله سبحانه وتعالى.
كتبه
د/طلعت زهران
11 ربيع الأخر 1416
7 سبتمبر 1995
***************
أولا:الأقوال و الأمثال الخاطئة
1- [ يدي الحلق للي بلا ودان ]
قول قبيح فيه إساءة أدب مع الله، واتهام له سبحانه بأنه يسئ التصرف في كونه وخلقه، فيعطى من لا يستحق ويمنع عمن يستحق، وبأن البشر أعلم من الله بمواقع الفضل. بل لابد من اليقين بأن الله أعلم بمواقع فضله ومنّه، يرزق من يشاء. كما أنه سبحانه يعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب و يرزق الكافر والمؤمن.
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) سورة القمر
{ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} [الزخرف:32 ]
{ قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } [سبأ:39 ]
2 - رزق الهبل على المجانين(/1)
قول شيطانى، فالرزاق هو الله وحده، وليس أحد يملك لنفسه ولا لغيره رزقا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا؛ قال الله عز وجل:" إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " [ الذرايات 58]
وقال: { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [ الرعد 26]
فالرزق بيد الله سبحانه وتعالى وقد كتبه وقدره قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقال (e):" لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم الله كما يزرق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ". رواه أحمد
قال الله عز وجل:{ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين } [ هود:.6 ]
{ قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله } [ سبأ:24 ]
3- لا بيرحم ولا بيخلي رحمة ربنا تنزل:
كلمة خبيثة؛ فالله تعالى لا يؤوده شيء ولا ينازعه في سلطانه منازع، ولا يملك أحد أن يمنع شيئا من أمر الله ورحمته قال عز وجل:{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم } [ فاطر:2 ]
وقال تعالى :{ قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته } [ الزمر:38 ] فآي مخلوق هذا الذي يستطيع أن يمنع رحمة ربنا من أن تنزل على عباده.
4- كُتر السلام يقل المعرفة :
هذا قول خاطئ لا يجب أن يتفوه به مسلم، فالشارع الحكيم حض على إفشاء السلام؛ لأنه مفتاح الحب والمودة في الله فقال عز وجل:{ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله } [ النور:61 ]
وقال e:.{ والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم } [ صحيح مسلم – 7081].
وقال e :" إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه " [ صحيح –الجامع 789] [والسلسلة الصحيحة 186].
وقال e:[ إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل:السلام عليكم ورحمة الله } [صحيح – صحيح الجامع 375 ].
وقال e:{ السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه } [ حسن – ابن النجار 3699 ].
وقال e:{ من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد ولا يصلي فيه ركعتين، وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف } [ صحيح –الطبراني 5896].
5- ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه :
مثل خبيث يدعو إلى ترك النهى عن المنكر، ويمنع إصلاح ذات البيت بين الناس. فلاشك أن تشاجر الناس واشتباكهم منكر ينبغي الإسراع بتغييره. قال تعالى:{ فأصلحوا بين أخويكم } [الحجرات 10].
وقال رسول الله e:{من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه } [صحيح مسلم، وأبى داود، وصحيح الجامع 6250 ].
وقال e:.{ أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة؟ قالوا:بلى يا رسول الله. قال:إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة } [ حسن أبو داود].
6- اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع :
هذا ليس صحيحا على الإطلاق، وهو قول يراد به البخل تماما بأي شيء فيه مصلحة عامة للمسلمين، والمسجد هو أعظم مصلحة عامة للمسلمين. وما كان السلف الصالح يبخلون بشيء قط لله ورسوله، فهذا أبو بكر الصديق رضى الله عنه أتى بكل ما عنده ووضعه في حجر رسول الله e فلما سأله e:{ ماذا تركت لأهلك؟ } فقال:{ تركت لهم الله ورسوله }.
ولكنه قد يكون صحيحا في الحاجات الضرورية ففرض النفقة على الأهل والعيال فرض عين وما يحتاجه المسجد فرض كفاية. وفرض العين مقدم، وقد قال النبي e:{ كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت } فمن كان يجد كسبا من تجارة أو عمل أو صناعة أو نحوها فلا حرج عليه أن يتصدق بماله كله كما فعل أبو بكر الصديق رضى الله عنه.
واحتياجات البيت لا تنتهي أبدا، قال الله عز وجل مادحا المحسنين:{ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } [الإنسان :8].
{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} {الحشر:9].
7- الأقارب عقارب :
هذا مثل أحمق مضل يحض على قطيعة الرحم التي أمر الله أن توصل، ويصطدم مع مبادئ الإسلام حيث يقول الله تعالى:{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى} [النساء :36].
وقال عز وجل:{ واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } [ النساء:1]
وقال عز وجل:{ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } [ محمد:22-23].
وقال رسول الله e:{ من سره أن يعظم الله رزقه، وان يمد في أجله فليصل رحمه } [ صحيح رواه أحمد 6291].
وقال e:{ صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل } [صحيح الطبرانى 3768 ].
وقال e :{صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن في الأعمال } [رواه أحمد 3767].(/2)
وقال e:{إياكم وسوء ذات البين، إنها الحالقة } [صحيح أحمد 4314].
وليس هذا فحسب، بل إن من يصل من وصله من ذوى قرباه، ويقطع من قطعه منهم فليس بواصل، قال e:{ ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها } فالمشروع أن نصل أقاربنا وإن قطعونا وآذونا.
8- الرزق يحب الفهلوة أو الخفية :
اعلم – وفقنا الله وإياك – أن من أعظم الأسباب التي تفتح أبواب الرزق تقوى الله وحسن التوكل عليه، قال تعالى:{ ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب } [الطلاق 2-3].
أي ومن يتق الله فيما أمر به، ويترك ما نهى عنه، يجعل له من كل ضيق مخرجا وفرجا، روى ابن كثير في تفسيره لهذه الآية { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } أن رجلا من أصحاب النبي e كان له ابن أسره المشركون، وكان أبوه يأتي رسول الله فيشكو إليه، فكان رسول الله e يأمره بالصبر، فلم يلبث إلا يسيرا أن انفك ابنه من أيدي العدو فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها إلى أبيه. فنزلت تلك الآية.
وقال تعالى حاكيا عن هود عليه السلام:{ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين } [ هود:52 ]
وقال تعالى:{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } [ الأعراف :96 ].
أما المعاصي والبطر ونسيان أوامر الله فإنها تؤدى إلى المحق والبوار.
قال تعالى:{ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } [ النحل :112].
{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } [ الأنعام:44] أي آيسون محزونون.
وقد سلب الله ملك أهل الطغيان والكفر وأخبر عنهم بقوله:{ كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين } [الدخان 25-27].
{ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}[إبراهيم:7]
{ من عمل صالحا من ذكر أو أثنى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [ النحل:97 ].
ومن أسباب ضنك العيش وضيق الرزق الإعراض عن شرع الله. قال تعالى :{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرأ } [طه 124:126].
{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى :30 ]
وقال e:{ إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه }.
وقال على والعباس رضى الله عنهما:{ ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة }.
فإن كان المقصود من (الفهلوة) هو خداع الناس ومداهنتهم أو غشهم كما يستدل بهذا المثل كثيرا في مثل ذلك فهذا مما يستجلب سخط الرب وعقابه. ومن العقاب الحرمان من الرزق.
وإن كان المقصود (بالخفية) الاجتهاد في الأسباب فلينظر هل هي أسباب مباحة شرعا فالأخذ بها مشروع، وإن كانت محرّمة فلا يجوز الأخذ بها ولا ينبغي أن يكون الإنسان في حياته كلها جيفة بالليل حمارا بالنهار، حتى في الأسباب المباحة من أجل (الخفية) المطلوبة. وإن كان في المثل أمر آخر وهو أن الرزق (يحب) والرزق إنما يأتي من الله سبحانه، ولا قدره للرزق ولا إرادة ولا محبة. وهذا اللفظ قد يشعرنا بأن الأشياء تأتى بطبائعها، لا بقدر الله؛ فليُحترز من ذلك.
9- اللهم قني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم :
عبارة خبيثة من جهتين:
أولا: تدعو إلى الشك في الأصدقاء وسوء الظن بهم، وقد نهانا الشارع الحكيم عن سوء الظن { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن من الظن إن بعض الظن إثم } [الحجرات 12 ].
ومن المعلوم أن الإخّوة في الله من أعظم مظاهر الدين، بل هي تضمن للعبد أن يكون مع أخيه في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله. قال رسول الله e:{.. ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.. } [الحديث، متفق عليه].
والجهة الثانية:أنها توهم الإنسان بأنه يمكنه أن يستغني عن عون الله ونصرته في مواجهة أعدائه، وهذا مجال.
قال تعالى:{ إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون } [ آل عمران 160].
{ وكان حقا علينا نصر المؤمنين } [ الروم:47 ].
{ بل الله مولاكم وهو خير الناصرين } [ آل عمران :150 ]
وهذا رسول الله e يلح على ربه في الدعاء والتضرع أن ينصره ببدر حتى أشفق عليه الصديق رضى الله عنه؛ وقال له:أكثرت على ربك.
والمسلمون حين ظنوا بأنفسهم الكثرة والقوة على النصر غُلبوا وعاتبهم الله؛ فقال تعالى:{ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } [التوبة :25 ].(/3)
فلا قوة إلا بالله ولا نصر إلا به. فأحسن التوكل على مولاك، وسلم أمرك كله له تكن من الفائزين بإذنه ومنّه سبحانه، فاللهم قنا شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته. ونعوذ بالله من شر ما خلق.
11- أبكى على الزمان اللي عمل القصير شمعدان :
هذا سوء أدب واعتراض على قدر الله ووصفه بالظلم والقدر والزمان خلق الله، قال عز وجل:.{ وربك يخلق ما يشاء ويختار } [القصص :68 ].
وقال عز وجل:{ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} [الأنبياء:33].
وقال:{ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا الشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } [فصلت:37].
والله عز وجل يرزق من يشاء، وهو أعلم بمواقع فضله، وهو القائل:{ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } [ الإسراء :30].
والواجب على العبد المؤمن أن يرضى بقضاء الله على سبيل الإذعان والتسليم منشرح الصدر راضيا، قال تعالى:{ وما كان لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى لله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } [الأحزاب:36 ].
{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [ النساء:65 ].
11- إذا دخلت بلد تعبد العجل فحش له، وإن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدى، واتمسكن حتى تتمكن.
أقوال غريبة وفاسدة تدل على الانتهازية وسوء الأخلاق. والمسلم لا يسير حياته بالحرام ولا بالتسلق والوصولية، ولا بإذلال النفس لغير الله تعالى، ولا يبيع دينه بدنياه، كيف إذ دخل المؤمن بلدا تعبد غير الله، كيف يشاركهم؟ لقد ضل إذا وما هو من المهتدين، هل يجدهم يعبدون عجلا ( يحش له ) أي يضع له طعاما وتقديسا وعبادة فما الكفر إن لم يكن هذا هو؟
قال تعالى:{ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } [الكافرون 1-2] بل الواجب على المؤمن أن يقوم داعيا لله مبينا سوء ما يفعلون.
قد يكون المقصود من الحديث هو مسايرة أهل الباطل على باطلهم دون عقد القلب، ولكن هذا أمر يقضى على الدين اسما ورسما، أقول:يجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإن لقي في سبيل ذلك ما لقي. ثم يقول بعد إقامة الحجة:
{ لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } [يونس :41].
{ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود:88].
ولا يجب للمؤمن أن يذل نفسه لأحد إلا الله، ولا تصيبه مسكنة ولا ذلة إلا له سبحانه، فقد قال e:{ ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم } [حسن – رواه أحمد ].
وقال:" لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال فلا يقول فيه. فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا؟ فيقولا مخافة الناس، فيقول:"إياي أحق أن تخاف ".
وقال:{ إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى إنه ليسأل يقول له أي عبدي أرأيت منكرا فلم تنكره؟ فإذا لقن الله عبدا حجته قال:أي رب وثقت بك وخفت الناس } [ حسن-أحمد وابن ماجة].
وفي الصحيح " ما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ".
وقال:{ ولا تشرك بالله شيئا، وإن قطعت وحرقت } [ صحيح الجامع 7339ا والإرواء 2026]
وقد نهانا رسول الله e أن نكرم المنافقين بحال، فقال { لا تقولوا للمنافقين سيدنا، فإنه إن يكن سيدكم، فقد أسخطتم ربكم } [ السلسلة الصحيحة 370].
وقال " لا يكن أحدكم إمعة ".
12- زرع شيطاني أو طالع شيطاني :
هذا قول خاطئ، فإن الشيطان، عليه لعنة الله، لا زرع له ولا خلق، قال عز وجل:{أفرايتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } [الواقعة 63- 64 ].
وقال عز وجل:{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه } [الزمر:21].
والصواب أن نقول زرع رباني أو بنت رباني.
13- أنا " أعوذ بالله من قول أنا :
كلمة أنا ضمير من الضمائر لا شيء في قولها وتداولها في الكلام؛ قال e {أنا سيد ولد آدم يوم القيامة } [صحيح مسلم ].
وقال: {أنا فرطكم على الحوض } [متفق عليه ].
وقال { أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.. فأنا خيركم بيتا وأنا خيركم نفسا } [ صحيح الترمذي، المشكاه 5757].
وقال {أنا وارث من لا وارث له } [ صحيح أبو داود ].
وقال { أنا وكافل اليتم في الجنة هكذا } [ السلسة الصحيحة 800].
وغير ذلك كثير من كلامهe.
وقال أبو بكر رضى الله عنه هذه الكلمة مرارا ردا على رسول الله e ولم ينكر عليه، فقد روى مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله e:
" من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر:أنا. قال:فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر:أنا قال:فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر:أنا قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر:أنا. فقال رسول الله e: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " [صحيح ].(/4)
ولا تكره كلمة أنا مفردة إلا في حالة الاستئذان فإنه ينبغي للمستأذن أن يفصح باسمه وكنيته إن كان مشهورا بها؛ فقد صح عن جابر رضى الله عنه أنه قال:{ أتيت النبي e في دين كان على أبى، فدفقت الباب فقال من ذا؟ فقلت:أنا، فقال:أنا أنا:كأنه كرهها } متفق عليه. وكذلك إذا كانت على سبيل مدح النفس والإعجاب بها والفخر والخيلاء، إنما ما كان على سبيل الإخبار فلا حرج منه ولا يشرع التعوذ بالله منها.
14- اللي يعتقد في حجر ينفعه :
هذا قول شركي وعبارة آثمة فإن الحجر لا ينفع ولا يضر، ولا شيء ينفع ويضر إلا بإذن الله، والله وحده هو النافع الضار، قال تعالى:{ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} [الأنعام :17].
وقد وقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه أمام أشرف حجر في هذا العالم، وهو الحجر الأسود في الكعبة المكرمة وقال له:إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت النبي e يقبلك ما قبلتك.
15- إحنا بنقرأ في سورة عبس.
وهى عبارة تبين أننا عندما نقرأ هذه السورة وأمثالها فكأنما نقرأ طلاسم لا يفهمها الناس، مع أنها سورة طيبة واضحة المعاني لكل من سمعها، لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، بل إن القرآن كله واضح ميسر للذكر.
{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } [ القمر :17 ].
{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } [يوسف :2 ].
{ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} [فصلت :3]
والعبارة المذكورة بها نوع من الاستهزاء واستخفاف بآيات الله وهذا هو فعل المنافقين الذي يسمهم بالكفر.
{قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } [التوبة:65-66].
16- البقية في حياتك :
ما هذه البقية؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، هل يموت إنسان قبل انقضاء عمره، بحيث تكون البقية يرثها أحد أوليائه، سبحان الله هذا بهتان عظيم. لن يموت إنسان قبل أن يستكمل آخر لحظة في عمره.
قال تعالى: { فإذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون } [ الأعراف :34].
وقال e:إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. [صحيح الجامع 2085 ].
17- اسم النبي حارسه وصاينه :
هي عبارة يقولها عوام الناس، وخاصة النساء، ومعناها اسم النبي e يحرس الطفل ويصونه، وهذا باطل، بلا شك، وتأليه للنبي e ووضعه في مقام غير مقامه. فهذا القول جمع بين الشرك بالله وبين الإساءة إلى رسول e :فمن ناحية لا يملك الحفظ والصيانة ودفع الضرر وجلبه إلا الله وحده، ومن ناحية أخرى فإن رسول الله e لا يملك لأحد ضرا ولا نفعا، وقد أمره الله عز وجل أن يقول كذلك.
{ قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } [الجن:21 ].
{ قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله } [ يونس:49].
روى الطبراني بإسناده:.أنه كان في زمن النبي e منافق يؤذى المؤمنين، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله e من هذا المنافق، فقال النبي e:إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله [ضعيف].
و إذا كان هذا في حياة النبي e فهل يجوز أن يستغاث به بعد وفاته وينسب إليه ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله؟
وهو الغلو الذي جر إلى الشرك والكفر برسول الله e مثلما كفرت النصارى بعيسى بن مريم عليه السلام. وقد نهى ربنا عن ذلك، فقال:
{ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق } [ النساء:171 ].
ونهانا عن ذلك رسوله e فيما ثبت في الصحيحين:
" لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فأنا عبد الله ورسوله ".
وتعظيم النبي e لا يكون إلا باتباع سنته وهديه والتخلص مما يلصقه الجاهلون به من خرافات
18- امسك الخشب، خمسة في عينك،، خمسة وخميسة :
امسك الخشب، ومثل هذه الأقوال، لن تدفع حسدا ولن تغير من قدر الله شيئا، بل هو من الشرك، ولا بأس من التحرز من العين والخوف مما قد تسببه من الأذى، فإن العين حق ولها تأثير، ولكن لا تأثير لها إلا بإذن الله، قال عز وجل:{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم}[القلم:51].
وفي صحيح مسلم أن النبي e قال:{ العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استُغسلتم فاغسلوا }.
والتحرز من العين لا يكون إلا بالرقى الشرعية، قال البخاري رحمه الله: باب رقية العين وذكر فيه حادثة عائشة رضى الله عنها قالت:{ أمرني رسول الله e أو أمر أن يُسترقى من العين}.
وكانت رقية النبي e كما روى البخاري عن أنس هي:{ اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما }.
وكان النبي e يعوذ الحسن والحسين يقول:{ أعيذكما بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة }.
والذي يجب عند الخوف من العين قوله تعالى:{ ما شاء الله لا قوة إلا بالله } [الكهف:39].(/5)
فإن كان يعتقد أن الخشب بذاته أو الخمسة وخميسة تدفع الضر من دون الله أو مع الله فهو شرك أكبر وإن كان يعتقد أنها سبب والله هو النافع الضار فهذا كذب على الشرع والقدر، وهو ذريعة للشرك فهو شرك أصغر.
19 – ساعة لربك وساعة لقلبك :
هو قول شيطاني، لأن الساعات وأوقات الزمان كلها لله رب العالمين فهو خالق الزمان والمكان، ومن المعلوم أن من يقول هذا يقصد أن الزمن الذي نعيشه ينبغي أن نقسمه بين الطاعات وبين اللهو والمجون، وهذا خطأ ولا شك؛ لأن الإنسان سوف يسأل عن وقته:أي عمره قال رسول الله e:{ لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع:عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه } [ صحيح الترمذي ].
والعبد ينبغي أن يعيش طائعا لله دائما حتى في لهوه، لابد أن يكون لهوا مباحا كمداعبة الزوجة والأولاد، روى مسلم في صحيحه عن حنظلة الأسدي:.{ لقيني أبو بكر رضى الله عنه فقال: كيف أنت يا حنطلة؟ قال قلت: نافق حنطلة. قال سبحان الله. ما تقول؟ قال قلت:نكون عند رسول الله e يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله e عافسنا الأزواج والأولاد الصغار، فنسينا كثيراً. قال أبو بكر رضى الله عنه، فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت:نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:وما ذاك؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة.
فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ملاعبة الأزواج والأولاد، بل صرح، صلى الله عليه وسلم، بما يجوز للإنسان فعله في غير ذكر الله فقال: "كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب، إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشى رجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة".[صحيح – النسائى، السلسة الصحيحة 315]
ولابد للعبد أن يعلم أن كل شيء لله، وأن يذكر نفسه ويعود قلبه ولسانه على "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" [الأنعام:162]
20 – الباب المردود يرد القضا المستعجل :
قول خاطئ، فإن أمر الله نافذ وقضاؤه لا يرد، ولا يمنع حذر من قدر، ولن ينفع عندئذ إغلاق الباب أو رده، فإن الله يقول: "وإذا أراد الله يقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" [الرعد:11]
والواجب على العبد أن يتوكل على الله ويأخذ بالأسباب الشرعية، وقد قال صلى الله عليه وسلم "اعقلها وتوكل" [حسن الترمذى، صحيح الجامع 68]
21 – "أنا اصطبحت بوش مين " "وشه يقطع الخميرة من البيت"
هذا تشاؤم، والتشاؤم يسمى الطيرة وهو شرك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة شرك" ثلاثا [صحيح – رواه أبو داود]
وقال صلى الله عليه وسلم:"لا طيرة، وخيرها الفأل، قالوا وما الفأل، قال:الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" [البخاري]
وقال صلى الله عليه وسلم :"لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح الكلمة الحسنة" [رواه مسلم]
وقال:"... فإذا رأي أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك " [صحيح – رواه البخاري]
قال الشيخ حافظ حكمي [في معارج القبول]
"وأما الطيرة فهي ترك الإنسان حاجته، واعتقاده عدم نجاحها " تشاؤما بسماع بعض الكلمات القبيحة، وكذا التشاؤم ببعض الطيور كالبومة وما شاكلها إذا صاحت، وكذا التشاؤم بملاقاة الأعور أو الأعرج أو المهزول أو العجوز الشمطاء، وكثير من الناس إذا لقيه وهو ذاهب لحاجة صده ذلك عنها ورجع معتقدا عدم نجاحها، وكثير من أهل البيع لا يبيع ممن هذه صفته، إذا جاءه أول النهار حتى يبيع من غيره تشاؤما به وكراهية له ".
22 – "ربنا افتكره"
هذه كلمة شركية يلزم منها وصف ربنا عز وجل بالنسيان وهو صفة نقص، وصفات النقص لا تجوز على الله عز وجل كالنوم والتعب واللغوب والفقر واتخاذ الصاحبة والولد، ففي مثل هذه الكلمات شرك ومشابهة لليهود والنصارى. وعوام الناس يقولون: ربنا افتكره دون أن ينتبهوا لخطورة هذه الكلمة وتناقضها مع قول الله عز وجل: "وما كان ربك نسيا" [مريم:64]
وقوله:"لا يضل ربي ولا ينسى" [طه:52]
23 – "حاجة تقصر العمر "
قول خاطئ لأن الآجال والأنفاس معدودة ولا يتجاوز إنسان عمره المكتوب له ولا يقصر عنه، جرى بذلك القلم حين خلقه الله، ثم كتبه الملك على كل أحد في بطن أمه بأمر الله عز وجل عند تخليق النطفة، قال الله تعالى: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " [آل عمران :145]
وقال: "ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون" [الأعراف:34](/6)
وقال عز وجل: "الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى". [سورة الزمر:42]
وفي صحيح مسلم عن أم حبيبة رضى الله عنها قالت: "اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية" فقال لها رسول الله:"إنك سألت الله تعالى لآجال مضروبة وآثار موطوءة وأرزاق مقسومة لا يُعجل شيء منها قبل حله ولا يؤخر منها يوما بعد حله، ولو سألت الله تعالى أن يعافيك من عذاب في النار وعذاب في القبر لكان خيرا لك"
فائدة: أعلم أن عمرك يمكن أن يزيد، وهذا يكون بالأعمال الصالحة خاصة صلة الرحم، وهذه الزيادة إما بالبركة في العمر أو بالذرية الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه". [متفق عليه]
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة العمر فقال :
"إن الله تعالى لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة" [صحيح –راوه ابن أبى حاتم]
أما معنى قوله تعالى: "ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" [فاطر:11]، فكما ذكر ابن كثير قال:أي ما يعطى بعض النطف من العمر الطويل بعلمه وهو عنده في الكتاب الأول، الضمير عائد على الجنس لا على العين لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لا ينقص من عمره، وإنما عاد الضمير على الجنس. قال ابن جرير: وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي ونصف ثوب أخر.
24 – "صباح الخير، أو صباح النور، أو العواف، أو ما شابه ذلك"
هذه كلها من أساليب تحية أهل الجاهلية وأهل الكفر والشرك والمجوس في الهند يعتقدون بوجود قوتين الخير والشر يمثلها النور والظلام، وإنما ينبغي أن نعلم أن تحية الإسلام هي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في أي وقت كان.
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله" [صحيح – الترمذى 79]
وللأسف لقد استعاض كثير من الناس السلام الشرعي ذا الثواب الجزيل بكلام لا قيمة له ولا ثواب عليه.
قال عمران بن حصين:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال عشرون. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس فقال: ثلاثون" [صحيح – أبو داود]
25 – "المرحوم، أو المغفور له فلان"
قول فيه إدعاء بعلم الغيب وافتئات على الله، وكل هذا لا يعلمه إلا الله، والصواب أن تدعو بالرحمة والمغفرة، ولا تجزم لأحد بأنه مرحوم أو مغفور له، إلا من ورد الشرع بذلك عنهم كأصحاب بدر، والعشرة المبشرين وغيرهم، ولا يجب أن نغتر بظاهر عمل إنسان ما، وإنما الواجب أن نرجو للمحسن ونخشى على المسيء، ونعلم أن دخول الجنة أمر بيد الله وحده والرحمة بيده وحده. قال عز وجل: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير" [المائدة:40]
وقال صلى الله عليه وسلم:"لن يدخل أحدا عمله الجنة، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل رحمته، فسددوا وقاربوا " [صحيح – متفق عليه]
26 – "اتق شر الحليم، اتق شر من أحسنت إليه"
هذا من الأمثال الخاطئة؛ لأن الحليم ليس شريراً، والإحسان لا يتبعه شر، وهذا الكلام حض على اعتبار الشر في كل الناس حتى أهل الحلم منهم، وحض على البعد عن الإحسان مع أن فعل الخيرات ليس يقصد به إلا وجه الله وحده.
27 – "يا ساتر أو يا رب يا ستائر"
هذه كلمة خاطئة لأن الساتر لغة هو الحاجز الذي يحجز ما وراءه، وليس من أسماء الله الحسنى، وإنما الله تعالى ستير. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيى ستير يحب الحياء والستر" [صحيح – رواه أحمد 1756]
28 – "أنا عبد المأمور"
هذه كلمة خاطئة؛ لأننا كلنا عبيد لله الواحد الأحد، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
29 – "طور الله في برسيمه"
كلام عجيب، هل هناك ثور لله، وثيران أخرى للناس، حيث ثور الله يرمز إلى الغباء والبلاهة دون غيره من الثيران، كلام عجيب! يدل على إساءة الأدب مع الله جل جلاله.
20- دستور يا سيادى
من هم هؤلاء الأسياد؟ كلام يقوله العوام يعتقدون أن بين الإنس والجن ميثاقاً وعهداً. هذه استعاذة شيطانية. والاستعاذة لا تكون إلا بالله؛ قال عليه الصلاة والسلام:( يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا بديع السماوات والأرض برحمتك أستغيث ).
وقال: (إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله) [ ضعيف]
31- العمل عبادة
عبارة ليس لها أصل شرعي لا من الكتاب ولا من السنة. وإن كان السعي للرزق والعمل واجب على العباد؛ قال ربنا سبحانه: ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) [ تبارك:15 ]
ونجد البعض إذا قيل له: قم إلى الصلاة، قال العمل عبادة. وكأن العمل يتعارض مع الصلاة، وهذا غير صحيح، ولا بارك الله في عمل يشغل عن الصلاة.(/7)
وقد يكون العمل عبادة إذا كان حلالاً ونوى صاحبه الطاعة، ككف نفسه عن السؤال والنفقة الطيبة على أهله وعياله ولم يشغله عن طاعة ربه.
32- اللي معاه قرش يساوى قرش :
هذا نظرة مادية سقيمة، ومعنى ذلك أن من يملك الكثير له قيمة، وإن كان فاسقاً أو فاجراً أو كافراً. وهذا ينافي قول الله عز وجل:( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [ الحجرات:13 ].
33 – أبرز تنجز
آي عليكم بالرشوة التي تبلغكم ما تريدون ومعلوم أن أخذ الرشوة في أي صورة حرام، بل من الكبائر ولا بورك في حاجة تقضى بالرشوة.
قال تعالى:( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) [ البقرة:188 ].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلام:( لعنة الله على الراشي والمرتشي)
[ صحيح – رواه أحمد 5114 ]
34 – أنا وأخويا على ابن عمى وأنا وابن عمى على الغريب :
هذه عصبية جاهلية وضلال كبير يتعارض مع قوله تعالى:( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم) [ الحجرات:10 ]
وكذلك يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم:( أنر أخاك ظالما أو مظلوما. فلما قال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالما فكيف أنصره؟ قال تمنعه عن الظلم؛ فإن ذلك نصره).
35 –( الحياء في الرجال يورث الفقر)
(الخشا في الرجال عيب)
الصحيح أن الحياء كله خير، وأنه خلق كريم وسجية كريمة، ولا يأتي إلا بخير. قال:صلى الله عليه وسلم: "الحياء خير كله". [ صحيح – مسلم 3196 ].
وقال:" الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة " [ صحيح – الترمذى 3199 ]
36ـ يا مزكي حالك يبكي
هذا المثل ضربه الجهلة وأهل الصد عن سبيل الله من الناس، وقصدوا به نهي أهل الزكاة والصدقة عن فعلها، وأنذروه الفقر جزاء ذلك فشابهوا الشيطان:
"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" (البقرة : 268)
مع أن اسمها زكاة؛ لأنها تزكي المال أي تطهره وتنميه، وتطرح بركات فيه؛ ولذا أمرنا الله عزوجل فقال (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً) (المزمل :20)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياكم والشح ، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ) (صحيح ـ أبو داود 2678)
37ـ (والنبي ، وحياة النبي ، وجاه النبي ، ورحمة أبي، والعيش والملح ، وسائر الألفاظ التي فيها حلف بغير الله )
كل هذا حرام لأنه حلف بغير الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) (صحيح ـ النسائي 4681)
وقال صلى الله عليه وسلم (لا تحلفوا بأبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) (صحيح ـ أبو داود 7249)
وقال :(من حلف بالأمانة فليس منا) (صحيح)
وقال :(من قال إني برئ من الإسلام فإن كان كافرا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما) (صحيح ـ النسائي 4621)
والحلف بغير الله شرك أصغر، ما لم يكن الحالف معظماً لما يحلف به من دون الله، كتعظيم الله أو أشد فيكون شركاً أكبر، كمن يقال له احلف بالله فيحلف كاذباً. فإذا قيل له أحلف بالشيخ الفلاني أقر واعترف وخاف أن يحلف به كاذباً أو الصليب والمسيح وكقول بعضهم في الحلف عند قبور المشايخ (بحق هذا الغالب الطالب) وهذا شرك أكبر بلا شك .
*كذلك من الأمثلة الشعبية والأقوال الخاطئة التي تحض على البخل والسلبية والشك وسوء الظن وسوء الخلق:
جحا أولى بلحم طوره،
يا مستعجل عطلك الله،
السلف تلف والرد خسارة،
انتف ريشه ليلوف بغيرك،
اتغدى به قبل أن يتعشى بك،
اللي يرشك بالميه رشه بالدم،
أحيينى النهاردة وموتنى بكرة،
علقها في رقبة عالم تصبح سالم،
امشى في جنازة ولا تمشى في جوازة،
يا مآمنة للرجال يا مآمنة للميه في الغربال،
يا مربى في غير ولدك يا بانى في غير ملكك،
حد واخد منها حاجة، اعمل الخير وارميه البحر،
موت البنات سترة، خلف البنات يحوج لنسب الكلاب.
ثانياً:الأفعال الخاطئة
1- الاحتفال بشم النسيم:
عادة ابتدعها أهل الأوثان من الفراعنة الأقدمين، وكانوا يسمونه يوم الزينة، وكان اليونان القدماء يحتفلون به معتقدين أن للأرض ربة (تدعى ديميتر) حزنت لأن رب العالم السفلي (ويدعى هاديس)، حسب زعمهم في أساطيرهم، خطف ابنتها. فلما حزنت أجدبت ومنعت الزرع والثمار. فضج البشر إلى آلهة الأولمب فحكموا على رب العالم السفلي أن يعيد تلك الابنة ستة أشهر من كل عام. وكان موعد عودتها في الربيع حيث تخضر الأرض سعادة بعودة ابنتها، ويحتفل الناس بشم النسيم. فها أنت ترى أن هذا الاحتفال مرتبط بالضلال والاعتقاد في آلهة شتى في الكون تتصارع وتحزن. وهى نفس الفكرة التي تقلدها النصارى، واحتفلوا بعيد قيامة المسيح بعد موته ودفنه بزعمهم الكاذب.(/8)
فسبحان الله ( وما من إله إلا إله واحد). ومن ثم لا يجوز للمسلم أن يشارك في هذه البدعة وتقلد أهل الكفر والضلال، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من تشبه بغيرنا).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من عمل بسنة غيرنا) [ حسن – الجامع الصحيح 5439]
2- الاحتفال بعيد الأم وأعياد الميلاد :
لا يجوز الاحتفال بيوم عيد الأم من تقديم للهدايا وغيره؛ فالأم مكانتها في الإسلام عظيمة دائما في حياتها وبعد مماتها. ولا يجوز تخصيص يوم معين نحتفل بها فيه وكذلك إقامة أعياد الميلاد وإعداد التورتة والزينات واجتماع الأهل والأصدقاء؛ لإطفاء شموع بعدد سنين صاحب الاحتفال وكلها مأخوذة من النصارى واليهود.
قال صلى الله عليه وسلم:( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر أو ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قالوا اليهود والنصارى؟ قال:فمن؟ ) [ متفق عليه ]
وقال:( لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى). [ حسن – الجامع الصحيح 5434 ]
وقال: من تشبه بقوم فهو منهم) [ صحيح – الإرواء 126]
3- الزغاريد ورش الملح في أعياد الميلاد :
أما الزغاريد فهي عبارة عن صراخ مع تحريك اللسان؛ ولذا فهي الصوت الأحمق وهو حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لم أنه عن البكاء إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة مزمار شيطان ولعب، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان).
[ صحيح – الترمذى – الصحيحة 2157 ]
وأما رش الملح فهو إسراف وتبذير وفعل سفيه يضم إلى باقي الأفعال السفيهة، وهم يقصدون برش الملح سبع مرات أن يقع في عين الحسود فيرد ضرره. وهذا من الشرك أو من ذرائعه وكذلك إيقاد الشموع والدق بالهون ووضع المولود في غربال والصراخ له بأن يسمع كلام أمه ولا يسمع كلام أبيه وكل ذلك أفعال جاهلية حيث أن السنة هي العقيقة وحلق رأس المولود وتسميته في سابع أيامه، والتصدق بوزن شعره فضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:( كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى ) [ صحيح – رواه أصحاب السنن ].
وقال صلى الله عليه وسلم:( يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعرة فضة )
[ صحيح – الترمذى 7960 ]
4- تقبيل اليد بعد الدعاء، وتقبيل النقود عندما يعطاها العبد في أول يومه، وتقبيل الخبز بعد التقاطه من الأرض :
هي أفعال عجيبة لا أصل لها ولم يشرع في ديننا تقبيل شيء جماد من الجمادات، سوى الحجر الأسود، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهود رد) [ رواه مسلم ]
ونحن نفرح بنعمة الله، فنشكر الله واهب النعم سبحانه.
5- (مصافحة الرجال للنساء غير المحارم )
وهى مصيبة عمت بها البلوى، وصارت عرفا اجتماعيا سائدا بين أغلب الناس، وهو عرف فاسد يخالف شرع الله ويحاد الله ورسوله: قال صلى الله عليه وسلم: (لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا أمس أبدى النساء)
وليس هناك من هو أطهر قلبا من رسول صلى الله عليه وسلم.
وقالت عائشة رضى الله عنها: ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام. ( رواه مسلم).
وللعلم فإن المرأة إذا وضعت في يدها ثوبا ونحوه، فإنه لا يغنى شيئا فالفعل حرام، واليد جزء من الجسم كأي جزء أخر. فهل يجوز لمس أي جزء مثلا كالصدر مثلا مع وجود حائل؟
6- (لبس دبلة الخطوبة)
هي من عادات وتقاليد غير المسلمين في طقوس زواجهم، حيث يقول القس، وهو يعقد النكاح باسم الأب والابن والروح القدس ما يجمعه الرب لا يفرقه إنسان مشيرا في كل كلمة إلى إصبع. ثم تستقر الدبلة البنصر للمرأة والرجل باليد اليمنى ثم بعد الدخول تنتقل إلى اليد اليسرى، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم اتباع اليهود والنصارى أو التشبه بهم كما مضى بيانه.
هذا إذا كانت الدبلة من فضة بالنسبة للرجل. أما إن كانت من ذهب، فيضاف إلى إثمها أثم أخر، وهو لبس الذهب وهو محرم على الرجال.
7- "مصافحة المصلى للجالس عن يمينه ثم عن يساره عقب الصلاة وقوله حرما فيرد عليه جمعا "
بدعة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من صحابته رضوان الله عليهم وخير الهدى وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"
8- (حلق اللحية)
اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (خالفوا المشركين ووفروا اللحى واحفوا الشوارب)
وقال الإمام النووي: وردت خمس روايات في ترك الحية وكلها على اختلاف في ألفاظها تدل على تركها على حالها وذكر ابن الجوزي وابن كثير أن كسرى أمر عامله على اليمن أن يرسل رجلين ليأتياه بالنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء الرجلان حتى قدما المدينة وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر إليهما، وقال ويلكما من أمركما بهذا؟(/9)
وقد أفتى الشيخ جاد الحق مفتى الديار المصرية عام 1981 بحرمة حلق اللحية، وبالنسبة لإجبار المجندين على حلق اللحى قال: لما كان ذلك: كان إطلاق الأفراد المجندين اللحى اتباعا للسنة فلا يؤاخذون على ذلك في ذاته ولا ينبغي إجبارهم على إزالتها، أو عقابهم بسبب إطلاقها؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهم متبعون لسنة عملية جرى بها الإسلام.
ولما كانوا في إطلاقهم اللحى مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يجز أن يؤثموا أو يعاقبوا، بل إن من الصالح العام ترغيب الأفراد المجندين وغيرهم في الالتزام بأحكام الدين فرائضه وسنته؛ لما في هذا من حفز همتهم، ودفعهم لتحمل المشاق والالتزام عن طيب نفس حيث يعملون بإيمان وإخلاص.
وتبعاً لهذا:لا يعتبر امتناع الأفراد الذين أطلقوا اللحى عن إزالتها رافضين عمدا الأوامر عسكرية لأنه بافتراض وجود هذه الأوامر فإنها – فيما يبدو – لا تتصل من قريب أو بعيد بمهمة الأفراد أو تقلل من جهدهم وإنما قد تكسبهم سمات وخشونة الرجال وهذا ما تتطلبه المهام المنوطة بهم.
ولا يقال: إن مخالفة المشركين تقتضى – الآن – حلق اللحى؛ لأن كثيرين من غير المسلمين في الجيوش، وفي خارجها يطلقون اللحى؛ لأنه شتان بين من يطلقها عبادة اتباعاً لسنة الإسلام وبين من يطلقها لمجرد التجمل وإضفاء سمات الرجولة على نفسه. فالأول منقاد لعبادة يثاب عليها إن شاء الله تعالى، والأخر يرتديها كالثوب الذي يرتديه ثم يزدريه بعد أن تنتهي مهمته.
ولقد عاب الله الناهين عن طاعته وتوعدهم:
( أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى، أرأيت إن كان على الهدى، أو أمر بالتقوى، أرأيت إن كذب وتولى، ألم يعلم بأن الله يرى ) [ العلق:9 – 14 ] والله أعلم أ هـ
9- الكذب في المنام والأحلام :
بعض [أعا1] الناس قد يختلق رؤيا أو منام لم يره ليرضى بعض الناس أو يحوز بعض المنافع أو يخوف بعضهم. وكثير من الناس يعتقدون في هذه المنامات، وقد يُخدعون بسبب هذا الكذب وهذا حرام. لقوله صلى الله عليه وسلم:( إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيهن أو يرى عينيه ما لم تر، ويقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ) [ رواه البخاري ].
وقال:( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل ) [رواه البخاري]
10 – عدم الاحتراز من رذاذ البول وخاصة عند التبول واقفا :
قال صلى الله عليه وسلم:(تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ) [صحيح – الإرواء 280]
وقال:( أكثر عذاب القبر من البول ) [ صحيح – رواه أحمد 2043 ]
وقال:( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الأخر فكان يمشى بالنميمة ) [ متفق عليه ]
11 – عدم تغطية أوانى الطعام والشراب :
قال صلى الله عليه وسلم ( غطوا الإناء وأوكؤا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء لم يغط أو سقاء لم يوكأ إلا وقع فيه من ذلك الوباء ) [ صحيح مسلم 4159 ]
وقال:( أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وأغلقوا الأبواب، وأوكئوا الأسقية، وخمروا الطعام والشراب)
[ البخاري ]
12- تناول الطعام والشراب دون ذكر الله :
قال صلى الله عليه وسلم:( إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه )
[ صحيح – مسلم 1653 ]
وقال: (إذا أكل أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله عليه، فإن نسى أن يذكر الله في أوله فليقل بسم الله على أوله وآخره ) [ صحيح – رواه أحمد 1323 ]
وقال:( إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها )
[ صحيح – مسلم ]
وعن أبى سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال:( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)
13 – دخول المنزل والخروج منه دون ذكر الله :
قال صلى الله عليه وسلم:( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان:لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا. وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وأن لم يذكر الله عند مطعمه قال أدركتم المبيت والعشاء ) [ صحيح – رواه أحمد ]
قال صلى الله عليه وسلم:( من قال إذا خرج من بيته:بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له:كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان)
[ صحيح – رواه الترمذى 6419، المشكاه 2443 ]
14 – دخول الخلاء والخروج منه دون ذكر الله أو التحدث وقراءة الصحف والمجلات بداخله:
قال صلى الله عليه وسلم:( إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء، فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث) [ صحيح – أحمد 2263 ]
وبعد الخروج يقول:غفرانك. [ حسن – رواه أحمد 4707 ]
وقال: ( ستر ما بين أعين الجن وعورات بنى آدم إذا وضع أحدكم ثوبه أن يقول: بسم الله)
[ صحيح – رواه الطبرانى 3610 ]
ولا يجوز دخول الصحف والمجلات في الخلاء كما يفعل البعض حيث أن بها آيات قرآنية أو اسم من أسماء الله تعالى.
15 – اعتبار مدة النفاس أربعين يوماً :(/10)
هذا خطأ والصواب أن النفساء إذا انقطع عنها الدم طهرت، ولزمها الصلاة والصوم وأبيح جماعها. أما مسألة الأربعين يوماً فهذه إذا زاد الدم عن ذلك، اكتفت بالأربعين يوما واغتسلت رغم عدم انقطاع الدم واعتبر دم فساد، وتتوضأ لكل صلاة وحكمها حكم المستحاضة.
16 – إطالة الأظفار ودهانها بالأصباغ المانيكير)
ترك الأظفار دون قصها عمل مخالف للسنة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم (عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة). وقد وقت الرسول صلى الله عليه وسلم ألا تزيد مدة ترك الأظفار دون تقليم ونتف شعر الإبط وحلق العانة عن أربعين يوما. وأما دهن المرأة أظفارها بالألوان ففيه إبداء للزينة، وأما إن كان في دارها ولزوجها جاز بشرط إلا يكون مانعا من وصول ماء الوضوء.
17- (وطء الزوجة في حيضها أو دبرها)
لا يحل للرجل أن يجامع امرأته إلا بعد أن تغتسل بعد طهرها لقوله تعالى:(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله). أما إتيان المرأة في دبرها فهو من فعل أهل الشذوذ من ضعاف الإيمان وهو من الكبائر.
قال صلى الله عليه وسلم (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد)
(صحيح الجامع 5918)
وقال: " ملعون من أتى امرأة في دبرها" (صحيح الجامع 5865)
18- (عدم ذكر الله عند العطاس )
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب. فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان على كل من سمعه أن يقول يرحمك الله. وأما التثاوب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردده ما استطاع؛ فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان) ( رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله. فإذا قال فليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم). (رواه البخاري 688).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث) ( رواه أبو داود)
ويقول الشيخ عبد السلام في السنن والمبتدعات: إن كثيرا من الناس تركوا هذه السنة واستعاضوا عنها بكلام رخيص خسيس وهو قولهم (سالوتى أو جراتسى) .
أما غير المسلم إذا عطس وحمد الله فقل له يهديكم الله.
19- (كذبة إبريل)
حدث في منتصف القرن السادس عشر حين أبدلت فرنسا تقويمها، وجعلت رأس السنة أول يناير بدلا من أبريل. وكان أول أبريل مخصصا للمعايدة.
فلما أبدل رأس السنة صار الناس يتمازحون بالهدايا الكاذبة، وصار الكذب عادة مألوفة. والكذب عموما حرام في أبريل أو غيره. روى أبو داود عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت يا عبد الله تعال حتى أعطيك فقال لها عليه الصلاة والسلام ما أردتِ أن تعطيه؟ قالت:أردت أن أعطيه تمرا، فقال: ( أما أنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة).
وعنه فيما رواه أحمد (من قال لعبد:تعال هاك " أي خذ " ثم لم يعطه فهي كذبة).
إنا لله وإنا إليه راجعون فكم من الكذب نكذبه على أبنائنا. وعن أسماء بنت عميس قالت (.. فأخذته منه على حياء، فشربت منه ثم قال: ناولي صواحبك، فقلن: لا نشتهيه، فقال لا تجمعن جوعا وكذبا قالت:فقلت يا رسول الله: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا اشتهيه أيعد ذلك كذبا؟ فقال إن الكذب ليكتب حتى تكتب الكذيبة كذبية) [ رواه الطبرانى في الكبير]
قال: (لا يصح الكذب إلا أن:يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس) [ صحيح – رواه الترمذى ]
أما قول البعض كذبة بيضاء فهذا لا يجوز فالكذب كذب لا أبيض ولا أسود.
20 – سب الدين أو الزمن أو الريح :
سب الدين كفر بواح بالنص والإجماع. وكيف تطيب نفس امرئ في قلبه ذرة من إيمان أن ينال من دين ال؛له وقد نهى رسول الله عن سب أي شيء من جماد أو حيوان أو إنسان فكيف بدين الله، أغلى ما يملك الإنسان؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لا يكون المؤمن لعانا ) وقال عمران بن حصين ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة لها، فضجرت منها فلعنتها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة) وأما سب الزمن أو الريح فهذا لا يجوز؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) [ صحيح – رواه مسلم 7313 ]
وقال:( لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا:اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما أمرت به ) [ صحيح – رواه الترمذى 7315 ].
21- لبس الذهب والحرير للرجال:
حرام لبس الذهب للذكور مهما قل وزنه قال e:{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا } [ صحيح – رواه أحمد 6509].(/11)
وقال e:{ أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها } [رواه أحمد 520].
وقال e:{ يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده } [صحيح رواه مسلم 8109].
ولا يجوز الأكل مع من يتختم بالذهب أو يجالسه؛ لأن هذا منكر. ويجوز لبس خاتم الفضة وكذلك لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة في الطعام والشراب.
قال e:{ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما... } [صحيح رواه الشيخان 7335].
22- استخدام التماثيل لعرض الملابس عليها بالمحلات التجارية :
هذا لا يجوز شرعا إلا بعد قطع رأس التمثال. قال e:{الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فلا صورة } وقال e:{ أتاني جبريل، فقال:إن كنت أتيت البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه، إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي كان في البيت فليقطع، فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع، فيجعل منه وسادتين منبوذتين توطئان، ومر بالكلب فليخرج } [ صحيح رواه أحمد 68].
وإذا بقى في التمثال بعد قطع رأسه فتنة كجسد امرأة عارية فلا يجوز أيضا.
وأيضا من الخطأ عرض الملابس الداخلية للنساء بالمحلات وكل ملابس التبرج والترغيب فيها؛ لأنه تعاون على الآثم والعدوان.
23- تعليق الصور التي بها الروح في المنازل والمحلات :
لا يجوز هذا؛ لأن التصوير حرام ولا يباح إلا لضرورة شرعية كالبطاقة وجواز السفر وما شابه ذلك. أما الصور التذكارية فلا يجوز؛ قال e:{ إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو صور } [ صحيح رواه أحمد 1961].
وقال:{ إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة } [ صحيح رواه الشيخان 1593].
وقال:{ أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة فيقال:أحيوا ما خلقتم } {صحيح رواه البخاري 1330}.
ويجوز تصوير ما لا روح فيه كالشجر والسماء والأرض والبحر والشمس ونحو ذلك وللأسف هناك من يعلق صورة زوجته أو بناته ليراها الضيوف، أصبح حاليا كأننا نكذب أحاديث الرسول أو كأننا نقول سمعنا وعصينا.
24- التكلف للضيف :
هذا التكلف أوقع الناس في حب السمعة حتى خرجوا في مآدبهم عن الحد الذي يطيقونه, وقال بعض السلف: إن التكلف أن تطعم أخاك ما لا تأكل بل تقصد به زيادة في الجودة والقيمة.
وعن سلمان أنه قال لمن استضافه:{ لولا أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم } [رواه أحمد].
وكان الفضيل رحمه الله يقول:{ إنما تقاطع الناس بالتكلف يدعو أحدهم أخاه فيتكلف فيقطعه عن الرجوع إليه} [ رواه ابن أبى الدنيا].
وقال سلمان رضى الله عنه { أمرنا الرسول e ألا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم له ما حضرنا } [ رواه الخرائطى ].
وروى عن أنس ابن مالك وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يقدمون لإخوانهم ما حضر من الكسر اليابس وخشف التمر، ويقولون:{ لا ندرى أيهما أعظم وزرا الذي يحتقر ما قدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه}. ومن العادات القبيحة انفراد كل من الحاضرين بآنية بأكل فيها ولا يجتمعون في الأكل من إناء واحد، قالe:{ كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة}.
25- حلق بعض الرأس وترك بعضه :
هذا عمل منهي عنه؛ فعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: نهى رسول e عن "القزع " [متفق عليه ] وهو حلق بعض الرأس دون البعض، كما يفعل البعض مما يسمى حلاقة إنجليزي أو كابوريا أو خنافس.
وعن ابن عمر قال:{ رأي رسول الله e صبيا قد حلق شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال احلقوه كله أو اتركوه كله } [رواه أبى داود ].
26- صبغ الشعر باللون الأسود :
صبغ شعر الرأس أو اللحية بالسواد منهي عنه؛ فعن جابر رضى الله عنه: {أُتى بأبي قحافة والد أبى بكر الصديق رضى الله عنهما، يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال رسول الله e: غيروا هذا واجتنبوا السواد } [ رواه مسلم ].
وعن أبى هريرة رضى الله عنه { أن رسول الله e:قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم} [ متفق عليه].
فيصبغ الشعر الأبيض بصفرة أو حمرة وأما السواد فلا يجوز إلا في حالة الجهاد فقط.
27- السباب وقذف الأعراض بالمزاح :
هذا من المصائب التي وقع فيها بعض الناس فلا يجوز السباب ولو بالمزاج قال e:{سباب المسلم فسوق.. } [ رواه الطبرانى 3596 ].
وقال:{ إذا سبك رجل بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه، فيكون أجر ذلك لك ووباله عليه } [صحيح –ابن منيع 594].
وقال:{ من الكبائر شتم الرجل والديه:يسب أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه} [صحيح، رواه الشيخان 5908 ].
وقال e أتدرون من المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا.. } [ صحيح رواه أحمد 87].(/12)
وقال:{ من هذا اللاعن بعيره؟ أنزل عنها فلا تصبحنا بمعلونة.. } [ صحيح رواه مسلم 6582]، إنا لله وإنا إليه راجعون. إن السباب وقذف الأمهات من العادات القبيحة التي ابتلى بها بعض الناس، حتى أصبحوا لا يستحيون من ذلك، بل أصبح السباب كاللعاب بالفم. وإن حد القذف في الإسلام هو الجلد ثمانين جلدة؛ لخطورة هذا الأمر قال تعالى:{ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدأ وأولئك هم الفاسقون} [النور 4].
وقال e { من قذف مملوكه بالزنا، يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال} [ صحيح رواه مسلم 6463 ].
وقال { ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء } { صحيح رواه أحمد 5381].
28- تخصيص لون معين للدلالة على الحزن على الميت :
لا يجوز لبس ملابس بلون معين للدلالة على الحزن؛ حيث أن هذا من الجزع والاعتراض على قضاء الله وقدره. و الحداد الشرعي هو ترك الزينة وليس لبس لون معين.
والحداد على الزوج مدته أربعة اشهر وعشرة أيام ( لغير الحامل)، وعلى غير الزوج ثلاثة أيام فقط. ومن السُّنة لبس الأبيض من الثياب في حالة الشدة والرخاء والحياة والموت؛ قال e:{البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم } [ صحيح رواه أبو داود ].
فائدة: قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي؛ لكونه من لباس الحزن، وقال ابن دقيق العيد: يجوز لبس ما ليس بمصبوغ وهي الثياب البيض، ومنع بعض المالكية المرتفع منها الذي يتزين به، وكذلك الأسود إذا كان مما يتزين به.
قال النووي: ورخص أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغاً أما الحرير فالصحيح منعه مطلقاً.
29- النياحة على الميت ولطم الخدود ودعوى الجاهلية :
لا يجوز الصياح على الميت بأي حال، وقول النساء: يا لهوى ويا دهوتي.ويأثم كل من يفعل ذلك إن لم يتب؛ لأن هذا اعتراض على قضاء الله وقدره. ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب ودعوى الجاهلية، كمن تقول يا جملي يا سبعي، أسدى يا خراب بيتي من بعدك يا خويا، مكنش يومك يا أخويا، قال رسول e:{ ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية }.
فما يقع من النساء في الجنازات، أمر منكر، صار قبحه معروفا للكل؛ حتى أصبحت النساء من الأمراض التي أعيت الناصحين، وصرن أكبر عون للشياطين على تنفيذ كل ما يملينه عليهن من عادات الجاهلية، كالضرب والنياحة وشق الجيوب ولطم الخدود ورفع الأصوات بالصراخ والتكلم بكلمات الكفر والتسخط على الأقدار والاعتراض عليها إلى غير ذلك من القبائح المشهورة قال e:{النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب }[ رواه مسلم ]. ومن المعلوم كذلك أن ليس للنساء اتباع الجنائز.
وإن الميت ليعذب بما نيح عليه إن لم يتبرأ قبل موته من هذه الأفعال. أما البكاء فجائز؛ قال صلى الله عليه وسلم: "لم أنه عن البكاء، إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة مزمار وصوت عند المصيبة." [صحيح]
30- إقامة السرداقات في العزاء، والأربعين، واستئجار المقرئين، والصُبحة، والخميس :
صارت الجنائز مواطن للافتخار والرياء؛ فترى أهل الميت يجتهدون في أن يكون المشهد محل إعجاب الناس وحديثهم: من إحضار صوان كبير وفرشه بالبسط والكراسي المذهبة والمفضضة ومكبرات الصوت والنجف والأنوار المتدلية وباقات الورود وفرش الرمال وتوزيع القهوة والدخان وإحضار المقرئين لتلاوة القرآن. لا شك في حرمة كل ذلك؛ لما فيه من إضاعة المال بغير غرض شرعي، ولا يفيد الميت في شيء، وكل ذلك مخالف للسنة، بل هو بدعة وضلالة؛ حيث لم يثبت شيء من هذا عن الصحابة رضى الله عنهم ولم يثبت عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن تذهب الناس إلى تعزيتهم وقال الإمام الأوزاعي:"الحق أن الجلوس للتعزية على الوجه المتعارف في هذا الزمان مكروه أو حرام". فما الحال بهذا الزمان.
فلا يجوز الاجتماع للتعزية أو لإحياء ذكرى الأربعين والخمسين والسنوية. أما القرآن فقد أنزله الله للأحياء للعمل به وليس لكي يُقرأ على الأموات؛ قال تعالى:{إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا } [ يس 96-70].
وأما الذبح عند خروج النعش أو عند القبر فهذا عمل لا يجوز؛ إذ هو ذبح لغير الله. وإن قُصد به الذبح للميت تعظيما له وتقربا له صار شركا أكبر والعياذ بالله. وإن كانوا يذبحون لله فهو بدعة وضلالة.
وأما عن الصُبحة والخميس الأول والثاني فهو من البدع التي ابتدعها أهل الزيغ؛ تشبها بغيرهم. ولم يكن من هديه e أن يجتمع للعزاء عند القبر ولا عند غيره. عن جرير بن عبد الله، رضى الله عنه، أنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد الدفن من النياحة.
31- خروج النساء للمقابر في خميس رجب وشعبان والعيدين :(/13)
كل ذلك لا يجوز؛ لما فيه من البدع والفتن وتجديد الأحزان وانتهاك حرمة الأموات بما يحدث من الأكل والشرب والحكايات والغيبة والنميمة وكشف الزينة والسفور. ولا تصح زيارة المقابر في العيدين؛ لأن العيد للفرحة وليس للحزن. فهذه عادة سيئة أن يخرج الناس بعد الصلاة للمقابر.
وقد شرعت زيادة القبر للاتعاظ والعبرة والتذكرة، وكانت المقابر في طريق رسول الله e، ولم يثبت زيارته لها في الأعياد، وخير الهدي هديه.
32- تخصيص يوم النصف من شعبان بصيام وقيام، و كذلك ليلة 27 رجب :
من البدع المنتشرة الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة والدعاء المسمى " دعاء النصف من شعبان "، وصيام نهارها. فهذا لم يكن على عهد رسول الله ولا أحد من الصحابة، ولم يثبت في تخصيصها بعبادة أي حديث صحيح. مع إقرارنا بفضيلة هذه الليلة وصحة الأحاديث الواردة في ذلك.
وكذلك الإسراء والمعراج لم يثبت أنه كان في 27 رجب، بل اختلف في وقته. والراجح أنه كان في 12 ربيع أول، فلا يجوز تخصيصها بقيام ولا صلاة مبتدعة ولا دعاء معين فكل هذا بدعة؛ لأن العبادات توقيفية.
33- تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها وخاصة صلاة الصبح وصلاة العشاء :
لا يجوز تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، أو جمع أكثر من فرض، إلا في حالة السفر أو المرض الشديد أوعذر شديد يبيح الجمع بين الصلاتين المشتركتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. قال تعالى:.{ فويل للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون } [ الماعون 4-5 ] أي التهديد والوعيد بالعذاب لمن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها دون عذر شديد. وأما تأخير صلاة الصبح حتى تشرق الشمس عمدا، ودون الأخذ بالأسباب، فهو حرام وصلاة في غير وقتها؛ لأن وقت صلاة الصبح من أذان الفجر الصادق حتى قبيل شروق الشمس ولو بركعة واحدة؛ قال تعالى:{ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } [ النساء:103].
وقال e:{ لا تترك صلاة مكتوبة متعمدا، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة} [ صحيح ابن ماجة 7339].
34- المرور بين يدي المصلى وتخطى الرقاب في صلاة الجمعة وسنتها :
يحرم المرور بين يدي المصلي، ويجب على المصلي أن يتخذ سترة لصلاته، كأن يصلي إلى حائل؛ قال e :{ إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحدا يمر بين يديه. فإن جاء أحد فليقاتله فإنما هو شيطان } [ صحيح رواه الشيخان 641 ].
وقال { لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه } [ صحيح رواه الشيخان 5337].
وللأسف فإن كثيرا من الناس يتجاهلون هذا الأمر، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وعن الأرقم بن الأرقم قال النبي e:{ إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كجارِ قصبه في النار } [ رواه أحمد ].
وقد أمر e الداخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد، وإن كان الخطيب على المنبر – أما ما يفعله الناس عندما يرون الخطيب يجلس بين الخطبة الأولى والثانية فيقومون لصلاة السنة فجهل وبدعة. وأما سنة الجمعة فبعد الصلاة تصلى أربع ركعات لمن يصليها بالمسجد، وركعتين لمن يصليها بالمنزل.
35- هجر المساجد :
قال تعالى:{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر }
وعن ابن مسعود قال:{ من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله تعالى شرع لنبيكم e سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط به سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف } [ رواه مسلم ].
وقال e:.{ لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزما من حطب، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة فأحرقها عليهم } [ رواه مسلم ].
وعن أبى هريرة قال:{ أتى النبي eرجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله e:أن يرخص له يصلى في بيته. فرخص له فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم: قال: فأجب } [ رواه مسلم ].
وعن معاذ مرفوعا " الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه ".
وعند أيضا مرفوعا:بحسب المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه ".
36- دخول المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو نحو ذلك :
قال e:{ من أكل من هذه الشجرة – يعنى الثوم – فلا يقربن مساجدنا } [متفق عليه ].
وقال e:{ من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا } { صحيح رواه الشيخان ].
وقال:{ إياكم وهاتين البقلتين أن تأكلوهما وتدخلوا مساجدنا، فإن كنتم ولابد آكليها، فاقتلوهما بالنار قتلا }. [متفق عليه ].(/14)
وقال:{ من أكل البصل والثوم والكرات فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما تتأذى منه بنو آدم } [ رواه مسلم ].
إن هذه الأحاديث تثبت النهي عن دخول المساجد على من أكل شيئا له رائحة مكروهة. فلاشك أنه يستلزم منع دخول المساجد لمن يشرب الدخان؛ لنتن رائحة الفم، وهي أشد خبثا ونتنا من رائحة البصل والثوم.
37- الصلاة في الثوب الرقيق أو الضيق :
إذا كان الثوب شفافا أو رقيقا يحدد العورة من تحته، فلا تصح فيه صلاة الرجل إلا أن يكون تحته سروال أو إزار يستر ما بين السرة إلى الركبة. وأما المرأة فلا تصح صلاتها في مثل هذا الثوب إلا أن يكون تحته ما يستر بدنها كله.
أما عن لبس الرجل البنطال الضيق والصلاة فيه فقد قال الشيخ الألباني :
إنه يبطل الصلاة؛ حيث أنه يحدد ويجسم ويصف العورة وخاصة في حالة الركوع والسجود. ولعل ذلك إذا كان البنطلون في غاية الضيق يجسد العورة بارزة كملابس لاعبي السيرك وراقصي البالية، والراجح عند الجمهور صحة الصلاة مع الكراهة وهذا أقرب.
38- استخدام ورق الجرائد والكتب في لف الأشياء :
لا يجوز استعمال ورق الجرائد والكتب في لف الأشياء أو في مسح القاذورات أو إلقاء هذه الأوراق في سلة المهملات والفضلات، أو إلقائها على الأرض، كما هو منتشر وشائع؛ لأن هذه الأوراق قد لا تخلو من آية قرآنية أو اسم من أسماء الله، وحيث أن كثيرا من الناس يسمون عبد الله وعبد الرحمن وغيره.وقد يكون في هذه الأوراق حديث من الأحاديث الشريفة.
39- الذهاب للموالد والطواف حول الأضرحة :
الذهاب لزيارة القبور بقصد التبرك والصلاة فيها، حرمها جمهور العلماء وشيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا بقول الرسول e:{ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى } فك الله أسره.
كما أن دفن الأموات بالمساجد أو بناء المساجد على القبور لا يجوز؛ فقد نهى الرسول e عن ذلك بقوله {إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن عن ذلك } [ رواه مسلم ].
وأما الاحتفال بالموالد فهو بدعة لم تكن في زمن السلف، وتؤدى إلى كثير من المحظورات والمحرمات كالاختلاط والمنكرات وانتهاك حرمة الأموات والمساجد.
وأما الطواف حول الأضرحة فحرام؛ لأنه لا يجوز الطواف بغير بيت الله الحرام. وأما النذور لأصحاب الأضرحة والذبح وإيقاد الشموع لهم، فهو شرك؛ لأنه نذر لمخلوق. والنذر عبادة والعبادة لا تجوز لغير الله.
ويقول الشيخ عبد السلام في السنن والمبتدعات أن من سفال وفساد عقول بعض الناس أنهم صاروا يتبركون بعجل السيد ويتمسحون بعموده للشفاء من وجع الظهر، ويغرزون المسامير في الأشجار المجاورة للمشايخ الأموات للهداية والتبرك.
وجعلوا لكل قبر خاصية، فقير أبى مسعود لإخراج الجان والشياطين والعفاريت من أجساد المتعفرتين والمتعفرتات، وقبر السيدة نفسية للشفاء من رمد العيون، وقبر الشيخ فلان للشفاء من مرض الحمى، وقبر الشيخ فلان لقضاء الحوائج، وقبر الشيخ فلان لتفريج الكروب وقبر الشيخ فلان للفيوضات والإمدادات الإلهية، وقبر الشيخ فلان لقراءة دلائل الخيرات، وقبر الشيخ فلان لقراءة بردة المديح التي فيها من الشر والشرك ما فيها.
ويقول:لما هوت عقول الناس إلى هوة ما لها من قرار وباتوا عن هداية الكتاب العزيز والحكمة النبوية وسيرة سلفنا الصالح وكبرائنا وعظمائنا في مكان سحيق أصبحوا يعتقدون الولاية في كل إنسان بالي الثياب.
وقالوا يجب أن لا ينكر أحد على أحد؛ لأن من اعترض انطرد! إنا لله وإنا إليه راجعون وللأسف هناك بعض الجهال من المسلمين يكتبون مشاكلهم أو طلباتهم في خطابات ويضعونها بالضريح. وبعض الناس يطلب من صاحب الضريح قضاء حاجة أو تفريج كرب، ومنهم من يقول: العارف لا يعرف والشكوى لصاحب البصيرة عيب. ومن النساء من تقول لصاحب الضريح: جئتك اليوم زايره وعاوزة أجيلك المرة القادمة حاملة. إنا لله وإنا إليه راجعون؛ فكل هذا شرك.
قال تعالى:{ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } {الإسراء :56}.
وقال تعالى على لسان رسوله:{ قل أنى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } [الجن 21 ] { و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } [ البقرة 186 } وقال تعالى:{ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } [يوسف 106 ].
وقال e {اعملي يا فاطمة فإني لا أملك لك من الله شيئا }.
قال تعالى:{ لا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين}
(106) } [يونس106].
40- أفعال خاطئة في الحفلات :(/15)
اختلاط النساء بالرجال وشرب الدخان والرقص والغناء من النساء والرجال، والعزف بالآلات الشيطانية والتعري وكشف العورات ومصافحة الرجال للنساء الأجنبيات والباس الرجل الشبكة، أو دبلة الخطوبة. وهذا لا يجوز؛ لأن الخطبة مجرد وعد الزواج، وأحيانا قيام العروسين بالرقص أمام المدعوين وقيام الناس بالتصفيق والصفير واستئجار المسارح والملاهي والفنادق وفرق الرقص والغناء والزغاريد " الصوت الأحمق "، وذهاب العروس إلى حلاق النساء. كل هذا يحدث في يوم يبدءون به أولى مراحل حياتهم الزوجية، ويطلق على هذه المعاصي اسم فرح !! أهو فرج بمعصية الله؟
ويرى البعض أن مثل العصيان يغتفر لهم يعفي عنه في مثل هذه المناسبات بدعوى أنها ليلة في العمر وأنه سيتولون وأن الله غفور رحيم.
كيف نفرح بالمعصية وكيف تظهر فرحتنا بالمعصية ومبارزة الله بالحرب قال تعالى:{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة} [ الأنعام:44] وما أمر الزلازل والسيول عنا ببعيد.
فهل الأفراح التي تقام على مثل هذا العبث والضياع وإن صح التعبير هذه المخازي والأحزان، التي تحزن كل مسلم غيور على دينه هو أول ما يبدؤون بها حياتهم الزوجية في الوقت، الذي كان يجب أن يشكروا نعمة ربهم عليهم، ويحفظوا هذه النعمة من هذا العبث والإسراف والحرام وكل ما يغضب الله، وأن يبدؤوا حياتهم الزوجية بطاعة ربهم، وأن يقيموا هذه المناسبة في المسجد وسط ذكر الله ودعوات المصلين، ويتعرفوا على أمر دينهم سنة نبيهم حتى لا تفسد عليهم حياتهم حيث أن فساد الانتهاء من فساد الابتداء. والعبد إذا فسدت بدايته فسدت نهايته إلا أن يتوب توبة صادقة ومعظم النار من مستصغر الشرر، فكم من أفراح بدأت بالمعصية وانتهت بالشجار والمحاكم والأحزان والطلاق وضياع الأبناء، وذلك بسبب فساد الابتداء، ويتوب الله على من تاب.
41- سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام والمباريات :
إن الغناء يولد النفاق في القلب؛ لأنه ما اجتمع في قلب عبد محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طرد أحدهما الآخر؛ لأن الغناء قرآن الشيطان.
فقد روى من حديث مرفوع قال قتادة: "لما أُهبط إبليس قال:يا رب لعنتني فما عملي؟ قال السحر، قال:فما قرآني قال الشعر....." وقال تعالى: {قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا، واستفزز من استطعت منهم بصوتك } [ الإسراء:63 - 64]
وقال تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم } [لقمان:6]
وقال صلى الله عليه وسلم: [ ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعارف].
وقال صلى الله عليه وسلم: [ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ]. وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعارف. وقال:"صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نغمة ورنة عند مصيبة"، وقال: "ما من راكب يخلو في سيره بالله وذكره إلا كان ردفه ملك ولا يخلو بشعر ونحوه إلا كان ردفه شيطان".
وعندما سئل الإمام مالك عن الغناء قال:"فماذا بعد الحق إلا الضلال "، وقال الإمام الشافعي: إن الغناء لهو وباطل ومن أكثر منه فهو سفيه ترد شهادته، وقال الإمام أحمد عندما سثل عن الغناء قال:الغناء ينبت النفاق في القلب.
وقال ابن القيم عن الغناء أنه من مكايد عدو الله إبليس. وقد أجمع العلماء على تحريم القول الباطل وسماعه، وعلى أن الغناء حرام. ولو كانت الألفاظ التي يتغنى بها من كلمات الله فآلات الطرب حرام، وعلى هذا مضى حكم الأئمة في تفسيق المغني والمستمع للغناء، بل كان القانون المصري سنة 1983 يرد شهادة المغنى والممثل.
أما عن التمثيل وما يدور فيه فهو حرام؛ لأنه إخلال بالمروءة ودلالة على السفه وقلة العقل، وهو مع كل هذا كذب وزور. والتمثيل يكثر فيه الكلام بغير ذكر ال؛له قال صلى الله عليه وسلم:{ لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي }.
وإن وجود النساء الممثلات مع الرجال فيه من الشر والفساد ما لا يخفي على أحد وقد تضاف الموسيقى والغناء. والمتفرج شريك للمثل في الإثم والذنب؛ لإقراره هذا المنكر، ولإضاعة الوقت والمال في الباطل والحرام، وقد أصبح التمثيل أداة لنشر والفسق والفجور وإشاعة الفاحشة وتربية الأجيال على الأسوة السيئة وتعودهم على صور العري والخلاعة والخيانة مما يعمل على نزع الحياء وإقرار المنكر؛ حتى أصبحت النفوس تقبل أن يشاهد رجل يحتضن امرأة ويقبلها؛ لأنه يمثل دور أبيها أو زوجها، وقد يرقصان ويتعانقان كل هذا بحجة أنه تمثيل.
وكل هذا يراه الأبناء والبنات وأمام الأباء والأمهات. والله هذا عار وخسران مبين.
وأما عن مشاهدة المباريات من كرة ومصارعة، فهذا لا يجوز؛ لأنه إضاعة للوقت فيما لا منفعة فيه. وكذلك رؤية العورات حيث أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والانشغال عن الصلاة في وقتها مع الجماعة، إنا لله وإنا إليه راجعون.(/16)
وأما عن اللعب بالورق والطاولة وغيرها قال e من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله".
وقال:{ من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير }.
ثالثا:الاعتقادات الخاطئة والخرافات
1- الاعتقاد بأنه إذا قُتل إنسان في مكان، يخرج عفريته يتمثل للناس ليلا ويخيفهم. وهذه خرافة لا أساس لها. إنما هي أوهام قال تعالى:{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }[ الجن 6]. بل هذه هي الهامة التي نفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقالe: { لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، ولا صفر، ولا غول } [ صحيح رواه مسلم ].
2- الاعتقاد بأن هناك ساعة نحس في يوم الجمعة – هذا اعتقاد خاطئ، بل العكس هو الصحيح؛ فهناك ساعة سعد يُستجاب فيها الدعاء؛ قال e: {أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة } [صحيح رواه البيهقي 1098].
وقال: { يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر} [ صحيح رواه أبو داود 8190 ].
2- الاعتقاد بأن النُفساء من سقط إذا لقيت امرأة متزوجة حاملا في أول حملها، فإنها يفسد حملها، وإن لم تكن حاملا، يتأخر حملها أي كبستها. نعوذ بالله من هذا الجهل فإن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى.
3- الاعتقاد في أن طاسة الطربة أو الخضة تبرئ المذعور: وهى طاسة من النحاس بها أربعون مفتاحا تملأها ماء وتضعها ليلة على ظهر البيت مكشوفة للسماء ثم يتجرعها المذعور صباحا، أياما معلومة، فيبرأ مما به. إنا لله وإنا إليه راجعون ما بعد الجهل إلا الضلال. قال تعالى:{ ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28) } [الرعد 28].
الاعتقاد بأن الإناء إذا كُسرن فإنه أخذ الشر وراح: هذا ليس صحيحا فإن كسر الإناء لم يأخذ الشر ولا الخير. فالأمور كلها مقدرة بقدر الله. والصواب أن نقول قدر الله وما شاء فعل.
6- الاعتقاد بأن الزواج في شهر المحرم حرام: هذا اعتقاد خاطئ حيث أن الزواج جائز في أي وقت وكذلك الاعتقاد بأن الزواج في شهر شوال يورث الضنك والنزاع، فهذه عائشة رضى الله عنها تزوجت رسول الله في شوال ولم يكن هناك من النساء من هي أحب إليه منها.
7- الاعتقاد بأن القفز فوق النار يزيل نظرة العين "الحسد ". يحدث هذا عندما يرقون من به النظرة باعتقاد أن هذا التخطي يتمثل بصورة العائن فيقلعون عين هذا التمثال زاعمين أن ذلك يصرف السوء عن المعين. وإذا عرفوا العائن لهم احتالوا للحصول على قطعة من ثيابه وحرقوها معتقدين أن ذلك يبطل أثر العين.
8- الاعتقاد بأن كنس المنزل بالليل يورث الفقر، هذا من الخرافات ومنها أيضا ترك بعض الناس تنظف البيت وكنسه عقب سفر أحد من أهله؛ تشاؤما وظنا أن ذلك إن حدث فلن يرجع المسافر، وكذلك منع إبرة الخياطة والمنخل ليلا.
9- الاعتقاد بأن تعليق التمائم والخرزة، وحدوة الحصان، والكف "خمسة وخميسة " وقرن الفلفل، والحذاء القديم، والحظاظة وما شابه ذلك يمنع الحسد، كل هذا شرك قال e:{ من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا أودع الله له }، وقال:{استعيذوا بالله من العين فإن العين حق }.[صحيح رواه ابن ماجة 938 ].
وقال:" من علق تميمة فقد أشرك ".
10- الاعتقاد بأن الأحجبة تجلب الرزق، أو تمنع الحسد، أو تحبب الزوج في زوجته – أو تمنع بكاء الطفل. كل هذه خرافات لا أساس لها من الشرع.
11- الاعتقاد في السحرة والعرافين { فتح المندل – قراءة الكف والفنجان – فتح الكتاب – برجك اليوم} قال e:{ من أتى عرفا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة } [رواه مسلم 5940].
وقال:[ من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد } [صحيح رواه أحمد 5939].
فلا يجوز الذهاب للسحرة والعرافين وقراءة الكف والفنجان وقراءة حظك اليوم؛ لأن كل هذا من الكهانة. قال e:{ لا تأتوا الكهان } [ صحيح رواه الطبراني 7180 ].
12- التشاؤم من الدخول بنحو لحم أو باذنجان أو بلح أحمر أو ذهب على المرأة في أيام نفاسها، زاعمين أن ذلك يكبسها ويمنع نزول اللبن. وكذلك دخول من قدم من سفر أو حلق لحيته لتوه. كل ذلك غير معقول. وتأخر اللبن ناشئ من تسلط الوهم على الوالدة فتختل الدورة الدموية في جسدها فتؤثر على إدرار اللبن.
13- التشاؤم إذا جاء أحد العيدين يوم الجمعة – وكيف يكون شؤما يوم يجتمع فيه عيدان؛ عن زيد ابن أرقم قال: اجتمع عيدان على عهد رسوله الله e في يوم واحد، فصلى العيد في أول النهار وقال: يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان } [ رواه أبو داود ].
14- التشاؤم من كثرة الضحك وقولهم اللهم اجعله خيرا. كثرة الضحك لا تجلب شرا ولا تمنع خيرا. ولكن قد نهانا الرسول e من كثرة الضحك حيث قال " لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب } [ صحيح رواه ابن ماجه 7435 ].
{ وكان e لا يضحك إلا تبسما } [ رواه أحمد 4861].(/17)
15- التشاؤم من صوت البومة أو الغراب والحدأة، وطنين الأذن، ورفيف العين، وأكلان اليد، وتنميل القدم.
قال e:{ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، ولا صفر، ولا غول } [ صحيح رواه مسلم ].
والطيرة تعنى التشاؤم. فلا يجوز التشاؤم أو التفاؤل من أي شيء؛ لأن الأمور كلها بيد الله.
وفي حديث ابن عمر مرفوعا:{ من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك } [ رواه البيقهى].
وقال عكرمة: كنا جلوسا عند ابن عباس رضى الله عنهما، فمر طائر يصيح. فقال رجل من القوم:[ خير خير ] فقال ابن عباس:لا خير ولا شر.
16- التشاؤم من ذكر كلمة الموت وقولهم: بعيد الشر أو الشر برة وبعيد. قال e :"أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش ألا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه " [ حسن رواه البيقهى 1210 ].
17- التشاؤم من اللون الأسود أو الأزرق:هذا لا يجوز؛ لأن التشاؤم من أي شيء شرك؛ لقوله e :{ الطيرة شرك الطيرة شرك. الطيرة شرك } والطيرة تعنى التشاؤم [ واه أبو داود].
قال ابن مسعود:{ وما منا إلا... لكن الله يذهبه بالتوكل } فالتشاؤم من ألوان معينة أو أيام معينة أو أرقام معينة أو أشخاص معينين أو أي شيء لا يجوز؛ قال الله عز وجل:{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب لنا } [التوبة 51].
18- الاعتقاد بأن المرأة هى المسؤولة عن إنجاب الذكور.
للأسف الشديد هناك بعض من الرجال يحزن إن لم تلد له زوجته ذكورا، وإذا بشر بأن زوجته ولدت له بنتا أصابه الهم والحزن، وتحدث المشكلات وقد يصل الأمر إلى الطلاق، وفي هذا الأمر خطأ وإثم من جهتين :
الأولى: إنه اعتراض على قدر الله القائل سبحانه:{ لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لهم يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما} [ 49 - 50].
الثانية: مشابهة أهل الكفر الذين كانوا كما قال عنهم ربهم جل وعلا:{ و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به } [ النحل :58-59].
مع العلم أن التجارب والأبحاث العلمية الحديثة قد أثبتت أن نوع المولود لا دخل للأم فيه مطلقا، وأن الرجل هو الذي يحمل أيا من النوعين بإذن الله، وهذا ما كانت المرأة القديمة تعتقده بفطرتها السليمة، فهذه امرأة رجل يسمى أبو حمزة هجرها؛ لأنها لم تلد له بنينا، فقالت:
ما لأبى حمزة لا يأتينا ويذهب للبيت الذي يلينا
تراه حيران غضبان لأ ننا لم نلد له البنينا
والله ما هذا لعيب فينا فنحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد ألقى فينا
رابعا:المعاملات المادية الخاطئة
1- تبادل الذهب بالذهب مع أخذ أو دفع الفرق: فإن هذا لا يجوز لقوله e:لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق، إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء [ صحيح رواه مسلم 7213].
وقال e:من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل – يعنى الذهب بالذهب [صحيح – رواه مسلم ].
وقال e :الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى والآخذ والمعطى سواء [صحيح – رواه مسلم 3446].
وثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بلا ل رضى الله عنه أنه جاء إلى النبي e بتمر جيد فقال له أكل تمر خيبر هكذا. قال :لا ولكننا نبتاع الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال رسول الله e: أوّه لا تفعل! عين الربا عين الربا – قال e :بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا – أي تمر جيد.
2- العمل في تفصيل الملابس الخارجية للنساء الضيقة والقصيرة والشفافة والمفتوحة من الخلف أو الأمام. كل هذا لا يجوز؛ لأن هذا يعمل على إظهار المفاتن ويشجع على الإثارة والفاحشة قال تعالى:{ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } [النور19].
3- من المعاملات الخاطئة بيع ما لا تملكه، فلا يجوز للإنسان أن يبيع شيئا لا يملكه؛ لقوله e:لا تبع ما ليس عندك [صحيح ].
فمثلا رجلا يريد شراء سلعة وليس عنده ثمنها، فيذهب إلى من عنده المال فيشتريها له ثم يأخذ منه الثمن مؤجلا أكثر من ثمنها حيلة على الربا واضحة جدا قال تعالى:{ يمحق الله الربا ويربي الصدقات } [ البقرة 276 ].
أما إذا اشتراها وتسلمها ودخلت في ملكه وضمانه ثم باعها نسيئة فلا حرج، قال e :{الخراج بالضمان }.
4- بيع العينة:وهو أن يشترى الإنسان سلعة من التاجر بثمن مؤجل "بالقسط" ثم يبيع هذه السلعة لنفس التاجر بثمن مدفوع له نقدا، ثم يسدد الأقساط كما هو متفق. فهذا تحايل وهو عين الربا، أي بيع العينة، قال e:{ إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم } [صحيح رواه أبو داود: السلسلة الصحيحة 11].(/18)
5- أكل أموال الناس بالباطل من أخذ رشوة أو خلو الرجل – أو الهدايا لإنهاء مصلحة – أو أخذ مبلغ من المال نظير ختم الاستمارات بختم النسر.
قال e:" كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به". أو استخدام السيارات الحكومية للتكسب منها.
قال e:" يأتى على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال؟ من حلال أو حرام [صحيح – رواه النسائي 8003 ]
وقال تعالى:(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) [النساء:9]
6- القرض أو الاقتراض بفائدة هذا ربا قالe:" درهم ربا يأكله الرجل هو أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية " [صحيح - رواه أحمد 3375 ]
قال e:" ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله " [حسن- رواه أحمد 5634]
7- بيع الصور التي فيها الروح وكذلك التماثيل:هذا حرام قال e:" لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير " [صحيح - رواه أحمد7260 ]
فلا يجوز بيع الصور والتماثيل التي فيها الروح ولا وضعها بالبيوت والمحلات التجارية.
خامسا:الأسماء الخاطئة
ينبغي للمسلم أن يختار من الأسماء أحسنها، كاسم عبد الله وعبد الحمن وأحمد ومحمد ونحوهم من الأسماء الحسنة لما جاء في الحديث الذي رواه ابن عمر رضى الله عنهما مرفوعا: أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن [صحيح رواه وأبو داود ].
فينبغي للمسلمين أن يحبوا من الأسماء ما أحبه الله لهم، فهم يدعون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء آبائهم، كما روى أبو داود بسنده:{ إنكم تدعون بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم} [حسن رواه أبو داود وابن حبان ].
ومن الأسماء الخاطئة الموجودة في مجتمعاتنا:
1- عبد الموجود:وهو خطأ وصوابه عبد الواجد؛ لأن الموجود ليس من الأسماء الحسنى.
2- عبد العال: وهو خطأ وصوابه عبد الأعلى أو عبد المتعال أو عبد العلي؛ لأن العال ليس من أسماء الله الحسنى.
3- عبد الستار:وهو خطأ وصوابه عبد الستير؛ لأن الستار ليس من الأسماء الحسنى.
4- عبد العاطي: وهو خطأ وصوابه عبد المعطي؛ لأن العاطي ليس من الأسماء الحسنى.
5- عبد النبي: وهو خطأ وصوابه عبد رب النبي.
وعبد الرسول: وهو خطأ وصوابه عبد رب الرسول.
6- عاصية، وحزن، وأصرم وأفلح ونجيح ويسار ورباح لما يأتى :
فقد ورد أن النبي e كان يكره الأسماء القبيحة ويغيرها؛ فقد روى ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول e: غير اسم عاصية وقال:أنت جميلة {صحيح رواه مسلم }.
وعن سعيد بن المسيب بن حزن أن أباه حزنا جاء إلى النبي e فقال له:{ ما اسمك؟ قال:حزن، قال:أنت سهل، قال:لا أغير اسما سمانيه أبى !! قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد } [ صحيح – رواه البخاري ].
وجاء في سنن أبى داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل "ما اسمك؟ قال:أصرم:قال:أنت زرعة". [حسن – رواه أبو داود]
وروى سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسمين غلامك أفلح ولا نجيحا ولا يسارا ولا رباحا فإنك إذا قلت: أثم هو؟ قالوا:لا " [صحيح – رواه مسلم وأصحاب السنن]
واسم عزرائيل اسم خطأـ والصحيح أن نقول ملك الموت؛ لأنه لم يثبت أن اسمه عزرائيل.
كذلك ينبغي للمسلم أن يبتعد عن أسماء مثل:الفأر، القط، السيسى، البغل، ما لم تكن ألقابا متوارثة اشتهرت عن آبائهم، كما رأينا في الصحابة زينب بنت جحش، وعبد الله بن حمار، وفاطمة بنت أسد رضى الله عنهم.
الخاتمة
أيها الأخ المسلم:هذه نصائح إليك في كتاب الله وسنة نبينا e وفقنا الله لجمعها وصياغتها فإن أصبت فهذا من فضل الله وحده. وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله منه بريء وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بال.له وما نريد إلا أن نرى المسلمين جميعا بكتاب الله وسنهة نبيه e عاملين، وإلى الله داعين، ولما اندرس من السنن محبين، ولأهل الشركيات واعظين وناصحين، وللغش والخيانة والمكر والخديعة وأكل الحرام والإيمان الكاذبة والغضب والنهب والرشوة والسرقة والقتل والزنا وأذى الجار والفحش في القول واللعن والبخل والشح والحقد والحسد والكبر والغيبة والنميمة والتشاحن والتدابر والحلف بغير الله والنذر لغيره والغدر وخلف الوعد لكل هذا تاركين، ولجميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن مبتعدين، وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر.
فعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال:كنت عاشر عشرة من المهاجرين عند رسول الله e فأقبل علينا رسول الله e بوجهه فقال:(/19)
" يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوها: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خلف قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم " [رواه ابن ماجة]
وكل هذا الذي حل بأمتنا من ضعف ووهن وضنك إنما كان بمعاصينا وذنوبنا (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) . [الروم:41]
بتركنا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتفريطنا في أعظم وأول ما فرضه الله علينا وهو التوحيد، وما وقع منا من التهاون في أول ما نهانا الله عنه وهو الشرك به، وأعلن الناس المعاصي وجهروا بها فكان غضب الله وعذابه.
ذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبى عمران، قال:
" بعث الله عز وجل ملكين إلى قرية أن دمروها بمن فيها فوجدوا فيها رجلا قائما يصلى في مسجد فقالا: يا رب إن فيها عبدك فلانا يصلى، فقال الله عز وجل:دمراها ودمراه معهم فإنه ما تمعر وجهه في قط " [تمعر:عبس وظهر عليه الغضب]
ولما زلزلت الأرض على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا على شيء أحدئتموه. والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدا. (رواه ابن أبى الدنيا).
وذكر ابن أبى الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة رضى اله عنها ومعه رجل آخر فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة. فقالت: إذا استباحوا وشربوا الخمور وضربوا بالمعازف غار الله في سمائه، فقال للأرض تزلزلي بهم. فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم. قال: يا أم المؤمنين: أعذابا بهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين ونكالا وعذابا وسخطا على الكافرين. فقال أنس: ما سمعت حديثا بعد رسول الله e أنا أشد فرحا به منى بهذا الحديث.
وختاما:هذا ما تيسر جمعه من الأخطاء الشائعة في أقوالنا وأفعالنا ومعاملاتنا وأسمائنا. ونسأل الله عز وجل أن يكون هذا العمل خالصا لوجهة الكريم، كما نسأل كل من قرأ هذا الكتاب أن يدعو بظهر الغيب لكل من شارك في جمع الكتاب، وغن كان هناك أخطاء شائعة أخرى لم ترد في هذا الكتاب فنرجو إرسالها ليمكن إضافتها في الطبعات القادمة إن شاء الله.
البريد الإلكتروني:
tazahran@hotmail.com
tazahran7@yahoo.com
وأخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين.(/20)
كلمة [ بلى ] في القرآن ... ... ...
وقعت [ بلى ] فى كتاب الله عز وجل فى اثنين وعشرين موضعا وفى ست عشرة سورة ، وتنقسم ثلاثة أقسام :
القسم الأول :-
وهو اختيار القراء وأهل اللغة – الوقف عليها لأنها جواب لما قبلها غير متعلق بما بعدها وذلك فى عشرة مواضع
موضعان فى البقرة :
قوله تعالى : { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ* بَلَى } (البقرة 80-81)
وقوله تعالى : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى } (البقرة 111-112)
وفى آل عمران موضعان : قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى } (آل عمران 75-76)
وقوله تعالى { يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلَى } (آل عمران 124-125)
وفى الأعراف موضع واحد : قوله تعالى : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } (لأعراف: من الآية172) وفيه خلاف
وفى النحل موضع واحد : قوله تعالى : { فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى } (النحل: من الآية28)
وفى يس موضع واحد : قوله تعالى: { بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى } (يّس: من الآية81)
وفى غافر موضع واحد : قوله تعالى : { قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى } (غافر: من الآية50)
وفى الأحقاف موضع واحد : قوله تعالى : { بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى } (الاحقاف: من الآية33)
وفى الانشقاق موضع واحد قوله تعالى : { أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى }(الانشقاق 14،15)
وقد أجاز بعضهم الابتداء بها وليس بمختار والله أعلم
القسم الثاني :-
مالا يجوز الوقف عليه لتعلق مابعدها بما قبلها وذلك فى سبعة مواضع :
فى الأنعام موضع وهو قوله تعالى: { قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا } (الأنعام: من الآية30)
وفى النحل موضع وهو قوله تعالى: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } (النحل: من الآية38)
وفى سورة سبأ موضع وهو قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } (سبأ: من الآية3)
وفى سورة الزمر موضع وهو قوله تعالى : { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي } (الزمر:58،59)
وفى سورة الأحقاف موضع وهو قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا }(الاحقاف: من الآية34)
وفىسورة التغابن موضع وهو قوله تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } (التغابن: من الآية7)
وفى سورة القيامة موضع وهو قوله تعالى : { أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } (القيامة:3،4)
القسم الثالث :-
وفيه الخلاف فمنهم من أجاز الوقف ومنهم من منع والأحسن أن لا يوقف عليها لا تصالها بما قبلها وما بعدها وذلك فى خمسة مواضع :
فى البقرة موضع وهو قوله تعالى : { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } (البقرة: من الآية260)
وفى الزمر موضع وهو قوله تعالى : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } (الزمر: من الآية71)
وفى الزخرف موضع وهو قوله تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }(الزخرف 80)
وفى الحديد موضع وهو قوله تعالى : { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ } (الحديد: من الآية14)
وفى الملك موضع وهو قوله تعالى : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِير } (الملك: من الآية8،9)
و[ بلى] جواب استفهام ٍ فيه حرف نفى كقولك ألم تفعل كذا ؟ فيقول بلى . قال فى مختار الصحاح : [ بلى] جواب للتحقيق توجب ما يقال لك لأنها ترك للنفى وهى حرف لأنها ضد [ لا] ... ...
... ...(/1)
كلمة التقوى في القرآن
لهذه الكلمة المشّرفة [ لا إله إلا الله ] كلمة السعادة والنجاة والفوز العظيم والتوحيد الخالص، أسماء عديدة في القرآن الكريم، منها:
1 – كلمة الإخلاص: قال تعالى: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ {2} أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ }... [الزمر: 2،3] ، أي العبادة .
ولا يتم الإخلاص لله تعالى في العبادة إلا بتوحيده وإفراده بالألوهية و الربوبية، ونفي الشريك والمماثل له تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ... [الشورى : 11]، وقد سميت سورة: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ... [الإخلاص:1] في القرآن سورة الإخلاص؛ لورودها كلها في التوحيد الخالص.
2 – كلمة الإحسان: أحسن بها العبد إلى نفسه بتوحيد الله تعالى، قولاً باللسان، واعتقادا بالجنان، وعملا بالأركان، فأحسن الله تعالى إليه بالجزاء الأوفى والمثوبة العظمى، قال تعالى: { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } ... [الرحمن:60]، ولا إحسان أعظم من جزائه تعالى عليه، قال تعالى { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ... [يونس:26]، والحسنى جنة الخلد في النعيم المقيم والزيادة النظر في الجنة إلى وجه الله الكريم.
3 - كلمة العدل: قال تعالى { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } ... [النحل: 90]، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما: " العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان: الإخلاص فيها حتى لا تشوبها شوائب. وقيل: العدل مع الناس والإحسان مع نفسك بالطاعة والانقياد إلى الله تعالى "
4- الطيب من القول: قال تعالى:{ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } ... [ الحج:24]، ولا قول أطيب وأطهر وأزكى من قول: لا إله إلا الله، هداهم الله إليه فهداهم إلى الإسلام، وهو صراط الله الحميد، والصراط المستقيم.
5 – الكلمة الطيبة: وصفت بالثبات لأن أول من شهد بها هو الله تعالى قال سبحانه: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } ... [فاطر: 10]، { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء } ... [إبراهيم: 24]، أي كلمة التوحيد كشجرة طيبة الثمار كثيرة المنافع، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. وقيل: هي النخلة.
6 – الكلمة الثابتة: وصفت بالثبات لأن أول من شهد بها هو الله تعالى، قال سبحانه: { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ } ... [آل عمران: 18]، وهو القول الحق المحكم الذي يثبت الله به المؤمنين في الحياتين، كما قال تعالى: { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } ... [إبراهيم: 27]، وأول منازل الآخرة القبور عند الموت.
7 – كلمة التقوى: اتقى بها أهلها أن يصفوه تعالى بما وصفه به المشركون، فوقوا أنفسهم سوء العذاب، قال تعالى: { فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } ... [الفتح: 26]، فهم أحق الخلق بهذه الكلمة، وهي مفتاح محبة الله ومفتاح الجنة، وهم أهل التقوى وأهل المغفرة.
8 – الكلمة الباقية: التي لا تزول ولا تحول قال تعالى : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } ... [الزخرف: 28]، أي في عقب إبراهيم الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي قال لأبيه وقومه: { إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ } ... [الزخرف: 26]، ولذلك قال المفسرون: إنها كلمة التوحيد.
9 – كلمة الله العليا: المستعلية على كل شيء لأحقيتها وعظمتها، قال تعالى: { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا } ... [التوبة: 40]، بها استعلى هذا الدين الحنيف على سائر الأزمان، كما قال تعالى: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } ... [الفتح: 28]، لأنه هو الدين الحق ولو كره المشركون.
10 – المثل الأعلى: قال قتادة في قوله تعالى: { وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ } ... [النحل:60]، هو قول: لا إله إلا الله، والمثل الصفة، قال تعالى: { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } ... [الرعد:35] أي صفتها.(/1)
11 – كلمة السواء: قال تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ... [آل عمران: 64]، قال أبوالعالية: " كلمة السواء هي كلمة التوحيد، وسميت كلمة السواء لأنها الصراط المستقيم على طرفي الإفراط والتفريط ".
12 – كلمة النجاة: حيث لا نجاة من عذاب الله إلا بها، قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } ... [النساء:116]، { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ... [لقمان:13]، وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ : ( سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الوجبتين فقال: من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ).
13 – دعوة الحق: قال تعالى: { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ } ... [الرعد:14]، أي لله تعالى الدعوة الملابسة للحق الثابت، وهي كلمة التوحيد كما رواه ابن جرير، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقتادة ومالك عن محمد بن المنكدر: هي لا إله إلا الله . أ هـ، ومعنى كونها له تعالى أنه شرعها وأمر بها، وجعل افتتاح الإسلام بها بحيث لا يقبل بدونها ، وأما دعوة الكافرين فهي باطل من القول وضلال مبين، كما قال تعالى: { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } ... [الرعد:14].
14 – العهد: قال تعالى: { لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً } ... [مريم:87]، قال ابن عباس: " هو قول لا إله إلا الله بدليل قوله تعالى: { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } ... [ البقرة:40] وعهده تعالى هو الإيمان الذي أمر به بقوله: { وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ } ... [البقرة: 41]، وهو أول العهود، لقوله تعالى: { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى } ... [الأعراف:172] ".
15 - كلمة الاستقامة: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا } ... [فصلت: 30]، قال ابن مسعود: " ثم استقاموا أي: قالوا لا إله إلا الله، فنفوا الشركاء والأضداد ".
16 – مقاليد السماوات والأرض: قال تعالى: { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ... [الزمر: 63]، أي مفاتيحها، قال ابن عباس: هي قول لا إله إلا الله، إذ الوحدانية سبب لعمارة العالم، كما أن الشركة سبب لخرابه، قال تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } ... [الأنبياء:22].
17 – القول السديد: الذي يسد عن صاحبه أبواب جهنم يوم القيامة، فهو فعيل بمعنى فاعل.
18 - البر: قال تعالى: { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } ... [البقرة:177]، فالبر إشارة إلى الإيمان والتوحيد.
19 – الدين الخالص: قال تعالى: { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } ... [الزمر:3]، أي لله تعالى العبادة الخالصة له والخضوع والانقياد له لا لغيره، وإنما يكون كذلك إذا كان واحداً في ألوهيته لا شريك له.
20 – الصراط المستقيم: قال تعالى: { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } ... [الفاتحة:6]، { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ } ... [الأنعام:153 ]، { وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ... [الحج:54]، وهو قول لا إله إلا الله { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ... [الشورى:53] .
21 – كلمة الحق: قال تعالى: { إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ } ... [الزخرف:86]، وهو قول لا إله إلا الله.
22 – العروة الوثقى: قال تعالى: { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا } ... [البقرة:256]، وهي كلمة التوحيد.
23 – كلمة الصدق: قال تعالى: { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } ... [الزمر:33]، وهو قول لا إله إلا الله.(/2)
كلمة عقيدة اشتقاقها ومدلولها
العقائد هي الأمور التي تصدق بها النفوس، وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقيناً عند أصحابها، لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك.
وكلمة عقيدة في اللغة : مأخوذة من مادة (عقد) ومدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق، ففي القرآن : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذاكم بما عقدتم الأيمن ) وتعقيد الأيمان إنما يكون بقصد القلب وعزمه . ويُقال (عقد الحبل) أي : شدّ بعضه ببعض ، والاعتقاد : من العقد وهو الربط والشد ، يقال: اعتقدت كذا ، يعني : جزمت به في قلبي ، فهو حكم الذهن الجازم .
والعقيدة في الشّرع هي : أمور علمية يجب على المسلم أن يعتقدها في قلبه ويؤمن بها إيمانا جازما دون شكّ ولا ريب ولا تردّد ، لأن الله أخبره بها بطريق كتابه ، أو بطريق وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
وأصول العقائد التي أمرنا الله باعتقادها هي المذكورة في قوله تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) ، وحددها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور بقوله : ( الإيمان : أن تؤمن بالله، وملائكته ، وكتابه ، ولقائه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث الآخر ) .
إذن العقيدة في الإسلام : هي المسائل العلمية التي صح بها الخبر عن الله ورسوله ، والتي يجب أن ينعقد عليها قلب المسلم تصديقاً لله ورسوله .
المصدر : شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين والعقيدة في الله لعمر الأشقر
موقع الإسلام سؤال وجواب(/1)
كلمة فى الانتصار لرسول الله ضد قُوَى الكفر والسفالة وقلة الأدب
"الرسول النكَّاح والقُمّص المنكوح"
كلمة فى الانتصار لرسول الله ضد قُوَى الكفر والسفالة وقلة الأدب
بقلم :أ.د/إبراهيم عوض
ibrahim_awad9@yahoo.com
استعلن القوم فى المهجر بقلة الأدب والسفالة التى كانوا يخفونها تحت رداء الرقة والسماحة والمحبة الكاذبة، وأخذوا يشتمون رسول الله أبشع الشتائم: فهو مرة الرسول المخنَّث، ومرة الرسول النّكَّاح، ومرة الشيطان الكافر المنافق القاتل الزانى اللص. كما سَمَّوْا كتاب الله: "قرآن سافو"، و"قرآن رابسو"، و"الوحى الشيطانى"، ووصفوا المسلمين بأنهم كفرة منافقون زناة أولاد زانيات، وألفوا قرآنا كاذبا مزيفا وأطلقوا عليه "الفرقان الحق" تصورا من الأوغاد الأوباش أن بمقدورهم إزاحة كتاب الله وإحلال هذا العهر محله. ولم يكتفوا بهذا بل يرسلون إلينا بخطابات مشباكية ويصرخون فى الفضائيات يهددوننا بأمريكا التى ستأتى وتمحقنا وتعيد دين الله إلى البلاد التى جاء منها، وكأن دينهم صناعة مصرية ولم يأت هو أيضا من خلف الحدود، فضلا عن أن الإسلام لم يتعرض لما تعرض له دينهم من عبث وتحريف... إلى آخر ما يفعلون مما يدل على أنهم قد فقدوا عقولهم وليس فى أيديهم شىء يمكن أن يجادلوا به. وقد كنا نسمع هذا كله ونقرؤه وأكثر منه ثم نسكت ونقول: إذا كان هؤلاء الشراميط مجانين فلنكن نحن عقلاء. ويبدو أن ذلك الموقف المتسامى قد غرَّهم فظنوا أن الساحة خالية لهم يقولون فى ربنا ونبينا وكتابنا وفينا نحن أنفسنا وفى أمهاتنا وآبائنا ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب. لكن الكيل قد فاض، فكان لا بد من الرد على هذه السفالات والبذاءات. وفى القرآن الكريم: "فمن اعتدى عليكم فاعْتَدُوا عليه بمثل ما اعْتَدَى عليكم"، "وإنْ عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"، وفى الأمثال والحِكَم التى يرددها العقلاء من جيل إلى جيل: "الشر بالشر، والبادئ أظلم". وفى هذه الهوجة كتب القُمّص المنكوح فى موقعه المعروف على المشباك كلمة بعنوان "بين السيد المسيح والنبى محمد فى القرآن والإنجيل" يقارن فيها بين عيسى بن مريم والرسول الكريم بغية الوصول إلى أن ثمة فرقا شاسعا لا يمكن اجتيازه بين المسيح (الله أو ابن الله) وبين محمد، الذى ينكر القُمّص المنكوح نبوّته كفرا منه وحمقا سيورده بمشيئة الله موارد الجحيم إلا إذا كتب الله له توبةً قبل أن يغرغر. وتقوم الكلمة المأبونة كصاحبها على أساس أن القرآن الكريم يقول فى المسيح كذا وكذا مما لم يذكره لمحمد، وهو ما يدل فى نظر المأبون على أن محمدا رجل كذاب، وأن عيسى بن مريم إله أو ابن للإله، وذلك على النحو التالى:
"المسيح فى القرآن هو:
1ـ كلمة الله 2ـ وروح منه 3ـ آية من الله
4ـ بلا مساس من البشر 5ـ وأنه تكلم فى المهد 6ـ وخلق طيراً
7ـ شفى المرضى 8ـ أقام موتى 9ـ تنبأ بالغيب
10ـ مؤيد بالروح القدس 11ـ مباركاً 12ـ خلت من قبله الرسل
13ـ ممسوح من الأوزار والخطايا 14ـ صعد إلى السموات 15ـ سيأتى حكماً مقسطاً
16 ـ وأنه وجيهاً فى الدنيا والآخرة". ودائما ما يختم الأحمق كلامه فى كل موضوع من هذه المواضيع بالسؤال التالى: وماذا عن محمد؟ وهو سؤال لا يحتاج إلى شرح ما يحمل فى طياته من مغزًى كما هو بَيِّنٌ واضح. وسوف نتناول ما قاله هذا المنكوح بمنطق باتر لا يفهمه لا هو ولا أمثاله ممن تعودوا على الإيمان بما لا يعقلون، بل يرددون ما يُلْقَى إليهم دون وعى ولا إدراك ولا ذوق.(/1)
وسنبدأ بما قاله عن وصف القرآن للسيد المسيح بأنه "كلمة الله". وهذا كلامه بنصّه: "المسيح هو كلمة الله : (1) (النساء 4: 171) "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه". (2) (سورة آل عمران 3: 45) "إذ قالت الملائكة: يا مريم، إن الله يبشرك بكلمة منه، إسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيهاً فى الدنيا والآخرة ومن المقربين".(3) (يوحنا 1: 1،2،14) "فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان فى البدء عند الله. كان فى البدء عند الله. والكلمة صار جسداً وحل بيننا، ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب". (4) معنى الكلمة فى اللغة اليونانية التى كُتب بها الكتاب المقدس هى : لوغوس: أى عقل الله الناطق". والواقع أننى لا أدرى كيف يمكن الوصول إلى النتيجة التى يريدها هذا الأفاك من النصوص القرآنية التى أوردها. إن القرآن يؤكد أن المسيح عليه السلام لم يكن سوى رسول، أى أنه لم يكن إلها أو ابن إله، إذ ليس للقَصْر فى هذا الموضع إلا ذلك المعنى. بل إن مجرد كونه رسولا ليس له من معنى إلا أنه كان بشرا، فقد جاء فى القرآن عن الرسل قوله سبحانه وتعالى: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نُوحِى إليهم" (يوسف/ 109، والنحل/ 43)، "ولقد أرسلنا رُسُلاً من قَبْلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية" (الرعد/ 38)، "يا بنى آدم، إمّا يأتينّكم رسل منكم (أى بشر مثلكم)..." (الأعراف/ 35). أى أن الرسل لم يُبْعَثوا إلا من البشر، سواء قلنا إن "الرجال" هنا معناها "البشر" على وجه العموم (جمع "رَجُل" و"رَجُلَة") أو "الذكور" منهم خاصة. ذلك أن الوثنيين كانوا يستنكرون أن يكون الرسول من البشر، قائلين: "أَبَعَث اللهُ بشرًا رسولا؟" (الإسراء/ 94)، فرَدَّ القرآنُ عليهم: "قل: لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنّين لنزّلنا عليهم من السماء مَلَكًا رسولا" (الإسراء/ 95). وبالمثل يقع النص التالى قريبا من هذا المعنى: "وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ* وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " (الأنعام/ 8- 9). فمعنى أن المسيح عليه السلام لم يكن سوى رسول أنه كان بشرا من البشر. وقد قال القرآن هذا ردًّا على كفر النصارى الذين ألّهوه عليه السلام كما هو معروف، لكن زيكو مزازيكو يظن بخيابته أنه يستطيع خداع القراء، على حين أنه لا يخدع إلا نفسه ومن على شاكلته ممن يعيشون على الكذب والتدليس. ويا ليته تدليس ذكى، إذن لكنا أُعْجِبْنا ببهلوانيته وتنطيطه، لكنه تدليس غبى مثل صاحبه لا يبعث على الإعجاب، بل على البصق على وجه المدلِّس الكذاب!
أما وصف القرآن له عليه السلام بأنه كلمة من الله فمعناه أنه قد خُلِق بالأمر المباشر لأنه لم تكتمل له الأسباب الطبيعية التى تحتاجها ولادة طفل جديد: وهى الاتصال الجنسى بين رجل وامرأة، وتأهّل كليهما للإنجاب، ووقوع الاتصال فى الأوقات التى يمكن أن يتم فيها الحمل، وغير ذلك. والمقصود أن الله قد قال له: "كن" فكان، وهو نفسه الحال فى خَلْق آدم: "إنّ مَثَلُ عيسى عند الله كمَثَل آدم. خلقه من تراب، ثم قال له: كن، فيكون" (آل عمران/ 59). إن الكذاب البهلوان يحاول الاستشهاد بالقرآن، فكان من الواجب عليه الأمانة فى النقل عن القرآن وعدم اقتطاع أى نص من نصوصه من سياقه العام ولا من سياقه فى الآيات التى تحيط به...إلخ.(/2)
ثم إن المدلّس البهلوان يسوق لنا كلام يوحنا ليدلل به على ألوهية المسيح عليه السلام، وهو: "فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان فى البدء عند الله. والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب" (يوحنا 1: 1، 2، 14). وهذا كلام مضحك لا يوصّل لشىء مما يريد أن يدلّس به علينا، إذ إن يوحنا يتناقض من كلمة للكلمة التى تليها مباشرة، وليس عنده البراعة فى حَبْك البكش الذى يمارسه للأسف. كيف؟ لقد قال فى البداية إن الكلمة كان (أو كانت) عند الله. أى أنها لم تكن هى الله، بل عند الله. ذلك أن الشىء لا يكون عند نفسه، بل عند غيره. لكن يوحنا سرعان ما ينسى فيقول إن الكلمة التى كانت عند الله هى الله ذاته. الله أكبر! ثم لا يكتفى جنابه بهذا أيضا بل يمضى فى التخبط قائلا إن الكلمة كانت كالابن الوحيد للأب (أو "الآب")، وكل ذلك فى سطرين اثنين لا غير! ومع ذلك كله فإنه لا يكتفى بهذا ويكفأ على الخبر الفاضح ماجورا، بل يأبى إلا أن تكون الفضيحة من النوع ذى الجلاجل، أى الأجراس والشخاليل، حتى يمكن أى راقصة شرقية أن تتشخلع عليها وتأخذ راحتها على الآخر وتكون الليلة ليلة فُلَّلِيّة! ولهذا نراه يقول إن معنى "الكلمة" فى اللغة اليونانية التى كُتب بها الكتاب المقدس هى "لوغوس"، أى عقل الله الناطق. الله أكبر مرة أخرى وثالثة ورابعة وعاشرة ومائة وألفا ومليونا... إلى ما شاء الله!
معنى هذا أن البكّاش قد جعل هو ويوحناه من "الكلمة" شيئا عند الله، ثم عادا فجعلاها هى الله ذاته، ثم عادا فجعلاها ابنه الوحيد، ثم عادا فجعلاها عقل الله (عقل الله الناطق من فضلك، وليس عقله الأخرس الأبكم. ترى هل هناك عقل ناطق وعقل ساكت؟ ولمن؟ لله سبحانه!). فتعالَوْا "أيها المتعبون والثقيلى الأحمال" نحاول معا أن نحل هذه الفزورة (أو "الحزورة" كما يقول بعض الأطفال)! أما إنك يا زيكو "لَوَضِيعٌ ومتواضعُ العقل" كما جاء فى كتابك المقدس، مع استبدال "الوضيع" بـ"الوديع" و"العقل" بـ"القلب" لتناسب الموقف المضحك الذى نحن فيه! طيب يا وضيع يا متواضع العقل، ألم تفكر فيما سيحدث لله حين يتركه عقله ويأتى فيتجسد فى دنيانا؟ ترى كيف سيدبر سبحانه العالم بدون عقل؟ ألا خيبة الله على عقلك التَرَلَّلِى أنت وقائل هذا السخف! يا أيها الوضيع المتواضع العقل، إننا الآن فى القرن الحادى والعشرين، وأنت وأمثالك ما زلتم ترددون هذا الكلام المضحك الذى تحاول أن تضحك علينا به ويقول الغربيون إنهم قد تجاوزوه، على حين أنهم فى أوروبا و"أمريكا يا ويكا" يشجعونك أنت وأشباهك من المعوقين عقليا ونفسيا على ترديد هذا الكلام! لا وإيه؟ إنهم يشجعونكم على محاولة تنصير أولادنا وبناتنا وتحويلهم إلى مجموعة من المعاتيه المخابيل عَبَدة الخِرْفان ذات الجِزّة الصوفية المعتبرة التى يمكن بعد ذبح الخرفان وأكلها أن نتخذها "فروة" نفرشها تحت أقدامنا فى ليالى الشتاء الباردة فنكون قد استفدنا من الخروف لحما وصوفا ولم نرم منه إلا المصارين والأظلاف والقرون! لا بل إننا لنستطيع أن نصنع من المصارين (بعد غسلها جيدا) سجقا لذيذا، ومن الأظلاف والقرون غِرَاءً نلصق به شفتيك النجستين فلا تزعجنا بعدها بكلامك هذا الأبله!(/3)
ليس ذلك فقط، بل إن الوغد ليتكلف خفة الظل تكلفًا رغم ثقل روحه، فيسوق قوله تعالى: "قل: سبحان ربى! هل كنت إلا بشرًا رسولاً؟" (الإسراء/ 93)، "إنما أنا بشرٌ مثلكم" (الكهف/ 110، وفُصِّلَتْ/ 6) دليلا على أن القرآن، فى الوقت الذى يحكم فيه لعيسى أنه ابن الله أو الله نفسه، يقول عن محمد إنه ليس سوى رسول. وهذا كله كذب وخداع لا أدرى كيف يجرؤ أى إنسان يحترم نفسه ويقول إنه على الحق أن يُقْدِم عليه! أيمكن أن يُقْبِل مثل ذلك الشخص على الكذب بهذا الأسلوب المفضوح السخيف؟ لقد كان على الرجل، إذا تنازلنا وقلنا عن أمثاله إنهم رجال، أن يُطْلِع قارئه على الآيات القرآنية الكريمة التى تنفى الألوهية تماما عن عيسى عليه السلام وتؤكد أنه مجرد إنسان كسائر الناس، يأكل ويشرب ويدخل الحمام ليعمل كما يعمل الناس، وأنتم تعرفون بطبيعة الحال ماذا يعمل الناس فى الحمام! أليس كذلك؟ أم أقول لكم ماذا كان يفعل هناك؟ لا، لا داعى للإحراج، ولا داعى لأن تدفعونى إلى التصريح بأنه كان يتبول ويتبرز، لأن التصريح هنا لا يصح! ثم أى إله ذلك الذى كان يعملها على روحه وهو طفل صغير فتمسحها له أمه بخرقة؟ يا له من إله! أم تراكم تقولون إنه كان يتبول عصير تفاح، ويتبرز كفتةً وكبابًا؟ لكنه لن يكون حينئذ أيضا إلا بشرا لأن الآلهة لا تتبول ولا تتبرز على أى نحو! ثم يجد المتاعيس فى أنفسهم جرأة ليشتموا رسولنا ويقولوا عنه: "الرسول النكّاح". طيب، وما له؟ فلم إذن خُلِق الرجال إذا لم ينكحوا النساء؟ أم تراهم يُنْكَحون كالنساء مثلما يُنْكَح أشباه هذا الجلف من القساوسة والأساقفة ممن كانوا طول عمرهم يُنْكَحون، ثم لم يعودوا الآن فى بلاد الغرب يهتمون بالتوارى عن الأنظار والاستخفاء بهذا الرجس عن عيون الناس فأصبحوا يعلنون أنهم يُنْكَحون، مع أننا نعرف أنهم كانوا كذلك من قديم الأزل، لأن الإنسان إما ناكح أو منكوح يا زيكو يا أبا المناكيح!
قال تعالى: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ* لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ" (المائدة/ 72- 77)، "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ علاّمُ الْغُيُوبِ* مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (المائدة/ 116- 117)، "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (التوبة/ 30- 31). كما مر قبل قليل أن عيسى مثل آدم: كلاهما مخلوق بكلمة "كن" لا من اتصال رجل بامرأة!(/4)
ويستمر زيكو مزازيكو فى تخاريفه التى يخال أنها يمكن أن تجوز على العقول، غير دارٍ أن عقول الآخرين ليست كلها كعقله الضحل المتهافت، فتراه يستشهد على زعمه أن المسيح يختلف عن الرسول الكريم (فى أنه روح، وبالتالى فإنه إله لا إنسان) بقوله جل جلاله: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" (النساء/ 171). ثم يعقب قائلا إن "البعض يعترض بأن معنى "روح" الله أى "رحمة" من الله. والواقع أنا لا أدرى لماذا يموّه المسلمون الحقائق. ففى "المعجم الوسيط" (الجزء الأول ص 380) تجد هناك كلمتين : 1ـ (الرَّوْحُ): [بفتح الراء وسكون الواو] معناها: الراحة أو الرحمة. أو نسيم الريح. 2ـ (الرُّوحُ): [بضم الراء ومد الواو] معناها: النفس. و(رُوحُ القدُس): [عند النصارى] الأقنوم الثالث. ويقول البعض أن المقصود بروح القدس فى القرآن هو جبريل عليه السلام (سيأتى الحديث عن ذلك بعد قليل). وقد يعترض البعض أيضاً بأن مَثَل المسيح أنه روح من الله كمَثَل آدم الذى قيل عنه: "ونفختُ فيه من روحى" [سورة الحجر/ 29، وسورة ص/ 72]. فدعنا نناقش هذا الرأى. بمقارنة ما قيل عن المسيح وعن آدم نجد اختلافاً كبيراً:
آدم ... المسيح
ونفختُ فيه من روحى ... إنما المسيح ... روح منه
هذا التعبير الذى قيل عن آدم ليس كالتعبير الذى قيل عن المسيح، بل كالتعبير الذى قيل عن مريم: [الأنبياء/ 91] "والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا" فهل نحن نؤله العذراء؟ ... ومعنى روح منه : يتطابق مع الآيات القرآنية التى تتحدث عن تأييد السيد المسيح بالروح القدس، وهو فى المهد، كما توضح الآيات التالية …
ومن الواضح الجلى أن الرجل قد غُشِّىَ على عقله تماما، إذ مهما يكن معنى الروح فى كلام القرآن عن عيسى عليه السلام فلا ريب أن "الروح" هنا هى نفسها الروح فى حال سائر البشر، أما ما يقوله هو فكلام فارغ لا سبيل إلى صحته أبدا. كيف؟ يقول زكزك إن القرآن يقول عن آدم: "ونفحتُ فيه من روحى"، مثلما يقول عن مريم: "ونفخنا فيها من روحنا". أى أن النفخ، حسبما يقول، لم يتم فى آدم وعيسى، بل فى آدم ومريم، فلا وجه للشَّبَه إذن بين آدم وعيسى. أتعرف أيها القارئ ما الذى يترتب على هذا؟ الذى يترتب عليه هو أن يكون الخارج من آدم ومريم متشابهين، أى أن البشر جميعا (وهم الذين خرجوا من صلب آدم) يشبهون عيسى (الذى خرج من رحم مريم). وعلى هذا فإما أن نقول إن الطرفين جميعا (البشر من ناحية، وعيسى من الناحية الأخرى) آلهة إذا قلنا إن "الروح" هنا تعنى "الألوهية"، أو أن نقول إنهما جميعا بشر على أساس أن "الروح" تعنى "الحياة والوعى والإرادة وما إلى ذلك". واختر يا زيكو ما تحب، ولكن عليك أن تعرف أن الطريق أمامك إلى التمييز بين عيسى عليه السلام وأبناء آدم مسدود، إذ هما شىء واحد. ويبقى آدم نفسه: فأما الإسلام فيقول إنه بشر مخلوق من طين، وأما الكتاب المقدس فيقول فى نسبه إنه ابن الله، فى الوقت الذى ينسب عيسى إلى يوسف النجار. يا ألطاف السماوات! هكذا؟ نعم " هكذا ببساطة وبكل وضوح!": "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي 24 بن متثات بن لاوي بن ملكي بن ينّا بن يوسف 25 بن متاثيا بن عاموص بن ناحوم بن حسلي بن نجّاي 26 بن مآث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا 27 بن يوحنا بن ريسا بن زربابل بن شألتيئيل بن نيري 28 بن ملكي بن أدي بن قصم بن ألمودام بن عير 29 بن يوسي بن أليعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي 30 بن شمعون بن يهوذا بن يوسف بن يونان بن ألياقيم 31 بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود 32 بن يسّى بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون 33 بن عميناداب بن ارام بن حصرون بن فارص بن يهوذا 34 بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم بن تارح بن ناحور 35 بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح 36 بن قينان بن ارفكشاد بن سام بن نوح بن لامك 37 بن متوشالح بن اخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان 38 بن انوش بن شيت بن آدم ابن الله" (لوقا/ 3). فالمسيح، كما هو واضح من النص، لم يُنْسَب لله، بل الذى نُسِبَ لله هو آدم! يعنى؟ يعنى أن الكتاب المقدس نفسه يضع آدم فى مكانة أعلى بما لا يقاس بالنسبة للمسيح، عليهما جميعا السلام. وغنى عن القول إننا لا نولى هذا الكلام المضحك شيئا من الاهتمام على الإطلاق!
وفى النص التالى، وهو عبارة عن الإصحاح الأول كله من إنجيل متى، نقرأ: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم . 2 ابراهيم ولد اسحق . واسحق ولد يعقوب . ويعقوب ولد يهوذا واخوته . 3 ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار . وفارص ولد حصرون . وحصرون ولد(/5)
ارام . 4 وارام ولد عميناداب . وعميناداب ولد نحشون . ونحشون ولد سلمون . 5 وسلمون ولد بوعز من راحاب . وبوعز ولد عوبيد من راعوث . وعوبيد ولد يسى . 6 ويسى ولد داود الملك . وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا. 7 وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد ابيا . وابيا ولد آسا . 8 وآسا ولد يهوشافاط . ويهوشافاط ولد يورام . ويورام ولد عزيا. 9 وعزيا ولد يوثام . ويوثام ولد آحاز . وآحاز ولد حزقيا . 10 وحزقيا ولد منسّى . ومنسّى ولد آمون . وآمون ولد يوشيا . 11 ويوشيا ولد يكنيا واخوته عند سبي بابل . 12 وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتيئيل . وشألتيئيل ولد زربابل . 13 وزربابل ولد ابيهود . وابيهود ولد الياقيم . والياقيم ولد عازور . 14 وعازور ولد صادوق . وصادوق ولد اخيم. واخيم ولد اليود . 15 واليود ولد أليعازر . وأليعازر ولد متان . ومتان ولد يعقوب . 16 ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح . 17 فجميع الاجيال من ابراهيم الى داود اربعة عشر جيلا . ومن داود الى سبي بابل اربعة عشر جيلا. ومن سبي بابل الى المسيح اربعة عشر جيلا 18 اما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا . لما كانت مريم امه مخطوبة ليوسف قبل ان يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس . 19 فيوسف رجلها اذ كان بارا ولم يشأ ان يشهرها اراد تخليتها سرّا . 20 ولكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك . لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس . 21 فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلّص شعبه من خطاياهم . 22 وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل . 23 هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا 24 فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما امره ملاك الرب واخذ امرأته . 25 ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر . ودعا اسمه يسوع". ولاحظ كيف أن سلسلة نسب المسيح تمر قبله مباشرة بيوسف النجار. لماذا؟ أترك الجواب لعبقرية زكازيكو تفكر فيه على مهل! إذن فآدم (وليس المسيح) هو ابن الله، أما المسيح فابن ... ابن من؟ حزّر فزّر! وبالمناسبة فلم يحدث قط أن سُمِّىَ المسيح عليه السلام: "عمّانوئيل" من أى إنسان، رغم أن هذا الاسم يُطْلَق على كثير من الناس الذين ليسوا بأبناء لله! كما أن النص يقول إنها ستسميه: "يسوع" لكى تتحقق النبوءة القديمة التى تقول إنه سيسمَّى: "عمانوئيل"! وهو ما يذكرنا بالنكتة التى أُطْلِقَتْ على السادات أيام توليه الرئاسة حين كان يؤكد أنه حريص على اتباع سياسة عبد الناصر، إذ كانوا يقولون إنه يتصرف كالسائق الذى يشغّل غمّاز السيارة الشِّمال ثم ينعطف إلى اليمين! أرأيتم الضلال والغباء والعمى الحيسى؟ فكأن الله يأبى إلا أن يخزى القوم فى كل ما يقولون كذبا وبهتانا عن عيسى وبنوته لله سبحانه، ومن فمهم وبلسانهم نفسه يُدَانُون!
وكان الناس جميعا يقولون إن أبا عيسى هو يوسف النجار. لا أقول ذلك من عندى، بل تذكره أناجيلهم التى نقول نحن إنها محرفة فيكذّبوننا عنادا وسفاهة! لقد كتب يوحنا فى إنجيله (1 / 5) أن الناس كانت تسميه: "ابن يوسف"، وهو نفس ما قاله متى (1 / 55) ولوقا (3 / 23، و 4/ 22)، وكان عيسى عليه السلام يسمع ذلك منهم فلا ينكره عليهم. بل إن لوقا نفسه قال عن مريم ويوسف بعظمة لسانه مرارًا إنهما "أبواه" أو "أبوه وأمه" ( 2 / 27، 33، 41، 42 ). كذلك قالت مريم لابنها عن يوسف هذا إنه أبوه (لوقا /2 /48). وقد رأينا كيف أن الفقرات الست عشرة الأولى من أول فصل من أول إنجيل من الأناجيل المعتبرة عندهم، وهو إنجيل متى، تسرد سلسلة نسب المسيح بادئة بآدم إلى أن تصل إلى يوسف النجار ("رجل مريم" كما سماه مؤلف هذا الإنجيل) ثم تتوقف عنده. فما معنى هذا للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة...؟ لقد توقعتُ، عندما قرأت الإنجيل لأول مرة فى حياتى، أن تنتهى السلسلة بمريم على أساس أن عيسى ليس له أب من البشر، إلا أن الإنجيل خيَّب ظنى تخييبا شديدا، فعرفتُ أنّ من طمس الله على بصيرته لا يفلح أبدا.(/6)
أما إذا أصر الرجل (الرجل مجازا فقط) على القول بأن عيسى هو ابن الله، فليكن صادقا وشريفا مرة واحدة فيذكر أن كلمة "ابن الله" أو "أبناء الله" قد أُطْلِقت فى كتابه المقدس على بَشَرٍ كثيرين منذ أول الخليقة حين سُمِّىَ آدم كما رأينا: "ابن الله". وهذه شواهد على ما نقول، وهى أكبر برهان على أن كل ما يزعمه القوم هو كلام باطل: باطل بأدلة من كتابهم المقدس نفسه لا من العقل والمنطق فحسب، فضلا عن القرآن الكريم: "وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الارض وولد لهم بنات 2 ان ابناء الله رأوا بنات الناس انهنّ حسنات. فاتّخذوا لانفسهم نساء من كل ما اختاروا... وبعد ذلك ايضا اذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم اولادا . هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم 4" (تكوين/ 6)، " قدموا للرب يا ابناء الله قدموا للرب مجدا وعزّا" (مزمور/ 1/ 29)، ” من في السماء يعادل الرب . من يشبه الرب بين ابناء الله" (مزمور/ 6/ 89)، "اسرائيل ابني البِكْر" (خروج/ 1/ 22، و4/ 22- 23). كما يصف الله داود قائلا: "أنت ابنى. أنا اليوم ولدتك". (مزمور/ 2/ 7)، ويبتهل أشعيا له بقوله: "أنت أبونا" (أشعيا/ 63/ 15- 16)، كما يقول المسيح ذاته: ”طوبى لصانعي السلام. لانهم أبناء الله يُدْعَوْن" (متى/ 9/ 5)، "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذى فى السماوات" (متى/ 6/ 1)، ويقول النصارى فى صلواتهم: "أبانا الذى فى السماوات..."، فضلا عن أن المسيح قد أخذه الشيطان ليجربه فوق الجبل ويدفعه إلى السجود له، وليس من المعقول أن يجرب الشيطان الله ليرى أيمكن أن يسجد له الله أم لا، مثلما ليس من المعقول أن يكون رد الله على الشيطان هنا هو: "اذهب يا شيطان، لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد"، وهو ما يعنى بكل جلاء أن عيسى كان ينظر لله على أنه "ربه" لا على أنه "هو نفسه" ولا على أنه "أبوه"، وعلى أن من الواجب عليه أن يسجد له. كما أنه عليه السلام قد سمَّى نفسه أيضا: "ابن الإنسان" (متى/ 11/ 19)، وهى ذات الكلمة التى استخدمها للإنسان كجنس (متى/ 12/ 8). وفوق ذلك فإن له، عليه السلام، كلمة ذات مغزى خطير، إذ يُفْهَم منها أن "البنوّة" التى يعبِّر بها أحيانا عن علاقته بالله ليست شيئا آخر سوى الطاعة المخلصة له سبحانه والانصياع لإرادته انصياعا تاما. ومن هنا نراه يقول عن كل من يفعلون مثلما يفعل إنهم إخوته وأمه، كما هو الحال عندما أخبروه ذات مرة، وكان بداخل أحد البيوت، بأن أمه وإخوته بالخارج يريدونه، فأجابهم قائلا: "من هى أمى؟ ومن هم إخوتى؟ ثم مد يده نحو تلاميذه وقال: ها أمى وإخوتى، لأن من يصنع مشيئة أبى الذى فى السماوات هو أخى وأختى وأمى" (متى/ 12/ 47- 49). وهى إجابة تدل على أنه أن أمه لم تكن تستحق بنوته لها ولا أن إِخْوَته يستحقون أُخُوّته لهم، وذلك لما يراه من تفريطها وتفريطهم فى الإيمان بدعوته. وهو ملحظ فى منتهى الخطورة، إذ ها هى ذى أم الإله يتبرأ منها ابنها ولا يراها جديرة بأن يجمع بينه وبينها نسب واحد. يا لها من ألوهية رخيصة! ويا له من نسب لا يشرِّف!
بعد ذلك كله فإن الجواب على السؤال التالى الذى طرحه الملتاث: "هل قيل فى القرآن كله إن محمداً هو روح من الله؟" هو: "لم يُقَلْ ذلك فى القرآن عن محمد وحده، بل قيل عن آدم أبى البشر، ومن ثم عن البشر كلهم بما فيهم محمد عليه السلام كما رأينا. والسبب هو أن آدم لم يُخْلَق بالطريق الذى أصبح هو الطريق المعتاد بعد خلق آدم وحواء، أى من خلال رجل وامرأة، فلذلك نفخ الله فيه مباشرة من روحه، وهو ما تكرر فى حالة السيد المسيح عليه السلام، وإن كان على نحو أضيق، إذ كانت له أم، بخلاف آدم، الذى لم يكن له أب ولا أم.(/7)
بل إننا لنذهب فى تحدى زيكو مدًى أبعدَ فنقول له إنهم إذا كانوا يتخذون من خلق المسيح دون أب دليلا على أنه ابن الله، فليمضوا مع منطقهم إلى آخر المدى ويجعلوا آدم هو الله نفسه (أستغفر الله!) لا ابنه فقط لأنه لم يكن له بابا ولا ماما، فهو إذن يتفوق على المسيح من هذه الناحية كما هو واضح إن كان فى هذا تفوق على الإطلاق، وهو ما لا نسلم به، لكننا نتبنى منطق الأبعد لقطع الطريق عليه وعلى بهلوانياته! ثم إن المسكين يستمر فى سياسة البكش فيقول إن قوله تعالى على لسان مريم تخاطب الروح حين تمثل لها بشرا كى ينفخ فيها: "أَنَّى يكون لى غلامٌ، ولم يَمْسَسْنى بَشَرٌ؟" معناها أنه عليه السلام "ليس من بشر". وهذا غير صحيح البتة، فقد جاء عليه السلام من بشر، وهى مريم، التى حملت به وحفظته فى رحمها وتغذى من دمها الذى يجرى فى عروقها تسعة أشهر، ثم وضعته وأرضعته من لبنها الذى فى صدرها، إلا أنه لم يكن له أب. وهذا كل ما هنالك! فإذا قلت: "النفخة"، كان جوابنا: لكن آدم تم النفخ فيه دون أن يكون هناك رَحِمٌ يحمله ولا صدرٌ يرضعه ولا أم تربّيه...، وهذا أَوْغَل فى الخروج عن السنن المعتادة فى الخلق!
بعد ذلك ينتقل زيكو إلى نقطة أخرى هى تأييد المسيح بروح القدس، الذى يجعله دليلا على أن عيسى يتفوق على محمد عليه السلام، وهذا نص كلامه: "التأييد بالروح القدس: (البقرة 2: 78، 253) "وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدُس". وللرد على ذلك نورد الأدلة والبراهين القاطعة التى تثبت بطلان هذا الإدعاء، من هذه الأدلة : 1ـ [سورة المائدة 5: 110] "إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس فى المهد وكهلا". 2ـ فإن هذه الآية غاية فى الأهمية فى دلالتها، إذ توضح أن تأييد المسيح بروح القدس هو منذ أن كان فى المهد صبيا، ولذلك كلم الناس فى هذه السن. فكيف يكون الروح القدس هو جبريل، وهو الذى نطق على لسان من فى المهد؟ 3ـ كيف يتفق هذا مع ما جاء فى [سورة يوسف 12: 87] "ولا تيأسوا من روح الله ، ولا ييأس من روح الله إلا القومُ الكافرين" فهل معنى روح الله هنا هو جبريل ؟ 4ـ وقد جاء تفسير روح الله فى [تفسير ابن كثير ج2 ص260] "لا تيأسوا أى لا تقطعوا رجاءكم وأملكم (من روح الله) أى من الله". 5ـ [وأيضاً تفسير ابن كثير ج1 ص87] "روح منه: أى اسم الله الأعظم". 6ـ وهناك آيات تشهد أن القدوس هو الله: [سورة الحشر 59: 23] "هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس" وأيضاً فى [سورة الجمعة 62: 1] "يسبح لله ما فى السموات وما فى الأرض الملك القدوس".(/8)
وكما يرى القارئ بنفسه، فالرجل يخبص خبصا كثيرا دون عقل أو منطق. إنه يتصرف كقاتل ضُبِط وهو يطعن ضحيته، وقد تضرجت يداه بالدماء، فهو يتخبط ويكذب ويحلف زورا بغية التفلت من قبضة الشرطة والعدالة. ولكن كيف يا زيكو، وقد ضُرِب حولك حصار محكم لا يمكنك الهروب منه. إن الأسداد لتأخذك من كل ناحية. إنه يزعم أن المسيح، بنص القرآن، كان مؤيَّدا بالروح القدس، أما محمد فلا. يريد أن يقول إن عيسى عليه السلام كان إلها أو ابن إله، أما محمد فمجرد بشر عادى. إذن فسيادة جنابه يستشهد بالقرآن، أولم يقرأ إذن فى القرآن قوله تعالى: "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ (يا رسول الله) فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُون* وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُون* قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل/98- 102)، "وَإِنَّهُ ( أى القرآن) لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" (الشعراء/ 192- 195)، "رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ" (غافر/ 15)، "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ (أى عَادَى) اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (المجادلة/ 22)؟ أو لم يقرأ ما قاله لوقا (فى الفصل الأول من الإنجيل الذى ألفه) عن يحيى عليه السلام وأبيه زكريا وأن الأول كان ممتلئا، منذ أن كان جنينا فى بطن أمه، بالروح القدس (ممتلئا منه لا مؤيَّدا به فحسب)، والثانى امتلآ به هو ايضا، لكن ليس من صغره: "11فَظَهَرَ لَهُ (أى لزكريا عليه السلام) مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفاً عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. 12فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا اضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. 13فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا ،لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْناً وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. 14وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ ،وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ،15لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً أَمَامَ الرَّبِّ ،وَخَمْراً وَمُسْكِراً لاَ يَشْرَبُ ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُس"ِ، "67وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ"؟
فكما يرى القارئ العزيز، فإن روح القدس لا يؤيد الرسول الكريم فقط، بل ينزل على قلبه بالقرآن مثلما ينزل على كل الرسل والأنبياء، كما أنه يؤيد المؤمنين الذين لا يوادّون من حادّ الله ورسوله، ويمتلئ به يحيى منذ أن كان جنينا لا يزال. وليكن معنى "الروح القدس" بعد هذا ما يكون، فالمهم أنه لا يختص بعيسى عليه السلام، وعلى هذا لا يمكن اتخاذه ذريعة للقول بتميز عيسى تميز الإله أو ابن الإله عن سائر البشر. أما خلط صاحبنا الأبله فى قوله تعالى: "وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّه ِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (الذى يحرّفه على طريقتهم فى التلاعب بكتبهم فيكتبه هكذا: "ولا تيأسوا من روح الله، ولا ييأس من روح الله إلا القومُ الكافرين" متعمدا عدم ضبط "الروح" لغرض فى نفسه سيتضح للتو، ومبدلا عبارة "إنه لا ييأس" إلى "ولا ييأس"، ومخطئا بجلافة لا تليق إلا بواحد مثله فيكتب: "الكافرين" مكان "الكافرون")، أقول: أما خلطه بين "الرُّوح" (بضم الراء المشددة) كما فى الآيات الآنفة و"الرَّوْح" (بفتح الراء، وهو الراحة والرحمة) رغم أنه سبق أن فرق بينهما قبل قليل، فهو مصيبة المصائب. إنه، كما قلت، بهلوان، ومن ثم لا يثبت على حل ولا على حال، بل كلما رأى ما يظن أنه يمكن أن يخدم قضيته سارع باتخاذه دون أن يعى أنه قد سبق له اتخاذ عكس ذلك تماما.(/9)
وعلى أى حال فكيف يا ترى يكون روح الله وروح القدس هو الله؟ كيف يكون روح الله هو الله نفسه، أو يكون "روح القدس" هو "القدوس"؟ لكن إذا تذكرنا ما قلناه عن "كلمة الله" التى كانت "عند" الله، ثم أصبحت بعد قليل هى "الله" ذاته، لتعود مرة أخرى فتكون "وحيد الله"، ثم "عقل الله" عرفنا أن صلاح حال القوم ميؤوس منه، فهم هكذا كانوا، وهكذا سيظلون، ولا أمل فى تغيرهم، وإلا انهار بناؤهم كله لأنه بناء مؤسس على السراب! إن وصف الروح هنا بالقداسة لا ترتِّب للمسيح أية ألوهية أو بنوة لله، وإلا فقد وُصِف الوادى الذى رأى فيه موسى النار بـ"الوادى المقدس"، مثلما وُصِفت أرض فلسطين بـ"الأرض المقدسة" و"المباركة". أفنجعل منهما أيضا إلهين أو ولدين من أولاد الإله؟ قال عز شأنه على لسان موسى عليه السلام: "يا قوم، ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم" (المائدة/ 21)، وقال جل جلاله مخاطبا موسى: "يا موسى، إنى أنا ربك، فاخلع نعليك. إنك بالوادى المقدَّس طُوًى" (طه/ 12). وعلى أية حال فلم يوصف عيسى عليه السلام فى القرآن بالقداسة، فهل نقول إنه أقل مرتبة وشأنا من وادى الطور وأرض فلسطين؟
كذلك يشير صُوَيْحِبنا إلى وصف القرآن لعيسى عليه السلام بأنه "آية"، متسائلا: هل فى القرآن أيضا أن محمدا آية كالمسيح؟ ولنقرأ ما قال نصًّا: "آية من الله : (1) [سورة المؤمنون 23: 50] "وجعلنا ابن مريم وأمه آية". (2) [سورة الأنبياء 21: 91] "فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين". (3) [سورة مريم 19: 21] "قال كذلك قال ربك هو علىّ هين، ولنجعله آية للناس". (4) [المعجم ج1 ص 35] "آية تعنى: العلامة والإمارة، العبرة، والمعجزة ". وماذا عن محمد؟ هل قيل فى القرآن كله أن محمداً كان آية من الله؟".(/10)
وهو بهذا يظن أنه قد وضعنا فى "خانة اليك"، مع أن الكلام الذى يقوله هنا لا يخرج عن الترهات والتفاهات التى يحسب أصحابها الجهلاء أنها هى العلم اللدنى. ولنبدأ على بركة الله فى قَشّ ذلك السخف بِمِقَشّة العلم والعقل فنقول: لقد وَصَفَتْ بعضُ الآيات السيدةَ مريم مع المسيح معا بـ"الآية"، أفنفهم من هذا، بناءً على منطقكم، أنها تساوى المسيح، أى أنها هى أيضا إله؟ فهذه واحدة، أما الثانية فكيف يا أخرق قد فاتك أن الآية (التى تجعل منها قصة وأقصوصة) قد تكون ناقة، أو جرادا وضفادع ودما وقملا، أو طينا وطيرا، أو مائدة طعام، أو جثة فارقتها الروح قد لفظها البحر، أو عصًا تحولت إلى ثعبان، أو عَجْزًا عن النطق... إلخ؟ فهل نجعل الناقة والعصا والقملة والضفدعة والطين والطير آلهة مثلما تريدون أن تجعلوا من وصف عيسى عليه السلام بـ"الآية" دليلا على أنه إله وأنه يتميز من ثم على محمد عليه السلام؟ وهذا إن حصرنا معنى الآية فى المعجزة، وإلا فكل شىء فى العالم من حولنا هو آية على وجود الله وقدرته وحكمته. وقد تكررت الكلمة كثيرا فى القرآن بهذا المعنى كما هو معروف، ومن ذلك قوله تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون"َ (البقرة/ 164)، "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ" (النحل/ 10- 13)، "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ* وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ* وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ* وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ " (الروم/ 21- 25)... إلخ. إذن فأين الميزة التى تظن أيها الأبله أن عيسى عليه السلام يتفوق بها هنا على سيد الأنبياء والمرسلين؟ إننا نحب سيدنا عيسى ونجله ونحترمه ونضعه فى العيون منا والقلوب، بل نعد أنفسنا أتباعه الحقيقيين المخلصين، لكننا لا يمكننا القبول بألوهيته، وإلا كفرنا بالله سبحانه وبرسله الكرام الذين إنما أَتَوْا ليَدْعُوا أول شىء إلى وحدانية الله سبحانه وعدم الإشراك به.(/11)
والآن لتنظر إلى قوله تعالى فى النصوص التالية التى تشهد لما نقول، وذلك لو كان لك عينان للنظر أو أذنان للسمع، وأشك فى ذلك كثيرا، فعينا البعيد ليستا تنظران، كما أن أذنيه ليستا تسمعان. ذلك أنه قد طُمِس، والعياذ بالله، على سمعه وبصره. يقول صالح عليه السلام لقومه: "وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ" (هود/ 64)، ويقول سبحانه عن قوم فرعون: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ" (الأعراف/ 133)، "إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ* قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِين"َ (المائدة/ 112- 114)، ويقول تعالى مخاطبا زكريا عليه السلام: "قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ ألاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاّ رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ" (آل عمران/ 41). .. إلخ. ثم إن "الآية" هى شىء يخلقه الله، أى أنها شىء مخلوق لا إله ولا ابن إله! هل رأيت الآن بنفسك، أيها القارئ الكريم، كيف ضاقت بل استحالت على الرجل السبل والمذاهب؟
وينتقل الجاهل إلى نقطة أخرى ليوقع كالعادة نفسه فى مأزق جديد ما كان أغناه عنه لولا حماقته وسخف عقله. إنه يذكر الآيات التى أجراها الله سبحانه على يد عيسى عليه وعلى نبينا الكريم أفضل الصلاة والسلام، وهى كلامه فى المهد، وإبراؤه الأكمه والأبرص وشفاؤه المرضى وإحياؤه الموتى وخلقه الطير من الطين بإرادةِ الله وقدرتِه لا بقدرة منه هو ولا بإرادته، فضلا عن تمكينه سبحانه إياه من التنبؤ بما يأكل الناس وما يدّخرونه فى بيوتهم، ثم يتساءل قائلا: وماذا عن محمد؟ يعنى أن الرسول الكريم لا يمكن أن يسامى عيسى عليه السلام هنا أيضا! وهذه مكايدة صغيرة مضحكة، فإن لمحمد عليه السلام معجزاته التى روتها كتب السيرة والأحاديث، وإن كانت من نوع مختلف، مثلما أن لكل من الأنبياء والرسل الآخرين معجزته الخاصة به. أى أن عيسى لا يتميز عن غيره من النبيين والمرسلين هنا أيضا. وهبه انفرد بوقوع المعجزات على يديه دون غيره من الأنبياء والرسل الكرام، أفينبغى أن نعد هذا تميزا منه عليهم؟ لا، لأنه لم يفعل ذلك ولم يستطعه من تلقاء نفسه، بل بقدرة الله سبحانه وإرادته. وهو، قبل هذا وبعد هذا، ليس إلا نبيا من الأنبياء ورسولا من المرسلين، أى عبدا من العباد، وهذا هو المهم لأنه هو جوهر الموضوع، أما وقوع المعجزات أو عدم وقوعها فلا يعنى شيئا ذا بال فى تلك القضية!
أما الإنباء بالغيب ففى القرآن نبوءة بانتصار الروم على الفرس فى بضع سنين، وقد تحققت. وفى القرآن نبوءة بانتصار الإسلام على غيره من الأديان، وقد تحققت. وفى القرآن نبوءة بأن الناس لن تستطيع قتل الرسول عليه السلام، وقد تحققت. وفى القرآن أن الحلى تُسْتَخْرَج من البحر العذب ومن البحر الملح كليهما، وهو ما لم يكن أحد يعرفه فى منطقة الشرق الأوسط على الأقل، ثم اتضح الآن أنه صحيح. وفى القرآن نبوءة بأن عبد العُزَّى عم الرسول سيَصْلَى نارا ذات لهب، وقد تحققت، إذ مات كافرا. وفى الحديث نبوءة بأنه سيأتى يوم على المسلمين تتداعى عليهم الأمم كما تتداعى الأَكَلَة على قصعتها، لا من قلة فى العدد، بل لأنهم غُثَاء كغثاء السَّيْل (يعنى: زبالة)، وقد تحققت فى الأعصر الأخيرة، وبخاصة هذه الأيام كما يرى كل من له عينان. وقد قال الرسول ذلك، والمسلمون فى عز قوتهم الإيمانية حينما كان الإسلام لا يزال أخضر غضًّا فى النفوس، وهو ما لم يتصوره الصحابة حينذاك لأنه كان غريبا تمام الغرابة على العقل والمنطق، إذ كان مَدّ الإسلام من العنفوان والجيشان بحيث لم يكن أحد يتصور خلاف ذلك!(/12)
وعلى كل حال فليست العبرة بالمعجزات الحسية، وإلا فمن الأنبياء من لم تأت معجزاتهم بالثمرة المرجوة منها لأن أقوامهم قد بَقُوا رغم ذلك متمسّكين بكفرهم وعصيانهم، ومن هؤلاء السيد المسيح، إذ كفر به اليهود إلا القليلين منهم، مما اضطر تلاميذه (حسبما ورد فى كتبهم المصنوعة التى ألّفتها أقلام البشر) إلى التحول بدعوته إلى الأمم الأخرى رغم أنه كان فى البداية يستنكر أن يتطلع أى من هذه الأمم إلى مشاركة بنى إسرائيل فى الدعوة التى أتى بها وكان يشبّههم بالكلاب، الذين ينبغى فى رأيه أن يُحْرَموا من الخبز ويُذَادوا عنه لأنه مخصص للأبناء وحدهم. بل لم تنفع المعجزات هنا أيضا، إذ إن هؤلاء قد انحرفوا بالتوحيد الذى أتاهم به عليه السلام وحوّلوه إلى تثليث مثلما فعلت الأمم الوثنية القديمة كالأغارقة والهنود والفرس والمصريين. وأخيرا وليس آخرا، فالمعجزات ليست من البراهين الحاسمة، فعلاوة على عدم استطاعتها تليين القلوب اليابسة والرؤوس الصلبة والرقاب الغليظة وإضاءة النفوس المعتمة كما قلنا، فإنها لا تستطيع أن تغالب الأيام، إذ ما إن يمر زمانها حتى تنصل صورتها فى النفوس ولا يعود لها أى تأثير، بل تصبح مظنة التزييف والتلفيق! وهى فى حالة نبينا، عليه وعلى إخوانه الأنبياء السلام، لم تكن ردا على تحدى الكفار له، بل كانت موجهة إلى المؤمنين (فى الدرجة الأولى على الأقل) تثبيتا لإيمانهم، لا إلى الكفار الذين ثبت أنهم لا يصيخون السمع إليها!
وبالمناسبة فإن النصارى لا يُقِرّون بكلام عيسى فى المهد لأنه غير مذكور فى الأناجيل التى يعترفون بها، وإن جاء فى بعض الأناجيل الأخرى غير المعتمدة عندهم شىء قريب من ذلك. أى أن القُمّص يحاججنا بما ورد فى القرآن رغم إعلانه الكفر به. وعلى كل حال فلست العبرة بإحياء شخص أو عدة أشخاص ثم ينتهى الأمر عند هذا الحد، بل العبرة كل العبرة فى إحياء الأمم من العدم الحضارى والخلقى والنفسى والسياسى والاجتماعى والذوقى، وهو ما كرَّم الله محمدا به، إذ أنهضت يداه المباركتان الميمونتان أمة العرب من حالة الهمجية والوحشية والتخلف المزرى الذى كان ضاربا أطنابه فوق بلادهم ومجتمعاتهم بل فوق حياتهم كلها، وجعل منهم حكاما يسوسون العالم ويقودونه ثقافيا وخلقيا وعقيديا لعدة قرون دون سند، اللهم إلا سند القرآن والإيمان! ولم يحيدوا حتى الآن عن عقيدة التوحيد رغم كل المصائب التى وقعت فوق رؤوسهم، سواء كانت من صنع أيديهم أو من صنع أعدائهم، بخلاف غيرهم من الأمم التى ما إن يغيب عنها نبيها حتى ترتد إلى الوثنية والكفر، والعياذ بالله، وكأنك يا أبا زيد ما غزوت!
وبالمناسبة فملاحدة النصارى يفسرون معجزات عيسى عليه السلام بأنها حِيَلٌ وتواطؤات مع المرضى الذين شفاهم أو أعادهم إلى الحياة، على حين أنهم (حسبما يقول هؤلاء الملحدون) لم يكونوا قد ماتوا ولا كانوا مرضى أصلا! كما أن الموتى الذين عادوا على يديه إلى الحياة لم يحدّثونا عما خَبَروه فى العالم الآخر. ولَعَمْرِى إنه لأمر غريب أن يسكتوا فلا يذكروا شيئا عن تلك التجربة العجيبة! وفوق هذا فما الفائدة التى عادت على العالم أو حتى على المجتمع الإسرائيلى أو الرومانى من عودة من أعادهم إلى الدنيا كرة أخرى؟ إنها معجزات وقتية لا قيمة لها إلا لمن شاهدها، بل لا قيمة لها إلا لمن كتب الله له الإيمان، وإلا فاليهود بوجه عام لم يولوا هذه المعجزات أية أهمية وظلوا يكفرون بالمسيح ويتهمون أمه بأنها بَغِىٌّ، فضلا عن تآمرهم عليه ليصلبوه لولا أن توفاه الله إليه وتركهم فى ظلمات لا يبصرون بعد أن شَبَّه لهم أنهم قتلوه فعلا! بل إن معظم الذين اتبعوه قد انحرفوا بدعوته أفظع الانحراف، إذ قلبوها رأسا على عقب وحولوها من التوحيد إلى الشرك الغبى الغليظ، والعياذ بالله! وها هى ذى الثمرة العطنة العفنة تطالعنا متمثلةً فى زيكو العجيب، ذى الدبر الرحيب!(/13)
كذلك فقد أحيا إيليّا ميِّتًا مثلما فعل عيسى، فهل نَعُدّه ابنا ثانيا لله؟ ولكن من أى زوجة يا ترى؟ وهل تعدد الزوجات معروف لدى الآلهة هم أيضا؟ خيَّبك الله يا شبه الرجال! وهذه قصة إيليّا حسبما حكاها الكتاب المقدس (الملوك الثانى/ 17): "وبعد هذه الأمور مرض ابن المرأة صاحبة البيت واشتدّ مرضه جدا حتى لم تبق فيه نسمة . 18 فقالت لايليا ما لي ولك يا رجل الله . هل جئت اليّ لتذكير اثمي واماتة ابني . 19 فقال لها اعطيني ابنك . واخذه من حضنها وصعد به الى العلية التي كان مقيما بها واضجعه على سريره 20 وصرخ الى الرب وقال ايها الرب الهي أايضا الى الارملة التي انا نازل عندها قد اسأت باماتتك ابنها . 21 فتمدد على الولد ثلاث مرات وصرخ الى الرب وقال يا رب الهي لترجع نفس هذا الولد الى جوفه . 22 فسمع الرب لصوت ايليا فرجعت نفس الولد الى جوفه فعاش 23 . فاخذ ايليا الولد ونزل به من العلية الى البيت ودفعه لامه. وقال ايليا انظري . ابنك حيّ . 24 فقالت المرأة لايليا هذا الوقت علمت انك رجل الله وان كلام الرب في فمك حق".
أما قول الغبى المحتال المختال زعيم العيال والأنغال إن عيسى عليه السلام يتميز عن سيد الأنبياء والمرسلين بأنه "قد خَلَتْ من قبله الرسل"، فهو ما لم أفهم مقصده منه، إذ إنه صلى الله عليه وسلم قد خلت الرسول من قبله هو أيضا. ألم يسبقه عيسى ويحيى وزكريا والْيَسَع وموسى وهارون وشُعَيْب وسليمان وداود ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ولوط وإبراهيم وهود وصالح ونوح وغيرهم؟ اللهم إلا إذا كان المأفون لم يفهم معنى "خَلَتْ"، وهو ما أرجحه. بل ما من نبى إلا خلت من قبله الرسل ما عدا أول نبى بطبيعة الحال. بَيْدَ أنى، رغم ذلك، لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هذا ميزة لأحد من الأنبياء على أحد! أترى أول نبى كان يقل عمن جاءوا بعده لا لشىء إلا لأنه لم يَخْلُ قبله أحد من الرسل؟ أما إذا أصر المأفون على ما يهرف به بجهله الغليظ فإن محمدا عليه السلام يزيد على عيسى من هذه الناحية بدرجة، إذ إن عدد من خلا قبله من الرسل يزيد على من خلا قبل عيسى برسول هو عيسى نفسه. أليس كذلك؟ لا بل إن محمدا هو الذى يَفْضُل عيسى من هذه الناحية، فعيسى مَحُوطٌ بالمرسلين من قبل ومن بعد، أما الرسول الكريم فكان خاتم النبيين، وهو أمر لم يُكْتَب لأحد من إخوانه الكرام، فهو الختام الِمْسك الذى بلغت على يديه الكريمتين ظاهرة النبوة أسمق مستوياتها، ولم يعد هناك من جديد يمكن أن يضاف إليها، وبخاصة أن الكتاب الذى أتى به ما زال باقيا على حاله الأول غَضًّا نضرًا لم تمتد يد التضييع أو التزييف والعبث إليه على عكس الكتب السابقة عليه، وبالذات كتابا عيسى وموسى. أعتقد أن الأمر واضح، وأن مأفوننا لا عقل لديه ولا فهم، وأنه يردد كالمعاتيه كلاما لا يعنى شيئا!
لقد رأيت الرجل مرة فى المرناء عند أحد أقاربى الذين كانوا يسألوننى رأيى فى ذلك الكائن فطلبت منهم أن يُرُونى حلقة من حلقات برنامجه الذى يهاجم فيه الإسلام ورسوله العظيم، فوجدته ينتفش كالديك وهو يرد على ما كتبه المرحوم ديدات، وكأنه قد أُوتِىَ علم الأولين والآخرين جميعا، مع أنه (كما اتضح الآن، وكما سوف يزداد وضوحا مع كل سطر نكتبه هنا) من أجهل الجهلاء وأبلد البلداء وأغلظهم حِسًّا وأعماهم عقلاً وفهمًا! ووالله لقد حاك فى صدرى قبل أن أراه وأقرأ له أنه لابد أن يكون على شىء من الذكاء والمعرفة، فإذا بى آخذ مقلبا لم آخذه من قبل! خيَّبك الله يا زيكو خيبةً لم يَخِبْها أحد! أهذا كل ما عندك؟ لقد تيقنت الآن أنه ما فى الدنيا من قسيس واحد عليه الطلاوة فى العلم أو فى العقل! وهذا فى واقع الأمر طبيعى جدا، فإن من يؤمن بما يؤمن به هؤلاء البشر لا يمكن أن يكون ذا عقل سليم مستقيم!
إن ما قاله القرآن هنا ليجرى فى عكس الاتجاه الذى يلوى القُمّصُ الغبىُّ الآيةَ نحوه، فالقرآن يقول: "ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (المائدة/ 75)، ومعناه أن المسيح لا يمكن أن يكون إلها أو ابن إله، إنما هو واحد من الرسل الكثيرين الذين مَضَوْا من قبله، فكما كانوا بشرا فهو أيضا مثلهم بشر من البشر. وعلى أية حال فقد قيل الشىء نفسه عن محمد عليه الصلاة السلام، وبنفس التركيب، وهذا هو: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (آل عمران/ 144)، وكان ذلك حين ظُنّ فى معركة أُحُد أنه قد مات (صلى الله عليه وسلم، ومسح الأرض بكرامة من يتطاول عليه من كل كلب وثنى عابد للبشر عُتُلٍّ زنيم)، فقال الله لهم إن محمدا ليس إلا رسولا كسائر الرسل الذين سبقوه، وسيموت كما ماتوا، ولا معنى لانقلاب أحد على عقبيه بعد موته، لأن اللهَ صاحبَ الدين حىٌّ لا يموت، أما محمد فلم يكن إلا رسولا جاء ليبلغ العِبَاد دعوة الله!(/14)
ومما يظن الأحمق أنه يستطيع الشغب به على المسلمين قوله إن عيسى كان مبارَكا، أما محمد فلا. ولا أدرى من أين له بأن عيسى وحده هو الذى بورك دون الأنبياء جميعا. لقد ذكر القرآن، الذى يعتمد عليه أحمقنا فى محاولة التنقص من سيد الرسل والنبيين، أن البركة قد أُنْزِلَتْ على أشياء وأشخاص كثيرين، لا على عيسى وحده، كما أن البركة فى غير حالة عيسى عليه السلام قد تُذْكَر بلفظ آخر، أو يُذْكَر ما يزيد عليها فى الإكرام والمحبة. فبعض أجزاء الأرض قد باركها الله: "وأورثْنا القومَ الذين كانوا يُسْتَضْعَفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركْنا فيها" (الأعراف/ 137)، والمسجد الأقصى بارك الله حوله: "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله" (الإسراء/ 1)، والموضع الذى رأى موسى فيه النار فى سيناء قد بارك الله حوله أيضا: "فلما جاءها نُودِىَ أنْ بُورِكَ مَنْ فى النار ومَنْ حولها" (النمل/ 8)، وإبراهيم وإسحاق قد بارك الله عليهما: "وباركنا عليه وعلى إسحاق" (الصافات/ 113)، وهناك نوح والأمم التى كانت مع نوح، وقد بارك الله عليه وعليهم حسبما جاء فى كلامه سبحانه له: "يا نوح، اهبط (أى من السفينة بعد انحسار الطوفان) بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك" (هود/ 48)، وهناك البيت الحرام، وقد باركه الله: "إن أول بيت وُضِع للناس لَلّذِى ببَكَّةَ مباركا وهدى للعالمين" (آل عمران/ 96)، وكذلك القرآن الكريم، وقد جعله الله مباركا أيضا: "وهذا ذِكْرٌ مباركٌ أنزلناه، أفأنتم له منكرون؟" (الأنبياء/ 50)، كما أن الليلة التى أُنْزِلَ فيها هذا الذكر هى أيضا ليلة مباركة: "إنا أنزلناه فى ليلة مباركة" (الدخان/ 3).
أما بالنسبة لنبينا، عليه وعلى كل الأنبياء الكرام أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، فقد جاء فى القرآن أنه عز وجل يريد أن يُذْهِب الرِّجْس عن أهل بيته جميعا ويطهِّرهم تطهيرا: "إنما يريد الله لِيُذْهِب عنكم الرِّجْس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا" (الأحزاب/ 33) ، كما أثنى المولى عليه أعطر الثناء، وذلك فى قوله: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم" (القلم/ 4) ، وقوله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء/ 107)، وقوله: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ" (التوبة/ 128)، وقوله: "رسولاً يتلو عليكم آياتِ الله مبيِّناتٍ ليُخْرِج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور" (الطلاق/ 11)، وقوله: "من يُطِعِ الرسولَ فقد أطاع الله" (النساء/ 80)، وقوله: "إن الله وملائكته يصلّون على النبى. يا أيها الذين آمنوا َصَلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما" (الأحزاب/ 56). والحق أن ما قاله سبحانه وتعالى فى تكريم حبيبه محمد فى هذه الآيات وغيرها لم ينزل مثله فى أى نبى آخر، وإن لم يكن مقصدنا هنا المقارنة بينه صلى الله عليه وسلم وبين إخوانه الكرام، اللهم إلا ردا على ذلك الأحمق الذى يريد أن يثيرها نعرة جاهلية رعناء. ولقد بلغ من عظمة نفسه عليه السلام ونبل أخلاقه أنْ نَهَى أتباعه عن تفضيله على أى من إخوانه الكرام كما يتبين من الأحاديث التالية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: استبَّ رجلان: رجل من المسلمين ورجل من اليهود. قال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين. فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين. فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيِّروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبل أو كان ممن استثنى الله". وعن أبي هريرة أيضا قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. قال: ولو لبثتُ في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الرسول أجبتُ. ثم قرأ: فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن". و عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى".(/15)
ولم نكن لنحبّ أن ندخل فى هذا المضيق، إلا أن للضرورة أحكاما، إذ لم يكن متصوَّرا أن يهبّ الوثنيون فى هذا العصر فيتطاولوا على سيد الأنبياء جهارا نهارا، فكان لا مناص من إلجامهم بلجام الخَرَس حتى يعرفوا حدودهم ويلزموها فلا يُقِلّوا أدبهم عليه، أخزى الله كل وثنى حقير. وبالمناسبة فتكملة الآية الكريمة التى جاء فيها على لسان المسيح أن الله قد جعله مباركا هى "وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا" (مريم/ 31). أى أنه عبد له سبحانه وتعالى لا ربٌّ مثله ولا ابنٌ له كما يدَّعى القوم، ولذلك أمره الله بالصلاة والزكاة ما دام حيا، إذ الرب لا يُؤْمَر ولا يُنْهَى، بل الذى يُؤْمَر ويُنْهَى هو العبد. لكن القُمّص البكاش الذى سيحرقه الله فى نار جهنم التى خلقت له ولأمثاله ما لم يَتُبْ ويؤمن بمحمد كما فعل كثير من القساوسة والأساقفة والقمامصة والشمامسة الذين كانوا يحاربون الله ورسوله ثم كتب الله لهم الهداية فيُقِرّ بالحقيقة التى يعرفها لكنه، ككل بكاش مثله، يكتمها فى قلبه من أجل حظوظ الدنيا وما يجنيه من مال حرام سوف يكويه فى جوفه يوم القيامة ويُشْوَى به جنباه ووجهه وظهره، هذا القُمّص البكاش يتجاهل هذا ولا يستشهد به حتى لا تنكشف فضيحته!
كذلك جاء فى كلام القُمّص الأرعن الأحمق أن عيسى عليه السلام سيأتى حَكَمًا مُقْسِطًا بدليل الحديث التالى الذى أورده البخارى: "لن تقوم الساعة حتى ينزل فيكم (أى بينكم) ابن مريم حكمًا مقسطًا (أى عادلا)"، والذى يفسر غبيُّنا لفظَ "المقسط" فيه بأنه اسم من أسماء الله الحسنى، بما يفيد أن عيسى هو الله أو على الأقل ابن الله، إذ ذكر أن "المعجم الوسيط" قد شرح "المقسط" بأنه اسم من أسماء الله الحسنى. ثم ختم كلامه قائلا: "وماذا عن محمد؟". وهذا الكلام هو تخبيص فى تخبيص! إنه شغل عيال بكل معنى يمكن، أيها القارئ، أن يخطر فى بالك لكلمة "العيال"!
