قبسات من القرآن الكريم(8)
الكاتب: الشيخ د.عبد العزيز بن عبد الله الحميدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد : يقول الله تبارك وتعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)(وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ)
(وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ)(وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)(إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ) [فاطر : 19 – 20 – 21-22-23] .
في هذه الآيات يضرب الله جل وعلا أمثلة لبيان الفرق الشاسع بين الضلالة والهداية, وهذه الأمثلة يدركها الناس بحسهم وخبرتهم , فالأعمى لايستوي مع البصير, والظلمات لاتستوي مع النور, ولايستوي الظل البارد المنعش مع المكان الشديد الحرارة المزعج , ولايستوي الأحياء الذين يتحركون بالحياة مع الأموات الذين هم جثث هامدة , فكذلك المهتدون فإنهم يبصرون الحقائق ويدركون سبيل النجاة والفلاح , وهم يتحركون في نور يغمرهم ويضيء لهم الطريق, ويعيشون في ظل وارف من الطمأنينة واليقين , كما أنهم يإيمانهم يكتسبون حياة القلوب التي تصحح المشاعر وتُقوِّم السلوك .
أما الضالون فإنهم لايبصرون الأمور على حقيقتها ولايرون سبيل النجاة والفلاح وهو أقرب شيء إليهم , وهم يعيشون في ظلمات مطبقة وشك وقلق وحيرة وموت قلبي يحول بينهم وبين النظر السليم والسلوك القويم .
والله وحده هو الذي يهدي من يشاء من هؤلاء الضالين , فيسخِّر قلوبهم ويهيئ أفكارهم لفهم مايسمعون من الهدى والتأثر به , والإيمان بدلائله وبيناته والعمل بتكاليفه وتوجيهاته , أما أنت أيها الرسول فإنك لاتوفِّق من أضل الله , فكما أنك لاتُسمع الأموات في قبورهم فإنك لاتسمع من أمات الكفر قلوبهم , فمهمتك في هذه الحياة ورسالتك التي تحملها هي دلالة الناس على طريق الهلاك وتحذيرهم منه , وعلى طريق النجاة وحثهم على سلوكه , ولاتحزن من كثرة الضالين فإنك إذا قمت بمهمتك في التبشير والإنذار فإنك قد أديت رسالتك على الوجه الأكمل .
ويقول الله تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[ فاطر : 27 – 28] .
في هاتين الآيتين يأمرنا الله عز وجل بالتأمل والتدبر في مخلوقاته من النبات والجماد والحيوان من ناحية اختلاف الألوان بين الأجناس وفي الجنس الواحد , فالثمرات في النباتات تُسقى بماء واحد هو ماينزله الله تعالى من السحاب فينبت به النبات , ومع كون الماء واحدًا والأرض واحدة فإن الثمرات تأتي مختلفة الألوان , وجعل سبحانه من الجبال طرائق متعددة الألوان, فمنها البيض ومنها الحمر ومنها السود الشديدات السواد , وهي في هذه الألوان مختلفات فمنها الغامق ومنها الفاتح , وجعل من الصخور طبقات مختلفة ألوانها مع كونها جسما واحدًا , وكذلك جعل ألوان الناس وجميع الدواب التي تدب على الأرض مختلفات , وخص بالذكر من الدواب الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لأهميتها . هذا التوجيه من الله تعالى لنا لنعلم بذلك بليغ قدرته وعجيب صنعه.
ثم يبين جل وعلا أن تذكُّر آياته في خلقه وتدبيره يبعث على خشيته والإنابة إليه , حيث يبين أن الذين يخشونه من عباده هم العلماء به وبعظمته وقدرته , وعلى قدر علمهم بعظمة الله جل وعلا وإبداعه في هذا الكون يكون خشوعهم له وخشيتهم إياه , فكلما دقق العلماء في تحليل هذه المخلوقات واكتشاف حقائقها وبديع صنعها زاد تعظيمهم لخالقها جل وعلا , ودفعهم ذلك إلى الخضوع له وعبادته وحده .
إن الله جل جلاله عزيز قادر على ثواب من أطاعه وعقاب من عصاه , غفور ساتر لذنوب عباده إذا أنابوا إليه .(/1)
قبسات من القرآن الكريم(9)
الكاتب: الشيخ د.عبد العزيز بن عبد الله الحميدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
يقول الله تبارك وتعالى :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ)(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)(إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً) [فاطر:36-37-38-39] .
[36]بعد أن ذكر الله سبحانه في آيات سابقة ما أعده للمؤمنين في الجنة من النعيم المقيم ذكر ماأعده للكافرين من العذاب الأليم الدائم في نار جهنم , فلاهُمْ بالذين يُقضَى عليهم بالموت فيستريحون من عذابها بالكلية ولاهم الذين يخفف عنهم من عذابها فيستريحون بعض الشيء, وبمثل هذا العقاب الشديد يجزي الله كل إنسان جحود لحقِّه في الألوهية والربوبية .
[37] ثم ذكر الله تعالى أن أولئك الكفار يصرخون بأعلى صوتهم من شدة العذاب في نار جهنم قائلين : ربنا أخرجنا من نار جهنم وأعدنا إلى الحياة الدنيا من أجل أن نعمل عملا صالحا مخالفا للعمل السيء الذي كنا نعمله في حياتنا الأولى , فيقول الله عز وجل لهم : أوَلم نمهلكم في حياتكم الأولى بالقدر الكافي من العمر للتذكر والاتعاظ , وجاءكم النبي صلى الله عليه وسلم نذيرًا لكم فلم تتذكروا ولم تتعظوا ؟ فذوقوا عذاب جهنم , فما للظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر من ناصر ينصرهم من عذاب الله تعالى .
[38] إن الله جل وعلا مطلع على كل ماغاب في السموات والأرض وهو العليم بما تُخفي الصدور , فراقبوه مراقبة دقيقة واحذروا من أن يطلع عليكم وأنتم تضمرون معصيته أو ترك طاعته في أي أمر من أمور الدين .
[39] ثم ذكر تعالى أنه هو الذي جعل الناس خلائف في الأرض يَخلف بعضهم بعضا ليعمروا الأرض بطاعته , فمن جحد حق الله تعالى في العبادة وعصاه فإنه يكون قد جنى على نفسه, ولن يحظى برحمة الله جل وعلا بل ببغضه وغضبه , ولن يكسب الكافرون من كفرهم إلا النقص والهلاك .
ويقول الله تبارك وتعالى
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً)(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)[فاطر : 40 – 41] .
[40] يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بان يحاور المشركين حول شرعية أوثانهم التي يشركونها مع الله تعالى في العبادة , وذلك بأن يقول لهم : أخبروني عن أولئك الشركاء هل خلقوا شيئا مما في الأرض ؟ فسيقولون : لا , لأن كل مافي الأرض يشهد بأنه من خلق الله تعالى وحده , ولا يمكن لمدَّعٍ أن يدعي بأن أحدا خلق شيئا مع الله تعالى لأن آثار الخلق تشهد بتفرد الله سبحانه بذلك, وإذا كانوا لم يخلقوا شيئا مما في الأرض فهل شاركوا في خلق السموات ؟ إنهم – وهم عاجزون عن أن يوجدوا شيئا في الأرض من العدم – أعجز من أن يخلقوا شيئًا في السموات , بل هل أنزلنا على المشركين كتابا من السماء يسوغ لهم إشراك أوثانهم مع الله في الخلق حتى يكون لهم حجة في إشراكهم مع الله في العبادة ؟ إنه لم يكن شيء من ذلك فلا حجة لهم في عبادة أوثانهم من دون الله تعالى , أما مايَعِدُ به سادة المشركين أتباعهم من أن أوثانهم تقربهم من الله وتشفع لهم عنده فهو خداع لهم وباطل من القول .