أتدرى لماذا؟ لأن هذا الحديث وأمثاله من الآثار التى تتحدث عن عودة المسيح عليه السلام إلى الدنيا إنما تؤكد ما يَسُوء وجهَ هذا المنافق ويكشف سوأته المنتنة، تلك السوأة التى لا تعرف النظافة لأن صاحبها واحد من الأقذار الذين يَسْخَرون من شعائر الطهارة الموجودة فى دين سيد الأنقياء محمد عليه الصلاة والسلام. ذلك أن تلك الأحاديث إنما تتحدث عن رجوع المسيح ليكسر الصلبان ويحطم أوعية الخمور ويقتل الخنزير ويدعو الناس بدعوة التوحيد التى أتى بها نبينا عليه السلام وضلّ عنها من يزعمون أنهم أتباع عيسى عليه السلام وينسخ التثليث الذى انحرف إليه القوم ويتبرأ منهم على رؤوس الأشهاد. لكن الماكر الخبيث، وإن كان خبثه مع هذا خبثًا عياليًّا، يقتطع من هذه الأحاديث جملة ينتزعها من سياقها ظانًّا أنه يمكن أن يُجْلِب بها على العقول ويمضى فى سبيله دون أن يعقب عليه أحد ويهتك ستر سوأته المنتنة ليراها الناس على حقيقتها من القبح والتدويد ويشموا نتنها فيلعنوها هى وصاحبها لعنة تصل إلى السماء السابعة وتستجاب فى الحال!(/16)
نقرأ مثلا فى "صحيح البخارى": "حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيَّب سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليُوشِكَنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا عَدْلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها". ويقول صاحب "فتح البارى بشرح صحيح البخارى" فى تعليقه على هذا الحديث: "روى مسلم من حديث ابن عمر في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين. وروى نعيم بن حماد في "كتاب الفتن" من حديث ابن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع عشرة سنة، وبإسناد فيهم مبهم عن أبي هريرة: يقيم بها أربعين سنة. وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مثله مرفوعا. وفي هذا الحديث "ينزل عيسى عليه ثوبان ممصران فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، وتقع الأَمَنَة في الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل وتلعب الصبيان بالحيّات. وقال في آخره: ثم يُتَوَفَّى ويصلي عليه المسلمون". وروى أحمد ومسلم من طريق حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة: "لَيُهِلَّنّ ابنُ مريم بفجّ الروحاء بالحج والعمرة" الحديث. وفي رواية لأحمد من هذا الوجه: ينزل عيسى فيُقْتَل الخنزير ويُمْحَى الصليب وتُجْمَع له الصلاة ويُعْطَى المال حتى لا يُقْبَل ويضع الخراج، وينزل الروحاء فيحجّ منها أو يعتمر أو يجمعهما". ولكى يعرف القراء الكرام مدى الخبث الخائب الذى يلجأ إليه زيكو العبيط أسوق إليهم كاملا نص الحديث الذى اقتطع منه المحتال الدجال الذى يُفْعَل فيه ما يُفْعَل بالعيال ما اقتطع. جاء فى "صحيح البخارى": " حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لَيُوشِكَنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مُقْسِطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد". ويشبهه ما جاء فى "مسند أحمد بن حنبل": "حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم: يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مُقْسِطًا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"، وكذلك ما جاء فى "سنن الترمذى": حدثنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مُقْسِطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد". ثم إن الأحاديث التى وردت فى هذا الموضوع تسمِّى كلُّها السيدَ المسيح: "ابن مريم"، أى أنه مولود لمريم، على حين أن القرآن الكريم ينفى نفيا قاطعا أن يكون الله قد وَلَدَ أو وُلِدَ، وهو ما يعنى أن الله لا يكون أبا أو ابنا، لكن البكّاش الهجّاس يتجاهل هذا كله ويريد أن نتخلى عن عقولنا وديننا وتوحيدنا ونجرى وراءه إلى العقائد الوثنية!
أما التحايل المتهافت الذى يتخابث به تافهنا من خلال الاستشهاد بـ"المعجم الوسيط" على أن "المقسط" هو اسم من أسماء الله الحسنى، فنفضحه بالإشارة إلى أن النبى الكريم قد وُصِف هو أيضا (وفى القرآن لا فى الحديث) بأنه رؤوف رحيم وكريم وحق وشهيد، وهى من أسماء الله الحسنى أيضا، كما وُصِف خُلُقه بأنه "عظيم"، وهو اسم آخر من تلك الأسماء الكريمة. كما أُمِر الرسول بأن يكون من المقسطين، و"المقسط" من أسماء الله الحسنى حسبما نقل التافه الغليظ العقل عن "المعجم الوسيط". قال تعالى: "لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم"، "إنه (أى القرآن) لَقَوْلُ رسولٍ كريمٍ" (الحاقة/ 40)، "وشهدوا أن الرسول حق" (آل عمران/ 86)، "لتكونوا شهداء على الناس ويكونَ الرسول عليكم شهيدا" (البقرة/ 143)، "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم" (القلم/ 4)، "وإن حَكَمْتَ فاحكم بينهم بالقِسْط، إن الله يحب المُقْسِطين" (المائدة/ 42). وبناءً على هذا المنطق العيالى فالرسول محمد هو إله أو ابن الإله! وسلم لى على المنطق يا أبا الزيك! نقرك الديك، فى دبرك الهَتِيك!(/17)
إنه قلّما كان اسم من أسماء الله إلا أمكن استخدامه للبشر، إلا أنه بالنسبة إلى الله يكون مطلقا، أما فى حالة البشر فهو مقيَّد محدود. كذلك فقد قال الحديث إن "ابن مريم" (لاحظ: "ابن مريم" لا "ابن الله" ولا "الله" ذاته) سوف ينزل "حَكَمًا مٌقْسِطا"، بتنكير كلمة "حَكَم"، وكأنه فرد فى مجموعة من جنسه، مع أنه سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد، الذى ليس كمثله أحد. كما أن الله لا ينزل من رَحِم امرأة وفَرْجها ويخالط الناس ويمشى وسطهم ويأكل ويشرب ويتبول ويتبرز ويتقايأ وتصيبه الأمراض والمخاوف مثلهم حسبما تقول عقيدة القوم، ودعنا الآن من صلبه وقتله وطعنه بالرمح فى جنبه وشتمه وإهانته وصراخه من الألم والعذاب طالبا النجدة (النجدة ممن، إذا كان الله نفسه هو الذى يُضْرَب ويُقْتَل ويهان؟)، فضلا عن أن يُتَوَفَّى ويُصَلَّى عليه (يُصَلَّى"عليه" لا "له")، تعالى الله عن أن يُتَوَفَّى أو يُصَلِّىَ عليه أحد! وأخيرا فـ"المعجم الوسيط" (وغير الوسيط أيضا بطبيعة الحال) لا يقصد أن معنى "المقسط" ينحصر فى أنه اسم "من أسماء الله الحسنى" وحَسْب، بل يذكر ذلك على أنه معنى من المعانى التى تُسْتَخْدَم فيها الكلمة، وإلا فقد ورد هذا اللفظ فى القرآن عدة مرات منسوبا للبشر كما هو معروف، إذ قال عَزّ شأنه مثلا: "إن الله يحب المقسطين" (المائدة/ 42، والحجرات/ 9، والممتحنة/ 8)، إلا أن البكّاش النتّاش يسوق الكلام وكأنه لا معنى لهذا اللفظ غير ما قال.
خيبة الله مرة ثانية عليك يا زكازيكو! أتظن أن الناس كلهم كتلك البنت المسكينة التى نَجَحْتَ فى خداعها لبعض الوقت أنت والعيال أمثالك بمثل هذه الصبيانيات، والتى ألومها أشد اللوم أَنِ استطاع هذا البغل الأسترالى أن يثير شكوكها فى دينها، وهى التى تخرجت من الجامعة! لقد كان ينبغى أن تتلاعب هى به وتجعل منه مُسْخَةً لكل رائحٍ وغادٍ شأن أى واحد أو واحدة من أتباع النبى الكريم، لكن أوضاع التعليم وكسل الطلاب والطالبات قد أثمرا هذه الثمرات العطنة. ومع ذلك فقد كشف الله للفتاة المخدوعة الغطاء عن حقيقة هذا القَذِر قبل فوات الأوان وردها ردا جميلا إلى دين التوحيد، وإلا لهلكت وثنية كافرة، والعياذ بالله! أما أنتِ يا أمة محمد يا من تناشدين هذا وذاك من أمثال بغلنا الزنيم أن يتدخلوا لثَنْيه عن سبّ النبى، فلعنة الله عليك من أمة منحطة وصل بها الحال إلى هذا الدرك الأسفل من المذلة والهوان، إذ جعلتِ أعداءك الذين تستنجدين بهم يضحكون منك ملء أردانهم فى تَشَفٍّ وتلذذٍ! إن محمدا ليبرؤ من كل ذليل يهون على نفسه وعلى الآخرين، ويُطْمِع العدوَّ فيه ويعطيهم الفرصة ليضحكوا منه وعليه! أَوَمِثْل زيكو هذا يستحق أن يُنَاشَد أحد لإسكاته؟ أليس فى رِجْل البُعَداء صَرْمَةٌ قديمةٌ يقذفونه بها فى فمه المنتن؟ يا رسول الله، إنى أعتذر إليك مما فعلته هذه الأمة، وأستميحك العفو!
ولا يكتفى الكذاب بهذا، بل يضيف كذبة أخرى قائلا إن عيسى عليه السلام، طبقا لما يقول القرآن، سوف يكون شفيعا فى الدنيا والآخرة. وقد استشهد على هذه الكذبة المنتنة نتانة فمه وسوأته بقوله تعالى عن ابن مريم عليه السلام مخاطبا أمه على لسان الملائكة: "يا مريم، إن الله يبشّرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين ". وهذا نص كلامه: "شفيعاً فى الدنيا والآخرة : (1) سورة ( آل عمران 3 : 45) " اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين". (2) [ابن كثير ج1 ص 283] "وفى الدار الآخرة يشفع عند الله ..."، ثم يختم كالعادة بالسؤال التالى: "وماذا عن محمد؟". والملاحظ أولا أن القرآن الذى يستشهد به هذا الأفاق لم يذكر الشفاعة لعيسى بل لم يشر إليها مجرد إشارة، وكل ما قاله أنه سيكون "وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين". إنما قال ذلك ابن كثير، وهو مجرد اجتهاد من عنده لا يُلْزِمنا بشىء ما دام لم يَسُقْ لنا الحيثيات التى أقام عليها هذه الدعوى. إن فى القرآن كلاما عن ابن مريم يوم القيامة يصوره عليه السلام وهو واقف أمام ربه يسأله عما أتاه أتباعه من بعده من تأليههم له سؤال الرب للعبد الخائف الراجف الذى يعرف حدوده جيدا، فهو يسارع بالتنصل من هذا الكفر الشنيع وممن قالوه. وحتى لو كانت له عليه السلام فى ذلك الموقف شفاعة، فما الذى فى هذه المكرمة مما يشنَّع به على محمد عليه الصلاة والسلام؟(/18)
إن محمدا عليه الصلاة السلام لهو صاحب الشفاعة العظمى حسبما نَصَّ على ذلك كثير من الأحاديث النبوية. روى البخارى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُحْبَس المؤمنون يوم القيامة حتى يهمّوا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا. فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس. خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلَّمك أسماء كل شيء. لِتَشْفَعْ لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. قال: فيقول: لستُ هُنَاكم، قال: ويذكر خطيئته التي أصاب: أكْله من الشجرة وقد نُهِيَ عنها، ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحا فيقول: لستُ هُنَاكم، ويذكر خطيئته التي أصاب: سؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن. قال: فيأتون إبراهيم، فيقول: إني لست هُنَاكم، ويذكر ثلاث كلمات كَذَبَهُنّ، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلَّمه وقرَّبه نَجِيًّا. قال: فيأتون موسى، فيقول: إني لستُ هُنَاكم، ويذكر خطيئته التي أصاب: قَتْله النفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته. قال: فيأتون عيسى، فيقول: لستُ هُنَاكم، ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذَن لي عليه، فإذا رأيته وقعتُ ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يُسْمَعْ، واشفع تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَ. قال: فأرفع رأسي فأُثْنِي على ربي بثناء وتحميد يعلِّمنيه، ثم أشفع فيحدّ لي حدًّا، فأخرج فأُدْخِلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأَخْرُج فأُخْرِجهم من النار وأُدْخِلهم الجنة ثم أعود الثانية فأستأذن على ربي في داره فيؤذَن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسْمَعْ، واشفع تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَ. قال: فأرفع رأسي فأُثْنِي على ربي بثناء وتحميد يعلِّمنيه. قال: ثم أشفع فيحدّ لي حَدًّا فأخرج فأُدْخِلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذَن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسْمَعْ، واشفع تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَه. قال: فأرفع رأسي فأُثْنِي على ربي بثناءٍ وتحميدٍ يعلّمنيه. قال: ثم أشفع فيحدّ لي حدًّا فأخرج فأُدْخِلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأَخْرُج فأُخْرِجهم من النار وأُدْخِلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. قال: وهذا المقام المحمود الذي وُعِدَه نبيكم صلى الله عليه وسلم"، وهو ما يدل على أنه لا شفاعة لابن مريم فى ذلك الموقف، بل ستكون الشفاعة لسيدنا محمد عليه السلام وحده من دون الأنبياء والرسل. وهذه إحدى المكرمات التى اخْتُصَّ بها سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا لا ينال من عيسى ولا غيره من المرسلين فى شىء، فتقديم أحد الأنبياء على سائر إخوانه لا يسىء إليهم فى قليل ولا كثير، فكلهم مكرَّمون معظَّمون بفضل الله، لكنه يدل على أن صاحب التقديم قد اخْتُصَّ بمزيد من التكريم والتعظيم. وهذا هو وضع المسألة دون طنطنات ولا سخافات فارغة من تلك التى يبرع فيها أحلاس الجهل والحقد والكفر، أخسأ الله كل جاهل حاقد كفور!(/19)
أما ما نقله الكذَّاب المدلِّس عن ابن كثير فقد عبث به كعادته ليبلغ غاية فى نفسه، إذ أخذ منه ما يريد وحَذَف ما لا يريد، لكن الله لم يتركه يهنأ بتلك الغاية، إذ ذهب العبد لله إلى ابن كثير فألفيتُه يقول فى تفسير قوله تعالى عن المسيح بن مريم عليه السلام: "وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ": "أَيْ لَهُ وَجَاهَة وَمَكَانَة عِنْد اللَّه فِي الدُّنْيَا بِمَا يُوحِيه اللَّه إِلَيْهِ مِنْ الشَّرِيعَة وَيُنْزِلهُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا مَنَحَهُ اللَّه بِهِ وَفِي الدَّار الآخِرَة يَشْفَع عِنْد اللَّه فِيمَنْ يَأْذَن لَهُ فِيهِ فَيَقْبَل مِنْهُ أُسْوَة بِإِخْوَانِهِ مِنْ أُولِي الْعَزْم صَلَوَات اللَّه وَسَلامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ". ومعنى هذا، لو أخذنا بتفسير ابن كثير، أن عيسى لن تكون له هنا أية ميزة استثنائية، سواء بالنسبة لرسولنا محمد خصوصا أو بالنسبة للأنبياء كلهم عموما، فالشفاعة ستكون للجميع، وليس لعيسى وحده كما أراد هذا الأُبَيْلِيس أن يوهمنا كذبًا وزورًا. بَيْدَ أن الشفاعة العظمى إنما هى من نصيب سيد الأنبياء والمرسلين كما ورد فى الحديث الآنف الذكر. أما الشفاعة النصرانية التى تكلم عنها سفر "رؤيا يوحنا" (تلك الرؤيا التى حلم بها وهو يعانى من قرصات الجوع المؤلمة المربكة للعقل فجعلت هذا الخروف يتخيل ربه خروفا مثله) فهى شفاعةٌ خِرْفانيةٌ لا يليق بالآدميين المتحضرين المثقفين أن يناقشوها، فلنتركها للخروف زيكو عابد الخروف!
ومن ادعاءاته الطفولية قوله إن عيسى قد أُصْعِد إلى السماء حيا، فماذا عن محمد؟ والجواب هو أن محمدا قد عُرِج به إلى السماوات العلا حتى بلغ سدرة المنتهى كما ذكر القرآن الذى تُحَاجِجُنا به. هذه واحدة، والثانية هى أن النص القرآنى ليس قاطع الدلالة فى موضوع صعود عيسى عليه السلام بالجسد ولا صعوده حيًّا، إذ تقول الآية الكريمة: "إذ قال الله: يا عيسى، إنى متوفيك ورافعك إلىَّ" (آل عمران/ 55). وليس فيها على سبيل القطع الذى لا تمكن المماراة فيه أنه سبحانه قد أصعده إلى السماء حيًّا بجسده. إن من المسلمين من يفهم تلك الآية كما فهمها القُمّص، لكن هناك أيضا من المسلمين من يقولون بالوفاة العادية ورِفْعَة المكانة لا الجسد. وعلى أية حال هل هناك فرق كبير بين قوله سبحانه عن السيد المسيح وبين قوله عن إدريس عليهما السلام: "واذْكُرْ فى الكتاب إدريس، إنه كان صِدِّبقًا نبيًّا* ورفعناه مَكانًا عَلِيًّا" (مريم/ 56- 57)؟ ثم إن الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى ذكر كذلك أن إيليّا قد رفعه الله إليه أيضا بالمعنى المادى، أى أصعد جسده إلى السماء: "وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: «يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا». وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ" (ملوك 2/ 2/ 11- 12). إننى، كما قلت من قبل، لا أبغى أبدا التقليل من شأن سيدنا عيسى عليه السلام، على الأقل لأننا نحن المسلمين نَعُدّ أنفسنا أتباعه الحقيقيين ونرى أن أولئك الذين يدّعون أنهم أتباعه قد كفروا به وضلّوا عن سواء السبيل وأشركوا بالله ما لم ينزِّل به سلطانا. كل ما هنالك أننا نحاول أن نقدم صورة منطقية ومستقيمة وصحيحة فى المقارنة بين النبيين العظيمين: محمد وعيسى عليهما السلام، صورة تُظْهِرهما فى أبعادهما الصحيحة على أساس أن عيسى هو من محمد بمثابة الأخ الأصغر: سنًّا وإنجازًا وأثرًا. وهذا كل ما هنالك. وفى النهاية نقول: فلنفترض أن عيسى قد أُصْعِد فعلا بجسده إلى السماء وأنه هو وحده الذى حدث له ذلك، فالسؤال حينئذ هو: وماذا بعد؟ وما الفائدة التى عادت على الدعوة من جراء هذا؟ لقد انحرف أتباعه أضلّ انحراف بسبب هذا الصعود وغيره وأشركوه مع الله، وهو البشر الضعيف العاجز الفانى!(/20)
ويتبقى كلام ذلك الخروف عن مسح عيسى عليه السلام من الأوزار وسؤاله المعتاد فى آخر الكلام: "وماذا عن محمد؟"، وهذا ما قاله نَصًّا:"ممسوح من الأوزار: (أنظر حتمية الفداء ص 24): (1) [سورة مريم]. (2) [سورة آل عمران]. (3) الإمام الرازى ج3 ص 676. (4) أبى هريرة. (5) صحيح البخارى. وماذا عن محمد؟". وهو بإشارته إلى سُورَتَىْ "آل عمران" إنما يقصد قوله تعالى عن امرأة عمران (أم مريم عليها السلام) وإعاذتها إياها هى وذريتها عند ولادتها من الشيطان الرجيم: "فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (آل عمران/ 36)، أما سورة "مريم" فلم أجد فيها شيئا يتعلق بالموضوع الذى نحن بإزائه. وبالنسبة لما جاء فى "آل عمران" فليس فيه سوى أن زوجة عمران قد استعاذت لابنتها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم، وهو ما يفعله كل مؤمن لنفسه ولأولاده. وفى تفسير الرازى: "روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من استعاذ في اليوم عشر مرات وَكّل الله تعالى به مَلَكًا يَذُود عنه الشيطان". وفى "سنن أبى داود" عن ابن عمر أن رسول الله قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطُوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه. فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافأتموه".
فليس فى الآية فى حد ذاتها إذن ما يدل على أن عيسى عليه السلام كان ممسوحا وحده من الأوزار دون الأنبياء والمرسلين، وإن كنا نؤمن أنهم جميعا عليهم الصلاة السلام، كانوا من خيرة صفوة البشر، وكانت أخلاقهم من السمو والرفعة بحيث تتلاءم مع المهمة الجليلة التى انتدبهم الله لها من بين سائر البشر. ومع هذا فهناك مثلا، فى مسند ابن حنبل، حديث عن النبى عليه السلام رواه أبو هريرة يقول فيه: "ما من مولود يُولَد إلا نخسه الشيطان فيستهلّ صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه. ثم قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: وإنى أُعِيذُها بك وذريتها من الشيطان الرجيم". وفى "سنن الدارمى" عن ابن عباس أنه قال: " ليس من مولود إلا يستهلّ، واستهلاله يعصر الشيطان بطنه، فيصيح إلا عيسى ابن مريم". وليس فيه، كما هو واضح، أية إشارة إلى مسحه عليه السلام من الأوزار والخطايا، بل الكلام فيه عن نخسة الشيطان التى يبكى الطفل بسببها عند الولادة أول ما يستقبل الحياة والتى يقول الأطباء إن سببها هو استنشاقه لأول مرة الهواء استنشاقا مباشرا، فهو رد فعل بيولوجى لا مَعْدَى عنه لأى طفل. لكنْ لأن ولادة عيسى كانت ولادة غير طبيعية فلربما كان ذلك هو السبب فى أنه لم يصرخ عند نزوله من بطن أمه كما يصنع سائر الأطفال.
وأغلب الظن أن النبى عليه الصلاة والسلام قد أراد، بذلك الحديث، أن يدفع عن أخيه الصغير عيسى وأمه من طَرْفٍ خَفِىٍّ قالةَ السوء والشُّنْع التى بهتهما بها اليهود الأرجاس. إذن فليس فى القرآن ولا فى الحديث أن سيدنا عيسى عليه السلام كان ممسوحا من الأوزار والخطايا وحده دون النبيين والمرسلين أجمعين، وإن لم يَعْنِ هذا أنه كان ذا أوزار وخطايا، إذ الأنبياء والرسل كلهم هم من ذؤابة البشر خُلُقًا وفضلاً وسلوكًا لا عيسى وحده. ومع ذلك فقد قرأنا فى حديث الشفاعة العظمى كلام الرسول الأعظم عن غفران الله له هو كل ذنوبه: ما تقدم منها وما تأخر، وهو ما استحق به وبغيره تلك المرتبة العالية، وإن لم يعن هذا أيضا أنه، صلى الله عليه وسلم، كانت له ذنوب تُذْكَر، وإلا ما قال الله فيه: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيمٍ" أو "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتّم، حريصٌ عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم" أو "إن الله وملائكته يصلّون على النبى. يا أيها الذين آمنوا، صَلُّوا عليه وسلِّموا تسليما". وقد أورد الرازى الذى يستشهد به مأفونُنا الحديثَ التالى: "ما منكم أحد إلا وله شيطان. قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأَسْلَم". وأظن أن هذا الحديث يضع حدا للجدال السخيف الذى فتح بابَه ذلك المأفونُ المتهالكُ العقل!(/21)
والآن إلى ما قاله الرازى فى هذا الموضوع: "ذكر المفسرون في تفسير ذلك القبول الحسن (يقصد القبول المذكور فى سورة "آل عمران" حين ابتهلت أم مريم إلى الله أن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم) وجوهًا: الوجه الأول: أنه تعالى عصمها وعصم ولدها عيسى عليه السلام من مس الشيطان. روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود يُولَد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهلّ صارخًا من مس الشيطان إلا مريم وابنها"، ثم قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". طعن القاضي في هذا الخبر وقال: "إنه خَبَرُ واحدٍ على خلاف الدليل، فوجَب ردُّه، وإنما قلنا إنه على خلاف الدليل لوجوهٍ أحدُها: أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخير والشر، والصبي ليس كذلك. والثاني: أن الشيطان لو تمكن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين وإفساد أحوالهم. والثالث: لمِ َخُصَّ بهذا الاستثناء مريمُ وعيسى عليهما السلام دون سائر الأنبياء عليهم السلام؟ الرابع: أن ذلك النخس لو وُجِد بَقِيَ أثره، ولو بقي أثره لدام الصراخ والبكاء، فلما لم يكن كذلك علمنا بطلانه". واعلم أن هذه الوجوه محتملة، وبأمثالها لا يجوز دفع الخبر، والله أعلم". ومن هذا يتبين لنا بأجلى بيان أن الكذاب لم يقطع عادته فى الكذب والتدليس، إذ لم يقل الرازى إن عيسى عليه السلام قد مُسِح من الأوزار والخطايا، بل ساق كلام المفسرين القائلين بذلك، لكن بإيجاز شديد، أما من نَفَوْا هذا فقد فصَّل كلامهم تفصيلا. ثم اكتفى بالقول بأن وجوه الاعتراض التى اعترض بها هؤلاء ليست قاطعة فى النفى، وإن كان من الممكن رغم ذلك أن تكون صحيحة. أى أنه لم يَنْفِ ولم يُثْبِتْ، بل اكتفى بإيراد الرأيين. وأقصى ما يمكن نسبته له من الرأى فى هذه القضية أن الأدلة التى احتج بها القاضى (عبد الجبار المعتزلى) لا تحسم الأمر. وهذا كل ما هنالك، فأين ما نسبه زيكو الحقير إلى ذلك المفسر الكبير؟
إننى لا أستطيع أن أهدأ كلما تذكرت أن هذا المَسْخ الغبىّ قد تمكن يوما من إضلال فتاة مسلمة من أتباع سيدنا النبى وجعلها تدق صليبا على يدها، ولولا لطف الله لهلكت البنت المتسرعة النزقة كافرةً فاستحقت لعنة الدنيا وجحيم الآخرة! أمعقول يا بنيتى يا خريجة الجامعة أن يستطيع هذا البهيمة الجهول أن يضحك عليك؟ فأين عقلك يا بنت الحلال؟ وأين اعتزازك بانتسابك لسيد النبيين والمرسلين؟ كيف بالله عليك ظننتِ أن مثل هذا الوغد السافل يمكن أن يكون على حق؟ أهذه سَحْنة إنسان صادق؟ أهذا صوت واحد من بنى آدم المخلصين؟ إنه ليس إلا أُبَيْلِيسا حقيرا لا عقل عنده ولا علم، أُبَيْلِيس لا يصلح فى دنيا الشيطنة إلا لـ"لَمّ السَّبَارِس" من تحت أرجل الشياطين الجالسين على المقاهى مثلما كنت أرى بعض الأطفال فى صباى بمقاهى طنطا يفعلون، وهذا إن كان فى دنيا الشياطين مقاهٍ وسَبَارِس. وأرجو أن أكون قد أعذرتُ إلى الله إذ ضيعتُ بعضًا من وقتى فى فضح جهله وغبائه، ولا داعى للحديث عن أسلوبه القبيح القمىء مثله، وكل ذلك من أجل أن قصتكِ قد آلمتنى، إذ كان السؤال ومازال: كيف يرضى مسلم من أتباع سيد النبيين والمرسلين أن يلوث عقله بالعقائد التى يعتقدها مثل ذلك الحمار السفيه الذى يصيح كالملدوغ: "الرسول النكّاح"، على حين تتلوَّى استه المنتنة شَبَقًا إلى من يطعنها حتى تهدأ، لا أهدأها الله ولا أراح صاحبها أبدا، وجعل ذلك الحمار، يعيش حياته كلها على نار، ويوم القيامة يزيد استه المنتنة (لأنه هو وأمثاله لا يستنجون ولا يعرفون للطهارة معنى)، يوم القيامة يزيد الله استه المنتنة نارا وأُوَارًا واستعارًا واحمرارًا؟! أتقول يا أيها الحمار: "الرسول النكاح"؟ وماذا فى ذلك؟ الدور والباقى عليك يا أيها "القُمّص المنكوح، صاحب الدبر المقروح"! ولعل القراء الآن يستطيعون أن يفسروا سر تقلقل ذلك النجس أثناء كلامه فى التلفاز وعدم استقراره فى جلسته على حال. السر كله لا فى شويبس كما كان يقول المرحوم حسن عابدين، بل فى دبر القُمّص المنتن، عليه وعلى دبره اللعنات! لقد دخل زيكو بدبره التاريخ، وأصبح دبره أشهر دبر فى العالم! وكما أنهم يقولون: "بعوضة النمرود، وعصا موسى، وبقرة بنى إسرائيل، وهدهد سليمان، وحوت يونس، وكلب أصحاب الكهف، وخُفّا حُنَيْن، وفيل أبرهة، وعمامة الحجاج، وبخلاء الجاحظ، وطَوْق الحمامة، وذهب المعزّ وسَيْفه، وكرمة ابن هانئ، وعبقريات العقاد، ودعاء الكروان، وبيضة الديك، وبقرة حاحا، وصندوق أبى لمعة، وشعر البنت، ولقمة القاضى، وبراغيث الست، ونبوت الخفير، وكعب أخيل، ومعطف جوجول"، فإننا بدورنا نقول: "دبر زيكو"!(/22)
وفى النهاية أحب أن أنبه القراء الأفاضل إلى أن الأناجيل تخلو تماما من ألفاظ "الثالوث والتثليث والأقانيم الثلاثة" التى يصدِّع بها الأغرارُ الحمقى أمخاخَنا، والتى يقوم دينهم المرقَّع على أساسها. وليس لهذا من معنى إلا أن تلك العقيدة الوثنية لم تظهر إلى الوجود، فيما يخص النصرانية، إلا بعد المسيح وكتابة الأناجيل. أى أنها لم تكن يوما من العقيدة التى جاء بها السيد المسيح عليه السلام وأنها إنما اختُرِعَتْ بأُخَرة. ليس هذا فحسب، بل إنه ما من نبى من قبل عيسى أو من بعده قد جاء بشىء من هذا الكفر: لا من أنبياء بنى إسرائيل ولا من سواهم. فلماذا يريد المعاتيه البلهاء أن نصدق بهذا الضلال؟ وما الذى يجرِّئهم كل هذه الجراءة ونحن الآن فى القرن الواحد والعشرين؟ إن مكان أولئك المتاعيس هو متحف التاريخ الطبيعى الخاص بالكائنات المنقرضة كالديناصورات وأشباهها مما غبر على اختفائه ملايين السنين، بحيث يكون تعليق كل من يرى بقاياهم هم وعقيدتهم أن يقول وهو فاغر فاه من الدهشة: ياه! تصوروا! لقد كان هناك قبل كذا مليون سنة ناسٌ متخلفون بلهاء كانوا يؤمنون بأن الله قد تجسّد وأنجب ولدًا (يا حَالُلِّى!)، ثم سرعان ما أماته على الصليب! يا له من إله مخلول العقل مسكين! عنده شعرة: ساعة تروح، وساعة تجىء! شفاه الله!(/23)
وبهذا نكون قد فرغنا من تفنيد سخافات زيكو فى المقارنة بين محمد وعيسى عليهما السلام، ونقيم نحن مقارنتنا بين النبيين الكريمين، ولكن على أسس منطقية وتاريخية وحضارية سليمة: فالتوحيد الذى نادى به محمد بقى كما هو، والحمد لله، رغم مرور أربعة عشر قرنا من الزمان على رحيل سيد الأنبياء عن الدنيا، ورغم كل الدواهى والمصائب التى نزلت على يافوخ المسلمين، ورغم المؤامرات التى حاكها وما زال يحيكها الصليبيون والصهاينة ضدهم وضد دينهم، بخلاف أتباع عيسى عليه السلام الذين سرعان ما عبثت أيديهم بما أتاهم به من التوحيد النقى واستبدلوا به وثنية بشرية. كذلك فتلاميذ عيسى قد تركوه عند أول تجربة حقيقية وهربوا ناجين بجلدهم حين جاء جند الرومان للقبض عليه حسبما تقول الأناجيل المزيفة، رغم أنه قد أنبأهم بأنهم سوف يفرّون ويخلّفونه وحيدا فى يد الأعداء ورغم تأكيدهم مع ذلك أنهم لن يفعلوا. بل إن بطرس قد أنكر معرفته إياه وأقسم بالله إنه لا صلة له به على الإطلاق. أما صحابة محمد فكانوا يفدّون نبيهم بالنفس والنفيس. وقد ترَّسُوا عليه مثلا فى غزوة أُحُد وتَلَقَّوْا عنه السهام بظهورهم، ولولا ذلك لكان من الممكن أن تصل إليه يد الكفار بالأذى الشنيع، إذ كانوا حريصين أشد الحرص على قتله آنذاك! كما أن رسالة محمد هى رسالة عالمية، على عكس رسالة عيسى التى كانت خاصة ببنى إسرائيل. ليس ذلك فقط، بل إن دعوة عيسى عليه السلام كما تصورها لنا السِّيَر التى كتبها بعض من يدَّعون الانتساب إليه (وهى المسماة بـ"الأناجيل") ليست أكثر من مواعظ خلقية تسودها التشنجات المثالية التى لا يمكن نجاحها فى دنيا البشر، أما رسالة محمد فرسالة شاملة، إذ هى رسالة عقيدية خلقية اجتماعية اقتصادية سياسية ثقافية. بعبارة أخرى هى رسالة حضارية تغطى جميع جوانب الحياة. ومرة ثانية لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن محمدا قد وضع رسالته موضع التنفيذ والتطبيق ونجح فى ذلك نجاحا مذهلا لم يحدث من قبل ولا من بعد، وكانت ثمرة ذلك أن أنهض الله على يديه المباركتين أمة العرب من العدم فحلّقت فى الذُّرَى العالية وأضحت سيدة العالم لقرون طوال. ومثال أو مثالان هنا يغنياننا عن ضرب غيرهما، فإن أمة لم تبلغ فى تجنب الخمر ما بلغته العرب بفضل دعوة محمد وإيمانها بدعوة محمد، أما أمم النصرانية فالخمر جزء لا يتجزأ من حياتها. كما أن الرهبانية التى ابتدعها مدَّعو التمسك بدين المسيح والتى حذّرنا منها رسول الفطرة النقية المستقيمة قد جرّتْ وراءها انحرافات جنسية خطيرة ومستطيرة، ليس أكبرها الاعتداء على الغلمان والنساء حتى فى أقدس الأماكن عندهم، فضلا عن العلاقات غير الشرعية بين الرهبان والراهبات، وكذلك المُلاَوَطَة بين الأولين، والمُسَاحَقة بين الأخيرات. وهذان مثالان اثنان لا غير على النجاح الخارق الذى أحرزته دعوة رسولنا الكريم والذى لم تستطعه دعوة أى نبى أو مصلح آخر على مدار التاريخ البشرى كله. أما دعوة عيسى عليه السلام حسبما نطالعها فيما يسمى بـ"الأناجيل" فلم تطبَّق ولو ليوم واحد. إننا طول الوقت إزاء جماعة من المرضى والممسوسين والعُرْج والبُرْص والعُمْى يفدون على السيد المسيح طلبًا للبركة والشفاء، مع بعض المواعظ المشجية، وكان الله يحب المحسنين. ومرة ثالثة لا ينتهى الأمر هنا، ذلك أن عيسى، كما نقرأ فى الأناجيل المزيفة، لم يأت إلى قومه بشريعة، ودعنا من نقضه الشريعة الموسوية رغم أنه قد أكد أنه لم يأت لينقض الناموس، بل ليكمله. ثم جاء بولس فأتى على البقية الضئيلة من تلك الشريعة! ومرة رابعة (أو خامسة، لا أدرى) لا تنتهى المسألة عند هذا الحد، إذ لو نظرنا إلى الموضوع من الزاوية الشخصية لوجدنا أن هناك فرقا بين محمد وعيسى كبيرا: فمحمد كان يعيش حياته كاملة فتزوج وأنجب ذرية، أما عيسى فلم يمارس هذا الجانب من جوانب شخصيته. وقد كان محمد خير زوج وأب عرفته الأرض، أما عيسى فلا شك أن حياته لم تعرف هذا الشىء، وإن كنا لا نقف أمامه طويلا ولا نستطيع أن ندلى برأينا فى السبب الذى من أجله لم يقيَّض له عليه السلام أن يتزوج وينجب كما يفعل الرجال فى الظروف المعتادة، إلا أننا نستنكر بشدة ما يتهمه به بعض الملاحدة الغربيين المجرمين من أنه عليه السلام كانت له علاقات منحرفة بهذه أو بذاك من أتباعه. أستغفر الله العظيم من هذا الرجس النجس الذى يراد به تلويث عِرْضِ واحدٍ من أطهر الرسل الكرام. وأخيرا وليس آخرا: أين يا ترى ذهب الإنجيل الذى بشر به السيد المسيح؟ إن الذى معنا الآن إنما هو مجموعة من السِّيَر التى كتبها بعض المنتسبين لدينه بعد وفاته بعشرات السنين ودون أن يلتزموا فيها بأى منهج، إذ كل ما اعتمدوا عليه هو الأقاويل التى سمعوها من هنا وههنا وأوردوها بعَبَلها وعُجَرها وبُجَرها دون تمحيص. وهذه السِّيَر ليست هى السِّيَر الوحيدة التى وصلتنا، بل هناك سِيَرٌ أخرى أهملتها الكنيسة وأخذت بهذه، ولا أحد(/24)
يعرف السبب الذى على أساسه تمت هذه التفرقة! أما القرآن الذى نزل على قلب محمد فباقٍ كما هو لم يتغير فيه شىء. بهذه الطريقة يمكننا أن نعرف الفرق الحقيقى بين محمد وعيسى عليهما السلام. وإنى لأشبِّههما، كما قلت، بأخوين: أخٍ أكبر (هو محمد)، وأخٍ أصغر (هو عيسى)، عليهما وعلى جميع الأنبياء والرسل صلوات الله وسلام(/25)
كلمةٍ سواءٍ ...
موقع مجلة الوعي ...
قال الله سبحانه: ? قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ? ... [آل عمران:64].
هذه آية من كتاب الله عظيمة في معناها ومبناها، فالقرآن كلام الله سبحانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد. وهي تدل دلالة واضحة على دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام، دعوة صريحة تفرق بين الحق والباطل، فإن قبلوا فهم مسلمون وإن رفضوا فقد أقمنا عليهم الحجة بأنا مسلمون وهم كافرون.
لكن البعض يستعملون هذه الآية الكريمة في غير موضعها، ويحرفون الكلم عن مواضعه، فيقولون إن الآية دعوة لما يسمونه بحوار الأديان. يقولون إن كلمة (سواء) أي مستوية بيننا وبينهم فلا ننكر عليهم دينهم ولا ينكرون علينا ديننا، فالأديان كلها دين الله وهي سواء، وأننا مأمورون بمحاورتهم لنسمع منهم ويسمعوا منا دون أن نحسم الأمر ونبين الحق من الباطل، ودون أن نبين أن الإسلام هو الحق وأن الأديان غيره الموجودة حالياً باطلة بطلاناً تاماً وهي كفر صاحبها مخلد في النار.
والحقُّ إنَّ (سواء) المذكورة في الآية الكريمة تعني الحق والعدل أي هي دعوة للنصارى واليهود إلى كلمة حق ونصفة وعدل، ثم بينها الله سبحانه بما ورد في الآية الكريمة ? أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ? ... [آل عمران:64].
يقول القرطبي في تفسيره (والسواء العدل والنصفة قاله قتادة، وقال زهير:
أَرُوني خُطّةً لا ضَيْمَ فيها يُسَوّي بيننا فيها السَّواءُ
وقال الفراء يقال في معنى العدل سِوى وسُوى، فإذا فتحت السين مددت "سواء" وإذا كسرت أو ضممت قصرت).
ومعلوم أن النصارى واليهود قد أشركوا بالله سبحانه واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله يشرعون لهم، يحللون ويحرمون بمنطوق الآية الكريمة ? وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ? ... [التوبة:31، 32] ، وأنَّهم كفار بنص القرآن الكريم ? لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ? ... [المائدة:73]، ? لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ?… [المائدة:17]، ? لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ? … [البينة:1].
ولقد بين الإسلام كيف تكون دعوتهم للإسلام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم موصياً أمير الجيش الذي يرسله للقتال: (... وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين... إلى أن يقول فإن هم أبوْا فاستعن بالله وقاتلهم ).
ويقول صلوات الله وسلامه عليه في كتابه إلى هرقل ملك الروم: ( أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسين...).
وهذا ما سار عليه الصحابة رضوان الله عليهم في تطبيق الإسلام وحمله إلى العالم على النحو الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم فتقام الحجة عليهم بدعوتهم للإسلام فإن أبوْا كانت الجزية وإلاَّ فقتالهم في سبيل الله.
إن فكرة الحوار بين الأديان هي فكرة غربية خبيثة دخيلة لا أصل لها في الإسلام لأنها تدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين الأديان واعتبارها كلها سواءً عند الله وأن أصحابها مؤمنون، وهذا كفر وضلال يخالف كل المخالفة دعوة الكفار إلى الإسلام المبين في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فدعوى التقارب بين الأديان دعوة لتذويب الإسلام في الأديان الأخرى بضرب عقيدته وحضارته، وأما دعوة الكفار إلى الإسلام فتكون ببيان عقيدة الإسلام الصحيحة ، وبيان بطلان عقائد الكفار وضلالهم وفساد حضارتهم وإقامة الحجة عليهم ليدركوا ويعلموا أن الإسلام هو الحق وأنه الواجب الاتباع.
فالبون شاسع بين دعوة الكفار إلى الإسلام وبين محاورتهم في مؤتمرات حوار الأديان فالحق أبلج ، والباطل لجلج ? فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلا ? … [يونس:32].(/1)
كلهم قساة !؟
د. سلمان العودة
لماذا الكثيرون ضمن مجتمعات المسلمين يقسون على الجميع ويوزعون المسؤوليات، ويستثنون أنفسهم فهم غير مقصّرين, وما يقع منهم من تقصير – لا قدر الله – فهو بسبب غيرهم؟!
بل يظن الكثير من أصحاب العلم والمعرفة والفقه والثقافة؛ أن الاعتراف بالأخطاء والمعالجة العلنية لها نوع من قلّة السياسة والفقه.
اقرؤوا قول الله تعالى: " عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى"، فإن في هذه الآيات نموذجاً راقياً للعلنية، وكل قصص الأنبياء في القرآن مع ما تحويه من دلائل دعوية وفكرية مهمة؛ كإخبارها بخصائص الأنبياء الدعوية، تجدها في الوقت ذاته تخبر عن بشريتهم "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ"، وهذا ما لم يستوعبه أغبياء المشركين: "وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا".
إن القرآن صريح في بشرية الأنبياء؛ فالهدهد يعلّم سليمان، وموسى يتعلم على يد الخضر، ليدل كل ذلك على أن المعالجات العلنية هي أقرب لتلمس الداء، وجزء من الدواء.
والنقد الذي تجب ممارسته لا بد أن يكون متوازناً؛ وأن نأخذ نحن نصيبنا منه، لنكون مع هذا المجتمع شركاء المغنم والمغرم.
وبعض المثقفين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ضحايا العنف من جهة سياسية أو اجتماعية أو دينية؛ لا يذكرون أن الناس قد يكونون ضحايا لعنفهم الثقافي، وصرعى حروبهم الفكرية، التي يستحضرون ذكراها من عقود وربما قرون؛ فهم قتيل المجتمع وقاتله!.
إنهم أحياناً يمارسون عدواناً لفظياً مع من يختلف معهم، وينحازون إلى جانب القوة ضد الأبرياء، بالإرهاب الفكري في عمليات التخوين والتبديع والتفسيق، وتفسير النوايا، وتوزيع التهم، واستخدام كل أدوات الحرب الكلامية والإعلامية، واستعداء أطياف الناس والمجتمع والسلطة، فبؤس العالم الثالث السياسي ومشاكله اليومية تحوّل إلى تأزم فكري وصراع اجتماعي، وولّد مشاكل في الفهم والحوار لدى كافة الشرائح من الإسلاميين إلى القوميين إلى الماركسيين إلى الليبراليين.
السؤال: لماذا نبدو أكثر انفعالاً وتشنجاً واندفاعاً غضبياً؟!
لماذا نسعى بكل قوتنا – إن كان ثمة قوة – لإدانة خصومنا الذين لا نتفق معهم, ونستميت في محاولة إلصاق الدعاوى بكل من يخالفنا الرأي, أو المشرب أو الاتجاه!
وهل فعلاً أن العاجز ضمن هذا العالم المهووس هو من لا يستبد، كما يدعي العربي الأول: عمر بن أبي ربيعة؟!
ما سبب هذا الاحتقان, والقابلية الشديدة للتطاحن, والاشتعال من كل الأطياف, كأنك في مطبخ بترول!
ففي السياسة: الانشقاقات والحزبيات واللغة الرديئة.
وفي العلم والمعرفة: التيارات والصراعات غير النظيفة في سباق محموم للتسلّح اللفظي, والتراشق بالتهم والألقاب.
وفي المجتمع: ضروب الاستهزاء العصبي والقبلي.. في كل شيء.
ربما هي ثقافة عامة في العقل الباطن للناس والمجتمع، ثقافة جافت سبيل الرحمة والسعة والسلام وغيرها من المعاني التي اشتقت من مفردات الدين الإسلامي وأخلاقياته.
"قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ .."، وفي القرآن الكريم دعوة عالية للعودة إلى الأمن الديني والنفسي والثقافي والاجتماعي والسياسي: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ".
دعوةً لتطليق أشكال الاعتداء والظلم التي تأكل أخضر المجتمعات ويابسها من الكبار والصغار، والمثقفين والعامة إلى الجدال الثقافي والعلمي والفقهي والتربوي بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا.(/1)
كم إلهاً تعبد ؟
في أول الإسلام حاول الكفار صد النبي صلى الله عليه وسلم عن دينه , فأرسلوا حصين بن المنذر فلما دخل حصين قال : يا محمد فرقت جماعتنا و شتت شملنا فان أردت مالا أعطيناك أو ملكا ملكناك فلما سكت .. قال صلى الله عليه وسلم : يا أبا عمران كم الها تعبد ؟ قال أعبد سبعة , ستة في الأرض وواحدا في السماء !! فقال صلى الله عليه وسلم : فاذا هلك المال من تدعو؟ قال : أدعو الذي في السماء . قال فاذا أنقطع المطر من تدعو ؟ قال: الذي في السماء .. قال : فيستجيب لك وحده أم يستجيبون لك كلهم قال : يستجيب وحده , فقال صلى الله عليه وسلم : يستجيب لك وحده و تشركهم في الشكر ! أم تخاف أن يغلبوه عليك ؟ قال : لا ما يقدرون عليه .. قال صلى الله عليه وسلم : يا حصين أسلم ( أو كما قال عليه الصلاة والسلام)
نعم كانوا يعبدون تماثيل صورت لقوم صالحين و يعتبرونها وسائل تقربهم إلى الله , يتعبدون لها بذبح و دعاء و طواف و بكاء لتشفع لهم عند الله و يقولون ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فسماهم الله مشركين مع اعتقادهم أن الله هو الخالق الرازق فما الفرق بينهم و بين من يتقرب اليوم إلى ميت في قبره و يرجوه أن يشفع له عند الله ؟! ما الفرق بين من يتقرب لصورة فوق الأرض .... ومن يتقرب لصورة تحت الأرض؟!!
سأل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ فقال : يامعاذ: أتدري ما حق الله على العباد .. وما حق العباد على الله ؟ قال الله ورسوله أعلم فقال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا , وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا .. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؟ فقال : أن تجعل لله ندا و هو خلقك.
فالشرك أعظم الذنوب ولا يغفره الله أبدا والجنة حرام على المشركين وهم مخلدون في النار قال تعالى ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) , ومن أشرك فسدت كل عباداته من صلاة وصوم وجهاد وصدقة قال تعالى ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من المشركين)
وكذلك تحرم الصلاة عند القبور وفي المساجد المبنية عليها ويحرم التقرب الى الله بقراءة القرآن عند القبور أو استئجار من يقرأ إنما يدعو الله للميت فقط , وكذلك يحرم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقول (الهم أسألك بجاه نبيك و لا بحق فلان) , أما التوسل الجائز فالتوسل بأسماء الله و صفاته فيقول : يارحيم ارحمني والتوسل بالايمان والاعمال الصالحة فيقول: اللهم بإيماني وصلاتي أغفر لي . والتوسل جائز بدعاء الصالحين الأحياء فيطلب منهم أن يدعوا له فدعاء المسلم لاخيه مستجاب .. أما طلب الدعاء من ميت فحرام وكذلك الذكر الجماعي بصوت واحد كما يفعل البعض في الأعياد وغيرها فهو بدعة.
والشرك له صور متعددة . منها دعاء الموتى المقبورين أو الذبح والنذر للقبور والجن والأولياء والخوف منهم أن يضروه أو يمرضوه , فالقبور تزار للاتعاظ والدعاء للاموات قال صلى الله عليه وسلم (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) , اما دعاء أهلها والذبح لهم والتبرك بهم فشرك .. سواء كان المقبور نبياَ أو ولياَ ... كما يفعل الجهال عند قبر الحسين من دعائه والاستغاثة به .. أو البدوي .. أو الجيلاني .. فكلهم بشر ... لا يضرون ولا ينفعون.
وكيف تستعين بالمقبورين وهم جثث هامدة .. لا يستطيعون أن يغيروا حالهم فتطلب منهم تغيير حالك ؟؟ فأقول للذين يدعون الأموات : أمواتكم هؤلاء الذين تبكون على عتاباتهم و ترجون شفاعتهم (هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون) ......لا والله لا يسمعون و لا ينفعون ..
واليوم تنتشر الأضرحة والقبور المبني عليها و يتقربون لها بالنذور و بعضهم يطوف بها و يطلب الحاجات عليها
ففي القاهرة : ضريح السيد الحسين ..والسيدة زينب ..و عائشة وسكينة .. و نفيسة .. وضريح الشافعي .. والدسوقي ...والشاذلي أما ضريح البدوي فيزدحم أحيانا كالحج .... وجلال الدين الرومي كتب على قبره : صالح للاديان الثلاثه المسلمين واليهود والنصارى
وفي دمشق : ضريح لرأس يحي عليه السلام بالمسجد الاموي و بجانبه قبر لصلاح الدين و عماد الدين زنكي
وفي تركيا 481 جامعا أكثرها قبور أشهرها المبني على القبر المنسوب لابي أيوب في القسطنطينية
وفي بغداد : 150 جامعا أكثرها بها قبور وبالموصل 76 ضريحا داخل الجوامع
وقد قال صلى الله عليه وسلم (لعن الله قوما أتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ونهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه أو ان يكتب عليه ولعن المتخذين عليها (أي القبور) المساجد والسرج ولم يكن الصحابة والتابعون يبنون المساجد على القبور أبدا والعجب أن الناس مفتونون بها مع أن أكثرها أضرحة مكذوبة(/1)
فالحسين له قبر بالقاهرة يتقربون اليه وفي عسقلان قبر له أيضا وفي المدينة النبوية قبر وفي جبل الجوشن بحلب سوريا ضريح لرأس الحسين و في دمشق والحنانة بالعراق وكربلاء والنجف (بجوار القبر المنسوب لأبيه) أضرحة للحسين ورأسه!!!
وضريح على رضي الله عنه بالنجف بالعراق مكذوب : فإنه دفن بقصر الامارة بالكوفة !! وبالبصرة قبر لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه رغم أنه مات بالمدينة و دفن بالبقيع أما زينب بنت علي فماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع .. ولها قبر منسوب اليها أقامه الشيعة في دمشق ولها ضريح بالقاهرة وهي لم تدخل مصر أصلا.
وبالشام قبر لام كلثوم ورقية بنتي النبي صلى الله عليه وسلم وهما زوجتا عثمان وماتتا بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودفنتا بالبقيع
وبالشام قبر لهود عليه السلام بجامع دمشق وهود لم يدخل الشام وله قبر منسوب اليه في حضرموت , وفي حضرموت قبر يزعمون أنه لصالح عليه السلام رغم أنه مات بالحجاز وله أيضا قبر في يافا بفلسطين.
أقول للمتعلقين بالمقبورين : هل كان الصحابة يرفعون قبرا أو يدعون بشرا وهل وقفوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعون أو يستشفعون ؟ وهل قبور الرفاعي والدسوقي والبدوي أكرم وأعظم وسيلة من قبور الانبياء . فآه ثم آه لمساكين يقفون عند رفات يلتمسون منه الرحمات وكون هؤلاء المقبورين لهم عند الله جاه لا يعني أن تطلب منهم الشفاعة
ومن وسائل الشرك : تعليق التمائم والحجب لدفع المرض أو الجن و تعليق التمائم حرام سواء كتبت بقرآن أو غيره (كأسماء الجن و رموز السحرة) والرقى التي تقرأ على المريض جائزة من القرآن والسنة أما ترديد أسماء الجن و الصالحين فدعاء لغير الله وهو شرك
وادعاء علم الغيب فهو من الشرك قال تعالى ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله) فمن ادعى الغيب بقراءة كف و فنجان ونجوم فهو كاذب كافر و من أخبر بالغيب أو صدق من يدعيه فهو ضال ... وقراءة أبراج الحظ في المجلات والاتصال بالكهان وسؤالهم حرام قال صلى الله عليه وسلم (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)
اما الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فبدعة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم قال عليه الصلاة والسلام (من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود عليه وكل محدثة بدعة وقد يقع في المولد اختلاط بالنساء ومعازف أو شرك بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وطلبه المدد وهو تشبه بالنصارى في أعيادهم والعجب ان البعض يحضر الموالد و يتخلف عن الجمع والجماعات والصلوات
وختاما يا من يدعو قبرا أو ميتا أو يحلف و يذبح لغير الله إسأل نفسك : كم ألهاَ تعبد ؟! فالله فرد صمد لا يرضى أن يشرك معه أحد.
محمد العريفي(/2)
كم في استشهاد الشيخِ احمد ياسين.. مِن عِبْرَةٍ للمسلمين د. محمد عمر دولة*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمامِ المجاهدين وقائد الغر المُحَجَّلين وعلى آله وصحبه أجمعين، الذين قال الله تعالى في شأنهم: (أشداءُ على الكفار رحماءُ بينَهم).[1] ورضي الله عن كلِّ مَن تبعهم امتثالاً لقولِ الله عزَّ وجل: (يا أيها الذين آمنوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عن دينِه فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونه أَذِلَّةٍ على المؤمنين أعِزَّةٍ على الكافِرين يُجاهِدُون في سبيلِ اللهِ ولا يَخافُون لومةَ لائمٍ ذلك فضلُ الله يُؤتِيهِ مَن يشاءُ واللهُ واسِعٌ عليم).[2]
وبعد، فقد نُعِيَ إلى أمَّتِنا اليومَ رجلٌ بارٌّ وفارسٌ مِغْوارٌ؛ ألا وهو فضيلة الشيخ المجاهد أحمد ياسين أسْكَنَهُ اللهُ الفردوسَ الأعلى. فقد أقدمَ اليهودُ المجرِمُون على اغتيالِه بعد صلاةِ الصبحِ وهو راجعٌ من المسجدِ. وذلك بأمرٍ من السفَّاحِ شارون؛ أقرَّ اللهَ عُيونَنا بمصرَعِه وسفكِ دمِه.
فكأنَّ الشيخَ المجاهدَ أحمد ياسين ـ تقبَّله اللهُ في الصدِّيقين ـ قد كتبَ وصيَّةً بدمائهِ للمسلمين في مطلعِ صفر من هذا العام (1425هـ)[3] ضَمَّنَها كلماتٍ من نورٍ؛ أرادَها عِبَراً نُحاولُ قراءتَها في هذه السطور.
فالعبرةُ الأولى: أنَّ أقدارَ اللهِ شاءتْ أن يأتيَ اغتيالُ الشيخِ المجاهد أحمد ياسين بطائرةِ (الأباتشي) الأمريكية بعد سنةٍ كاملةٍ من تاريخِ احتلالِ بغداد؛ لتؤكِّدَ لنا الأحداثُ ترابُطَ خُيوطِ المؤامرة وأنَّ المعركةَ على الإسلامِ واحِدةٌ وإن اختلفتْ أشكالُها وتعدَّدَتْ أشخاصُها من بلادِ الرافدين إلى أفغانستان إلى فلسطين. وهذا ما ظلَّ يُدندنُ حولَه المجاهدون؛ فجاء اغتيالُ الشيخ بالسلاحِ الأمريكي ليؤكِّد هذا التحالف بين اليهود والصليبيِّين على محاربة المسلمين، كما قال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهودُ ولا النصارى حتى تتبعَ ملَّتَهم)،[4] (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردُّوكم عن دينِكم).[5]
والعبرةُ الثانية: أنَّ الشيخ أحمد ياسين رحمةُ اللهِ عليه قد ختمَ حياتَه بمسكِ الختامِ، وودَّعَ الدنيا بمعراجِ المسلم؛ فقد حرصَ الشيخُ العجوزُ المقعَدُ على صلاةِ الصبحِ في المسجد ـ وتلك من صفاتِ الذين يَتَّخِذُ اللهُ منهم شهداء ـ بينما آلافُ المسلمين ينامُون عن صلاةِ الصبح ـ ومنهم شبابٌ أقوياء ـ والمساجدُ خاويةٌ حولَ بيوتِهم، وبعضُهم والعياذُ باللهِ لم يُصَلِّ للهِ ركعةً!
والعبرةُ الثالثة: أنَّ الشيخ أحمد ياسين قد عاشَ عمرَه كلَّه يحمل هَمَّ فلسطين وأرضَها المغصوبة وحقوقَها السليبة؛ فشرَّفَه اللهُ بأنْ رَوَّى هذه الأرضَ المقدَّسةَ من دمائه الزَّكِيَّة. وهكذا فلْيكن استعدادُ طلابُ الشهادة لإحدى الحُسْنَيَيْن؛ فقد كان الشيخ المجاهدُ يَعِي أنَّ طريقَ الجهادِ ثمنُه بذلُ الأرواح؛ ولكنَّه أدركَ معنَى قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: (وعسى أنْ تكرَهُوا شيئاً وهو خيرٌ لكم)[6] مع إدراكِه أنَّ من أسبابِ تضييعِ الدِّين واحتلالِ فلسطين تخاذلَ المسلمين؛ "وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة؛ فإنه شرٌّ؛ لأنه يُعْقِبُ الخذلانَ وتسلُّطَ الأعداء على الإسلام وأهلِه، وحصولَ الذلِّ والهوان، وفواتَ الأجرِ العظيم، وحصولَ العقاب".[7]
والعِبرةُ الرابعة: أنَّ المسلمَ الهُمامَ لا يقبل الذُّلَّ والانهزامَ؛ فإنَّ الشيخَ المجاهدَ قد رأى في شَبِيبَتِه وشَيْبَتِه مِن ذُلِّ المسلمين ما رأى، وأحْزَنَهُ هَوانُهم على العالَمِين؛ حيث صارُوا تُداسُ مُقدَّساتُهم وتُستباحُ بلادُهم ويُغْزَوْن في دِيارِهم مِن اليهود والنصارى؛ فعزَمَ على التضحيةِ بنفسِه زاهِداً في هذه الحياةِ، واختارَ الرفيقَ الأعلى:
والعِبرةُ الخامسة: أنَّ استشهادَ الشيخ أحمد ياسين يُذكِّرنا بأنَّ الشهادةَ مرصودةٌ لأهلِها، وأنَّ الجنةَ (اُعِدَّتْ للمتقين)؛ فهنيئاً للمُجاهِدين (الذين يَظنُّون أنهم مُلاقُو ربِّهم وأنهم إليه راجعون)[8] فقد ارتحلَ بهم شوقُهم وحنينُهم إلى جنَّات النعيم؛ "فهذا الذي خفَّف عليهم العبادات، وأوجبَ لهم التسلِّيَ في المصيبات، ونفَّسَ عنهم الكُربات، وزَجَرَهم عن فعل السيّئات؛ فهؤلاء لهم النعيمُ المقيمُ في الغرفات العاليات"![9]
والعبرةُ السادسة: أنَّ اليهودَ والنَّصارى لا يَزالون يُقاتِلون المسلمين؛ مهما توهَّم المنهزمون، ولا يَرْضَوْنَ عنهم إلى يوم الدِّين، كما قال الله عز وجلَّ: (ولا يَزالُون يُقاتِلُونكم حتى يَرُدُّوكم عن دِينِكم إن استطاعوا).[10] فواللهِ ـ يميناً بارَّةً ـ ما قتلوا الشيخَ أحمد ياسين ومَن قبلَه من الاستشهاديِّين؛ إلا لأنَّ هذا الشيخَ الصالح ومَن معه قد بَثُّوا روحَ الجهادِ في فلسطين، ونَصروا عقيدةَ الولاءِ للمسلمين والبراءِ من اليهود المجرمين.(/1)
والعبرةُ السابعة: أنَّ الشهادةَ في سبيلِ اللهِ غايةُ الصالحينِ وبُغْيةُ المجاهدين، وقد قال تعالى: (ولا تقولُوا لمن يُقتَلُ في سبيلِ اللهِ أمواتٌ بل أحياءٌ ولكنْ لا تشعرون)[11] فـ"في هذه الآيةِ أعظمُ حَثٍّ على الجهادِ في سبيلِ الله ومُلازمةِ الصَّبرِ عليه؛ فلو شعر العبادُ بما للمُقاتلين في سبيلِ الله من الثوابِ لم يَتخلَََّفْ عنه أحدٌ! ولكنَّ عدمَ العلمِ اليقينيِّ التامِّ هو الذي فتَّرَ العزائم، وزاد نومَ النائم، وأفاتَ الأجورَ العظيمة والغنائم؛ لِمَ لا يكون كذلك والله تعالى قد(اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأنَّ لهم الجنةَ يُقاتِلُون في سبيلِ اللهِ فيَقتُلون ويُقتَلون) ؟![12] فواللهِ لو كان للإنسانِ ألفُ نفسٍ تذهب نفساً نفساً في سبيل الله, لم يكن عظيماً في جانب هذا الأجرِ العظيم؛ ولهذا لا يتمنَّى الشهداءُ بعد ما عايَنُوا مِن ثوابِ الله وحُسْنِ جَزائه إلا أن يُرَدُّوا إلى الدنيا حتى يُقتَلُوا في سبيلِه مَرَّةً بعد مَرَّة"![13]
والعبرةُ الثامنة: أنَّ اليهود لا يَغتالُون الدُّعاةَ المَشهورين والخُطباءَ المُفوَّهين والباحثين والمُفكِّرين؛ ولكنَّهم يغتالون في المقامِ الأولِ المجاهدين الذين يبذُلون أرواحَهم في سبيلِ هذا الدِّين، ويسعَوْنَ إلى إحياءِ الأمةِ بالعلمِ والجهادِ، وهذا الذي صنعَه الشيخُ المجاهد أحمد ياسين؛ فقد ربَّى خيرَ الشبابَ، وثبتَ عند كلِّ مُصابٍ، ولم يُفرِّطْ في فلسطين، ولم يتدنَّسْ بأوزارِ (أُوسلو) مثل الباقين! وهل اغتيلَ الشيخ حسن البنَّا إلا لأنه أرسلَ المجاهِدين إلى فلسطين؟ وهل قَتَلُوا الشيخَ عبد الله عزام؛ إلا لأنه جَمَعَ كلمةَ المجاهدين؟ وهل يَتتبَّعون في زماننا أصحابَ القضيةِ الصادقين في أنحاءِ الأرضِ؛ إلا للقضاءِ على جذوةِ الجهادِ، مُسْتَعِينِين ببعضِ المسلمين؛ فتباًّ للخائنين الذين يَبِيعُونَ دِينَهم بدُنيا الكافرين!
والعِبرةُ التاسعةُ: أنَّ الاغتيالَ مِن الأساليبِ القديمة لليهود؛ فقد حاوَلُوا عليهم لعائن اللهِ اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم وأطعموه الشاة المسمومة؛ حتى قال صلى الله عليه وسلم: (لا زالت أَكْلة خيبر تُعاوِدني؛ فهذا أوانُ انقطاعِ أبهري).[14] فالواجبُ أن نحتاطَ للقياداتِ كلَّ الاحتياط، وأن نسعى في توفيرِ الحماية التامة لهم؛ وأنْ لا يشغلَنا مُصابُنا في الشيخ أحمد ياسين عن تأمينِ إخوانِه القادةِ السياسيِّين والعسكريِّين؛ فإنَّ اغتيالَ القادةِ إذا تكرَّرَ أثَّرَ على القلوبِ الضعيفة. واللهُ المستعان.
والعبرةُ العاشرة: ما قاله سيِّد قطب قبلَ أن يُقتَلَ؛ فقد أدركَ رحمه اللهُ أنَّ "الذين يُضحُّون بأرواحِهم في معركةِ الحقِّ هم عادةً أكرمُ القلوبِ، وأزْكَى الأرواحِ، وأطهرُ النفوسِ! هؤلاء الذين يُقتَلُون في سبيلِ الله ليسوا أمواتاً؛ إنهم أحياء؛ فلا يجوز أن يُقال عنهم: (أمواتٌ)، لا يجوز أن يُعتبَرُوا أمواتاً في الحِسِّ والشعورِ، ولا أن يُقالُ عنهم: أموات بالشفة واللسان؛ إنهم (أحياءٌ) بشهادةِ اللهِ سبحانه؛ فهم لا بد (أحياء). إنهم قُتِلُوا في ظاهرِ الأمرِ وحسبما ترى العين، ولكنَّ حقيقةَ الموتِ وحقيقةَ الحياةِ لا تُقرِّرُهما هذه النظرةُ السطحيةُ الظاهرة. إنَّ سِمَةَ الحياةِ الأولى هي الفاعِليةُ والُّنمُوُّ والامتدادُ، وسمة الموتِ الأولى هي السلبيةُ والخُمود والانقطاعُ؛ وهؤلاء الذين يُقتَلُون (في سبيلِ الله) فاعِليَّتُهم في نُصرةِ الحقِّ الذي قُتِلُوا مِن أجلِه فاعليةٌ مُؤثِّرةٌ، والفكرةُ التي مِن أجلِها قُتِلُوا تَرْتَوِي بدِمائهم وتمتدُّ، وتَأثُّرُ الباقين وراءَهم باستشهادِهم يَقْوَى ويَمتدُّ؛ فهم ما يَزالُون عُنْصُراً فعَّالا دافِعاً مُؤثِّراً في تكييفِ الحياةِ وتَوجِيهِها، وهذه هي صفةُ الحياةِ الأُولَى؛ فهم (أحياء) أوَّلاً بهذا الاعتبارِ الواقعي في دنيا الناس، ثم هم (أحياء عند ربهم)".[15](/2)
والعبرةُ الحادية عشرة: أنَّه ليس النصرُ بالكثرةِ التي تُشبِه غُثاءَ السَّيل، ولكنَّ العِبرةَ بمن يؤمِن بالقضيةِ ويُوقِنُ بنصرِ اللهِ ويدفعُ في سبيلِها رُوحَه ويبذلُ فيها عُمرَه؛ فـ(لا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا) لَعَمْرِي عَمودُ النَّصرِ ووَقودُ المعركة، وهو أعظمُ ما يحتاجه المسلمون في هذه المرحلة؛ فإنَّ اليهودَ لم يغتالُوا الشيخَ أحمد ياسين إلا لأنه كان يُوقِنُ بقولِ الله عزَّ وجلَّ: (قد كان لكم آيةٌ في فِئَتَيْنِ التَقَتا فئةٌ تُقاتِل في سبيلِ الله وأُخْرَى كافِرة)[16] "وما ذاك إلا لأنَّ الله ناصرٌ مَنْ نَصَرَه، وخاذلٌ مَن كفرَ به؛ ففي هذا عِبْرةٌ لأُولِي الأبصارِ: أي أصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة على أنّ الطائفة المنصورة معها الحقُّ والأخرى مُبْطِلةٌ؛ وإلا فلو نظر الناظرُ إلى مُجرَّدِ الأسبابِ الظاهرةِ والعَدَدِ والعُدَد؛ لجزَمَ بأنَّ غَلَبَةَ هذه الفئةِ القليلة لتلك الفئةِ الكثيرةِ من أنواعِ المحالات، ولكنْ وراء هذا السببِ المشاهدِ بالأبصارِ سببٌ أعظمُ منه لا يُدرِكُهُ إلا أهلُ البصائرِ والإيمانِ بالله والتوكُّلِ على الله والثقةِ بكفايته: وهو نَصْرُهُ وإعزازُهُ لعبادِه المؤمنين على أعدائه الكافرين".[17]
والعِبرةُ الثانية عشرة: أنَّ اليهودَ هم اليهودُ في مَكْرِهم وغَدْرِهم؛ وإنْ اغترَّ بِعُهُودِهم بعضُ المخدوعين؛ فقد قال الله عزَّ وجلَّ: (لَتجِدَنَّ أشدَّ الناسِ عَداوةً للذين آمَنُوا اليهودَ والذين أشركوا)؛[18] ولأنهم عليهم لَعائنُ اللهِ أجبنُ الناسِ؛ تراهم لا يُقاتِلُون المسلمين (إلا في قُرًى مُحَصَّنةٍ أو مِن وراءِ جُدُرٍ)[19] ويُمْعِنُونَ في الغَدْرِ كما حَصَلَ في اغتيالِ الشيخ أحمد ياسين؛ مما يؤكِّد أنهم لا يَدينونَ بغير الكيدِ والمكرِ.
والعِبرةُ الثالثة عشرة: أنه لا بُدَّ من الاستفادةِ من أساليبِ الأعداء؛ من حيث استخدام أحدثِ وسائل التقنية، والتخطيط الدقيق، والعمل بأناة، وانتقاء الأهداف الكبرى، فما ينبغي أن تكون رُدُودُنا على الباطلِ متسرِّعةً؛ لاسيما في الثأرِ لقائد المجاهدين في فلسطين؛ بل الواجبُ استهدافُ رؤوسِ الكفرِ ورُموزِ الغدرِ في هرمِ الدولة العبرية وقادتها العسكريين والسياسيِّين، وإن استدعى ذلك شهراً أو شهرَيْن. فالمعركة طويلةٌ، والعبرةُ بالضربة القاصمة التي نقطعَ رأسَ الحيةِ؛ أسأل اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ الكريم أن يُقِرَّ عيونَنا بمصرعِ الطاغية شارون؛ فقد سفكَ دماءَ مئاتِ المسلمين من مجزرة صبرا وشاتيلا مُروراً بمذبحة جنين إلى اغتيال الشيخ أحمد ياسين.
والعِبرةُ الرابعة عشرة: أنَّ الشيخَ أحمد ياسين قد نال مُناه وأكرمَه اللهُ بالشهادة؛ فالواجبُ أن يظلَّ مَعْلَماً للمسلمين يُذكِّرُهم بأمانتِهم تجاه فلسطين. فشَتانَ بين مَن قعدَتْ به هِمَّتُه وانحنَتْ للأعداءِ هامَتُه، وبين بطلٍ هُمامٍ مُقعَدٍ لم يتَّكِىءْ على عُذْرِه ويَقعُدْ مثلَ سقطِ المتاع؛ بلْ أقامَ الجهادَ فاستغلَظَ فاستوى على سُوقِه يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ!
والعبرةُ الخامسة عشرة: أنَّ الشيخ المجاهد أحمد ياسين قد أقضَّ مَضاجِعَ اليهودِ المجرمين وهو بطَلٌ واحِدٌ مُقعَدٌ؛ فليت شِعري ما عُذرُ القاعِدين وحُكَّامِ المسلمين؟ (ولو أرادُوا الخُرُوجَ لأعدُّوا له عُدَّةً)؛[20] ولكنْ ما عساها تُغني الجُثَّةُ إذا كانت القُلوبُ رَثَّةً والعزائمُ مُجْتثَّةً؟! فتبّاً للأشباحِ إذا ارتحلَتْ عنها الأرواح!
العبرة السادسة عشرة: أنَّ الأعمال بالنيات، وأنَّ الأعمارَ بالخواتيم؛ والنهاياتُ ثمرةٌ للمقدِّمات؛ فمن أرادَ الجنةَ والحُورَ فلْيصدقِ النيةَ، ولْيدفعْ في ذلك أغْلَى المُهور؛ وشتانَ بين مَن يُغتالُ مُجاهِداً على كُرْسيٍّ، وبين مَن يموتُ جِيفةً من أجلِ كرسيٍّ!
العبرةُ السابعة عشرة: أنَّ الدَّعوةَ بقياداتِها، والأُمة برجالاتِها، والقضايا بزعمائها؛ فإذا كان القادةُ صادِقين عامِلِين؛ جعلَ اللهُ لهم القبولَ؛ فوثق الناسُ فيهم، وتعاونوا معهم، كما قال الله عز وجل: (إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمنُ وُدّاً)؛[21] وقد اهتزَّت الأمة كلُّها لموتِ الشيخ أحمد ياسين، كما اهتزَّتْ من قبل لاستشهادِ الشيخ عبد الله عزام، وقد كان العلماءُ يقولون لأعداء الدعوة: بينَنا وبينَكم الجنائز! فهي رسالةٌ إلى القيادات الدعوية ومن يصنع القيادات.
العبرةُ الثامنة عشرة: أنَّ الشيخَ أحمد ياسين كان صمَّامَ أمانٍ للدعوةِ ومسيرةِ الجهاد في فلسطين في أشدِّ الظروفِ وأصعبِ المِحَن. فقد كان حكيماً لا يؤثر فيه الاستفزاز، ولا يتصرف بردودِ الأفعال، أو يتورط في التنازعِ الداخلي على الرغم من التحديات الأمنية ومُعارضة الشيخِ للحلولِ التفاوضية والاتفاقات الاستسلامية؛ فالواجبُ أن يَخلفَه إخوانُه بخير، وأن يسيروا على دربِه، ويَصونوا عهدَه، ويلتزموا منهجَه الذي تميَّزَ بالحكمة والأناة.(/3)
العبرة التاسعة عشرة: أنَّ اغتيالَ الشيخ أحمد ياسين رسالةٌ بليغةٌ إلى المسلمين ـ حاكِمين ومحكومين ـ أنَّ الحياةَ أرخصُ من أن تُهدَرَ فيها الكرامةُ، وتُضاعُ فيها الحقوقُ، وتُباعُ فيها القِيَمُ، ويُخذَلُ فيها المسلمون؛ وأنَّ الموتَ الحقيقيَّ لمن باعَ دِينَه بدُنيا فانيةٍ بيعةَ الدُّونِ وصفقةَ المغبون!
العبرة العشرون: أنَّ الشيخَ أحمد ياسين قد عَلَّمَنا في حياتِهِ واستشهادِه أنَّ الموتَ ليسَ بانتهاءِ الحياة؛ وإنما هو بانقطاعِنا عن أداءِ رِسالتِنا في هذه الحياة؟
فالشيخُ أحمد ياسين قد وُورِيَ الثَّرَى؟ ولكنه حيٌّ في قلوبِنا خالدُ الذِّكرى بينَنا، نسأل اللهَ أن يرفعَه في علِّيِّين؛ فقد بَذَلَ رُوحَه في سبيلِ هذا الدين، وروَّى بدمِه أرضَ فلسطين:
----------------------
[1] الفتح 29.
[2] المائدة 54.
[3] الموافق له 22/3/2004م.
[4] البقرة 120.
[5] البقرة 217.
[6] البقرة 216.
[7] تيسير الكريم الرحمن ص 97.
[8] البقرة 46.
[9] تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص52.
[10] البقرة 217.
[11] البقرة 154.
[12] التوبة 111.
[13] ص 75.
[14] رواه البخاري ومسلم.
[15] في ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله 1/143.
[16] آل عمران 13
[17] تيسير الكريم الرحمن ص 123.
[18] المائدة 82.
[19] الحشر 14.
[20] التوبة 46.
[21] مريم 96.(/4)
كما تدين تدان
في احدى المرات قالت لي إحدى الفتيات إن من أهم شروطي لزواج أن أسكن مع زوجي بمفردنا في المنزل، ولن أرضى أن تعيش حماتي معي وياحبذ لو بعث الله لي زوجا بدون أم.
لماذا هذه النظرة؟ ولماذا هذه الأحكام؟؟
أستغرب والله حين أسمع هذا الكلام وأستغرب أكثر عندما أرى الرجل يوافق على هذا الشرط
يا أخيّة والله لو وضعت نفسك مكان تلك الأم التي حملت وتعبت وسهرت وربت ذلك الرجل ومن ثم زوجته لك وبماذا كافئتها؟؟؟
بأن سعيتي ليلا نهارا بأن تخرجيه من حياتها وتنفيها بعيدا... حيث قسوة الشيخوخة وقسوة المرض وقسوة الوحدة.
والأولى أن تجلسي خادمة بين قدميها...أتعرفين لماذا؟؟؟
لأنها أمك...لأنك ياسيدي منذ ذلك اليوم التي تزوجتي زوجك أصبح بيته بيتك وماله مالك ولقبه لقبك فمالك رضيتي بكل هذا ولم تعترفي أن أمه أضحت أمك وعائلته عائلتك
غريبة يا أختاه...
كيف لك أن تعشقي زوجك ولا تحبي أو تستلطفي أمه؟؟
وكما قيل من أجل عين تكرم ألف عين
وهل ستجدي إكراما لزوجك أهم من اكرام أمه؟؟
لماذا نقبلين الرشد والنصيحة من أمك؟
لماذا نتقبلين منها حتى إنتقاذاتها اللاذعة؟
أما الحماة فتكتفين بقولك: حماتي لا تتدخل في شؤوني
عجبا والله وكأن ذلك الزوج نزل لك من السماء...وكأنها لا تملك الحق في التدخل في شؤونه وهو أهم شؤون حياتها.
سمعت مرة قصة مليئة بالحكم والعبر،كانت هناك إمرأة وحماتها لا يمر عليهما يوما بدون مشاكل،
كانت الحماة تسيئ معاملة الزوجة وهي في المقابل ترد بالمثل
حتى أصبحت الحياة شبه مستحيلة ، فبدأ الزوج يكره الجلوس في المنزل
وأصبح كثير السهر خارجه.
فبدأت الزوجة تفكر في طريقة لتخلص من حماتها..
قصدت شيخا اشتهر ببيع الأعشاب والعقاقير فقصت عليه قصتها وطلبت منه سما يقتل ببطئ.
فقال لها الشيخ:خودي هذه القارورة وضعي قطرة واحدة في فنجان قهوتها وستموت حماتك بعد شهر واحد، لكن انتبهي يجب عليك أن تغيري معاملتك لها وأن تحسني التصرف معها حتى لا يشك في أمرك أحد
ذهبت المرأة وبدأت في تطبيق خطتها ولم تنسى تنبيه الشيخ فأصبحت ليلا نهارا تسهر على خدمتها وترعاها.
وقرب الشهر على النهاية ولاحظت المرأة أن حياتها تغيرت فحماتها أضحت تحبها وتحسن معاملتها وزوجها بات يكثر من البقاء في المنزل
فاختفت المشاكل وعمت السعادة في بيتهم
وذات يوم مرضت الحماة فهرعت الزوجة إلى الشيخ تبكي وتتوسل له أن يعطيها عقارا يبطل مفعول السم.
فسألها الشيخ عن السبب فأخبرته أنها عندما أحسنت معاملة حماتها تغيرت معها وباتت تحبها وشيء فشيئ أضحت علاقتهما علاقة الأم بإبنتها
فضحك الشيخ وقال لها: ارجعي لبيتك فوالله ماكان في تلك القرورة إلا الماء
ولكن الوصفة كانت الحب فعندما أحببتها بادرتك الحب.
ورجعت المرأة بعد أن تعلمت من الشيخ الحكيم درسا عظيما.
والله لهو الحق بيعينه فكثيرا ما نسمع عن مشاكل الزوجة والحماة وأسأل هنا الزوجة
هل أحسنتي معاملتها؟؟ ام اكتفيتي بالصراخ عليها والشكوى لزوجك؟؟؟
والله للحياة بسيطة فلماذا التعقيد؟؟
لا اتصور ان هناك شيء يسعد الرجل اكثر من ان يرى امه موضع ترحيب من زوجته، تحبها وترعاها وتكسب رضاها
فلا تفرحي إذا وجدت زوجا يفضلك على أمه... لا تفرحي إذا أحسست أنك نجحتي في ابعادها عن حياتكم.
والسبب بسيط لأن هذا الزوج لا يستحق أن يحترم...فأي رجولة هذه التي تبيح له أن يترك أمه التي كانت تسكنه نور عيونها....التي كانت أحن صدر عليه في صغره
لا تضجر من بكاءه..ولا تتعب من السهر على راحته...لا تكل ولا تتعب
فكيف بعد ذلك يفضلك عليها؟؟؟
وأي حب هذا؟؟؟
فلا تفرحي يا أختي لأنه لو كان فيه خيرا لكان عامل به أمه.
أغمضي عينيكي للحظة وضعي نفسك مكانها حيث دفعت حياتك ثمن حتى يكبر ذلك الطفل ويغدو رجلا وبعدها تكافئين بأن تتركين وحيدة أو تخرجين من منزلك وتسكنين مأوى للعجزة.
تخيلي ذلك وستدركين الأمر وأعلمي أنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: كما تدين تدان.
وأبسط من ذلك نحن نغضب ونثور حين نشاهد امهاتنا تهان ونحس بشكوتها ونكره من يسيئ معاملتها...فكيف بعد ذلك ترضين لأمه ما لا ترضين لأمك
أختي في الله راجعي نفسك واستغلي حماتك لندخلي بها الجنة لأنك في رعايتها ستجمعين رضى الله ،ورضى زوجك ،ودعاء حماتك، ورعاية انسان في الكبر، والإهتمام بمريض...و...و
باب من الخير والله مفتوح على مصرعيه فلا تترددي في كسب الحسانات.(/1)
كمال أتاتورك وإسقاط الخلافة الإسلامية
الأستاذ أنور الجندي
حاولت أجهزة الدعاية الغربية والصهيونية إعطاء "مصطفى كمال" أتاتورك حجماً أكبر بكثير من حجمه الطبيعي، وذلك عن طريق عشرات المؤلفات التي طبعت ووزعت في مختلف أنحاء العالم، بتضخيم حجم هذا العمل التغيريبي التخريبي الخطير، الذي قام به.
ولقد حظيت اللغة العربية بعدد من هذه الكتب، منها كتاب "كمال أتاتورك" الذي كتبه "محمد محمد توفيق" واعتمد على 53 مرجعاً إنجليزياً وفرنسياً، وما زال يعد في نظر التغريبيين مرجعاً أساسياً في تقديم هذا النموذج الأول الذي هو بمثابة المثل البكر لتجربة التغريب في العالم الإسلامي، والتي فشل تطبيقها في البلاد العربية وسقطت أخيراً في إيران.
ولا يمكن فهم حقيقة كمال أتاتورك إلا بالعودة إلى السلطان عبد الحميد ومحاولة إسقاطه، التي تمت عام 1909 م والتي تولى الاتحاديون بعدها زمام الحكم إلى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918 م، كمرحلة إعداد الدور الذي قام به كمال أتاتورك من بعد.
بداية مريبة:
وما إن أسقط السلطان عبد الحميد حتى تحول الأمر في الدولة العثمانية إلى شيء خطير، فقد فتحت الأبواب لكل الأقطار والدعوات المعارضة للوحدة الإسلامية والخلافة الإسلامية والإسلام نفسه، وأتيحت الفرصة لكل الغلاة وخصوم العرب والإسلام، في أن يذيعوا كل ما من شأنه أن يحقق للاستعمار الغربي واليهودية العالمية مطامعها وأهدافها، وخرجت جماعات خريجي الإرساليات التبشيرية والمحافل الماسونية، لتسيطر على الرأي العام عن طريق الصحافة، وتولت الحكم وزارة في الدولة العثمانية بها ثلاثة وزراء من اليهود.
ثم انفتح الطريق إلى فلسطين وأتيح لسماسرة بيع الأراضي العمل في حرية كاملة، ونشط اليهود والدونمة والماسون من ورائهم للعمل.
وأسفرت عن نفسها:
وبدأت الحركة الطورانية تشق طريقها في تمزيق وحدة العرب والإسلام واندفعت جمعيو الاتحاد والترقي إلى تتريك العناصر الداخلة ضمن الامبراطورية. وكان التركيز على تتريك العرب شديداً.
وكانت أولى خطوات الاتحاديين في الحكم: بناء منهج سياسي فكري للدولة العثمانية، مستمد من النظرية الغربية العلمانية، جرياً وراء الخطة التي رسمنتها الماسونية للثورة الفرنسية، وإلغاء المفاهيم الإسلامية وإحلال مفاهيم غربية خالصة بدلاً منها، وسارع الاتحاديون بإصدار تصريحات تقول بعزل النظام السياسي القائم، وقام أحدهم: أنه لا محل للجامعة الإسلامية في برنامج تركيا الفتية.
وقد جرت مهمة الاتحاديين في هذه الفترة على إعداد الدولة العثمانية لحركة التغريب في عديد من الجهات:
استسلامهم لبريطانيا استسلاماً كاملاً.
تسليم طرابلس الغرب لإيطاليا.
فتح الطريق أمام اليهود إلى فلسطين.
وضع العقبات أمام وحدة العرب والترك بتعليق العرب على المشانق في الشام.
محاولة تتريك الأعراق البشرية الداخلة في نطاق امبراطوريتهم وخاصة العرب.
إعلان فكرة الطورانية وإعلاء الجنس التركي على العالم كله.
وهكذا فإن كل ما حدث في فترة السنوات العشر السابقة للحرب العالمية الأولى إنما كان تمهيداً لما جاء بعد ذلك. في تركيا أو في مصر أو لبنان، وذلك في ضوء التحول الخطير الناتج عن إسقاط الدولة العثمانية وتمزيقها، وقد تحقق ذلك بالفعل، نتيجة لدخول الاتحاديين الحرب العالمية في صف الألمان. فكانت هزيمة الألمان في الحرب هزيمة لهم مما أدى إلى السيطرة على تركيا وإذلالها، وفرض نفوذ فكري سياسي غربي عليها، حتى ينتهي هذا الوجود الإسلامي المرتبط بالخلافة والوحدة الإسلامية، وحتى لا تكون تركيا مرة أخرى منطلقاً للإسلام إلى أوربا، أو مصدراً للخطر، أو جرثومة لتجمع إسلامي.
نعم كانت فترة السنوات العشر للاتحاديين مقدمة لما بعد ذلك، وتمهيداً للمخطط التغريبي العنيف، الذي نفذه مصطفى كمال أتاتورك بقوة القانون.
مصطفى كمال والأهداف:
وقد كان مصطفى واحداً من الاتحاديين بين زملائه طلعت وجمال وجاويد، ولكنه لم يلمع تحت الأضواء في هذه الفترة فقد استبقاه التخطيط الدقيق ليحمل لواء المرحلة التالية. وليصبح بعد الحرب امتداداً لهم. ونقطة تجمع لهذه القوى. لتشكل مرة أخرى على نحو آخر، بعد أن حققت أكبر أهدافها وهي:
إسقاط الدولة العثمانية وتمزيق وحدة العرب والترك التي هي مظهر وحدة العروبة والإسلام. فقد كان أتاتورك واحداً من رجال جماعة سالونيك ومحافلها الماسونية، ومن أبرز رجال الاتحاد والترقي، مؤمناً بتلك المبادئ والمخططات التي نفذت فلم يكن حرباً عليها وأن أعلن اختلافه معها – في ظاهر الأمر – ولكنه كان يحقق مرحلة جديدة، فيها إعادة النظر إزاء بعض الوسائل مع الاحتفاظ بالغاية الكبرى، والوصول إليها بأساليب أشد إحكاماً.(/1)
والتي تكن معارضته لفكرة الدعوة الطورانية إلا من هذا القبيل، وإذا كان الاتحاديون قد حطموا الدولة العثمانية، وفرقوا رابطة العروبة والإسلام. فإن أتاتورك قد حقق عملاً واحداً في التاريخ الإسلامي أشد قسوة وخطراً من كل عمل، وهو "إلغاء الخلافة الإسلامية" وتحويل تركيا من دولة إسلامية تحمل لواء الجامعة الإسلامية والخلافة وقيادة الأمم الإسلامية، إلى دولة غريبة خالصة تكتب من الشمال وتطبق القانون السويسري المسيحي.
بروتوكول لوزان:
وأبرز هذه الأعمال إقرار تلك الوثيقة الخطيرة: بروتوكول معاهدة لوزان المعقود بين الحلفاء والدولة التركية عام 1923 م المعروفة بشروط كرزون الأربعة وهي:
قطع كل صلة بالإسلام.
إلغاء الخلافة.
إخراج أنصار الخلافة والإسلام من البلاد.
اتخاذ دستور مدني بدلاً من دستور تركيا القديم المؤسس على الإسلام.
ويؤكد أرنست أ. ر أفرور. وصديقه آرنست باك. وبمراجعة كتاب أرمسترونج "الذنب الأغبر": عن حياة مصطفى كمال: أنه كان ماسونياً وأن المحفل الإطيالي الذي ساعد الاتحاديين عام 1908 م على نجاح حركتهم كان معاوناً له في نجاح حركته. ولعله أحس بعد أن نجحت حركته أنه لا حاجة إلى الجمعيات الماسونية في بلاده، فألغاها بعد أن تحققت كل أهدافها.
من هو مصطفى كمال:
ولاشك أن العنف الذي واجه به مصطفى كمال مؤسسات الإسلام، وما قام به من دحر لنفوذه في تركيا، يكشف بوضوح عن أنه كان من أخلص رجال المحافل الماسونية، بل يصل إلى أبعد من ذلك عندما يؤكد اما ردده كثير من الباحثين من: أن مصطفى كمال نفسه من أصل يهودي من الدونمة في سالونيك، وأنه كان يتخفى بالمكر والخديعة في معاركه حتى استطاع كسب قلوب المسلمين، فأرسلوا له من التبرعات والأموال الشيء الكثير حتى إذا تمكن من امتلاك أزمة الأمور سحق أنصار الإسلام سحقاً.
والواضح من دراسة تاريخ حياة مصطفى كمال أمور عدة:
أولاً:
أنه لم يكن هو قائد معركة التحرير ضد القوات الأوروبية واليونانية وإنما هو الذي سيطر على هذه القوات من بعد وسحب أسماء الأبطال الذين بدأوا هذه المعارك.
وكان لهم دور كبير في تحقيق النصر وإن الفضل الأول كان للقائد قره بكير وغيره.
ثانياً:
إن أوربا قد سلمت لمصطفى كمنال بزعامة تركيا وانسحبت أمامه، بعد أن وقع على وثيقة رسمية دولية في مؤتمؤ الصلح. قرر فيها إزالة الإسلام والخلافة وإخراج زعماء المسلمين، والحكم بالقوانين الغربية وإلغاء اللغة العربية بعد أن اطمأنت إلى أن تركيا – عنصر المخافة – قد انتهت.
ثالثاً:
إن هذه البطولة التي حكيت لها أثوابها، ووضعت في هذا الطابع من الروعة والبهاء، إنما كانت خدعة النفوذ الاستعماري لتأكيد وجوده وسلطانه، ومنحه القوة على تدمير كل المؤسسات الإسلامية، حتى لا يبقى منها شيء يخيف أوربا أو يزعج اليهودية العالمية، التي كانت تطمع منذ وقت بعيد إلى أحد أمرين:
القضاء على الدولة العثمانية واتخاذ إلغاء الخلافة الإسلامية طريقاً للوصول إلى فلسطين.
وظهر على حقيقته:
ولقد دفع مصطفى كمال تركيا دفعاً قوياً إلى العلمانية، وألغى القوانين الإسلامية واضطهد المسلمين والإسلام أبشع اضطهاد، وقتل العشرات وعلق جثثهم على أعواد الشجر، وأغلق المساجد ومنع الآذان والصلاة باللغة العربية. وأعاد مسجد أيا صوفيا كنيسة ومتحفاً. واستبدل بالشريعة الإسلامية قانوناً وضعياً، واتخذ الحروف اللاتينية بدلاً من العربية في كتابة الأبجدية التركية (2) وألغى تدريس الإسلام في المدارس والجامعات ودعا إلى قومية طورانية عرفية متصلة الأواصر بالوثنيين السابقين للإسلام.
ولقد كان منفذا أميناً للمخطط الذي رسمه الاستعمار واليهودية العالمية وهو إزالة الخلافة، وفصل تركيا عن العالم الإسلامي والأمة العربية، وبذلك حقق مصطفى كمال – في العالم الإسلامي وفي مواجهة العروبة – أخطر حركة استغراب، وفرضها فرضاً على الأمة التركية، ولم يحققها تدريجياً، أو على نحو التقبل والتطور والمرونة، فقد كان مدفوعاً من القوى الأجنبية إلى تنفيذ ذلك في أقصى سرعة وأبعد مدى، وإقامة هذا النظام على أساس السلطة الحاكمة والقوانين والإرهاب الدموي، وذلك حتى لا توجد ثغرة من بعد للتفتح على الإسلام من جديد أو الترابط بين العرب والترك، ولقد جمع الاتحاديون الشمل المشتت بعد الحرب العالمية خلف مصطفى كمال فتسموا بالقوى الكمالية ولا فارق بين الدعوة الاتحادية والدعوة الكمالية في أبرز مخططاتها وهو إعلاء العنصرية التركية وكتابة اللغة التركية بالحروف اللاتينية وتنفيذ نظام سياسي واجتماعي غربي لا ديني منفصل عن الإسلام والشريعة والقيم والمعتقدات الإسلامية التي عرفتها الدولة العثمانية أكثر من أربعمائة عام وقبل قيام الدولة العثمانية كان الأتراك مسلمين منذ عهد العباسيين.
آراء مؤرخي الغرب:(/2)
ولقد كان انتماء تركيا إلى الغرب سبة في تاريخها. فلم تسلم من قام مؤرخ أو فيلسوف، فما استطاعت تركيا أن تعطي الحضارة الغربية شيئاً ما. بعد أن انتمت إليها كما أعطتها شعوبها. إلا أنها كانت ولا تزال ذيلاً لها.
وقد أشار أرنولد توينبي إلى ذلك صراحة في موسوعته وقال: إن تركيا حين تغربت لم تقدم شيئاً إلى الغرب أو جديداً إلى الحضارة وعاشت عالة على القوانين والمنظمات الغربية.
وكما قال عبد الله التل: كان تخلي تركيا عن الإسلام ثمناً لتأييد دول الحلفاء لها في حركتها التي قادها مصطفى كمال. ولقد كان الوسيط الذي أشرف على اتفاق الحلفاء مع مصطفى كمال هو الحاخام "حاييم ناحوم" الذي كان رئيساً لليهود في ترطيا قبل انتقاله إلى مصر. وهو الوسيط القوي الذي أوفده مصطفى كمال إلى دول الغرب في مؤتمر لوزان فحقق لتركيا ما أراد الغرب.
دراسات جادة:
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة دراسات جادة تكشف حقيقة "كمال أتاتورك" منها كتاب الالدكتور رضا نور. حيث كشف جرائم أتاتورك وماخزيه وخياناته في أكثر من ألفين من الصفحات تحت عنوان "حياتي وذكرياتي" كما صدر كتاب "الرجل الصنم" لأحد الضباط المقربين من أتاتورك.
وقد هدمت هذه المؤلفات بناء الأكذوبة الأسطورية التي خدعن الأتراك والمسلمين في بعض البلاد إلى حين وألقت الأضواء الحقيقية على حياة المغامر الخطير. بل لقد تحدثت في جرأة شديدة على مولده وظروف حياته الأولى.
بل أن هذه الظروف قد أوردتها كتب ناصرت أتاتورك وأهمها كتاب "الذنب الأغبر" الذي يقول بالنص:
كان بفطرته ثائراً لا يحترم رئيساً أو إنساناً. أو وضعاً من الأوضاع ولا يقجس شيئاً على الإطلاق. وإنه كان يشرب ويلهو كل ليلة حتى مطلع الفجر في المقاهي وأوكار الغرام. وقد مارس جميع الرذائل وجرب كل الموبقات. وانغمس فيها حتى أذنيه ثم دفع الثمن مرضاً جنسياً وصحة منهارة.
ويقول أرمسترونج أيضاً. أنه كان ولوعاً بالأحاديث الخليعة والإفراط في الشراب والمغامرات الماجنة والليالي الحمراء في رفقة النساء.
عنف وتسلط:
وهناك جوانب أخرى يعف القلم عن ذكرها أو ترديدها.
وعندما نستعرض حياة كمال أتاتورك منذ تولي السلطة حتى وفاته 1938 م. نجد صورة عاصفة من العنف والظلم والتسلط البالغ المدى في سبيل تثبيت دعائم هذا النظام الوافد وآية ذلك الولاء المزدوج لبريطانيا وروسيا الشيوعية في آن.
وأبرز هذه المواقف صلته بالإنجليز وما تحمله الوثائق مشيرة إلى عبارة: قيامه ببيع الوطن إلى الإنجليز. ومن ذلك موقفه إبان المرض. عندما استدعى السفير البريطاني في تركيا وطلب إليه أن يتولى منصب رئيس جمهورية تركيا وفزعت بريطانيا لذلك.
ولقد استطاع أن يحقق للصهيونية العالمية خطتها في السيطرة بإلغاء الخلافة والوجهة الإسلامية والحروف العربية والشريعة والمواريث والأوقاف والتعليم الديني.
إسقاط الخلافة الإسلامية:
وإذا كانت تركيا تحاول أن تعود اليوم إلى طابعها الإسلامي الأصيل فإن محاذير كثيرة تعمل لتصدها عن تحقيق هذه الغاية ولكن الله غالب على أمره (3) ولكن التجربة كلها تثبت أن مجاوزة الفطرة ومحاربة الدين هي محاولة باطلة لا يمكن أن تستمر ولابد أن يحطمها الزمن لمجافاتها لسنن الأمم والحضارات والتاريخ.
وإذا أردنا أن نتحدث عن كمال أتاتورك في كلمة، قلنا: إن تاريخه قد ارتبط بأخطر حدث في تاريخ الإسلام. وهو إلغاء الخلافة الإسلامية بعد تدمير الدولة العثمانية أكبر مركز تجمع للأمة الإسلامية وهو آخر المراحل التي تطلع إليها الاستعمار واليهودية العالمية من أجل تمزيق وحدة الإسلام والعروبة. والقضاء على آخر صرح جامع للعرب والترك يحمل لواء الجامعة الإسلامية ويتنادى بالمسلمين في كل بقاع الأرض.
لقد كان إسقاط الخلافة عام 1924 م من أخطر الأحداث في العالم كله وسيظل من الأعمال الكبرى ضد الإسلام وسيحمل لاسم مصطفى كمال أكبر التبعات في حكم التاريخ. فقد فتح الباب واسعاً أمام صراع الإقليميات والقوميات التي تتحرك في فراغ دون أن ترتبط بدائرة أساسية هي دائرة الفكر الإسلامي أو الوحدة الإسلامية للجامعة في مجال الجغرافيا أو في مجال الفكر.
غير أن إلغاء الخلافة الإسلامية لم يحقق ما توقعه الاستعمار واليهودية العالمية من تمزق الإسلام أو اضطراب المسلمين والعرب. الذين أغرقوا على التو في أتون الأجناس والعصبيات والعنصرية. بقصد تعميق عوامل الخلاف ودعمها، والحيلولة دون قيام وحدة فكرية أو اجتماعية بينهم لقد ركزت هذه الدعوات التغريبية على الازدراء بالخلافة العثمانية والجامعة الإسلامية. وعلى إثارة الصراع بين الإسلام والعروبة وبين القومية والوطنية وبين الإقليمية والقومية وبين العناصر المختلفة وبين الأديان والمذاهب، وذلك كله لإذابة كل هدف سليم واضح تطرحه حركة اليقظة الإسلامية في الطريق الصحيح إلى معرفة الحقيقة. وإلى اتخاذ الأسلوب الأصيل لمواجهة الأخطار ونتيجة للضعف السياسي الذي كان يمر بالعالم الإسلامي.(/3)
فقد عجز قادة المسلمين عن إعادة بناء الخلافة الإسلامية مربة أخرى بعد أن أسقطها مصطفى كمال، وإن ظلت عنصراً أساسياً في مناهج الدعوات الإسلامية وخطة واضحة في برنامج حركة اليقظة العربية الإسلامية.وما زال المسلمون يبحثون عن صيغة تحمل لواء الوحدة، بديلاً من الخلافة أو مقدمة لها. ولقد كانت مكة وجامعتها في أيام الحج. وكان الأزهر، من القوى التي ساندت حركة اليقظة الإسلامية بعد سقوط الخلافة، وكان انتعاش السلفية الجديدة في الجزيرة العربية واليقظة الإسلامية في مصر وباكستان وغيرها، من علامات التعويض السريع ثم جاءت بعد ذلك مؤتمرات التضامن الإسلامي – وما زالت تخطو خطوات بطيئة ولكنها ثابتة.
آثار إلغاء الخلافة:
وقد صور الدكتور عبد الوهاب عزام الآثار التي ترتبت على إلغاء الخلافة في العالم الإسلامي فقال: إن عمل الكماليين من بعد. دل على أن إلغاء الخلافة لم يكن نزوة عابرة. بل كان الحلقة الأولى في سلسلة مصنوعة والخطوة الأولى من خطة موضوعة: خطة أملاها عليهم الروس والإنجليز وأوربا.
لقد كان إلغاء الخلافة من هذه الخطوب المكفهرة لحل رباط حزمة من التعصب في ريح عاصف بلغت من المسلمين أسوأ مبلغ. وبلغت بأعدائهم أبعد غاية. ولا ينكر هذا إلا جاخل بطبائع الأمم. وأحسب أن الإنجليز كان يهون عليهم أن يبذلوا ملايين الجنيهات ليبلغوا الغاية التي بلغهم إياها الكماليون بغير بذل ولا كد.
أمر مقرر؟؟
وهناك من الدلائل ما يؤكد أن إلغاء الخلافة الإسلامية كان أمراً مقرراً منذ اليوم الأول للانقلاب العثماني. الذي قام بإسقاط السلطان عبد الحميد عام 1909 م، ولكنه نفذ على مراحل واتخذت إجراءاته واحدة بعد أخرى، حتى تم تنفيذه على يد مصطفى كمال عام 1924 م، بعد أن أسقط الخلافة الزمنية، وأقام بدلاًً منها خلافة منفصلة عن السلطنة توطئة للإجهاز عليها، جملة.
وسيظل تاريخ مصطفى كمال أتاتورك مرتبطاً بإسقاط الخلافة الإسلامية إلى أن تعود بإذن الله تبارك وتعالى خلال القرن الخامس عشر.(/4)
كن ربانياً ولا تكن رمضانياً الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد*
من علامات قبول العبادة أن تكون حال العبد بعدها أحسن من حاله قبلها، وهذه هي ثمرة العبادة ولبها، إذ الهدف والغرض من جميع العبادات أن تزيد المرء قرباً وتقوى لله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، وأن تزكي نفسه وتطهرها من الآثام والرذائل، وأن تعودها على الكرائم والفضائل.
ولهذا ينبغي أن يكون حرص العبد على قبول عبادته، وخوفه من ردها، أشد من حرصه على العمل، لقوله تعالى: "إنما يتقبل الله من المتقين".
فالعبد الذي لا يعرف ربه ولا يعبده إلا في رمضان عبد سوء، إذ العبادة ليست قاصرة على رمضان، ولا على زمان دون زمان، والاستقامة مطلوبة في سائر الأيام: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون"، وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك؛ قال: "قل: آمنتُ بالله ثم استقم"، وقد قيل: "ثواب الحسنة حسنة بعدها".
فمن استغفر بلسانه في رمضان وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود.
قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر أن لا يعصي الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب، ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر عصى ربه، فصيامه عليه مردود".
قيل لبشر الحافي رحمه الله: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان؛ فقال: بئس القوم، لا يعرفون الله حقاً إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السَّنة كلها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة، وسئلت عائشة رضي الله عنها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص يوماً من الأيام؟ فقالت: "لا، كان عمله ديمة".
وسئل الشبلي: أيهما أفضل رجب أوشعبان؟ فقال: كن ربانياً، ولا تكن شعبانياً ولا رجبياً.
ما الذي يجعل المسلم يحافظ على الصلوات المكتوبة في المسجد في رمضان ويدع ذلك في غير رمضان؟ لماذا نجد المساجد مكتظة بالمصلين في رمضان وفارغة منهم في غيره؟ أليست صلاة الجماعة حكمها الوجوب في أرجح قولي العلماء؟ لماذا يكثر الناس من تلاوة القرآن في رمضان، ويدع البعض تلاوته بالكلية في غير رمضان؟ أليس من السُّنة أن يكون للمسلم ورد يومي قل أوكثر؟
لا شك أن رمضان خصَّ بزيادة في العبادة، وفضِّل على غيره من الشهور، وميِّز بمميزات لا توجد في غيره، ولكن لا يعني هذا أن نقصر في غيره في أداء الواجبات، والانتهاء عن المحرمات، والإكثار من نوافل العبادات.
فالمسلم مأمور بحفظ جوارحه وحماية نفسه من الوقوع في الحرام في سائر الأيام.
عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله، قال الحسن: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين".
قال ابن رجب: (هذه الشهور والأعوام، والليالي والأيام، كلها مقادير للآجال، ومواقيت للأعمال، ثم تنقضي سريعاً، وتمضي جميعاً، والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل وأودعها باقٍ لا يزول، ودائم لا يحول، هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد، فسبحان من قلب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم، ليسبغ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم.
إلى أن قال:
من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية، ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحها! وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلها، وما أقبح السيئة بعد السيئة تمحقها وتعفوها، ذنب واحد بعد التوبة أقبح من سبعين ذنباً قبلها).
اللهم وفقنا للطاعات حتى الممات، وجنبنا الهفوات والزلات، وحبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، يا رحمن يا رحيم، وصلى الله وسلم على خير من صلى وصام(/1)
كن صريحاً . هل فكرت بالتوبة ؟
أخي الغالي .... أختي الغالية :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إني لأستبطأ الأيام متى تزف إلي جميل الخبر ؟
متى أرى دموع التوبة من مقلتيك تنهمر ؟
متى تقوى على كسر القيود وتنتصر ؟
إني بفارغ ذاك الصبر أنتظر
فهل فكرت بالتوبة ؟
لهفي على لحظة سماع عودتك إلى الله
وانضمامك إلى قوافل التائبين العائدين
أريد أن أفرح لفرحك !
قد لا تتصور سعادتي بك تلك اللحظة .
لست أنا فقط ،
بل الله تعالى الغني العلي الكبير سبحانه يفرح بهذه الأوبة والرجوع إليه ، جعلنا الله من التائبين الصادقين .
قلي بربك من مثلك إذا فرح الله بك ؟
لقد جاء في الحديث (( إن الله يفرح بتوبة أحدكم )) ... الله أكبر،
فهل تريد في هذه الليلة أن يفرح بك الله .؟؟؟
والله إن أحدنا يريد أن يفرح عنه أبوه أو يرضى عنه زميله فكيف برب العالمين تبارك وتعالى .
نعم إن الأمر صدق هو كذلك (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ))البقرة .
وإذا احبك الله فما عليك ولو أبغضك من في الأرض جميعاً .
من مثلك يفرح بك الله و يحبك الله .
الله الذي له مقاليد السماوات والأرض المتصرف الوهاب ، الذي إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون .
ومن كان الله معه فما الذي ينقصه ؟!
إن يكن معك الله فلا تبالي ولو افتقدت الجميع فهو سبحانه (( نعم المولى ونعم النصير )) الأنفال .
معك من لا يهزم جنده ،
معك الذي يعز من أطاعه ويذل من عصاه ،
الذي لا يُقهر سلطانه ،
ذو الجبروت والكبرياء والعظمة ،
معك الكريم الواسع المنان الملك العزيز القهار سبحانه وتعالى 0
أيها الغالي والغالية :
ما أتعب الناس الذين هم يلهثون وراء الشهوات والمحرمات بزعمهم أن في ذلك السعادة والفرح إلا بعدهم عن الله ، وإلا لو عرفوا الله حقاً ما عرف الهم والضيق طريقاً إليهم ولأيقنوا أن السعادة لا تستجلب بمعصية الله .
أيها الغالي والغالية :
أين نحن عن قوله تعالى :
(( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ))
وعن قوله (( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ... )).
أتجد في نفسك تردداً إلى الآن ؟
كن عاقلاً فلا تشري حطام الدنيا الزائل بنعيم الآخرة الدائم
حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر في أبد لا يزول
في روضات الجنة يتقلب وعلى الأسرة يجلس
وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئ
وبالحور العين يتنعم
وبأنواع الثمار يتفكه ويطوف عليه من الولدان المخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون و فاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون .
ويطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ،
في قصور الجنة ينظرون إلى الرحمن تبارك وتعالى ويمتعون أنظارهم .
ويلتقون بصفوة البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
نعيم لا يوصف
لا هم ولا كدر .
لا عرق ولا أذى ولا قذر
ولا حيض ولا نفاس
ولا نصب ولا تعب
ولا نوم لكي لا ينقطع النعيم بنوم .
وإن أبيت إلا أن تصر على العصيان ماذا تنظر ؟
أعلنها من الآن توبة إلى الله ،
فك قيود المعاصي وتسلط الشيطان والنفس عليك ،
ألجأ إلى الله واعتصم به وانطرح بين يديه ،
هاهم العائدون إلى الله
تراهم سلكوا طريق النجاة
فعلام التقهقر والتردد ؟
ألا تعلم أن ماعند الله خير وأبقى ،
أتبيع الجنة بالنار ؟!
ألم تستوعب إلى الآن حقيقة الدنيا ،
وأنها دار ممر وليست دار مقر ،
وأنها ميدان عمل و تحصيل ثم توفى كل نفس ما عملت ‘إن خير فخير وإن شراً فشر ،
أتظن أنك وحدك القادر على ارتكاب الحرام
أتظن أن الذين لزموا الطاعة وصبروا على شهوات الدنيا لا يقدرون على ارتكاب الملذات من الحرام ؟ بلى هم يستطيعون ذلك لا يمنعهم شيء لكنهم يخافون الله ويرجون ثوابه ويصبرون قليلاً ليرتاحوا كثيراً
فكن معهم تجد السعادة في الدنيا قبل الآخرة .
قل للنفس
يكفي ما كان
واعزم على هجر الذنوب واسلك طريق العودة .
فإن لم تتب اليوم فمتى ستتوب
وإن لم تندم اليوم متى ستندم ؟
هل تنتظر أن تتوب عند الموت ؟
فالتوبة لا تقبل حينئذ .
هل تنتظر أن تندم حين لا ينفع الندم ؟!
حين تقول ياليت وياليت !
قال تعالى (( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولَ ، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلَ ، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً )) .!
أو هل تنتظر حتى تدخل النار فتتوسل إلى الله يوم لا يجدي التوسل
يوم يتوسل أهل النار أن يخرجهم الله منها ليعودوا ليعملوا صالحاً
ولكن هيهات(/1)
(( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون )) فيجيبهم المولى سبحانه (( قال اخسئوا فيها ولا تكلمون )) .
عد إلى الحق واستجب له ما دمت في زمن الإمهال قبل أن تكون من الذين يتمنون الموت من فرط العذاب فلا يستجاب لهم
أتدري لماذا ؟
لأنهم أتاهم الحق فما استجابوا له
قال الله تعالى (( وقالوا يا مالك ليقضي علينا ربك قال إنكم ماكثون ، لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ))
أخي ، أختي
أرجو الله أن تجد كلماتي قبولاً لديك سائلاً المولى تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وقبل أن أودعك أجد نفس أقول لك إني لأستبطأ الأيام متى تزف إلي جميل الخبر ؟
متى أرى دموع التوبة من مقلتيك تنهمر ؟
متى تقوى على كسر القيود وتنتصر ؟
إني بفارغ ذاك الصبر انتظر؟
نقله لكم / السحر الحلال(/2)
كن ضعيفا مثلهم!
د. علي الحمادي**
بالرغم من أن للوجاهة والمنصب والمكانة الاجتماعية دورا مهما في صناعة التأثير وهندسة الحياة وفتح الأبواب الموصدة، واختصار كثير من الوقت والجهد، فإن انعدامها ليس عقبة كئودا تَحُول دون التأثير الذي يمكن أن يحدثه الإنسان في واقعه ومجتمعه وأمته.
فكم من أُناس مغمورين ليسوا من أشراف الناس ولا من ساداتهم ولا من كبرائهم -بل ربما هم وآباؤهم وأجدادهم نكرات بين الناس، إذا حضروا لم يُعرَفوا وإذا غابوا لم يُفتقدوا- أحدثوا التأثير الكبير، وصنعوا ما لم يستطع غيرهم من سادة القوم أن يصنعوه، فلله درهم.
اصبر نفسك معهم
إن ديننا الإسلامي الحنيف لم يهمل الضعفاء، ممن لا وجاهة لهم ولا جاه ولا منصب، ولم يحط من شأنهم، بل على خلاف ذلك، فقد رفع مكانتهم، وجعل لهم منزلة رفيعة عند الله أولا ثم عند الناس، واعتبرهم مصدرا من مصادر النصر والتوفيق لهذه الأمة.
يقول الله تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" [الكهف: 28].
أي: احبس نفسك مع الفقراء الضعفاء، من أتباعك المؤمنين، الذين يدعون ربهم بالصباح والمساء، يبتغون رضوان الله تعالى، ولا تصرف بصرك إلى غيرهم من أهل الثراء والجاه، تبتغي بمجالستهم نيل الفخر والشرف، ولا تسمع لأولئك السفهاء الذين طلبوا منك طرد المؤمنين الضعفاء، فإنهم غافلون عن ذكر ربهم، سائرون مع الأهواء، وأمرهم فُرُط أي ضياعٌ وخسار ودمار.
رُوي في سبب نزول هذه الآية أن أشراف قريش، اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: إن أردت يا محمد أن نؤمن بك ونسمع كلامَك فاطرد هؤلاء الفقراء من مجلسك، فإنا أشراف قريش وسادتها، إن أسلمنا أسلم الناس، ونحن نأنف أن نجلس في مجلس واحدٍ مع هؤلاء الفقراء الصعاليك. فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم إلى ما طلبوا حرصا منه على إسلام سادة قريش، فنزلت الآية، فخرج صلى الله عليه وسلم يلتمس الفقراء، فلما رآهم جلس معهم وقال: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني ربي أن أصبر نفسي معهم" [رواه مسلم].
وروى أبو داود بإسناد جيد، عن أبي الدرداء عويمر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم".
وهذا الحديث يدل على فضل ضعفاء المسلمين؛ لأنهم أشد إخلاصا في الدعاء، وأكثر خشوعا في العبادة، لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخارف الدنيا.
وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث أغبر مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره".
ضعفاء صنعوا الحياة
إن مجاهد بن جبر، كان مولى للسائب بن أبي السائب المخزومي، إلا أنه أبى إلا أن يصنع الحياة ويؤثر في جانب من جوانبها، فكان - رحمه الله - شيخ المفسرين والقراء، وإمامهم المقدم على كثير منهم.
ولذا يقول سفيان الثوري رحمه الله: خذوا التفسير من أربعة: مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك.
ويقول الأعمش: كان مجاهد كأنه حمال، فإذا نطق خرج من فِيه اللؤلؤ، وكان ابن عمر ربما أخذ له بالركاب، ومات رحمه الله وهو ساجد.
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... ** ... وفي أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطرير إذا تراه ... ** ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
ضعاف الأسد أكثرها زئيرا ... ** ... وأصرمها اللواتي لا تزور
خشاش الطير أكثرها فراخا ... ** ... وأم الباز مقلاة نزور
بُغاث الطير أطولها جسوما ... ** ... ولم تَطُلِ البُزَاة ولا الصقور
ولقد ظهر في الأمة بعد موت العبادلة الأربعة (عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص) عدد من العلماء ترجع إليهم الأمة كلها، جمعيهم من الموالي وهم: مكحول فقيه الشام، والحسن البصري في البصرة، وعطاء الخراساني عالم خراسان، وعطاء بن أبي رباح في مكة، وإبراهيم النخعي في الكوفة، ويحيى بن أبي كثير في اليمامة.
وتأمل معي كذلك سيرة الفقيه القدوة عالم اليمن، طاوس بن كيسان رحمه الله، فقد ترك بصماته في هذه الحياة، رغم أنه لم يكن ذا نسب رفيع، وإنما كان مولى لبحير بن ريسان الحميري.
قال ابن حبان: كان طاوس من عُباد اليمن، ومن سادات التابعين، مُستجاب الدعوة، حج أربعين حجة. وكان ابن عباس رضي الله عنه يُجِل طاوسا، ويأذن له مع الخواص، وكان أيضا يقول: إني لأظن طاوسا من أهل الجنة.(/1)
وهذا الحسن البصري لم يكن من سادة الناس وإنما كان من الموالي، فهو مولى لزيد بن ثابت الأنصاري، وأمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، لكنه صار بعد ذلك سيد البصرة في زمانه، حتى إن الحجاج بن يوسف الثقفي لما دخل البصرة قال: مَن سيد البصرة؟ فقيل له: الحسن البصري، قال: كيف ذلك وهو من الموالي؟! فقيل له: إن الناس احتاجوا إلى علمه، واستغنى هو عما في أيدي الناس.
وصدق ابن الرومي حينما قال:
وللمجد قوم ساوروه بأنفس ... ** ... كرام ولم يرضوا بأم ولا أب
نماذج عالمية
وهذه "مارجريت تاتشر"، كانت بائعة مغمورة في متجر في بريطانيا، لكنها قررت أن يكون لها دور فاعل في الحياة، فكان لها ما أرادت، ولا أظن أحدا يجهل هذه المرأة التي أصبحت في قمة الهرم البريطاني، ورأست مجلس وزراء بلادها لأكثر من دورة انتخابية.
ولم يكن "جاك شيراك" صاحب وجاهة ولا منصب، وإنما كان عاملا بسيطا في مطعم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه كان ينظر إلى القمة، فلم يرضَ لنفسه أن يستمر في وضعه المتواضع، لذا قرر أن يسلك طريقا آخر، فكان أن انتهى به المطاف بعد أربعة عقود ليصبح رئيسا لفرنسا.
ولما انتُخب "شيراك" رئيسا لفرنسا، وزار الولايات المتحدة الأمريكية، تحدث في مؤتمره الصحافي مع كلينتون عن الفترة التي أمضاها في شبابه في الولايات المتحدة الأمريكية، فقال: "منذ أربعين سنة كنت أعمل في مطعم هوارد جونسون في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم أتخيل أبدا أنني في يوم من الأيام سأقف في البيت الأبيض إلى جانب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في مؤتمر صحافي".
و"نابليون بونابرت" كان ضابطا صغيرا، ثم ترقى حتى أصبح إمبراطورا لفرنسا، وسمع به القاصي والداني، وما زال الناس يؤرخون الأحداث التي صنعها.
و"لولا داسيلفا" كان ماسحا للأحذية ثم استطاع بعد سنوات أن يكون رئيسا للبرازيل.
و"هوفر" كان بائعا للصحف في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم أصبح بعد ذلك رئيسا لها.
إن الأمثلة كثيرة في هذا المضمار، كما أن التاريخ وواقع الناس مليئان بالشواهد والأدلة، وما ذكرته غيض من فيض، وعزاؤنا في ذلك قول القائل:
تكفى اللبيب إشارة مرموزة ... ** ... وسواه يُدعى بالنداء العالي
إن ما أود التذكير به والتأكيد عليه والتنبيه إليه، يكمن في أمرين مهمين وهما:
1- ألا نستضعف غير الوجهاء، ولا نستخف بمن لا جاه له ولا منصب ولا مكانة اجتماعية، فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وأنه ليس بين الناس وبين الله نسب إلا نسب الإيمان والعمل الصالح والتقوى، كما أن الأيام دول، فقد يسود غير الوجيه، ويتقدم الناس غير شريف النسب، ويقود من لم يكن من أبناء القادة والعظماء.
2- على الضعفاء وغير الوجهاء ومن لا جاه لهم ولا مكانة اجتماعية، ألا يحتقروا أنفسهم أو يهمشوا من أدوارهم أو يستسلموا لغيرهم، وإنما ينبغي أن يدركوا أن لهم سلفا ممن هم بمثل حالهم وظروفهم، أبقى الله أثرهم وخلّد ذكرهم ليكونوا قدوات شامخة لمن يأتي خلفهم.
________________________________________
** رئيس مركز التفكير الإبداعي بدولة الإمارات، والمشرف العام على الموقع الإلكتروني "إسلام تايم(/2)
كن طيباً
فؤاد المنشاوي
أطفالنا يا iiحسرتي
والزهر في رياضنا
حظيرة في iiقرية
دجاجها كالأم في
والديك في iiأرجائها
مفارخ الصيصان iiفي
صيصانها iiمبثوثة
إذا جاءنا iiمفرخٌ
أظفاره iiطويلةٌ
مسعتعلياً في iiطبعه
وديكنا iiمستنفر
خاطبه iiمذكراً
فانتفشت iiأرياشه
ورد في iiسفاهة
أمي هي iiالمفارخ
فانتفض الديك iiله
عالجه iiبنقرة
ورده iiلحكمة ... زهر بلا iiعناية
فريسة لعنزة
صيصانها iiكاللعبة
تحنانها للإبنة
يقوم iiبالحراسة
ديارنا iiكالمحنة
في أرضنا iiالحبيبة
يوماً إلى iiالحظيرة
وشعره iiكالهرة
كالديك iiللدجاجة
وأمره في حيرة
بصفعة الأبوة
والكبر أصل iiالعلة
أصلي من iiالطبيعة
والبيض أصل iiجدتي
والصوص في المنصة
وتلّه iiكالشعرة
كن طيباً كالبيضة(/1)
كن فى الدنيا كانك غريب
إعلم أخي الكريم: أن هذه الحياة الدنيا أنفاس معدودة في أماكن محدودة. وأن هذه الحياة ( بحر ) و الأنفاس ( مراكب ) تقربنا إلى الشاطئ. وأن الحياة ( سفر )، وهو إن طال العمر أو قصر لابد أن ينتهي إلى المنزل والمستقر في نهاية المطاف: إما إلى جنة أبداً، أو إلى نار أبداُ.
فهل من مشمّر إلى الجنة؟ أم تريد القعود مع القاعدين؟
فحيّ على جنات عدن فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المخيم
أخي الحبيب..
لقد دق ناقوس الرحيل، وتهيأ الركب للمسير، فوضعوا الزاد، وملئت المزاد، و حملت الإبل.. وأنتم لم تزل في الرقدة الأولى بعد!
أخي الحبيب..
كلنا لابد أن يركب قطار الآخرة و يسافر. فهل تريد أن ترحل كريماً، ويحسن استقابلك، وتنزل منزلاً؟
أم تريد أن تذهب مخفوراً؟ وتُستقبل مهاناً؟ وتلقى ملوماً مدحوراً؟
إن من أراد سفراً سأل ونقّر، وأعد له العدة وفكر، وهيّأ له الزاد وقدّر. فما بالنا نغفل عن السفر الطويل إلى الآخرة؟
إن الأيام تسير بنا وإن لم نسر، والأنفاس مراحل تقربنا إلى القبر الذي هو أول منازل الآخرة. وبعد ذلك أهوال وأهوال.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة *** وإلا فإني لا إخالك ناجياً
فماذا تراك قد أعددت لهذا السفر الطويل الذي بدأ بالفعل منذ نزلت من بطن أمك؟
أيام عمرك تذهب *** وجميع سعيك يَكتب
ثم الدليل عليك منك *** فأين أين المهرب؟
فالبدار البدار.. فلا يوجد ثم طريق للهرب أو الفرار.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا }.
فبادر يا أخي بالأعمال الصالحة في زمن المهلة قبل أن تفلت من يدك الفرصة.
قال : { لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله: من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه }.
وقال :{ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ }.
فالفراغ نعمة عظيمة لمن شغلها بطاعة الله تعالى. فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك هي بالباطل.
لقد هاج الفراغ عليك شغلاً *** وأسباب البلاء من الفراغ
يُحكى أن رجلاً كان يحاسب نفسه، فحسب يوماً سني عمره، فوجدها ستين سنة. فحسب أيامها، فوجدها واحداً وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم.
فصرخ صرخة، و خرّ مغشياً عليه. فلما أفاق قال: يا ويلتاه، أنا آتي ربي بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب؟!
يقول هذا لو كان يقترف ذنباً واحداً في كل يوم، فكيف بذنوب كثيرة لا تحصي؟
ثم قال: آه عليّ، عمرت دنياي، وخربت أخراي، وعصيت مولاي، ثم لا أشتهي النقلة من العمران إلى الخراب. وأنشد:
منازل دنياك شيّدتها *** وخرّبت دارك في الآخرة
فأصبحت تكرهها للخرا *** ب وترغب في دارك العامرة
وفي الحديث: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك }.
واعلم أخي الحبيب أن لك موضعين تندم عندهما حيث لا ينفع الندم:
الأول: عند الاحتضار؛ حيث تريد مهلة من الزمن لتصلح ما أفسدت، وتتدارك ما ضيعت، ولكن هيهات.
الثاني: عند الحساب؛ حيث تُوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي، و لم يزد فيه عملي ).
وقال سعيد بن جبير: ( إن كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة ).
أخي الحبيب..
إن الليل و النهار رأس مال المؤمن؛ ربحها الجنة، وخسرانها النار. والسنة شجرة: الشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها. فمن كانت أنفاسه في طاعة؛ فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت أنفاسه في في معصية؛ فثمرته حنظل والعياذ بالله.
قال الحسن: ( من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعينه؛ خذلاناً من الله عز وجل ).
و قال أبو حازم: ( إن بضاعة الآخرة كاسدة، يوشك أن تنفق، فلا يُوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق إلا الحسرة والأسف عليه، ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل، فلا تنفعه الأمنية ).
يا هذا..الليل و النهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم. فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها، فافعل. فإن انقطاع السفر عن قريب ماهو، والأمر أعجل من ذلك. فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق
قال الحسن رحمه الله: ( ما مرّ يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم، إني يوم جديد، و على عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدّم ما شئت تجده بين يديك، وأخّر ما شئت فلن يعود أبداُ إليك ).
تؤمل في الدنيا طويلاً و لاتدري *** إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من مريض عاش دهراً إلى دهر(/1)
وقال أبو نصر آبادي: ( مراعاة الأوقات من علامات التيقظ ).
وقال مورق العجلي: ( يا ابن آدم.. تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص عمرك وأنت لا تحزن وتطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك ).
وقال الحسن: ( لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال. هيهات، قد صبّحا نوحاً وعاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قد أقدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم. وأصبح الليل والنهار غَضّين جديدين لم يبلهما ما مرّا به، مستعدين لما بقي بمثل ما أصاب به من مضى ).
لقد كان السلف الصالح مشغولين دائماً بالآخرة، منتبهين لقيمة الوقت.
قال ابن مهدي: ( كنا مع سفيان الثوري جلوساً بمكة، فوثب و قال: النهار يعمل عمله ).
وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: ( إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ).
أخي الحبيب..
ينبغي أن تذكر نفسك دائماً بهذا السؤال: لماذا خُلقنا؟ ويجيب رب العزة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
ثم تأمل قول أبي الدرداء رضي الله عنه: ( لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً: الظمأ لله بالهواجر، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطياب الكلام كما يُنتقى أطياب الثمر ).
وانظر أخي الكريم إلى وصية النبي التي حكاها ابن عمر رضي الله عنهما: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ).
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ( إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها الظعن. فأحسنوا ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ).
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولابد من زاد لكل مسافر
ولابد للإنسان من حمل عدة *** ولا سيما إن خاف صولة قاهر
قال الحسن: ( ابن آدم، إنك بين مطيتين يوضعانك: الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، حتى يسلمانك إلى الآخرة. فمن أعظم خطراً منك؟ ).
ياهذا، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك. وإنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب *** وأن غداً للناظرين قريب
سأل الفضيل رجلاً: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة. فقال: فأنت ننذ ستين سنة تسير إلى ربك، ويوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن عجب الأيام أنك جالس *** على الأرض في الدنيا وأنت تسير
فسيّرك يا هذا كسير سفينة *** بقوم جلوس والقلوع تطير
وقال داود الطائي: ( يا ابن آدم، فرحت ببلوغ أجلك، وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك. وسوّفت بعملك، كأن منفعته لغيرك! ).
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يُدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل
أخي الحبيب..
إنما الزمان أشرف شيء؛ فلا تضيعه في البطالة. احرص على الطاعات، واغتنم الأوقات قبل الفوات.
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله *** إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا هممت بالقول في الباطل *** فاجعل مكانه تسبيحاً
قال الحسن: ( لقد أدركت أقواماً كان أحدهم أشح بعمره من أحدكم بدرهمه ).
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يُضيّع
يحكى أن أبا موسى الأشعري اجتهد قبل موته، فقيل له: لو رفقت بنفسك؟ فقال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها. والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.
وماالمرء إلا راكب ظهر عمره *** على سفر يطويه باليوم والشهر
يبيت ويضحى كل يوم وليلة *** بعيداً عن الدنيا قريباً من القبر
ياهذا.. أمس أجل، واليوم عمل، وغداً أمل. فلا يلهينك الأمل عن العمل.
كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ( ويحك يا يزيد، من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ ).
ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهن قلائل
قال ابن مسعود رضي رضي الله عنه: ( إنكم في ممر من الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة. فمن يزرع خير فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع ).
تمر الليالي والحوادث تنقضي *** كأضغاث أحلام ونحن رقود
وأعجب من ذا أنها كل ساعة *** تجدّ بنا سيراً ونحن قعود
قال يحيى بن معاذ: ( لست أبكي على نفسي إن ماتت، إنما أبكي لحاجتي إن فاتت ).
نروح ونغدو لحاجتنا *** وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجته *** وتبقى له حاجة ما بقي
أخي الحبيب..
هل آن الأوان لكي تبادر وتشمّر في جمع الغنائم الباردة قبل أن تُمنعها؟ !
قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: ( هذه غنيمة باردة: أصلح ما بقي من عمرك؛ يغفر لك ما مضى ).
ولله در القائل:
إذا كنت أعلم علماً يقيناً *** بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بها *** وأجعلها في صلاح وطاعة؟(/2)
طوبى لمن سمع ووعى، وحقق ما ادعى، ونهى النفس عن الهوى، وعلم أن الفائز من ارعوى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(/3)
كن في الدنيا كأنك غريب
دار ابن خزيمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه.. وبعد:
إعلم أخي الحبيب أن هذه الحياة الدنيا أنفاس معدودة في أماكن محدودة. وأن هذه الحياة ( بحر ) و الأنفاس ( مراكب ) تقربنا إلى الشاطئ. وأن الحياة ( سفر )، وهو إن طال العمر أو قصر لابد أن ينتهي إلى المنزل والمستقر في نهاية المطاف: إما إلى جنة أبداً، أو إلى نار أبداُ.
فهل من مشمّر إلى الجنة؟ أم تريد القعود مع القاعدين؟
فحيّ على جنات عدن فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المخيم
أخي الحبيب..
لقد دق ناقوس الرحيل، وتهيأ الركب للمسير، فوضعوا الزاد، وملئت المزاد، و حملت الإبل.. وأنتم لم تزل في الرقدة الأولى بعد!
أخي الحبيب..
كلنا لابد أن يركب قطار الآخرة و يسافر. فهل تريد أن ترحل كريماً، ويحسن استقابلك، وتنزل منزلاً؟
أم تريد أن تذهب مخفوراً؟ وتُستقبل مهاناً؟ وتلقى ملوماً مدحوراً؟
إن من أراد سفراً سأل ونقّر، وأعد له العدة وفكر، وهيّأ له الزاد وقدّر. فما بالنا نغفل عن السفر الطويل إلى الآخرة؟
إن الأيام تسير بنا وإن لم نسر، والأنفاس مراحل تقربنا إلى القبر الذي هو أول منازل الآخرة. وبعد ذلك أهوال وأهوال.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة *** وإلا فإني لا إخالك ناجياً
فماذا تراك قد أعددت لهذا السفر الطويل الذي بدأ بالفعل منذ نزلت من بطن أمك؟
أيام عمرك تذهب *** وجميع سعيك يَكتب
ثم الدليل عليك منك *** فأين أين المهرب؟
فالبدار البدار.. فلا يوجد ثم طريق للهرب أو الفرار.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا }.
فبادر يا أخي بالأعمال الصالحة في زمن المهلة قبل أن تفلت من يدك الفرصة.
قال : { لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله: من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه }.
وقال :{ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ }.
فالفراغ نعمة عظيمة لمن شغلها بطاعة الله تعالى. فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك هي بالباطل.
لقد هاج الفراغ عليك شغلاً *** وأسباب البلاء من الفراغ
يُحكى أن رجلاً كان يحاسب نفسه، فحسب يوماً سني عمره، فوجدها ستين سنة. فحسب أيامها، فوجدها واحداً وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم.
فصرخ صرخة، و خرّ مغشياً عليه. فلما أفاق قال: يا ويلتاه، أنا آتي ربي بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب؟!
يقول هذا لو كان يقترف ذنباً واحداً في كل يوم، فكيف بذنوب كثيرة لا تحصي؟
ثم قال: آه عليّ، عمرت دنياي، وخربت أخراي، وعصيت مولاي، ثم لا أشتهي النقلة من العمران إلى الخراب. وأنشد:
منازل دنياك شيّدتها *** وخرّبت دارك في الآخرة
فأصبحت تكرهها للخرا *** ب وترغب في دارك العامرة
وفي الحديث: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك }.
واعلم أخي الحبيب أن لك موضعين تندم عندهما حيث لا ينفع الندم:
الأول: عند الاحتضار؛ حيث تريد مهلة من الزمن لتصلح ما أفسدت، وتتدارك ما ضيعت، ولكن هيهات.
الثاني: عند الحساب؛ حيث تُوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي، و لم يزد فيه عملي ).
وقال سعيد بن جبير: ( إن كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة ).
أخي الحبيب..
إن الليل و النهار رأس مال المؤمن؛ ربحها الجنة، وخسرانها النار. والسنة شجرة: الشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها. فمن كانت أنفاسه في طاعة؛ فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت أنفاسه في في معصية؛ فثمرته حنظل والعياذ بالله.
قال الحسن: ( من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعينه؛ خذلاناً من الله عز وجل ).
و قال أبو حازم: ( إن بضاعة الآخرة كاسدة، يوشك أن تنفق، فلا يُوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق إلا الحسرة والأسف عليه، ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل، فلا تنفعه الأمنية ).
يا هذا..الليل و النهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم. فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها، فافعل. فإن انقطاع السفر عن قريب ماهو، والأمر أعجل من ذلك. فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق
قال الحسن رحمه الله: ( ما مرّ يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم، إني يوم جديد، و على عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدّم ما شئت تجده بين يديك، وأخّر ما شئت فلن يعود أبداُ إليك ).
تؤمل في الدنيا طويلاً و لاتدري *** إذا جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر(/1)
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من مريض عاش دهراً إلى دهر
وقال أبو نصر آبادي: ( مراعاة الأوقات من علامات التيقظ ).
وقال مورق العجلي: ( يا ابن آدم.. تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص عمرك وأنت لا تحزن وتطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك ).
وقال الحسن: ( لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال. هيهات، قد صبّحا نوحاً وعاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قد أقدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم. وأصبح الليل والنهار غَضّين جديدين لم يبلهما ما مرّا به، مستعدين لما بقي بمثل ما أصاب به من مضى ).
لقد كان السلف الصالح مشغولين دائماً بالآخرة، منتبهين لقيمة الوقت.
قال ابن مهدي: ( كنا مع سفيان الثوري جلوساً بمكة، فوثب و قال: النهار يعمل عمله ).
وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: ( إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ).
أخي الحبيب..
ينبغي أن تذكر نفسك دائماً بهذا السؤال: لماذا خُلقنا؟ ويجيب رب العزة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
ثم تأمل قول أبي الدرداء رضي الله عنه: ( لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً: الظمأ لله بالهواجر، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطياب الكلام كما يُنتقى أطياب الثمر ).
وانظر أخي الكريم إلى وصية النبي التي حكاها ابن عمر رضي الله عنهما: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ).
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ( إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها الظعن. فأحسنوا ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ).
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولابد من زاد لكل مسافر
ولابد للإنسان من حمل عدة *** ولا سيما إن خاف صولة قاهر
قال الحسن: ( ابن آدم، إنك بين مطيتين يوضعانك: الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، حتى يسلمانك إلى الآخرة. فمن أعظم خطراً منك؟ ).
ياهذا، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك. وإنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب *** وأن غداً للناظرين قريب
سأل الفضيل رجلاً: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة. فقال: فأنت ننذ ستين سنة تسير إلى ربك، ويوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن عجب الأيام أنك جالس *** على الأرض في الدنيا وأنت تسير
فسيّرك يا هذا كسير سفينة *** بقوم جلوس والقلوع تطير
وقال داود الطائي: ( يا ابن آدم، فرحت ببلوغ أجلك، وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك. وسوّفت بعملك، كأن منفعته لغيرك! ).
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يُدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل
أخي الحبيب..
إنما الزمان أشرف شيء؛ فلا تضيعه في البطالة. احرص على الطاعات، واغتنم الأوقات قبل الفوات.
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله *** إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا هممت بالقول في الباطل *** فاجعل مكانه تسبيحاً
قال الحسن: ( لقد أدركت أقواماً كان أحدهم أشح بعمره من أحدكم بدرهمه ).
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يُضيّع
يحكى أن أبا موسى الأشعري اجتهد قبل موته، فقيل له: لو رفقت بنفسك؟ فقال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها. والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.
وماالمرء إلا راكب ظهر عمره *** على سفر يطويه باليوم والشهر
يبيت ويضحى كل يوم وليلة *** بعيداً عن الدنيا قريباً من القبر
ياهذا.. أمس أجل، واليوم عمل، وغداً أمل. فلا يلهينك الأمل عن العمل.
كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ( ويحك يا يزيد، من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ ).
ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهن قلائل
قال ابن مسعود رضي رضي الله عنه: ( إنكم في ممر من الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة. فمن يزرع خير فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع ).
تمر الليالي والحوادث تنقضي *** كأضغاث أحلام ونحن رقود
وأعجب من ذا أنها كل ساعة *** تجدّ بنا سيراً ونحن قعود
قال يحيى بن معاذ: ( لست أبكي على نفسي إن ماتت، إنما أبكي لحاجتي إن فاتت ).
نروح ونغدو لحاجتنا *** وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجته *** وتبقى له حاجة ما بقي
أخي الحبيب..
هل آن الأوان لكي تبادر وتشمّر في جمع الغنائم الباردة قبل أن تُمنعها؟ !
قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: ( هذه غنيمة باردة: أصلح ما بقي من عمرك؛ يغفر لك ما مضى ).
ولله در القائل:(/2)
إذا كنت أعلم علماً يقيناً *** بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بها *** وأجعلها في صلاح وطاعة؟
طوبى لمن سمع ووعى، وحقق ما ادعى، ونهى النفس عن الهوى، وعلم أن الفائز من ارعوى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(/3)
كن مع نفسك صريحًا !!
فيصل بن سعود الحليبي * 11/7/1423
18/09/2002
إن من الخطأ حقًا أن يعتقد بعض مَنْ مَنّ الله عليهم بالهداية والاستقامة ، حتى غدوا في طريق الدعاة أو طلبة العلم ، أو حتى من عامة الناس الذين سلكوا طريق الإيمان وارتضوه ، من الخطأ أن يعتقدوا أنهم قد بلغوا درجة كمال الإيمان ، هذا الاعتقاد الذي يوهمهم بشعور شيطاني خفي ليسقطهم في شباك غاية في التعقيد ، حتى تبدو عليهم عدة مظاهر قد لا تتبين لهم ، ولكنها غاية في الظهور أمام الناس .
تلك المظاهر متعددة، أسوق بعضاً منها طلباً من نفسي وألتمس منك أيها الصادق مع نفسه أن نبحث عنها في أنفسنا ، فربما كانت فينا ، لنقف عليها ونعالجها قبل أن يستشري داؤها ، وينتشر وباؤها ، ولقد رصدت لك عشرين مظهرًا ، إليك بيانها :
1) أن يشعر أحدنا بأنه فوق النصيحة ، وأنه غدا ناصحًا ، ولا يقبل أن يكون منصوحًا ، فإن من المفاجأة له أن يتجرأ أحد من الناس بنصيحته ، وقد يبدي شيئًا من قبولها لكنها تكون على نفسه أثقل من الجبال ، وهنا يتثاقل عن العمل بها ، وربما يبدأ صفحة كره وبغض أو -على الأقل- تجنب لهذا الناصح الأمين واستثقال لمجالسته . فأين هذا المنصوح من قول النبي- صلى الله عليه وسلم- : (الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم .فهل يحب من يأبى النصيحة أن يبقى على زلله من دون أن ينبهه أحد على ذلك، فيكون بذلك عرضة للاستمرار فيه، والوقوع في عواقبه ؟
2) البحث عن الفتاوى الشرعية التي توافق هواه أو تحقق له مصلحة شخصية ، حتى لو أدى هذا الأمر إلى تغيير وجهة نظر كانت راسخة في ذهنه ، أو عليها عمله مدة طويلة ، وإن أشبه شيء لهذا التصرف هو ما يطلق عليه العلماء بتتبع الرخص تشهيًا ولعبًا بالدين وأحكامه .
3) التقليل من عمل الآخرين ، والتحقير من جهودهم ، ففي الوقت الذي يتفانى عدد من المخلصين في خدمة الدين ورفعته والدعوة إليه ، نجده لا يعرف إلا النهش في نواياهم ، والقدح في مقاصدهم ، ويحاول جاهدًا صرف ألوان الإكبار عنهم ، وقد يصل الأمر إلى السخرية بهم ، وتكمل فرحته إذا ظهر خطأ أحدهم . ومطية ذلك كله سوء الظن ، وعدم صفاء القلب ، لا أجد ترهيبًا لمثل هذا المظهر أكثر من قول الله - تعالى :-
( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
4) الانشغال بالجزئيات ، والتفريط في الأمانات . فهل من الدين أن ينشغل المرء ببعض المندوبات حتى يؤثر هذا على أداء العمل والأمانة التي يجب القيام بها ، هل من الالتزام أن يتظاهر بالمرض أو التعب ليتخلف عن حضور الدوام الرسمي ، وهل من التمسك بالإسلام أن يفرط في رعايته لأسرته وتربية أولاده بحجة نشر الدين والدعوة إليه !! وهل من الاستقامة أن يتخذ المرء الكذب مطية لدفع تهمة التقصير في المسؤولية الملقاة على كاهله ؟! يقول الله –تعالى- : ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) .
5) حب الظهور والقيادة ولو على شيء يسير ، ولربما جاهد وكافح من أجل هذا الأمر ، وما علم أن تحمل المسؤولية والأمانة حمل ثقيل على الأتقياء والمخلصين . عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللَّهُ ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ ) رواه مسلم .
6) جلافة الخلق ، والترفع على عامة الناس وضعفائهم ، فإن الله –تعالى- قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم-: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ، فإن الرفق _ أيها الموفق _ ما دخل في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، ومن تواضع لله رفعه .
7) الافتخار بقوة الجدل ، وطول النفس في المراء ، ولو بالحق ، أو في أمور العلم ومسائله ، فإن رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قال : (مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا ،وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا )رواه الترمذي وقال حديث حسن .(/1)
8) الضعف أمام الفتن ، فإن في الشدائد تتميز الهمم العالية ، وتثبت القلوب الصافية ، ويأبى صاحب البناء المهلهل إلا أن ينهار ، ويسقط خائبًا ، ليدل انهياره المحسوس على انهيار داخلي في قلبه وإيمانه ، ولقد حكى الله هذا المشهد في أروع بيان فقال : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) .
9) النظرة السوداء للحال الذي يعيشه المسلمون اليوم ، وتصوير الواقع بأنه مظلم لا بصيص فيه للأمل ، وإكثار الكلام عن وجود أنواع الفساد وكثرتها ، من دون أن يكون للمبشرات في حديثنا نصيب ، ولا لأخبار النصر في مجالسنا وجود ، الأمر الذي يزيد من هزيمتنا النفسية ، ويصيب الأنفس المترددة بالتخاذل ، وكأننا لم نقرأ في كتاب الله -تعالى -: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ ) ، فلنملأ قلوبنا بالتفاؤل ، ونحاول بدلاً من سوداوية النظرة أن نبحث عن الأخطاء فنصلحها ، ونراجع الأعمال وننقحها ، ولا ننشغل بالحزن على الرزايا ، ولنعلم أن الحكم بالهلاك لا يأتي إلا بالهلاك ، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) رواه مسلم ، ولنعلم أيضًا أن النصر لا يأتي إلا بالنصر ، ولن يأتي أبدًا بالأحزان ، ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) .
10) سرعة الحكم على ما يحدث من أحداث ، وإتباع هذه العجلة بتعميم الأحكام على الفرق والأشخاص ، وقد افتقد هذا وذاك عوامل الحكم الصحيح ؛ من الأهلية لذلك ، والدراسة الوافية ، والتثبت في الأمر ، وإمعان النظر وطول التأمل ، فأي نتيجة سوف يحصدها من زرع ولم يسقه بالماء الصالح للسقي ، ولم يشتم الهواء الصحي ، ولم ترعه الأيدي المحترفة ؟! أين نحن من قول الله -تعالى -: ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ) ، فلنترك الكلام لأهل العلم يقولون فيه بما يفتح الله عليهم ، ولنمسك عن الخوض فيما لا نعلم ، فإنه قارب النجاة للمجتمع ، وحزام الأمان للأمة ، ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) .
11) سرعة تصديق الأخبار ، وعدم الاكتفاء بذلك ، بل والحرص على نشرها وتوزيعها ، ولا تسأل عن مصادرها ما دامت شبكة الإنترنت سوف تنقل لك الحدث قبل انتهاء نصف الدقيقة من حدوثه ، ولكن من هو الناقل ، وما مصداقيته ، وما أغراضه وأهدافه ؟ أمر قد لا يكون مهمًا عند جملة منا ، المهم فقط هو نقل خبر جديد والتلذذ بنقله ، إن صدقًا وإن كذبًا ، إن خيرًا وإن شرًا ، ويا لها من عظة بليغة ترجع لها النفوس الطيبة عند سماع كلماتها النيرة في قوله –سبحانه- : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) .
12) تقديس الأشخاص وإطراؤهم ، وما لذلك من تبعات التقليد دون نظر أو تأمل ، فأصبح العمل عند بعضنا لأن فلانًا العالم قال به ، ولكن لماذا قال به؟ فهذا شأن لا يعنينا ، بل ولا يريد بعضنا أن يعرف ولو سهلت له المعرفة ، والمصيبة بعد ذلك تبرير الأخطاء بما لا يقبل ، وتسويغ الآراء بما لا يستقيم ، حتى صار بعضنا ينقد الكتاب قبل قراءته؛ لأن القوم قد نقدوه ، ويثني على الشريط قبل سماعه؛ لأن القوم قد أثنوا عليه ، فهل يضير هذا الناقد أن يتبصر بالعمل ، لتكون نتائجه أكثر إتقانًا وصدقًا !! يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : ( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا ) رواه الترمذي .
13) ازدواجية الخلق ، فكم هو جميل أن تشرق وجوهنا بالابتسامة في وجوه إخواننا وزملائنا ، فإنها صدقات لا تكلف الإنسان شيئًا ، وإنها مؤشر إلى الرضا ، وموحية عن الارتياح ، غير أن العجز هو افتقارنا إلى هذه الابتسامة وأخواتها من الرفق واللين وبسط الكلام والصبر على الأخطاء والتجاوز عن الزلات في بيوتنا وبين والدينا وأهلينا ، وإسقاط الأعذار في التقصير في هذا الجانب على بساط الدعوة :
أحرام على بلابله الدوح ... ...
حلال للطير من كل جنس(/2)
أما آن الأوان لإعادة النظر في تطبيق أخلاق النبي- صلى الله عليه وسلم - على كل شرائح المجتمع ، وإعطاء كلٍ منزلته وفضله ؟ أما آن الأوان لنبذ ازدواجية التخلق ، لإعطاء فرصة أكبر للدعوة بالقدوة والأنموذج ، فلقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- مع انشغاله بأمور الجهاد والدعوة والتربية والإصلاح مؤنسًا لأهله ، رحيمًا بخدمه ، واصلاً لرحمه ، تجده القدوة في أمره كله ، ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) .
14) التفكه بما يحدث في صفوف الصالحين من مظاهر الانشقاق أو التفرق ، وكم يأسرنا الاستغراب أحيانًا حينما نجد فئة منا لا تحسن إلا الحديث في الاختلافات الفكرية ، والطرق المنهجية ، ولا تسلوا إلا بالقراءة في الردود المؤلفة ، والأجوبة المصلتة ، ويزيد على انشغاله بهذا وذاك استحقاره لك حينما يعلم بأنك لم تعلم بهذا الاختلاف ، أو تقرأ هذا النقاش ، غير أنه يكون في مؤخرة الركب حينما يكون المجال مجال عمل وتضحية ، ونصح وتوجيه ، لا أقصد التقليل من أهمية الردود العلمية ، لكنها في وجهة نظري _ التي ربما تكون قاصرة _ أن الانشغال بها منزلةُ من نال حظًا وافرًا من علم الشريعة ، أصولاً وفروعًا ، أما من لم يبلغ هذه المنزلة فأعتقد أن انشغاله بها ترك لما هو أولى وأحرى .
15) مصاحبة من نهوى ، لا من ننتفع به أو ننفعه ، فقد تستثقل بعض النفوس مصاحبة من يجرؤ على النصيحة دائمًا ، أو يكون جادًا في أموره غالبًا ، فتنفر منه ، لتبحث عنمن يغضي عن كثير من الأخطاء ، ويرضى بالتقاعس والكسل ، ويميل إلى الدعة والفكاهة ، بحجة كثرة الهموم أو الأعمال !! والحق أن يقال : لكل مقام مقال ، فالجد له وقته ، والمرح له وقته أيضًا ، والمسلم ينبغي أن يوازن بين جده ومرحه ، فلا يكون ثقيلاً فيمل ، ولا خفيفًا فيمتهن ، المهم أن يحكّمَ المرء الصالح دينه في اختيار المصاحب والمجالس له ، ولا يكون تبعًا لهواه في اختيار القرين والصديق ، فما أجمل صداقة الأتقياء ، أنس في الدنيا ، وسعادة في الآخرة ، وما أتعس صحبة الأشقياء ، اضطراب في الدنيا ، وعداوة وندامة في الآخرة ، ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) .
16) تأخرنا في اكتشاف المواهب وصقلها ، فإن من الملاحظ أن العثور على متميز في فن من الفنون ، أو علم من العلوم يكون غالبًا مفاجأة لنا فحسب ، وفي حين اكتشاف نبوغه ، فإن عليه أن يراوح طويلاً في مكانه حتى يمكن للمجتمع الذي حوله أن يستسيغ قدراته ، والواقع أن الخطأ هنا يقع على جهتين ، أما الأولى ، فهو على المبدع الذي اكتشف نفسه أو اكتشفه غيره حديثًا ، فإنه يقصر مع نفسه كثيرًا في عرض ما أبدع فيه على المختصين الموثوقين ، أو استشارتهم في ذلك ، وربما كان قليل الحِلم والصبر على تأسيس نفسه وتأصيل علمه أو فنه ، فيستعجل الظهور قبل أن تكتمل عنده أدواته ، أما قاطع طريق العلم والإبداع فهو ضيق الصدر بالنقد الهادف والبناء . وأما التبعة التي على المربين في التقصير في حق الموهوبين هو عدم وضع أسس دقيقة في اكتشافهم وتنميتهم ، هذه الأسس التي ينبغي أن تكون واقعية لا خيالية ، متدرجة ومتوازنة مع الدين ، وقريبة من الطبائع السليمة ؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم- كانت له عناية بالمواهب ، وكان من أهم وسائله في صقلها إعطاء أصحابها الفرصة في تنميتها بتحميلهم مسؤوليتها ، ولو نتج عن ذلك بعض الأخطاء ، فهاهو ذا النبي – صلى الله عليه وسلم- يقول في شأن القرآن : ( أقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب) ، ويقول عن علم الفرائض : ( أفرضهم زيد بن ثابت)، وفي شأن الفتوى يقول :
( أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ) .
كل هذا يقوله النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم- أجمعين ، وهذا هو النبي- صلى الله عليه وسلم- أيضًا يأتيه أحد الصحابة وقد رأى كلمات الأذان في منامه قبل أن تشرع ويحب أن يصدح بها ، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم- يحيل الأمر إلى بلال – رضي الله عنه- قائلاً : ( إنه أندى منك صوتًا ) .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد مع عظمه ، بل يسلِّمُ النبي- صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد قيادة جيش فيه أبو بكر وعمر وكبار الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين .(/3)
فهل نحسب بعد هذا كله أننا إذا سمعنا الشهادتين يصدح بها المؤذنون عربًا وعجمًا في مشارق الأرض ومغاربها أنها قامت على ثلة من الموهوبين والحكماء والفرسان والقادة !! لو كان الأمر كذلك لمات الدين واندثرت معالمه بموتهم ، ولكنهم -والله -كانوا أعلم منا بمستقبل هذا الدين ، وأيقن منا بنصره وعزته ، وأدرى منا بأن الله سيظهره على الأديان كلها، ولذلك اعتنوا بتربية الأجيال ، وصقل المواهب ، وتربية الناشئة ، فلا يموت الفارس إلا وقد ترك من بعده الفرسان ، ولا يموت العالم إلا وقد ورّث للأمة العلماء ، وقل مثل هذا في كل علم أو فن ينفع الأمة ، ويعلي من قدرها ، وينصرها على أعدائها .
17) عدم اكتراثنا بأهمية الالتزام بالمواعيد ، حتى أصبح من يُعرف بالدقة فيها قليلاً أو نادرًا ، ألم نر كيف أثنى الله على نبيه إسماعيل –عليه السلام- بأنه صادق الوعد ، وقدم هذه الصفة على صفة الرسالة والنبوة !، فقال : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) ، إن صفة الوفاء بالوعد صفة جزاؤها الجنة ، فإن الله قال : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) ، وهل يحب أحدنا أن يتصف بصفة من صفات النفاق والعياذ بالله ، فإن المنافق إذا وعد أخلف كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم-.
18) عدم معالجتنا لفتور هممنا ، فإن همة الإنسان عضلة من عضلاته ، تحتاج إلى استمرار في التمرين لتنمو وتقوى ، فإذا تركت فترت وضعفت ، يقول أبو الدرداء – رضي الله عنه-: ( من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه ، ومن فقه العبد أن يعلم : أيزداد هو أم ينتقِص ؟ ) ، فلنبحث عن مظاهر الفتور في أنفسنا ، وعن أسبابه ، ومن ثم نسأل عن الدواء والعلاج.
19) ثقل العفو على بعض النفوس ، فمن منا لا تحصل بينه وبين أخيه مشادة أو اختلاف أو سوء تفاهم ، ربما يكون لرأي أو قضية اجتماعية ، أو تنافس على خير ، أو رغبة في دنيا أو غير ذلك ، ولكن ما حالنا مع صفاء النفس وخلوها من الكراهية والضغينة أو ترسبات الاختلاف والمشكلة ؟
لقد آذى المشركون نبي الله - صلى الله عليه وسلم- أشد الإيذاء وقاتلوه وأخرجوه ، ولكنهم حينما اصطفوا أمامه يوم فتح مكة وقد أصغرتهم الذلة ، و حلت بهم المهانة ، وأيقنوا أن يوم الانتقام منهم قد آن أوانه ، قام النبي- صلى الله عليه وسلم- يخطب فيهم قائلاً : ( يا معشر قريش ، ما ترون أني صانع بكم ؟ قالوا خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : ( لا تثريب عليكم اليوم ) اذهبوا فأنتم الطلقاء) .
يا من تخيره الإله لخلقه ... ...
فحباه بالخلق الزكي الطاهر
أنت النبي وخير عصبة آدم ... ...
يا من يجود كفيض بحر زاخر
ولنتذكر حينما نتردد في العفو أمرين : الأول : أن البغضاء والشحناء من نزغ الشيطان ، والثاني : قول الله –سبحانه- :( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ).
20) استعجالنا في تحصيل النتائج ، فإن العجلة في قطف الثمرة قد تؤدي بالداعية إلى حصول السآمة والملل من طريق الدعوة الطويل ، بل ربما توصله العجلة إلى الإحباط أحيانًا ، ولنتذكر أن النبي – صلى الله عليه وسلم- ظل يدعو أهل مكة ثلاث عشرة سنة ، ما سئم وما يعجل ، بل قال : (( لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا )) ، فالدعوة الناجحة تحتاج إلى : صبرٍ جميل ، وتضحيةٍ عظيمة ، ونظرةٍ بعيدة ، وأملٍ مرتقب ، فالصبرَ الصبر يا أهل الخير والإحسان ، والحلمَ الحلم يا أهل الحسبة والدعوة ، فإن الله وعد الصالحين فقال : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) .
وأخيرًا : لنعش الحياة التي أرادها الله –تعالى- لعباده الطيبين ، متمسكين بدين الله ، ملتزمين بأحكامه ، مخلصين له ، نحب لأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا الخير والصلاح ، غير ملتفتين لسخرية الساخرين ، متسلحين بالتوكل على الله –تعالى- ، واليقين بتوفيقه في إصلاح أنفسنا ومجتمعنا ، ولتكن خطواتك أيها المسلم المربي واثقة بالدعاء ، راسخة بالعلم الشرعي ، ولنسأل الله –تعالى- الثبات على أمره ، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
* المحاضر بكلية الشريعة في الإحساء(/4)
كنزي عجزي!
عبد الحميد الكبتي
) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ) ( 1 )
حين تنقبض النفس من صنوف الكبَد الكثير في الحياة ، ووقت أن تنقبض الروح في أمواج المواقف والمشاهد المؤلمة المتكررة ، وساعة أن يشعر المرء أنه قد ظُلم أو تعب أو أُرهق ، ساعتئذ تترتل هذه الآية في صالات قلبه ، ويبدأ صداها يتردد في غرف الجسد كله .
صدىً ليس كترديد البشر ؛ إذ تارة يكون متناغما مع ذاتك ومعزوفتك ، وتارات كثيرة أخرى يكون كاللحن النشاز ، حتى تمسي تظن أن معزوفة روحك وفكرك وعقلك وتعبك وجهدك ، كأنها هي التي لم تصاغ بشكل ولحن جميل .
و تتوارد على نفسك الخطوب ، وتبدأ أمواج الضيق ، و تتوالى رياح الغم ؛ من موقف قريب لك ، أو خسارة في تجارة مع الله أو مع دنيا الناس ، أو فقدان للأمن والأمانة ، أو شعور بجرح الخيانة ، أو يأس ممن حولك ، أو أمل في تغيير تتمناه .
في هذه الصورة التي تُعرض كأنها فيلم مصور ، له إيقاعاته ، وأبطاله ، وموسيقاه التصويرية الصاخبة في داخلك ، هذه الصورة تجعل كل شيء عندك ، لا يساوي شيئا ، مطلقا . لا مال ، ولا ولد ، ولا زوج ، ولا نفس ، ولا ذات .
فيبدأ الصدى المبارك في حنايا نفس المؤمن بهدوء جميل جداً ، يسري في الصدر كأن عصافير الراحة بدأت ترفرف وتغرد ، وتسيل معه العيون بحبات من الندى ، لا تمسي حتى تهطل مطرا مباركا ، وتبدأ عيون القلب في العمى عن كل الصور ، إلا صورة ربها ، صورة قدرته ، وعلمه ، و وده ، وجبروته ، وعزته ، ورحمته التي وسعت كل شيء ، سبحانه .
وفي المضطر :
{ قال ابن عباس : هو ذو الضرورة المجهود .
وقال السدي : الذي لا حول له ولا قوة .
وقال ذو النون : هو الذي قطع العلائق عما دون الله .
وقال أبو جعفر وأبو عثمان النيسابوري : هو المفلس . } . ( 2 )
إعلان الإفلاس من كل شيء ، سوى الله ، هو قمة الغنى ؛ ذلك بأن الله تعالى الغني ذو الرحمة ، لا مال ولا علم ولا جاه ولا سلطان ، إعلان لإفلاس عام ، في كل مؤسسات الذات ، عندها يكون قمة الربح والفوز ، لأنك مفلس مع " الغني " فأنعم به من تجرد ، وأنت أغنى الأغنياء لو فقهت !
والعجز التام هو كذلك كنز ، بذا قال سعيد النورسي حكمته الجميلة : ( كنزي : عجزي ) ، وبه دل النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن قيس قائلا : ( يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ . فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : " قل لا حول ولا قوة إلا بالله " . ( 3 ) كنز في الجنة وأنت ترددها ، فكيف إن كانت معانيها متحققة فيك ! ؛ معاني التعري التام من كل الحول والقوة .
وإن توفر العجز والتسليم والإفلاس ، باتت الضرورة واضحة كما قال ابن عباس ، وأمسى قطع العلائق من دون الله جليا كما صرح ذو النون ، وأمسى المرء في صورة تامة من الاعتصام بالله وحده ، ممسكا بحبله ، يشده ، يقبض عليه ، مهما سال دم الضيق والعنت والحرج ، و لا يزال العبد وقتها معتصما ، تلين له الدنيا كلها .
قال وهب بن منبه : ( قرأت في الكتاب الأول إن الله تعالى يقول : بعزتي إنه من اعتصم بي فإنْ كادته السماوات بمن فيهن ، والأرض بمن فيهن ، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ، ومن لم يعتصم بي ؛ فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلى نفسه. ) ( 4 )
إنَْ اعتصم اقسم الله بعزته ! أن لا يضره شيء ويجعل له مخرجا ، وقمة الاعتصام يكون وقت الضرورة ، ويا لها من لحظات بديعة في صلة المرء بربه وحبيبه .
قال الشاعر :
وإني لأدعو الله والأمر ضيق *** علي فما ينفك أن يتفرجا
ورب أخ سدت عليه وجوهه *** أصاب لها لما دعا الله مخرجا. ( 5 )
يقول الأستاذ سيد في الآية :
( فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله ، يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء ، ذلك حين تضيق الحلقة , وتشتد الخنقة , وتتخاذل القوى , وتتهاوى الأسناد ; وينظر الإنسان حواليه فيجد نفسه مجردا من وسائل النصرة وأسباب الخلاص .
لا قوته , ولا قوة في الأرض تنجده .
وكل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه أو تخلى ; وكل من كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى . .
في هذه اللحظة تستيقظ الفطرة فتلجأ إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث والنجدة , ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان قد نسيه من قبل في ساعات الرخاء .
فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه . هو وحده دون سواه .
يجيبه ويكشف عنه السوء , ويرده إلى الأمن والسلامة , و ينجيه من الضيقة الآخذة بالخناق .
والناس يغفلون عن هذه الحقيقة في ساعات الرخاء , وفترات الغفلة ؛ يغفلون عنها فيلتمسون القوة والنصرة والحماية في قوة من قوى الأرض الهزيلة .
فأما حين تلجئهم الشدة , ويضطرهم الكرب , فتزول عن فطرتهم غشاوة الغفلة , ويرجعون إلى ربهم منيبين مهما يكونوا من قبل غافلين أو مكابرين . ) ( 6 )(/1)
يا لها من عودة مباركة ، غريب أمر الإنسان! ، يكون في الخناق كما يقول سيد ، ثم ما أن يلجأ بصدق إلى الله ، حتى تتحول تلك الحلقة الضيقة المتعبة ، إلى راحة وسعادة واستقرار وفرح ، بمجرد الصدق وحسن اللجوء ، ومن ذاق هذه الحلاوة الإيمانية يكاد يطلبها في كل وقت ، للذتها وعذوبتها في وعاء القلب الصغير .
ذكر ابن كثير عند تفسيره هذه الآية : ( ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي الصوفي قال هذا الرجل :
كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني فركب معي ذات مرة رجل ، فمررنا على بعض الطريق عن طريق غير مسلوكة .
فقال لي : خذ في هذه فإنها أقرب ، فقلت : لا خيرة لي فيها ، فقال : بل هي أقرب .
فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر وواد عميق وفيه قتلى كثيرة ، فقال لي : أمسك رأس البغل حتى أنزل ، فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه وسل سكينا معه وقصدني ، ففررت من بين يديه وتبعني فناشدته الله وقلت : خذ البغل بما عليه ، فقال : هو لي ، وإنما أريد قتلك !
فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل ، فاستسلمت بين يديه وقلت : إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ، فقال عجّل .
فقمت أصلي فأرتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد ، فبقيت واقفا متحيرا ، وهو يقول : هيه افرغ ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " .
فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعا .
فتعلقت بالفارس وقلت بالله من أنت ؟ فقال أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء قال فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما ) . ( 7 )
نقلة هذه القصة ، تنقلك مع المعاني النفسية التي ذكرها سيد رحمه الله ، والتي يستشعرها ويبتهج بها كل من اضطر ولجأ وقرب وانحنى ، تنقلك من هذه المعاني إلى واقع ملموس ، وفارس يأتي بجواده ، وحربة في قلب لص ، سبحان الله ، فما عليك إلا أن تلجأ ، حتى لو ضاعت منك الكلمات ، ونسيت كل القرآن والتسبيح والتعظيم لله ، وأرتج عقلك من كل معنى ، لهول الموقف ، فقط توجه له ، بأي لغة كانت ، وبأي كلمات مبعثرة قد لا تعيها ، لكنه سبحانه يعلم حاجتك ، فيرسل لك فارسا بحربته ، وقد أقسم من قبل بعزته أن يكون معك لو اعتصمت ، وتأتي الإصابة في قلب الحدث الذي ألم بك ، ويرقص قلبك طربا ، المهم أن تتعلق وتلح وتستجدي .
قال الشيخ الحبيب اللطيف : ( من الذي يفزع إليه المكروب ، ويستغيث به المنكوب ، وتصمد إليه الكائنات وتسأله المخلوقات وتلهج بذكره الألسن ، وتألهه القلوب إنه الله لا إله إلا هو .