[41] وإذا كان المشركون يتوهمون بأن لأوثانهم شيئا من القدرة والتدبير فليتذكروا بأن الله تعالى وحده هو الذي يمسك السموات والأرض ويدبر سيْر جميع الأفلاك في مساراتها بانتظام دقيق من غير أن يحصل فيها شيء من الخلل , ولئن قدَّر الله تعالى زوال السماء والأرض ومافيهما عن مواضعها فما من أحد يستطيع أن يمسكها بعد ذلك أبدا , إنه – جل وعلا – كان حليما في إمهال الكافرين والعصاة وعدم معاجلتهم بالعقوبة لعلهم يرجعون , غفورا لمن تاب منهم واستقام.(/1)
قبسات من كتاب الله 1 - 3
الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند
القبس الأوّل: ((إنّهم أناس يتطهّرون)) (الأعراف: 82).
هذا القبس من كتاب الله جاء على لسان قوم لوط. فإنّ لوطاً ـ عليه السلام ـ لمّا نهاهم عن فعل الفاحشة المنكرة، ما كان جوابهم إلا أن قالوا: ((أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)) (لأعراف: من الآية82).
وهكذا تصبح العفّة والطهارة في شريعة الطغاة والمنافقين جريمة، يستحقّ صاحبها الطرد والإبعاد والإخراج، !! وهذا هو السرّ في هجوم كثير من المجرمين والمنافقين، على العلماء والدعاة الداعين إلى العفّة والطهارة، واستعداء السلطان عليهم، وهو السرّ أيضاً في هجومهم على الفنانات التائبات المتحجّبات، الهاربات من مستنقعات الفنّ الآسنة النتنة.
وفي دولةٍ غربية، تدّعي التقدّم والرقي والحرية بل العلمانية ساءها أن تضع الطالبات المسلمات الصغيرات، منديلاً على رؤوسهن لستر شعورهن، ولم يهدأ لهم بال حتى أصدروا قراراً بالمنع، خشية انتشار العفةٍ والطهارةٍ والفضيلة.
ولمّا ظهرت قناة المجد الفضائية، والتي تتميز دون سائر القنوات بعدم ظهور النساء، ثارت ثائرة بعض الناس، وسوّدوا بعض الصحف في الطعن في هذه القناة، والتشكيك فيها، وتطرّف بعضهم في صحيفة محليّة، فجعلها أشدّ خطراً من القنوات الماجنة الداعية إلى الرذيلة، وصدق فهي أشدّ خطراً على هؤلاءِ المنافقين والإباحية، حيث إنّها كشفت حقيقتهم، وسحبت البساط من تحت أرجلهم، ولله الحمد والمنّة.
ولعلنا نشهد قريباً ـ بإذن الله ـ ولادة قنوات أخرى، تحذو حذوها، لتضييق الخناق على تلك القنوات الماجنة الفاضحة.
8/2/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
قبسات من كتاب الله 3 - 3
((وَازْدَادُوا تِسْعاً))
الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند
قال تعالى: ((وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)) (الكهف: 25).
ذكر المفسّرون في معنى هذه الآية أقوالاً عدّة، أصحّها أنّ السنين التسع الزائدة هي الفارق بين السنين القمرية والسنين الشمسية.
وبيان ذلك أنّ العرب كانوا يحسبون بالسنة القمرية، وهي التي نسميها (الهجرية)، وهي تكون بسير القمر.
وأهل الكتاب كانوا يحسبون بالسنة الشمسية، والتي نسميها اليوم (الميلادية) وهي التي تكون بسير الشمس، ولمّا كان السائل عن أهل الكهف، هم المشركون بإيعازٍ من اليهود، ذكر الله مقدار لبثهم بالسنين الشمسية والقمرية. وإنّ من المعلوم أنّ السنة الشمسية (الميلادية) تزيد على السنة القمرية (الهجرية) بأحد عشر يوماً على وجه التقريب، (وعلى وجه الضبط: عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس دقائق).
فإذا ضربنا هذا العدد في ثلاث مائةٍ هي مقدار السنين التي لبثوها، كان الناتج: 3300 تقريباً، فإذا قسمنا هذا العدد على عدد أيام السنة الواحدة كان الناتج: تسعة، هي الفارق ما بين ثلاث مائة سنة شمسية وقمرية، وهذا التعبير من بلاغة القرآن الكريم اللفظية والمعنوية.
والله تعالى أعلم
10/2/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:(/1)
قبل أن تضيع الفرصة
رسالة إلى علماء الأمة ودعاتها
محمد جلال القصاص
</TD
إخواني وشيوخي الكرام !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : ــــ
عجلة الأحداث تدور سريعا وتجرنا ــ نحن الإسلاميين ـــ ورائها ، فإلى اليوم نقف موقف المشاهد للحدث نحكيه ، وفي أحسن الأحوال نحلله .
إن فريقا منا أصبحت الغاية عندهم معرفة الأخبار . دون التحرك إيجابيا نحو حلٍّ عملي لوقف نزيف الدم الذي يسيل من العروق ومن الفروج .
وفريقا آخر جلس هادئا مستريحا يحلل الحدث ... يبحث عن دوافعه وأهدافه ، ليصبغها مقالا أو كتابا ... ربما ليقتات منه رزقا .
وتضج الأصوات على المنابر تحكي عن غدر يهود وجبنهم وخيانتهم للعهود ، وعن حرية أمريكا الكاذبة ، وحقوق الإنسان التي جعلته كالحيوان . . . ، وكله خير ، إلا أنه دون ما نريد .
وعلى مستوى العلماء والدعاة وطلبة العلم ، لا زلنا وراء الأحداث ، نتحرك بحركتها ، نبحث في شرعيتها ، ونرد على من خالف رأينا من إخواننا ، نكشف شيئا من خطط أعدائنا . وهو خير إلا أنه دون ما نريد .
شيوخي الكرام !
هناك من يفعل ويتركنا نكتب ، ولا ينبغي أن يظل الأمر هكذا ، فلابد من اتخاذ الخطوات اللازمة للأخذ بزمام الأحداث . وفي رسالتي هذه أعرض بعض الأمور التي تؤرقني على الساحة الإسلامية . وأتبعها ببعض المقترحات . والله أسأل أن يبارك لي في كلماتي هذه ، وأن تجد أذنا تسمع .
في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي ، فيما عرف تاريخيا بفترة الثورات ، كانت الأمة تعيش حالة من الغليان على الغرب كله ، وكانت جماهير الأمة تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية وإعادة الخلافة الإسلامية ، وطرد اليهود من بيت المقدس وفلسطين ، ثم انتهت هذه الحقبة بالعلمانية ــ فصل الدين عن الحياة ــ كمنهج حياة ، وبالعلمانيين في سدة الحكم الذين أضاعوا الثورات ، ومزقوا الأمة ، ومهدوا لمجيء المحتل ثانية .ولم تستطع الصحوة الإسلامية يومها قيادة الأمة الإسلامية ، وخسرت معركتها مع العلمانية المدعومة من الغرب . وكتبرير لما حدث قيل أن الصحوة لم تنضج بعد .
وبعد أكثر من ستين عاما عادت الفرصة مرة ثانية .
فهاهي القومية العربية تسقط جماهيريا ، بعد أن فشلت في تحقيق أي من أهدافها ، وأتت أمريكا تجر الغرب الصليبي الضال والشرق الوثني الملحد ــ يحركهم جميعا اليهود ـــ وتتدرع بعملائها من بني جلدتنا للقضاء على ( الإرهاب ) وتجفيف منابعه ، ووضِع العمل الإسلامي بكل حركاته ومؤسساته ورموزه هدفا للقضاء عليه ، وباتت كل الخطط مكشوفة ، وأصبحنا في موطن الدفاع غاية ما يرجوه أغلبنا هو السلامة والخروج بالكفاف لا له ولا عليه ، فماذا أنتم فاعلون ؟!
وأمريكا اليوم تتكلم عن البديل ( الإسلامي ) ، بعد أن قسمت الإسلام إلى إسلام سياسي ، وإسلام سلفي ، وإسلام جهادي ( متشدد ) ، وهي تغازل من تصفهم بالتيارات المعتدلة للتحاور معهم كي يكونوا بدلاء أو شركاء في التغيرات القادمة . أو أنهم أخبث من هذا ويرمون إلى تشتيت صف الحركة الإسلامية بين مؤيد لهم ومعارض ، وينشأ تصادم داخلي ( إسلامي إسلامي ) حين يتولى المؤيدون الرد على المعارضين ، وندخل في دوامة جديدة تستقطب جهدنا ، وتشتت شملنا .
وقبل أن يحدث أي شيء على الأرض اشرأبت بعض الرؤوس تريد أن تحظى بعطية أمريكا وتشارك في السياسة مُدعية أنه ظرف تاريخي قد لا يتكرر ، وأنها فرصة سانحة ( للتخلص من هذه الأنظمة التي أذاقتهم كل صنوف التعذيب والقتل خارج دائرة القانون ) . وأنه ( لابد من الفصل بين ( الدروشة ) و السياسة ) .
أو أن الكفر يستثير الأنظمة العلمانية لتقدم مزيدا من التنازلات ، وكثيرا من التعاون في حرب ( الإرهاب ) . وكله شر . فماذا انتم فاعلون ؟
ومع كثرة الدماء التي تسيل من فروج نساء الأمة ومن شرايين رجالها ، ومع انتشار البطالة وزيادة معدلات الفقر , ومع كثرة المُفتين ، ومع قلة الفقهاء الراسخين ، وكثرة الخطباء الحماسيين ، بدأت طائفة من أحداث الأسنان .. تتحرك من تلقاء نفسها لنصرة الدين ، وفي حادث تفجير المدرسة البريطانية في قطر ، وتفجيرات طابا ، وتفجير الأزهر بالقاهرة وما تلاه من أحداث ، دليل على قولي ، فيجمعها جميعا أنها حوادث فردية أو شبه فردية من أناس لا علاقة لهم بالعمل الإسلامي المنظم . ودوافعها جميعا ما يحدث للمسلمين في العراق وفلسطين ، وهذه الأحداث قابلة للتكرار ، ويمكن أن تصبح ظاهرة ، وهي حالة صحية تحتاج من يرشدها ويستثمرها ، لا من يفسِّقُها ويُبدعها فيدفعها للشطط والغلو وأخذ موقف معادي من علماء الأمة ورموزها ، ويعطي مسوغا للأنظمة العلمانية المجرمة لمزيد من البطش بأبناء الصحوة الإسلامية . فما ذا أنتم فاعلون ؟
وأفرزت الحملة الصليبية الجديدة ـ العولمة [1]ـــ في بعدها الفكري توجها جديدا داخل التيار الإسلامي ، يدَّعي الليبرالية ( الإسلامية ) ، ويدعو إلى إزالة العقبات من أجل التقدم الحضاري والرقي المادي(/1)
ويعتبر ــ أهل هذا التيار أن ( الإصلاح والتجديد هو المدخل المناسب للتقدم والقوة والمنعة ، وأن الإصلاح الديني يقع في مقدمة أوليات الإصلاح )[2] ثم هم تحت دعوى التجديد هذه تسللوا إلى الفقه الإسلامي من باب المقاصد لإعادة صياغته [3] .
ولو سلمت النفوس من أهوائها لعلمت أن الإشكال ليس في الشرع وإنما فيمن يحملون الشرع . وكل هؤلاء الليبراليين يحاولون أخذ زمام الأمة والسير بها خلف الغرب ، وإن ألبسها البعض حلة الدين .
وهذا شر ـــ في جملته ـــ يحتاج من يتصدى له ، فما ذا أنتم فاعلون ؟
ـــ وهناك أمر أكثر أهمية مما مضى من وجهة نظري ، وهو يتعلق بما يحدث في العراق وفلسطين وفي باقي المواطن التي تُرفع فيها للجهاد راية . ولي بخصوص هؤلاء عدّة ملاحظات :
ـــ الأولى : تتعلق بأهل الجهاد أنفسهم ، وهو أن مرجعيتهم في تحديد الأهداف والوسائل ذاتية ، والشأن أن يكون أهل الجهاد تبع للعلماء الربانيين الراسخين في العلم الناصحين للأمة . وأن إمارتهم إمارة سرايا لا إمارة حل وعقد . وأنهم ليسوا أهلا للفتوى ، فلا بد ـــ من وجهة نظري ـــ من توجيه الرسائل إلي أعيانهم ، ومناصحتهم ، والاتصال بهم ، كي يثمر الحوار , أعرف أن هناك رسائل ومناصحات . ولكنها تأخذ شكل العموم الذي قد يُصغى إليه وقد لا يصغى إليه ، وما أنادي به هو الحوار المباشر . . . أشبه ما يكون بالمناظرة .
أيها الكرام !
من بديهيات العقل أنه لابد للحق من قوة تحميه . . . لا بد من أهل الجهاد كي يقوم سلطان الرحمن ويندحر سلطان الشيطان , ولا أحسب أن عاقلا ــ فضلا عن عالم ـــ يخالف في هذا . ثم هم قاموا ولن يتراجعوا . ولهم مدد من بين أجيال الصاعدة . فلكل قوم وريث . فلا مناص إذا من الاتصال بهم ومناصحتهم شفويا وجها لوجه . وهذا الأمر يحتاج من يتجشم الصعاب ، وموضوع الحوار معهم يتبين من الملاحظات التالية .