وحق علي وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات، ونتوسل إليه في الكربات، وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيبين، حينها يأتي مدده ويصل عونه ويسرع فرجه، ويحل فتحه " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ " فينجي الغريق ويرد الغائب ، ويعافي المبتلى ، وينصر المظلوم ، ويهدي الضال ، ويشفي المريض ، ويفرج عن المكروب " فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " (العنكبوت: من الآية65)
إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب ، فالهج بذكره ، واهتف باسمه ، واطلب مدده واسأله فتحه ونصره ، مرغ الجبين لتقديس اسمه ، لتحصل على تاج الحرية ، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة .
مد يديك
ارفع كفيك
أطلق لسانك
أكثر من طلبه
بالغ في سؤاله
ألحَّ عليه
الزم بابه
انتظر لطفه
ترقب فتحه
أُشْدُ باسمه
أحسن ظنك فيه
انقطع إليه
تبتل إليه تبتيلاً حتى تسعد وتفلح . ) ( 8 )
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ....*
------------------------------------------
( 1 ) (النمل:62) .
( 2 ) تفسير القرطبي .
( 3 ) رواه البخاري ومسلم .
( 4 ) تفسير ابن كثير
( 5 ) تفسير القرطبي .
( 6 ) في ظلال القرآن .
( 7 ) تفسير ابن كثير .
( 8 ) كتاب لا تحزن لعائض القرني(/2)
كولاجين الخنزير
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ...
التاريخ ... 21/11/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هنالك مادة دوائية (طعم عظمي للفك)، تساعد في شفاء وترميم الآفات العظمية حول الأسنان، مصنوعة من كولاجين الخنزير. هل يمكن استخدام هذه المادة لأغراض طبية رغم وجود بديل لها مشتق من كلاجين الحصان أقل منها فاعليةً؟ وشكرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن كانت هذه المادة: (كولاجين الخنزير) تذوب عند الصناعة مع المواد الكيماوية، فلا يبقى من عينها شيء لو حللت، فالتداوي بهذا الدواء جائز شرعًا؛ لأن عين النجاسة في عظم الخنزير، استحالت حينئذ مع غيرها من المواد الأخرى، أما إذا بقي من عين مادة الخنزير شيء بعد التحليل الكيمائي، فلا يجوز حينئذ التداوي بهذا الدواء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ". أخرجه أبو داود (3874).ولحديث أم سلمة: "إنَّ اللهَ لم يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ". أخرجه ابن حبان (1391). وهذا كله من حيث الأصل، سواء وجد تركيب دواء صنع من حلال، أو لم يوجد مثله، أو أقل منه، أما من حيث الأولى والأحوط فهذا الدواء المستخلص من مادة الحصان أولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ". أخرجه أحمد (18001). ولحديث النعمان بن بشير، رضي الله عنهما: "إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ". أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599). والله أعلم.(/1)
كونوا أنصار الله
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ } ... فأين كانت هذه النٌصرة مع أن عيسى - عليه السلام- لم يدخل أى حرب ضد الكفار ؟ ... لقد كانت النٌصرة هنا نصرة إيمانية ... { فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي? إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ }[ الصف:14 ] .
وهذا درس جليل لشباب الصحوة ليتعلم كل واحد منهم أنه إذا أراد أن ينصر دين الله - عز وجل- فعليه أن يحقق العبودية لله، وأن ينشغل قلبه بطاعة الله - جل وعلا- ... وها نحن من خلال تلك الكلمات اليسيرة نتعايش بقلوبنا مع الأنصار - رضى الله عنهم وعن المهاجرين- الذين بذلوا الغالى والنفيس لنٌصرة هذا الدين.
أخى الحبيب : إن الهداية منحة ربانية يقذفها الله فى قلب من يشاء من عباده.
فقريش الذين تعايشوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم- وعرفوا صدقه وأمانته، لم يؤمنوا برسالته بل دبروا المؤامرات لقتله ... والأنصار الذين رأوا النبى- صلى الله عليه وسلم- وسمعوا منه القرآن لأول مرة ومع ذلك أسلموا بقلوبهم وجوارحهم، وضربوا المثل الأعلى فى البذل والعطاء والتضحية والفداء.
ومعالم النٌصرة عند الأنصار كثيرة ولكنى سأكتفى بذكر بعضها ألا وهى : الحب واليقين والبذل والتضحية ...
* فأما عن الحب فحسبُك أن الواحد منهم كان يتمنى أن يفدى النبى - صلى الله عليه وسلم- بنفسه وماله وأولاده، ولذلك فأنا أٌهدى إليكم هذين الموقفين : الموقف الأول يرويه الحاكم بسندٍ صحيح ( أن النبى صلى الله عليه وسلم – فى غزوة أحد- أرسل زيد بن ثابت يلتمس له سعد بن الربيع –رضى الله عنهما- فوجده فى الرمق الأخير فقال له : يا سعد إن رسول الله يقول لك : كيف تجدك- أى كيف حالك- ؟ فقال : وعلى رسول الله السلام قل له : إنى أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم مكروه وفيكم عينٌ تطرف ) . فهل هناك حب أعظم من هذا ؟ ... بل ارجع أيها الأخ الحبيب واقرأ فى غزوة أحد لترى كيف دافعوا عن النبى- صلى الله عليه وسلم- حتى الموت.
* وأما عن اليقين فلقد كان ملازماً لهم منذ أول لحظة دخلوا فيها فى هذا الدين العظيم .. كانوا على يقين من نُصرة الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم- ، ولعلك تجد هذا واضحاً فى بيعة العقبة الثانية فلقد طلب منهم النبى - صلى الله عليه وسلم- أن يقدموا كل شئ لنُصرة دين الله - والثمن الجنة- فبايعوا مع أنهم لم يروا الجنة لكنهم كانوا على يقين من صدق النبى - صلى الله عليه وسلم- ، وكانوا على يقين من أن الله سيجزل لهم العطاء فى الدارين لإيمانهم وإخلاصهم ونُصرتهم لدينه - جل وعلا- .
* وأما عن البذل فحدِّث ولا حرج فماذا نقول بعد قول الله تعالى : { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الحشر : 9 ] ... ولعلكم تعلمون هذا الموقف الجليل الذى دار بين عبد الرحمن بن عوف المهاجرى وبين سعد بن الربيع الأنصارى عندما أخى النبى - صلى الله عليه وسلم- بينهما فعرض عليه سعد نصف ماله وإحداى زوجتيه وإذا بعبد الرحمن يقول له : بارك الله لك فى أهلك ومالك ... ولم يكن هذا الموقف فردى فحسب بل كان موقفاً جماعياً من الأنصار لإخوانهم المهاجرين فلقد قاسموهم الثمرة ووضعوهم فى عيونهم طلباً لمرضاة الله – عز وجل- .
* وأما عن التضحية فنحن نعلم كيف ضحى الأنصار بكل شئ لنُصرة هذا الدين وحسبنا أن نذكر موقف سعد بن معاذ فى غزوة بدر لما قال النبى - صلى الله عليه وسلم- : أشيروا علىَّ أيها الناس ففطن لذلك سعد فقال : فكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل قال سعد : فقد آمنا بك فصدقناك ... – إلى أخر مقالته التاريخية- .
فكانت النتيجة العادلة أن النبى - صلى الله عليه وسلم- جعل حُب الأنصار آية من آيات الإيمان فقال : ( آية الإيمان حُب الأنصار وآية النفاق بُغض الانصار ) [ متفق عليه ] ، وقال : ( من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله ) [ صحيح الجامع : 5953 ]
فهل نجد فيكم يا شباب الصحوة أنصاراً لله – عز وجل- ... إذن فأجعلوا تلك الآية أمام أعينكم دائماً : { كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ } .
وكتبه الفقير إلى عفو ربه
محمود المصرى (أبو عمار)(/1)
كونوا على الخير أعوانا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " آل عمران : 102
" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " النساء : 1
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " الاحزاب : 70-71
أما بعد :
فقد جاء الإسلام بالأمر بالتعاون على البر والخير والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان قال الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ِ(2) سورة المائدة
وما أحوجنا في هذا الزمان الذي انتشر فيه الشرّ وانحسر فيه الخير وقلّ المعينون عليه أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة وندعو إليها ونحثّ عليها لما فيها من الخير العظيم والنفع العميم . من إقامة أمر الدين وتقوية المصلحين ، وكسر الشرّ ومحاصرة المفسدين .
الإعانة ومرادفاتها في اللغة
قال صاحب الألفاظ المؤتلفة :
باب الاعانة :
يقال أعانه وأجاره وأيده .. ورافده وأغاثه وعاونه وعاضده وآزره وناصره .. وظافره وظاهره ومالأه ، والعون : الظهير ، ورجل معوان كثير المعونة للناس و استعان به فأعانه و عاونه وفي الدعاء : " رب أعني ولا تعن علي . " وتعاون القوم أعان بعضهم بعضا .
ومن ثمرات التعاون الألفة ، قال الجرجاني في تعريف الألفة : اتفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش
( انظر الألفاظ المؤتلفة 1/159 ، التعريفات 1 /51 ، ولسان العرب 13/298 )
وفي التعريف كلمة مهمة وهي : " اتفاق الآراء " وما توحي به من وحدة الهدف ، واجتماع القلوب على بلوغه .
معنى التعاون شرعا
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " الإعانة هي : الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها ، والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها ، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه ، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المسلمين ، بكل قول يبعث عليها ، وبكل فعل كذلك " ( تيسير الكريم الرحمن 2/238 بتصرف يسير )
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى " فقال : هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه . ( حلية الأولياء 7 /284 )
يقول القرطبي في تفسيره : ( وتعاونوا على البر والتقوى : هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى ؛ أي ليُعِن بعضكم بعضا ، وتحاثوا على أمر الله تعالى واعملوا به ، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه ، وهذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الدال على الخير كفاعله ) الجامع لأحكام القرآن 3/6/33 .
وقال القاسمي في تفسيره : ( لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون ، أُمروا - إثر ما نهوا عنه - بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى ، ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى .. ، ثم نُهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي ) ( محاسن التأويل 3/22)
وقال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى .. الآية :
( اشتملت هذه الاية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم ، فإن كل عبد لاينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق ، فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونه والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولاسعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله ) ( زاد المهاجر 1 /6-7 ) .
ثم بيّن أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال : " والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى ، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا ، فإن العبد وحده لايستقلُّ بعلم ذلك ولابالقدرة عليه ؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الانساني قائما بعضه ببعضه معينا بعضه لبعضه . ( زاد المهاجر 1/13)
فالإنسان ضعيف بوصفه فردا ، قوي باجتماعه مع الآخرين ، وشعور الإنسان بهذا الضعف يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره في أي مجال ، فأمر الله العباد أن يجعلوا تعاونهم على البرّ والتقوى .
الفرق بين البر والتقوى ، والإثم والعدوان :(/1)
قيل البر والتقوى لفظان بمعنى واحد ، وكل برّ تقوى ، وكل تقوى بر . وقيل : البر يتناول الواجب والمندوب إليه ، والتقوى رعاية الواجب ، وقد ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له ؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى ، وفي البرّ رضا الناس ، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته . ( أنظر الجامع لأحكام القرآن 6/47)
و" البرّ هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأعمال الظاهرة والباطنة ، من حقوق الله ، وحقوق الآدميين ، والتقوى في هذه الآية : اسم جامع ، لترك كل ما يكرهه الله ورسوله ، من الأعمال الظاهرة والباطنة . ( تيسير الكريم الرحمن 2/238)
وقال ابن القيم مفرقا بينهما : " وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها فإن البرّ مطلوب لذاته إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم وأما التقوى فهي الطريق الموصل الى البر والوسيلة اليه ( زاد المهاجر 1 /11)
أما الفرق بين الإثم والعدوان :
فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي : ( " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وهو التجري على المعاصي التي يأثم صاحبها .. " والعدوان " وهو التعدي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم .
فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه ، ثم إعانة غيره على تركه ) ( تيسير الكريم الرحمن 2/239)
ومن القواعد المؤكّدة في التعاون :
أن المعاونة على البرّ : برّ
قال البيهقي - رحمه الله - : " الثالث والخمسون من شعب الإيمان ؛ وهو باب في التعاون على البر والتقوى قال الله عز وجل ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ومعنى هذا الباب أن المعاونة على البر بر لأنه إذا عدمت مع وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها بر ثم رجح هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل الدين والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من الاشتراك فيها وأدائها بالجماعة " ( شعب الإيمان 6/101 )
ثم ساق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه من الظلم ، فذلك نصره ) أخرجه البخاري برقم 2444
ومعنى هذا أن الظالم مظلوم من جهته كما قال الله عز وجل ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ) فكما ينبغي أن ينصر المظلوم إذا كان غير نفس الظالم ليدفع الظلم عنه كذلك ينبغي أن يُنصر إذا كان نفس الظالم ..
التعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها
يقول ابن خلدون في مقدمته :
الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكَنّ وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيّء لذلك التعاون ، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتباع صلاح أخراه . ( مقدمة ابن خلدون 1/429 )
وبيّن رحمه الله أهمية الاجتماع والتعاون لبني البشر وذكر أن التعاون يحصل به من الثمرة أكثر من حاجات المتعاونين فقال :
( قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه وأنهم متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك ، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافا ، فالقوت من الحنطة مثلا لا يستقلّ الواحد بتحصيل حصته منه وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حدّاد ونجار للآلات وقائم على البقر وإثارة الأرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت فإنه حينئذ قوت لأضعافهم مرات فالأعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم ) . انتهى ( مقدمة ابن خلدون ج: 1 ص: 360)
ويقول في موضع آخر فيه مزيد بيان : ( إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وركّبه على صورة لا يصلح حياتها ولا بقاؤها إلا بالغذاء ، وهداه إلى التماسه بفطرته ، وبما ركّب فيه من القدرة على تحصيله ، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء ، غير موفية له بمادة حياته منه .
ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا ، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري .(/2)
هب أنه يأكل حبا من غير علاج ؛ فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه ؛ الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل ، ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير ، ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد ، فلابد من اجتماع القُدُر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم ) ( مقدمة ابن خلدون 2/272-274 ) .
وهذا الكلام يدل قطعا على أن توزيع المهمات لإنجاز الأعمال من التعاون المطلوب ، وأن هذا التعاون بين الأفراد ينتقل بعمل كلّ منهم ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل العيش لعدد كبير من المجمتع ، فالتعاون بين الأفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملازمتان للإنسان ولا غنى له عنهما ، وأنّ تعاون المجموعة لا يُنتج ما يكفيهم فقط وإنما يزيد ويفيض .
وهذا كلام عام في الأمور الدينية والدنيوية ، فأما بالنسبة للتعاون الشّرعي فإن الأسباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البرّ والتقوى والمشاركة في الخير عدّة ومنها :
- تحصيل ثواب امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى "
- زيادة الأجر والمضاعفة : قال ابن القيم رحمه الله : ( فإن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله ، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها كالصلاة في جماعة ؛ فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفا لمشاركة غيره له في الصلاة ، فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر بل قد قيل إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين ، وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا وشبك بين أصابعه ، ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته ، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم ، وقد أخبر الله سبحانه عن حملة العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم وأخبر عن دعاء رسله واستغفارهم للمؤمنين كنوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم . ( الروح 1/128)
- الحاجة : فإنّ كثيرا من الأهداف والمشاريع الإسلامية لا يُمكن تحقيقها فرديا ، ولهذا قيل : لا يعجز القوم إذا تعاونوا .
- إتقان العمل وسهولة القيام به يكون أبلغ مع التعاون والعمل الجماعي وذلك أن الاشتراك في العمل مع آخرين يجعله أخفّ مشقّة وأسهل لتوزّع الحمل على الجميع
والتعاون المأمور به في الآية :
الأول : تعاون على البر والتقوى ؛ من الجهاد وإقامة الحدود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستيفاء الحقوق وإيصالها إلى مستحقيها ، يقول القرطبي في تفسيره : ( والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم ، ويعينهم الغني بماله ، والشجاع بشجاعته في سبيل الله ، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" ، ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصرة له ورده عما هو عليه ) ( الجامع لاحكام القرآن 6/47 )
والتعاون المنهي عنه في الآية : التعاون على الإثم والعدوان ؛ كالإعانة على سفك دم معصوم ، أو أخذ مال معصوم ، أو انتهاك عرض مصون ، أو ضرب من لا يستحق الضرب ونحو ذلك ..
والمعاونة تكون بالجاه والبدن والنفس والمال والقول والرأي .
مجالات التعاون على البر والتقوى :
إن التعاون على البر والتقوى يكون بوجوه كثيرة تفوق الحصر ، فكل عمل في مرضاة الله يكون التعاون والتظاهر عليه من التعاون على البر والتقوى .. ومن أمثلة ذلك :
أولا : التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين :
ويكون ذلك بنصرة الإسلام وأهله ، فقد حضّ الله تعالى عباده المؤمنين على نصرة دينه وأوليائه ، ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة بشتى الوسائل المشروعة ، فقال عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله " الصف : 14 ، أي يساعدني في الدعوة إلى الله ( البداية والنهاية 2/85 ) .(/3)
ولهذا ينبغي أن يتعاون المسلم مع أخيه المسلم في الدعوة إلى الله ، ليشدّ أزره ويتقوى به كما قال الله تعالى لموسى عليه السلام : " سنشد عضدك بأخيك " ( القصص : 35 ) ، وقال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم : " وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " أي أعاونك وأؤيدك في نشر دعوتك ، وقال جَابِرٍ رضي الله عنه مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ مَنْ يُؤْوِينِي ؟ مَنْ يَنْصُرُنِي ؟ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ رواه الإمام أحمد في مسنده 13934
ومن صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين : جهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله عز وجل ، ومشاركة أهل الدعوة الإسلامية في الحروب ضد أهل الكفر والضلال ، وتهيئة جميع الوسائل والعدة والعتاد من أجل الجهاد في سبيل الله ؛ وقد تعاون الصحابة في الجهاد في مشاهد كثيرة ومواقف متنوعة ومن ذلك حفر الخندق وأصابهم في ذلك ما أصابهم فصبروا ، فعن جابر رضي الله عنه أنه قال : " لما حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من الجوع " أخرجه البخاري برقم 4101 .
ومن صور التعاون في نصرة الدين التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم : التعاون على قتل مدعي النبوة ، وقتل رؤوس أهل الشرك والمرتدين ومنهم الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم .
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله ، فقام محمد بن سلمة ، فقال : يا رسول الله أتحب أن أقتله ؟ قال : نعم ، قال : فأذن لي أن أقول شيئا ، قال : قل ، فأتاه محمد بن مسلمة فقال : إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنّانا وإني قد أتيتك أستسلفك ، قال : والله لتملّنّه ( ليزيد ضجركم منه ) قال : إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه ، فقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين ، فقال : نعم ارهنوني ، قالوا : أيّ شيء تريد ؟ قال : ارهنوني نساءكم ، قالوا : كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب . قال : فارهنوني أبناءكم ؟ قالوا : كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم ، فيقال : رُهن بوسق أو وسقين ، هذا عار علينا ، ولكنا نرهنك اللأمة ( يعني السلاح ) ، فواعده أن يأتيه ، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة ، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم ، فقالت له امرأته : أين تخرج هذه الساعة ؟ فقال : إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة ، إن الكريم لو دعي لطعنة بليل لأجاب ، فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب ، فقال : ما رأيت كاليوم ريحا - أي أطيب - .. أتأذن لي أن أشم رأسك ، قال : نعم ، فشمه ، ثم أشم أصحابه ، ثم قال : أتأذن لي ، قال : نعم ، فلما استمكن منه ، قال : دونكم ، فقتلوه ، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه . ( أخرجه البخاري برقم 4037 ) .
وقال ابن عبد البر في ترجمة زياد بن حنظلة التميمي : له صحبة ، وهو الذي بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مسيلمة وطليحة والأسود . ( بغية الطلب في تاريخ حلب 9/3916 ) .
ثانيا : التعاون على إقامة العبادات :
جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في خطبة خطبها في قوم : ( فانظروا رحمكم الله واعقلوا وأحكموا الصلاة واتقوا الله فيها وتعاونوا عليها وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان فإن الله عز وجل قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى والصلاة أفضل البر ) ( طبقات الحنابلة 1/ 354 ) .
ومن أمثلة ذلك :
التعاون على قيام الليل
كان أهل البيت الواحد من أوائل هذه الأمة يتوزعون الليل أثلاثا يصلي هذا ثلثا ثم يوقظ الثاني فيصلي ثلثا ثم يوقظ الثالث فيصلي الثلث الأخير .
عن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا ( سير أعلام النبلاء 2/609 )
وكان الحسن بن صالح وأخوه عليّ وأمهما يتعاونون على العبادة بالليل وبالنهار قياما وصياما فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما وكان يقال للحسن حية الوادي يعني لا ينام بالليل . ( أنظر حلية الأولياء 7/ 328 )
ثالثا : التعاون في بناء المساجد :(/4)
قال الله تعالى : " مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ " التوبة :18
وقد أورد البخاري في صحيحه بابا في التعاون في بناء المساجد ، وسطر فيه أحاديثا تبين بوضوح مدى التعاون بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بناء المسجد النبوي فعن أَبِي سَعِيدٍ في ذِكْر بِنَاءِ الْمَسْجِدِ قَالَ كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ ( رواه البخاري 428 )
وقام المسلمون يعمرون المساجد في البلاد التي فتحوها ، قال بعض الشعراء في وصف مسجد الكوفة لما بُني على أربعة أساطين ضخمة لم يحدث فيها خلل ولا عيب :
بنى زياد لذكر الله مصنعة ...... من الحجارة لم تعمل من الطين
لولا تعاون أيدي الإنس ترفعها ..... إذا لقلنا من اعمال الشياطين
( فتوح البلدان 1/342 )
رابعا : التعاون في مجال طلب العلم :
وهذا باب من التعاون يكفي في معرفته مطالعة كتب السير الغاصّة بالقصص التي بلغت من التعاون أوجه ، فهذا عمر رضي الله عنه يقول : كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الأَمْرِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ .. الحديث رواه البخاري 4792
" وَكَانَ عُمَر مُؤَاخِيًا أَوْس بْن خَوْلِيّ لا يَسْمَع شَيْئًا إِلا حَدَّثَهُ وَلا يَسْمَع عُمَر شَيْئًا إِلا حَدَّثَهُ , وقَوْله ( جِئْته بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَر ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ الْوَحْي أَوْ غَيْره ) أَيْ مِنْ الْحَوَادِث الْكَائِنَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وفِي رِوَايَة " إِذَا غَابَ وَشَهِدْت أَتَيْته بِمَا يَكُون مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " يَحْضُر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غِبْت وَأَحْضُرهُ إِذَا غَابَ وَيُخْبِرنِي وَأُخْبِرهُ " . وَفِي رِوَايَة " لا يَسْمَع شَيْئًا إِلا حَدَّثَهُ بِهِ وَلَا يَسْمَع عُمَر شَيْئًا إِلا حَدَّثَهُ بِهِ " ( باختصار من فتح الباري : شرح الحديث السابق : كتاب النكاح )
وقد تعرض لطالب العلم ضائقة خلال طلبه فيهبّ إخوانه لمعاونته : قال عمر بن حفص الأشقر : كنا مع محمد بن إسماعيل ( وهو البخاري ) بالبصرة نكتب الحديث ففقدناه أياما فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان وقد نفذ ماعنده ولم يبق معه شيء ، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوبا وكسوناه ثم اندفع معنا في كتابة الحديث . ( تاريخ بغداد 2 / 13) .
وقد يعين العالم من ليس من أهل العلم ويحتسب بالإنفاق عليه أجر تفريغ العالم وطالب العلم للتدريس والطّلب : قال هياج بن عبيد كان لرافع قدم في الزهد وإنما تفقه الشيخ أبو إسحاق وأبو يعلى بن الفراء بمعاونة رافع لهما لأنه كان يحمل وينفق عليهما . ( سير أعلام النبلاء 18/52 )
ويدخل في التعاون العلمي : التعاون في تأليف الكتب ، فقد جاء في ترجمة الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي رحمه الله أنه " ولع بتخريج أحاديث الإحياء ورافق الزيلعي الحنفي في تخريجه أحاديث الكشاف وأحاديث الهداية فكانا يتعاونان . " ( طبقات الشافعية ج: 4 ص: 30 ) فاستفدنا من ذلك تخريج ثلاثة كتب صارت من أهم المراجع لطلاب الحديث .
ومن هذا الباب أيضا شرح المواد الدراسية من الخبير بها للقاصر عن فهمها ، وكان بعض نبلاء المسلمين يشتري المصاحف والألواح ويوزعها على أطفال الكتاتيب معونة لهم على حفظ القرآن الكريم .
خامسا : التعاون في الدعوة والتعليم وإنكار المنكر
فهذ يقترح فكرة لموضوع وهذا يجمع قصصا واقعية عنه وهذا يعمل بحثا ميدانيا أو استبيانا حول الموضوع وآخر يجمع الأدلة الشرعية وكلام العلماء بشأنه وهذا يحشد الشواهد والأبيات الشعرية المتعلقة به وآخر أوتي موهبة في التحدّث يلقيه في محاضرة تسير بها الركبان . أو كاتب مجيد يخطّ بأسلوبه ذلك المحتوى من العمل المشترك في رسالة أو كتاب يؤثّر في نفوس القراء .(/5)
وعالم أو طالب علم لديه - مما فتح الله به عليه - ما يقدّمه في دورة علمية ، وآخر يملك خبرة إدارية يسيّر بها أعمالها وثالث عنده مال يبذله لإسكان الطلاب الفقراء وإعاشتهم فترة الدورة ، وهكذا وعصرنا الذي نعيش فيه يحتاج كثيرا إلى الأعمال المشتركة والبركة مع الجماعة .
وفي مجال إنكار المنكر المنكر تعاون عظيم أيضا : فهذا يجمع معلومات عن المنكر ويستقصي خبره في المجتمع وهذا يبحث حكمه شرعا وثالث يعين على إيصاله إلى من ينكره ويغيّره ، وآخر يخطب عنه ويحذّر منه .
وهذا الاشتراك في العمل الصالح له اجر عظيم وقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ
رواه الترمذي 1561 وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
فلا بد أن تكون هناك أدوار تكاملية إذا أنّ كثيرا من المشروعات وأمور الدّين لا يمكن القيام بها فرديا ، وإتاحة المجال للتخصصات المختلفة أن تعمل بتعاون سيثمر نتائج باهرة .
سادسا : المعاونة في إقامة الأنشطة الخيرية والأعمال الإسلامية
والمشاركة فيها بالنفس والمال ، والجود عليها بالوقت ، والحثّ على الحضور ، وتكثير السّواد فيها ، وحسن استقبال روّادها ، وإتقان وضع برامجها وترتيب جداولها ، وشحذ الهمم لتنفيذ مهامّها ، والعمل على تحقيق مقاصدها ، ونشر فكرتها ، وتصحيح مسيرتها ، والذبّ عنها ، وحراسة أهلها ، ومقاومة محاولات هدمها وإعاقتها .
سابعا : التعاون في القيام بحقوق المسلمين :
روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ( مسند الإمام أحمد 15147 )
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ ( رواه مسلم 3258 ) .
ففِي هَذَا الْحَدِيث : الْحَثّ عَلَى الصَّدَقَة وَالْجُود وَالْمُوَاسَاة وَالإِحْسَان إِلَى الرُّفْقَة وَالأَصْحَاب , وَالاعْتِنَاء بِمَصَالِح الأَصْحَاب , وَأَمْر كَبِير الْقَوْم أَصْحَابه بِمُوَاسَاتِ الْمُحْتَاج , وَأَنَّهُ يُكْتَفَى فِي حَاجَة الْمُحْتَاج بِتَعَرُّضِهِ لِلْعَطَاءِ , وَتَعْرِيضه مِنْ غَيْر سُؤَال , وَهَذَا مَعْنَى قَوْله ( فَجَعَلَ يَصْرِف بَصَره ) أَيْ : مُتَعَرِّضًا لِشَيْءٍ يَدْفَع بِهِ حَاجَته . وَفِيهِ : مُوَاسَاة اِبْن السَّبِيل , وَالصَّدَقَة عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا , وَإِنْ كَانَ لَهُ رَاحِلَة , وَعَلَيْهِ ثِيَاب , أَوْ كَانَ مُوسِرًا فِي وَطَنه , وَلِهَذَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاة فِي هَذِهِ الْحَال . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وباب التعاون في القيام بحقوق المسلمين واسع ، ويدخل ضمنه مجالات متعدده ، منها :
إعانة الملهوف
عن يزيد بن الأسود قال لقد أدركت أقواما من سلف هذه الأمة قد كان الرجل إذا وقع في هوي أو دجلة نادى يا لعباد الله فيتواثبون إليه فيستخرجونه ودابته مما هو فيه ولقد وقع رجل ذات يوم في دجلة فنادى يا لعباد الله فتواثب الناس إليه فما أدركت إلا مقاصّه في الطين فلأن أكون أدركت من متاعه شيئا فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها . ( شعب الإيمان 6/ 107 )
فانظر اخي المسلم كيف كان السلف الصالح يتفانون في إغاثة الملهوف وإعانته على نازلته وضرورته .
إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الاعتداءات
عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل - وفي رواية أي العمل أفضل - قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قال قلت أي الرقاب أفضل قال أنفَسها عند أهلها وأكثرها ثمنا - وفي رواية وأغلاها ثمنا - قال قلت أرأيت إن لم أفعل قال تعين صانعا أو تصنع لأخرق .. الحديث رواه مسلم 84 وهو في صحيح البخاري بلفظ تعين ضايعا .
وعند قوله أن تعين صانعا ( ضايعا ) أو تصنع لأخرق نتذكّر القصة العظيمة التي قصّها علينا ربنا تبارك وتعالى في سورة الكهف :(/6)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا(83)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا(84)فَأَتْبَعَ سَبَبًا(85) ..
آتيناه من كل شيء سببا أي من أسباب التمكين من الجنود وآلات الحرب وأعطيناه الأسباب والوسائل ، وهذا يعني أنّ صاحب الإمكانات تكون التبعة التي عليه أكثر من غيره بسبب ما أعطاه الله .
ثم قال عزّ وجلّ
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا(93)قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا(94)قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95)ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(96)فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا(97)قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا(98) سورة الكهف ، ففي هذه الآيات صورة من صور التعاون على الخير ودفع الشر وصدّ حملات المفسدين .
وفي تاريخنا أمثلة عظيمة في هذا المقام ، ففي ترجمة محسن بن محمد بن على فايع الصنعانى أنه : كان حسن الأخلاق واسع المروءة رفيع السيادة والفتوة كريم الطباع مفضالا بَذَل نفسه في معاونة الفقراء والمساكين والوافدين إلى الخلفاء وأتعب خاطره في الطلب لهم وتفقد أحوالهم والسعى في قضاء حوايجهم وعلاج مرضاهم والقيام بمؤونتهم وجعلت بنظره صدقات وصلات فبالغ في التحرى عليها وإنفاقها في وجوه الخير وعمّر المساجد العجيبة وزاد في بعضها زيادة محتاج إليها واعتنى بدَرَسة القرآن وأهل المنازل وجعل لهم راتبا معلوما خصوصا في شهر رمضان .. وله الزيادة الواسعة النافعة في مسجد الفليحى بصنعاء وكان يضيق بالمصلين فأنفق عليه جل ماله وبنى لله مسجدا في ساحة سمرة معمر بصنعاء عمره في آخر أيامه ووقف له .. وكان كثير العوارض والأمراض متلقيا لها بالقبول . ( البدر الطالع 2 /192 )
وكان بعض النبلاء المسلمين يعطي فقراء الفلاحين البذور ، والتقاوي إعانه لهم على زرع محاصيل يستفيدون منها . ومن صور التعاون العامة ؛ ما جاء في آداب الطريق وقد جمعها الحافظ ابن حجر رحمه الله في قوله :
جَمَعْت آدَاب مَنْ رَامَ الْجُلُوس عَلَى ....... الطَّرِيق مِنْ قَوْل خَيْر الْخَلْق إِنْسَانَا
اُفْشِ السَّلام وَأَحْسِنْ فِي الْكَلام ........... وَشَمِّتْ عَاطِسًا وَسَلامًا رُدَّ إِحْسَانَا
فِي الْحَمْل عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ ........... وَأَغِثْ لَهْفَان اِهْدِ سَبِيلا وَاهْدِ حَيْرَانَا
بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكُر وَكُفَّ .......... أَذَى وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْر مَوْلانَا
التعاون في مواجهة شدائد العَيْش
من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل بعض الناس أغنياء ، والبعض الآخر فقراء ، ؛ ليساعد بعضهم بعضا ، خاصة في أمور معاشهم ، ومعاونتهم على شظف الدنيا ، ومواساتهم فيها ، ويشهد لذلك ما رواه البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى أنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ( صحيح البخاري 2306 )
قَوْلُهُ : ( إِذَا أَرْمَلُوا ) أَيْ فَنِيَ زَادهمْ , وَأَصْله مِنْ الرَّمْلِ كَأَنَّهُمْ لَصِقُوا بِالرَّمْلِ مِنْ الْقِلَّةِ ، وفي الحديث : فَضِيلَة الْإِيثَارِ وَالْمُوَاسَاةِ , وَاسْتِحْبَاب خَلْطَ الزَّاد فِي السَّفَرِ وَفِي الإِقَامَةِ أَيْضًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
تعاون أصحاب المسئوليات فيما بينهم
لعل من أهم صور التعاون ؛ تعاون كل من تجمعهم مهمة واحدة لإنجاز هذه المهمة على الوجه الذي يرضي الله تعالى ، وهذا هو مفهوم توجيه النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ حيث قَالَ يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا ( رواه البخاري 2811 )(/7)
وتلك الوصية النبوية جاءت لتؤصِّل عند جميع المسلمين دور التعاون في إنجاح جميع الأعمال والمهامّ حتى العظيم منها ، ولهذا كان من أوائل ما اهتم به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة عقد أسباب التعاون ، وكان ذلك بأن آخى بين المهاجرين والأنصار ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء ( سير أعلام النبلاء 1/ 143 ) ؛ وذلك لأن المعاونة تورث المحبة والترابط .
وقد قيل لسعيد بن عامر بن حذيم : إن أهل الشام يحبونك ؟ قال : لأني أعاونهم وأواسيهم .
هذا وصور التعاون على البرّ والتقوى كثيرة جدا لا يُمكن حصرها ومجال الاستدلال بتلك الآية الجامعة الفاذّة واسع جدا وهذا الذهبي رحمه الله لم يستدل من القرآن على مشروعية التعزية إلا بها فقال : رحمه الله : " واعلم رحمك الله أن التعزية هي التصبير وذكْر ما يسلّي صاحب الميت ويخفف حزنه ويهوِّن مصيبته وهي مستحبة لأنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أيضا داخلة في قول الله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى ، وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية واعلم أن التعزية - وهي الأمر بالصبر - مستحب قبل الدفن وبعده قال أصحاب الشافعي من حين يموت الميت . ( الكبائر 1/188 ) .
وللتعاون أصول وضوابط حتى ذكر بعض المصنفين علما يسمى " بالسياسة المدنية " بعد ذكره علم تدبير المنزل فقال في أبجد العلوم :
أ - علم التدبير المنزلي والحكمة المنزلية : وهي العلم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالوالد والولد والمالك والمملوك ونحو ذلك ، وفائدة هذا العلم ان تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين زوج وزوجة ومالك ومملوك ووالد ومولود .
ب - علم السياسة المدنية : وهو علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة وفائدته أن تعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الابدان ومصالح بقاء نوع الإنسان . ( أبجد العلوم 2 /246 )
وهذا من أهم مقاصد المدنية ؛ ألا وهو التعاون على أمور المعيشة ، ومصالح الأبدان والنفوس ، فكيف إذن إذا كان التعاون من أجل مصلحة الدين ؟
التعاون على الشيطان
ورد في بعض الآثار في صفة المؤمن أخو المؤمن يتعاونان على الفتّان : أي الشيطان
والتعاون على الشيطان : أن يتناهيا عن اتباعه والافتتان بخُدَعه ( الفائق 3 /102 )
ولا يجوز لمسلم أن يعاون الشيطان على أخيه المسلم .. كما دلّ عليه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ لا تَقُولُوا هَكَذَا لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ . رواه البخاري 6777
قال ابن حجر رحمه الله :
وَوَجْهُ عَوْنِهِمْ الشَّيْطَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَان يُرِيدُ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَحْصُل لَهُ الْخِزْيُ فَإِذَا دَعَوْا عَلَيْهِ بِالْخِزْيِ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ حَصَّلُوا مَقْصُودَ الشَّيْطَانِ . وَوَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق اِبْن وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْن شُرَيْح وَيَحْيَى بْن أَيُّوب وَابْن لَهِيعَةَ ثَلَاثَتهمْ عَنْ يَزِيد بْن الْهَاد نَحْوه وَزَادَ فِي آخِره " وَلَكِنْ قُولُوا اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ " زَادَ فِيهِ أَيْضًا بَعْد الضَّرْب " ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ بَكِّتُوهُ " وَهُوَ أَمْرٌ بِالتَّبْكِيتِ وَهُوَ مُوَاجَهَتُهُ بِقَبِيحِ فِعْلِهِ , وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْخَبَر بِقَوْلِهِ " فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ لَهُ مَا اِتَّقَيْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , مَا خَشِيت اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , مَا اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ " وَفِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَزْهَر عِنْد الشَّافِعِيّ بَعْد ذِكْر الضَّرْب " ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلام : بَكِّتُوهُ فَبَكَّتُوهُ , ثُمَّ أَرْسَلَهُ " وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الدُّعَاءِ عَلَى الْعَاصِي بِالإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّه كَاللَّعْنِ . انتهى
الضرب الثاني من ضروب التعاون : التعاون على الإثم والعدوان
وقد جاء النهي الصريح في كتاب الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان ، قال تعالى : " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ، وكما تتعدد صور التعاون على البر والتقوى فكذلك تتعدد ضروب التعاون على الإثم ، وحيث أن المقصود الأساس في هذه الرسالة الحثّ على التعاون على الخير فأكتفي بهذه الصور للعكس ومن ذلك :
- التعاون على إقامة الشرك والكفر(/8)
وهذا له ضروب كثيرة ومن أمثلته المعاونة في بناء المساجد والأضرحة والقباب على القبور وجعل السّدنة الذين يأخذون النذور والقرابين وجمع التبرعات لصيانتها وترميمها ، ومن هذا الباب أيضا المعاونة على بناء كنائس النصارى
ومن القصص الجيدة في إنكار ذلك أبيات أرسلت لا بن شهاب لما عاون عرب طور سيناء على بناء البيعة بعكبرا ، يقول الشاعر المسلم يحثّ على رفض ذلك ومعاقبة من فعله :
أردتكم حصنا حصينا لتدفعوا نبال العدى عني فكنتم نصالَها
فيا ليت إذا لم تحفظوا لي مودتي وقفتم ، فكنتم لا عليها ولا لها
فيا سيف دين الله لا تنبُ عن هدى ودولة آل هاشم وكمالها
أعيذك بالرحمن أن تنصر الهوى فتلك لعمري عثرة لن تُقالَها
أفي حكم حق الشكر إنشاء بيعة النـ صارى لتتلو كفرها وضلالها
يَشيد موذينا الدمشقيُّ بيعة بأرضك تبنيها له لينالها
وينفق فيها مال حران والرُّها وتفتيحها قسرا وتُسبى رجالُها
وترغم أنف المسلمين بأسرهم وتلزمهم شنآنَها ووبالَها
أبى ذاك ما تتلوه في كل سورة فتعرف منها حرامها وحلالها
ويركب في أسواقنا متبخترا بأعلاج روم قد أطالت سبالها
فخذ ماله واقتله واستصف حاله بذا أمر الله الكريم وقالها
ولا تسمعن قول الشهود فإنهم طغاة بغاة يكذبون مقالها
ويوفون دنياهم بإتلاف دينهم ليرضوك حتى يحفظوا منك مالها
بل من شروط أهل الذمة التي ذكرها العلماء : " أن لا يحدثوا كنيسة وأن يعاونوا المسلمين ويرشدوهم ويصلحوا الجسور فإن تركوا شيئا من ذلك فلا ذمة لهم . " معجم البلدان ج: 1 ص: 57
ولذلك كان من البلية والفساد العظيم فتح مجالات التعاون مع النصارى وغيرهم من أعداء الإسلام ؛ لما يترتب على ذلك من هدم القيم الإسلامية والمثل العليا للأمة ... يقول السلطان عبد الحميد :
" إن طراز التفكير عند الأوربيين وعند النصارى طراز غريب ملىء بالتناقضات فلا يستطيع الإنسان أن يحدد رأيه فيهم فيوما تراهم عريقين صادقين ويوما سفلة ظالمين ، .. إنهم أناس لا يؤمنون بمبدأ ولا يدينون بدين يستصغرون رب العالمين تعالى الله عما يقولون ، لقد جاءنا أناس منهم بصفة أساتذة أفاضل فأصابتنا الدهشة عندما عرفناهم وعرفنا دناءتهم ، إن مفاهيم الحياة عندهم تغاير مفاهيمنا والبون بيننا شاسع والهوة سحيقة كيف يمكننا أن نفكر في التعاون معهم في مثل هذه الظروف " ( مذكراتي السياسية 1/196 )
- الاستعانة بالشياطين على السحر والاعتداء وإيذاء المسلمين وكذلك الاستعانة بهم على سائر الحرام ، قال ابن القيم رحمه الله في كلامه عن العشق : فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر أو استخدام أو نحو ذلك ضم الى الشرك والظلم كفر السحر ، فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا بالكفر غير كاره لحصول مقصوده ؛ وهذا ليس ببعيد من الكفر والمقصود أن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان . انتهى ( الجواب الكافي 1/154 )
- التعاون على إحياء البدع وإقامتها
ومن ذلك المشاركة في مجالس الذكر المبتدعة والإنفاق عليها والدعوة إليها والتشجيع على غشيانها وفتح مجالات البدع المختلفة ولا يفعل هذا إلا أعداء السنة والجهلة بها وما أُحييت بدعة إلا وأميتت سنة .
- أن يعاون الظلمة بأخذ المكوس ويكون في زمرة العمال الظلمة المترصدين في الطرق وغيرها . ( أنظر أبجد العلوم 2/58 )
- أن يدل رجلا على مطلوب ليقتل ظلما أو يحضر له سكينا وهذا يحرم لقوله : " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ( شعب الإيمان 1/ 268 )
- المعاونة في الأغاني نظما وتلحينا وتنظيما لحفلاتها وتسجيلها ونشرها ، قال في شعب الإيمان 4/281 ويحرم كذلك تجهيز الشِّعْر للمغنين .
- المعاونة على المنكر عموما
وشرّ المراتب في المنكر بعد ارتكابه المعاونة عليه ثم الرضا ثم المداهنة ثم السكوت عن الإنكار .
وعلى المسلم أن يصبر على أذى من يخالفهم لأجل منكرهم
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وذلك ان كثيرا من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه ويبغضون من لا يوافقهم ، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة من موالاة كل قوم لموافقيهم ومعاداتهم لمخالفيهم وكذلك في أمور الدنيا والشهوات كثيرا ما يختار أهلها ويؤثرون من يشاركهم في أمورهم وشهواتهم إما للمعاونة على ذلك كما في المتغلبين من أهل الرياسات وقطّاع الطريق ونحو ذلك واما لتلذذهم بالموافقة كما في المجتمعين على شرب الخمر مثلا فإنهم يحبون أن يشرب كل من حضر عندهم وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير إما حسدا له على ذلك وإما لئلا يعلو عليهم بذلك ويُحمد دونهم وإما لئلا يكون له عليهم حجة وإما لخوفهم من معاقبته لهم بنفسه أو بمن يرفع ذلك اليهم ولئلا يكونوا تحت منّته وخطره ونحو ذلك من الأسباب .. . انتهى ( الاستقامة 2/256 )
وفي رفض التعاون على الإثم والعدوان يقول ابن القيم رحمه الله :
" الإنسان مدني بالطبع لابد له أن يعيش مع الناس ، والناس لهم إرادات وتصورات واعتقادات(/9)
فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب من وجه آخر ؛ فلابد له من الناس ومخالطتهم ولا ينفك عن موافقتهم أو مخالفتهم وفي الموافقة ألم وعذاب إذا كانت على باطل وفي المخالفة ألم وعذاب إذا لم يوافق أهواءهم واعتقاداتهم وإراداتهم ولا ريب أن ألم المخالفة لهم في باطلهم أسهل وأيسر من الألم المترتّب على موافقتهم ، واعتبر هذا بمن يطلبون منه الموافقة على ظلم أو فاحشة أو شهادة زور أو المعاونة على محرم فإن لم يوافقهم آذوه وظلموه وعادوه ولكن له العاقبة والنصرة عليهم إن صبر واتقى ، وإن وافقهم فرارا من ألم المخالفة أعقبه ذلك من الألم أعظم مما فرَّ منه والغالب أنهم يسلطون عليه فيناله من الألم منهم أضعاف ما ناله من اللذة أولا بموافقتهم فمعرفة هذا ومراعاته من أنفع ما للعبد ، فألم يسير يُعقِب لذة عظيمة دائمة أولى بالاحتمال من لذة يسيرة تُعقِب ألما عظيما دائما والتوفيق بيد الله . انتهى ( إغاثة اللهفان 2/193 ) .
نسأل الله أن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى المحاربين للإثم والعدوان وأن يرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه
محمد صالح المنجد
الخبر ص . ب 2999(/10)
كوني مبادرة ... قوة التحكم في الذات
مفكرة الإسلام: أخيتي الغالية، كم طال شوقي للحديث معكِ في هذه السلسلة التي من خلالها نتعلم سويًا كيف تكون الشخصية إيجابية؟ كيف تكون المؤمنة الفعالة التي ترضي ربها وتخدم أمتها؟ وتذوق حلاوة النجاح والإنجاز.
فهيا بنا لا نضع الوقت، ونتعلم سلوكا إيجابيا جديدا فنريد منك أخيتي، آذانا صاغية... وهمة عالية، وأيدي مشمرة للعمل، واستعدادا قويا للتغيير نحو الأفضل بإذن الله تعالى.
إن حجر الزاوية في بناء الشخصية الإيجابية : أنها هي التي تردك جيدا حقيقة هامة للغاية وهي:
إننا يمكننا السيطرة على شيء واحد فقط [دائرة التحكم]:
الحقيقة... أخيتي، هي أننا لا نستطيع التحكم في كل شيء يحدث لنا، لا نستطيع التحكم في لون بشرتنا، أو في مكان مولدنا، أو في اختيار والدينا، أو في اختيار المناهج الدراسية، أو في كيفية معاملة الآخرين لنا، ولكن هناك شيء واحد يمكننا التحكم فيه، وهو كيفية استجابتنا لما يحدث لنا، وهذا هو المهم، وهذا هو السبب الذي من أجله يجب علينا أن نكف عن القلق بشأن الأمور التي لا يمكننا التحكم فيها، ونبدأ في الانشغال بتلك التي نستطيع أن نغيرها ونتحكم فيها.
تخيلي دائرتين، الداخلية منهما هي دائرة التحكم، وهي تشتمل على الأشياء التي يمكنك السيطرة عليها؛ مثل أنفسنا ومواقفنا، وخياراتنا، واستجاباتنا لأي شيء يحدث لنا، وتحيط بدائرة التحكم دائرة أكبر منها هي دائرة عدم التحكم، وهذه تشتمل على ألوف الأشياء، والتي لا نستطيع عمل أي شيء حيالها.
و الله عز وجل يحاسب الإنسان على سلوكه وأخلاقه هو وليس سلوك الآخرين وأخلاقهم،كما قال تعالى[[وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ]] [فاطر : 18]
فإن آذاه أحد فهو محاسب على رد فعله وسلوكه، هل سيقابل الإساءة بالإساءة، أم سيكون أفضل من ذلك؟ أما الشخص المتسبب في الأذى فحسابه عند الله، وهو سبحانه لا يضيع حقوق العباد أبدا.
انظري إلى قوله تعالى: [[ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ]] [الفرقان : 63].
ويقول أيضًا سبحانه: [[ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ]] [آل عمران : 134].
وتذكري أخيتي، كم حث الله عز وجل في كتابه الكريم على العفو والتصافح والإحسان، وانظري إلى النبي صلى الله عليه وسلم كم آذاه الكفار في بداية الدعوة في مكة، وطردوه منها، وحاربوه، وأشهروا في وجهه السلاح، وبعد كل هذا فانظري إلى خلق النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكه، انظري كيف يدير دائرة التحكم بأفضل سلوك واستجابة، فعندما فتح صلى الله عليه وسلم مكة ترى كيف كان رد فعله بعد كل ذلك الأذي وتلك الإساءة، انظري إلى المفاجأة التي أذهلت هؤلاء الكفار وهو يقول لهم: [[اذهبوا فأنتم الطلقاء]] *، بالطبع هو لا يملك السيطرة على قلوبهم، ولكن بهذا السلوك العظيم؛ يدخل منهم الكثير في الإسلام.
وإذا كنا نحن لا نملك السيطرة على الآخرين، ولكن لا تنسين أن استجابتك يمكنها أن تغير من الآخرين.
أما إذا أصبح اعتناؤك هو سلوك الآخرين تجاهك، ورد فعلك إزاء تصرفاتهم؛ فصدقيني أيتها الغالية، وقتها أنت تنفقين وقتا وجهدا في العمل على أشياء لا تستطيعين السيطرة عليها، وسوف تشعرين بمزيد من عدم التحكم في حياتك، كما لو أنك مجرد ضحية.
على سبيل المثال، إذا كان أخوكِ يزعجكِ وأنت دائمًا تشكين من نقاط ضعفه [وهو شيء لا سيطرة لك عليه]، فإن ذلك لن يكون ذا فائدة على الإطلاق في إصلاح المشكلة، فقط سوف يتسبب في أن تلقي بمشكلاتك عليه، و تفقدين قوتكِ أنت أيضًا.
أما أصحاب الشخصية الإيجابية فإنهم يركزون في مثل تلك المواقف على الأشياء التي يمكنهم السيطرة عليها، وعن طريق عمل ذلك فإنهم يحققون السلام الداخلي، ويكسبون مزيدًا من السيطرة على حياتهم، إنهم يتعلمون الابتسام والتعايش مع الأمور العديدة التي لا يمكنهم عمل أي شيء حيالها، قد لا تروق لهم هذه الأمور، ولكنهم يعرفون أنه لا فائدة من القلق والانزعاج بشأنها.(/1)
فالعاقل هو الذي ينشغل بما يستطيع أن يحققه ، ويصرف طاقته وهمته في الوصول إلى أعلى المراتب التي يمكنه أن يصل إليها، كما يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله : [ فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، فلو كانت النبوة تأتي بكسب لم يجز له أن يقنع بالولاية، ولو كانت تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض، غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلب الممكن، أو تصور مثلًا أن يكون خليفة لم يحسن به أن يقتنع بإمارة، ولو صح له أن يكون ملكًا لم يرضى أن يكون بشرًا، والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن لها في العلم والعمل ] **.
هكذا أخيتي يجب أن تكوني، لكن ترى كيف تكونين هكذا؟
هل باهتمامك بسلوك من حولك تجاهك؟
هل بحشد طاقتك للرد على سلوك الآخرين؟
أم باهتمامك بذاتكِ وبسلوككِ وبانفعالاتكِ واستجاباتكِ؛ لأن هذا هو ما يمكنك السيطرة عليه؟
ولا تنسي –أخيتي- أنك إذا صرفت اهتمامكِ إلى ما ليس لكِ عليه سلطان أو سيطرة؛ سوف تفقدي السيطرة على ما يمكنك التحكم فيه والسيطرة عليه.
أخيتي، هذه البداية ولا بد منها، لا بد أن تضبطي السيطرة على نفسك واستجاباتك، ولا تتركيها عرضة لاستجابات الآخرين.
حتى يمكننا أن نكمل المسير إلى النجاح، فسيري معنا في هذه الرحلة الشيقة، وتابعينا في المقالات القادمة بإذن الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
العادات السبع للمراهقين الأكثر فاعلية [شين كوفي]
صيد الخاطر [ابن الجوزي]
* فقه السيرة، الغزالي، ص[382].
**صيد الخاطر، ابن الجوزي، [1/51].(/2)
كيف أختار شريك حياتي؟!
مفكرة الإسلام: إن اختيار شريك الحياة هو أولى الخطوات الصحيحة لحياة زوجية سعيدة، ولكي يختار المرء شريك حياته فلا بد أن يتوفر فيه أولاً شرط الدين، وقد حرص الإسلام على دوام واستمرار الزواج بالاعتماد على حسن الاختيار، وقوة الأساس الذي يحقق الصفاء والوئام والسعادة والاطمئنان، وذلك بالدين والخلق، فالدين يقوى مع مضي العمر، والخلق يستقيم بمرور الزمن وتجارب الحياة، أما الغايات الأخرى التي يتأثر بها الناس عادة من مال وجمال وحسب وقنية الأثر لا تحقق دوام الارتباط. لذا قال صلى الله عليه وسلم: 'تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك' [متفق عليه] عن أبي هريرة. والحسب: هو الفعل الجميل للرجل وآبائه [سبل السلام: 3/111].
وحسن اختيار المرأة ذو هدفين: إسعاد الرجل، وتنشئة الأولاد نشأة صالحة تتميز بالاستقامة وحسن الخلق.
وبعد شرط الدين والخلق الحسن لابد أن يسأل الإنسان نفسه سؤالاً مهمًا جدًا، وهو: لماذا أتزوج؟
والإجابة على هذا السؤال ستحدد أولويات الاختيار التي تختلف من شخص إلى آخر, وذلك طبعًا بعد تحقق شرط الدين والخلق الحسن والاستقامة، مع العلم أنه لا يوجد الرجل الكامل ولا المرأة الكاملة، ولكن تحديد الأهداف ووضوح الأولويات يحدد للمرء ما هي الصفات التي لا يمكن أن يتنازل عنها, والأخرى التي لا يقبل أقل من الحد الأدنى فيها، وغيرها مما يمكن التنازل عنه.
ولا ينسى الإنسان أنه لن يعيش حياته بمفرده، فهناك أهل لهم رغبات ولهم طباع وأعراف, فكل ذلك سيكون له أثر في المستقبل في شكل العلاقة واستمرارها.
فمثلاً إذا نشأ هو في أسرة تقدّس العلم والدرجات العلمية، ونشأت هي في بيئة تهتم بالكسب المادي وأنه مقدَّم على غيره، فمما لا شك فيه أن هذا التباين سيؤدي إلى نوع من الخلاف، الذي يجب تفهمه إذا استمرت الحياة، أو تجنبه من البداية لاستمرار دوام الحياة.
وهناك بعض الصفات بعد الدين والاستقامة ترفع من قيمة الرجل أو المرأة، وتبحث عمن يريد الزواج وتساعده على ترتيب أولوياته في الاختيار. ومنها:
[1] الجمال:
وهو الصفة التي يبحث عنها كل من الرجل والمرأة عند الآخر, وهذه الصفة الظاهرية لها أثر عجيب في دوام العشرة وبقاء الألفة، والناس يتفقون على خطوط رئيسة في الجمال, إلا أنهم يختلفون أيضًا في الحكم على تفصيلاته وتعريفاته, ولابد أن تعلم أن الجمال نسبي, وأن كل امرأة فيها جمال إذا أحسنت الكشف عنه، ولكن المشكلة التي ظهرت أخيرًا لدى بعض المسلمين نظرًا لمشاهدة البث الفضائي والقنوات الغربية، هي اختلاف معايير الجمال، فأصبح كثير من الناس يبحث عن نوع من الجمال غير موجود أو قليل، نظرًا لاختلاف البيئة وطبيعة المنشأ، ويضيع عمر الشاب في البحث عن تلك الجميلة فلا يجدها، وإن وجدها أهمل أو أسقط باقي الصفات، فالتوسط في هذا الأمر مطلوب.
ولقد شدّد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الناحية - أعني اشتراط الجمال أو على الأقل اشتراط القبول لشكل المرأة ووجهها - فقد جاء في الحديث الصحيح أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه خطب امرأة من الأنصار, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: 'هل نظرت إليها؟!' قال: لا. قال: 'اذهب فانظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما'.
ومعلوم أن النظر هنا بحث عن الجمال والشكل.
ومع ذلك يجب علينا أن نضع قضية الجمال في مكانها من حيث مجموع الصفات المثالية التي يُبحث عن توفرها في الزوج الصالح والزوجة الصالحة، والجمال مراد ومطلوب ومحبوب ومرغوب فيه دينًا وطبعًا, ولكنه ظاهر وشكل، ويجب ألا يغلب الظاهر والشكل على الجوهر الأساسي من الأصل والدين. بل يجب أن نضع الجمال في المستوى والحد اللائق به والمتناسب مع الصفات العامة التي يجب علينا مراعاتها في اختيار شريك الحياة.
[2] الأصل:
وهو أن تكون من بيت معروف بالدين والقناعة؛ لأنه مظنة دينها وقناعتها.
وإن كان ليس شرطًا أن كل من خرج من بيت طيب يجب أن يكون كذلك، ولكن هذه صفة غالبة ومظنة خير، والأصل الطيب يمنع من الرذائل والمنكرات العظيمة، ومناخ جيد لنمو الأخلاق الحسنة والصفات الجميلة، وتربة خصبة لنمو ونشأة الأطفال, ووسط مساعد في ذلك، وكذلك الأصل والمعدن الكريم يكونون مع المرء في الشدائد والمحن والأزمات.
[3] الحسب:
وكونها حسيبة: وهي النسبية، أي طيبة الأصل، ليكون ولدها نجيبًا؛ فإنه ربما أشبه أهلها ونزع إليها.
والإسلام - وإن جاء داعيًا الناس إلى أن أصلهم واحد وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى - إلا أنه أخبر أيضًا بالأمر بالتنافس في الفضائل والبعد عن الرذائل, والتقوى - التي جاء الإسلام ليحصلها - لا تحصل إلا إذا رافق الدين طبعًا نقيًا، ونفسًا صافية وخلقًا مساندًا، وعلى كل حال ينبغي أن نضع الأحساب في موضعها الصحيح، فالحسب والشرف بالمعنى الصحيح ينبغي أن يكون هو المعدن الطيب والخلق الكريم, وقبل ذلك كله الدين.(/1)
والمرأة الحسيبة إذا لم يكن لها من الدين والخلق ما يعصمها عن التعالي على زوجها فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى النشوز أو انهيار دور الرجل في بيته, وكلاهما مدمر للحياة الزوجية.
والرجل الحسيب لا شك أنه أحظى لدى المرأة وأحب إليها من رجل عاطل عن ذلك، ولكن هذا الحسب إذا لم يزينه الخلق الكريم والدين الصحيح فإنه ينقلب إلى إذلال للمرأة وتعالٍ عليها, وكل ذلك مرفوض.
[4] المال:
من الصفات التي لا غنى عنها مطلقًا، ولا اختلاف عليها بين الناس هو اشتراط الغنى في المتقدم للزواج، وأقل الغنى هو الكفاف والقيام بواجباته الزوجية, وقد فسر العلماء حديث الرسول: 'يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج...' الحديث, أن المقصود بالباءة نفقات الزواج, وإمكان إعاشة الرجل للمرأة، والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمراره قدرة الرجل على الإنفاق.
وإن كانت قدرة الرجل ووجود المال معه صفة جيدة يبحث عنها، ولكنها تكون وبالاً إذا كانت مقدّمة على الدين والخلق، فالمال من دون الدين والخلق يطغي صاحبه ويجعله متعاليًا لا يعبأ بقيمة ولا يبعد عن رذيلة، ولكن نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح.
[5] الحب:
فلا بأس بتاتًا أن يميل قلب رجل إلى امرأة يسمع عن صفاتها وأخلاقها وشمائلها وكذلك إذا أحبت المرأة رجلاً سمعت وعلمت من صفاته وشمائله ما يدعوها إلى الزواج منه.
ولكن لا يجوز أبدًا إذا أردنا زواجًا سليمًا صحيحًا، أن تكون هناك ثمة علاقة بين رجل وامرأة يريدان الزواج، أكثر من معرفة الصفات الحقيقية التي سيبنى عليها الزواج، والعلاقة الآثمة التي تسبق الزواج ستكون حتمًا هي العامل الأول في هدم السعادة الزوجية.
والناظر في الأحاديث النبوية التي تحدد معالم شريك الحياة ويضم بعضها إلى بعض يستطيع أن يفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن ينبه وينوّه ويؤكد جعل الدين هو الإطار الذي يسير فيه الاختيار، ولكن دون إغفال لمعايير التكافؤ الأخرى، لذا فإن باقي أحاديث ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم تأتي لتؤكد هذه الصورة المتكاملة والشاملة؛ حيث يدعو الشاب إلى أن ينظر إلى من سيخطبها؛ لأن ذلك سيؤدم بينهما, [أي سيكون سببًا لدوام الزواج بينهما]، ويعطي للفتاة التي رفضت اختيار والدها لاختلاف المستوى الاجتماعي الحق في رفض الزيجة, وهكذا نفهم أن الدين هو الإطار الذي لا يجعلنا نغفل باقي الأسباب لإنجاح الاختيار والزواج.
وفي الختام نلخص كيفية الاختيار الصحيحة، بوجود إطار من الدين والخلق ومعايير التكافؤ المعتبرة, مع مراعاة الأوضاع الاجتماعية للأسرتين، مع حد من التوافق النفسي والاجتماعي بين الأسرتين(/2)
كيف أخدم الإسلام ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إخواني وأخواتي في الله حببت أن أنقل لكم هذا الكلام لعل الله ان يوفقنا وياخذ بيدينا .
كيف أخدم الإسلام ؟
كيف أخدم الإسلام ؟! كلمة رنانة لها في القلب وقع في النفس أثر ..
خدمة هذا الدين أمنية عزيزة وهدف سام نبيل لمن رضي بالله ربا وبلإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
إنه حلم يراود الكبار والصغار والرجال والنساء,لكن الجنة سلعة الله الغاليه لاتنال بلأماني والأحلام!
وقد وفق الله من شاء من عباده للقيام بأمر هذا الدين ونصرة أهله والدفاع عنه والدعوة له, وحرم آخرون من هذا الخير بسبب أنفسهم وضعفها وجبنها
وخورها وشحها وبخلها وتلبيس إبليس عليها.
خدمة الإسلام: شرف مابعده شرف , وعز مابعده عز, خدمة هذا الدين : رفعة وعزة , وعلو منزلة , تسير في طريق آمن سار عليه محمد صلى الله عليه
وسلم ونقتفي أثره!
خدمة الإسلام : ليست قصرا على العلماء والفقهاء والمحدثين , وليست قصرا على الاغنياء والموسرين.
إنها باب مفتوح لكل مسلم ومسلمة , والناس مابين مقل ومستكثر, الكل يريد خدمة هذا الدين ويبحث عن عمل يقربه إلى الله زلفى , ولكن الكسل والفتور وعدم
المبالاة تصد الإنسان عن أمر الدعوة ! استشعر الثمرات الحاصله بالدعوه حتى تنهض من كبوتك وتقوم من قعدتك فإن لك أجرا ومثوبة وخيرا عظيماز
من اعظم مايعود عليك إذا قمت ونهضت لهذا الدين الأجر والمثوبة كما قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ثرة خيرا يره..)
ولك التسديد والتوفيق: قال عز وجل : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ....)
وفي القيام به رجاء حفظ الذرية قال تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا )
وفيه امتثال أمر الله عز وجل عز وجل وطاعته: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)
وهو من وسائل تثقيل الموازين يوم العرض على الله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل اجور من تبعه , لاينقص ذلك من أجورهم شيئا)
وفيه الرحمه والشفقة لبني قومنا (وانذر عشيرتنا الأقربين)
وفيه تصلح أعمالنا وتغفر زلاتنا : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ,يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )
وفيه درء العذاب والخوف من العقاب: قالت زينب رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : ( أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)
ورجاء نجاتنا ومن نحب من النار: (يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم نارا..)
وهو من التعاون والتكاتف: (وتعاونوا على البر والتقوى )
وفيه تكثير سواد المسلمين : فقد انتشر الفساد وكثر أتباعه , وبالدعوة يكثر سواد الأخيار ويزيد في الأمة عددهم ويظهر أثرهم.
وفي القيام به تقليل الفساد ودحر للمرجفين: فإن الدعوة إلى الله أمر بالمعروف ونهي عن المنكر , وفي هذا العمل دحر للمفسدين , وشل لطاقاتهم , وإيقاف لفسادهم.
وحين القيام به النظر إلى نصر قادم لهذا الدين يعيد عز الامة وكرامتها ليصلح حال المجتمع (الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور)
قال ابن القيم-رحمه الله - : ( فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم)
وقال رحمه الله عن الدعوة الى الله : ( إنها أشرف مقامات العبد , وأجلها , وافضلها ).
قال مالك بن دينار: (إن صدور المؤمنين تغلي بأعمال البر , وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور ، والله تعالى يرى همومكم , فانظروا ماهمومكم رحمكم الله).
ويجب ان نتأمل في مهمة الانبياء والمرسلين , فهي ليست إعمار الأرض ولا بناء الدور والقصور وإجراء الأنهار وغرس الأشجار ؛ بل إن مهمتهم
الأساسية تبليغ الرسالة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ! فليكن لك من دلك نصيب لتقتفي أثرهم وتسلك منهجهم . ولايكن اليهودي والنصراني والبوذي
أشد حماسا إلى دينه وأنت غافل ساه عن دعوتك!
بل تلمس فجرا يبزغ في وسط ظلام حالك ... إنه ضوء الفجر يبدو باهتا ثم يظهر شيئا فشيئا , حتى يعم النور , ويظهر قرص الشمس , وتنتشر أشعة الحق ونور الإسلام(/1)
كيف أرفَع العقوبة على المخالفين؟
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ...
التاريخ ... 25/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أنا شاب أعمل ضابط ملازم في الشرطة و يحصل من بعض الشرطة الذي أنا مسؤول عنهم مخالفات فكيف السبيل إلى محاكمتهم مع عدم الظلم؟علماً بأن نوع المخالفات غياب,هروب,تجاوز حد الرخصة،الكذب. ولا يوجد لدي محاكمات خاصة و لكن أملك الصلاحية بذلك وهي خصم و سجن وحجز إداري, تأنيب, تنبيه, توبيخ ,وأمر خدمة.كيف أوفق بين المخالفة و العقوبة من غير ظلم بشكل يؤدي إلى الانضباط
و تعديل المعوج؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قبل المحاكمة ينبغي لك مناصحة المخطئ وتوجيهه بالأسلوب اللين والمناسب لقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين"[النحل: 125] مستصحباً دائماً الرفق واللين في معاملاتك مع كل الناس، وعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، متذكراً حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" رواه مسلم(1828) عن عائشة-رضي الله عنها-. وإذا لم ينفع النصح والتوجيه فلك أن تحاكمهم بالعدل والإنصاف بينهم وأن تتأول خطأ المخطئ التأول الحسن . يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- لأحد عماله في الآفاق: "إنك إن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة"، وليس عليك بعد ذلك –إذا لم تر بداً من العقوبة- أن توقع بعد المحاكمة العقوبة المناسبة بادئاً بالأخف ثم التي تليها وهكذا. لأنك إن فعلت ذلك صلح جندك ومن تحت ولايتك واستقامت أمورك وأمورهم إن شاء الله. والله أعلم.(/1)
كيف أصبح داعية ناجحاً
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الداعية الحبيب يا من تتبعت طريق محمد أهدي لك هذه الرسالة المتواضعة ..
سؤال :
فضيلة الشيخ: أثابكم الله كيف أصبح داعية ناجحاً ؟
الجواب :
هناك عوامل مهمة لبناء شخصية الداعية، ومنها:
أولا: إصلاح النفس وتربيتها على الإيمان والتقوى؛ فإن الداعية يدعو بعمله قبل أن يدعو بقوله، وهو عرضة لآفات عدة، فما لم يكن متسلحاً بسلاح التقوى فلن يستطيع أن يقوم بالواجب على الوجه الذي ينبغي.
ثانيا: لابد من تنقية النفس من الصفات المذمومة، كالعجلة والسفه والطيش والجبن والبخل والكسل... وغيرها من الصفات.
ثالثا: أن يتعلم العلوم الشرعية التي يحتاجها، والعلم الشرعي درجات ورتب متفاوتة، وكل يأخذ منه بحسب ما آتاه الله من حرص وقدرة، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
رابعا: أن يتعلم ويتقن المهارات الاجتماعية التي تعينه على بناء علاقة جيدة مع الناس، وتجعله شخصية محبوبة.
خامسا: أن يتعلم المهارات الدعوية، كمهارة الحوار، والإقناع، والتأثير، والاتصال... وغيرها.
سادسا: أن يتعلم ويتقن الوسائل الدعوية التي تعينه على إيصال رسالته الدعوية للناس.
سابعاً: أن يتعلم المهارات الشخصية التي تعينه على تنظيم حياته ووقته بما يخدم دعوته، كإدارة الوقت، وإدارة الاجتماعات... ونحو ذلك.
ومن المصادر التي تعينه على تعلم وإتقان هذه المعارف والمهارات: مصاحبة أهل العلم والدعاة إلى الله عز وجل، والمشاركة في الأعمال الدعوية والتدرب عليها، وزيارة المؤسسات الدعوية، والالتقاء بأصحاب التجارب الدعوية والإفادة من تجاربهم، والقراءة فيما سطره الدعاة إلى الله قديما وحديثا.
ومما ينبغي أن يعلم أن الدعوة مراتب ودرجات، وكل مسلم يستطيع أن يدعو بحسب ما آتاه الله تعالى، فاحرص على بلوغ المراتب العالية، لكن لا يصدك عن الدعوة استصعاب الطريق واستطالته، فابذل جهدك وطاقتك، وفي الوقت نفسك احرص على الارتقاء بمهاراتك وقدراتك.
الشيخ محمد الدويش(/1)
كيف أصبح رجلاً
عبدالملك القاسم
دار القاسم
تأملت في يوم قادم يقف فيه شاب أمامي ويلح في السؤال: كيف أصبح رجلا؟ واحترت في الجواب من الآن! واسترجعت الذاكرة بعد مشاورة، واستهديت بالآية والحديث، واستوعبت السؤال كاملا.. فإذا الإجابة طويلة ومتشعبة، وكل صاحب معرفة يسير بك في واد، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق!
أيها الشاب: ستمر بك الأيام عجلى، وتتوالى عليك الليالي سريعة، فإذا بك تقف ممتلئا صحة ونشاطا تطاول أباك طولا وقد منحك الله بسطة في الجسم.
وإن مرت بك الأيام وسلمت من عاديات الزمن وطوارق الأيام فسوف تمر بمراحل العمر كلها - بإذن الله - قال الله تعالى: ونقر فى الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم وإن قدر الله لك أمرا آخر فأنت ممن قال الله فيهم: ومنكم من يتوفى .
ولا أخالك أيها الشاب وهذه المراحل السريعة تمر أمامك إلا مسارعا للإمساك بها، والتزود من مراحلها. وها هي قدمك بدأت تخطو الخطوات الأولى في مرحلة الشباب والنضج، وهي مرحلة مهمة خصها الرسول بالحديث المشهور: { لا تزول قدم ابن ادم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عموه فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه.. } [رواه الترمذي].
وخص النبي مرحلة الشباب هذه لكثرة الإنتاج والعطاء والبذل والإبداع فيها.
أيها الشاب:
مقاييس الرجولة تختلف حسب نظرة المجتمع والأسرة والشاب نفسه، فرجولة المهازيل إضاعة الوقت وازجاء الزمن دون فائدة، ورجولة المرضى والسفهاء السعي وراء الشهوات المحرمة!
أما رجولة أهل الهمم والمعالي: فهي السعي الحثيث إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ومن متطلبات هذا السعي أن تكتسب من العلم أوفره، وأن تنال من الأدب أكثره، ومن معالي الأمور وجميلها ما يزين رجولتك، ويجعلك محط الآمال ومعقد الأماني، بعيدا عن عثرات الطريق ومزالق المسير.
تصبح رجلا أيها الشاب إذا اكتملت فيك مقومات الرجولة الظاهرية من ارتواء الجسم ونضارته وقوة الشباب وحيويته وظهور الشوارب واللحى! وهذه كلها تشترك فيها أمة مثلك من الشباب.. صالحهم وطالحهم، ومسلمهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم.. وبعض الحيوانات تشترك مع الإنسان في هذه الصفات من عضلات وقوة تحمل!
لكنك رجل مميز وشاب متفرد.. نريدك رجلا مسلما لا رجلا مجردا!! ولكي تكون كذلك فالآفاق أمامك مفتوحة، ودروب الخير سهلة ميسورة، وحصاد العلم قد دان وقرب، وغراس الخلق ينتظر الجاني.. فهيا لتنال نصيبا وافيا من ذلك فتكون رجلا كما نريد، وكما تريد، بل وكما يريد الله عز وجل ذلك، فالأسرة والمجتمع والأمة بحاجة إلى شباب صالحين مصلحين، فهذا الدين يحتاج إلى رجل.. ولكن ليس رجل فحولة فحسب، بل رجل بطولة وصبر، يحمل هم الدعوة ويقوم بها ويصبر على ما يلاقيه، يسعى جادا لنيل العلم والارتقاء في درجاته، عفيف اللسان نزيه الجوارح.. تسارع قدمه إذا سمع الأذان.. ويتردد بين جنباته آيات القرآن. وبعيدا عن التنظير والكلمات الإنشائية أذكرك بأمور إن تمسكت بها وأخذت بأطرافها فزت ورب الكعبة:
أولاً: خلقت لأمر عظيم فاحذر أن يغيب ذلك عن بالك طرفة عين فالله عز وجل يقول في محكم التنزيل: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .
ثانيا: الصلاة.. الصلاة! فإنها عماد الدين والركن الثاني العظيم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فلا تتهاون ولا تتكاسل ولا تتشاغل عن أدائها في وقتها مع جماعة المسلمين، يقول الرسول : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر }، وأراك تغتم وتهتم لفقد أمر من أمور الدنيا من ضياع قلم أو فقد محفظة.. ولا تهتم بأن تفوتك تكبيرة الإحرام أو الصلاة مع الجماعة، ووالله لن يفلح من تركها!!
ثالثاً: ما أضاع ساعات الزمن وأيام العمر.. مثل حياة الفارغين، وأصحاب الهوايات الضائعة والأوقات المسلوبة، ممن همهم إضاعة الساعات والأوقات في لهو وعبث، فاحرص على وقتك فإنه أغلى من المال، وإن كان مالك تستطيع أن تحافظ عليه وتنميه وتستثمره، فإن الوقت قاتل وقاطع والأنفاس لا تعود.
رابعاً: العلم طريق الوصول إلى خشية الله عز وجل فسارع إليه وابدأ بالعلم الشرعي الذي تقيم به أمور دينك، وما نلت من علم دنيوي تحتاجه الأمة فاجعل نيتك فيه خدمة الإسلام والمسلمين حتى تؤجر عليه.
خامساً: حسن الخلق كلمة لطيفة طرية على اللسان، ولكن عند التطبيق تتباين الشخصيات ويفترق الرجال إلى أصول وفروع! ولا يغيب عن بالك أن حسن الخلق من صلب هذا الدين؟ فبر والديك، وارفق بأخيك، وأحسن إلى صديقك، وتعاهد جارك.
سادساً: مع تنوع المعارف والعلوم لابد أن يكون لك سهم من تلك الطروحات حتى تكون قوي الفكر، ثابت المعلومة، على اطلاع واسع لتنمي ثقافتك، ومثلك يحذر الطروحات الفكرية التي يدعيها بعض الموتورين والمرجفين ممن لا يذكرون الله إلا قليلا!(/1)
سابعاً: القدوة علم تسير خلفه وتستظل بآرائه وتستلهم طريقه، فمن قدوتك يا ترى؟ ولا أعرف لابن الإسلام قدوة سوى محمد وصحبه الكرام وسلفه الصالح.
ثامناً: أنت - ولا ريب - تتطلع إلى غد مشرق وسعادة دائمة وظل وارف، فعليك بتقوى الله في السر والعلن فإنها وصية الله للأولين والآخرين وطريق النجاة يوم الدين: من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة .
تاسعاً: لتكن قوي الإرادة، ماضي العزيمة، وألق ما تقع عليه عينك من المحرمات، وابتعد عن الرذائل ومواطن الشبه والريب، ولتكن لك قوة داخلية تسخرها لتزكية نفسك وصفاء سريرتك وذلك بمراقبة الله عز وجل على كل حين ومداومة العمل الصالح.
عاشراً: الدعاء هو العبادة، وكم أنت فقير إلى ربك ومولاك، فبالدعاء يكون انشراح النفس وطمأنينتها وطلب العون من الله عز وجل، فلا تغفل عنه، واحرص على البعد عن موانع الإجابة، وكلما غفلت تذكر كثرة دعاء الأنبياء لأنفسهم وحرصهم على ذلك.
أيها الشاب:
لا تستوحش من إقبال الزمان ودورته، وسيقف ابنك أمامك بعد زمن ليسألك: كيف أصبح رجلا يا أبي؟ وأعتقد - وأنت معي في ذلك - أن نقطة البداية لهذا الجواب هو ما تسير عليه اليوم وترسمه غدا، فالقدوة مثل أعلى لمن هم حولك، فابدأ واستعن بالله، وأراك قد أصبحت رجلا ينطلق في مضمار الحياة لا ترهبه هبوب الرياح ولا تثنيه مسالك الطريق الوعرة.
وفي الختام: قد يطرق قلبك سؤال مفاجىء تصوبه نحو قلمي: كل ما ذكرت كلمات وعظية مكررة نسمعها بين حين وآخر!
وجوابي لصوتك الحبيب: أيها الرجل الشاب! يا من استقبلت الدنيا بوجهك.. إنها كلمات وإن كانت مكررة فأبشر وأمل أن وقعت في نفسك موقعا، فعندها تكون رجلا ولا كل الرجال، بل رجل أثنى الله عز وجل عليه في مواضع عدة من كتابه الكريم. وحسبك هذا الثناء لتكون رجلا.(/2)
كيف أعتني ببشرتي؟!
مفكرة الإسلام: إن الاعتناء البشرة وجمالها أمر طبيعي وضروري لكل أنثى, ولا يخفى على أحد أن هذا يوافق طبيعتها وخلقتها, فمن صفات الأنثى الرقة والدلال والجمال والنعومة.
ومن لا تحرص على هذه الصفات فإنها تنافي أصل الفطرة التي فطرها الله عليها.
انظري إلى موقف الرسول من امرأة أهملت زينة يديها فقال لها صلى الله عليه وسلم:
'ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟!' قالت: بل امرأة، قال: 'لو كنت امرأة لغيرّتِ أظفارك يعني بالحناء' رواه أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها.
ولعل هذا الموقف يؤكد قوله تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف : 18].
رقة الأنثى تعني الثقة:
إن رقة المرأة واهتمامها بأنوثتها لهو تعبير واضح عن ثقتها بنفسها, وتأكيد لجنسها ونوعها, وهي مأمورة بذلك؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: 'لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال'.
وانطلاقاً من هذا التصور الإسلامي لتأكيد نوع المرأة وحرصها على إبراز أنوثتها ورقتها 'طبعًا مع ما يتناسب مع شريعتنا الغراء' أقدّم عبر هذا الأثير وصفات حديثة وسحرية للحفاظ على نعومة البشرة, وفي نهاية المقال أحدث النصائح لوجه جميل مثالي وطبيعي.. فتابعي معي أيتها الرقيقة القارئة.
ما نوع بشرتك؟!
إن العناية بالبشرة الدهنية تختلف عن العناية بالبشرة الجافة, وهنا لابد من السؤال: ما نوع بشرتك؟! وكيف تميزينها عن غيرها؟!
قبل غسل وجهك صباحًا اكتشفي نوع بشرتك. فإن كانت تبدو ناعمة.. طرية.. زيتية في أغلب الأحيان إذن بشرتك دهنية، وإن كانت غير ذلك فهي جافة.
ومن أهم ما يميز البشرة الدهنية عن غيرها أنها لامعة زيتية, ذات مسامات متسعة, تظهر عليها حبوب وبثور صغيرة بين الحين والآخر.
وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: ما العوامل التي لها تأثير مباشر على البشرة؟!
1- من أهم عوامل التأثير على البشرة التعرّض لأشعة الشمس الصيفية؛ حيث تعمل على انعدام التبخّر من البشرة الدهنية وتمدد المسامات وانسدادها بالعرق.
2- ومن العوامل أيضًا المؤثرة على البشرة الحر، والبرد، والخوف، والتوتر، والضغط النفسي, كلها لها تأثيرها على البشرة ونوعيتها.
3- وقد تتغير تركيبة البشرة مع مرور الزمن بحسب العوامل والظروف المحيطة بها.
وسوف نركّز في طرحنا هنا على البشرة الدهنية وكيفية التعامل معها.
طرق العناية بالبشرة الدهنية:
ينصح بتنظيف البشرة يوميًا لإزالة الإفرازات الدهنية المتجمعة على البشرة طيلة النهار بواسطة الصابون الطبي الخاص بالبشرة الدهنية.
وما الغذاء المناسب؟!
لابد من تجنب الشيكولاتة والمقليات قدر المستطاع؛ لأن هذه المأكولات لها أثر كبير على البشرة الدهنية، ويمكن استبدالها بالخضراوات لاحتوائها على الفيتامينات والمعادن التي تعمل على حماية البشرة ووقايتها، ومن أهم الحبوب: الأرز والخبز الكامل.
ومن الخضراوات: الجزر، والسبانخ، والملفوف، والفلفل، والحمضيات بأنواعها.
ويحبذ الابتعاد عن اللحوم التي تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون، وعن تناول الوجبات السريعة والمكسرات بكميات كبيرة، والمشروبات الغازية عامة.
أقنعة خاصة بالبشرة الدهنية:
من الأقنعة الطبيعية التي تغذي البشرة وتعتني بها قناع الطين, ويستخدم مرة كل شهر.
قناع بياض البيض:
ويتكون من بياض بيضة واحدة + عصير ليمونة + ملعقة كبيرة من المياه المعدنية + ملعقة كبيرة من العسل الأسود.
الطريقة: يمزج الخليط جيدًا ويُترك على الوجه مدة لا تزيد عن 30 دقيقة, ثم يُزال بالماء الدافئ.
قناع العسل الأبيض:
ويتكون من ملعقة كبيرة عسل أبيض + ملعقة كبيرة من الزبادي + ملعقة كبيرة من عصير الحامض.
الطريقة: يمزج الخليط ويترك على الوجه لمدة 20 دقيقة, ثم يُزال القناع بالماء الدافئ.
والآن إليكِ عزيزتي القارئة أحدث النصائح لوجه جميل مثالي وطبيعي:
وسوف نطرح ذلك من خلال عدة أسئلة تكون الإجابة عليها هي النصائح التي تتبعينها:
أولاً: كيف يمكنك الحصول على تغطية مثالية للعيوب؟!
1- نظفي بشرتك.. استعملي التونر.. استعملي المرطب الملائم لبشرتك، ثم ضعي الكونسيلر على شكل نقاط متباعدة تحت منطقة العين, ووزعيه بدقة في الأماكن التي تحتاجين إليها.
2- ضعي كريم الأساس.. وتذكري أن مظهرك الطبيعي يعكسه اختيار لون مناسب من كريم الأساس أقرب للون بشرتك, ما إذا كان مائلاً للوردي أو للون الذهبي.
3- ضعي بودرة الأساس المضغوطة وذلك لتقليل لمعة الوجه ولزيادة ثبات كريم الأساس.
4- وأخيرًا ضعي مورّد الخدود على عظمة الخد ليمنحك مظهرًا نضرًا.
ثانيًا: كيف يمكنك الحصول على مكياج مثالي للعينين؟!
1- ضعي أخف لون من ألوان مظلل العيون ووزعيه على منطقة العين كلها.
2- بالنهاية المدببة للفرشاة وزعي أغمق لون من الخارج إلى الداخل لملء التجويف بالكامل ووزعيه.
3- أبدعي مظهرًا جذابًا بوضع كحل العين داخل العين.(/1)
4- اختاري الماسكارا التي تناسب رموشك, وضعي طبقة واحدة ثم اتركيها تجفّ.
وبعد أن تجفّ ضعي طبقة أخرى لضمان ثباتها أطول وقت ممكن مع إعطاء طول خرافي ساحر.
ثالثاً : كيف يمكنك رسم شفتيك بمثالية؟!
1- حددي شفتيك بلون المحدِّد الذي يناسب أحمر الشفاه المنتقى.
وللحصول على شفاه ممتلئة ارسمي شفتيك إلى الخارج من الحدود الطبيعية لها.
وللحصول على شفاه رفيعة ارسمي شفتيك من الداخل للحدود الطبيعية لها.
2- اختاري اللون المفضل واملئي به شفتيك.
3- لضمان ثبات اللون أطول وقت ممكن, اطبعي على شفتيك بالمنديل الورقي برفق ثم أعيدي وضع أحمر الشفاه مرة أخرى.
ولماذا لا؟!
قد تظن بعض النساء أن من يفعل ذلك فقط عارضات الأزياء والمذيعات وغير المتدينات، وهذا تصوّر مغلوط ومردود عليه؛ لأن هذا من أهم عوامل ترسيخ المحبة والاستحواذ على قلب الزوج, وهو بمثابة إعادة بناء صرح الزوجية يوميًا.
إن الزوجة المسلمة مدعوّة إلى الاهتمام بأناقتها ورقتها وجمالها وإن مرّ على زواجها عشرات السنين، فإن الرجل وإن كبر سنة لا يزال يأنس بالكلمة الحلوة، ويستمتع برؤية الجمال الذي يقيه على الأقل النظر إلى غيرها من النساء.
والإسلام يدفع المرأة دفعًا إلى الحفاظ على جمالها ورقتها.. يقول صلى الله عليه وسلم: 'وإذا نظر إليها سرته'. فمن يدخل على زوجته فيجدها حسناء فاتنة تسره إذا نظر إليها وتحفظه إن غاب عنها وتفتنه بجمالها ودلالها، فتفوز بقلبه وتحافظ على دفء العلاقة بينهما بما تبديه من رقة ودلال وجمال. والمرأة الصالحة الفاهمة لشرع ربها بعد الانتهاء من أعمال المنزل وإعداد الطعام، وقبل حضور زوجها إلى بيتها تجعل لنفسها يوميًا نصف ساعة مثلاً لترتدي الملابس المناسبة وتجمّل شعرها وتبدو في أجمل صورة كما أرادها الله.. {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} وفق شرع الله تعالى.
وفّق الله نساءنا إلى ما فيه الخير والجمال.(/2)
كيف أعلم أولادي المهارات الحياتية.....هل أنتِ أم ناجحة؟[5]
مفكرة الإسلام: أحمد طفل عنده 10 سنوات، أعطته أمه مبلغ من المال لشراء بعض المشتريات للمنزل، وهو في طريقه وجد أطفال يلعبون الكرة فلعب معهم، ولكن حدث شيء أزعجه كثيرًا، وهو أنه فقد المال الذي أعطته أمه لشراء المشتريات، فترك الأولاد ووقف جانبًا يبكي لا يدري ماذا يفعل؟ فإذا برجل غريب يقف أمامه ويسأله: لماذا تبكي يا صغير؟ فقال له السبب، فاقترح عليه حلًا أن يأخذه إلى أمه، ويشرح لها ما حدث حتى لا تضربه، فوافق أحمد ومشى مع هذا الغريب إلى بيت أحمد.
وعندما وصلوا إلى باب البيت؛ فتحت الأم وجرَّت الولد إلى داخل البيت، وضربته قبل أن تعرف سبب تأخره، وفوق ذلك أنه لم يحضر المشتريات التي كانت تحتاجها وتنتظرها.
فما رأيكِ عزيزتي الأم في موقف أحمد؟
وما رأيكِ في موقف أم أحمد من تأخره وضياع المال منه وعدم شراء المشتريات؟
من خلال هذه القصة البسيطة فإننا يمكننا وضع أيدينا على عدة أخطاء من أحمد ومن الأم، ويمكنك أن تشاركي معنا في التفكير.
فمن الأخطاء التي وقع فيها الابن أنه ليس عنده أولويات في العمل، ما المهم وما الأهم؟
وأيضًا بكى عند فقد المال ولم يفكر في حلول أخرى، ومن الأخطاء الفادحة أنه مشى مع الرجل الغريب إلى باب بيته؛ ليكلم أمه بالنيابة عنه.
أما عن الأم فكان عليها أن تتناقش مع الابن، وتسأله عن الأسباب وغير ذلك، بدلًا من الضرب الذي لا يعلم شيئًا، أو أن تخصم المال الضائع من مصروفه، وتعلمه ألا يمشي مع رجل غريب... وغير ذلك.
عزيزتي الأم القارئة:
قبل أن ندخل في تفصيل المهارات الحياتية، نسأل أولًا ما معنى المهارات الحياتية؟
المهارات الحياتية هي: القدرة على التكيف والسلوك الإيجابي للمواقف المختلفة، التي تساعد الإنسان على التعامل مع متطلبات وتحديات الحياة اليومية.
والسؤال الآن كيف يمكن تطبيق المهارات الحياتية وتعليمها للأبناء؟
يمكن تعليم الطفل منذ الصغر المهارات الحياتية، ويكون هذا في شكل لعب أو تمثيلية أو موقف أو مشكلة تطلب منه الأم إيجاد الحل، أو حكاية قصة لها موقف، على أن يكمل الطفل القصة باستخدام المهارات الحياتية.
وكل ذلك حتى يستطيع الأولاد التصرف في حل عدم وجود الأم أو الأب، ويحمي نفسه من أي خطر يحدق به.
مثال على ذلك:
طفل ضربك... كيف تتصرف؟
إذا أعطاك أحد شيء لا تعرفه ... كيف تتصرف؟
إذا حاول شخص أن يأخذك إلى مكان لا تعرفه ... كيف تتصرف؟
إذا كنت في الطريق وفجأة لم تجد 'ماما' معك ... كيف تتصرف؟
إذا طلب منك شخص الساعة أو الموبايل لإعطائها للأب وأنت في السيارة .. ماذا تفعل؟
وأُعلِّم الابن -البنات أو الأولاد- الفرق بين اللمسة العادية واللمسة المشكوك فيها، وهذا يفيد جدًا الطفل في حالات الاعتداء الجنسي ليعرف كيف يتصرف.
وتسأل سائلة: لماذا أعلم أولادي المهارات الحياتية، وهل هي هامة لهذه الدرجة؟
من المهم أن نرى أولادنا أقوياء فطناء، وليسوا ضعفاء أو سمتهم السذاجة؛ حتى لا يكون مطمعًا للآخرين، ومصدر للسخرية والاستهزاء.
والشرع يأمرنا أن لا نضيِّع أولادنا، ولا نربيهم على الضعف والوهن، ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم [[المؤمن القوي خير وأحب إلا الله من المؤمن الضعيف]]. رواه مسلم.
والمؤمن أيضًا كيَّس فطن، هكذا تكون صورة المسلم في المجتمع، وما ينبغي أن نربي عليه أولادنا.
ما رأيك الآن عزيزتي الأم أن نعرض لكِ المهارات الحياتية وهي:
1- القدرة على اتخاذ القرار.
2- القدرة على إيجاد الحل المناسب للتعامل مع المشاكل في حياتنا بطريقة بنَّاءة.
3- التفكير النقدي: مثال: التدخين، فقبل أن يَقبَل الولد السيجارة الأولى من الآخرين؛ يسأل نفسه: ما ميزان قبولي للسيجارة؟ وما عيوب رفضي للسيجارة؟
هل بالسيجارة أصبح رجلًا؟ وعندما يفكر في المواقف بطريقة سليمة يأخذ القرار السليم.
4- التفكير الإبداعي: أي تنمية التفكير بطريقة فيها إبداع، وهذا يساعد في التعامل مع المواقف بطريقة واقعية ومرنة، خاصة في المشاكل اليومية.
5- الاتصال الفعَّال: وهي القدرة على التعبير اللفظي وغير اللفظي.
6- مهارات تكوين علاقات مع الآخرين:وهي القدرة على تكوين علاقات إيجابية بين الناس، وتكوين أصدقاء والإبقاء على هذه الصداقة، وكذلك الإبقاء على العلاقات الطيبة بين أفراد الأسرة.
7- مهارات الوعي بالذات: وهي أن يتعلم الإنسان كيف يكون شخصًا مهمًا، ويتعرف على صفات القوة والضعف في نفسه، وذلك يساعد الشخص على التعرف على صفاته أثناء الأزمات.
8- مهارات التشاعر: وهي الإحساس بمشاعر الآخرين ومحاولة حل المشكلة.
فمثلًا إذا كان الطفل يبكي لا أقول له: 'خليك راجل' لأنه ليس رجلًا، ولكن أفهمه واسمع منه ما يبكيه.(/1)
9- التكيف مع المشاعر: وهي التعرف على المشاعر بداخلنا وبداخل الآخرين، ومعرفة المشاعر التي يمر بها الشخص أثناء أي سلوك يأخذه، مثال: الفرح والحزن، فالإنسان إذا تواجد في فرح تختلف مشاعره إذا تواجد في عزاء مثلًا، فليس من العقل أن يحزن الإنسان في الفرح، أو يذهب للعزاء ويضحك، ويتكلم في موضوعات لا تناسب الموقف.
10- التكيف مع الضغوط: إن الضغوط اليومية الحياتية تؤثر علينا، ولكننا نستطيع التحكم فيها، مثال: الوقوف بثقة أمام ضغوط الزملاء، كموضوع التدخين والمخدرات وغير ذلك، مما يمس الصحة العامة والشرع والأخلاق، يقول الزملاء للشخص: 'خليك راجل وجرَّب!!!'.
ونخلص من كل ما سبق أن تعليم أولادنا المهارات الحياتية التي ذكرناها هو من الأهمية بمكان؛ لأن أي مشكلة تواجه الأبناء يمكن التعامل معها، وإيجاد الحلول المناسبة لو عندهم مهارات حياتية، مثل مشاكل الإدمان والاعتداء الجنسي، والمشاكل الدراسية، والتعامل مع الضغوط المدرسية... وغير ذلك.
ولا ننسى عزيزتي الأم أن نربي أولادنا على القوة والفطنة والمهارة والمرونة، وتذكري معي قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم [[المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف]]. رواه مسلم.
إننا لكي نضمن السلامة النفسية لأي إنسان -وخاصة الأبناء- لا بد من التعرف على ثلاثة أشياء:
1- طرق الاتصال الجيد.
2- التعرف على مراحل النمو النفسي والاجتماعي للمرحلة التي أتعامل معها.
3- المهارات الحياتية.
وقد فصلنا هذه الثلاثة فيما سبق، ويبقى لنا في هذا الملف أن نتعرف على صفات الأم الناجحة، فتابعي معي وفقكِ الله.(/2)
كيف السبيل إلى إحياء الدين؟ ...
كيف السبيل إلى إحياء الدين، ليعود قوة دافعة كما كان أول عهده؟ سؤال طرحته على نفسي منذ أمد بعيد، ولم يزل يظهر في حياتي ويختفي، إلى يومي هذا، وكثيراً ما كان يراودني الطموح ـ وكدت أقول الجموح ـ بأن أنكب على هذا السؤال ملتمساً له جواباً أقتنع بصوابه، لكنني كنت سرعان ما أجدني أمام موضوع لا قبل لي به، لا لعجز في الإرادة فحسب، بل ـ قبل ذلك وفوق ذلك ـ لقصور في المعرفة بخفايا هذا الميدان وثناياه، فكنت أنصرف عنه. لكن السؤال لم ينصرف قط عن ذهني، فلم يزل يلح ويريد أن نجد له الجواب.
إنني مؤمن أشد ما يكون الإيمان، بأن نهوضنا بعد الكبوة الحضارية التي طال بنا عهدها، وأعني نهوضنا الذي يتيح لنا أن نسير مع سائر الدنيا سير الشركاء لا سير الأتباع، لن يتحقق إلا إذا جاءت الحوافز من الدين والوسائل من العلم، لماذا؟ لسبب ظاهر، وهو أن الحوافز في صميمها قيم نريد لها أن تتحقق في دنيا الواقع، فمن أين نأتي بهذه القيم الحافزة؟ إنها ليست ملقاة على قارعة الطريق لنلتقطها كما نلتقط العصي! إنها ليست في الخزائن لنستخرجها كما نستخرج قطع الثياب لنرتديها ثم نعيدها إلى خزائنها! إنها ـ اختصاراً ـ ليست أشياء نعثر عليها بين سائر الأشياء، بل هي (صور) تتمثل أمام الذهن، نشعر بأننا مكلفون بتجسيدها في شؤون الحياة الجارية! فما مصدر تلك الصور العقلية التي هي معايير السلوك؟ مصدرها الأول، وربما كان مصدرها الوحيد هو الدين.
ما سبيلنا إذن إلى إحياء الدين؟ كيف أضع في رؤوس الناس مجموعة القيم التي يدعو إليها الدين، بحيث تتحول تلك القيم إلى حوافز لا يستقر صاحبها إلا إذا أخرجها للناس ولنفسه عملاً مرئياً مثمراً؟ وبحيث لا تظل في رؤوس أصحابها من قبيل المحفوظات التي نكتفي منها بأن نعيدها على الأسماع ميتة أو كالميتة، لا يهتز لها عصب ولا ينبض بها عرق؟
إننا نبذل في سبيل (التعليم) الديني جهوداً بالنهار والليل، وبكل ما بين أيدينا من وسائل التوصيل، ولكنها جهود يذهب الجزء الأكبر منها هباء مع الهواء، وذلك لأننا نفتح الأعين على (الفكرة) لكننا لا نجد السبيل الذي تتحول به الفكرة إلى إرادة تعمل. إننا ـ مثلاً ـ نعرض على الناس آية قرآنية كريمة، ثم نشرحها أوفى شرح، وقد نستخرج منها بواطن لم تكن مرئية لمعظم الناس، وإلى هنا نقول إن الجهد جليل وإن الغاية نبيلة. لكن الذي يجعل الجليل أكثر جلالاً، والنبيل أعظم نبلاً، هو أن نسوق ما نسوقه من المعاني على نحو يحمل الملتقى على العمل بمقتضاه، وأما إذا بقي في الرؤوس علماً محفوظاً، ثم لا شيء بعد ذلك فلا نكون قد قطعنا من الشوط الطويل إلا خطوة أولى. فربما عرضنا على الناس إحدى نتائج العلم الحديث، ثم نعقب ذلك بآيات قرآنية تشير اشارة مباشرة أو غير مباشرة إلى النتيجة العلمية التي عرضناها، فأفرض أن سامعاً سأل المتحدث آخر ا لأمر قائلاً له: ثم ماذا؟ ماذا تريدني أن أفعل؟ فأغلب ظني أن هذا المتحدث لن يجد ما يجيبه به، لا بل انه (أي المتحدث) ربما يسيء إلى ما أراد أن يحسن إليه، لأنه سيضع المصدر الديني في موضع الزائدة التي لا تضيف جديداً، إذ أين يكون الجديد، ما دمت تبين لي ما قد وصل إليه العلم، ثم تضيف إليه في نهاية الأمر شيئاً لم يكن ليغير مما عرضته أمراً؟
فمثل هذا الجهد هو شر من جهد ضائع، لأنه يضع الأمور في غير مواضعها الصحيحة، لأن الترتيب الصحيح في هذه الحالة، هو أن أبين للناس كيف كانت الحوافز السابقة على العمل العلمي حوافز ليست هي نفسها جزءاً من العلم وأن تكن ضرورية له، وإنما هذه الحوافز مستقاة من الدين.
إننا بكل جهودنا في سبيل (التعليم) الديني، لا نزيد على كوننا نشير بأصابعنا للناس إلى ثمرة عالقة في غصنها البعيد، لكننا لا نبين لهم كيف السبيل إلى قطفها؟ فنحن نعرض النصوص ومعانيها وكان الله يحب المحسنين، إننا كمن أخذ ناشئاً إلى البحر ليدله على مواضع السمك تحت الماء، دون أن يزوده بأدوات الصيد، فيظل الناشئ شاخصاً ببصره إلى السمك في جوف البحر، يشف عنه الماء الصافي ثم يعود إلى داره وليس معه مما رأى سمكة واحدة تشبعه بعد جوع.
لعلك قد لاحظت أنني قد وضعت كلمة التعليم بين حواجز أو أقواس، حين أشرت إلى (التعليم) الديني الذي نؤديه. ولقد تعمدت ذلك لألفت انتباهك إلى حقيقة الموقف الراهن، فما نفعله اليوم في هذا السبيل منحصر كله في عملية التعليم التي ـ إذا نجحت ـ تزيد المستمع أو القارئ علماً بما هنالك، ثم لا نكاد نفكر بعد ذلك في الخطوة الثانية الهامة، وهي خطوة التدريب التربوي على أن ينتقل (العلم) إلى (عمل) ـ وفي هذا الانتقال يكمن الإحياء الديني كما أتصوره.(/1)
إننا إذ نتكلم عن الإحياء الديني، لابد أن يرد إلى أذهاننا (إحياء علوم الدين) للغزالي، فماذا أرد الغزالي أن يحققه بذلك (الإحياء)؟ أظنه أراد أمرين: أراد أن يعود بالاسلام إلى عهده الأول، ثم أراد أن يقاوم الذين حسبوا أن معرفة الحق وحدها تكفي، فقال في ذلك: بل لابد إلى جانب المعرفة من سلوك، وأن يجيء ذلك السلوك محققاً للشريعة.
وعندما نقول إن الغزالي أراد بإحيائه لعلوم الدين أن يعود الاسلام إلى عهده الأول، فمن الواضح أن هذه العودة لا تكون بمجرد (الحفظ) لما كان يقوله الأولون؟ بل إن هذه العودة لا تعني شيئاً إذا لم تكن تعني أن أعود إلى ذلك الضرب من الإيمان الذي يحول العقيدة إلى عمل.
كان التحول الذي أسماه الغزالي (إحياء) هو في عمقه تحول من الفكر مجرد الفكر، إلى الإرادة التي تخرج من ذلك الفكر إلى مجرى السلوك. فإذا لحظنا نحن اليوم أن جهودنا كلها تدور في دائرة (الفكر) وحده، دون أن تتعدى ذلك إلى الإرادة التي تعمل بناء على ذلك الفكر، فنحن على حق إذا زعمنا أننا بعيدون عن (الإحياء) المطلوب.
ان (الشطارة) في تخريج المعاني تخريجاً يجعلنا نتصور أن ما جاء به الدين هو نفسه ما يجيء به العلم في عصرنا، أقول إن هذه (الشطارة) لا تحولنا قيد ظفر مما نحن فيه، وهي (شطارة) لا تجعل الدين أكثر ديناً ولا تجعل العلم أكثر علماً، فهي أقرب إلى شطارة مَن يمشي على حبل مشدود وهو حافظ لتوازنه. وإنما المهارة كل المهارة هي في أن تبصرني بالطريق الذي أعرف منه كيف آخذ من الدين حافزاً يحرك الإرادة إلى (صنع) علم جديد أقدمه لنفسي وللإنسانية جمعاء.
كاتب المقال: د. زكي نجيب محمود(/2)
كيف تبني ثقافتك الإسلامية
رئيسي :علم :
يتناول الدرس موضوعا من المواضيع الحيوية؛ لأن مادة الدعوة وعنصر نجاحها هو الداعية، فإذا كان الداعية مثقفاً بثقافة صحيحة وسليمة، ثقافة واسعة، كانت مظنة النجاح لهذه الدعوة كبيرة، وهذه بعض القواعد التي يتبعها الداعية المسلم لبناء ثقافته .
هذا الموضوع من المواضيع الحيوية؛ لأن مادة الدعوة وعنصر نجاحها هو الداعية، فإذا كان الداعية مثقفاً بثقافة صحيحة وسليمة، ثقافة واسعة، كانت مظنة النجاح لهذه الدعوة كبيرة .
وهذه بعض القواعد التي يتبعها الداعية المسلم لبناء ثقافته. وهذه القواعد إنما هي بناء على تجريب، فالمسألة تجريبية، وليست مأخوذة من كتب، وليست تخمينية مجردة .
قواعد بناء الثقافة:
وجوب التكامل وعدم الانصباغ بصبغة جزئية: فكل أبواب العلم واجبة، والتراث القديم جزء من ثقافة الداعية، كما هو الفكر الحديث ... ولاشك أن هذه القضية صعبة وليست سهلة، وعليك أن تغالب نفسك، وتصبر على صعوبة قراءة الأسلوب القديم، ولكن مع ذلك هو ضروري، وتجعل هذا الأمر من الواجبات والتكاليف، وليس من المتعة، كأن تقرأ فما وجدت من لذة تستمر، وإن لم تجد لذة أعرضت، فهذا ليس بصحيح، فأنت أمام بناء نفسك، ولابد من أن تطيل الصبر على صعوبة الأسلوب القديم التراثي .
وهناك بعض الأخوة يعرض عن كتب الحديث، ويكتفي بما يتداول المؤلفون اليوم، وهذا لو لم يكن فيه إلا ذهاب بركة مطالعة الحديث المحض؛ لكان سبباً من أسباب العودة إلى الحديث . فالحديث خير كله، والحديث فيه من معاني الحلال والحرام، ومن معاني الوعظ، وفيه مما يمد الداعية المسلم بكل أنواع المقدرة على التكلم وعلى بناء نفسه، فيجب أن تكون مطالعة كتب الحديث هي ديدن المسلم .
وهناك صنف آخر يقرأ كتب الفقه والحديث، ويقرأ الإنتاج الحديث، ولكن بينه وبين كتب الأدب والبلاغة والسياسة وما قاربها بعد لايقربونها وهذا خطأ، فنحن نعمل اليوم في مجتمع معقد، مجتمع فيه ثقافة متنوعة، ونريد أن نبلغ باللسان الطلق الذي يأسر المقابل، فإذاً لابد أن نراعي هاتين الناحيتين:
أولاً: أن المجتمع اليوم ثقافة أهله متنوعة معقدة، ويريدون الكلام السياسي، والاطلاع على الأحداث، وتأصيل المسائل، فيجب أن نطالع بعض أبواب السياسة، لكن لانطالعها بأقلام اليساريين بل نطالعها من خلال كتابات أناس ثقات .
ثانياً: يجب أن نتكلم بالأسلوب الرفيع، وأن نختار من اللغة أجملها، ومن هنا وجب علينا أن نقرأ كتباً أدبية تصنع فينا هذه الحاسة، وكذلك الاستشهاد أثناء الكلام والخطب والمقالات ببيت من الشعر، فتأسر به المقابل، وعلى هذا: فتطالع دواوين شعراء الإسلام في العصر الحديث، وتجعلها من جملة ثقافتك .
وكثيراً من جوانب التاريخ تفيد في إلقاء الضوء على الحاضر والجذور التي كونت هذا الحاضر، يقرأها الأخ في التاريخ فيعلم شيئاً كان يجهله، ومن هنا تجب القراءة التاريخية للتاريخ القديم والحديث بأجمعه .
وجوب المطالعة المستوعبة المنهجية وعدم الاكتفاء بالأشرطة والسماع: فمن سيئات ذلك: التخلخل في المعلومات، وتعود الترف في المعاني والأسلوب، فهذه المسألة من الأمراض المشاهدة في مجتمع الدعاة، فشريط الكاسيت هذا نعمة من الله، فكما استعمله الكفار في فسوقهم وفجورهم، استعمله المؤمنون أكثر في ترويج معاني الإسلام، وإبلاغها إلى أبعد مطلب. لكن بعض الدعاة في غفلة من أنفسهم ظنوا أن هذا الشريط هو وسيلة ثقافية، وليس وسيلة إعلامية، ولا وسيلة لإعانة من لايستطيع من هؤلاء الشيوخ الكبار والنساء والأعراب وأمثالهم .
فجاء جيل من الشباب اليوم – ليس كجيلنا الذي نشأنا فيه يوم لم يكن الكاسيت – يكتفي بما في هذه الأشرطة من معلومات ويعرض عما في الكتب من خير وفير كامل . ونشأت قناعة عند شباب اليوم أن يكتفوا بسماع الأشرطة المنوعة .
فهذه الأشرطة: هي وسيلة دعائية فهي تبلغ العامي الذي لايستطيع الصبر على القراءة، أما لك أيها الداعية فهي وسيلة حماس وعاطفة، تحدوك إلى القراءة، ولا تحدوك إلى الاكتفاء والقناعة بما فيها؛ لأن فيها سيئتين تقلل من كفائتك العلمية:
? التخلخل العلمي: فهي لا تعطيك العلم من أوله إلى آخره، وإنما هي تعطيك بعض المواضيع المهمة.
? أنها تعودك على الترف في الأسلوب: فإذا جاءك أحدٌ أكثر ممن تسمع له علماً، وأقل منه أسلوباً؛ فستستحقره وتترك علمه.
فلا يليق أن تجعل منهجك الثقافي مبنياً على سماع الأشرطة، بل اجعلها وسيلة تربوية لغيرك، ووسيلة إعلامية، وانتفع منها ماشاء الله أن تنتفع فلا بأس عليك، ولكن تكمّل علمك بقراءة متوالية وعميقة لكتب التراث: من فقه وتفسير وحديث وغيرها، ولكتب الفكر الحديثة الإسلامية ولكتابها، ولكتب التاريخ والأدب وغيرها، وإن لم تفعل ذلك فستكون هناك ثغرات، وستتعود الترف .(/1)
وجوب المنهجية في القراءة وعدم الاعتماد على ماهو معروض للبيع فقط : فرب كتاب نادر ضرورته قصوى للداعية، فمن الدعاة من يكتفي من الكتب بما يقع في يده، فيجعل ثقافته هذه الكتب لا غير، بينما توجد كتب هي أهم في صياغته، فيجب وضع منهج لحيازة جميع ماطبع من الكتب الحديثة والقديمة، وتُذلل العقبات لحيازة مالم يعرض في السوق، وأما الاكتفاء بما هو معروض في السوق؛ فهذا نقص وتخلخل، كالتخلخل الذي يولده الشريط، فهذا تخلل آخر .
وإن من مكملات هذه الطريقة التربوية في المطالعة المنهجية: أن تسعى كل مجموعة من الدعاة في تكوين مكتبة عامة بينهم متكاملة بحيث أن الجميع يستعيرون منها، ولا أعني مكتبة عامة للجمهور، فمجموعة من الدعاة يعرفون أن أخاهم فلان عنده هذه المكتبة، كأن يتبرع أحدهم إذا كان ميسور الحال ليشتري لهم الكتب، أو يتعاونون فيما بينهم لشرائها، ووضعها عند أحدهم . وكم من كتاب هو أنفع من الكتب المعروضة في السوق .
لا بأس من تبعيض الكتاب الواحد –أي: الاكتفاء ببعضه - أو دمجاً بقراءة بعض فصوله مع فصولٍ من كتب أخرى: فكثير من الكتب تحوي أكثر من موضوع، خاصة: كتب الفقه والحديث وحتى الكتب الحديثة .
أفضلية القراءة على الشيوخ والأساتذة: ولسنا نعني بذلك أصحاب العمائم فقط، وأفضلية القراءة على الشيوخ واضحة؛ لأن هذا الشيخ يمثل موسوعة علمية قد سبقك إلى الاطلاع من خلال مطالعاته الكثيرة في حياته، فهو قد قرأ أكثر منك، وربما أخذ عن شيوخ آخرين، وعمره أكبر منك فربما ساح في البلاد، والتقى بعلماء وشافههم وأخذ عنهم مالم تأخذ، ففائدته: أنه يختصر لك الطريق، ويعلمك أشياء لاتعلمها إلا من مطالعات كثيرة، وقراءة من كتب كثيرة .
ومن باب آخر: فأنت عندما تقرأ تحتاج إلى شرح مسألة، فهو يشرحها بما عنده من العلم، بينما أنت إن أردت العثور على شرح هذه المسألة – حتى لو افترضنا فيك المقدرة على فهم ماهو مدون – فإنك لاتدري أين هذا الشرح،وهذه ناحية مشاهدة أشهر وأوضح من أن يدلل عليها .
وكما قلت: لانعني بالشيوخ المعممين فقط، بل ربما يكون أستاذ جامعي أخذ من خلال مطالعته الشخصية علماً كثيراً، وربما يكون عالم يجمع بين أن يكون صاحب صنعة وملازماً لبعض العلماء، وقرأ كثيراً من الكتب، فيستطيع أن يعينك خاصة في المراحل الأولية .
والذي يقلل هذا الفن من القراءة على الشيوخ في مجتمع الدعاة من خلال تجربتي: عدم التخطيط القيادي لإجراء هذه المسألة، فلو أن كل قائد، أو مسئول منطقة يختار شيخين، أو ثلاثة، ويختار من عشرة إلى عشرين من الشباب يوزعهم على هؤلاء الشيوخ، ويقرأون عليهم بتنسيق وتنظيم مع الشباب من جهة، ومع الشيوخ من جهة أخرى .
وبدون هذه الطريقة في القراءة على الشيوخ فستجدون فلتات، وأوهام كثيرة تعلق في قلب الواحد .
ضرورة استلال شيء من التعابير والتقسيم الموضوعي لكل كتاب، وجمع ذلك في مدة سنين طويلة؛ ليكون المجموع خلاصة ثمينة بيد الداعية تمكنه من الخطابة وإلقاء الدروس والكتابة: فهذه المسألة سهلة وبسيطة من باب، وعظيمة الفائدة من باب آخر، ولا يراد لها الانتباه الكثير .
فبعض الأخوة يقرأون الكتب تباعاً ولكن يعتمدون على ذاكرتهم فقط، والذاكرة مظنة النسيان، يبقى يتذكر المعنى سنة، وسنتين، وربما في الثالثة ينسى، ولو أراد أن يعيد القراءة لأشكل عليه ذلك؛ إذ أن هناك كتباً تنتظره، والمنهج الذي يسعف الداعية لاينتهي في عشر سنوات بل أكثر .
? فيكون بيدك دفتر وقلم تخصصه لكتابة التعابير أو النقول المهمة التي تجدها في الكتاب، وقد لاتجدها عند كاتب غيره، فإذا انتهيت من قراءة الكتاب تكون عندك عشر تعابير ناجحة تقريباً، فهذه تمثل العدة التي تحفظها، وتحاول أن تقرأها أكثر من مرة بحيث تكون من محفوظاتك .
? وكذلك تسجل في هذا الدفتر تقسيم الكتاب الذي تقرأه، وتدرّجه في طرح موضوعه، وكيفية تقسيمه له، فتسجل من الفهرس، أو من نفس الكتاب، ويمكن تسميته بخارطة الكتاب، فإذا فعلت هذا بعشرة كتب في السنة الواحدة- تقريباً- وقلبت ذلك الدفتر أصبحت عندك المقدرة على طرح أي موضوع بنوع من التدرج والتقسيم الذي يُفهم الداعية أيما تفهيم، وليس هو الارتجال المتخبط الذي يأخذ من هنا وهنا . فالكاتب حينما يقسم كتابه، فهو ليس تقسيماً بسيطاً فلكم قدم وأخر، ولكم عمل أكثر من خريطة، كالذي يريد أن يبني بيتاً، فكذلك الكاتب يقلب الأمر عشرين مرة، وثلاثين مرة حتى ينتهي إلى تقسيم معين لكتابه .(/2)
تزكية الكتاب لاتعني خلوه من الخطأ: فكثير من الكتب التي نذكرها لك لاتعني أنك مطالب بأن تعتقد مافيها اعتقاداً من دون تمحيص، ولاتعتقد أنَّا غفلنا عن بعض أخطاء كاتبيها، أو ضعف بعض أحاديثها، أو شيء من ذلك . فعندنا الكتاب الذي يغلب خيره وصوابه على خطأه هو الكتاب الذي يكون في المنهج، ولا يوجد كتاب خالٍ من الخطأ بعد كتاب الله جل وعلا إلا صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكل الكتب الأخرى لاتخلو من حديث ضعيف، أو رأي مرجوح، أو رواية يمكن أن تناقش، أو زلة من الكاتب بشكل ما .
لايمكن تدوين قائمة كاملة بالكتب الموثوقة لعدم وجود كتب موثوقة في بعض الأبواب: ولذلك فمن الضروري انتظار خطة تهذيب الكتب، إذ يخلو الباب التاريخي من كتاب شامل موثوق، وحتى الفقه لم يدون إلى الآن بمعايير نموذجية . فعلى كثرة كتب التراث الإسلامي، فإنها إلى الآن ناقصة من الكتب النموذجية التي يفترض أن تعطي حداً وسطاً في المعلومات وسليماً من الإغرابات والضعف، ويكون ملتقى وقاسماً مشتركاً للجميع . والواجب أن يكون هناك في كل باب كتاب منهجي، وصفة أي كتاب منهجي هي:
شامل لكل شيء .
بسيط في عرضه للمعلومات .
ليس فيه تعقيد بل المواطن الصعبة مشروحة فيه .
يبعد عن الخلافات والإغرابات البعيدة، التي ليست هي من قول جمهور الفقهاء.
إن في المجلات الإسلامية علماً ضرورياً يكافيء ما في الكتب: ونظراً لصعوبة حيازتها جميعاً فإن من اللائق إصدار مجلة تنشر أهم المقالات الموجودة فيها، فالمجلات الإسلامية كثيرة، ففي كل مجلة يوجد مقال أو مقالين أهم من غيرها، ففي الشهر يمكن أن نجمع أربعين مقالاً أو نحوها هي أهم مافي هذه المجلات كلها، وتجمع في مجلة يمكن أن تسمى المختار من المجلات الإسلامية .
ضرورة وجود مجلة تسمى المختار السياسي تضم مقالات منوعة سياسية مهمة: فهناك تحليلات سياسية، وأخبار مبثوثة في كافة المجلات، سواءً كانت إسلامية، أو غير إسلامية، وهي كثيرة قد يكون أهمها عشرين مجلة تقريباً، فبعض المقالات من المهم أن يطلع عليها الداعية المسلم؛ لينبني له الفكر السياسي المطلوب، وقد يكون المقال لكاتب صهيوني يعبر فيه عن سياسة إسرائيل لكن من المهم أن تطلع عليه، فلا يعني أن تكون كلها مقالات إسلامية سياسية .
ولا شك أن مثل هذا العمل ينبغي له جهد جبار، وليس هو بالعمل الهين لكنه مصدر للثقافة السياسية المنهجية، مأمون ويمثل توحيد في الفهم والأفكار السياسية . ولايمكن لهذا الجهد الجبار أن ينمو إلا في بيئة تنظيمية عالية الارتباط .
ضرورة وجود المكتبة الوثائقية: فالوثائق جزء متمم للكتب والمعلومات، فمن الضروري أن تكون مكتبة وثائقية بحيث تحوي أهم الوثائق التي يمكن الرجوع إليها .
والوثائق: هي أشكال من نشرات الحكومات والأحزاب، وقد تكون بعض نشرات الدعوة الإسلامية في بعض الأمور التي لاتنشر على الملأ من المناهج التربوية الداخلية وأمثال ذلك . فهذه المكتبة صغيرة في حجمها، ولكنها عميمة الفائدة؛ إذ أنها تشكل مورداً تخطيطياً ومصدراً للباحثين في مجلة سياسية تصدرها الدعوة مثلاً، وتريد الرجوع إلى الوثائق التي هي من هذا الجنس .
الإكثار من النظر في فهارس دور النشر، وفهارس المكتبات العامة: فهذا يطلعك على وجود كتب لم تعلم بها، وكذلك قائمة المراجع التي تكون في آخر كل كتاب، فتعلم بوجود كتب لم تعلم بها أبداً، ولا أنت بمستطيع أن تحوزها أبداً، وخاصة المطبوعات قبل ثلاثين سنة فأكثر، فهذه فائدتها تكون فيما إذا وجدت فراغاً لتطالع في هذا الكتاب لتكمل معلوماتك، وإذا كان عندك بحث معين وتريد أن تراجع مصادر أوفر لبحثك فتراجع من هذه الفهارس .
ضرورة توجيه رسائل الماجستير والدكتوراه لخدمة أغراض منهج الفكر في الدعوة: فهناك طاقات كثيرة من الدعاة تدرس الدكتوراة والماجستير، فيمكننا ضرب عصفورين بحجر واحد- كما يقال- فيحوز هذا الأخ الشهادة العليا؛ ليكون أستاذاً في الجامعة، أو خبيراً، وفي نفس الوقت يقدم بحثاً نافعاً لإخوانه ينتفعون منه .
ولا أعني فقط الدارسين في الشريعة الإسلامية، فالدارس مثلاً في السياسة بدل أن يتكلم عن مشكلة برلين، فليتكلم عن مشكلة كشمير مثلاً فهي قضية إسلامية، ويعرضها ليزيد ثقافتنا الإسلامية .
وكذلك بدل أن يأخذ شخصية سياسية مغمورة لانستفيد منها، فليأخذ شخصية إسلامية، وكذلك في الأدب، وكذلك في التاريخ .
من محاضرة:' كيف نبني ثقافتنا ' للشيخ / محمد أحمد الراشد(/3)
كيف تبني شخصية ولدك؟!..
حامد محمد سعيد*
من الجوانب المهمة التي غفل عنها كثير من الآباء الاعتناء بجانب بناء شخصية الأبناء..
ففي زحمة توفير لقمة العيش، وضمان فرص التعليم انهمك الآباء؛ متناسين أن أولادهم بحاجة إلى من يساعدهم على بناء شخصياتهم.. ولما كان هذا الموضوع من الأهمية بمكان فإليك عزيزي الأب بعض الأفكار العملية التي لا تكلفك عناءًا، وتساعدك في بناء شخصية أبنائك.
1- اقض بعض الوقت مع أولادك كلٍّ منهم على حدة، ويا حبذا لو تتناول مع أحدهم وجبة الغداء خارج البيت، وتمارس رياضة المشي مع آخر.. المهم أن تشعرهم بأنك تقدر كل واحد فيما بينك وبينه دون تدخل من إخوته الآخرين.
2- ابن داخلهم ثقتهم بنفسهم بتشجيعك لهم، وتقديرك لمجهوداتهم التي يبذلونها؛ وليس فقط تقدير النتائج كما يفعل معظمنا.. ومن الجميل أن تستشيرهم في بعض الأمور الأسرية ولو لم ترد الأخذ بها؛ كأن تستشيرهم في استضافة بعض زملائك أو أقربائك، وما تريد أن تقدمه لهم.
3- احتفل بإنجازاتهم.. فمثلا أقم مأدبة غداء خاصة لأن ابنك فلانا قد حصل على درجة جيدة في الامتحان، وحفل شاي مثلا لأن ابنك فلانا ختم الجزء الأول في حلقة القرآن بالمسجد، واجعل لكل منهم نصيبا وذلك حتى يشعر أحدهم أنك غير مهتم به وبأحداث حياته؛ فلا تفعل ذلك مع واحد منهم فقط حتى ولو كان الآخر لا يمر بأحداث خاصة.. فابحث في حياته وبالتأكيد سوف تجد أي شيء، وتذكر أن ما تفعله شيء رمزي.. وتصرف على هذا الأساس؛ حتى لا تثير الغيرة بين أبنائك؛ فيتنافسوا عليك؛ ثم تصبح بينهم العداوة بدلا من أن يتحابوا، ويشاركوا بعضهم البعض.
4- علم أولادك التفكير الإيجابي؛ بأن تكون إيجابيا.. فمثلا بدلا من أن تعاتب ابنك لأنه رجع من مدرسته وجلس على مائدة الغداء وهو متسخ وغير مهندم قل له: (يبدو أنك قضيت وقتا ممتعا في المدرسة اليوم).
5- حملهم شيئا من المسؤوليات، وكلفهم بعض المهام الممكنة.. فمثلا اطلب من أحدهم أن يوقظك لصلاة الفجر؛ فإن فعل فأشعره بقيمة هذا الإنجاز، واشكره عليه، بل وكافئه..
كذلك أودع عنده بعض المال لشراء احتياجات المنزل، ثمّ طالبه بحسابات ما اشتراه، وكم تبقى، ثم اترك ماتبقى مكافأة له على دقته، وأمانته..
ومن الجميل جدا أن تترك عنده أمانة يحفظها لك إلى أجل، ثم ّتطلبها منه، وانظر كيف أدّاها..
ضع في يده مالاً يوم الجمعة مثلا، ومره أن يتصدق به على فقير، أو مسكين هو يعرفه.
6- ذكرهم بشيء قد تعلمته منهم.
7- قل لهم كيف أنك تشعر أنه شيء رائع أنك أحد والديهم؟!، وكيف أنك تحب الطريقة التي يشبّون بها؟!.
8- اجعل أطفالك يختارون بأنفسهم ما يلبسونه فأنت بذلك تريهم كيف أنك تحترم قراراتهم؟!.
9- اندمج مع أطفالك في اللعب مثلا كأن تتسخ يديك مثلهم من ألوان الماء أو الصلصال، وما إلى ذلك.
10- اعرف جدول أولادك، ومدرسيهم، وأصدقاءهم؛ حتى لا تسألهم عندما يعودون من الدراسة بشكل عام (ماذا فعلتم اليوم)؛ ولكن تسأل: ماذا فعل فلان؟، وماذا فعلت المدرسة فلانة؟ فيشعر أنك متابع لتفاصيل حياته، وأنك تهتم بها.
11- عندما يطلب منك ابنك أن يتحدث معك لا تكلمه وأنت مشغول في شيء آخر؛ كالأم عندما تحدث طفلها وهي تطبخ، أو وهي تنظر إلى التلفيزيون، أو ما إلى ذلك؛ ولكن أعط تركيزك كله له، وانظر في عينيه وهو يحدثك.
12- شاركهم في وجبة الغداء ولو مرة واحدة في الأسبوع، وعندئذ تبادل أنت وأولادك التحدث عن أحداث الأسبوع.. وأكرر: لا تسمعهم فقط؛ بل احْكِ لهم أيضا ما حدث لك.
13- اكتب لهم في ورقة صغيرة كلمة حب، أو تشجيع، أو نكتة، وضعها جانبهم في السرير إذا كنت ستخرج وهم نائمين، أو في شنطة مدرستهم؛ حتى يشعرون أنك تفكر فيهم حتى وأنت غير موجود معهم.
14- أسمع طفلك بشكل غير مباشر وهو غير موجود (كأن ترفع نبرة صوتك وهو في حجرته) حبك له، وإعجابك بشخصيته.
15- عندما يرسم أطفالك رسومات صغيرة ضعها لهم في مكان خاص في البيت، وأشعرهم أنك تفتخر بها.
16- لا تتصرف مع أطفالك بالطريقة التي كان يتصرف بها والديك معك دون تفكير؛ فإن ذلك قد يوقعك في أخطاء مدمرة لنفسية ابنك.
17- بدلا من أن تقول لابنك: (أنت فعلت ذلك بطريقة خاطئة) قل له: (لمَ لا تفعل ذلك بالطريقة الآتية؟!)؛ وعلمه الصواب.
18- اختلق كلمة سر، أو علامة تبرز حبك لابنك ولا يعلمها أحد غيركم.
19- حاول أن تبدأ يوما جديد كلما طلعت الشمس تنسى فيه كل أخطاء الماضي؛ فكل يوم جديد يحمل معه فرصة جديدة يمكن أن توقعك في حب ابنك أكثر من ذي قبل، وتساعدك على اكتشاف مواهبه.
20- احضن أولادك، وقبلهم، وقل لهم: إنك تحبهم كل يوم؛ فمهما كثر ذلك فهم في احتياج له دون اعتبار لسنهم صغارا كانوا أو بالغين أو حتى متزوجين ولديك منهم أحفاد.
* إمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق ببحري - أم ضريوة(/1)
كيف تبني علاقة عاطفية ناجحة؟
من أعظم النعم الإلهية بعد نعمة الإيمان والتقوى أن أنعم الله على عباده بنعمة الزوجية، وفيها ما فيها من معاني الألفة والود والتراحم، مما يساعد على سير الحياة سيرًا طبيعيًا كما أرادها الله تعالى، لتكون معبرًا إلى دار القرار، وطريقا معبداً يسلكه السائر حتى يصل إلى مراده ومقصوده، وليس أبلغ من التعبير القرآني العظيم في وصف علاقة الزوجية بكونها [الميثاق الغليظ]، وبما تعنيه الكلمة القرآنية من بلاغة وروعة من العهد والقوة والتأكيد الشديد لأهمية الحفاظ عليه والوفاء به.
ـ وليس من نافلة القول أن نكثر الحديث عن المشاعر أو نتحدث عن الأشواق التي تختلج في الصدور، فنجعل منها بركاناً يتقد أو مناجاة يُسمع لها دوي يفطر القلوب الحية، وهل بقي للناس غير المشاعر؟!وقلما تصفو الحياة بغيرها، أنها تُحس ولا تُرى، تلك هي لغة المشاعر وصياغتها، وكيفية التعامل معها والأنس بها بما يملأ الزمان والمكان، وقليل هم أولئك الذين يحسنون التعامل مع هذه القلوب وتلك الأرواح فيبلغون فيها عبقرية جادة، فيهنأون بعيش كريم ويسعدون غيرهم بجمال الكون وما فيه.
ـ إن الزوجة هي رفيقة الدرب، وشريكة الحياة، والمؤنس في الوحدة، وقد خلقت ليسكن الرجل إليها، والمرأة بحكم ما أودع الله فيها من أسرار ـ مخلوق وديع، وجنس لطيف تحبه النفس وتتعلق به، وتأنس إليه، وتهش له لكونه مخلوقاً راقياً يحمل من المشاعر الدافقة، والعواطف الكامنة، والأحاسيس الدافئة، والعطاء المتجدد الذي لا نهاية له، مما يجعل الكون جميلاً ولطيفاً في أجوائه وآفاقه.إن من صفات الأزواج والزوجات في الحياة الزوجية أنهما محافظان على حبهما الزوجي ويحرصان على تنميته وتطويره ليكون متوقدًا دائمًا، إن هناك كثيراً من الزيجات تفاجأ بموت الحب بين الطرفين فتصبح علاقتهما الزوجية علاقة جافة قاتلة، ولولا الأبناء لما استمر في زواجهما، ولكن هناك صنف آخر يشع الحب من نفسيهما من خلال العبارات والنظرات والإشارات.
الإسلام والحب:
لا يطارد الإسلام المحبين ولا يطارد بواعث الحب والغرام، ولا يجفف منابع الود والاشتياق، ولكن يهذب الشيء المباح حتى لا يفلت الزمام، ويقع المرء في الحرام والهلاك، وليس هناك مكان للحب في الإسلام إلا في واحة الزوجية.والحب في الإسلام يختلف عن أي حب، فهو حب يتسم بالإيجابية ويتحلى بالالتزام.
ـ ليس شرطًا أن تحب المظهر الجميل، ولكن من المحتم أن تحب الروح الأخاذة، والذات الرائعة الخلابة.هناك من الأزواج من لديه زوجة مليحة، جميلة وضيئة، ولكنها خاوية المشاعر، جامدة العواطف، غليظة الكلام، عصبية بغيضة لا تفهم شيئًا من لغة القلوب، ولا تفقه أمرًا من عالم الوجدان.
ـ إن كثيرًا من الملتزمين يرون في الحب منقصة ومذمة، ويرون فيه ضعة ومذلة، وهذا خطأ جسيم، وفهم خاطئ. فتراه لا يتودد إلى زوجته، ولا يعرف للغزل سبيلاً، ولا للمداعبة طريقًا.ولو نظر إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى حبه الشديد لعائشة، وكيف كان يداعبها ويلاطفها لعلم كيف يكون الحب بين الأزواج من شيم الكمال وليس من صفات النقص.لقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحث بعض صحابته على الزواج بالأبكار، من أجل المداعبة والملاعبة والملاطفة، وقد كان في ذلك صريحًا وواضحًا كذلك.
وهنا يبرز سؤال مهم وهو لماذا يكون الشغف والوله عند العصاة، ولا يكون عند الطائعين في الحلال؟ وقد ذكر القرآن شغف امرأة العزيز {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} [سورة يوسف/30].ولكن يوسف ـ عليه السلام ـ أبى طريق العصاة. ونحن أولى بهذا الشغف الذي يملأ القلوب مادام أنه في الحلال، فالحب يعطي الحياة الزوجية طعمًا آخر، لا يتذوقه إلا المخلصون الأوفياء.كيف تبني علاقة عاطفية ناجحة؟الصلة بين الزوجين صلة مودة ورحمة وليست علاقة عشق وهيام وصبابة وغرام؛ فهي صلة محبة هادئة [مودة] وصلة [رحمة] متبادلة، لا أوهام عشقية لا تثبت على أرض الواقع، ولا خيالات غرامية لم يقم عليها أي زواج ناجح.
وإن من أهم الأشياء لبناء الحياة العاطفية الناجحة، التفاهم بين الزوجين، والتفاهم يكون في البداية في كيفية اختيار شريك الحياة على أسس صحيحة من الدين والكفاءة الشخصية العائلية، وبعد ذلك في الأمور المهمة والأساسية في الحياة الزوجية مثل الأولاد وكيفية تربيتهم والقيام على شئونهم، وكذلك الأمور المالية وكيفية الإنفاق، وأخيراً المسائل الجنسية وكيفية إشباع رغبة الزوجية من الآخر.
ـ وإذا تم التفاهم على قدر كبير من الأمور السابقة، بعدها فلا بد أن يتعرف كل من الرجل والمرأة على طبيعة الآخر وكيف تفكر المرأة وكيف يفكر الرجل. وكيف يعبر كل منهما عن مشاعره.
ـ وبعد ذلك لا بد من الاستفادة من العلاقة الجسدية لبناء علاقة عاطفية ناجحة ومثمرة، لأن هذه العلاقة تولد الشوق والمودة والحيوية بالنسبة لكلا الطرفين.
ـ والأهم من ذلك كله أن يتعلم الزوجان قاعدتين مهمتين لبيوت سعيدة، وهما:(/1)
أن البيوت تُبنى على المودة والرحمة، وأن دمار البيوت يبدأ من جفاف المشاعر، فيجب المحافظة على أجواء البيوت هادئة ومستقرة ومعين متجدد للمودة والحب والدفء والحنان.عناصر الحب الحقيقي:إن العلاقة الزوجية ليست فقط مشاعر الحب والعاطفة، ولكنها أيضا الاستعداد للتضحية، أو التصرف لمصلحة الطرف الآخر على حساب المصلحة الشخصية، ويجب أن نميز بين مشاعر الحب وأعمال الحب، فالمشاعر هامة وأساسية إلا أن أعمال الحب من التضحية والبذل للآخر من شأنها أن تحافظ على العلاقة السعيدة والدافئة.
أعمال المودة و الحب؟ومن وسائل تنمية المودة و المحبة بين الزوجين ما يسمى بأعمال المودة و الحب، تلك الأعمال التطوعية التي تنم عن المحبة الكبيرة والتقدير العظيم للطرف الآخر كمفاجأة غير متوقعة أو دعوة عشاء خارج المنزل، أو ورقة في كتاب في كلمة حب.
وكثير من الأمثلة التي تخطر في ذهن المحبين والعروسين الجديدين، وتشير هذه الأعمال إلى إهمال الواحد بالآخر وأنه يفكر فيه.كيف تنمو المودة ويزداد الحب؟مودة الزواج وحبه أكثر عمقاً في واقع الحياة، إن الحب يكبر مع كبر الزوجين، ومع مواجهتهما لمشكلات الحياة وتحدياتها، ومع اشتراكهما معًا في التغيير والتكيف مع علاقتهما المتغيرة باستمرار.شجرة الحب:إذًا يمكن القول أن الحب هو كبذرة زرعت في أرض خصبة، تُسقى بماء المشاعر الفياضة وتحدث بأعمال الحب الكثيرة ولا بد لها من زمن حتى تستقر شجرة كبيرة فارهة الطول عظيمة الأغصان، تتجاوز كل المحن والصعوبات.
وهناك عشر وسائل لتنمية الحب والمودة بين الزوجين:
1ـ تبادل الهدايا حتى وإن كانت رمزية، فوردة توضع على وسادة الفراش قبل النوم، لها سحرها العجيب، وبطاقة صغيرة ملونة كتب عليها كلمة جميلة لها أثرها الفعال، والرجل حين يدفع ثمن الهدية، فإنه يسترد هذا الثمن إشراقًا في وجه زوجته، وابتسامة حلوة على شفتيها، وكلمة ثناء على حسن اختيارها، ورقة وبهجة تشيع في أرجاء البيت, وعلى الزوجة أن تحرص على إهداء زوجها أيضاً.
2ـ تخصيص وقت للجلوس معًا لإنصات بتلهف واهتمام للمتكلم، وقد تعجب بعض الشراح لحديث أم زرع من إنصات الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث عائشة الطويل وهي تروي القصة.
3ـ النظرات التي تنم عن الحب والإعجاب، فالمشاعر بين الزوجين لا يتم تبادلهما عن طريق أداء الواجبات الرسمية أو حتى عن طريق تبادل كلمات المودة فقط، بل كثير منها يتم عبر إشارات غير لفظية من خلال تعبيرة الوجه، ونبرة الصوت، ونظرات العيون، فكل هذه من وسائل الإشباع العاطفي والنفسي، فهل يتعلم الزوجان فهم لغة العيون؟وفهم لغة نبرات الصوت وفهم تعبيرات الوجه، فكم للغة العيون مثلاً من سحر على القلوب؟.
4ـ التحية الحارة والوداع عند الدخول والخروج، وعند السفر والقدوم، وعبر الهاتف.
5ـ الثناء على الزوجة، وإشعارها بالغيرة المعتدلة عليها، وعدم مقارنتها بغيرها.
6ـ الاشتراك معًا في عمل بعض الأشياء الخفيفة كالتخطيط للمستقبل، أو ترتيب المكتبة، أو المساعدة في طبخة معينة سريعة، أو الترتيب لشيء يخص الأولاد، أو كتابة طلبات المنزل، أو غيرها من الأعمال الخفيفة، والتي تكون سبباً للملاطفة والمضاحكة وبناء المودة
7ـ الكلمة الطيبة، والتعبير العاطفي بالكلمات الدافئة والرقيقة كإعلان الحب للزوجة مثلاً، واشعارها بأنها نعمة من نعم الله عليه.
8ـ الجلسات الهادئة، وجعل وقت للحوار والحديث، يتخلله بعض المراح والضحك بعيدًا عن المشاكل، وعن الأولاد وعن صراخهم وشجارهم، وهذا له أثر كبير في الألفة والمحبة بين الزوجين.
9ـ التوازن في الإقبال والتمتع، وهذه وسيلة مهمة، فلا يُقبِل على الآخر بدرجة مفرطة، ولا يمتنع وينحرف عن صاحبه كلياً، وقد نُهي عن الميل الشديد في المودة، وكثرة الإفراط في المحبة، ويحتاج المتمتع إلى فطنة وذكاء فلا إفراط ولا تفريط، وفي الإفراط في الأمرين إعدام للشوق والمحبة، وقد ينشأ عن هذا الكثير من المشاكل في الحياة الزوجية.
10ـ التفاعل من الطرفين في وقت الأزمات بالذات، كأن تمرض الزوجة، أو تحمل فتحتاج إلى عناية حسية ومعنوية، أو يتضايق الزوج لسبب ما، فيحتاج إلى عطف معنوي. وإلى من يقف بجانبه، فالتألم لألم الآخر له أكبر الأثر في بناء المودة بين الزوجين وجعلهما أكثر قرباً ومحبة أحدهما للآخر.(/2)
كيف تبني نفسك
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
هناك عدة أساليب لبناء شخصية الداعية التربوية وتنمية قدراته الدعوية وزيادة خبراته وتجاربه منها:
1 - قراءة كتب التفسير وخاصة في مجال دعوات الأنبياء وصبرهم وتحملهم وأساليبهم في الدعوة وتربية أتباعهم من المؤمنين، ودراسة أحوال الكافرين ومعرفة صفاتهم وطبائعهم وعاداتهم في التعامل مع الدعوات الصادقة من خلال القرآن وتفسيره.
2 - قراءة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والاسترشاد بحرصه على تبليغ الدعوة ودراسة أساليبه في البلاغ وطريقته في تربية الأتباع واستغلاله لكل المناسبات في التربية والدعوة من خلال القرآن والسنة.
3- قراءة سيرة السلف الصالح في تربية النفوس وكيفية تزكيتها وحملها على الخير والطاعة والمصابرة في ذلك، وطريقة الصحابة في تبليغ الإسلام إلى الأمصار المفتوحة وكيف استطاعوا تربية الآلاف المؤلفة من الداخلين في الإسلام بالقدوة الحسنة وكيف نقلوهم إلى هذه المرحلة الإيمانية العالية.
4 - قراءة كتب الدعوة التي تعنى بالأساليب وتحديد الأهداف وبلورة المنهج الدعوي وخاصة من الموثوقين أهل السنة والجماعة أصحاب المنهج السليم. كما أنه يمكن الاستفادة من منهاج غيرهم - بحذر - في القضايا المشتركة التي أبدعوا فيها.
6 - العمل في مجالات الدعوة العامة الخاصة له أثر كبير في بناء شخصية الداعية، وكلما كانت دعوته أوسع كلما كانت شخصيته أقوى تربوياً، وبذلك تزيد خبرته الدعوية، وكم من الناس قليل القراءة في مجال الدعوة والتربية ولكنه يثير إعجابك به في هذا المجال وتتملكك الدهشة منه، والسر في ذلك كما قلت الحركة المباشرة وكما يقال:"حَرِّكْ تَرَ".
7 - قراءة كتب الرقائق والوعظ وتهذيب السلوك والتذكير بالله والتخويف من عذابه والتي تحث على مراقبته وخشيته ورجائه والاعتماد والتوكل عليه والإخلاص له والتجرد في القول والعمل والاعتقاد له.
الجانب العلمي :
ويشمل تحصيل العلم الشرعي وبناء الحصيلة الثقافية العامة ومعرفة الواقع. وهنا أمور ننبه إليها قبل ذكر أساليب القراءة منها:
* الفنون الصعبة تقرأ في أوقات الصفاء الذهني، والكتب السهلة تقرأ في الأوقات الأخرى.
* لا تقف عند المسائل الصعبة إذا تعسرت - خلال القراءة - حتى لا تضجر من القراءة، واعرضها على شيخ فيما بعد أو ابحثها.
أساليب القراءة :
1 - قراءة كتب معينة في العلم على الشيخ أو شرح الشيخ لها.
2 - قراءة الكتاب كله مع الإشارة إلى ما يشكل ثم عرضه على شيخ بعد الانتهاء.
3 - طريقة بحث المسائل من أول باب في الفقه إلى آخره مع معرفة الراجح.
4 - طريقة قراءة متن في العلم ثم قراءة شرحه والتوسع في الفن.
5 - طريقة قراءة كتاب الطهارة من الفقه مثلاً ثم قراءة كتاب الطهارة من الحديث ثم من القواعد الفقهية - عند من يرتبها على الأبواب الفقهية - ثم من تخريج الفروع على الأصول وهكذا بالربط بين العلوم.
6 - طريقة تلخيص ما قرأه في يومه ثم قراءة الملخص في الليل ومحاولة حفظه ومراجعته في الصباح.
7 - طريقة القراءة مع استنباط الفوائد وترتيبها وكتابتها في أوراق خاصة لتكوين مشاريع تأليف طويلة المدى، أو بتعليق النكات العلمية المهمة في غلاف الكتاب أو نقلها إلى حواشي كتب أخرى تناسبها.
8 - طريقة القراءة مع الآخرين مع الحوار والنقاش.
9 - طريقة تلخيص الكتاب كله ثم قراءة التلخيص عدة مرات.
10 - طريقة قراءة الكتاب كله مرة واحدة وعدم تجزئته أو الانشغال بغيره.
11 - طريقة استصحاب الكتب الصغيرة الجيدة في كل مكان وزمان وقراءتها للحفاظ على الوقت - خاصة مع سهولة حملها.
12 - طريقة ترتيب العلوم بحسب السنوات، فمثلاً: السنة الأولى للعقيدة والسنة، التي بعدها للفقه، ثم التي بعدها للحديث، أو يجمع في السنة الواحدة بين علمين مترابطين فأكثر، ثم ينتقل إلى علوم غيرها وهكذا(/1)
كيف تتأثر بالقرآن الكريم وتحفظه
الحلقة الاولى:
مقدمه:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
?{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ?[ آل عمران 102 ].
?{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}[النساء1].{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }?[الأحزاب 70-71 ].
أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
قال الله سبحانه وتعالى : ?{ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون }? [البقرة 121]
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) رواه البخاري .وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه )) رواه مسلم . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين )) رواه مسلم .
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) رواه أبو داود والترمذي، صحيح الجامع 8122
أخي الحبيب ...
بقدر إقبالك على القرآن يكون إقبال الله تعالى عليك، وبقدر إعراضك عن القرآن يكون إعراض الله تعالى عنك ، وإنما يكون حظك يا عبد الله من درجات دار السلام بقدر حظك من القرآن . قال خباب بن الأرت لرجل : تقرب إلى الله ما استطعت ، واعلم أنك لن تقرب إلى الله تعالى بشيء هو أحب إليه من كلامه . وقال عثمان بن عفان : لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم . وقال بعض السلف لأحد طلابه : أتحفظ القرآن ؟ قال : لا . قال : لمؤمن لا يحفظ القرآن !!! فبم يتنعم !! فبم يترنم ! فبم يناجي ربه تعالى !؟ .
قال ابن القيم رحمه الله : قال بعض السلف: نزل القرآن ليعمل به فاتَخَذوا تلاوته عملا ، ولهذا كان أهل القرآن هم العاملون به ، والعاملون بما فيه ، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب ، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه ، فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم .
أخي الحبيب ...
هذه بعض الفوائد والنصائح والقواعد التي تعينك علىالتأثر بكتاب الله وحفظه ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن تنتفع بها في الدارين ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم }. {ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
تعريف القرآن الكريم
التعريف في اللغة
لفظ القرآن في اللغة مصدر مرادف للقراءة ويشير إليه قوله تعالى : { إنّ علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } القيامة 17 . وقيل : إنه مشتق من قرأ بمعنى تلا .وقيل : إنه مشتق من قرأ بمعنى جمع ومنه قرى الماء في الحوض إذا جمعه .
التعريف في الشرع
هو كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق ، المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية المعجزة المؤيدة له ، المتحدى به العرب المتعبد بتلاوته ، المنقول إلينا بالتواتر .
قال عز وجل : ?{ يريدون أن يبدلوا كلام الله }? . وقال سبحانه : ?{وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين } . ?
أنواع هجر القرآن
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد خمسة أنواع من هجر القرآن الكريم نسال الله سبحانه وتعالى ان لا نكون منهم .
أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .
والثاني : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به .
والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم .
والرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .
والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها ، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به ، وكل هذا داخل في قوله تعالى : { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} [الفرقان3] وإن كان بعض الهجر أهون من بعض أ هـ.
الغاية والثمرة من قراءة القرآن(/1)
لا بد من الحضور الفاعل الحي المؤثر أثناء تلاوة القرآن وتدبره والتعامل معه ، بكافة المشاعر والأحاسيس والانفعالات ، فلا يكون هدف قارىء القرآن مجرد الأجر والثواب فقط فهذا وارد وسيحصل عليه إذا أخلص النية بإذن الله .. كما لا يكون هدفه حشو ذهنه بالعلم والثقافة وزيادة رصيده من العلوم والمعارف لأن الوقوف عند الثقافة وحدها لا يولد عملا ولا التزاماً ولا سلوكا ، كما لا يكون هدفه الرياء ولا يبتغي من تلاوته عرضا من الدنيا أو غير ذلك ..
على قارىء القرآن أن يتلقاه بجميع مشاعره وأن يكون القرآن دليلاً عملياً لحياته في يومه ونهاره .. عليه أن يتلقاه بجميع أجهزة التلقي في جسمه وأن يربط بينها ويحولها إلى برنامج يومي وسلوك عملي وحقائق معاشه ، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي الله عنه : ( كان خلقه القرآن ) وكذلك يقتدي بالصحابة رضي الله عنهم الذين يتلقون القرآن تلقيا للتنفيذ فور سماعه .
وعلى قارىء القرآن أن لا يخلط بين الوسائل والغايات ، وأن لا يجعل من الوسائل غايات لأن كل ما يستخدمه أثناء التلاوة لا يعدو أن يكون وسائل توصله إلى غاية واحدة محددة .. فالتلاوة والتدبر والنظر ، وما يحصل عليه من حقائق ومعلومات وتقريرات والاطلاع على التفاسير والحياة مع القرآن لحظات أو ساعات كل هذا لا يجوز أن تكون إلا وسائل لغاية ، فإن وقف عندها واكتفى بها فلن يحيا بالقرآن ولن يعيش معه ولن يدرك كيفية التعامل والتأثر بالقرآن ..
إن الثمار التي يريدها قارىء القرآن لن تكون إلا في تحقيق الغاية التي حددها القرآن الكريم للمؤمن المتدبر .. قال تعالى :
?{ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين . الله نزل أحسن الحديث كتابا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ..}? الزمر 22-23
إن الغاية المحددة هنا هي ( الهدى ) باعتبارها وردت خاتمة للآيتين اللتين تحددان كيفية التلاوة وتصفان أحوال الذين يقومون بها وتسجل مظاهر الثاثر والتغير والانفعال عليهم ، ثم تبين الثمرة لهذه التلاوة وتحدد الغاية منها وتدعو المؤمن إلى أن يلحظها ويسعى إلى تحقيقها ..
وهناك آية أخرى تقرر غاية أخرى للتلاوة وهي قوله تعالى:
? { أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } ?الأنعام 122
الحياة العزيزة الكريمة التي تليق بالمؤمن وتبارك عمره وترفعه وتزكيه ... الحياة التي لا بد أن يجعلها غاية له من تلاوته وثمرة له يجنيها من رحلته فيه ونتيجة عمله يحققها من تعامله مع القرآن . هذه غاية التلاوة وثمرة التعامل مع القرآن ونتيجة التدبر وكل ما سواها وسائل لتحقيقها .
مفاهيم أساسية لمن أراد أن يتأثر بالقرآن
1) أن يحسن نظرته للقرآن وينظر له على أنه كتاب شامل ومنهج حياة متكاملة فإن الزاوية التي ينظر منها والصورة التي يرسمها للقرآن مرتبطة ارتباطاً مباشراً في كيفية التعامل مع القرآن والتأثر به .
2) الإلتفات إلى الأهداف الأساسية للقرآن وعدم الوقوف فقط عند بعض الأهداف الفرعية أو التي لا يريدها القرآن ولا يهدف لها . والأهداف الرئيسية للقرآن تتمثل في :
أ- الهداية إلى الله تعالى وبيان التوحيد .
ب- بيان الأحكام الشرعية وما يصلح احوال الناس .
ج- إيجاد الشخصية الإسلامية المتكاملة المتوازنة .
د- إيجاد المجتمع الإسلامي القرآني الأصيل .
هـ - قيادة الأمة المسلمة في معركتها مع الجاهلية من حولها
3) الإلتفات إلى المهمة العملية للقرآن : فعندما يعرف الأهداف الأساسية للقرآن من خلال قراءة القرآن فإنه حتما
سيعرف أن مهمة هذا القرآن ورسالته عملية واقعية .
4) المحافظة على جو النص القرآني وعدم الانشغال بأي شاغل أثناء التلاوة ويحرص على أن يحضر كل أجهزة وأدوات الاستجابة والتأثر والانفعال .
5) الثقة المطلقة بالنص القرآني وإخضاع الواقع المخالف له، فمثلا لو كان واقع بعض المسلمين مخالف لنصوص من القرآن أو يطبقون بعض الأمور بطريقة تخالف النص القرآني فلا نقول ان هذا من القرآن ، وإنما هو من عدم الفهم الصحيح من هؤلاء المسلمين للقرآن .
6) الاعتناء بمعاني القرآن التي عاشها الصحابة عمليا ومحاولة الاقتداء بهم .
7) الشعور بأن الآية موجهة له هو وأن الخطاب يعنيه هو شخصيا .
8) تحرير النصوص القرآنية من قيود الزمان والمكان فهو صالح لكل زمان ومكان وتوجيهاته لكل الناس إلا ما ورد فيه
استثناء أو تخصيص أو تقييد .
9) أن لا يكون هم القارىء كثرة القراءة او الانتهاء منها بأقصر وقت فقط ، فهذا يمنعه من تدبره والتامل فيه .
10) أن يصاحب من يعاونه على هذا الخير ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق فإنه له أكبر الأثر في تعميق قراءة القرآن والتأثر به ..
قال تعالى:?{ وكونوا مع الصادقين}?التوبة 119(/2)
خطوات التأثر بالقرآن الكريم
الحلقة الرابعة:
1) استحضار الجو الإيماني ومعايشة الحالة الإيمانية التي سيتقدم بها الفهم والتدبر وذلك بان يراعى آداب تلاوة القرآن والتي سنذكرها فيما بعد إن شاء الله .
2) تلاوة القرآن الكريم والوقوف على كل آية وتدبرها والانفعال معها .
3) تسجيل الخواطر والمعاني لحظة ورودها أو بعد الانتهاء من القراءة .
4) الاطلاع على تفسير مختصر لبيان كلمة غريبة أو تحديد معنى غامض أو معرفة حكم خاص ، فهذا الاطلاع للتوضيح أو التصويب أو الاستدراك مثل كتاب زبدة التفسير للشيخ محمد سليمان الأشقر .
5) محاولة تطبيق كل آية في كتاب الله تمر أثناء القراءة في الواقع واستخراج العبر والعظات من قصص السابقين وتدوينها والرجوع إليها بعد الرجوع إلى تفاسير السلف .
6) الحرص على حفظ الآيات في الصدر كما فعل سلفنا الصالح وكما كان يفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحفظ العشر آيات ولا ينتقل إلى غيرها حتى يطبقها وتكون واقعا عمليا في حياته .
7) الاطلاع على تفسير مطول يتوسع صاحبه في مباحثه ويستطرد في موضوعاته ويعرض ألوانا مختلفة من المعارف والثقافات مثل تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير السعدي وأضواء البيان للشنقيطي .. وغيرها .
آداب تعين على التأثر بالقرآن
الحلقة الخامسة:
وهذه الآداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب بالنص ، ومنها ما هو مرغب فيه عند بعض العلماء وليس فيه نص ..
أولا : آداب قلبية
1) أن يخلص لله في قراءته بأن يقصد بها رضى الله وثوابه ويستحضر عظمة منزل القرآن في القلب ،فكلما عظم الله في قلبك وخافه قلبك وأحبه كلما عظم القرآن لديك ، وأن يتنبه إلى أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وأن لا يطلب بالقرآن شرف المنزلة عند أبناء الدنيا .قال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يسأل عبد عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله .
2) التوبة والابتعاد عن المعاصي عموما فهي تذهب بنور الإيمان في القلب والوجه وتوهن القلب وتمرضه وتضعفه ، فالقلب المريض أبعد الناس عن التأثر بالقرآن ، وعلى وجه الخصوص ينبغي على العبد أن يبتعد عن معاصي أدوات التأثر بالقرآن وهي القلب والسمع واللسان والبصر ، فاستخدام هذه الأدوات في الحرام يعرضها لعدم الانتفاع بها في الحق . ومن أخطر المعاصي وأعظمها صدا عن التأثر بالقرآن وتدبره ، سماع الغناء والموسيقى وآلات الطرب واللهو التي تصد القلوب عن القرآن وهذه من أعظم مكائد عدو الله إبليس التي كاد بها كثير من الناس فأبعدهم عن القرآن وتفهمه والتأثر به .
3) أن يحضر القلب ويطرد حديث النفس أثناء التلاوة ويصون يديه عن العبث وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة .
4) التدبر ومحاولة استيعاب المعنى لأنها أوامر رب العالمين التي يجب أن ينشط العبد إلى تنفيذها بعد فهمها وتدبرها .
5) أن يتفاعل قلبه مع كل آية بما يليق بها فيتأمل في معاني أسماء الله وصفاته حسب فهم السلف ويتأسى بأحوال الأنبياء
والصالحين ويعتبر بأحوال المكذين .. وهكذا .
6) أن يستشعر القارئ بأن كل خطاب في القرآن موجه إليه شخصيا .
7) التأثر فيتجاوب مع كل آية يتلوها فعند الوعيد يتضاءل خيفة ، وعند الوعد يستبشر فرحا ، وعند ذكر الله وصفاته وأسماءه يتطأطأ خضوعا ، وعند ذكر الكفار وقلة أدبهم ودعاويهم يخفض صوته وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم ، ويشتاق للجنة عند وصفها ، ويرتعد من النار عند ذكرها .
8) أن يتبرأ من حوله وقوته إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويتحاشى النظر إلى نفسه بعين الرضا والتزكية .
9) تحاشي موانع الفهم مثل أن يصرف همه كله إلى تجويد الحروف وغير ذلك ، ويجب عليه أيضا حصر معاني آيات القرآن فيما تلقنه من تفسير .
آداب تعين على التأثر بالقرآن
الحلقة السادسة:
وهذه الآداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب بالنص ، ومنها ما هو مرغب فيه عند بعض العلماء وليس فيه نص ..
ثانيا : آداب ظاهرية
1) يستحب أن يتطهر ويتوضأ قبل القراءة لما روى ان عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:? (( لا يمس القرآن إلا طاهر ))? صحيح الجامع 7657
2) أن يستاك فيطيب وينظف فمه بالسواك لأنه طريق القرآن.
3) الأفضل أن يستقبل القبلة عند قراءته لأنها أشرف الجهات وإن لم يستقبل القبلة فلا حرج في ذلك .
4) أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إذا بدأ من أول السورة .
5) أن يتعاهد القراءة بالمواظبة على قراءته وعدم تعريضه للنسيان ، وينبغي أن لا يمضي عليه يوم إلا ويقرأ فيه شيئا من القرآن حتى لا ينساه ولا يهجر المصحف .
6) عدم قطع القراءة بكلام لا فائدة فيه واجتناب الضحك واللغط والحديث إلا كلاما يضطر إليه ، وليقتد بما رواه البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه .(/3)
7) أن يحسن صوته بالقرآن ما استطاع ( زينوا القرآن باصواتكم ، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حُسنا ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع 3580
وأن يرتل قراءته وقد اتفق العلماء على استحباب الترتيل ?{ورتل القرآن ترتيلا }? . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله. وعن مجاهد أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران والآخر البقرة وحدها وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء ؟ فقال : الذي قرأ البقرة وحدها أفضل .
8) أن يحترم المصحف فلا يضعه في الأرض ولا يضع فوقه شيئاً ولا يرمي به لصاحبه إذا أراد أن يناوله إياه ولا يمسه إلا وهو طاهر .
9) اختيار المكان المناسب مثل المسجد أو مكانا في بيته بعيدا
عن الموانع والشواغل والتشويش ، أو حديقة أو غير ذلك ... ويجب أن يكون المكان بعيدا عن ما يبعد الملائكة من صور معلقة وأجراس ....الخ
10) اختيار الوقت المناسب والذي يتجلى الله فيه على عباده وتتنزل فيه فيوضات رحمته ، وأفضل القراءة ما كان في الصلاة ، وأما القراءة في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل ، والنصف الأخير من الليل أفضل من الأول ، وأما قراءة النهار فأفضلها بعد صلاة الفجر .
11) ترديد الآية للتدبر والتاثر بها ، وقد ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى اصبح ) والآية ?{ إن تعذبهم فإنهم عبادك}?[المائدة 78] . رواه النسائي وابن ماجة . وقد ثبت عن كثير من الصحابة والسلف ايضا ترديد آيات معينة لتدبرها والتاثر بها .
12) البكاء أثناء التلاوة وبخاصة عند قراءة آيات العذاب أو المرور بمشاهده وذلك عندما يستحضر مشاهد القيامة وأحداث الآخرة ومظاهر الهول فيها ثم يلاحظ تقصيره وتفريطه ، فإذا لم يستطع البكاء فليحاول التباكي ، والتباكي هو استجلاب البكاء فإن عجز عن البكاء والتباكي فليحاول أن يبكي على نفسه هو وعلى قلبه وروحه لكونه محروما من هذه النعم الربانية مريضا بقسوة القلب وجحود العين .
اللهم إنا نعوذ بك من عين لا تدمع وقلب لا يخشع .
13) على المستمع للقرآن أن يتأدب بالآداب السابقة كلها ويزيد عليها حسن السماع وحسن الإنصات والتدببر وحسن التلقي وأن لا يفتح أذنيه فقط بل كل مشاعره وأحاسيسه ،
?قال تعالى : { وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } ?الأعراف 204
مظاهر تأثير القرآن في الناس
الحلقة السابعة:
إن القرآن الكريم له أثره العظيم في حياة الناس سواءً كانوا من أوليائه أو من أعدائه وقد ثبت ذلك في تصرفات الناس كافة بعد نزول القرآن الكريم ويمكن أن نجمل مظاهر تأثير القرآن الكريم في حياة الناس فيما يلي :
أولا : مظاهر تأثير القرآن الكريم في أعدائه
المظهر الأول :
أن هؤلاء المشركين مع حربهم له ، ونفورهم مما جاء به كانوا يخرجون في جنح الليل البهيم يستمعون إليه والمسلمون يرتلونه في بيوتهم فهل ذاك إلا لأنه استولى على مشاعرهم ، ولكن أبى عليهم عنادهم وكبرهم وكراهتهم للحق أن يؤمنوا به { بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون } .
المظهر الثاني :
أن أئمة الكفر منهم كانوا يجتهدون في صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءته في المسجد الحرام وفي مجامع العرب وأسواقهم ، وكذلك كانوا يمنعون المسلمين من إظهاره حتى لقد هالهم من أبي بكر أن يصلي به في فناء داره، وذلك لأن الأولاد والنساء كانوا يجتمعون عليه يستمتعون بلذة هذا الحديث ويتأثرون به ويهتزون له .
المظهر الثالث :
أنهم ذعروا ذعرا شديدا من قوة تأثيره ونفوذه إلى النفوس على رغم صدهم عنه واضطهادهم لمن أذعن له ، فتواصوا على ألا يسمعوه ، وتعاقدوا على أن يلغوا فيه إذا سمعوه ، { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } .
المظهر الرابع :
أن بعض شجعانهم وصنايهم كان الواحد منهم يحمله طغيانه وكفره وتحمسه لموروثه ، على أن يخرج من بيته شاهرا سيفه معلنا غدره ناويا القضاء على دعوة القرآن ومن جاء بالقرآن ، فلم يلبث حين تدركه لمحة من لمحات العناية وينصت إلى صوت القرآن في سورة أو آية أن يذل للحق ويخشع ويؤمن بالله ورسوله وكتابه ويخضع . وإن أرت شاهدا على هذا فاستعرض قصة إسلام عمر بن الخطاب وهي مشهورة . وانظر كيف أسلم سعد بن معاذ سيد قبيلة الأوس هو وابن أخيه أسيد بن حضير رضي الله عنهم أجمعين .
مظاهر تأثير القرآن في الناس
الحلقة الثامنة:
ثانيا : مظاهر تأثير القرآن في نفوس أوليائه
المظهر الأول :(/4)
تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وفي غير الصلاة ، حتى لقد طاب لهم أن يهجروا لذيذ منامهم من أجل تهجدهم به في الأسحار ، ومناجاتهم العزيز الغفار . وما كان هذا حالاً نادرا فيهم ، بل ورد أن المار على بيوت الصحابة بالليل كان يسمع لها دويا كدوي النحل بالقرآن . وكان التفاضل بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن . وكانت المرأة ترضى بل تغتبط أن يكون مهرها سورة يعلمها إياها زوجها من القرآن .
المظهر الثاني :
عملهم به وتنفيذهم لتعاليمه ، في كل شأن من شؤونهم تاركين كل ما كانوا عليه مما يخالف تعاليمه ويجافي هداياته ، طيبة بذلك نفوسهم ، طيعة أجسامهم ، سخية أيديهم وأرواحهم ، حتى صهرهم القرآن في بوتقته وأخرجهم للعالم خلقا آخر مستقيم العقيدة قويم العباة طاهر العادة كريم الخلق نبيل المطمح .
المظهر الثالث :
استبسالهم في نشر القرآن والدفاع عنه وعن هدايته فأخلصوا له وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه وهو مدافع عنه ، ومنهم من انتظر حتى أتاه الله اليقين وهو مجاهد في سبيله مُضحٍ بنفسه ونفيسه . ولقد بلغ الأمر إلى حد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرد من يتطوع بالجندية من الشباب لحداثة أسنانهم وكان كثيرا من ذوي الأعذار يؤلمهم التخلف عن الغزو .
المظهر الرابع :
ذلك النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن الكريم في هداية العالم في زمن قصير جدا
نماذج من تأثر السلف الصالح بالقرآن
الحلقة التاسعة:
1) قال عبدالله بن عروة ببن الزبير : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن ؟ قالت : ( تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله ) .