أولاً : يَغضُ كلُ من يتابع ما يحدث في العراق الطرفَ عن ظاهرة تعدد فرق المجاهدين [4] أو ( المقاومة ) ولم أرَ أحدا حاول قراءتها على غرار التجربة الأفغانية ، رغم التشابه الكبير بين التجربتين ، فالجهاد من أجل تحرير العراق ـــ الأرض ـــ وهذا من شأنه أن يعيد القضية ثانية أدبارها إلى قضية وطنية ، و إن أخذت مَسحة دينية .وبين الصفوف وطنيون ، وليس بعيدا أن يدخل بين الصفوف حين تبدوا بشائر النصر بعض المنافقين ويتكرر ما حدث في الجزائر من قبل . . لذا نريد حوارا يدعوا إلى وحدة الصف وتنقيته . فهل تفعلون ؟
ثانيا : نظر حكيم [5] للتاريخ , فوجد أن من قاتلهم السلف الصالح ... رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم أسلموا ودخل الإسلام بلادهم وصاروا جنداً من جنود الإسلام , ومن قاتلهم الخلف ـ الذين تخلو عن هدي السلف ـ لم يسلموا بل عاندوا واستكبروا وملئت قلوبهم حقداً وغِلاً على الإسلام والمسلمين . فقد رأوا مقاتلين ولم يجدوا دعاة . وهذا هو الحال اليوم قتال أكثر منه جهاد ــ لا أشكك في النوايا وإنما أصف الفعال ـــ فحرق وتمثيل ، وثأر للأشخاص ، وشعارات جاهلية تبرز من حين لآخر , مما يضيع به غاية الجهاد . ونحتاج منكم أيها الكرام أن تبينوا لهؤلاء أنهم دعاة قبل أن يكونوا مقاتلين . . . أعرف جيدا ما يطرح من نصائح وما أطالب به غير ذلك . . . حوار مباشر كما أسلفت .
ثالثا : اتصال العلماء المباشر بالمجاهدين ، وقيادتهم لصفوفهم فيه حماية للمجاهدين من أنفسهم ، إذ أنه لو استمر الحال على ما هو عليه اليوم ربما تكرر ما حدث في أفغانستان من قبل كما أسلفت ، وحماية للأمة وعلمائها من المجاهدين ، فما ذا لو انتصروا وهم قد صنفوا كثيرا من علماء الأمة ودعاتها ضمن ( مََن خالفهم أو مَن خذلهم ) ؟ .
رابعا : نريد من طلبة العلم ( تغطية ) الأحداث ، وأن لا يتركوا الأمر للصحافيين و ( المفكرين ) ، فهؤلاء غير هؤلاء . الصحفيون يتكلمون عن فلسطين الأرض والعراق الأرض ، وأمريكا ( البلد ) ، ويتكلمون عن ( المقاومة الوطنية الشريفة ) ، وجُلهم بادي الرأي يبحث عن سبقٍ صحفي .
ومنطق طلبة العلم أنه جهاد يستهدف الكفر أيا كان جنسه أو لغته أو موطنه ، وأن الغزاة مشركون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وإن كان المال أحد أهدافهم ، وأن للنصر أسباب أخرى غير التي يدندن بها العلمانيون . . . نعم هؤلاء غير هؤلاء في الأهداف والمنطلقات . وهم ـــ أي طلبة العلم ـــ تبعا لكم أيها العلماء . فهل توجهونهم لتغطية الأحداث ؟
وحتى لا أطيل عليكم أعرض بعض الأمور كحل للخروج من هذه الأزمة :(/2)
ـــــ قبل أي شيء لم شمل علماء الأمة ، وليس العدد من الأهمية بمكان , ففي كل مواطن الفتن عبر التاريخ ، نجد أن من يثبتون قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة . ويصور لي الخيال الأيام كأنها أرض والرجال فيها نبت طيب ونبت خبيث ، وفي أيام الإمام أحمد مثلا . . . أجد أن أرض العراق بها شجرة أو اثنتين ، وكذا الشام ومصر والجزيرة العربية ، والباقي عشب أخضر طيب الرائحة نضر ، بيد أنه ضعيف الساق ، لا تَحْمِلُ عليه متاعا ولا تجد له ظلا تفيء إليه .
ثم إن فكرة تجميع أكبر قدر ممكن مع التنازل عن بعض الضروريات تحتاج إلى مراجعة على ضوء قوله تعالى " لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا " .
ـــ كان جمال الدين الأفغاني عجولا يريد أن ينقلب على أبناء جيله في يوم وليلة ، وأن يعتنق الناس أفكاره بخطبة أو خطبتين ، فجلس إليه تلميذه المخلص محمد عبده ـــ وكلاهما إلي بغيض ــــ وقال له : عَلِّم عشرة وكل واحد من هؤلاء العشرة يعلم عشرة فيكون عندك في ثلاثين أو أربعين عاما مائة من القيادات التي تستطيع الأخذ بزمام الأمة حيث تريد[6] . وهو ما كان ، فإن رحت تعدد من اشتركوا في تغريب الأمة والسير بها على درب الكافرين وهي تحسب أنها مهتدية وجدتهم قلة . وهو ما أنادي به اليوم .
ثم إن الاهتمام بخاصة الطلبة له بُعد آخر ، وهو حفظ التراث العلمي للشيخ ، فما ضيع الليث بن سعد إلا إهمال طلبته ، ولم يترك أبو حنيفة كتبا وإنما ترك أبرارا عرفوا فضل أستاذهم فدونوا ودرَّسوا .
فمن أراد أن تكون له صدقة جارية ، وأن يترك أثرا فليجب طلبي .
ثم إنه لا بد من الأخذ بيد الأمة ــ أعني عامة الناس ــــ وإشراكهم في الحلول .
أي يكون الخطاب ذو شقين شق تربوي للخاصة ، وآخر يخاطب به العامة .ولعل النقاط التالية تزيد الأمر بيانا .
ــــ زمام الأمة ليس بيد علمائها . وهناك من تنصت إليه الجماهير من غير العلماء ، بل إن الجماهير تشارك في صناعة القرار ،وما أراه هو أن نتوجه بخطاب إلى عامة الناس يبين حق العلماء في قيادة الأمة أو بكلمات أوضح : لَمِّ العامة على الأئمة الربانيين . وإسناد الأمر إلى أهله .
ــ (الكثرة الغالبة من المجادلين لا تجادل بحثاً عن الحقيقة . ولا رغبةً في المعرفة ، وإنما فقط لإثارة الشبهات ومحاولة الفتنة . والرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول معهم في معركة جدلية ولو أفحمهم الرد في لحظتهم !
إنما الرد الحقيقي يكون بإخراج نماذج من المسلمين تربت على حقيقة الإسلام فأصبحت نموذجاً تطبيقياً واقعياً لهذه الحقيقة ، يراه الناس فيحبونه ويسعون إلى الإكثار منه وتوسيع رقعته في واقع الحياة . هذا هو الذي ( ينفع الناس فيمكث في الأرض ) [7] أطالب بالاستقلال في الخطاب وعدم السير وراء ردود الأفعال . . . . عدم الانشغال بالآخر كثيرا ، وإنما خط طريق جديد في الطرح ، ويكون بيان فساد آراء المخالف ضمن بيان الحق .
محمد جلال القصاص
صباح الاثنين 15 /04 /1426
الموافق 23 /05 /2005
--------------------------------------
[1] هكذا أرى أن العولمة بأبعادها الثلاث ــــ الفكرية والعسكرية والاقتصادية ــــ هي المسمى الحقيقي للحملة الصليبية ،وقد شرحت هذا في تقريري عن المقاومة الإسلامية في العراق المنشور في موقع المسلم بعنوان " المقاومة الإسلامية في العراق من يحصد ثمارها ؟
[2] محمد أبو رمان ــ من مقال ( محمد عبده وعوده لمشروع الإصلاح الديني ) . موقع الإسلام اليوم . قلتُ : الهوى هو السبب في الانحراف عن الجادة بإفراط أو تفريط , و النصوص بريئة من ذلك . و يقيني بأن الانهزامية والانبهار بالآخر وثقل الواقع في حس الليبراليين ــ كل الليبراليين إسلاميين وعلمانيين ـــ هما اللذان أوجد الرغبة عند هؤلاء في تحسين الصورة أمام الغرب الكافر ، والتشبه به واقتفاء أثره عند بعضهم . وهما ــ الانهزامية والهوى ــ السبب في إلقاء هؤلاء تبعية التخلف الذي وصلت إليه الأمة في عصورها الأخيرة على الشريعة الإسلامية لا على الإنسان المعاصر الذي أقعده الإرجاء عن حمل الرسالة الصحيحة كما حملها الجيل الأول رضوان الله عليهم . وهذا أمر بين الفساد ، إذ أن الفكرة هي التي تصوغ الواقع ، لا أن الواقع هو الذي يصوغ الفكرة . وهذا أمر بديهي لو تدبروا ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . ثم الجهل المطبق هو الذي جعل هؤلاء يتناسون أن الرسالة التي نحملها هي تعبيد الناس لله وليس النهوض بمستوياتهم المعيشية . وإن كانت الثانية ــــ النهوض المادي ــ إحدى نتائج الاستقامة على شرع الله .
[3] ومن يتدبر يعرف أن الأحكام الشرعية سابقة على المقاصد . فمن الأحكام تستنبط المقاصد . لا العكس كما يريدون اليوم . راجع إن شئت مقال ( المقاصديون الجدد ) لسعد مقيل العنزي . المحايد العدد : 132
[4] قرات في موقع المفكرة ــ وهي أقرب المواقع لهم ـــ أن هناك 23 مجموعة ضمن المقامة . وكذا الحال في فلسطين .(/3)
[5] هو الشيخ الدكتور سفر الحوالي في " مقدمة في التطور الفكري والحداثة "
[6] أكتب من حفظي والمقصود هو المعنى .
[7] . محمد قطب مقدمة شبهات حول الإسلام بتصرف يسير(/4)
قبل أن تعانق رمضان
المصدر/المؤلف: موقع صيد الفوائد ...
ها هي الأمة تنتظر قدوم شهر رمضان المبارك، ومن هذه الأمة أنت أخي الشاب، وقد استوقفني هذا القدوم كثيراً، ودعتني نفسي للمشاركة في الترحاب به، غير أن الأماني اجتالت في خاطري كثيراً، بمن توجه له هذه المشاركة، فرأيت أن الشباب على وجه العموم هم الأمل، وبعد الله هم عون أمتهم على النجاح، فجاءت هذه الرسالة مؤملاً أن تكون عربون وفاء بيني وبين أحبتي الشباب. فجاء خطابي يحمل في طياته كثيراً من الآمال تجاه هذه الفئة من الأمة، فكانت هذه النداءات:
أخي الشاب: أجدني مضطراً للقاء بك هذه الوهلة على جانب من الرصيف، أو في زوايا الملاعب الرياضية، أو حتى في تجمعاتكم الليلية على ضفاف البحر أو على أطراف صحرائنا الجميلة. لأنقل لك مع إقبال رمضان مشاعر حب اجتالت في قلبي، وعاشت في كل مشاعري لشخصك الكريم. فأعطني بضع دقائق من وقتك، وآمل وأنت تقرأ حديثي أو تسمع لكلماتي أن تدرك جلياً أن مشاعر الحب هي الوحيدة التي ساقتني للقاء بك عبر بوابة الكلمة الهادفة.
أخي الشاب: لعله ولج أذنك كثيراً هذه الأيام حداء المحبين لاستقبال شهرهم، ولعلك رأيت بعينيك ابتسامات عريضة على ثغور كثير من المسلمين، واستعداد بهيج لاستقبال هذا الضيف الكريم ولكأني بك تتساءل لماذا هذا الحداء؟ وما السبب الحقيقي لهذه البسمات، وما الشيء الجديد في عالم هذا الشهر لمثل هذه الاستعدادات؟ ومن حقك أن أقول لك: إن رمضان بالذات شهر له ميزة، ووقت له فضل، وزمان له مكرمات، ولو تأملت قليلاً في هذا الشهر لأدركت حفظك الله برعايته أن قليلاً من أسرار رمضان توصل إلى عالم عظيم من الفرحة والسرور.
أخي الشاب: جاء رمضان ولك أن تتأمل أخي الشاب بين رمضان الفائت، ورمضان القادم: كم من قوم رحلوا؟ كم من أخ جمعتنا به الأيام رحل إلى عالم الآخرة، ولكأني به اليوم رهين قبر، وأسير ظلمات، فما أجدرك أخي الفاضل بمحاسبة نفسك قبل رحيل كهذا الرحيل. لقد حفظ لنا الزمن آمالاً كانوا يعيشونها، وطموحات يسعون لتحقيقها، وكانوا ينتظرون رمضان لتحقيق بعض هذه الآمال، وإنجاز هذه الطموحات غير أن الموت عاجلهم، والقدر فاجأهم، فكان الرحيل بلا ميعاد. بات القوم ولكأني بهم ما بين فرح مسرور، فتح له باب إلى الجنة فرأى فيها ما يتمناه فقال: يارب عجّل بقيام الساعة ! وآخر ضاق قبره عليه حتى اختلفت أضلاعه، وعاش بقرب أنيس لا أسوأ منه، ورأى بعينيه وعاش بحاله منظر الحيات والعقارب تتسلى على جسده فقال: يارب لا تقم الساعة.