2) روى ابن أبي الدنيا من حديث عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : سمعت عبدالله بن حنظلة يوما وهو على فراشه وعدته من علته ، فتلا رجل عنده هذه الآية { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } فبكى حتى ظننت أن نفسه ستخرج ، وقال : صاروا بين أطباق النار ثم قام على رجليه ، فقال قائل : يا أبا عبدالرحمن اقعد ، قال منعني القعود ذكر جهنم ولعلي أحدهم .
3) قال ابن أبي مليكة : صحبت ابن عباس - يعني في السفر - فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفا حرفا ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب .
4) ومن حديث عبدالرحمن بن مصعب أن رجلا كان يوما على شط الفرات فسمع قارئا يتلو { إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون } فتمايل ، فلما قال التالي : { لا يفتر عنهم وهم فيها مُبلسون } سقط في الماء فمات .
5) ومن حديث أبي بكر بن عياش قال : صليت خلف فضيل بن عياض صلاة المغرب وإلى جانبي علي بن فضيل فقرأ الفضيل { الهاكم التكاثر } فلما بلغ { لترون الجحيم } سقط علي مغشيا عليه ، وبقي الفضيل لا يقدر يجاوز الآيه ، ثم صلى بنا صلاة خائف ، قال ثم رابطت علياً فما أفاق إلا في نصف الليل .
6) سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور فلما بلغ إلى قوله تعالى { إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع } قال عمر : قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله فمرض شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه .
7) خرج ابن أبي الدنيا وغيره من غير وجه قصة منصور بن عمار مع الذي مر بالكوفة ليلا وهو يناجي ربه فتلا منصور هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } .. قال منصور : فسمعت دكدكة لم أسمع بعدها حساً ، ومضيت فلما كان من الغد رجعت فإذا جنازة قد اخرجت وإذا عجوز فسألتها عن أمر الميت ولم تكن عرفتني .. فقالت : هذا رجل لا جازاه الله خيرا ، مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله ، فتفطرت مرارته فوقع ميتا ..
8) قال محمد بن حجادة : قلت لأم ولد الحسن البصري ما رأيت منه - أي الحسن البصري - فقالت : رأيته فتح المصحف ، فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لا تتحركان
9) قال قتادة : ( ما أكلت الكرات منذ قرأت القرآن) ، يريد تعظيما للقرآن .
10) وكره أبو العالية : أن يقال سورة صغيرة أو قصيرة وقال لمن سمعه قال ها أنت أصغر منها ، وأما القرآن فكله عظيم
فوائد قيمة ونصائح غالية
الحلقة العاشرة:
أولا : تضرع إلى الله سبحانه وتعالى وأكثر من الدعاء
بأن يعينك على حفظ القرآن فإن القرآن كما قال محمد بن واسع : ((... بستان العارفين ، فأينما حلُّوا منه حلُّوا في نزهة )) . واعلم أن الإلحاح في الدعاء من أعظم آداب الدعاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل )) قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : (( يقول : قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويَدَع الدعاء )) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وكما قيل : من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له .
ثانيا : اجعل لك وِرْداً يوميا تتلو فيه القرآن(/5)
وحبذا أن لا يقل عن جزء في اليوم ، ولا تبدأ عملك اليومي في مدارسة العلم إلا بعد الانتهاء من ورد القرآن . ولا يشغلنك الحفظ عن التلاوة ، فإن التلاوة وقود الحفظ.
ثالثا : داوم على أذكار الصباح والمساء والنوم ،
وأيضا المداومة على الأحراز التي تحفظك بإذن الله من الشيطان، فإن الذكر عدو الشيطان قال تعالى : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة آية 91 . فإِنْ حَفِظَك اللهُ من الشيطان استطعت المداومة على تلاوة كتابه وحفظه ، لأن الشيطان نعوذ بالله منه إذا عجز عن إيقاع المسلم في الشرك والبدع والكبائر والصغائر، وسوس له ودعاه إلى الاشتغال بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب أو يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ، كمن يشتغل بالصلاة النافلة والإمام قائم يصلي الفريضة ، وكمن يشتغل بحفظ الشعر الذي هو كلام البشر ولا يحفظ من القرآن إلا القليل .
رابعا : لا تتخلفن عن مجالس العلماء ،
خاصة مجالس القرآن إلا لعذر ، ومقياس هذا العذر أنك لو وعدت في هذا المجلس بعشرة آلاف ريال هل كنت ستتخلف عنها؟؟!!.. البعض لو دعي إلى عقيقة أو وليمة لبى مسرعا ، وإذا مر بمجلس علم ولى مدبرا!! ويقول البعض في هذه الأيام أستطيع سماع هذا المجلس من الأشرطة المسجلة !! ولكن هذا المسكين قد حرم نفسه من أجر عظيم وهو لا يعلم ، روى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله عز وجل ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )) .
خامسا : عليك بالصاحب الذي يساعدك على ذكر الله،
فإن بعض الأصحاب إذا دعوته لتلاوة القرآن أخبرك بأنه يريد الانصراف لأمر ما ، ولو أنك استرسلت معه في حديث غيره ما أخبرك بالانصراف ، فاظفر بالصديق الذي يعينك على تلاوة القرآن فإنه كنز نفيس .
سادسا : إذا صليت وراء إمام ، وكنت تحفظ الآيات التي يتلوها في الصلاة ، فقف مستمعا لا مصححا ،
فإذا التبست عليه بعض الآيات لتكن نيتك عند التصحيح إجلال كلام الله تعالى وحفظه ، وإلا كما جاء في سنن ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من تعلم العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، أدخله الله جهنم )) .
سابعا : اعلم أن بداية العلم هو حفظ القرآن، وكل آية تحفظها باب مفتوح إلى الله تعالى ،
وكل آية لا تحفظها أو أنسيتها باب مغلق ، حال بينك وبين ربك ، واعلم أن المسلم لو عرض عليه ملء الأرض ذهبا لا يساوي نسيانه أقصر سورة في القرآن ، بل لا يساوي حرفا واحدا من كتاب الله تعالى ، فينبغي أن يكون حرصك على ما لا تحفظه من القرآن أكثر من حرصك على أقصر سورة في القرآن(*) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) تنبيه : كره بعض العلماء أن يقال أصغر سورة ، حيث لا صغير في القرآن ، وإنما يقال أقصر سورة .
ثامنا : حافظ على الوضوء عند قراءة القرآن مع إحسانه،
ومعنى إحسانه هنا اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء .
تاسعا : المحافظة على الاستغفار والإكثار منه،(/6)
فإن نسيان القرآن من الذنوب . قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : إني لأحتسب أن الرجل ينسى العلم قد عَلِمَه بالذنب يعمله [ جامع بيان العلم وفضله ]. وجاء في طبقات الحنفية لعلي القارى [2/487] ( وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى ورضي عنه : إذا أشكلت عليه مسألة قال لأصحابه : ما هذا إلا لذنب أحدثته ! وكان يستغفر، وربما قام وصلى ، فتنكشف له المسألة . ويقول: رجوت أني تيب عليّ . فبلغ ذلك الفضيل بن عياض ، فبكى بكاء شديدا ثم قال : ذلك لقلة ذنبه ، فأما غيره فلا ينتبه لهذا ) . وجاء في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر في ترجمة وكيع بن الجراح الكوفي[11/129] : (وهو أحد الأئمة الأعلام الحفاظ ، وقد كان الناس يحفظون تكلفا ، ويحفظ هو طبعا ، قال علي بن خثرم : رأيت وكيعا وما رأيت بيده كتابا قط، إنما هو يحفظ ، فسألته عن دواء الحفظ؟ فقال : ترك المعاصي ، ما جربت مثله للحفظ ) . وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد : ( الذنوب جراحات ، ورب جرح وقع في مقتل !! وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله ، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي! وإذا قسا القلب قحطت العين، وقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم ، والكلام والمخالطة). ومن آثار المعاصي كما ذكر ابن القيم في الجواب الكافي : ( حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تطفىء ذلك النور ) ، ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا ، فلا تطفئه بظلمة المعصية ،
وقال الشافعي :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يُهدى لعاصي
وذكر ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى في سورة الشورى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } عن الضحاك قال : ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ { وما أصابكم من مصيبة ..} الآية ثم قال الضحاك : وأي مصيبة أكبر من نسيان القرآن .
عاشرا : احذر من الغرور بما تحفظه من كتاب الله وتعلم القرآن ،
وليكن تعلمك للقرآن ابتغاء ما عند الله واكتساب الخشية والسكينة والوقار لا الاستكبار . قال العلامة المناوي في فيض القدير : ( فإن العلم لا ينال إلا بالتواضع ، وإلقاء السمع ، وتواضع الطالب لشيخ رفعة، وذلُّه له عز ، وخضوعه له فخر . وقال السليمي : ما كان إنسان يجترىء على ابن المسيب ليسأله حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير . وقال الشافعي : كنت أتصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها . وقال الربيع -تلميذ الإمام الشافعي (والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر) انتهى.
فانظر رحمني الله وإياك في أحوال السلف وكيف كان تواضعهم في العلم وشتى أمورهم ، واحذر ثم احذر أن تنظر إلى الناس بعين الاحتقار والتقليل من شأن بعضهم لأنك تحفظ القرآن وهم لا يحفظون فإنها مصيبة أيما مصيبة !!.
حادي عشر : اعلم أخي أن حفظ القرآن نعمة عظيمة على الحافظ لكتاب الله تستحق الشكر
حيث يكون القلب عامرا فاحمد الله أيها الحافظ واشكره على هذه النعمة ،
قال تعالى : ?{ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}?[إبراهيم 7 ] .
بعض الوسائل والطرق التي تعين على الحفظ
الحلقة الثانية عشرة:
- مصحف الحفاظ : ويتميز بأن الصفحة دائما تبدأ برأس آية وتختتم برأس آية وأن الأجزاء لا تبدأ إلا برؤوس الصحائف مما ييسر على القارىء تركيز بصره في الآية حتى ينتهي من استظهارها من غير أن يتوزع ذهنه بين صفحتين .
2- المصحف المجزأ : سواء كان كل جزء مستقل أو كل خمسة أجزاء مستقلة فبالإمكان الاحتفاظ بواحد في الجيب بسهولة ويسر .
3- قراءة الآيات قراة متأنية : يستحسن لمن أراد الحفظ تلاوة الآيات وقراءتها قراءة متأنية قبل الحفظ ليرسم لنفسه الصورة العامة لها .
4- الطريقة الثنائية : ينبغي أن يبحث عن أخ يشترك معه في الحفظ ويتخذه خليلا في الذهاب والإياب والمدارسة ، ويستحسن وجود التلاؤم والوفاق بينهما من الناحية النفسية والتربوية والدراسية والسن أيضا حتى تثمر هذه الطريقة في الحفظ.
5- تقسيم الآيات إلى مقاطع يربطها مثلا موضوع واحد وتحفظ من أولها إلى آخرها جملة أو يمكن اعتبار خمسة آيات تبدأ أو تنتهي بحرف معين مقطعا مستقلا أو آية جامعة تبدأ بـ { يا أيها الذين آمنوا } أو { يا أيها الناس } وغير ذلك .. وبهذا التقسيم تصغر الصفحة في نظر القارىء وتصبح كل صحيفة مقطعين أو ثلاثة يمكن حفظها بسهولة .
6- قراءة الآيات في الصلاة وقيام الليل والنوافل فإذا حفظت مقطعا فكرره في جميع الفروض والنوافل وتحية المسجد ، فكلما كررت ونسيت فعد إلى المصحف فإنك سوف تحفظه بإذن الله ، وقيام الليل من أحفظ ما يكون للقرآن { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلاً }(/7)
7- طريقة الكتابة : وتتم بأن يكتب الطالب المقطع بيده على السبورة أو على ورقة بالقلم الرصاص ثم يحفظها ثم يبدأ بمسح المقطع بالتدريج لينتقل إلى مقطع آخر .
8- طريقة للمراجعة : يمكنك أن تأتي بكراسة من الورق الأبيض ، في نفس حجم طبعة المصحف الذي تحفظ منه ، ثم ترقم صفحاتها بنفس ترقيم المصحف ، مع قيامك برسم المستطيل الداخلي في كل ورقة ، بنفس مقاس تلك الطبعة ، ثم بعد ذلك تقوم بكتابة الكلمات التي أنسيتها أو التبس عليك حفظها ، بخط واضح كاللون الأحمر مثلا ، مع تركك باقي الصفحة دون كتابة ، فإذا أردت مراجعة سورة ما نظرت إلى تلك الكراسة . ويمكن استعمال أقلام التظهير على الكلمات محل الالتباس في الحفظ وتظهيرها في المصحف مباشرة ، وعند المراجعة تقرأ فقط الكلمات المظهرة .
9- الالتزام بالبرنامج المكتوب
فلا بد أن يعتمد من أراد حفظ القرآن برنامجا محددا مكتوبا يلتزم به يوميا ويكون هذا البرنامج حسب طاقته وقدرته على الحفظ ، فضع لك برنامجا تستطيع الاستمرار بتنفيذه .
10- فهم المعنى العام للآية
فهو باب لرسوخ الحفظ في الذهن .
11- الالتحاق بمدارس وحلقات تحفيظ القرآن في المساجد أو غيرها فإنها تعين الراغب في الحفظ على المتابعة وفهم المعنى وإتقان التلاوة . وهي من أنفع الطرق للصغار والفتيان في حفظ القرآن .
12- الالتزام بإمامة مسجد وتعتبر وسيلة ناجحة جدا لمن يستطيعها تجعل الفرد في متابعة وحرص على إتقان الحفظ دائما .
13- الترديد والتكرار : ويقصد بها الترديد مع المعلم أو مع شريط لقارىء متقن التجويد ، وتكرار سماع الشريط لأن السماع من الوسائل القوية في الحفظ عند الكثير من الناس ، فيرسخ السماع في الذهن كما يرسخ مكان الكلمات في المصحف في الذهن .
وهذه الطريقة مفيدة وهي من أكثر الطرق ثمرة خاصة مع الصغار . قال ابن مسعود رضي الله عنه : حفظت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة .
من عوائق الحفظ
الحلقة الثالثة عشرة
هناك بعض الأسباب التي تمنع الحفظ وتعين على نسيان القرآن والعياذ بالله ، ولا بد لمن أراد أن يحفظ القرآن الكريم أن ينتبه لها وأن يتجنبها .. و فيما يلي أهمها :
1- كثرة الذنوب والمعاصي فإنها تنسي العبد القرآن وتنسيه نفسه وتعمي قلبه عن ذكر الله وتلاوة وحفظ القرآن .
2- عدم المتابعة والمراجعة الدائمة والتسميع لما حفظه من القرآن الكريم .
3- الاهتمام الزائد بأمور الدنيا يجعل القلب معلقا بها وبالتالي يقسو القلب ولا يستطيع أن يحفظ بسهولة .
4- حفظ آيات كثيرة في وقت قصير والانتقال إلى
غيرها قبيل إتقانها .
5- الحماس الزائد للحفظ في البداية مما يجعله يحفظ كثيرا دون إتقان ثم إذا وجد نفسه غير متقن فتر عن الحفظ وتركه .(/8)
كيف تتحكم في شهوتك ؟
وسائل عملية
أولاً: صدق الله وكذب بطن أخيك
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، يا رسول الله إن أخي يستطلق بطنه [يشتكي ألمًا فيها] فقال: اذهب فاسقه عسلاً، فذهب فسقاه ثم عاد فقال: يا رسول الله إن أخي يستطلق بطنه، فقال: اذهب فاسقه عسلاً فذهب فسقاه ثم عاد فقال: يا رسول الله إن أخي يستطلق بطنه فقال: اذهب فاسقه عسلاً ثم عاد فقال: يا رسول الله إن أخي يستطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [صدق الله وكذب بطن أخيك] اذهب فانظر أخاك فذهب فرآه قد شفي.
إن الملاحظ في العلاجات القرآنية والنبوية للمشاكل الإنسانية والأمراض البشرية اعتمادها بشكل أساسي على الإيمان بالغيب, فالثقة واليقين بالطبيب من أهم مقومات العلاج لنجاحه، والواحد منا في مجلسه في عيادة الطبيب يحسم أمره هل يثق به أم لا ؟ هذا وهو يسلمه حياته الدنيوية بإذن الله، فكيف في سعادة العبد وشقائه في حياته الدنيوية والأخروية ؟ فكيف بحياة الروح واستقرار النفس وسكونها ؟ كيف والطبيب هو الله تعالى؟فالعلاج الرباني ثم النبوي هو أدق علاج وأصوبه لأمراض النفس البشرية، لكن الخلل إنما يأتي من عدم ثقة العبد في علم الطبيب وحكمته، فلا يحسن الالتزام بالعلاج، وبالتالي فلا يتم الشفاء ويرجع المريض باللائمة على الطبيب والعلاج.
كانت هذه المقدمة بغرض بيان قاعدة مهمة مفادها: الكثير من الكتب تنزل الأسواق يوما وراء يوم تعالج قضية الشهوة ومعاصي الشهوة عند شباب الأمة لكن أغلبها فيما رأينا وطالعنا يكتفي بالتوجيه إلى سلسلة من التنبيهات المتعددة للواجبات اليومية المختلفة وغالبية المتعرضين لضغوط الشهوة من الشباب لا يجدون فيها العلاج الشافي فينصرفون عنها وهم يمصمصون شفاههم والحق أن موطن الداء ليس في توصيف الدواء بقدر ما هو في اليقين في فهم الطبيب وقدرته ومن ثم التعامل مع دوائه بالصدق واليقين اللازمين لتحقيق الشفاء بإذن المولى القدير.
ثانيًا: ملامح في علاج ضغط الشهوة:
[1] الصلة بينك وبين الله تعالى:
وهي العاصم الرئيسي من هذه المعصية، فالعبد ما ظل في طاعة الله تعالى ما عصمه الله من الوقوع والسقوط وهي صلة مستمرة تثمر مراقبة لله تعالى والإحسان في عبادته، واستحضار الثواب والعقاب، وهي أيضا وسيلة النجاة من الاستحواذ الشيطاني على العقل والفكر والنفس والروح، والانشغال بالمقصد الرئيسي من خلق الإنسان، وهو عبادة الله تعالى ومن ثم عمارة الأرض وهذه الصلة بين الله تعالى وبينك لها شقان:
شق عملي: هو الذي يتم البدء به عن طريق إقامة الصلوات الخمس حيث ينادي بهن في بيت الله تعالى والحفاظ على النوافل للصلاة، والأذكار الموظفة أي أذكار ما بعد الصلاة وأذكار الصباح والمساء والنوم وكذا الحفاظ على ورد ثابت من القرآن الكريم يوميًا للقراءة فهذا مقياس الإقبال على الله تعالى وعصمته لعبده من الوقوع في المعصية فهو علامة على مدى طهر القلب لقول عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما عاتبه الصحابة في كثرة قراءته لكتاب الله تعالى 'لو طهرت قلوبنا ما شبعت من القرآن' والمواظبة على هذه الأفعال حتى تتحول إلى عادات لا يمكن التنازل عنها هذه مقومات هذا الشق العملي [ عبادات + مواظبة واستمرار = عصمة ربانية ].
أما الشق الثاني: فهو أثر للشق الأول وهو المقصود الأساس من ورائه ألا وهو الشق القلبي: أي ما تثمره تلك العبادات الظاهرة من عبادات قلبية وهي ما ذكرناه من قبل تحت عنوان مراقبة لله تعالى {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:18] {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] واستحضار الثواب والعقاب: [من يضمن لي ما بين لحييه [فكيه] ورجليه [فرجه] أضمن له الجنة] وحديث معاذ بن جبل قال فيما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: [لا يدع الله العباد يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يسألهم عن أربع عما أفنوا فيه أعمارهم، وعما أبلوا فيه أجسادهم، وعما كسبوا وفيما أنفقوا وعما علموا فيما عملوا]] [رواه الدارمي في سننه [537]].
[2] أنا ونفسي:
وهذا هو الملمح الثاني في العلاج وهو تفاعل الإنسان مع نفسه وتربيته لها وصياغته إياها إنه لا بد من تدريب النفس على السيطرة على الأفكار والقدرة على محاصرتها وتمييز الجيد منها من الردئ، وإغلاق الطريق أمام الأخير كي لا يتفاعل وينتقل إلى عالم الواقع مع النفس لا بد من جهد يبذل وصبر على طول الطريق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]
ويتمثل الجهد المبذول في أمور منها:(/1)
أ] غض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] ويعنيني هنا في المقام الأول كيفية التعامل مع غض البصر في أرض الواقع خاصة مع حجم وضغط المناظر القبيحة التي تملأ الطرقات.
إن أول الطريق إلى إمكان غض النظر عن هذه المناظر هو أن يخاطب المرء نفسه حين وقوع البصر عليها بأنها قبيحة ولكن كيف يتسنى له ذلك وهي تثير الشهوة وتبرز الجمال ؟ نعم هي تثير الشهوة وتبرز الجمال لكنه جمال رخيص تناله كل يد وتتفحصه كل عين، إنه علامة على عدم الحياء وسوء الخلق، إن متعلق الجمال والقبح إنما يكون في ذهن الشخص لا في واقع الحال، فينبغي أن يخاطب الإنسان نفسه خطاب المستقبح لهذا المشهد حتى تبدأ العين في النفور من المشهد، وهذا كما ذكرنا سابقًا سيلتزم تكلفًا في أول الأمر لكن بالاستمرار يصل إلى ما يريد، إننا عندما نريد تربية أبنائنا على غض البصر لا بد أن يروا منا تفاعلاً خارجيًا قويًا عند رؤية أي من هؤلاء المتجاوزات لحدود الله تعالى، تفاعل ينم ويعبر عن الاستياء الشديد والغضب لله وحرماته إن الشباب وليد مجتمعه فإذا جلس في مجتمع يدفع إلى النظر للمرأة وتأمل مفاتنها وإعلاء قيمة من يفعل ذلك، بل وجعله صاحب المثل الأعلى ليس كمن جلس في مجتمع يعلي قيمة العفاف والطهر، وينظر لهؤلاء على أنهن مستجلبات لغضب الله تعالى.
الأمر الثاني في مسألة غض النظر هو التحكم في العين وحركتها، فبعض الناس خاصة من اعتادوا على عدم غض أبصارهم إذا تأملوا في أنفسهم سيرون أن أعينهم تقودهم وليسوا هم الذين يقودونها، وترى بصره يذهب يمنة ويسره، ويتم ذلك عن طريق تعويد العين أن تنظر في مكان محدد لفترات تطول تدريجيًا حتى يصل المرء إلى أن يحكم نظره على الشيء فلا يكون إلا لحاجة.
ب] البعد عما يثير الشهوة:
إن إغلاق منافذ القلب من عين وسمع وشم وفكر يقي العبد من كثير من المزالق والامتحانات وليس من الصواب تعريض العبد نفسه للفتنة بدعوى بيان قوتها واستعراض شدتها بل لا بد من إغلاق هذه المنافذ إغلاقًا تامًا لا يترك احتمالاً للولوج فيها.
ج] تجنب الوحدة:
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده في هذا الحديث معنى يفهمه الناس، أن النهي عن مجرد المبيت بمفرده لكن المقصود ألا يكون جالسًا بمفرده لفترات طويلة ليلاً يسوقه تفكيره على إثارة ما لا يجوز إثارته، وهو تنبيه كذلك إلى العاقبة السيئة لتفكير الفرد مع خاصة نفسه، وخطابه لها، فالغالب في حال الناس أن الشخص إنما يحاور شيطانه لا ملاكه ونفسه الأمارة بالسوء لا المطمئنة.
د] استغلال وقت الفراغ:
قال أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
إن ملئ الفراغ بالنافع من العمل أو الرياضة أو الهوايات المختلفة يسد باب الشر ويغلقه،وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: [نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ].
هـ] الزواج:
وهذا من أعظم الأبواب المستخدمة للحفاظ على طاقة الشباب وقوة وصحة أبدانهم، وأفكارهم ونفوسهم، إن الشيطان يستغل بُعد احتمال الزواج عن الأذهان في التأكيد على أنه لا بد من وسيلة قريبة لتصريف الشهوة بعد إثارتها، فلا بد أن يشغل الشاب ذهنه بالاستعداد للزواج حتى وهو لا يملك من المقومات شيئًا، بل يستعد له استعدادًا نفسيًا وذهنيًا وعمليًا قدر طاقته، والذي يحفظ له ذلك يقينه بما عند الله تعالى، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: [ ثلاثة كان حقًا على الله تعالى أن يعينهم...والناكح الذي يريد العفاف ].
والالتزام بالآداب الشرعية:
أ ـ عند التعامل مع الناس بالاستئذان وعدم الخلوة وعدم الاختلاط أو المصافحة.
ب ـ عند النوم من الوضوء والدعاء والنوم على الجانب الأيمن وتجنب النوم على البطن.
يقول تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:147].
ولعل أعظم عذاب ينزل على عباد الله تعالى هو تلك الحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار الناشئ عن تخبطهم في الطريق، وعدم تلمسهم للعلاج الرباني والنبوي والله لا يريد من عباده إلا الشكر والإيمان أي اليقين بما عند الله تعالى والثقة بوعده والالتزام لتحقيق الشفاء التام لمن أراد.
إلى حين اللقاء لكم منا خالص التحية وعظيم التقدير والإجلال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(/2)
كيف تتخلص من السحر ؟
عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
مقدمة
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلامضل له ومن يضلل فلاهادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {102} (آل عمران ) . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {1} ( النساء ) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70}يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
وبعد :
فقد شاع بين الناس ظلم بعضهم لبعض ومن أعظم الظلم الذي نراه بأم أعيننا ونسمع عنه بآذاننا هو الظلم الناتج عن السحر والشعوذة والدجل وخاصة في عصرنا الذي يموج بالفتن ليل نهار ، والمعصوم من عصمه الله تبارك وتعالى .
ونتج عن هذا الانحراف الديني أن ابتلي المسلمون فيه بمصائب كثيرة أعظمها الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين والعرافين والسحرة وسؤالهم الشفاء أو سؤالهم طلب الحاجات وغيرها مما هو من خصائص الرب تبارك وتعالى .
ولما كانت هذه الأمور محرمة في ديننا وشريعتنا كانت هذه البلاد حفظها الله ورعاها لها بالمرصاد ؛ فقامت بمحاربتها بشتى الوسائل والطرق ، وهذا كله نابع من حرصها على تطبيق شرع الله الذي به تحيا القلوب وتطمئن النفوس ويأمن الإنسان على أهله وماله .
وانطلاقاً من مبدأ النصح لكل مسلم ودعوة الناس إلى مافيه صلاح الدنيا والآخرة كتبت هذا البحث الذي يتناول قضية السحر وقد تناول الموضوعات التالية :
• ... تعريف السحر .
• ... أدلة وقوعه من الكتاب والسنة .
• ... حكم من قام بالسحر في شريعتنا .
• ... أقسام السحر .
• ... سؤال في حكم مشاهدة ألعاب السيرك المتضمنة للسحر .
• ... العلامات التي يعرف بها الساحر .
• ... هل يجوز حل السحر بسحر مثله ؟ .
• ... كيفية إبطال السحر .
• ... ضرر السحر على الفرد والمجتمع .
• ... تسلط السحرة في هذا الزمان .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا البحث وأن يجعله في ميزان الحسنات وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه
أبومحمد
عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
الزلفي ص ب 188
الرمز البريدي 11932
أولاً : تعريف السحر :
في اللغة : يطلق السحر في اللغة على عدة معان منها :
الخداع ، والصرع ، والاستمالة ، والتمويه ، وكل مالطف ودق وخفي سببه فهو سحر .
أما في الاصطلاح :
فقد تعددت أقوال العلماء في تعريفه اصطلاحاً وكل التعريفات ترجع إلى معنىً واحد وخلاصة هذه التعريفات وأوضحها معنىً هو أن يقال :
هو عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه الساحر أو يعمل به شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له عليه وله حقيقة فمنه مايقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه مايفرق بين المرء وزوجه ومنه مايبغض المرأة إلى زوجها أو العكس أو يحبب بين اثنين كل هذه الأشياء واقعة بين الساحر و الشيطان الموكل بعمل ذلك وذلك لايتم إلابحصول منفعة بينهما فيقوم الساحر بفعل المحرمات و الشركيات و الكفريات في مقابل مساعدة الشيطان له وطاعته فيما يطلب منه .
وقد يسأل سائل فيقول هل من الممكن ذكر بعض الشركيات أو الكفريات التي يقوم بها الساحر لكي يساعده الشيطان على سحره ؟ نقول : نعم نذكر شيئاً من ذلك لنبين للقارىء الكريم خطورة السحرة وبيان كفرهم بالله رب العالمين ، فمن هذه الأشياء :
أولاً : يجب أن يعلم أن الساحر لكي يساعده الشيطان لابد له من الكفر بالله إما أن يأتي بذلك بالقول كأن يقول كفرت بالله وأنا مشرك وغير ذلك من الألفاظ الكفرية والشركية أو يأتي بأعمال صريحة في ردته في كفره منها :
1ـ أنه يرتدي المصحف في قدميه ويدخل به الخلاء .
2ـ ومنهم من يكتب القرآن الكريم بالقذارة أو بدم الحيض .
3ـ ومنهم من يكتب آيات القرآن على أسفل قدميه .
4ـ ومنهم من يكتب الفاتحة معكوسة .
5ـ ومنهم من يؤدي الصلاة بلاوضوء .
6ـ ومنهم من يذبح للشيطان فلايذكر اسم الله على المذبوح ويرمي به في مكان يحدده له شيطانه .
7ـ ومنهم من يسجد للكواكب ويخاطبها .
8ـ ومنهم من يأتي أمه أو ابنته نعوذ بالله من ذلك كله .
وبالجملة كل ما كان الساحر أشد كفراً بالله كان الشيطان أكثر طاعة له وذلك بتنفيذ أمره وبسرعة في ذلك .
ثانياً : أدلة وقوع السحر :(/1)
لما ضل من ضل من المعتزلة وغيرهم في إنكار حقيقة السحر كان ولابد من إثبات أدلة وقوع السحر حقيقة لاتخيلا كما زعمه أولئك .
فقد ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة وسنذكرأدلة ذلك من الكتاب والسنة .
1ـ من أدلة الكتاب :
• ... قوله تعالى : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ {102} (البقرة ) .
• ... قوله تعالى : {فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {116} ( الأعراف ) .
• ... وقوله تعالى : {فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ {81} ( يونس ) .
• ... وقوله تعالى في بيان ماقاله سحرة فرعون : { إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {73} ( طه ) .
والآيات التي جاءت في ثبوت السحر كثيرة .
2ـ أدلة السنة في ثبوت ذلك ومن هذه الأدلة :
• ... حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (سُحِرَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِى دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ ثُمَّ قَالَ : « أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ ». قُلْتُ : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : « جَاءَنِى رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ ثُمَّ قَالَ : أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ قَالَ : مَطْبُوبٌ. قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ الْيَهُودِىُّ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ. قَالَ : فِي مَا ذَا قَالَ فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ : فَأَيْنَ هُوَ قَالَ : فِى بِئْرِ ذِى أَرْوَانَ . قَالَ : فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ : « وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ». قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ قَالَ : « لاَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِى اللَّهُ وَشَفَانِى وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا ». وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ"( 1 ).
• ... ومنها أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا يارسول الله وماهي ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".( 1 )
صدق الله العظيم ... عن ابن عباس رضي اله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد مازاد " ( 2 )
فهذه الأدلة وغيرها تدل على وقوعه وأن السحر له حقيقة وهي أدلة تدل أيضاً على تحريمه فقد حكم أنه يكفر من قام بعمله وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات التي أمرنا باجتنابها .
وخلاصة القول في حكمه أنه حرام بنص الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم من الصحابة وغيرهم .
ثالثاً : وإذا كان السحر حراماً وأنه من الكفر فما حكم من قام به في شريعتنا ؟ وهل تقبل توبته في إسقاط الحد عنه ؟ .
لاشك أن شريعتنا الإسلامية كلها مبناها على الرحمة بالعباد وذلك بحفظ نفوسهم وأرواحهم وأجسادهم ولذا شددت على من يرتكب هذه الفعلة الشنيعة وأمرت بقتله .
فقد اتفق الأئمة الأربعة على قتل الساحر حفاظاً على أفراد الأمة ومجتمعاتها .
فالحاصل أن الساحر حده في شريعتنا القتل ولكن هل يستتاب أم لاعلى خلاف بين أهل العلم ولأحمد رحمه الله روايتان ، المشهور في مذهبه أنه يقتل من غير استتابة وبهذا قال مالك لأن الصحابة لم يستتيبوا السحرة الذين حكموا بقتلهم .(/2)
والخلاف بين الأئمة رحمهم الله هو في إسقاط الحد عند التوبة أي هل إذا تاب من سحره يُقتل أم لايُقتل ؟ والصحيح ماذكرناه أنه يُقتل حتى وإن تاب وذلك لشناعة فعله وتحذيراً لغيره من ارتكاب هذه الفعلة فما شرعت إقامة الحدود إلا للحفاظ على الحياة البشرية ولذا قال تعالى :{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {179}( البقرة ) .
ففي قتله حياة للبشرية وتخلص من شره وتنبيه لغيره .
أما توبته فيما بينه وبين ربه سبحانه وتعالى فمن ذا الذي يحول بينه وبينها فإن كانت توبته صادقة ، واستوفت شروطها فلاشك إن شاء الله بقبولها .
مسألة في ساحر أهل الكتاب :
اختلف أهل العلم في ساحر أهل الكتاب هل يقتل بسحره أم لا ؟ .
فذهب أبو حنيفة إلى القول بقتله وذلك للآتي :
أولاً : لعموم الأخبار التي جاءت بقتل الساحر .
ثانياً : لأن السحر جناية أوجبت قتل المسلم فأوجبت قتل الذمي كالقتل .
وذهب مالك رحمه الله إلى القول بأنه لايقتل إلا أن يقتل بسحره فيقتل .
وقال أيضا : أنه إذا أدخل بسحره ضرراً على مسلم لم يعاهد عليه نقض العهد بذلك فيحل قتله .
وذهب الشافعي رحمه الله إلى ماقاله مالك أولاً بأنه لايقتل إلا أن يقتل بسحره فيقتل .
والصحيح أنه يقتل بسحره إذا تسبب في قتل أحد أو ضرره لأن تعاطيه السحر نقض للعهد فيقتل به .
رابعا: أقسام السحر :
ذكر الرازي أقساماً ثمانية للسحر وكل هذه الأقسام أدخلها الرازي بناءاً على التعريف اللغوي لأن السحر في اللغة كما بينَّا هو عبارة عما لطف وخفي سببه ولكن هنا الذي يعنينا من أقسامه هي التي تتعلق بالسحر حقيقة والتي سببها ظاهر ويستعين الساحر فيها بالجن والشياطين بغرض الإفساد في الأرض والإضرار بالبشرية فمن هذه الأقسام :
1- ... سحر يؤثر من تلقاء نفسه وهو مايصدر عن الشيطان أو من يعاونه على ذلك وهو أقواها أي أقوى أنواع السحر .
2- ... سحر يقوم الساحر بمساعدة الأرواح الشريرة وهو أضعفها ولايدوم مفعوله إلا إذا تكرر عمله ومن السهل علاجه وإبطال مفعوله .
3- ... سحر يستعين فيه الساحر بقوة الحروف الهجائية والأعداد و الكواكب والأجرام السماوية وهو أصعب أنواع السحر ويستلزم الحيطة والحذر منه وهذا يجهله أكثر الناس ولكن هنا في النوع الأخير من أقسام السحر ينبغي أن ننبه على أنه إن صح هذا القسم من الاستعانة بالكواكب والحروف الهجائية ونحوها فينبغي أن يُعلم أن التأثير الذي يحدث للمسحور لايكون من تأثير الكواكب ولكن من تأثير الشياطين وذلك لإضلال السحرة وفتنتهم" "
سؤال : كثيراً مانسمع عما يقوم به المشعوذون من أعمال يشاهدها أبناء المسلمين إما عن طريق التلفاز أو المشاهدة عياناً في بعض البلدان الأخرى وذلك بقيام المشعوذ بعمل أعمال خفية فتصرف الأبصار إليها كإماتة طير وإحيائه أو إخراج الطائر من البيضة على يديه وهكذا فما حكم مشاهدة هذه الأشياء وهل هي من السحر ؟ .
نقول نعم هذه الأشياء ضرب من ضروب السحر ويسمى سحر التخييل وهو قسم من أقسام السحر الذي هو يشبه سحر سحرة فرعون الذي قال الله فيه : {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى {66} ( طه ) . وقال فيه أيضا: {قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {116} ( الأعراف ) .
وهذه الأشياء التي يقوم بها المشعوذون في هذا النوع من السحر لاحقيقة لها بل هي خداع وتخيلات يقوم بفعلها المشعوذ لكي يصرف أبصار الناس عما يتعاطاه بخفة يده .
أما كونها سحراً لأن الله سبحانه وتعالى سماها بذلك فقال في سحرة فرعون : {وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {116} ( الأعراف ) .
لكن هنا ماحكم رؤية هذه الأعمال ؟ .
لاشك أنه لا يجوز ويحرم على الإنسان رؤيتها وينبغي عليه أن يحذر أبناءه من مشاهدة هذه الأشياء .
ودليل ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {68} ( الأنعام ) .
وقوله تعالى للمؤمنين : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً {140} ( النساء ) .
فرؤية المنكر مع عدم القدرة على الإنكار نهينا عن الجلوس مع من يقوم به لأن الجلوس معه يوحي بالرضى به .
والسحر منكر عظيم ينبغي البعد عن أماكنه وعن من يقوم به.(/3)
وكذلك في هذه الألعاب شركيات وكفريات كما هو معلوم فالمشعوذ الذي يقوم بعمل هذه الأشياء يدعي صفة الربوبية وهي القدرة على الإحياء بعد الإماتة ومن ادعى ذلك كفر لأن هذا من خصائص ربوبية الرب سبحانه وتعالى .
فالمهم هنا أننا نقول بأنه لايجوز رؤية الألعاب التي يقوم بها المشعوذون وتشتمل على سحر التخييل المتضمن لأشياء كفرية أو شركية أومحرمة سواء كان من خلال أجهزة الإعلام أوغيرها .
خامساً: العلامات التي يعرف بها الساحر:
إن من رحمة الله بعباده أنه أوضح لهم بل كشف لهم خبايا أهل الزيغ والضلال من السحرة والمشعوذين ليكونوا منهم على حذر حتى أصبح العامي و الجاهل يعرف الساحر من غيره .
فمن العلامات التي يمكننا أن نستدل بها على الساحر :
1. ... أنه يسأل المريض عن اسمه و اسم أمه .
2. ... أنه يأخذ أثراً من آثار المريض مثل ثوب ،شماغ ، غترة، منديل، فانيلة، سروال، طاقية وغيرها من ملابس أو غيرها مما يستخدمه المصاب .
3. ... أحيانا يطلب حيواناً بصفات معينة ليذبحه ولا يذكر اسم الله عليه ، وربما لطخ بدمه أماكن الألم من المريض أو يرمي به في مكان خرب .
4. ... كتابة الطلاسم و التعوذات الشركية .
5. ... تلاوة الطلاسم و العزائم غير المفهومة .
6. ... إعطاء المريض حجاباً يحتوي على مربعات بداخلها حروف أو أرقام .
7. ... أن يأمر المريض أن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها العامة "الحجبة" .
8. ... أحيانا يطلب من المريض ألايمس الماء مدة معينة غالباً تكون أربعين يوما .
9. ... يعطي المريض أشياءاً يدفنها في الأرض .
10. ... يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخربها .
11. ... يتمتم بكلام غير مفهوم وخارج تماماً عن اللغة العربية .
12. ... أحيانا يخبر الساحر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته التي جاء من أجلها بدون أن يذكرله المريض ذلك .
13. ... يكتب للمريض حروفاً مقطعة في ورقة "حجاب" أو في طبق من الخزف الأبيض ويأمر المريض بإذابته وشربه .
14. ... أنه عدو لدود لجميع الأديان ويظهر سخطه عليها واستهزاءه بها في كل مناسبة ولايدخل بتاتاً أي محل للعبادة إلا بقصد تدنيسه أو تلويث معداته متبرئاً من دينه ومن جميع الكتب المنزلة مع تمزيقها وحرقها واستعمالها في أغراض دنيئة .
15. ... يقضي معظم الأوقات بعيداً عن الناس ولايعاملهم ولايتصل بهم لأنه دائماً يخلو بشيطانه الذي يسخره لأعمال سحرية أو إلحاق الضرر بالناس فإذا جاء إليه من يريد منه سحراً قام إليه .
فهذه جملة من العلامات التي يُستدل بها على الساحر فعلى كل مسلم ومسلمة أن يتنبهوا لهذه العلامات وإلا وقعوا في المحظور وهو قوله صلى الله عليه وسلم :" من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " . ( 1 )
سادساً : هل يجوز حل السحر بالسحر ؟ .
كثير من الناس يخفى عليهم هذا الحكم فتجده إذا عجز عن الشفاء من السحر الذي ألم به يذهب إلى السحرة والمشعوذين بل تجده من أول وهلة أصابته يذهب إلى أولئك الكفرة ويستعين بهم في حل سحره ولخطورة هذا الأمر أحببنا أن ننبه على هذا الحكم .
هل يجوز الذهاب للسحرة بغرض حل السحر عن المسحور ؟ .
اختلفت أقوال الناس في ذلك فمنهم من قال بالجواز إذا كان الغرض الإصلاح لا الإفساد ومنهم من قال بأنه لايجوز إطلاقاً الذهاب إليهم بأي شكل من الأشكال .
وإذا نظرت إلى نصوص الشريعة تجد أنها جاءت واضحة في بيان النهي عن الذهاب للسحرة سواء كان للإفساد أو الإصلاح وعندئذ نقول لانلتفت إلى أقوال من قال بجواز حل السحر عن المسحور باستخدام السحرة والمشعوذين لأن ذلك عارٍ عن الدليل .
أما دليل ذلك فهو :
1ـ أدلة النهي عن الذهاب إلى السحرة مطلقاً ومن هذه الأدلة
قوله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ
فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" . ( 1 )
وقوله : " مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " .( 2 )
فقوله صلى الله عليه وسلم ( فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ )يحتمل أن يسأله الشفاء أو يسأله الإضرار لأن كلمة شَىْءٍ نكرة تحتمل هذاوهذا فلما كان الاحتمال موجودا كان استثناء الإصلاح يحتاج إلى دليل ولادليل على ذلك .
ومما احتج به من قال بجوازذلك حديث " النُّشْرَةِ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ " . ( 3 )
وهذا الحديث في الحقيقة حجة لمن قال بعدم جواز النشرة إلاماجاء الدليل بجوازه ولذا قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في بيان تعريف النشرة وحكمها : النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان:
أحدهما : حله بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان وعليه
يحمل قول الحسن البصري فيتقرب الناشر و المنتشر إلى الشيطان بمايحب فيبطل عمله عن المسحور .
و الثاني: النشرة بالرقية و التعوذات و الدعوات المباحة فهذا جائز .( 1 )
سابعاً: كيفية إبطال السحر:(/4)
قد يسأل سائل فيقول ذكرتم فيما سبق أنه لايجوز الاستعانه بالسحرة في حل السحر عن المسحور إذاً فما هي طرق إبطال السحر أعني بها الطرق الشرعية التي يمكن للمسحور استخدامها لكي يذهب عنه ما هو فيه .
نقول وبالله التوفيق .
يجب أن يعلم أن الله ما أنزل من داء إلا وجعل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ولاشك أن السحر مرض يصاب به الإنسان ولقد جاءت نصوص السنة تبين كيفية العلاج منه وسنذكر هنا بعض الطرق التي يمكن استخدامها في علاج المسحور منها.
أولاً: أول هذه الطرق هو التوجه إلى رب العالمين الذي بيده ملكوت كل شىء ولذا قال إبراهيم عليه السلام : {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} ( الشعراء )
فالتوجه إلى الرب سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع بين يديه لاشك أنه من أعظم الأمور التي تنفع في ذهاب ماألم بالإنسان من سحر .
ثانيا: التعرف على مكان السحر وإبطاله ويكون ذلك بدعاء رب العالمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما سحره لبيد بن الأعصم وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لما سحر سأل ربه في ذلك فدل عليه فاستخرجه من بئر فكان في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فلما استخرجه ذهب مابه حتى كأنما نشط من عقال ( 1 ).
قال ابن القيم رحمه الله : " فهذا أبلغ ما يعالج به المطبوب وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ ( 2 ) .
وقد يقول قائل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دل على السحر بطريقة الوحي فكيف ندل عليه ؟ .
نقول الإجابة على ذلك تكون بما يلي :
1- ... الرؤيا في المنام . فبعد أن يدعو العبد ربه بمعرفة مكان السحر فيراه في منامه هذا من تمام رحمة الله بالعبد .
2- ... أن يوفق لرؤيته أثناء البحث و التنقيب .
3- ... أن يعرف مكان السحر عن طريق الجن وذلك بالقراءة على المسحور فيتكلم الجن على لسان المريض فيعرف من خلاله مكان وضع السحر .
غير أنني أنبه إلى أن أكثر حال الجن الكذب فلا بد من التثبت منه و التأكد لئلا يظلم أحد بسببهم .
4. ... ومن الأمور التي يمكن من خلالها إبطال السحر .
إخراج الجني الموكل بالسحر من جسم المريض هذا إذا كان هناك جني موكل بالمريض في أذيته مثلا فإن استطاع الراقي للمريض إخراج الجني من جسد المريض فإن السحر يبطل بإذن الله تعالي .
5. ... الاستفراغ .
وذلك بأن يكون في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، قال ابن القيم رحمه الله " فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة وهيجان أخلاطها وتشويش مزاجها فإذا ظهر أثر في عضو وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جدا ومن الاستفراغات النافعة بإذن الله تعالى في دفع السحر الحجامة . ( 1 )
6. ... النشرة .
والمراد بها هنا النشرة الشرعية والمرادبها قراءة القرآن والأدعية
التي وردت في ذلك وسوف نوفي الرقية الشرعية مع ذكر الأحاديث التي وردت فيها أن شاء الله عند كلامنا عن التحصينات الشرعية من السحر .
ثامناً: ضرر السحر على الفرد والمجتمع :
مما لاشك فيه أن الله تعالى حينما حرم السحر حرمه لما فيه من مفاسد دينية ودنيوية لاتصل إلى حد الفرد وحده و إنما تصل هذه المفاسد إلى المجتمعات بأسرها .
فلما كان السحر من أكبر الكبائر ومن أخطر الأمراض التي تصيب الأفراد والمجتمعات حرمه الله سبحانه وتعالى وسنذكر هنا طرفاً من أضرار السحر على الفرد والمجتمع ؛ لبيان خطورته و التحذير منه وتتبع خطوات القائمين به لتقديمهم إلى العدالة لكي يستريح الأفراد والمجتمعات من أفعالهم الشريرة .
أولاً: خطر السحر على الفرد :
4. ... و أولها إمراضه وجعله طريح الفراش وقد يكون مرضه سبباً في قتله أو سبباً في جنونه ونحوه .
5. ... أنه قد يكون سبباً في تركه منزله وأسرته وبيته وتصبح الأرض فراشه و السماء غطاءه والشوارع مثواه .
6. ... أنه يؤدي إلى العداوة الأسرية فتجد أن العداوة تقوم بين الزوج و زوجته على أتفه الأسباب وبالتالي يؤدي إما إلى طلاقها أو هجرها أو ضربها ونحوه .
4. ... أنه قد يؤدي إلى فشل الطالب في دراسته كما رأينا ذلك وسمعنا عنه فبعد أن يكون الطالب نجيبا في دراسته إذا به يتحول إلى طالب فاشل لاهدف له فيترك الدراسة بسبب ذلك .
5. ... أنه قد يكون سببا في قتل بعض الأفراد .
6. ... أنه يؤدي بالإنسان إلى الوقوع في المحظورات الشرعية كالذهاب إلى الكهنة و العرافين للنظر في شكواه وبالتالي يأمره هؤلاء السحرة إما بالشرك كأن يأمروه بالذبح للجن وسدنته وهذا كله من الشرك الأكبر وإما بفعل المعاصي أعاذنا الله وإياكم منها .
7. ... أنه يؤدي إلى كثرة الوسواس في حياة الفرد فتجده في حياته موسوساً إما في عباداته أو عاداته فلايستقيم للإنسان حال ولا يهدأ له بال .
8. ... أنه يلقي الشكوك بين الفرد وأفراد عائلته سواء كانوا أبناءه أو زوجاته.
وهناك الأمراض الكثيرة التي تحمل في طياتها خطورة هذه الفعلة الشنيعة في حياة الفرد.
ثانياً: أما عن ضرر السحر في حياة المجتمع :(/5)
إذا أردت أن تتعرف على خطورة السحر فانظر إلى حال من يصاب به من أفراد المجتمع ثم تخيل أن كل المجتمع مصاب به فماذا يكون حال المجتمع لاشك أنه يكون مجتمعاً تسوده أعلى درجات الفوضوية و الانحلال و التخلف فمن ضرره على المجتمع :
1. ... أنه يورث العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع وكذا الحقد و الحسد .
2. ... أنه يزرع الشكوك و الشبه بين أفراده .
3. ... أنه يدعو إلى الانتقام بكل وسيلة متاحة لاسيما إذا عرف المسحور من سحره وبالتالي يكثر القتل بين أفراد المجتمع .
4. ... أنه يحل مكان الأمن والطمأنينة والأخلاق الجميلة الخوف والزعزعة وحب الجريمة .
5. ... أنه ينشر الرذيلة بين أفراد المجتمع .
6. ... أنه يضعف كيان الأمة في توكلها على رب العالمين وكمال
اليقين به وذلك من ذهاب أفراد المجتمع إلى السحرة والمنجمين ونحوهم والاستعانة بهم وترك رب العالمين .
7. ... أنه يحوِّل المجتمع المسلم المحافظ على دينه وعرضه إلى مجتمع يسوده الإشراك بالله وكثرة الموبقات والمهلكات .
8. ... وبالجملة فإن السحر من أخطر الأمراض التي تصاب بها المجتمعات فتقوض بنيانها وتهد أركانها وينتشر بسببه العدوان وانتهاك الأعراض وقتل الأبرياء وسرقة الأموال فضلاً عن الشرك بالله والكفر به ، وبالتالي يكون المجتمع ليس له هدف ولاغاية يصير مجتمعاً همه معالجة أفراده مما ألم بهم ، نسأل الله تعالى أن يحمي مجتمعنا ومجتمعات أمة الإسلام من كيد الحاقدين من السحرة والمنجمين إنه سميع قريب .
تاسعاً : تسلط السحرة في هذا الزمان :
إذا نظر المرء إلى أحوال الناس والمجتمعات في هذه الفترة التي تمر بها أمتنا وغيرها من أمم الكفر يجد أنه لايمر بمدينة أو قرية إلا وجد فيها عدداً من السحرة والمشعوذين ، فلقد جلست مع بعض الإخوان من بعض البلدان الإسلامية فحكى لي ماأكاد لا أصدقه عن حال السحرة عندهم لدرجة أنهم يصفون من لم يعمل بهذا العمل يعني ( السحر ) متزمتاً بل الأدهى من ذلك أنهم وللأسف تجدهم إما مؤذنين أو أئمة مساجد والسحر عندهم كشرب الماء وأكل الطعام ، هذا في بعض البلدان الإسلامية فما بالك في دول الكفر كيف يكون السحرة فيهم .
إن تسلط السحرة في هذا الزمان يرجع إلى أمور عدة نجملها فيما يأتي :
1. ... كثرة الجهل وقلة العلم .
ونعني بالجهل هنا جهل العبودية برب العالمين وكذا الجهل بأحكامه المنزلة فجهل العبودية برب العالمين المراد به جهل الناس بخالقهم وذلك يتم بجهلهم في ربو بيته و ألوهيته و أسمائه وصفاته . فأكثر الناس يجهلون الخالق سبحانه وتعالى من كونه جل وعلا خالقهم وراز قهم ومدبر شئون حياتهم بل هو سبحانه بيده كل شئ .
قال تعالى في بيان ذلك : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ {107} ( يونس )
وقال عز وجل في بيان صفته وأن أمور الدنيا كلها بيده : {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {13} قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ {14} . ( الأنعام ) إلى أن قال سبحانه : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ {17} . ( الأنعام ) فأين الناس من عبودية الرب بما ذكرناه وغيرها من الآيات .
إن جهل السواد الأعظم من البشرية بهؤلاء الكهان والعرافين الذين يسعون إلى إفساد عقائدهم وصرفهم عن التوحيد الخالص لله رب العالمين وذلك بجهلهم ، بأن يتعلقوا بهم بدلاً من تعلقهم بالله تعالى أدى إلى تسلط هؤلاء السحرة في هذا الزمان الذي كثر فيه الجهل وقل فيه العلم .
إن الكهان والعرافين يدركون تماماً أن جهل الناس بأمور العبودية هو أعظم سلاح يستخدم في الضحك على عقولهم والاستخفاف بهم وإيهامهم أن الأمور بيدهم فمن أراد السعادة على زعمهم ذهب إليهم ومن أحس بالشقاوة والتعاسة ذهب إليهم وهكذا .
إن هؤلاء الدجالين والكهان والمشعوذين وغيرهم من السحرة لايفعلون ذلك من أجل ابتزاز أموال الناس فحسب بل من أجل أن يعيثوا أيضا في الأرض فساداً ويتكبروا فيها بغير الحق .
والتدليس بالحيل طريقة قديمة معروفة يضل بها شياطين الإنس عباد الله عن الحق الذي بين أيديهم .( 1 )
وخلاصة القول في ذلك أن جهل الناس بالمعبود جل وعلا وجهلهم يما يستحقه من صفات الكمال والجمال والإجلال وصرفهم عبادتهم لغيره جعل هؤلاء السحرة يتسلطون عليهم .(/6)
أما النوع الثاني من الجهل هو جهل الحكم بهؤلاء السحرة وجهل الحكم بالإتيان إليهم ، فأكثر الناس لايعلمون أن نصوص الشريعة جاءت بكفر السحرة بل لايدركون أيضا أن من جاء إليهم مصدقاً لما يقولونه أنه أيضا كافر مثلهم وقد بينا فيما سبق حكم الساحر وحكم من أتى إليه .
فالسحرة لم ينتشروا في هذا الزمان إلا عندما رأوا جهلاً عميقاً من الناس وبعد الناس عن دين الله عز وجل وتركهم للكتاب والسنة ـ إلا من رحم الله ـ ولجوئهم لغير الله بعدما ماتت قلوبهم وأصبحوا أشد حرصاً على الدنيا وكراهية الموت .
ومن الأمور التي أدت أيضا إلى تسلط السحرة .
2. ... غياب شرع الله وتحكيمه في غير هذه البلاد حفظها الله ورعاها .
إذا نظرت إلى أحوال أمة الإسلام وماتمر به من فتن متلاحقة وتسلط أمم الشر عليها بما فيهم من الكهان والمشعوذين وأمعنت النظر في ذلك وجدت أن أهم عامل أدى إلى انتشار السحر وتسلطه على أفراد هذه الأمة ومجتمعاتها هو غياب تطبيق الشريعة في بلاد الإسلام وتنحيها واستبدال قوانين الكفر والإلحاد مكانها .
فلما غابت أحكام الشريعة وأمن السحرة على نفوسهم وأرواحهم إذليس هناك تطبيق حد ولاقصاص بل ليس هناك ردة ولاكفر يحكم عليهم وبالتالي غاب حكمهم بين أفراد المجتمعات الإسلامية ومن هنا تسلط هؤلاء الأعداء عليهم .
ولما كانت هناك عمالة تفد إلى بلادنا فلاشك أنه لابد من إتيان هؤلاء المشعوذين من السحرة والمنجمين بطرق خفية يلبسون بها لباس التقوى والورع فإذا ماحصل لهم الوصول إلى هذه البلاد تعاملوا بهذا السحر فيذهب إليهم ضعاف النفوس من أبناء الوطن وغيرهم من الوافدين يسألونهم النفع والضر وغيرها من الأمور مع اشتراط المداراة عليهم من قبل القادمين إليهم ، ولكن ولله الحمد ماأن يلبس هذا السحر في بلادنا إلا ويعرف لدى السلطات فيقدم إلى عدالة تشريع رب العالمين ويقام عليهم الحكم في ذلك .
عاشراً : مالواجب علينا تجاه تسلط السحرة في هذا الزمان ؟ .
هذا سؤال مهم جداً لايخرج إلا من إنسان يعظم شعائر دينه محب لها محب لأفراد أمته ومجتمعاتها وللإجابة على هذا السؤال نقول : إن الواجب علينا مع تسلط السحرة في هذا الزمان الآتي :
أولاً : الواجب على الأفراد :
1ـ يجب علينا أولاً أن نقيم التوحيد الخالص لله رب العالمين بأنواعه الثلاثة الربوبية والألوهية والأسماء والصفات وذلك لايتم إلا بدراستها وتعلمها والتعبد لله تعالى بها إذلاغاية من معرفتها إلا للتعبد ، كما ذكرنا ذلك عند ذكر أسباب تسلط السحرة ومنها قلة العلم وكثرة الجهل .
2ـ الاعتصام بالكتاب والسنة وتحكيمهما بين الأفراد والمجتمعات والأمم فإن الاعتصام بهما هو طريق النجاة كما بين ذلك النبي صلى اله عليه وسلم :" تركت فيكم ماإن اعتصمتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي " .( 1 )
فإنه من اعتصم بهما لايعرف الضلال لعقله طريقا .
3ـ اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والاستعانة به ليفرج كربنا وهمنا وغمنا ولايتحقق ذلك إلا عند صدق اللجوء إليه ومراقبته وتقواه التي من خلالها ترق قلوبنا وتصفوا أرواحنا وتزكوا نفوسنا .
4ـ أما واجبنا نحو هؤلاء السحرة : أن نفضح أمرهم ونكشف حيلهم ونحقر من شأنهم ونجتنبهم اجتناباً تاماً من قبل المجتمع كله صغيره وكبيره ونسد عليهم كل باب شر يفتحونه على الناس ليرتد كيدهم إلى نحورهم وشرهم إلى نفوسهم وألا نذهب إليهم ولانستشيرهم في أي شيء صغير أو كبير متذكرين حديث النبي صلى الله عليه وسلم :" من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " ( 1 ).
هذا من جانب عوام الناس .
ثانياً : أما من جانب العلماء والفقهاء وأهل الحسبة :
فالواجب عليهم أن يحذروا الناس من الذهاب إليهم ويبينوا لهم أن الذهاب إليهم قد يؤول بصاحبه إلى الكفر كما قال صلى الله عليه وسلم :" من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ". ( 1 )
فطريق الكهان والسحرة هو طريق الشيطان المؤدي إلى جهنم وهذا لايكفي في التحذير بل عليهم أن يوضحوا للناس أن أعظم الطرق لجلب النفع ودفع الضر تكون في الاعتصام بالله وبكتابه وسنة رسوله فمن ابتلي منهم بسحر فيبينوا له أن العلاج يكمن في القرآن الكريم والأدعية المأثورة الواردة في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى في ذلك : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {82} ( الإسراء ) .
وقال أيضا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {57} ( يونس ) .
فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أن القرآن شفاء ولم يذكر أنه دواء ، لأن الدواء ربما يشفي أو لايشفي أما القرآن فالشفاء به حتمي إذا ماقرىء بإخلاص ويقين وحسن
ظن بالله تعالى واعتقاد تام أن الله هو الشافي .(/7)
فالخلاصة هنا أنه يجب على العلماء والفقهاء وأهل العلم وطلبته وأهل الحسبة جميعاً أن يتكاتفوا لمحاربة هؤلاء السحرة والتنبيه على خطرهم والتحذير من شرهم .
ثالثاً : أما واجب ولاة الأمور في هذا الجانب فهو واجب مهم جداً يتمثل في الأخذ على أيدي هؤلاء السحرة الأشرار ويطبق فيهم حد الله عز وجل الذي وضحناه سابقاً وهو القتل ويحاربونهم في كل مكان ليستأصلوا شأفتهم ويضيقوا عليهم الخناق في جميع أنشطتهم الضارة ويراقبوهم في جميع أعمالهم لكي تسلم الأفراد والمجتمعات من شرورهم .
رابعاً : ثم هناك واجب آخر في حق أصحاب المؤسسات والشركات والأعمال التي تقوم بإحضار العمالة من خارج البلاد فهؤلاء أيضاً عليهم واجب التحري فيمن يقومون بإحضاره إلى بلادنا فيجب عليهم أن لايحضروا إلى ديارنا إلا من عرف ديانته بدين الإسلام واستقامته عليها واستعمال الدقة في ذلك ، فإنه للأسف الشديد كان لهذه العمالة القادمة من الخارج دور كبير في نشر هذه السموم رغبة في تحبيب الكفلاء لهم أوحرصاً على إيقاع الضرر بالآخرين لأي سبب من الأسباب ، وكم كانت هذه العمالة سبباً في تشتيت أسر وتفريقها وحلول أمراض صعب اكتشافها في كثير من الأحيان فالعاقل الحصيف يتحرى إذا اضطر لهذه العمالة بألا يحضر إلا الموثوقين منهم في دينهم وأمانتهم واستقامتهم على هذا الدين رجالاً كانوا أو نساءاً ليسلم دينه وصحته وماله .
الحادي عشر : جهود المملكة العربية السعودية في محاربتها للسحر والسحرة :
ممالاشك فيه أن بلاد الحرمين الشريفين تتميز على جميع بلاد العالم بتطبيق شرع الله عزوجل في مناحي الحياة .
ومن ذلك الموقف الصارم المنطلق من الكتاب والسنة حول السحر والسحرة ، مسترشدة بقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة " .( 1 )
فكم قبض على سحرة ومشعوذين ولقوا جزاءهم الصارم علانية أمام الملأ ليكونوا عظة وعبرة للمؤمنين .
ولكن المهم في كبح جماح هؤلاء السحرة ورد كيدهم إلى نحورهم هو دور المواطن والمقيم بالإبلاغ عنهم وتتبعهم ومساعدة أجهزة الحسبة والأمن الذين يلاحقونهم ويتتبعون خطواتهم .
لكن الكثيرين من المواطنين لايتعاونون في ذلك بل منهم من يذهب إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين ويعطيهم الأموال الطائلة ويتضرر منهم بالغ الضرر ومع ذلك لايقوم بإبلاغ المسؤولين عنهم وإذا نوقش في ذلك قال : أخاف من ضررهم وأخشى أن يصنعوا لي شيئاً وهكذا ونسي هذا المسكين أن الله قادر على كل شىء وأن الجن والإنس لو اجتمعوا على إيقاع الضرر عليه لم بقدروا والله على ذلك ولواجتمعوا على دفع الضر عنه وقد قدره الله عليه لم يقدروا على دفعه فالنفع والضرر بيد الله سبحانه وتعالى وأيضاً من نعم الله على هذه البلاد تضافر الجهود على ملاحقة هؤلاء المشعوذين من قبل الأجهزة العامة المتمثلة في أجهزة الأمن وكذا وزارة الشؤون الإسلامية وغيرها من المؤسسات العاملة في الأخذ برقي هذا المجتمع والعمل على حماية أفراده من شرور هؤلاء السحرة .
فهذه وزارة الشؤون الإسلامية من خلال العاملين فيها من علماء وخطياء وأئمة يتصدون لهذا المنكر العظيم والجريمة الإنسانية بكل ما يملكونه .
فالخطباء يحذرون الناس في خطب الجمعة ويوضحون ضرر السحرة وخطورة الذهاب إليهم وكذلك وزارة التربية والتعليم لها دورها الفعال في هذا الموضوع يتمثل في مناهجها الكثيرة التي تبين للطلاب خطورة السحرة وحرمة الذهاب إليهم وتوضح الطريق الشرعي لمن أصيب بشىء من الأمراض الحسية والمعنوية وترشدهم إلى كيفية العلاج الصحيح من هذه الأمراض .
وهذه أيضاً الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر مراكزها المنتشرة في كل بلد تتابع هؤلاء السحرة وتلقي القبض عليهم وتحيلهم إلى الجهات المختصة ليلقوا جزاءهم الرادع المستمد من القرآن والسنة .
ولاشك أنه لايخفى على الجميع ماتقوم به إدارة البحوث العلمية وعلى رأسها سماحة المفتي العام وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء فلها دورها في هذا الأمر حيث كانت ولاتزال جهودها المتواصلة لمتابعة السحر والسحرة وقمع شرهم ودفع باطلهم عن طريق الفتاوى التي تصدرها الهيئة والرسائل النافعة والكتابة للمسؤولين وجهات الاختصاص .
نسأل الله بمنه وكرمه أن يبارك في جهود الجميع وأن ينفع بها إنه سميع قريب مجيب .
الثاني عشر : في بيان التحصينات الشرعية من السحر :
شرع الله لعباده المؤمنين أموراً يتحصنون بها من هؤلاء السحرة والمشعوذين سنذكر طرفاً من ذلك :
1ـ تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى : وذلك بأقسامه الثلاثة ، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات .
فتوحيد الربوبية المراد به :
العلم والإقرار بأن الله رب كل شىء ومليكه والمدبر لأمور الخلق جميعهم .( 1 )(/8)
فهذا الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه ودوابه ، وشجره ، ومدره ، وبره وبحره ، وملائكته وجنه وإنسه خاضع لله مطيع لأمره الكوني كما قال تعالى : {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {83} . ( آل عمران )
فإذا حقق العبد هذا التوحيد عرف أن كل شىء بأمر الله فلايقع أمر ولايحل خير ولايرفع شر إلا بأمره سبحانه وتعالى وهذا يجعل العبد يدعوه في كل نائبة قال الله تعالى : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {107} . ( يونس )
وتوحيد الألوهية المراد به : إخلاص العبادة لله وحده لاشريك له ويتعلق بأعمال العبد وأقواله الظاهرة والباطنة .( 1 )
وهذا النوع من التوحيد هو أول دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم كما قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {36} . ( النحل )
فلايكون العبد موحداً حتى يشهدألا إله إلاالله وحده ويقر أنه وحده الإله المستحق للعبادة .
وهذا النوع من التوحيد يقتضي بأنه على العبد أن يجعل دعاءه ونذره وذبحه ورجاءه وخوفه وتوكله وغيرها من العبادات إلى الله وحده لاشريك له .
فصرف أي شىء من ذلك أو غيره فيما يتعلق بأفعال العباد على وجه التقرب لغير الله يكون شركا كمن يذبح للجن وينذر لهم وكمن يجعل اعتماده على الساحر والكاهن .
النوع الثالث : توحيد الأسماء والصفات والمراد به أن يوصف الرب تبارك وتعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونعوت الجلال من غير تكييف ولاتمثيل ومن غير تحريف ولاتعطيل . قال الله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11}.(الشورى)
وحقيقة التعبد لله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يعرف العبد أن لله سبحانه وتعالى أسماء وصفات تليق بجلاله وعظمته فإذا عرف ذلك فإن الواجب عليه أن يؤمن بما تدل عليه هذه الأسماء والصفات على الوجه الصحيح من غير تحريف ولاتعطيل ومن غير تمثيل ولاتشبيه فمتى عرف العبد ذلك فإن ذلك يعرفه بربه فيخضع له ويخشع ويخافه ويرجوه ويتضرع إليه في دفع الكربات والشرور ويدعوه ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته كما قال سبحانه وتعالى : {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا {180} . ( الأعراف )
فمتى حقق العبد أنواع التوحيد الثلاثة بإخلاص وتعبد لله سبحانه وتعالى كان ذلك له أثر كبير في دفع الشرور وجلب الخير بإذن الله .
2ـ الإخلاص : فتحقيق الإخلاص هو سبيل الخلاص من الشيطان باعترافه هو حيث يقول الله تعالى على لسانه : {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {39} إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {40} . ( الحجر )
والمخلص هو الذي يبتغي بعمله وجه الله فقط ولاينتظر محمدة الناس له على مايفعل بل هو يخفي جميع أعماله مااستطاع إلى ذلك سبيلاً .
3ـ التزام الجماعة : فالتزام الجماعة يرضي الرحمن ويطرد الشيطان فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد " ( 1 ).
فإن أردت أن تسافر سفراً طويلاً فاصطحب معك غيرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب " .( 2 )
ومن التحصينات الشرعية من السحر :
4ـ المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة لاسيما صلاة الفجر : قال الله تعالى : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238} . ( البقرة )
فالتهاون عن الصلاة في جماعة يسهل غواية الشيطان لابن آدم لأنه بذلك يكون قد اتبع طريق الشيطان وترك طريق الرحمن فالشيطان يزين للإنسان ترك الطاعات ويجعله يتساهل فيها ولايحافظ عليها ومن أعظمها وأشرفها الصلوات الخمس فمتى استطاع هذا العدو اللدود أن يجعل العبد تاركاً لها أو متساهلاً فيها فلايؤديها في أوقاتها مع جماعة المسلمين فقد نال الحظ الأوفر منه . فالمحافظة على الصلوات الخمس حماية عظيمة للإنسان من أن يهم به الشيطان .
قال صلى الله عليه وسلم :" مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِى قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَة ".( 1 )
5ـ الاعتصام بالكتاب والسنة :(/9)
فإن من أعظم سبل الحماية من الشيطان الالتزام بالكتاب والسنة علماً وعملاً .وذلك لأن الكتاب والسنة جاءا بالصراط المستقيم ، والشيطان يعمل جاهداً ليل نهار لكي يخرج العبد عن هذا الصراط المستقيم . فقد روى أحمد والنسائي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات مرة مع أصحابه وخط خطاً بيده ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيما " وخط عن يمينه وشماله ثم قال : هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {153} . ( الأنعام ) ( 1 )
فمتى التزم العبد بكتاب الله وسنة رسوله علماً وعملاً فإن
الشيطان لايستطيع أن يغويه أو يضره في شىء .
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في تلبيس إبليس بعد أن ساق الإسناد إلى الأعمش قال يعني الأعمش : " حدثنا رجل كان يكلم الجن قال : ليس علينا أشد ممن يتبع السنة ، وأماأصحاب الأهواء
فإنا نلعب بهم لعبا ".( 1 )
6ـ تقوى الله تعالى :
فلتقوى الله تعالى ومراقبته في كل كبيرة وصغيرة واستشعار معية الرب سبحانه وتعالى أثر كبير في تفريج الكربات ودفع الشرور ورفعها عن العبد ، فالعبد كلما اتقى الله تعالى وراقبه في السر والعلن رفع الله عنه البلاء والشرور بإذنه سبحانه وتعالى .
قال الله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} . ( الطلاق )
وقال أيضاً : { وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {18} . ( فصلت )
7ـ التوبة النصوح والتخلص من الإثم :
يقول الله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {30} . ( الشورى )
فإن كثيراً من الشرور التي تقع إنما تكون بسبب الذنوب والمعاصي وبسبب ظلم العبد .
فمتى تاب العبد إلى الله وأناب إليه وتخلص من الإثم فإن ذلك إن شاء الله سيكون سبباً في استبدال همه فرجا وبلائه عافية .
قال الله تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {31} . ( النور )
8ـ بذل الصدقات وصنع المعروف والقيام بحاجات الناس :
إن من أعظم الوسائل والسبل التي يتقى بها الشر من سحر وغيره بذل الصدقات للفقراء والمحتاجين ، فإن في بذلها دفعاً لكثير من الشرور أو تخفيفها ، ولكن على المسلم أن يخلص البذل لله فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك :" إن صدقة السر لتطفيء غضب الرب وتدفع ميتة السوء " .( 1 )
وأيضا "باكروا بالصدقة فإن البلاء لايتخطاها وتصد سبعين باباً من السوء " .( 2 )
ولذا كانت الصدقة نوعاً مما يتداوى به قال صلى الله عليه وسلم :" داووا مرضاكم بالصدقة " .( 3 )
9ـ الرقى الشرعية :
ذكرنا فيما سلف في طريق إبطال السحر أن الرقية الشرعية سبب من أسباب الشفاء بإذن الله تعالى . فماهي الرقية الشرعية ؟ وماهي شروطها ؟ وماكيفيتها ؟ مع ذكر بعض مايقرأ على المريض .
وللإجابة على هذا السؤال نقول وبالله التوفيق :
الرقية الشرعية هي التي تكون بآيات من كتاب الله سبحانه وتعالى أو بأدعية مأثورة من السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والرقية الشرعية مأمور بها من النبي صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسترقي من العين " . ( 1 )
وعنها أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال :" عالجيها بكتاب الله " . ( 2 )
فالحاصل أن الرقية الشرعية متى احتاج العبد إليها جاز له ذلك. قال ابن حجر رحمه الله :" أجمع العلماء على جواز الرقى عنداجتماع ثلاثة شروط " .
شروط الرقية الشرعية :
1ـ أهم هذه الشروط أن تكون خالية من الشرك فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : " كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يارسول الله كيف ترى ذلك فقال :" اعرضوا علي رقاكم ، لابأس بالرقى مالم يكن فيها شرك " .( 1 )
2ـ أن تكون بكلام الله تعالى أوبأسمائه وصفاته .
قلت أو بماجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنة الصحيحة .
3ـ أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره .
4ـ أن يعتقد أن الرقية لاتؤثر بذاتها ، بل بذات الله .
ومن الأمور المتحسنة للراقي عند رقيته للمريض .
أن يكون على استعداد نفسي وقوة إرادة وشخصية وأن يكون متوضئاً ويضع يده على رأس المريض .
وسنذكر هنا جملة من الرقى التي يقرأها الراقي على المصاب .
1ـ قراءة الفاتحة .
2ـ قراءة بعض هذه الآيات من سورة البقرة .(/10)
{الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} . ( البقرة )
{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {255} . ( البقرة )
{لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284} آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {285} لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286} . ( البقرة )
3ـ من سورة آل عمران :
{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18} . ( آل عمران )
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26} تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {27}. ( آل عمران )
4ـ من سورة الأعراف :
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {54} ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {55} وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ {56} وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {57} . ( الأعراف )
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {117} فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ {119} . ( الأعراف )
5ـ من سورة يونس :
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ {79} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ {80} فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ {81} وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ {82} . ( يونس )
6ـ من سورة الإسراء :(/11)
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً {45} وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً {46} نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً {47} انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً {48} وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً {49} قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً {50} أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً {51} . ( الإسراء )
7ـ من سورة طه :
{ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى {65} قَالَ بَلْ
أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى {66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى {67} قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعْلَى {68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى {69}. ( طه )
8ـ من سورة المؤمنون :
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {116}
وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ {117} وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {118}. ( المؤمنون )
9ـ من سورة الصافات :
{وَالصَّافَّاتِ صَفّاً {1} فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً {2} فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً {3} إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ {4} رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ {5} إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {6} وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ {7} لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ {8} دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ {9} إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ {10} فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لازِبٍ {11} بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ {12} وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ {13} وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ {14} وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ {15} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ {16} أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ {17} قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ{18}.(الصافات )
10 ـ من سورة الرحمن :
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {21} يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ
{22} فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {23} وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ {24} فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {25} كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ {27} فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {28} يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ {29} فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {30} سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ {31} فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {32} يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ {33} فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {34} يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ {35}. ( الرحمن )
11ـ من سورة الحشر :
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ(/12)
وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {21} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {22} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ {23} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {24}. ( الحشر )
12ـ من سورة الملك :
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2} الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ {4}. ( الملك )
13ـ من سورة القلم :
{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {51} وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ {52} . ( القلم )
14ـ من سورة الجن :
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً {3} . ( الجن )
15ـ سورة الكافرون .
16ـ سورة الإخلاص .
17ـ المعوذتين .
أما من السنة فقراءة الآتي :
1ـ " اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لاشفاء إلا شفاءك شفاءً لايغادر سقما ، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع " .
2ـ " بسم الله آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم " .
3ـ " حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً " .
4ـ " بسم الله الذي لايضر مع اسمه شىء في الأرض ولافي السماء وهو السميع العليم " .
5ـ " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق " .
6ـ " أعوذ بكلمات الله التامات التي لايجاوزهن بر ولافاجر من شر ماخلق وذرأ وبرأ ومن شر ماذرأ في الأرض ومن شر مايخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير " .
7ـ " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " .
8ـ " أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون " .
فهذه جملة من الآيات والآثار المروية التي يمكن للراقي أن يستخدمها عند رقيته .
ومن التحصينات الشرعية التي يتحصن بها الإنسان من السحر :
10 ـ تطهير البيت من التصاوير والتماثيل :
فالبيت الذي فيه التصاوير والتماثيل لاتدخله الملائكة وبالتالي تعشعش فيه الشياطين .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لاتدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل وتصاوير " .( 1 )
11ـ قراءة بعض السور والآيات الطاردة للشياطين ومنها :
1ـ سورة البقرة .
2ـ قراءة آية الكرسي .
3ـ قراءة آخر الآيات من سورة البقرة .
4ـ قراءة المعوذتين والإخلاص .
5ـ التسمية على كل شىء .
6ـ الاستعاذة عند وساوس الشيطان .
12ـ ومن أعظم التحصينات وأنفعها :
المحافظة على أذكار الصباح والمساء فإنها نافعة جداً لمن أراد أن يحصن نفسه من شياطين الإنس والجن .
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
مقدمة ............................................. ...
تعريف السحر: في اللغة والاصطلاح ........................ ...
بعض الشركيات والكفريات عند السحرة والمشعوذين . ...
أدلة وقوع السحر : من الكتاب .......................... ...
أدلة وقوع السحر : من السنة ................................ ...
حكم من قام بالسحر في شريعتنا ............................. ...
مسألة في ساحر أهل الكتاب ............................... ...
أقسام السحر .................................................. ...
سؤال حول حكم مشاهدة ألعاب السيرك المتضمنه على ألعاب السحرة والمشعوذين ...................................... ...
العلامات التي يعرف بها الساحر ............................. ...
حكم حل السحر بسحر مثله ................................ ...
كيفية إبطال السحر ................................................. ...
ضرر السحر على الفرد والمجتمع .................... ...
أولاً : خطر السحر على الفرد .................... ...
ثانياً : ضرر السحر في حياة المجتمع ............. ...
تسلط السحرة في هذا الزمان : الأسباب والعلاج ......... ...(/13)
مالواجب علينا تجاه تسلط السحرة في هذا الزمان ؟ .
أولاً : الواجب على الأفراد .................................
ثانياً : الواجب على العلماء والفقهاء وأهل الحسبة
ثالثاً : واجب ولاة الأمر ......................................
رابعاً : الواجب على أصحاب المؤسسات والشركات ...
جهود المملكة العربية السعودية في محاربة السحر والسحرة .................................................. ...
التحصينات الشرعية من السحر
1ـ تحقيق التوحيد ..............................................
2ـ الإخلاص ...............................................
3ـ التزام الجماعة ..........................................
4ـ المحافظة على الصلوات الخمس ................
5ـ الاعتصام بالكتاب والسنة ........................
6ـ تقوى الله ..................................................
7ـ التوبة النصوح .............................................
8ـ بذل الصدقات ..................................
9ـ الرقى الشرعية ................................
شروط الرقية الشرعية .............................
بعض الآيات والسور التي يرقى بها المصاب .............
بعض الأحاديث التي يرقى بها المصاب ................
10ـ تطهير البيت من التصاوير والتماثيل ............
11ـ قراءة بعض السور والآيات الطاردة للشياطين ..
12ـ المحافظة على أذكار الصباح والمساء .......... ...(/14)
كيف تحمي نفسك من السحر والجن والعين و الوسواس والهم والحزن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله, أما بعد...
فقد شرع الله سبحانه وتعالي لعباده ما يتقون به شر العين والسحر وغيرهما من الشرور قبل وقوعها. وإليك عددا من وسائل الوقاية منها بإذن الله.
وسائل الوقاية من الشياطين:
1. المحافظة علي جميع الفرائض والواجبات والابتعاد عن جميع المحرمات والتوبة من جميع السيئات.
2. قراءة سورة البقرة فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه.
3. قراءة آية الكرسي فمن قرأها عند النوم فإنه لا يقربه شيطان حتى يصبح.
4. قول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير". (مائة مره) فإنها حرزا من الشيطان اليوم كله.
5. ذكر الله, فإن الشياطين تخنس عند ذكر الله.
6. إمساك الصبيان ساعة الغروب فإن الشياطين تنتشر حينئذ.
7. الاستعاذة بالله من كيدهم.
وسائل الوقاية من الجن:
1. قراءة آية الكرسي.
2. قول: ” بسم الله"عند كل عمل.
3. قول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" عند نزول أي منزل.
4. المحافظة علي أذكار الصباح والمساء ودخول المنزل والخروج منه ودخول الخلاء وغيرهما من الأذكار.
وسائل الوقاية من السحر:
1. قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين.
2. التحصن بالأذكار والتعويذات المأثورة.قال سماحة الشيخ ابن باز: "وهذه الأذكار والتعويذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها".
3. أكل سبع تمرات عجوة في الصباح (من تمر المدينة) قال الشيخ ابن باز: " ويرجى أن يعم ذلك جميع أنواع التمر".
وسائل الوقاية من العين:
1. قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين و آية الكرسي وفاتحة الكتاب.
2. قول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق".
3. تعويذ الصبيان كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين" أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه".
4. ستر محاسن من يخشى عليه من الإصابة من العين.
وسائل الوقاية من الوسواس:
1. الاستعاذة بالله من الشيطان ووسوسته.
2. قراءة سورة الناس والفلق.
3. ذكر الله فهو أنفع علاج في دفع الوسوسة.
4. عدم الالتفات والاسترسال مع تلك الوساوس.
وسائل الوقاية من الهموم والأحزان:
قل:" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"
هذا ما تيسر من جمعه ونسأل الله أن ينفع به وصلي الله علي نبينا محمد
قال - صلى الله عليه وسلم - (احفظ الله يحفظك) رواه الترمذي.
http://www.jlsaat.net : المصدر(/1)
كيف تختارين شريك العمر؟ [1].......الدين لماذا؟
مفكرة الإسلام: نبدأ باسم الله، والصلاة والسلام على حبيبنا صلى الله عليه وسلم:
تدور الكثير من الأسئلة في ذهن الكثير من الزهرات، ولكنها لا تستطيع أن تبوح بها؛ لأنها تشعر بالخجل منها، ولعل من أخطر وأهم تلك الأسئلة التي تتردد في نفوس كثير من أخواتنا، السؤال عن شريك الحياة، وكيفية اختيار الزوج،وهو ما سيكون موضوع لقائنا عبر هذه المرة.
الزواج الناجح = الاختيار الناجح.
الزواج هو العلاقة الوحيدة المشروعة بين الرجل والمرأة، البعض يعرفه تعريفاً [ مدنياً ] فيقول: هو قدرة الطرفين على الصبر الطويل الممتد.
والبعض يعرفه تعريفاً [ عسكرياً ] فيقول: هو فن إدارة الصراع!!!
ولكن يبقى التعريف القرآني للزواج، وهو أرق التعريفات، وأكثرها بعثاً للتفاؤل...
قال تعالى: [[وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]] [الروم]
إذاً ...الزواج الناجح= سكن... مودة... رحمة.
سكن... للقلب والنفس والجوارح.
مودة... تحنو وتبعث الدفء.
رحمة... تهون مشقة الرحلة الطويلة.
وأول خطوة نحو الزواج الناجح:
الاختيار الناجح:
ولكن قبل أن أحدثك خلال رحلتي معك عبر الصفحات التالية عن الاختيار الناجح؛ سأمر سريعاً في سطر واحد على الاختيار الفاشل لأقول أنه:
[هو الزواج الذي يقوم على عنصر واحد فقط من عناصر الاختيار مغفلاً باقي العناصر...]
وليس غريباً أن تكون النتيجة الطبيعية لهذا هي أن نسبة الطلاق المعلن عنها رسمياً في مصر قد وصلت 17% في أواخر التسعينات!!
وكأني أريد أن أقول:
الاختيار الناجح هو الذي يراعي جميع العناصر على التوازي: [ الدين، الحب أو القبول النفسي، التكافؤ الاجتماعي والفكري ].
مفاهيم مشوشة:
وتشيع بين بناتنا مفاهيم كثيرة مشوشة حول اختيار شريك الحياة؛ فهناك معانٍ غائبة، وأخرى مقلوبة، وثالثة منقوصة، وأصبح الأمر يحتاج إلى وقفة وبيان، وخاصة في العصر الذي نعيشه، حيث لم يعد التناول السطحي لهذا الأمر سائغاً أو مقبولاً.
قالوا:[ ابحث عن الرفيق قبل الطريق ].
وكلما كان الطريق طويلاً وشاقاً؛ كلما كان اختيار الرفيق حيوياً ودقيقاً.
وإذا كان الطريق هو الحياة والرفيق هو الزوج؛ فإن أهم سؤال في حياتك هو: كيف أختار زوجي؟
أولاً: الدين لماذا؟
من هو الزوج المتدين؟ كيف تعرفينه؟
الدين... لماذا؟
عندما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحته للذكور... قال صلى الله عليه وسلم :
[[ اظفر بذات الدين تربت يداك ]]. متفق عليه.
وعندما وجهها للإناث... قال صلى الله عليه وسلم :
[[ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه؛ إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ]]. صححه الألباني في إرواء الغليل.
ولقد أثبتت الدراسات الاجتماعية والاستقصاءات أن الدين بالفعل هو أهم عنصر للاختيار عند الإناث، لذلك فأنا لن أحاول إقناعك بأهمية الدين، فأنت بالفعل مقتنعة بهذا، حسب ما تؤكده الدارسات.
ولكني سأطرح عليك بعض الأسئلة المتعلقة بالدين، لنتناقش حولها معاً.
لماذا تبحثين عن الدين؟
عندما سأل هذا السؤال للعشرات من البنات في مثل سنك، كانت الإجابة واحدة من الأربعة التالية أو جميعها معاً:
ليحافظ علي ويحسن معاملتي ولا يظلمني.
حتى أطمئن لاستقامته، وحسن سلوكه فيغض بصره عن سواي من النساء.
ليعينني على طاعة الله، ويحثني على الخير والأعمال الصالحة.
حتى أطمئن للتنشئة الصالحة لأولادي.
والآن... أزف إليك هذا النبأ الهام:
لن تتحقق هذه الأمنيات السعيدة -على النحو الذي يرضيك- إلا بشرط واحد وهو:
أن يتوافر [[الدين]] فيك أنت أيضاً:
فعلاقة الزواج هي تفاعل بين شخصين، فإذا نجح هذا التفاعل نجحت العلاقة.
ولذلك فإن الطرفين مسؤولان معاً عن نجاح هذا التفاعل معاً، وبالتالي نجاح العلاقة، وبقدر التجانس تنجح العلاقة، ويحدث التفاعل لذلك فإن:
الزوج المتدين:
سيحسن معاملتك ولا يهينك أو يظلمك، ولكن اتقي الله فيه حتى تعينيه على أن يتقي الله فيك.
سيغض بصره عن النساء، ولكن أعينيه على أن يتعفف بك عمن سواك.
سيعينك على طاعة الله، ولكن اعلمي أن عليك أنت أيضاً أن تعينيه على الطاعة؛ فلا تلقي بتقصيرك على أحد، واعلمي أنك كما تحلمين بمن يوقظك لصلاة الفجر؛ فإنه أيضاً يتصور أنك أنتِ التي ستوقظينه!!
سيساعدك على التنشئة الصالحة لأولادك، ولكن هذا دور مشترك بينكما، ولن يتحقق إلا بتعاونكما معاً من أجله.
أردت أن أقول هذا:
لأبدأ من عندك أنتِ... فكما تكونين سيكون زوجك.
فسارعي إلى الله... وابدئي من الآن.
ولا أريد أن تفهمي من كلامي أن الرجال كلهم سواء، المتدين وغير المتدين طالما أن هناك دوراً مطلوباً منك في كل الأحوال، وهو الذي سيتوقف عليه مدى تفاعل الطرف الآخر، فربما فهمت من كلامي أن الكرة في ملعبك وحدك!!!(/1)
بالتأكيد أنا لم أقصد هذا، فهناك فارق كبير بين الزوج الذي لا يأخذ الدين أي مساحة من اهتمامه، وبين الآخر الذي يهتم بالتدين، ورضا الله ولكنه يحتاج لمن تعينه وتساعده.
الأول: كالجسد الميت الذي لا حياة فيه.
أما الثاني: فهو كالجسد الحي الذي يحتاج غذاء ورعاية.
ما هو الدين؟؟؟
ما أكثر ما سمعته من البنات حول تصورهن للدين...
ترى... من هو الشاب المتدين في نظرك؟!!
هو الذي يحفظ القرآن؟!!
هو الذي يدعو إلى الله؟!!
هو الذي يحضر جلسات المسجد؟!!
هو الذي يصلي و لا يدخن السجائر؟!!
ما هي البوصلة التي تدلك عليه؟
هذه البوصلة قد عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمة [[ ترضون]]!!
الشخص المتدين الذي يناسبك هو الذي ترضين [[دينه]]، فليس هناك شخص متدين تدينا كاملاً تاماً، ولكن كل من يقف على درجة من درجات الدين، ويحظى ببعض عناصر دون الأخرى، فهو متدين بدرجة ما.
لذلك عندما تختارين شريك حياتك؛ عليك أن تقبلي من توفرت فيه عناصر الدين التي ترضيك أنت، والتي تناسب مستواك وتصورك وطموحك.
الذي يصلي ويدخن السجائر... هو على درجة من التدين، هو ليس كافراً.....ولكن هل هذه الدرجة تناسبك؟
الذي يحافظ على صلواته، ويحضر بعض الدروس في المسجد، ولكنه شخص في حاله، لا يشارك في الإصلاح أو الدعوة؛ هو على درجة من التدين..... هل هذه الدرجة تناسبك؟
الذي يشارك في الإصلاح، ولكن لا ينتمي لهذه الحركة الإصلاحية التي تنتمين لها.. هل هذا يناسبك؟
الإجابة عن كل الأسئلة السابقة يجب أن تكون بنعم أولاً، وهي في كل الأحوال تتوقف عليك أنت، وعلى الدين الذي يرضيك أنت، فأنت التي ستتزوجين هذا الشخص على حالته تلك.
سؤال شائع بين البنات:
تقدم لي شاب على خلق، أبي وأمي سعيدان به، ويدعواني لقبوله، ولكني لا أرحب بفكرة الارتباط به، ليس متديناً بالدرجة التي أقبلها، فكل علاقته بالدين أنه يصلي فقط، أبي وأمي يؤكدان لي أن سيتغير بعد الزواج، فهل أقبله أم أرفضه؟
وأقول لك:
عندما توافقين على الارتباط بشخص ما؛ تأكدي من قبولك له كما هو، وتأكدي أنه يتمتع بالحد الأدنى من المميزات التي تتمسكين بها، وأن عيوبه في الحدود المقبولة لك؛ لأن التغيير أمر في علم الغيب، قد يحدث، وقد لا يحدث، فلا تبن زواجك على أمل حدوثه.
واعلمي أن زوجك سيكون له عليك حق الاحترام والطاعة، لذلك تأكدي أنك راضية تماماً عن دينه وخلقه وأنك تحترمينه، وتقتنعين به... وإلا...
فإذا تزوجت به وفي عقلك ازدراء لمستوى سلوكه وتدينه؛ فإنك ستعذبينه وتعذبين نفسك أيضاً.
كيف أعرف تدينه؟
اسألي المقربين له عن أخلاقه، وعن معاملته لأهله وأبويه وجيرانه وزملائه، اسأليه هو نفسه عن معنى الدين عنده، وكيف يتعهد ما بينه وبين خالقه.
واهتمي بالخلق والجوهر قبل المظهر:
فأهل القرآن مثلا هم العاملون به، وليسوا من ينطبق عليهم قول الله تعالى: [[كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً]][ الجمعة:5].
وإنما هم من ينطبق عليهم وصف السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: [[كان خلقه القرآن]]. صححه الألباني في صحيح الجامع
واطمئني... إن أمامك فترة لا بأس بها في الخطوبة لتكشفي خلقه الحقيقي من خلال المواقف والأحداث.
لا تنبهري بعدد الأجزاء التي يحفظها من القرآن، أو عدد الدروس التي يحضرها في الأسبوع، ولكن دعي المواقف تتكلم وتكشف.
وللحديث بقية في المرة القادمة إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
همسات البنات... كيف أختار زوجي؟ د. فيروز عمر.(/2)
كيف تدعو إلى الإسلام
يتناول الدرس كيفية تبليغ الداعية كل إنسان ما يلزمه من أفكار وتوجيهات، وخطوات الدعوة الفردية والمنهج الذي ينبغي اتباعه في ذلك، والعقبات التي تعرض في طريق ذلك، ثم أهمية أو حسنات الاتصال الفردي .
الداعية الموفق هو الذي يعطي كل إنسان ما يلزمه من أفكار وتوجيهات، ويحاول أن يقنعه بالفكر, ويجذبه إلى الحركة بالأسلوب الذي يؤثر فيه ، وهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم : [ نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلمهم على قدر عقولهم ].
تعرف إلى الشخص قبل دعوته:
وإذا كانت لمسألة هكذا ؛ فإنه يصبح من واجب الداعية أن يتعرف إلى الشخص الذي يود دعوته إلى الإسلام.. يتعرف إلى أفكاره , ويكتشف مشكلاته ، وهو بذلك سيصل إلى معرفة المنافذ التي يمكن أن ينفذ من خلالها نفسه.
من أين تبدأ.. وكيف؟:
إن الإصابة في تحديد نقطة البدء توفر على الداعية كثيرًا من الوقت ، وتسهل عملية الإقناع والجذب, وفي كثير من الأحيان يكون فشل الداعية في اجتذاب العناصر الجديدة إلى الدعوة مرده إلى سوء تقديره لنقطة البدء , وسوء تشخيصه للعلة المراد تطبيقها، فيبدأ من حيث ينبغي أن ينتهي , أو ينتهي من حيث ينبغي أن يبدأ.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: [ما أحد يحدث قومًا بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم].
مشروع منهج قياسي:
ولهذا كان لا بد من منهج قياسي تحدد بواسطتة نقطة البداية، ويعرف بواسطتة الداعية كيف يبدأ ومن أين , ففي اللقاءات الأولى ينبغي أن يحرص الداعية على تقييم العنصر المراد دعوته إلى الإسلام , فإذا تم له ذلك أصبح بمقدوره مقارنته بالأنموذج القياسي، وفي اعتقادي أن الأنموذج القياسي ينبغي أن تحدد مواصفاته على الشكل التالي:
أولاً: طور بناء العقيدة : أي إيجاد الفكر الصحيح عن الكون والإنسان والحياة، ومن شرائطه : 1- تحقق الإيمان بالله وسائر أركان الإيمان الخمسة, وهذا الطور يعتبر الطور الأساسي في تكوين الشخصية الإسلامية؛ لأنه القاعدة التي تتمخض عنها سائر الأطوار.2- تحقق الإيمان بالإسلام وأنه المنهج المبرأ من عوامل العجز البشري، وأنه المنهج الشامل المتكامل، وأن المناهج الأخرى باطلة أساسًا؛ لأنها بشرية المصدر.
ثانيًا: طور التطبيق: أي طور تجسيد النظريات الإيمانية سلوكًا إسلاميًا صحيحًا , وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: [ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل].
ومن مقتضيات هذا الطور :
أ-دعوة المرء إلى أخذ نفسه بما يوافق عقيدته , وينسجم انسجامًا كليًا مع التشريعات المنبثقة عن هذه العقيدة .
ب-جعل الإسلام المقياس الذي ينبغي الصدور عنه والرجوع إليه في كافة شؤون الحياة.
ثالثًا: طور الانخراط في العمل الحركي للإسلام : ذلك أن الفرد لوحده لا يقوى على إقامة المجتمع الإسلامي وإيجاد الدولة الإسلامية.
الاتصال الفردي المباشر:
من خلال التجارب الكثيرة التي مرت بها الحركة الإسلامية تأكد للعاملين والدعاة أثر الاتصال الفردي المباشر في كسب عناصر جديدة للحركة , وفي تزايد الإنتاج الحركي لدى كل فرد من أفراد التنظيم.
أولاً : مفهوم الاتصال الفردي
والمراد به هو قيام كل فرد من أفراد التنظيم بواجب الاحتكاك المقصود الهادف بعناصر جديدة , ومحاولة جذبها إلى الفكرة أولاً , وإلى الحركة أخيرًا، وحري بصاحب الفكرة أن يحاول الاستفادة من كافة العلاقات والظروف لطرح أفكاره ومحاولة إقناع الآخرين بها , وبالتالي الخروج بطبيعة صلاته وعلاقاته من نطاقها [التجريدي] العفوي إلى النطاق [الموجه] الذي يخدم الفكرة الإسلامية ويفتح أمامها كثيرًا من الأبواب والمنطلقات , والفرد ـ كل فرد ـ له وجود وله أثر , ووجوده لا يغني عن أثره ؛ بل إن أثره يدل على قيمة وجوده .
ثانياً : الاتصال الفردي واجب شرعي
وعلى الأخ المسلم أن يدرك أن مهمة نشر الدعوة واجب شرعي ومسئولية فردية , لا يسقطها عنه انتسابه لجماعة.
إن مسئولية العمل الإسلامي مترتبة على كل مسلم ؛ سواء كانت هناك حركة أم لا , وكان الهدف من التنظيمات الحركية استيعاب النشاطات الفردية , وتنميتها , وتوجيهها , وتحويلها مع الزمن إلى طاقة ضخمة , يمكن بها مواجهة القضايا الكبرى التي لا طاقة للأفراد منعزلين على مواجهتها.(/1)
إن صيغ المخاطبة الفردية ورد بها التكليف القرآني والنبوي , وهي تؤكد المسئولية الشخصية , وعلى سبيل المثال قوله تعالى:] وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[33][ سورة فصلت. ] فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ .....[15][ سورة الشورى , وقوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ] رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد.
وقد يفهم كثير من العاملين في الحقل الإسلامي خطأ أن مهمة القيام بأعباء وتكاليف الاتصال الفردي ونشر الدعوة إنما تفرض على من يريد أن يتصدى لها ممن يكون على جانب كبير من العلم والمعرفة؛ مما لا يمكن أن يتوفر إلا لقليل من الأفراد الذين قد تسمح لهم ظروفهم وإمكانياتهم بهذا..
وفي اعتقادي أن الأمر أبسط من هذا بكثير , فإن الأخ إذا تكاملت جوانب فهمه للإسلام , وأصبح بمقدوره التعبير بوضوح عن هذا المفهوم بات من واجبه أن يضع قدمه عند أول الطريق , وأن يباشر مسئولياته كداعية، ولكن ضمن ثلاثة شروط:
1-أن يعرف حده من العلم والمعرفة , فيعمل في نطاقه وعلى مستواه.
2-أن يعمل على تنمية ثقافته الإسلامية والبلوغ بها.
3-أن يكون في سلوكه منسجمًا مع المبادئ التي يدعو الناس إليها.
ثالثاً : عقبات في الطريق
إنني لا أجد للعقم والانعزال الذي مني به الكثيرون إلا سببًا واحدًا؛ وهو:
زيادة خوفهم وتهيبهم من الناس والمجتمع , فهؤلاء لا يخلون من أحد ثلاثة:
· إما أن يكونوا ضعفاء الثقة بأنفسهم , فينبغي أن يعالجوا أنفسهم من هذا الجانب.
· أو أنهم يخافون على حياتهم ؛ فيتحاشون تعريضها للإيذاء , وهؤلاء أقل ما يقال فيهم أنهم ضعفاء جبناء , ويلزمهم معالجة وتطييب قبل أن يرشحوا لتطبيب الناس ومعالجتهم ,كما أن الخوف من الناس لا يمكن أن يكون صفة من صفات المؤمنين؛ لأن الإيمان بطبيعته يكسب الإنسان الجرأة في الحق والشجاعة فيه يؤكد ذلك قوله تعالى: ] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[173]فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ[174][سورة آل عمران , وإلى هذا يشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: [أمرت أن أقول الحق ولو كان مرًا ] , وقوله: [أمرت أن أقول الحق ولا أخشى في الله لومة لائم], و إلى هؤلاء وأمثالهم يشير القرآن الكريم بقوله: ] الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[168][ سورة آل عمران , وقوله: ]قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[8][ سورة الجمعة .
· أنهم أصحاب مصالح , يبالغون في المحافظة عليها ولو على حساب الإسلام.
رابعاً : من حسنات الاتصال الفردي
للاتصال الفردي المباشر حسنات كثيرة لا مجال لحصرها , ولكن نكتفي بالإشارة إليها فمنها :
1-يتيح للدعاة التعرف على العناصر المراد جذبها إلى الدعوة , وتبليغها الفكرة عن كثب.
2-يمكنهم الاحتكاك من الوقوف على أوضاع هؤلاء ومشاكلهم ، ويسهل عليهم بالتالي عملية التشخيص والتوجيه والمعالجة؛ بينما لا يتحقق في مجالات الاتصال الجماعي فوائد التأثير المباشر الذي يلامس العلة ذاتها , ويعالج الداء نفسه.
3-أنه يضع الإخوان جميعًا وبدون استثناء أمام مسئولياتهم وواجباتهم، وبهذا لا يبقى العمل الإسلامي محصورًا في عدد من الأفراد الذين يمارسون مهام التوجيه والإرشاد، وهذا من شأنه أن يحول الجماعة إلى خلية عمل الكل فيها يعمل وينتج.
4-يجنب الحركة كثيرًا من مواقف الإحراج التي تفرضها أحيانًا الظروف السياسية.
5-يعين الدعاة على مواجهة كافة الأسئلة المطروحة بالنقاش الموضوعي , وبالتبسيط والتفصيل مما لا تتيحه أجواء الاتصال العام؛ كأجواء الاحتفالات والمهرجانات والمحاضرات.
وبهذا يكون الاتصال الفردي الوسيلة المثمرة التي تؤتي أكلها من غير ضجيج أو ضوضاء، وتبلغ الحركة الغاية المنشودة منها بأيسر التكاليف وأقصر الأوقات، وأخيرًا فليضع الدعاة أمام أعينهم باستمرار قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها].
من كتاب :كيف ندعو إلى الإسلام ….. المؤلف :فتحي ي(/2)
كيف تربي أبناءك في هذا الزمان!!؟
أولى الإسلام تربية الأبناء، ورعايتهم، والعناية بهم، والوقوف إلى جانبهم حيزا كبيرا من اهتماماته، فلفت أنظار الوالدين إلى الطرق الصحيحة الراجحة في تنشئة جيل الغد ..ومشاعل المستقبل في ضوء تعاليم الإسلام، وما نادي به من مقومات أخلاقية ونفسية واجتماعية وتربوية حث الآباء على الاقتداء بها، والسير على دربها.. لكي تكون سفينة أبنائنا في منجى ومنأى عن الأفكار المنحرفة، وصولا إلى المجتمع الصالح الذي يتعرف فيه أطفال اليوم عندما يكبرون على الطرق والوسائل الكثيرة التي رعاها آباؤهم عندما أرادوا تعليمهم كل ما يفيد في الحياة، وساعتها يكتشفون تعب والديهم عندما واجهتهم المصاعب في تشكيل وجدان أبنائهم على القيم الفاضلة والمبادئ الأصيلة ليتسلموا الراية، ويقوموا بأداء نفس الدور – ولكن كآباء – مع الجيل الجديد.. وهكذا تسير دفة الحياة في المجتمع المسلم ، بالنصيحة والقدوة ، والتربية السليمة!!
إذن فتربية صغارنا.. ليست مهمة سهلة مثلما يهون من أمرها البعض، كما أنها ليست مسألة عويصة كما يضخم من حجمها الكثيرون، ولكنها تجمع بين الاثنين، بين السهولة والصعوبة، بين المشقة والفرح، بين المعايشة الدائمة – وكأننا أطفال – لنقدم لهم النموذج الحي الصحيح لما نبغي أن نزرعه في ضمائرهم وأخلاقهم البريئة.
أطفال اليوم بحاجة إلى أن يتسلح آباؤهم وأمهاتهم بعلوم شتى ، وخبرات كثيرة ، وأخلاق أصيلة، لكي يشب الطفل وهو يري مثالا ناضجا يطبق ما ينادي به، فيقوم على الفور بالاقتداء به، وتمثله تمثلا وجدانيا يكون اللبنة التي تؤسس كيانه وعالمه الجديد في المستقبل، بعيدا عن الماديات الزائفة، والأفكار البالية، والسقوط في مستنقع الرذيلة والفواحش!!
ومن هنا تبرز قيمة كتاب "كيف تربي أبناءك في هذا الزمان؟" للدكتور حسان شمس باشا – استشاري أمراض القلب في مستشفي الملك فهد للقوات المسلحة بجدة – وهو كتاب يجمع بين الأصالة والمعاصرة وفق الأساليب التي اتبعها أجدادنا العظام في كتاباتهم الباهرة التي استقت من المعين القرآني والسنة النبوية وأقوال السلف الصالح، وعلماء التربية المسلمين على مر العصور، إلى جانب الاطلاع النهم على آخر وأحدث ما توصل إليه العلم الحديث في مسألة تربية الأطفال. قسم المؤلف كتابه إلى أربعة وعشرين فصلا شاملة لمرحلة الطفولة بدءا من الولادة وحتى الشباب.
الحب والتربية
فالتربية لا تتم بدون الحب، حب من الجانبين; لأن الأطفال الذين يجدون من مربيهم عاطفة واهتماما ينجذبون نحوهم ، ويصغون إليهم أسماعهم وقلوبهم ، ويستجيبون لما يأمرونهم بفعله، ولهذا ينبغي على الأبوين أن يحرصا على حب الأطفال، وألا يقوما بأعمال تبغضهم منهم، كالإهانة الدائمة، والعقاب المتكرر، والحرمان، وعدم تلبية مطالبهم المشروعة; لأن ذلك لا يؤدي إلى التربية الصحيحة كما يتوقع الآباء، بقدر ما يقود إلى نفور الأطفال من آبائهم، وارتكاب ما ينهاهم عنه والداهم.
وليس معني ذلك أن يستولي الأطفال على الحكم في البيت والمدرسة والنادي، دون نظام أو رادع، فليس هذا حبا، بل إنه خراب ودمار، وإن حب الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه لم يمنعه من تكليفهم بالواجبات ، وسوقهم إلى ميادين الجهاد ، وحتى إنزال العقوبة بمن أثم وخرج على حدود الدين، وكل ذلك لم يسبب فتورا في محبة الصحابة لنبيهم ، بل كانت تزيد من محبتهم له، وطاعتهم لأوامره.
أسئلة مقلقة.. لها حل..
يبدأ الطفل عادة في سن 3 - 4 سنوات بإلقاء أسئلة مختلفة، محرجة، مربكة، مفرحة، ذات طبيعة خاصة تتعلق بخيال الطفولة، وعالمها السحري، وعلى الأبوين أن يتعاملا بيسر مع هذه النوعية من التساؤلات، وألا يصادرا على أبنائهم حق التساؤل وطرح الاستفسار عما بداخلهم من أمور وقضايا عادية، لكنها بحاجة إلى إجابة ذات طبيعة خاصة تناسب المرحلة السنية للأبناء..
وعلى الأبوين أن ينظرا إلى أسئلة أبنائهم على أنها جزء من عملية التعلم الطويلة في حياتهم، وأن تكون عملية الإجابة بسيطة وسهلة وبلا تعقيد، وحاوية للمعلومات، وليس الامتناع عن أية إجابة، حتى لا يؤدي ذلك إلى استقاء الأطفال لمعلوماتهم حول استفساراتهم التي عجز آباؤهم عنها إلى بديل آخر، تكون أجوبته أسلحة خطرة في مستقبل الأطفال، وفي تكوين مداركهم القادمة.
اختيار الأصدقاء
هذه قضية صعبة، يقع في شركها الآباء والأمهات، وبدلا من أن يختاروا أصدقاء بنيهم، نراهم على العكس يرفضون وجود صداقات لأبنائهم بحجة أن من يصادقونهم ليست أخلاقهم على ما يرام، أو لأسباب أخري، وهنا يترك الوالدان مسرح الأحداث للأطفال من دون أية رقابة، لكي يمارسوا حريتهم في اختيار أصدقائهم ، بلا ضوابط أو محاذير، وهنا تقع الكوارث الأخلاقية التي نسمع عنها كثيرا ، ولا نجد لها حلا سوي البدء مبكرا بالتنسيق مع الأبناء في التدقيق على نماذج أصيلة ذات بيئات قويمة ليصادقهم أبناؤهم.(/1)
وعلى الوالد ألا يعنف ولده أمام أصدقائه، حتى وإن أتي ابنه بصديق سيء، فلا يزجره أمامه، ولكن تكون المراجعة فوريا بعد مغادرة الصديق ، باتباع منهج تربوي في إسداء النصيحة كقصة مثلا أو حكاية عن الصديق السيئ ، ليتعلم منها الابن - بطريقة مباشرة - خطأه، الذي يسارع في علاجه على الفور.
الطفل العصبي
يري علماء النفس أن أهم أسباب عصبية الأطفال وقلقهم النفسي ترجع إلى الحرمان من الدفء العاطفي في الأسرة ، وعدم إشباع حاجة الطفل من الحب والقبول والتقدير، فضلا عن سيطرة الآباء التسلطية، وعدم إشعار الطفل بقيمته ودوره، وقسوة الآباء، والتفرقة بين الأخوة.
وقد يتعلم الطفل العصبية من أمه مثلا أو من المدرسة، كما أن الأم المتسلطة تصبح مصدرا ثابتا لمضايقة الطفل، فيقاومها في كل شيء ، بعكس الأم المرنة التي يحبها الطفل ، ويقبل عليها، فإنه يخضع لها، وينفذ مقترحاتها بسرور، وكلما كبر الطفل يقلد من يعلمه.
تربية بدقيقة
يقول الدكتور "سبنسر جونسون" في كتابه "أب الدقيقة الواحدة": أسلوب الدقيقة الواحدة أسلوب حديث، ربما تشعر في بداية تطبيقه بأنه أسلوب غريب، ولكنك سترتاح بعد ذلك وتمارسه بشكل طبيعي، أخبر أبناءك أولا بأنك لا تريد أن تحكمهم أو يحكموك، ولا تريد أن تكون ديكتاتورا في البيت، أخبر أبناءك أنك ستتبع هذا الأسلوب معهم، وأنه ستكون هناك بداية جديدة لطريقة التأديب، دع أبناءك يشعرون بعدم الرضا عن تصرفهم الخاطئ، ولكن بالرضا عن أنفسهم، فإذا ما ارتكب ابنك خطأ ما انظر في عينيه مباشرة ، وأعد عليه ما فعله باختصار دون أن يأخذ من وقتك إلا ثوان معدودات، أشعره بعدها أنك غاضب من فعله، ودعه يشعر بما تحس به في النصف الأول من الدقيقة، فلا يكفي أن يتلقى الابن أو الابنة التأنيب، ولكن المهم جدا أن يشعروا بهذا التأنيب، دعه يشعر بأنك لا تحب ما فعل، وقد يرافق ذلك إحساس بالانزعاج منك، خذ نفسا عميقا، واشعر بهدوء نفسي، وانظر إلى وجهه في نصف الدقيقة الثاني، بطريقة تجعله يشعر أنك إلى جانبه ولست ضده، وأنك تحبه، ولكنك لا تحب سلوكه فقط، أخبره أنه ولد طيب، وأنك راض عنه، ولكنك لست راضيا عن سلوكه، وأنك ما أنجبته إلا لأنك تحبه، وهكذا في كل الأمور عامله بنفس الطريقة في سهولة ويسر...(/2)
كيف ترق القلوب؟
يتناول الدرس رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها وأنها منحة من الرحمن، وعطية من الديّان؛ ولذا كان من المهم الحديث عن كيفية ووسائل ترقيق القلوب، وكذلك أسباب قسوة القلوب لنجتنبها .
الحمد لله علام الغيوب..الحمد لله الذي تطمئن بذكره القلوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعز مطلوب، وأشرف مرغوب..وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وبعد،،،
فإن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن، وعطية من الديّان؛ تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزاً وحصناً من الغي والعصيان.. ما رقّ قلب لله إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات، مشمراً في الطاعات والمرضات.. ما رقّ قلب لله وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذُكِّر إلا تذكر، ولا بُصِّر إلا تبصر.. ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئناً بذكر الله، يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه .. وما رق قلب لله إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله .
فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى.. ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفاً وخشية للرحمن .. ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية المليك سبحانه.
القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق..القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق.
ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟ ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها ؟
من الذي إذا شاء قلَبَ هذا القلب؛ فأصبح أرق ما يكون لذكر الله، وأخشع ما يكون لآياته وعظاته؟ من هو؟
بحانه لا إله إلا هو.. القلوب بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلباً، ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه.. حتى تأتي تلك اللحظة العجيبة، التي يتغلغل فيها الإيمان إلى سويداء ذلك القلب بعد أن أذن الله تعالى أن يصطفى ويجتبى صاحب ذلك القلب.
فلا إله إلا الله ! من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة! ومن أهل القسوة إلى أهل الرقة ! بعد أن كان فظاً جافياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، إذا به يتوجه إلى الله بقلبه وقالبه..إذا بذلك القلب الذي كان جريئاً على حدود الله، وكانت جوارحه تتبعه في تلك الجرأة.. إذا به في لحظة واحدة يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يتغير لكي يصبح متبصراً يعرف أين يضع الخطوة في مسيره.
إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمة أجل ولا أعظم منها، نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى.
وقد أخبر عز وجل أنه ما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله، قال سبحانه: } فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ... [22] { 'سورة الزمر' ويل: عذاب ونكال لقلوب قست عن ذكر الله، ونعيم ورحمة، وسعادة وفوز لقلوب انكسرت وخشعت لله.
لذلك – إخواني في الله – ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقاً؟
كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة؛ فأكون حبيباً لله، ولياً من أوليائه؟ لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه، لأنه يعلم أنه لن يُحرم هذه النعمة إلا حُرم من الخير شيئاً كثيراً.
والقلوب شأنها عجيب وحالها غريب: تارةً تقبل على الخير، وإذا بها أرق ما تكون لله عز وجل، وداعي الله.
لو سُئلت أن تنفق أموالها جميعاً لمحبة الله لبذلت، ولو سئلت أن تبذل النفس في سبيل الله لضّحت..إنها لحظات ينفح فيها الله عز وجل تلك القلوب برحمته.. وهناك لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها قلبه، ويتألم فيها فؤاده، حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله.
أسباب، رقة القلب:
المعرفة بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته: فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تعالى.. ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقاً لله عز وجل، وكان وقّافاً عند حدود الله؛ لا تأتيه آية من كتاب الله، وحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا قال بلسان الحال والمقال:} سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[285]{ 'سورة البقرة'..فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى، وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباقاً، وعن الشر محجاماً.. فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل، وتنكسر من هيبته: المعرفة بالله تبارك وتعالى، فمن عرف الله؛ رق قلبه من خشية الله .
والعكس بالعكس: فما وجدت قلباً قاسياً إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله، وأبعدهم عن المعرفة ببطش الله، وعذاب الله، وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمته.. حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله، وأيئس ما يكون من روح الله - والعياذ بالله- لمكان الجهل بالله.(/1)
فلما جهل الله تجرأ على حدوده، وتجرأ على محارمه، ولم يعرف إلا ليلاً ونهاراً، وفسوقاً وفجوراً، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده هدفاً في وجوده ومستقبله.
لذلك: - أحبتي في الله- المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب، وكل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم التفكر في ملكوت الله، كلما وجدت قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى.
النظر في آيات هذا الكتاب: النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب..النظر في كتاب وصفه الله بقوله:} كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ[1]{ 'سورة هود' ما قرأ العبد تلك الآيات، وكان عند قراءته حاضر القلب، متفكراً متأملًا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع، والنفس تتوهج إيماناً من أعماقها؛ تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته.
ما قرأ عبد القرآن، ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قراءتها والتأمل فيها رقيقاً قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى:} كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[23]{ 'سورة الزمر' .
هذا القرآن عجيب، بعض الصحابة تُليت عليه بعض آيات القرآن فنقلته من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آيات يسيرة..هذا القرآن موعظة رب العالمين، وكلام إله الأولين والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في كتابه:} وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ[17]{ 'سورة القمر'.
هل هناك من يريد الذكرى؟ هل هناك من يريد العظة الكاملة، والموعظة السامية ؟ هذا كتابنا.
ولذلك:ما أدمن عبد على تلاوة القرآن، وجعل القرآن معه يتلوه آناء الليل والنهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
تذكر الآخرة: أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر..وأن يتذكر أن لكل بداية نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.. فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة، وأن المتاع فانٍ، وأنها غرور حائل؛ دعاه ذلك إلى أن يحتقر الدنيا، ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق، وعندها يرق قلبه.
ومن نظر إلى القبور، ونظر إلى أحوال أهلها؛ انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور؛ ولذلك لن تجد إنساناً يحافظ على زيارة القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها الآباء والأمهات، والإخوان والأخوات، والأصحاب والأحباب.. يرى منازلهم ويتذكر أنه قريباً سيكون بينهم، وأنهم جيران بعضهم لبعض قد انقطع التزاور بينهم مع الجيرة.
وأنه قد يتدانى القبران وبينهما كما بين السماء والأرض نعيماً وجحيماً.
ما تذكر عبد هذه المنازل التي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذكرها إلا رق قلبه من خشية الله.. ولا وقف على شفير قبر، فرآه محفوراً، فهيأ نفسه أن لو كان صاحب ذلك القبر، ولا وقف على شفير قبر فرآى صاحبه يدلى فيه، فسأل نفسه
على أي شيء يُغلق؟ أيغلق على مطيع أم عاصي ؟ أيغلق على جحيم أم على نعيم ؟ فلا إله إلا الله! هو العالم بأحوالهم، وهو الحكم العدل الذي يفصل بينهم.. ما نظر عبد هذه النظرات، ولا استجاشت في نفسه هذه التأملات إلا اهتز القلب من خشية الله، وانفطر هيبة لله تبارك وتعالى، وأقبل على الله إقبال صدق وإنابة وإخبات.
أسباب، قسوة:
الجهل بالله تبارك وتعالى .
الركون إلى الدنيا والغرور بأهلها : وكثرة الاشتغال بفضول أحاديثها، فإن هذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب، إذا اشتغل العبد بالأخذ والبيع، واشتغل بهذه الفتن الزائلة، والمحن الحائلة، سرعان ما يقسو قلبه؛ لأنه بعيد عن من يذكره بالله. فلذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوغل في هذه الدنيا أن يوغل برفق، فديننا ليس دين رهبانية، ولا يحرم الحلال، ولم يحل بيننا وبين الطيبات، ولكن رويداً رويداً، فأقدار قد سبق بها القلم، وأرزاق قد قضيت، يأخذ الإنسان بأسبابها دون أن يغالب القضاء والقدر..يأخذها برفق ورضاء عن الله تبارك وتعالى، في يسير يأتيه، وحمد وشكر لباريه؛ سرعان ما توضع له البركة، ويكفى فتنة القسوة، نسأل الله العافية منها.(/2)
فلذلك من أعظم الأسباب التي تستوجب قسوة القلب: الركون إلى الدنيا، وتجد أهل القسوة - غالباً- عندهم عناية بالدنيا، يضحون بكل شيء: يضحون بأوقاتهم..يضحون بالصلوات..يضحون بارتكاب الفواحش والموبقات..ولكن لا يمكن أن يضحي الواحد منهم بدينار أو درهم منها، فلذلك دخلت هذه الدنيا إلى القلب، والدنيا شُعب، ولو عرف العبد حقيقة هذه الشُعب لأصبح وأمسى ولسانه يلهج إلى ربه:رب نجني من فتنة هذه الدنيا، فإن في الدنيا شُعب ما مال القلب إلى واحد منها؛ إلا استهواه لما بعده، ثم إلى ما بعده حتى يبعد عن الله عز وجل، وعنده تسقط مكانته عند الله، ولا يبالي الله به في أي وادٍ من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله.
هذا العبد الذي نسي ربه، وأقبل على هذه الدنيا مجلاً لها مكرماً، فعظّم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بمن يستحق الإجلال والتعظيم والتكريم سبحانه وتعالى، فلذلك كانت عاقبته والعياذ بالله من أسوأ العواقب.
الجلوس مع الفساق ومعاشرة من لا خير في معاشرته: ولذلك ما ألف الإنسان صحبة لا خير في صحبتها إلا قسى قلبه من ذكر الله، ولا طلب الأخيار إلا رققوا قلبه لله الواحد القهار، ولا حرص على مجالسهم إلا جاءته الرقة شاء أم أبى، جاءته لكي تسكن سويداء قلبه، فتخرجه عبداً صالحاً مفلحاً قد جعل الآخرة نصب عينيه..لذلك ينبغي للإنسان إذا عاشر الأشرار أن يعاشرهم بحذر، وأن يكون ذلك على قدر الحاجة حتى يسلم له دينه، فرأس المال في هذه الدنيا هو الدين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تهب لنا قلوباً لينة تخشع لذكرك وشكرك، وتطمئن لذكرك.
والحمد لله رب العالمين.
من محاضرة: 'كيف ترق القلوب' للشيخ: محمد مختار الشنقيطي(/3)
كيف تصبح أباً ناجحاً؟
هو مطلب الآباء جميعاً ومرتجاهم وحلمهم في تربية أولادهم أن يصيروا آباء ناجحين، فيحسنون تربية أولادهم ويخرجون جيلاً حسناً صالحاً يفخرون به ويشعرون بالسعادة للنجاح في تلك المهمة الشاقة.
ولشديد الأسف فإن كثيراً ما يتمنى الآباء ذلك وهم في حالة أشد ما تكون بعداً عما هو مطلوب منهم أن يطبقوه أو يكونوا عليه للوصول إلى مبتغاهم وهدفهم.
فالناظر المتفحص لأحوال الآباء وأساليبهم ليدرك كم هو مقدار ذلك البون الشاسع بين المرجو والواقع وبين الأمل والحال.
كيف أصبح أباً ناجحاً ؟
للإجابة على سؤال كهذا نجد أنفسنا في حاجة إلى الوقوف عند عدة محاور هامة كالتالي:
أولاً: الفعل قبل القول:
لأهمية عنصر القدوة في حياة الناس ولكون الإنسان بطبيعته يحتاج إلى نموذج تطبيقي حي أمامه حتى يتصور الخلق المعين والسلوك الموجه فيصدق به ويتمثله في حياته، أرسل الله _تعالى_ المرسلين وأمرنا بالاقتداء بهم فقال _سبحانه_: " أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده " وقال عن النبي _صلى الله عليه وسلم_: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر..."
إن الفعل أبلغ من القول، وفعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، فالقول والعمل أهم من القول المجرد.. وكثير من يتكلم ولكن قليل من يفعل
يقول الأستاذ محمد قطب في منهج التربية الإسلامية: " القدوة الصالحة من أعظم المعينات على تكوين العادات الطيبة حتى إنها لتيسر معظم الجهد في كثير من الحالات ذلك أن الابن يحب المحاكاة من تلقاء نفسه وأطفال المسلمين يحاكون أبويهم في الصلاة حتى قبل أن يتعلموا النطق ويصبح تعويدهم عليها أمراً سهلاً في الموعد المحدد"
ولعل من بركة توجيهاته -صلى الله عليه وسلم- لصلاة النوافل في البيوت وألا يجعلها الناس قبوراً فضل كبير الأثر في إقتداء الأولاد بذلك، فقد روى أبو داود أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير صلاة الرجل في بيته إلا الصلاة المكتوبة" وقال: " تطوع الرجل في بيته يزيد عن تطوعه عند الناس كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده " صحيح الجامع.
والأبناء في استقائهم الخلق وتشربهم بالسلوك لا يقنعون بالظاهر منها فحسب، بل يتعدون ذلك إلى مستويات أعمق بكثير مما يظن الآباء.
فالأب يعيش في بيته على طبيعته بغير تكلف، وهو الأمر الذي يجعله يتصرف بما وقر في حقيقته وداخليته والولد يقلد أباه فيما رآه منه على الحقيقة لا على التكلف والأبناء يلحظون الصغير الدقيق من السلوك والأخلاق كما يلحظون كبيرها وتؤثر فيهم صغائر الأحوال كما تؤثر فيهم كبائر الوقائع.
ثانياً: رحمة الأب تولد الاستقرار النفسي لدى الابن:
الأب الناجح هو الأب الرحيم العطوف بأبنائه وأسرته الذي يمنحهم الحب والعطف والحنان ويشملهم برعايته ويحتويهم بقلبه الكبير ويشعرون معه بالسعادة والآمان.
والأب القاسي هو المتسبب الأول في الأمراض النفسية لدى أبنائه والمشجع الأول على الأمراض القلبية لهم من غل وحقد وحسد وحب ذات وغيره .
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة في رحمته وعطفه وملاطفته الصغار وملاعبتهم والتبسط معهم والتحبب إليهم وعدم العبوس في وجوههم، فقد روى مسلم عن عبد الله بن جعفر: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى يدخلنا المدينة ".
وروى ابن ماجة عن يعلى بن مرة "خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعينا إلى طعام فإذا حسين يفر ههنا وههنا ويضاحكه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبله ".
وروى الشيخان قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه ".
ومن الآباء من لا يراعى الرحمة مع أبنائه ولا الرقة في معاملتهم فيكون أشد عليهم من الغرباء فيترك في أنفسهم جروحاً غائرة لا تزول ولا بمرور السنين روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الحسن وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن عندي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من لا يَرحم لا يُرحم" وقد قال الله _سبحانه_: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: من الآية159).
ثالثاً: ومن يك حازماً فليقسُ أحياناً على من يرحم:
فقد روى مسلم عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم- قوله: "إن الله يحب الرفق ويعطى على الرفق مالا يعطى على العنف ومالا يعطى على سواه ".
وقال _صلى الله عليه وسلم_: " إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق " صحيح الجامع.(/1)
ولكن ليس معنى الرفق والحب والرحمة أن يتهاون الأب مع أولاده في مواطن الحزم فوضع السيف موضع الندى مضر كوضع الندى موضع السيف، والحكمة فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، ولا يمكن أن يرى الأب ابنه يفعل السيئات أو المخالفات وبدعوى الحكمة و الرحمة والرفق يتركه أو يقره على ما هو عليه، ولكن الحزم والحكمة تستدعي من كل أب أن يقف مع ولده وقفة حازمة قوية يضع له فيها الحدود ويبين له القواعد التي ينبغي ألا يحيد عنها وليعلم كل أب أن وقفاته مع ولده لا تنسى ولكنها تحفر في ذهن الولد فإن وجد فيما يستقبل من عمره قدوة صالحة من أبيه زاد ترسخها وصارت خلقاً ثابتاً فيه وصفة أكيدة من صفاته.
رابعاً: توجيهات ومحاذير للآباء في معاملة أبنائهم:
1- ليعلم الأب أنه في بيته قائد لمدرسة تربوية لها منهج ووسائل كما أن لها محددات وأطر؛ فعليه أن يضع منهجها وفق السنة النبوية ويحدد أطرها مثلما حددها الشرع الإسلامي العظيم، ولكن مع ذلك فلا ينبغي الجمود والتشنج في تطبيق ضوابط تلك المدرسة، فهي مدرسة محببة للولد تسعد البيت وتنشئ الأسرة السعيدة.
2- يجب على الآباء تثقيف أنفسهم وتعليمها فن التربية وأساليبها ومداومة سؤال المربين والخبراء والعلماء في ذلك، كما يستحب لهم متابعة الإصدارات التربوية الحديثة والوقوف على ما ينفع منها.
3- تعلم الصبر على الأولاد من المهارات الأبوية الهامة، وقد حذر المربون من كثرة معاملة الأولاد بالغضب خصوصاً إذا كانت طبيعة الأب عصبية أو سرعة الغضب، وليحذر الآباء من ضرب أولادهم في لحظات الغضب فإن ذلك من الأخطاء الخطيرة التي لا تؤدى إلى تعليم ولا توجيه ولكنها عبارة عن إنفاذ غيظ فحسب.
4- ليعلم كل أب أن أبناءه يتعلمون بالحب قبل أن يتعلموا بالأمر والشدة، فاحرص أيها الأب على توليد المحبة بينك وبين أبنائك.
5- كل أب بحاجة إلى أن يخلو بولده كل مدة قريبة ليمازحه ويكلمه ويسأله ويتقرب منه ويسأله عما يحزنه أو يؤرقه أو لا يعجبه ويسأله عن آماله وأحلامه وطموحاته فلقاءات المصالحة والمصارحة هي تفريغ نفسي وجداني هام للغاية في تربية الأولاد، ولئن اشتكى معظم الآباء من عدم قدرتهم على التقرب من أولادهم فلأنهم قد قصروا في لقاءات المصارحة تلك في الصغر فصعب عليهم ذلك في الكبر وبنيت الجدران بينهم وبين أولادهم!!
6- هناك علاقة قوية جداً بين كون الأب ناجحاً وبين كونه زوجاً ناجحاً، فالزوج الناجح هو الذي يهيئ لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات والمؤرقات والمنغصات والمؤثرات النفسية السلبية وهو الذي يعين زوجته ويساعدها على إتمام العملية التربوية بنجاح وإنجاز.
كاتب المقال: خالد روشه
المصدر: موقع المسلم(/2)
كيف تصبح داعية .. كتاب عن دور الخطابة وأهميتها
مفكرة الإسلام: صدر حديثاً عن دار العواصم بالقاهرة كتاب رسالة إلي الدعاة .. كيف تصبح داعية لمؤلفه الشيخ شوقي عبد اللطيف وكيل أول وزارة الأوقاف المصرية حيث يؤكد المؤلف في كتابه أن الدعوة إلى الله عز وجل هي من أجل الأعمال وأشرفها إلى الله وأنها تأتي من خلال إلقاء الخطب الدينية في المساجد سواء من خلال خطبة الجمعة أو الندوات الدينية المقامة داخل المساجد وقسم المؤلف كتابه إلى سبعة فصول ففي الفصل الأول تحدث عن دور المسجد في الحياة حيث أكد أن للمسجد دوراً كبيراً في حياة المسلمين خاصة في مجال الدعوة منذ أن بدأ الإسلام حتى الآن وأن المسجد كان السبب الأول في تواصل الأجيال وتلاحمهم ومعرفة دينهم من خلال خطب المساجد التي تعمل على إيقاظ عواطف المسلمين كما تعمل المساجد على طرح المشكلات الاجتماعية وحلولها.
وفي الفصل الثاني أشار الشيخ شوقي إلى تعريف الدعوة إلى الله وحاجة الناس إلى الدعوة فالدعوة الإسلامية ليست مجرد كلمات تبعث الحماس بل هي دعوة عملية تبعث في إتباعها الحس والحركة بعيداً عن التزييف وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف عن مصادر الداعية التي هي القرآن والسن والسيرة النبوية والفقه والعقيدة وواقع الحياة العملية والاهتمام باللغة العربية وآدابها التي هي أساس منبر الإسلام وأن يجمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على موضوع يريد التحدث عنه.
وفي الفصل الرابع يتحدث المؤلف عن مقومات الداعية من خلال أن يكون نموذجاً لما يدعو إليه وأن يكون قدوة حسنة في تعاملاته وأن يكون صادقاً والصبر على الأذى وأن يكون رحيماً بغيره من البشر والابتعاد عن الكبر وأن يكون زاهداً في الدنيا والتعفف عن السؤال وفي الفصل الخامس يشرح المؤلف أسلوب الداعية في مخاطبته علي قدرة إقناع الآخرين من خلال قاعدة خاطبوا الناس على قدر عقولهم والتمهل في الحديث والبدء بالأهم في خطبة, أن يكون بشوش الوجه في تعامله مع الآخرين وفي الفصل السادس يؤكد على أسس وأركان الخطابة الدينية وهي الخطبة والخطيب والمستمعون وفي الفصل الأخير وهو بعنوان الخطيب حيث يؤكد فيه على أهمية منزل الداعية عند المسلمين وأنه يعد قدوة حسنة في نفوسهم لأنه يمثل بالنسبة لهم رمزاً في حياتهم.(/1)
كيف تصبح كاتباً (1)
مكانة الكتابة والكتاب
بقلم: محمد السيد
1 – تمهيد:
يتبوأ الحرف العربي مكانة أولى في معركة إثبات الذات لأمة الإسلام، لذا فهو يخوض لججاً من المحاولات في الطريق إلى توضيح الوجه الحقيقي لمستقبل الأجيال القادمة من هذه الأمة، ذلك الوجه الذي يحمل سمات دين الإٍسلام، ويؤشر إلى تبني هذه الأجيال العودة إلى نبعها الأصيل وسبيلها القويم، المؤسس على عقيدة ربانية نزل بها الروح الأمين على قلب رسول حبيب، حمل الأمانة إلى الناس بقوة وعدل وإخلاص، فسرت تلك العقيدة الإسلامية وشريعتها وسلوكياتها في أجيال الأمة على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان، تحملها حروف نورانية انتشرت أشعتها من خلال كلمات كتاب الله العظيم (القرآن الكريم) الذي تناولته والحديث الشريف أقلام الكتاب والعلماء بالشرح والتفسير والبيان والتوصيل إلى كل الأنحاء من هذا العالم، وكان لدور القلم والكتابة المكانة الأولى في انتشار الخير العميم، خصوصاً عندما كان هذا القلم يخط خطه من خلال العمل والقدوة والالتزام بما جاء في الكتاب والسنة.
ولا بد من الإشارة في هذا التمهيد إلى حقيقة راسخة في مسيرة هذه الأمة ألا وهي أن المعجزة الأولى والأساسية في حياتها كانت وما تزال وإلى أن يرث الله الأرض ومن فيها وما فيها ممثلة في كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وفي ذلك ما يشير إشارة مباشرة وواضحة إلى أهمية الكلمة البليغة الملتزمة القوية الخالصة في بناء الأمم، وصناعة الأجيال، إذ أن أول ما نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن العظيم "اقرأ" فكانت شعاراً ورمزاً وعملاً في أمة أمية تحولت خلال عقود من الزمان قليلة إلى أمة قارئة، عالمة قائدة للأمم، وذلك بسحر الحرف الرسالي وبيانه السامق العالي، والقدوة الملتزمة المؤمنة.
2 – ما جاء في أهمية الكتابة والكتاب
لا يستطيع أحد أن يماري في أهمية الكتابة والكتاب وأثرهما في الأمم، سلبية كانت تلك الآثار أم إيجابية، وأن هؤلاء الكتاب، كتاب الفكر أو العلم أو الأدب هم الذين بأقلامهم تسطر مصائر الأمم، وبأقلامهم تتضح معالم الحاضر والمستقبل. ولقد عظم رب العزة الحرف ومن يسطرونه من ملائكته، فأقسم بالحرف وبالكاتبين له، فقال جل من قائل:
(ن، القلم وما يسطرون)؛ فالحرف والقلم ومن يسطر به كلها أدوات حرفة الكتابة، استحقت لأهميتها أن يقسم ربنا بها. وقد بين الله لنا نحن البشر أي سبيل نتبع، لنصل إلى فضيلة العلم والمعرفة، فقال سبحانه وتعالى في محكم الكتاب العزيز: (الذي علم بالقلم)، فلا يمكن أن تمتطي أيها الأخ الكريم ناصية العلم، ولا يمكن أن تمتلك أدوات المعرفة إلا عن طريق القلم، أي الكتابة والكتّاب والكتاب، فكم هي عظيمة تلك المكانة والمهابة لهذه المهنة الراقية، إذا التزمت بقيم الحق والهدى والفطرة الإنسانية التي خلق الله الإنسان عليها؟!.
ولقد ميز ربنا جل جلاله ملائكته الكتبة على غيرهم من الملائكة، فذكرهم وحدهم بمهنتهم إذ قال في محكم الكتاب (بأيدي سفرة كرام بررة) وسفرة هم كتاب الأسفار من الملائكة. فهم كرام بررة، لأنهم كانوا أمناء أعظم ما تكون الأمانة على ما استحفظوا عليه من كتابة للأقدار والآيات الربانية.
وليس هذا الذي أبديناه من بيان لأهمية الكتابة والكتاب هو نهاية المطاف في بابه.. بل إنك أخي الكريم سوف تجد في سطورنا القادمة مزيداً من البيان في هذا المجال ليس آخره ما قاله الأصمعي لرجل:
"ألا أدلك على خليل إن صحبته زانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن استعنت به أعانك؟. قال الرجل: نعم. فقال بالأدب".
والأدب نوع من الكتابة يكتبه كتاب مبدعون، يقفون في قمة قائمة الكتاب لما كان لهم من تأثير نفسي وحركي وعملي في نفوس الناس ومشاعرهم ووجدانهم.
ويكفي أن نذكر في هذا المجال، أن أربعة من الكتاب المسلمين، قد بويعوا بالخلافة وهم: عثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم، ورابعهم عبد الملك بن مروان رحمه الله. ولا ننسى ما وصل إليه كثير من كتاب من مكانة وقدر من مثل الفتح بن خاقان، وابن عباد، وغيرهما...
وقد قال الشاعر أبو الفياض الصابئ في مدح الصاحب بن عباد:
أقال الله للأقدار سيري وفي أقلام إسماعيل صيري(1)
وهذا ابن الرومي يقول في مدح الكتابة والأقلام الكاتبة شعراً طيباً:
كذا قضى الله للأقلام مذ بُريت إن السيوف لها مذ أرهفت خدم(2)
وقد قيل قديماً: "قيدوا العلم بالكتابة".
وقال سقراط: "ما بنته الأقلام لم تطمع في دروسه الأيام" (3) فالعلم لا تثبت منفعته وتدوم إلا بالكتابة إذ لا تطمع الأيام حينئذٍ في اندثاره وذهابه أدراج الرياح بفعل النسيان وآفات اللسان.(/1)
وكل هذه الأهمية للكتابة والكتاب، وكل ذلك القدر الذي كان للكتاب نابع من أن هذه المهنة تحتاج إلى إمكانيات مضاعفة، وذكاء فائق، لأن صاحب هذه المهنة يحتاج إلى التفكر بالمعاني، وإلى اكتمالها في قلبه، ومخيلته، ثم إلى بيانٍ ناصعٍ واضحٍ مرصوف، في حروف وكلمات وجمل، يخطها قلم ثابت الجنان، عالي البيان، ملتزم العقل والقلب والجوارح بقيم الرب الديان، الذي أراد لهذا الإنسان الهدى والصلاح في هذه الدنيا، والفوز والفلاح.. (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). وانظر أخي القارئ إلى ما تركته كتابات الشيخ محمد الغزالي والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي من تأثير وتعديل في سلوك وأفكار الناس، وليس هؤلاء الذين ذكرنا إلا القليل من الكتاب الذين امتد أثرهم وتأثيرهم فكان الناس تبعاً لما نشروا من أفكار بأقلامهم التي سطرت الفكر والأدب.
يتبع
(1) و(2) من كتاب محاضرات الأدباء ص .112
(3) المصدر السابق ص .49
كيف تصبح كاتباً (2)
الموهبة
بقلم: محمد السيد
1 - نظرة في الواقع:
افتح ناظريك، وأبحر معي في أسواق المدن العربية، ولنتوقف عند المحلات التي تسمى مكتبات، وهناك أمعن النظر في صدورها المأزومة بشتى البضائع المصفوفة داخل كل غلافين، حاول آن تفتح الأغلفة ، لتكتشف البضاعة الملقاة أحرفاً وكلمات وجملاً داخل تلك المجلدات، وسوف تجد بعد كدّ الذهن والعين، أن الأمور في الغالب الأعمّ تربض خلف الوهم، ولا تتعدى الثرثرة الشاحبة الألوان، باهتة الطعم، هذا إن لم يكن الأمر أجلّ وأخطر، إذ تعودت العين على الوقوع في زاوية مرمى تشويه الحلم، ذلك الذي ذهب منه الشادون من مدعي أرباب القلم هذه الأيام إلى إلقائنا على بوابات الفجيعة من خلال رمينا بسهام حروفهم وكلماتهم النابية عن مرمى الإبصار الجمعي لهذه الأمة تاريخاً وحضارة وعقيدة.
وإنك إن حاولت فهم شيء مما يدور في ساحة الحروف العجمى لعاجلك ألم الشعور بأن ذلك الغثاء كله ناتج من عدم الاعتبار بالنطق الأعلى: "الرحمن علّم القرآن، خلق الإنسان، علّمه البيان" فارتاد كل من هبّ ودبّ ساحات الكتابة، مؤيداً ومدعوماً بأسلحة بعض الناشرين من الذين أضاعوا الأمانة، وجروا خلف التجارة التي تلهبها وتسيل لعابها الأسماء المتداولة، بغض النظر عما تريقه أقلامهم فوق القراطيس من دماء الفكر والأدب البريئة.
2 - "خلق الإنسان علمه البيان
وإذن فالكتابة فن يقوم أول ما يقوم بالموهبة، ويقتله ويأتي على الإبداع فيه الإدعاء، ويجب أن يعلم صاحب الموهبة أنها مخلوقة فيه، وأنها من صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه "بديع السماوات والأرض" فهو لا يدلّ ولا يضل ولا يتيه بتلك الموهبة، بل هو على العكس من ذلك، يحاول التواضع مع بذل الوسع لتوظيف المنحة الربانية، وتنميتها ورعايتها، لتكون في خدمة الاستخلاف الرباني للإنسان المتمثل في العبودية لله، واستعمار الأرض وتسهيل الحياة عليها وترقيتها، بحيث تستقيم على النهج القويم، الذي أرسل الله به جميع الأنبياء من لدن آدم عليه السلام وحتى رسولنا الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
والبيان من أعظم الهبات الربانية للإنسان، إذا راعى فيه حق الله، ووظف موهبته في هذا الاتجاه، أنتج الخير العميم لهذا الإنسان، لذا كان من الضروري والواجب على كل مؤمن يُحسّ أن لديه موهبة البيان، أن لا يتوانى عن السير في ركب صقلها وتنميتها ورقيها، ثم الخوض بها في سوق البيان، الذي ازدحمت فيه الأصوات الشاذة، والأقلام المشبوهة، والترجمات المغرضة، وكادت أن تطغى على البيان الأبيض الناصع، الذي ساهم في تأخر خطواته كثير من المسلمين القائمين على نشر الكلمة الطيبة وإذاعتها بين الناس، تأكل قلوبهم في ذلك منازعات التجارة والربح، ومناكفات أن يخرج أي عمل على الهوى الذي يريده هؤلاء. لا بل إن الحسد الحالق لكل خير قد يكون أحد آكلات القلوب والمواهب.. بينما نرى أن ما يجري على الضفة الأخرى من المشهد الثقافي يتم بصورة عكسية تماماً، إذ تشجع أية موهبة، وتقدم وتشهر، ويعلى مقامها، لمجرد أنها تصب في اتجاه مضاد لمنهج البيان الرباني المنجي، كما أنه يفسح في المجال لمنظومات الرأي وكلمات البيان، الذي يريد تفجير اللغة وتشكيلها من جديد، بحيث يضيع كل البناء الثقافي المذخور في حروفها منذ خمسة عشر قرناً وحتى اليوم، كما رأينا ارتفاع قامات ما كانت لتظهر حتى ترتفع لولا أنها وجدت نفسها محاطة بناشرين يذيعون كل كلمة تافهة تقولها، وكل صيحة شر تنطلق من بين شفاهها، ثم تزف كل تلك الخبالات بأنواع متنوعة من الزخرفة والدراسات، والقول وإعادة القول، والرد وإعادة الرد، حتى يصل الرد والتكرار إلى أبعد نقطة وآخر فرد في بوادي العرب والمدن..
3 - بماذا تتجلى الموهبة وتعرف؟؟:(/2)
وعودة إلى موضوع الموهبة لنقول: إن الكتابة عملية إبداعية، إذ أنها تقوم على تشكيل الصور، وتوصيل المفاهيم والأدب والعلوم، والفكر القويم إلى الناس، بواسطة اللغة وأبجديات اللغة.. فهي بهذا عملية تكوين وتشكيل منطلقة من قلب المنحة الربانية "الموهبة" المحاطة بهالة من التوفيق الرباني إن استخدمت في السبيل القويم، لذلك فإن العناصر التي تكوّن وتطلق الموهبة، أو بمعنى آخر التي يتعرف الشخص بها إلى وجود ها عنده وأنه قادر على عملية الكتابة، وإيصال الأفكار، والصور والمفاهيم إلى الناس بواسطة الحروف والكلمات والجمل. إن هذه العناصر تتمثل فيما يلي:
أ - الذكاء الجيد: إذ أن عملية التشكيل تحتاج إلى فكر تحليلي وتركيبي، ثم إلى قدرة على مزج المفارقات، ووصل الجملة بالأخرى، حتى يصل إلى تكوين فكرة عامة يراد إيصالها إلى الناس.. وهذا لا يتسنى إلا إذا توفر الذكاء الجيد، فإذا لمس الفرد في نفسه القدرة على طرح الأفكار وإمكانية انتقاء الصالح منها، والقدرة على التعبير عما جاء فيها شفهياً ثم لاحظ قدرته على التأثير في الآخرين واستحسانهم لما يقول، فليعلم أن ذكاءه الكتابي خامة قابلة للانطلاق في سوق الإبداع الكتابي، فليتوكل على الله، وليبدأ السير في المهمة بالخطوة الأولى، طالباً العون والتوفيق من الله "وما بكم من نعمة فمن الله".
ب - الخيال المتوازن: فعملية الكتابة (والأدبية منها بصورة خاصة) تحتاج إلى تكوين الأشياء والأفكار في مخيلته، قبل أن يسطرها بقلمه على القرطاس، ومن الطبيعي أن يلتزم هذا الخيال بالهدي الرباني، فلا يكون شططاً يركض خلف الأحلام المريضة، أو الأحلام الجامحة مستحيلة التحقق، فيكون الإخفاق في الوصول إليها سبباً في اليأس أو التشاؤم أو الاكتئاب، وكل ذلك معادٍ للفطرة الربانية، التي أباحت للإنسان أن يتخيل وينشئ الحلم المتوازن الذي يخدم خلافته عن الله في الأرض ولقد كانت أحلام كثير من أدباء الغرب الأوروبي في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، متجهة إلى دواخلهم، ومسافرة إلى بواطنهم التي انطوت على عجز بعيد الغور عن التواءم مع مجتمعاتهم التي هزتها النقلة الرأسمالية الإنتاجية، فراحوا يحلمون بمجتمعات خيالية أنتجتها دواخلهم غير السوية، السارحة في رؤى فوضوية من كل الأنواع، لذا فقد جاءت نصوصهم التي أنتجوها انطلاقاً من هذه الخيالات، مفرطة في التخبط، والجنون والخبال.(1).
ولكن كيف يتسنى للناشئ أن يكتشف وجود مثل هذا الخيال ضمن ملكاته التي وهبه الله إياها؟..
وللإجابة على السؤال نقول: إن من السهل على الإنسان المثقف أن يطرح الأسئلة التالية على نفسه:
1 - هل يتقن الربط بين الفكرة والفكرة؟
2 - هل يكثر من السؤال عما حوله، وما يسمع من أقوال ، وما يرى من أعمال؟
3 - هل يحب الاختلاء بنفسه ولحظات التأمل؟
4 - هل يتقن التنبؤ بالنتائج النابعة عن تحليل محكم؟
5 - هل يستوعب آفاق الآخرين؟
6 - هل لديه القدرة على استعمال أساليب جديدة في التعبير؟
هذه بعض أسئلة مقترحة من الممكن أن يلقيها المرء على نفسه فإذا وجد أن أكثرية الإجابات إيجابية، فقد تحقق فيه عنصر الخيال المناسب، وهذا يؤهله لركوب الطريق من بدايته ، بعد طلب التوفيق من الله، ثم الجد والدأب والرعاية والممارسة ، فكل ذلك كفيل بوصوله إلى النتائج المرجوة، ليكون كاتباً باتجاه رباني رشيد.
ج - الهمة العالية والثقة بالنفس: ليعلم المؤمن المتجه إلى امتلاك ناصية الكتابة أنه في ساحات مصارعة، السبق فيها لمن يمتلك الأدوات التي أهمها علو الهمة وسمو الهدف، والثقة العالية بالنفس بعد التوكل على الله، وطلب التوفيق منه "وما نيل المطالب بالتمني ، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا".
"وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مردها الأجسام".
فلتكن أخي الكاتب المؤمن من ذوي الهمم العالية الغالية، الواثقين بخطوهم، المصممين على الفوز في ساح الكلم الطيب الخير، ولتكن قدوتك في ذلك حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ جاءت قريش بزعمائها، يعرضون عليه كل ما يريد على أن يترك الأمر الذي أرسله الله به، فما كان جوابه إلا أن قال لهم بأعلى همة وأعظم ثقة وأقدر تعبير: ":والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه" أو كما قال صلى الله عليه وسلام
وأنت أخي الكريم إذا تحققت لك هذه الرباعية الموهبية من المنحة الربانية والذكاء العالي، والخيال المتوازن، والهمة العالية والثقة بالنفس، فلتمسك بأول الطريق، ولتمض به مسلحاً بأدواته التي سنتطرق إليها في الفصل القادم إن شاء الله.
يتبع
(1) انظر شكري عياد (المذاهب الأدبية والنقدية)
كيف تصبح كاتباً (3)
تنمية الموهبة
أ- العقيدة والسلوك والأخلاق
بقلم: محمد السيد
1- المؤمن والكتابة:(/3)
إن وعي المؤمن بنفسه، ووعيه بربه وخالقه، وفهمه لمهمته في الحياة من خلال الوعيين السالفين، يجعله يختار لنفسه الطريق السديد الذي يتقنه، للتعبير عن عميق إيمانه وفهمه لمغزى وجوده المذخور في خلة عظيمة رائعة هي "التبليغ"؛ تلك الخلة التي يبنى عليها صلاح الحياة وصلاح الإنسان وعلاقاته بالكون وبالإنسان الآخر والحياة.
وإن مراكب اللغة والبيان هي أهم ما يحمل التبليغ في طريقه إلى الآخر. وكلما كان البيان عميقاً بليغاً مؤثراً ازدادت مساحة انتشاره أفقياً وعمودياً.. وهذا مالا يملكه إلا أصحاب المواهب والمنح الربانية.
فهل يكتفي صاحب الموهبة بالمنحة، ويقعد عندها لا يتجاوزها؟ أم أن هذه المنحة محتاجة إلى اتخاذ الأسباب، من أجل ترقيتها ونمائها وصقلها، وجعلها متأهبة دائما للأخذ بالأفضل والأبلغ والأقدر على الوصول إلى الناس؟
دعك من قول القائلين العابثين: (الفن للفن)! والكتابة الفنية لا تحتمل الغرض، فهو يفسدها..! لأن هذا الاتجاه عبث كله، غثاء كله، تدمير كله، فالقول مثل العمل، إن لم تترتب عليه منفعة وفائدة للإنسان، تجعله دائما قريبا من السداد والرشاد، يكون صاحبه كمن يقفز في الهواء بلا هدف، فهو إما أن يرتطم بأي شيء فيحطمه، أو يضيع مع الريح في الفضاء، مضيعا كل من صدقه في لحظة من اللحظات.
والمؤمن الذي يكتشف موهبته في الكتابة، مدعو إلى اتخاذ كل الأسباب لامتلاك ناصية البيان، واعتلاء أرفع صهوة من صهواته، وذلك بغية ارتقاء شمم التبليغ، والوصول من أقصر الطرق وأسهلها وألينها قبولا، وأبلغها أثرا، فهو على علم أكيد أن هذه الموهبة ليست للتسلية والعبث، أو التضليل والإفساد، بل هي عاملة في صميم الحياة الإنسانية، ترقية، وإعلاء للقيم، وخدمة للإنسان، مهتدية بالإيمان العميق، المنطلق من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلق عيال الله أقربهم إلى الله أنفعهم لعياله".. وليس أقدرهم على الولوغ في تحريك غرائزهم، وتحريض حيوانيتهم ، وقتل القيم فيهم ببث فلسفات مزاجية أهوائية، يصنعها خيال الإنسان وعقله القاصر عن بلوغ مرامي القضايا الكبرى بعيدا عن الهدي الرباني..
وأولئك من قال فيهم الأديب الرفيع (مصطفى صادق الرافعي) قولة مفحمة رادعة مرددة: "ناهيك بها عقولا ضيقة معتلة غلب عليها الكيد، وأفسدها التقليد، ونزع بها لؤم الطبع شر مترع، حتى استهلكها ما أوبقهم من فساد الخلق، وما يستهويهم من غوايات المدنية.. وكانوا في ا لعلم كالنبات الذي خبث.."(1).
2- تنمية الموهبة:
إن النطق بالكلمات، أو نقلها مباشرة من حاضنتها في فكر الكاتب ومخيلته إلى الورق كلمات منظومة أو منثورة، ومعاني رفيعة بالصور والبيان العالي، عملية تستوحي كل المخزون الثقافي والفكري والروحي للكاتب، وتستحضر الخبرة والتجربة الإنسانية التي مرت به، لتقوم جميعا في حشد كل الألفاظ والمعاني المناسبة للتعبير عن التجربة التي يمر بها هذا الكاتب في لحظة ما... وإذن فإن الموهبة المذخورة تستنجد في زمن ما بكل الجهود والتجارب والخبرات التي تبذل من أجل الوصول إلى تعبير رفيع مؤثر فاعل نافع.
فهل من سبيل لمعرفة وسائل تنمية موهبة الكتابة عند من يجدها في نفسه من المسلمين؟
نعم... وإنها أسباب تتعلق:
- بالعقيدة والسلوك والأخلاق.
- بالمعرفة بفروعها وأقسامها.
- بالمران والتأدب والتجريب وتهذيب اللسان.
- بفهم الجو الذي يعيشه (حياة وثقافة المجتمع المحلي وغير المحلي)
- بإتقان مهارات العصر الذي يعيش
وإننا في بقية السطور من هذا البحث، سوف نلقي الضوء على البند الأول من أسباب تنمية الموهبة ونعني به:
أ- علاقة العقيدة والسلوك والأخلاق بترقية الموهبة تنميتها:
قال ابن قتيبة: "ونحن نستحب لمن قبل عنا وائتم بكتبنا أن يؤدب نفسه قبل أن يؤدب لسانه، ويهذب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه، ويصون مروءته عن دناءة الغيبة، وصناعته عن شين الكذب"(2).
وإنه لما كان فن الكتابة والأدب سبيلاً عظيماً يقود إلى نفع الإنسان والاتقاء به وبحياته في دروب الحياة الشاقة، كان أهل الكتابة محتاجين أشد الحاجة إلى إيمان راسخ، وسلوك نظيف، ولسان نقي نزيه، لأن من لا يملك ذلك منهم يكون وبالاً على نفسه وعلى الناس، فيفسد حياتهم، ويؤثر تأثيراً سيئاً في سلوك الأجيال، وفي علاقاتهم وأخلاقهم، ويؤدي إلى اعتلال صيغة الحياة اليومية التي يعيشونها.
وبما أننا نتكلم في بحثنا هذا عن الكاتب المؤمن وصاحب الموهبة المسلم، فإن أول سبب من أسباب ترقية هذه الموهبة وتنميتها يتمثل في الالتجاء إلى العقيدة، فقد ذمّ الله تعالى الشعراء بقول نهائي حاسم إذ بيّن جل شأنه ذلك في سورة الشعراء فقال: (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا بعدما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) الشعراء:27.(/4)
ويقاس على الشعراء في هذا الحكم كتاب الأدب جميعاً.. وقد استثنى ربنا سبحانه وتعالى في هذا الذم أصحاب العقيدة من الأدباء الذين آمنوا بعقيدة الإسلام، وألحقوا الإيمان والكلام بالعمل، وسلكوا مسالك الصالحين خلقاً وتصرفاً قولاً وعملاً، وكتبوا ما كتبوا من أجل هدف واحد هو الانتصار لقوى الخير ومبادئ الصلاح، التي تسير بالإنسان إلى شواطئ النجاة في الدنيا والآخرة.
وبهذا الاعتبار فالكاتب محتاج إلى الانطلاق من التصور الإسلامي للكون وللإنسان وللحياة، كي يستقيم لسانه، ويفلح عمله، وينتقل بالناس إلى ساحات النقاء وميادين التعايش والسلام الاجتماعي والسياسي والحياتي، وإلا كان كالملاح في المحيط بلا بوصلة في ليلة عاصفة مظلمة.
وليس كالرؤية الربانية رؤية تقود الإنسان عامة والكاتب الطليعي المؤمن بسلام في خضم الموج المتلاطم من الضياع الإنساني العصري، ولا تغرنك عظمة الأسماء المطروحة، وكمية الجوائز المزجاة لهذا الكاتب أو ذاك، فهذا كله مبني على رؤى ومنطلقات تائهة خلف النسخة الأصلية المتبناة من أصحاب الجوائز.. وإذا أردت التأكد من ذلك فانظر في محيطك ثم انطلق إلى المحيط العالمي.. لتجد أن أعظم الأسماء وألمعها لم يقدم للإنسان طريقاً سديداً للخلاص.. صحيح أن بعض هؤلاء قدّم صورة دقيقة وواقعية عن الذي يجري على الأرض بعجزه وبجره، على أنه الشيء الإنساني العظيم إلا أنه عندما اكتشف هذا البعض أن هذا واقع غير سديد حاول التشخيص لكل واحداً من هؤلاء لم يقل للناس.. أين هو الطريق السديد، ولم يجب على الأسئلة الخالدة التي تواجه الإنسان في هذه الحياة إجابات سديدة، بل إنهم قادوا الإنسانية إلى جراح دميت وتقيحت ثم تحولت إلى حفار يحفر في أركان وأساسات الإنسانية وإيمانها وسدادها، بل إن اتجاهات الصورة الأصلية للكتابة وظلها الببغاوي أوصلا إلى هذه الفوضى الفكرية والسلوكية التي نراها اليوم، وإلى صيغة الهيمنة التي تسوق كل الأمم إلى مصير واحد، تؤدي فيها هذه الأمم استحقاقات الرفاه لشعب واحد؟ أو شعوب بعينها، تحاول فرض رؤاها ومستهلكات عقولها المادية وروحانياتها الخاوية على بقية الشعوب بالقوة، تحت ذريعة العولمة وذراعها الواصلة..
والخلاصة إن الكتابة ليستن هدفاً، بل هي إحدى الوسائل لإنقاذ الإنسان من براثن الظلم الواقع عليه، من نفسه ومن محيطه القريب والبعيد، فإذا لم يكن الكاتب مؤمناً ذا عقيدة ربانية راسخة، تمتلك عليه لسانه وقلمه وأفكاره، ينظر بنورها، ويتكلم إذا تكلن بلسانها، ويجري قلمه على الورق بهد\ي منها، ونور ينطلق من شعاعها، حاملاً في كل ذلك رؤاها وأجوبتها المتعلقة بحياته ومماته وحياة الناس وعلائقهم ومسيرة حياتهم والمآل النهائي الذي تصل إليه هذه الحياة إذا لكم يكن الكاتب كذلك، فإن متعرجات الهوى تستولي على فكره وعقله ومزاجه، فيضيع، ويضيع من خلفه، مهما نبغ اسمه، وعلا رسمه، أو أقبل الناس على ثراءته، لأن هذا الإقبال حينئذ تابع لعملية الضياع، التي تدور رحاها الرهيبة في عالم الكتابة المعاصرة، إذ أن كمها الرهيب، ووسائلها الطاحنة، يأكلان كل توجه جاد لإنقاذ الناس من محاولات العولمة للفصل التام بين الثقافة والقيم والمعتقدات، وذلك من أجل تجاوز المعتقدات وقيمها، وإلقاء الإنسان في دوامة تبتلعه بعد أن يصل حد الإعياء، ويفقد كل قواه وخصوصياته، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون" المؤمنون: 72.
(1) مقدمة الطبعة الثالثة من "إعجاز القرآن" نشر دار الكتاب العربي ص 9
(2) أدب الكاتب ط ثانية – دار الرسالة ص
كيف تصبح كاتباً (4)
تنمية الموهبة
ب – الإطلاع الواسع على فروع المعرفة
بقلم: محمد السيد
1 – كلام في المعرفة: "وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم"(1)(/5)
كم تحن كلمات هذه الآية إلى حروف من ذاتها خرجت، وعلى هديها وفي حجرها ترعرعت ونمت وأغدقت، إنها حروف وكلمات رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، يقول فيها للناس –مع تغير الأزمان والأمكنة- "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".. والدين هنا هو علم الحياة على تنوعه، ما يتعلق منه بشأن الإنسان مع ربه أو بالأمور التي ترعى شأنه في حياته اليومية، أو شأنه في مآله ومردّه، وكذلك شأن الفكر والرأي والنظريات التي تطور أساليب الحياة وتجددها وتحسن الحياة اليومية وتيسرها من علم طبيعي وطبي وفلكي ونظر فلسفي. وكل ذلك ممهور بخاتم كلمات الله الفذّة: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"(2) فهذا الإنسان مخلوق بقدر، ولأمر أراده الله، هيأ له كل الأسباب لينتهي إلى النهايات التي رسمها بعلمه القديم، فالأرض والسماء وما فيهن ومن فيهن، كل ذلك مسخّر باتجاه وضع هذا الإنسان –المقدر والمراد- في حومة التجربة البشرية الموجهة بكلمات الله العظيمة التي هي أساس المعرفة الحقة فإذا حادت التجربة الشخصية لأي إنسان أو التجربة الجماعية لأي مجموعة بشرية عن خطوط الهدي الرباني في المعرفة فإن ذلك قائد حتماً إلى بوار الحياة الشخصية أو الجماعية، مهما بدا للناس من مظاهر قد تخالف هذه الحقيقة، وذلك لأن هذه الصورة تشكل في الواقع اقتلاعاً لهذا الإنسان من جذوره، من فطرته، من الطريق الواضح النيّر إلى الظلمة والضياع. وهذا هو أصل وأساس كل ذلك الضنك الذي تعيشه البشرية اليوم، عندما ضيعت بوصلتها الربانية، وراحت تتخبط وراء نظر كتاب، وضعوا الهدى الرباني في قائمة المنسيات، أو في قائمة المتروكات الغابرة، وذلك ليجعلوا من أنفسهم وكلماتهم الهائمة على وجهها دساتير جديدة للبشر، فمنهم من أراد أن يجعل من الشعر –كونه شاعراً- بداءة الفكر والعلم والنبع القديم(3) ومنهم الذين راحوا ينظرون للبشر ويفكرون عن الناس، ناسين أنهم مخلوقون لخالق رسم خطوط السعادة للبشر، وأبدع أصول النظر لهم. وجعلهم يفكرون ويختلفون ويجتهدون ويغدون ويروحون في ساحةٍ واسعةٍ من كيفية التنفيذ الأقرب للصواب، والأوسع لاستيعاب مستجدات الحياة وتطوراتها. ولقد جرى على هذا المنوال من التوجه معظم الكتّاب والمفكرين من المتغربين والعلمانيين واليساريين ومتبني الليبرالية الغربية ببغاوية عجيبة.. فبدوا منبتين في كتاباتهم الفكرية والأدبية وحتى العلمية عن فكر الأمة، وتوجه الناس فيها، وعن مجريات ووقائع الحياة اليومية فيها، وأصبح كل ما يكتبون موجه إلى نخبهم وحسب، فلا هدف لهم ولا غاية، إذ أصبحت كتابة هؤلاء تتخبط في أزمة اتصال مع الجماهير(4)
2 – موهبة مطلعة:
"وقل ربي زدني علماً" ولا يؤخذ العلم، أو تنمى الموهبة إلا بالتعلّم، والحق أن يمضي الإنسان حياته بين كونه عالماً أو متعلماً، ولا خير في غير ذلك، كما أوضح وبيّن وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا آدم أبو البشر لم يكن يعرف شيئاً من العلم، ولكن رب العالمين كان معلمه، إذ قال جلّ من قائل: "وعلّم آدم الأسماء كلها". وأشد الناس حاجة إلى العلم، وأحوجهم إلى التعلم، لتنمية مواهبه وإمكاناته التي منحه الله إياها، هو من وجد في نفسه موهبة الكتابة، ثم ندب نفسه للاشتغال بها، وإن أداة هذا التعلم مطلوبة، وهي تتمثل في الإطلاع الدائب، والبحث المستمر، والتطوير والترقية، غير المنقطعة أبداً.