أخي الشاب: أولائك الذين حدثتك عنهم في الصورة السابقة رحلوا، ونسيهم أهلهم وذووهم، وجاء رمضان هذه الوهلة على آخرين تعرضوا لحوادث مؤلمة، فعاشوا مضاجعين للأسرة البيض، لهم سنوات لم يشهدوا شمساً ولا قمراً ولم يروا ليلاً ولا نهاراً، فماذا يعني لهم رمضان هذا العام؟ غير تجديد الحسرة، ونفاذ الدمعة، وحسرات الحاضر المر.. وأنت حفظك الله برعايته في ريعان شبابك، وفي كامل قواك فماذا يا ترى أنت فاعل في ظل هذه النعم، وتجاه مثل هذه المكرمات؟
أخي الشاب: عاد رمضان هذا العام وفي بلاد المسلمين أحزان ماثلة، وظلمات عاتية، عاد وقد خلّفت الحرب في بلاد المسلمين يتيم يترقرق الدمع في عينيه ألا يجد من يواسيه، وأسرة فقدت معيلها فباتت تساهر القمر، وتنتظر بلج الصبح لعرض شكواها على عامة المسلمين في سؤال عشاء، أو البحث عن كساء، وأحوال ترصدها العين، من أشلاء ودماء، وفراق وشتات، وأنت آمن في بيتك، مطمئن في حياتك، مسرور بأفراحك، فماذا أنت فاعل مع هذا القدوم المبارك.(/1)
أخي الشاب: الجرأة على المعصية، والإقدام عليها، سبب من أسباب سوء الخاتمة أجارك الله تعالى، وقد صرّح ابن القيّم رحمه الله تعالى بمثل هذا فقال: ( ومن عقوبات المعاصي: أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه.. ومن ثم أمر أخوف من ذلك وأدهى منه وأمرّ وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى فربما تعذّر عليه النطق بالشهادة كما شهد الناس كثيراً من المحتضرين أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل: لا إله إلا الله فقال: آهـ ! آهـ ! لا أستطيع أن أقولها ! وقيل لآخر: قل: لاإله إلا الله، فقال: ما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ارتكبتها ثم مات ولم يقلها. وقيل لآخر: قل: لاإله إلا الله فقال: وما يغني عني وما أعرف أني صليت لله صلاة؟ ! فمات ولم يقلها ) اهـ إلى غير ذلك من الأحوال المؤسفة التي تكون نهايتها مؤسفة نتيجة الإصرار على المعصية عافاك الله. ومن عرف قدر هذه العواقب تفكّّّر في حاله، وحاسب نفسه قبل فوات الأوان.فكم من معصية استعذبها الإنسان مع مرور الزمن، وصار له إلفٌ بها، وتعلّق بها حتى أصبحت وأمست تسيطر على فكره، وتحُدثه في خلواته فلما ازداد به هذا الحال وصار يعرف به في حياته كلها أصابته فاجعة الموت،إثر حادث على الطريق فإذا بالرجل يردد في سكرات الموت الشهوة التي تعلّق بها، واستمر المسكين على حاله حتى فاضت روحه وهو على هذه الحالة فإن لله وإن إليه راجعون من الخذلان.
أخي الشاب: أقبل رمضان وبين طياته حديث عظيم يقول فيه النبي : { إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين } وشهر تفتح فيه أبواب الجنان ما أجدرنا إلى اغتنامه بصيام النهار الذي تحدث رسول الله عن فضله فقال: { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } وصلاة الليل مع عامة المسلمين في بيوت الله تعالى، التي بلغ من فضلها أن رسول الله قال: { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }. فإن أبيت إلا أن تكون حريصاً على المعصية، مصراً على التقصير في الطاعة، حتى في زمن الخيرات فأخشى أن يُحال بينك وبين الهداية، وحينئذ تتحقق فيك عظيم الخسارة. فياليت شعري من يفيق من غفلته قبل فوات أزمان الطاعة فإن للربح أياماً، وللتجارة أوقاتاً. والخاسر من فاتته الفضائل وتمنى على الله الأماني. فإياك إياك.
وأخيراً أخي الشاب: هذه رسالتي بين يديك، ولم يكن دافعها إليك إلا فيض مشاعر الحب لشخصك الكريم، وأمنية تؤجج في نفسي آمالاً أن تكون بعد هذه الأسطر أحسن حال من سالف الأيام. حفظك الله وسترك، وأقر عين أمتك بصلاحك وتوبتك. إنه أكرم مسؤول(/2)
قبل أن تعصي الله
إخواني ... أخواتي ...
اسمعوا الله عز وجل وهو يقول : { تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } . سبحان الله هذا الكون كله بكل صغير وكبير فيه متوجه إلى الله يسبحه ويمجده ... ولكن يبقى فى هذا الكون مخلوقات خلقت من نطفة فإذا هى خصيمة مبينة هى تسير فى واد والكون كله فى واد آخر تترك الصلاة بالرغم أن كل ماحولها يلهج بالذكر والتسبيح ... إن هذه النفس العاصية لله ماأشد غرورها وماأعظم حقارتها عندما أرادة أن تكون شاذة فى هذا الكون المنتظم .. كم عرضت عليها التوبة ولم تتب ..وكم عرض عليها الرجوع وهى فى شرور وهروب من الله ...
إخواني...أخواتي .
عليكم قبل أن تعصوا الله تعالى أن تتفكروا فى هذه الدنيا وحقارتها وقلة وفائها وكثرة جفاءها وخسة شركائها وسرعة إنقضاءها .. وتتفكروا فى أهلها وعشاقها وهم صرعى حولها قد عذبتهم بأنواع العذاب ، أضحكتهم قليلاً وأبكتهم كثيراً ..
عليكم قبل أن تعصوا الله تعالى أن تتفكروا بالآخرة ودوامها وأنها هى دار القرار ومحط الرحال ومنتهى السير..
عليكم قبل أن تعصوا الله أن تتفكروا فى النار وحرها وعظم عذاب أهلها .. تفكروا فى أهلها وهم فى الحميم وعلى وجوههم يسحبون وفي النار كالحطب سيجرون قال تعالى : { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } . عليكم قبل أن تعصوا الله أن تتفكروا في الجنة وما أعد الله لأهلها من النعيم الوافر وما هيأ لهم مما لاعينٌ رأت ولاأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. تفكروا في الجنة وتربتها المسك وحصباؤها الدر وشرابها أحلى من العسل ولباسهم الحرير .. وهم على الأرآئك متكئون وفي تلك الرياض يجرون وهم فيها خالدون ..
عليكم قبل أن تعصوا الله قيوماً قاهراً فوق عباده مستوياً على عرشه آمراً ناهياً مرسلاً رسله ومنزلاً كتبه يرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويغفر إذا استغفر ويجيب إذا دعي .. تذكروا الله وهو أكبر من كل شىء وأعظم من كل شىء وأعز من كل شىء وأحكم من كل شىء ، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات وهى تلهج بالدعاء فلا يتبرم بالحاح الملحين سواء عنده من أسر القول ومن جهر به فالسر عنده علانية والغيب عنده شهادة يرى دبيب النمل الأسود على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويرى نياط عروقها ومجاري القوت فى أعضاءها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(/1)
قبل أن تُغيّر عتبة بابك؟
فوزية الخليوي 26/5/1427
22/06/2006
لماذا لا يتذمّر الفقراء من زوجاتهم...ويعدّدون مثالبهنّ كما يفعل الأغنياء؟
هل لأن الحظ أسبغ عليهنّ هالةً من الرحمة! ومسحةً من السكينة..رأفة بحالهنّ!!!
إن المشاهَد من حال بعض الرجال مع زوجته غريب... فبعد أن يتبدل عيشه من العسر إلى اليسر..ومن الجوع إلى الشبع..ومن الظمأ إلى الريّ.
يصبح مرآها يقضّ مضجعه وصوتها يؤلم مسمعه!!
عندها يطلقها أو يستبدلها بأخرى مع هجرانه لها....