إنّ الكاتب عامة، والأديب خاصة يتعاملان مع النفس الإنسانية برحابة اتساع خطوطها، وعمق تفاعلات مشاعرها، كرهها وحبها، غضبها ورضاها، صفائها وعكرها، خيالها وواقعها، هدوئها وصخبها، وقارها وانفلاتها، حزنها وفرحها.. إلخ ما هنالك، كما يتعاملان مع ما يحيط بهما من عوالم إنسانية أخرى، وأمكنة وظروف وأزمنة، وحياة اجتماعية وسياسية وتاريخية وأدبية واقتصادية وفكرية، وما دام الأمر كذلك فإنّ مدى ما يجب على هذا الكاتب من الإطلاع يكون واسعاً ومتنوعاً بوسع وتنوع كل ما ذكرنا.(/6)
ولكن هناك قضية هامة يجب أن ينتبه إليها كل متجه إلى الكتابة من المؤمنين المسلمين، هذه القضية هي أن الإطلاع لا يقضي بالأخذ بكل ما يدفع من معرفة، بل إن هذا الإطلاع ناقد يعرض المعرفة القادمة إليه على العقيدة وفروعها الإيمانية، التي تشكل الأرضية الرئيسية الأولى في قاعدة وأساسات العقل المؤمن، وتحتل كل جزئياته ونظره ورؤاه.. وذلك لأن هذا العقل المؤمن يعلم علم اليقين أن كل ما عدا العقيدة الإيمانية وأسسها المعرفية القطعية ليس إلا ظناً خاضعاً لتقلبات الأوقات والأمزجة والمعارف الآنية التي تتلبس الإنسان في لحظة ما وظرف معين ومعطيات محددة. ويشرح ذلك الأستاذ مصطفى صادق الرافعي إذ يقول: "لقد أثبت تاريخ الإنسانية أن هذا اليقين الساري فيها لن يكون غير الدين، فهو وحده معنى الجاذبية بين المعلوم الذي تبدأ النفس سيرها منه، وبين المجهول الذي تصير النفس إليه طوعاً أو كرهاً، وما دامت الجاذبية فيه وحده فلن يستطيع شيء غيره أن يقيم حدود الإنسانية، أو يحفظ ما يقيمه منها، وما غاية العلم إلا أن يكون قوة في هذه الحدود.."(5).
والخلاصة في هذا الموضوع هي أن الكاتب المؤمن محتاج إلى تنمية موهبته، لتصبح موهبة مطلعة على التاريخ والاجتماع والأدب والفلسفة والسياسية والواقع والاقتصاد والفكر والفن وغير ذلك من مجالات المعرفة، هو إطلاع واع فاهم ناقد، متعامل بإيجابية، وسعة أفق، ومرونة، وحسن انتفاع، واستيعاب بعيد عن التماهي المذيب للحدود والخصوصيات، الداخل في صلب الضياع، الذي يجعل الإنسان مجرد ورقة يكتب على صفحتها الآخرون ما يشاءون ويرغبون. وصدق الله العظيم القائل: "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن.."(6)
3 – تقويم الأداء:
حتى يذهب الكاتب المؤمن في الطريق الآمن إلى آخره، عليه أن يتعرف أولاً بأول على قيمة أدائه في فن الكتابة، الذي اتخذه مطية لغاياته التي آمن بها، ويشكل هذا التعرف جزءاً لا يتجزأ من عملية الاستفادة من الإطلاع وفي خطوة ليست بعيدة عن واقع ما يحدث لكل كاتب، فإن معظم الكتّاب يقفون أمام أدائهم وقفة حساب في لحظة ما، سواء كانوا من الملتزمين بنهج التبليغ الإيماني أم من الذين هاموا في كل واد، وسرحوا بأنظارهم وبصائرهم في مرابع الوهم الهائل، الذي أدخلته على الجميع معطيات عبادة العقل أو الإنسان الفرد أو المادة واللذة أو حتمية العولمة أو بالأحرى الأمركة.
والكاتب المؤمن الذي اتخذ التبليغ مهنة عظيمة.. في أشد الحاجة إلى مثل هذه الوقفة التقويمية النافذة للأداء.. وذلك حتى لا يقع تحت طائلة المسؤولية الواردة في الآية الكريمة من كتاب الله القائلة: "إن الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون"(7).
فكيف يراجع هذا الكاتب أداءه..؟ وما هي الأسئلة التي يقوم من خلالها هذا الأداء..؟ لابد أنه مراجع لإنتاجه كله بين الحين والآخر طارحاً على نفسه الأسئلة التالية أمثلة وليست حصراً:
1 – ما هو مكان ما كتبت من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2 – كيف كان الخطاب الذي احتوته كتاباته؟.
أ – هل كان قريباً من عقول الناس؟
ب – هل تطرق فيه إلى واقعهم وأحوالهم؟
ج – هل كان أسلوبه وبيانه من النوع الذي يشد الأذهان؟
د – هل فيه معالجات وأطروحات ترقى بأحوالهم؟.
هـ - هل بيّن فيه أخطار ما يحاصرهم من فكر وحتميات تحاول معهم عملية التئيس للاستسلام لما يطرح..؟
و – هل بعث في خطابه الأمل في الخلاص؟
ز – كيف كان استقبال الناس للخطاب وما مدى تأثيره في سلوكهم؟
3 – هل دخل كتاباته شيء من الفكر أو الأدب الدخيل الرديء دون علمه وذلك بتأثير الإطلاع والتنمية..؟
4 – هل كانت غاياته وأهدافه واضحة بينة في كتاباته لا تلجلج فيها ولا مواربة مضرة؟
5 – كيف كان مستوى الأداء.., هل هو متصاعد الجودة أم في نزول، أم في حالة ثبات؟..
6 – ما هي الفوائد التي جناها من الإطلاع وأين كانت مجيدة نافعة، وأين كانت عديمة الفائدة أو مضرة؟
فإذا تم له ذلك، ووضع علامات لكل سؤال، ثم جمع حصيلة الحساب نظر، فإن كانت النتيجة عالية حمد الله وأثنى عليه أن وفقه لمثل هذا النجاح.. وسعى جاهداً للتطوير والتحسين، وإن كان الأمر غير ذلك لام نفسه وأنبها، وسعى من جديد كي يقوم الاعوجاج بعد أن شخصه.. هذا والله أعلم.
الهوامش:
(1) البقرة آية: 30 – 31.
(2) الذاريات: آية: 56.
(3) عبد المعطي حجازي – جريدة الزمان 11/8/2000 (باب ألف ياء).
(4) هذا ما أكده كثير من الشعراء والكتّاب في ملتقى أصيلة الثقافي الدولي (آب 2000).
(5) إعجاز القرآن ص 12 نشر دار الكتاب العربي ط 8.
(6) المؤمنون آية: 71.
(7) البقرة آية: 79.
كيف تصبح كاتباً (5)
تنمية الموهبة
ج – (الإطلاع الواسع والمستمر)
بقلم: محمد السيد
1 - البرعم يتطور:(/7)
أرأيت إلى البرعم يحاور خيوط الفجر. من أجل أن تتفتح أوراقه، وتنفض أكمامه عن أجفانها ندى النوم، وذلك لتدخل صخب الحياة، مسلحة بالشذى ترسله إلى كل الأنحاء لتحصل على الثقة ثم الإعجاب، ثم الاتجاه إليها كي يرشف منها المرتشفون ذلك اللون الرائع، والجمال المتناسق، والعطر الرباني الحالم.
ذلك هو مثل المبدع الإنسان، يتفتح ويتطور، وترتفع قامته وتنهض، كلما ازداد حواراً مع كل ما حوله، فهو في صعود دائم ما دام ينهل من معين الثقافة الذي لا ينضب، بكل فروعها، بادئاً بأساسياتها وتراثها، ماراً بفروعها المتنوعة، منتهياً إلى الحاضر وما يدور فيه من تفاعلات ثقافية، يحتاج فيها إلى جواز مرور يكون مليئاً بتأشيرات الوعي العالي، والإيمان الواقي والهمة اللامتناهية، والقريحة المتجددة الإبداع، واللغة الخارقة لحصون العصر، التي تغلفت بجدران سميكة من الادعاء التقني المتفجر، محاولة تعميم ثقافة واحدة بعينها، لتكون سيدة الجميع، تحت مسمى يبدو في ظاهره محبباًً، لكنه مبطن من الداخل بسموم الهيمنة واستلاب كل الداخلين إلى محاضنها، وتحويلهم إلى سدنة يخدمون رفاه شعوب أسياد (العولمة).
ولا بد لهذا البرعم الموهبي المؤمن من حيازة التحلي ببراءة متمردة على ثقافة الاستسلام، التي راحت تغزو أسواقنا الثقافية، وذلك من أجل أن يكون صوتاً يقاتل لإيقاف عملية تقديم الشهداء لمحكمة الإرهاب. ناطقاً رسمياً باسم خصوصية الهوية، وتميز هذه الأمة بكتابها الكريم المرسوم بآيات الله البينات، التي تفيض بالحرص على الإنسان من خلال بيان بلاغي معجز، حق لكل برعم أن ينطلق من التعرف عليه ابتداءً، تعرفاً إيمانياً عقدياً أولاً، ثم ليسوح في معجزاته البلاغية البيانية التي لا تنقضي عجائبها، ولا ينتهي تجدد معانيها، وتلألؤ ألفاظها وحروفها الفذة. حيث من هذه النقطة بالذات تبدأ حركة تطور البرعم، حركة واعية مبصرة، شامخة التطلعات، موفقة الخطوات، راسخة في العلم والفهم والتعبير، قابلة راضية معتزة بالمنة العظمى التي امتنها الله على الإنسان إذ قال: (الرحمن، علم القرآن ، خلق الإنسان، علمه البيان.)(1)
2 - آفاق الاطلاع:
إنما صنع الكلام لإفادة المعاني، والبلاغة فيه أن تبلغ به ما تريد من نفس المخاطب من إقناع وترغيب وترهيب وتشويق وتعجيب أو إدخال سرور أو حزن أو غير ذلك فالبلاغة ملكة روحية وأريحية نفسية، وليست صناعة لفظية محضة، لا بد من الاهتداء إلى أسباب تجعل الكلام مؤثراً.(2)
وبناء على هذا نستطيع القول: إن الكلمة تاريخ ولغة وفقه وقانون وعلم، وخبرة إنسانية، وتجربة حياتية، وحالة نفسية ذات معان عميقة، وعاطفة جياشة ممتزجة بلفظ معبر، وفلسفة نازعة إلى بناء الحياة على أسس فكرية، وإرادة جماعية. فمتى كانت الكلمة المزجاة جامدة ميتة غير ناطقة بكل هذا الذي ذكرناه، أصبحت غير ذات قيمة أو جدوى كما ذكر الرافعي في إعجاز القرآن صفحة (20).
ولقد نقل عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كلاماً داعما ً لما أوردناه، واصفة به كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه، فقالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيّن فصل، يحفظه من جلس إليه". وهذا يعني أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في القمة من البيان، (بين فصل) فيه النفع والفائدة والحلول والخبرات والتاريخ المفيد، والعلاج الناجع، والفهم الواضح النير المبصر، المخترق لحصون المعتدين الظالمين، السالك بلين وقوة قلوب المؤمنين، البين، المداوي الهادي، المتعامل مع حياة الناس بما يرقيها، ويرفع تطلعاتها.
من كل ما تقدم نستطيع تحديد مجالات الاطلاع، وعناصر الثقافة المطلوب من صاحب الموهبة حيازتها، إن أراد تنمية موهبته والارتفاع بها:
أ - العيش مع القرآن وتمثل تعاليمه، والتعرف على علومه، والدخول إلى معالم بيانه وبلاغته، وإعجازه الذي يخترق العصور والجغرافيا، فالقرآن هو المدرسة الأولى والأساسية لكل الشادين المبتغين ركوب صهوات البيان، الكاتبين للنفس وللغير، (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).
(ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون).
والقرآن هو تاريخ وأساس وامتداد ثقافة وبيان لغتنا وأمتنا، وهو الذي يقيم أداءها على الوجه الذي نطق به أصحابها الأوائل، وييسر ذلك لأهلها في كل عصر: (ولولا هذا الكتاب الكريم لما وجد على الأرض أسود ولا أحمر يعرف اليوم ولا قبل اليوم كيف كانت تنطق العرب بألسنتها، وكيف تقيم أحرفها وتحقق مخارجها، وهذا أمر يكون في ذهابه ذهاب البيان العربي جملته أو عامته.(3)(/8)
ب - أن تتفتح البراعم من نسغ السنة وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو امتداد بيان السماء فوق الأرض، وفعل تعاليم رب العالمين متمثلة بحركة بشر نبي، يعيش بين الناس يؤاكلهم ويشاربهم، يدعوهم ويجاهد بنفسه وبهم، ويرعى شؤونهم ويتقلب معهم في الحياة بحلوها ومرها نصرها وتراجعها.. فهو البيان العملي الفذ للإسلام في هذه الأرض ومع الناس. وهو الأساس الثاني بعد القرآن في البناء الثقافي وتنمية موهبة الموهوبين بصورة صحيحة سديدة. وقد وصف الرافعي بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام جميل إذ قال: "هذه البلاغة الإنسانية التي سجدت الأفكار لآيتها، وحسرت العقول دون غايتها، لم تصنع وهي من الأحكام كأنها مصنوعة، ولم يتكلف لها وهي على السهولة بعيدة ممنوعة) (4) وإذن فالعيش في ظلال هذا البيان والتعامل معه أساس ركين من أساسات ثقافة صاحب الموهبة.
ج - الأخذ من كل علم وفن بطرف:
بين ابن قتيبة في مقدمة كتابه "أدب الكاتب" ما يحتاجه الذي يشدو موهبة الكتابة من أدوات وسعة اطلاع بما يلي:
- أن يشدو شيئاً من الإعراب - وأن يتعرف على شيء من علم الهندسة والرياضيات.
- ولا بد له من النظر في جمل من الفقه.
كما لا بد له من معرفة أخبار الناس ومعرفة أحوالهم وأقدارهم أوضاعهم، وما يصلح لهم أن يخاطبوا به (أي أن يعرف شيئاً عن الفلسفة والاجتماع والنفس والأدب الخاص والعام).
- والاطلاع على الكتيبات التي وضعها ابن قتيبة من أجل من يريدون دخول معترك التبليغ عن طريق الكتابة وهي كتب خفاف، يشتمل كل منها على فن من الفنون والعلوم كما قال ابن قتيبة.
د- وأضيف في هذا الباب ما يفيد أن صاحب الموهبة لكي يحقق تنمية موهبته أن يكون مطلعاً على :
- ثقافات الشعوب الأخرى وآداابها وفلسفاتها.
- وعلى أسس ورئيسيات التقنيات المعاصرة.
- على تراث أمته في مختلف الفنون.
- على تاريخ أمته والأمم الأخرى.
وحتى لا نكثر على صاحب الموهبة ونطيل عليه بقوائم طويلة عريضة، قد توقعه بالإحباط، فإننا نقول: ليس المطلوب من صاحب الموهبة أن يكون عالماً ضليعاً بكل ما ذكرناه، بل المطلوب أن يكون لديه اطلاع إلمام عام، وفهم عام، وصورة عامة عن كل ما ورد، بحيث يستطيع استعماله في خطابه البلاغي الإبلاغي بشكل يجعل لخطابه قوة وقدرة على الاختراق، خصوصاً في عصرنا الحاضر الذي اتكأ على كم هائل من الثقافات الزائفة والتقنيات الفتاكة.
"وبما أن الكلام: هو الذي يعطي العلوم منازلها، ويبين مراتبها، ويكشف عن صورها، ويجني صنوف ثمرها، ويدل على سرائرها، وبه أبان الله تعالى الإنسان من سائر الحيوان"(5) فإن صاحب الكلام الذي يمتلك أبكر مخزون ثقافي في ذاكرته، ويحسن استعمال هذا المخزون في كلماته، يستفيد أيما فائدة من ذلك كله في رفعة قلمه وبلاغة إبلاغه. وإعطاء التراث حياة جديدة مناسبة للعصر.
3 - الحصن الحصين والمرجعية القويمة:
لقد كان القرآن وثقافة القرآن والسنة النبوية المرجعين القويمين الثابتين لكل الشداة في باب الكتابة، وذلك إذا أرادوا لشخصيتهم أن لا تتماهي في شخصيات الآخرين وثقافاتهم وحضارتهم، وقد شكل الاعتماد المعاصر على ثقافات الآخرين والرضوخ للأبعاد المعنوية لمنتجاته المادية والحضارية والفكرية، إضافة إلى الجهل التام أو الجزئي بثقافة المرجعيات والحصون الأساسية للأمة أقول شكل ذلك ارتداداً كارثياً في موقف ومكانة أمتنا، مما جر إلى هذه الأوضاع المزرية التي تعشها الأمة. من تخلف وضعف وذيلية.
- ولقد كان من نتائج الجهل بالمرجعية القرآنية والسنة النبوية، أن كرس أهل هذا الجهل مجهوداتهم الكبرى للهجوم على اللغة العربية؛ الأداة العظيمة، ثقافة المرجعية الحصينة. فقامت دعوات تجحد فصاحة هذه اللغة وبلاغة مرجعياتها، وتسعى إلى تفجير هذه اللغة بالأساليب المتمنطقة بقنابل الحداثة الزائفة، ونبذ أساليب الأجداد والانقطاع عنها نهائياً. بل إن البعض دعا إلى ترك الفصحى والخوض في غمار العامية والفوضى، وذلك من أجل قطع الوصل بين الحاضر والماضي ليأتي المستقبل تافهاً ضائعاً.. ووصل الأمر بالبعض أن تجرأ على الدعوة لهجر الحرف العربي والكتابة بالحرف اللاتيني كما فعل "أتاتورك" المجرم في تركيا، الذي اتخذ الحرف اللاتيني بدلاً من الحرف العربي لكتابة اللغة التركية. لذا فإن ناشئة الكتاب من الموهوبين المؤمنين مثقلون بالمهام العظام التي يتمثل أهمهما وأعظمها، بإعادة الرونق والجلاء للاعتماد على المرجعية القرآنية النبوية القويمة، تلك الإعادة التي راحت تأخذ مكانها في مقدمة البناء الثقافي لمجتمعات الأمة العصرية، على يد العديد من عمالقة الثقافة الإسلامية العربية المعاصرة.. ولكن الطريق لاحب وطويل، ويحتاج إلى تتابع الأجيال وتراكم الخبرات، وعمق الانتماء، ولمزيد من الأسماء المليئة بالنماء والتطور والمعاصرة والمعبأة بالمرجعية الأصلية المتصلة القويمة الحصينة.
الهوامش
1 – (1، 2، 3، 4) سورة الرحمن.(/9)
2 - هذا الكلام من مقدمات كتاب دلائل الإعجاز - عبد القاهر الجرجاني ص7. ط 2 دار المعرفة - بيروت.
3 - إعجاز القرآن مصطفى صادق الرافعي ص 81.
4 - إعجاز القرآن ص 279.
5 - أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني ص 5.
كيف تصبح كاتباً (6)
تطوير الموهبة
المران والتجريب
بقلم: محمد السيد
تعينت الموهبة، وأينعت بوادرها، وهبت على النفس الكاتبة محاولات التجربة، واستيقظت القريحة، وحانت لحظة القطاف، ودخل الوقت، وقت الجد، وامتلأت قداح الفكر، وأزهر الليمون في حقول الموهبة وراحت الهمة تراود القلم، ليسطر أول كلمات، لكن ساقية الجميع ما تزال بطيئة العطاء، شحيحة الود، تتدفق حيناً، لتتر نزاً أحياناً كثيرة، وأنت.. أنت يا صاحب الموهبة تنتظر خوض اللجة على أحر من الجمر، تريد أن تذهب في بحر الكتابة أبعد شوط، مغامراً بالبدايات، من أجل الوصول العاجل، ظناً منك أن الحلم ذو جناحين شديدي المراس، وبهذا يسلمك التعجل لقطف البراعم قبل تفتح أزهارها، وقبل وضع القدم الأولى مرات ومرات، تجس الديار، وتختبر التجربة، هل هي طرية تنزلق فوقها بدون أنيس؟ أم هي صلبة متماسكة مختبرة متراصة مجربة، لا تخاطر اليد بالرسم فوقها، مادام المداد يزرع الثقة في أرجاء الساقية ذات النبع المدرار.
إنك إن فعلت ذلك، تكون قد خضت التجربة نائياً بنفسك وقلمك عن امتلاك نواصي الأقلام والفكر والأساليب والصياغات، وبالتالي قادماً تقاتل في ساحات لم تختبر بنفسك وعورة مسالكها، وتلون فنونها، ولم تستعرض جهودك بصورة مبدئية مع من سبقك، ومع من هو ناصحك وموجهك، وبكلمة مختصرة لم تبدأ البداية السليمة التي تقتضي منك لكي تنجح أن تسير الخطوات مثقلاً بداية بسؤال طويل عريض، طرح عليك مرات ومرات، ولكنه الآن بعد أن تعينت الموهبة، وهبت رغائب خوض التجربة، يلح في الطرح ليقول:
أ- عفواً ما الذي تهدف إليه تماما؟ وها أنت تجد نفسك أمام الصدى يتردد في جنبات نفسك، وفي عميق فؤادك المؤمن ليؤكد:
- أنك وجدت امتلاك ناصية الكلمة واستخدامها أهم وسيلة من وسائل البلاغ الرسالي..
- وأنك تريد أن تضيف صوتاً بلاغياً جديداً متميزاً يتنصر للمعنى البلاغي الإيماني..
- وأنك بهذا تعمل في المجال المناسب الميسر لما خلقت له.
- وأنك جاد في خوض معركة الذود عن حياض الحق بالكلمة العليا، وذلك لكبح جماح الباطل وكسب الساحة لإنقاذ الإنسان من كل التزوير الذي يطل عليه من بوابات الاتصال المختلفة ليل نهار، وأنك مستعد لدفع الثمن الذي يترتب على خوضك التجربة، وقد يكون ثمناً باهظاً في الكثير من الأحيان. فإذا أنت أيها الموهوب سمعت كل ذلك الصدى يتردد، ووقفت على الأهداف، وعرفت ماذا تريد، وفي أي الاتجاهات تسير. انطلق سؤال آخر يقول لك:
ب- كيف تصنع في البدايات؟.. لتجد نفسك أمام بوابتين، إحداهما مباشرة، والثانية تأتي في ما بعد..
1- فأما المباشرة فتحتاج إلى:
أ- فحص المعاناة..
لما كانت الكتابة الصادقة المؤمنة ناتجة بصورة أكيد ة عن المعاناة التي يواجهها الكاتب، ويحس بها تتفاعل في دواخله، مقابل ما يرى وما يقرأ وما يسمع وما يعامل به من جميع الذين يحيطون به، فإن هذه المعاناة هي التي تولد الفكرة وتفتح أبواب القريحة لدى صاحب الموهبة، ومن هنا فإن عليه مباشرة أن يتناول القلم والقرطاس ويسجل الفكرة المتولدة، ومحاور معالجتها، قبل أن تغيب في طيات المشاغل اليومية، فيبحث عنها فلا يجد منها إلا أطلالاً باهتةً غير مكتملة التكوين.
والمبدع في الكتابة، الذي يبتغي أن تُسمع أفكاره، وتؤخذ نتيجة معالجاته لمعاناته، هو ذلك الكاتب الذي يختار لكل موضوع من موضوعاته المستجد من المعالجات والأسلوب والأفكار، بما يثير الانتباه، ويصنع إضافة جديدة، تستحق عناء الاطلاع والقراءة وصرف الوقت، بل وتنشئ حواراً وأخذاً ورداً واهتماماً وإثارةً إيجابيةً ينتج عنها مزيداً من التسويق والانتشار وتركيز المكانة والمكان والاعتراف الراسخ، ويكون ذلك كله بعد الكثير من تقليب التفكر بالمعاناة وفحص تشكيلها وعناصر تكونها في نفسه ومظاهر تقلبها في خارجه والمحيط ومدى قوة تأثيرها، وصمود حجتها، والاستجابة لها سلبياً أو إيجابياً وأسباب ذلك كله.. ومن ثم يأتي دور.(/10)
ب- التجريب والتمرين: وهما يبدآن بارتياد الأرض عن طريق المزاولة المغلقة أولاً (أي غير المنشورة) وهذه المهمة تحتاج إلى مخالطة المجربين ومحاولة محاكاتهم، واستشارتهم في كل البادرات الكتابية.. ثم الإعادة والتصويب والتركيز.. حتى إذا لاقت البادرات استحساناً وقبولاً وثناءً، دفع بالبادرة إلى الأمام نحو النشر ثم الواحدة تلو الأخرى، حتى تبلغ مبلغ رسوخ القدم، وقد تستمر هذه الحالة زمناً ليس قصيراً فلا ييأس صاحب الموهبة ولا يكل ولا يتراجع.. فكل مريد يحتاج إلى من يسهل له الطريق، ويشذب السلوك، ويرقق اللسان والقلب.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أبو بكر رضي الله عنه: "لقد طفت في العرب، وسمعت فصحاءهم، فما سمعت أفصح منك، فمن أدبك (أي علمك)؟ قال: "أدبني ربي فأحسن تأديبي".
ولتعلم أخي المقبل على الكتابة أنك مقبل على فن وعلم عظيمين كريمين عاليين في الغاية والوسيلة، وذلك لأنك في إقبالك هذا حامل هم الإبلاغ الرسالي السامق، وقد قيل في ذلك: "إنك لا ترى علماً هو أرسخ أصلاً، وأبقى عرفاً، وأحلى جنىً، وأعذب ورداً، وأكرم نتاجاً، وأنور سراجاً من علم البيان، الذي لولاه لم تر لساناً يحوك الوشي، ويصوغ الحلي، ويلفظ الدرر، وينفث السحر، ويقوي الشهد. والذي لولا تخفيه بالعلوم، وعنايته بها وتصوره إياها لبقيت مستورة، واستولى الخفاء على جملتها وفي ذلك ما فيه من ضياع الحق، وخفوت صوته، وانتشار الجهل وعلو مكانته".
أما الثانية التي تأتي فيما بعد فهي:
2- النزول إلى الساحة: وفي هذه المرحلة يكون صاحب الموهبة قد غدا داخل المهنة، وفي طلب المهمة الغالية، وهو في هذا محتاج لأن تكون خطواته متجهة إلى الأمام دائماً وأبداً.. فيتوقى الهنات والنزول والخذلان، وهو في ذلك وإن كان لا يمكنه بلوغ مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم البياني –فحسبه إذ بلغ مرحلة المهنة- الاقتداء في بيانه صلى الله عليه وسلم ما وسعه الاقتداء، فيتنزه قدر الإمكان عما يعتري أصحاب القلم واللسان من العيوب التي تنزه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال صاحب إعجاز القرآن في ذلك: "لا يعتري رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعتري البلغاء في وجوه الخطاب وفنون الأقاويل، من التخاذل، وتراجع الطبع، وتفاوت ما بين العبارة والعبارة، والتكثر لمعنى بما ليس فيه، والتحيف لمعنى آخر بالنقص منه، والعلو في موضع والنزول في موضع.."(1)
وأول ما يتبادر إلى الذهن لتقديمه نصيحة لكل من يتقدم من الكتاب المؤمنين إلى الساحة ليتنزل فيها هو: أن يكون متمكناً واثقاً من انطلاقه من خلال عقيدة راسخة تقول: إن الحقيقة الكلية لهذا الكون ولهذا الإنسان ولهذه الحياة ومآلها جميعاً ومصائرها إنما هو معروف وثابت ومثبت فيما نزل على قلب رسولنا الكريم من آيات الله وما جرى على لسانه من وحي يوحى، وهو (أي الكاتب) غير محتاج للتجربة داخل نفسه أو داخل غيره أو فيما يحيط به ليجد الأجوبة الكبرى على تلك الحقائق الإيمانية الكبرى. إذ أن الكثيرين من كتاب العرب وأدبائهم ومن نهج نهجهم داخل أمتنا تاهوا وضاعوا في الجري لاكتشاف الحقيقة، فحولوها إلى محاولات تدميرية للغة وللتراث وللقيم ولكل معنى إيماني، على اعتبار أن هذا الذي يخوضونه إنما يمثل ثورة على واقع وتاريخ وقيم قمعية وسلطوية وغير سلطوية، وهو ما جعل هؤلاء أعضاء خارجين على مجتمعاتهم منسحبين منها راكضين خلف أمزجة وأهواء فردية مهزومة داخلياً وخارجياً، مريضة بمجموعة من الأفكار الفردية النزعة، النرجسية الرؤى والعمل، عدوة لمنطق التغيير والتطوير المنسجمين مع طبائع الأشياء، وسيرورة التاريخ، والمحكومين بالثوابت والمتغيرات. ولسوف نتطرق في الحلقات القادمة (إن شاء الله) إلى كيفية السير قدماً إلى الأمام دون تعثر.
(1) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص286.
كيف تصبح كاتباً (7)
السير قدماً
التأكيد الملح على العقيدة والسلوك
بقلم: محمد السيد
1 - لماذا التأكيد:
ليست الكتابة عبثاً من العبث، ولا هي نزوة نفس تائهة، تخط باليد ما لا تعرف عاقبته ولا موقعه من الناس ومن الأخلاق والمآل والأثر. إنها أمانة وعنوان: أما كونها أمانة، فلأنها كسائر المواهب التي منحها الله لهذا الإنسان، بل تزيد عليها، كونها ممتدة التأثير والتحكم بالناس وأخلاقهم وعاداتهم وعلاقاتهم، وهي بهذا المعنى والأثر أمانة عهد بها لبعض الناس، يجب حفظها، وحسن التعامل معها، وربطها بالدين والسلوك السوي والتقوى والعقيدة السليمة.(/11)
وأما كونها عنواناً: فهي مفتونة بالعقل والتدبر، وبوابة للفكر النير، تخرج من قلب نازف بالتجربة والخبرة والمعاناة البريئة، لترتطم بالقرطاس ذوباً لطرف قلم أقضته مضاجع الغفلة، وكظمت غيظ عواطفه كلمات الله وتعاليمه، فهي كما قال زياد: ما قرأت كتاباً قط لرجل إلا عرفت مقدار عقله فيه، أو كما قال طريح بن إسماعيل: "عقول الرجال في أطراف أقلامها"، أو كما وجه يزيد بن المهلب ابنه حين استخلفه على خراسان فقال له: "إذا كتبت كتاباً فأكثر النظر فيه، فإنما هو عقلك تضع عليه طابعك"(1).
وفي قول الله تعالى: (فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)(2). مندوحة عما سواه في إثبات أن الكتابة أمانة، وأن الكاتب رقيب نفسه، وحسيبها على ما يخط يراعه بقلمه، لأن الويل ينتظره إن لم يؤد الأمانة، كما علمه الله إياها، ولذلك أردت في هذه السطور أن أعود لأؤكد على امتلاك العقيدة السليمة لعقل ويراع الكاتب، تتحكم بسلوكه، وتوجه موهبته، وتبني خبرته، وتصنع خياله وعبقريته، ليصبح إذا خط بيده فكره كما وصفه ابن المعتز في شعره:
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه تفتح نوراً أو تنظم جوهرا
2 - محاولات لاكتشاف الحقيقة بعيداً عن العقيدة:
قال ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر): "إن التكليف هو الذي عجزت عنه الجبال ومن جملته أني إذا رأيت القدر يجري بما لا يفهمه العقل، ألزمت العقل الإذعان للمقدر فكان من أصعب التكاليف، وخصوصاً فيما لا يعلم العقل معناه، كإيلام الأطفال وذبح الحيوان مع الاعتقاد بأن المقدر لذلك والآمر به، أرحم الراحمين"(3). إنها خلاصة عقيدة، العود فيها إلى ما قاله الله وقدره، وإلى ما نزل به الوحي وشرحه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقيقة فيها تكون مرجعيتها قواطع وثوابت العقيدة، وليس الهوى والنزوة، أو العقل الذي نشأ وتربى ونما في حضن الوهم، وأوهام النفس المريضة البعيدة عن الله.
إن الحقيقة كل الحقيقة تجدها في راسخات كلمات الله المحكمات، وفي بيان رسوله القطعي الحكم. وفيما أجمع عليه المؤمنون في كل عصر ومصر، فلا تجري في البحث عن الحقيقة جري من أعشته كلمات تقال، ويراد بها الخداع؛ مثل قولهم : إنه لا أحد يمتلك الحقيقة!! فهذا كلام مخاتل فاسد الطوية، عقيم الفهم والإدراك ويراد به إخراجك أيها المؤمن من دائرة الاطمئنان والراحة النفسية إلى دوائر التيه، حيث لا تصل بعدها إلى أي يقين، وتمتلئ نفسك بشتى الأمراض، وتمتلك أمرك دواخل متقيحة متعفنة، غافية في طين لا ترفع عيناً عن جسد، ولا ترنو إلا من نافذة خيال لا يغادر النزوات ولا يفهم الواقع أو يرد عليه إلا من خلال ردات فعل كتابية وعملانية سلبية مبحرة في تلك الدواخل التي شرحنا حالها، وهو ما أراد أصحاب القول بعدم امتلاك أحد للحقيقة أن يصلوا إليه فوق رواحل من بناء فن كتابي، جعلوه حركة حملت كما قال أحد الناقدين: "الآثار المدمرة للواقع" في جريها خلف المثاليات النظرية الفلسفية، التي بنيت على مرجعيات تائهة في ضباب العقل البشري، القاصر عن إدراك سر كيف ولماذا، في كثير مما يدور حوله.
لذا يجب تنبيه الكاتب المؤمن إلى هذا المعنى الخطر، كي يحمي نفسه بالاطمئنان إلى الحقيقة المركوزة في عقيدته، كما وجب التأكيد على ذلك أكثر من مرة، من أجل تنبيه وعيه بمهمتين موكولتين إليه في هذا الخضم، ينميهما بالمران والتجربة. أولاهما: سيره دائماً إلى الأمام، وثانيهما: تعلق بصره وخياله بخدمة الإنسان الحثيثة في مهنته.
3 - انتفاش الباطل:
وينتفش الباطل، ويفرد ريشه، وذلك من أجل إحباط الحق الذي تحمله أيها الكاتب المؤمن، فلا يغرنك تقلبه في البلاد، ولا يوهنن عزيمتك أنك ترى وتسمع وتشاهد حفلات "الزار"، تقام في شتى الأرجاء، من أجل تكريم الشذوذ والاعوجاج، في محاولات لحرف مجرى نهر الحق، وجعله معزولاً عن التيار. ويتجلى هذا الانتفاش بصور شتى منها:
- الصخب الإعلامي الذي يثار حول هذا الكاتب أو تلك الشخصية ، بحيث ينقلب الفن إلى صفقات تديرها عقول وأيد مشبوهة، تبتغي الترويج لمن يقدم الخدمة الأكبر لأصحاب اتجاهات الهيمنة واستغلال الإنسان عامة لغايات أنانية فردية أو للون معين من البشر.
- الدعم والحماية المباشرة لمن يخدم بقلمه فكر الهيمنة ويروج له ولصوره العملية الحياتية الباطلة، وذلك عن طريق دعم وتسهيل سبل الانتشار، ودعم وتسهيل وسائل الاختراق للمجتمعات من أجل قيادتها نحول الالتزام بالباطل بعد بروز صورته المنتفشة.
- جواز المرور المفتوح إلى كل المناصب القيادية والثقافية، وإلى الهيمنة على معظم وسائل الإعلام الفعالة، بحيث يصبح الباطل من خلال هذه الترتيبات طعام الناس وشرابهم، الذي يشاهدونه ويسمعونه ويقرأونه ليل نهار، ليحاط بهم من كل الاتجاهات، فلا يرون إلى ما يرى أهل الباطل المنتفش على طريقة فرعون الموصوفة في القرآن الكريم: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).(/12)
وبهذا يتيه السلوك العام، وينحدر، وتلهث السرائر والعلانيات البشرية خلف السراب المقروء والمسموع والمرئي، المبتغي تدمير هذا الإنسان، وجعله ترساً يدور لخدمة الآلة الصماء الكبرى، التي تاهت هي الأخرى خلف شهوة الحياة والرفاهية غير المتوازنتين، وغير المدركتين لمعنى الوجود الإنساني الحق في هذا الكون.
4 - تهافت ما يكتب بعيداً عن القضية:
مضت عقود طويلة منذ انطلاق هرطقات كتاب الشر الجاهلي، ومستقبل الثقافة في مصر لطه حسين ومروراً بالإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرزاق، وترتيبات سلامة موسى، وتخرصات لويس عوض، وتحرير المرأة لأحمد أمين وانتهاء بديكتاتوريات العلمانيين واليساريين، ومحاولات إقصائهم للإسلام وتصفية كل من ينادي به مرجعاً كاملاً صالحاً شاملاً لكل مجالات الحياة، ثم محاولاتهم اليائسة لدس السم في قراءات الناس ومشاهداتهم عن طريق الإبداع الأدبي الموبوء بالخنا والاعتداء على المقدسات والمسلمات الإسلامية، والترويج لكل ذلك خدمة للفكر التدميري الذي يبتغي إقصاء أمتنا وتهميشها، غير أن كل هذا الغثاء المتهافت من الفكر والسلطوية وما يزعم أنه (أدب)! لم يستطع أن يغير مسار الإسلام في تأثيره على مجتمعات المسلمين واحتضان المسلمين له بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم، وفي كثير من تحركاتهم اليومية.. وذلك رغم ما قدم له من دعم مالي وإمداد إعلامي، وترويج سوقي، وتسهيلات مرورية إلى سطح الحدث، وأخيراً ما قدم له من احتضان سلطوي سخر في خدمة القمع والفردية.
فهل لذلك الإخفاق من سبب؟
نعم... فإن الانطلاق في الكتابة بعيداً عن المعرفة الربانية الحقة والعقيدة الإسلامية الربانية ومصدرها الأول والأساسي، يوشك أن يقود هؤلاء الناس إلى البوار والخبال في ميادين الحياة، مما يجعلهم يتخبطون ويهيمون على وجوههم جرياً خلف الأجوبة الضالة الحيرى على الأسئلة الكبرى التي تواجه الإنسان عن حياته وما يعتريها من مفارقات وملابسات وتقلبات، وعن مصيره ومآله، وما يعنيه هذا المرور القصير به في الدنيا. وباختصار: عن موته وحياته، مرضه وصحته فقره وغناه، وصعود الأمم وزوالها: إلخ ما هنالك من أسئلة لن تجد لها جواباً حقاً إلا إذا رسخت عقيدة الإسلام السهلة البسيطة في صدرك وقلبك، وانطلق فيها عقلك وقلمك. . لأن الفلاسفة والمفكرين والعقلانيين الذين أعلوا عقولهم وأنهكوا فكرهم بحثاً وتقليباً لوجهات النظر في الأمور التي ذكرناها جميعاً بدون الهداية الربانية، لم يكتب واحد منهم جواباً يسد جوعة الناس لمعرفة الأجوبة السديدة.. واستمرت الحيرة والظلمة تسد أفق جميع البعيدين عن المعرفة الربانية، وظل المسلم المؤمن وحده - كاتباً كان أم أمياً - هو صاحب الطمأنينة والراحة النفسية المتولدة عن الإجابات الشافية المهتدية الصادر عن الله نبع المعرفة وأصلها.. ورغم أن ورثة الركام الفكري والمعرفي غير المستمد من النبع يصولون ويجولون اليوم بالمعارف المادية العلمية والتقنية، فإنهم في الحقيقة يقفون مذهولين أمام الاطمئنان اللامحدود الذي يتربع داخل حياة المؤمنين، رغم قصورهم التقني، ذلك لأن إجاباتهم السريعة والواثقة عن كل الأسئلة المحيرة، تشده أولئك العابثين، وتبعث فيهم ردات فعل غير متعقلة، بل خرقاء حمقاء متكبرة، تصدر عنها كتابات، ذات صورة أصلية غائمة السحنة، تائهة المعالم وصورة مقلدة تابعة.. فهي أشد تيهاً من الأصلية وأعظم في الضياع منها..
ففي حين يقول رب العزة في محكم ترتيله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فيحدد هذا الكلام معنى الحياة والعالم وغايتهما بأنهما مخلوقان لغاية عبادة الله وتسبيحه وذكره وترقية وسائل ذلك كله ما امتد الزمن، تجد رجلاً مسلماً ذا شأن في الكتابة والفكر مثل أحمد أمين يقلد الصورة المستوردة للمعرفة التائهة، ليسجل على نفسه في كتابه فيض الخاطر أفكاراً ممسوسة بالبعد عن الله، مثل: "لترى كيف تلعب الطبيعة بالإنسان لحفظ النوع"(4)، أو مثل: "ولك ما وضع من مبادئ أخلاقية، وقواعد قانونية إنما دفعت إليه الطبيعة لخدمة هذه العناصر الثلاثة"(5) أو مثل تقريره أن العلم كله يعمل كوحدة من أجل غاية واحدة هي "تحسين النوع"(6).
فالطبيعة هي المحركة، والغاية تحسين النوع.. وأين إذن الأجوبة الشافية؟ لا شيء سوى الدوران في المكان ثم في الخيال ولا يتسع المقام لأمثلة كثيرة من الكتابات العقيمة، التي لا تقود إلا إلى التردي بنوعية الإنسان، نتيجة لانحياز الكاتب إلى المصدر السقيم للمعرفة..
هذا والله أعلم.
الهوامش:
1 - من كتاب محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ص 100.
2 - سورة البقرة / آية 79.
3 - صيد الخاطر/ دار الكتب العلمية - بيروت ص 36.
(4) (5) (6) فيض الخاطر ص 63 ط 5 نشر مكتبة النهضة.. مصر.
كيف تصبح كاتباً (8)
خطوط الارتقاء
بقلم: محمد السيد
1- لماذا وإلى أين؟(/13)
إذا تداعت الأكلة، وانتبه المغرضون، وألقاك التيار على شواطئ قاحلة، وساقتك الأقدار إلى عيش أيام مزدحمة بالعنت، وإلى خوض غمار ساحات مغزوة بكل ما يزدري العقول من فكر وكلام وكتابة وكتاب فأنت من أي جهة نظرت وجدت عجباً، يرش النهارات رماداً أغبر، ويهيل على الحقيقة الناصعة سيلا ًمن الحلكة والتضليل، يحاول التهام الشمس في رابعة النهار.
هناك ينبت في حقول موهبتك غصن يهفو إلى النبع، وترتفع في جنباتك صيحات نهوض تبتغي الارتقاء بالرد، وتعلو وجناتك حمرة حمية في لون البدر ونعومة الندى ولفح الشمس، تطلب كلها ثأراً لوهج الحق، يحرق إملاق الغزو، ويدفن رماد الحلكة بساطع الحرف ورواء الفكر. أفلا ترى معي أيها الكاتب أن كل هذه الغايات كافية لصنع جواب لماذا الارتقاء؟ لكن سؤال إلى أين لا يدعك تستريح من الكد، فها هي مستحقات النجاح تتمطى في أفق عينيك، تالية عليك سؤال أولوية النهوض قائلة: إنك تبدأ فجراً، وتكدس أحلاماً، وتكابد حرج الوقت، فهلا علمت إلى أين أنت ماض في الارتقاء؟.. إذا علمت ذلك، وأيقنت أن الخط الذي تسير فيه، يجب أن يكون صاعداً، ولكي يكون كذلك يجب أن تتجلى فيه عبقرية الإضافة الملموسة الواعية، لا المراوحة عند المشاركة العادية التقليدية في الحوار الراهن، عندئذ لابد أنك سوف تردد مع (د. محمد مندور): "إن العبقرية قدرة إيجابية فعالة، وبغير الإيجابية لا تستطيع أن تعيش، وأن تثمر وأما الهروب أو التسكع فمن خصائص أشباه العبقرية لا العبقرية ذاتها"(1). وإذا فإن الإضافة الإيجابية العبقرية، هي المطلوبة، وهي المفيدة في تحقيق المضي قدما في الارتقاء، حتى يبلغ قلب التأثير وذرى الرد على إملاق الغزو.
2- كيف تستقل خط الصعود:
ينطلق حس الكاتب المؤمن من موقف محدد تجاه كل ما حوله، وهذا الموقف مبني على وعي كامل، مرجعيته ذاكرة تحتوي الماضي والحاضر، وتطلع إلى قادم يستلهم رؤية الكاتب الإيمانية إلى الكون والإنسان والحياة وبناءً على ذلك، فإن خط الصعود يتطلب من الكاتب أن يوفر لإطلاعه وثقافته ووعيه وموقفه المستلزمات التالية:
أ- التأصيل: ولا نعني بالتأصيل هنا أن تلتزم بمحور المقلدين في المعركة الدائرة بين الحداثيين والمتبعين الحرفيين للتراث الماضي.. بل نعني به: استيعاب الماضي كله، واستحضاره جاهزاً لفائدة الحاضر والمستقبل في التنظير الكتابي والحركة الفعلية، وذلك مع التفريق بين:
1- ما هو أصل وأساس يبني الموقف ويحدد الاتجاه، وهو بالذات الإيمان الذي يكون الشخصية ورؤيتها وهدفها وحدود حركتها، ويترأس عملية الوعي الجمعي والفردي بكاملها لدى الكاتب المؤمن، ويشكل القضية الأولى والأخيرة في حياته. ونصوص هذا الأصل ثابتة لا مجال للحركة داخلها إلا للفهم والتمثل والتنفيذ... فهي بمثابة الرأس الموجه لكل حركة وسكنة. واستيعاب ذلك والانطلاق منه أصل أصيل في حركة الكاتب المؤمن.
2- وما هو من نتاج العقل البشري؛ فقهاً كان أم أدباً، علماً كان أم عمراناً، وثقافة كان أم فكراً وفلسفة، وهو الأمر الثاني الذي يجب على الكاتب المؤمن أن يؤصل به مسيرته الفكرية أو الإبداعية أو الأسلوبية، من خلال عملية انتقاء وارتقاء وتوظيف إيجابي فعال لهذا التراث بما يجعل الحياة متواصلة متطورة، والتاريخ سلس الانتقال، منفتح الآفاق، والآخرة متصلة بحركة الإنسان فوق الأرض، بدون أي انقطاع.
والخلاصة: إن مستلزم التأصيل يفرض نفسه على الكاتب المؤمن من ناحيتين:
الأولى: وهي واجبة مفروضة تقتضيها أوليات الإيمان أصلاً، كما توجبها معرفة أصول الإيمان وحدوده وقواعده وأساساته.(/14)
الثانية: تقتضيها طبيعة التركيب الثقافي والعلمي عند الكاتب، فهي تتطلب وجود عملية تواصل مع التراث تؤسس لعملية النماء، وذلك كي يقوم البناء الثقافي والفكري للكاتب متيناً راسخاً متواصلاً في أسلوبه وشكله، لا تشوه عمارته قفزات تجعله متصدعاً مليئاً بالمفارقات غير المفسرة ولا المسوغة ولا المفهومة أصلاً، أو تنقله إلى الإمعية أو الانبهارية اللتين تذيبا الخصوصية، وتذهبا بالكاتب بعيداً عن محيطه وجمعه، ليصبح كمن يلقي خطابه في الفراغ الأصم. وأكثر ما يعتمد في هذا التأصيل البنائي، ليكون أعظم تأثيراً، وأجمل تكويناً، كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما أولى ما يتجه إليهما الكاتب المؤمن لصقل قلمه وتفصيح لسانه، وتنوير عقله وفكره، ثم يأتي بعدهما في هذا الشأن ديوان الأدب العربي والإسلامي، وكتابات ونتاج فصحاء العرب وكتابهم على مدى العصور، فضلاً عن منتجات مفكريهم وفلاسفتهم الراشدين وعلمائهم الموزونين.. فأنت إذا امتلكت نواصي تلك الأساسات، ودربت لسانك وقلمك، وثقفت عقلك وفكرك بها.. ضمنت لنفسك الفصاحة والحجة والبلاغة التي تحتاجها فيما أنت قادم عليه من مهنة الدعوة الرسالية بالقلم، ومكنت لقدمك في هذا المضمار، فإن أخوف ما يخاف منه داعية القلم واللسان ذلك القصور عن إيصال القول الذي تسببه ضحالة التأصيل الذي ذكرنا، ولتعرف قيمة هذا الأمر اقرأ معي دعاء موسى عليه السلام: (رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي) أو قوله عليه السلام مرجعاً علة طلبه لشد أزره بأخيه إلى ضعف فصاحته: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءاً يصدقني) وارجع إلى قول الشاعر (أحيحة بن الجلاح):
والقول ذو خطل إذا ما لم يكن لبّ يعينه (2)
ولتتعظ بهذا في دعاء الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر) في بداية كتابه البيان والتبيين إذ يقول: "اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول، كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما نحسن، كما نعوذ بك من العي والحصر، وقديماً تعوذوا بالله من شرهما، وتتضرعوا إلى الله في السلامة منهما"(3).
إنه دعاء يطلب من الله أن يصحح اللسان ويؤصله، ويصلح القلم، ويكمله ويخلصه من النواقص والعي والحصر، فهذه المطالب هي عدة الداعية ومركبه إلى النجاح.
ب- الحضور:
وأما الحضور فهو المستلزم الهام الثاني، الذي يجب أن يوفره الكاتب لنفسه ولقلمه، كي يبقى صاعداً في سلم الارتقاء الزماني والمكاني. ونعني بالحضور:
1- رحلة في العصر، تجعل منه ابن وقته، الذي يجاري بيانه فرسان عصره، ممتطياً هامات الكلمة الحق، مستمعاً في هذا الشأن إلى كلام الجاحظ: "وإن كنت ذا بيان وأحسست من نفسك بالنفوذ في الخطابة والبلاغة، وبقوة المنة يوم الحفل فلا تقصر في التماس أعلاها صورة وأرفعها في البيان منزلة"(4).
وذلك طبعاً مع ملاحظة مايلي:
قالت العرب: "مقتل الرجل بين لحييه وفكيه" أي في لسانه لذا وجب حفظ اللسان والقلم بالحكمة والعقل وتجنيبهما الخطل والتزيد، والتكلم أو الكتابة التي لا تراعي الأفهام والظرف، أو المتلقين وحاجاتهم وما يدركون؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستفزنكم الشيطان فإنما أنا عبد الله ورسوله". وقد كان هذا القول من الرسول صلى الله عليه وسلم رداً على وفد من العرب حاولوا مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بتزيد.. وقال أبو العتاهية:
والصمت أجمل بالفتى من منطق في غير حينه
وكان سهل بن هارون يقول: "سياسة البلاغة أشد من البلاغة، كما أن التوقي على الدواء أشد من الدواء"(5).
فلكل كتاب سياسة يجب أن تستوعب الظرف، وتغرف من معارف العصر، وتتوقى من الغياب عن واقع الحال أو الغموض المذهب للفهم، والرأي الذي يجيء في غير وقته وعلى غير ارتياح من ذهن مستمعه.
والخلاصة: إن رحلة في العصر تستوجب: الاطلاع عليه، واستيعاب أحواله ومآلاته وحراكه، والأخذ بسياسة في الكتابة: واضحة الأسلوب، لاحبة الطريق، محددة الهدف، بعيدة عن الخبط العشوائي، وكل ذلك يحتاج إلى التبين والتثبت والحذر من الزلل في الكلام والرأي، فضلاً عن الموضوعية والحلم والعلم والتعلم (6).
2 – ومعرفة بقدْر النفس وإمكانياتها: قال أفلاطون: "لكل تربةٍ غرس، ولكل بناء أس". وقال الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
فاحرص على هذه المعرفة بدقة فهي منجية من الحرج والسقوط والهلاك وانظر إلى قول الشاعر بتأمل:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل
3 – ومعالجات تطرق أبواب القلوب بقوة: فقد قيل في كلام قاله المأمون في مسألة: "كان والله كغيث وقع على أرض عطشةٍ"(7).
وقال المتنبي عن الكلام المؤثر:
إذا ما صافح الأسماع يوماً تبسمت الضمائر والقلوب
فكيف يتحقق لك ذلك السحر من الكلام يا صاحِ؟
- بمتابعة أحوال الناس ومعرفة قضاياهم واهتماماتهم، وتناول ذلك كله في المعالجة.(/15)
- معرفة الظرف المناسب والوعاء المناسب للكلام المعالج، بحيث يكون الكاتب كالطبيب الحاذق يعرف أين يضع دواءه وكيف ينتفع به.
- الابتعاد عن اجترار الأفكار والحلول والإعادة والرد، والمراوحة عند ما هو مطروح من معالجات، وإن كان بأسلوب جديد. وهذا يعني الابتكار.
- أخذ زمام المبادرة دائماً ما أمكن ذلك، فالبادئ هو صاحب السبق ومحور الحوار وقلما تجور عليه الساحات.
- تسجيل كل ما يمر بك وكل ما تسمع وما ترى، ولا تعتمد على الذاكرة فقد تخونك وأنت بعد ذلك بالخيار، تنتقي من الموضوعات والقضايا ما يلائم اللحظة وما يغطي الفكرة.
ج- التفوق بالإضافة:
1- وأول إضافة تتفوق بها أيها الكاتب المؤمن أن تكون كلمتك هي موقفك، يبرز منهما صلاح أمرك، وعلو خلقك وصدق حالك؛ فقديماً قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: "ليكن إصلاحك لولدي إصلاح نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينيك...".
2- والثاني من أدوات التفوق بالإضافة إن تكلم الناس بما هم في نهم إليه، وشوق إلى سماع وقراءة الرأي السديد فيه.
3- واجعل دائماً الحق ضالتك، والسداد مطلبك، والمراء منبوذاً عندك. والصدق ديدنك، ونبذ الشتائم مذهبك، تكن من المتفوقين القريبين من القلوب والعقول.
4- واستفد من صنع غيرك ولا ترفع الأنف، فإن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
5- واطرق المعالجة البكر السديدة تفز بالنتيجة، وتقر عينك بالإضافة الجديدة، وتحرز التفوق والقبول، وتقبل عليك العيون بالمتابعة والاهتمام، وتأخذ مقامك المتقدم بين أضرابك من أهل الكتابة والآداب.. فضلاً عن شد أزرك بالتوفيق..
والله تعالى أعلم.
الهوامش:
(1) النقد والنقاد المعاصرين ص238.
(2) البيان والتبيين ص9 دار الكتب العلمية –بيروت/ج1.
(3) المرجع السابق ص7: والسلاطة: طول اللسان، والهذر: الكلام الكثير الرديء، والحصر: العي في المنطق، والعي: ضعف النطق.
(4) المرجع السابق ص139 .
(5) البيان والتبيين ص دار الكتب العلمية –بيروت/ج1136
(6) المرجع السابق ص137.
(7) كتاب محاضرات الأدباء ص60.
كيف تصبح كاتباً (9)
حديث في الأسلوب
بقلم: محمد السيد
1 - الأسلوب هو الرجل
أصبحت الآن على ثغرة، وغدوت تتمثل روعة حديث نبيك صلى الله عليه وسلم، فتدفعك الحمية الإيمانية إلى الالتزام بمطلبها: "فلا يؤتين الإسلام من قبلك"، وعندئذ لا بد أنك تسمع حفيف الحرف يناوش قلبك، وخفق الكلمة الندي الناعم يراود شفتيك، لينطلق مخطوطاً يسطره طرف قلمك، فتمتلئ نهاراتك بحب مهنتك، وتضج المعاني في أرجائك، مبتغية الصعود إلى هامات العلا، وامتلاك أسرار البيان المصفى، وارتقاء كاهل الاستكشاف في عالم التميز وعالم نيل المراتب، اللذين يبتعدان بك عن السقوط في دنيا التقليد المزري لموهبتك، القاعد بك عند حدود الرضى بالقليل من الاهتمام بما تقول وتكتب، والرديء المكرر من المعاني والأفكار وهي حدود كما ترى لا تليق بمن أراد المضي خفيفاً من المؤن والأثقال ومطالب الجسد كي يكون ارتقاؤه إلى القمة هيناً لين العريكة، إذ أن تخفيف المؤن يحث صاحبه على نيل المراتب،كما قال ابن الجوزي رحمه الله(1).
وأنت في كل هذا مدعو إلى التيقظ لجملة قيلت قديماً: "الأسلوب هو الرجل"، ولا أظنك إلا راغباً في أن تكون الرجل المتميز، الذي يبتعث المعاني والأفكار في الألفاظ الحية المتناغمة المنسجمة مع مستويات المستقبلين، ولا تريد أن تكون الحرف البليد، الذي يساكن الوحشة والغربة، ويضرب الأمثال العاجزة عن الوصول، ويبعث الصور القابعة في أغوار صاحبها، لا تغادره إلا لترتد إلى صدره وقلبه وعينه؛ حسيرة المردود، مبحوحة النداء، واهنة الخطى في عالم التأثير والإجابة.
وإنك إذن داخل من بوابة لتفل جحافل الكلمات، وتمتلك أسباب الابتكار في دنياها، وتصنع من عالمها ما يجعلك تفرش الأزهار في طرقاتها، وتنثر الدر في ساحاتها، وتنوع الأساليب، فتنتقل بها من واحد إلا آخر "تطرية لنشاط السامع، وإيقاظاً للإصغاء إليك"(2) وهذا كله يتطلب منك أن تكون يقظ الحاسة، حاضر اللحظة، لا قطاً مجداً للعناوين، وصائغاً مجيداً للمعاني بما يميزك، ومنوعاً مرناً في الأسلوب، ونافخاً نشطاً للحياة في الحروف، متأملاً طويلاً في تراكيب الكلمات ورصفها جنباً إلى جنب، بما يخترع لك الأسلوب الفرد العالي. . لتحظى من جملة: "الأسلوب الرجل" بأعلى نتائجها، ومغدق ظلها، ويانع ثمرها، حاديك في ذلك كله الإعجاز القرآني، والبلاغة الربانية التي تمثلت في كل كلمة وحرف وجملة وتركيب، وردت بشكل معجز في النص الرباني الكريم. ألا ترى معي كيف أن الجملة القرآنية : "تكاد تميز من الغيظ" أدخلت - كما قيل - ابن قتيبة إلى بوابة الدراسات البلاغية؟ كون"النص القرآني الكريم الأمثل لدراسة الصور الجمالية في النص العربي"(3).
2 - الكتابة فيما تحذق:(/16)
كي تكون كاتباً مفهوماً، تقدم للناس رؤيتك عن الأحداث والأفكار في هالة من الكلمات والتراكيب الجميلة المقنعة الساحرة، يجب أن تتذكر أن الكاتب لا يبدع ويتفوق إلا إذا دخل من الباب الذي يعرفه حق المعرفة، ويحذق في ولوجه ومعالجة إشكالاته، ويطاوعه قلمه فيه للسير فوق القراطيس بسلاسة وعذوبة، إذ أن فتح منافذ كثيرة يستجر الكاتب إلى الضعف والوهن في جميع الأشكال الكتابية التي يباشرها، بينما الاختصاص، وبذل معظم الجهد في التحسين المستمر والتطوير الدائم للموهبة فيما يحذق الكاتب، هو الذي يضعه على عتبة النجاح، ثم الإبحار في عالم الإنجاز، الذي يأتي بالقبول ووصول الصوت وسحر الكلمة والحرف، فالشاعر يجب أن يكون جهده الأكبر في تطوير حرفه الشعري، حتى يصل فيه إلى المستوى المسموع والحضور المؤثر الفاعل.. والروائي أو القاص يجب أن يكون جهدهما الأكبر في تطوير آلياتهما وتقانياتهما الفنية والموضوعية، وذلك كي يستطيعا فتح أبواب القلوب أمام ما يطرحانه من فكر وعمل وتوجهات. وهذا الذي قلناه آنفاً ينسحب حكمه على كل لون من ألوان الكتابة أدبية كانت، أم علمية، أم سياسية، أم اجتماعية، أم غير ذلك.
وليس معنى ذلك أن يقف الكاتب بموهبته عند نوع واحد من الكتابة لا يبرحه، بل إنا نقول: إن الكاتب الذي يجد في نفسه إمكانيات للكتابة في موضوع آخر أو مواضيع أخرى، فعليه أن يفتح لهذه الإمكانيات نوافذ تتنفس منها، وتجلي ذاتها من خلال تلك النوافذ، حتى إذا حاولت هذه مزاحمة الموهبة الكبرى عنده، كبح جماحها، فأنزلها قدرها، وجعل لها خلوف الوقت والإقدام، في حدود العدل الذي لا يكبت القدرات ولا يجور على الحذق... وإن مراعاة ذلك يشكل قضية هامة لدى الكاتب المتوازن، الذي يريد لكتابته ارتقاء مضمار التطور والتقدم، واحتلال المواقع المتقدمة دائماً، وقد نبه الجاحظ إلى قضية معيار للإفهام من خلال الكتابة يقوم على الحذق "أي أن يقوم على معرفة عالية بأساليب العرب في كلامها"(4).
وهذا ما يجعلنا نفهم فهماً عميقاً حلف رب العزة بالقلم والحرف: (ن، والقلم وما يسطرون) كما يجعلنا نفهم الأهمية الكبرى للعلم المسطور بالقلم فوق القرطاس، الذي ذكره ربنا في كتابه الكريم: (الذي علم بالقلم).
وإن هذا الحذق بأساليب العرب في كلامها "ويأتي على رأسها ومقدمة أمرها ضبط القرآن للغة العرب وأدائها وتيسير ذلك لكل العصور)، هو المطلوب الأول للكاتب المؤمن المقبل على خوض معركة الحرف، وقد بين الأستاذ الرافعي رحمه الله عواقب الضعف في ذلك، إذ قال: "وأنت قد ترى الضعفاء الذين لا يحكمون منطقهم، وما يصنعون بالأساليب المدمجة والفقر المتوثقة إذا هم تعاطوها فنطقوا بها، حتى ليصير معهم أجود الكلام في جزالته وقوة أسره وصلابة معجمه إلى الفسولة والضعف، وإلى البرد والغثاثة، كأنما يموت في ألسنتهم موتاً لا رحمة فيه"(5).
3 - وصايا عامة:
أ - اتخذ من الكتابة رسالة ومهمة إيمانيتين، تبتغيان تعريف الناس بالطريق الذي يسعدهم، ويخلصهم من الجري خلف الوهم الذي يسمونه الحداثة، وهو في الحقيقة الفوضى المؤدية إلى الضياع.
ب - التزام حدود الاعتدال والصدق والموضوعية فيما تكتب أو تقول، وابتعد عن التهويل والكلام الذي لم تتيقن من صحته، حتى لو كان الكلام عن عدوك، وذلك امتثالاً لقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى).
ج - ابتعد عن أساليب الشتم والإقذاع في الكلام، واجعل كلماتك بمستوى هدفك ورسالتك ومهمتك التي اخترتها لنفسك، واحرص على أن تكون رفيقاً حليماً في غير ضعف، وذلك امتثالاً لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه". وقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء". وتوجيهه صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت رحمة مهداة" و "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
د - اختر من المواضيع والمعالجات ما يكون قريباً من فهم المتلقين، وما يهمهم، ويحاول تقديم الحلول لهذا الذي يهمهم وذلك مصداقاً لقول الله تعالى: (وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً) وقوله جل وعلا: (و قولوا للناس حسناً).
هـ - اجعل وقت الكتابة عند اعتدال مزاجك وفي أحسن ظروفك وضمن الساعات التي تتفتح فيها قريحتك، وتتكاثر فيها التعابير والأفكار تكاثراً يجعلها على أطراف قلمك، وحينئذ فإنك لا تجد لك بداً من تناوله وتسجيل خواطرك، فإن ذلك أيسر لك، وأسلس لعملك، وأقوم للسانك وخطك، وأبلغ في التعبير والتأثير، إذ الكلام حينئذ يكون عفواً لا تكلف فيه، ودفقاً تتعاون على ابتعاثه العواطف والأحاسيس والعقل والخيال، فيخرج نوراً متكامل الخلقة والجمال.(/17)
و - ولا تنس أن تمهر عملك بالتوثيق وذلك بالإكثار من المؤيدات، ولكن بدون إسراف، وتزيين الكلام بالأمثلة والأمثال المتداولة ولكن بدون إفراط أو إقذاع أو تطويل.. فإن التوثيق يدعم رأيك ويشد عضدك، وإن ضرب الأمثلة والأمثال يفسر قولك ويزيد من وضوحه وبيانه، ويقربه من الناس، ويحببه إليهم. وذلك كما تعرف أسلوب من أساليب القرآن الكريم في البيان والإظهار والتأثير فاحرص عليه ولا تفوته.. وتأمل جمال وقرب المعنى والمبنى من الإفهام في قوله تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم).
4 - في مفردات الأسلوب:
قال ابن أبي داود: (القلم سفير العقل، ورسول الفكر، وترجمان الذهن)(6).
فلما كانت الكتابة سفيراً لعقل الكاتب لدى المتلقين ورسولاً لفكره، وكانت رسالة ومهمة إيمانية لدى الكاتب المؤمن، فقد وجب الكثير من العناية بالأسلوب، والدراية النظرية والعملية بتنوعاته وفتوحاته التي تيسر الطريق إلى قلوب المتلقيين وعقولهم وعواطفهم وأفهامهم.. وفيما يلي بعض الأمور التي تيسر الأسلوب وتعلي مقامه:
أ - تخير اللفظة الملائمة للمعنى المراد وللتركيب الجملي الذي تريد تسطيره، بحيث تبني بناء منسجماً في الشكل والجوهر والموسيقى، وانسيابية المجموع: كان ابن المقفع كثيراً ما يقف إذا كتب، فقيل له في ذلك، فقال "إن الكلام يزدحم في صدري فأقف لتخيره"(7).
ب - ومن حسن الأسلوب: "أن تتخير اللفظة مما يتعارفه الناس في استعمالهم، ويتداولونه في زمانهم، فلا هي بالوحشية الغريبة المحتاجة للعودة إلى المعاجم، ولا هي بالعامية المغرقة المفضية إلى اللحن(8).
ج - البعد عن التكلف في الأسلوب، والإغراق في البحث عن الجماليات البيانية على حساب المعاني والمباني فقد قال شيخ البلغاء الجرجاني: "بحيث أنه من فرط الشغف بأمور ترجع إلى ماله اسم في البديع إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم، ويقول ليبيّن".
د- توصل إلى المعنى بأقصر الطرق، فلا تكثر من الثرثرة والحشو غير المفيد وذلك من غير إيجاز مخل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون المتشدقون".
هـ- احرص على مراعاة أحوال الناس الذين تكتب لهم، وتفقد كلامك كي يكون ملائماً بالمقام والمناسبة وهذا هو الأسلوب البلاغي القرآني كما هو أسلوب البلاغ الرسالي الذي جاء في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ما قال عنه ابن قتيبة: "من سمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأيقن أن للعرب الحكمة وفصل الخطاب"(9).
وقد قيل لبعضهم: كيف ترى إبراهيم الصولي فقال:
يولد اللؤلؤ المنثور منطقة وينظم الدر بالأقلام(10)
و- انتق السهل من التراكيب المنسجم مع المعنى دون ركاكة أو نزول في الأسلوب، فقد قال ابن قتيبة: "نستحب له - إن استطاع - أن يعدل بكلامه عن الجهة التي تلزمه مستثقل الإعراب"(11).
ز- اهتم بالتنقيح ومعاودة القراءة وذلك ليستقيم لك الكلام، وتنسجم الكلمات والألفاظ بعضها مع البعض الآخر، وبالتالي مع المعنى العام المراد، وذلك ليصل ذلك المعنى إلى الناس بأقصر الطرق وأفخم تعبير.
ومن مقتضيات ذلك، أن تبحث عن توكيد المعنى بالمترادفات دون تطويل أو حشو، واستعمل الجمل القصيرة فهي أدعى للفهم والانسجام ونقل المعنى بسهولة. كما أنه من مقتضيات ذلك العناية بالصنعة دون تكلف، وأن تسلم العبارة للعبارة بسلاسة ودون استثقال للانتقال من قبل القارئ.
ح- ابتعد عن تجميد المعنى في الكلمة، وذلك بانتقاء الألفاظ المرنة، ووضعها في العبارة الرفيفة؛ حمالة الوجوه، مجنحة المعاني مع مراعاة جنس النص ومناسبته ومكانه وجمهوره.
وبعد: فقد كنت متواطئاً معك أيها الكاتب الهمام، حين اكتفيت بهذا المختصر من القول عن الأسلوب حتى لكأنني حسبت أنك أعلم مني في البقية الباقية من النص المتعلق بذلك ومغزاه العميق فأنا لا ألام على ذلك الظن فلا أخالك إلا أنك قد حسبت لكل شيء حسابه فسيماؤك يقول: إنك لا تخشى قطعان الضلال وأنت تختزن كل ذلك الرصيد الذي جئنا على ذكره مذ بدأنا وحتى اللحظة.
فهل أنت موافقي أن المناوئين لإسلامنا من كتبة السلاطين أو كتبة الهوى لا يملكون في مواجهتك سوى التبشير المتهافت بأنهم الأنبياء الكذبة لهذا العصر..(مع الاعتذار للاقتباس من عنوان كتاب للأستاذ الكبير حسن التل رحمه الله...)!.
فاستل قلمك بقوة، وامض إلى حيث انتدبك دينك، ولا تخش بأس المدعين.
الهوامش:
(1) صيد الخاطر ص 23.
(2) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 275.
(3) حيوية اللغة بين التحقيق والمجاز د. سمير أحمد معلوف ص 218 منشورات اتحاد الكتاب العرب 1996.
(4) حيوية اللغة بين التحقيق والمجاز د. سمير أحمد معلوف ص 218 منشورات اتحاد الكاب العرب 1996.
(5) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية - مصطفى صادق الرافعي ص 81 دار الكتاب العربي ط 1990.
(6) من محاضرات الأدباء والبلغاء ص 113.(/18)
(7) أدب الكاتب لابن قتيبة ص 102.
(8) أسرار البلاغة، عبد القادر الجرجاني ص4.
(9) المصدر السابق ص9.
(10) أدب الكاتب لابن قتيبة ص9.
(11) محاضرات الأدباء ص101.
(12) أدب الكاتب لابن قتيبة ص17.
كيف تصبح كاتباً
(10 من 10 )
النور الآن في قلمك وملك أناملك
بقلم: محمد السيد
1- مقدمة:
ها أنت تقف عند بوابات الفجر، مفتوناً بأحلام أوقدت العزم، واستلت النور من قلب الصمت، لتضعه بين أناملك والقلم.
ها أنت تطرد الآهات، وتطلق للقلم العنان، بعد إذ جاءتك المواهب مذعنة، والتجارب والخبرات دانية، والعذب من صولات الذود عن الحياض يؤزها الشوق إلى النور طارد العتمة، والروح قد أثقلها طول البقاء عند أقدام المراوغة، فانطلقت اليوم، تعدو مع الحنين، تلفظ التقلب في أحضان التردد والنأي عن الإقدام.
إنه نور البيان، يطوق عنقك بواجب الصعود بالإنسان إلى شمس الأنبياء، حيث ضياء الهدى في قبضته سلاح النجاة، فلا تخش في هذا السبيل شيئاً، وكن "رابط الجأش على الأغباش"، أي جسوراً في المواقف، مقداماً في اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة، لا تهاب المواجهة في الحق وللحق..
فأنت بالكلام الذي تقول أو تخط تتعدى نفسك، لتفتق عن أزاهير العقل كمائمه كما قال الجرجاني في أسرار ا لبلاغة(1).
وأتركك هنا مع بليغ العربية الجاحظ، يدعو لك أيها الكاتب الداعية المؤمن بالتوفيق والإحسان دعاء عظيماً بليغاً، وافياً بما تحتاجه من أجل انبثاق النور في المعنى الذي تريد أن توصل، واللفظ الحامل الجزل.. فقل معي ومع الجاحظ آمين.. نمهر بها دعاءه البلاغي:
"جنبك الله الشبهة، وعصمك من الحيرة، وجعل بينك وبين المعرفة سبباً، وبين الصدق نسباً، وحبب إليك التثبت، وزين في عينيك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعر قلبك عز الحق، وأودع صدرك برد اليقين، وطرد عنك ذل اليأس، وعرفك ما في الباطل من الذلة، وما في الجهل من القلة".(2)
2- علامات هاديات على طريق الوصول:
أ- قال ابن المقفع في أدبه الصغير: "فلينظر امرؤ أين يضع نفسه. ص1.
نعم فلينظر امرؤ مؤمن أين يضع قدمه في لحظات يسودها الظلام والضلال، وليعرف أن ما يعينه على ذلك معرفة المهمة الوحيدة التي خلق من أجلها: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإذا هو عرف حق المعرفة أنه موجود من أجل العبادة، وضع نفسه وقلمه في هذا السبيل، بأبعاده التي تشمل كل أعمال الإنسان في يومه وليلته، التي من أهمها دلالة الناس على الخير من خلال مهنته كاتباً ومبلغاً عن الله ورسوله: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، "ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً". فأنت يا صاح مبلغ بقلمك وحالك، داع إلى هدى، ودال على خير...
فهذا هو مكانك، تسكن في ظلال الكلمة الرفيفة حاملة الهم الإيماني الإنقاذي، تريد له أن يلامس قلب كل إنسان بحنو يملأ الكيان من الفطرة الخافقة في أصل الروح والخلق. فهل عرفت أين موضعك من هذا العالم المحيط بك؟ المائج بكل عجائب النفوس وغرائب الدعوات. وضلال الفكر، واعوجاج المناهج، وادعاء الرجال، ودعاة على أبواب النار، تفتح لهم الأبواب والأمكنة، وتسهل لهم سبل ارتقاء منابر الخطاب، بينما توصد تلك الأبواب، وتصعب السبل على أصحاب الكلمة المرجوة لخير الأمة وفلاحها وصلاحها وتقدمها. فإذا كنت الآن أو من قبل قد عرفت ذلك فالزم المكان الذي اخترته لنفسك، وابعث فيه الحياة والأمل فلا بد أنك حينئذ ستجد الاستجابة المرجوة لكلمتك.
ب- قال الأحنف بن قيس: "من لم يكن له علم ولا أدب، لم يكن له حسب ولانسب"(3).
وقال صالح بن عبدالقدوس:
وجامع العلم مغبوط به أبدا فلا يحاذر منه الفوت والطلبا(4)
فأنت أيها الكاتب المؤمن لن تنال المنى والمكان الذي اخترت، وإحسان الصنعة التي امتهنت إلا بالعلم. فلا تنفك عن نشدانه مادمت حياً، ولتعلم أنه مذخورٌ في بطون الكتب وفي خبرات الحياة.. وأول الكتب ورأسها وعظيمها القران وثانيها السنة المشرفة، ثم الأمثل فالأمثل مما له صلة بهذين الأصلين، ومما له علاقة بالحياة ونفوس البشر ودنياهم وحركات المجتمعات وإدارتها وتحولاتها، وقيام الدولة وزوالها، وارتقاء الحضارات وانهيارها، وفخر الآداب وعز علومها وتطورها.
فاضبط رغائبك وطموحاتك بكل ذلك الذي ذكرناه آنفاً، تكن مستحقاً للمقام الأعلى، والذكر الذائع المجلى.
ج- قال الله جل وعلى في كتابه العزيز: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق..). وقال مصطفى صادق الرافعي- رحمه الله- في التعليق على هذا البيان القرآني كلمات مجيدات نقتطف منها ما يلي:(/19)
"ومعان بينا هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان.. وبينا هي ترف بندى الحياة على زهر الضمير، وتخلق في أوراقها من معاني العبرة معنى العبير، وتهب عليها بأنفاس الرحمة فتنم بسر هذا العالم الصغير..."(5). لاحظ أن هذا يعني لك الشيء الكثير، الذي أوله ورأسه الأمل والثقة بالتفوق على الباطل، بالحق الذي تحمله، فأنت تقذف في وجه الباطل بالكثير. فهذا الوثوق، يتنزل على نفس المبلغ مثل ندى الصباح على الورقة العطشى، فبينما تنفح روحك توجساً وريبة في الأسباب، يحملك الوثوق على اجتياز مفازات كؤود من ا لتردد والخوف ورياح الخذلان، فلتمعن التأمل في قوله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق" ولتكرر قراءة وصف الرافعي لهذا البيان العظيم، ولسوف تجد العافية، تجوب كل أركان روحك وجسدك، ولسوف تجد قلبك طارداً بقوة القنوط، ومنطلقاً بشفافية وضيئة في سبل التحدي للصعاب. ومتدفقاً بأنهار الأمل مثل ينبوع ثر نقي متجدد الدفق والصدح والعطاء..
3- إبداع واقعي..
وأعني بالإبداع الواقعي ذلك اللون من الكتابة الذي يراعي العصر والمحيط المتلقي، بعيداً عن تتبع الغرائب والمفاجآت الملأى بوحشي الكلام وغريبه، المنتهية إلى إيراد الأحداث بشكل بعيد عن أذهان الناس وإمكانية اقتناعهم. وقد سبق لابن المقفع أن نصح أحد الكتاب بقوله: "إياك والتتبع لوحشي الكلام طمعاً في نيل البلاغة، فإن ذلك العي الأكبر" فأرز إلى الواقعية البليغة التي تحبب المطالعة إلى الناس وتجعلهم قادرين على قطف المعاني واستحسانها.. واعلم أن لكل عصر أسلوب وطريقة وشروط للبلاغة، يأنس إليها الناس ويتحرون في ضالتهم، فأنت إن خرجت من ذلك كله، وتتبعت أساليب عصر آخر أو أرض أخرى أو مجتمعات أخرى، من أجل أن يقال عنك أنك أبدعت تطويراً، يكون بذلك قد طردت نفسك من ساح القبول والإقبال على علمك، وما تريد أن توصله إلى الناس.
ولا يغرنك هذا الضجيج أو الفحيح اللذان يحاولان أن يسوقا غثاء من التطوير، باسم النهضة أو التنوير وهما لا يعدوان عندهم أن يصنعا لافتات مضللة زائفة تقول فيما تقول:
الإسلام السياسي الذي يحمل دعاوى سياسية ألبست ثوب الدين وليست ديناً ألبس ثوب السياسة.(6)
- استغلال الدين من أجل الوصول إلى الحكم..!!
- كل ما هو غربي تنوير .. وكل ما هو إسلامي ظلامية..!!..
- اللغة العربية يجب أن تتفجر، وتحل محلها لغة مقطوعة الاتصال بالتاريخ..!! إلى آخر ما هنالك من اللافتات، التي أخذت على عاتقها مهمة تدمير الأمة وثقافتها ومستقبلها، وقد وجدت هذا الادعاءات الضالة مكاناً، ووجد أصحابها لهم مكانة في عقود القرن الماضي الأخيرة.. فكان ضجيجها وقيادتها وعلوها هو الذي أوصل أمتنا إلى مجموعة الهزائم التي ابتدأت منذ أواخر الحرب العالمية الأولى وحتى اللحظة.
يمكن أن نعدد من هذه الهزائم:
سقوط الأمة في فخ التعاون (ضد دولتهم الإسلامية الجامعة) مع الأجنبي الذي اقتسم الغنيمة بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الوحدة التي كانت تجمع أقطار وشعوب العرب تحت الراية العثمانية، وهكذا تشرذمت الأمة، وانحدرت في مهاوي سايكس -بيكو وأتباعه وما جر من خذلان صنعناه بأيدينا وبواسطة دعاة (التنوير) منا..
ثم جاءت هزيمة عام 1948 وضياع فلسطين وتلتها هزيمة عام 1956 و1967.. وهزائم الحرب اللبنانية التي غدا الأخ فيها يقتل أخاه. وعلى منوالها تمت هزائم حربين خليجيتين، كان المسلم فيها مقابل المسلم والعربي.. وضحك منا الأعداء كثيراً.. فقد كفيناهم قتالنا إذ قام (التنويريون النهضويون) بمهمة إسقاط الأمة في الخندق العميق الذي أتاح لكل ما هب ودب أن يناوش رؤوسها، ويقتات على حساب ثرواتها، يلاحق دعاة الإسلام والصلاح والتنوير الحقيقي فيها، تحت غطاء دعاوى النهضة والتطوير ليرتفع صوت ومكانة من يدعون إلى تفجير اللغة(7). تلك الدعوة التي تهدف أول ما تهدف إلى قطع الصلة بكتاب الأمة الخالد (القرآن) وقطع الصلة بتاريخها وتراثها، حتى وصل الأمر إلى الدعوة لاستعمال العامية واستعمال الحرف اللاتيني بدل من ا لحرف العربي(8)، وإلى اعتبار مصر والمصريين أوروبيين وليس عربا مسلمين(9).
4- وبعد: فإنك بسلاح الكلمة مجاهد، تتجلى بالموهبة الأصلية حاضرة طوع بنانك وقلمك، شاهرة سيف الكلمة الطيبة، ساعية لرفع عبء حياة مهيضة عن كواهل المؤمنين، مارسها عليهم جناة الكلمة الخبيثة وما يزالون، فقد ظل الثغر خاوياً أو يكاد من الحراس الخلص الأصلاء، الذين يدفعون بكل جهدهم في المعركة ويفرغون الوسع فيها مزودين بالمعرفة الشاسعة الأبعاد، والفكر النير السديد، والعزيمة الناضجة الحديدية، حاديهم فيها دائماً وأبداً بعض النصائح، التي يجب أن ترافقك، مادام نفس يتردد بين جنبيك:(/20)
أ- أن تتأكد أبداً أنك فيما تكتب وما تتكلم لا تخرج عن حدود الهوية والخصوصية، اللتين تميزان الأمة وتعطيانها معناها ومكانها ودورها في الوجود.
ب- أن تكون دائماً يقظاً وحذراً من الغزو الثقافي والفكري والحضاري للشخصية المؤمنة فإن ذلك يحدث في عصرنا بصور شتى ملتبسة متخفية في أردية باهرة، تضيع وعي الجماهير، وتستلب في كثير من الأحايين نخبهم ومثقفيهم قبل أن ينتبهوا.
ج- ولتتذكر أبداً.. أنه كلما كان التصدي للغزو متمسكاً بدين الأمة الذي هو رمز هويتها وقوام وجودها، وعز مكانتها.. فإن الهجمة تكون أشرس ووسائلها تكون أعقد وأبعد وأقوى.. ومهمتك حينئذ تكون أصعب، وعزائمك يجب أن تكون أمتن وأعز.
د- ولتكن دائما ضمن قاعدة الانطلاق، المتمثلة بالاعتزاز بدينك وعقيدتك، وخصوصية أمتك، مليئاً بكثير من مخزون الأمل والتفاؤل والثقة بوعد الله بالنصر والتمكين لهذا الدين في نهاية المآل.
ّهـ- إنها أمانة، وإنك مؤتمن، وأنت إن لم تؤدها حقها بالكامل، فاعلم أنك على حافة زيغ، ينحرف بك إلى الخزي والندامة.. موشومين بالهزيمة، عاريين من كل حجة.
و- فارتشف أخي الكريم من رأس النبع، وأزح من طريقك كل الغثاء والزبد، وادفن إلى الأبد جمر الالتصاق بالتراب والطين في أضرحة التردد، وابعث بهما بقوة مع خمود اليأس هدية إلى الآخر المصارع راجياً أن يعلي بكلمتك كل أمثلة الخير وأشرعة النصر..
تمت الحلقات بعون الله وتوفيقه.
الهوامش:
(1) ص2 طباعة دار المسيرة 1983.
(2) المصدر نفسه ص9/10.
(3) (4) محاضرات الأدباء ص 31/32.
(5) إعجاز القرآن ص30 دار الكتاب العربي 1990.
(6) فرج فودة.. اللواء الأردنية 4/12/1991 من كتابه (قبل السقوط).
(7) أدونيس.
(8) سعيد عقل.
(9) طه حسين.(/21)
كيف تطلب العلم؟
يتناول الدرس نوعية الكتب المرشحة لطالب العلم لدراستها في كافة، ثم قدم برنامجا يوميا لطالب العلم وعرض لمائل مهمة مثل كتابة البحث وتخريج الحديث... وذكر بعض الأمراض والآفات التي قد تعرض للطالب، ومحاذير يجب توقيها ووسائل للترقي في الطلب والدعوة بهذا العلم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد : فسلام عليك يا طالب العلم، ورحمة الله وبركاته، وبلا مقدمات فالوقت أقصر من ذلك، أقطف لك فوائد، وأجلسك على موائد، وبعض الفصول التي يحتاجها طالب العلم يجدها في مثل كتاب 'صيد الخاطر' لابن الجوزي، و'جامع بيان العلم وفضله' لابن عبد البر، و'الفقيه والمتفقه' للخطيب البغدادي، و'نيل الأرب' للشوكاني، ونحوها, إنما المقصود هنا: كيف تطلب العلم ؟
كتب مُرشحة للحفظ بعد حفظ كتاب الله عزوجل:
بلوغ المرام في متون أحاديث الأحكام، ونحوه: عمدة الأحكام .
رياض الصالحين أو ما تيسر منه للخطيب والواعظ والداعية.
العمدة في الفقه، أو زاد المستقنع .
نُخبة الفكر والبيقونية في المصطلح .
مُلحة الإعراب، أو ألفية ابن مالك، أو قطر الندى في النحو.
اللُمع أو الورقات في أصول الفقه .
* مكتبة طالب العلم :
كتاب الله عز وجل .
الكتب الستة ويجمعها وغيرها جامع الأصول ومجمع الزوائد .
فتاوى ابن تيمية فتح الباري تفسير ابن كثير المُغني .
سُبل السلام نيل الأوطار البداية والنهاية زاد المعاد .
فتح المجيد، بلوغ المرام، رياض الصالحين، جامع العلوم والحكم، الآداب الشرعية .
والعبرة بالجودة والمطالعة والعمل، وليس بالكثرة .
* برنامج عملي لطالب العلم المبتديء:
بعد صلاة الفجر إلى طلوع الفجر: وقت الحفظ [ حفظ خمس آيات يومياً من القرآن، وحديث نبوي واحد، وقطعة صغيرة من أحد المتون ] .
من طلوع الشمس إلى الظهر: الدراسة المنهجية أو الوظيفة أو الكسب والتجارة .
بعد الظهر: مُطالعة في التاريخ والأدب، والغداء والقيلولة .
بعد العصر: المطالعة في الأمهات في الكتب التي ذُكرت آنفاً .
بعد المغرب إلى العشاء: مُراجعة المحفوظات من قرآن وحديث ومتون .
بعد العشاء: مُطالعة النشرات الإسلامية والمجلات المفيدة والكتب الثقافية، فالعَشاء فالنوم .
يوم الخميس: للزيارات والاستجمام .
*يوم الجمعة: لتدبر القرآن والذكر والدعاء والتنفل، وكثرة الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، ومحاسبة النفس والتأمل .
* كتب العقيدة: اعلم أن كتب العقيدة ثلاثة مستويات:
الأول: كتاب التوحيد للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى .
الثاني: معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى .
الثالث: الطحاوية .
وعليك يا طالب العلم بكتب ابن تيمية شيخ الإسلام وابن القيم خاصة الأول؛ فإنه والله إمام قلّ أن تقرأ لمثله .
* المكتبة الصوتية والتسجيلات السمعية: لابد من سماع الشريط الإسلامي، والاهتمام به؛ فهو من أعظم الطرق الموصلة إلى للعلم، وليكن لك مكتبة صوتية، ودرج عامر بسيارتك تسمع ما لذَّ وطاب .
* الكتب المتعبة: بعض الحواشي في فرعيات الفقه وأصول الفقه التي غصّت بالمنطق والتشقيقات والتكلف نفعُها قليل، وتورث الدوخة، وضياع الوقت، وضعف البصر، وإن أردت معرفة مقدار هذه الحواشي؛ فقارن بينها وبين كتب ابن تيمية رحمه الله تعالى.
* طريق الحفظ : قلل المحفوظ وكرر ما تريد أن تحفظه كثيراً خمسين مرة أو أكثر، وليكن لك زميل تحفظ عليه إن تيسر لك. وأشرف أوقات الحفظ بعد الفجر وبعد المغرب، ولا تحفظ عند الكسل وغاية الهم والنوم، وأكثر من الاستغفار .
* الصلوات تُرتب الأوقات: بعض طلبة العلم يُرتب برنامجه وتحصيله بعد الصلوات، فمثلاً: الحفظ بعد الفجر، ومُطالعة التاريخ والأدبيات بعد الظهر، وتحقيق المسائل بعد العصر، والمراجعة للمحفوظ بعد المغرب، ومطالعة الأخبار والمجلات الإسلامية بعد العشاء، وبعض طلبة العلم يجعل الفنون على الأيام، فمثلاً: الفقه يوم السبت، والتفسير يوم الأحد، والحديث يوم الاثنين... وهكذا .
* كيف تفهم كتاباً مُطولاً : بعض كتب العلم طويلة مسهبة كتفسير ابن كثير، وفتح الباري، والمغني وغيرها، وطالب العلم إذا أراد فهم هذه المُطولات فأمامه طُرق :
منها: أن يُكرر الكتب كل كتاب ثلاث أو أربع مرات .
ومنها: أن يقرأها واحدة متأنية معه مذكرات، أو دفتر يُسجل الشوارد والفوائد والنكات العلمية وما يصعب عليه؛ ليُراجع أهل العلم .
ومنها: أن يقرأ مع زميل على فترة طويلة مع المُناقشة والمساءلة .
* زيارة طالب العلم : أوصي إخواني طلبة العلم بضبط وقت الزيارة بعضهم لبعض، وعدم الإسراف فيها والتطويل؛ لأنها غالباً مضيعة للوقت، فإما أن يخصص يوم في الأسبوع، أو وقت قصير كل يوم للزيارة وتكون هناك فوائد وأسئلة وقت الزيارة .(/1)
* شكراً للمراكز الصيفية: بادرةٌ طيبةٌ أن تقوم المراكز الصيفية بدروس علمية مفيدة فيها حفظ ومناقشة وتأمل، وهذا أمر عظيم لمستقبل الأمة الإسلامية، وقد رأيت كثيراً من المراكز عينت دروساً في الفقه والتفسير والحديث، فشكر الله لها جهودها، وزادها توفيقاً وبصيرةً .
* أنفق يا طالب العلم يُنفق عليك : وصيتي لنفسي وإخواني طلبة العلم بالإنفاق من العلم، وتعليم الناس: بالخطابة.. بالدروس.. بالندوات.. بالمحاضرات العامة.. بالكتابة، ولا يحجم طالب العلم عن إفادة المسلمين، فيضيع علمه، ويُبادر الموت وما قدم شيئاً .
* همم طلبة العلم في المطالعة : بعض طلبة العلم في هذا العصر مشهور بالصبر والجلد في المطالعة، أحدهم: قرأ المُحلى لابن حزم خمس مرات بفهم . وآخر: قرأ وكرر بلوغ المرام أكثر من خمسين مرة، وثالث: قرأ سير أعلام النبلاء ثلاث مرات بتأمل، ومنهم من يبدأ بمكتبته من أولها إلى آخرها قراءة .
* كثرة التأليف في هذا العصر : امتلأ السوق بالمؤلفات، وأصبح طالب العلم في حيرة: ماذا يقرأ ويترك. وكثرة هذه المؤلفات غثاء إما تكرير لمعلومات، وإما سطحية، وإما مواد لا فائدة فيها، فعليك بمؤلفات السلف من أئمة الإسلام، وكتب العلماء الذين عُرفوا بالسنة والأصالة وسعة العلم .
* ضياع العطلة الصيفية : يظن كثير من الطلاب أن الأجازة الصيفية إنما وضعت للنزهة والاستجمام، وهذا وارد بقدر، لكن أما أن تضيّع وتذهب سُدى وتنسى فيها المُقررات الدراسية؛ فهذا إسرافُ وتبذيرُ إخوان الشياطين، وسوف يعلم المُبذر أي عمرٍ أضاع .
* كيف تحقق مسألة: تحقيق المسائل يتم بأمور:
*جمع النصوص في المسألة إن كانت شرعية فتؤخذ من الكتاب والسنة.
*النظر في الحديث صحةً وضعفاً.
*التأكد من النسخ في الآية أو الحديث.
*حصر أقوال أهل العلم في المسألة.
*النظر في الأقوال والترجيح، وذلك بمسكة من أصول الفقه.
*ذكر القول الراجح، وسبب ترجيحه، ولماذا أهملت الأقوال الأخرى.
* كيف تُخرّج حديثاً: تخريج الحديث يتم بأمور:
*البحث عن مظانه ومن رواه وهذا يكون بأمور:
* إن عرفت مظانه بالاستقراء والنقل فحسن.
* وإن لم يحصل ذلك بمعرفة أول الحديث وينظر في الفهارس والمعاجم.
* وإن لم يحصل ذلك، فأخذ مادة من الحديث والعودة إلى المعجم المفهرس إن كان عند التسعة.
* ينظر في سند الحديث رجلاً رجلاً بواسطة علم الرجال.
*تجميع أقوال العلماء في الحديث لتخرج بحكم متأن للحديث.
* كتاب إحياء علوم الدين: احذر من كتاب إحياء علوم الدين في ثلاث مسائل، واستفد منه:
المسألة الأولى: الرجل ليس مُحدثاً، وقد جمع الموضوعات في كتابه فأوعى.
المسألة الثانية: عقيدة الرجل أشعرية على منهج أهل الكلام ومناهج الفلسفة.
المسألة الثالثة: الغزالي مُعجب بالصوفية أيما عجب، وقد ساق لهم خزعبلات ومدلهمات؛ فانتبه له، واجعل المعيار الكتاب والسنة.
* كيف تعد خطبة جمعة :
* اختيار موضوع الخطبة من أول الأسبوع.
* جمع النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف وأهل الأدب.
* الصياغة صياغة أدبية راقية بأسلوب سهل.
* إما حفظ الخطبة بعد كتابتها وارتجالها وإما قراءتها قراءة حية مؤثرة.
* وقت الخطبة الأولى والثانية لا يزيد على نصف ساعة.
* يحرص على سماع الأشرطة التي تحمل خطب الجمعة فإنها مُفيدة.
* يُكثر قبل وبعد الخطبة من الدعاء والاستغفار والتهليل.
* كتب أدبية تُفيد طالب العلم :
* المختارات للبارودي.
* أنس المجالس لابن عبدالبر.
* روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان.
* ديوان أبي تمام والمتنبي وشوقي وحافظ إبراهيم ومحمد إقبال، واحفظ ما تستطيع من أجود كلامهم، فإن الشعر ترسانة للدعوة الإسلامية.
* من أمراض طلبة العلم : ثلاثة أمراض تكثر في طلبة العلم، ومن أصابه منها مرض فقد هوى:
المرض الأول: الرياء في طلب العلم والوعظ والدعوة والتصدر، وعلاجه: الصدق والإخلاص.
المرض الثاني: الحسد- وما أكثره في طلبة العلم- وهو من كبائر الذنوب، وعلاجه: الإيمان بالقضاء والقدر والاستعاذة وتذكر فضل الله تعالى.
المرض الثالث: الكبر وهو طاغوت القلوب، وفرعون الأرواح، ونمرود المتعلمين، جزاء صاحبه الحقارة والصغارة والخزي في الدنيا والآخرة، وعلاجه: التواضع ومعرفة النفس.
* كيف ترد الخطأ على صاحبه : إذا سمعت أن أحداً أخطأ في مسألة، فلا تعجل بالرد حتى تسأله- إن أمكن- ماذا قصد؟ وماذا أراد؟ هل صحيح ما نُسب إليه؟ وذكر الصحيح له، هل يعود عن الخطأ أم لا، هذا إذا كانت المسألة مما أجمع عليها، أو فيها نص صحيح صريح . وإن كانت من مسائل النزاع فلا يُعنّف ولا يُثرّب عليه فالمسألة فيها سعة، وقد سبق فيها الخلاف عند السلف.
* يا طالب العلم تثبت في الفُتيا : الفتوى خطيرة ومُحرجة، وهي توقيع عن رب العالمين، فحذاري من التسرع والتهالك فيها، وعليك بكلمة لا أدري، فهي عند أهل التقوى والورع كالماء البارد.(/2)
* قراءة تراجم الصالحين تربية: ما أحسن مطالعة تراجم الصالحين من علماء السلف وعُبّادهم وزُهادهم . إنها تربية.. إنها أُنس.. إنها تشحذ الهمم، خيرهم وسيدهم وإمامهم محمد عليه الصلاة والسلام، ثم الخلفاء، ثم الصحابة، ثم علماء أهل السنة، مثل: الحسن البصري وابن المسيب والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد، وأصحاب الحديث، والأئمة المتأخرين.. وهلم جرا.
*أحسن كتاب في السيرة: ما رأيت أحسن ولا أروع من كتاب 'زاد المعاد' لابن القيم، فما أفيَدَه! وما أعذبه! وما ألذه! خاصة المحقق المنتشر، ولو طالع معه دلائل النبوة للبيهقي لكان حسناً.
*لا يخلو كتاب من فائدة: هذه الجملة لابن الجوزي في 'صيد الخاطر' وهي من أحسن الجُمل فلا تحتقر أي كتاب لمسلم، فإنك قد تجد الدُرّ بين القش ، وكم من مسألة محققة منقحة قي كُتيّب لا تظفر بها في مجلدات.
* أصول كتب الأحكام : ذكر الذهبي في ترجمة ابن حزم أربعة كتب هي بحق أصول كتب الأحكام، وهي:
'المغني' لابن قدامة، و'سنن البيهقي'، و'التمهيد' لابن عبدالبر، و'المُحلّى' لابن حزم . قلت: وخامسها 'فتاوى ابن تيمية' رحمه الله تعالى . فعليك بمراجعتها يا طالب العلم دائما، وليت عندك صبراً وجلداً لتقرأها جميعاً ولو مرةً واحدة.
* كيف تحفظ القرآن الكريم :
* أخلص قصدك في حفظه لوجه ربك تبارك وتعالى.
*قلل المحفوظ يومياً.
*راجع في آخر النهار كل يوم.
*ليكن لك زميل يسمّع لك وتُسمّع له.
* استمع لشريط القرآن المسجل كثيراً.
*صلِّ بما تحفظ من الفرائض والنوافل وتهجد به من الليل.
*إقرأ تفسير الآيات المحفوظة ليساعدك على الحفظ.
* القراءة المبعثرة: القراءة المبعثرة تُخرج مثقفاً ولا تُخرج عالماً، وهي قراءة التهويس في كل كتاب بلا ضابط، فيحفظ القارئ جُملاً من كل مكان لا يربطها رابط، وهذه القراءة ليست هي المطلوبة المنتجة.
* فِرَّ من الحزبية فِرارك من الأسد: طالب العلم سليم الصدر، طاهر الظاهر والباطن، وما أتت أمراض النفوس والأحقاد والضغائن والطعن والغيبة إلا من آثار الحزبية المنبوذة البغيضة، وهي التي تفرق بين المرء وزوجه، وما يُعلّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر.. فإياك يا طالب العلم أن تكون حزبياً فتمقتك القلوب، وتفقد كثيراً من إخوانك المسلمين، صاف جميع المسلمين، وتعاون مع جميع المسلمين، فلكل مسلم منك حظ و نصيب.
بالشام أهلي وببغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
*
احذر الجدل العقيم : اشتغال طالب العلم بمسائل لم تقع ولن تقع؛ سفه منه، وتشاغله بمسائل لا طائل من البحث فيها؛ حمق وهوج، وحدته وغضبه على مخالفه في مسائل يسع المسلم فيها السكوت؛ من قِلة علمه والله المستعان.
* لا تكن سلبياً منقبضاً: من صفات علماء السنة أنهم رجال عامة، ينفعون المسلمين ويُخالطونهم فيما يقربهم من الله عز وجل، وإن كنتَ في شك من ذلك فاقرأ سيرهم. أما الانزواء وكتمان العلم، والبخل بالفائدة، وتقبيض الوجه، والانزعاج والتبرم بالإفادة، فيناسب علماء التتار، ومتصوفة الهند.
* بعض الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح: هذه الجملة من أحسن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية نقلها ابن سعدي في كتابه 'طريق الوصول' وهي: أن بعض الناس لا تراه إلا منتقداً دائماً ينسى حسنات الطوائف والأجناس والأشخاص، ويذكر مثالبهم فهو مثل الذباب يترك موضع البرء والسلامة، ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس، وفساد المزاج . وأحسن علاجه الكي، أو الخنق ليذهب ما به من مس.
* عبادة طالب العلم الذكر: من أعظم النوافل لطالب العلم ذكر الله عز وجل دائماً قائماً وقاعداً وعلى جنبه؛ لأن طالب العلم كثير التنقل ربما شُغل عن نوافل الصلاة والصيام فالله الله في الذكر في كل طرفة ولمحة؛ فإنه أعون لك على طاعة الله تعالى، وكاف لك عن المعاصي.
* الحكمة ضالة المؤمن: ينبغي لطالب العلم أن يَقبل الحكمة ممن قالها مهما كان، فإن الشيطان علّم أبا هريرة آية الكرسي فقبلها، وقال له الرَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ] رواه البخاري.
* طالب العلم المتأنق: الإسلام لا يعترف بالدروشة فهو دين روعة وجمال ولماذا يتدروش بعض الناس في لباسهم ويرتدون الثياب المتسخة، ويهملون النظافة والأناقة وحسن الهندام؟ لماذا نذهب إلى سيرة بعض الزهاد ونترك سيرة محمد عليه الصلاة والسلام؟!
* بشاشة طالب العلم : طالب العلم بشوش طلق المُحيا، بادي الثنايا، يكاد يذوب رقة وخُلقاً . أما الفظاظة والغلظة فمن أخلاق جفاة الأعراب وجنود البربر:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[159]{“سورة آل عمران” .(/3)
* المقصود من العلم العمل: كيف يكون طالب العلم عالماً وقد خالف نصوصه؟! أطالب علم من يستمع الغناء ويجالس اللاهين اللاغين؟! أطالب من يتختم بالذهب، أو يحلق لحيته، أو يُسبل ثيابه، أو يهمل حجاب أسرته؟! وقس على ذلك أمثالها، نسأل الله العمل بالعلم، والعون على ذلك.
* أشرف العلوم: أشرف العلوم بعد كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ علم الفقه بالدليل، فكل الناس يحتاجون إلى هذا، إنه شرف الدنيا والآخرة، فتبحّر فيه يا طالب العلم؛ لتكسب الأجر والذكر الحسن.
* خطأ يرتكبه بعض الطلاب: بعض طلبة العلم يتشاغل بحفظ المتون والمنظومات، وينسى حفظ كتاب الله تعالى، وماذا تنفعه هذه المتون والمنظومات، وقد نسي القرآن؟! إنّ من يحفظ القرآن كفاه وشفاه، ومن يحفظ غير القرآن مهما كان لا يكفيه عن القرآن.
* لا عبرة بكثرة الكتب: تجد عالماً من أكبر العلماء ليس في بيته سوى عشرة كتب هضمها وفهمها. وتجد طالباً عريّاً من العلم في بيته مكتبة هائلة لا يعرف منها إلا عناوين الكتب، فالعبرة بالمضمون لا المظاهر.
من رسالة:'كيف تطلب العلم' للشيخ/ عائض القرني(/4)
كيف تطورت العلاقة بين اليهود والنصارى من عداوة إلى صداقة؟
إعداد الشيخ/ سليمان بن صالح الخراشي 24/5/1423
03/08/2002
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد .. مما تقرر عند أهل الإسلام أن العلاقة بين اليهود
والنصارى هي علاقة عداوة وصراع وكيد، يشهد بذلك تاريخ الطائفتين الذي لم تجف منه الدماء بعد. وقد حكى الله عن كلا الطائفتين بأنها تقول عن صاحبتها بأنها ليست على شيء: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء).
إلا أن معظم المسلمين في هذا العصر تفاجأوا عندما رأوا أن تلك العلاقة العدائية قد تبدلت وتغيرت وانقلبت إلى الضد، ليحل محلها التعاون والدعم والتنسيق، ليتوج ذلك كله بقيام دولة لليهود على أرض فلسطين، ليتساءلوا بعدها عن الذي غيَّر الأحوال، ومزج الطائفتين في طائفة واحدة تسعى لأهداف مشتركة.
وفي هذه الرسالة التي بين يديك أيها القارئ إجابة مختصرة عن الأسباب التي غيرت العلاقة بين اليهود والنصارى من عداء إلى محبة ومن كيد إلى تعاون لنعلم كمسلمين شيئاً خفياً عن أعدائنا، وتستبين لنا سبيل المجرمين.
واعلم أن معظم ما جاء في هذه الرسالة هو ملخص من الرسالة القيمة:
(حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى) للأستاذ الفاضل: أحمد محمد زايد(1)مع زيادات مهمة من الرسالة القيمة الأخرى: (دراسات في الأديان: اليهودية والنصرانية) للدكتور سعود الخلف
، وإضافات أخرى، ثم صياغة ذلك بنفس واحد.(2)
أسأل الله أن ينفع بهذا المختصر، وأن يجعله منبهاً للمسلمين بكيد أعدائهم وحقيقة الصراع معهم. وأن ينصر الإسلام وأهله، ويذل الكفر وأهله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين
تاريخ اليهود :
نشأ إبراهيم عليه السلام في أرض بابل وما جاورها في بيئة مشركة تعبد الأصنام وقد قص الله تعالى علينا إنكار إبراهيم عليه السلام على قومه شركهم فلما لم يجد منهم استجابة لدعوته هاجر إلى فلسطين وأقام في مدينة نابلس.
-لما حدث قحط وجدب في فلسطين هاجر إبراهيم إلى مصر مع زوجته سارة، وحصلت لهم أحداث كثيرة، ثم أهداه فرعون مصر جارية اسمها هاجر أنجبت له إسماعيل عليه السلام، فأخذها إبراهيم عليه السلام وابنها ووضعهما في مكة. ثم بنى هو وإسماعيل الكعبة –كما هو معلوم-.
-رزق الله إبراهيم ابنه (اسحق) من زوجته سارة. فلما كبر اسحق تزوج وأنجب ولدين هما (عيصو) و(يعقوب) وهو المسمى إسرائيل، وإليه ينتسب بنو إسرائيل .
-ورزق يعقوب باثني عشر ولداً كان أحبهم إليه (يوسف) عليه السلام الذي تآمر عليه إخوته –كما هو معلوم- وألقوه في الجب … الخ القصة المذكورة في سورة يوسف.
-استدعى يوسف أهله إلى مصر بعد أن كانوا يعيشون في فلسطين، فعاش بنو إسرائيل من بعده في مصر.
-لما اشتد أذى الفراعنة لبني إسرائيل في مصر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم بعث الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون، وقد قص الله نبأ ما حدث بينهم إلى أن خرج بنو إسرائيل بقيادة موسى عليه السلام من مصر وتبعهم فرعون وجنوده فأهلكهم الله في اليم.
-قدَّر الله على بني إسرائيل أن يتيهوا في الأرض بعد خروجهم من مصر عقاباً لهم لعدم قتالهم الجبابرة المستولين على بيت المقدس، قال سبحانه (…قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين)
-في فترة التيه توفي موسى وهارون عليهما السلام فتولى قيادة بني إسرائيل (يوشع بن نون) خليفة موسى عليه السلام. الذي فتح الله على يديه بيت المقدس.
-بعد استقرار بني إسرائيل في فلسطين مر اليهود بثلاثة عهود متتالية:
1- عهد القضاة؛ حيث كانت جميع أسباطهم تحتكم إلى قاضٍ واحد فيما شجر بينهم، واستمر هذا العهد حوالي 400 سنة.
2- عهد الملوك : وهو المذكور بعقوله تعالى (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله..) فجعل الله عليهم طالوت ملكاً، ثم ملكهم بعده داود، ثم ابنه سليمان عليهما السلام.
3- عهد الانقسام : وهو العهد التالي لسليمان عليه السلام حيث تنازع الأمر بعده ابنه (رحبعام بن سليمان) و(يربعام بن نباط)، فاستقل (رحبعام) بسبط يهوذا وسبط بنيامين وكون دولة سميت بدولة يهوذا نسبة إلى سبط حكامها وهو سبط يهوذا الذي من نسله داود وسليمان عليهما السلام وكانت عاصمتها بيت المقدس.
واستقل يربعام بن نباط ببقية الأسباط (وهي عشرة) وكون دولة إسرائيل شمال فلسطين وعاصمتها نابلس، وهم من يسمون (السامريين) نسبة إلى جبل هناك يسمى شامر .
-كان بين الدولتين عداء بدون قتال.
-سقطت دولة إسرائيل بيد الآشوريين بقيادة ملكهم (سرجون) عام 722 ق.م، وسقطت دولة يهوذا بيد الفراعنة عام 603 ق.م
-في حدود عام 586 ق.م تقريباً أغار (بختنصر) ملك بابل على فلسطين فطرد الفراعنة، ثم دمر دولة يهوذا التي تمردت عليه وأسر عدداً كبيراً من اليهود وأجلاهم إلى بابل بما عرف بـ (السبي البابلي) .(/1)
-في سنة 538 ق.م تغلب (كورش) ملك الفرس على البابليين فأطلق سراح اليهود ورجع كثير منهم إلى فلسطين.
-في سنة 135ق.م أخمد الرومان في عهد الحاكم (أدريان) ثورة قام بها اليهود فدمروا البلاد وأخرجوهم، فأصبح اليهود مشتتين في بقاع الأرض. قال سبحانه (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم وقطعناهم في الأرض أمما…) .
-في زمن سيطرة الرومان على فلسطين بعث الله عيسى عليه السلام رسولاً إلى بني إسرائيل، قال تعالى (ورسولاً إلى بني إسرائيل) فدعاهم لإصلاح فسادهم، فاستجاب له بعض اليهود، وأما الكهنة فقد ناصبوه العداء لأنه كشف خداعهم ومفاسدهم. فانقسم بنو إسرائيل قسمين كما قال تعالى (فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة) فالقسم الأول هم (النصارى) والقسم الثاني هم (اليهود) .
-سعى كهنة اليهود وأحبارهم إلى الحاكم الروماني وأثاروه على عيسى عليه السلام ورغبوه في قتله. فنفذ طلبهم. ولكن الله رفع عيسى عليه السلام إليه وألقى شبهه على غيره فصلبوا الشبيه، قال تعالى (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ) وقال (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) .
مصادر دين اليهود :
1-التوراة أو العهد القديم ويتكون من 39 كتاباً هي أربعة أقسام :
القسم الأول: أسفار موسى وهي خمسة: سفر التكوين، سفر الخروج، سفر اللاويين، سفر العدد، سفر التثنية . وهذه الخمسة يطلق عليها (التوراة) .
القسم الثاني: الأسفار التاريخية وهي اثنا عشر : يوشع والقضاة، راعوث، صموئيل، الملاك، أخبار الأيام، عزرا، نحميا، استير . وينقسم كل من صموئيل والملوك وأخبار الأيام إلى قسمين.
القسم الثالث: الأسفار الشعرية، وهي خمسة: أيوب، مزامير داود، أمثال سليمان، الجامعة من أمثال سليمان، نشيد الأنشاد لسليمان .
القسم الرابع: أسفار الأنبياء، وعددها 17: أشعياء ، إرميا، مراثي إرميا، حزقيال، دانيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا، ملاخي.
2-التلمود: ومعناه "كتاب تعليم ديانة وآداب اليهود" وهو روايات شفوية تناقلها الحاخامات من جيل إلى جيل. جمعها الحاخام (يوضاس) في كتاب سماه (المشنا) أي الشريعة المكررة. ولشرح المشنا كتبت (الجمارا) ومنهما يتكون التلمود.
3-البروتوكولات : وهي مقررات تتلخص فصولها في تدبير الوسائل للسيطرة على السياسة العالمية.
تاريخ النصارى :
-وهم من تبع عيسى عليه السلام من بني إسرائيل –كما سبق-. سموا بذلك لأنهم ناصروه أو نسبة لبلدة (الناصرة) وهي قرية المسيح.
-بعد رفع الله تعالى لعيسى عليه السلام لم تمض بضع سنين حتى اختلف النصارى في المسيح عليه السلام، قال سبحانه (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن).
-في سنة 325م عقد اجتماع بأمر الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي اعتنق النصرانية يضم ممثلين لجميع الكنائس المسيحية للفصل في الخلاف في ألوهية المسيح عليه السلام. فخلصوا إلى قرارات من أهمها : إثباتهم ألوهية المسيح! وحرق كل كتاب لا يقول بذلك!
-في سنة 381م عقد المجمع القسطنطيني الأول فقرر ألوهية (روح القدس).
-وبذلك أصبحت العقيدة النصرانية تقوم على هذين العنصرين:
1- التثليث، والإيمان بثلاثة أقانيم(3).
وقد كفرهم الله بهذا في قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) .
2- صلب المسيح فداء عن الخليقة . وقيامه من قبره ورفعه
مصادر النصارى :
يعتبر الكتاب المقدس بعهديه القديم (التوراة) والجديد (الإنجيل) هو مصدر النصرانية .
أما الإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام. والذي قال الله تعالى فيه (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) هذا الإنجيل غير موجود اليوم بيد النصارى! ولعل هذا مصداقاً لقوله تعالى (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذُكروا به) أما الذي بين يدي النصارى اليوم فإنه أربعة أناجيل !
1-إنجيل متى. 2-إنجيل مرقص. 3- إنجيل لوقا. 4-إنجيل يوحنا.
وهذه الأناجيل الأربعة لم ينسب واحد منها إلى المسيح عليه الصلاة والسلام، وإنما هي منسوبة إلى هؤلاء الأشخاص الذي يزعم النصارى أن اثنين منهم (متى ويوحنا) من الحواريين.
وهذه الأناجيل تحتوي على تاريخ لعيسى عليه السلام؛ حيث ذكر فيها ولادته ثم تنقلاته في الدعوة ثم نهايته بصلبه (كما يزعمون) ثم قيامه وصعوده إلى السماء. كما تحتوي على مواعظه وخطبه ومجادلاته مع اليهود، ومعجزاته .
فهذه الأناجيل أشبه ما تكون بكتب السيرة إلا أن بينها اختلافات ليست بقليلة، وبعضها اختلافات جوهرية لا يمكن التوفيق بينها إلا بالتعسف(4).(/2)
إضافة إلى أن هذه الأناجيل الأربعة لم تعرف إلا في زمن متأخر بعد رفع المسيح عليه السلام حوالي (166-170م) حيث لم يُشر إليها أحد من المتقدمين من النصارى .
فرق النصارى:
1-الكاثوليك: وهم أتباع البابا في روما وأهم ما يتميزون به هو:
1- قولهم بأن الروح القدس انبثق من الأب والابن معا .
2- يبيحون أكل الدم والمخنوق .
3- أن البابا في الفاتيكان هو الرئيس العام على جميع الكنائس الكاثوليكية.
4- تحريم الطلاق بتاتاً حتى في حالة الزنا.
والكاثوليك هم أكثر الأوربيين الغربيين وشعوب أمريكا الجنوبية وتُسمى كنيستهم الكنيسة الغربية.
2-الأرثوذكس : وهم النصارى الشرقيون الذين تبعوا الكنيسة الشرقية في القسطنطينية(5)
وأهم ما يتميزون به هو:
1- أن الروح القدس انبثق عندهم من الأب فقط .
2- تحريم الطلاق إلا في حالة الزنا فإنه يجوز عندهم .
3- لا يجتمعون تحت لواء رئيس واحد بل كل كنيسة مستقلة بنفسها.
وهذا المذهب منتشر في أوربا الشرقية وروسيا والبلاد العربية؛ كمصر .
3-البروتستانت: ويسمون: "الإنجيليين"، وهم أتباع مارتن لوثر الذي ظهر في أوائل القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا وكان ينادي بإصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد الذي صار صبغةً لها –كما سيأتي إن شاء الله-.
وأهم ما يتميز به أتباع هذه النحلة هو:
1- أن صكوك الغفران دجل وكذب وأن الخطايا والذنوب لا تغفر إلا بالندم والتوبة.
2- أن لكل أحد الحق في فهم الإنجيل وقراءته وليس وقفاً على الكنيسة.
3- تحريم الصور والتماثيل في الكنائس باعتبارها مظهراً من مظاهر الوثنية.
4- منع الرهبنة.
5- أن العشاء الرباني تذكار لما حل بالمسيح من الصلب في زعمهم، وأنكروا أن يتحول الخبز والخمر إلى لحم ودم المسيح عليه السلام.
6- ليس لكنائسهم رئيس عام يتبعون قوله.
وهذه النحلة تنتشر في ألمانيا وبريطانيا وكثير من بلاد أوربا وأمريكا الشمالية(6).
موقف اليهود من عيسى عليه السلام:
1-الطعن في مولده عليه السلام : لأنه مولود من أم دون أب. وهذا الأمر ليس بغريب على اليهود الذي تطاولوا على الخالق –جل وعلا-.
2-الكفر بدعوته ونبوته، وإنكار معجزاته.
3-التآمر على قتله وصلبه. إلا أن الله رفعه وألقى شبهه على غيره –كما قرر ذلك القرآن الكريم-.
موقف اليهود من أتباع عيسى عليه السلام :
بعد أن رفع الله عيسى عليه السلام استمر اليهود في الكيد لأتباعه وتعقبهم والتآمر عليهم. وقد حفظ التاريخ عدداً من تلك المؤامرات والمكايد، من أشهرها قصة أصحاب الأخدود التي قصها الله علينا في القرآن، وهي تحكي مقتل آلاف النصارى حرقاً على يد اليهودي (ذي نواس) سنة 524م في نجران .
ولقد كان اليهود إلى وقت قريب يقولون: "يجب على اليهود السعي الدائم لغش المسيحيين"(7).، ويقولون: "من يفعل خيراً للمسيحيين فلن يقوم من قبره قط"(8).
موقف النصارى من اليهود :
بعد أن دارت الدائرة على اليهود وأصبحوا مشردين في الأرض تسلط النصارى عليهم وانتقموا منهم في حوادث كثيرة سجلها التاريخ، من ذلك أن القدس لما سقطت بأيدي الحملة الصليبية قام النصارى بإحراق اليهود في معابدهم، ومن ذلك طردهم المتكرر من بلاد أوربا، إلى غير ذلك من الحوادث التي من آخرها ما قام به هتلر من حرق اليهود وطردهم لما علم خطرهم ومكرهم. ولقد كان النصارى إلى وقت قريب يقولون : "يعتبر اليهود خطراً على جميع شعوب العالم، وخاصة الشعوب المسيحية"(9)ويقولون: "يتضمن التلمود كل الكفر والإلحاد والخسة"(10).وقد قال الله تعالى عن الطائفتين (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء)
أما عداوة الطائفتين للإسلام وأهله فهي لا تخفى على مسلم منذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم .
كيف انقلبت العداوة إلى صداقة وتعاون ؟ !
علمنا –سابقاً- أن العلاقة بين اليهود والنصارى كانت إلى وقت قريب علاقة عداء وصراع وانتقام متبادل. فما الذي تغير حتى أصبحنا نرى كثيراً من النصارى اليوم (وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا) يتعاونون مع اليهود ويمدونهم بألوان المساعدات المتنوعة ويمكنونهم من الاستيلاء على فلسطين كما هو مشاهد؟!
-كانت الكنيسة قبل حركة الإصلاح الديني تمارس تسلطاً على رقاب النصارى وتكبت حرياتهم وتفرض آراءها عليهم ولو كانت مخالفة للعلم، وتنتقم ممن يخالف تعاليمها ولو كان نابغاً بالحرق أو القتل .
-وزاد من تسلطها أنها استأثرت بفهم الكتاب المقدس وتفسيره دون سائر النصارى، وما على الآخرين إلا قبول آرائها وتفسيراتها دون نقاش .
-وبلغ انحرافها مبلغه عندما أصدرت (صكوك الغفران) للمذنبين! يشتريها المذنب من الكنيسة ليضمن بعدها أنه مغفور له من الله! تعالى الله عن قولهم.
-لما كان الحال هكذا اشتدت الحاجة إلى حركة إصلاحية تقف في طريق هذه الانحرافات الكنسية . وكانت هذه الحركة بقيادة (مارتن لوثر) المولود في ألمانيا عام 1482م، وكان قسيساً وأستاذاً لعلم اللاهوت .(/3)
-قام لوثر بثورته أو احتجاجه لإقرار هذه المبادئ:
1- جعل الكتاب المقدس المصدر الوحيد للمسيحية، ورد كل ما جاء عن البابوات .
2- من حق كل مسيحي أن يقرأ الكتاب المقدس وأن يفسره.
3- عدم اعترافه بنظام (البابوية) .
4- مطالبته بزواج القساوسة .
5- عدم إيمانه بالأسرار الكنسية المزعومة؛ كمسألة الاستحالة .
-هذه أبرز مطالب الحركة الاحتجاجية أو الإصلاحية بقيادة (لوثر) والتي سميت في ما بعد بـ(البروتستانت). ويلاحظ أنها ركزت على تغييرات شكلية لم تكن هي السبب في انحراف الكنيسة، وأبقت على جذور الانحراف والضلال من تحريف الكتاب المقدس، والصلب، والتثليث، وغير ذلك. فكانت ثورة شكلية انتفع منها اليهود –كما سيأتي- ولم ينتفع منها النصارى.
-بعد قيام هذه الحركة الإصلاحية لقيت الاضطهاد والتضييق من الكنيسة (الكاثوليكية) مصداقاً لقوله تعالى (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة)
-كان لحركة الإصلاح الديني "البروتستانتية" أثر كبير في إحداث تغيير في طبيعة العلاقة بين اليهود والنصارى، يتبين ذلك مما يلي :
أولاً: كان النصارى –جميعهم- قبل عصر الإصلاح الديني بقيادة البابا يعادون اليهود ويقودون حملات التطهير والإبادة ضدهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
ثانياً: "حافظت الكنيسة الكاثوليكية –إلى عهد قريب- على موقف ثابت من المسألة اليهودية يقوم على رفض التصالح مع اليهود إلا إذا اعترفوا بالمسيح واعتنقوا النصرانية"(11) .ثالثاً: "لم يكن في الفكر الكاثوليكي التقليدي قبل عهد الإصلاح الديني أدنى مكان لاحتمال العودة اليهودية إلى فلسطين، أو لأية فكرة عن وجود الأمة اليهودية، وكان القساوسة يرفضون التفسير الحرفي للتوراة ويفضلون تفسيرات لاهوتية أخرى وبخاصة المجازية التي أصبحت الأسلوب الرسمي للتفسير التوراتي"(12).
ومن هنا وعلى ضوء مفاهيم العهد الجديد أخذت كل التنبؤات والوعود المتعلقة باليهودية اتجاهاً تفسيرياً جديداً استبعد أي تدخل بشري أو عمل سياسي يقضي أو يفضي إلى عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة لليهود بها"
يضاف إلى ذلك أن العهد القديم كان "حتى أواخر القرن الرابع عشر حبيس الأديرة والصوامع لا يطلع عليه إلا قلة من رجال الإكليروس الذين يعرفون العبرية واللاتينية"(13). -إذاً فاليهود في نظر المسيحيين –على ضوء ما سبق- مارقون كفار يجب اضطهادهم. وفسرت وعودهم على ضوء العهد الجديد بأسلوب يسلبهم كل حق، وكتابهم حبيس ولغتهم مندرسة.
هذا هو وضع اليهود كشعب وكتاب ووعود ولغة قبل حركات الإصلاح. ثم جاء البروتستانتية "حركة الإصلاح" فشكلت مسار التغيير في كل ما سبق فانقلبت الأمور إلى اتجاه معاكس تماماً لما كانت عليه المسيحية قبل عصور الإصلاح الديني.
فحصل اليهود من حركة الإصلاح الديني على ما لم يكونوا يحلمون به حيث "إن رياح التغيير في الموقف المسيحي تجاه اليهود بدأت تهب منذ ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية في القرن السادس عشر، حين أطاحت هذه الحركة بحق الكنيسة في احتكار تفسير الكتاب المقدس وتحديد الرؤية المسيحية الفكرية، وبذلك تم إحياء النص التوراتي وبدأ التفسير الحرفي للنصوص المتعلقة باليهود يحل محل التأويلات والتفسيرات التي تبنتها الكنيسة الكاثوليكية الأم، وبدأت النظرة إلى اليهود تتغير تدريجياً" (14)اعتمد هذا التغير على المبدأ الذي نادى به لوثر وهو إلغاء احتكار الكنيسة ورجال الدين حق تفسير الكتاب المقدس، ودعوته الشعب أن يتعامل مباشرة مع الكتاب وجعله المصدر الوحيد للمسيحية باعتباره مصدر المسيحية النقية.
وبذلك "جاءت البروتستانتية بفكرة إقامة الحقيقة الدينية على أساس الفهم الشخصي دون فرض قيود على التفسيرات التوراتية، فكان كل بروتستانتي حراً في دراسة الكتاب المقدس واستنتاج معنى النصوص التوراتية بشكل فردي، وهكذا فتح الباب للبدع في اللاهوت المسيحي وأصبح التأويل الحرفي البسيط هو الأسلوب الجديد في التفسير بعد أن هجر المصلحون البروتستانت الأساليب التقليدية الرمزية والمجازية"(15) ولما اعتمد البروتستانت على الكتاب المقدس (العهد القديم كأصل) وآمنوا بوجوب التعامل الفردي المباشر مع نصوصه تاركين الأساليب المجازية التقليدية في تفسير هذه النصوص كان أول ما يفتحونه العهد القديم فتقع أعينهم على التنبؤات والوعود اليهودية فيفهمونها بحرفيتها دون تأويل ويعتقدون مضمونها .
وقد تولدت عن هذا نظرة جديدة عن اليهود حاضراً وماضياً ومستقبلاً ونتج ما يلي
:1-"أصبح العهد القديم المرجع الأعلى لفهم العقيدة المسيحية وبلورتها"(16).(/4)
2-"اعتبرت اللغة العبرية –باعتبارها اللغة التي أوحى بها الله، واللسان المقدس الذي خاطب به شعبه المختار –هي اللغة المعتمدة للدراسة الدينية"(17). إن هاتين النتيجتين اللتين أفرزتهما حركة الإصلاح تعدان نقلة ذات أهمية في تاريخ اليهود، كما تعد نقلة ذات أهمية أيضاً في تاريخ العلاقة بين الطائفتين.
فالعهد القديم الذي ظل حبيس الأديرة والصوامع لا يطلع عليه أحد إلا القليل أصبح على يد البروتستانت المرجع الأعلى للنصارى فيما يخص اليهود بل في فهم العهد الجديد. واللغة العبرية التي اعتبرت "الأساطير الكاثوليكية التقليدية أن دراستها تسلية الهراطقة وكان تعلمها في نظر الكثيرين بدعة يهودية، واتخذت خطوات عنيفة لاجتثاثها"(18) هذه اللغة أصبحت بعد حركة الإصلاح جزءاً من الثقافة الأوربية "فقد أصبح العالم يتقن اللاتينية واليونانية والعبرية وأصبحت العبرية جزءاً من المنهج الدراسي اللاهوتي، وفي نهاية القرن السادس عشر أخذت الحروف العبرية تستعمل في الطباعة، وانكب المسيحيون العاديون ورجال الدين على دراسة أدب الأحبار، وأعجب المسيحيون أيما إعجاب بالعبرية واقترن في أذهان كثير من المجموعات والفرق البروتستانتية مع إعجابهم بالعبرية إعجابهم بالمبادئ والقيم اليهودية.
وتسربت الروح العبرية اليهودية إلى الفنون والآداب فكان الفنانون يرسمون ويحفرون مناظر من الكتاب المقدس، وحلت قصص وتفسيرات العهد القديم محل المسرحيات التي كانت تمثل حياة القديسين، وأصبحت شخصيات العهد القديم كأبسالوم وإيستر ويوحنا وجوزيفوس وغيرهم تبدو على أنها شخصيات تحتذى في أخلاقها"(19).
وهكذا تسربت الأدبيات اليهودية إلى صميم العقيدة والفكر المسيحي وكانت هذه الأدبيات تدور حول أمور ثلاثة:
"الأمر الأول:هو أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم يكونون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم
الأمر الثاني: هو أن ثمة ميثاقاً إلهياً يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين، وأن هذا الميثاق الذي أعطاه الله لإبراهيم عليه السلام هو ميثاق سرمدي حتى قيام الساعة.
الأمر الثالث: هو ربط الإيمان المسيحي بعودة السيد المسيح بقيام دولة صهيون، أي بإعادة وتجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم"(20).
وآمن النصارى البروتستانت أن مساعدة اليهود لتحقيق هذه الغاية –وقيام دولة صهيون- أمر يريده الله لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام، وساد الاعتقاد أن النصارى المخلصين سوف يعيشون مع المسيح في فلسطين ألف سنة في رغد وسلام قبل يوم القيامة طبقاً لبعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي.
وهكذا ظهر اتجاه جديد في المسيحية يحيي الهالة التي أضفتها التوراة على بني إسرائيل، ويوجب على المسيحيين التدخل البشري لتحقيق وعود يهودية واردة في التوراة، كما قام هذا الاتجاه الهائل بدعم اليهود والدعوة إلى قيام كيان لهم في فلسطين، كما تزعم هذا الاتجاه حركة الدعوة لانبعاث اليهود وتسفيه التحقير المسيحي لليهودية والمطالبة بضرورة رفع الظلم والاضطهاد عن هذا الشعب المختار وفقاً للإيمان الحرفي بالكتاب المقدس.
-وجد اليهود في هذه الفرصة من يناصرهم ويدعو إلى قضاياهم ويتحالف معهم بعد أن كانوا مضطهدين .
-إن الأدبيات التي تسربت إلى العقيدة المسيحية يصح أن نطلق عليها تهويداً للمسيحية أو بعثاً لليهودية والعبرية. وإن المحاور الثلاثة التي تدور حولها هذه الأدبيات والمذكورة قبل قليل: لهي اليوم "قاعدة الصهيونية المسيحية التي تربط الدين بالقومية، والتي تسخر الاعتقاد الديني المسيحي لتحقيق مكاسب يهودية"
(21) وهكذا ولدت الصهيونية في أحضان البروتستانتية قبل هرتزل بثلاثة قرون "وكانت أنشودة مسيحية قبل أن تصبح حركة سياسية يهودية كما قال "كينين" أحد أبرز القيادات الصهيونية اليهودية الأمريكية في كتابه (خط الدفاع الإسرائيلي)، وإن أول من رفع شعار "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" هم أصوليون مسيحيون، وإن المسيحية اليهودية هي التي مهدت لظهور الصهيونية اليهودية ودعمتها لتنفيذ المشروع الاستيطاني فوق أرض فلسطين، وهي التي خلقت تياراً شعبياً قوياً ينحاز دائماً إلى الحركة الصهيونية ويضغط دائماً على مؤسساته الرسمية لتمنحها الدعم والمساندة وتحقيقاً لأهدافها العدوانية التوسعية"(22) .
-لقد كان هؤلاء المسيحيون الجدد يعتقدون أن هناك ثلاث إشارات يجب أن تسبق عودة المسيح: "الإشارة الأولى هي قيام إسرائيل، وقد قامت إسرائيل في العام 1948م. ولذلك اعتبر الصهيونيون المسيحيون في الولايات المتحدة هذا الحدث أعظم حدث في التاريخ لأنه جاء مصدقاً للنبوءة الدينية.(/5)
الإشارة الثانية هي احتلال مدينة القدس، ولقد احتلت إسرائيل القدس في العام 1967 التي ينظر الإنجيليون من الصهيونيين المسيحيين على أنها المدينة التي سيمارس المسيح حكم العالم منها بعد قدومه الثاني المنتظر. ولذلك تضغط الكنائس الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. ولقد تجاوب مجلسا الشيوخ والنواب مع هذه الضغوط في إبريل – نيسان 1990.
الإشارة الثالثة هي إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى. ولقد وضعت خريطة الهيكل الجديد، فيما تتواصل الحفريات تحت المسجد بحجة البحث عن آثار يهودية مطمورة. وفي الوقت نفسه يتم إعداد وتدريب كهان الهيكل في معهد خاص بالقدس. أما الأموال اللازمة فقد جمع معظمها وأودع في حساب خاص باسم مشروع بناء الهيكل.
ويزعم هؤلاء أنه بعد اكتمال المشروع، ستقع هرمجدون(23) التي يظهر المسيح فوقها مباشرة وسيرفع إليه بالجسد المؤمنين به ليحكم العالم من القدس مدة ألف عام تقوم بعدها القيامة.(24)
-مما سبق يتضح لنا كيف كان لحركة الإصلاح الديني الدور الأكبر والأساسي لتحويل مسار العلاقة بين اليهود والنصارى من صراع دموي إلى تحالف استراتيجي آثم اعتُبر المسلمون في نظره –رغم إيمانهم بالمسيح- أعداءً للمسيحية، وانقلبت النظرة بالنسبة لليهود الذين حاربوا المسيح وكذبوه وصلبوه –كما زعموا- فأصبحوا هم الحلفاء والأصدقاء والسادة!! والعجيب أن تنتشر هذه الدعوة في دول عديدة من دول أوربا على رأسها إنجلترا التي أخذت على عاتقها مناصرة اليهود من خلال معتقداتها الإصلاحية الأصولية المسيحية اليهودية.
-ولما كانت حركة الإصلاح تخالف ما عليه الكنيسة الكاثوليكية فقد نالها من التضييق والاضطهاد الكثير والكثير.
فقد دعا "البابا ليو العاشر، مارتن لوثر إلى روما في 7 يوليو سنة 1518م فلم يلب الدعوة وردّ على نائبه رداً شديداً قاسياً ونشر أن البابا ليس معصوماً وأن الكتاب المقدس وحده هو القاعدة الحقيقية للتعليم المسيحي
ثم دعاه البابا ثانية إلى روما فلم يجب فبادر إلى حرمانه فأحرق لوثر قرار الحرمان فكان قرار مجمع ودمن سنة 1521م بطرد لوثر وإهدار دمه وحرم قراءة كتاباته وإحراقها، ثم لما التف الناس حوله قرر المجمع إلغاء ما سبق".(25) وإذا كان لوثر قد نجا بعض الشيء من هجمات الكاثوليك فإن أتباعه لم يسلموا من صراع دموي رهيب.(26)اضطرهم في كثير من الأحيان إلى الهجرة خارج أماكن الصراع هرباً بمعتقداتهم من الفتنة. "وإذا كانت محاكم التفتيش في الأندلس قد دفعت باليهود إلى أوربا هرباً بدينهم فإن الصراع الديني في أوربا حمل مطلع القرن السابع عشر المتهودين الجدد إلى العالم الجديد".(27) أمريكا التي اكتشفت سنة 1492م.
وكان لهجرة البروتستانت آثار مباشرة وواضحة في بلورة الشخصية الأمريكية بالصورة التي نراها عليه اليوم .
-وهكذا انتشرت "البروتستانتية" في أوربا وأمريكا وعلى إثر ذلك تشكلت أكبر قوة معادية للإسلام بدت في أشكال تحالفية ضد الدين الحق ساعية إلى تحقيق وعود مفتراة غير عابئة بقيم أو أخلاق أو إنسانية.
-إذاً فقد أصبح على رأس سياسات الدول البروتستانتية (وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا) دعم قيام دولة لليهود على أرض فلسطين، فلهذا انهالت المساعدات المتنوعة لأجل ذلك حتى تحقق ذلك بعد وعد بلفور الشهير وزير خارجية بريطانيا، عام 1917م، ولم تقف بريطانيا عند حدود الكلام والوعود، بل شرعت في التنفيذ عملياً، وذلك بمساعدة عصبة الأمم، وما فرضته من انتداب على فلسطين وتسهيل هجرة اليهود إليها ثم تمكينهم من إحكام قبضتهم عليها وتسليمها لهم، وأوربا تعلم ذلك كله وتباركه، ووقفت بريطانيا محتضنة للصهيونية نظرياً حيث تعهدتها منذ بذرتها الأولى، وعملياً حتى تسليمها لليهود أرض فلسطين بعد إنهاء الانتداب في 14 مايو 1948م ليعلن عن قيام دولة إسرائيل في 15 من نفس الشهر.(28)، من أجل ذلك فلا عجب "إذا اختار حاييم وايزمان" وهو يهودي ومن بريطانيا وشغل منصب أول رئيس لدولة إسرائيل بعد قيامها في 1948م- لا نعجب إذا اختار وايزمان لندن مقراً للصهيونية العالمية، دون أن تعترض عليه أي دائرة سياسية بريطانية".(29)
ولا نعجب أيضاً إذا سمعنا هرتزل يقول: "إنني لأول لحظة انضممت فيها إلى الحركة الصهيونية اتجهت عيناي إلى إنجلترا، لأنني رأيت بسبب الأحوال العامة أن في إنجلترا نقطة الارتكاز التي يمكن أن تتحرك عليها الرافعة".(30) .
-ومع أن إنجلترا كانت أول الدول وأشدها حماسة للصهيونية نظرياً وعملياً إلا أن دولاً أوربية كثيرة لم تكن أقل حماساً من بريطانيا. ففرنسا مثلاً كانت من "أول من طرح بشكل جدي فكرة توطين اليهود في فلسطين. فقد أعدت حكومة الإدارة الفرنسية 1798 خطة سرية لإقامة "كومنولث يهودي في فلسطين" حال نجاح الحملة الفرنسية في احتلال مصر والمشرق العربي بما فيه فلسطين".(31).(/6)
أما أمريكا (البروتستانتية) فإنها فاقت بريطانيا ودول أوربا في دعمها لليهود منذ قيام دولتهم، وهذا لم يعد يخفى على أحد، وإليك شيئاً مما قام أو صرح به رؤساؤها لتزداد يقيناً بذلك
:1-الرئيس جيفرسون: الذي بلغ من تأثير الصهيونية المسيحية فيه حداً كبيراً اقترح فيه اتخاذ رمز لأمريكا يمثل أبناء إسرائيل تظلهم غيمة في النهار، وعمود من نور في الليل بدلاً من شعار النسر (32)، وذلك توافقاً مع ما تتضمنه الآية 12 من الإصحاح 13 الواردة في سفر الخروج: كان الرب يسير أمامهم خلال النهار في عمود من السحاب ليهديهم الطريق، ويسير أمامهم خلال الليل في عمود من نار ليضيء لهم".
2-ودور ويلسون: "حاكم أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى من عام 1912م ومروراً بسنوات حكمه كان يقدر اليهود، ويعلي من شأنهم وليس أدل على ذلك من جعله "برنارد باروخ" وهو يهودي مستشاره للشؤون الاقتصادية، وجعله اليهودي "لويس برانديس" مستشاراً قضائياً، بل جعله رئيساً للمحكمة الأمريكية العليا. وفي الوقت نفسه يرفض ويلسون المستر "تافت" رئيس الجمهورية السابق في هذا المنصب الخطير ويرشح هذا اليهودي(33)
ولما زار بلفور الولايات المتحدة في 20 إبريل 1917م وعده ويلسون حينذاك بتقديم كل عون لليهود، بل إن بلفور طلب من "برانديس" أن يكون على اتصال دائم مع حاييم وايزمان لتنسيق الخطوات في شأن إقامة إسرائيل- كل ذلك على علم من ويلسون.
وبعث ويلسون رسالة رسمية لزعيم الصهيونية الأمريكية الحاخام "ستيفن وايز" مصدقاً بشكل رسمي على وعد بلفور(34)وأعلن لكثير من زعماء اليهود تأييده لوعد بلفور، ولم يكن هذا كله بضغط من اليهود المحيطين بالرئيس، إنه بروتستانتي "ينحدر من أبوين ينتميان للكنيسة المشيخية وقد نشأ على التعاليم البروتستانتية الأمريكية التي كانت تؤمن بالأسطورة الصهيونية"(35) حتى قال عن نفسه: "إنه يجب على ابن راعي الكنيسة أن يكون قادراً على المساعدة لإعادة الأرض المقدسة لشعبها اليهودي"(36) واعتبر ويلسون وحكومته واضعي حجر الأساس للدولة اليهودية نظراً لما قدمه في هذا السبيل.
وخلف ويلسون ثلاثة:
وارن هاردبخ وهو صهيوني مسيحي قال في أحد تصريحاته في يونيو 1921م: "يستحيل على من يدرس خدمات الشعب اليهودي ألا يعتقد أنهم سيعادون يوماً إلى وطنهم القومي التاريخي" كما صرح بتأييده الشديد لصندوق اكتشاف فلسطين(37)
وجاء كالفن كولدج وهربرت هوفر وأكدا تعاطفهما مع الشعب اليهودي وأحقيته في أرض الميعاد كما أكدا إعجابهما الشديد بدور الحركة الصهيونية في تأهيل فلسطين لاستيعاب الهجرات اليهودية(38).
3-فرانكلين روزفلت: الذي جاء وعبر عن صهيونيته فاتخذت في عهده نجمة داود وسليمان شعاراً رسمياً لدوائر البريد وللخوذ التي يلبسها الجنود في الفرقة السادسة، وعلى أختام البحرية الأمريكية، وعلى طبعة الدولار الجديد، وميدالية رئيس الجمهورية، وخفراء الشرطة في شيكاغو، وشارة الصدر التي يضعها العمدة في كثير من المناطق.(39)
4-هاري ترومان: الذي فتح أبواب فلسطين لمائة ألف يهودي وطالب بزيادة عدد المهاجرين حتى وصلت الأعداد في عهده إلى 1500 يهودي شهرياً استمرت شهوراً طويلة، وتمت الموافقة الأمريكية بأمر ترومان على تقسيم فلسطين، ومنح اليهود بجهوده 56% منها(40)وكانت أمريكا أول دولة تعترف بإسرائيل في العالم حتى قبل أن تطلب إسرائيل من ترومان الاعتراف بشكل رسمي. ولا نعجب فترومان "كان قد درس التوراة على نفسه وكان يؤمن بالتبرير التاريخي لوطن قومي لليهود، وكان كبروتستانتي يحس بشيء عميق له مغزاه في فكرة البعث اليهودي، وكان معروفاً بحبه للفقرة التوراتية الواردة بالمزمار "137" والتي تبدأ "لقد جلسنا على أنهار بابل وأخذنا نبكي حين تذكرنا صهيون" .
ولقد اعترف ترومان أنه ما من مرة قرأ فيها قصة إنزال الوصايا العشر في سيناء إلا وشعر بوخز خفيف يسري في عروقه. ولقد صرح بأن "موسى تلقى المبدأ الأساسي لقانون هذه الأمة على جبل سيناء"(41) كما صرح مراراً بأن كتابه المفضل هو التلمود (42)
5-الجنرال إيزنهاور: كان عضواً مؤازراً لجمعية "بناي برث" اليهودية وصديقاً لجماعة "شهود يهوه" الإرهابية وشارك في جميع خطط جمع التبرعات لليهود، قال إيزنهاور: إن إسرائيل ولدت بعد الحرب الثانية وإنها قامت لتعيش مع غيرها من الدول التي اقترنت مصالح الولايات المتحدة بقيامها(43).
6-جون كنيدي:من تصريحاته "إن أمريكا التزمت التزامات صريحة بحماية إسرائيل ومن مصلحتنا نحن الأمريكيين تنفيذ ما التزمنا به"(44).وقال أمام المنظمة الصهيونية الأمريكية بعد أن تكلم عن قيام دولة إسرائيل وأنها لم تولد لتختفي: "كان ترومان أول من اعترف بإسرائيل وسأواصل أنا السير في هذا الطريق"(45). كان كنيدي "يؤمن بأن يهوه هو الذي يحمي الولايات المتحدة ويسهر على أمنها"(46).(/7)
7-ريتشارد نيكسون:وهو أكثر الرؤساء الأمريكان فكراً وتنظيراً، وهو أصولي إنجيلي كان يقول: "لقد أمرت في حرب 1973م ببدء جسر جوي ضخم للمعدات والمواد التي مكنت إسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصر على جبهتين.. إن التزامنا ببقاء إسرائيل التزام عميق فنحن لسنا حلفاء رسميين، وإنما يربطنا معاً شيء أقوى من أي قصاصة ورق، إنه التزام معنوي، إنه التزام لم يخل به أي رئيس في الماضي أبداً وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص، إن أمريكا لن تسمح أبداً لأعداء إسرائيل الذين أقسموا على النيل منها بتحقيق هدفهم في تدميرها"(47).
8-جيمي كارتر:في معركة انتخابية رئاسية بين كارتر وريجان والثالث أندرسون تبارى الثلاثة في إعلان التأييد المطلق لليهود. فلما اتهم ريجان منافسه كارتر بأنه يرفض وصف منظمة التحرير الفلسطينية بأنها منظمة إرهابية، هرول كارتر ليعلن أمام المؤتمر اليهودي "إن شيئاً لن يؤثر على التزام بلاده نحو إسرائيل، وإن القدس يجب أن تبقى موحدة إلى الأبد" وأخذ يتفاخر بما قدمه من مساعدات لإسرائيل خلال فترة رئاسته استجلاباً لرضا أسياده وتمشياً وإعلاناً لما يؤمن به(48).
وقال أمام الكنيست الإسرائيلي في مارس 1979م وكان يعمل على إقرار معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل: "لقد أقام كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرون روّاد، ثم إننا نتقاسم معكم تراث التوراة" (49).
وكارتر مهندس السلام بين مصر وإسرائيل.
9-ثم جاء ريجان إلى البيت الأبيض "وأكد أكثر من إحدى عشرة مرة أنه يؤمن بنبوءات التوراة ومنها معركة هرمجدون"(50).
10-وجاء بوش الأب الذي عمل بكل قوة في مسار الصهيونية وقام عملياً بما لم يقم به رئيس قبله:
فقد سهل هجرة اليهود السوفيت التي بلغت ذروتها ما بين عام 1989م إلى 1991م وقدم المساعدات المالية لإسرائيل وقال: إن بلاده قدّمت مساعدات مالية وعسكرية بلغت 4.4مليارات دولار، وبذل 10 مليارات دولار لتوطين اليهود السوفيت في فلسطين الذين جاؤوا إليها بضغوط كبيرة من بوش(51). وحرب الخليج وما تم فيها ثم ما ترتب عليها، ما هي إلا نموذج من أعمال بوش الإجرامية، ثم مؤتمر مدريد وفرض ما يسمى بالسلام العربي الإسرائيلي، إن الأدوار التي قام بها بوش نقلت العالم نقلة هائلة، أو نقول غيرت تغييرات هائلة في كثير من الأحداث خاصة على الصعيد العربي الإسرائيلي.
11-وجاء كلينتون وأعلن عن اتجاهه الصهيوني فقرب اليهود، حتى إن مجلس الأمن القومي فيه 7 من اليهود من 11 عضواً بالإضافة إلى مناصب أخرى حشر فيها اليهود وقربه
وكلينتون صاحب شعار "لن نخذل إسرائيل أبداً"(52).
12-ثم جاء بوش الابن فأكمل المسيرة في دعم اليهود كما هو مشاهد. واستغل أحداث سبتمبر في شن حملة واسعة النطاق على المسلمين بدعوى محاربة الإرهاب!
نسأل الله أن يرد كيده وأعوانه في نحورهم.
-وهكذا فإنه على مستوى القمة لا يأتي رئيس أمريكي إلا ويترجم عن صهيونيته الإنجيلية بمناصرة اليهود والعمل على حماية أمن إسرائيل، وما ذلك إلا تأكيداً على إيمانهم بنبوءات العهد القديم وما فيه من عود يهودية
ولم يقتصر هذا الاتجاه الديني الصهيوني على رجال القمة بل كان اتجاهاً عاماً يؤمن به رجال السياسة الأمريكيون.
واجب المسلمين .. حكومات وشعوباً:
أما الحكومات الإسلامية فإن الواجب عليها :
1- أن تعلم أن الصراع في قضية فلسطين هو صراع عقدي، وأن الدول النصرانية تدعم اليهود من خلال قناعات دينية لن تتزحزح عنها وما دام عدوك يحاربك بعقيدته ألا تحاربه بعقيدتك ؟! .
2- أن تراجع تلك الحكومات دينها، وأن تعلم –علم اليقين- أن لا عزة لها بين الأمم إلا بالتمسك به وتحكيمه، وأما بغير ذلك فما هو إلا الذل والهوان وتسلط الأمم عليها .
3- أن لا تنخدع أو تخضع لضغوط الدول النصرانية فتساعدها في حربها لدعاة الإسلام وأهله تحت شعار محاربة الإرهاب. وأن تعلم بأن تلكم الدول إنما تحارب الإسلام نفسه، وأنها لن ترضى من الحكومات في حال استجابتها للضغوط بغير الكفر –والعياذ بالله- كما قال سبحانه (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .
فهل تفيق تلك الحكومات لما يخطط لها ولدينها، وتضع يدها في يد أبنائها في مواجهة هذا المكر الصليبي العالمي ؟ ! نسأل الله أن يكون ذلك قريباً.
وأما الشعوب المسلمة فالواجب عليها :
1- أن تعود إلى دينها وتعمل بشريعة ربها ليرفع الله عنه الذل الذي ضربه عليها بسبب شرودها عن شرع الله.
2- أن تقدم ما تستطيع في هذا الصراع مع اليهود والنصارى؛ إما بدعم مالي أو بمقاطعة .. (فاتقوا الله ما استطعتم) .(/8)
3- أن تستعد لمعركة قادمة فاصلة بين المسلمين واليهود الذين يتوافدون على الأرض المباركة، قد أخبر عنها صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله"(53). وقد قال سبحانه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) .
أسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل أعداء الدين وأن يؤلف بين المسلمين وحكوماتهم، ويجمعهم على الحق، ويوحد كلمتهم وصفوفهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
(1) الطبعة الأولى، 1420، طبعة خاصة بدار التوزيع والتسويق الدولية بالدمام.
(2) الطبعة الأولى، 1418، مكتبة أضواء السلف.
(3) الأقنوم: كلمة يونانية الأصل تدل على شخصية متميزة. ويوازيها في الإنجليزية كلمة Person أي: شخص. انظر: حقائق أساسية في الإيمان المسيحي، ص 52. (دراسات في الأديان للدكتور سعود الخلف، ص 204).
(4) انظر شيئاً من هذه التناقضات والاختلافات في كتاب: إظهار الحق، للشيخ رحمت الله الهندي –رحمه الله-. وانظر: دراسات في الأديان للدكتور سعود الخلف، ص 151-171.
(5) افترقوا عن الكاثوليك سنة 869م ؛ لخلاف الفرقتين حول روح القدس: هل انبثق من الأب والابن كما يقول الكاثوليك. أم من الأب فقط كما قاله الأرثوذكس ؟
(6) انظر في هذا (محاضرات في النصرانية) ص 161، 164، 180، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء) ص 257، 262 .
(7)- عن: الأصولية الإنجيلية، لمحمد السماك (ص7) .
(8) - المرجع السابق (ص7).
(9) - المرجع السابق (ص 10).
(10)- المرجع السابق (ص 11) .
(11)- النبوءة والسياسة: الإنجيليون العسكريون في الطريق إلى الحرب النووية/ غريس هالسل ترجمة/ محمد السماك ص 6 جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ط الأولى ليبيا 1990.
(12)- الصهيونية غير اليهودية/ ريجينا الشريف ص 26 ترجمة أحمد عبد العزيز / عالم المعرفة . الكويت عدد (96) بتصرف.
(13)- الأفعي اليهودية ص 56 .
(14)- النبوءة والسياسة ص 9.
(15)- الصهيونية غير اليهودية ص 31.
(16)- الأصولية الإنجيلية ص45 يعني تفسر على ضوئها قضايا العهد الجديد: المسيحية.
(17)- المصدر السابق ص 46.
(18)- الصهيونية غير اليهودية ص 34 بتصرف.
(19)- المرجع السابق ص 34-37 باختصار .
(20)- الأصولية الإنجيلية ص 44، 45.
(21)- المرجع السابق ص 44، 45.
(22)- النبوءة والسياسة ص 6.
(23)- هرمجدون: معركة فاصلة بين الخير والشر ستقع –كما يزعم هؤلاء- على أرض فلسطين، انظر: حمى سنة 2000 للأستاذ عبد العزيز كامل.
(24) - الأصولية الإنجيلية، محمد السماك (ص 84-85).
(25)- المجامع: ص 446-448 بإيجاز.
(26)- انظر: الإسلام والصراعات الدينية ص 141-146.
(27)- الأصولية الإنجيلية ص 69 .
(28)- لمزيد من تفاصيل هذه المؤامرة يراجع/ فلسطين وصراع القوى/ محمد عطا ص16-29 مكتبة الأنجلو 1967 بدون، مطامع بريطانيا في الشرق الأوسط/ وضع معهد البحوث السياسية البريطانية تعريب/ صلاح العزبي ص 7-11 مكتبة الأنجلو بدون، اليهودية/ أحمد شلبي ص111-116، الطريق إلى بيت المقدس جـ2 ص55-86.
(29)- فلسطين والمواقف العربية والدولية/ إبراهيم المسلم ص 65ط الأولى دار الأصالة 1985، الرياض .
(30)- مؤامرة فلسطين/ ب جنسين جـ1 ص65 كتاب رقم (116) سلسلة كتب سياسية، الدار القومية للطباعة بدون.
(31)- مشاريع الاستيطان اليهودي منذ قيام الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى د/ أمين عبد الله محمود ص 14 عالم المعرفة رقم (74) 1984 الكويت .
(32)- الأصولية الإنجيلية ص 71.
(33)- انظر: أمريكا والصهيونية/ سامي حكيم ص 7-22ط الأولى – الأنجلو القاهرة 1967، خطر اليهودية العالمية ص 21،202.
(34)- أمريكا الصهيونية ص 13-15 .
(35)- الصهيونية غير اليهودية ص 188، 192.
(36)- القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى، ص 46.
(37)- الصهيونية غير اليهودية ص 194-195.
(38)- يراجع : الصهيونية غير اليهودية 194-196.
(39)- خطر اليهودية العالمية ص 201،202.
(40)- ينظر: أمريكا والصهيونية ص 29، 36-40.
(41)- انظر المرجع السابق ص 36-56، الصهيونية غير اليهودية ص 213-216.
(42)- خطر اليهودية العالمية ص 203.
(43)-انظر: أمريكا والصهيونية ص 83 وخطر اليهودية العالمية ص 206.
(44)- أمريكا والصهيونية ص 109.
(45)- المصدر السابق ص 108.
(46)- الخلفية التوراتية للموقف الأمريكي ص 33 .
(47)- 1999 نصر بلا حرب/ ريتشارد نيكسون ص 291.
(48)- انظر: أمريكا وغطرسة القوة/ قدري قلعجي ص55، 56ط الأولى الرياض 91/1992.
(49)- الأصولية الإنجيلية ص 90.
(50)- القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى ص 50 .
(51)- تاريخ النفوذ اليهودي في أمريكا، فيصل أبو خضرا ص 30-32 بتصرف وإيجاز ط الرياض-بدون.(/9)
(52)- انظر: جريدة الشعب المصرية ص 2 العدد (944) الثلاثاء 9 ذي الحجة 1415، 9مايو 1995.
(53)- أخرجه مسلم (2922) .(/10)
كيف تعاتب صديقك دون أن تجرحه؟؟
العتاب فيه صفاء النفوس والعتاب على قدر المحبة ، قول يتداوله الناس ، لكن العتاب لا يكون أسلوباً فعالاً إلا إذا استخدم في الوقت المناسب ومع الشخص المناسب الذي يتقبل العتاب اللطيف بصدر رحب ، وفي مقولة لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : لا تقطع أخاك على ارتياب ، ولا تهجر دون استعتاب .
وحتى لا تخسر أصدقاءك من عتابك لهم ، نقدم لك فيما يلي ست نصائح في هذا الشأن :
حدد عتابك :
فلا يجب أن يزيد عتابك على حد معين ، ولا تحول كلامك لنوع من التوبيخ ، ولا تكرر ما تقوله ولا تلح كثيراً ، حتى لا يتحول كلامك لنوع من الهجوم غير المحبب .
لا تتهاون :
بينما لا يجب أن يزيد عتابك على حد معين ، يلزم أيضاً أن لا ينقص عن الحد الذي يجعله فعالاً ، فالتهاون أحياناً يؤدي إلى استسهال الأمر من قبل صديقك ، ومن ثم يتمادى في عدم مراعاة ما يضايقك .
لا توجه اتهاماً مباشراً :
فلا يجب ان تضع صديقك موضع المتهم ، فتضطره للدفاع عن نفسه بطريقة تبدو وكأنه يبرىء شخصه من تهمة مؤكدة ، فذلك يوغر صدرة اتجاهك ، وربما تخسرة جزئياً أو كلياً .
ضع النقاط على الحروف :
عندما تعاتب صديقك حدد بدقة الأشياء التي ضايقتك منه ، بمعنى أن تضع النقاط على الحروف ، مع التأكيد عند عتابك أنك باق على صداقته ، وأن عتابك ما هو إلا من باب البقاء على الود القديم .
كن مهذباً :
فلا تستخدم أبداً كلمات خارجة عن الأدب ، وانتق ألفاظك بعناية ، حتى لا تحرج صديقك فلا يعود ينسى كلماتك .
كن هادئاً :
لا ترفع صوتك ، وتكلم بهدوء ودون انفعال ، وتذكر أنك تعاتب ولا تشاجر
في بعض الأحيان كثرة الخجل تجعلنا نخسر من نحبهم لأنهم يشعرون معنا بالقيد و ربط الحرية و لذلك علينا أن نعاتبهم بحذر حتى لا نجرحهم و لا نخسرهم و علينا أن نصفح عنهم مرة و مرتين لا ننتظر ان يقعوا في أي خطا و في كل خطأ ...
فعين الرضا عن كل عيب كليلة و عين السخط تبدي المساوئ
.....(/1)
كيف تعاملين ابنتك المراهقة .. الصداقة بين الأم والفتاة
عزيزتي الأم القارئة:
مفكرة الإسلام : إن الرغبة الحقيقية في فهم الابنة المراهقة يساعد على نجاح الأم في التعامل مع الابنة الحبيبة، ولا شك أن هذا الفهم يعود بالفائدة على الجميع؛ الأم والابنة والأسرة، وأيضًا يحقق الصحة النفسية للجميع، وخاصة الابنة الحبيبة، وهذا ما نرجوه ونسعى إليه.
كيف أتعامل مع ابنتي المراهقة؟
وتسأل كثير من الأمهات: كيف أتعامل مع ابنتي المراهقة؟ لقد تعبت منها ومن شخصيتها الغريبة، ونحن نقول: إن هذه المسالة تحتاج لفهم وتحتاج إلى التدريب، وأخيرًا تحتاج إلى الصبر ثم الصبر ثم الصبر، مع مزيد من الحب والاحتواء.
وإليك عزيزتي الأم هذه النصائح الهامة في التعامل مع الابنة الحبيبة في ضوء ما اتفق عليه علماء النفس، وفي ضوء شرعنا الحنيف:
1ـ تقبلي سخط المراهقة وعدم استقرارها:
على الوالدين ـ وخاصة الأم ـ التحمل وطول البال والتسامح مع الابنة، وعليهما التغاضي عما تعبر به عن مشاعر السخط وعدم الراحة التي تبديها في بعض الأحيان، وعليهما احترام وحدتها وتقبل شعورها بالسخط وعدم الرضا عن بعض الأشياء،
وهنا لا بد أن نفرق بين التقبل والتأييد، فينبغي أن تكون استجابتنا دائمًا محايدة، نفرق فيها بين تقبلنا لها وتأييدنا لما تفعل أو تقول، وهي تحتاج أساسًا للتقبل، وأن تشعر بأنها محبوبة، وأن ما تقوم به لا غبار عليه دون الدخول معها في مصادمات، ويجب أن يفهم الوالدان أن محاربة المراهقة مسألة مهلكة بالنسبة لها.
2ـ لا تتصرفي بفهم شديد ولا تجمعي الأخطاء:
إن التدقيق في كل تصرف تقوم به الابنة، وإبداء الفهم الشديد لتصرفاتها؛ إن التصرف بهذه الكيفية صعب للغاية، وقد قالت لنا دكتورة الصحة النفسية في إحدى المحاضرات: 'ينبغي التفويت للمراهق'، أي لا نعلق على كل صغيرة وكبيرة من تصرفاته إن تعثر فوقع، أو وقع شيئًا من يده أو من الأمور البسيطة اليومية، وعلى الوالدين تقدير متى يجب الفهم، ومتى يجب التغاضي.
ومن الأفضل ألا نتوقع من المراهق الكمال؛ فنتعقب أخطاءه لكي نصوبها دائمًا، وليس من المفيد البحث والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة بهدف الوصول إلى الكمال.
ودور الكبار يتحدد في مساعدة المراهق على التغلب على ما يمر به من أزمات، دون الدخول في تفاصيلها، والقاعدة الشرعية في ذلك 'كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون'.
واعلمي عزيزتي الأم أن التنويع مسلك الناجحين، فمعالجة الأخطاء تكون تارة بالتلميح، وتارة بالقدوة، وتارة بالتصريح كل ذلك يتم حسب الموقف.
3ـ ابتعدي عما يضايق الابنة المراهقة:
أحيانًا لا ينتبه الكبار لمدى الأذى الذي يصيب المراهق من ذكر نقائصه أو عيوبه، والشيء الذي نؤكد عليه أن إهانة الوالدين للمراهق عميقة الأثر وبعدية المدى، وقد ينتج عنها متاعب نفسية مدى العمر، ومما يضايق المراهق معاملته كطفل، أو تذكيره بما كان يفعل وهو طفل؛ مثل التبول الليلي في الفراش، أو التكلم عنه أمام الآخرين بما يزعجه، ونتذكر هنا قول الله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:11]، وينبغي هنا التمييز بين الابنة والتلميذة، فإذا كان عند الابنة انخفاض في المستوى الدراسي؛ فعلينا أن نتذكر مزاياها الأخرى، ولا نجعل أحاديثنا مقصودة فقط على المسائل المدرسية والدرجات.
وهذا هو التفريق بين الذات والصفات، وهو أن نفرق بين الابنة الحبيبة وبين صفاتها وسلوكها.
4ـ احترم خصوصيات الابنة المراهقة:
لا بد أن تحترم خصوصيات المراهق ما دام أنها لا يشوبها شائبة، مع الاحتفاظ بمبدأ المراقبة غير المباشرة، واحترام خصوصيات المراهق يتطلب بناء مسافة معينة بين الوالدين وبين ابنهما، مع الاحتفاظ بصداقة ومحبة، والاحترام يشعر المراهق بأنه شخص متميز فريد.
5ـ ساعدي ابنتك على اكتساب الاستقلال:
فكلما شجعنا صور ومواقف الاكتفاء الذاتي؛ كلما ساعدنا في بناء شخصية الابنة، وكسبنا أيضًا صداقتها واحترامها، والأم المتفهمة تتيح لابنتها فرصة الأعمال المنزلية؛ مثل دخول المطبخ والعمل فيه وطريقة الإنفاق وحسن التصرف في الادخار والإنفاق، وعلى الأم أن تثني عليها وتتقبل خطأها بنفس راضية، وتشجعها إن أحسنت وتنصحها إن أخطأت، فإن حسن التوجيه واللباقة هنا لها تأثير السحر، وبالتالي تتقبل الابنة توجيهات الكبار بنفس راضية.
عزيزتي الأم الصديقة تابعي معنا لنكمل معًا باقي الإجابة على السؤال الهام:
'كيف تعاملين ابنتك المراهقة؟'(/1)
كيف تعاملين ابنتك المراهقة[2] .. ما بال أقوام يقولون كذا ؟!!
عزيزتي الأم الصديقة:
نحن بصدد الإجابة على السؤال الهام 'كيف تعاملين ابنتك المراهقة؟'.
وها نحن نكمل الآن ونضع يديك على أفضل الطرق في التعامل مع الابنة المراهقة:
6ـ ابتعدي عن الوعظ المباشر:
ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفن في التعامل مع الناس، فقد كان يقول إذا بلغه شيء عن أحد: [[ما بال أقوام يقولون كذا وكذا]], مبتعدًا عن التشهير بأسلوب شفاف رفيع، وهذا أيضًا هو أسلوب القرآن، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125].
هذا هو أسلوب القرآن: الدعوة بالحكمة والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة، حتى لا يثقل عليهم، والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها، فإن الرفق في الموعظة يهدي القلوب الشاردة، والزجر والتأنيب، وفضح الأخطاء التي قد وقع عن جهل أو حسن نية له أثر سيء على نفس الابنة المراهقة.
ومن الأمور الهامة تجنب هذه العبارات: 'عندما كنت في مثل سنك كنت أفعل كذا وكذا، أو أنجح في المدرسة بتفوق أو.........' هذه العبارات تسيء للابنة أكثر مما تنفع، لأن المقارنة دائمًا تحمل معنى الدونية، فأنت لست ابنتك وابنتك ليست أنت، فكل منكما شخص مستقل ومختلف تمامًا عن الآخر.
7ـ ابتعدي عن وصف ابنتك وتصنيفها:
لا داعي لأن تصف الأم ابنتها بصفات معينة وخاصة في وجود الآخرين، فمن الخطر أن نتنبأ بمستقبلها وخاصة إذا كانت تنبؤات سيئة، وهذا ما يسمى بقانون التوقعات، فإن كل شيء تتوقعه سيحدث، والصورة الذاتية تتكون عند الأبناء منذ الطفولة ثم تكبر معهم، فمن تقول لابنتها: 'أنت غبية وكسلانة' وتردد ذلك باستمرار،؛ سيتكون لدى الابنة اعتقاد بذلك، وصورة ذاتية عن نفسها تكبر معها، ونكون بذلك قد ساهمنا في تكوين شخصية الابنة بشكل سلبي.
ومن تقول لابنتها: 'إنك لن تفلحي أبدًا، أو لن تتعلمي أبدًا، أو ستظلين هكذا متخلفة', إن كل هذه العبارات لن تهذبها أو تعلمها، ولكنها ستؤدي بها أن تكون كما وصفت الأم بالضبط.
واعلمي عزيزتي الأم أن المراهق مرهف الحس، قد تكفيه الإشارة، ولا يصلح التشهير بالألفاظ السيئة ونعته بها، كأن نطلق عليه [دبدوب ـ كسلان ـ انطوائي ..] لأن هذا يؤذي المراهق؛ فالسخرية والاستهزاء يحرج مشاعره، والسخرية ليست أداة فعالة في التعامل معه، فإن التركيز على مثل هذه الصفات ينتهي به إلى تصديقها، والامتثال لهذه الصورة التي كونها الوالدان عنه؛ فتظل هذه الصفة تسيطر عليه باقي حياته، يخاطب نفسه بها كأن يقول لنفسه مثلًا: 'أنا كسلان، أنا غبي، أنا ضعيف الشخصية، أنا لا أستطيع التحدث بلباقة...'.
8ـ ساعدي ابنتك على اكتساب الخبرات وامنحيها الثقة:
إن دور الوالدين الهام يكون في إكساب المراهق الخبرات والمواقف البناءة أكثر من الإدانة أو التقليل، وكل خبرة يكتسبها المراهق بمفرده تكسبه مهارات شخصية، وتعمل على بناء وتطور نموه, فالأسرة هي البيئة النفسية التي تساعد على النمو السليم للأبناء , فالثقة والمحبة تساعدان المراهقين على طاعة الوالدين والنجاح في مجالات الحياة المختلفة, واكتساب الخبرة يكون من خلال أحداث الحياة اليومية المتجددة، مع استخدام أسلوب التشجيع عند الكفاءة والنجاح في عمل ما، وقد ظهر أسلوب تشجيع الكفاءات في استشارة الرسول لأصحابه وأخذه برأيهم في غزوة بدر وهو يقول: [[ أشيروا علي أيها الناس، وترك رأيه لرأيهم ]] ' فقه السيرة، الغزالي، ص[223]'.
وفي غزوة الخندق حفر صلى الله عليه وسلم الخندق مع أصحابه به آخذًا برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه، وفي كل ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يربي في أصحابه روح النقد البناء، وإبداء الرأي السديد والاستفادة منه.
9ـ كوني السند النفسي لابنتك:
الأم المتفهمة ينبغي عليها إظهار التفهم لابنتها، التفهم لغضبها ومتاعبها وأحزانها، وتقديم الدعم النفسي لها، فأنت السند النفسي لابنتك بالاستماع لمشاكلها بانتباه واهتمام، وبالاستجابة المتعاطفة دون إقامة أي حكم على الموقف سواء بالثناء أو بالنقد.
فكوني السند النفسي لابنتك، وتفهمي مشاعرها وحاجاتها [وخاصة الحاجة الجسيمة والعاطفية]، فالابنة المراهقة إذا لم تشعر بالعاطفة والود والحب والتفهم، فقد تبحث عنه في أي مكان آخر، وهذا ما نخافه ونرفضه، ونحن هنا نريد الحب المعتدل المتوازن، والفهم لطبيعة هذه المرحلة.
10ـ النقد وحدود استخدامه.(/1)
تقول إحدى الفتيات: 'ليت أمي تفهم أنني كبرت، وأن تنتقدني بصورة أفضل', إن الفتاة المراهقة تضيق بشدة من نقد الوالدين لها، وتعتبره أذى بالغ لشخصيتها, وواقع الأمر أن معظم النقد لا يكون ضروريًا فهو غالبًا ما يتناول أشياء من الممكن أن تتعدل في فترة تالية، مثل نقد أسلوب الكلام أو المشي أو الأكل, وينبغي أن نفرق بين نوعين من النقد البناء والنقد الضار:
أما النقد البناء: فهو يتعامل مع الحدث مباشرة، ولا يوجه للوم للشخصية ذاتها.
أما النقد الضار: فهو الذي يوجه إلى الشخصية ذاتها، واستخدام السخرية واللوم والتأنيب.
إن خطورة نقد الشخصية والسلوك نفسه هو أنه يترك في نفس المراهق مشاعر سلبية عن ذاته، وعندما نصفه بصفات الغباء والقبح والاستهتار يكون لذلك أثره على نفسيته [الابن أو الابنة]، ويكون رد الفعل عنيفًا يتصف بالمقاومة والغضب والكراهية والانتقام، أو على العكس الانسحاب والانطواء.
وملاك الأمر في ذلك هو التوسط والاعتدال [خير الأمور أوسطها]، أي نستخدم النقد والمديح كل بحسب الظروف والمواقف، ونفصل بين الذات والصفات عند توجيه النقد, ولقد اقترح المعنيون بدراسة المراهقة معالجة النزوات بصبر وأناة، وبروح إيجابية والتوسط في استخدام أساليب التأديب، وحذروا من الشدة والقسوة إلا في حالة الضرورة فقط، كما قال الشاعر:
قفا ليزدجروا ومن يك راحمًا فليقسو أحيانًا على من يرحم
مع التأكيد المستمر على وجود الصداقة والود والحب بين المراهقة ووالديه.(/2)
كيف تعبران عن حبكما ؟
مفكرة الإسلام : إن مشاعر الحب مشاعر سامية وهي معنوية موطنها القلب, والقلب عالم مغيب لا يوصل على ما بداخله إلا ببريد، كاللسان مثلاً, فاللسان هو واحد من وسائل التعبير عن أحاسيس القلب ومشاعره، وهناك الأفعال السلوكية التي يمكن للمحب أن يعبر بها عن حبه لغيره وأجدر الناس بإتقان فن التعبير عن الحب هما الزوجان.
فليخبره أنه يحبه:
انظر عزيزي القارئ إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في رياض الصالحين: 'عن أبي كريمة المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه' [رواه أبو داود والترمذي] فكيف يكون الحال بين الزوجين، إذا كان هذا هو الحال بين الإخوة. وقد أخبرنا الله عز وجل عن شكل العلاقة بينهما وهي المودة والرحمة في قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21]. فإن كان هناك حب في القلب فأخبرها وأخبريه بهذا الحب لتدوم المودة وتزداد المحبة.
الحب يحتاج الوقت:
تظهر كثير من الأبحاث أن أهم سبب لضعف العلاقات الزوجية وتدهورها هو قلة الوقت الذي يقدمه كل من الزوجين لنمو هذه العلاقة، فتعقيدات الحياة وكثرة مشاغلها الفوضوية أحيانًا تحرم كثيرًا من الأزواج فرص المعايشة وقضاء الوقت المشترك.
ويقول كثير من الأزواج أن العلاقة بينهما أهم من ترتيب المنزل أو غيره من الأعمال، إلا أننا نجد هؤلاء يجدون وقتًا لترتيب المنزل وغيره، ولا يجدون وقتًا لقضائه بهدوء مع شريك الحياة.
ولذلك فنحن نقترح على الأزواج أن يحاولوا عدم الافتراق الطويل بينهما في سفر أو غيره، وأن تكون الأولوية عندهم للعيش المشترك وقضاء الوقت معًا.
والخطأ الذي يمكن أن يقع فيه بعض الأزواج أنه إذا لاحظنا أن علاقتهما حسنة نوعًا ما فإنهما يتوقفان عن استثمار الوقت المناسب في تقوية هذه العلاقة وتنميتها، ويتجاهلان أحيانًا بعض المشكلات والتوترات الصغيرة. وليتفهم الطرفان جيدا أن نمو الحب بين الزوجين، لن يحصل ما لم يستثمر كل من الزوجين الوقت والجهد المطلوب في رعاية الطرف الآخر. وأن الإنسان عندما يصاب بمرض يهدد حياته أو بحادث خطير فإن أمنيته في هذه الحالات قد لا تكون أن يتاح له وقت ليعمل في مهنته بشكل أفضل، وإنما يتمنى مزيدًا من الوقت ليقضيه مع من يحب.
** أيها الزوجان: المشاعر الرقيقة الجياشة في القلب وحدها لا تكفي لنمو الحب بين الزوجين ولكن إظهار هذه المشاعر وإخراجها من حيز القلب إلى الرحاب الواسع هو المطلوب فالتعبير عن الحب بين الزوجين يكون بوسائل مادية ومعنوية وبأشكال كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر هذه الأشكال التالية:
كيف يعبر الزوجان عن الحب ؟
1ـ التعبير عن الحب بالإخلاص:
يقول أحد الأزواج: ليس شرطًا أن يعبر الزوج لزوجته عن حبه بالكلام المباشر بل الإخلاص لها وإعطاؤها الثقة وتقدير الزوج لظروف زوجته، وأن يكون غيورًا عليها ويوفر لها ما تريد هي من وسائل التعبير عن الحب، وهذه الأمور لا بد أن تكون متبادلة بين الزوجين ولا تكون من طرف واحد حتى يسود الحب والتفاهم بينهما.
2ـ التعبير عن الحب بالاحترام والتقدير:
ويقول آخر: إن أفضل طريقة يعبر بها عن حبه لزوجته هو احترامه وتقديره لها، فالاحترام هو أهم شيء وهو يلغي الحواجز بين الزوجين، وإذا فقد الاحترام بين الزوجين فلن يكون هناك حب بينهما.
أما بالنسبة للتقدير فتقول إحدى الزوجات أنها تموت كمدًا وحزنًا عندما لا تجد التقدير من زوجها إذا وقفت بجانبه وضحت بالمال والنفيس لبيتها وأولادها وزوجها، وإذا اهتمت أن تظهر أمامه في أحسن صورة ثم لا يقدر هذا كله ولا يذكرها بالخير أمام الغير. فالتعبير عن الحب بالاحترام والتقدير هام جدًا لنمو الحب بين الزوجين.
3ـ التعبير عن الحب بالكلام:
المرأة تحب أن تسمع الكلام أكثر من الفعل، وعلى العكس الرجل الذي يجب الفعل أكثر من الكلام، وهذا أحد الأزواج يقول: إنني دائمًا أعبر لزوجتي عن حبي بالكلمات الرومانسية كما أهتم بشراء الهدايا لها في المناسبات المختلفة وبمدحها أمام أهلها بالكلام الطيب.
4ـ التعبير عن الحب بالأفعال:
إن الرجل بطبعه عملي ولديه مسؤوليات فإن تعبيره عن حبه لزوجته يكون بالأفعال أكثر مما هو بالكلام، فمثلاً يهتم بصحتها ويزور أهلها معها ويساعدها في أعمال المنزل قدر المستطاع فهذا يعتبر ضمن التعبير عن الحب.
5ـ التعبير عن الحب بالهدايا:
يمكن أن يعبر أحد الزوجين للآخر عن حبه بالهدايا في المناسبات وغيرها، وقد طرح هذا السؤال على الزوجات أيهما أحب للمرأة أن يشتري الزوج أربعًا وعشرين وردة ويقدمها لزوجته في يوم واحد ؟ أم يشتري أربعًا وعشرين وردة ويقدمها مقسمة على أربع وعشرين يومًا ؟
فكان الجواب بالإجماع من الزوجات أن يشتري لها كل يوم وردة على مدار الأربع وعشرين يومًا، فالهدية هي رسالة حب مجسمة وصدق رسولنا حين قال: 'تهادوا تحابوا'.(/1)
6ـ التعبير عن الحب بالرسائل عبر الهاتف:
مثل 'لا أستطيع أن أعيش من غيرك'، أو 'أحبك ولا أقدر على فراقك' وغيرها من الرسائل القصيرة المعبرة أثناء سفر الزوج مثلاً أو أثناء غيابه عن المنزل، وتذكيره أيضًا عن طريق الهاتف بالمناسبات السارة.
7ـ التعبير عن الحب وقت الشدائد:
تقول إحدى الزوجات: إن تعبيري عن الحب لا يرتبط بموقف معين أو وقت معين، بل يكون لا شعوريًا طوال الوقت، ويزداد خوفي عليه عندما يكون مريضًا أو يمر بظروف صعبة في حياته، ففي أحد السنين مرض زوجي وظل ملازمًا الفراش مدة طويلة فأخذتُ أجازة من العمل مدة مرضه وبقيت معه حتى تعافى، وكان هذا الموقف مني تعبيرًا لحبي واهتمامي بزوجي وأسرتي.
8ـ التعبير عن الحب بالمشاركة والتعاون:
إن الحياة الزوجية شركة بين اثنين، ومشاركة كل من الزوجين في مواجهة المسؤوليات ومصاعب الحياة وتربية الأولاد، والتعاون بينهما هو صورة من صور التعبير عن الحب.
9ـ التعبير عن الحب بالطاعة:
وهذه تقول: إن التعبير عن الحب للزوج يكون بالطاعة وأن أفضل الشيء الذي يحبه وألا أخرج من البيت إلا بإذنه.
10ـ التعبير عن الحب بالتفاهم:
يقول د/ ناصر المنيع المدرس المساعد بقسم علم النفس في كلية الآداب جامعة الكويت: إن التفاهم أفضل وسيلة للتعبير عن الحب بين الزوجين، وهو محاولة فهم كل طرف للطرف الآخر بعد أن يفهم نفسه ودوره في الأسرة، وبالتالي يستطيع أن يتعامل مع طرفه الآخر المعاملة الصحيحة ويعبر عن حبه دون حياء لأن الزوجة أصبحت جزءًا من زوجها، وكذلك الزوج أصبح جزءًا منها.
** وهناك نقطة هامة أشار إليها د/ ناصر المنيع وهي:
أن وسائل التعبير عن الحب تختلف عن وسائل التعبير عن الاحترام، فمثلاً أن يصرخ الرجل في وجه زوجته أمام الناس لا يعني أنه يحبها أو لا يحبها، وإنما يعني أنه يحترمها أو لا يحترمها، فالحب أسمى وأرقى لأنه من الممكن أن يكون الإنسان لا يحب شخصًا ولكنه يحترمه.
التقصير ليس دليلا !!
ويرى د/ ناصر المنيع أن تقصير أحد الزوجين مرة أو مرتين في حق طرفه الآخر ليس دليلاً على عدم حبه له، فمن الممكن أن يغيب عن فكر الزوج مناسبة معينة مثل يوم زواجه ولا يتذكر أن يحضر هدية لزوجته، فليس معنى ذلك أنه لا يحبها لأنه لا بد أن ننظر إلى الظروف النفسية التي يمر بها أحد الزوجين التي تؤثر على السلوكيات والتصرفات.
وخلاصة القول:
يمكننا أن نقول أن التعبير عن الحب يكون من الزوج بالأفعال ومن الزوجة بالأقوال ويرجع ذلك إلى أن الرجل بطبيعته عقلاني وعملي، والصحيح الذي لا مراء فيه أن المرأة في حاجة دائمة إلى العاطفة واللطف ولأن المرأة عاطفية بطبعها فإنها تعبر عن حبها بالكلام، والإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة بحاجة إلى سماع الكلمة الطيبة وكلمات الحب.
وليس شرطًا أن تكون التعبيرات صريحة مثل 'أنا أحبك' ولكن الكلمة الطيبة حب فالإنسان عامة يحتاج إلى تغذية عاطفية وهذه التغذية تكون بأساليب التعبير عن الحب، والعلاج هو أن يعبر الرجل عن حبه لزوجته بالكلام إلى جانب الفعل، وأن يفهم أن الرجل لا بد أن يعطي لزوجته الحب والحنان, يقول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم: 'خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي'.
وفق الله الأزواج إلى أفضل الوسائل للتعبير عن الحب بينهما.
خلاصتي في مشهدي: عزيزي القارئ يمكننا أن نجمع وسائل التعبير عن الحب التي ذكرناها في هذا المشهد للحصول على المزيد من مشاعر الحب بين الزوجين والتعبير هنا متبادل:
1ـ التعبير عن الحب بالإخلاص
2ـ التعبير عن الحب بالاحترام والتقدير.
3ـ التعبير عن الحب بالقول.
4ـ التعبير عن الحب بالفعل.
5ـ التعبير عن الحب بالهدايا.
6ـ التعبير عن الحب بالرسائل عبر الهاتف.
7ـ التعبير عن الحب وقت الشدائد.
8ـ التعبير عن الحب بالمشاركة والتعاون.
9ـ التعبير عن الحب بالطاعة.
10ـ التعبير عن الحب بالتفهم.(/2)
كيف تعطي نصيحة؟
فتحي عبد الستار - إسلام أون لاين
مهما تنوعت سبل الاتصال ووسائل الدعوة والتأثير.. فإن الكلمة الصادقة والنصيحة المباشرة المخلصة ستظل تحتل مكانة عالية وأساسية في عالم الدعوة.
فلقد كان تقديم النصيحة رسالة كل رسل الله عليهم السلام، فقد سجَّل القرآن الكريم على لسان نوح ـ عليه السلام ـ قوله لقومه: }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنصَحُ لَكُمْ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ{ [الأعراف: 62]. وعلى لسان هود ـ عليه السلام ـ : }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ{ [الأعراف: 68]. وعلى لسان صالح ـ عليه السلام ـ : }يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ{ [الأعراف: 79]. وعلى لسان شعيب ـ عليه السلام ـ : }لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ{ [الأعراف: 93].
ولقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى تلك المكانة العليا للنصيحة؛ حيث عرَّف الدين بأنه النصح للمسلمين، فقال: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) قيل: لِمَنْ؟ قَالَ: ((لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)) [مسلم].
كما أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ البيعة من الصحابة عليها ضمن أفعال ثلاثة؛ فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ((بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ)). [البخاري].
من معاني النصيحة
والنصيحة تحمل في معناها ضمن ما تحمل: الإخلاص والصدق والنقاء والصراحة والصفاء؛ فهي مشتقة من الفعل "نصح" أي: خَلَصَ، والناصحُ: النقي الخالص من كل شيء، والنُّصْح: نقيض الغِشِّ، ويقال: نَصَحْتُ له، أَي: أَخْلَصْتُ وصَدَقْتُ. كما تحمل أيضًا معنى الإصلاح والنماء.. يقال: نَصَحَ الغيثُ البلادَ نَصْحًا إِذا اتصل نبتها فلم يكن فيه فَضاء ولا خَلَلٌ [لسان العرب]. وقال ابن الأَثير: النصيحة: كلمة يُعَبَّر بها عن جملة، هي "إِرادة الخير للمنصوح له"، فليس يمكن أَن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها.
والنصيحة لله تعني: صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإِخلاص النية في عبادته، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، والاعتراف بنعمته وشكره عليها.
والنصيحة لكتاب الله تعني: التصديق به والعمل بما فيه، وتعظيمه، وتلاوته حق تلاوته، والذب عنه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، ونشر علومه.
والنصيحة للرسول تعني: التصديق بنبوَّته ورسالته، والانقياد لما أَمر به ونهى عنه، ونصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته، أو تعرض لأحد من أصحابه.
والنصيحة لأئمة المسلمين تعني: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وألا يُغَرُّوا بالثناء الكاذب عليهم، والدعاء لهم بالصلاح.
والنصيحة لعامَّة المسلمين تعني: إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وتنشيط هممهم إلى الطاعات.
حُكْم النصيحة
يقول الإمام النووي نقلاً عن الإمام ابن بطال -رحمهما الله-: إن النصيحة تُسَمَّى دينًا وإسلامًا، وإن الدين يقع على العمل كما يقع على القول. والنصيحة فرض يجزي فيه من قام به ويسقط عن الباقين. والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يُقبَل نصحه، ويُطَاع أمره، وأَمِنَ على نفسه المكروه؛ فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة. ا.هـ.(/1)
ولكن اعلم -أخي الداعية- أن الأجر والثواب إنما يكون على قدر المشقة والتعب؛ فلا تترك النصيحة لشخص ما بحجة الحفاظ على صداقته ومودته، أو لطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه؛ فإن تلك الصداقة والمودة بينكما -إن كانت حقيقية- توجب له حقًّا عندك، ومن حقه أن تنصحه وتهديه إلى مصالح آخرته، وتنقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومُحِبُّه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى أذى في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدوًّا لنا لهذا، وكان الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها.
أهمية النصيحة
وتنبع أهمية النصيحة -كوسيلة من وسائل الدعوة- من عدة جوانب:
1- قدرة جميع الناس على تقديمها.
2- لا تتطلب جهدًا كبيرًا ولا وقتًا طويلاً في الترتيب والإعداد والتقديم.
3- لا تتطلب إلا مهارات بسيطة يمكن للكل تعلمها.
4- النصيحة علامة واضحة على حب الشخص المنصوح، فإن أحد معايير الحب هو النصح المخلص، والصديق الذي يقدم النصيحة يُعَد صديقًا لا يمكن الاستغناء عنه في الحياة.
أمور يجب أن يراعيها الناصح
1- الإخلاص لله، وجعل النصيحة خالصة لوجهه وحده، وليس لأي غرض دنيوي.
2- أن يكون هو نفسه يطبق ما يقول وقدوة حسنة فيما ينصح به من فضائل أو ينهى عنه من رذائل.
3- التأكد من صحة الأمر الذي ينصح به من الناحية الشرعية وغيرها، فلا يقدم معلومات مشوشة، فتلك أمانة.
4- تخير الوقت المناسب.
5- تحسس الجو النفسي المهيِّئ لسماع النصيحة.
6- الذكاء في انتقاء واستخدام الكلمات المناسبة.
7- إظهار الحب وإبداء الود بإخلاص قبل الشروع في توجيه النصيحة.
8- يجب أن تكون النصيحة سرًّا بينك وبين المنصوح، وليست علانية؛ فقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "مَنْ وَعَظَ أخَاهُ سِرًّا فقد نَصَحَه وزَانَه، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَه". وتأكد أن النصيحة العلنية لا تؤتي ثمارها الطيبة، وإنما تخرج عن كونها نصيحة إلى كونها استفزازًا للمنصوح وإشعاره برغبتك في فضحه أمام الآخرين، وتسيطر عليه هذه المشاعر؛ مما يجعل أذنيه وقلبه لا تلتفت للمعنى الطيب الذي تشتمل عليه النصيحة؛ مما يجعله يأخذ موقفًا مضادًّا. وتذكر أن الهدف من النصيحة هو تصحيح العيوب والأخطاء لدى الأفراد، وليس إشاعة أفعالهم السيئة أو فضحهم.
9- عدم إشعار المنصوح بالتكبر والتعالي عليه، ولا تجعله يشعر في كلامك بنغمة التفوق والاستعلاء، أو اللوم أو السخرية، أو الاتهام.
10- أشعر المنصوح بتقبلك شخصيًّا للنصح إن هو أو غيره نصحك، وأنك غير منزه عن الخطأ.
11- أشعر المنصوح بتقديرك لظروفه وأنك تلتمس له الأعذار.
12- احذر أن يتحول موقف النصيحة إلى ساحة جدال عقيم ومناقشة عدائية.
أمور يجب أن تتوفر في المنصوح:
1- الترحيب بالنصيحة بقلب سمح وعقل متفتح ووجه مبتسم.
2- التعبير عن قبولها بالامتنان والتقدير.
3- التصميم والعزم على الشروع في العمل بهذه النصيحة نحو تحقيق التحسن المطلوب.
وفي المأثور: "أدِّ النصيحة على أكمل وجه، واقبلها على أي وجه".
ولكن ماذا لو لم تجد من المنصوح هذه الأشياء، رغم قيامك بالنصيحة على أكمل وجه؟
1- اعلم أولاً أن تقديم النصيحة واجب علينا وعبادة نؤديها لله ـ عز وجل ـ ، بغض النظر عن الطريقة التي يتلقاها بها المنصوح.
2- اعلم أن أفضل الناصحين قوبلوا بمثل أو أشد ما قوبلت أنت به؛ فقد أقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمر الله ـ عز وجل ـ صابرًا محتسبًا، مؤديًا إلى قومه النصيحة، على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى والاستهزاء.
3- إذا حاورك المنصوح فاحرص على محاورته بالحسنى، وإن أساء إليك فلا ترد إساءته، بل افعل مثلما فعل هود ـ عليه السلام ـ ؛ حيث حكى عنه القرآن الكريم: }وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ قَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وإنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ{ [الأعراف: 65، 66].
4- إذا لم تجد نتيجة من الحوار، فانْهِ الحوار فورًا، وافعل وقُل مثلما فعل وقال صالح ـ عليه السلام ـ لقومه: }فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ ولَكِن لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ{ [الأعراف: 79].
5- لا تتقاعس ولا يثبط عزمك إذا لم تجد تغييرًا فوريًّا في سلوك من نصحته؛ فمثل هذه التغييرات عادة ما تحتاج إلى فترة زمنية تنقضي بين الاقتناع، ثم العزم، ثم التنفيذ.(/2)
6- من الممكن أن تجد البعض غير مكترث بنصيحتك المخلصة، ولكن هذا ينبغي ألا يصيبك بالإحباط؛ فقد أظهرت التجارب أن هؤلاء الذي أزعجتهم النصيحة الصريحة ورفضوها عند تلقيها كانوا في وقت ما فيما بعد مقدرين وممتنين تمامًا في قلوبهم للنصيحة ومقدمها.
برنامج عملي
1- أحضر ورقة وقلمًا، واختلِ بنفسك ساعة.
2- قم بإجراء عَصْف ذهني، لتتذكر مَن في أقربائك وجيرانك وزملائك ومعارفك يحتاج إلى نصيحة منك.
3- اكتب كل اسم يرد على خاطرك، محددًا أمامه النصيحة التي تريد أن توجهها له، مع مراعاة الأولويات، والأهم من النصائح قبل المهم.
4- حدد وسيلة الاتصال بكل منهم، والمدخل الذي ستدخل منه.
5- رتب الأسماء في مجموعات بحسب تجاورهم والصفة التي تجمعهم.
ابدأ الآن
وأخيرًا..
إن سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ طالما دعا ربه قائلاً: "رَحِمَ الله امرأً أهْدَى إليَّ عيوبي"، وقوله هذا يدل على أنه يعتبر تذكيره بعيوبه هدايا، وأنها ليست هدايا قيمة فقط، لكنها ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، ولا سيما في الوقت الحاضر.
إن هذه الممارسة تنبع من حبنا للآخرين واهتمامنا بهم، فإذا أنت أحببتهم يتعين عليك أن توضح لهم أخطاءهم، لا أن تفضحها للآخرين، ويتعين عليهم أن يتبادلوا معك ذلك، وإلا فإن الإيمان يصبح موضع تساؤل وفقًا للحديث: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" [البخاري].
وهذا هو نقيض الأنانية التي نجدها في المجتمعات المادية؛ لأن الناس فيها يهتمون بأنفسهم فقط، إن غايتهم هي الحرية الشخصية للتمتع بالشهوات والانقياد وراء الرغبات، وهم بذلك غير ملزمين أن يخبروا الآخرين بما لا يودون سماعه، من مكاشفة بالعيوب ومحاولة إصلاحها؛ مما يمثل صورة من صور النفاق الاجتماعي.
إن هدف الداعية هو إقامة الحق في المجتمع، حتى لو أدى ذلك إلى إخبار الآخرين بما لا يودون سماعه، وعليك إذن أن تبدأ حالاً، وتعوِّد نفسك على ذلك.
إنك لا تفكر عندما ترى أحد الناس يرتدي قميصًا متسخًا أو فقد بعض أزراره، أو يضع رباط عنق معوجًّا أو غير مناسب، أو فتحة سرواله مفتوحة، أو بقايا طعام على وجهه ولحيته، لا تترد أن تتحدث إليه وتنصحه بتعديل ما رأيت، ولا تجد حرجًا في ذلك، ولا هو أيضًا.. فما بالنا نتردد ونسكت إذا رأينا عيوبًا أخطر من تلك العيوب المظهرية الشكلية، عيوبًا في القلب والسلوك؟!.(/3)
كيف تفوز بكنوز صلاة الفجر؟؟؟ ناعوس يحيى*
خلقنا في هذه الدنيا لنقيم شعائر التقرب إلى الله تعالى ، وكان من أعظمها الصلاة، لأن الصلاة على وقتها من أفضل الأعمال عند الله عزوجل , فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال: " سألت رسول الله أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها ".
فضل صلاة الفجر في جماعة
عظَّم الله عزَّ وجلَّ وقت الصبح في كتابه فأقسم به سبحانه في كتابه وإذا أقسم العظيم بأمرٍ فاعلم أن هذا الأمر مُعظم ، قال تعالى: "و الفجر و ليال عشر.." , فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ، ولو يعلمون ما في التهجير ( التبكير) لاستبقوا إليه ، ولو يعلمون ما في العتمة ( العشاء) والصبح لأتوهما ولو حبواً " .
وأخرج الطبراني بسندٍ حسن أن أبي الدرداء قال حين حضرته الوفاة سمعت رسول الله يقول: " اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك واعدُوا نفسك في الموتى ، وإياك ودعوة المظلوم فإنها تُستجابُ ومن استطاع منكم أن يشهدَ صلاتين العشاء والصبح ولو حَبواً فليفعل ".
بشارات :
البشارةِ الأولى: إن صلاة الفجر من أفضل الصلوات
- فقد أخرج البيهقي بسند صحيح أن النبي قال:
" أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة "
البشارة الثانية: أن الله يباهي الملائكة بمن ترك فراشه وقام لصلاته
- فقد أخرج الإمام أحمد بسندٍ حسن أن النبي قال: " عَجِبَ ربُّنا عزَّ وجلَّ من رجلٌ ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحِبه إلي صلاته ، فيقول ربنا أيا ملائكتي انظروا إلي عبدي ثار عن فراشه ووِطائه ومن بين حِبه وأهله إلي صلاته رغبةً فيما عندي وشفقة مما عندي ".
البشارة الثالثة: من خرج يسعى لصلاة الفجر في جماعة أعطاه الله نور يوم الظلمات:
- اقرأ حديث رسول الله الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة بسندٍ صحيح عن بُريدة الأسلمي قال: قال رسول الله :
" بشر المشَّائين في الظُّلمِ إلي المساجدِ بالنور التامِّ يومَ القيامة ".
- وعند الطبراني قال: بإسنادٍ حسن من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال" إن الله ليضيء للذين يتخللونَ إلي المساجد في الظلام بنورٍ ساطعٍ يومَ القيامة ".
البشارة الرابعة: ركعتا الفجر (سنة الفجر) خيرٌ من الدنيا وما فيها
أخرج الإمام مسلم من حديث عائشة أن النبي قال: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ".
البشارة الخامسة: ثم إذا صليت في جماعة الفجر يكتب لك أجر قيام الليل:
البشارة السادسة: تجتمع فيها الملائكة وتدعو لمن صلى الفجر في جماعة: أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: " تفضل صلاة الجميع (الجماعة) صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ".
وعند البخاري أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يَعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ( وهو أعلم بهم) كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ".
زاد ابن خزيمة في صحيحة: " إن الملائكة تقول : اللهم أغفر له يوم الدين " .
البشارة السابعة: ذكر خاص بعد صلاة الفجر فيه ما فيه من الأجر: أخرج الترمذي بسندٍ حسن من حديث أبي ذَرٍّ أن رسول الله قال: " من قال في دُبُر صلاة الفجر وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويُميت وهو على كل شيءٍ قدير عًشْرً مرات كتبت له عشر حسنات ، ومُحيت عنه عًشر سيئات ورُفع له عشر درجات وكان يومه هذا كله في حِرز من كل مكروه وَحِرس من الشيطان ولم ينبغِ لذنبٍ أن يدركهُ في ذلك اليوم إلا الشرك بالله " زاد النسائي: " بيده الخير"
- وزاد كذلك: " وكان له بكل واحدة قالها عتق رقبة ".
البشارة الثامنة: وبعد الانتهاء من الصلاة أنت كتبت من الأبرار ومن وفد الرحمن:
أخرج الطبراني بسندٍ حسن حسنه الألباني من حديث أبي أُمامة أن النبي قال:
" من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر ثم جلس حتى يصلي الفجر ثم خرج من المسجد كتبت صلاته يومئذٍ في صلاة الأبرار وكتب في وفد الرحمن ".
البشارة التاسعة: وبعد الانتهاء من الصلاة أنت في حماية وحفظ الله: أخرج الطبراني بسندٍ حسن أن النبي قال: " من صلى الصبح كان في جوار الله يومه ".
وأخرج الإمام مسلم من حديث جندب بن سفيان أن رسول الله قال: " من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله ( حتى يُمسي) " أي في حماية الله ، وفي ضمان الله عزَّ وجلَّ ، وفي عهد الله .
البشارة العاشرة: ثم إن صلاة الفجر تعطيك فرصة عظيمة لتحصيل الأجور الكبيرة:(/1)
فمن صلى الفجر في جماعة فله فرصة أن ينال أجر حجة وعمرة وليس هذا الأجر إلا لمن صلى الفجر , فقد أخرج الترمذي بسند قال: حسن حسنه الألباني عن أنس بن مالك عن النبي " من صلى الغداة ( الصبح) في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ".
أخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة عن صخر الغامدي عن النبي قال:
" اللهم بارك لأمتي في بكورها ".
البشارة الحادية عشر: من صلى الصبح في جماعة فله وعد من الله بدخول الجنة:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله :
" من صلى البردين دخل الجنة " , و قد أخرج الإمام مسلم عن عمارة بن رويبة أن النبي قال : " لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها "
و قد أخرج البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله البجلي –رضي الله عنه- قال :
كنا جلوسا مع النبي فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الفجر وقبل غروبها فافعلوا " .
هذ هي البشائر الحسان التي يعطيها الله سبحانه وتعالى لمرتاد المساجد ساعيا لرضى الله ، متخليا عن لذة النوم و الفراش المريح ، قاصدا الخطوات النيرات ليحصل على الجزاء العظيم الذي أعده الله الكريم لكل من سار خلف محمد –صلى الله عليه وسلم-أخي الكريم وأختي الكريمة فلنشمر على سواعد الجد من أجل كسب هذه الفضائل العظيمة و الله يوفقنا وإياكم لما فيه خير الدارين(/2)
كيف تقيس درجة توبتك؟
ياسر محمود**
ما من أحد من البشر إلا يخطئ ويصيب، يحسن ويسيء، يجتهد في عمل الصالحات ويتعثر أحيانًا في بعض الآثام، فما أحد من ولد آدم إلا وله حظ من المعصية ونصيب من الخطايا، وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي.
ومن أجل ذلك كانت دعوة المولى سبحانه وتعالى إلى كل المؤمنين دون استثناء لأحد منهم مهما علا كعبه في الاستقامة، ومهما ارتقت مكانته في سلم المتقين أن يتوبوا جميعًا إلى الله تعالى فقال سبحانه: (وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أقرب الخلق إلى الله، بل وهو من غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة، فعن الأغر المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة( رواه مسلم.
ولا بد أن تكون توبتنا توبة خالصة صادقة نصوحا، وهذا ما نرجو أن نساعدك على تحقيقه والوصول إليه من خلال الاستبيان التالي الذي يتضمن العديد من العبارات التي تستطيع بالإجابة عليها أن تعرف أين توبتك من بعض مظاهر التوبة النصوح، ثم بالتزامك لهذه المظاهر تستطيع –إن شاء الله- أن تحقق التوبة الصادقة النصوح.
كن صادقًا مع نفسك أثناء إجابتك، فليس أحد يطلع عليك إلا الله عزَّ وجلَّ، واختر الخانة التي توافقك في العبارات التالية:
لا ... أحيانًا ... دائمًا ... العبارة ... م
... ... ... ينتابني إحساس بالحسرة والندم إذا ما اقترفت معصية. ... 1
... ... ... أشعر بذنبي كأنه جبل سيقع فوقي. ... 2
... ... ... أسارع بالإقلاع عن المعصية إذا وقعت فيها ولا أتمادى. ... 3
... ... ... أعزم عزمًا صادقًا عند توبتي على عدم العودة للمعصية أبدًا. ... 4
... ... ... أحرص على الخروج من مظالم العباد لتكتمل توبتي. ... 5
... ... ... أحرص على أن أتبع توبتي بالاجتهاد في عمل الصالحات. ... 6
... ... ... أظل وجلاً من معصيتي ولا أغتر بتوبتي. ... 7
... ... ... لا أقنط من رحمة الله، وأتوب إليه وإن عظم ذنبي. ... 8
... ... ... لا يغيب عن قلبي أنه لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار. ... 9
... ... ... لي ورد يومي من الاستغفار. ... 10
... ... ... أتذكر مع كل استغفار ذنبًا قد اقترفته. ... 11
... ... ... أحرص على أداء صلاة التوبة بين الفترة والأخرى. ... 12
... ... ... أُلح على الله في دعائي أن يغفر لي ذنوبي كلها. ... 13
... ... ... أسأل من حولي أن يدعو لي بمغفرة الذنوب. ... 14
... ... ... ألتزم صحبة الخير كي تعاونني على تجنب المعصية. ... 15
أعطِ نفسك درجات عن كل إجابة حسب الجدول الآتي:
لا ... أحيانًا ... دائمًا
0 ... 1 ... 2
مجموع درجاتك =
إذا كان مجموع درجاتك أكثر من 27:
نحسبك – ولا نزكي على الله أحدا - من أصحاب التوبة النصوح، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك توبتك وإنابتك، وأن يبدل سيئاتك حسنات.
وداوم أخي الكريم على ذلك حتى تلقى الله وهو عنك راضٍ.
إذا كان مجموع درجاتك من 21 إلى 27:
ابحث عن نقاط الضعف ومواطن الوهن في توبتك من خلال العبارات السابقة، واجتهد في علاجها والتغلب عليها.
إذا كان مجموع درجاتك أقل من 21:
مستوى خطر، ولكن ابدأ ولا تيئس، واجتهد في أن تكون توبتك صادقة حتى يغفر الله تعالى لك بها ما اقترفته من معصية.
_________________
** داعية مصري وباحث اجتماعي ومعد برامج تدريبية(/1)
كيف تكسب ليلة القدر؟
د. لطيفة بنت عبد الله الجلعود 19/9/1426
22/10/2005
الحمد لله الذي فرض علينا صيام شهر رمضان وسنَّ لنا قيامه، والصلاة على خيرة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"(1) و"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"(2)وإن من الحرمان أن نرى كثيراً من المسلمين في هذا الشهر المبارك يقضون أوقاتهم فيما لا ينفعهم، فتجدهم ما بين نائم أو سامر يقع في عرض إخوانه أو مستقرقاً في مشاهدة القنوات الفضائية الهابطة، والأفلام والمسلسلات الرمضانية – كما يسمونها- وحاشا رمضان أن يكون له أفلام، أو مسلسلات مع ما فيها من اختلاط النساء بالرجال، والموسيقى، وما هو أشنع من ذلك.
لذلك لا بد من تجديد التوبة في هذا الشهر، فهذه فرصتنا للأسباب التالية:
أ. أن مردة الشياطين تصفد، كما روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"(3).
ب. الإقبال النفسي على فعل الخيرات في هذا الشهر ما لا تستطيعه في الأشهر الأخرى.
ج. أن الصوم في نهار رمضان يمنع من القيام بكثير من المعاصي.
ولو كان أمام أعيننا أنه قد يكون آخر رمضان نصومه لسهلت علينا التوبة، فكم من شخص مات قبل أن يبلغه، أما نحن فقد بلغناه الله عز وجل فلندعوه أن يعيننا على صيامه وقيامه.
مقارنة بين أعمارنا وأعمار الأمم السابقة:
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:"أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك"(4).
كانت أعمار السابقين مئات السنين، فهذا نوح -عليه السلام- لبث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون السابقون يوم القيامة".
فكيف يكون لنا السبق، ونحن أقل أعماراً؟! يكون ذلك باستغلال الفرص والتسابق إليها كما يتسابق الناس على الوظائف، والتسجيل في الجامعات، وعلى التخفيضات أيضاً.
ومن أعظم هذه الفرص، الحرص على ليالي العشر الأواخر من رمضان، فإن لم يكن، فعلى الأقل ليلة 21، 23، 25، 27، 29 لأن الراجح أن ليلة القدر لن تعدو إحدى هذه الليالي كما قال صلى الله عليه وسلم:"تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان".
إلا إذا كان هناك اختلاف بين دول العالم الإسلامي في دخول رمضان، فإن الأحوط العمل كل ليالي العشر.
قال سبحانه وتعالى:"ليلة القدر خير من ألف شهر".
منذ أن يؤذن المغرب إلى أن يؤذن الفجر في الغالب لا يتجاوز 12 ساعة.
فكم سنة تعدل ليلة القدر؟ أكثر من ثلاث وثمانين سنة!! فلو حرصت كل الحرص على هذه الليلة حتى لا تفوتك، وذلك بقيام كل ليالي العشر الأخيرة، واستغلال كل ليلة منها كأحسن ما يكون الاستغلال كقدوتنا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما روت عنه عائشة رضي الله عنها:"أنه إذا دخل العشر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله".
ولنحسب عمر واحد منا حرص على القيام في ليالي الوتر لمدة عشر سنوات،فسنجد أن عمره يساوي أكثر من 830 سنة بإذن الله، ولو عشت عشرين سنة بعد بلوغك، وكنت ممن يستغل كل ليالي العشر بالعبادة، لكان خير من 1660 سنة بإذن الله، وبهذا نحقق السبق يوم القيامة، وذلك باستغلال فرص لم تكن للأمم السابقة من اليهود والنصارى.
لذلك منذ أن يدخل شهر رمضان ادع الله أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول.
ماذا تفعل في هذه الليلة؟
- الاستعداد لها منذ الفجر، فبعد صلاة الفجر تحرص على أذكار الصباح كلها، ومن بينها احرص على قول:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة، لماذا؟ لما رواه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كان له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك"(5).
الشاهد: "كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي" حتى لا يدخل عليك الشيطان فيصرفك عن الطاعة.
- احرص على أن تفطر صائماً، إما بدعوته، أو بإرسال إفطاره، أو بدفع مال لتفطيره، وأنت بهذا العمل تكون حصلت على أجر صيام شهر رمضان مرتين لو فطرت كل يوم منذ أن يدخل الشهر إلى آخره صائماً لما رواه زيد بن خالد الجهني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من فطر صائماً كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء"(6).(/1)
- عند غروب الشمس ادع أيضاً أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر.
- جهز صدقتك لهذه الليلة من ليالي العشر، وليكن لك ادخار طوال السنة لتخريجه في هذه الليالي الفاضلة فلا تفوتك ليلة من ليالي الوتر إلا وتخرج صدقتها، فالريال إذا تقبله الله في ليلة القدر قد يساوي أكثر من ثلاثين ألف ريال، و 100 ريال تساوي أكثر من 300 ألف ريال وهكذا، وقد روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه(7)، حتى تكون مثل الجبل"(8) وروى أبو هريرة أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال:" أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان"(9).
فإن أخفيتها كان أعظم لأجرك فتدخل بإذن الله ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، لما رواه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (10).
- منذ أن تغرب الشمس احرص على القيام بالفرائض والسنن، فمثلاً منذ أن يؤذن ردد مع المؤذن ثم قل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، فمن قال ذلك غُفر له ذنبه كما روي عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً(11) ثم قل: اللهم رب هذه الدعوة التامة... إلخ، لما رواه جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة"(12).
- ثم بكر بالفطور احتساباً، وعند تقريبك لفطورك ليكن رطباً محتسباً أيضاً، ولا تنس الدعاء في هذه اللحظات، وليكن من ضمن دعائك: اللهم أعني ووفقني لقيام ليلة القدر، ثم توضأ وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بادر بالنافلة بين الأذان والإقامة؛ لما رواه أنس -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرون السواري حتى يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء"(13). ثم صل صلاة مودع(14)كلها خشوع واطمئنان، ثم اذكر أذكار الصلاة، ثم صل السنة الراتبة، ثم اذكر أذكار المساء -إن لم تكن قلتها عصراً- ومنها "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ لتكون في حرز من الشيطان ليلتك هذه حتى تصبح، كما سبق أن ذكرنا، ثم نوِّع في العبادة:
- لا يفتر لسانك من دعائك بـ "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
- إن كان لك والدان فبرهما وتقرب منهما، واقض حوائجهما وافطر معهما.
- ثم بادر بالذهاب إلى المسجد قبل الأذان، لتصلي سنة دخول المسجد، ولتتهيأ بانقطاعك عن الدنيا ومشاغلها علك تخشع في صلاتك، ثم إذا أذن ردد معه وقل أذكار الأذان ثم صل النافلة، ثم اذكر الله حتى تقام الصلاة، أو اقرأ في المصحف، واعلم أنك ما دمت في انتظار الصلاة فأنت في صلاة كما روى ذلك أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول اللهم اغفر له وارحمه، ما لم يقم من صلاته أو يحدث"(15).
- ثم إذا أقيمت الصلاة صل بخشوع، فكلما قرأ الإمام آية استشعر قراءته، وكن مع كلام ربك حتى ينصرف الإمام.
- ثم عد إلى بيتك، ولا يكن هذا هو آخر العهد بالعبادة حتى صلاة القيام، بل ليكن في بيتك أوفر الحظ والنصيب من العبادة سواء بالصلاة أو بغيرها.
- ولا تنس -قبل خروجك من المسجد- أن تضع صدقة هذه الليلة، وإذا كان يصعب عليك إخراج صدقة كل ليلة من هذه الليالي فمن الممكن أن تعطي كل صدقتك قبل رمضان أو قبل العشر الأواخر جهة خيرية توكلها بإخراج جزء منها كل ليلة من ليالي العشر.(/2)
- ولا تنس وأنت في طريقك من وإلى المسجد أن يكون لسانك رطباً من ذكر الله، ولا تنس سيد الاستغفار هذه الليلة:"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال صلى الله عليه وسلم:"من قاله فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة"(16)، وما بين تهليل وتسبيح وتحميد وتكبير وحوقلة؛ لما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل وما هن يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله"(17)وما بين صلاة على رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فإذا دخلت بيتك تلمَّس حاجة من هم في البيت، سواء والداك أو زوجتك أو إخوانك أو أطفالك، فقم بخدمة الجميع بانشراح الصدر واحتساب واستغل القيام بحوائجهم بقراءة القرآن عن ظهر قلب، فقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في الأجر، كما روى أبو الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قال:"وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: قل هو الله أحد ثلث القرآن"(18). فإذا قرأتها ثلاث مرات حصلت على أجر قراءة القرآن كاملاً، ولكن ليس معنى هذا هجر القرآن، ولكن هذا له أوقات وهذا له أوقات، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن في الأجر(19)، وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، أخرجه سعيد بن منصور في سننه، كما قاله عبد الله موقوفاً، ثم قل:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ ليكون لك عدل عشر رقاب، ولتكتب لك مئة حسنة، وتمحى عنك مئة سيئة، ولتكن حرزاً لك من الشيطان حتى تصبح ولم يأت بأفضل مما جئت به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، واحرص على كل ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من الأذكار ذات الأجور العظيمة، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمه:"ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات والأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله ملء ما أحصى كتابه، الحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء وتسبح مثلهن، ثم قال: تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك"(20) وقال صلى الله عليه وسلم:"من قال سبحان الله وبحمده مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(21)وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه"(22)وفي بعض الروايات "سبحان الله العظيم وبحمده مئة مرة" (23)وكلما ذُكرت الكفارة أو الغفران – غفران الذنوب- وحط الخطايا، فالمقصود بها الصغائر، أما الكبائر فلا بد من التوبة، أما إن كانت هذه الكبيرة متعلقة بحقوق الآدميين فلا بد من الاستحلال مع التوبة أو المقاصة يوم القيامة؛ لما رواه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-:"من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"(24)ولا يغرك في الغيبة ما يردده البعض أن كفارة من اغتبته أن تستغفر له، فهذا حديث أقل أحواله أنه شديد الضعف، وهو يعارض الحديث السابق الصحيح، ومن أعظم حقوق الآدميين: الغيبة والنميمة والسخرية، والاستهزاء والسب، والشتم وشهادة الزور، قال صلى الله عليه وسلم:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" (25).
فإذا فرغت من خدمة الجميع والأعمال البدنية، ليكن لك جلسة مع كتاب ربك فتقرأه، وليكن لك قراءتان في شهر رمضان إحداهما سريعة "الحدر" والأخرى بتأمل مع التفسير إذا أشكل عليك آية، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه:"لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله.
فإذا أنهك جسدك فألقه على السرير وأنت تذكر ربك بالتهليل والتسبيح والتحميد والحوقلة والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
- فإن نمت فأنت مأجور -بإذن الله- ثم استيقظ لصلاة قيام الليل في المسجد، وليكن لك ساعة خلوة مع ربك ساعة السحر فتفكر في عظمة خالقك، ونعمه التي لا تحصى عليك مهما كنت فيه من حال أو شدة فأنت أحسن حالاً ممن هو أشد منك كما قال صلى الله عليه وسلم:"انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلا من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله"(26).
- وتذكر هادم اللذات عل عينيك أن تدمع فتكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما قال صلى الله عليه وسلم:"ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.." (27).(/3)
- وتذكر ما رواه جابر بن سمرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"أتاني جبريل، فقال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله، قل آمين. فقلت: آمين..." (28) الحديث. فهذه العشر هي والله الغنيمة الباردة، وفي هذا الشهر فرص ومواسم من لم يستغلها تذهب ولا ترجع..
- أخيراً وقبيل الفجر لا بد من السحور ولو بماء، مع احتساب العمل بالسنة؛ لما رواه أنس رضي الله تعالى عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم:"تسحروا فإن في السحور بركة"(29) ثم تسوك وتوضأ واستعد لصلاة الفجر وأنت إما في ذكر أو دعاء أو قراءة قرآن.
- ولا بد من التنبيه على بعض الأخطاء، ومنها:
1- أن البعض قد يشيع في ليلة 23 أو 25 أن فلاناً رأى رؤياً، وأن تعبيرها أن ليلة القدر مثلاً ليلة 21 أو 23. فماذا يفعل البطالون؟ يتوقفون عن العمل باقي ليالي العشر، حتى أن البعض قد يكون في مكة فيعود، لماذا؟ انقضت ليلة القدر في نظره. وفي هذا من الأخطاء ما فيها، ومنها: أن هذا قد يكون حلماً وليس رؤياً. أن المعبر حتى وإن عبرها بأنها ليلة 21 أو 23 أو غيرها ليس بشرط أن يكون أصاب، فهذا أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- عبر رؤيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً"(30) فإذا كان أبو بكر وهو خير الخلق بعد الأنبياء يصيب ويخطئ، فما بالك بغيره. والذي يظهر لي أن هذا من تلبيس إبليس، ليصد المؤمنين عن العمل باقي ليالي العشر. والله أعلم.
وأخيراً.. الأيام معدودة، والعمر قصير، ولا تعلم متى يأتيك الأجل، ولا تدري لعلك لا تبلغ رمضان، وإن بلغته لعلك لا تكمله، وإن أكملته لعله يكون آخر رمضان في حياتنا.
فهذا يخرج من بيته سليماً معافى فينعى إلى أهله، وهذا يلبس ملابسه ولا يدري هل سينزعها أم ستنزع منه؟
لذلك كله علينا أن نستحضر هذه النعمة العظيمة أن بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه وصالح الأعمال، فكم من شخص مات قبل أن يبلغه، وكم من مريض مر عليه رمضان كغيره من الشهور، وكم من عاص لله ضال عن الطريق المستقيم ما ازداد في رمضان إلا بعداً وخساراً، وأنت يوفقك الله للصيام والقيام، فاحمد الله على هذه النعمة الجليلة، واستغلها أيما استغلال.
________________________________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (ك صلاة التراويح ب 1 فضل ليلة القدر 2/709 ح (1910).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الإيمان ب 6 تطوع قيام رمضان من الإيمان 2/22 ح (37).
(3) أخرجه النسائي في سننه الصغرى (ك الصيام ب فضل شهر رمضان ص 336 ح (2106).
(4) أخرجه ابن حبان في صحيحه (ك الجنائز، فصل في أعمار هذه الأمة 7/246 ح (2980).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه (ك بدء الخلق ب 11 صفة إبليس وجنوده ص 266 ح (3293).
(6) أخرجه ابن حبان في صحيحه (ك الصوم ب فضل الصوم، ذكر تفضيل الله جل وعلا بإعطاء المفطر المسلم مثل أجره 8/216 ح (3429).
(7) فرسه.
(8) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الزكاة ب الصدقة من كسب طيب ص 111 ح (1410).
(9) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الزكاة ب 11 فضل صدقة الشحيح الصحيح ص 111 ح (1419).
(10) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الزكاة ب 16 الصدقة باليمين ص 112 ح (1423).
(11) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (ك الصلاة ب 62 فضيلة الشهادة لله عز وجل بوحدانيته 1/220 ح (421).
(12) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الآذان ب الدعاء عند النداء 1/222 ح (589).
(13) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الأذان ب 14 كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر إقامة الصلاة ص 50 ح (625).
(14) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/244 ح (3670) وعزاه لأبي محمد الإبراهيمي في كتاب الصلاة، ولابن النجار من رواية ابن عمر وحكم عليه بأنه حسن.
(15) أخرجه البخاري في صحيحه (ك بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه 3/1180 ح (3057).
(16) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الدعوات ب أفضل الاستغفار 5/2323 ح (5947).
(17) أخرجه ابن حبان في صحيحه باب الأذكار، ذكر البيان بأن الكلمات التي ذكرناها مع البشرى من الحول والقوة إلا بالله مع الباقيات الصالحات 3/121 ح 840 .
(18) أخرجه مسلم في صحيحه.
(19) أخرجه الترمذي.
(20) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (2612).
(21) أخرجه مسلم في صحيحه ح (2691).
(22) أخرجه مسلم في صحيحه ح (2692).
(23) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (6301).
(24) أخرجه البخاري في صحيحه ح (2449).
(25) أخرجه مسلم في صحيحه ح (552).
(26) أخرجه مسلم في صحيحه (7430).
(27) أخرجه البخاري في صحيحه ح (660) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(28) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (75).
(29) أخرجه البخاري في صحيحه ح (1923).
(30) أخرجه البخاري في صحيحه ح (7046).(/4)
كيف تكون إيجابيًا
رئيسي :تربية :الأثنين 4ربيع الآخر 1425هـ - 24 مايو 2004 م
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله،وبعد،،،
المقصود بهذا العنوان:' كيف تكون إيجابيًا ' هو:كيف يكون الإنسان نافعًا.. كيف يكون الإنسان إيجابيًا في نفع المسلمين، وفي نفع إخوانه في القيام بما أوجب الله من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كيف يكون إيمانيًا، فيتألم ويتحرق لما يراه من حال المسلمين، فيكون عنده من الهم ما يبعث لديه همه فيجعله ينطلق نحو عمل الخير بجميع وسائله وطرقه، لا يحول دون ذلك حائل. ، ونحن بحاجة ماسة لهذا، خصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، ونشط فيه أهل الباطل نشاطًا لم يسبق، ولهم من الإمكانيات ما لا يخفى حتى استطاعوا بهذه الإمكانيات أن يغزو المسلمين في بيوتهم. وهذا أمر لا شك أن ظاهره ونتائجه جلية واضحة، وهم والله يعملون على مدار الساعة والأهداف معروفة ومرسومة.
لكن ينبغي أن تنظر إلى هذا بأنه الزبد الذي يذهب جفاء لكن بشرط أن يوجد الحق، وأن يوضح الحق، والله سبحانه قضى أن الحق لابد له من رجال يحملونه مؤهلون لذلك. وانظروا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد قام وحيدًا ينادي الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، أنقذوا أنفسكم من النار، ولم يكن معه أحد، فقام عليه الصلاة والسلام على تربية جيل ورجال يحملون معه هذه المسئولية التي حمله الله إياها، فأخذ يدعو الله، وجاء من حوله أصحابه وأتباعه، ولما اقبلوا إلى الإسلام راغبين نالهم من الأذى والمشقة، ومن التعدي والظلم، ومن الضرب والبطش الشيء الكثير حتى كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه أن يستنصر لهم، أن يطلب النصر:' أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا'رواه البخاري.
فكان عليه الصلاة والسلام يثبتهم بذكر أمثال الأمم السابقة وهذا منهج في القرآن، فمن الوسائل التي ثبت بها النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أخبار السابقين، وأنه له فيها سلف، وهو كذلك كان يقص فكان يقول لهم: [ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الارْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الاَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ] رواه البخاري. وربما قص لهم خبرًا طويلًا كما في حديث صهيب عند مسلم في خبر الغلام المؤمن، فهذا كان من وسائل التثبيت لهم رضي الله عنه، ولما اشتد الأذى أمرهم بالهجرة إلى الحبشة كل هذا ولم يأت شيء من القوة التي يستطيع النبي صلى الله عليه وسلم أن يدافع وأن يجاهد بها ذلك الباطل.
فكانت مرحلة تربية، حتى يكونوا جديرين بحمل هذا الحق، بحمل هذا القول الثقيل:{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[5]}[سورة المزمل]. وهكذا وجد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكانوا قد أهلوا ليحملوا هذا الحق، ويجابهوا به الباطل، فانطلقوا وفي فترة قياسية ما يقارب عشرين سنة عمَّ الإسلام الأرض تقريبًا في ذلك الوقت ودانت الدنيا بلا إله إلا الله.
فهذه إشارة إلى أن الحق لا بد له من رجاله يحملون، يجابهون به أهل الباطل، كما يقول سبحانه: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ[18]}[سورة الأنبياء].
وليس هناك حق أجلى ولا أوضح من الحق الذي في أيدي المسلمين: كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأمة لن تضل ما تمسكت به.
فهذا الذي نراه من الباطل كله يذهب لو قام أهل الحق بما يجب عليهم، فبينوه، لكن المشكل في أن الباطل يمتد، وأهل الحق كثير منهم لا يقومون بما يجب عليهم.. هناك ضعف، أو شك في الامكانيات، أو خوف من إمكانيات أهل الباطل. كل هذه الأمور ينبغي أن تنمحي من الأذهان، ولا يمنعنا كل ذلك أن نقوم لله بما يجب؛ لأن الخطر في القعود والسكوت:{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[38]}[سورة محمد]. لا بد أن نري ربنا من أنفسنا أننا جديرون بحمل هذه الرسالة وتبليغها للناس، والقيام بما يجب علينا.
من عجائب قصة النملة:(/1)
ولا يحتقر الإنسان نفسه، فلو تأملنا القرآن؛ نجد الله ضرب لنا مثلًا عجيبًا يلفت أنظار الناس ففي سورة النمل ذكر قصة النمل مع سليمان، يقول سبحانه:{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ[17]حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ[18]} [سورة النمل]. لماذا هذه القصة؟
من فوائد هذه القصة: تأملوا فهذه نملة قومها كثر، حتى سمى الوادي بوادي النمل وهي واحدة:
فأولاً: هي شعرت بالخطر المحدق بقومها، فلم تهتم بنفسها فقط، وتذهب، بل حملت هم قومها.
ثانيًا: لم تهتم فقط بمن حولها من مئات النمل، ولكنها تجاوزت ما هو أكثر من ذلك فإذا هي تنادي جميع النمل{ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ} تنبههم للخطر القادم. ولا حظوا أنها ما احتقرت نفسها، ما قالت: ما قدري في هذا المجتمع، فالنمل كثير جدًاف لكنها رأت أن عليها واجبًا يجب أن تقوم به، فقامت به.
ثالثًا: الجيش كبير: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} فما ضعفت لما رأته، ولكنها قامت بما يجب عليها.
رابعًا: هذه النملة تعتذر عن سليمان وجنوده، فتقول:{ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}. فحذرت من الخطر مع أنها أمام أمة لا تريد بها شرًا، فنحن أولى بالتحذير فجيوش الباطل هذه تريد بنا شرًا واضحًا، فلا يريدون بقاء الإسلام، يحسدون هذه الأمة على ما هي فيه من استقامة وطهر وعفاف { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً...[89]}[سورة النساء]. و{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ...[109]}[سورة البقرة]. هكذا أخبر الله جل وعلا.
فهذه نملة عجيبة، لها همّة، عندها اهتمام ليس عند كثير منّا.
والهدهد أيضًا !
وفي السورة نفسها ذكر الله قصة هدهد سليمان، وكيف أن هذا الهدهد لما رأى أمة تعبد غير الله تأثر لذلك، والقصة طويلة ولكن نجد في آخرها قوله تعالى:{...قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[44]}[سورة النمل]، فما الذي جرى؟ أمة أسلمت لله، فمن كان السبب؟
إنه الهدهد، هذا الطائر قام لما رأهم يسجدون للشمس من دون الله لم يعجبه هذا الأمر، فقام وأوصل الأمر إلى من يستطيع تغيير هذا المنكر؛ ليقوم بما يجب عليه لله حيال إنكار هذا الشيء الذي لا ينبغي أن يبقى.ونحن نحتاج إلى هذا الأمر خصوصًا في الزمن الذي ينشط فيه أهل الباطل، فماذا فعلنا نحن؟
إن المسئولية عظيمة فلا يكفي أن يجلس كثير منا يهز رأسه كلما سمع بفتنة حصلت، أو شر انتشر، أو داء تفشي .. سبحان الله.. نظل نسمع ونهز رؤوسنا، ونقول: الله المستعان، وينجح أهل الباطل، ماذا فعلنا لكي نصلح هذا الواقع؟!
الخير لا يزال موجودًا رآه، فما في قلوب بعض الناس من أن الزمان قد فسد، والناس خربت، وأننا لا نستطيع أن نغير في هذا الوقت.
لهذا كله لا يصح، فنستطيع إذا قمنا بما يجب، إذا صدقنا مع الله وأخلصنا لله، فالله سبحانه يفتح ويوفق ما لم يخطر في بال الإنسان، لكن الإنسان ينطلق وهو واثق بربه، فالذين نخشى شرهم وباطلهم هم عبيد لله، نواصيهم بيده، قلوبهم بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فالله سبحانه ينصر عباده ويعين.
وما صدق إنسان في دعوته وفي نشاطه الحق إلا وفقه الله. نسمع الآن عن شباب يذهبون يدعون في بعض جهات أناس أهل بدعة، وأهل ضلال، يرون أنفسهم على حق، فتعود قرى بأكملها إلى السنة وإلى الاستقامة وإلى التوحيد ربما على يد رجل واحد..فالإنسان متى كان عنده نية العمل وأصبح قلبه متحرقًا لما يرى من الفساد، ومن كثرته، ومن انتشاره؛ فإن الله إذا علم منه الصدق؛ سدده وفتح عليه أمورًا ما لم تكن في باله.
لكن المشكلة أن يعمل أهل الباطل، ونحن نقف مكتوفي الأيدي، ويظن بعضنا أن العمل لدين الله محصور في خطبة، أو محاضرة..وما إلى ذلك، لا.. فأبواب العمل لدين الله واسعة ليست محصورة في كرسي أو منبر. ومن أراد أن يعمل فالميدان أمامه. ونحن بحاجة لكل عامل، وبحاجة لكل جهد ولو قليلاً، والنبي صلى الله عليه وسلم ما ترك لأحد حجة وهو يقول: [بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً] رواه البخاري.(/2)
وركام الباطل حجب بين الناس وبين الخير حتى أن بعض الأمور السهلة، و الأحكام الظاهرة أصبح بعض المسلمين لا يعرفونها اليوم.. لماذا؟ للتقصير في الدعوة، والتقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ]رواه مسلم. فأين الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن الكثير من المنكرات الموجودة في المجتمع تبدأ على استحياء شيئًا فشيئًا، فلو كان المنكر عندما يظهر نقوم بإنكاره، وبيان الحق، وبيان الحكم الشرعي؛ لوجدنا استجابة وربما انتهى أمره، فأين غضبنا لله سبحانه؟!
فلابد من بذل الجهود، ومن مضاعفتها، وأن يدعو بعضنا بعضًا إلى الخير، ولا يكفي صلاح الإنسان في ذاته، فالله سبحانه ذكر في كتابه أن العذاب لم يسلط على أهل بلد وفيها من يدعو إلى الإصلاح، وهم المصلحون:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[117]} [سورة هود]. أما وجود الصالح فليس ضمانًا لسلامة المجتمع من عذاب الله، فقد قالت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ' يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ' قَالَ: [نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث] رواه البخاري ومسلم. وهي المعاصي بأنواعها، فالصالح ينبغي أن يقوم بدوره في الوقوف في وجه الخبث، وذلك على حسب توجيه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
من دوافع الإيجابية:
من الجوانب التي تدفعنا إلى هذا الخير علم الإنسان بما يترتب من أجر وثواب على هذا العمل العظيم، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ] ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ]رواه الترمذي. انظر كم المسافة سيد ولد آدم وبين أدناكم.. هكذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم المقارنة.
و ليس المقصود مجرد العلم الذي لا ينفع صاحبه، فإن يقول: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]} [سورة العصر] . فهذه أربع قضايا مهمة في هذه السورة مترابطة بعضها ببعض، لابد من القيام بها حتى تنجو من الخسارة { وَالْعَصْرِ[1]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]} [سورة العصر] . فالمقصود أثر العالم على الأمة، أثره على الناس، ولن يكون له ذلك الأثر إن لم يكن عاملًا أولا بعلمه.
فالإنسان إذا علم بالأمور المترتبة على هذا العمل العظيم فإن ذلك يكون سببًا في أن يستهين بالصعاب التي ربما واجهها وهو يعمل هذا العمل، عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ]رواه الترمذي. فأي فضل هذا!
وهذا التعليم أحيانًا تقوم به بنفسك، وأحيانًا تكون سببًا في إيصال العلم والخير إلى الغير وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ]رواه مسلم. فلماذا لا تكون دليل خير؟
فقد يدعو الإنسان إلى شيء من الخير إعذارا إلى الله، ولكن قد يضعف الإنسان فلا يقوم بهذا العمل، فيلتقفه إنسان يسمع منك، فيقوم بهذا العمل أو الشيء الذي دعوت إليه، فيكتب لك الأجر كما عمله هو. بل الأمر أعظم من ذلك، ربما تكلم إنسان فاهتدى بسبب هذه الدعوة رجل أو امرأة، ثم أصبح هذا الإنسان داعية، أو ربما أصبح مجاهدًا في سبيل الله، أو ربما قتل شهيدًا في سبيل الله، فما من خير يحصل عليه إلا كتب لك منه مثله؛ لأنك أنت الذي دللته إلى الخير.
وهذا والله ما ينبغي أن نتنافس فيه، وأن تسعى في تحصيله، وأن يكون أحد الأهداف في حياه الإنسان، ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، لقد كان من أهم المهمات في حياته عليه الصلاة والسلام إنقاذ الناس من الظلام، هداية الناس { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا[6]} [سورة الكهف].(/3)
عائشة رضي الله تعالى عنها وقع في نفسها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مر به شدة كما مر به يوم أحد، فأخذت تسأل هل مر بك شيء أشد مما في يوم أحد، فذكر أن لا إلا ما حصل في الطائف، وليست القضية أنهم رموه بالحجارة، إنما أكثر ما أثر فيه عليه الصلاة والسلام هو عدم قبول دعوته، أثر فيه أنه لا يجد أرضا خصبة لـ لا إله إلا الله.
يقول بعض الصحابة:'رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لعشر سنين وهو في مكة يعرض نفسه على القبائل في المواسم'.
يمشي فيعرض عليهم دين الله لا يمل ولا يكل في كل مكان حتى في الأسواق.
وهو لنا أسوة، وهذا الدين أمانة في أعناق من بعده، وهكذا تسلسلت هذه المسئولية حتى وصلت إلينا، فإما أن نقوم بها كما ينبغي، وإلا فنحن نخشى على أنفسنا أن نخسر قبل غيرنا. وصلى الله على محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
من محاضرة:'كيف تكون إيجابيًا' للشيخ/ عبد الله بن أحمد القحطاني(/4)
كيف تكون اسعد الناس :
1. اترك المستقبل حتى يأتي , ولا تهتم بالغد لأنك إذا أصلحت يومك صلح غدك.
2. ما مضى فات,وما ذهب مات,فلا تفكر فيما مضى,فقد ذهب و انقضى.
3. عليك بالمشي و الرياضة, واجتنب الكسل و الخمول , واهجر الفراغ و البطالة.
4. جدد حياتك , ونوع أساليب معيشتك, وغير من الروتين الذي تعيشه.
5. أهجر المنبهات و الإكثار من الشاي و القهوة, واحذر التدخين و الشيشة و غيرها.
6. كرر(لا حول و لاقوة إلا بالله) فإنها تشرح البال, وتصلح الحال, وتحمل بها الأثقال, وترضى ذا الجلال.
7. أكثر من الاستغفار, فمعه الرزق و الفرج و الذرية و العلم النافع و التيسير و حط الخطايا.
8. البلاء يقرب بينك و بين الله و يعلمك الدعاء ويذهب عنك الكبر و العجب و الفخر.
9. لا تجالس البغضاء و الثقلاء و الحسدة فإنهم حمى الروح,وهم حملة الأحزان.
10.إياك و الذنوب,فإنها مصدر الهموم والأحزان و هي سبب النكبات و باب المصائب والأزمات.
11.لا تتأثر من القول القبيح و الكلام السيئ الذي يقال فيك فإنه يؤذي قائلة ولا يؤذيك.
12.سب أعدائك لك وشتم حسادك يساوي قيمتك لأنك أصبحت شيئا ً مذكورا ًورجلاً مهماً.
13. اعلم أن من اغتابك فقد أهدى لك حسناته و حط من سيئاتك وجعلك مشهورا ً بين,وهذه نعمة.
14. أبسط وجهك للناس تكسب ودهم, وألن لهم الكلام يحبوك, وتواضع لهم يجلوك.
15.ابدأ الناس بالسلام و حيهم بالبسمة وأعرهم الاهتمام لتكن حبياً إلى قلوبهم قريباً منهم.
16.لا تضيع عمرك في التنقل بين التخصصات و الوظائف و المهن, فإن معنى هذا أنك لم تنجح في شيء.
17.كن واسع الأفق و التمس الأعذار لمن أساء إليك لتعش في سكينة و هدوء, وإياك و محاولة الانتقام.
18.لاتفرح أعداءك بغضبك و حزنك فإن هذا ما يريدون,فلا تحقق أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك.
19. اهجر العشق و الغرام و الحب المحرم فإنه عذاب للروح ومرض للقلب , وافزع إلى الله و إلى ذكره و طاعته.
20.أنت الذي تلون حياتك بنظرتك إليها, فحياتك من صنع أفكارك, فلا تضع نظارة سوداء على عينيك.
21.إذا و قعت في ازمة فتذكر كم أزمة مرت بك و نجاك الله منها, حينها تعلم أن من عافاك في الاولى سيعافيك في الاخرى.
32.لا شيء يساوي حسن اتصالك بالله.(/1)
كيف تكون الزوجة جذابة؟
مفكرة الإسلام: هل الجاذبية حسية أم معنوية؟!
هل تكون المرأة جذابة بجمال شكلها أم بملابسها أم بعطرها أم بمرونتها أم بابتسامتها أم بأخلاقها أم بتفهمها لزوجها... أم... أم... أم بكل ما ذكرنا جميعًا ؟
عزيزتي الزوجة القارئة:
هناك نوعان من الجمال والجاذبية:
الجمال الحسي: وهو الجمال الظاهري الذي يُدرك بالحواس.
الجمال المعنوي: وهو لا يُدرك إلا بالمعاشرة والمخالطة والاحتكاك.
والجاذبية بنوعيها الحسي والمعنوي لها أهميتها في الحياة الزوجية.
الجاذبية الحسية:
فنعني به كل ما يتعلق بالشكل والتجديد فيه؛ مثل تسريحة الشعر، والعطور، وأنواع الزينة، والمكياج وألوانه، والملابس الجذابة... وغيره, وكل ما يمكن أن يجعل المرأة جميلة الشكل والمنظر, كل ذلك يزيد من جاذبية المرأة ويقربها من زوجها.
وفي الحقيقة لنا مع الملابس وقفة لمدى أهميتها وتأثيرها في النفوس؛ فهي من عوامل الانجذاب الحسي وتنمية الحس الجمالي والذوق الرفيع، ولها وظائف متعددة خلال الحياة اليومية للزوجين؛ إذ إنها تعكس مدى التوافق والانسجام الزوجي المزاجي والتناغم الوجداني بينهما, وتثير كوامن العاطفة.
وفي الواقع يستطيع أي من الزوجين باختياره لشكل ولون وملمس وتناسق ملبسه أن يعبر عن مدى اهتمامه بشريك حياته؛ فبإهمال الملبس يعطي للزوج إحساسًا بأن زوجته لا تهتم به ولا تحرص على سعادته، والعكس.
كما أن الاهتمام بالملبس يعني أن الزوجة تحافظ على مشاعر زوجها وتهتم بوجوده في حياتها وتحرص على أن يراها جميلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'إن الله جميل يحب الجمال'، وجعل من صفات المرأة الصالحة: 'إذا نظر إليها سرته'.
وهذا ليس واجبًا على الزوجة فقط, بل الزوج مدعو أيضًا إلى التزين لزوجته، ورحم الله ابن عباس حين قال: 'والله إني لأحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي'.
ولأن الملبس هو أول ما يلفت الزوج من زوجته قبل تعبيرات وجهها وكلماتها, فهو يُعتبر رسالة غير منطوقة 'أي صامتة' تُعبر بوضوح عن حالتها الوجدانية, وقد يكون طلبًا رقيقًا تخجل الكلمات من التعبير عنه.
فمثلاً إذا خرج الزوج من البيت بعد مناقشة حادة إثر مشكلة معينة وعاد فوجد زوجته قد ارتدت أفضل ما عندها من الثياب المبهجة، فهي بهذا السلوك الرائع النبيل قد أرسلت له رسالة تهدف إلى طي لحظات الشقاق وتجاوز الخلاف والرغبة في المودة والسكن, أما إذا ظلّت على حالتها السابقة فهي بذلك تخفي نية ضمنية على استمرار أجواء النكد والكدر والخلاف.
وتستطيع الزوجة الذكية اختيار الملبس الذي يظهر مواطن جمالها ويخفي أية نواقص أو عيوب، كما تستطيع اختيار الألوان المناسبة للون بشرتها الذي يضفي عليها إشراقًا وبهجة.
والزوجة تعلم بحسها الأنثوي وخبرتها ما يثير زوجها ويرغبه فيها؛ وذلك باختيار الملابس التي تبرز مواطن فتنتها, وهذا له تأثير كبير على المزاج النفسي للزوج، وفي تحقيق الانجذاب بين الشريكين.
أما الجاذبية المعنوية: فسنبدأها بـ:
1ـ الخلق الحسن:
سُئلت إحدى الزوجات: كيف تتعاملين مع الخلافات الزوجية؟
فقالت: 'ليس هناك شيء مستحيل في حياتي، فهذه الخلافات مهما كان حجمها يمكن تجاوزها بالكلمة الحلوة، وأنا أعتبر أن الكلمة الحلوة نوع من السحر الحلال, وأحاول امتصاص الغضب وعدم الثأر لنفسي على حساب علاقتي بزوجي، وعدم مناقشته أثناء الغضب, بل إنني أسعى دائمًا للتأكيد على أن رضا زوجي هو أهم شيء في حياتي، وكل رجل له مفتاح لشخصيته, وعلى كل زوجة أن تعرف هذا المفتاح، فأحيانًا يسعد الرجل إذا كانت زوجته على وئام مع أهله، وأحيانًا أخرى إذا حققت الزوجة بعض الأشياء التي يحبها كأن تزينت له أو أعدت له طبقًا مفضلاً أو استقبلته بشكل معين، وعلى أية حال فالصبر هو أهم شيء في الحياة الزوجية؛ لأن الحياة بصفة عامة عبارة عن مشقة وتعب، فما بالنا بالحياة الزوجية ومسئولياتها...'.
نفهم من هذا الكلام أن الكلمة لها مفعول السحر، وقد أكّد الإسلام على أهمية الخلق الحسن، فقال صلى الله عليه وسلم: 'ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يقوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء', ويقول صلى الله عليه وسلم: 'الكلمة الطيبة صدقة', فالأخلاق أساس بناء العلاقات بين الناس, فكيف بالحال بين الأزواج.
اختاري عزيزتي الزوجة أحسن الكلمات للزوج، يقول الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء: 53], فرب كلمة طائشة تفسد صفاء العلاقة بين الزوجين، ونحن نقول هذا للزوجة وللزوج أيضًا، فالأمر في الآية على وجه العموم {لِعِبَادِي} من الرجال والنساء.
2ـ ابتسمي وكوني صاحبة دعابة:(/1)
الابتسامة وروح الدعابة والمرح من السحر الحلال الذي على المرأة والرجل أيضًا تعلمه, ونعني بذلك الابتسامة الحقيقية التي تأتي من أعماق النفس التي تقول لك عن صاحبها: 'إني أحبك، إنك تمنحني السعادة، إني سعيد برؤيتك'.
فالابتسامة الصادقة تأسر القلوب وتسحر النفوس، ولها رونق وجمال وتعابير, وتضفي على وجه صاحبها ما لا يضفيه العبوس, فالابتسامة تعتبر بمثابة الكنز الذي لا يكلفك درهمًا ولا دينارًا، فهي مفتاح كل خير ومغلاق كل شر, ولها أثر عجيب في نفوس الآخرين؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: 'تبسمك في وجه أخيك صدقة'، وقال أيضًا: 'لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق'.
ويقول المثل الصيني: [إن الذي لا يحسن الابتسامة لا ينبغي أن يفتح متجرًا].
ومن الحقائق المهمة أن الابتسامة الصادقة تعبر عن شخصية سوية، بينما التجهم هو تعبير عن شخصية مريضة, وفي كتاب دراسات في علم النفس الإسلامي، للدكتور محمود البستاني قال: 'عندما يبتسم الإنسان تشترك في وجهه ثلاث عشرة عضلة، ولكن في حالة عبوسه تقوم بالعمل سبع وأربعون عضلة'، ويذهب العلماء إلى أن الشخص المبتسم يتمتع أيضًا بنبض سليم ومتزن, وأن الابتسامة تساعد على تخفيف ضغط الدم وتُعتبر وقاية من أمراض العصر.
وهنا نقول: إنه لا ينبغي أبدًا أن نستسلم للظروف ونكتئب كما قال الشيخ عبد الحميد البلالي في كتابه الصغير 'ابتسم': 'لابد أن تكون لنا إرادة قوية نتعالى بها على الهم والمصيبة, ولنتذكر أننا لن نغير شيئًا مما قدره الله علينا بغضبنا وهمنا وعبوسنا, وإننا سنخسر الكثير من صحتنا عندما نغضب, ونخسر الآخرين عندما نعبس، وقد نخسر الدين عندما يتجاوز الهم والغضب إلى الاحتجاج على قدر الله تعالى, ولنستيقن دائمًا بالقاعدة التي أخبرنا بها رسولنا صلى الله عليه وسلم: 'إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم'.
فإذا لم تكن البشاشة من طبعنا فلنتعلم كيف نبتسم, ولنحاول أن يكون ذلك من طبيعتنا بعد أن نتذكر ثمار الابتسامة, وبعدها حقًا سنكون قد أتقنا مهارة السحر الحلال التي هي من أسرار الجاذبية الشخصية.
وتذكر معي عزيزي القارئ:
يقول الإمام ابن عيينة: 'البشاشة مصيدة المودة، والبر شيء هين: وجه طليق وكلام لين'.
3ـ التفاهم والمرونة:
تقول إحدى الزوجات: 'كل شيء في حياتي يخضع للتفاهم والاتفاق'.
فمحاولة فهم كل طرف للشريك الآخر تضفي على الشريك جاذبية معنوية عالية.
وكذلك المرونة مهمة جدًا في التعامل مع المواقف والأحداث، يقول د. إبراهيم الفقي: 'المرونة قوة', والمرونة أيضًا تضفي على الشخصية نوعًا من الجاذبية.
إن الزوجين الناجحين يتعاملان مع بعضهما بما يتناسب مع الفترة الزمنية التي يعيشانها والظروف الحياتية التي يمران بها، وهذا يتطلب بلا شك مرونة كبيرة وفهمًا واسعًا للأمور.
ولقد درستُ فيما يتعلق بمهارات الاتصال ما يسمى بالمهارات الحياتية, ومن هذه المهارات: التفكير الإبداعي والتخيل الابتكاري، فمثلاً في حال الخلافات الزوجية إذا جاء الزوج إلى المنزل في وقت الخلافات فعلى الزوجة أن تفكر ماذا ستفعل وما ستنشغل به وماذا تقول إذا بدأ الزوج في الكلام وغير ذلك، وكل هذا يتطلب مرونة وتفكير متجدد حسب الموقف.
وإلى اللقاء في مقال جديد في محاولة لرأب الصدع بين الزوجين
وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه الخير للأسرة المسلمة التي نرجو من الله أن تكون سعيدة(/2)
كيف تكون قيادياً وتُحرك الناس؟
يعرّف الإداريون القيادة بأنها :"القدرة على تحريك الناس نحو هدف معين".
وقيادة الناس أمانة، وهي من أصعب الأمور، وذلك بسبب اختلاف طبائعهم، والأمور المحيطة بهم، ويحتاج القائد إلى فن في التعامل، ورُقي في أسلوب المحاورة للوصول إلى الهدف المنشود.
وحتى يكون القائد بهذه المثابة، فلا بدَّ من أن يكون صاحب تجربّة فذّة، وممارسة لهذه الصنعة.
والمتتبع للقادة المهرة، يجد أنهم شاركوا في ميادين العمل كثيراً، وصاغتهم التجارب منذ أن كانوا مقودين متبوعين ينصتون للأوامر، إلى أن أصبحوا قادة يُشار إليهم.
وما من شك في أن صحة العزائم، والصبر المتواصل، وشيئاً من الصفات النفسية والخُلُقية والخَلْقية، ودُربة على القيادة متدرجة، تكفل نجاحاً للقائد بإذن الله، وبالتالي ؛فإن القيادة لا تشترط سناً بعينها، أو من له سلالة عريقة.
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن صفات قائد عظيم، هو طالوت. قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247]. وجاء في تفسير الآية الكريمة "قيل عن طالوت: كان سقاء، وقيل: دباغاً، ولم يكن من سبط النبوة أو الملك، بل إن الله اصطفاه، وزاده بسطة في العلم الذي هو ملاك الإنسان، وأعظم وجوه الترجيح، وزادة بسطة في الجسم الذي يظهر به الأثر أثناء الملمات" [فتح القدير: الشوكاني 1/338]. فأمر القيادة لا يُورّث إذاً، ولكن يُعطى لمن له خبرة ودُربة، وحُبي بصفات أهّلته لذلك.
وقد يعجل بعض الدعاة باختيار قائد لم تصهره الشدائد، ولم يعرف حقيقة التعامل مع الناس، فيخلط بين الواجب والمندوب، وقد يسيء أكثر مما يصلح. وهناك خطأ آخر مكرور، وهو تعيين قائد صغير لم يتمرّس على هذه الصنعة، ومعه من هو أعلى منه قدراً وفهماً ووعياً وعلماً!.
ونظن أنه بهذه الطريقة نستطيع أن نكوِّن القدوات، ولو على حساب عثرات كبيرة، مستأنسين بشاهد السيرة المشهور، من قيادة أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- في بعثه لغزو الشام ومعه أبو بكر، وعمر، وكبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين!.
ونقول: لعلنا قد استعجلنا، ولم ندرك حقيقة الأمر. فعلى صغر سن أسامة - رضي الله عنه - وقد بلغ ثمانية عشر عاماً، ومعه كبار الصحابة كأبي بكر وعمر، وقد تولى قيادة جيش المسلمين لغزو الروم، إلا أن فنون القيادة، ومهارة القتال كانت واضحة عنده.
فمما يرويه الإمام الذهبي عنه : "أنه كان خفيف الروح، شاطراً، شجاعاً، ربّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحبّه كثيراً".
فهذه الصفات التي رواها الإمام الذهبي -رحمه الله- عن أسامة بن زيد، بيّنت لنا كثيراً من الأمور التي نغفلُ عنها عند النظر في تعيين صغار القادة على الكبار.
فأسامة رضي الله عنه كان "خفيف الروح"، يستطيع بهذه النفسية التأثير على الناس، وتحريكهم نحو ما يريد.
كما أنه كان "شاطراً"، فطناً، ذكياً، ألمعياً، فاهماً لمجريات الأمور، ذا إدراك عميق للمواجهات، والتحديات التي تقابله.
وكان "شجاعاً" قوياً، قدوة لإخوانه وقت الأزمات والملمات.
وتربية النبي - صلى الله عليه وسلم - له، تبيّنُ لنا أن هذا القائد أخذ كثيراً من صفات القيادة، عن طريق القدوة، كما أنه تعلّم كثيراً من فنون التعامل، وحسن التوجيه، والتخطيط السليم، والنظر العميق. وهذا ما عناه الإمام الذهبي بقوله عنه: "رباه النبي صلى الله عليه وسلم". وأضف إلى ذلك جملة الأخلاق الكريمة الفاضلة، والمعاملة الحسنة مع ربه ومن ثم إخوانه.
ومن التأملات في هذه الحادثة أنه عندما نختار القائد الواعي ذا الصفات المؤهلة للقيادة، فإن علينا أن نوكل له مهام القيادة، وإن كان هناك من هو أكبر منه. وقد تكلم الناس في قيادة أسامة رضي الله عنه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ عليهم ظنّهم السيئ فيه، وعدم قدرته على القيادة.
ومن هنا نرى أنَّ من الخطأ أن نتدخل في أمر القائد، واختياره لبعض الأمور التي قد يخالف فيها إخوانه، وذلك في الأمور الاجتهادية، التي يرجع الحكم النهائي فيها لوجهات النظر. فلا يزال القائد هو الفيصل النهائي لهذه المسائل، ولا يصح أن يُعاتب عليه، في مسائل اجتهادية لا تأثير فيها.
وهنا لا نعني إلغاء أمر الشورى بين القائد ومن معه، كلا، ولكن نعني إعطاء الحرية في عمله القيادي بقدر ما. لذا فإن من الضرورة الاهتمام بتربية النشء الذين يكتسبون صفات القيادة، ويملكون شيئاً منها، وذلك بالتربية المنظمة في درجات القيادة، حتى ينشأ لدينا قياديون مهرة ذوو خبرة وإمرة جيدة.
الشيخ علي العمري(/1)
كيف تكون مجالسنا إسلامية؟؟
رئيسي :تزكية :الأربعاء 11 جمادى الأخرة 1425هـ - 28 يوليو 2004
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،أما بعد،،،
فلو ألقينا نظرة سريعة على مجالس المسلمين اليوم؛ لوجدنا أنها- وبكل صراحة- عبارة عن اشتغال بالدنيا وما فيها، فضلًا عن الاشتغال بالمحرمات، والآثام، وكبار الذنوب.
هذه المجالس من ضمن أسباب قسوة قلوب المسلمين، والله توعد الذين قست قلوبهم، فقال عز وجل:{... فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... [22]}[سورة الزمر]. فويل كلمة تهديد وتوعد عظيمة؛ لذلك كان لابد للبحث عن أسباب قسوة القلوب؛ لعلاجها وإزالتها.
هل كان هذا حال مجالس الصحابة؟
هل كانت هذه الأشياء هي التي تشغل نفوس الصحابة ومجالس الصحابة، والسلف الصالح؟..كلا .
والمذموم والمحظور الذي نتكلم عنه هو أن يكون شغل الجالسين الشاغل من أول المجلس إلى نهايته هو الكلام عن الدنيا، هو الكلام عن هذه الأشياء لدرجة انك لا تسمع في هذه المجالس آية واحدة، ولا حديثًا واحدًا، ولا حتى كفارة المجلس، ولا ذكر لله بأي صورة من الصور.
أحوال المجالس الآن:
هذه الحالة الخطير التي نتكلم عنها الآن هي أن: الشغل الشاغل للناس في المجالس هو الدنيا، إن الكلام إذا كان مباحًا فالاشتغال بهذا المباح من أول المجلس إلى نهايته مذموم شرعًا، فكيف إذا كان الكلام في المجالس عن الأمور المحرمة شرعًا، والوقوع في كبائر الذنوب؟ كيف إذا كانت المجالس مجالس غيبة ونميمة ونهش أعراض الناس وأكل لحومهم. قال تعالى:{...وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً...[12]}[سورة الحجرات].
كيف إذا كانت المجالس مجالس كذب وبهتان وسخرية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يَعْضَهْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا]رواه الطيالسي في 'مسنده'[رقم580]. والعضه هو الكذب والبهتان والنميمة كما ذكر العلماء .
كيف.. إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس سخرية بعباد الله، وتنابز بالألقاب، والله يقول:{...لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ...[11]}[سورة الحجرات]. ويقول:{...ولا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ...[11]}[سورة الحجرات].
كيف.. إذا كانت مجالسنا اليوم مليئة بالفسوق، والتعيير، والسباب والشتائم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ يَتَهَاتَرَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ] رواه أحمد، حديث صحيح .
كيف.. إذا كانت مجالسنا اليوم مجالس مدح ومجاملات، ونفاق ومداهنة، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يصف مدح الرجل في وجه أخيه بأنه كقطع عنقه، وقال تعالى:{...فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ... [32]}[سورة النجم].
كيف.. إن كانت مجالسنا اليوم مجالس سخرية بالدين، واستهزاء بالمتمسكين به، وانتقاص من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: في مظهرة و أخلاقه وآدابه .
كيف.. إذا كانت المجالس اليوم مجالس استهزاء بشريعة الإسلام، وأحكام الدين..أحدهم يقول في مجلس: تريدون أن ترجعوا بنا إلى شريعة العين بالعين والسن بالسن..تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا .
كيف.. إذا كانت مجالسنا فيها استهزاء بعباد الله بشتى الصور، فتجد رجلًا يقلد إنسانًا في صوته، أو عادة من عاداته، أو مشيته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: [ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ]. يعني: لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا لا أحكي حال إنسان، قال العلماء في شرحه: يعني لا أذكر إنسانًا أقلده بحركاته، وهيئاته على سبيل التنقص. وقصة هذا الحديث أن عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا-تَعْنِي قَصِيرَةً- فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ] رواه أبوداود والترمذي وأحمد. يعني خالطته مخالطة يتغير بها طعمه وريحه؛ لشدة نتنها وقبحها، فكيف بالألفاظ اليوم التي تنطلق في مجالس المسلمين؟!
كيف.. إذا كانت مجالسنا فيها كثير من المحرمات والمخالفات للشريعة، فتجد مثلً:ا اثنان يتناجيان، وثالث موجود، وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا] وعلل ذلك بقوله: [ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ]رواه البخاري ومسلم. وتجد اليوم المناجاة مرض واقع في مجالس المسلمين .
حتى في طريقة الآكل والشرب في المجالس مخالفات كثيرة: من الأكل والشرب باليسرى، إلى عدم التسمية.. إلى غير ذلك .(/1)
حتى في طريقة النقاش والحديث تخالف قواعد الإسلام وآدابه: من رفع للصوت وحِدَّة وغلظة ومقاطعة في الحديث، ويسبق الصغير الكبير في الحديث، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [كَبِّرْ كَبِّرْ]رواه البخاري ومسلم. إبدأ بالأكبر.. هذه مقتطفات من بعض المنكرات التي تعج به مجالسنا اليوم .
إذا كان عدم ذكر الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم في المجلس فيه وعيد عظيم ولو كان المجلس كله كلاما مباحا ولو كان كله كلاما مباحا لذلك يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح [ ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله ويصلوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا كان مجلسهم ترة عليهم يوم القيامة ] يعني حسرة و ندامة وفي رواية صحيحة [ وان دخلوا الجنة ] لما يرون من الثواب الذي فاتهم بعدم ذكر الله والصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مجالسهم التي كانت في الدنيا بل قال – عليه الصلاة والسلام – [ ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة لحمار كان ذلك المجلس عليهم حسرة ] مثل جيفة الحمار نتنه منتنة مؤذية رائحة عفنه هكذا يتفرق الناس إذا لم يذكروا الله في مجالسهم فأعيدوا معي شريط الذكريات أيها الاخوة لتسترجعوا حال مجالسكم هل كان في أي منها ذكر لله وصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم –.
كل مجلس يجب أن يكون فيه ذكر لله هل تسمع في مجالس اليوم آية أو حديثا أو وصية أو حكما شرعيا أو تذكرة إلا من رحم الله .إذا أيها الإخوة لابد من الانتباه إلى هذه السلبية الخطيرة اليوم بل انك تجد المسلمين يضحكون على أنفسهم في هذه الآيات والأحاديث التي يعلقونها في مجالسهم، تجد لوحات مخطوطة بخط جيد مزخرفة معلقة في المجالس فيها أمر الله للمسلمين بالتقوى أو الإخبار بان الله مطلع ويعلم كل شيء بل إن بعضهم يعلق كفارة المجلس في مجلسه وإذا قام لا يذكر هذه الكفارة ويخالف صراحة هذه الآيات المعلقة على الجدار آية حال أيها الإخوة هي التي وصلنا إليها اليوم نعلق الآيات والأحاديث على الجدران ثم نخالفها بتصرفاتنا و أفعالنا و أقوالنا إذا ما هي فائدتها ومن هنا رأى بعض العلماء عدم جواز تعليقها إذا كانت هذه هي حال المجالس لان فيها استهزاء بما ذكر في هذه اللوحات والملصقات .
ومن اجل هذا صار بعض العقلاء من المسلمين اليوم ينفرون عن مجالسة الناس وعن الجلوس معهم والحديث معهم وترى أحدهم يقول : مالي وللناس لماذا اجلس معهم وهذه أحوالهم وهذه هي أحاديثهم هذا الرجل أيها الإخوة على صواب هذا على صواب فيما يفعل إذا لم يكن عنده قدرة على التغيير فانه لابد من هجر أماكن المعاصي والفسوق بدلا من أن تكون مجالسنا مجالس ذكر لله يتحقق فيها قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح [ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم قوموا مغفورا لكم ] وقال – عليه السلام – في الحديث الصحيح [ما جلس قوم يذكرون الله – تعالى – فيقومون – هذا الحديث أيها الاخوة ليس خاصا بحلق الذكر في المساجد و إنما في جميع الحلق والمجالس – حتى يقال لهم قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم وبدلت سيئاتكم حسنات ].
ولذلك يعجبك الرجل عندما تجلس في المجلس أن تقول لواحد من أهل الخير يقول : يا فلان حدثنا عن آية كذا .. حدثنا عن حديث كذا .. سمعت مرة حديثا ما هو هذا الحديث وما هو معناه ؟ ما هي قصة النبي الفلاني ؟ ما هو حكم الشيء الفلاني ؟ هؤلاء الناس الذين يصفهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – بأنهم مفاتيح للخير مغاليق للشر هؤلاء الناس كثير منهم ليس عندهم علم شرعي لكنهم حريصون على التعلم حريصون على الاستزادة حريصون على صبغ مجالسهم بالخير والذكر والأشياء التي ترضي الله – عز وجل - .انك عندما تسمع هذه الندرة من المسلمين اليوم يسألون في هذه المجالس فان قلبك يهتز فرحا من بقية الخير الموجودة في الأمة نسأل الله أن يكثره .
أيها الإخوة مجالسنا فيها آفات تحتاج إلى إصلاح لابد من معرفة الآداب ولابد من معرفة طرق الإصلاح حتى نتمكن من الوصول بهذه المجالس إلى الجادة المستقيمة .
آداب المجلس:
ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آدابًا كثيرةً للمجلس منها:
1- ذِكْرُ الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم في المجلس: في الحديث الصحيح: [مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى ذِكْرٍ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ إِلَّا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ] رواه الحسن بن سفيان.
وقال عليه الصلاة والسلام: [ مَا جَلَسَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ الله تَعَالَى فَيَقُومُونَ حَتَّى يُقَالَ لَهُمْ:قُومُوا قَدْ غَفَرَ الله لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَبُدِّلَتْ سَيَّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ]رواه الطبراني والضياء في المختارة.(/2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَجْلِسٍ فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَ مَجْلِسُهُمْ تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]رواه أبوداود والترمذي وأحمد. يعني حسرة و ندامة.
2- عدم التفريق بين اثنين إلا بإذنهما: لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا] رواه أبوداود والترمذي وأحمد. فلا يجوز لك أن تدخل مجلسًا، فتجلس بين اثنين إلا بعد أن تستأذن منهما فإن أذنا لك وإلا فاذهب واجلس حيث ينتهي بك المجلس .
3- من السنة أن يجلس الإنسان حيث انتهى به المجلس: ولا يأتي ويقيم إنسانًا، ويجلس مكانه فهذا فيه نهي صريح عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ]رواه البخاري ومسلم.
4- عدم الإخلال بأمانة المجلس: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ]رواه أبوالشيخ في 'التوبيخ والتنبيه'، والخطيب في 'تاريخ بغداد'. فأحيانًا يدعوك إنسان إلى مجلس ويكون في هذا المجلس سر من أسرار هؤلاء القوم، فلا يجوز لك بأي حال من الأحوال أن تذهب وتفشي سر هذا الرجل وبيته؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ]. فيلزم فيها الستر على ما يقال مادام لا يضر المسلمين .
5- استحباب توسيع المجلس ما أمكن: في الحديث الصحيح: [خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا]رواه أبوداود وأحمد. فلذلك يستحب توسيع المجلس؛ لأنه اكرم للضيف، وأصلح لحاله، و أروح له في قيامه وقعوده وسيره، ويختلف هذا باختلاف أحوال الناس، وعلى غناهم وفقرهم؛ فانه متى كان مستطيعَا فيستحب له توسعة مجلسه .
6- التفسح في المجالس: قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ...[11]}[سورة المجادلة] .ولابد من إيجاد الفسحة في القلب قبل إيجاد الفسحة في المكان فمتى وجدت الفسحة في القلب لأخيك المسلم ومحبته فإنك ستفسح له تلقائيًا.
7- لابد من ذكر كفارة المجلس إذا قام الإنسان: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ- حصلت منه أخطاء وزلات في الكلام- فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ]رواه الترمذي وأحمد. فمن رحمة الإسلام أنه يعطيك مجالًا لتصحيح الأخطاء، مجال لغفران الذنوب التي حصلت منك.. كلمات قليلة تقولها، فتمحى الذنوب {...وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[4] [سورة الجمعة]. إن الله يتفضل علينا بهذه الكفارات البسيطة ونحن لا نرعى ولا نهتم بها .
8- ومن آداب المجلس كذلك: ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحدًا من أصحابه، فتناول أذنه ناوله إياها لم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه. رواه ابن سعد وهو في صحيح الجامع .
وأخيرًا.. فالاهتمام بأمر المجالس له دور عظيم، وله خطورة كبيرة : إذا صلح مجلسك؛ صلحت أنت، وصلح جلساؤك، وسترجع من المجلس إلى بيتك وأنت ممتلئٌ إيمانًا، وفائدة، وعلمًا، ماخرجت به من ذلك المجلس فينعكس هذا على أهلك، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم.
من خطبة:'كيف تكون مجالسنا إسلامية' للشيخ/ محمد صالح المنجد(/3)
كيف تكونين منتجة ونافعة ؟؟
النجاح والفاعلية والإنتاج هدف كل إنسان بل وإن كان الإنسان فاشلا لا يريد أن يسمع أنه فاشل فتعال معي أخيتي وتأملى في كل مرحلة من هذه المراحل للنجاح .
أولا:
إبدأى بنفسك أنت المبتدأ وأنت المنطلق والإنتاج فأول طريق النجاح في الحياة النجاح في إدارة ذاتك والتعامل معها (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) تأملى يقول الله حتى يغيروا أنفسهم ما بأنفسهم فابدأى بالنقد الذاتي لنفسك وتنمية مواهبك .
ثانياً:
ثقى بنفسك ولا شئ أضر على الإنسان من عدم ثقته بنفسه ولا شئ يهدم الثقة بالنفس أكثر
من الجهل بها وعظم الجهل بنفسك احتقارها ومنعها من المبادرة والإيجابية ولا نقصد بالثقة
الكبر والغرور فالصالح للكتابة مثلا لم يكن أديبا في عشية وضحاها بل ابدأى وبادرى وجربى
في محيط صغير ثم في أكبر وأكبر حتى تصبحين أديبة بارعة وكذلك المدير الناجح والتاجر الناجح .
وقفة
قارنى نفسك برجل كان عبدا أسودا أعورا أفطسا وأعرجا وأشل ثم عمي هل هو أحسن منك في شئ لا .. لكنه رجل ناجح إنه عطاء بن أبي رباح كان مفتي مكة بأكملها وهذا لم يأتي من فراغ بل من علم وطلب علم ومجالسة ومزاحمة وإيجابية .
ثالثاً:
صارحى نفسك خذىورقة واكتبى قدراتك ومهاراتك ومميزاتك وقارنى بين العمل وهذه الطاقات .
رابعاً:
طورىنفسك بعد تحديد نقاط القوة والضعف طورى نفسك واعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وتذكرىمن لي بمثل مشيك المدلل تمشي الهوينا وتجئ في الأول
خامساً:
كل أمر تريدين أن تنجحى فيه مارسى ومارسى فيه حتى تبدعي فيه فالممارسة وسيلة للنجاح .. والنجاح سيكون نصيب المتقدم والممارس فهذا بن حزم يكتب في كتابه مداواة النفوس 10 عيوب كانت فيه تخلص منها .
سادساً:
النجاح مرهون بقوة الإرادة ما لم يكن عندك إرادة أنت فاشلة وصاحب الإرادة يتحكم في سلوكه ويوجه أهدافه وغاياته قال تعالى (( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة )) ..
القضية قضية إرادة فلو أرادوا لجاهدوا وأصحاب الإرادة جاهدوا والإرادة هي قوة مركبة من الحاجة والميل والأمل ، فالمريض محتاج للعلاج وعنده رغبة وميل للعلاج وعنده أمل في الشفاء لذلك كان عنده إرادة وهذا نصف العلاج .
سابعاً:
تخلصي من أمراض الإرادة فالتخلية قبل التحلية وأمراض الإرادة
1- فقد الإندفاع .. إنسان يريد أن يخطب أو يتعلم لكنه فاقد الإندفاع .
2- زيادة الإندفاع .. الفعل بدون بحث ودراسة وعلم وروية لا يؤدي نتائج حتى لو أدى إلى نتائج لكنها ليست المطلوبة فالعجلة غير مطلوبة .
3- ضعف مستوى التدين .. عدم فهم الدين كما هو فهو يفهم الدين أنه تقوقع أو عمائم أو طقطقة مسابح أو همهمة أذكار .
الدين دين كفاح دين عمل دين جهاد ونجاح ..
وكيف تريدين أن تنجحى وأنت ضعيفة الإيمان ضعيفة الإتصال بالله وليس لك وقفات للخلو مع مالك الملك .
4- المجتمع والصحبة .. المجتمع والأصحاب الذين تعيشين معهم إذا كانوا لا يعينونك على النجاح بل يثبطونك فالنجاح محال أنت تبني وغيرك يهدم وهذا يحتاج منك أن تهندسي نفسك مع هذا المجتمع وكيف تتعايشين معه وتمضي قدما .. وقفي أخيتي مع حديث قاتل الـ 99 كانت نجاته تغير المكان السوء ) .
ثامناً:
قوي إرادتك .. وكيف تقويها ؟
.. لتعلمي أولا أن الله هو و حده الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، وتأملى أخيتي وقفة النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما كلمه عمه في شأن الدعوة وقريش والله يا عم قوة لا تضاهيها قوة ونقوي إرادتنا بأمور منها
1- إقنعي نفسك لا تكونى مترددا .. تدرسين أولا تدرسين .. تحفظين أو لا تحفظين ..
2- ثقفي ذهنك إقرأى كثيرا كثيرا ليكن زادك بالليل والنهار ..
3- حببي إلى نفسك النظام في بيتك ومسجدك وعملك وحياتك كلها واحفظي هذه الحكمة ضعى كل شئ في مكانه ، وتأملى كم تضل عندما تبحثين عن شئ في بيتك ومكتبتك ..
4- إحرمى نفسك شيئا اعتادته .. الحلوى مثلا بعد الأكل .. النوم في أوقات من اليوم .. الطعام .. غيري مجرى حياتك .
5- ابتكرى وأبدعى وأت بجديد ولا تقولى لا جديد وليكن شعارك وإني لآت بجديد ولا تقولى لا جديد وليكن شعارك وإني لآت بما لم تستطعه الأوائل ..
6- تعرفى على شخصيات ناجحة وخالطيهم واقرأى عنهم من جميع المجالات ..
7- غيرى بيئتك والسفر له فوائد عديدة ..
8- حددى هدفك وليكن هدفا ساميا عاليا شامخا واجعلي أهدافك الصغرى تحقق الهدف الكبير ..
9- نظمى وقتك حتى تستفيدين منه وليكن التخطيط دليلك لذلك ..
10- اكسبى عدد كثير من الناس ليكونوا عونا لك لتنجحين وتعاونى معهم ليتعاونوا معك في تحقيق هدفك ..
11- ساعدى غيرك على النجاح وقد قيل إذا أردت أن تكون مهما فكن مهتما ، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه .
12- كونى متفائلة فلا ينجح اليائس والنبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن ...(/1)
13- أولا وأخيرا ماهي علاقتك بربك وقد يقال لماذا أخرت هذه النقطة وأقول إنني انتهجت نهجا نبويا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال تنكح المرأة لأربع وختم بالدين ليكون حاكما لا محكوما .. فكل ما ذكرناه من إرادة قوية وثقة وعلاقة مع الناس إذا كان موجودا وعلاقتك بالله فاشلة فالكل فاشل وإذا كانت معك تلك الصفات وعلاقتك بالله قوية نقول لك أبشر فإن بنيانك على تقوى وخير ..
فيا أخيتي أذكرى الله كثيرا واستعينى به في كل أعمالك وأجتنبي معصيته يوفقك ..
والله الموفق والمعين ..
ونختم بذكر حقائق لا تقبل الجدل ..
- الحقيقة الأولى : من لا يتقدم لا يبقى في موقعه بل يتقهقر .
- الحقيقة الثانية : قوة الأفكار لا تجدي مالم تقترن بالتغيير .
- الحقيقة الثالثة : الاستسلام للمألوف يخمد نار الفكر ..
- الحقيقة الرابعة : العقل خلق ليعمل والمعرفة الجيدة إذا لم تهدي للعمل فإنه يعطلها فالعلم للعمل .. فمطلوب من المؤمنة أن لا تكون فاشلة في حياتها وعاطلة بل نريد منها أن تكون نموذجا رائعا لكل الناس في عملها وجهادها ودعوتها .
جيل الصحوة
www.jeel.info
"(/2)
كيف تنشط ذاكرتك؟...إدارة العقل
منذ زمن بعيد والناس يبحثون عن الذاكرة, وقبل الانتشار الكبير لوسائل الكتابة المحمولة كانت الذاكرة القوية ضرورية لعمل الكثير من الأنشطة.
عقلك ليس حاسبًا آليًا
يتميز الحاسب الآلي الذي نكتب عليه بذاكرة ضخمة, لكن عقله ضعيف وهذا عكس الإنسان, ومن الخطأ أن نعتقد أن ذاكرتنا تعمل مثل الحاسب الآلي فكم من مرة فكرت 'يجب أن أتذكر هذا' ثم نسيته في نفس اليوم؟
من النادر أن نستطيع الكتابة في عقلنا مرة واحدة ونتوقع أن تتذكر هذه المعلومة إلى الأبد.
ولهذا سُمي الإنسان إنسانًا وذلك لكثرة النسيان, ولهذا كان من امتنان الله على المؤمنين أن يسر لهم حفظ الذكر, {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
وكان حفاظ المسلمين آية في حفظ الآيات والأحاديث والأقوال والأشعار, كانت كالنور الرباني في صدورهم وعقولهم, ولهذا لمّا شكى الشافعي إلى شيخه وكيع سوء حفظه أرشده إلى حفظ نفسه وبصره عن المعاصي, وأنشد قائلاً:
شكوتُ إلى وكيع سوء حفظي
وقال: اعلم بأن العلم نورٌ
فأرشدني إلى ترك المعاصي
ونور الله لا يُهدى لعاصي
نمِّ ذاكرتك:
ستحسن إن شاء الله تقنيات الذاكرة بصورة مذهلة, ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى حاسب آلي, وهذه الاستراتيجيات يمكن أن توصلك إلى أحسن صورة ممكنة, ولكن تذكر أن الحافظة رزق من الله جل وعلا, وهي تختلف من شخص لآخر, وكل ما سنفعله هو تطوير ذاكرتك أنت والاستفادة القصوى من إمكاناتها.
واعلم أنه في بعض الأحيان يكون النسيان جيدًا, لكي نتمكن من أن ننسى الآلام والأحزان, وفي بعض الأحيان تؤثر ملكة الحفظ على ملكة التفكير والتحليل.
وهناك وسيلتان لزيادة فعالة الذاكرة:
الوسيلة الأولى: داخلية.
الوسيلة الثانية: استخدام أدوات خارجية مساعدة.
الوسائل الداخلية التي تساعد على تنشيط الذاكرة:
1ـ قانون التأثير الجماعي:
الكمية التي تذكرها متصلة بشدة بكمية الوقت التي نقضيها في التعلم. وتتأثر الكمية التي تتذكرها أيضًا بمزاجك الخاص وخاصة بمستوى قلقك, فإن كان عقلك مليئًا بالأشياء المقلقة, فمن الصعب أن تتعلم, ولكي تحسن التعلم فأنت بحاجة إلى تركيز, ولكن بدون قلق, فكل ما تحتاج إليه هو التركيز بدون توتر.
2ـ التنظيم:
هناك أربعة جوانب للتنظيم تساعدك على تحسين الذاكرة:
أ ـ التقسيم: حتى تستطيع أن تتذكر كمية كبيرة من المعلومات, فمن الأفضل أن تجزئها إلى قطع صغيرة, ويتضح هذا عند ذهابك للتسوق, فأنت تريد شراء عشرات الأشياء ولا يمكن أن تتذكرها جميعًا, ولكن يمكن ذلك إذا قسمتها إلى أقسام, فمثلاً أنا أريد شراء كذا من قسم اللحوم, وكذا من قسم الخضار... إلخ, وهذه هي الطريقة المتبعة في كل شيء سواء في الدراسة أو حفظ القرآن أو أي شيء ولكن يجب أن يكون هذا التقسيم مهيكلاً.
فنقول مثلاً سورة كذا تتكون من عدد من الأرباع هي كذا وكذا... إلخ, وكل ربع ينقسم إلى عدد من المقاطع الواضحة.
ب ـ استخدام المفاتيح: كمن يقول لنفسه هذا الكتاب مكون من خمسة فصول, ويتذكر أربعة بسهولة ويحاول أن يتذكر الخامس, فتكون كلمة خمسة فصول هي مفتاح التذكر.
جـ ـ الربط: ربط المعلومات الجيدة بأخرى قديمة مستقرة ومحفوظة, وبهذه الطريقة يمكنك أن تبني مادة تتعلمها بطريقة تسهل عليك تذكرها. فمثلاً تقول: شارع النور الجديد هو الشارع الذي يلي مكتبة الإيمان.. وهكذا.
د ـ المعنى: من الأسهل تعلم وتذكر شيء ذي مغزى عن تعلم شيء لا يعني لك الكثير, فمعاني الكلمات يمكن أن تصاغ بعدة طرق.
3ـ المراجعة:
على العكس تمامًا من جهاز الكمبيوتر فنحن أحيانًا لا نستطع تذكر بعض المعلومات التي تم دراستها مسبقًا في لحظة واحدة, فنحن أحيانًا ننسى ما سبق تعلمه.
ولقد ثبت بالتجربة أن أكثر طرق المراجعة فاعلية هي أن تراجع سريعًا بعد التعلم الشامل, وبعد ذلك نقسم الموضوع إلى مراجعات إضافية منفصلة على فترات متباعدة.
قواعد أساسية للمراجعة:
1ـ إذا لم تراجع ستضعف ذاكرتك وتقل مثل خط مرسوم على الرمال.
2ـ أكثر الأوقات فاعلية للمراجعة عندما تشعر أنك ستنسى.
3ـ إنك تنسى ببطء بعد كل مراجعة؛ لذلك من المهم أن تراجع من وقت لآخر على فترات متباعدة ومنفصلة.
4ـ شيئان مهمان يجب وضعهما في الاعتبار:
أ ـ إذا بدأت في المراجعة واكتشفت أنك نسيت معظم ما تعلمته, يجب أن تراجع أسرع في فترات متقاربة, أكثر من ذي قبل.
ب ـ إذا بدأت في المراجعة, ووجدت نفسك تتذكر بوضوح لا داعي للاستمرار في المراجعة حيث ستكون مضيعة للوقت.(/1)
إن المراجعة بمثابة تلميع الفضة, فالقليل المتكرر من المراجعة ينعش الذاكرة دائمًا, وتذكر أن المراجعة ليس معناها فقط أن تتلو ما في ذهنك بصوت مرتفع, ولكن يمكنك أن تجعل المادة في ذهنك حاضرة دائمًا, وطوعًا لاستخداماتك, واستخدمها كلما استطعت, والإبحار داخل عقلك كلما استطعت مفيد للغاية مما يجعلك متأكدًا من تذكر ما يحويه عقلك, وأيضًا يمكنك من ملأ الفراغات التي يمكن أن تتعرض لها الذاكرة, هذا يمكن أيضًا أن يجعلك عالمًا بالأشياء التي يجب التركيز عليها في المرة القادمة.
وما نريد أن نؤكده هو أن 60% من فترة الدراسة تتم في التعلم والباقي في المراجعة وبعض الناس يستهويهم قضاء معظم الوقت في تعلم الجديد فإنه يبدو سخيفًا بالنسبة لهم أن يتوقفوا ليراجعوا شيئًا تم دراسته من قبل, وهذه الوسيلة غير الفعالة التي يتبعها معظم الناس في البداية تبدو طريقة جيدة, وبعد ذلك يتضح فشلها حيث يكونون قد نسوا معظم ما تم دراسته سابقًا, ويجدون أنفسهم مرتبكين, وغارقين في بحر من الألغاز, لذلك فإن المراجعة البسيطة والدائمة تفيد بشكل فعّال حيث إنها تغذي وتنشط الذاكرة, وتدعم ما تم دراسته سابقًا, وهذا يساعد على تعلم واستيعاب ما يأتي بعده.
4ـ
الاستدعاء:
لنستعرض ـ مثلاً ـ لموقف يواجه مئات الأشخاص يوميًا, افترض أنك فقدت ساعتك أو سلسلة مفاتيحك التي كنت تمتلكها أول أمس ولم تجدها اليوم, ولقد بحثت عنها في أماكن عديدة ولكنك لم تجدها. وهدفك هو الاستمرار في البحث.
ولكن عليك اتباع وسيلة أخرى قد تكون أكثر نفعًا وهي أن تستلقي على مقعدك مواجهًا تلك المشكلة, فكر بعمق وإصرار متى كانت آخر مرة رأيت فيها الشيء المفقود, وماذا كنت ترتدي في ذلك الحين, وماذا كنت تحمل في يدك مثلاً, ومن كان معك, وماذا فعلت آنذاك, استرسل في أفكارك مع مرور الوقت فإن كنت موفقًا فإنك ستدرك أين هو ذلك الشيء, وإن كنت أقل توفيقًا فإنك ستكون ضيّقت الاحتمالات وحصرتها في مكانين أو ثلاثة بدلاً من عشرات الأماكن, فإن كان مثلاً فُقد في القطار أدركت أنه ضاع إلى الأبد, فلا تضيّع وقتك في التفكير هباءً... وهكذا.
5ـ مساعد الذاكرة:
من أنجح الوسائل المستخدمة لإنعاش الذاكرة هي ربط معلومات معينة بجملة أو كلمة من الممكن استخدام حروفها لتذكرنا بجملة أطول أو مواضيع بأكملها, وهناك وسيلة أخرى ألا وهي تحويل الأشياء المملة كالجداول أو الأسماء المعقدة إلى قصة أو شيء ممتع ومسلٍ ليسهل تذكرها.
الخلاصة:
* يمكنك تنمية وتنشيط الذاكرة باتباع سياسات جيدة وتسمى رياضة تدريب العقل.
* تذكر أن الذي نتذكره يتعلق بشدة بالوقت الذي استهلك في تعلم هذا الشيء.
* لتتعلم بفاعلية عليك بالتركيز بدون قلق أو عصبية أو ضغط نفسي.
* رتب طريقة تفكيرك بالآتي:
ـ جزّئ المعلومات إلى أجزاء صغيرة بحد أقصى 7 أجزاء.
ـ استخدم وسائل الربط لتذكرك بما تريد.
ـ اربط المعلومات الحديثة بالقديمة.
ـ اجعل المعلومات الحديثة ذات معنى مقبول في ذهنك.
* استخدم سياسة المراجعة الفعالة, وراجع بعد التعلم الأساسي للمادة, وبعد ذلك قسم المراجعة إلى فترات متتابعة نسبيًا.
وأولاً وأخيرًا, لا تنسَ قول الشافعي: 'إن العلم نور وأن المعاصي تُذهب نور العقل فننسى', والشيطان دائمًا يُنسي بني آدم وكلما استولت عليك الشهوات تسلط عليك الشيطان فأنساك ذكر الله وبعدها تنسى كل شيء. والله الموفق.
ـ لمزيد من التوسع, راجع: كتاب إدارة العقل لـ د/ جيلان تيلر ـ د/ توني هوب.(/2)
كيف دخل اليهود من بوابة الاستشراق ؟ ...
...
طارق حسن السقا ...
</TD ...
كثيرة هي الدراسات الحديثة التي تناولت قضية الاستشراق والمستشرقين بأبعادها المختلفة . وكثيرة هي الأبحاث التي رصدت دور المستشرقين ورصدت أعمالهم, وخدماتهم, وإنجازاتهم, و إيجابياتهم, وسلبياتهم . غير أن الملاحظ في كثير مما كتبت عن الاستشراق عدم وضوح الدور اليهودي في هذه العملية. وهذا يفرض سؤالا :-
هل ترك اليهود مجال الاستشراق ولم يتدخلوا فيه؟
الثابت تاريخيا أن اليهود كان لهم دورهم الخطير في عملية الاستشراق . ولقد ظهرت بوادر هذا التدخل منذ زمن بعيد يرجعه المؤرخون إلى القرن الثاني عشر على يد رجل يهودي اعتنق المسيحية وأخفى اليهودية . وفعل ما فعل .أنه يوحنا الإشبيلي الذي ظهر في منتصف القرن الثاني عشر .
والحقيقة التي أردت أن أبرزها هنا هي أن اليهود نجحوا في التسلل إلى حقل الاستشراق المغري لهم , والأكثر تمشيا مع فكرهم المشؤوم بهذه الخدعة التي ابتدعها يوحنا الاشبيلي ألا وهي خدعة ( الإخفاء والارتداء ) أي إخفاء ديانتهم اليهودية . وارتداء كل ما من شأنه توصيلهم إلى أهدافهم. فالثابت تاريخيا أن " كل المستشرقين اليهود قد استطاعوا أن يكيفوا أنفسهم ليصبحوا جزء من الحركة الاستشراقية الأوروبية وليصبحوا عنصرا أساسيا في إطار الحركة الاستشراقية الأوروبية النصرانية . فقد دخلوا المجال بوصفهم الأوروبي لا بوصفهم اليهودي . "(1)
لقد مكنتهم هذه الخدعة التاريخية , التي هي أصل ملازم للشخصية اليهودية عبر السنين من تنفيذ أكبر قدر من الدس والهدم والتحطيم . لأنهم يدركون أن في الإفصاح عن الهوية اليهودية ما سيثير الحفائظ ضدهم. مما سيؤدي إلى عزلهم. وبالتالي يقل أثرهم الهدام . لذلك دخل اليهود مجال الاستشراق بإخفائهم الدائم للديانة اليهودية وارتدائهم لأثواب مختلفة . فلقد ارتدوا ثوب الجنسية الأوروبية تارة . و ثوب النصرانية تارة , وثوب الإسلام تارة أخرى . وأثوابا أخرى كلها تصب في اتجاه تحقيق أهدافهم الخبيثة .
إن خدعة الإخفاء والارتداء هذه هي أشهر ما استخدمه اليهود في صراعهم التاريخي ضد المسلمين . استخدموها في كل ما من شأنه تلويث المناخ الفكري الملوث الذي يعيشون فيه . وإذا كانت آثار القنبلة الذرية التي ألقيت على المدن اليابانية في أغسطس 1944 م ظل ملموسا في عشرات الأجيال اللاحقة . فإن أثر المناخ الفكري الملوث لأي أمة من الأمم يظل أثره السيئ ملموسا في عشرات الأجيال اللاحقة بعد ذلك . وهذا ما ينتهجه اليهود معنا في لعبة الصراع الحضاري الدائر بين القوتين . كما أن وسيلة الإخفاء والارتداء هذه هي أشهر الوسائل التي حققت لليهود هذه الأهداف. لقد تعلموا هذه الدسيسة على ايدي حكماءهم . فلقد جاء في أحد بروتوكولات حكمائهم ما نصه :
" عليكم ألا تظهروا.. وألا تعرفوا الناس علينا . .عليكم ألا تستخدموا كلمة يهودي . " (2) -
انظر إلى الآثار المدمرة التي عاشها المسلمون في عهد الخليفة عثمان بن عفان. وكيف نجح اليهود في تنفيذ هذه الخديعة على يد رجل يهودي من أهل صنعاء في اليمن هو عبد الله بن سبأ – الذي أخفى يهو ديته وارتدى عباءة الإسلام نفاقا . ثم انظر كيف تنقل بين بلاد المسلمين يحاول إضلالهم وإفساد عقيدتهم . وانظر كيف حاول نقل ضلالات الفكر اليهودي إلى واقع حياة المسلمين . وانظر كيف نجح بالفعل في تلويث المناخ الفكري للمسلمين . ونتج عن هذا المناخ الفكري الملوث مقتل الخليفة الشهيد ذي النورين عثمان بن عفان . وفتح باب الفتنة في عهد الإمام علي – رضي الله عنه – وقيام الخلاف المستحكم في السياسة الإسلامية . ونشأت المتاعب في ذلك . وفي ظل هذه الفتن نبت المذهب الشيعي ( الذي أخذ من اليهودية أكثر مما أخذ من الفارسية ) . وفي صدى هذه الفتن التي استمدت طيلة عهد الإمام علي – كرم الله وجهه - نبت مذهب الخوارج- أيضا. (3)
وكلها بقع سوداء على ثوب التاريخ الإسلامي نتجت من جراء استخدام اليهود لهذه الخدعة .
" ولقد أكثر اليهود من استعمال هذه الخدعة بعد طردهم من البرتغال و أسبانيا و قيام المجلس التفتيش عليهم بالعذاب المعلوم , وهكذا كان إسلام اليهود الذين جاءوا إلى المملكة العثمانية بعد القرن الخامس عشر فأسلموا وسُموا بالدونمة أي المهتدين " (4) وليس بخاف على أحد ما أحدثه هؤلاء الدونمة في وتاريخ الخلافة الإسلامية التي تظاهروا عليها وأسقطوها عام 1924 م . ولم يتخلص العالم الإسلامي حتى اليوم من كثير من الأفكار الملوثة التي صدرها يهود الدونمة إلى عقول المثقفين في عالمنا الإسلامي . وكانت أسباب كل هذا إجادتهم لخدعة الإخفاء والارتداء .
إن هذه الحيلة واحدة من السمات التي لازمت الشخصية اليهودية عبر السنين . وهي واحدة من الخدع التي استخدموها معنا مرات ومرات .
يقول ا / سليمان ناجي(/1)
" في معظم الأحيان يستر اليهود يهوديتهم حينما يقومون بحملات الغزو الخبيث للأديان . إذ ينادون بإلغاء الأديان كلها , ويهاجمونها جميعا , ويضعون وكلاءهم وحراسهم في شتى ميادين العمل الإنسانية , ويحاولون ألا تفلت ثغرة واحدة منهم دون أن يرسلوا فيها بعض وكلائهم أو أجرائهم أو يشتروا من الأفراد بعض ضعاف الإدارة , أو بعض ضعاف العقل مهما كلفهم الثمن . وغالبا ما يكون الثمن زهيدا . " (5)
و من الثغرات التي لم تفلت منهم مجال الاستشراق. ومن الوكلاء الذين أرسلوهم في هذا المجال صموئيل زويمر. فحين يذكر اسم زويمر في كثير من المحافل الثقافية عندنا فيتبادر إلى الذهن أنه المستشرق الذي كتب عديدا من المؤلفات الإسلامية . وهو الذي أسس مجلة العالم الإسلامي عام 1911 م . وهو أحد كبار المستشرقين الذين لعبوا دورا في المنطقة العربية . كما أنه الشخص الذي رأس وأدار عديدا من مؤامرات التبشير من إدنبرة في إنجلترا –في أقصى الغرب-إلى لكنو في الهند - في أقصى الشرق - وهو الرجل الذي آزره في كل هذا فريق من المنصرين الذين كانوا يعملون في المنطقة وكان من بينهم أخوه بيتر وزوجته: إي- لو- زويمر"(6)
ولكن العجيب أن " صموئيل زويمر " وعائلته كانوا يهودا . وأن " صموئيل زويمر " نفسه مات على اليهودية عام 1952م . ولكن كيف استطاع هذا اليهودي أن يعتلي المناصب الهامة والأكثر خصوصية عند النصارى؟ كيف حظي هذا اليهودي بثقة الكنيسة الإصلاحية الأمريكية ؟ويتلقى كامل دعمها ؟
يقول د\ عبد الله التل:
أخبرني راهب من أصدقائي أيام معركة القدس أن الكنيسة تحتفظ بهذا السر المذهل ولا تبوح به حتى لا تنكشف حيل اليهود الذين يتظاهرون باعتناق النصرانية . وحتى لا ينكشف إخفاق جمعيات التبشير التي تبذل الملايين عبثا , وتنخدع بمكر اليهود وخططهم الخبيثة لبث الفتن بين الإسلام والمسيحية " (7)
ولقد نجح اليهود بهذه الخدعة في الدخول من بوابة الاستشراق. وأحدثوا الكثير من حالات الفوضى والهرج والمرج في تاريخنا الإسلامي . لقد ذاقت امتنا بهذه الحيلة – من الهزائم والنكبات و الضربات الموجعة ما أنهكها, وأضعفها. بهذه الحيلة استطاع صموئيل زويمر وآخرون أن يلوثوا المناخ الفكري للمسلمين. ولقد ظهرت آثار هذا المناخ الملوث بادية للعيان حتى بعد مرور اكثر من نصف قرن . ففي مؤتمر القدس التبشيري عام 1935م وقف صموئيل زويمر "يقول
" مهمة التبشير التي تربيكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية, فإن في هذا هداية لهم وتكريما. وإنما مهمتك هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوق لأصله له بالله ،وبالتالي لأصله له بالأخلاق التي تعتمد عليه الأمم في حياتها "
وفي أحد أشهر كتبه –العالم الإسلامي اليوم – كتب يقول :-
تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لان الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها .
وفي موضوع آ خر من نفس الكتاب قال مخاطبا المستشرقين :-
إنكم أعددتم نشأ لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء ألنشء طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتم بعظائم الأمور ويجب الراحة و الكسل فإذا تعلم فللشهرة وإذا تبوأ أسمي المراكز فالشهرة ففي سبيل الشهرة يجود بكل شيء "
هذه كلها ما هي إلا حثالات الفكر الصهيوني والتي رضعها زويمر من بروتوكولات أجداده .بل واستطاع أن يحملها في حقيبة أنيقة ويدخل بها من بوابة الاستشراق في ظل غياب حراس الفضيلة من جند الله المخلصين . ثم نجح في تسريبها الي واقع الأمة الإسلامية حتى أصبحت هذه الحثالات روح تسري, وفكر يعتنق, أثر يلمسه القاصي والداني دون عناء . وإذا ما نظرت بعين الاعتبار إلى أفكار زويمر هذه ., وإلى واقع الأمة اليوم ستجد أن المستهدفات التي وضعها هؤلاء قد تم تحقيقها بنسبة مزعجة . وان كل ما حققوه و أنجزوه إنما تحقق وأنجز بفضل إجادتهم لسياسة الإخفاء والارتداء .
.ولكن لماذا دائما كان يفضل اليهود التخفي وراء القناع المسيحي ؟
يقول الدكتور علي إبراهيم النملة :
" يخفي اليهود انتماءاتهم اليهودية وينخرطون في أعمال دينية تصل أحيانا إلى حد التظاهر بالإسلام قصدا إلى الإسهام في مصادرته . والتظاهر بالنصرانية من باب أولى لما لنصارى من قبول في المجتمع المسلم اكثر من قبوله لليهود "(/2)
وحينما يذكر أمامنا اسم غ . فون جرونباوم فإن الظاهر عنه أنه مستشرق ألماني. درس في العديد من الجامعات الأمريكية . كان أستاذًا بجامعة (شيكاغو)، ا لف عديدا من الكتب الإسلامية منها :( الأعياد المحمدية 1951م) –(دراسات في تاريخ الثقافة الإسلامية 1954م) وغيرها . وعند هذا الحد فمن الممكن أن تكون هذه الشخصية مقبولة في المجتمع المسلم . وكذلك كتاباته , وأفكاره , وإبداعاته . أما حينما نعلم أن هذا المستشرق يهودي متعصب. كان من ألد أعداء الإسلام . .كان غزير الإنتاج . امتلأت كتبه بالاعتداءات الصارخة علي الإسلام والمسلمين.بل وكانت وسيلة لدك حصون المجد الإسلامي . فلطالما اعتدى على مقدسات المسلمين وقيم المسلمين وتاريخ المسلمين . لقد أخفى يهوديته وارتدى القناع الأوروبي فسهل عليه المساهمة في تلويث المناخ الفكري للمسلمين. ولقد ظهر اثر هذا المناخ الملوث في أجيال عديدة تربت على موائد هؤلاء اللئام .وللأسف كان هذا المستشرق إماما ومثلا أمام كثير من المستشرقين بل وكان له الكثير من المعجبين من المستشرقين أنفسهم .
.
وحينما يذكر لنا التاريخ اسما له بريقه في هذا المجال ألا وهو ( جولد زيهر – 1850م : 1920 م ) . فإننا لا نعرف عنه غير أنه المستشرق المجري . نعم المجري !! . وأنه زعيم علماء الإسلاميات في أوروبا بلا منازع . وأن كتبه ومؤلفاته تحظى بالتقدير الأعظم , والاحترام الفائق من كل فئات المستشرقين . وأن كتابه تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي . يعد أشهر المراجع المعترف بها عند الأوروبيين . كل هذا قد لا يلفت الانتباه . أما حين نعرفه أن زعيم علماء الإسلاميات بلا منازع هو يهودي متعصب . وأنه اتخذ من جنسيته المجرية قناعا لهدم العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين . كما ساهم في تلويث المناخ الفكري في العالم الإسلامي فالأمر أظن يختلف .
وقد يفسر لنا هذا سر وقفة جولد زيهر المؤيدة والمدافعة عن الفكر البهائي ( 8) أو البلاء البهائي. ذلك الفكر الذي جاء بضلالات وافتراءات عن الإسلام ونبيه وقرآنه . وجاء بصلاة جديدة , وصيام جديد , وحج جديد , وادعاءات بأن القيامة لم يعرفها محمد – صلى الله عليه وسلم – ولا أصحابه , ولا أئمة المسلمين من بعد . لقد وقف جولد زيهر موقف المؤيد والمدافع عن كل هذه الافتراءات بل وباركها وأيدها. ولم يكتف بذلك بل أضفى على أنصار هذا الفكر ألقاب البطولة وبخاصة قائد تهم قرة العين ( 1230 – 1269 هـ ) وهي امرأة منحرفة السلوك فرت من زوجها . وراحت تبحث عن المتعة . وأعلنت عن نسخ الشريعة الإسلامية في مؤتمر برشت 1269 هـ . وقد أعدمها الشاه في نفس العام . (9)
وحينما يذكر أمامك اسم جو زيف شاخت فهو أحد كبار اليهود المستشرقين . دخل المجال مخفيا ليهوديته . وسار على نهج أسلافه – وبخاصة أستاذه جولد زيهر – في الحط من الشريعة الإسلامية . وادعى بأن الشريعة الإسلامية لا تختلف عن أعراض الجاهلية . وساهم مع غيره في تسميم الأجواء العامة أمام أجيال تأثرت بمثل هذه الأفكار ووقعوا فريسة الفكر الشيطاني أو الفكر الاستشراق . وخرجوا علينا بسفيه الأفكار التي لا يقبلها لا منطق ولا عقل ولا دين .
وتطول القائمة التي تحوي العشرات من المستشرقين المغتصبين الذين أهالوا التراب على مجدنا الإسلامي العظيم . ولكننا لا نعرف عنهم غيرهذا الإنجليزي أو ذاك الإيطالي وهكذا . ولكن وراء هذه الجنسيات تقبع كثير من الأسماء التي اتخذت من وسيلة الإخفاء والارتداء قناعا وذريعة لتحقيق أهداف الصهيونية كفكرة أولا وكدولة ثانيا .
يقول د / محمود حمدي زقزوق :
" لم يرد اليهود أن يعملوا داخل الحركة الاستشراقية بوصفهم مستشرقين يهود حتى لا يعزلوا أنفسهم . وبالتالي يقل أثرهم . ولهذا عملوا بوصفهم مستشرقين أوربيين , وبذلك كسبوا مرتين : كسبوا أولا فرض أنفسهم على الحركة الإستشراقية كلها , وكسبوا ثانية تحقيق أهدافهم من النيل من الإسلام وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية النصارى . " ( 10 )
لم يكتف هؤلاء المسترقين بتلويث المناخ الفكري للمسلمين ا. ولكنهم نجحوا في دس رجال وزعامات للكيد لهذه الأمة بالمئات والألوف . هؤلاء الرجال كانوا دسيسة في العالم الإسلامي . والعشرات من هذه الشخصيات المدسوسة على الأمة الإسلامية في صور أبطال مصنوعين على عين الصهيونية يؤدوا لأعداء الإسلام من الخدمات ما لا يملك هؤلاء الأعداء أن يؤدوها ظاهرين . (11)
إن هناك ا من علماء المسلمين ومفكر يهم ممن عاشوا وعايشوا هذا المناخ الفكري الملوث . ومنهم من دَرَسَ أو درس. ومنهم من قرأه وتأثر به . ولقد ساهم هذا المناخ الفكري الملوث في تشكيل عقلية هؤلاء . كل هذا ساهم أيضا في أن يخرج علينا كثير من هؤلاء الاتباع بإنتاج فكري ملوث أيضا . فشجرة الحنظل لا تثمر إلا حنظلا . - لا تينا ولا زيتونا -(/3)
ومازالت أمتنا الإسلامية حتى هذه اللحظة تعيش آثار هذا المناخ الفكري الملوث الذي صوبه نحونا الاستشراق والمستشرقون . ولا سيما اليهود منهم . وما تزال أمتنا الإسلامية تعاني من خدع اليهود وقدراتهم على التخفي وراء الجنسية أو وراء اعتناق ديانة غير ديانتهم . وما تزال أمتنا الإسلامية تعاني من قدرة هؤلاء على تجنيد صبيانهم وتصيد الأجراء من حين لحين . وما تزال كل هذه الوسائل الخطيرة هي أكبر تحد أمام الأجيال القادمة في عالمنا الإسلامي . وما تزال هذه الخدعة " خدعة الإخفاء والارتداء " هي أخطر سهام اليهود المصوبة نحونا بغية محو الطابع الإسلامي عن مجتمعاتنا . وبالتالي إفساد عقيدتنا الإسلامية . وتكون النتيجة الطبيعية لذلك هي تفكيك وحدة المسلمين . وصرفهم عن قضاياهم الإسلامية .
فاللهم بصر شباب المسلمين بعواقب الأمور كلها حتى لا يُساء بهم صديق . ولا ينتصر عليهم عدو . ولا أن يُلدغوا من نفس الجحر مرة أخرى .
طارق حسن السقا
alsaqa22@hotmail.com
==========================
المراجع :
1- الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري . د/ محمود حمدي زقزوق
2- بروتوكولات حكماء صهيونية . عجاج نويهض
3- تاريخ المذاهب الإسلامية . الإمام محمد أبو زهرة
4- بروتوكولات حكماء صهيونية . عجاج نويهض
5- مكائد يهودية . سليمان ناجي
6- جذور البلاء . عبد الله التل
7- المرجع السابق
8- البهائية : حركة نشأت( 1260: 1844هـ) تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية . والاستعمار الانجليزي بهدف إفساد العقيدة الإسلامية تفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية وكان اليهود وراء انتشار وانتعاش الفكر البهائي في بلاد المسلمين .
9- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة .
10- الاستشراف والخلفية الفكرية للصراع الحضاري . د/ محمود حمدي زقزق
11-معركتنا مع اليهود –سيد قطب .
...(/4)
كيف غير المخترعون المسلمون وجه العالم؟
من المقالات النادرة المنصفة في زمن طغى فيه التضليل.
باول فاليللي
من القهوة مروراً بنظام الثلاث وجبات اليومي وحتى الشيكات, أعطانا العالم الإسلامي العديد من الإبتكارات التي لا غني عن إستعمالها في حياتنا اليومية الآن, يذكر كاتب الموضوع باول فاليللي أكثر 20 ابتكارا تأثيراً على العالم ويعرفنا بالعباقرة الذين كانوا وراء هذه الابتكارات.
1: تقول القصة هناك عربي يدعى خالد كان يعني ببعض الماعز في منطقة “كافا” بجنوب أثيوبيا, عندما لاحظ أن حيواناته أصبحت أكثر نشاطاً حينما تأكل التوت, فقام بغلي التوت ليصنع أول فنجان من القهوة!, ومن المؤكد أن أول مرة خرج فيها مشروب القهوة إلى خارج أثيوبيا كان الى اليمن حيث شربها “صفي” كي يظل يقظاً طوال الليل ليصلي في مناسبة خاصة. في أواخر القرن الخامس عشر وصلت القهوة الى مكة وتركيا.. التي منها وصلت الى فينسيا في عام 1645م.
ثم الى انجلترا بعد خمس سنوات في 1650 بواسطة تركي يدعى “باسكوا روسي” الذي فتح أول “محل قهوة” في شارع لومبارد بمدينة لندن… القهوة العربية صارت بعد ذلك تركية.. ثم إيطالية وإنجليزية!
2: قدماء اليونانيين ظنوا أن أعيننا تُخرِج أشعة مثل الليزر والتي تجعلنا قادرين على الرؤية, أول شخص لاحظ أن الضوء يدخل إلى العين ولا يخرج منها كان عالم رياضي وفيزيائي وفلكي مسلم, وهو الحسن بن الهيثم. حيث اكتشف أن الإبصار يحدث بسبب سقوط الأشعة من الضوء على الجسم المرئي مما يمكن للعين أن تراه.. ولكن العين لا تخرج أشعة من نفسها.. وإلا كيف لا ترى العين في الظلام؟
واكتشف ابن الهيثم ظاهرة انعكاس الضوء، وظاهرة انعطاف الضوء أي انحراف الصورة عن مكانها في حال مرور الأشعة الضوئية في وسط معين إلى وسط غير متجانس معه. كما اكتشف أن الانعطاف يكون معدوماً إذا مرت الأشعة الضوئية وفقاً لزاوية قائمة من وسط إلى وسط آخر غير متجانس معه, ووضع ابن الهيثم بحوثاً في ما يتعلق بتكبير العدسات، وبذلك مهّد لاستعمال العدسات المتنوعة في معالجة عيوب العين, ويعتبر الحسن بن الهيثم أول من انتقل بالفيزياء من المرحلة الفلسفية للمرحلة العملية [from a philosophical activity to an experimental one ] .
3: كان هناك أحد أشكال لعبة الشطرنج في الهند القديمة, لكن اللعبة طورت إلى الطريقة التي نعرفها الآن في بلاد فارس [إيران], من هناك انتشرت اللعبة غرباً إلى أوروبا حيث قدمها المغاربة في أسبانيا في القرن العاشر الميلادي, وانتشرت شرقاً إلى اليابان.. تستعمل في الغرب كلمة rook لطابية الشطرنج كما نعرفها.. ويعود اصل هذه الكلمة إلى كلمة “رُخ” العربية.
4: قبل مئات السنوات من تجربة الأخوان رايت في الطيران.. كان هناك شاعر وفلكي وموسيقي ومهندس مسلم يدعى “عباس بن فرناس” قام بمحاولات عديدة لإنشاء آلة طيران, في عام 825 قفز من أعلى مئذنة الجامع الكبير في قرطبة مستخدما عباءة صلبة غير محكمة مدعمة بقوائم خشبية, كان يأمل أن أن يحلق كالطيور.. لم يفلح في هذا ولكن العباءة قللت من سرعة هبوطه.. مكونة ما يمكن أن نسميه أول “باراشوت” وخرج من هذه التجربة فقط بجروح بسيطة, في 875 حين كام عمره 70 عاماً.. قام بتطوير ماكينة من الحرير وريش النسور ثم حاول مرة أخرى بالقفز من أعلى جبل, وصل هذه المرة إلى ارتفاع عال.. وظل طائرا لمدة عشر دقائق.. لكنه تحطم في الهبوط!..
كان ذلك بسبب عدم وضع “ذيل” للجهاز الذي ابتكره كي يتمكن من الهبوط بطريقة صحيحة, مطار بغداد الدولي وفوهة أحد البراكين في المغرب تم تسميتهما على اسمه.
5: الاغتسال والنظافة متطلبات دينية لدى المسلمين, ربما كان هذا السبب في أنهم طوروا شكل الصابون إلى الشكل الذي مازلنا نستخدمه الآن!.. قدماء المصريين كان عندهم أحد أنواع الصابون.. تماما مثل الرومان الذين استخدموها غالبا كمرهم!, لكنهم كان العرب هم من جمع بين زيوت النباتات وهيدروكسيد الصوديوم والمواد الأروماتية مثل الـ “thyme oil”. أحد أكثر خصائص الصليبيين غرابة بالنسبة للمسلمين كانت أنهم لا يغتسلون!..
الشامبو قدم في انجلترا لأول مرة حينما قام أحد المسلمين بفتح احد محلات الاستحمام بالبخار في “بريتون سيفرونت” في عام 1759.(/1)
6: التقطير ووسائل فصل السوائل من خلال الاختلافات في درجة غليانها, اخترعت في حوالي العام 800 م بواسطة العالم المسلم الكبير “جابر بن حيان”, الذي قام بتحويل “الخيمياء” أو “الكيمياء القديمة” إلى “الكيمياء الحديثة” كما نعرفها الآن.. مخترعا العديد من العمليات الأساسية والادوات التي لانزال نستخدمها حتى الآن؛ السيولة, والتبلور, والتقطير, والتنقية, والأكسدة, والتبخير والترشيح.. جنباً الى جنب مع اكتشاف الكبريت وحمض النيتريك, اخترع جابر بن حيان أمبيق التقطير – تستخدم الانجليزية لفظ alembic وهو مشتق من لفظ “إمبيق” العربي – وهو آلة تستخدم في عملية التقطير.. مقدماً للعالم العطور وبعض المشروبات الكحولية ويذكر الكاتب أن ذلك حرام في الإسلام, استخدم ابن حيان التجربة المنظمة ويعتبر مكتشف الكيمياء الحديثة.
7: المضخة عبارة عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها أن ترفع المياه من الآبار العميقة إلى اسطح الأرض، وكذلك كانت تستعمل في رفع المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضاً إلى الأماكن العليا..
صنعت بواسطة مهندس مسلم بارع يسمى “الجزري”.. هذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها جميع المضخات المتطورة في عصرنا الحاضر والمحركات الآلية كلها ابتداء من المحرك البخاري الذي في القطار أو البواخر إلى محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالبنزين كما في السيارة والطائرة.. ويعتبر “الجزري” الأب الروحي لعلم الـ robotics والخاص بتصنيع الـrobots كما نعرفها اليوم.. من ضمن إختراعاته الخمسين الأخرى كان الـ” combination lock” وهي التي نراها اليوم في طريقة قفل بعض الحقائب والخزانات باستخدام بعض الأرقام بجوار بعضها مكونة شفرة.
8: وضع طبقة من مادة أخرى بين طبقتين من القماش.. تعتبر إحدى طرق الخياطة وغير معروف إذا كانت ابتكرت في العالم الإسلامي أم انها قد نشأت أولاً في الهند أو الصين, ولكن من المؤكد أنها وصلت للغرب من خلال الصليبيين.. عندما رأوا بعض المحاربين المسلمين يرتدون قمصانا مصنوعة بهذه الطريقة بدلاً من الدروع والتي كانت مفيدة جداً كوسيلة للحماية من أسلحة الصليبيين المعدنية.. حيث كونت نوعا من أنواع الحماية لهم.. وهي تعتبر أول “قميص واقي من الرصاص” في العالم.. استخدم الغرب هذه الطريقة فيما بعد للوقاية من برودة الجو في دول مثل بريطانيا وهولندا..
9: تعد الأقواس مستدقة الطرف من أهم الخصائص المعمارية التي تميز كاتدرائيات أوروبا القوطية, فكرة هذه الأقواس ابتكرها المعماريون المسلمون. وهي أقوى بكثير من الأقواس مستديرة الطرف والتي كان يستخدمها الرومان والنورمانيون, لأنها تساعدك على أن يكون البناء أكبر وأعلى وأكثر تعقيداً.. اقتبس الغرب من المسلمين أيضاً طريقة بناء القناطر والقباب. قلعات أوروبا منسوخة الفكرة أيضاً من العالم الإسلامي, بدءا الشقوق الطولية في الأسوار, وشرفات القلعة.. وطريقة الحصن الأمامي وحواجز الأسقف.. والأبراج المربعة.. والتي كانت تسهل جدا حماية القلعة.. ويكفي أن تعرف أن المهندس المعماري الذي قام
ببناء قلعة هنري الخامس كان مسلما.
10: العديد من الآلات الجراحية الحديثة المستخدمة الآن لازالت بنفس التصميم الذي ابتكرها به الجراح المسلم “الزهراوي” في القرن العاشر الميلادي.. هذه الآلات وغيرها أكثرمن مائتي آلة ابتكرها لازالت معروفة للجراحين اليوم, وكان “الزهراوي” يجري عملية إستئصال الغدة الدرقية Thyroid. وذكر “الزهراوي” علاج السرطان في كتابه (التصريف) قائلا: متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذي يكون في الثدي أو في الفخد ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته, إذا كان مبتدءاً صغيراً فافعل. أما متى تقدم فلا ينبغى أن تقربه فاني ما استطعت أن أبرىء منه أحدا. ولا رأيت قبلى غيري وصل إلى ذلك ”وهي عملية لم يجرؤ أي جراح في أوربا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشر أي بعده بتسعة قرون, في القرن الثالث عشر الميلادي..
طبيب مسلم آخر اسمه “ابن النفيس” شرح الدورة الدموية الصغرى.. قبل أن يشرحها ويليام هارفي بثلاثمائة عام, اخترع علماء المسلمين أيضاً المسكنات من مزيج مادتي الأفيون والكحول وطوروا أسلوباً للحقن بواسطة الإبر لا يزال مستخدما حتى الآن.
11: اخترع المسلمون طواحين الهواء في عام 634 م.. وكانت تستخدم لطحن الذرة وري المياه في الصحراء العربية الواسعة, عندما تصبح جداول المياه جافة, كانت الرياح هي القوة الوحيدة التي يهب من اتجاه ثابت لمدة شهور, الطواحين كانت تحتوي على 6 او 12 أشرعة مغطاة بأوراق النخل, كان هذا قبل أن تظهر طواحين الهواء في أوروبا بخمسمائة عام!(/2)
12: فكرة التطعيم لم تبتكر بواسطة جبنر وباستير ولكن ابتكرها العالم الاسلامي ووصلت الى اوروبا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا وتحديدا في اسطنبول عام 1724, الأطفال في تركيا طعِّموا ضد الجدرى قبل خمسين عاما من اكتشاف الغرب لذلك!
13: القلم الجاف اخترع في مصر أول مرة لأجل السلطان في عام 953, حينما طلب قلما لا يلوث يديه أو ملابسه.. وكان القلم يحتوي على الحبر في خزانة مثل الأقلام الحديثة.
14: نظام الترقيم المستخدم في العالم الآن ربما كان هندي الأصل.. ولكن طابع الأرقام عربي وأقدم ظهور له في بعض أعمال عالمي الرياضة المسلمين الخوارزمي والكندي حوالي العام 825, سميت “Algebra” على اسم كتاب الخوارزمي “الجبر والمقابلة” والذي لا يزال الكثير من محتوياته تستخدم حالياً.. الأفكار والنظريات التي توصل لها علماء الرياضيات المسلمين نقلت إلى اوروبا بعد ذلك بـ300 عام على يد العالم الإيطالي فيبوناشي.. الـ” Algorithms” وعلم المثلثات نشأت في العالم الإسلامي.
15: علي بن نفيس والمعروف باسم “زيراب”.. قدم من العراق الى قرطبة في القرن التاسع الميلادي, وعرّف الغرب لأول مرة بمبدأ الثلاث وجبات اليومية.. وقدّم أيضاً البلور أو الزجاج الشفاف لأول مرة والذي تم اختراعه بعد عدة تجارب بواسطة عباس بن فرناس.
16: بواسطة تقدمهم العالي في فنون الحياكة, ووجود أصباغ جديدة بفضل تقدم المسلمون في الكيمياء بالإضافة لوجود الحس العالي في استخدام النقوش والتي كانت اساسا للفن الإسلامي غير التصويري, برع المسلمون في صناعة السجاجيد وغيرها, على العكس في الجهة الأخرى كانت الأرضيات في اوروبا بوضوح بلا أغطية حتى وصلتها السجاجيد العربية والفارسية والتي قدمت في انجلترا كما سجل إيسراموس الأرضيات كانت مفروشة بالحشائش.. ونادراً ما تجدد.. وأحياناً كثيرة كانت تترك مخلفات البشر والحيوانات وفتات الأطعمة في الشوارع.
17: كلمة “Cheque” الغربية أتت في الأصل من الكلمة العربية “صك”, وهي عبارة عن وصل مكتوب يستخدم لشراء السلع, وذلك لتفادي مشاكل نقل الأموال وتعرضها للمناطق الخطرة.. في القرن التاسع عشر كان يستطيع رجل الأعمال المسلم أن يدفع في الصين بواسطة شيك لبنك في بغداد!!
18: في القرن التاسع قال الكثير من علماء المسلمين أن الأرض كروية, وكان الدليل كما قال الفلكي “ابن حزم” أن الشمس دائما ما تكون عمودية على نقطة محددة على الأرض, كان ذلك قبل أن يكتشف جاليليون ذات النقطة ب500 عام.. [نلاحظ أن ابن حزم لم يعدم لقوله هذا عكس ما حدث مع جاليليو من الكنيسة!].
19: كانت حسابات الفلكيين المسلمين دقيقة جدا حيث أنه في القرن التاسع حسبوا محيط الأرض ليجدوه 40,253.4 كيلومتر وهو أقل من المحيط الفعلي بـ200 كيلومتر فقط!, رسم العالم الإدريسي رسما للكرة الأرضية لأحد الملوك في عام 1139 ميلادية.
20: إذا كان الصينيون هم من اكتشف البارود واستخدموه في إشعال النيران, فإن العرب هم أول من نقّى البارود باستخدام نترات البوتاسيوم ليكون صالحاً للاستعمال الحربي, مما أصاب أصاب الصليبيين بالرعب, في القرن الخامس عشر نجح المسلمون في اختراع أول صاروخ وأول طوربيد بحري .
في العصور الوسطى كان لدى الأوروبيين مطابخ وحدائق عشبية, ولكن كان العرب هم من طوروا فكرة الحديثة كمكان للجمال والتأمل.(/3)
كيف فهم الصّحابة التأسّي..عمر نموذجاً
د. بدران بن الحسن - د. فريدة صادق زوزو 13/7/1425
29/08/2004
أهمّية التأسّي برسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنّ التأسّي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي درج عليه المسلمون منذ عصر الصحابة يحتاج إلى تأمّل ونظر وتدبّر، ذلك أنّ هذا التأسّي إمّا وقع فيه إفراط أخرجه عن غايته، وإما وقع فيه تفريط أدّى إلى الطّعن في صاحب الرّسالة صلى الله عليه وسلم، وذلك طبعاً بعد عصر الصحابة رضوان الله عليهم.
كما أنّ التأسّي منذ عصر التدوين قُصِر في الغالب الأعمّ على التأسّي الفقهيّ، وما يتعلّق بالعبادات والشعائر، ولا يكاد يخرج من دائرة الحلال والحرام، ولست أدري لماذا إذا ذكرت القدوة أو التأسّي يذهب ذهن المسلم إلى اتباع السّنة بالمفهوم الذي صاغه الأصولّيون والفقهاء فيما يتعلق بالجانب التشريعيّ، رغم أنّ القرآن الكريم جاءت فيه آيات كثيرة تدعو إلى مطلق التأسّي والاقتداء. قال الله تعالى: (لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ...)[الأحزاب: من الآية21] ، وقال عزّ وجلّ: (...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...)[الحشر: من الآية7]، وقال تعالى: (...فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ... )[النور: من الآية63]، وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128] .
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ...)[الجمعة: من الآية2] وغيرها من الآيات القرآنيّة الكريمة.
والمعلوم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالإسلام، والاسلام ليس تشريعاً فحسب، بالرغم من مركزيّة قضيّة التشريع، بل هو هداية للانسان في كل أبعاد شخصيّته.
لهذا لا بد من تأسيس علم التأسّي برسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يعمل هذا العلم على دراسة واستكناه الدوائر التي يشملها التأسّي، وكيفيّته، حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً لكل مسلم في كل أبعاد شخصيّته؛ في رؤيته للحياة والكون، في فعاليته، في منهجيّته، في دوره كحاكم،ومربٍ، ومبلغ، وداعية، ومجتهد، وأب، و ...
دور الصحابة رضي الله عنهم في فهم التأسّي:
ولا شك أنّ بناء هذا التأسّي على أسس متينة من الفهم لحقيقة التأسّي، يقتضي معايشة الصحابة رضوان الله عنهم، وهم مقبلون بكليّتهم على استلهام النموذج النبويّ أثناء وجوده بين ظهرانيهم، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وأهمية معرفة الكيفيّة التي فهم بها الصحابة التأسّي تشكل قاعدة مركزيّة وأساساً في سبيل بناء منهج التأسّي، باعتبار أنّ الصحابة شهدوا نزول الوحي، وعاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسدّدهم ويصحح فُهُومهم وأعمالهم، ويوجّه بصائرهم إلى معاني الهداية والاقتداء، فحقّقوا صفة الخيريّة بشهادة الله ورسوله؛ الخيريّة في تحقيق الوعي؛ وعي الرسالة، والعمل، والاتباع، والطاعة، والتأسّي، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فقد حافظ كل صحابي على شخصيّته المتميزة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكلهم صوراً مكرّرة له، ولم يكونوا يريدون أنْ يكونوا صوراً مستنسخة منه، رغم تقديرهم لقيمته، وتضحيتهم في سبيله، وطاعتهم المطلقة له عليه الصلاة والسلام، ورغم أنّه أعاد صياغة شخصياتهم، أو بتعبير الصحابة رضوان الله عنهم: "كان رسول الله يفرغنا ثم يملؤنا".
تأسّي مجموع الصحابة يشكل نموذجاً للتأسّي الكلّي:
وفهم الصحابة للتأسّي له جانب مرتبط بشخصيّة كل منهم، وبمجموع هذه التأسّيات –إنّ صح التعبير-تشكل النموذج الكلّي للتأسّي الذي صاغه الصحابة رضوان الله عنهم، بشكل علميّ توفّرت فيه الممارسة العملية والاحتكاك بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ومشاهدته وهو يبني النموذج لبنة لبنة.
ولو أخذنا أيّ صحابي كمثال أو نموذج لوجدناه يمثل أحد جوانب التأسّي الكلّي لجيل الصحابة رضوان الله عنهم.
وفي مقالتنا هذه نريد أن نأخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه نموذجاً نحاول من خلاله تبيّن كيف فهم الصحابة التأسّي برسول الله صلى الله عليه وسلم.
نموذج التأسّي العمريّ:(/1)
واختيارنا لعمر رضي الله عنه يرجع لمواصفات وخصائص توفرت له تساعدنا أكثر على فهم نموذجه في الاقتداء، ذلك أنّه كان أقرب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، وأكثرهم حضوراً في تشكل الدّعوة والدّولة والأمّة، وأُتيحت له فرصة الافتاء(1)، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوزارة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والخلافة لمدة تزيد على العقد من الزمن، وأنشأ من الدواوين وأحدث من العمال الكثير الكثير، وتوسعت في عهده رقعة بلاد الاسلام، وأول من جمع القرآن في المصحف (2)، وموافقاته للقرآن أشهر من أنْ تذكر.
والدارس لسيرة عمر رضي الله عنه، والمطلع على مروياته، ينتبه إلى مفارقة تستحقّ التأمّل؛ فهو من جهة كثير الحضور والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن جهة أخرى نجد أنّ مرويّاته من القلّة بحيث تُعدّ على الأصابع.
ألم يكن عمر يقدّر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ألم يكن عمر يهتمّ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ألم يكن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
إذا كان يتبعه فكيف يجادله ويناقشه في كل أمر لا يستوعبه؟!
وما محلّ اعتبار عمر؟!
وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، يقول به"؟!
لو كان التأسّي رواية الحديث فقط ونقل أقوال الرسول-صلى الله عليه وسلم- وملازمته دائما لما وسع عمر أنْ يتجاهل هذا، ولكان أكثر الصحابة حفظاً ورواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ولو كان التأسّي إعمالا لما رود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون تفهّم لما أوسع في الاجتهاد بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بل وحتى في حياته –كما سبق ذكره- ولما أنشأ من المصالح والدواوين ما لم يكن من قبل في مرحلة النبوّة.
ولو كان التأسّي يقتضي اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- دون تفهّم وتعليل ومحاولة استيعاب، لما كان من عمر أن يجادل ويناقش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كثير من المواضع، مثل: أسرى بدر، ويوم الحديبية، والصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول، ولما كان منه أن يقترح ويبدي رأيه لرسول الله في مواضع عديدة.
ولو كان التأسّي ظاهرياً لما وسع عمر قطع شجرة الحديبية، أو أحجار منى، أو إيقاف إعطاء سهم المؤلّفة قلوبهم.
ولو كان التأسّي مناقشة كل ما يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعقله، لما كان من عمر أنْ يقول مقالته عن الحجر الأسود وهو يُقَبِّلُه، وهو يعلم أنّه يقبّله لأنّه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبله، ويعلم أيضا أنّه حجر لا يضرّ ولا ينفع.
إنّ عمر رضي الله عنه لو لم يكن متبعاً لرسول الله ومتأسياً به لما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الحق ينطق على لسانه"(3). كما أن السلف فهموا من حديث: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ"(4) الخلفاء الأربعة، وبالأخص الشيخان؛ أبو بكر وعمر، كما جاء في الطبقات لابن سعد من حديث سفيان بن عيينة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر"(5).
هذا القبول الذي لاقاه عمر من الأمّة منذ عهد الصحابة، وهذه الشهادة له من النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، تجعل منه من أقرب الناس إلى النبي وسنته، مع أنّه قليل الرواية، وكثير الانجازات التي لم تكن معروفة في الأمّة قبله.
من هنا نفهم أنّ عمر رضي الله عنه فهم اتباع السنة والتأسّي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به على أنّه اتباع لطريقة ومنهج وعادة (6) النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الوحي، وسيرته التي سلكها في تبليغ الرسالة وتحقيق النموذج الأمثل للاقتداء، وتحقيق هداية القرآن في الناس.
ورغم اشتراك الصحابة رضوان الله عنهم في أصل الاتباع إلا أنّ كل صحابّي له ميزته في اتباع السنة، شكّلت شخصيّته، وتوافقت مع روحه، فإذا كان عبد الله بن عمر يتتبّع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيه وجلوسه واستظلاله، فإنّنا نجد عمر بن الخطاب له منهجه في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسّي به، يمكن لنا أنْ نعتبر أنّ منهج عمر رضي الله عنه في فهم التأسّي يقوم على عدة قواعد مميّزة لخطّ عمر الذي صاغه فيما بعد من تأثروا به:
قواعد منهج التأسّي العمريّ برسول الله صلى الله عليه وسلم:
أول هذه القواعد: أنّ عمر رضي الله عنه كان يعتبر الاقتداء الأمثل في حفظ كتاب الله، والانشغال به عما سواه، مستلهما ذلك من نهي رسول الله عن كتابة السنة، وأنّ السنة تحفظ بحفظ القرآن والعناية به، والعيش في رحاب القرآن كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.(/2)
وثانيها: أنّ عمر يتوقف ويتّبع ما كان ليس له علّة مثل تقبيل الحجر الأسود وغيرها، فإنّه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فعله، ولو لم يعقله لتحققه من أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا حقاً، ولا يزيد عليه، وينهى عن الزيادة على ما اكتفى عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثالثها: كان عمر يفهم التأسّي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صورته الاجتماعيّة المعروفة كسلوك، وتتداولها الناس بينهم، وهذا معروف عن سيرة عمر وعدم تقبّله لما كان شاذاً، واعتباره للنقل العام وما يرتبط بكل الناس، وهذا المذهب هو ما تجسّد فيما بعد في عمل أهل المدينة كمستند فقهيّ في المذهب المالكيّ، حتى إنّ عمر لما جاءه أبو موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- بحديث لم يكن معروفاً لديه طالبه بالدليل والشاهد.
رابعها: أنّ تأسّي عمر وتشبّهه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعله يتشدّد في رواية الحديث، وكان من أحرص الصحابة وأكثرهم تميّزاً في الحرص على عدم التقوّل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما أظنّ ذلك إلا نابعاً من وعي دقيق ،وعميق من مخافة انشغال الناس برواية الحديث والافتراء أو عدم التثبّت، وترك القرآن الكريم الذي هو أصل ومستند للسنّة، وأحسب أنّ عمر بتشدّده في رواية السنة لم يكن يعني به عدم الاهتمام بالسنة، بقدر ما كان يبذر البذور الأولى للتثبّت العلميّ ومنهج نقد الرواية والجرح والتعديل الذي تحوّل فيما بعد إلى علم الحديث رواية ودراية، وحافظ على السنة، وحماها من الدّخيل والزائف، وعمر كان يعي تماماً وجوب بقاء نموذج النبي -صلى الله عليه وسلم- واضحاً في أجيال المسلمين القادمة، ولا تتداخل سنته -صلى الله عليه وسلم- وسيرته مع آراء الرواة(7).
خامسها: أنّ عمر رضي الله عنه عايش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حالات متعدّدة؛ في الحرب والسلم، قاضياً وحاكماً، ومبلغاً وداعياً، ومجتهداً وقاضياً، وأباً، وزوجاً لابنته، وأخاً(8)، ومشرّعاً، فامتلك الفهم الذي استطاع من خلاله أنْ يصوغ منهجه في التأسّي الذي يقوم على التفريق بين مستويات التأسّي المختلفة؛ ما هو واجب الاتباع، وما هو من العادة القابلة لعدم الأخذ بها، وما هو مرتبط بالزمان والمكان والأحوال.
كما أنّه امتلك روح التأسّي التي جعلت منه يراعي روح الشريعة ومقاصدها كما يراعي أفرادها الجزئيّة، وظاهرها في التعامل مع القرآن والسنة في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته، كما تجلّى في نقاشاته لرسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في حياته، ويتجلّى أيضا في اجتهاداته التي أنجزها في اقتراح خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وفي سهم المؤلّفة قلوبهم، وفي خراج أرض السواد، وفي توسعة الحرم، وفي إقراره معاوية على لباسه واتخاذه الحجب، ... وغيرها.
فبالرغم من معارضته الظاهريّة للنصوص، فإنّ التأمّل الدّقيق في اجتهاداته يرى أنّها كانت صائبة، وسارت مع روح النص حيث يجب مراعاة روحه، وتوقفت عند الظاهر حيث يجب التوقّف عند الظاهر.
وختاماً: وفي ختام مقالتنا المقتضبة هذه، نودّ أنْ نؤكّد أنّ منهج التأسّي العام برسول الله-صلى الله عليه وسلم- يتشكّل من مجموع تأسيّات كل صحابته، ذلك أن لا أحد من الصحابة ادّعى أنّه استوعب كل ما يجب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشكل يغني عن الاخرين، وإلا صار هو في مقام النبيّ. كما أنّ تأسّي كل صحابّي مرتبط بشخصه إلى حد كبير(9).
ووجود الصحابة في حد ذاته له دلالة بالغة الأهميّة في دور التأسّي الجماعي للصحابة في حفظ الصورة واضحة عن كيفيّة تعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الوحي، وتنزيله على واقع الناس، وتحقيق الهداية به، وتبليغه، وتحقيق النموذج القرآني في بناء الشخص، والشخصيّة المسلمة، والمجتمع المسلم، والدولة المسلمة، والأمّة المسلمة.
وانفراد بعض الصحابة بالإكثار من الرواية يقابله انفراد بعضهم في جوانب أخرى من النقل العمليّ لشخصية محمد بن عبد الله الرسول، وشمائله، وطريقته، وعادته في تمثّل الوحي، والأخذ عنه في كل ما يتعلق به كمعلم للهداية.
والاقتصار على التأسّي الفقهي يحصر عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دائرة الحلال والحرام والحكام الفقهية العملية فقط، وفي مستوى واحد من التأسّي دون بقية المستويات المطلوبة من النبيّ الخاتم والرسالة الخاتمة، وهذا ما لا أظن أنّ الصحابة يغيب عنهم هذا الوعي الكلّي للتأسّي، وإلا طعنّا في الرسول ذاته لأنّه يكون قد اختار لصحبته والتبلغ عنه ناساً قاصرين، وهذا ما لم يقلْ به عاقل فضلاً عن مسلم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.
(1) طبقات ابن سعد، ج2/ص334.
(2) مناقب عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، ص126.
(3) طبقات ابن سعد، ج2/ ص335.(/3)
(4) الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والتّرمذي وحسّنه وصحّحه، انظر حجية السنة، الشيخ عبد الغني عبد الخالق، ص57.
(5) طبقات ابن سعد، ج2/ ص234.
(6) من معاني السنة في اللغة: الطريقة والعادة والسيرة، انظر: القاموس المحيط للفيروزأبادي.
(7) ذكر ذلك ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ج2/ ص120.
(8) جاء في كتب السنة والسيرة أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعوه أحياناً: يا أخي.