إذا انصرفت نفسي عن الشيء ... ...
لم تكدْ إليه بوجه آخر الدهر تقبلُ
بعد أن كانت يداها تمتد إليه إذا أرِق ليلة..أو ضجِرساعة..
تمسح على رأسه بطيب الكلام.. فما تلبث أن تطرد الآلام..فهي معه كالنهر الجاري المتدفق الذي يحمل معه كل الأقذار والأكدار!! لينوء بها كاهلها فتتجرع غصاتها .. وتبتلع آهاتها!!
فمنهنّ من كانت تسهر الليالي تحيك الملابس لتعينه.
ومنهنّ من كانت تقرأ وتكتب له درسه.
ولكل منهنّ أحلامها وآفاقها البعيدة.
فكان العالم كله مملكتها الواسعة.
تركب مطيّتها كل ليلة وهى تؤنس وحشتها...وتبعد غربتها مؤمّلة نفسها بالعيش الناعم المترف..فى ظل حبيبها ومع ذريتها!!
ولكن سرعان ما تنقلب هذه الحديقة إلى فلاة موحشة مظلمة لايضيئُها كوكب ولا يلمع فيها نجم ..
فيا أسفي عليك وطولَ شوقي ... ...
إليك لو أن ذلك ردّ شيئا
فليت شعرى ما الذي حلّ بها ..من خطب جسيم وبلاء عظيم.
حزينة تتلظى بنارها..وتعتلج أُوارها.
يجيش صدرها بكوامن الحب ولواعج الهوى..
فلماذا عندما حلّ المال فى جيبك فارقَت الرحمةُ قلبَك؟!
لماذا طار لبّك..واضطغن عليها صدرك،
وأصبح مرآها يقضّ مضجعك..ويطيل غمّك؟
إن الجمال الحقيقي الذي فقده الزوج بنكرانه كاللؤلؤ المكنون في صدفاته لايمكن إدراكه إلاّ بعد الغوص فى غياهبه.
عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً! منها، فغضب ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها! آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء!!
قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بعدها بسبة أبداً.
ولم يكن ينافح عنها فقط في القول بل كان يترجمه إلى أفعال، ففي الصحيح عن عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة!!
فقال: فذُكرت له يوماً فقال: إني لأحبّ حبيبها؟!
أنت روحي إن كنتُ لستُ أراها ... ...
فهي أدنى إليّ من كلّ داني
ولهذا صدرت مواقف من بعض النساء يعجب لها السامع عند أول وهلة ولكن لها مسوّغاتها:
• فقد نشرت الصحف الأردنية عن عجوز طالبت زوجها بالطلاق حتى لاتكون زوجته في الجنة؟!!
• وقد حُدّث عن امرأة فى أوساطنا أوصت أولادها بعدم إشراكها هي وأبوهم فى أضحية واحدة بعد موتها؟؟
• ولأن الطبيعة البشرية واحدة ففى الغرب حيث انقلبت الأدوار، فقام الزوج بدور الزوجة والعكس, فكان تولستوي الروائي الروسي صاحب أشهر الروايات مبيعاً, بعدما هرب من منزله ذات ليلة على غير هدى, وقد ركب أحد القطارات فى جو بارد مثلج وُجد ميتاً بعد إحدى عشرة ليلة فى القطار, وقد ترك بجانبه ورقة أوصى فيها ألاّ تراه زوجته بعد موته, ولا تشارك فى جنازته؟(/1)
قبل أن نشتكي!!
مفكرة الإسلام : إن حجم القلق والاضطراب الذي يتعرض له كلا الأبوين عند وجود مشكلة لدى الابن أو الابنة يجعلنا لا نستطيع منع أنفسنا من التساؤل، ألم يكن من الممكن تجنب الوصول إلى هذه الدرجة من المشكلة؟!
ألم يكن باستطاعتنا بعون الله تعالى تلافي الوقوع في هذه المشكلة؟!
إن التربية بقدر ما يظن الناس أنها صعبة وشاقة بقدر ما هي يسيرة هينة إذا توفرت لها في الأبوين مطالب:
1. رغبة صادقة في صلاح الأبناء تثمر انشغالاً حقيقيًا بهم.
2. تحديد للهدف المراد تحقيقه في الأبناء.
3. علم بقواعد التربية الأساسية وأساليبها لتحقيق الوصول إلى الهدف المنشود.
4. وقت لتنفيذ كل ما سبق.
5. دعاء مستمر صادق للابن بالطبع وليس عليه.
وللتربية شقان رئيسان:
1. وقاية قبل الشكوى.
2. علاج بعد الشكوى.
ويرتبط كل واحد منهما بالآخر ارتباطًا وثيقًا ويعتمد عليه، فعلى قدر الجهد المبذول في شق الوقاية يقل الجهد المطلوب في شق العلاج, والعكس دقيق صحيح.
لذا كان لزامًا على الآباء والأمهات بذل الجهد الحقيقي الوافر في كيفية تحقيق الوقاية قبل التعرض للمشاكل، ولقد ذكرنا في مقالات أخرى كيف يستطيع الأبوان تحديد هل ابنهما في أزمة حقيقية طارئة أم في موقف عابر سيمر منه بحفظ الله وتثبيته له؟! وذكرنا أن المعيار في ذلك هو اطمئنان الأبوين أنهما قد ربيا أبناءهما على ثوابت وقواعد راسخة تجعل الأبناء يحسنون التصرف والاستشارة والتوجيه.
إذن لكي نحفظ أبناءنا من الأزمات والمشاكل، ولكي نجنب أنفسنا مرارة رؤية أبنائنا على أبواب انحراف ولا نملك لهم حراكًا، كان لا بد من العناية الشديدة بتحقيق أساليب الوقاية ومعرفتها وتنفيذها وبيان معوقاتها.
وتتلخص أساليب الوقاية من المشاكل أو الشكوى من جانب الأباء في هذه المرحلة في الآتي:
1. تحديد الهوية والانتماء بتحديد المرجعية والهدف.
2. الرفقة والصحبة الصالحة.
3. ضبط وتوجيه الشهوات [الفرج ـ البطن ـ الكلام...].
4. التوجيه لحسن شغل وقت الفراغ.
5. انضباط الآباء والأمهات بالشرع في التعامل مع الأبناء.
6. خصوصية النوع ومحاربة التشبه بالغير [النوع الآخر ـ القدوة السيئة].
وسنعرض لكل واحد من هذه الأساليب بإيجاز شديد على مدى هذا المقال والجزء الثاني منه:
أولاً: تحديد الهوية والانتماء بتحديد المرجعية الهدف:
[1] {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}.
أخبرني عن نفسك.. تفكيرك.. مشاعرك.. آرائك.. نظرتك لنفسك وللآخرين، هذه هي الإجابة الدقيقة عن السؤال: من أنت؟!
إنه لا بد من تحديد الهوية التي سنصوغ أبناءنا وفقها ونصبغهم بصبغتها فتحكم مشاعرهم وأفكارهم وآراءهم وتوجاتهم، ودرجة الإتقان في تحقيق هذا الأمر تكون بالثقة المتولدة لدى الشباب عند الإجابة على السؤال من أنت؟! فيجيب: أنا مسلم.