(9) وهذا لا يدل على أنّ الصحابي يروي ما يوافق شخصيته ومنهجه، بل الرواية جزء من التأسّي، يتضمن معنى وعي نقل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، ولا تأثير لشخصية الصحابي بشكل يؤثر على النصّ المرويّ كما أثبتت ذلك كثير من الدلائل التاريخيّة(/4)
كيف كانوا يستقبلون الشهر الكريم
د. عبد الستار فتح الله ـ إسلام أون لاين
لقد كان من عادة السلف رضوان الله عليهم إذا دخل عليهم شهر رجب أن يَبتهِلوا إلى الله بالدعاء قائلين: "اللهم بارك في رجب وشعبان وبَلِّغْنا رمضان"، ونحن نردد دعاءهم فنقول: "اللهم بَلِّغْنا رمضان في خير وإنعام وإحسان يا رب العالمين"؛ لذلك ينبغي أن يستقبل المسلم شهر رمضان بغاية الشوق إليه والانتظار له؛ لأنه شهر مبارك اختاره الله تعالى منحةً منه للأمة الإسلامية، لتحتفل أصالة عن نفسها ونيابة عن البشرية جميعًا بعيد الهداية الإلهية؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه واثلة بن الأسقع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الكتب السماوية جميعًا نزلت في شهر رمضان؛ لذلك كلَّفنا الله تعالى بصيام هذا الشهر وقيامه، وندبنا إلى كثرة الخيرات والأعمال الصالحة فيه، حتى نثبّت معاني الخير والدين في أنفسنا، فالمسلم يصوم نهاره ويقوم ليله ويطعم فيه إخوانه، ويتلو فيه كتاب ربه .
ولا توجد أمة في الأرض عندها مثل هذا التشريع الجليل أعني أن تقوم بالكتاب الذي يتضمن شريعتها في صلاتها، فتجتمع الأمة كلها رجالاً ونساء شيبًا وشبانًا صغارًا وكبارًا في مساجد الإسلام حتى تستمع إلى القرآن الكريم وتقرأه وتحفظه وتتلوه في هذا الشهر المبارك.. لهذا وجوابًا على سؤال الأخ الكريم: "كيف نستقبل شهر رمضان" نقول: نستقبله بتصحيح النية؛ نصحح نيتنا ونتشوق للعبادة فيه، ونستشعر أن الله سبحانه وتعالى أراد لنا الاحتفال برمضان بشرع وشريعة الإسلام، وليس بشرع وشريعة الجاهلية الذي يشيع بيننا الآن، فكثير من الناس يقطع ليله في سماع الأغاني والتمثيليات وإلى غير ذلك، وإنما ليل رمضان للقيام وقراءة القرآن، والنهار للصيام والعمل، فلا يصح أن يكون رمضان موسمًا للتعطل والتبطل، وإنما هو نشاط وحماس في سبيل الله عز وجل.. تتدرب فيه الأمة وتتربى؛ ولذلك وقعت معارك الإسلام الكبرى طوال التاريخ في شهر رمضان .
ونحن نذكر أن معركة بدر الكبرى كانت في شهر رمضان، ونذكر أن معركتنا مع التتار كانت في شهر رمضان التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا لا يصدقه أحد ولا يظنه؛ لهذا ينبغي أن نصحح نياتنا وأعمالنا، وأن نجعل هذا الشهر موسمًا للخير والبركات جميعًا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل القرآن في رمضان، فإذا تركه جبريل خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أجود بالخير من الريح المُرْسَلة .
وينبغي أن يكون رمضان موسمًا للتربية الأخلاقية؛ فالذين يدخِّنُون، أو يثورون على الناس بحجة أن الناس هم سبب ثورتهم، مخالفون للإسلام نصًّا وروحًا.. ينبغي أن يكون المسلم في رمضان هادئًا مطمئنًا مسالمًا، فإن سابَّه أحد أو شاتمه، فليقل: إني صائم.. إني صائم، ولا يتبادل معه السباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق .
والمسلم يتعلم في هذا الشهر من ألوان التربية الخلقية والعملية الكثير والكثير .. والله أعلم(/1)
كيف مكَّن ليوسف في الأرض؟
1/4/1424هـ
أ.د ناصر بن سليمان العمر- المشرف العام على موقع المسلم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
بغداد ماذا أرى في حالك الظلم
نجماً يلوح لنا أم لفحة الحمم
أرى النواحي وضوء النار يلفحها
فكيف تجتمع النيران بالظلم
بغداد لاتسكتي ردِّي على طلبي
وامحي سؤال الذي أحكيه ملأفمي
بغداد أين زمان العز في بلدٍ
كان السلام به أسمى من العَلَم
دار السلام أيا بغداد هل بعدت
عنك الجحافل في يوم الوغى النهم
بغداد أين سحاب المزن إذ حكمت
يد الرشيد بعدل الله في الأمم
كتبت والحبر من نهر الفرات جرى
شعراً يترجم مجداً غاص في القدم
بالله قولي أيا بغداد مافتئت
يد المغول تزيد الجرح بالكلم
مرت قرون ثمان والجروح بنا
تغور من رجس ماصبُّوه من نقم
شمس الحضارة لم تشرق بساحتنا
من بعدهم وغدونا أمة الرخم
تباً لمستسلم لم يحم دولته
فاستهدفتها عبيد الرجس والصنم
تباً لمستسلم كانت بطانته
تزيغه عن طريق الحق والقيم
فهل يروم من الزنديق حكمته
والعلقمي جميل الرأي والحلم
تباً لمستسلم يلقاهمُ فرحاً
ويلتقي الناصح الصديق بالجهم
تباً لمستسلم أضحت بطانته
تدوس فيه كرام الشعب بالجزم
تباً لمستسلم أمست حواشيه
تشارك الناس في الأرزاق واللقم
تباً لمستسلم أدنى الحثالة من عرش
وأبعد أهل الفضل والكرم
تباً لمستسلم قد خان أمته
وسلَّم الحكم للأوباش والدهم
تباً لمستسلم أفنى خزينته
على الغواني وأهل الرقص والنغم
تباً لمستسلم يخشى رعيته
وآمنٌ بين أعداء على الحُرَمِ
تباً لمستسلم أهدى مدينته
إلى المغول وظن الأمن في السلَمِ
تباً لمستسلم لايستحي أبداً
ينقاد ذلاً من الأعداء كالبَهَمِ
بالله قولي أيا بغداد لارقدت
عين الجبان إذا نامت عن الهمم
واستخلف الله في عَصر لقيتِ به
ذل المهانة بين العرب والعجم
حان الوداع أيا بغداد فانتحبي
فقد أصيب جميع القوم بالصمم
حان الوداع أيا بغداد قد نحرت
رجولة القوم في ميدان منتقم
حان الوداع وعذر القوم أنهمُ
لايقدرون على الأرماح والُحُسم
هذا الوداع فموتي خير عاصمة
مذبوحة ربما ماتت بلا ألم
ونقول إنها لم تمت وستحيا بإذن الله وستعود عاصمة كغيرها لبلاد المسلمين كما كانت في عهد العباسيين وستعود دمشق كما كانت في عهد الأمويين ستعود بلاد الإسلام عزيزة ظافرة منتصرة، فنسأل الله أن يقر أعيننا بعز الإسلام والمسلمين …
أيها الأحبة:
السؤال كيف انتصر يوسف عليه السلام ؟! وكيف مُكِّن له في الأرض؟
وكيف وصل إلى ماوصل إليه من العزّ والسؤدد؟
وكيف نصل إلى ذلك ؟! ويمكَّن لنا في الأرض كما مُكِّن ليوسف؟
الذي يتتبع سورة يوسف عليه السلام وسيرة يوسف يجد أنه مرَّ به من الآلام والمحن والكرب أعظم مما يمر بنا الآن، مرَّ به وهو فرد من الغربة وذل العبودية وفتنة الشهوة والسجن وغير ذلك ماتتلاشى أمامه عزائم أقوى الرجال، ومع ذلك كانت هذه النهاية العجيبة ليوسف عليه السلام.
الذي يقرأ قصة يوسف في أولها هل يتصور أنه يصل إلى ماوصل إليه من عز وتمكين وسؤدد وقوة؟ وماأشبه الليلة بالبارحة.
وقلت لكم عندما اخترت هذه السورة إنني اخترتها لأن الله قال فيها آيات للسائلين، وقال في آخرها(( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ماكان حديثاً يفترى )).
أقف اليوم مع بعض عوامل النصر وأهم عوامل النصر التي أخذ بها يوسف عليه السلام وحصل على العز والمجد والسؤدد في الدنيا والآخرة، فإذا أخذنا بها فإننا بإذن الله منتصرون وإننا بإذن الله غالبون لعدونا فلا يأس وكما قال يعقوب عليه السلام : (( يابني اذهبوا فتحسَّسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ))، في وقت اشتدت الأزمات على يعقوب عليه السلام وكثرت عليه المصائب وبَعُد عنه أبناؤه فإذا هو عليه السلام يقول هذه المقولة لأبنائه التي لايقولها إلا من أعطاه الله علماً وفقهاً وفهماً كما قال : (( وأعلم من الله ما لا تعلمون )) فيقول: لامكان لليأس حتى قالوا له : (( تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين. قال إنما أشكو بثِّي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون. يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولاتيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )) .
في هذه الأحوال التي نعيشها وعباد الصليب يغزون بلاد المسلمين وإخوان القردة والخنازير يفتكون في فلسطين ومن خلفهم ومن أمامهم أعوانهم من خونة هذه الأمة قد تشتد الخطوب وتصاب النفوس باليأس والقنوط. أقول هنا أيها الأحبة : لايأس، لاقنوط.
كما لم ييأس يعقوب عليه السلام ولم يقنط ولم ييأس من روح الله، فما أحوجنا إلى ذلك. فيوسف – عليه السلام – هذا الغلام الذي فقد أوفارق أبويه وأهله ومرت به هذه المحن وصل إلى ماوصل إليه.
أمتنا بحاجة إلى هذه الدروس على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، بهذا نحقِّق النصر بإذن الله وألخصها بما يلي :(/1)
- من أعظم الدروس هو انتصار يوسف عليه السلام على نفسه، ويا أحبتي الكرام من هزمته نفسه لن يهزم عدوه وأقوى هزيمة تحل بالفرد والأمة أن يصاب الفرد من داخله أو أن تصاب الأمة بهزيمة من داخلها، يوسف عليه السلام انتصر على نفسه فتحقق له التمكين، كيف انتصر على نفسه ؟!
عندما انتصر على نفسه مع امرأة العزيز استعصم، ولم ينحنِ للشهوة مع توافر الدواعي وزوال الأسباب، إلا أنه رأى برهان ربه وهذا البرهان مع كل واحد منا، هذا الانتصار ليس بالأمر السهل، من السهل أن أنظِّر له بكلمات ولكن نسأل الله أن يحمينا وإياكم إذا واجه الرجل الفتنة والشهوة مع توافر الدواعي والأسباب وزوال الموانع، من يثبت كما ثبت يوسف عليه السلام ؟!
إنتصر على نفسه بثباته في بيت العزيز، انتصر على نفسه مع أخوته في عفة لسانه كما ذكرت لكم مراراً حتى لم يجرح مسامعهم بكلمة واحدة.
هل انتصرت على نفسك بسيطرتك على لسانك ؟! أمسك عليك لسانك كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم .
انتصر على نفسه بصدقه المتناهي، اسمعوا إلى قوله تعالى (( قالوا ياأيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين )) (( قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون)) ماهو الصدق هنا ؟!
ماقال: معاذ الله أن نأخذ إلاَّ من سرق، لا. لم يقل: من سرق لأنه يعرف أن أخاه لم يسرق، إنما قال: معاذ الله أن نأخذ إلاَّ من وجدنا متاعنا عنده فلم يتهمه بالسرقة - دقة تعبير متناهية - ويقول: إن جزاء السارق كان أصل القصَّة أنه يؤخذ لم يقل هذا سارق فإذاً أخذناه، لا. سبحان الله! فدقة التعبير والصدق انتصار على النفس .. صحيح هو وجد متاعه عنده لكن حقيقة لم يسرق ولم يتهمه بالسرقة أبداً هو صادق وجد متاعه عنده، ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله.
من انتصاره على نفسه عفوه عن إخوانه مع كل ماجرى قال: (( لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم )) بكلمة واحدة.
وأعجب من عفوه.. انتبهوا لها جيداً مع أن العفو (( ومايُلقَّاها إلاَّ الذين صبروا ومايُلقَّاها إلاَّ ذو حظٍ عظيم )) هذا قول الله جل وعلا العفو ليس بالأمر السهل ومع ذلك عفى وصفح لم يذكِّرهم بكلمة واحدة بعد أن عفى عنهم. فلما قال لأبيه ((ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً قال ياأبتي هذا تأويل رُؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي)) مع أن إخراجه من البئر أعظم من إخراجه من السجن، لكنه عفى عنهم فلا يريد أن يمر على البئر الذي وضعوه فيه لأنه عفى عنهم، ولم يقل: بعد أن نزغ الشيطان أخوتي، قال: من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي.
كم عفونا عن الناس - هذا إن كنا عفونا - ؟
ثم نجلس طول عمرنا نتحدث عن هذا الشخص ونقول أخطأ علينا وفعل.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( المتسابان ماقالا، فعلى الباديء مالم يعتدي المظلوم)) (يعني حتى لولم يعفو) يعني ممكن المظلوم يعتدي فيسبب كدراً بما يتحدث به، ممكن يكون أحد أخوانك أخطأ عليك خطأ ولكثرة ماتذكر أنت هذا الخطأ عند من لايعنيهم الأمر تكون وقعت في أضعاف الخطأ، كيف إذا كنت سامحته وعفوت عنه؟
تسامحه وتعفو عنه وتبقى أحياناً سنوات وأنت تتحدث عن هذه القضية، أما تعلم ماذا يحل بك ماجنيته؟ ……… يوسف عليه السلام لما قال: لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، التزم بهذه الكلمة فلم يمسَّهم ولم يوميء إليهم ولم يشر إليهم. هذا انتصار على النفس. هذا الانتصار أولى مقدِّمات انتصاره العظيم.
ثانياً : من مقومات انتصار يوسف عليه السلام صبره العظيم بل صبره العجيب ولذلك قال في آخر المطاف لإخوانه (( إنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين)) صبر يوسف عليه السلام عجيب، صبره عندما أخذه إخوانه وهو صغير لم ينطق ولم يذكر القرآن أنه تفوَّه بكلمة.
صبره في بيت العزيز، صبره على مراودة النساء (( رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه))، صبره في السجن صبرٌ أصبح مضرب المثل للأمم على مداد التاريخ، صبر يوسف عليه السلام، صبره عندما تولَّى الرئاسة والملك وكيف كان صبره في هذا الأمر، ولذلك دائماً أوميء إلى موضوع الصبر (( إنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين)).
ثالثاً: وآمل أن نذعن لأهمية هذا الدرس وكنت أردت أن اقتصر عليه فقط ولكن أدمجته مع بقية الدروس..
من أقوى عوامل نجاح يوسف عليه السلام التخطيط وبعد النظر وعدم الإستغراق في اللحظة الحاضرة.
1- وهذا يتضح في مواضع من أبرزها ثلاثة مواضع وهو في السجن كان بعد نظره والتخطيط الذي سلكه عندما أتيحت له الفرصة بالخروج مع أن هذه حالة نفسية لايعرفها إلا من مارسها، رفض أن يخرج ((ارجع إلى ربك فاسأله مابال النسوة)) عنده بعد نظر تخطيط بعيد جداً.(/2)
حب الخروج ولذة الخروج والملك هو الذي يدعوه ويفرج عنه بلا شرط ولاقيد يقول:لا، يرمي إلى شيء بعيد (( فاسأله مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن)) حتى في هذه الكلمة انظروا إلى عفة يوسف عليه السلام، ما قال: مابال امرأة العزيز؟ لم يشر إلى امرأة العزيز حتى لايحرج زوجها ولايحرجها . مابال النسوة؟ ولاقال: مابال النسوة اللاتي راودنني؟ قال: مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟
كان يرمي إلى هدف بعيد وتخطيط دقيق تحقَّق له، أجرى الملك التحقيق، ثم اعترفت امرأة العزيز وشهدت النسوة أنه ماعلمنا عليه من سوء فخرج بشهادة إلى الآن تدوي في التاريخ، هذا تخطيط وعدم الإستغراق في اللحظة الحاضرة وصبر عجيب وبعد نظر، من السهل التنظير ولكن ما أحوجنا إلى البعد.
2- موضوع التخطيط: وهو ماحدث في الرؤيا وهذا صحيح رؤيا لكن لاشك أن يوسف له دور فيها عندما ذكر السبع الشداد وسبع الرخاء وكيف استغل يوسف سبع الرخاء للسبع الشداد، كم مرَّت دول وشعوب بسنوات رخاء أضاعوا أموالهم فلما جاءت الشداد وإذا ليس لديهم شيء فازدادت ديونهم وزادت مصائبهم، كم من الناس أورثه والده ملايين وماهي إلا سنوات معدودة فإذا هو يفرِّط في هذه الملايين ورؤي بعضهم يسأل الناس.
هذه قضية عجيبة أيها الأخوة بعد النظر والتخطيط ظاهر في قضية السبع الشداد والسبع السمان …. فهو وفر وأدار الأمور بحكمة عجيبة وسياسة عجيبة في سبع الرخاء والاستعداد للسبع الشداد فمرَّت الأمور بسلام، ولم يصب الأمة ما قد يتوقع ويحدث.
3- ومن أعجب مارأيت في قصة يوسف عليه السلام ولايزال السؤال عندي في الحقيقة، عندما تولَّى الملك وتولَّى رئاسة مصر وسياسة مصر كان يتوقع أن أول قرار يتخذه هو ماذا ؟! أن يرسل من يأتي بأبيه وأهله لأنه يعلم كيف يعيش أبوه وماهي المحنة التي هو فيها والعجيب من دلالة الآيات أنه مانقول انتظر سنة، سنتين،ثلاث سنوات، لا. مرَّت السبع الرخاء ثم بدأت السبع الشداد، لأن قصة الآيات تدل أنهم كانوا يعيشون في السبع الشداد، أن بضاعتهم مزجاة، أن أحوالهم رديئة، أحوالهم صعبة أي في السبع الشداد ((فأوفِ لنا الكيل وتصدَّق علينا إن الله يجزي المتصدقين)) ثم تأتي قصة أخيه.
وفي النهاية يأتي بأبيه وأهله لحكمة يعلمها الله جلَّ وعلا. هذا يحتاج صبر جبال ويحتاج تحمُّل مسئولية.
هل تتصورون أن يوسف عليه السلام مجرد من العاطفة. لاوالله لاوالله، ولكن انظروا كيف لجم عاطفته انصياعاً لأمر الله تعالى ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء بحكمة يوسف وبعد نظره وتخطيطه وفوق كل ذي علم عليم.
أي عاطفة أقوى من رجل فقد أباه وفقده أبوه منذقرابة ثلاثين سنة أو عشرين سنة الله أعلم، لكنها كثيرة وهو يعلم مايعيش أبوه ويأتي أخوانه فلايخبرهم عنه وتبدأ قصة أخيه وتطول القصة، ثم يأتي بأبيه سبحان الله فلجم عاطفته ولم تستغرقه اللحظة الحاضرة وتصرَّف تصرف حكيمٍ بهدوءٍ وبعد نظرٍ وحكمةٍ حتى حصل ماحصل عليه حتى لما جاء بهم رفع أبويه على العرش وخرُّوا له سجداً.
عزةٌ وقوةٌ وملكٌ لكنه عن تخطيط وبعد نظر وحكمة وعدم استعجال وعدم استغراق في اللحظة الحاضرة، ماأحوجنا إلى هذا الدرس واستيعابه حتى نصل إلى هذا الأمر.
أحد الأخوة الآن أرسل لي سؤالاً، يطالب بالجهاد لمواجهة الأمريكان، نعم أنا أطالب بالجهاد لكن ليس بهذه الطريقة التي يفرضها الأخ وأقول لكم يقيناً لابد من مواجهة أعداء الله لكن ليس بالتصور الذي يتصوره بعض الأحبة الأمر يحتاج إلى بعد نظر، يحتاج إلى هدوء، يحتاج إلى تفويت الفرص على الأعداء، يحتاج إلى معركة شاملة في كل الميادين…
الجهاد في سبيل الله أعلاها- وكلها من الجهاد - جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوهم في كل المجالات (( ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )) فالجهاد يكون بالنفس وبالمال وبالقول، نحتاج الآن للجهاد في كل المجالات حتى لانتعجل.
آمل من أحبتي الكرام ومن بقرأ هذه الكلمة أن يقرأ قصة يوسف وبخاصة هذين الموضوعين:
أ- قصة عدم خروجه من السجن وثباته لهدف بعيد.
ب- وأعظم منه في رأيي هو ثباته بعد تولي الملك وصبره عن أبيه وعن أهله بهذه الخطة البعيدة جداً…
العجيب أيضاً أن مصيبة أبيه قد زادت ولم تنقص زادت بفقد أخيه حتى يتم أمر الله جلَّ وعلا وحتى لايستعجل شيء قبل أوانه مجرد المصيبة التي كان يعيش فيها أبوه من قبل كافية في رأي الكثير أن يتخذ القرار ويرسل لأبيه أو يذهب هو لأبيه. تتصورون أن يوسف عليه السلام ليس باراً بأبيه ؟! ليس عاطفياً ؟! لا والله حاشاه من ذلك لاوالله، لكنه التوفيق والسداد وبعد النظر والعقل والحكمة وعدم الاستعجال وعدم الإستغراق باللحظات العاطفية الحاضرة، ثم يأتي مجيء أخيه وتزيد مشكلة أبيه حتى ((قال بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم)).(/3)
((وتولَّى عنهم وقال ياأسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم )) يدرك يوسف أن هذا سيحدث لأبيه لكنها الحكمة وبعد النظر والتخطيط والالتزام بالشرع والخضوع لأمر الله حتى ولو كان على حساب النفس والهوى والعاطفة. وهذا الذي أوصي به الأخوان، يا أحبتي الكرام: الأمر ليس بالأمر السهل لاتِّقاد الأمة بالعواطف مع أهمية العواطف، أمة بدون عاطفة لاخير فيها، ونفس بلا عاطفة لاخير فيها، ولكن العاطفة يجب أن تحكم بالعقل، والعقل يُخضع للشرع، فتمام الأمور عقل وعاطفة يخضعان لشرع الله جلَّ وعلا وأمره ونهيه حتى لانتقدم تقدماً في غير موضعه أو نؤخِّر شيئاً عن موضعه..
أيضاً … من العجب ومن دعائم نجاح يوسف عليه السلام إقدامه على المسئولية بشجاعة نادرة، وعدم السلبية لمَّا رأى أنَّ الفرصة قد سنحت أقدم على المسئولية بشجاعة نادرة، وبعضنا يرى أن هذا ليس من الورع، لا. الورع أن تقدم على المسئولية وتتقي الله في المسئولية التي بين يديك وليس الورع أن تتخلى عن المسئولية والأمة بأمس الحاجة إليك، نعم إذا كنت تعلم أن هناك من سيختار لهذه المسئولية كفؤاً لك أو أفضل منك فمن الورع أن تتحاشاها لكن إذا كنت تعلم ويغلب على ظنك أنك إذا تخليت عن المسئولية سيختار من هو أقل منك كفاءة أو يختار من يسيء للأمة فيجب شرعاً كما ذكر شيخ الإسلام أن تتولى وتقدم حتى ولو ارتكبت بعض المفاسد من أجل أن تدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى هذه شجاعة وإقدام (( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)) هذا ليس طلباً للإمارة كما يرى البعض، بل هذه شجاعة وقوة نادرة، أين الإمارة في بلد مقبلة على سبع شداد؟ أين الراحة؟
هو يستطيع أن يطلب من الملك أن يبني له قصراً على الأنهار ويعطيه مايشاء ويأتي بأهله، يستطيع أن يفعل ذلك، ولكنه لم يختر هذا الطريق إنما اختار تحمل المسئولية كما اختارها، وكما قبلها بعبارة أدق عمر بن عبدالعزيز فسارت الأمة بالخير والعدل في خلال سنتين وأشهر، رضي الله عنه ورحمه في سنتين وأشهر ملأ الأرض عدلاً وفاضت الخيرات لما حكم بشريعة الله.
يأتيه أبناؤه ويطلبون منه مالاً يسيراً ويرفض، ويقول: أنتم أحد رجلين إمَّا رجل صالح فسيغنيه الله، وإما رجل آخر فوالله لا أساعده على معصية الله، يطلب من زوجته ابنة عمه فاطمة أن تخلع ما في يديها وتدخله بيت مال المسلمين، ويخيِّرها إما بالبقاء معه أو أن تتخلى عن مافي يديها، لأنه من بيت مال المسلمين- مجرَّد ذهب في يديها - .
يقسم أحد المؤرِّخين يقول: والله لقد رأيت أبناء عمر بن عبدالعزيز وبضعهم يحمل في الجهاد على عشرات أو مئات من الخير والمال الذي عنده، ورأيت بعض أبناء الأمراء ممن سبقه أو بعده وهم يتكفَّفون الناس، سبحان الله!
يوسف عليه السلام أقدم على المسئولية بنزاهة وعفة عجيبة جداً فحفظه الله جل وعلا ومكَّنه الله جل وعلا ((وكذلك مكَّنا ليوسف في الأرض )) .
أيضاً مما يمكن به: حسن السياسة والعدل في الرعية . عدله وحسن سياسته. اقرؤا السورة تجدون العجب فيها، وبهذا تستمر الدول وتستمر الممالك بالعدل، كما قال شيخ الإسلام : ( إن الله يعز ويبقي الدولة العادلة ولو كانت كافرة وإن الله يذل ويهزم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة).
أيضاً … اتصافه بالإحسان بمعناه الشامل المتكامل وليس الإحسان بمعناه القاصر وهو مجرد إحسان إلى فلان أوفلان، حيث الإحسان الآن عندنا يفسر بجزء من معانيه، الإحسان أعظم من ذلك وأشمل .
من أقوى علامات تمكَّنه وأسباب تمكَّنه وحصول مقصوده: قوة إيمانه بالله وتوحيده وحسن توكله على الله وإعادة الفضل إلى صاحبه وهو الله سبحانه وتعالى (( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون))
توحيد يوسف، إيمان يوسف، إعادة الفضل لأهله وهو الله جل وعلا، حسن ظنه بربه من أسباب حصول ما حصل له من عز وتمكين وسيادة وقيادة فإذا انتشر في بلاد المسلمين التوحيد ونشرت كلمة التوحيد فلتبشر الأمة بخير عظيم آت لامحالة بإذن الله.
كذلك دعوته لتحكيم شريعة الله، ونفي ماسواها ((إن الحكم إلا لله أمر ألاَّ تبعدوا إلاَّ إيَّاه)).
من أقوى مارأيت من أسباب تمكُّن يوسف عليه السلام : اطراده في منهجه وثباته عليه في جميع المراحل ،في السراء والضراء، عند أبيه وهو صغير، وهو يباع مملوكاً، وفي بيت العزيز، وفي السجن، وعند الملك، وهو على الرئاسة في آخر المطاف، اطراده على خط مستقيم واضح جلي بيِّن بهذا ينتصر الداعية … قلت لكم تمعنت انتصار بعض المباديء الأرضية وهي مباديء أرضية ليست إسلامية وجدت أن من أسباب انتصارها إيمان أصحابها بها وثباتهم عليها فيحققون انتصاراً عجيباً في الدنيا .
فكيف إذا كان الإنسان مؤمناً ومطرداً ومؤمناً بالله جل وعلا ؟(/4)
مانديلا في جنوب أفريقيا : قوة إيمانه بعدالة قضيته، بتخليص بلاده من الإستعمار البريطاني، وثباته على ذلك أكثر من سبع وعشرين سنة، ماذا حدث له ؟! لاأعلم الآن زعيماً معاصراً من غير المسلمين له من الإحترام والتقدير في العالم أجمع مثل مانديلا، لأن قضيته كانت عادلةً مع أنه غير مؤمن ودعي إلى الإسلام نسأل الله له الهداية.
إخواننا لما ذهبوا إلى جنوب أفريقيا قبل أشهر لمؤتمر هناك دعوه، فقال: أنا لست على دين فإن اخترت ديناً فسأختار الإسلام، فثبات الرجل وصدق الرجل عجيبة جداً وسبق أن ذكرت لكم شيئاً من ذلك ومع ذلك انتصر وهو ليس بمسلم فكيف إذا كان الرجل مسلماً ؟
إذا ثبت واطرد على منهجه ولم يتقلب ولم يضطرب فإنه ينتصر بإذن الله، هكذا كان يوسف عليه السلام، أما إذا بدأ الإضطراب عند الإنسان والتأخر والتقدم في غير موضعه لايستطيع أن ينتصر، لأنه لم ينتصر على نفسه فكيف ينتصر على الآخرين؟!
هذه مسألة آمل إن شاء الله أن أبيِّنها بالتفصيل في وقت قادم سواء في هذه المقالة أو في غيرها في موضوع أهمية الاطراد في المنهج وخطورة الإضطراب والتغير والتبدل …
ومما وجدت من مقومات عزة يوسف عليه السلام وانتصاره عدم الاستعجال أو التنازل، لاحظوا عدم الاستعجال أو التنازل أو اليأس أو القنوط، الآفات التي تصيب الأمة وتصيب الناس وتصيب الدعاة إما استعجال، أو يأس وقنوط، أو تنازل في غير موضعه لأنه إذا كان في موضعه لايسمى تنازلاً … يوسف عليه السلام لم يستعجل كما ذكرت لكم في قصته في السجن، ولما تولَّى الملك لم يتنازل لحظة واحدة أبداً أبداً، ولم ييأس ولم يقنط، وهكذا كان أبوه عليهما السلام.
ضع هذه المعالم أمام عينيك: الإستعجال - التنازل - اليأس - القنوط - التشاؤم فهي مهلكة، ولذلك نبَّه إليها محمد صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة وهو يقول لصحابته: (( والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لايخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون)) هذا يقال لصحابة محمد صلى الله عليه وسلم ،الاستعجال آفة أنا أخشى أن نفرط في الثروة الضخمة من هذا الإقبال على هذا الدين والاستعداد للتضحية والفداء والبذل، والله إني أخشى من الاستعجال الذي قام محمد صلى الله عليه وسلم يربِّي أمته على الحذرمنه خوفاً من أن يقعوا فيه، فلذلك أيها الأخوة يجب أن نضع هذه المعالم أمام أعيننا إذا توافرت هذه المقومات – التي توافرت ليوسف عليه السلام – وتمكن في الأرض، إذا توافرت هذه المقومات لأمة … تحقق الانتصار العظيم بإذن الله ووعد الله آت ونصره قادم والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايفقهون، فالله الله بالتفاؤل وحسن الظن بالله، لاتسيئوا الظن بالله جلَّ وعلا، يقول ابن القيم رحمه الله : " مامن امرئ إلا وهو يسيء الظن بربه فبين مقل ومستكثر … وكل منكم يعرض نفسه بينه وبين ربه، وهذه من أعمال القلوب" هذا كلام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله، فما يخلو الإنسان من سوء ظن بالله جلَّ وعلا وأسبابه كثيرة، سواء على المستوى الشخصي : بعض الناس يقول لماذا ربي لايرزقني، بعض الناس يقولون لماذا لاينصرنا الله جلَّ وعلا . ياأخي .. هل استحققنا النصر ؟! هل أخذنا بعوامل النصر ؟! هل زالت موانع النصر ؟! وعده لايتخلف سبحانه وتعالى أبداً، لكن إذا توافرت الأسباب وقامت الدواعي وزالت الموانع عندها يتحقق وعد الله لامحالة (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)) (( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون )) الآيات متواترة في القرآن … المصيبة فينا وفي أنفسنا وفي ضعفنا فالله الله أحسنوا الظن بالله وكونوا أكثر تفاؤلاً بتحقق وعد الله، ولكن علينا أن نأخذ بأسباب النصر وأن نصدق مع الله (( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) (( ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم)) .
أسأل الله أن يبرم لهذه الأمة إبرام رشد يعز فيه أهل الطاعة ويُهدى فيه أهل المعصية، وأن يمكِّن للإسلام والمسلمين وأن يعلي راية الدين. والحمد الله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
* نشر هذا المقال في الإسلام اليوم بتاريخ 16/2/1424(/5)
كيف نتخلص من الوهن ؟ ...
إن المسلم الذي يدرك حقيقة الإيمان ومقتضياته يشعر بألم ومعاناة شديدة من جراء الوضع المؤسف الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية اليوم عموماً ودعاتها خصوصاً، ولا يستطيع أن يقف موقف المتفرج من آلام الأمة وما تعاني من "ضعف" و "هوان" و "هزائم" متلاحقة من قبل أعداء الإسلام، ومع انتشار مرض الهوان كما ذكر في الحلقة الأولى، وبالتالي من واجبه الإيماني أن يبحث عن سبل الخلاص ويبذل كل ما أوتي من قوة وجهد في سبيل إخراج دعاة الأمة من هذه الحالة المتردية التي لا تتفق بحال من الأحوال مع ما أمرنا الله _تعالى_ ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ من الأخذ بأسباب النصر والابتعاد عن مواطن الضعف والوهن واليأس.
وبما أن تشخيص الداء هو أول خطوة لمعالجة المرض ولن يكون الدواء نافعاً إلا بعد معرفة الطبيب لنوع المرض وأسبابه، فإن الدراسات التي تكشف عن مواطن الداء في بنية دعاة الأمة وتبين العلاج، لها فائق الأهمية وكبير الأثر في النهوض بالدعاة للخروج من القمقم لاحتلال مكانتها في الحياة وأداء دورها الرسالي الخالد في قيادة الأمة وأستاذية البشرية خاصة في العصر الذي انكشف زيف المناهج والمذاهب الوضعية التي أعلنت عن فشلها وإفلاسها في إسعاد البشرية أو وضع حد لمعاناتها المتزايدة بسبب بعدها عن منهج الله _تعالى_ .
ولكي يتمكن الدعاة في هذه الأمة من تنظيم صفها الداخلي، ويتحرز من مواضع الضعف والهوان يضع نصب أعينها الخطوات التالية:
1. سلامة العقيدة:
فسلامة العقيدة أهم المهمات وأوجب الواجبات، العقيدة السليمة سبب للنصر والظهور والتمكين والاجتماع، العقيدة السليمة تحمي معتنقيها من التخبط والفوضى والضياع،وتمنحهم الراحة النفسية والفكرية, وتدفعهم إلى الحزم والجد في الأمور، تكفل لهم حياة العزة والكرامة.
والعقيدة في الإسلام هو الأساس الذي يقوم عليه بناء الإيمان في نفس الإنسان المسلم،ولا بد أن تظهر أثار العقيدة في سلوك الإنسان وأعماله.
فإذا كانت العقيدة راسخة في قلب الإنسان ونفسه نرى أثر هذه العقيدة في استقامة خلقه وسلامة تصرفاته وحسن معاملاته.
إذن العقيدة هي التي تصيغ الحياة إماً سلباً أو إيجاباً، وإذا أدركنا ذلك ندرك سر الاهتمام البالغ الذي أولاه الإسلام للعقيدة، فقد عالجت السور المكية قضية العقيدة في نفوس المسلمين معالجة عميقة بكافة جوانبها، ولذلك من الطبيعي جداً أن ينعكس أي ضعف أو خلل أو غبش يطرأ على عقيدة المسلمين وتصوراتهم ونظراتهم للأمور والأشياء أن ينعكس على سير الدعوة ويسفر عن ضعف ووهن وهزيمة أمام العدو في ميادين الدعوة.
وإن في غياب العقيدة السليمة تدخل الوساوس والهواجس القلوب ومن ثم يسيطر الخوف والوهن والرعب على النفوس، إذن فلا بد من الاهتمام الشديد بالجانب العقدي للدعاة وتربيتهم على العقيدة الصحيحة.
2. قوة الإيمان:
إن الإيمان بالله –سبحانه وتعالى- وما يتبعه من أمور عقدية أخرى وما ينبثق عن كل ذلك من تصور للوجود والحياة والكون هو أساس البناء الذي تقوم عليه شخصية المسلم، كما أنه الموجه الذي يوجه أفكار الإنسان المسلم وسلوكياته وتصرفاته.
والإيمان يجعل المسلم يخرج من دائرة المادة الضيقة، وهو الباعث للهمة والمقوي للإدراك، وكلما ضعفت إرادة العبد، ووهنت قوته أمده هذا الإيمان بقوة قلبية تتبعها الأعمال البدنية وكلما أحاطت به المخاوف كان هذا الإيمان حصناً حصيناً يلجأ إليه المؤمن، فيطمئن قلبه وتسكن نفسه، ومن هنا جاء اهتمام الإسلام بقوة الإيمان في نفوس أبنائه، فلا يرضى الإسلام أن يكون الإيمان في قلب المسلم ضوءاً خافتاً أو صوتاً مهموساً ولكنه يريده جذوة متقدة وضياء يغمر الآفاق, حتى يرشد الفكر ويوجه السلوك، ويسيطر على المشاعر ومن ثم يجعل الحياة كريمة سعيدة كما يريدها الإسلام.
وبما أن الإيمان أكبر مصدر للقوة في نفس المؤمن، فإن القلب الذي يملأ الإيمان أعماقه لجدير أن يثبت في العواصف والزلازل ويدفع صاحبه إلى مزيد من الصبر والاستقامة في مواجهة الشدائد.
3. الاستعانة بالله _تعالى_والشعور بمعيته:
ومن يستعين بالله _تعالى_ ويتوكل عليه في دعوته، ويشعر بمعيته وتأييده ليثبت مثل ثبوت الجبال الشامخات ولا يتزلزل أمام بهرجة الباطل والشوكة الزائفة لأهله، وهو من ثمار الإيمان الصادق بالله _تعالى_ يقول _تعالى_: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة:257)، وقال _تعالى_: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"(الطور: من الآية48).
ومن كان بمعية الله مصحوباً، وكان بعين الله محفوظاً، فهو أهل لأن يتحمل المتاعب ويصبر على المكاره.
4. اليقين بحسن الجزاء:(/1)
فإن ما يحث المسلم على الدعوة إلى الله _تعالى_ ويثبته عليها، ويزيده رغبة فيها وحرصاً عليها أن يطمئن أنه مجزي عليها جزاءً مرضياً ومن هنا يشير القرآن الكريم أن المؤمنين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله _تعالى_، وذلك حين يرجعون إليه ويقفون بين يديه فيعوضهم عن عملهم أكرم العوض ويمنحهم أعظم الأجر وأجزل المثوبة.
ولا نجد في القرآن شيئاً ضخم جزاؤه وعظيم أجره مثل الدعوة إلى الله والصبر عليها، فهو يتحدث عن هذا الأجر بأسلوب المدح والتضخيم، فيقول: " نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(العنكبوت:59).
وهو يبين أن الصابرين إنما يجزون بأحسن ما عملوا، فضلاً من الله ونعمة: "مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:96).
ولا شك أن يقين الإنسان المؤمن بحسن الجزاء وعظم الأجر عند الله _تعالى_ على البلية يخفف مرارتها على النفس، ويهون من شدة وقعها على القلب، وكلما قوي اليقين ضعف الإحساس بألم المصيبة(1).
5. اليقين بالفرج:
ومما يعين المسلم على العمل اليقين بأن نصر الله قريب وأن فرجه آت لا ريب فيه، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسراً، وأن ما وعد الله به المؤمنين وما وعد به المبتلين من العوض والإخلاف لا بد أن يتحقق، فهذا اليقين جدير بأن يبدد ظلمة الوهن والقلق من النفس، ويطرد شبح اليأس من القلب، وأن يضيء الصدر بالأمل في الظفر، والثقة بالغد(2).
يقول الله _تعالى_: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا ًإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً" (الشرح:6.5).
6. التحرر من عبودية غير الله:
الإنسان الذي يؤمن بأن الله هو المحيي والمميت، والنافع والضار، والمعطي والمانع، ويؤمن كذلك بأنه ليس للبشر مهما علا قدره وعظم شأنه أن يسوق إلى الإنسان ما أراد الله منعه أو يمنع عنه ما أراد الله أن يعطيه إياه مثل هذا الإنسان يتحرر من سيطرة الغير، قال _تعالى_: "وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً"(الفرقان: من الآية3).
فإيمان المسلم قوة عظمى يستعلي بها المؤمنين على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حراً لا سلطان لأحدٍ عليه إلا لله، فلا يخاف إلا الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا في الله، ولا يتوكل إلا على الله، وإذا تعرضت حريته للخطر يدافع عنها ويستعد لأصعب المعارك لأجل الاحتفاظ بها.
7. الترفع عن الشهوات:
ولا شك أن الترفع عن الملذات والشهوات, والجهاد لأجل الخير والصلاح يعطي الداعية المسلم دافعاً قوياً في استمرارية دعوته لمكافحة الشر، والتطلع إلى المزيد من الخير والأجر ومن كان هذا دافعه ومحركه في الوقوف أمام الأعداء لمؤهل للنصر _بإذن الله_، حيث إن حب الخير والعمل له يجعل الإنسان لا يشبع منه يطلب المزيد ولا يتطرق الوهن إليه أبداً، ذلك أن التقلب في الترف والإغراق في النعيم يعد من أعظم الشواغل والقواطع التي تشغل صاحبها عن طلب الكمال وتقطع عليه طريق المجد والسؤدد، ثم إن الإغراق في النعيم ينبت في نفس صاحبه أخلاقاً مرذولة من نحو الجبن والخور، وقلة الأمانة، والإمساك في وجوه الخير، وذلك مما يورث الوهن وضعف الهمة، يقول الله _عز وجل_: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (لأعراف:31).
8. الاقتداء بأهل الصبر والعزائم:
ومما يعين الداعية في السير إلى الأمام: التأمل في سير العظماء الرجال من علماء ومجاهدين ومن كرماء وأبطال الصابرين، وما لاقوه من صنوف البلاء وألوان الشدائد، وبخاصة أصحاب الدعوات وحملة الرسالات من أنبياء الله ورسله المصطفين الأخيار، الذين جعل الله من حياتهم وجهادهم دروساً بليغة لمن بعدهم ليتخذوا منها أسوة، ويتعزوا بها عما يصيبهم من متاعب الحياة وأذى الناس، يقول الله _تعالى_: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ"(الاحقاف: من الآية35)، وأمتنا الإسلامية على مر عصورها لم تخل من نماذج عظيمة وقمم سامقة، سواء في ميادين العلم والعبادة أو ميادين الجهاد والدعوة أو ميادين العطاء والتضحية وسجل لهم التاريخ مواقفهم الثابتة كي يقتدى بهم.
9. مصاحبة الأخيار وأهل الهمم العالية:
فهذا الأمر من أعظم ما يبعث الهمم ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس, فالإنسان مولع بمحاكاة من حوله شديد التأثر بمن يصاحبه.(/2)
والصداقة الشريفة تشبه سائر الفضائل من رسوخها في النفس وإيتائها ثمراً طيباً في كل حين، فهي توجد من الجبان شجاعاً، والبخيل سخاء، فالجبان قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يخوض في خطر ليحمي صديقه من نكبة عندما تشتد المحن وتتفاقم الفتن، وتقبل الشدائد كأمواج البحر وتأخذ بخناق المؤمنين وتزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ويظن الناس بالله الظنون، ويبتلى المؤمنون ويزلزلوا زلزالاً شديداً، فإذا كان الأمر كذلك فما أجدر الداعية أن يبحث عن إخوان ثقات وأبطال حتى يعينوه في هذه اللحظات الحاسمة في حياته(3).
قال ابن حزم –رحمه الله-: من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة والبر والصدق وكرم العشيرة والصبر والوفاء والأمانة والحلم وصفاء الضمائر وصحة المودة(4).
10. الجرأة في قول الحق:
الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده، ومن الحق الذي يعتنقه، ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به، ومن القدر الذي يستسلم إليه، ومن المسؤولية التي يستشعر بها، ومن التربية الإسلامية التي نشأ عليها.
وعلى قدر النصيب المؤمن من الإيمان بالله الذي لا يغلب، وبالحق الذي لا يُخذل، وبالقدر الذي لا يتحول، وبالمسؤولية التي لا تكل، وبالتربية التكوينية التي لا تمل بقدر هذا كله يكون نصيبه من الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم(5).
وهذا هو وصف الصفوة المختارة لحمل الرسالة والدعوة في كل عصر يفلت فيه الناس من المسؤولية ويتخلون عن التبعية، يقول الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة:54).
__________________
(1) الصبر في القرآن الكريم للدكتور يوسف القرضاوي ص 95-96.
(2) الصبر في القرآن الكريم ص 97-98.
(3) الهمة العالية ص 27.
(4) الأخلاق والسير لابن حزم ص 24-25.
(5) صفات الداعية النفسية لعبد الله علوان ص 23.
كاتب المقال: فضل الله ممتاز
المصدر: المسلم نت(/3)
كيف نتربى بالايمان ؟
مقدمة :
إن الإيمان بالله عز وجل هو أهم أصول الإيمان وأعظمها شأناً وأعلاها قدراً بل هو أصل أصول الإيمان وأساس بنائه وقوام أمره وبقية الأصول متفرعة منه راجعة إليه مبنية عليه والإيمان بالله عز وجل هو الإيمان بوحدانيته سبحانه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فهذه أصول ثلاثة يقوم عليها الإيمان بالله بل إن الدين الإسلامي الحنيف إنما سمي توحيداً لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له وواحد في ذاته وأسمائه وصفاته لا نظير له في ألوهيته وعبادته لا ند له .
**أولاً : تعريف الإيمان بالله ومعناه .
هو التصديق الجازم بوجود الله واتصافه بكل صفات الكمال ونعوت الجلال واستحقاقه وحده العبادة واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان والتزامه بأوامر الله واجتناب نواهيه .(
زاد الشيخ حافظ الحكمي (هو الأول فليس قبله شيء والآخر فليس بعده شيء والظاهر فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء ..)(
**ثانياً: حقيقة الإيمان بالله ..
تتبين حقيقة الإيمان بالله في عدة أمور /
1)الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه ويتحقق ذلك بإفراده بالعبادة بما تعبدهم به من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر .
يقول الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات ويقول الله تعالى{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (36) سورة النحل ويقول الله تعالى {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (14) سورة غافر
وعن معاذ رضي الله عنه قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير فقال يا معاذ :(هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله أعلم قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا أبشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا )صحيح البخاري ج3/ص1049 و صحيح مسلم ج1/ص58
2) الإيمان بجميع ما أوجبه الله على عباده وفرضه عليهم , من أركان وواجبات كالشهادتين والصلاة والزكاة وغيرها.
3)الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه يقول الله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (62) سورة الزمر.
4)الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى الواردة في كتابه العزيز والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل, يقول الله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى.
**ثالثاً : علامات الإيمان بالله ..
1)أن يكون الله عز وجل أحب إليك من كل ما سواه .
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) صحيح البخاري ج1/ص14و صحيح مسلم ج1/ص66
2)الاستجابة التامة لأوامر الله عز وجل .
,ويتحقق ذلك بقبول كل ما جاء عن الله عز وجل أو جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله وتطبيقه والعمل به والرضا التام به يقول الله عز وجل {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (51) سورة النور ويقول الله عز وجل {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به قال لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) صحيح مسلم ج3/ص1655رقم (2090)
3)الحب في الله والبغض في الله ..(/1)
ومعنى ذلك أن يحب المؤمنين لما عندهم من الإيمان ولما هم عليه من الطاعة ويبغض العصاة لما هم عليه من المعصية فتبغض منه هذه المعصية ويبقى محبته لإيمانه أما الكافر فيكون البغض لهم شديد وقوي لما هم عليه من الكفر وعدم الاستجابة لأمر الله عز وجل يقول الله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22) سورة المجادلة
عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله) سنن أبي داود ج4/ص198 برقم (4599)
البراء قال ك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله )مصنف ابن أبي شيبة ج6/ص170
عن أبي ذر قال : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال( أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل قال قائل الصلاة والزكاة وقال قائل الجهاد قال إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل الحب في الله والبغض في الله) مسند أحمد بن حنبل ج5/ص146برقم (21341)
4)إيثار الآخرة على الدنيا..
يقول الله تعالى {فَأَمَّا مَن طَغَى الله أكبر وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا الله أكبر فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى الله أكبر وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهوى الله أكبر فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (37ـ41) سورة النازعات .
5) عمارة المساجد ..
يقول الله تعالى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة. وتكون هذه العمارة حسية بالبناء وما يتعلق به وتكون معنوية وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والاعتكاف وغيرها.
6)الحب للطاعة والبغض للمعصية ..
وذلك لأن الطاعة الذي أمر بها الله عزوجل وبغض المعصية لأن الذي نهى عنها هو الله عز وجل .
عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال( إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن) المستدرك على الصحيحين ج1/ص58.
**رابعاً: ثمرات الإيمان بالله.. وهي ما يجده المؤمن في خاصة نفسه .
1/ حب الله لعبده المؤمن .. وتأمل هذه النصوص الكريمة الواعدة بالفضل ..
يقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (38) سورة الحج
ويقول تعالى {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أولياؤهم الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (257) سورة البقرة
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال:( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) صحيح البخاري ج5/ص2384برقم (6137)
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض) صحيح البخاري ج3/ص1175برقم(3037)
2/استغفار الملائكة ..
يقول الله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ الله أكبر رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الله أكبر وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} غافر من(7ـ9)(/2)
3/السعادة التي يجدها المسلم في لذة العبادة ..
وهي الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين يقول الله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل.
وهذه اللذة عبر عنها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله ( إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة )
4/ السلامة من سلطان الشيطان ..
ذلك أن الشيطان يوسوس لكل أحد ويدله إلى ما يهلكه وقد جعل الله لعباده المؤمنين حصوناً يمتنعون فيها من وسوسته يقول الله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الله أكبر إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الله أكبر إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } سورة النحل(98 ـ 100)
5/ يمدُّ الإنسان بقدرةٍ كبيرةٍ على تحمل المصائب .
لأنَّه يعلم أن هذا ابتلاء واختبار وهو خير له.. عن صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" {رواه مسلم برقم (2999)}.
وليس هذا فقط، بل إنَّ الله تعالى يخلفُ عليه ما فاته، ويجزل له الأجر والمثوبة إذا التجأ إليه.. قال صلى الله عليه وسلم : "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها" {رواه مسلم برقم (918)}.
لذا نجد المؤمن دائما يشعر بالفرح والسرور، وفي أحرج الظروف وأشد المصائب نراه في غاية الصبر والرضا؛ لأنه يعتقد أنه عندما يشاك بشوكة فما فوقها يكون له بها أجر.. فكل مصيبة تلحق الإنسان فهي بإذن الله تعالى، قال عز وجل: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11) سورة التغابن
**خامساً: أثر الإيمان بالله.. وهي ما يُرى أثره على أهل الإيمان عامة .
1/أنه مفتاح الحل لمشاكلنا المستعصية.. فهو الطريق إلى النصر.. يقول الله تعالى: { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47) سورة الروم
2/ أنه طريقنا إلى العزة، قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (8) سورة المنافقون
3/أنه طريق إلى الرخاء والنعمة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف
4/ الخلاص من مكر الأعداء.. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (38) سورة الحج.
5/ إن الإيمان بالله تعالى قوة عاصمة عن الدنايا، ولذلك نجد أن الله تعالى عندما يدعو عباده إلى خير أو ينفرهم عن شر، يجعل ذلك مقتضى الإيمان المستقر في قلوبهم وما أكثر ما يقول في كتابه الكريم "يا أيها الذين آمنوا" ثم يذكر بعد ذلك ما يكلفهم به.
أ)قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (278) سورة البقرة
ب) قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران
ج) قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات
د) قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (9) سورة المجادلة
ه) قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم
**سادساً : كيف تقوي إيمانك بالله ..
1/تدبر القرآن الكريم ..(/3)
وهذا التدبر يكون بالتمعن بآيات القرآن الكريم وتأمل آياته وما فيها من وعد ووعيد وقصصه وأحكامه وأمثاله فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير التدبر لآيات القرآن الكريم وكذلك أصحابه الكرام وإليك هذه الأمثلة:
أ)قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أراك قد شبت ؟ قال: (شيبتني هود والواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت) هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه( المستدرك على الصحيحين ج2/ص374)
يقول صاحب كتاب فيض القدير في معنى شيبتني هود:( أي سورة هود وأخواتها أي وأشباهها من السور التي فيها ذكر أهوال القيامة والعذاب والهموم والأحزان إذا تقاحمت على الإنسان أسرع إليه الشيب في غير أوان قال المتنبي والهم يحترم الجسيم مخافة * ويشيب ناصية الصبي ويهرم
قال الزمخشري مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب وأصبح أبيض الرأس واللحية كالثغامة فقال أريت القيامة والناس يقتادون بسلاسل إلى النار فمن هول ذلك أصبحت كما ترون)
المرجع/ فيض القدير ج4/ص168
ب) قال الأسود قال كنا عند عائشة رضي الله عنها فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها قالت لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس..( صحيح مسلم ج1/ص313برقم418
و صحيح البخاري ج1/ص236برقم 663)
ج)وفي مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه روي عن عبدالله بن شداد قال سمعت نشيج عمر رضي الله عنه وأنا في آخر الصف في صلاة الصبح وهو يقرأ سورة يوسف حتى وصل ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ..)
د) قال القاسم بن أبي أيوب سمعت سعيدا (ابن جبير) يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) سير أعلام النبلاء ج4/ص324 .
هـ) يقول إبراهيم بن بشار: الآية التي مات فيها علي بن الفضيل في الأنعام ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد) الأنعام 27 مع هذا الموضع مات وكنت فيمن صلى عليه رحمه الله . سير أعلام النبلاء ج8/ص446
2/استشعار عظمة الله عز وجل..
ويكون هذا الاستشعار بمعرفة أسمائه وصفاته وبكثرة ذكره وبالتفكر في مخلوقاته فمن أسمائه ( العظيم , العليم , القدير , القوي , الجبار ...) وإذا استشعرت معاني هذه الأسماء وما تدل عليه لوقر في قلبك عظمة لله عز وجل ودوام ذكر الله عز وجل مما يزيد قوة الإيمان في قلبك وتأمل هذه الآيات :
قال تعالى {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (205) سورة الأعراف ويقول تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2) سورة الأنفال ويقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (45) سورة الأنفال وبقول تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض) صحيح البخاري ج4/ص1812برقم (4534)
3/طلب العلم الشرعي ..
يقول الله تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) سورة فاطر فخشية الله عز وجل دليل قوة إيمان انبعث من القلب وهذا الباعث على الخشية هو العلم فكلما كان تضلعك بالعلم أكثر كلما كان إيمانك بالله اكبر وشتان بين الجاهل والعالم يقول الله تعالى { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر.
4/ كثرة العمل الصالح ..
فمما يقوي إيمانك ويزيده قوة وصلابة هو العمل الصالح وهو علامة قربك من الله عز وجل فأهل الإيمان قوي إيمانهم بالله لكثرة عملهم ومداومتهم عليه وقد اشغلهم عن هذه الدنيا التي تلهي كثير من الناس واضعفهم عن السير الحثيث إلى الله عز وجل وتأمل هذه الدعوة من الله عز وجل {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133) سورة آل عمران وبما تكون المسارعة إلا بالعمل الصالح والمداومة عليه فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سئل أي العمل أحب إلى الله؟ قال أدومه وإن قل) صحيح مسلم ج1/ص541برقم(782)
5/ كثرة ذكر الموت والخوف من سوء الخاتمة ..(/4)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت) هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه المستدرك على الصحيحين ج4/ص357برقم(7909)
فذكر الموت والخوف من سوء الخاتمة يقوي الإيمان لأنه يدفعك إلى العمل الصالح ويبعدك عن المعاصي ومن تذكر الموت زيارة المقابر والصلاة على الجنائز والحذر الحذر من التعلق بالدنيا والانشغال بها وجعلها أكبر اهتماماتك .
6/ مناجاة الله والانكسار بين يديه..
فما ألذها من لحظة تلك التي تكون بين يدي الله عز وجل مع ذل لله وخضوع له وانكسار بين يديه واستشعار انك فقير ضعيف محتاج إليه وقد قصرت وأذنبت فما ألذها حينما تعفر جبهتك في الأرض ذلا ًلله متأملاً هذا الحديث
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالك0 أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)
صحيح مسلم ج1/ص350برقم( 482).
وقد حركت بين جوانحك هذه الآية يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (15) سورة فاطر
7/محاسبة النفس ..
يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (18) سورة الحشر
وعن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله قال هذا حديث حسن قال ومعنى قوله من دان نفسه يقول حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة .
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا) ويروى عن ميمون بن مهران قال:( لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه )سنن الترمذي ج4/ص638برقم (2459)
8/ الدعاء ..
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) المستدرك على الصحيحين ج1/ص45برقم(5)
يقول صاحب كتاب فيض القدير:
(إن الإيمان ليخلق أي يكاد أن يبلى في جوف أحدكم أيها المؤمنون كما يخلق الثوب وصفه على طريق الاستعارة شبه الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته والعبد يتكلم بكلمة الإيمان ثم يدنسها بسوء أفعاله فإذا عاد واعتذر فقد جدد ما أخلق وطهر ما دنس فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم حتى لا يكون لقلوبكم وجهة لغيره ولا رغبة لسواه ولهذا قال معاذ لبعض صحبه اجلس بنا نؤمن أي نذكره ذكرا يملأ قلوبنا وكان الصديق يقول كان كذا لا إله إلا الله فقلت كذا لا إله إلا الله فلا يتكلم بكلمة إلا ختمها به) فيض القدير ج2/ص323
أمثلة في سر الإيمان ..
1/ مصعب بن عمير رضي الله عنه وكيف ترك جميع ملاذ الدنيا لما أمن بالله .
2/ صهيب بن سنان رضي الله عنه لما ترك ماله وهاجر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
3/سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما قال لأمه لو كان لك مائة نفس وخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني .
محبكم / محمد بن عبدالعزيز الشمالي
shemale@gawab.com(/5)
كيف نتفق ونتكامل؟ و كيف نحلّ الالتباس؟
د. أسماء بنت عبد العزيز الحسين 23/4/1427
21/05/2006
في ظل التيارات الفكرية المتدفقة، والحركات البشرية المتصارعة، أو الأيدلوجيات المعاصرة في واقعنا الإسلامي- كيف يمكن تأصيل قواعد ومعايير مضطردة تحكم آليات ومنطلقات الخطاب الإسلامي المعاصر، وتضمين اتساقه مع مقاصد وغايات الشريعة، وبالتالي نحلّ الالتباس؟
للإجابة عن هذا يجب أولاً أن نقف بعيدًا عن هيمنة التعصب أو سياسة أنت ضدي، بل أنت ضدي إذن أنت عدوي.
ويجب أن ننصّب الوحي حاكماً للواقع، لا نجعله محكومًا به.
كما يجب أن نؤمن بحتمية التمسك الحقيقي بالإسلام خاليًا من أي فكر بشري متحيز لغرض أو منفعة حزبية أو طائفية، والعودة إلى الإسلام عودة كلية تشرف على الجوانب المادية، وتنظم أسس التعامل معها لكي تسبق الإنجازات الفعلية القول أو تتزامن معه.
ونؤمن أن أي فكر إسلامي يجب أن يكون قائمًا على العدل والمساواة والرحمة، على أساس أن الإسلام يكرم ولا يهين، وتكريمه لا يتمدد ليشمل غير التقوى. والولاء والبراء متصدراً هذا الفكر، لا تعارض في ذلك مع مساواة أو عدل أو رحمة.
إن التعصب بلا منجزات حقيقية يسعى بالأمة إلى الشتات والفرقة أكثر من الوحدة والاجتماع، ويضيع المصالح الحقيقية الشاملة الكاملة في ظل هذا الدين الكامل الشامل بالأساس.
إن من لوازم فهم هذا الدين والدعوة إليه الحكمة التي تعني وضع الشيء في موضعه المناسب، ومن أهم الأهداف المتوخاة من أي عمل إسلامي: القدوة الحسنة، والنجاح في فرض عظمة هذا الدين من هذا الجانب دون ضعف أو تخلٍ أو مجاملات على حساب روح الإسلام أو دورنا تجاهه.
ولا يمكن أن نفهم الواقع فهم الدين ومبادئه وأساسياته فهمًا عاقلاً يدور في فلك النص المحكم المتقن، وعدم الدوران في فلك المتشابهات والتأويلات الشخصية أو التي تساير الأهواء، كذلك -وانطلاقًا- مما سبق فهم حقوق الآخرين، التي من أولها تصنيفهم كما صفتهم نصوص الوحيين –الكتاب والسنة، والعدل معهم، وعدم الاعتداء عليهم حتى لو كانوا كفارًا أو ملاحدة.
والعدل شيء والمودة والموالاة شيء آخر. إذن لا تعارض بينهما (لكم دينكم ولي دين).
إن المشكلة في بعض جوانب الخطاب الإسلامي المعاصر هي في إقصار اقتصار الفكرة على القريب أو المناصر وتجاهل أخيه الآخر، بل في أحيان محاولة إلغاء شخصية ذلك الآخر وحقوقه التي كفلتها له الشريعة.
ولدى البعض فإن الفكر يقتصر على خريطة الماضي وحدوده، وتجاهل الواقع بحدوده المتسعة، أو على العكس من ذلك تكييف الدين حسب الواقع، وفي كلا الحالتين من يخالف فهو يقصد العداء ويجب التصدي له! وكل أسلحة هذين النوعين التعصب والعداء.. وقد يأتي بينهما فكر أقرب ما يكون ضحية للتحديث والتغيير الاجتماعي الذي يحدث مقصودًا أو غير مقصود، محمودًا أو غير مرضي عنه.
إن الفكر الإسلامي يجب ألاّ يكون مطاطاً تكيفه كيف تشاء، كما يجب ألاّ يكون جامدًا يقصينا إلى حيث خيوط العنكبوت، بعيدًا في الزوايا العتيقة المظلمة.
إن الفكر الإسلامي وسيلة للاتباع ليس إلاّ، فقد كفينا عناء الاجتهاد في أساسيات ثابتة ومعطيات واضحة؛ فهذه هي الحدود الحقيقية، وسمح لنا بالاجتهاد والقياس حسب الأساسيات والمعطيات، وهذا هو التطور والمواكبة المقصودة.
أما الإقصاء أو التوسع دون ثوابت، أو دون اعتراف بها، أو التعصب لأهداف دنيوية أو انتصارات شخصية فهذا هو الفكر الضال المضلل أو الجهل بعينه، وكأنما استبدال خفي للدين بجهود بشرية قاصرة، أو تجديد متجدد، أو إصلاح صالح، أو إكمال كامل، والمشرع هو الله تعالى المنزّه عن كل نقص وعيب، بل له الكمال كله، بل إن الإسلام واضح لا تكلّف ولا حيرة ولا تصادم أو عناء، وهو الدين الذي يجب أن يُتّبع. فهو دين العالمية والشمول، وأساس الأديان وخاتمها، يتّسع ولا يضيق، وحدوده واضحة لا تضيع على العاقل المتبع.(/1)
كيف نثبت على الهداية؟
أنعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعم كثيرة ومتعددة، ولعل أهمها نعمة الإيمان والهداية إلى طريق الحق والرشاد قال تعالى: قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين (17) (الحجرات).
ولهذا فإن من واجب الإنسان المؤمن شكر الله وحمده على نعمتي الإيمان والهداية ثم الثبات على ذلك، ولتحقيق ذلك لابد من معرفة بعض الأسس والمقومات الأساسية، والعمل بها مثل: النية، والإخلاص الصادقين، والعلم النافع، والدعاء، والاستعانة بالله، والاقتداء بالرسول ص، والرفقة الصالحة.
العلم بأن الحياة مزرعة للآخرة
أهم عوامل الثبات على الحق والهداية العلم واليقين بأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الكون والإنسان عبثاً أو لهواً أو لعباً.. قال تعالى: وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين 38 (الدخان) وقال: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون 115 (المؤمنون)، ولهذا فإن الله عز وجل خلق الإنسان لغاية ولهدف ألا وهو عبادته وطاعته: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 (الذاريات).
فالمؤمن الحق هو الذي يعلم علم اليقين بأن هذه الحياة الدنيا لم تخلق للعب واللهو والعبث بل هي بمثابة مزرعة للآخرة يجد ويجتهد فيها ليزرعها بكل أنواع الطاعات والعبادات والأعمال الصالحة من أجل الثبات على الدين والإيمان والهداية والرشاد والفوز برضوان الله في الدنيا والآخرة.
الإخلاص
لايخفى على المؤمن أهمية وفضل الإخلاص في تحقيق الثبات على الهداية، ونيل رضا الله، لأنها من عوامل تجريد التوحيد وتصحيح العقيدة، وتقوية الإيمان واستقامة الوجهة. قال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء (البينة:5) وقال أيضاً: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين (2) ألا لله الدين الخالص (الزمر:3) وقال كذلك فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا 110) (الكهف).
وقال رسول الله ص: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه (اللؤلؤ والمرجان)26.
العلم النافع والعمل الصالح
من أهم مقومات الثبات على الدين والهداية طلب العلم النافع والتفقه في الدين. والقرآن الكريم والسنة النبوية حافلان بالآيات والأحاديث التي تحث على ذلك، وتبين فضل العلم، وأهميته في حياة الإنسان. قال تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) (العلق) وقال أيضاً: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (المجادلة: 11) وقال كذلك: ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى" صراط العزيز الحميد (6) (سبأ).
وقال رسول الله ص: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين): وقال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) وقال: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) وقال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري).
إن العلم النافع هو الذي يهدي إلى الإيمان وطاعة الله وعبادته والقيام بالعمل الصالح فالمرء يعلم فيؤمن، ومقتضاه أن الإيمان قبل العلم، قال الله عز وجل: وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى" صراط مستقيم 54 (الحج).
الاقتداء بالرسول والصحابة والسلف الصالح
من عوامل الثبات على الحق والهداية كذلك النظر في أحوال من سبقونا في طريق الخير والطاعة وقراءة سيرهم والسير على نهجهم الصحيح وخاصة الرسول القدوة ص وصحابته الكرام والسلف الصالح رضوان الله عليه: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 21 (الأحزاب).
ولهذا فإن على الإنسان المؤمن الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام في أقواله وأفعاله وأحواله وسلوكاته.. وكذلك السير على نهج الصحابة والسلف الصالح والتابعين.
الرفقة الصالحة
صحبة الجماعة المؤمنة والتزامها وعدم الافتراق عنها من أهم مقومات الثبات على الهداية لأنها تعمل على توطيد أواصر المحبة في الله والتعاون على البر والتقوى والتكافل والتضامن قال تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا (آل عمران:103) وقال رسول الله ص: (المرء على دين خليله فلينظر أحدهكم من يخالل) وقال: (عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
الدعاء والاستعانة بالله(/1)
الدعاء روح العبادة ولبها وهو مطلوب من الإنسان في كل الأحوال في السراء والضراء، ويُعتبر من أكبر عوامل الثبات على الهداية: قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون 186 (البقرة) وقال رسول الله ص: (لاتعجزوا في الدعاء فإنه لايهلك مع الدعاء أحد) رواه الحاكم في صحيحه من حديث أنس. وقال أيضاً: (إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء) (ذكره الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها).
ومن دعاء رسول الله ص في الثبات على الهداية، الذي يجب على الإنسان المسلم الإكثار عنه قوله ص :: "اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك".
عمر الرماش المغرب(/2)
كيف نجعل من العيد دعوة للمصالحة مع الحياة ؟
إن العيد مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمه، ومعان جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.
* فالعيد في معناه الديني شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج في سرائره رضا واطمئنانا، وتنبلج قي علانيته فرحا وابتهاجا، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.
* والعيد في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبه ورحمة وعدالة من وحي السماء، عنوانها الزكاة والإحسان، والتوسعة.
* يتجلى العيد على الغني المترف، فينسى تعلقه بالمال، وينزل من عليائه متواضعا للحق وللخلق، ويذكر أن كل من حوله إخوانه وأعوانه، فيمحو إساءة عام بإحسان يوم.
* يتجلى العيد على الفقير المترب. فيطرح هموهه، ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامه، وينسى مكاره العام ومتاعبه، وتمحو بشاشة العيد آثار الحقد والتبرم من نفسه، وتنهزم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء.
* والعيد في معناه النفسي حد فاصل بين تقييد تخضع له النفس، وتسكن إليه الجوارح، وبين انطلاق تنفتح له اللهوات، وتتنبه له الشهوات.
* والعيد في معناه الزمني قطعة من الزمن خصصت لنسيان الهموم، واطراح الكلف، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة.
* والعيد في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض.
وفي هذا كله تجديد للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب، والوفاء، والإخاء.
وفيه أروع ما يضفي على القلوب من الأنس، وعلى النفوس من البهجة، وعلى الأجسام من الراحة.
وفيه من المغزى الاجتماعي -أيضا- تذكير لأبناء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين؛ حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة.
* وإلى هذا المعنى الاجتماعي يرمز تشريع صدقة الفطر في عيد الفطر، ونحر الأضاحي في عيد الأضحى؛ فإن في تقديم ذلك قبل العيد أو في أيامه إطلاقا للأيدي الخيرة في مجال الخير؛ فلا تشرق شمس العيد إلا والبسمة تعلو كل شفاه، والبهجة تغمر كل قلب.
* في العيد يستروح الأشقياء ريح السعادة، ويتنفس المختنقون في جو من السعة، وفيه يذوق المعدمون طيبات الرزق، ويتنعم الواجدون بأطايبه.
* في العيد تسلس النفوس الجامحة قيادها إلى الخير، وتهش النفوس الكزة إلى الإحسان.
* في العيد أحكام تقمع الهوى، من ورائها حكم تغذي العقل، ومن تحتها أسرار تصفي النفس، ومن بين يديها ذكريات تثمر التأسي في الحق والخير، وفي طيها عبر تجلي الحقائق، وموازين تقيم العدل بين الأصناف المتفاوتة بين البشر، ومقاصد سديدة في حفظ الوحدة، وإصلاح الشأن، ودروس تطبيقية عالية في التضحية، والإيثار، والمحبة.
* في العيد تظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
* في العيد تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي .
* في العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها.
* العيد في الإسلام سكينة ووقار، وتعظيم للواحد القهار، وبعد عن أسباب الهلكة ودخول النار.
*والعيد مع ذلك كله ميدان استباق إلى الخيرات، ومجال منافسة في المكرمات.
* ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كل واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها الخطير في الروحانيات، ولها خطرها الجليل في الاجتماعيات، ولها ريحها المهابة بالخير والإحسان والبر والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية التي لا تكون الأمة صالحة للوجود، نافعة في الوجود إلا بها.
هاتان الشعيرتان هما شهر رمضان الذي جاء عيد الفطر مسك ختامه، وكلمة الشكر على تمامه، والحج الذي كان عيد الأضحى بعض أيامه، والظرف الموعي لمعظم أحكامه.(/1)
* فهذا الربط الإلهي بين العيدين، وبين هاتين الشعيرتين كاف في الحكم عليهما، وكاشف عن وجه الحقيقة فيهما، وأنهما عيدان دينيان بكل ما شرع فيهما من سنن، بل حتى ما ندب إليه الدين فيهما من أمور ظاهرها أنها دنيوية كالتجمل، والتحلي، والتطيب، والتوسعة على العيال، وإلطاف الضيوف، والمرح واختيار المناعم والأطايب، واللهو مما لا يخرج إلى حد السرف، والتغالي، والتفاخر المذموم؛ فهذه الأمور المباحة داخلة في الطاعات إذا حسنت النية؛ فمن محاسن الإسلام أن المباحات إذا حسنت فيها النية، وأريد بها تحقق حكمة الله، أو شكر نعمته انقلبت قربات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك".
* كلا طرفي العيد في معناه الإسلامي جمال، وجلال، وتمام وكمال، وربط واتصال، وبشاشة تخالط القلوب، واطمئنان يلازم الجنوب، وبسط وانشراح، وهجر للهموم واطراح، وكأنه شباب وخطته النضرة، أو غصن عاوده الربيع؟ فوخزته الخضرة.
* وليس السر في العيد يومه الذي يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، وإنما السر فيما يعمر ذلك اليوم من أعمال، وما يغمره من إحسان وأفضال، وما يغشى النفوس المستعدة للخير فيه من سمو وكمال؛ فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في العيد لا اليوم نفسه.
* هذه بعض معاني العيد كما نفهمها من الإسلام، وكما يحققها المسلمون الصادقون؟ فأين نحن اليوم من هذه الأعياد؟ وأين هذه الأعياد منا؟ وما نصيبنا من هذه المعاني؟ وأين آثار العبادة من آثار العادة في أعيادنا؟
* إن مما يؤسف عليه أن بعض المسلمين جردوا هذه الأعياد من حليتها الدينية، وعطلوها عن معانيها الروحية الفوارة التي كانت تفيض على النفوس بالبهجة، مع تجهم الأحداث، وبالبشر مع شدة الأحوال؟ فأصبح بعض المسلمين -وإن شئت فقل: كثير منهم- يلقون أعيادهم بهمم فاترة، وحس بليد، وشعور بارد، وأسرة عابسة، حتى لكأن العيد عملية تجارية تتبع الخصب والجد، وتتأثر بالعسر واليسر، والنفاق والكساد، لا صبغة روحيه تؤثر ولا تتأثر.
* ولئن كان من حق العيد أن نبهج به ونفرح وكان من حقنا أن نتبادل به التهاني، ونطرح الهموم، ونتهادى البشائر، فإن حقوق إخواننا المشردين المعذبين شرقا وغربا تتقاضى أن نحزن لمحنتهم ونغتم، ونعنى بقضاياهم ونهتم؟ فالمجتمع السعيد الواعي هو ذلك الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة، ويمتد شعوره الإنساني إلى أبعد مدى، وذلك حين يبدو في العيد متماسكا متعاونا متراحما، حتى ليخفق فيه كل قلب بالحب، والبر، والرحمة، ويذكر فيه أبناؤه مصائب إخوانهم في الأقطار حين تنزل بهم الكوارث والنكبات.
ولا يراد من ذلك تذارف الدموع، ولبس ثياب الحداد في العيد، ولا يراد منه أيضا أن يعتكف الإنسان كما يعتكف المرزوء بفقد حبيب أو قريب، ولا أن يمتنع عن الطعام كما يفعل الصائم.
وإنما يراد من ذلك أن تظهر أعيادنا بمظهر الأمة الواعية التي تلزم الاعتدال في سرائها وضرائها؟ فلا يحول احتفاؤها بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح تحتها فريق من أبنائها.
ويراد من ذلك أن نقتصد في مرحنا وإنفاقنا؛ لنوفر من ذلك ما تحتاج إليه أمتنا في صراعها المرير الدامي.
ويراد من ذلك -أيضا- أن نشعر بالإخاء قويا في أيام العيد؟ فيبدو علينا في أحاديثنا عن نكبات إخواننا وجهادهم ما يقوي العزائم، ويشحذ الهمم، ويبسط الأيدي بالبذل، ويطلق الألسنة بالدعاء؟ فهذا هو الحزن المجدي الذي يترجم إلى عمل واقعي.
* أيها المسلم المستبشر بالعيد: لا شك أن تستعد أو قد استعددت للعيد أبا كنت، أو أمًّا، أو شابا، أو فتاة، ولا ريب أنك قد أخذت أهبتك لكل ما يستلزمه العيد من لباس، وطعام ونحوه؟ فأضف إلى ذلك استعدادا تنال به شكورا، وتزداد به صحيفتك نورا، استعدادا هو أكرم عند الله، وأجدر في نظر الأخوة والمروءة.
ألا وهو استعدادك للتفريج عن كربة من حولك من البؤساء، والمعدمين، من جيران، أو أقربين أو نحوهم؟ فتش عن هؤلاء، وسل عن حاجاتهم، وبادر في إدخال السرور إلى قلوبهم. وإن لم يسعدك المال فلا أقل من أن يسعدك المقال بالكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والخفقة الطاهرة.
* وتذكر في صبيحة العيد، وأنت تقبل على والديك، وتأنس بزوجك، وإخوانك وأولادك، وأحبابك، وأقربائك، فيجتمع الشمل على الطعام اللذيذ، والشراب الطيب، تذكر يتامى لا يجدون في تلك الصبيحة حنان الأب، وأيامى قد فقدن ابتسامة الزوج، وآباء وأمهات حرموا أولادهم، وجموعا كاثرة من إخوانك شردهم الطغيان، ومزقهم كل ممزق؟ فإذا هم بالعيد يشرقون بالدمع، ويكتوون بالنار، ويفقدون طعم الراحة والاستقرار.
* وتذكر في العيد وأنت تأوي إلى ظلك الظليل، ومنزلك الواسع، وفراشك الوثير تذكر إخوانا لك يفترشون الغبراء، ويلتحفون الخضراء، ويتضورون في العراء.(/2)
* واستحضر أنك حين تأسو جراحهم. وتسعى لسد حاجتهم أنك إنما تسد حاجتك، وتأسو جراحك (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم)، و(من عمل صالحا فلنفسه) و"من نقس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفسن الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، و"من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم"، و"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.(/3)
كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي
القسم : إملاءات > مقالات
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
وبعد: فمما لا شك فيه أن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى، ذلك أن الاستعمار في العصر الحديث قد غير من أساليبه القديمة لما أدركه من فشلها وعدم فعاليتها، ومحاربة الشعوب واستماتتها في الدفاع عن دينها وأوطانها ومقدراتها وتراثها حيث إن الأخذ بالقوة، وعن طريق العنف والإرهاب مما تأباه الطباع، وتنفر منه النفوس لا سيما في الأوقات الحاضرة بعد أن انتشر الوعي بين الناس، واتصل الناس بعضهم ببعض وأصبح هناك منظمات وهيئات كثيرة تدافع عن حقوق الشعوب، وترفض الاستعمار عن طريق القوة، وتطالب بحق تقرير المصير لكل شعب، وأن لأهل كل قطر حقهم الطبيعي في سيادتهم على أرضهم واستثمار مواردهم وتسيير دفة الحكم في أوطانهم حسب ميولهم ورغباتهم في الحياة، وحسب ما تدين به تلك الشعوب من معتقدات ومذاهب وأساليب مختلفة للحكم مما اضطر معه إلى الخروج عن هذه الأقطار بعد قتال عنيف، وصدامات مسلحة وحروب كثيرة دامية.
ولكنه قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكر في عدة وسائل، واتخذ كثيرا من المخططات بعد دراسة واعية وتفكير طويل وتصور كامل لأبعاد هذه المخططات، ومدى فعاليتها وتأثيرها، والطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد، وأهدافه تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين، مبالغة في الدهاء والمكر والتلبيس، ركز فيها على خدمة أهدافه ونشر ثقافته وترسيخ الإعجاب بما حققه في مجال الصناعات المختلفة، والمكاسب المادية في نفوس أغلب الناس حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم، وأعجبوا بمظاهر بريقها ولمعانها، وعظيم ما حققته وأنجزته من المكاسب الدنيوية والاختراعات العجيبة، لا سيما في صفوف الطلاب والمتعلمين الذين لا يزالون في سن المراهقة والشباب - اختارت جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحر هذه الحضارة؛ لإكمال تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوربية والأمريكية وغيرها حيث يواجهون هناك بسلسلة من الشبهات والشهوات على أيدي المستشرقين والملحدين بشكل منظم، وخطط مدروسة، وأساليب ملتوية، في غاية المكر والدهاء، وحيث يواجهون الحياة الغربية بما فيها من تفسخ وتبذل وخلاعة وتفكك ومجون وإباحية.
وهذه الأسلحة وما يصاحبها من إغراء وتشجيع، وعدم وازع من دين أو سلطة، قل من ينجو من شباكها ويسلم من شرورها، وهؤلاء بعد إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم وتسلمهم المناصب الكبيرة في الدولة أخطر من يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله، ويضع الأمانة الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة، بل بوسائل وأساليب أشد عنفا وقسوة من تلك التي سلكها المستعمر، كما وقع ذلك فعلاً في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار أو كانت على صلة وثيقة به. أما الطريق إلى السلامة من هذا الخطر والبعد عن مساوئه وأضراره فيتلخص في إنشاء الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة بكافة اختصاصاتها للحد من الابتعاث إلى الخارج، وتدريس العلوم بكافة أنواعها مع العناية بالمواد الدينية والثقافة الإسلامية في جميع الجامعات والكليات والمعاهد؛ حرصاً على سلامة عقيدة الطلبة، وصيانة أخلاقهم، وخوفا على مستقبلهم، وحتى يساهموا في بناء مجتمعهم على نور من تعاليم الشريعة الإسلامية، وحسب حاجات ومتطلبات هذه الأمة المسلمة، والواجب التضييق من نطاق الابتعاث إلى الخارج وحصره في علوم معينة لا تتوافر في الداخل.
فنسأل الله التوفيق لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وحماية المسلمين من كل ما يضرهم في عقائدهم وأخلاقهم إنه جواد كريم.
وهذا المقام مع ما ذكرنا آنفا يحتاج إلى مزيد من العناية في إصلاح المناهج وصبغها بالصبغة الإسلامية على وجه أكمل، والاستكثار من المؤسسات العلمية التي يستغني بها أبناء البلاد عن السفر إلى الخارج واختيار المدرسين والمدرسات والمديرين والمديرات، وأن يكون الجميع من المعروفين بالأخلاق الفاضلة والعقيدة الطيبة والسيرة الحسنة، والغيرة الإسلامية والقوة والأمانة؛ لأن من كان بهذه الصفات أمن شره ورجي خيره وبذل وسعه في كل ما من شأنه إيصال المعلومات إلى الطلبة والطالبات سليمة نقية.
أما إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لا سيما في مجال التصنيع وأشباهه فأرى أن يكون لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه وأخلاقه المتشبع بالثقافة والروح الإسلامية، واختيار مشرف على هذه البعثة معروف بعلمه وصلاحه ونشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة، ويقوم بالدعوة إلى الله هناك، وفي الوقت نفسه يشرف على البعثة، ويتفقد أحوالها وتصرفات أفرادها، ويقوم بإرشادهم وتوجيههم، وإجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه وتشكيك وغير ذلك.(/1)
وينبغي أن يعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم ولو قصيرة يدرسون فيها جميع المشاكل والشبهات التي قد تواجههم في البلاد التي يبتعثون إليها، ويبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها، والحكمة فيها حسب ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلام أهل العلم مثل أحكام الرق، وتعدد الزوجات بصفة عامة، وتعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، وحكم الطلاق، وحكمة الجهاد ابتداء ودفاعاً وغير ذلك من الأمور التي يوردها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه.
أما عن مجابهة الغزو المتمثل في الإذاعات والكتب والصحف والمجلات والأقلام التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر، وأخذت تشغل أكثر أوقات المرء المسلم والمرأة المسلمة رغم ما تشتمل عليه في أكثر الأحيان من السم الزعاف، والدعاية المضللة فهي من أهم المهمات لحماية الإسلام والثقافة الإسلامية من مكائده وشره مع التأكيد على دعاة الإسلام وحماته للتفرغ لكتابة البحوث والنشرات والمقالات النافعة، والدعوة إلى الإسلام، والرد على أصناف الغزو الثقافي، وكشف عواره، وتبيين زيفه حيث إن الأعداء قد جندوا كافة إمكاناتهم وقدراتهم، وأوجدوا المنظمات المختلفة والوسائل المتنوعة للدس على المسلمين والتلبيس عليهم، فلا بد من تفنيد هذه الشبهات وكشفها، وعرض الإسلام عقيدة وتشريعا وأحكاما وأخلاقا عرضا شيقا صافيا جذابا بالأساليب الطيبة العصرية المناسبة، وعن طريق الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن من طريق جميع وسائل الإعلام حسب الطاقة والإمكان؛ لأن دين الإسلام هو الدين الكامل الجامع لكل خير، الكفيل بسعادة البشر، وتحقيق الرقي الصالح، والتقدم السليم والأمن والطمأنينة والحياة الكريمة، والفوز في الدنيا والآخرة.
وما أصيب المسلمون إلا بسبب عدم تمسكهم بدينهم كما يجب، وعدم فهم الكثرين لحقيقته، وما ذلك إلا لإعراضهم عنه وعدم تفقههم فيه، وتقصير الكثير من العلماء في شرح مزاياه، وإبراز محاسنه وحكمه وأسراره والصدق والصبر في الدعوة إليه، وتحمل الأذى في ذلك بالأساليب والطرق المتبعة في هذا العصر، ومن أجل ذلك حصل ما حصل اليوم من الفرقة والاختلاف، وجهل الأكثر بأحكام الإسلام، والتباس الأمور عليهم. ومعلوم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها والذي صلح به أولها هو اتباع كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم كما قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[1] وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[2] وقال سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[3] وقد وعدهم الله سبحانه وتعالى على ذلك النصر المبين والعاقبة الحميدة، كما قال سبحانه وهو أصدق القائلين: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[4] وقال سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[5] وقال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[6] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[7] والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولما حقق سلفنا الصالح هذه الآيات الكريمات قولا وعملا وعقيدة نصرهم الله على أعدائهم، ومكن لهم في الأرض، ونشر بهم العدل ورحم بهم العباد، وجعلهم قادة الأمة وأئمة الهدى، ولما غير من بعدهم غير عليهم كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[8] فنسأل الله سبحانه أن يرد المسلمين حكومات وشعوبا إلى دينهم رداً حميداً، وأن يمنحهم الفقه فيه والعمل به والحكم به، وأن يجمع كلمتهم على الحق، ويوفقهم للتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه بإحسان.
________________________________________
[1]- الأعراف الآية 3.
[2]- الأنعام الآية 153.
[3]- الأنعام الآية 155.
[4]- الروم الآية 47.
[5]- آل عمران الآية 120.
[6]- النور الآية 55.(/2)
[7]- محمد الآية 7.
[8]- الرعد الآية 11.(/3)
كيف نختار الكتاب المناسب لأطفالنا؟ ...
يقع كثير من المربين في حيرة من أمرهم عند اختيار كتب لأطفالهم، فهم لا يعرفون ما المناسب، وما الذي يجب أن يبحثوا عنه، كما أنهم لا يجدون من يعينهم في هذه المهمة الصعبة.
وفي هذه المقالة سأتناول بإيجاز بعض القواعد العامة التي تسهّل على المربي اختيار الكتاب المناسب لطفله.
أولاً: لكل عمر ما يناسبه:
لابد أن يبحث المربي عن الكتاب الذي يتناسب مع المرحلة العمرية لطفله، فلكل مرحلة عمرية احتياج خاص، سواء من حيث المضمون أو الشكل.
فسلوك طفل الثالثة يختلف عن طفل التاسعة، وما يخيف طفل الرابعة قد يثير سرور وسعادة طفل العاشرة. وقد تحدثت الكتب المتخصصة في أدب ا لأطفال عن هذه المراحل العمرية وفصلت القول فيها، وهي تعتمد في تقسيمها على الدراسات التربوية والنفسية.
ومن المهم أن نشير إلى أن هذه المراحل تتداخل زمنيًا، ويختلف فيها الذكور عن الإناث، وتختلف باختلاف الشعوب والأفراد، ولكن الأطفال يمرون بها بتتابع.
كما أن هذه التقسيمات لمراحل النمو ما هي إلا بحوث علماء في بيئات غير بيئاتنا، وعلى أطفال غير أطفالنا؛ فهي تنفعنا بشكل عام على أن نراعي الفروق البيئية والخلفية الثقافية والدينية لأطفالنا.
وهي كالتالي:
مرحلة الطفولة الأولى ( 1 – 3 ) :
ينمو فيها قاموس الطفل اللغوي ويتعرف على الأشياء من حوله، لذلك تأتي أهمية الكتب التي تعتمد على الصور في مواضيع مختلفة، الحياة اليومية، الحيوانات، الأشياء ... عالمه المحيط دون تكثيف للصور في الصفحة الواحدة.
ثم الكتب التي تتضمن مادة قصصية بسيطة وقصيرة، ويجب أن تتحمل أوراق الكتاب عبث الأطفال فتكون سميكة.
والطفل في هذه المرحلة يفهم أكثر بكثير مما ينطق.
مرحلة الواقعية والخيال المحدود وتمتد ما بين ( 4 – 5 ) سنوات :
وهي أيضًا مرحلة القصص والكتب المصورة، والرسوم مهمة بنسبة 60% من الكتاب. أما خيال الطفل فهو حاد ولكنه محدود في إطار البيئة؛ لذلك تكون القصص المناسبة واقعية ممزوجة بالخيال كأن تكون شخصياتها من الحيوان أو الجماد وتعالج أمورًا تهم الطفل مثل الصداقة، مخاوف الطفل: الظلام، أو الأحلام المزعجة.
ويجب أن تكون الفكرة في الكتاب واحدة سهلة شائقة مع حبكة ممتعة وواضحة.
ويفضل الأطفال في هذا العمر الشخصيات ذات الصفات الحسية (الدجاجة الحمراء ذات الرداء الأحمر...) كما يعجبون بالشخصيات الفكاهية ذات الأسماء الغريبة المضحكة. ونؤكد على أهمية الابتعاد عن الأحداث المخيفة أو النهايات الحزينة التي تبعث القلق والخوف، أو قصص الإجرام والسحر والجن.
كما نؤكد على أهمية أن تكون لغة الكتاب اللغة الفصحى السهلة.
مرحلة الخيال المنطلق من ( 6 – 8 ) سنوات :
تنمو قدرة الطفل على التركيز، ويطول مدى انتباهه، كما أنه يكتسب مهارة القراءة، ويتحرر خياله من البيئة لينطلق في الآفاق، ويستوعب النكت والألغاز .
وتنقسم الكتب المناسبة لهذا العمر إلى قسمين:
1 - كتب يقرأها الطفل نفسه، وتكون مفرداتها سهلة وجملها قصيرة والخط كبير ومشكولاً.
2 - وكتب تقرأ عليه: ويراعى فيها المضمون الذي يشبع الخيال؛ كقصص الأنبياء لما فيها من أمور خارقة كالمعجزات، والقصص الخيالية الشعبية والأساطير، والقصص العائلية والقصص المثيرة للدهشة، والنوادر، والقصص الفكاهية.
وهنا يستطيع الطفل أن يستنبط القيمة الأخلاقية للعمل الأدبي.
والرسوم مهمة ولكنها ليست كالمرحلة السابقة، ويقبل الأطفال على الرسوم الملونة بالأبيض والأسود والصغيرة والكبيرة على حد سواء.
مرحلة البطولة والمغامرة من ( 9 – 12 ) سنة :
وهي تمثل المرحلة المبكرة من المراهقة وفيها نمو سريع للقدرات العقلية، كما أن الطفل يستطيع التفكير في الأمور المعنوية ويستوعبها (كالكرامة والحرية).. ويظهر الاختلاف في الميول بين البنات والأولاد، فالأولاد تستهويهم قصص الشجاعة والمخاطر والقصص البوليسية والمغامرات، وتميل البنات أكثر إلى القصص التي تثير الانفعالات المختلفة (الحب، الصداقة).. كما يظهر الطفل الاهتمام بالقصص التاريخي، ويقل عدد الرسوم في الكتاب في هذه المرحلة مع حرية أكثر في استعمال أساليب الرسم المختلفة.
ويمكن تقديم الرواية وهي القصة الطويلة التي تنقسم إلى فصول وتكثر فيها الأحداث والشخصيات.
ثانيًا: المضمون أولاً:
لابد أن يحرص المربِّ على محتوى القصة بحيث تخلو مما يبعث على الخوف والشك واليأس والتردد.
كما يجب أن لا تسبب للطفل الشعور بالذنب أو احتقار الذات بطريق مباشر أو غير مباشر.
ويستخلص منها الطفل – شعوريًا أو لا شعوريًا – قيمة أو فكرة أو معتقدًا ينفعه في حياته، كما يجب الابتعاد عن الكتب التجارية التي لا تحمل فكرًا ولا أدبًا.
ثالثًا: الكتب المترجمة:
لا مانع من الاستفادة مما كتب بلغات أخرى (فالحكمة ضالة المؤمن)، مترجمًا إلى العربية أو بلغته الأصلية، على أن يتنبه المربي لبعض الأمور:(/1)
1- اختيار الجيد الذي يحمل قيمًا إنسانية عامة: التعاون، المحبة، العمل.. فهذه القيم ليست خاصة بالمسلمين وحدهم.
2- الابتعاد عما يتعارض مع قيمنا ومبادئنا وهويتنا العربية والإسلامية.
3- إذا كان الكتاب رائعًا ولكنه يحتوي على بعض المخالفات، فلا بأس أن يعرض على الطفل بشرط نقده وتوضيح المخالف فيه، وهذا ينمي فيه القارئ الناقد الذي لا يتقبل أي شيء دون تفكير.
رابعًا: التنوع يثري التجربة ويغنيها:
من المهم التنوع في الكتب المقدمة للأطفال، سواء في مواضيعها أو في طريقة إخراجها؛ لأن هذا يجعل تجربة الطفل مع الكتاب غنية وشائقة. وتجعله أكثر تعلقًا بالكتاب ومحبة له.
المصدر: الشبكة الإسلامية(/2)
كيف نربي أبناءنا في بلاد الغرب ..؟
عبد المنعم مصطفى حليمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً كثيراً .
وبعد: فإن كثيراً من المسلمين اضطرتهم ظروف القهر والإرهاب والظلم الذي يعيشونه في بلادهم مسقط رأسهم ـ من قبل طواغيت الحكم الجاثمين زوراً على صدر الأمة ومقدراتها، والذين يفرضون على شعوبهم سياساتهم الباطلة، وأفكارهم الكافرة الماجنة بالحديد والبطش والنار ـ إلى الهجرة والبحث عن مكانٍ يتحقق فيه الحد النسبي من الأمان لهم ولأهلهم، وأبنائهم ..
ولما كانت بلاد الغرب فيها هذا الحد النسبي من الأمان .. كانت مقصد كثير من المسلمين المضطهدين في دينهم ومعاشهم(1) .. فهاجروا إليها ومعهم أبناؤهم ونساؤهم لتواجههم تحديات من نوع آخر لم يكن كثير منهم يتوقعها أو يتصورها، تختلف ـ نوعاً ـ عن التحديات التي كان يواجهها في بلاده ..!
تحديات من جهة تزيين الباطل والترغيب به .. تحديات من جهة العرض الهائل للدعايات المكثفة لصور المجون والدعارة والفساد .. تحديات من جهة ضغط المناهج المنحرفة الفاسدة التي يتلقاها الأبناء في المدارس .. تحديات من جهة الترويج المكثف لكثير من الأخلاقيات السائدة في بلاد الغرب والتي تتعارض مع أخلاق وتعاليم الإسلام الحنيف ..
في ظل هذا الواقع المنحرف المفاجئ لكثيرٍ من الناس، يتساءل كثير من الآباء والأمهات الغيورين على دينهم وأبنائهم: كيف نربي أبناءنا التربية الإسلامية الصحيحة .. كيف نحافظ على سلامة أخلاقهم وسلوكهم من الانحراف .. كيف نحافظ على عقيدتهم وثقافتهم الأصيلة من الضياع .. كيف نربطهم بهموم أمتهم التي تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب ؟؟!!
فهذه الأسئلة ومثيلاتها تراود كثيراً من الآباء الغيورين، وتقلق عليهم مضاجعهم وحياتهم .. وهم محقون في كل ذلك؛ فالأبناء فلزات الأكباد، وقرة العين، وأمل الأمة وهم أمانة طيعة في أيديهم سيُسألون عنها يوم القيامة: أضيعوها أم حافظوا عليها، وأعطوها حقها ..؟!
لذا سنجتهد ـ إن شاء الله ـ في هذه الأوراق القليلة الإجابة على هذه الأسئلة الهامة بشيء من التفصيل والتدقيق، راجياً من المولى أن يهدي بها العباد، ويحقق منها المراد .. إنه تعالى سميع قريب مجيب .
والجواب يكمن في النقاط التالية:
أولاً: الشعور بالمسؤولية نحو الأبناء .
ونقصد بذلك أنه لا بد للآباء من أن يتحقق لديهم أولاً شعور قوي بالمسؤولية نحو الأبناء؛ يدفعهم للمتابعة والاهتمام بالأبناء إلى درجة القلق والخوف، إذ أن هذا الشعور يُعتبر شرطاً لأي حل أو علاج، لا تنفع من دونه الحلول الأخرى(2)
الشعور بأن هؤلاء الأبناء أمانة في أعناق الآباء سيُسألون عنهم أمام الله تعالى: هل وفوا بحقهم عليهم، أم قصروا وفرطوا وضيعوا ..؟
قال رسول الله:" كُلُّكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجلُ راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مالِ سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكُم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته " متفق عليه .
ومن الشعور بالمسؤولية نحو الأبناء إعطاؤهم حقهم من غير إفراطٍ ولا تفريط، ولا انشغالٍ عنهم بحقوقٍ أخرى .. وإنما يُعطى كلُّ ذي حقٍّ حقه بالتمام والكمال .
فليس من العدل ولا الفقه ولا المروءة أن ينشغل المرء في إعمار بيوت الآخرين، بينما بيته خرب تتآكله الآفات والأمراض المادية منها والمعنوية ..!
قال :" كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيع من يَقوتَ "(3) . أي من يُعيل من الأهل والأبناء .
ضياعهم من الجهة الدينية والأخلاقية والتربوية، وهو ضياع آثاره ـ في الدنيا والآخرة ـ أشد بكثيرٍ من الضياع المادي المعيشي(4)..!!
قال :" خيرُكم، خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي "(5)
والخيرية الواردة في الحديث هنا هي الخيرية الشاملة لجميع الجوانب: المادية منها والمعنوية؛ ونقصد بالمعنوية الجانب الإيماني والأخلاقي، الجانب التعليمي النافع ..
والحديث يفيد أن من فيه خير، فخيره أول ما ينبغي أن يظهر على أهله وأبنائه، فإذا انتفى خيره عن أهله وأبنائه، فمن باب أولى أن ينتفي خيره عن أمته وعن الآخرين، ولو زعم خلاف ذلك فهو ـ بدلالة الحديث ـ من الكاذبين ..!
فمن لا يسعى ولا يعمل على إقامة دولة الإسلام في أهله وبيته، فهو غير صادق في مسعاه لإقامة دولة الإسلام في مجتمعه وأمته .
قال:" من كتم علماً عن أهلهِ، أُلجمَ يومَ القيامة لجاماً من نار " (6)
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسَكم وأهليكم ناراً} قال علي: علموا أهليكم الخير (7). وهذا كله لا يتأتى إلا بعد الشعور بالمسؤولية نحو الأهل والأبناء .(/1)
هذه هي النقطة الأولى من الجواب على السؤال الهام الوارد في مطلع هذا البحث .. لننتقل بعدها ـ بإذن الله ـ إلى النقطة الثانية من الجواب .
ثانياً: مراقبة ومتابعة مصادر التلقي عند الأبناء .
فهم من خلال هذا الضغط الجاثم على صدورهم، والذي يُمارس من قبل المجتمع الجاهلي الذي يعيشون فيه، يتعرضون إلى مصادر عديدة مشوهة للتلقي: منها ما يمكن أن يكتسبوه من المدارس العلمانية المنحرفة من قيم فاسدة، وأفكارٍ باليةٍ ملحدة، وأخلاقٍ سيئةٍ .. فالمدارس المنحرفة ـ وهي السائدة والغالبة (8) ـ عليها التعويل الأكبر في إفساد الأجيال، وتسييرهم وفق الكسب المادي وتحصيل الأرباح الطائلة .. حيث أن منها من يفرض المبالغ الطائلة كرسوم دراسية على الطالب يعجز كثير من الآباء عن تسديدها مما يضطرهم مرغمين على أن يضعوا أبناءهم في تلك المدارس المنحرفة الباطلة المجانية ..!!
كما يوجد مدارس لا تفرض رسوماً على رعاياها، بخلاف الطلاب الذين لا ينتمون إلى رعايا تلك الدولة .. وكأنهم ليسوا من أبناء المسلمين الذين تجب المحافظة عليهم وعلى دينهم وأخلاقهم ..!!!
وهذا إضافة إلى كونه مخالفاً لتعاليم وأخلاق ديننا الحنيف، فإنه يزرع في نفوس أبناء المسلمين ـ في بلاد الغربة والمهجر ـ بذور الفرقة والضغائن، في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى التراحم والتواصل، والتكافل ..!
فإن إهمال الأبناء من هذا الجانب يترتب عليه كثير من الشر إن لم يكن كل الشر، يدرك ذلك الوالد عندما يشب ولده ويفاجئه بكل جرأة بالكم الهائل من التصورات والمفاهيم الباطلة التي كانت قد تراكمت عنده منذ الصغر ومع الزمن، حتى ـ هذه المفاهيم الباطلة ـ شكلت شخصيته وأفكاره وتصوراته عن الحياة والوجود، وما بعد الوجود .. ينافح عنها بكل جرأة ووقاحة !!
فيفاجأ الأب حينئذٍ أنه أمام شخصية تختلف عن شخصية ذاك الطفل البريء الطيع الذي كان يقوده كيفما شاء ويسكته بصوت جهوري واحد ..!!
حينها يأتي الأب ويسأل ذوي الشأن عن مشكلته مع ابنه كيف يتعامل معها أو يعالجها..؟!
أقول له: قد فاتك القطار .. وقد تأخرت في إعطاء الدواء لولدك، حتى استعصت عليك وعلى الأطباء أمراضه المزمنة .. إلا من شاء الله له الهداية والشفاء، فإن الله على كل شيء قدير .
لذا ـ حتى لا يحصل ذلك، ويقع الندم ولات حين مندم ـ ننصح الآباء أن يجرئوا أبناءهم على أن يحدثوهم عن كل ما شاهدوه واكتسبوه من مفاهيم وقيم من مصادر التلقي الآنفة لذكر، ويصبروا عليهم ـ من دون زجر أو إخافة للطفل بسب ما يحدث به ـ وعلى أحاديثهم، ثم يقوموا بطريقة حكيمة وبسيطة تناسب مستوى الطفل بغربلة ما اكتسبه في يومه من دون أن يرجئه إلى يوم الغد، فيبطل التصورات الخاطئة في نفس طفله، ويعزز لديه التصورات الصائبة النافعة ..
ينبغي على الآباء أن يتوقعوا أسئلة من أبنائهم، كقولهم: لماذا خلقنا الله .. ومن خلق الله .. ولماذا هذا حلال وهذا حرام .. وأن عيسى هو ابن الله ـ كما يسمع من أقرانه وفي المدارس ـ وأنه صُلب .. وأن بابا نويل قادر على أن يأتي بالحلوى والمسرات للأبناء .. وغير ذلك من التساؤلات والشبهات التي سببها التلوث بالبيئة الثقافية المنحرفة المحيطة به !!
والآباء يجب عليهم ـ من دون غضب أو انفعال قد يمنع الطفل من أن يوجه أي سؤال آخر لأبيه(6) ـ أن يصبروا على أسئلة أبنائهم، ويجيبوهم عليها بطريقة صادقة سهلة ومبسطة ..
ثالثاً: توجيه الأبناء إلى مصادر التلقي الصحيحة .
لا يكفي أن نراقب مصادر التلقي عند أبنائنا، ونقف عند حد المعالجة للقيم الفاسدة التي اكتسبوها من تلك المصادر .. لا يكفي ذلك حيث لا بد من توجيههم إلى مصادر التلقي النافعة البناءة، توجيههم إلى الجهة التي يأخذون منها القيم والمبادئ، والقوانين ..
وأعني بهذه الجهة: الكتاب والسنة التي تتضمن سيرة المصطفى القولية والعملية .. والتي تشمل على خيري الدنيا والآخرة، والسعادة في الدنيا والآخرة .. توجيههم إلى العلم النافع الذي يستمد حجته من الكتاب والسنة، على ضوء فهم السلف الصالح .. فالنبي لم يدع شيئاً خيّراً يقرب إلى الله وإلى الجنة إلا وقد بينه لأمته، كما لم يدع شراً يبعد عن الله ويقرب إلى النار إلا وقد بينه لأمته ونهاهم عنه، كما في الحديث:" إنه ليس شيءٌ يقربكم إلى الجنة إلا وقد أمرتُكم به، وليس شيءٌ يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه "(7)
وإذا كان الأمر كذلك فمن العبث والضلال أن نلتمس الخير والهدى من غير مشكاة النبي ، نذهب للاقتراض والاستجداء من الفجار مصاصي الدماء، قبل أن نراجع رصيدنا الضخم الوافر بكل خير، الذي يغنينا عن مد الأيدي إلى الآخرين، والاستجداء منهم حثالات الأفكار والمبادئ الساقطة ..!
كان النبي يراعي هذا الجانب مع أصحابه أيما مراعاة ليخرج منهم جيلاً فريداً يكون على مستوى هذا الدين .. على مستوى المسؤولية الضخمة التي تنتظرهم ..(/2)
ولما أتى عمر بصحائف من التوراة، يريد أن يقرأها على النبي .. غضب النبي غضباً شديداً، حمل عمر على أن يقول: آمنت بالله ورسوله .. آمنت بالله ورسوله .. آمنت بالله ورسوله .. رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً .. إلى أن سرى الغضب عن النبي فقال:" والذي نفسي بيده لو أصبح موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين " وفي رواية:" وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حلَّ له إلاَّ أن يتبعني.
"إنها قضية بالغة الأهمية والخطورة .. قضية ممن تؤخذ القيم والمفاهيم، والمبادئ .. قضية تتعلق بالاتباع والتلقي، وهي قضية لها مساس بالعقيدة والتوحيد، وسلامة الدين .. قضية لا تُعالج على طريقة " ما بال أقوامٍ " أو التلميح، حيث لا بد فيها من التصريح والتعيين .. لذلك كان النبي متشدداً هذا التشدد مع عمر ليخرج منه ذلك القائد الفذ العظيم الذي لا يعرف التاريخ له ـ بعد أبي بكر ـ من مثيل أو نظير ..!
وإن كان عمر هو ذاته الذي تخشاه شياطين الإنس والجن، حتى قال فيه النبي مقولته المشهورة:" ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ". وقال فيه: " لو كان نبيٌ بعدي لكان عمر " .
كل ذلك لا يمنع من أن يُمنع عمر من أن ينشغل بقراءة أوراق من التوراة قبل أن يرتوي إلى حد التضلع من معين هدي النبي ..!!
بهذه التربية النبوية العظيمة امتاز جيل الصحابة عن الأجيال التي تلته .. وبخاصة القرون المتأخرة والتي نحن منها.. حيث ترانا ننشغل بالعلوم والقراءات العديدة والمختلفة والتي لا يُعرف خيرها من شرها قبل أن نرتوي أو نطلع على ما جاء في الكتاب والسنة !!
نقرأ مائة كتاب لفلان وعلان من البشر قبل أن نقرأ ـ مرة واحدة ـ كتاب الله تعالى ونتدبر معانيه ومراميه ..!!
ينصرف أبناؤنا لقراءة أي شيء مما يصدر عن حثالات البشر ـ باسم الحرية وضرورة الاطلاع، وحب الاكتشاف ـ قبل أن يكونوا قد قرأوا صحيح البخاري، أو مسلم ..!
ثم بعد ذلك نتساءل عن أسباب الهزيمة النفسية والفكرية التي يعاني منها أبناؤنا ..؟!
نتساءل عن سبب الأمراض والتشوهات الفكرية الثقافية العديدة التي تصيبهم في تصوراتهم وأذهانهم .. وكأننا لا نعلم أننا نحن كنا السبب في ذلك كله عندما كنا نيسر لهم الاطلاع على أي شيء .. سوى الاطلاع على كتاب الله تعالى وسنة نبيه .. وسيرة الصحابة أبطال هذه الأمة وإلى يوم القيامة ..!!
مثلنا ومثل الرعيل الأول من الصحابة : أن الصحابة كانوا يرتوون من رأس النبع الصافي، فيشربون الماء صافياً خالياً من الشوائب والأدران .. فسلموا من العاهات والأمراض والتشوهات ..وبذلك امتازوا على من بعدهم من الأجيال والشعوب .
أما مثلنا ومثل أجيالنا المشوهة فكرياً، والمهزومة عقدياً .. مثل من يستقي من آخر السيل، وبعد أن يكون قد شربت منه البهائم والدواب والآفات، ورتعت فيه .. فتصلهم المياه مليئة بالشوائب والجراثيم والأوساخ .. فيُصابون بالمرض بل بالأمراض !!
هذا هو مثلنا ومثلهم .. ثم يأتي بعد ذلك من يقول بكل وقاحة وجرأة: الخلف أفقه وأحكم من السلف ..
{ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً }
ورحم الله سيد قطب حيث يقول: أرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانيننا من تلك المصادر المدخولة ..
أرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلاقنا من ذلك المستنقع الآسن الذي انتهت إليه الحضارة المادية المجردة من روح الدين ..
أي دين .. ثم نزعم ـ والله ـ أننا مسلمون! وهو زعم إثمه أثقل من إثم الكفر الصريح . فنحن نشهد على الإسلام بالفشل والمسخ حيث لا يشهد عليه هذه الشهادة الآثمة من لا يزعمون مثلنا أنهم مسلمون !! ا-هـ .
رابعاً: مراعاة تقديم الأولويات عند تلقين الأبناء .
حيث لا بد في عملية التلقين المشار إليها من قبل أن نراعي الأولويات والأهم فالأهم عند التلقين .. ونريد من ذلك الإشارة إلى أهمية غرس العقيدة والتوحيد في نفوس الأبناء منذ الصغر، وإعطاء ذلك الأولوية عند تزاحم الأشياء التي ينبغي تقديمها وعرضها على الأبناء، والذي دعانا إلى الإشارة إلى ذلك أسباب عدة :
منها: أن تقديم التوحيد وإعطاءه الأولوية .. هو منهج الأنبياء، والسلف الصالح في الدعوة إلى الله تعالى، وفي تربية الأبناء والأجيال .
فتأمل وتدبر وصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، كما ينقلها لنا القرآن الكريم، وكيف أنه كان يتسلسل مع ابنه في الوعظ والتوجيه بحسب الأهم ثم الأهم:
{ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بُنيَّ لا تُشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم ..
يا بُني إنها إن تَكُ مِثقالَ حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السماوات أو الأرض يأتِ بها الله إن الله لطيفٌ خبير .
يا بُني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور.
ولا تصعِّر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يُحبُّ كلَّ مختالٍ فخور .(/3)
واقصد في مشيك واغضُض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } سورة لقمان .
تأمل هذا التسلسل في التوجيه وكيف أنه ابتدأ مع ابنه في غرس العقيدة والتوحيد { لا تُشرك بالله}
لأن الشرك وراء كل داء وبلاء ..
ثم كيف كلمه ـ بعيداً عن أسلوب أهل الكلام وتعقيداتهم ـ عن عظمة علم الله تعالى وقدرته، وعن إحاطته علماً بجميع خلقه؛ حتى حبة الخردل ـ على صغر حجمها ـ تكن في صخرة أو في السماوات والأرض فإنه تعالى يحيط بها علماً ويأتي بها .. الله أكبر !!
وكأنه يقول له: لا تحسب أنك قادر على أن تغيب عن عين الله تعالى، أو أن تفلت من قدرته إذا هممت بذنب أو معصية .. فإن الله يراك .. ولن يفلت منه شيء !!
وإذا كان الأمر كذلك فهذا داعٍ منك أن لا تعصي الله في شيء ..!
ينهاه عن ارتكاب المعاصي والذنوب .. ليس عن طريق التخويف من النار وألمها الشديد،وإنما عن طريق بيان التوحيد، وبيان عظمة الخالق .. وهو أبلغ وأزجر .
ثم ينتقل معه في التوجيه والتلقين إلى أعظم ركنٍ وفرض بعد التوحيد {وأقم الصلاة } لماذا .. لأنها عاجلاً أم آجلاً تنهى صاحبها وتزجره عن الفحشاء والمنكر
{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }
الصلاة .. هي الفريضة الوحيدة التي أذن فيها النبي ضرب الأبناء عليها ـ وهم أبناء عشر وليس قبل ـ إن لوحظ منهم التقصير في أدائها، كما في الحديث الصحيح:
" مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعِ سنين، واضربوهم عليها وهو أبناء عشرِ سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع.. "(8). أي في الفراش والنوم ..
ثم بعد ذلك يوجهه إلى حمل أمانة هذا الدين إلى الآخرين(9) .. وإلى الجهاد والصبر على تحمل تبعات الدعوة إلى الله
{ وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك}
وذلك يكسب الولد شعوراً بأنه شيء كبير ـ وهو كذلك ـ إنه يحمل أمانة ـ لا بد أن يتحرك لها ـ تعجز عن حملها الجبال الراسيات .. وهذا لا شك يجعله يتطلع دائماً إلى تحصيل الهمم العالية وعدم الالتفات إلى الترهات وإلى صغائر الأمور، كما يجعل حياته مصبوغة بالجد بعيداً عن الهزل والترف ..
وهذا ما يناسب دعوته التي يعمل لأجلها، وفي الحديث:" إن ربَّك ليعجبُ للشاب لا صبوة له (10)
ثم ينتقل به إلى الآداب والأخلاق الحميدة .. والتي بها يرقى إلى مستوى هذا الدين العظيم، وإلى مستوى أن يكون داعية إلى الله تعالى:
[ ولا تصعر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يُحب كلَّ مختالٍ فخور، واقصِد في مشيك واغضض من صوتكَ إنَّ أنكر الأصوات لصوتُ الحمير [ .
فحق لا يُحاط بسياج من الأدب والخلق النبوي الرفيع .. تقل فاعليته، ويضعف أثره في نفوس الآخرين، بل لربما يكون سبباً في صد الآخرين عن اتباع هذا الدين والدخول فيه كما قال تعالى لنبيه:
{ لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }
ولكن نبينا صلوات ربي وسلامه عليه ـ بفضل الله تعالى ـ أُوتي أرفع الأخلاق وأجلّها وهو ما
لم يؤته أحد من العالمين، كما شهد له بذلك ربُّ العالمين:
{ وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم }
فهذا التسلسل في التوجيه والتلقين لم يرد ذكره في القرآن الكريم عبثاً لغير حكمة يريدها الشارع منا ..!
ومما يدل على وجوب مراعاة جانب التوحيد وإعطائه الأولوية عند التلقين، حديث جندب بن عبد الله حيث قال:
" كنا مع النبي ونحن فتيان، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً "(11)
هذا سبب من الأسباب التي تلزمنا بإعطاء التوحيد الأولوية ..
ومنها: أن التوحيد شرط لصحة الأعمال والطاعات؛ لا يقبل من المرء عمل أو طاعة إلا بعد أن يستوفي التوحيد ويحققه في نفسه اعتقاداً وقولاً وعملاً .. وهذا من لوازمه أن يسعى الآباء جادين إلى تحقيق التوحيد في نفوس أبنائهم قبل أن يبلغوا السن الذي به يجري عليهم القلم والحساب(12)
فمشكلة أيما مشكلة أن يشب الولد ويدرك سن البلوغ وهو يجهل التوحيد حق الله تعالى على العباد .. لا يعرف ربه بأسمائه وصفاته، ولا حقه عليه في هذه الحياة .. فهذا الخطب العظيم قد يهون عندما يجهل المرء بعض أحكام الدين وفروعه .. بخلاف لو جهل التوحيد !وهذا سبب وجيه حملنا على التنبيه إلى إعطاء التوحيد الأولوية عند التلقين ..
ومنها: أن عقيدة التوحيد تكسب المرء حصانة منيعة ضد أي غزوٍ ثقافي أو فكري .. كما تكسبه مناعة على الذوبان في عادات القوم وسلوكياتهم وأخلاقياتهم المنحرفة؛ وبخاصة إن تمكنت منه جيداً عقيدة الولاء والبراء، التي تحمله على الحب في الله والبغض في الله، وعلى أن يحسن ما حسنه الله تعالى، وأن يقبح كل ما قبحه الله تعالى في شرعه .
عقيدة الولاء والبراء التي تحمل صاحبها على أن يدور مع الشرع حيث دار .. سلماً وحرباً، حباً وبغضاً، تحسيناً وتقبيحاً .. وهو بذلك يكون كالنجم في السماء قد أدرك من الإيمان أوثق عراه وأعلاها .. صعب المنال أو الذوبان في عادات القوم وأخلاقياتهم الباطلة .(/4)
لكن قد يأتي السؤال: كيف نلقن أبناءنا العقيدة والتوحيد؟ هل هذا يضطرنا إلى أن نقرأ عليهم بعض المتون العقدية أو الكتب التي تناولت العقيدة الإسلامية تناولاً صحيحاً .. أم ماذا ؟!
أقول: لا يشترط في المراحل الأولى أن يُقرأ على الأبناء متون في العقيدة (13)تستلزم منهم الجلوس على الركب الساعات الطوال، فالأطفال كثير منهم لا يُطيق ذلك .. وهناك طرق عديدة أخرى يسيرة تناسب الأبناء، وهي سهلة على الآباء ممكن الاستعاضة بها عن قراءة الكتب أو المتون المطولة .. من هذه الوسائل والطرق:
1- استغلال مجالس التلاوة ما أمكن ذلك : وصورة ذلك أن يقف الوالد مع أبنائه عند التلاوة الجماعية على بعض الآيات القرآنية التي توضح بعض معاني التوحيد، كوقوفهم ـ مثلاً ـ على الآيات التي تفيد أن عيسى عبد الله ورسوله، وأنه لم يُصلب ـ كما يقول النصارى ـ وإنما شُبه لهم .. فيشرح الوالد معانيها ومراميها للأبناء، وبطريقة تناسبهم .وهكذا بقية معاني التوحيد والعقيدة عندما يمرون عليها في القرآن الكريم ..
2- من خلال سرد قصص النبي ، وقصص الصحابة رضي الله عنهم، وغيرهم من أبطال التاريخ الإسلامي: فالأطفال يميلون عادةً إلى الرغبة في سماع القصص .. والوالد عليه أن يستغل ذلك، ولا يكتفي بسرد القصص من دون أن يقف على بعض المعاني العقدية الإيمانية الكثيرة التي تتخلل تلك القصص .. فيبين لهم مثلاً: من خلال قتال الوالد المؤمن لولده الكافر، وقتال الولد المؤمن للوالد الكافر كما حصل في بعض الغزوات الإسلامية .. كيف يكون الولاء في الإسلام للعقيدة والإيمان وليس للدم أو القبيلة والعشيرة، أو غير ذلك من الروابط الأخرى .
وكذلك من خلال سرد قصص الهجرة يبين مثلاً كيف أن الصحابة آثروا سلامة العقيدة والعبادة على حب الأوطان والديار؛ لأن الإنسان خُلق لعبادة الله ، وبالتالي يجب عليه أن يدور مع هذه الغاية حيثما دارت أو وجدت .
وهكذا بقية معاني التوحيد يمررها على مسامع بنيه من خلال سرد القصص الثابتة الصحيحة لأبطال هذه الأمة .
3- من خلال التعليق السريع على بعض الأحداث: فيذكر مثلاً ما حصل للمسلمين في البوسنة والهرسك من مجازر، وما يحصل الآن في الشيشان من إبادة للشعب المسلم الشيشاني .. ثم يذكر له سبب ذلك، وهو انتماء هذه الشعوب لهذا الدين، ولأنهم مسلمون؛ فيغرس في قلب ولده حب المؤمنين والتعاطف معهم، وكره الكافرين والمشركين والبراءة منهم .
وكذلك ما حصل ويحصل في فلسطين المسلمة .. فيزرع في قلبه بغض يهود، وبغض دينهم وعاداتهم .
وكذلك لو مرض الطفل .. يُبين له ـ وإن تناول الدواء ـ أن الشافي هو الله تعالى وحده، وأن هذا الدواء ما هو إلا سبب أودع الله فيه خاصية الشفاء .
ويبين له أن النافع والضار هو الله تعالى وحده .. لا يجوز الالتجاء إلى ما سواه لكشف ضرٍ، أو جلب منفعةٍ .. وبذلك يزرع في نفس ولده صفة التعلق بالله دون سواه، وهذا من التوحيد ..وهكذا كل مناسبة أو حدث يمر لا بد للوالد من أن يعطيه التفسير العقدي الإيماني، ليتلقاها منه الأبناء ..!
4- من خلال القدوة الحسنة: ونعني بذلك أن يكون الوالد نفسه قدوة حسنة لأبنائه .. فهم يقرؤون التوحيد والعقيدة من خلال مواقف وكلمات أبيهم اليومية؛ فهو ـ مثلاً ـ يثني على شخص ما خيراً أمام أبنائه لأنه رجل صالح مؤمن مجاهد، وليس لشيءٍ آخر..كذلك يثني على شخص آخر بالسوء لأنه كافر مشرك، وسيئ الخلق والدين، وليس لشيءٍ آخر .. فيكتسب الأولاد من خلال ذلك الميزان والضابط الذي به وعلى أساسه يقيمون الآخرين ومواقفهم .فهو إذ يتبرأ من نظامٍ معين، يتبرأ منه لأنه نظام كافر يحارب الإسلام، ويُعادي الله ورسوله .. وليس لأنه لم يؤمِّن له وظيفة أو عملاً .. وهكذا بقية المواقف .وحتى لا يضطرب هذا الميزان عند الأبناء ينبغي على الآباء أن ينتبهوا لعباراتهم أمام أبنائهم؛ فلا يتوسعوا مثلاً في مدح كافر أو مشرك .. أو مدح بعض عادات المشركين وأفعالهم .. أو مدح بعض الأنظمة الطاغية .. فالأبناء يرددون ويؤمنون وراء آبائهم ما يقولون !فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح :
" فأبواه يهوٌدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه .."
وذلك يكون من خلال التلقين الباطل لأبنائهم بعد أن خلقهم الله تعالى على الفطرة حنفاء موحدين .
أريد من هذه النقطة،أن أشير إلى أن الأبناء يكتسبون كثيراً من معاني العقيدة والتوحيد من خلال أحاديث آبائهم أمامهم، ومن خلال مواقفهم العملية اليومية .. لذا عليهم أن يُراقبوا أنفسهم وكلامهم ، وتصرفاتهم وبخاصة أمام أبنائهم.
5- من خلال تصحيح المواقف والكلمات الخاطئة عند الأبناء : فالأبناء من خلال نشاطاتهم اليومية لا بد أن يصدر عنهم بعض الأخطاء .. فينبه الآباء لهذه الأخطاء، وأنها تنافي كمال التوحيد .(/5)
فمثلاً قد يسمع الآباء من أبنائهم مَن يحلف بغير الله .. فيُنبه أن هذا من الشرك الذي نهى الله ورسوله عنه .. وإن كان حالفاً فليحلف بالله تعالى وحده .
وإن ذكر ـ بسبب ما يتلقاه من المدرسة وغيرها ـ أن بابا نويل ينفع ويقدر على أن يأتي بالسكريات والأشياء الجميلة .. يُبين له أن بابا نويل هو عبارة عن وثن، وهو خرافة صنعته أيدي الأحبار والرهبان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن أن يُعطيه للآخرين ..
وهكذا لو شاهد الولد مشاهد من أفلام الكرتون ترد التصرف بالرياح والمطر والكون إلى أبطال الكرتون .. فهو يصحح لهم ذلك، ويبين لهم أن هذا من الشرك الذي لا تجوز مشاهدته .
وهكذا من خلال تصحيح المواقف والعبارات الخاطئة للأبناء فإنهم يكتسبون كثيراً من معاني العقيدة والتوحيد .
هذه بعض الوسائل والطرق البسيطة والسهلة ـ والمهمة في آنٍ واحد ـ التي من خلالها يقدر الآباء على توضيح العقيدة والتوحيد لأبنائهم .
خامساً: الصحبة والمصاحبة .
ونعني بذلك ـ إضافة إلى ما تقدم ـ أن الأب لا بد له من أن يتعامل مع أبنائه كصاحب وصديق لهم إضافة إلى كونه أباً له عليهم حقوقه المحفوظة شرعاً، وذلك يساعد على تحقيق مطلبان هامان في عملية التربية والمحافظة على الأبناء في هذه البلاد:
أولهما: أن الأبناء لا يجدون الحواجز التي تمنعهم من أن يُصارحوا آباءهم في كل شيءٍ، أو يستشيروهم في كل شيء يستجد عليهم .. وهذا يمكِّن الآباء من معرفة جميع مشاكل الأبناء وما يُعانون منه، كما يمكنهم من توجيهأبنائهم على بصيرةٍ في الاتجاه الصحيح والمطلوب .
إن كتمان الأبناء عن الأباء ما يحصل لهم من مشاكل ومن أمور مستجدة تحتاج
لمساعدة الآخرين، تجعل الولد يلتجئ غالباً إلى أقران السوء من أصحابه يستشيرهم في أمره وفيما يطرأ عليه من مشاكل، ليجد عندهم أسوأ الآراء، وأردأ الحلول التي قد ترتد عليه بالدمار والهلاك لو عمل بها ..!
لا يوجد في المحيط الذي يعيشه الأبناء من يريد الخير لهم كالآباء الصالحين .. وهذا مدعاة لحصول علاقة طيبة من نوع آخر تسهل عملية المصارحة والتوجيه من دون عقد أو حواجز نفسية لا فائدة منها، ولا داعي لها(14)
ثانيهما: أن مثل هذه المصاحبة الصادقة تكسب الأبناء شعوراً صادقاً بحب وعطف وحنان الآباء عليهم ..!
وهذا الشعور بمحبة الآخرين نحوهم هم بحاجة ماسة إليه في هذه البلاد .. فالولد يميل دائماً إلى من يلمس منه المحبة والعطف نحوه، ويكون مشدوداً إليه وإلى توجيهاته وتعليماته .. فإن لم يجد هذه المحبة عند الآباء بحث عمن يجد عنده هذا الشعور، ليسد حاجته في هذا الجانب ..!
والمشكلة قد تكون كبيرة وخطيرة جداً عندما لا يجد الأبناء المحبة والحنان من آبائهم ثم يجدون شيئاً منه عند معلميهم من المشركين الفاسقين، أو أصحابهم من أقران السوء ..!!
فحينها يكون المعلم الفاسد، وقرين السوء هما المثل الأعلى عند الولد الذي نهما يتلقى كثيراً من القيم والمفاهيم، والعادات السيئة ..!
وهذا الجانب لأهميته فقد أولاه الإسلام اهتماماً كبيراً، كما في الحديث المتفق عليه عند الشيخين، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ فقال: أتقبّلون الصبيان ؟! فما نقبّلهم !! . فقال النبي :" أوأملكُ لكَ أن نزعَ الله من قلبك الرحمة ".
وعن أبي هريرة قال: قبَّلَ النبيُّ الحسين بن عليٍّ رضي الله عنهما وعنده الأقرع ابن حابس، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله فقال:" من لا يَرحم لا يُرحم " متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً أشبه برسول الله من فاطمة كرم اللهُ وجهها؛ كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذَ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخلَ عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها (15)
وعن البراء قال: دخلت مع أبي بكرٍ أولَ ما قدِمَ المدينة، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حُمَّى، فأتاها أبو بكرٍ فقال لها: كيف أنت يا بُنيَّة ؟ وقبل خدها (16)
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله ليُدلعُ لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبيُّ حُمرَةَ لسانه، فيبهشُ إليه "(17). أي يسرع إليه ..
وعن بريدة قال: خطبنا رسول الله فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يَعثُران ويقومانِ، فنزلَ فأخذهما فصعد بهما ثم قال: صدق الله:{ إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ } رأيت هذين فلم أصبر، ثمَّ أخذَ في الخطبة (18)
وكان النبي يمشي إلى بعض شأنه ومعه أصحابه رضي الله عنهم، فيأتي أطفال المدينة فيأخذون بأطراف ثوب النبي .. فيمشي معهم حيثما شاءوا !!
الله أكبر .. قائد البشرية ومعلمها الأكبر على الإطلاق .. تقوده أطفال المدينة .. فيمشي معهم ـ رأفة بهم وحباً لهم ـ حيثما شاءوا ..!!(/6)
هذه بعض أخلاق معلمنا الأكبر، نبينا العظيم محمد .. فأين هؤلاء الذين يقتدون به، ويغترفون من هديه وأخلاقه وآدابه الرفيعة .. ثم أين هؤلاء الذين يُعرضون عن هدي وأخلاق نبينا صلوات ربي وسلامه عليه، ويقبلون على الأخلاق والثقافات المهترئة الآسنة الوافدة إلينا من بلاد الغرب وغيرها ..؟!!
لا يحسبون هؤلاء أنهم بخير .. أو حتى أنهم مسلمون ..!!
- تنبيه :*
جميع ما تقدم لا يخص تعامل الآباء مع الأبناء وحدهم بل هو يشمل الأبناء والبنات، بل إن للبنات ولتربيتهن، والإحسان إليهنَّ ميزة خاصة في الإسلام لا يُشركهن فيها الأبناء ..!
قال رسول الله:
" مَن عالَ ثلاثاً من بناتٍ يكفيهِنَّ ويرحَمهُنَّ، ويرفقُ بهنَّ، فهو في الجنَّةِ " (19)
وقال:" من عال جاريتين حتى يُدركا، دخلتُ أنا وهو الجنَّةَ كهاتين " وضم أصابعه . مسلم . وهذه خاصية لا يُشركهنَّ فيها الأبناء ..
فتدبر وتأمل يا من تعتني بالأبناء وتتجاهل البنات وحقوقهنَّ عليك ..!!
وبعد: اعلم أن الهادي لكل خير هو الله تعالى وحده، فمن أراد له الهداية فلا مُضل له، ولو اجتمعت على إضلاله الإنس والجن، ومن أراد له الإضلال فلا هادي له، ولو اجتمعت على هدايته الإنس والجن، كما قال تعالى:
{ من يهدِ اللهُ فهو المهتد ومَن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} الكهف:17.
وقال تعالى:
{ ومن يُضلل اللهُ فما له من هاد } الزمر:23.
لذا لا مناص لك يا عبد الله ـ إضافة إلى التزامك بما تقدم ـ من اللجوء دائماً إلى الله تعالى تسأله الهداية والسلامة لك ولأهلك .. فالله تعالى خير حافظاً وهو أرحم الراحمين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الهوامش:
(1) كثير من الآباء يهتمون بتغذية أبنائهم بجميع أنواع وصنوف الأغذية والأطعمة .. بينما يتجاهلون تغذيتهم من الناحية الإيمانية، والثقافية .. راكنين على ما تبثه المدارس العلمانية من سموم فكرية وأخلاقية في رؤوس أبنائهم !!
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك، صحيح الجامع: 3316.
(3) صحيح الجامع: 6517.
(4) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، صحيح الترغيب:115.
(5) من هنا تأتي أهمية المدارس الإسلامية الهادفة ودورها الهام في إبطال ما تبنيه تلك المدارس المنحرفة من باطل وسوء .. ولكن وللأسف فإن المتابع لأحوال المدارس في بلاد الغرب ـ التي تهتم بالجانب الديني والأخلاقي إلى حدٍّ ما ـ يجد أن أغلب تلك المدارس إن لم يكن جلها هي تجارية بحتة، لا يهمها من العملية التعليمية سوى =مخططات وأهداف أرباب الشرك والإلحاد ..!
ومنها ما يكتسبه من أقران السوء ـ في المدرسة وغيرها من الأماكن ـ من عادات وسلوكيات سيئة، وألفاظ نابية ..!
ومنها ما يكتسبه ويتلقاه من قيم وأفكار باطلة من خلال قراءاته المدرسية، أو ما يقع بين يديه من كتب ونشرات، أو مجلات تصب كلها في خانة الباطل والإفساد، والفجور والشر، وبث الشبهات، وإثارة الشهوات ..!
ومنها كذلك ملاحظة ما يمكن أن يكتسبه من وسائل الإعلام وبخاصة منها المرئية .. فإن كثيراً مما يُبث عن طريق التلفاز له هدف يصب في خدمة الطاغوت، وفي الترويج لألوهيته وعبادته من دون الله ..!فهو وسيلة الطواغيت وقوى الشر في غزو بيوت المسلمين، وغزو أخلاقهم وقيمهم الإسلامية .. وإذا كان الأمر كذلك فليس من الحكمة ولا السلامة أن يُسمح للأبناء أن يجلسوا على مدار الساعة في أيديهم " الريمون كنترول " يتنقلون بين قنوات الشر والفجور والمجون المتعددة التي تهدف إلى تدمير كل ما هو خُلُق، ودين، وفضيلة، وقيم نبيلة ..!!
ليس من السلامة أن يُسمح للمشركين من عبدة الهوى والمجون أن يبثوا رسائلهم السامة ليستقبلها أطفالنا بكل شغف من دون أن ينتبهوا لخطرها وسمومها ..!!وكذلك الإنترنت وغيره من وسائل البث لا بد من مراقبتها وترشيد استخدامها للانتفاع من جوانبها الإيجابية وترك جوانبها السلبية المدمرة ..! أقول: لا بد من مراقبة مصادر التلقي هذه كلها، ومراقبة ما يكتسبه الأبناء ـ من معانٍ وقيم وأخلاقٍ باطلة فاسدة ـ من خلالها، ومعالجتها أول بأول، وقبل أن تتمكن من نفوس الأبناء وطبائعهم وأخلاقهم، فيصعب حلها وعلاجها وقتئذٍ ..!!
(6) لكن بنفس الوقت لا ننصح الآباء أن يُعززوا جانب الفضول في طرح الأسئلة عند الطفل .. فيتمادى الولد فيما لا ينبغي له ولا قدرة للأب أن يضع له حداً، وبخاصة إذا شعر الولد أن ذلك يدخل السرور على والديه !! وإنما القضية ينبغي أن تكون وسطاً لا إفراط ولا تفريط .. لا ديكتاتورية وإرهاب، ولا ديمقراطية ماجنة متفلتة .. وإنما إسلامية ربانية .ومن عجز عن ذلك لا حرج عليه في أن يستعين بذوي الخبرة والدراية من إخوانه .
(7) السلسلة الصحيحة: 2866 .
(8) أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم، صحيح الجامع الصغير: 586.(/7)
(9) وليس كما يفعل بعض الآباء ـ من باب الحرص الشديد والخاطئ على الأبناء ـ حيث تراهم يربون أبناءهم على السلبية والأنانية، وعدم البذل والعطاء .. هم يريدون منهم أن يكونوا أوادم على تعبير البعض .. لكن لا يريدونهم أن ينطلقوا للجهاد في سبيل هذا الدين .. لا يريدون لهم أن يأخذوا مكانهم الحقيقي في هذا الوجود، والذي أراده الله لهم .. حتى لا توضع لهم نقطة سوداء في ملفاتهم عند الطواغيت !! يحذرون أن توضع في ملفات أبنائهم نقطة سوداء عند الطواغيت الظالمين .. ولا يحرصون أن توضع في ملفات أبنائهم نقطة بيضاء عند أرحم الراحمين، وأعدل العادلين !!
(10) السلسلة الصحيحة: 2843 .
(11) صحيح سنن ابن ماجة:52 . لا يفيد الحديث إهمال القرآن الكريم أو إرجائه وعدم الاشتغال به ـ كما يظن البعض! ـ وإنما يفيد تقديم علم التوحيد المستمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه على بقية العلوم الشرعية التي تناولتها نصوص الكتاب والسنة . فالتوحيد الذي لا يُستمد من الكتاب والسنة، ليس من التوحيد، ولا من العلم الذي ينبغي الالتفات له ..!
(12) ننصح الآباء بأن يوفروا لأبنائهم الوسائل التربوية والتعليمية النافعة التي تعينهم على تحقيق أهدافهم التربوية والتعليمية .. ونخص من هذه المسائل بالذكر الكتاب النافع المنضبط بالشرع وآدابه . والذي حملنا على هذا التنويه أن كثيراً من بيوت المسلمين يوجد فيها ما طاب ولذ من زينة وزخرف، وأثاث قد يكلف بالآلاف .. بينما في المقابل تخلو من وجود مكتبة صغيرة متواضعة ـ لا تكلف الكثير ـ تحتوي على بعض الكتب والمراجع النافعة للأهل وللأبناء في دينهم وعقيدتهم !! من أجل تزيين البيوت بالزخارف والكماليات ينفقون بالآلاف ـ وبكل سخاء ـ ومن غير أدنى تردد .. بينما إن همَّ أحدهم في شراء كتاب نافع ينفع الأبناء في عقيدتهم ودينهم تراه يتردد، وينقبض وينبسط، ويشح ويجبن، وترتفع حرارته وينزل ضغطه .. كل ذلك من أجل ثمن الكتاب الذي ربما لا يكلف شراؤه سوى دراهم معدودات
.. وهذا كله من الشيطان ومن عند أنفسنا المريضة !!
(13) لكن لا ينبغي الاستهانة بهذا الجانب عندما يصل الأبناء إلى مراحل متقدمة من الفهم والطلب.
(14) الذي ننصح به الآباء: أن تقوم علاقة بينهم وبين الأبناء تراعي تحقيق الصداقة والصحبة بينهما، كما تراعي حق الآباء على أبنائهم من احترام وطاعة وتوقير، حيث لا ينبغي أن يطغى جانب على جانب فيفسد الأمر كله . وهذا بخلاف ما عليه التربية في بلاد الغرب: حيث تجد العلاقة بين الأب
وابنه كالعلاقة بين أي صديقين لا يوجد بينهما أي احترام متبادل، وكلام الأب وتوجيهاته لا قيمة لها البتة عند الابن وبخاصة إن تجاوز الولد سن السادسة عشرة .. أو هي علاقة قائمة على الجفاء المطبق؛ حيث يكون الأب في وادٍ، والابن في وادٍ آخر لا يدري أحدهما شيئاً عن الآخر ..!!
(15) صحيح سنن أبي داود: 4347.
(16) صحيح سنن أبي داود: 4351.
(17) السلسلة الصحيحة: 70.
(18) صحيح سنن أبي داود: 981. قلت: لو فعل بعض أئمة المساجد ـ وبخاصة منها المساجد الباكستانية ـ ما فعله النبي وهو على المنبر .. لربما أخرجهم الناس عن الملة، وأنكروا عليهم أشد الإنكار ..!!
فإن قيل علام خصصت المساجد الباكستانية ..؟ أقول: لا أعرف مساجد تحرص على تنفير الأطفال منها ـ بزعم المحافظة على الهدوء والنظافة !!ـ كالمساجد القائم عليها الإخوة الباكستانيون ..!!
(19) أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم، صحيح الجامع:273 .
(*)تذكر بعض الإحصائيات أن عدد المسلمين المقيمين في أوربة يقارب الأربعين مليوناً ..!ونلفت النظر لأهمية ذلك لملاحظتنا أن هذا الشعور غائب عن كثير من الآباء والأمهات .. ومنهم من يُعرب بلسان القال عن شعوره بالمسؤولية، وعن قلقه نحو أبنائه وهو في نفس الوقت بلسان الحال والواقع عبارة عن حمار في النهار؛ لا يعرف إلا العمل والشغل، ولا هم له سوى تكثير الأموال وتجميعها .. جيفة في الليل لا يعرف سوى النوم .. وكما يقول المثل: من الورشة إلى الفرشة، ومن الفرشة إلى الورشة .. ثم بعد كل ذلك إذا رأى أبناءه يسيرون في الاتجاه الذي لا يريده ولا يرضاه، تراه يسأل عن المخرج والسبيل، والسبب الذي أدى إلى ذلك .. !!(/8)
كيف نستثمر أوقاتنا؟
دار الوطن
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
فمن تتبع أخبار الناس وتأمل أحوالهم، وعرف كيف يقضون أوقاتهم، وكيف يمضون أعمارهم، عَلِمَ أن أكثر الخلق مضيِّعون لأوقاتهم، محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت، ولذا نراهم ينفقون أوقاتهم ويهدرون أعمارهم فيما لا يعود عليهم بالنفع.
وإن المرء ليعجب من فرح هؤلاء بمرور الأيام، وسرورهم بانقضائها، ناسين أن كل دقيقة بل كل لحظة تمضي من عمرهم تقربهم من القبر والآخرة، وتباعدهم عن الدنيا.
إنَّا لنفرحُ بالأيام نقطعها ** وكل يوم مضى جزءٌ من العمرِ
ولما كان الوقت هو الحياة وهو العمر الحقيقي للإنسان، وأن حفظه أصل كل خير، وضياعه منشأ كل شر، كان لابد من وقفة تبين قيمة الوقت في حياة المسلم، وما هو واجب المسلم نحو وقته، وما هي الأسباب التي تعين على حفظ الوقت، وبأي شيء يستثمر المسلم وقته.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم، وأن يرزقنا حسن الاستفادة من أوقاتنا، إنه خير مسئول.
قيمة الوقت وأهميته
إذا عرف الإنسان قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّ عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بديهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصاً على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه، وها هو الإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته.... فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته".
ويقول ابن الجوزي: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل ".
ولقد عني القرآن والسنة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله به في مطالع سور عديدة بأجزاء منه مثل الليل، والنهار، والفجر، والضحى، والعصر، كما في قوله تعالى: واللَّيْلِ إِذَا يَغْشى والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ، وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ ، وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْر . ومعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهميته وعظمته، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته.
وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: { لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، و عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه } [رواه الترمذي وحسنه الألباني]. وأخبر النبي أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت. وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، يقول : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ } [رواه البخاري].
واجب المسلم نحو وقته
لما كان للوقت كل هذه الأهمية حتى إنه ليعد هو الحياة حقاً، كان على المسلم واجبات نحو وقته، ينبغي عليه أن يدركها، ويضعها نصب عينيه، ومن هذه الواجبات:
الحرص على الاستفادة من الوقت:
إذا كان الإنسان شديد الحرص على المال، شديد المحافظة عليه والاستفادة منه، وهو يعلم أن المال يأتي ويروح، فلابد أن يكون حرصه على وقته والاستفادة منه كله فيما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود عليه بالخير والسعادة أكبر، خاصة إذا علم أن ما يذهب منه لا يعود. ولقد كان السلف الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم؛ لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها، وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير، يقول الحسن: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.
تنظيم الوقت:
من الواجبات على المسلم نحو وقته تنظيمه بين الواجبات والأعمال المختلفة دينية كانت أو دنيوية بحيث لا يطغى بعضها على بعض، ولا يطغى غير المهم على المهم.
يقول أحد الصالحين: "أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية. و لله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية: فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المنَّة من الله عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها، ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر، ومن كان وقته المعصية فسبيله التوبة والاستغفار، ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا والصبر".
اغتنام وقت فراغه:(/1)
الفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فنراهم لا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها، فعن ابن عباس أن النبي قال: { نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ } [رواه البخاري]. وقد حث النبي على اغتنامها فقال: { اغتنم خمساً قبل خمس...، وذكر منها: وفراغك قبل شغلك } [رواه الحاكم وصححه الألباني].
يقول أحد الصالحين: "فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجرَّ في قِياد الشهوات، شوَّش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه".
فلابد للعاقل أن يشغل وقت فراغه بالخير وإلا انقلبت نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل: "الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غُلْمة" أي محرك للشهوة.
أسباب تعين على حفظ الوقت
محاسبة النفس:
وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله. وهي دأب الصالحين وطريق المتقين، فحاسب نفسك أخي المسلم واسألها ماذا عملت في يومها الذي انقضى؟ وأين أنفقت وقتك؟ وفي أي شيء أمضيت ساعات يومك؟ هل ازددت فيه من الحسنات أم ازددت فيه من السيئات؟.
تربية النفس على علو الهمة:
فمن ربَّى نفسه على التعلق بمعالي الأمور والتباعد عن سفسافها، كان أحرص على اغتنام وقته، ومن علت همته لم يقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم:
إذا ما عَلا المرءُ رام العلا *** ويقنعُ بالدُّونِ من كان دُونَا
صحبة الأشخاص المحافظين على أوقاتهم:
فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم، والحرص على القرب منهم والتأسي بهم، تعين على اغتنام الوقت، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله، ورحم الله من قال:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِب خِيارَهم *** ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينهِ *** فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدِي
معرفة حال السلف مع الوقت:
فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم لَأكبر عون للمسلم على حسن استغلال وقته، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وهم أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله.
تنويع ما يُستغل به الوقت:
فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل، وتنفر من الشيء المكرر. وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدر ممكن من الوقت.
إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض:
فكل يوم يمضي، وكل ساعة تنقضي، وكل لحظة تمر، ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها. وهذا معنى ما قاله الحسن: "ما من يوم يمرُّ على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبداً".
تذكُّر الموت وساعة الاحتضار:
حين يستدبر الإنسان الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن، ليصلح ما أفسد، ويتدارك ما فات، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل وحان زمن الحساب والجزاء. فتذكُّر الإنسان لهذا يجعله حريصاً على اغتنام وقته في مرضاة الله تعالى.
الابتعاد عن صحبة مضيعي الأوقات:
فإن مصاحبة الكسالى ومخالطة مضيعي الأوقات، مهدرة لطاقات الإنسان، مضيعة لأوقاته، والمرء يقاس بجليسه وقرينه، ولهذا يقول عبد الله بن مسعود: "اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله".
تذكُّر السؤال عن الوقت يوم القيامة:
حين يقف الإنسان أمام ربه في ذلك اليوم العصيب فيسأله عن وقته وعمره، كيف قضاه؟ وأين أنفقه؟ وفيم استغله؟ وبأي شيء ملأه؟ يقول : { لن تزول قدما عبد حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟...} [رواه الترمذي وحسنه الألباني]. تذكرُ هذا يعين المسلم على حفظ وقته، واغتنامه في مرضاة الله.
من أحوال السلف مع الوقت
قال الحسن البصري: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك". وقال: "يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك". وقال: "الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه".
وقال ابن مسعود: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي".
وقال ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
وقال السري بن المفلس: "إن اغتممت بما ينقص من مالك فابكِ على ما ينقص من عمرك".
بم نستثمر أوقاتنا؟
إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات:
حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه: وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته، وقد حثَّ النبي على تعلم كتاب الله فقال: { خيركم من تعلمالقرآن وعلمه } [رواه البخاري].(/2)
طلب العلم: فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أنهم في حاجة إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب. واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدروس المهمة، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة وشراؤها.
ذكر الله تعالى: فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً، وقد أوصى النبي أحد أصحابه فقال له: { لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله } [رواه أحمد وصححه الألباني]. فما أجمل أن يكون قلب المسلم معموراً بذكر مولاه، إن نطق فبذكره، وإن تحرك فبأمره.
الإكثار من النوافل: وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد { ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه } [رواه البخاري].
الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين: كل هذه مجالات خصبة لاستثمار ساعات العمر. والدعوة إلى الله تعالى مهمة الرسل ورسالة الأنبياء، وقد قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ [يوسف:108]. فاحرص أخي المسلم على اغتنام وقتك في الدعوة إما عن طريق إلقاء المحاضرات، أو توزيع الكتيبات والأشرطة، أو دعوة الأهل والأقارب والجيران.
زيارة الأقارب وصلة الأرحام: فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال : "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه" [ رواه البخاري ].
اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة: مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس. وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها فيحصل العبد على الأجر الكبير والثواب العظيم.
تعلُّم الأشياء النافعة: مثل الحاسوب واللغات والسباكة والكهرباء والنجارة وغيرها بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه.
وبعد أخي المسلم فهذه فرص سانحة ووسائل متوفرة ومجالات متنوعة ذكرناها لك على سبيل المثال – فأوجه الخير لا تنحصر – لتستثمر بها وقتك بجانب الواجبات الأساسية المطلوبة منك.
آفات تقتل الوقت
هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها، ومن هذه العوائق الآفات:
الغفلة: وهي مرض خطير ابتلي به معظم المسلمين حتى أفقدهم الحسَّ الواعي بالأوقات، وقد حذَّر القرآن من الغفلة أشد التحذير حتى إنه ليجعل أهلها حطب جنهم، يقول تعالى: وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنمَ كَثِيرًا منَ الجِن وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعام بَل هُم أَضَل أُولَئِكَ هُمُ الغاَفِلُونَ [الأعراف:179].
التسويف: وهو آفة تدمر الوقت وتقتل العمر، وللأسف فقد أصبحت كلمة "سوف" شعاراً لكثير من المسلمين وطابعاً لهم، يقول الحسن: "إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك" فإياك أخي المسلم من التسويف فإنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد، وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل، واعلم أن لكل يوم عملاً، ولكل وقت واجباته، فليس هناك وقت فراغ في حياة المسلم، كما أن التسويف في فعل الطاعات يجعل النفس تعتاد تركها، وكن كما قال الشاعر:
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري *** إن جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ
فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ *** وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهرِ
وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً *** وقد نُسجتْ أكفانُه وهو لا يدري
فبادر أخي المسلم باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله، واحذر من التسويف والكسل، فكم في المقابر من قتيل سوف. والتسويف سيف يقطع المرء عن استغلال أنفاسه في طاعة ربه، فاحذر أن تكون من قتلاه وضحاياه.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(/3)
كيف نستقبل رمضان؟ ... العنوان
كيف كان سلفنا الصالح يستقبل شهر رمضان؟ وكيف نستقبله نحن الآن ؟ ... السؤال
17/10/2004 ... التاريخ
الحل ...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يقول فضيلة الشيخ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالأزهر :
لقد كان من عادة السلف رضوان الله عليهم إذا دخل عليهم شهر رجب أن يَبتهِلوا إلى الله بالدعاء قائلين: "اللهم بارك في رجب وشعبان وبَلِّغْنا رمضان"، ونحن نردد دعاءهم فنقول: "اللهم بَلِّغْنا رمضان في خير وإنعام وإحسان يا رب العالمين"؛ لذلك ينبغي أن يستقبل المسلم شهر رمضان بغاية الشوق إليه والانتظار له؛ لأنه شهر مبارك اختاره الله تعالى منحةً منه للأمة الإسلامية، لتحتفل أصالة عن نفسها ونيابة عن البشرية جميعًا بعيد الهداية الإلهية؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه واثلة بن الأسقع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الكتب السماوية جميعًا نزلت في شهر رمضان؛ لذلك كلَّفنا الله تعالى بصيام هذا الشهر وقيامه، وندبنا إلى كثرة الخيرات والأعمال الصالحة فيه، حتى نثبّت معاني الخير والدين في أنفسنا، فالمسلم يصوم نهاره ويقوم ليله ويطعم فيه إخوانه، ويتلو فيه كتاب ربه .
ولا توجد أمة في الأرض عندها مثل هذا التشريع الجليل أعني أن تقوم بالكتاب الذي يتضمن شريعتها في صلاتها، فتجتمع الأمة كلها رجالاً ونساء شيبًا وشبانًا صغارًا وكبارًا في مساجد الإسلام حتى تستمع إلى القرآن الكريم وتقرأه وتحفظه وتتلوه في هذا الشهر المبارك.. لهذا وجوابًا على سؤال الأخ الكريم: "كيف نستقبل شهر رمضان" نقول: نستقبله بتصحيح النية؛ نصحح نيتنا ونتشوق للعبادة فيه، ونستشعر أن الله سبحانه وتعالى أراد لنا الاحتفال برمضان بشرع وشريعة الإسلام، وليس بشرع وشريعة الجاهلية الذي يشيع بيننا الآن، فكثير من الناس يقطع ليله في سماع الأغاني والتمثيليات وإلى غير ذلك، وإنما ليل رمضان للقيام وقراءة القرآن، والنهار للصيام والعمل، فلا يصح أن يكون رمضان موسمًا للتعطل والتبطل، وإنما هو نشاط وحماس في سبيل الله عز وجل.. تتدرب فيه الأمة وتتربى؛ ولذلك وقعت معارك الإسلام الكبرى طوال التاريخ في شهر رمضان .
ونحن نذكر أن معركة بدر الكبرى كانت في شهر رمضان، ونذكر أن معركتنا مع التتار كانت في شهر رمضان التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا لا يصدقه أحد ولا يظنه؛ لهذا ينبغي أن نصحح نياتنا وأعمالنا، وأن نجعل هذا الشهر موسمًا للخير والبركات جميعًا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل القرآن في رمضان، فإذا تركه جبريل خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أجود بالخير من الريح المُرْسَلة .
وينبغي أن يكون رمضان موسمًا للتربية الأخلاقية؛ فالذين يدخِّنُون، أو يثورون على الناس بحجة أن الناس هم سبب ثورتهم، مخالفون للإسلام نصًّا وروحًا.. ينبغي أن يكون المسلم في رمضان هادئًا مطمئنًا مسالمًا، فإن سابَّه أحد أو شاتمه، فليقل: إني صائم.. إني صائم، ولا يتبادل معه السباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق
والمسلم يتعلم في هذا الشهر من ألوان التربية الخلقية والعملية الكثير والكثير
والله أعلم(/1)
كيف نستقبل شهر رمضان؟
رئيسي :آداب :الخميس 23 شعبان 1425هـ - 7 أكتوبر 2004 م
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله، وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان، ويفرحون بقدومه:
كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم.
كانوا يصومون أيامه، ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو، واللعب والغيبة، والنميمة والكذب.
وكانوا يحيون لياليه بالقيام، وتلاوة القرآن، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان، وإطعام الطعام، وتفطير الصوام.
كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، فقد كانت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون على عدوهم في اليوم السابع عشر من رمضان، وكانت غزوة فتح مكة في عشرين من رمضان حيث دخل الناس في دين الله أفواجا، وأصبحت مكة دار إسلام .
فليس شهر رمضان شهر خمول ونوم وكسل- كما يظنه بعض الناس- ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل؛ لذا ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور، والحفاوة والتكريم، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام، ومشروعية القيام، وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور؟!
وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتُغَلُّ فيه الشياطين، وتضاعف فيه الحسنات، وترفع الدرجات، وتغفر الخطايا والسيئات؟!
1- ينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب، فنعمرها بطاعة الله، وحسن عبادته.
2- وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم، فنجدد العهد مع الله على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات.
3- وأن نلتزم بطاعة الله مدى الحياة بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ لنكون من الفائزين:{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ[88]إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[89]}[سورة الشعراء]. وصدق الله العظيم إذ يقول:{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[71]}[سورة الأحزاب].
4-وأن نحافظ على فعل الواجبات، والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات في رمضان وغيره؛ عملًا بقول الله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[99]}[سورة الحجر]. أي: حتى تموت.
وقوله تعالى:{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[162]لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[163]}[سورة الأنعام].
5- ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا لا تقليدًا وتبعية للآخرين: وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم، والنظر المحرم، والاستماع المحرم، والأكل والشرب المحرم؛ لنفوز بالمغفرة والعتق من النار.
6- ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام: من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل، وتعجيل الفطر إذا تحققنا غروب الشمس، والزيادة في أعمال الخير، وأن يقول الصائم إذا شُتِمَ: 'إني صائم' فلا يسب من سبّه، ولا يقابل السيئة بمثلها، بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن؛ ليتم صومه، ويقبل عمله.
7- يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صلاتنا، وصيامنا، وجميع أعمالنا: فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحًا وابتغي به وجهه، والعمل الصالح هو الخالص لله، الموافق لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
8- ينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة التراويح وهي قيام رمضان: اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، واحتسابا للأجر والثواب المرتب عليها، قال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ]رواه البخاري ومسلم. وأن يقوم المصلي مع الإمام حتى ينتهي ليكتب له قيام ليلة لحديث: [...مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ...] رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجة والنسائي و أحمد والدارمي .(/1)
9- وأن يحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان: بالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر والدعاء والاستغفار؛ اتباعًا للسنة، وطلبا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر - ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر - وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن فيها، وتنزل الملائكة والروح فيها، وهي الليلة التي من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان، فينبغي للمسلم أن يجتهد في كل ليلة منها بالصلاة والتوبة، والذكر والدعاء، والاستغفار وسؤال الجنة، والنجاة من النار؛ لعل الله أن يتقبل منا، ويتوب علينا، ويدخلنا الجنة، وينجينا من النار ووالدينا والمسلمين.
وقد :'كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ'رواه البخاري ومسلم. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. وشد المئزر فسر باعتزال النساء، وفسر بالتشمير في العبادة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان والمعتكف ممنوع من قرب النساء.
10- وينبغي للمسلم الصائم أن يحافظ على تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره: بتدبر وتفكر؛ ليكون حجة له عند ربه، وشفيعًا له يوم القيامة، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى:{...فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى[123]}[سورة طه].
11- وينبغي أن يتدارس القرآن مع غيره: ليفوزوا بالكرامات الأربع التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: [...وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ]رواه مسلم.
12-وينبغي للمسلم أن يلح على الله بالدعاء والاستغفار بالليل والنهار في حال صيامه وعند سحوره: ففي الحديث: [ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ]رواه البخاري ومسلم.
وورد الحث على الدعاء في حال الصيام، وعند الإفطار، وأن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حتى يفطر، أو حين يفطر وقد أمر الله بالدعاء، وتكفل بالإجابة:{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...[60]}[سورة غافر] .
13- وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة: فيما ينفعه من عبادة ربه المتنوعة القاصرة، والمتعدية، ويصونها عما يضره في دينه ودنياه وآخرته، وخصوصًا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة، التي لا تعوض ولا تقدر بثمن، وهي شاهدة للطائعين بطاعاتهم، وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.
وينبغي تنظيم الوقت بدقة لئلا يضيع منه شيء بدون عمل وفائدة، فإنك مسئول عن أوقاتك، ومحاسب عليها، ومجزي على ما عملت فيها.
خطة مختصرة لتنظيم أوقات شهر رمضان:
ويسرني أن أتحف القارئ الكريم برسم خطة مختصرة لتنظيم أوقات هذا الشهر الكريم، ولعلها أن يقاس عليها ما سواها من شهور الحياة القصيرة:
فينبغي للمسلم إذا صلى الفجر أن يجلس في المسجد يقرأ القرآن الكريم، وأذكار الصباح، ويذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها بحوالي ربع ساعة- أي بعد خروج وقت النهي- يصلي ركعتين أو ما شاء الله؛ ليفوز بأجر حجة وعمرة تامة كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أسوة حسنة، فقد كانوا إذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله تعالى حتى تطلع الشمس، ويلاحظ أن المسلم إذا جلس في مصلاه لا يزال في صلاة وعبادة كما وردت السنة بذلك.
وبعد ذلك ينام إلى وقت العمل، ثم يذهب إلى عمله، ولا ينسى مراقبة الله تعالى، وذكره في جميع أوقاته، وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، والذي ليس عنده عمل من الأفضل له أن ينام بعد الظهر ليرتاح وليستعين به على قيام الليل، فيكون نومه عبادة.
وبعد صلاة العصر يقرأ أذكار المساء، وما تيسر من القرآن الكريم، وبعد المغرب وقت للعَشاء والراحة، وبعد ذلك يصلي العشاء والتراويح.
وبعد صلاة التراويح يقضي حوائجه الضرورية لحياته اليومية المنوطة به لمدة ساعتين تقريبا، ثم ينام إلى أن يحين وقت السحور، فيقوم، ويذكر الله ويتوضأ ويصلي ما كتب له، ثم يشغل نقسه قبل السحور وبعده بذكر الله والدعاء والاستغفار والتوبة إلى أن يحين وقت صلاة الفجر.
والخلاصة:(/2)
أنه ينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه، الخائف من عذابه أن يراقب الله في جميع أوقاته في سره وعلانيته، وأن يلهج بذكر الله تعالى قائمًا، وقاعدًا، وعلى جنبه كما وصف الله المؤمنين بذلك، ومن علامات القبول لزوم تقوى الله عز وجل؛ لقوله تعالى:{...إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[27]}[سورة المائدة]. وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
من:'كيف نستقبل شهر رمضان؟' للشيخ/ عبد الله بن جار الله الجار الله رحمه الله.(/3)
كيف نعالج العادة بالعبادة ...
الحمد لله المنعم المتفضل ملء السماوات والأرض وملء ما شاء من شيء بعد ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذه رسالة مهمة إلى كل من نزلت بساحتهم بلية الاستمناء فحولوا صحتهم إلى بلاء وسعادتهم إلى شقاء وراحتهم إلى عناء. إلى كل من اعتاد هذه الحوبة حتى أصبح يقترفها ليلاً ونهاراً مراراً وتكرارً ولا يعبأ بالله الذي يراه ويعلم متقلبه ومثواه.
وهذا وقد درج بعض الناس على تسمية هذه الفعلة بالعادة السرية، فهي سرية عند الناس ولكنها جهرية عند من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، قال تعالى: (( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله)) وقال تعالى : (( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم )).
أخي الشاب:
ما الذي اضطرك إلى هذه العادة السيئة؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال ، دعنا نعرف ماهية الاستمناء وحكمه وبعد ذلك نفند المضار والأسباب ثم نعرج على العلاج. أسأل الله عز وجل أن يرشدك ويأخذ بيدك إلى ما ينفعك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تعريف الاستمناء:
الاستمناء أو العادة السرية تعمد إخراج المني ووضعه في غير محله دون وطء في فرج، وذلك بالتفكير أو استعمال يد أو حائل أو جسم غير ذلك..
حكم الاستمناء:
الاستمناء حرام بنصوص الكتاب والسنة والإجماع بالإضافة إلى شذوذ هي الفعل عرفاً. وقد يتصور بعض الشباب أن الاستمناء أخف من الزنا واللواط ضرراً وأقل معصية ومخالفة!! وهذا اعتقاد باطل وفي غير محله للأسباب التالية:
1-أن فاعل الاستمناء يتعمد الفعل مع أنه قد يكون عالما بالحكم.
2-أن فاعل الاستمناء معتد، والاعتداء محرم بنصي الكتاب والسنة.
3- أن فاعل الاستمناء يهلك نفسه ويلحق الضرر بنفسه، وإهلاك النفس حرام.
4- أن فاعل الاستمناء يستمري فعله هذا ويتعود عليه فيفعله دائماً، وفي هذا استهانة بالله وحدوده.
كل هذه الأسباب تجعل من الاستمناء معصية عظيمة تستوجب العقوبة من الله.
ومما يزيل الأمر شناعة وفظاعة ما يلي :
1-أن المستمني قد يشهد الصلاة مع الجماعة في المسجد بدون غسل ويكتفي بالوضوء فقط وهذا ذنب عظيم للأسباب التالية:
أ- فيه إفساد للصوم.
ب- فيه معصية لله ورسوله بعدم الغسل.
ج- فيه عصيان لله ورسوله بفعل الاستمناء نفسه.
د- أن الفاعل يقرأ القرآن والفاتحة وهذا حرام لأنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن.
هـ-أن صلاة المستمني - إن لم يغتسل- لا تقبل أصلاً وهذا من أعظم الخسران .
2- أن بعض الشباب قد يستمني في نهار رمضان وهذا ذنب عظيم للأسباب التالية:
أ- فيه إفساد للصوم.
ب- فيه معصية لله ورسوله بفعل الاستمناء.
ج- فيه انتهاك لحرمة الزمان.
د- أن البعض قد لا يقضي الأيام التي فسد صومها جزاء الاستمناء فيبوء الفاعل بمزيد من الإثم ، نسأل الله العافية.
3- أن بعض الشباب قد يستمني أثناء الحج والعمرة وهذا تماد في الاعتداء وارتكاب لإثم كبير للأسباب التالية:
أ- فيه انتهاك لحرمة الزمان والمكان.
ب- فيه إبطال للنسك الذي تم أثناء الاستمناء.
ج- أن البعض قد لا يفدي أصلا فيزداد إثماً على إثم، نسأل الله العافية.
د-فيه فعل الاستمناء الذي هو حرام أصلاً.
أدلة التحريم النقلية والعقلية
أولاً الأدالة النقلية:
من الكتاب: قال تعالى: ((والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون))
يظهر لنا من الآية أن الاستمناء فعلة شاذة فيها اعتداء وقد حرم الله الاعتداء بقوله : ((إن الله لا يحب المعتدين)).
وقوله تعالى: ((وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)) وفي هذه الآية إلزام بحفظ الفرج وتجنب الدواعي المؤدية إلى عدم حفظه والتي منها إطلاق البصر فيما حرم الله عز وجل.
من السنة: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن ناكح يده، وهذا يعني الطرد والإبعاد من رحمة الله لمن يقترف عادة الاستمناء. فإن قال قائل : لن أستعمل يدي وإنما أفكر تفكيرًا عميقًا أو أستعمل حائلاً أو جسمًا آخر. فإننا نقول له هذا إثم أشد حرمة لأمرين:
1- فيه تحايل على النصوص وهذا حرام في حد ذاته.
2-فيه فعل الاستمناء الذي هو محرم أصلاً.
قول جمهور العلماء: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى عن حكم الاستمناء فأجاب بقوله:((أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء وهو أصح القولين )) كما سئل رحمه الله في المجموع عن رجل جلد ذكره حتى أمنى فأجاب ((وأما جلد الذكر باليد حتى ينزل فهو حرام عند أكثر الفقهاء مطلقًا))
مما سبق تبين حكم الاستمناء وهو التحريم، كما تبين لنا أن فاعلي الاستمناء قد يجر على نفسه آثاماً كثيرة ومخالفات كبيرة من حين لا يعلم.(/1)
ثانيًا:الأدلة العقلية:
إن الاستمناء مخالفة للفطرة وفعلة غير مألوفة فقد ركب الله الجهاز التناسلي في الجسم ليؤدي وظيفة سامية ألا وهي الحفاظ على بقاء النوع الإنساني عن طريق الجماع المشروع. ولو تأمل العاقل قليلاً لو جد أن البهائم نفسها لا تفعل هذه العادة القبيحة فضلاً عن أن يمارسها الإنسان . ولو قال قائل : إن الاستمناء وسيلة ينفس بها الشاب عن نفسه نظراً لكثرة الفتن ودواعي الزنا ، فهو-أي الاستمناء- أخف الضررين.لهؤلاء نقول : إن أخف الضررين لا يحل إلا في حالة انعدام الحلول المشروعة انعدامًا تامًا؛ فكم من قادر على الزواج لجأ إلى الاستمناء، وكم من شاب جلب لنفسه دواعي الفتنة ثم تعلل بها ليمارس هذه العادة السيئة. قس على ذلك شابًا يشرب الدخان بحجة أنه أخف ضررًا وحرمة من شرب الخمر مع أن الدخان محرم شرعًا ولا يوجد سبب وجيه لتناوله أصلاً. ويجب أن يعلم أن الاستمناء وسيلة إلى ما هو أخطر من زنًا وغيره، لذلك حرم من قبل العلماء استنادًا إلى القاعدة الفقهية التي تقول إن الوسائل لها أحكام المقصد.
مضار الاستمناء:
لقد أثبت الطب الحديث أن الاستمناء له أضرار بالغة بدنيًا ونفسيًا وعقليًا.
الأضرار البدنية:
1- خور وهزال في الجسم.
2- ضعف الأعضاء التناسلية وعجزها من أداء وظائفها الأساسية.
3- الإصابة بمرض البروستاتا الخطير.
4- العقم نتيجة استنزاف ملايين الحيوانات المنوية وذهابها سدى.
5- دوالي الخصيتين.
6- ضعف النظر واعوجاج في الظهر وانكباب الكفين.
7- الآلام في المفاضل.
8- اضطراب في وظائف الجهاز الهضمي.
9- انتقال الجراثيم من العضو إلى اليد ومن ثم إلى الفم عند الشروع في تناول الطعام.
الأضرار النفسية والعقلية:
1توتر وقلق دائمين.
2- الخجل المفروط وتأنيب الضمير المستمر.
3- تبلد في الإحساس.
4- الزهد في الزواج.
5- الخواء الروحي والكسل وكثرة النسيان.
6- التردد في التفكير واسترسال للعقل في أوهام وتخيلات فارغة.
أسباب الاستمناء:
إن السبب الذي يضطر كثير من الشباب إلى الاستمناء واحد لا ثاني له وهو ضعف الإيمان فمتى انطفأت جذوة الإيمان في القلوب هان على النفس اقتراف المعاصي. لهذا كان لزامًا أن نفند أهم العوامل المسببة
لضعف الإيمان وهي:
1- البعد عن تعاليم الدين : ومن ذلك التفريط في الصلوات الخمس التي من شأنها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)) وقد فسر أهل العلم تراك الصلوات بتأخيرها عن وقتها فما بالك بمن يتركها بالكلية؟ أليس يصبح صيدًا سهلاً لوحش الشهوة الكاسر؟! كذلك الغفلة المسببة لقسوة القلوب، واللهاث خلف حطام الدنيا، وقلة ذكر الله عز وجل، وهجر القرآن، واستثقال طلب العلم.
2-اتباع خطوات الشيطان: قال تعالى: ((ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)) إن الشيطان له خطوات ماكرة في الوسوسة؛ فأول ما يقذف في القلب خطرة فإن لم تدافعها صار فكرة فإن لم تدافعها صارت عزيمة فإن لم تقهرها استحالت فعلاً. ومن خطواته تزيين الحرام كالنظر إلى النساء في الأسواق ومشاهدة الأفلام الجنسية العاهرة ومطالعة المجلات والصحف الماجنة ومتابعة المواقع الفاضحة على الشبكة الإنترنت والجلوس أمام شاشات الفضائيات.
3- مصاحبة رفاق السوء:إن لازمهم وصاحبهم ؛فتجدهم يتبادلون الصور والأفلام الجنسية وأشرطة الأغاني التي تحوي الكلمات الساقطة والأشعار الهابطة، وبذالك يتعاونون على الإثم والعدوان. ولو علموا ما يترتب على عملهم هذا من الإثم والعظيم ما صاحب بعضهم بعضًا طرفة عين.
4- الانقياد لهوى النفس:إن النفس أمارة بالسوء كما أنها مجبولة على الشهوة وتحصيل أسباب اللذة ، فإن لم يتيسر لها السبيل إلى ما تريد استحدثت وسيلة أخرى تشبع بها غريزتها الشهوانية وما الاستمناء إلا وسيلة من تلك الوسائل.
العلاج:
إن الدواء لا يمكن أن يكون مؤثرًا ما لم يقتنع المتعاطي بجدواه ويصبر على مرارته لكي يعود بعد ذلك معافى سليمًا بإذن الله تعالى والعلاج هنا علاج شرعي وآخر سببي.
أما العلاج الشرعي وهو الأهم فهو:
1- التوبة الصادقة إلى الله عز وجل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. تب إلى الله من جميع الذنوب ولا تسوف فكم من مدفون تحت الثرى يتمنى أن يعود لدنيا ليتوب من ذنوبه ولكن هيهات.
2- طلب العون من الله عز وجل ودعائه والفرار إليه كلما راودتك نفسك فإن الله سيعينك ويصرف عنك أسباب الارتكاس، قال تعالى: ((ادعوني استجب لكم)) وقال سبحانه: ((أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)) أليس الاستمناء من السوء الذي تريد أن يكشفه الله عنك؟(/2)
3- غض البصر عن محارم الله فقد أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام أن العينين تزنيان وزناهما النظر فيما حرم الله، كما أن النظر سهم مسموم من سهام إبليس يثير الشهوة الخامدة فيجعل منها بركانا ولا بد للبركان من متنفس فإن لم يجب متنفسا مباحا ثار بقوة فيما حرم الله، ولا يسلم من ذلك إلا من عصمه الله.
4- بادر إلى الوضوء كلما راودتك نفسك وصل ركعتين تقبل فيهما على الله بقلبك وعقلك، وذلك أن الوضوء يكسر حدة الشهوة، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
5- الإكثار من الصيام الذي هو من أنفع الوسائل ذلك أن الصوم يخمد نار الشهوة التي تتخذ من الطعام وقوداً لها . قال عليه الصلاة والسلام: ((يامعشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) وجاء:أي وقاية.
6- استحضر عظمة الله الذي يراك كلما مارست هذه العادة القذرة وتذكر يوم الحساب عندما تقف بين يدي الله فيذكرك بما كنت تعمل في الدنيا.
7- بادر إلى الزواج فإنه أنجح وأفضل وسيلة لنيل الراحة النفسية وهدوء البال وقطع الطريق أمام الأوهام والتخيلات الباطلة التي تجر النفس إلى الوقوع في الحرام.
8- ابتعد قدر الإمكان عن مواطن الفتن كالأسواق. كذلك تجنب رفاق السوء الذين لن تجني منهم سوى تضييع الوقت في أمور تافهة واكتساب ذنوب تندم على فعلها يوم القيامة.
9- الصبر والمجاهدة في سبيل الله فإن الله سيكون معك وسوف يثيبك على صبرك وجهادك لنفسك, قال تعالى: ((إن الله مع الصابرين)) وقال جل شأنه : ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)).
العلاج السببي:
1- اصرف وقتك الذي هو حياتك وعمرك فيما ينفعك-لاسيما وقت الفراغ-وذلك في نشاطات مفيدة كممارسة الرياضة ومنها السباحة وتعلم الرماية وركوب الخيل، كذلك من الأشياء المفيدة قراءة الكتب النافعة ثقافيًا ودينيًا والمشاركة في المراكز الصيفية الهادفة.
2- أكثر من زيارة الرحم ففي ذلك أجر عظيم وتسلية للنفس وإشغال لها عما حرم الله وتبادل لأطراف الحديث المباح مع الأقارب والأحباب.
3- اضرب في الأرض لتحصيل أسباب الرزق، ومن ذلك العمل في تجارة مباحة أو الالتحاق بأحد المعاهد لنيل مؤهلات تساعدك على الحصول على وظيفة مناسبة تكسب من ورائها مالاً تنفق منه على نفسك وتستعين به على أمور حياتك.
4- السفر والترحال في ربوع بلادنا الآمنة - ولله الحمد - وزيارة الأماكن المقدسة والمناطق السياحية المنتشرة في أرجاء المملكة، مع المحافظة على الصلوات الخمس وقتًا وأداءً، والحرص على اصطحاب الصالحين في رحلاتك وجولاتك. فإن لم تفعل فاعلم أن الوحدة خير من رفيق السوء.
أخي الشاب:
إنك متى ما صدقت النية وعزمت بإخلاص على ترك هذه العادة فإن الله سيعينك وينصرك على نفسك ويجعل لك سلطانًا على هواك والشيطان فلا يستطيعان إليك سبيلاً، فقط اعتصم بحبل الله ولا تستكن لوساوس الشيطان فإنه سيحاول استغلال إدمانك على هذه العادة ليثير شهوتك ويلهم غريزتك كي يوقعك في شراك المعصية من جديد. وفي الختام أسأل الله أن يغفر لنا ويعيننا على جهاد أنفسنا، كما أسأله أن يوفقنا لما فيه صلاحنا دنيًا وآخرة، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(/3)
كيف نعمق روح الجهاد في نفوس الأبناء؟
المسلم مطالب دوماً بالجهاد في سبيل الله: جهاد نفسه لكي يخرجها من إلفها وعاداتها، ولكي يلزمها العمل للإسلام، وجهاد البلاغ باللسان، والكفار بالسنان.. فكيف نغرس روح الجهاد في نفوس الأبناء؟ وكيف يمكننا أن نعمّقها خاصة في ظل التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة على جميع الأصعدة؟
هذا السؤال ـ الكبير ـ يجيب عنه الدكتور أحمد العسَّال ـ نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد ـ في الحوار التالي :
في البداية : هل العبء الأكبر في الجانب التربوي يقع على الأب أم أن للأم دوراً في تنمية هذه الفريضة في نفوس الأبناء؟
<< كل طفل ابن بيئته.. والوسط هو الذي يصنع الإنسان، والرسول ص يقول: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير"، والجو الذي ينشأ فيه الطفل لابد من أن يكون جواً كريماً، ومن المهم جداً أن يكون الأب والأم في غاية القدوة الصالحة.. وعندما زرت ألمانيا سعدت جداً بأخت ألمانية دخلت في الإسلام.. قالت لي: أنا حوّلت البيت ليكون بيتاً إسلامياً.. جعلت إحدى الحجرات مسجداً وجئت لابني الأكبر وقلت له: هذه أوقات الصلاة فإذا حانت فأذِّن.. وطلبت من زوجي أن يؤمنا حتى نُعلّم أبناءنا الصلاة.
فالمسؤولية التربوية مشتركة بين الأب والأم لأن قضية التربية كبيرة جداً.. فالأب يغرس، والأم ترعى هذا الغرس، وللأسف فإننا بدلاً من أن نغرس في الابن نصائح لقمان ـ بمعنى أن نربيه على العقيدة السليمة الصحيحة كقوله: يا بني لا تشرك بالله (لقمان: 13) وأن نعلمه "احفظ الله يحفظك" ـ نصب جلّ اهتمامنا مع الأبناء على امتحانات آخر العام.. مع أنه يجب أن نقول لأبنائنا: "إن من الإسلام أن تكون طالب علم جيداً، وأن ترعى الله في المحافظة على صلواتك، وفي مذاكرتك، ووقتك"، والابن عندئذٍ سيستقيم، لأنك اهتممت بالأساس أولاً، كما أن الله سيرعاه.
كيف يوفق الآباء بين الأولويات الكثيرة في حياتهم؟
<< المسلم الذي لا يعرف الأولويات، وتستغرقه الدنيا ستكون عاقبته وخيمة، وإذا تعلل المسلم بأنه مشغول بأمور مهمة ـ كالدعوة إلى الله ـ فليعلم أنه من الدعوة أن يعتني بغرسه، وهناك شيء لا يغني عن شيء.. وكما يقال: إنه لا ينبغي للإنسان أن يرمي حمله على غيره.. فإذا لم يرتب واجباته سيكون مسؤولاً بين يدي الله.
ما المراحل التي يجب أن ينتهجها المربون مع الأبناء لتعميق روح الجهاد في نفوسهم؟
<< أولاً يجب أن يكون الوالدان غاية في القدوة الصالحة.. فالعلماء يقولون: إن السنوات الأولى للطفل من أخطر السنوات.. فإن كان الأبوان جيدين في سلوكهما الإسلامي سيشب الأبناء على ذلك ـ ونعوذ بالله من العكس ـ وعندما خرج النبي ص للجهاد في غزوة بدر أصر ابنا عفراء على الخروج مع النبي ص للجهاد، وأتيا برأس أبي جهل لأنهما تربيا التربية الإسلامية الصحيحة.. وقضية التربية هي الشيء الذي اجتهد الإمام الشهيد حسن البنا ـ يرحمه الله ـ في أن يسد بها الخلل الموجود في الأمة بأكملها.
كيف يمكن للوالدين أن يجعلا من بيتهما واحة للإسلام؟
<< يمكن ذلك من خلال ما يأتي: مكتبة صغيرة ـ مكان للصلاة ـ جلسة قرآنية ـ لقاء أسري شامل ـ أن يجعلا في البيت صندوقاً يكتب عليه "صندوق الجهاد" ليتعلم الابن أن يتبرع للدول الإسلامية التي تمر بالمحن كالشيشان مثلاً.. فالإنفاق لأجل إعلاء كلمة الله هو العصب الحساس لكل جهاد تقوم به أمة الإسلام في الحياة سواء كان تبليغياً أو تعليمياً أو سياسياً أو حربياً، والإنفاق في سبيل الله جزء من الجهاد، قال ص : "من جهز غازياً فقد غزا".
ولننظر ماذا تفعل الكنيسة؟ إنهم يطلبون من الطلاب والطالبات أن يقتصدوا جزءًا من نفقاتهم وأن ينفقوها على الكنيسة.
ما الرسالة التي توجهها للآباء والأمهات في هذه الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية؟
<< تعميق عقيدة القضاء والقدر في نفسية الولد، وأن الله سبحانه وتعالى يحيي ويميت وهو الذي بيده مقاليد كل شيء، وهو على كل شيء قدير، كما يجب أن نغرس في نفوس الأبناء مراقبة الله تبارك وتعالى، وهذا أمر مهم جداً، فقد كان العلماء القدامى يغرسون في طلابهم هذه الرقابة، وكلنا يعرف قصة العالم الذي أعطى كل واحد من تلاميذه دجاجة، وأمره بأن يذبح دجاجته في مكان لا يراه فيه أحد.. ففعلوا إلا واحداً قال: "كلما ذهبت إلى مكان رآني الله فيه".
ـ تذكير الولد بشكل دائم بمواقف أبناء الصحابة البطولية ـ رضي الله عنهم ـ ليتأسى بهم وعندنا في سيرة الصحابة نماذج رائعة في الجهاد والبطولة.(/1)
ـ تحفيظ الأبناء ـ ما أمكن ـ سورة الأنفال، والتوبة، والأحزاب، ونصوصاً أخرى من آيات الجهاد، وشرح أسباب نزولها، وكذلك شرح الغزوات للأبناء، وبيان المواقف التي وقفها الرسول ص في غزوة بدر، والخندق، وحنين، وغيرها.. فهذه المواقف تحرك المشاعر في نفسية الابن كما يقول علماء الإسلام، وتجعل منه إنساناً شجاعاً مقداماً، يتطلع إلى الشهادة في سبيل الله، لأنها السبيل إلى الجنة.
فإذا روعيت هذه الجوانب في الطفل أصبح قريباً من حال الأمة، ومن ثم سيبث فيه روح الجهاد التعليمي، والتبليغي، والمالي، والقتالي، فإذا نادى منادي الجهاد وجدت من تربى من شباب الأمة على هذه الثوابت هو أول من يلبي النداء.
هل ترون ضرورة لتربية البنت على هذا الجهاد القتالي ـ مثل الولد ـ كنوع من الإعداد لتكوين جيش نسائي أو مشاركة المرأة في المعارك القتالية على غرار مشاركة الصحابيات في الغزوات؟
<< لا.. ليس هناك ضرورة لذلك، فالمرأة لم تُخلق للحروب والقتال.. ولنقرأ باب الجهاد، ونعرف على من يتعين الجهاد، وليس فيه المرأة.. حتى إن الرسول ص نهى عن قتل المرأة.. وإذا اضطرت لأن تقاتل فهذا عندما تتعرض للقتل، أما خروج بعض الصحابيات في الغزوات فكان لظروف تمر بها الأمة في حينها، كما كنّ يخرجن للتطبيب، وليس للقتال، ومن قاتلت منهن ففي حالات معدودة ليس من الصواب أن نبني حكماً عليها.(/2)
كيف نفهم الأداء السياسي لشيعة العراق ؟
أحمد فهمي
كثرت في الآونة الأخيرة التصريحات والبيانات التي تتحدت وتدعو إلى المصالحة والوحدة بين السنة والشيعة في العراق ، وهي أخبار تُحدث نوعا من السرور والارتياح لدى النفوس والعقول الساذجة التي تبحث عن أي شيء يطمئنها ولو كان كلاما فارغا من أي مضمون أو دلالة واقعية .. وهنا يثور التساؤل : هل يمكن حقيقة أن تنشا وحدة أو مصالحة بين السنة والشيعة في العراق ؟ وهل يوجد فعلا ما يطلق عليه البعض " وحدة المصير " بينهما ؟ .. إن الذي يدَّعي الإيجاب في إجابة هذا السؤال لا شك أنه يناطح حقائق الدين والتاريخ والجغرافيا ، وإن كنا في هذا المقال لن نعرض لحقائق الدين ، كونها واسعة المجال ، وتحتاج إلى كتابات متخصصة .. وسعيا لتكوين رؤية واضحة في هذه القضية الإشكالية ، نقدم بعض المعطيات حول الأداء السياسي للشيعة في العراق ..
إن المتأمل في التاريخ الشيعي عبر القرون ، يمكنه أن يلاحظ ببساطة أن التناقض هو أساس لـ : المعتقد , والأداء السياسي الشيعي ، فالتشيع بدعة تكونت ونمت وتطورت عبر السنوات ، وكانت في كثير من الأحيان أشبه بصندوق تبرعات مغلق يلقي فيه من يمر عليه ما يتوفر بين يديه ، فتشكلت شعائر وشرائع خاصة بالشيعة كانت صفتها الأساسية افتقاد النظرة الموحدة أو المحور الثابت ..
وما مسلك " التقية " المعروف عند الشيعة إلا أحد دلائل هذا التناقض ومسبباته في ذات الوقت ، ويمكن القول بجلاء أنه لا يمكن لزعيم شيعي أن يطرح بجرأة قائمة " المحرجات " أو الأمور المحرجة ضمن الثوابت الشيعية ، لأنه لو طرح ذلك مؤيدا فسوف ينقض المذهب ، وإن طرحه ناقدا فسوف يطرد منه ويتهم بأنه " تسنن " ..
لذلك ولغرض بقاء المذهب ابتكر علماء ومفكرو الشيعة تكتيكا خاصا لتجاوز هذه التناقضات العقدية أولا ثم السياسية ثانيا ، والتي تكونت نتيجة كونهم أقلية في كل مكان يحلون به ، هذا التكتيك ربما لم يدونه أحد في مدونة مستقلة ، ولكن يمكن للمتابع أن يستقرأه من تاريخ الطائفة وواقعها بيسر ، و"التقية" في حقيقة الأمر هي الشكل البدائي الأولي لهذا التكتيك الذي تطور كثيرا في عصور لاحقة ، وأكثر من يطبقه هم قادة الشيعة الذين يجمعون بين الدين والسياسة في أداءهم .. ونذكر ضمن مفردات هذا التكتيك السياسي أربعة أساليب تتبعها قيادات الشيعة في العراق حاليا للتعامل مع الأوضاع المتشابكة ، ويمكن صياغة هذه الأساليب في شكل حكم سياسية كما يلي : التراجع المحسوب خير من المواجهة الغامضة - لا تقل اليوم مالا تقدر على إنكاره غدا – مائة لسان خير من لسان واحد – ابتسم للعدو وكشر عن أنيابك للصديق ..
الأسلوب الأول : " التراجع المحسوب خير من المواجهة الغامضة " فلا يحب الشيعة أن يُحشروا في جب لا يعرفون طريق الخلاص منه ، وإن كان فيه مغنم محتمل ، ويتحدد فعلهم السياسي في كثير من الأحيان حسب القدرة على التراجع عنه أو إنكاره ، ويلعبون في ذلك على وتر الخلافات الطبيعية القائمة بينهم من حيث تعدد المرجعيات والأحزاب والتنظيمات ، ومن الأمثلة على ذلك تراجع السيستاني مرتين في زمن متقارب ، الأولى عن موقفه من إجراء انتخابات مبكرة في العراق ، والثانية عن موقفه من قانون إدارة الدولة ، وكان الخط الأحمر في المرتين يتحدد عند الغضب الأمريكي من التصلب الشيعي ، حتى وإن أدى ذلك لإحراج جماهيري ، يتم تغليفه بمهارة وبأساليب أخرى موضحا لاحقا
الأسلوب الثاني : " لا تقل اليوم مالا تقدر على إنكاره غدا " من يتتبع الخطاب السياسي الشيعي في العراق ، سيكتشف أنهم يطلقون تصريحاتهم بصيغ تحتمل أكثر من وجه ، ولديهم قدرة عالية على النفي والإثبات دونما توثيق ، تجد ذلك واضحا في تصريحات بحر العلوم الرئيس الحالي للمجلس الانتقالي ، وفي تصريحات عبد العزيز الحكيم ، والسيستاني الذي يحترف نفي ما يثبته ، وحتى مقتدى الصدر الذي يتبنى خطابا ثوريا تتميز تصريحاته بإمكانية طيها واتهام الإعلام بإساءة تفسيرها ، ومن الطريف أن هوشيار زيباري وزير الخارجية العراق "الكردي" وقع في سذاجة في فخ شيعي جعله يطلق تصريحات غاضبة من موقفهم يتهمهم فيها بالتحالف مع أطراف خارجية ، وهو ما اضطر أن يتراجع عنه في موقف مهين بعد ذلك .. ومن تطبيقات هذا المفهوم أيضا ، قدرة الشيعة على تبني أفعال ينقدونها بخطابهم ، فعندما تصاعدت أزمة قانون إدارة الدولة الذي عارضه الأعضاء الشيعة ، واضطروا إلى الموافقة بضغط أمريكي ، قام هؤلاء الأعضاء على الفور وخارج قاعة الاحتفال بالتوقيع ، بإطلاق بيان يرفضون فيه القانون الذي وقعوا عليه ، وبطريقة جعلتهم يصطفون بمهارة في خندق المعارضين لا الموقعين ..(/1)
الأسلوب الثالث : " مائة لسان خير من لسان واحد " ، غموض الموقف يُستخدم سياسيا على نطاق واسع من قبل العديد من القوى السياسية في مختلف الدول ، ويتفوق الشيعة في استخدام تطبيقات خاصة بهم في هذا المجال ، من أبرزها تعدد الوكلاء والمتحدثين والمندوبين الذين يمثلون المرجعيات الدينية ، خذ مثالا على ذلك السيستاني ، هل يعرف أحد كم مندوب أو وكيل أو متحدث يمثله ؟ إنهم كثيرون جدا ، وفي مقدمتهم ابنه محمد رضا ، وهؤلاء تتناقض أقوالهم في كثير من الأحيان ، ومن يبحث عن قول منسوب بصورة مباشرة للسيستاني نفسه فلن يجد إلا أقل القليل ، ومن أمثلة هذا المبدأ المشكلة التي أثيرت حول مشاركة الأمم المتحدة وزيارة الأخضر الإبراهيمي الذي وقع في شرك عميق ، فقد أُعلن بدايةً أن السيستاني يرفض مشاركة الأمم المتحدة ومشاركة الإبراهيمي نفسه لأنه سني ، ثم أعلن الإبراهيمي أن كوفي عنان تلقى رسالة من السيستاني يتراجع فيها عن موقفه ، وهنا توالت التصريحات من عدد من المندوبين والوكلاء والموزعين للتصريحات ، فقد أنكروا أن السيستاني أرسل رسالة ، ثم أنكروا محتواها ، وتبين أنه لا يزال يعترض على الإبراهيمي ، ثم ماذا بعد .. لا تحديد مطلقا للموقف الحقيقي للسيستاني ، وبذلك يمكنه أن ينفي ويثبت في النهاية ما يشاء ..
الأسلوب الرابع : " ابتسم للعدو وكشر عن أنيابك للصديق " وهذه تخص أهل السنة في العراق في المقام الأول ، والشيعة في هذا المقام يطبقون الميكافيلية ربما أفضل من مبتدعها ، ومن يتابع تصريحاتهم وخطابهم المتعلق بالسنة في العراق يجده في مجمله خطابا ناعما ودودا ، ليس فيه دعوة إلى التعصب ، عدا ما يتسرب عن غير قصد إلى الإعلام ، وفي المقابل من يتابع خطابهم المتعلق بالاحتلال الأمريكي يجد نفورا ، ورفضا وإنكارا وانتقادا ، ودعوة إلى طرد الاحتلال من العراق ، وهي أكذب ما يمكن أن يطلقه الشيعة هناك ، فهم آخر من يرغب في رحيل الأمريكيين ، ولنفهم ذلك يمكن أن نفترض أن الاحتلال الأمريكي قد رحل بالفعل عن العراق ، فمن الخاسر والرابح عندها ؟ وبغض النظر عن كونهم مكثوا عقد كامل يحرضون الأمريكيين على غزو العراق ، فإن الخاسر الأكبر من الرحيل المبكر للأمريكيين هم الشيعة ، لأنهم يعجزون تماما عن إقامة دولة مستقلة لهم في بوضعهم الحالي ، ولأن الرفض العربي من حولهم سيتضاعف أكثر وأكثر ، ولأنهم لن يقدروا على مواجهة المد السني الهائل المتوقع لو نشبت حرب أهلية مع سنة العراق ، ولأنهم لن يشعروا بسعادة لو تمكن الأكراد من الاستقلال بنفط الشمل خاصة في كركوك ، ومع هذه الأسباب كلها ، نجدهم يحرصون على انتقاد الاحتلال ربما أكثر من أهل السنة في العراق .. أما أهل السنة ، العدو الحقيقي بالنسبة لهم ، فمن الأمور الراسخة في العقل الجمعي للشيعة أن حكم صدام حسين كان حكما سنيا جبريا طاغيا تعرضوا خلاله لاضطهاد كبير ، فكيف يمكن أن يزول هذا المعتقد بسهولة ويسر كما نرى في التظاهرات الدعائية عديمة القيمة المشتركة مع أهل السنة ؟ إن الشيعة يمارسون نوعا من المناورات السياسية برعوا فيه لحد كبير ، فالسيستاني مثلا يريد أن يميع الأوضاع السياسية في العراق ، لكي يتمكن الشيعة من إحداث التغييرات التي يريدونها في كافة المجالات بتدرج وروية ، ولذلك هم لا يريدون استقرار سريعا على المستوى السياسي إلا لو تم وفق رغباتهم بنسبة مائة في المائة ، وهم يستغلون الرفض الظاهري للاحتلال في ممارسة ضغوط ولو محدودة على الأمريكيين ، ويمارسون أسلوبا هادئا في تصفية الوجود السني وتقليص نفوذه إلى حد كبير ، فيستخدمون مشرط الجراح بالإضافة إلى مسكنات الألم ، فقيادات أهل السنة يتعرضون في بعض المدن مثل البصرة للتصفية والأسر تتعرض للترحيل القسري ، في نفس الوقت الذي يحرص مرجعيات الشيعة على التصريح بوحدة المصير مع أهل السنة .. واللافت للنظر أن هذا الأسلوب يفيد في تجنب استفزاز أهل السنة ويساعد في إضعاف آلية إفراز قيادات جماهيرية لديهم ، نتيجة الخلط الموجود ولتبنيهم خطابا رافضا للاحتلال ، ومعلوم أن المواجهة السافرة تضعف التأثير في الخصم بخلاف المواجهة المستترة ..
وحتى لا نطيل ، لعلنا بما سبق نكون قد أجبنا على التساؤل المطروح في بداية الكلام عن مصداقية المصالحة بين السنة والشيعة ، وهي إجابة بالنفي لا شك ، بل إن التساؤل الذي يجب طرحه بدلا عن ذلك هو : متى يسفر الشيعة عن حقيقتهم في العراق ويعدلون الأوضاع فيبتسموا للصديق ويكشروا أنيابهم في وجه العدو ، أي أهل السنة ؟(/2)
كيف نُحافظ على جوارحنا ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إخوتي الأفاضل ... هذه سطور بسيطة بما فتحها الله علي بكرمه .
بسم الله الرحمن الرحيم .
إن نعم الله علينا كثيرة لا تُعد ولا تحصى ، ومن الشكر أن نُحافظ على جوارحنا التي هي من أعظم النعم علينا ، والتي هي أمانة يجب الحفاظ عليها .
فكم من مريض يتمنى العافية ؟
وكم من صحيح وهو بكامل عافية ، ولم يستطع أن يحافظ على عافيته ، فهو تراه يسارع في المعاصي ، بدلاً من أن يستغل عافيته في الخيرات .
فنراه ينظر إلى الحرام بعينيه من المسلسلات والفواحش والمنكرات .
وإما بأذنيه فهو يسارع بسماع لهو الحديث من المعازف والغناء والغيبة والنميمة وغيره ، فرجليه تمشي إلى الحرام .
قال تعالى : {.... إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولا }الإسراء36
وحتى بلسانه فتراه يسعى في الغيبة والنميمة وظلم الآخرين والقذف والسب والشتم والتحدث بما يُغضب الله .
قال تعالى :/ {....وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى }طه81
ونسي المسكين أنه من يغضب الله عليه والعياذ بالله ، قد خسر الدنيا والآخرة وأصبح من الهالكين !!
ونسي أن كل ما يلفظه أو يعمله فسيقف بين يدي الله وسيسأل عنه يوم القيامة .
قال تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18
وبعضهم يتحدّث مع من لا تحل له ، مثل حبيبته أو حبيبه وما شابه ذلك .
فهذه تذكرة عظيمة في قوله تعالى : {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً }النساء108
يعني : يستترون من الناس خوفًا من إطلاعهم على أعمالهم السيئة, ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه, وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه, مطلع عليهم حين يدبِّرون -ليلا- ما لا يرضى من القول, وكان الله -تعالى- محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم, لا يخفى عليه منها شيء.
ونقرأ في سورة الزلزلة هذه الآية الكريمة فهل تدبّرنا معناها ؟
قال تعالى : {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا }الزلزلة4
يوم القيامة تخبر الأرض بما عُمل عليها من خير أو شر.
فهل نُحب أن تشهد علينا جوارحنا بخير أم شر؟
فهل نُحب أن تشهد علينا الأرض بخير أم شر؟
هل نُحب أن تكون صحائفنا بيضاء أم سوداء والعياذ بالله ؟
هل نُحب أن نأخذ كتابنا باليمين أم بالشمال والعياذ بالله ؟
هل تُحب أن تُديم عليك النعم والعافية ؟
إذاً الشكر سبب في زيادة النعم ودوامها بإذن الله .
ومن الشكر هو الحفاظ على أمانة الجوارح واستغلالها في الطاعات والبعد عن المعاصي وان نتّقي الله لقوله تعالى : واتقوا الله ما استطعتم .
وأخيرا اذكّر نفسي وإياكم بقوله تعالى في كل تائب صادق مهما كانت ذنوبه :
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الفرقان70
ولكن الحذر من التسويف والتأجيل في التوبة ، فالعمر محدود ، والوقت هو العمر ، والموت لا نعرف وقته .
قال تعالى : {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ......}النساء18
فباب التوبة مفتوح ما دامت الروح فينا ما لم نُغرغر عند الموت ، وما دامت لم تطلع الشمس من مغربها .واضع أمام عيني قول احد السلف رحمه الله :/ لا تنظر إلى صغر المعصية ، ولكن انظر إلى من عصيت !
والله اعلم .
---
بفضل الله وتوفيقه .(/1)
كيف نُعين أطفالنا على حب القرآن الكريم ؟!!
د.أماني زكريا الرمادي
سبحان الله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين ، حمداً يليق بكماله وجلاله، حمداً يُوازي نعمته علينا بالإسلام العظيم ، و يُكافىء مَنِّهِ علينا بالقرآن الكريم ...والصلاة والسلام على خير المُرسلين، النبي الأُمِّي، الصادق الأمين ، الذي تلقى القرآن من لَدُن حكيم عليم ، فبلَّغَهُ وتحمل من أجل ذلك ما تحمَّل حتى أوصله إلينا ، فصِرنا- بفضل الله - مسلمين ، وبعد.
فإن طفلٌ في جوفه القرآن ، أو شيءٌ من القرآن ، أو طفل يُحِبُّ القرآن لهو نورٌ في الأرض يتحرك وسط الظلام الأخلاقي الذي يسود أيامنا الحالية ، وصِرنا نخشى اتساع رقعته في الأعوام القادمة .
وإذا كان الإمام أحمد بن حنبل –رضي الله عنه- قد اعتبر زمانه زمان فِتن لأن الريح كشفت جزءاً من كعب امرأة رغما ًعنها ، ورآه هو عن غير قَصد... فماذا نقول عن زماننا؟!!!!!
بل كيف نتصور حال الزمان الذي سيعيشه أبناؤنا ؟!!
وإذا كان المَخرج من هذه الفِتن هو التمسُّك بكتاب الله ، وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فما أحرانا بأن نحبِّب القرآن إلى أبناءنا ،
لعل القرآن يشفع لنا ولهم يوم القيامة .،
.وعساه أن ينير لهم أيامهم ،
ولعل الله ينير بهم ما قد يحل من ظلام حولهم .
وفي السطور القادمة محاولة لإعانة الوالدين - أو مَن يقوم مقامهما – على أن يربوا أطفالاً يُحبُّون القرآن الكريم ،
فأرجو الله تعالى أن ينفع بها، وله الحمد والمِنَّة .
د.أماني زكريا الرمادي
بل كيف نتصور حال الزمان الذي سيعيشه أبناؤنا ؟!!
وإذا كان المَخرج من هذه الفِتن هو التمسُّك بكتاب الله ، وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فما أحرانا بأن نحبِّب القرآن إلى أبناءنا ،
لعل القرآن يشفع لنا ولهم يوم القيامة .،
.وعساه أن ينير لهم أيامهم ،
ولعل الله ينير بهم ما قد يحل من ظلام حولهم .
وفي السطور القادمة محاولة لإعانة الوالدين - أو مَن يقوم مقامهما – على أن يربوا أطفالاً يُحبُّون القرآن الكريم ،
فأرجو الله تعالى أن ينفع بها، وله الحمد والمِنَّة .
د.أماني زكريا الرمادي
لماذا نحبِّب القرآن الكريم إلى أبناءنا؟!!
إن الأسباب – في الحقيقة - كثيرة ...ولعل ما يلي هو بعضها:
1- لأن القرآن الكريم هو عقل المؤمن، ودستور حياته ، فهو كلام الله الذي تولَّى حفظه دون سائر ما نزل من كتب سماوية ، لذا فإن أطفالنا إذا أحبوه تمسَّكوا بتعاليمه، ومن ثمَّ لم يضلِّوا أبداً
2- لأن القرآن الكريم هو خير ما يثبِّت في النفس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، وخير ما يفسح أمام العقل آفاق العلوم والمعارف الإنسانية ، وخير ما يسكُب في القلب برد الطمأنينة والرضا ، وخير ما يمكن أن نُناجي به مولانا في هدأة الأسحار (1) ،"فإذا ارتبط قلب الطفل بالقرآن وفتح عينيه على آياته فإنه لن يعرف مبدأً يعتقده سوى مبادىء القرآن ، ولن يعرف تشريعاً يستقي منه سوى تشريع القرآن ، ولن يعرف بلسماً لروحه وشفاءً لنَفسِهِ سوى التخشُّع بآيات القرآن ... وعندئذٍ يصل الوالدان إلى غايتهما المرجوة في تكوين الطفل روحياً، و إعداده إبمانياً وخُلُقياً "( 2)
3. لأن القرآن الكريم هو" الرسالة الإلهية الخالدة ، ومستودع الفِكر والوعي، ومنهج الاستقامة ، والهداية ، ومقياس النقاء و الأصالة " (3)...فإذا أحبه الطفل كان ذلك ضمانا ً- بإذن الله – لهدايته، واستقامته، وسِعة أفقه ، ونقاء سريرته ، وغزارة علمه .
4--"لأن القرآن الكريم إذا تبوَّأ مكانةً عظيمة في نفوس أطفالنا شبُّوا على ذلك، ولعل منهم مَن يصبح قاضيا ً ،أو وزيراً،أو رئيساً ، فيجعل القرآن العظيم له دستوراً ومنهاجاً ، بعد أن ترسَّخ حبه في نفسه منذ الصِّغَر"(4)
5- لأن حب الطفل للقرآن يعينه على حفظه ، ولعل هذا يحفظ الطفل ، ليس فقط من شرور الدنيا والآخرة ، وإنما أيضاً من بذاءات اللسان .... ففم ينطق بكلام الله ويحفظه يأنف ،ويستنكف عن أن ينطق بالشتائم والغيبة والكذب وسائر آفات اللسان .
6-- لأن أبناءنا أمانة ٌ في أعناقنا أوصانا الله تعالى ورسوله الكريم بهم ، وسوف نسألٌُ عنهم يوم القيامة ، وكفانا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع مَن يعول" ؛ فالضياع قد يكون أخلاقياً ، وقد يكون دينياً ، وقد يكون نفسياً ، وقد يكون مادياً - كفانا الله وإيَّاكم شر تضييع أبناءنا- ولن نجد أكثر أماناً من القرآن نبثه في عقول وأرواح أطفالنا حِفظاً لهم من كل أنواع الضَّياع !!!!
7- لأن ذاكرة الطفل صفحة ٌ بيضاء ، فإذا لم نملؤها بالمفيد فإنها ستمتلىء بما هو موجود!!!
فإذا أحب الطفل القرآن الكريم،أصبح فهمه يسيراً عليه، مما يولِّد لديه ذخيرة من المفاهيم والمعلومات التي تمكِّنه من غربلة ، وتنقية الأفكار الهدامة التي تغزو فِكرَهُ من كل مكان.(/1)
8- لأننا مٌقبلون-أو أقبلنا بالفعل - على الزمن الذي أخبر عنه الحبيب صلى الله عليه وسلم:أن فيه " تلدُ الأَمَة ربَّتَها" أي تتعامل الإبنة مع أمها وكأنها هي الأم !!!!
فلعل حب القرآن في قلوب الأبناء يخفِّف من حِدة عقوقهم لوالديهم في هذا الزمان .
9- لأن أطفالنا إذا أحبوه وفهموه ، ثم عملوا به ، وتسببوا في أن يحبه غيرهم ...كان ذلك صدقة جارية في ميزان حسنات الوالدين إلى يوم الدين ، يوم يكون المسلم في أمس الحاجة لحسنة واحدة تثقِّل ميزانه .
10- ( لأن هذا الصغير صغيرٌ في نظر الناس ، لكنه كبير عند الله ، فهو من عباده الصِّغار،لذا فمن حقه علينا أن نحترمه ، وأن نعطيه حقه من الرعاية ،والتأديب... ولقد قال صلى الله عليه وسلم:"أدّبوا أولادكم على ثلاث خِصال: حب نبيكم ، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن فإن حَمَلة القرآن في ظل عرش الرحمن يوم لا ظِل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه" رواه الطبراني )( 4)
11- لأن القرآن الكريم هو حبل الله المتين الذي يربط المسلمين بربهم، ويجمع بين قلوبهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم ،وما أحوج أطفالنا- حين يشبُّوا- لأن يرتبطوا بشتى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، في وقت اشتدت فيه الهجمات على الدين الإسلامي والمسلمين من كل مكان !!!!
كيف أغرس في قلب طفلي حب القرآن؟!!!
إن الهدف المرجو من هذا الكتيب هو مساعدة الطفل على حب القرآن الكريم ، من أجل أن يسهُل عليه حِفظه ، وفهمه ، ومن ثمَّ تطبيقه .
ومن أجل ذلك علينا أن نبدأ من البداية ، وهي اختيار الزوج أو الزوجة الصالحة ،
فقبل أن ننثر البذور علينا أن نختار الأرض الصالحة للزراعة ، ثم المناخ المناسب لنمو هذه البذور ...حتى نضمن بإذن الله محصولاً سليماً من الآفات ، يسُرُّ القلب والعين .
بعد ذلك تأتي المراحل التالية ، والله المستعان عليها:
أولاً : مرحلة الأجِنَّة :
في هذه المرحلة يكون الجنين في مرحلة تكوين من طَور إلى طَور ... ولك أن تتخيل جنينك وهو ينمو ويتكون على نغم القرآن المرتَّل !!!!
فلقد أثبتت البحوث والدراسات المتخصصة في علم الأجنة أن الجنين يتأثر بما يحيط بأمه، ويتأثر بحالتها النفسية ، حتى أنه "يتذوق الطعام التي تأكله وهي تحمله، ويُقبل عليه أكثر مِمَّا يُقبل على غيره من الأطعمة !!!" (5) ، (6)
كما أثبتت الأبحاث أن هناك ما يسمَّى "بذكاء الجنين (7)
أما أحدث هذه الأبحاث فقد أثبتت أن العوامل الوراثية ليست فقط هي المسئولة عن تحديد الطباع المزاجية للطفل ، ولكن الأهم هي البيئة التي توفرها الأم لجنينها وهو ما زال في رحمها ، فبالإضافة إلى الغذاء المتوازن الذي يحتوي على كل العناصر الغذائية والفيتامينات التي تحتاجها الأم وجنينها ، و حرص الأم على مزاولة المشي وتمرينات ما قبل الولادة ، فإن الحامل تحتاج أيضاً إلى العناية بحالتها النفسية ، لأن التعرض للكثير من الضغوط يؤدي إلى إفراز هورمونات تمر إلى الجنين من خلال المشيمة ، ،فإذا تعرض الجنين إلى ضغوط نفسية مستمرة ، فإنه سيكون في الأغلب طفلاً عصبياً ، صعب التهدئة، ولا ينام بسهولة ... بل وربما يعاني من نشاط مُفرِط ، وًمن نوبات المغص " (8)
إذن فالحالة النفسية للأم تنعكس - بدون أدنى شك- على الجنين ، لأنه جزء منها ... لذا فإن ما تشعر به الأم من راحة وسكينة بسبب الاستماع إلى القرآن أو تلاوته ينتقل إلى الجنين ، مما يجعله أقل حركة في رحمها، وأكثر هدوءا ً، بل ويتأثر بالقرآن الكريم ... ليس في هذه المرحلة فقط ،وإنما في حياته المستقبلية أيضاً!!
ولقد أوضحت الدراسات المختلفة أن الجنين يستمع إلى ما يدور حول الأم (9)
،ويؤكد هذا فضيلة الشيخ الدكتور "محمد راتب النابلسي"-الحاصل على الدكتوراه في تربية الأولاد في الإسلام- في قوله : " إن الأم الحامل التي تقرأ القرآن تلد طفلاً متعلقا ً بالقرآن "(4)
كما أثبتت التجارب الشخصية للأمهات أن الأم الحامل التي تستمع كثيراً إلى آيات القرآن الكريم ، أو تتلوه بصوت مسموع يكون طفلها أكثر إقبالاً على سماع القرآن وتلاوته وتعلُّمه فيما بعد ، بل إنه يميِّزه من بين الأصوات ، وينجذب نحوه كلما سمعه وهولا يزال رضيعاً !!!!!
لذا فإن الإكثار من تلاوة القرآن والاستماع إليه في فترة الحمل يزيد من ارتباط الطفل عاطفياً ووجدانياً بالقرآن ، ما يزيد من فرصة الإقبال على تعلُّمه وحِفظه فيما بعد.)(10)
ثانياً : مرحلة ما بعد الولادة حتى نهاية العام الأول :(/2)
تبدأ هذه المرحلة بخروج الجنين إلى الدنيا حيث أول محيط اجتماعي يحيط به ، لذا فإنها تعد الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل ، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي ، فلا عجب إذن أن يركز المنهج الاسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذهِ المرحلة، "فالطفل في أيامه الأولى، وبعد خروجه من محضنه الدافئ الذي اعتاد عليه فترة طويلة يحتاج إلى التغذية الجسمية والنفسية ليعوِّض ما اعتاده وأِلفه وهو في وعاء أمه ."(11)
لذا نرى المولى سبحانه يوصي الأم بأن ترضع طفلها حولين كاملين ، ويجعل هذا حقاً من حقوق الطفل ، كما نراه –عز وجل - يكفل للأم في هذه الفترة الطعام والكساء هي ورضيعها ،كما جاء في قوله سبحانه :(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف)البقرة:233]
ولقد فطن العرب منذ آلاف السنين إلى تأثير فترة الرضاعة على تكوين شخصية وطباع الطفل فكانوا يختارون لأبنائهم المرضعة حسنة الخُلُق ، الودودة .
ولطالما عجبت كاتبة هذه السطور من السيدة "آمنة بنت وهب" التي ألقَت بوليدها الوحيد بين أحضان امرأة أخرى يلتقم ثدياً غير ثديها، وينهل من حنان غير حنانها، وهي التي مات عنها زوجها ، وهي بعد لم تزل عروسا ً زُفت إليه منذ شهور...ولكن التفكير في مصلحة الوليد كان فوق كل هذه المشاعر والأحاسيس، فقد كانت مكة تعد بلاد حَضَر، وكان العرب يرجون لأبناءهم جوا ًبدوياً ينشئون فيه " لكي يبتعدوا عن أمراض الحواضر، و تقوى أجسامهم ، وتشتد أعصابهم، ويتقنون اللسان العربي في مهدهم "(12)
كما كانت الصحابيات-رضوان الله عليهن - يُغنِّين لأطفالهن من الذكور أثناء الرضاعة أغاني تُحفِّز على البطولة والرجولة ، لترسخ هذه المعاني في أذهانهم منذ نعومة أظفارهم!!!
فما بالنا بالأم التي ترضع وليدها على نغمات القرآن المرتل بصوتٍ ندي .... ألا يعينه ذلك على حب القرآن الكريم؟!!
وفي عصرنا الحالي ، نرى "علماء النفس -على اختلاف مشاربهم- يولون هذه المرحلة أهمية قصوى باعتبارها الهيكل الذي تُبنى الشخصية على أساسه. ، فنراهم يُجرون دراسات حول ما يسمى بذكاء الرضيع ، ثم يقومون بمحاولات تربويية لاستغلال هذه الفترة في تنشئة أطفال عباقرة "(13)
ومن ثم ، فإن الأم التي تُرضع طفلها على صوت ندِيٍ يتلو القرآن الكريم ، فإن الراحة و السكينة والاطمئنان والحنان الذين يشعر بهم الطفل وهو بين أحضان أمه سيرتبطون في عقله اللاواعي بالقرآن الكريم... ومن ثَمَّ يصبح القرآن بالنسبة للطفل- فيما بعد- مصدرا ًللأمن والاطمئنان والسعادة ، ونوعاً آخر من الزاد الذي يشبع قلبه وروحه ،كما كانت الرضاعة تشبع بطنه وتُسعد قلبه، فإذا كانت الأم هي التي تتلو القرآن مجوَّداً ، فإن ذلك يكون أقرب لوجدان الطفل وأشد تأثيراً فيه ، وأهنأ له ولأمه .
ولنا أن نتخيل هل سيظل طفل كهذا يصرخ طوال الليل أو يكون نومه مضطرباً وهو محفوف بالملائكة بسبب القرآن الكريم ؟!!!!
ولعل الفائدة ستعم أيضاً على الأم، حيث يعينها الاستماع إلى القرآن على هدوء النفس وراحة الأعصاب في هذه الفترة، مما يجنِّبها ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة الذي تُصاب به معظم الوالدات .
ثالثاً:في العام الثاني من حياة الطفل:
تلعب القدوة -في هذه المرحلة- دورا ًهاماً ورئيساً في توجيه سلوك الطفل، لذا فإنه إذا شعر بحب والديه للقرآن من خلال تصرفاتهما فإن هذا الشعور سوف ينتقل إليه تلقائياً ، ودون جهد منهما ،
فإذا سمع أبيه يتلو القرآن وهو يصلي جماعة مع والدته ،
أو رأى والديه –أو مَن يقوم مقامهما في تربيته – يتلوان القرآن بعد الصلاة ، أو في أثناء انتظار الصلاة ،
أو اعتاد أن يراهما يجتمعان لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة في جو عائلي هادىء.... فإنه سيتولد لديه شعور بالارتياح نحو هذا القرآن .
وإذا لاحظ أن والديه يفرحان بظهور شيخ يتلو القرآن وهما يقلِّبان القنوات والمحطات ، فيجلسا للاستماع إليه باهتمام وإنصات ، فإنه سيتعلم الاهتمام به وعدم تفضيل أشياء أخرى عليه.
.وإذا رآهما يختاران أفضل الأماكن وأعلاها لوضع المصحف ، فلا يضعان فوقه شيء ، ولا يضعانه في مكان لا يليق به ، بل ويمسكانه باحترام وحُب ... فإن ذلك سيتسلل إلى عقله اللاواعي ...فيدرك مع مرور الزمن أن هذا المصحف شيءٌ عظيم ، جليل ، كريم ، يجب احترامه، وحُبه وتقديسه .
من ناحبة أخرى ، إذا تضايق الطفل من انشغال والديه عنه بتلاوة القرآن و أقبل عليهما يقاطعهما ، فلم يزجرانه ، أو ينهرانه، بل يأخذه أحدهما في حضنه ، ويطلب من الطفل أن يقبِّل المصحف قائلاً له : " هذا كتاب الله ، هل تقبِّله؟!!" فإن الطفل سيشعر بالوِد تجاه هذا الكتاب.(/3)
وإذا رأى الأم تستمتع بالإنصات لآيات القرآن الكريم وهي تطهو أو تنظف المنزل، ورأى نفس الشيء يحدث مع والده وهو يقوم بترتيب مكتبته مثلاً, أو رَيّ الحديقة....فإن ذلك يجعله يفضِّل أن يستمع إليه هو الآخر حين يكبر وهو يؤدِّي أعمالاً روتينية مشابهة
رابعاً: منذ العام الثالث حتى نهاية الخامس:
يقول فضيلة الشيخ ، الدكتور "محمد راتب النابلسي":" من دراستي في التربية علمت أن أخطر سن في تلقي العادات والتقاليد و المبادىء والقيم ، هو سن الحضانة، ثم سن التعليم الابتدائي .
ويستطرد شيخنا قائلاً:" إن الطفل يستطيع أن يحفظ القرآن في سِنِي حياته الأولى ، فإذا كبر فهم معانيه، ولكن بعد أن يصبح لسانه مستقيماً بالقرآن ، فيشب وقد تعلم الكثير من الآداب"
كما يؤكد الدكتور "يحي الغوثاني"- المتخصص في الدراسات القرآنية - أن" الطفل إذا حفظ القرآن منذ صغره اختلط القرآن بلحمه ودمه "(14)
لذا ففي هذه السن-غالباً - يمكننا أن نبدأ بأنفسنا تعليمه تلاوة القرآن تلاوة صحيحة، فإن لم يتيسر ذلك ، فلا بأس من اختيار معلمة أو معلم ، يكون طيب المعشر ، لين لجانب،حازم في رفق ، ذو خُلُقٍ قويم ، واسع الأُفُق ، وأن يكون مُحِبَّاً لمهنته... كي ينتقل هذا الحب إلى تلاميذه ، مع ملاحظة أننا "لا ينبغي أبداً أن نُجبر الطفل على حفظ القرآن أو نضربه إذا لم يحفظ، بل يجب أن تكون جلسة الاستماع إلى القرآن أو حفظه من أجمل الجلسات وأحبها إلى قلبه ،وذلك من خلال تشجيعه بشتى الصور المحببة إلى قلبه، من مكافآت مادية ومعنوية ، وغير ذلك...فإذا كان مَن يحفِّظه يتَّبع أسلوباً عنيفاً أو غير محبَّب فلنستبدله على الفور إن نهيناه ولم ينتهَِ" (15)
وهناك ملاحظة هامة ، وهي مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال :
*فإن كان طفلك غير متقبل للحفظ في هذا السن ، فعليك أن تُمهله حتى يصير مهيَّأً لذلك، مع الاستمرار في إسماعه القرآن مرتلا ً.
*أما إذا كان لدى طفلك القُدرة والاستعداد قبل هذا العمر ، فيجب أن تنتهز هذه الفرصة ، وتشكر الله على هذه النِّعمة ، فتشجعه وتعينه على حفظ القرآن الكريم، كما حدث مع "زهراء" الطفلة السعودية التي حفظت سوراً من القرآن الكريم مع إتقان كامل لمخارج الحروف..
وهي تبلغ من العمر عاماً ونصف العام !!!! (16)
***
وكذلك الطفل الإيراني "محمد حسين " الذي كانت والدته تصطحبه معها في جلسات لحفظ القران الكريم ، وهو لم يتجاوز السنتين , وكانت وقتها تحفظ الجزء الثلاثين من القران الكريم، فلما عادت في إحدى الأيام للبيت ، كان محمد يلعب ويردد شيئا, اراد والده ان يسمع ما الذي يقوله بهذا الاهتمام ، فاستغرب كثيرا عندما علم انه يردد الجزء الثلاثين من القرآن الكريم ، فذهب الى زوجته متسائلا منذ متى و أنتِ تحفِّظينه الجزء الثلاثين من القران الكريم ؟!!
فاستغربت الزوجة قائلة:أنا لم أفعل على الإطلاق، فذهب الوالد اليه مرة اخرى وحاول ان يمتحنه بالجزء الثلاثين فوجد أنه يحفظه بشكل جيد . حينها علم أن لولده ذو السنتين قابليه لحفظ القران , ففرح كثيرا وبدأ معه مشوار الحفظ ،فلما بلغ محمد سن الخامسه كان قد أكمل حفظ القران الكريم!!!
وبعد ذلك حاز محمد على شهادة دكتوراه في العلوم القرآنية من جامعة لندن وكذلك حاز على شهادة الدكتوراه الافتخارية في علوم القران من جامعة الحجاز !!!!
و كم هي مفيدة ومؤثرة كلمات والده الذي قال :" إن محمد حسين ليس إلا طفل عادي قد يفوق أقرانه بالقليل من الفطنه، لكن هناك الكثير من الاطفال الأذكياء الذين لم يفكر أحد باستغلال ذكائهم ، فالذي ساعد ابني هو أنني في البيت مع زوجتي واطفالي نردد القران في الصباح والمساء وان سكتنا نَسمعه من المسجل أو التلفزيون فكيف لا يحفظ القران طفل مثل علم الهدى؟(هذا هو اللقب الذي يلقِّبه به أبوه )
وينصح والده الآباء قائلاً:""لكي يكون لديك طفل مثله عليك أنت أن تغير ما في نفسك كي يسير طفلك في مَسارك"!!!
ويختم والده كلامه قائلاً:""في النهاية أود أن أقول أنه كلما ردَّدَ ابنك أغنية، فأعلم انه قادر على أن يحفظ ويردد القرآن كما حفظ تلك الأغنية!!!( 17)
***
هناك أيضاً الطفل الإيراني " مهيار حسين " الذي وُلد وهو غير قادر على النُّطق، وظل كذلك حتى الخامسة من عمره... ولكنه بعد ذلك تمكن-بفضل الله - من أن يحفظ القرآن الكريم ، بأرقام الآيات والأحزاب والأجزاء، وَجِهة الصفحات .، وانطلق لسانه فأصبح يرتل القرآن ترتيلاً !!!!( 18)
***
وفي هذه المرحلة(ما بين العام الثالث والخامس ) ينبغي أن نعلِّم الطفل الأدب مع كتاب الله ،" فلا يقطع أوراقه، ولا يضعه على الأرض، ولا يضع فوقه شيئاً ، ولا يدخل به دورة المياه ، ولا يَخُط به بقلم "(19)وأن يستمع إليه بانتباه وإنصات حين يُتلى.(/4)
ومن معالم هذه المرحلة الولع بالاستماع إلى القصص، لذا يمكننا أن ننتقي للطفل من قصص القرآن ما يناسب فهمه وإدراكه ، مثل:قصة أصحاب الفيل، وقصة ميلاد ونشأة نبينا محمد صلىالله عليه وسلم، وقصة موسى عليه السلام مع الخِضر، وقصته مع قارون ، وقصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد ،وقصة أصحاب الكهف ....بشرط أن نقول له قبل أن نبدأ:
" هيا يا حبيبي لنستمتع معاً بقصة من قصص القرآن "!!!!
ومع تكرار هذه العبارة سيرتبط حبه للقصص بحب القرآن ، وسترتبط المتعة الروحية التي يشعر بها -من خلال قربه من الأب أو الأم ، وما يسمعه من أحداث مشوِّقة - بالقرآن الكريم، فيعي –مع مرور الزمن -أ ن القرآن مصدرا ًللسعادة والمتعة الروحية .
ومن المفيد أن نختم كل قصة بالعِبَر المستفادة منها....ومما يساعد الوالدين على ذلك سلسلة شرائط " قصص الأنبياء" للدكتور طارق السويدان ، وكتاب"قصص القرآن للأطفال" للدكتور د."حامد أحمد الطاهر"(صدر عن دار الفجر للتراث ،خلف الجامع الأزهر بالقاهرة)
كما أن رواية هذه القصص قبل النوم يجعل هذه القصص أكثر ثباتاً في ذاكرته ، ومن ثم أشد تأثيراً في عقله ووجدانه.
و في هذه المرحلة يمكننا أن نعلِّمه حب القرآن أيضاً من خلال الأناشيد التي تكون ممتعة بالنسبة له ، فيسهل عليه تذكُّر معانيها طوال حياته.
فقد ثبت علميا ًأن " الطفل يتذكر ما هو ممتع بالنسبة له بصورة أفضل ولمدة أطول،بالإضافة إلى أنه يستخدمه في نشاطه المستقبلي" ( 20)
ومن أمثلة هذه الأناشيد ما يلي:
" اللهُ ربي ،
محمدٌ نبيي ،
وهو أيضاً قدوتي،
والإسلامُ ديني ،
والكعبةُ قبلتي ،
والقرآن كتابي ،
والصيام حصني ،
والصَدَقة شفائي ،
والوضوء طَهوري ،
والصلاة قرة عيني ،
والإخلاص نِيَّتي ،
والصِدق خُلُقي ،
والجَنَّةُ أملي ،
ورضا الله غايتي "
***
"أنا يا قومي مسلم ٌ أنا يا قومي مسلمٌ
إن سألتُم عن إلهي فهو رحمن رحيم
أو سألتم عن نبيي فهو ذو خُلقٍُ عظيم
أو سألتم عن كتابي فهو قرآنٌ كريم
أو سألتم عن عدُوِّي فهو شيطانٌ رجيم
خامساً: منذ العام السابع حتى العاشر
في هذه المرحلة يمكن أن نشجِّعه بأن تكون هدية نجاحه أو تصرُّفه بسلوك طيب هي مصحفٌ ناطقٌ للأطفال يسمح له بتكرار كل آية مرة على الأقل بعد القارىء ، أو أشرطة صوتية للمصحف المعلِّم كاملاً ، أو قرص كمبيوتر يحوي المصحف مرتلا ً، وبه إمكانية التحفيظ ،
كما يمكن إلحاقه بحلقة قرآنية في مركز للتحفيظ يتم اختياره بعناية بحيث يكون موقعه قريباً من البيت، كما يكون نظيفاً ، جيد التهوية ، جميل المظهر،حتى يٌقبل عليه الطفل بحب ورضا ، مع متابعة المحفِّظ لنتأكد من أن أسلوبه في التلقين والتحفيظ تربوي ، أو على الأقل ليس بضار ٍمن الناحية التربوية .
كما ينبغي أن نمدح الطفل ونُثني على سلوكه كلما تعامل مع المصحف بالشكل الذي يليق به .
ويمكن في هذه المرحلة أن نسمع معه مثل هذه الأناشيد التي يسهُل عليه حفظها ، كما نشجعه على أن يمنحها-مسجلة على شريط- كهدايا لأصحابه في الحلقة القرآنية ، أو جيرانه، أو أقاربه :
إقرأ كتابَ الله ورتِّلِ الآيات*** مادام في هُداه سعادة الحياة
رتِّلهُ في الصبح ، رتله في المساء ***كالبلبل الصدَّاح في غابةٍ خضراء
فإن تكن صديقاً لآلِه الحسان ***يرسم لك الطريق بأجمل الألحان
يُنبيك عما كان في الأرض من أخبار*** في سالف الأزمان ويُظهر الأسرار
كم قصة رواها عن أنبياء الله ***اللهَ ما أحلاها تُتلى على الشِّفاه
وحين يُصغي الناس إليك في سرور*** وتبدأ الأعراس من حولهم تدور
ويسأل الأطفال ويسأل الشبان ***ما ذلك الجمال ؟!فقل هو القرآن
إقرأ كتاب الله ورتِّل الآيات*** مادام في هُداه سعادة الحياة
****
طِفلٌ كان طَهور الصدر*** يجلس بعد صلاةِ الفجر
يتلو في القرآن بصوتٍ ***أحلى من تغريد الطير
يتلوه ويفكر فيه*** يتأمل حسن معانيه
ويراهُ قصصاً رائعة*** يسرح فيها وتُسلِّيه
كل صباح كان أبوه*** يأتي فيراهُ يتلوه
وله يُصغي في إعجابٍ ***ذلك أغلى ما يرجوه
قال له يوما يا ولدي*** ما تقرأ والصوت ندي
قال أرتِّل خيرَ كتابٍ ***فأُضيء به يومي وَ غَدِي
قال بصوت فاض حنانا ***إقرأ وكأن القرآنَ
يتنزل من عند المولى*** بالآياتِ عليكَ الآنَ
قال ومِن أجمل ما قال*** إن كتاب الله رسالة
بدأ الطفل إذا رتَّله ***يدرُس روعتَهُ وجلالَه
لما الطفل المؤمن شبَّ ***ونما عقلا وزكا قلبا
أمسى يكتب فِكراً حُرَّاً*** ومضى يَنْظُم شِعراً عَذبا
طِفلٌ كان طَهورَ الصدر*** يجلس بعد صلاةِ الفجر...
###
ألفٌ لامٌ ميم ، القرآن كريم***يتلوه الأطفال في حب وجمال
ما أحلى الكلمات في تلك الآيات*** لما في البستان رتِّله حسَّان
غردت الأطيار من فوق الأشجار*** نسماتٌ خضراء عطَّرتِ الأجواء
لما ذات مساء قرأتْ فيهِ دُعاء*** سمعَتها النجمات أرسلت البسمات ،
قالت جلَّ الله صوتُكِ ما أنْداه!!!!!
كان البدرُ يسير فوق الأرض يدور***يستمع القرآن من كل البلدان(/5)
يهتف يا ألله قولك ما أحلاه!!!!!
أصوات الأطفال ونساءٌ ورجال ***تقرأ في القرآن
تشدو في إيمان*** تشهد أن الله أنزله وحماه
****
وللاستماع إليها يمكن زيارة الرابط التالي:
http://www.enshad.net/htm/kids/A'3la_Hadeyah_D/
ومن الضروري أن نجعل للطفل كرامة من كرامة القرآن الذي يحفظه، كأن يقول له الأب : لولا أنك تحفظ القرآن لعاقبتُك.( 4 )
كما ينبغي أن نشرح له أهمية القرآن الكريم للمسلم والعالَم، وكيف كانت البشرية تعيش قبل نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم .
ويظل دور القُدوة مستمراً مع الطفل ، فإذا تردد على سمعه من والديه عبارات قرآنية مثل:
" الحمد لله ربِّ العالمين " ،
" حسبُنا الله ُونِعمَ الوكيل" ،
" ذلك فَضلُ الله يؤتيه مَن يشاء"
" ومَن يتَّقِ اللهَ يجعل له مَخرجا ً، ويرزَقْهُ مِن حيثُ لا يحتَسِب" ،
"فصبرٌ جميلٌ ، والله المستعان"،
" وأفوِّضُ أمري إلى الله "
" إنَّما أشكو بَثِّي وحُزني إلى الله " ،
" والله غالبٌ على أمره" ،
" ومّن يتوكل على اللهِ فهوَ حَسبُه "
" وما مِن دابة في الأرضِ إلا على الله رِزقُها"
"يومَ لا ينفع مال ولا بَنون إلا مَن أتى الله َ بقلبٍ سليم"
فإن الطفل سيرددها دون أن يعلم معناها ، ولكنها مع مرور الوقت ستصبح مفهومة لديه ، ليس هذا فحسب،وإنما ستكون له نبراساً يضيء له ظلام حياته، ومنهاجا ً يعينه على ما يصادفه من مصاعب ومشكلات .
وينبغي أن نستمر معه في رواية قصص القرآن –بنفس الطريقة -فنروي له في هذه المرحلة مثلاً :
قصة الخلق منذ آدم، ، و قابيل وهابيل، ثم قصة نوح عليه السلام ،وقصة زكريا ويحي عليهما السلام ، وقصة مريم و عيسى عليهما السلام وهاروت وماروت ، وأصحاب القرية ، وأصحاب الكهف،وأصحاب الجنة .
سادساً: منذ العام الحادي عشر حتى الثالث عشر :
في هذه المرحلة تتسع دائرة الطفل الاجتماعية ويزداد حِرصاً على تكوين علاقات اجتماعية ، كما يزداد ارتباطاً بأصحابه وزملائه... ويمكن استغلال ذلك في إلحاقه_ وأصحابه إن أمكن- بحلقة تعليم أحكام التجويد ، مع تشجيعه و مكافاءته بشتى الطرق المادية والمعنوية، ومنها تعريفه بفضل تعلُّم القرآن وتجويده ، مثل الأحاديث الشريفة :
" أهل ُالقُرآن هُم أهل ُالله ِو خاصَّتُه " ، و" الماهِرُ بالقٌرآن مع السَّفَرَة الكِرم البرَرة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتَعُ فيه ، وهو عليه شاق ، فله أجران "، و" خيرُكُم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمَه " ، و"من أراد الدنيا فعليه بالقرآن ، ومن أرد الآخرة فعليه بالقرآن،ومَن أرادهما معا ًفعليه بالقرآن "، "إن لله تعالى أهلين من الناس، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته"،
( يَؤمُّ الناس أقرؤهم لكتاب الله تعالى )
ويمكن أن نعرِّفه بذلك بطريقة غير مباشره بحيث ندعو أصحابه المفضَّلين إلى المنزل، ونسألهم عدة أسئلة نعرف أنهم يعرفون إجابتها، ، ثم نسأل عن فضل تعلُّم القرآن وتجويده، فإن لم يعرفوا أقمنا بينهم مسابقة لمن يعثر على أكبر قدر من الأحاديث والآيات حول ذلك، مع توجيههم للاستعانة بمكتبة المدرسة أو أقرب مكتبة عامة ، أو نعطيهم مما لدينا من كتب ومراجع . . فإذا وصلوا إلى المعلومة بأنفسهم كان ذلك أشد تأثيراً في نفوسهم، وأيسر إيصالاً للمعلومة إلى قلوبهم قبل عقولهم.
كما يمكن أن نضع -في مكان بارز بالبيت- لوحة أو سبورة يمكن أن يكتب عليها الأولاد أحاديث شريفة عن فضل القرآن الكريم ، بحيث يتسابقون في البحث عنها ، ووضعها على هذه اللوحة ، بمعدل حديث كل أسبوع ، ليرونه كلما مروا بها فيحفظونه ، ويتناقشون مع الأم أو الأب حول معناه .، وبعد ذلك تكون هناك جائزة لمن وضع أكبر عدد من هذه الأحاديث.
كما يمكن إلحاق الطفل مع أصحابه بمعسكرات الأشبال الصيفية التي تهتم بتعليم أحكام التجويد .
وينبغي في هذه المرحلة ان نستمر في رواية قصص القرآن له ، أو إهداءه أشرطة فيديو ، أو أقراص مضغوطة، بها تسجيل مصوَّر لهذه القصص .
ومما يناسب الطفل في هذه المرحلة من قصص القرآن :
قصة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده في سبيل الله ، وقصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل، والأرض المقدسة ، وقصة ذو القرنين ، و يأجوج ومأجوج، وأصحاب الأخدود، و طالوت، و دواد ،و جالوت عليهم السلام ، وقصة الإنسان والشيطان ، (التي وردت في الآية 18 من سورة الحَشر)، وقصة يوسف عليه السلام، وقصة أيوب عليه السلام .
ومن المفيد له في هذه المرحلة أن نشجعه على الاشتراك في المنتديات التي تعينه على حب القرآن الكريم وحفظه مثل : " منتدى البحوث والدراسات القرآنية " ،وذلك بعد التأكد من تحميل برنامج التنقية من الإعلانات والمواقع غير المرغوب فيها .
وذلك بوضع رابط : منتدى البحوث والدراسات القرآنية " التالي على قائمة "المواقع المفضَّلة"
http://www.yah27.com/vb/forumdisplay.php?f=36
" ليستطيع أن يدخل إلى المنتدى بسهولة ويُسر كلما أراد.(/6)
كما يمكن أن نحكي له-مع أصحابه المقربين - مثل هذه القصص الواقعية :
يقول الدكتور " يحي الغوثاني" : "قرأت فيما قرأت مقالاً للأستاذ نجيب الرفاعي يقول فيه :
اكتشف العلماء أن للمخ موجات ولكل موجة سرعة فى الثانية ففى حالة اليقظة يتحرك المخ بسرعة 13 –25 موجة في الثانية
وفى حالة الهدوء النفسى والتفكير العميق والأبداع يتحرك بسرعة 8 – 12 موجة في الثانية
وفى حالة الهدوء العميق داخل النفس يتحرك بسرعة 4 – 7 موجة في الثانية
وفى النوم العميق بسرعة 3 موجات، ونصف
كانت هذه المعلومات واضحة فى ذهنى وأنا أتنقل فى جناح أحد مؤتمرات التعليم فى
الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد لفت نظري جهاز كمبيوتر يقيس الموجات الدماغية الأربعة بكل دقة فاستأذنت فى أن أضع القبعة على رأسى لأرى أثر تلاوة القرآن على موجات دماغى ، فقرأت آية الكرسي وشاهدت على شاشة الكمبيوتر انتقال المؤشر من سرعة 25 موجة / ثانية إلى ما يقارب منطقة التأمل والتفكير العميقة،والراحة النفسية 8-12 موجة/ثانية .
استغرب صاحب الجهاز من هذ ه النتيجة وطلبت منه أن أقرأ القرآن على احد رواد المعرض الذي رحب بالفكرة وكانت النتيجة وأنا أقراء عليه أية الكرسي أكثر من مذهلة ،فقد رأيت -كما رأى الحاضرون معي- انخفاض موجاته الدماغية بشكل سريع الى منطقة 8-12 موجة /ثانية وحينما انتهيت من القراءة
قال لى :" قراءة جميلة ولو أنى لم أفهم منها شيئا ولكنها ذات نغمات مريحة … لقد أدخلتَ السرور على قلبى بكلام غريب لم أفهم منه حرفا واحدا … والحقيقة وأنا مغمض عينيَّ وأستمع الى كلمات القرآن حاولت أن أقلد هذه الكلمات داخل قلبى و لكننى لم أستطع
إنه كلام جميل ومريح !!! "
"ولقد تكرر نفس الشيء مرة أخرى :
فتحت ظل شجرة فى حديقة ريجنت بارك فى عاصمة الضباب لندن جلست مع أحد المشاركين فى دورة متقدمة فى علم البرمجة اللغوية وهو من الجنسية الأمريكية ودار هذا الحوار :
سألته - هل تعرف شيئا عن الإسلام ؟
فأجاب: *أعرف معلومات عامة عنه ولكن ليس بتفصيل وأنا شخصيا أبحث عن دين .
سألته -هل سمعت بالقرأن وهل تعرف عنه شيئا ؟
فأجاب: أعرف أنه كتاب المسلمين حاله حال الأنجيل عند النصاري ولكنني لم أسمع به من قبل .
سألته -حيث إنك لم تسمع تلاوة القرأن هل تمانع أن أقرء عليك بعضا من الأيات القرأنية ؟
فنحن المسلمون نؤمن أن لتلاوة القرآن أثراً فى النفس، فالقرآن عندنا معاني، وكلمات ،وصوت مؤثر !
• فأجاب: إننى متحمس لهذه التجربة … ليس لدى مانع!!!
فبدأت بتلاوة آية الكرسي وآية بعدها بما لدى من مهارات فى التجويد والترتيل تعلمتها من شيخ مسجد الهاجرى الشيخ عبد السلام حبوس حفظه الله وأثناء التلاوة لاحظت التالى:
. بدأ هذا الإنسان الذي كان جالسا باستقامة على الكرسي بالانحناء قليلا .. قليلا ،و بعد لحظات أغمض عينيه . ، ثم تغيرَت ملامح وجهه الى الهدوء، والخشوع ، والخضوع .
أحسست وأنا أتلو القرآن على هذا الإنسان وكأنني أقرؤه على مسلم من خلال تأثره السريع ، مما أعطانى راحة نفسية كبيرة وسعادة لا توصف !!!
وبعد أن انتهيت من التلاوة . ،جلسنا فى لحظة صمت ، ثم فتح عينيه … وإذا العينين حمراوتين وبدأت الدموع تترقرق ،والانشراح بادٍ على وجهه وهو يقول :
" لقد عزلتنى بتلاوتك الجميلة عن هذا العالم الذى
نعيشه ، إن لهذه الكلمات تأثير غريب على نفسي ".
سألته : هل فهمت شيئا من هذه التلاوة ؟
فأجاب: لقد تحدثت الآيات عن قوه عظمي هي قوة الرب التي تحتاج اليها فى السرَّاء والضراء والتي هى معنا فى كل وقت وكل حين وفى كل مكان ثم سترسل فى الحديث مفسرا ًالمعاني العامة لآية الكرسي !!!!.
فازداد عجبي كما ازدادت سعادتي وأنا أجرب أول مرة تلاوة القرآن علي شخص لم يسمع به من قبل ويتأثر هذا التأثر بل ويفهم المعاني وهو جاهل بالعربية !!!!!
قلت له أريدك أن تكتب هذه المعاني علي ورقة .
قال : سأكتبها بكل سرور .، وكان مما كتب عن هذه التجربة بيده :
إن مقدمتك من القرأن ، كانت ولازالت ذات أثر عظيم فى نفسي ، ولسوف أحمل تعابيرك الجميلة معي دائما .
سأحاول أن أعبر بكلماتي عن تجربتي لكلمات الرب .....رائع ممتع ! شكرا لك شكرا لك " (21)
سابعاً: منذ العام الرابع عشر، حتى السادس عشر:
في هذه المرحلة يمكننا أن نناقشه حول فكرة :
" هل يمكن أن يكون القرآن كلام بشر؟!!"
وأن نشجعه على أن يبحث عن المعلومات بنفسه ، ويتعاون مع أصحابه في عمل أبحاث حول إعجاز القرآن في شتى المجالات، وأن يتبادل معهم الأبحاث لتعم الفائدة بينهم،كما يمكن تشجيعهم جميعا ًعلى نشر هذه الأبحاث عبر البريد الإلكتروني، وفي المنتديات المختلفة، ويا حبذا لو كانوا يتقنون اللغات الأجنبية ،فعندئذٍ يمكنهم أن يترجمونها إلى هذه اللغات وينشرونها أيضا ًعلى شبكة الإنترنت ... ومما يشجعهم على ذلك أن نحيطهم علماً بالأجر الذي سيحصلون عليه بسبب ما يفعلونه إن كانت النية خالصة لله تعالى(/7)
كما يمكن أن نعقد جلسة أسبوعية تجمعه مع إخوته وأصحابه المقربين لنشرح لهم –في جو هادىء يسوده الود - الهدف من كل سورة من سور القرآن ، مع أسباب نزولها ، ويمكن الاستعانة في ذلك بأحد التفاسير مثل " صفوة التفاسير" ، بالإضافة إلى مجموعة كتيبات " خواطر قرآنية " للداعية الأستاذ عمرو خالد(22)
وبعد ذلك يمكنهم أن يمارسوا أي نشاط ترفيهي يفضلونه، مع تقديم الحلوى والمرطبات ، لنجعل من هذه الجلسة الأسبوعية شبه احتفال!!!! .
ومن خلال هذه الجلسات يمكننا أيضاً أن نوضح لهم معنى قول الله تعالى: " ولقد يسَّرنا القرآن للذِّكر فهَل مِن مُدَّكِر"؟!!
"ومن أدلة هذا التيسير أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يحفظه مئات الألوف من الناس صغارهم ،وكبارهم ؛ فالتوراة –على سبيل المثال - لم يستطع أن يحفظها سوى أربع: " موسى"،وهارون"،و"عُزير" ،و" يوشع" ..حتى أن التوراة حين ضاعت في سَبي بابل لم يستطع كتابتها سوى "عُزير" !!! ( 14)،
كما يمكن أن نحكي لهم قصصاً عن نماذج مشرِقة ، مثل النماذج التالية :
الطفل السوري"بهاء القصاب " الذي يحفظ القرآن الكريم ، بأرقام الآيات ،وكان ترتيبه الثامن على العالم من بين سبعين طفل في مسابقة دبي للقرآن الكريم ( 23)
***
وفيصل الرمضاني القطري الجنسية الذي حفظ ثلث القرآن وهو لا يزال في العاشرة من عمره ويتمنى أن يصبح عالما في القراءات( 24)
***
وأم صالح التي بدأت في حفظ القراًن في السبعين من عمرها، وقد بلغت الآن عامها الثاني والثمانين ( 25)
***
وأم طه الأردنية الأُمِّية التي لا تقرأ ولا تكتب ، ولكنها حينما تجاوزت الستين من عمرها ورأت أنها على حافة القبر ، تأثرت وقالت :" كيف سأقابل ربي وأنا لا أستطيع كتابة اسمه؟!"
فطلبت من إحدى قريباتها ان تعلمها كتابة لفظ الجلالة ( الله ) فبدأت تعلمها،ففرحت أم طه بذلك وأمسكت بالمصحف لتبحث عن كل لفظ الجلالة فيه ،فكانت ترى الصفحة أمامها طلاسم إلا لفظ الجلالة ، وكلما رأته فرحت به فرحاً شديداً ،وظلت هكذا تبحث عنه من أول المصحف إلى آخره، فلما رأت أن الأمر سهل ،طلبت من قريبتها أن تعلمها بقية الحروف العربية ، وفعلاً بدأت ولم تيأس حتى تعلمت قراءة القرآن نَظراً من أوله إلى آخره.!!!
ولكنها لم تقف عند هذا الإنجاز بل أرادت أن تحفظ ولو شيئاً يسيراً من القرآن ،فبدأت بالفعل ، وفي خلال سنتين ختمت كامل القرآن الكريم ، وكان الختم في رمضان الماضي"...(26)
***
و أبو سلطان العجلوني الأردني الذي أنعم الله عليه بنعمة حفظ القرآن الكريم خلال عامين وهو في السابعة والسبعين من عمره !!!( 27)
وأم الهدى الربيعي التي حفظت القرآن الكريم في خمس وأربعين يوما ً !!!( 28)
***
ومن المفيد أن نُخبر أبنائنا أن الهجمات الشرسة على القرآن الكريم لا تتوقف ، ومنها محاولة تشويهه وتحريفه، ولعل أشهرها –حتى وقت كتابة هذه السطور- هو ما صدر مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان :" الفرقان الحق" وهو قرآن (((جديد))) طُبعت منه آلاف النسخ ، و يُتوقع له أن يغزو العالم الإسلامي في خلال السنوات العشرين القادمة !!!!
كما ينبغي أن نوضح لهم أن الله تعالى قد تكفل بحفظ القرآن الكريم ، في قوله " إنَّا حنُ نزَّلنا الذِّكرَ وإنَّا له لحافِظون"
ولعل هذا يذكرنا بهذه القصة الطريفة :
" كان أحد المستشرقين يزور القاهرة منذ حوالي عامين ،فقال لأحد شيوخ الأزهر:" سننزع الإسلام من صدوركم"!!! فقال له الشيخ :"على رِسلِك"
ثم أخذه إلى الشارع، فلقيا أطفالاً فطلب منهم الشيخ أن يقرءوا-من الذاكرة- سوراً معينة من القرآن ، فقرأوا ،والمستشرق ينظر إليهم في دهشة بالغة، فلما أفاق من دهشته سأل :" هل كل أطفالكم يحفظون القرآن؟!! "
فسأله الشيخ:" وهل كل أبناءكم يحفظون كتبكم المقدسة ؟!!"
ثم أردف الشيخ:" مادام أطفال المسلمين يحفظون القرآن،فلن تستطيعوا أبداً أن تنزعوا الإسلام من قلوبنا"!!!!!( 14)
ماذا لو لم أبدأ مع طفلي منذ البداية ؟!!!!
إذا كان هذا هو حالك، فيمكنك أن تستعين بالله تعالى، وتدعوه في سجودك أن يشرح صدر أبنائك لحب القرآن والإقبال على حفظه وفهمه ، وتطبيقه، وأن يخلطه بلحمهم ودمهم ،
ثم تبدأ بالتدريج ، وبالرفق واللين ، مع كل منهم حسب مرحلته العمرية حتى يوفقك الله إلى مُبتغاك بفضله ، فإن استصعبتَ الأمر فتذكر قول الله تعالى :
"والذين َجاهَدوا فينا لنهديَنَّهُم سُبُلَنا"
وإن أصابك الفتور في منتصف الطريق فتذكر قول الله عز وجل:"
:" ومَن يُعظِّم شعائرَ الله ِفإنََّها من تقوى القلوب "
صدق الله العظيم .
وماذا لو لم أُرزق بأطفال حتى الآن ؟!!!(/8)
إن لم تكُن قد رُزقت بأطفال حتى الآن ، فاعلم أن لديك خيرٌ كثير يفتقد إليه غيرك، ونعمة من الله يغبطك عليها الآخرون - وأنت لا تشعر - وهي وقت الفراغ الذي يمكنك استثماره بما يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة ، من خلال إفادة أطفال المسلمين بما علِمت ، سواء كانوا من الأقارب أو الجيران ، أو التلاميذ، أو اليتامى في دور رعاية الأيتام أو في بيوتهم ،
فلا تتردد ، بل توجَّه إليهم ومد إليهم يدك ، فهم أحوج ما يكونون إليها، وأنت أحوج ما تكون إلى الأجر، فاقترب منهم وحاول أن تزرع في قلوبهم الصغيرة حب القرآن الكريم ، واستعِن بالله ، فهو خير مُستعانٌ به .
وأخيراً ،
فإن حب القرآن لهو شيءٌ عظيم ، لا يُرزقه إلا كل سعيد ، وإني لأرجو أن يكون أبنائي وأبناءكم –بعون الله وفضله – من أولئك السعداء ،
وأن يكون ذلك الحب شفيعاً لناولهم يوم القيامة
آمين .
والحمد لله ربِّ العالَمين
------------------
المصادر
1- د. محمد سعيد رمضان البوطي. منهج تربوي فريد في القرآن، مقال متاح على الرابط:
http://www.qudsway.com/Links/Islamyiat/7/Html_Islamyiat7/7hisl4.htm
2- حنان عطية الطوري الجهني. الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة ،مكتبة الملك فهد الوطنية ، 2001،ج1، ص.32)
3- سميحة غريب .كيف تربِّي طفلاً سليم العقيدة .- الإسكندرية : دار الدعوة ، 2003 .- 175ص.)، ص76
4- فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي.تربية الأولاد في الإسلام: الدرس 2/30 التربية الإيمانية ، متاح على الرابط:
(http://www.nabulsi.com/tarbya/awlad/awlad-2.html
5 - محمد سعيد مرسي فن تربية الأولاد في الإسلام ، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية ، 2001، ص98
6-الجنين يتذوق الطعام وهو في بطن أمه .مقال منشور على الصفحة الرئيسة لموقع لها أون لاين
www.lahaonline.com
7 - د.حسام عرفة .الجنين أيضاً يُصاب. بالاكتئاب! مقال منشور على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/adam-44/parent-2.asp
8-(نبيلة حمدي.أعاني من ضغط نفسي هل سيؤثر ذلك على جنيني؟ مجلة الأم والطفل، مايو-يونيو 2004، ص15-16)
9- ( محمد أحمد النابلسي .ذكاء الجنين .بيروت: : دار النهضة العربية 1988
10-أ. د.كريمان بدير . رعاية الطفل من الجنين حتى عامين ، عالم الكتب 2004، القاهرة،ص 117
11-خيرية صابر.حقوق الطفل في الإسلام ، مقال منشور على الرابط:
http://www.islamweb.net/family/sons/sons19.htm
12- صفي الرحمن المباركفوري. الرحيق المختوم ، ص.53)
13- ( محمد أحمد النابلسي .ذكاء الرضيع .بيروت: : دار النهضة العربية .
محاضرة مسجلة على شريط ينتجه " المركز الإسلامي العالمي للإنتاج والتوزيع "-بني ياس- أبو ظبي . ، كما أن هذه المحاضرة مكتوبة على الرابط التالي::4- د. يحي الغوثاني. طرق إبداعية في حفظ القرآن
http://www.bafree.net/forum/viewtopic.php?t=23936&postdays=0&postorder=asc&&start=0
15- (فن تربية الأولاد في الإسلام ،ص. 58)
16-قصة منشورة على الرابط: http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t=4431
17-قصة منشورة على الرابط :
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t
18-قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?s=&threadid=306
19-محمد سعيد مرسي. فن تربية الأولاد في الإسلام –ص.99
20-المشرفة.كيف نساعد الاطفال على تقوية الذاكرة والتذكر؟الصفحة الرئيسة لموقع "طفلي"
www.mynono.com
21- قصة منشورة على الرابط :
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t=1035
22- عمرو خالد .خواطر قرآنية ، القاهرة ، أريج للنشر والتوزيع، 2004، ستة كتيبات ،
وهي متاحة أيضاً على أشرطة مسموعة ، وتباع لدى www.sindbadmall.com
23- قصة منشورة على الرابط :
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t=5
24-قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?s=&threadid=5
25-قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t=4619
26-قصة منشورة على الرابط التالي:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t=4565
27-قصة منشورة على الرابط :
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t=3490
28- قصة منشورة على الرابط:
http://www.yah27.com/vb/showthread.php?t=354(/9)
كيف واجهوا عاهاتهم ؟!
الدكتور حسان شمسي باشا
تشير إحصائيات اليونيسيف إلى أن هناك أكثر من خمسمائة مليون معاق في العالم ، منهم 42 مليونا يعانون من إعاقة في البصر ، و 70 مليونا يعانون من إعاقة في السمع .
وقد يكون سبب تلك العاهات عوامل وراثية ، أو أمراضا تصيب الأم أو الطفل ، أو نتيجة حوادث وكوارث أو أمراض أتت في مرحلة من مراحل العمر .
والأدباء مثل كل المخلوقات ، ألمت بهم العاهات ، فمنهم من تلقاها بالصبر ورحابة الصدر، ومنهم من حزن وسالت دموعه ، ومنهم من سخر منها وتصدى لها .
وفي كل هذا وذاك أوحت إليهم تلك الإصابات شعرا ، وفاضت أنفسهم بشعر نضحت حروفه بالحزن والمرارة .
وقد ألف الصفدي كتابا عن العميان أسماه " نكت الهميان في نكت العميان " ، كما ألف الجاحظ كتابا بعنوان " البرصان والعرجان والعميان والحولان " ، أما نصير الجواهري وكارين صادر فقد ألفا معجما للأدباء ذوي العاهات . والحقيقة أن عاهة البصر شغلت أكبر حيز مما يمكن أن نسميه " أدب العاهات " . فهناك عدد كبير من الشعراء ممن أصيب بالعمى ونظم في عماه شعرا مؤثرا .
ومن المفارقات أن يصيب الجدري عددا من الشعراء في سن الطفولة ، ويخلف عندهم العمى الذي يرزحون تحت وطأته بقية عمرهم .
فهذا أبو العلاء المعري اعتل بالجدري في السنة الرابعة من عمره ، فعمي منه ، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة . ولم يمنعه العمى من أن يلعب النرد والشطرنج ، حتى أنه قال مرة : " أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر " . ولزم بيته وسمى نفسه رهين المحبسين ، أي حبس نفسه في منزله ، وحبسه بصره بالعمى . ولما مات وقف على قبره 84 شاعرا يرثونه . يقول عن عماه :
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل وفي فمي صارم بالقول مشهور
وهذا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وقد أصيب بالجدري في الثالثة من عمره فكف بصره . وكان يقرأ كثيرا لأبي العلاء المعري ، ويقلده في أحواله وتصرفاته .
أما الشاعر العراقي عبد الحميد الألوسي ( المتوفى عام 1324 هـ ) فقد عمي ولم يبلغ عامه الواحد بسبب إصابته بالجدري .
وممن أصيب بالجدري فعمي أبو البقاء العكبري عالم النحو الشهير وصاحب كتاب
" إعراب القرآن " و " إعراب الحديث " . وكانت طريقته في التأليف أن يطلب ما صنف من الكتب في الموضوع ، فيقرأها عليه بعض تلاميذه ، ثم يملي من آرائه وتمحيصه وما علق في ذهنه ، ولذلك قيل عنه إنه " تلميذ تلاميذه " .
وهذا بشار بن برد كان أعمى جاحظ العينين ، مجدور الوجه ، وقد قال في عماه :
عميت جنينا والذكاء من العمى فجئت عجيب الظن للعم موئلا
ومما اشتهر له قوله في الأذن التي أغنته عن العين :
يا قومي أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
ومن الأدباء والشعراء من عمي في سن متقدمة . فهذا صالح بن عبد القدوس الأزدي
( المتوفي سنة 160 هـ ) يقول في رثاء عينيه :
وكنت كريمتي وسراج وجهي وكانت لي بك الدنيا تطيب
على الدنيا السلام فما لشيخ ضرير العين في الدنيا نصيب
يمنيني الطبيب شفاء عيني وما غير الإله لها طبيب
إذا ما مات بعضك فابك بعضا فإن البعض من بعض قريب
وهذا الشاعر العباسي الفضل بن جعفر الذي لقب بالبصير لذكائه وفطنته .
يقول متفاخرا بنفاذ بصيرته :
لئن كان يهديني الغلام لوجهتي ويقتادني في السير إذا أنا راكب
فقد يستضيء القوم بي في أمورهم ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب
أما الإمام الشاطبي صاحب القصيدة المشهورة في القراءات والمعروفة بـ " الشاطبية " فقد كان ضريرا ، وكان إذا ما قرئ عليه البخاري ومسلم والموطأ يصحح النسخ من حفظه .
ويروى أن الأمير الأديب أحمد بن المختار ( المتوفى سنة 548 هـ ) مات له ابن فبكى عليه حتى ذهبت إحدى عينيه ثم تلتها العين الأخرى ، فقال في عينيه :
كأنما آلى على نفسه أن لا يرى شملا لاثنين
لم يكفه ما نال من مهجتي حتى أصاب العين بالعين
والرسول صلى الله عليه وسلم يذكر من فقد عينيه بعظم الجزاء إذا ما صبر على بلواه فيقول : " إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " يريد عينيه ، رواه البخاري .
آفات العين :
ومن الشعراء من كان أشتر العين ، والشتر هو انقلاب الجفن من أعلى إلى أسفل . وفهم الأشتر النخعي ، الشاعر والخطيب البليغ المتوفي سنة 37 هـ ، وقد ذهبت عينه في موقعة اليرموك ، ومن هنا كان لقبه الأشتر .
ومنهم أبو الحكم المغربي ( المتوفى عام 49 هـ ) وقد كان شاعرا وطبيبا أندلسي الأصل ، ولد في اليمن . وبسبب شتر عينه قال فيه عرقلة :
لنا طبيب شاعر أشتر أراحنا الله من طبه الله
ما عاد في صبحة يوم فتى إلا وفي باقيه رثاه
ويبين أبو الحكم كيف انشج وجهه وأصبح أشتر بعد أن وقع على الأرض وهو سكران فقال :
وقعت على رأسي وطارت عمامتي وضاع شمشكي وانبطحت على الأرض
وقمت وأسراب الدماء بلحيتي ووجهي وبعض الشر أهون من بعض(/1)
ومن الشعراء من أصيب بالعور ، ومنهم الراعي النميري ( المتوفى عام 90 هـ ) ، وكان شاعرا أمويا فحلا ، لقب بالراعي لكثرة ما وصف الإبل فأجاد .
ومنهم عامر بن الطفيل أحد شعراء الجاهلية وأسيادها . وكان أعور عقيما ، وفي ذلك يقول :
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
وعرف بأنه كان من ألد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال للرسول عليه الصلاة والسلام : ( تجعل لي نصف ثمار المدينة وتجعلني ولي الأمر من بعدك وأسلم ) ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم اكفني عامر وأهل بني عامر " . فانصرف ابن طفيل وهو يقول : لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا ، ولأربطن بكل نخلة فرسا ) ، إلا إنه مات في طريقه قبل أن يبلغ قومه .
صمم الأدباء :
ومن الأدباء من كان أصم لا يسمع ، ومنهم قفطان النجفي ( المتوفى سنة 1293 هـ ) وكان من أشهر أدباء النجف وأحد علمائها في النحو العروض . ورغم صممه كان يفهم المراد لأول وهلة من المتكلم ، ويفهم حركات شفتيه حتى أن المنشد كان يقرأ البيت فيسبقه إلى قافيته .
وهذا الشاعر المصري ابن الحباس الدمياطي ( المتوفى سنة 743 هـ ) لحقه صمم فقال :
إن قل سمعي إن لي فهما توفر معه سهم
يدني إلي مقاصدي ويروقك الرمح الأصم
أما الشيخ محمد حميدة المعروف بالشيخ حمدو الناصر الأصم ، صاحب تخميس البردة والمتوفى عام 1321 هـ ، فقد ذكر صاحب أعلام النبلاء بأنه اصطنع لنفسه مصاصة متصلة بماسورة معدنية ، وفي آخرها فنجان مثقوب فمن أراد أن يكلمه ، وضع الفنجان على فمه ، والمصاصة في أذن الأصم ، فيسمع بيسر أكثر .
وهذا مصطفى صادق الرافعي أحد كبار الكتاب وأدباء العصر الحديث ، ولم ينل سوى الشهادة الابتدائية ، إذ مرض بعدها بالتيفوئيد ، وأصيب بصمم في أذنيه ، وحبسة في صوته، وكان هذا سببا يباعد بينه وبين الناس من ناحية ، ويحثه على البحث والمطالعة من ناحية أخرى .
آفات الكلام :
ومن الأدباء والشعراء من أصيب بلثغة في نطقه ، أو حبسة في لسانه ، فهذا وصل بن عطاء كان أديبا بليغا ، وأشير إلى بلاغته وقدرته على التعبير ، رغم كونه مصابا بلثغة قبيحة ، كان معها يتحرج من النطق بحرف الراء ، ولكنه استطاع تجنب هذا الحرف ، فقال مثلا " الأعمى " ولم يقل " الضرير " ، وقال " الملحد " ولم يقل " الكافر " .
وأما الشاعر الشهير أبو تمام ، فيقال أنه لقبه أبو تمام يعود لحبسة شديدة في لسانه . وفي ذلك يقول مخلد الموصلي :
يا نبي الله في الشعـ ـر يا عيسى بن مريم
أنت من أشعر خلق الـ ـله ما لم تتكلم
ومنهم أفلح بن يسار المتوفى سنة 180 هـ وكان من الشعراء المجيدين ، إلا أنه كان يجمع في نطقه بين لثغة ولكنة ، فلا يكاد يفهم كلامه ، فكان يقول " زرادة " بدلا من
" جرادة " ، ويقول " أذن " ويعني بها " أظن " .
وأما الببغاء المخزومي الشاعر فقد عرف بالببغاء للثغة قبيحة كانت في لسانه .
العرج :
من أشهر العرجان أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان شاعرا وبطلا من أبطال قريش، عيرته بعض نسائه بالعرج فقال :
قالت عرجت فقد عرجت فما الذي أنكرت من جلدي وحسن فعالي
ويروى أن عبد الحميد بن عبد الرحمن والي الكوفة كان أعرج ، وكان قائد شرطته القعقاع بن سويد أعرج ، وكان كاتبه سليمان بن كيسان أعرج ، فخرج الثلاثة مرة ، وكان الحكم بن عبدل الشاعر أعرج أيضا فرآهم يخمعون فقال :
ألق العصا ودع التخادع والتمس عملا فهذي دولة العرجان
لأميرنا وأمير شرطتنا معا يا قومنا لكليهما رجلان
ومن العرجان أبو رائد الضبي ، ثم عمي ، ثم أقعد من رجليه ، فقال حين عمي ، وقد كان ابن حبيب وهب له عصا حين عرج ، وكان يمشي عليها :
وهبت عصا العرجان عونا ومرفقا فأين عصا العميان يا بن حبيب
فقد صرت أعمى بعد أن كنت أعرجا أنوء على عود أصم صليب
عاهات مكتسبة :
بعض الأدباء فقد طرفا من أطرافه ، فتأثر بذلك وصاغ شعرا ، فهذا عبد الله بن سبرة الشاعر الفارس قطعت بعض أصابعه في معركة الجسر أثناء فتح العراق ، فقال يرثي أصابعه
يمنى يدي غدت مني مفارقة أعزز علي بها إذ بان فانصدعا
فإن يكن أرطبون الروم قطعها فقد تركت بها أوصاله قطعا
ويروى أن امرأة من جيرانه عبث بها عطار ، فلما أضجرها قالت : لو أن عبد الله بن سبرة بقربي ما طمعت في . فبلغه مقالتها وهو في غزوة في أرمينية ، فترك مركزه ، وقدم الشام وقتل الرجل ثم رجع إلى مكانه من غزاته .
وهذا رافع بن الأقطع أمير العرب بنواحي بغداد وكان شاعرا فارسا ( توفي عام 427 هـ ) عرف بالأقطع لفقده يده في إحدى الحروب ، فكان يلبس كفا يمسك به العنان ، ويقاتل فلا يثبت له أحد .
وهذا حياض بن الأعور الشاعر الإسلامي قطعت رجله يوم اليرموك فآلمه ذلك كثيرا وبكاها شعرا صادقا ، ومن شعره يخاطب فرسه بعد أن قطعت رجله :
أقدم " حذام " أيها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره
أنا القشيري أخو المهاجره أضرب بالسيف رؤوس الكافره(/2)
نسأل الله لكم ولنا العفو والعافية ، فما سئل الله شيئا أحب من ذلك ..(/3)
كيف يتجنب الزوجان خطر الغيرة ؟!
خالد النجار 18/4/1427
16/05/2006
تعتبر الغيرة من أخص صفات الرجل الشهم الكريم , وإن تمكنها منه يدل دلالة فعلية على رسوخه في مقام الرجولة الحقة الشريفة , فالغيرة المعتدلة شيء مطلوب ومهم ، ومن لا يغار على أهله فهو ديوث ومطرود من رحمة الله تعالى ، فغيرة الرجل على أهله أن يأتين ما حرم الله أو يخلون مع غير ذي محرم ، أو يتحدثن مع أحد بخضوع في القول .. كل هذه غيرة محمودة ، بل واجبة لحماية شرفه وصيانة عرضه ، قال الحسن البصري: أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار
والغيرة تختلف من شخص لآخر ، فهي درجات متفاوتة عند البشر كل حسب شخصيته وصفاته النفسية وطريقة تربيته ، لكن الهوس في الغيرة والتشكك من كل شيء والنظر لشريك الحياة بعين الريب .. هذا ما يمثل لهيباً يحرق الحياة الزوجية ويجعل منها جحيماً لا يطاق , فالغيرة المفرطة ليست سوى تعبير عن اضطراب نفسي شديد أساسه عدم الثقة بالنفس وبالطرف الأخر , وإذا عدمت الثقة بينهما فتح باب الشك , وإن شك أحدهم بالأخر هدم الزواج .
أما كيف يتجنب الزوجان خطر الغيرة ؟ فيكون بالخطوات التالية :
1- لا يتبع الزوج ظنونه وشكوكه فيدفعه الشك تلو الآخر إلى عواقب وخيمة ، وإنما عليه أن يطرد تلك الأفكار الشيطانية , وأنه يعلم حال زوجته ويطمئن إلى سلوكها , وليطرد الشك إلى اليقين .
2- أن يقنع الزوج زوجته بالتزام الحجاب إن لم تكن ملتزمة به ، فستر الجسد فريضة إسلامية وهي تقي المجتمع من شرور التسول الجنسي ، ولست أدري كيف يغار الزوج على زوجته وهو يتركها تسير هكذا تلبس لباس الكاسيات العاريات ؟!! فالأولى له أن يلزمها بحجاب ربها بدلاً من النظر إلى من ينظر إليها بعين الغيرة والريبة .
3- على الزوجة أن لا تقوي شك الزوج أو تخالفه في نفسها وتعصي أوامره فتزيد شكوكه ، فلتتعامل معه على أنه شخص يمر بأزمة يحتاج إلى من يقف بجانبه ويحيطه بالعطف والحب والحنان ، فلترحب به دائماً ولتقابله بوجه بشوش ولا تنفعل عليه حين تجده يسألها عن أمر ما ، بل عليها أن توضح له كل شبهة فيطمئن بذلك ويطرد أفكاره ووسوسته .
4- أن تحترم المرأة آراء زوجها الخاصة بعلاقتها بالجنس الآخر سواء كانوا أقارب أو زملاء في العمل أو الجيران
5- لا جدال في أن الغيرة تزداد قوة وتفاقما بالسكوت عليها وعدم الجهر بها، فمثلا أنت أيتها الزوجة، لم لا تناقشين زوجك في أمر هذه الغيرة إذا باتت مشكلة من مشاكل حياتك الزوجية؟ فقد تكونين أنت السبب في إحجام زوجك عن مصارحتك بالحقيقة ، إذا لم يكن لغيرتك أساس حقيقي أو مبرر ؟ وأنت أيها الزوج ، هل أنت من أولئك الرجال الذين يتهكمون على زوجاتهم إذا ما رغبن في محادثتهم عما يشعرن به من الغيرة ، حتى لو كانت تلك المشاعر وهمية ؟ إن أول ما يجدر بالغيور فعله ، في سبيل الخلاص من غيرته، هو الإعلان عن شكوكه الخفية والإعراب عن ريبته بصراحة , ليستطيع بعد سماع وجهة نظر الطرف الآخر التأمل والتفكير فيما إذا كانت بواعث غيرته ,بوادر فعلية في تصرفات الآخر أو كانت من نبع خيال(/1)
كيف يتطهر المريض
1) يجب على المريض أن يتطهر بالماء فيتوضأ من الحدث الأصغر ويغتسل من الحدث الأكبر .
2) فان كان لا يستطيع الطهارة بالماء لعجزه أو خوف زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم .
3) كيفية التيمم: أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة يمسح بهما جميع وجهه ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض .
4) فان لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه أو ييممه شخص آخر .
5) إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء , فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه مسحا فيبل يده بالماء و يمرها عليه , فان كان المسح يؤثر عليه فانه يتيمم عنه .
6) إذا كان في بعض أعضاءه كسر مشدود عليه خرقة أو جبس فإنه يمسح عليه بالماء بدلا عن غسله ولا يحتاج للتيمم لأن المسح بدل عن الغسل .
7) يجوز أن يتيمم على الجدار أو على شيء آخر طاهر له غبار فإن كان الجدار ممسوحا بشيء من غير جنس الأرض كالبوية ( الأصباغ ) فلا يتيمم عليه إلا أن يكون له غبار .
8) إذا لم يمكن التيمم على الأرض أو الجدار أو شيء آخر طاهر له غبار فلا بأس أن يوضع تراب في إناء أو منديل ويتيمم منه .
9) إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية لأنه لم يزل على طهارته ولم يوجد ما يبطلها .
10) يجب على المريض أن يطهر بدنه من النجاسات فإن كان لا يستطيع صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه .
11) يجب على المريض أن يصلي بثياب طاهرة , فإن تنجس مكانه وجب غسلها أو إبدالها بثياب طاهرة , فان لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
12) لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة بل يتطهر بقدر ما يمكنه ثم يصلي ا لصلاة في وقتها ولو كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة يعجز عنها .(/1)
كيف يحب الرجال؟وكيف تحب النساء؟
ـ إن أساس العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة هي علاقة المودة والرحمة كما بينها الله سبحانه وتعالى ـ في كتابه العزيز في قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21].
والمودة والرحمة هي علاقة مزدوجة بين العلاقة العاطفية والارتباط الفطري بالحب من جهة وعلاقة الجسد من جانب آخر.
وكما كانت العلاقة العاطفية ركن العلاقة الزوجية الأول، ولما له أثر كبير في استمرار واستقرار هذه الحياة، فضلاً عن الاستمتاع بتلك الحياة وما له أكبر الأثر في السعادة الزوجية كان يجب أن تعرف كيف يحب الرجال والنساء.
ـ ولما كان الذكر غير الأنثى كما بين سبحانه في قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى} [آل عمران:36]، فالذكر غير الأنثى في كل شيء سواء كان هذا الفرق فسيولوجيًا [المكونات الجسدية] أو سيكولوجيًا نفسيًا].
الصفات النفسية للمرأة والرجل فيما له علاقة بالزواج: [التفاهم في الحياة الزوجية د/ مأمون مبيض]
هناك من يشبه بعض الجوانب النفسية للمرأة بأمواج البحر، حيث تتراوح عواطفها ومشاعرها بالارتفاع الشديد عندما تكون مسرورة مبتهجة، لتعود مشاعرها بالانخفاض عندما تنزعج، وتضعف ثقتها بنفسها، وما تلبث مشاعرها أن ترتفع من جديد، وهكذا كأمواج البحر المتقلبة.
ـ وعندما ترتفع مشاعر المرأة وتعظم ثقتها بنفسها، فإنها تكون مصدرًا لا ينضب للحب والتضحية والعطف والحنان للآخرين وخاصة زوجها، ولكن عندما تنخفض أمواجها وتشعر ببعض الاكتئاب، فإنها تحس بفراغ كبير في داخلها، وبأنها تحتاج إلى الحب والرعاية من قبل الآخرين، وخاصة زوجها. وهناك من يشبه انخفاض مشاعر المرأة وعواطفها وكأنها تنزل في بئر أو جُب عميق مظلم، وما تلبث المرأة بعد أن تصل إلى قاع البئر، وخاصة إذا شعرت أن هناك من يحبها ويتمناها، أن تبدأ رحلة الصعود للخروج من هذا البئر وتعود كما كانت نبعًا معطاءً من الحب والرعاية لمن حولها وخاصة زوجها. وبناءً على ما سبق فكيف يتكيف الرجل مع تقلب أمواج المرأة؟
ـ إن الحياة مليئة بالمتغيرات الكثيرة وخصوصًا العلاقة الزوجية، ويجب أن يفهم الرجل أن تبدل مشاعر المرأة على هذا النحو من الارتفاع والانخفاض، ونزولها إلى البئر وصعودها منه، ليس من تصرفاتها، بل هو سجية وخلقة خلقها الله عليها، ويجب أن يتعامل معها كما هي.
إذن من الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الرجل أن يمنع زوجته من تقلبات المشاعر والمزاج، أو أن يحاول أن يخرجها من ذلك البئر العميق.
بل المرأة عندما تنزل إلى ذلك البئر فإنها لا تحتاج إلى من يخرجها منه، وإنما تحتاج أن تشعر بأن زوجها بجانبها يحبها ويرعاها، وتحتاج أن تسمع منه كلمات الرعاية والعناية وأن تحسن بدفء الحب ولطف المعاملة.
إذن فالنزول إلى البئر هو أمر طبيعي كتبدل حالة الطقس والموج، وهي فرصة للرجل أن يقف بجوار امرأته ويظهر لها الدعم والتأييد والمحبة والمشاعر والفياضة تجاهها.
ـ إن من الصفات النفسية للرجل عمومًا أنه عندما ينزعج فإنه لا يتكلم أبدًا عما يشغل باله، وبدلاً من أن يدخل أحدًا في مشكلاته فإنه يلزم الصمت ويعتزل الناس في 'الكهف' ليفكر في حل مناسب لهذه المشكلات، وعندما يجد الحل فإنه يخرج من عزلته ومن الكهف وهو أكثر سعادة وبهجة.
وإذا لم يعثر على الحلول المناسبة، فإنه يحاول أن يقوم ببعض الأعمال التي يمكن أن تنسيه مؤقتًا هذه المشكلات، كقراءة صحيفة أو اللعب أو غير ذلك. وعلى المرأة أن تفهم أن أي ابتعاد للرجل عنها ليس دليلاً على عدم الحب والرعاية، بل يمكن أن يكون أمرًا آخر.
ـ وكما ذكرنا أن المرأة في الحب والعاطفة كموج البحر، كذلك فإن الرجل في علاقته مع المرأة أمر آخر، فهو يقترب جدًا من المرأة ثم يبتعد بلا سبب، ثم يقترب مرة أخرى.
ـ قد تفاجأ المرأة عادة عندما تلاحظ أن زوجها يبتعد قليلاً رغم قناعتها بمحبته وتقديره لها، والذي يجب أن تعلمه المرأة أن الرجل لا يقرر ذلك عمدًا وعن تخطيط، وإنما هي صفة تلازمه، وإنما هي جبلة خلقه الله عليها.
ـ وعلى الجميع أن يتذكر أن حب الرجل كالقمر يذهب ويأتي وأن حب المرأة كموج البحر صعودًا وهبوطًا، وأن المرأة تنزل إلى البئر وأن الرجل عندما تواجهه المشاكل يدخل إلى الكهف، وأن هذه أمور خلق الله الذكر والأنثى عليها ولا سبيل إلى تغييرها بل لا بد من التعامل معها كما هي.
الحاجات العاطفية للرجل والمرأة:
ـ لابد أن يعرف الرجل والمرأة أن الحاجات العاطفية لكل منهما تختلف عن الآخر، فمن الخطأ أن يقدم الرجل الحب والعاطفة للمرأة على الطريقة التي يفضلها هو لا على الطريقة التي تفضلها هي أو العكس. فلكل منهما طريقته الخاصة.
فالرجل مثلاً يحتاج إلى الحب الذي يحمل معه الثقة به وقبوله كما هو، والحب الذي يعبر عن تقدير جهوده وما يقدمه.
ـ بينما تحتاج المرأة إلى الحب يحمل معه رعايتها وأنه يستمع إليها، وأن مشاعرها تفهم وتقدر وتحترم.(/1)
ويمكن أن نذكر تلك الحاجات فيما يلي:
1ـ ثقة المرأة بالرجل ـ رعاية الرجل للمرأة:
ـ عندما تثق المرأة في قدرة زوجها، فإنه يصبح أكثر رغبة في رعايتها وخدمتها.
وكذلك عندما يقوم الرجل برعاية زوجته فإنها تصبح أكثر قدرة على الثقة العميقة به وبإمكاناته.
2ـ قبول المرأة للرجل ـ تفهم الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل أن يشعر بأن زوجته تتقبله كما هو، دون أن تحاول تغييره، وتترك له أمر تحسين نفسه إذا احتاج لذلك.
ـ وتحتاج المرأة أن تشعر بأن زوجها يستمع إليها ويفهمها، ويصغي إليها وإلى مشاعرها وعواطفها، وهناك دورة لكل من قبول المرأة للرجل وتفهم الرجل للمرأة، فكلما تقبلت المرأة زوجها، كلما كان أقدر على الاستماع إليها وتفهمها، وكلما استمع إليها أكثر، كلما زاد تقبلها له .. وهكذا.
3ـ تقدير المرأة للرجل ـ احترام الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل أن يشعر أن زوجته تقدر ما يبذله من أجلها وما يقدمه لإسعادها.
ـ بينما تحتاج المرأة أن تدرك أن زوجها يحترمها عندما يعطي أهمية أولى لمشاعرها وحاجاتها ورغباتها وأمانيها وذلك من خلال تذكر المناسبات الهامة لها، القيام بالأعمال المادية التي تظهر اهتمامه بها كالهدية أو باقة الورد.
4ـ إعجاب المرأة بالرجل ـ تفاني الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل إلى الشعور بأن زوجته معجبة به، وعندما يشعر الرجل بإعجاب زوجته به، فإن هذا يدفعه للتفاني أكثر في خدمتها ورعايتها.
ـ بينما تحتاج المرأة للشعور بأن زوجها يتفانى في خدمتها ويسخر نفسه لرعايتها، وحمايتها، وسيزداد إعجاب المرأة بزوجها عندما تشعر بأنها رقم واحد في حياته.
5ـ تشجيع المرأة للرجل ـ طمأنة الرجل للمرأة:
ـ يحتاج الرجل إلى تشجيع المرأة، وهذا التشجيع يعطي الدافع القوي للبذل والعطاء أكثر.
ـ بينما تحتاج المرأة إلى استمرار طمأنة الرجل لها، ويكون ذلك من خلال إظهار رعايته وتفهمه واحترامه لها، وإقراره لمشاعرها وتفانيه في حبها ورعايتها.
كيف تحسب النقاط عند الجنسين؟
من المهم أن يفهم كل من الرجل والمرأة كيف يحسب كل منهما النقاط للآخر، فالرجل عادة يتصور أنه سيحقق نقاطًا أكثر ويزداد تقدير شريكة حياته له إذا قدم لها شيئًا كبيرًا، كأن يشتري لها سوارًا من ذهب أو يوفر مصروفات المدرسة لأبنائه.
والمرأة تحسب النقاط على نحو مختلف، إذ لا أهمية لديها لحجم هدايا الحب، فكل هدية تساوي نقطة واحة، فالطريقة التي تحسب بها المرأة النقاط ليست مجرد عملية تفضيلية ولكنها احتياج حقيقي لكي تشعر بالحب في علاقتها.
إذن لا شيء أهم من المشاعر بالنسبة للمرأة، وأي رجل يريد إسعاد زوجته، يجب أن يعرف كيف يدير مشاعرها.
والرجل الذي يهين زوجته أمام الناس أو أمام أهله وأولادها، فهو حقيقة رجل بلا شعور.
إعداد :فريق الاستشارات التربوية بموقع مفكرة الإس(/2)
كيف يستثمر المسلم ماله بعيداً عن شبهات الربا
إن الله تعالى جعل المال عصب هذه الحياة، وأداة التفاعل بين الناس، وجعل الأولاد ثمرة القلب وقرة العين. وجعلهما معاً زينة الحياة الدنيا فقال سبحانه وتعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا} [الكهف: 46].
وأثبت الواقع أن الناس حين يضعف إيمانهم يفتنون بأموالهم وأولادهم عن طاعة الله تعالى، لذلك حذر الله تعالى المؤمن من ذلك واعتبر ذلك خيانة لله ولرسوله، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
لذلك كان لزاماً على كل مسلم أن يتقي فتنة المال ويبتعد عن الحرام بكل صوره، فدورة المال في حياة المسلم أشبه بالنهر في منبعه ومجراه ومصبه، فالمال منبعه الاكتساب ومصبه الإنفاق ومجراه ما بين ذلك وهي فترة تملك الإنسان له، والعبد يحاسب على كل مرحلة من هذه المراحل، ومن أعظم فتن المال اكتسابه من حرام، وطرق الحرام كثيرة ومتعددة ومنها "الاختلاس والسرقة والغلول والرشوة وأكل الحرام وأكل مال اليتيم والغش"، ومن أبرزها استثماره أو اقتراضه الربا.
وبهذا صار المال من أعظم الفتن، لأنه إذا بدأت الفتنة من منبعه فإنه لا يُرجى منه خير بعد ذلك، ومن أراد أن يتقي فتنة المال من منبعه يجب أن يكسبه من حلال، وطرق الحلال كثيرة ومتعددة، كما يجب على المسلم التقي أن يكون حريصاً على الالتزام بشرع الله في معاملاته المالية لأن كل شيء سيحاسب عليه مرة واحدة إلا المال سيُحاسب عليه مرتين، مرة عند اكتسابه ومرة عند إنفاقه، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا فعل به" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر).
أين نستثمر أموالنا؟
لقد أثارت فتنة إيداع الأموال في البنوك التقليدية الكثير من الجدل بين الفقهاء، وترتب على ذلك أن بعض الذين كانوا يستثمرون أموالهم في هذه البنوك بدءوا فعلاً في سحبها منها تجنباً للشبهات ملتزمين بحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إن الحلال بين وإن الحرم بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، ووصيته صلَّى الله عليه وسلَّم التي يوصينا فيها: "دع ما يريبك إلا ما لا يريبك".
ويتساءل المسلمون: أين نستثمر أموالنا؟ ويوجد منا الموظف والأرملة والمحال إلى المعاش، وغير ذلك من الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض وهم الآن يودعون أموالهم في البنوك التقليدية بفائدة للحصول على إيراد يعينهم على الحاجات الأصلية للحياة مثل المأكل والمشرب والعلاج والتعليم والمسكن... ونحو ذلك.
كما ظهر سؤال آخر: هل معاملات المصارف الإسلامية حلال؟ وخصوصاً في ظل ما يُثار حولها من شبهات، ومنها: أنها تتعامل مع البنوك التقليدية، وأنها تودع بعضاً من أموالها لدى البنك المركزي، وأنها توزع عائداً قريباً من الفائدة التي توزعها البنوك التقليدية، وأن بعض الموظفين فيها يدعون بأنه لا توجد فروق جوهرية بينها وبين البنوك التقليدية، وأنه لا فرق بين التمويل بالمرابحة لشراء سلعة وبين الاقتراض بفائدة من البنوك التقليدية.
كل هذه التساؤلات وغيرها تحتاج إلى إجابة لمن يريد الاستثمار والتمويل وهذا هو القصد من هذه الدراسة.
حيرة ولبس
لقد انقسم المسلمون إزاء التساؤلات السابقة إلى فرق على النحو التالي:
1 – فئة لا تعطي أي اعتبار للحلال والحرام ويهمها العائد الكبير على رأس المال، وتفصل بين الدين والحياة، وبين العبادات والمعاملات، وتقول: "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وتتعامل مع أي بنك سواء كان وطنياً أو أجنبياً، يهودياً أو إسلامياً، المهم عندها أن تحصل على أقصى ربحية أو عائد بأي وسيلة حتى ولو بطرق غير مشروعة، وهؤلاء لا يهمهم النواحي الشرعية لاستثمار المال.
2 – فئة تتبع الفتوى التي تتفق مع هوى النفس وتقول: "ضعها في رقبة عالم واخرج سالم"، ولا تريد أن تبذل أي جهد للبحث عن الأدلة والحقيقة، أن تجنب الشبهات، وتميل إلى الأخذ بالرخص.(/1)
3 – فئة ورعة تتجنب الشبهات وتضع حاجزاً من الحلال بين الحرام والمشتبه فيه، وهي الفئة التي دخل الخوف من الله إلى قلبها وتريد أن تتحرى الحلال وتستشعر قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 279]، وقوله عز وجل: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، وقول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: "لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه" (رواه مسلم)، وهذه الفئة هي التي يهمها تماماً أن تعرف الحق فتتبعه وتعرف الباطل فتتجنبه، وتدعو الله سبحانه وتعالى دائماً بالدعاء المأثور: "اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك".
لقد أصاب هذه الفئة الخوف والوجل والحيرة والشك، وتسأل كيف تستثمر المال بعيداً عن الشك والريبة؟ كما ترفض الفتوى التي لا سند لها من القرآن أو السنة أو من أقوال الفقهاء من الخلف أو السلف، وهذه الفئة هي التي تعنينا في هذه الدراسة ونحاول أن نوضح لها الأحكام والمبادئ والضوابط الشرعية لاستثمار المال وتمويل المشروعات على النحو التالي.
الضوابط الشرعية لاستثمار المال
في ظل انتشار وسائل توصيل العلم للناس من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة ومنها شرائط الكاسيت والفيديو والحاسوب والإنترنت والقنوات الفضائية، يجب على المؤمن التقي الذي يخشى الله أن يبحث عن الأدلة القوية لكل رأي، ويختار الرأي الذي يرتاح إليه قلبه، وفقاً لوصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "الإثم ما حاك في صدرك وتخاف أن يطلع عليه الناس"، ووصيته صلَّى الله عليه وسلَّم التي يوصي فيها "استفت قلبك" ولا ينبغي ولا يجوز شرعاً أن نقول: "ضعفها في رقبة عالم واخرج سالم".
ولقد اتفق الفقهاء من السلف والخلف على مجموعة من الضوابط المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية لاستثمار الأموال بعيداً عن الربا، ومن أهمها:
- استثمار المال في مجالات الحلال الطيب: المشروعية والطيبات.
- فقه الأولويات: الضرورات فالحاجيات.
- المشاركة في الربح والخسارة وهو ما يسمى في الفقه "الغنم بالغرم".
- المحافظة على المال لأنه قوام الحياة ولا يجب تعريضه للهلاك.
- تنمية المال حتى لا تأكله الزكاة "الصدقة" بالاستثمار وحبسه عن التداول.
- لا كسب بلا جهد ولا جهد بلا كسب، وذلك عند تفاعل ومشاركة المال مع العمل.
- ربط العوائد بالمخاطر وكلما زادت المخاطر زادت العوائد ولا ربح حلال بدون مخاطر.
- ضوابط أخرى كثيرة يضيق المقام لبيانها ولكن نكتفي بما نحتاجه الآن في هذه الدراسة.
لذلك يجب على من يخشى الله ويتقه أن يلتزم بهذه الضوابط قبل أن يقدم على استثمار أمواله، كما يجب عليه تجنب هوى النفس التي أحياناً يزين لها الشيطان الحرام الكثير فتقدم عليه ولا تبالي بأن الحلال القليل فيه البركة من الله.
البواعث والدوافع الذاتية لاستثمار المال بالحلال
من البواعث والدوافع والحوافز التي ترشد وتوجه المسلم المؤمن التقي إلى الاستثمار الحلال الطيب ما يلي:
- الإيمان العميق القوي بأن المال مال الله وأنه مستخلف فيه، ولذلك يجب أن يكون استثمار المال وفقاً لشرع الله المالك الحقيقي لهذا المال.
- الإيمان الصادق الراسخ بأن الله يبارك في الحلال الطيب القليل ويمحق الخبيث ولو كثر.
- الإيمان بالمحاسبة الأخروية مع الله يوم القيامة، وأننا سنسأل لماذا استثمرنا أموالنا بالربا وفي الخبائث؟ مصداقاً لقوله تعالى في آخر آيات الربا: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، وقول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه" (الترمذي).
- الإيمان بأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى.
كيف تستثمر مالك بالحلال(/2)
لقد فتح الله أبواباً شتى من الحلال الطيب ليستثمر من خلال المال، فلا يستوي ولا يتماثل الربح الحلال الطيب مع الربا الحرام.. لقد قالوا ومازالوا يقولون {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}، فرد الله عليهم يقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، ومدلول ذلك: لقد أحل الله الربح الناتج من البيع والشراء، وحرم الربا الناتج من مبادلة مال بمال وزيادة بدون أن توجد سلعة أو خدمة ليتم التعامل عليها بما كان يتعامل العباس عم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قبل الإسلام حيث كان يمول التجار بالربا، ونهاه الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك. ومن أمثلة الوسائل الحلال لاستثمار المال على سبيل المثال ما يلي:
أولاً: الاستثمار الذاتي:
أي أن يقوم صاحب المال بتشغيل ماله بنفسه، أو يشتري به محلات تجارية ويؤجرها... أو يشتري سلعاً معمرة للمستقبل، ويجب أن يضع الفرد نصب عينيه دائماً تنمية ماله ولا يتركه عاطلاً، كما يجب أن يوقن تماماً أن مجالات الاستثمار الحلال مفتوحة ميسرة والمحرمة هي الذي ورد نص يحرمها، كما يجب أن يتأكد من الحلال في مجال الاستثمار من تطبيق القاعدة الشرعية وفي الوسيلة إليه مع مشروعية الغاية ومشروعية الوسيلة، وهذه الصيغة من صيغ استثمار المال تصلح لمن عنده خبرة في مجالات الأعمال ولا تصلح لمن لا يستطيعون ضرباً في الأرض مثل الموظفين والأرامل والشيوخ ونحوهم.
ثانياً الاستثمار عن طريق نظام المضاربة
الإسلامية "فكرة توظيف الأموال المشروعة":
وهو نوع من أنواع المشاركة بين صاحب رأس المال وصاحب العمل، حيث يتوفر لدى الأول رأس المال وتنقصه الخبرة العملية أو يصعب عليه القيام بممارسة الخبرة العملية أو يصعب عليه القيام بممارسة المعاملات، ويتوفر لدى الثاني الخبرة والمقدرة على ممارسة نشاط المعاملات سواء أكانت تجارية أم زراعية أم صناعية أم خدمية ويتفقان سوياً على توزيع عائد ربح عمليات المعاملات الفعلية كل فترة زمنية بينهما بنسبة يتفقان عليها "أي تطبيق قاعدة الغنم بالغرم".
وهناك شروط مختلفة لعقد المضاربة الإسلامية، ولكن قد تتخذ أشكالاً مختلفة وكل أشكالها مشروعة ما لم تكن في أي منها مخالفة لنص شرعي، ويرجع في ذلك إلى فقه المضاربة في كتب الفقه.
ومن الضوابط الشرعية للمضاربة الإسلامية ما يلي:
- أن تكون في مجال الحلال الطيب.
- أن لا يضمن صاحب العمل رأسمال المضارب.
- أن لا يضمن صاحب العمل ربحاً محدداً مسبقاً لصاحب المال.
- يضمن صاحب العمل لصاحب المال التعدي والإهمال.
- لا يشترك صاحب المال في الإدارة بل له حق الإشراف والمراقبة.
ولكي يمكن تطبيق هذه الوسيلة أو الصيغة يجب أن يتوافر في صاحب العمل الأمانة والصدق والكفاءة الفنية، وهذا يتطلب من صاحب المال أن يختار من يخافون الله ولديهم الخبرة والحنكة والبصيرة.
ثالثاً: استثمار المال بطريق المشاركة (نظم الشركات: تضامن – توصية – محاصة):
يُقصد بالمشاركة هنا أن يشترك اثنان أو أكثر في تجارة أو صناعة أو زراعة أو تقديم الخدمات للغير كل منهم يقدم مالاً وعملاً، على أن يقتسما ما يسوقه الله إليهم من ربح حسب ما يتفقا عليه، وإذا خسرا توزع بينهم الخسارة بنسبة حصة كل منهم في رأس المال.
وتتعدد صور ونظم المشاركة حسب طبيعة الشركاء والعمليات التي سوف يقومون بها، وفي ضوء القاعدة الشرعية: أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة ما لم يصطدم بنص شرعي يوجب التحريم، فكل المشاركات حلال، فمنها المشاركة الثابتة ومنها المشاركة المنتهية بالتمليك، ويعتبر استثمار الأموال طبقاً لنظام المشاركة من أهم الطرق المشروعة لملاءمتها مع طبيعة المشروعات الاقتصادية المعاصرة، وهناك صور مختلفة للمشاركة أجازها فقهاء الإسلام مثل شركات التضامن والتوصية البسيطة والمحاصة وشركات الصنائع، وشركات الوجوه، وأي صورة أخرى مستحدثة تتفق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
ومن متطلبات هذه الصيغ وجود الشريك الأمين الصادق الكفء ومجال الاستثمار الحلال الطيب، كما يجب أن تكتب العقود وتوثق، ويوضح فيها شروط الإدارة وتوزيع الأرباح والخسائر والتصفية، والتخارج أو نحو ذلك، وهذه الشركات هي قوام النشاط الاقتصادي والتنمية الشاملة للمجتمع وتعالج مشكلة التضخم، لأن الأموال تكون مستثمرة في أصول عينية.
رابعاً: استثمار المال عن طريق المساهمات في رؤوس أموال الشركات المساهمة:
تعتبر شركات المساهمة وما في حكمها من صيغ الاستثمار التي أجازها الفقهاء المعاصرون لأنها تقوم على أساس قاعدة المشاركة في الربح والخسارة "الغنم بالغرم" بشرط أن تعمل في مجال الحلال الطيب ووفقاً للأولويات الإسلامية.(/3)
ورأسمال الشركة المساهمة مقسم إلى حصص يطلق على كل حصة سهم، ويعتبر حامل السهم شريكاً في صافي الموجودات "أصول" الشركة، وفي نهاية كل فترة مالية تحسب النتائج، فإذا كانت ربحاً يوزع على حملة الأسهم بضوابط قانونية ونظامية وإذا تحققت خسارة يتحملها حملة الأسهم بحسب ما يمتلك كل منهم، ويعتبر التعامل في الأسهم العادية حلالاً متى كانت الشركة المصدرة له تتعامل في الحلال.
وتعتبر الشركات بصفة عامة والشركات المساهمة بصفة خاصة من دعائم الأنشطة الاقتصادية بصفة خاصة من دعائم الأنشطة الاقتصادية في أي دولة وبدونها يكون الكساد والتخلف، وتحاول الدول وضع النظم وسن القوانين لتشجيع هذا المجال من الاستثمار.
كما تعتبر الأسهم من أهم الأوراق المالية التي يتم التعامل عليها في سوق الأوراق المالية حيث تسهل من انسياب الأموال لتمويل المشروعات وهذا ما تسعى الدول لتحقيقه.
وهنا يجب على دعاة المصالح المرسلة من الفقهاء أن يشجعوا هذا النوع من الاستثمار ولا يصدوا عنه لأنه أفضل من إيداع الأموال في البنوك بفائدة، ولأن المصلحة الحقيقية للوطن هي تشجيع إنشاء الشركات وحث الناس على شراء الأسهم الحلال بدلاً من تخزينها في البنوك بفائدة وفقاً لنظام المتاجرة في الديون، وهناك فروق جوهرية بين الربح الحلال الناتج من الأسهم وبين الربا الناتج من إيداع المال لدى البنوك التقليدية.
خامساً: استثمار الأموال بنظام المضاربة الإسلامية مع البنوك الإسلامية:
لقد أسست المصارف الإسلامية على أساس تجميع المال بصيغة المضاربة الإسلامية، فالعقد الذي بين المستثمر وبين المصرف الإسلامي هو عقد مضاربة يقوم على أساس قاعدة "الغنم بالغرم" أي المشاركة في الربح والخسارة، ويقوم المصرف الإسلامي بتشغيل تلك الأموال واستثمارها مع الغير بصيغ المشاركة والمرابحة والإجارة والاستصناع والسلم ونحو ذلك، وما يأتي من ربح يوزع بينه وبين أصحاب الأموال وتقوم هيئات الرقابة في المصارف الإسلامية بالاطمئنان إلى أن هذه المعاملات تتم وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وتغطي بذلك شهادة تنشر مع القوائم المالية.
من هنا نجد أن العقود التي بين أصحاب الأموال "المستثمرين – المودعين" وبين المصرف الإسلامي هي عقود مضاربة لا يضمن فيها المصرف ربحاً معيناً ولا يحدده مقدماً بل يعرف بعد استثمار هذه الأموال في تمويل المشروعات ومعرفة الأرباح الفعلية التي تُقسم بينهم وبين المصرف وذلك في نهاية كل فترة مالية.
وبالرغم من الشبهات والأخطاء التي تقع فيها بعض المصارف الإسلامية في بعض الدول العربية والإسلامية والأجنبية إلا أنها في مجملها أفضل من إيداع الأموال في البنوك التقليدية التي هي موضع شك وريبة ولا يطمئن إليها كثير من الناس.
وفي هذا المقام نناشد المسؤولين عن المصارف الإسلامية بأن يتقوا الله في معاملاتهم، كما نطلب من هيئات الرقابة الشرعية بذل المزيد من الجهد في الرقابة الفعالة لتأكيد الثقة وتجنب الشك وسد الذرائع أمام الناس.
استثمار الأموال من خلال المؤسسات التعاونية
تقوم المؤسسات التعاونية المختلفة على نظام المساهمة والمشاركة وفقاً لأسس معينة ولا تختلف هذه المؤسسات عن نظام الاستثمار في الشركات إلا من حيث نظم العمل والإدارة حيث تقوم على أساس قاعدة المشاركة في الربح والخسارة "الغنم بالغرم" وعدم ضمان ربح معين، ومن أمثلة ذلك تعاونيات الإسكان وتعاونيات النقل وتعاونيات التعليم وتعاونيات التأمين.
وهناك صيغ استثمار أخرى للمال يضيق المقام لبيانها مثل المزارعة والمساقاة والسلم والاستصناع والإجارة المنتهية بالتمليك، وما ذكر كان على سبيل المثال لا الحصر.
حقائق وثوابت حول الاستثمار وفقاً للشريعة الإسلامية يجب على المسلم المؤمن التقي الوجل الذي يبحث عن كيفية استثمار ماله أن يوقن الثوابت الآتية:
- لقد أحل الله الربح الناتج من الأنشطة المختلفة الحلال الطيبة وحرم الربا الناتج من مبادلة مال بمال وزيادة.
- يمحق الله سبحانه وتعالى بركة المعاملات الربوية مصداقاً لقوله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا}.
- تجنب المعاملات التي فيها شبهات، "فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، فاتق الله أيها المستثمر، والتزم بوصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
- عندما يحرم الله باباً من المعاملات المالية يفتح أبواباً شتى من الحلال فهو سبحانه وتعالى الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
- يجب التحري والاطمئنان إلى الأدلة الشرعية التي يرتاح إليها قلب الإنسان.
- لقد خُتمت آيات الربا بالتذكير بالإيمان والتقوى {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}.
الاقتصاد الإسلامي / ربيع الآخر 1426هـ العدد 289
الدكتور / حسين شحاتة – خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية(/4)
كيف يسترجع المسلمون عزتهم ...
كان أجدادنا المسلمون إذا وقعت عليهم هزيمة من قبل الأعداء .. كانوا يفتشون في أنفسهم ويبحثون عن سبب هذه الهزيمة التي حلت عليهم ، فإذا وجدوا في أنفسهم مخالفة لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في شأن من شئونهم سارعوا بتغييرها والتحول عنها إلى متابعة السنة وتربية الأمة ..
ومع أنهم كانوا أقل من أعدائهم عدداً وعدة إلا أنهم بعد تنفيذ هذه الخطوة كان الله ينصرهم سبحانه وتعالى .. تحقيقا لما ذكره في كتابه : ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ..
وهذه خطوات عملية من أجل استجلاب النصر للأمة المسلمة إن شاء الله :
1- حاول جاهدا الآن وفورا الإقلاع عن المعاصي التي ترتكبها وتداوم عليها ، واسأل الله عز وجل أن يعينك على الإقلاع عنها... ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ) ...
2- حافظ على الصلاة جماعة في المسجد خمس مرات في اليوم .. وخاصة صلاة الفجر .. ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ...
3- حاول أن تتصدق على الفقراء والمساكين ولو بشيء بسيط جدا من مالك .. فإن : « صدقة السر تطفئ غضب الرب » ..
4- احرصي على الاحتشام والحجاب الكامل من الآن .. ولا تقولي سوف أفعل ذلك غدا ..
5- احرص على تربية أولادك تربية إيمانية حقة ليكونوا مثل أولاد الصحابة ويكونوا جيلا أفضل من جيلنا ..
6- أكثر من صلاة النافلة كل يوم ..
7- اؤمر أصحابك وأهلك بالمعروف بطريقة حسنة جميلة وذكرهم أن الأمة في حاجة إليهم وذكرهم بأن تكون أنت ويكونوا هم مثل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا وعملا ..
8- افعل ما أمرك الله به من إعداد نفسك وولدك نفسيا وبدنيا وعلميا ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ..
9- احرص على الإخلاص في عملك .. سواء كان دراسة أو صناعة أو زراعة وتعلم فقه أي شيء تعمله ، فليتعلم الزارع فقه الزراعة وليتعلم التاجر فقه التجارة وليتعلم الطالب فقه طلب العلم ..
10- ذكر إمام مسجدك أن يجمع الناس في المسجد كل يوم بعد صلاة المغرب ويقرأ عليهم درسا من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويمكنه أن يسترشد في ذلك بكتاب " المسجد وبيت المسلم " للشيخ أبي بكر الجزائري ....
11- ساعد في نشر الخير بأي وسيلة مباحة تستطيعها ..
12- أكثر من الدعاء أن يثبتك الله على هذا الطريق وتضرع إلى الله عز وجل ..
13- ثق في نصرة الله عز وجل لعباده المؤمنين الصادقين ..
14 - لا تيأس ولا تقنط من طول الطريق ومشقته فإن الفساد قد عم الأمة منذ سنين طويلة ويحتاج تغييره لوقت ..
وفي النهاية .. إذا وجدت أن المسلمين يجتمعون للصلاة مع كل أذان في المسجد كما يجتمعون لصلاة الجمعة وأنه قد فشا فيهم العلم وساد الدين .. فاعلم أن النصر قاب قوسين أو أدنى إن شاء الله ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(/1)
كيف يستعد عباد الرحمن لشهر القرآن؟
تحقيق: صبحي مجاهد وأحمد شيخون ... 27/09/2005
ننتظر كل عام شهرا كريما مباركا، أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. يتسابق فيه المسلمون بالتقرب إلى الله، والسعي لنيل رضاه، إلا أن كثيرا منا بحاجة إلى معرفة أفضل الوسائل لاستقبال هذا الشهر العظيم.
وعن الاستعداد للشهر الفضيل تقول نرمين عبد الله- باحثة: أنا حريصة على شهر رمضان؛ لأنه فرصة ذهبية للخير؛ لذلك فأنا لا أنتظر حتى أجد نفسي في رمضان دون تهيئة نفسية وروحية؛ بل استعددت له بوضع برنامج إيماني يشمل الصلاة والذكر والقيام والدعاء، بالإضافة إلى الصحبة الصالحة، وتجديد نية التوبة إلى الله في كل عام.
وتضيف نرمين: هذا العام قررت أنا وبعض صديقاتي أن نلتقي مرتين كل أسبوع في أحد المساجد القريبة من منازلنا حتى نشجع بعضنا؛ وذلك لقراءة آيات من القرآن الكريم؛ امتثالا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها. لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".
وتستطرد نرمين قائلة: هناك العديد من فرص التقرب إلى الله في هذا الشهر الكريم. وأهم العبادات التي أحرص عليها في رمضان الدعاء؛ حيث أكثر منه في الليل والنهار، وأكثر من الإلحاح على الله لعله يستجيب دعائي، وأنا في هذا مؤمنة بقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم دعوة لا ترد". وأتمنى ألا ينسى كل مسلم إخوانه المسلمين في فلسطين والشيشان والعراق وأفغانستان من صالح دعائه في رمضان.
أما (عبد الفتاح النمر– تاجر) فيستعد لاستقبال الشهر الكريم بطريقة مختلفة؛ حيث يقول: أجهز مجموعة من الأوراد والأذكار كل عام قبل بدء رمضان بأيام، وأبدأ في الاستيقاظ خلال ساعات الليل من أجل صلاة ركعتين مصداقا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ركعتان في جوف الليل يكفران الخطايا". كما أكثر من الابتهال إلى الله في السحر. وعندما أواظب على هذه العبادة الليلية قبيل رمضان بأيام فأنا أعود نفسي على الاجتهاد للقيام وقراءة الورد القرآني.
وفي السياق نفسه تقول (ولاء حمزة– محررة بأحد المواقع الإلكترونية): "رمضان مليء بالنفحات التي يجب أن نستثمرها في إعادة بناء أنفسنا من جديد، وهو فرصة يهديها الله لعباده كل عام. وعادة ما أقوم ببذل أقصى جهد ممكن لاستثمار هذه الفرصة وتحصيل أكبر أجر ممكن خلال هذا الشهر الفضيل؛ حيث أقوم في كل سنة بالتركيز على بعض العبادات فأحافظ عليها، وأشدد على نفسي في الالتزام بها".
وتضيف ولاء: ومن العبادات التي أحافظ عليها في هذا الشهر الصلاة على وقتها، وصلاة 12 ركعة نافلة في اليوم، وإيقاظ صديقة لصلاة الفجر، وقيام الليل على الأقل ركعتين يوميا ولو حتى قبل الفجر، فضلا عن أداء صلاة التراويح يوميا، وختم القرآن مرة واحدة على الأقل طوال الشهر. كما أحرص على التصدق؛ لأني أؤمن بأن الصدقة تطفئ غضب الرب، وأنها تداوي المرضى من عللهم كما علمنا سيد البشر -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "داووا مرضاكم بالصدقة". كما أرى أن رمضان فرصة لبر الوالدين وطاعتهم.
التوبة تاج الاستعداد
ولأن العلماء هم الذين يدلون العباد على رب العباد وتحصيل رضاه، ويهتدي بهم الناس لمعرفة أفضل السبل إلى طاعة الله، ولأنهم يحملون تعاليم الدين وما جاء في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد آثرنا أن نستطلع آراءهم حول مواصفات "البرنامج العملي" الأمثل الذي نستقبل به شهر رمضان الكريم، ونستثمره إيمانيا على الوجه الأكمل..
يرى الدكتور منيع عبد الحليم محمود -عميد كلية أصول الدين الأسبق- "أن هناك ثلاث قواعد يجب على المسلم أن يستعد بها لاستقبال شهر رمضان قبيل قدومه؛ أولها: التوبة الخالصة النصوح من كل الذنوب، وثانيها: معاهدة الله على عدم العودة إلى الذنب ثانية، وثالثها: الاجتهاد لمعرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الشهر لكي يمكننا أن نحسن العبادة فيه. وهذا بخلاف توثيق صلة الرحم، ووصل ما انقطع منها، واستحضار نية الصيام والإخلاص لله عز وجل".
ويقول الدكتور منيع: "يكون من اليسير على المسلم بعد هذه الأسس الثلاثة أن يطبق برنامجا عمليا يستثمر به شهر رمضان استثمارا إيمانيا يربح فيه مع الله عز وجل. ويتطلب هذا البرنامج من المسلم أن يبدأ الشهر بالصيام الحقيقي الذي يرضى عنه الله ورسوله، وأن يتخلص من الآثام الخُلقية، ويتحلى بالفضائل وعلى رأسها حفظ اللسان والفرج من الوقوع في أي أمر يغضب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. هذا فضلا عن تصفية النفس من الحقد والضغينة، والتصالح مع الناس، فلا يكون بينه وبين أحد عداوة".(/1)
ويوضح الدكتور منيع أن "رمضان هو شهر الخلوة الإيمانية مع الله، وتمرين النفس على الطاعة والخشوع والخضوع لله. غير أن إتمام العلاقة الإيمانية مع الله في شهر رمضان تتطلب من المسلم المحافظة التامة على الصلاة، والحرص على القيام والتهجد، واستباق الخيرات، وتدبر آيات القرآن، إضافة إلى الإنفاق في سبيل الله لإشاعة الفرحة بين الفقراء والأيتام؛ لأن أي أمر يتقرب به المسلم يقربه خطوة من الله".
النقد والحساب
وتشير الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر إلى أنه "لا بد أن يتصالح المسلم في هذا الشهر الكريم مع ربه، ويترك كل الأمور التي تعوق صفاء الروح وتعيق إيمانها بالله؛ فمحاسبة النفس هي أهم ما يجب أن يهتم به المسلم عند إحيائه شهر رمضان، وأن يطرح كل مسلم على نفسه سؤالا: ها قد عاد رمضان، فعلى أي حال وجدنا؟.
وتضيف الدكتورة آمنة: "على كل مسلم أن يستحضر يوميا خلال الشهر الكريم العزيمة والقوة أمام الشدائد مهما بلغت قوتها. كما يتحقق الصوم الحق بالتوجه إلى الله في صوم صادق وقلب خاشع وضمير نقي. وينبغي قضاء أيام رمضان بالاتجاه للعمل، والخروج من الترهل الذي أصاب جسد المجتمع، والتماسك أمام المحن، وأن نستعيد الثقة بإسلامنا وعقيدتنا".
ويرى الدكتور عزت عطية -أستاذ الحديث بجامعة الأزهر الشريف- أنه "على المسلم قبل أن يبدأ شهر رمضان أن يعد نفسه للصورة التي يجب أن يكون عليها في هذا الشهر الكريم؛ إذ يجب عليه أن يمسك لسانه عن المعصية، وأن يعود نفسه على كظم الغيظ، وأن يقابل السيئة بالحسنة، وأن يتحلى بالخلق الحسن. وعندما يأتي رمضان يكون قد هيأ نفسه لهذا الخير فيقبل على طاعة الله بلا تكلف أو اصطناع من أجل رمضان.
ويضيف الدكتور عزت: المستهدف في هذا الشهر يجب ألا يكون الصيام لذاته؛ وإنما أثر الصوم على الأخلاق والسلوك. ومن المهم أن يدرب المسلم نفسه على أن يتحلى بطمأنينة النفس والسكون، وأن يكون من العاملين على الإصلاح بين الناس، إضافة إلى السماحة واليسر وعدم اقتراف المعاصي. كما يجب أن يتعود على أداء العمل بأمانة وجد، كما أنه من المهم أن يهتم بأسرته، فيحيي الليل معهم في الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله.
الطاعة بنظام
أما الدكتورة مهجة غالب -الأستاذة بجامعة الأزهر- فتؤكد على أن "هذا الشهر فرصة لتزويد النفس ببركات القرآن الكريم، وتعويدها على كف اللسان عن المعصية، وعدم الخوض في أحاديث لا فائدة منها؛ لأن اللسان قد يكون سببا في هلاك المرء وقد يكون سببا في نجاته. ومن الأمور التي تعين المسلم على إصلاح النفس في رمضان أن يكون له نظام في غير رمضان للتقرب إلى الله بالطاعات، وأن يعود الأسرة على صلاة الجماعة بحيث يتبنى رب الأسرة التنظيم الإيماني في النظام التربوي داخل الأسرة، فيصبح هو وأسرته مهيئين تماما لاستقبال هذا الشهر الكريم.
وتذكر الدكتورة مهجة سلبية من السلبيات التي يقع فيها بعض المسلمين في رمضان وهي: التقاعس عن أداء العمل ومعاونة أهل البيت بحجة الصيام، على الرغم من أن الواجب عليه أن يكون في هذا الشهر بالذات نموذجا للجد والدأب والتعاون والصبر الجميل؛ لأن هذا يقرب بين أفراد الأسرة الواحدة، ويلم شملهم نفسيا وإيمانيا.
وحتى يخرج المسلم من رمضان بحصيلة إيمانية عالية -تقول الدكتورة مهجة- لا بد أن يدرك أهمية التوازن في تلبية الاحتياجات البدنية والروحية؛ فعلى المسلم أن يقضي ليله في العبادة وتبادل الزيارات لتوثيق المحبة والمودة بدلا من تضييع الوقت أمام وسائل الإعلام؛ لأن المطلوب هو اغتنام شهر "رمضان" في التقرب من الله وليس التفرغ لمشاهدة البرامج التليفزيونية. مشيرة إلى أن أفعال الخير التي يمكن أن يقوم بها المسلم في رمضان متعددة، مثل: تفطير الصائمين، والتصدق، وزيارة المرضى.
وختاما، وبعد أن عرفنا من أين نبدأ الطريق، وكيف نصلح أنفسنا ونهيئها نفسيا وإيمانيا لاستقبال شهر الرحمة والإحسان، وبعد أن عرفنا كيف نتقرب من الله ذراعا لكي يتقرب إلينا باعا، ليكن هدفنا أن نفوز بالرحمة في أوله وبالمغفرة في أوسطه والعتق من النار في آخره، فهل نقبل التحدي؟ وهل ننجح في تحقيق الرمية الثلاثية "الرحمة + المغفرة + العتق"؟ الأيام القادمة ستتكفل بالرد، والله المستعان.(/2)
كيف يصلي ا لمريض
1) يجب على المريض أن يصلي الفريضة قائما ولو منحنيا أو معتمدا على جدار أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليه .
2) فان كان لا يستطيع القيام صلى جالسا والأفضل أن يكون متربعا في موضع القيام والركوع .
3) فان كان لا يستطيع الصلاة جالسا صلى على جنبه متوجها إلى القبلة , والجنب الأيمن أفضل , فان لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه .
4) فان كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقيا رجلاه إلى القبلة والأفضل أن يرفع رأسه قليلا ليتجه إلى القبلة , فان لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانت ولا إعادة عليه.
5) يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته ، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه ويجعل السجود أخفض من الركوع ، فإن استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع وأومأ بالسجود ، وان استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود وأومأ بالركوع .
6) فان كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أشار بعينيه فيغمض قليلا للركوع ويغمض تغميضا أكثر للسجود , وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح ولا أعلم له أصلا من الكتاب والسنة ولا من أقوال أهل العلم.
7) فان كان لا يستطيع الإيماء بالرأس ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه فيكبر ويقرأ وينوى الركوع والسجود والقيام والقعود بقلبه ولكل امرئ ما نوى .
8) يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر والعشاء إلى المغرب , وإما جمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له ، أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها0
9) إذا كان المريض مسافرا يعالج في غير بلده فانه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر والعصر والعشاء على ركعتين ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواء طالت مدة سفره أم قصرت .
والله الموفق ,,,,,,
كتبه الفقير إلى الله تعالى
محمد الصالح العثيمين
في 9/1/1403هـ(/1)
كيف يكون الداعية شخصية محبوبة
يتناول الدرس كيفية الوصول لجعل الداعية شخصية محبوبة، فتحدث عن المحبة ثم وسائل تحصيلها وما ينبغي على الداعية الاتصاف به حتى يلقى محبة وقبولا من المدعوين وتحدث عن معوقات هذه المحبة وبينها ليجتنبها الداعية، ثم تناول محبة الله للداعية وإذا نالها الداعية ضمنت له محبة الخلق أجمعين .
ما هي المحبة وأنواعها : المحبة ميل النفوس إلى ما تراه أو تظنه خيرًا، وذلك ضربان:
طبيعي: وذلك في الإنسان والحيوان، وقيل: قد يكون بين الجمادات، كالألفة بين الحديد وحجر المغناطيس.
اختياري: وذلك يختص به الإنسان، وهو أضرب، ومنها: ما يكون للفضيلة كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة بقوله تعالى:} الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ[67]{ “سورة الزخرف” .
فضيلة المحبة :
أحد أسباب نظام أمور الناس المحبة، ثم العدالة، فلو تحاب الناس، وتعاملوا بالمحبة؛ لاستغنوا عن العدالة، فقد قيل: العدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة، ولذلك عظَّم الله المنة بإيقاع المحبة بين أهل الملة، فقال:} لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ[63]{ “سورة الأنفال” }إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا[96]{ “سورة مريم” ، أي محبة في القلوب، وتنبيهًا على أن ذلك أجلب للعقائد وهو أفضل من المهابة؛ فإن المهابة تنفر، والمحبة تؤلف. وكل قوم إذا تحابوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمروا.
حاجة الداعية إلى أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة:
من الجوانب التي تعين الأخ على أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة: الألفة، ذلك أن الإنسان مقصود بالأذية، محسود بالنعمة، فإذا لم يكن آلفًا مألوفًا؛ تخطفته أيدي حاسديه، وتحكمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له مدة، فإذا كان آلفًا مألوفًا؛ انتصر بالألفة على أعاديه، وامتنع من حاسديه، فسلمت نعمته منهم، وصفت مدته عنهم. وقد روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله علي وسلم، أنه قال: [الْمُؤْمِنُ آَلِفٌ مَأْلُوفٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ وَخَيْر النَاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَاسِ] رواه الدارقطني في الأفراد، والضياء في المختارة، وحسنه الألباني في الصحيحة 427 .
والمؤاخاة في الناس قد تكون على وجهين:
أخوة مكتسبة بالاتفاق الجاري مجرى الاضطرار.
أخوة مكتسبة بالقصد والاختيار.
فأما الأخوة المكتسبة بالاتفاق: فأول أسبابها التجانس، فإن قوي؛ قوي الائتلاف. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ]رواه البخاري معلقا مجزوما به من حديث عائشة ، ورواه مسلم وأبوداود وأحمد من حديث أبي هريرة.
وأما الأخوة الثانية وهي المكتسبة بالقصد: فلابد لها من داع يدعو إليها، وباعث يبعث عليها، وهذا ما يعنينا بهذا البحث، وقد يكون الداعي إليها من وجهين: رغبة وفاقة.
فأما الرغبة: فهي أن يظهر من الإنسان فضائل تبعث على إخائه، ويتوسم بجميل يدعو إلى اصطفائه. وهذه الحالة أقوى من التي بعدها لظهور الصفات المطلوبة، من غير تكلف لطلبها، وإنما يخاف عليها من الاغترار بالتصنع لها، فليس كل من أظهر الخير كان من أهله، ولا كل من تخلق بالحسنى كانت من طبعه، والتكلف للشيء مناف له، إلا أن يدوم عليه، مستحسنًا له في العقل، أو متدينًا به في الشرع، فيصير متطبعًا به، مطبوعًا عليه.
وأما الفاقة: فهي أن يفتقر الإنسان لوحشة انفراده، ومهانة وحدته ، إلى اصطفاء من يأنس بمؤاخاته، ويثق بنُصرته وموالاته. وقد قالت الحكماء: من لم يرغب في ثلاث بُلي بست: من لم يرغب بالإخوان بُلي بالعداوة والخذلان. ومن لم يرغب في السلامة، بُلي بالشدائد والامتهان، ومن لم يرغب في المعروف بُلي بالندامة والخسران. وقيل لمعاوية: أيما أحب إليك؟ قال:'صديق يُحَبِّبني إلى الناس'.
الإغضاء عن هفوات من تريد مصاحبته:
يقول الماوردي في كتابه' أدب الدنيا والدين: [ ثم لا ينبغي أن يُزهد فيه، لخُلق أو خلقين ينكرهما منه، إذا رضي سائر أخلاقه، حمد أكثر شيمه؛ لأن اليسير مغفور، والكمال مُعوز، وقد قال: أبو الدرداء رضي الله عنه:' ومعاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله'. وقال رضي الله عنه: [إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى].
أخلاقيات تلزم الداعية ليكون شخصية محبوبة:(/1)
}قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[31]{ “سورة آل عمران” هذا ولا شك هو الطريق الذي يقود الداعية فيه نفسه؛ ليجعلها محبوبة عند إخوانه خاصة، وعند الناس عامة، وهذا الطريق هو طريق القيم والأخلاق التي منها: التسامح.. المحبة في الله.. صلة الرحم.. إفشاء السلام.. التواضع.. الإيثار.. إبرار القسم.. التبسم في الوجه.وسنتعرض للأخلاقيات الحميدة السابقة بشيء من التفصيل والتوضيح:
التسامح : قال تعالى: }وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[22]{ “سورة النور” وهذا الصفح الجميل؛ يرقق القلب المتعلق بالله حين يغفر الأخ لأخيه، ويسامحه على زلته وعثرته. وفي هذا الموضوع قيل: [إن الإسلام يجعل العفو والصفح سبيلاً من سبل التربية، التي تنظف القلب من الحقد، وتطهره من نزعات السوء، وبذلك يرتفع يقين المسلم، ويزيد إيمانه وكماله، فتعلو منزلته عند الله ويعظم ثوابه...إن المسلم يعلم أن الحلم والعفو منزلة من منازل الإيمان، وليس علامة ضعف ولا أمارة جبن، ولكنه أمارة اليقين بأن الله صاحب الحساب والجزاء، وبأن ثوابه الذي أعده للعافين عن الناس خير من لذة الانتصار والانتقام] “شخصية المسلم كما يصورها القرآن ص137-138”.
[غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد، وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفًا، وإذا أحس أنه ضعف لم يحترمه، ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقًا، وهذه السماحة قاصرة على حالات الإساءة الشخصية لا العدوان على العقيدة وفتنة المؤمنين عنها]” طريق الدعوة في ظلال القرآن ص193”.
وهذا يحتاج إلى توازن: [والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة؟ ومتى يكون الدفع بالحسنى؟ درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان، فهي في حاجة إلى الصبر، وهي كذلك حظ موهوب يتفضل الله به على عباده الذين يحاولون فيستحقون] “ طريق الدعوة في ظلال القرآن ص193”. } وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[34]وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ[35]{ “سورة فصلت”.وقال ابن المبارك:' المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العثرات'. [والداعي ينظر إلى العصاة نظرة إشفاق ورحمة، فهو يراهم كالواقفين على حافة واد عميق سحيق في ليلة ظلماء، يخاف عليهم من السقوط، ويعمل جهده لتخليصهم من الهلاك، وهو في سبيل هذه الغاية يتجاوز عن تجاوزهم على حقه إن كانت معصيتهم في حقه، ولا يعيّرهم ولا يشمت بهم ولا يحتقرهم، ولكن له أن يستصغرهم لمعصيتهم وتجوزهم حدود الشرع، وأن يغضب لهذا التجاوز، قالت عَائِشَة: [وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ انْتُهِكَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ هِيَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا]رواه البخاري ومسلم وأبوداود ومالك وأحمد]”أصول الدعوة ص394”.
المحبة في الله : عَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: [ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ: [ هَلْ أَعْلَمْتَهُ ذَلِكَ] قَالَ لَا فَقَالَ: [ قُمْ فَأَعْلِمْهُ] قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا هَذَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ قَالَ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ]رواه أبوداود وأحمد، وصححه الألباني. وهذه المحبة، يجب أن تكون في الله، ولله، فمن ورائها الرحمة، ومن حسن ثوابها: أن المتحابين في الله يكونون يوم القيامة على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك..وحين يخبر المحب أخاه بحبه إياه تكون صورة هذا المحب ناصعة في قلب أخيه دائمًا، وحين يتذكره، يردّد ويقول:اللهم اغفر لأخي. وحين يريد المحب أن يخبر أخاه بحبه إياه عليه أن يغتنم الوقت المناسب؛ ليكون وقع الكلمة أجمل، وأكثر تأثيرًا. وعليه ألا يتصنع ما ليس من سجيته وعادته، ولا يتكلف ما لا يشعر به.(/2)
صلة الرحم : قال تعالى: }وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ[21]{ “سورة الرعد”.هذا وإن الله تبارك وتعالى يأمرنا أن نصل أرحامنا- وإن لم يصلوا، وإن قاطعوا وهجروا- لأن من وصل رحمه فقد وصله الله، ويا للأجر العظيم الذين يناله المسلم حين يصل أرحامه! ويا للبركة التي تحل عليه في دنياه قبل آخرته! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:} فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ[22]{ “سورة محمد” . رواه البخاري ومسلم وأحمد . وإن لزيارة الرحم فوائد عديدة:منها التعرف على أحوال الأهل، فتتعرف بذلك على مشاكلهم، فتساعدهم في حلها، وتقف على ما بهم من ضيق وتوسع عليهم.
السلام : قال تعالى: }فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً[61]{ “سورة النور”. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ]رواه مسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه وأحمد.. والسلام تحية من عند الله طيبة مباركة، تقود إلى الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين الذين يحبون أن تكون كلماتهم ربانية وأفعالهم يحبها الرب جل وعلا؛ فهي عبادة في كل شيء: عبادة في الحركة، وعبادة في القول والكلمة. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ: [ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجه والنسائي وأحمد.. وحين يفشي المسلم السلام على من عرف ومن لم يعرف؛ فإنه يبذر بذور الخير والرحمة والسلام في قلوب الناس، ومن ثَمَّ فإن هذه البذور تتفتح عن ثمار المحبة والمودة.. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ] رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد، وصححه الألباني.
التواضع : قال تعالى: }وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ[88]{ “سورة الحجر” والتواضع صفة طيبة يحبها الله لعباده الصالحين، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ] رواه مسلم والترمذي ومالك والدارمي وأحمد.
وتشرق روح قتادة، فيقول:'من أعطى مالاً أو جمالاً أو ثيابًا أو علمًا، ثم لم يتواضع فيه؛ كان عليه وبالاً يوم القيامة'..والمسلم إذ يتواضع فلا يعني ذلك أن يحسبه الناس ذليلاً، ولكنه عزيز وكريم، وهذه العزة والكرامة جاءته لكونه يحمل كتاب الله بين أضلعه، ويترجم ذلك عمليًا بتعامله وسلوكه الطيب مع الناس، فيكون بذلك محبوبًا مرغوبًا عندهم.
الإيثار وحبك لأخيك ما تحب لنفسك : قال تعالى: } وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[9]{“سورة الحشر”.
فياله من خلق طيب أن يؤثر الأخ أخاه فيما يحب ويحتاج إليه، فانظر إلى وقع هذا الجرس الطيب في نفس من تتعامل معه بهذا السلوك، وإن الله تبارك وتعالى يبارك فيمن تخلّق بهذا الخلق الطيب، ويبشر صاحبه بأنه من المفلحين في الدنيا والآخرة..[ومحبة الخير لكل مسلم أمر واجب في الإسلام، ولازم لصدق الإيمان، وأثر للعقيدة السليمة النقية]”السلوك الاجتماعي 1/143” ولذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ] رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي وأحمد.(/3)
إبرار القسم : [يسن للمسلم ألا يوقع أخاه في الحنث بل يوافقه وينفذ له يمينه. وقال بعضهم: إن إبرار القسم واجب] “السلوك الاجتماعي 3/211-212”. [وعلى المسلم أن يكون هيّنًا ليّنًا مع أخيه بغير قسم، فإن أقسم أخوه؛ فلا يشق عليه في الحنث، ويوقعه في الحرج والتكفير عن اليمين، فإن ذلك مشقة عليه]. والمثل العربي يقول:'إذا عزّ أخوك فهن' أي حينما يعزم عليك أخوك لأمر ما في نفسه؛ فألن الجانب له، وأعنه على إبرار قسمه، وكن أمامه هيّنًا ليّنًا.
التبسّم في الوجه : [إنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر، ولكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر، لن تجد أحدًا من الغنى بحيث يستغني عنها..إنها تشيع السعادة في البيت، وتطيب الذكر في العمل، وهي التوقيع على ميثاق المحبة بين الأصدقاء] “كيف تكسب الأصدقاء ص73”.
[وهناك حديث يرويه لنا أبو ذر رضي الله عنه فيه ميزات وخصائص جميلة، حين يمارسها الداعية المسلم؛ تكون دعوة إلى محبته وتقديره واحترامه، منها: التبسم في الوجه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس] قيل: يا رسول الله:ومن أين لنا صدقة ? فقال: [إن أبواب الخير لكثيرة : التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتميط الأذى عن الطريق, وتسمع الأصم, وتهدي الأعمى, وتدل المستدل على حاجته, وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث, وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف, فهذا كله صدقة منك على نفسك] رواه ابن حبان في 'صحيحه' والبيهقي-مختصرا- وزاد : [وتبسمك في وجه أخيك صدقة, وإماطة الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس صدقة، وهدايتك الرجل في أرض الضالة صدقة] [وإن لهذا الحديث لإيماءات شتى، يدق بعضها ويلطف حتى يصل إلى أعماق النفس، إلى قرار الوجدان، فيهزه هزًا، ويوقع على أوتار القلوب لحنًا صافيًا، مشرقًا، جميلاً، يأخذ بالألباب] “قبسات من الرسول ص115”. [والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يلفتنا في حديثه عنها، يلفتنا إلى هذه الحقيقة النفسية الواحدة التي تكمن وراء كل عمل من أعمال الخير؛ لنعرف أنه الخير في منبعه وإن تعددت صوره وزواياه. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريدنا أن نعرف فحسب! فالمعرفة ينبغي أن تكون لغاية، وغاية الغايات في الأرض أن يكون الخير هو المسيطر على حياة البشرية؛ فالخير هو كلمة الله، وكلمه الله هي العليا، ومن هنا تلتقي السماء والأرض، والدنيا والآخرة في رصيد الإسلام. والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يريد أن يعودنا على الخير لا أن يعرفنا إياه فحسب] “قبسات من الرسول ص119”. ولنعلم أن الابتسامة تبعد الوحشة عن الناس، وتزيل الغربة عنهم، وتفتح القلوب من أجل صداقة جديدة، إن لم تكن معرفة عابرة لها في الذاكرة صورة طيبة، يرتاح لها عند رؤيتها، وتطيب نفسه في تذكرها.
صفات يبتعد عنها الداعية ليكون شخصية محبوبة :
الداعية إذا أراد أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة، فعليه أن يبتعد عن صفات لا يرجى من ورائها الخير، إنما تؤدي إلى تنفير الناس منه، وهي كالتالي:
الغضب : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ] رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك. [إن الغضب شعلة من نار مستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، ويستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد كما تستخرجها أسباب أخرى]”السلوك الاجتماعي في الإسلام1/143”.
الكبر: قال تعالى:} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[18]وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[19]{ “سورة لقمان” ومن هذه الآية الكريمة نستل استلالة لطيفة، وهي أن الله لا يكرم إلا من أحبه ورضي عنه حين يكون هذا الإنسان المسلم متواضعًا في مشيه مع الناس وفي نفسه، لا يحمل ذرة من كبر، وذو هدف في تحركه أي لا يسعى في هذه الأرض على وجهه حيران، ولا يؤذي الآخرين بصوته في أي مكان كان، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ] رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه وأحمد. وقال النعمان بن بشير على المنبر: إن للشيطان مصالي وفخوخًا، وإن في مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله.(/4)