[2] {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
تحديد الانتماء ومقياس الموالاة والمعاداة والمحبة والبغض، ولتحديد كل من الهوية والانتماء لا بد من تحديد المرجعية والهدف.
[3] المرجعية:
في حجة الوداع يوم عرفة وقف النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا, فاستفتح خطبته بسؤال: في أي بلد نحن؟! من المؤكد وضوح الإجابة؛ فهم في مكة في أرض عرفة، لكن العجيب كان في الإجابة التي رد بها الحاضرون من الصحابة رضوان الله عليهم, فقد قالوا: الله ورسوله أعلم!!
وينطق السؤال الثاني: في أي شهر نحن؟!
وهل يحج الناس إلا في شهر ذي الحجة من يوم أذن إبراهيم عليه السلام بالحج في الناس, وتتكرر الإجابة العجيبة: الله ورسوله أعلم. في أي يوم نحن؟! الله ورسوله أعلم.
قال: ألسنا في بلد الله الحرام مكة، ألسنا في شهر ذي الحجة، ألسنا في يوم عرفة، قالوا: بلى يا رسول الله قال: ...'.
الشاهد من الحديث عندما سئل الصحابة لِمَ لَمْ يجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعرفون الإجابة؟!
فكان الرد منهم: خفنا أن يغيره.
إن تحديد المرجعية في كل الأمور هي الصورة التي تجعل الشاب قبل إتيان الفعل أو الفكر أو القول يسأل: هل يحبه الله أم يبغضه؟! وكيف يجب مني أن أفعله أو أؤديه؟!
وهذا مما يرسخ قضية الهوية والانتماء، ليست الفكرة أن يعمل ابنك الصواب, لكن أن يعرف لمَ يفعله؟!
[4] الهدف:
وأعني به معرفة الابن للهدف من الحياة ووضوحه في ذهنه، وفهم رسالته: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
فيعبده في نفسه، ويسعى في تعبيد الناس لله تعالى على قدر وسعه وطاقته، والعبادة هنا بمفهومها الواسع لا الضيق, فكل ما في الحياة عبادة إذا ابتُغي به وجه الله تعالى وكان وفق شرعه ورضاه.
ثانيًا: الرفقة والصحبة الصالحة:(/1)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل حامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك [يضع الطيب على يدك]، وأما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة' [رواه البخاري].
أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلُ وتنل ذكرًا جميلا
صحبة الخامل تكسو من يواخيه خمولا
لا بد أن يتفهم الأبوان أن هناك مرحلة أساسية لا بد من أن يمر بها الشاب, يكون الدور الرئيس في التأثير في توجيهاته وأفكاره وتصوراته هو لأقرانه ممن هم في نفس سنه، وذلك لاتحاد الرغبات والمشاعر والتطلعات، وتنبه معي لهذا المثل القرآني اللطيف لإخوة يوسف عليه السلام مع أنهم قد اجتمعوا على التخلص من أخيهم حسدًا لمنزلته عند أبيه, إلا أن التأمل في درجات الكيد يؤكد لنا أن صلاحهم وتربية أبيهم قد أثمرت، فها هي رفقة صالحة أغواها الشيطان في معصية، لكن لصلاحها تجد التصعيد كما سماه المفسرون تصعيدًا نحو الخير لا الشر، أو بمعنى أدق إلى تقليل الشر {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً...}, {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}.
إنه القتل.. كلا هذا كثير، فالطرح أرضًا.. كلا أيضًا، فالإلقاء في الجب ليلتقطه بعض المارة فيظل على قيد الحياة، ثم محاولة لإلغاء الأمر كله بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} هذا يسمى تصعيدًا نحو الخير, بعكس رفقة السوء تجدهم يتبارون في التصعيد نحو الشر ويتنافسون فيه, ويسهل جدًا تحقيق هذه الوسيلة من وسائل الوقاية بضبط الوسيلة الأولى وهي تحديد الهوية والانتماء بتحديد المرجعية والهدف.
ثالثاً: ضبط وتوجيه الشهوات:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'من يضمن ليس ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة'.
هناك ثلاث شهوات لا بد من الاستعداد لها بالوقاية.
1ـ شهوة الفرج. 2ـ شهوة الطعام. 3ـ شهوة الكلام
القاعدة: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40ـ41].
أـ خوف من مقام الله. ب ـ نفس محكومة بالعقل المنضبط بالشرع.
[1] شهوة الفرج:
لا بد من توضيح حدود العلاقة بالنوع الآخر, وبيان فضيلة العفة والحفظ والصون للنفس عن الحرام، وتعظيم نماذج المتعففين، والتوعية الكاملة الشرعية بمعاني البلوغ وسن التكليف الشرعي، وكذلك توضيح الممارسات الخطأ ومدى خطورتها نظرًا لما وصلته مجتمعاتنا من انفتاح وتعدد لصور الفساد, أو على الأقل فتح قناة اتصال قوية تكفي لكي يتحدث الشاب عما وصل سمعه وبصره من صور غير طبيعية ليمكن التوجيه من الأبوين فيها.
[2] شهوة البطن:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه, إنما يكفي ابن آدم لقيمات يقمن صلبه...'.
الأكل وسيلة وليس غاية في حد ذاته، فلا يحرم التمتع بطيب الطعام لكن بغير إسراف ولا مباهاة، والاعتدال والاتزان في كل الأمور مطلوب.
[3] شهوة الكلام:
وفيه يراعي أوجهًا:
أـ نوع الكلام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء...'.
وقال صلى الله عليه وسلم: 'الكلمة الطيبة صدقة', وتنبه للألفاظ الدائرة في المحيط المعيشي للابن وأهمية تنقيتها أولاً بأول, والتنبه المبكر للأخلاق الكلامية من نوع الكذب والغش والنميمة والغيبة وغيرها، وبدء التعامل معها مبكرًا، أو وضع الأصول التي تقي من الإصابة بها واجتناب كل ما يدفع الأبناء إلى ارتكابها.
ب ـ كمية الكلام: ورد في الشرع ذم الثرثرة وبيان أن من كثر كلامه كثر خطؤه.
د ـ تحديد وقت الكلام ووقت الصمت، وبيان ما يناسب كل موقف وتعليمه للأبناء.
ومثال ذلك موقف عمر بن الخطاب من ابنه عبد الله عندما عرف إجابة السؤال عن النخلة فلم يجب.
وفي الجزء الثاني نواصل توضيح باقي النقاط الواجب الاعتناء بها للوقاية من الوقوع في المشكلات مع الأبناء(/2)
قبل أن يقضي الفراغ على أطفالنا!!
(1-2) لقمان عطا المنان*
تتعدد المدارس على طول البلاد وعرضها وعلى وجه الخصوص ما يسمى بمرحلة الأساس الحكومية أو الخاصة التي صارت تجارة رائجة رابحة.. هذه المدارس التي تحوي جيوشاً جرارة من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم في الغالب ما بين ست سنوات إلى أربع عشرة سنة حيث يقضون ثمان سنوات بين أركانها وجدرانها.. ولكن السؤال الذي يطرح ويفرض نفسه هو: كيف يقضي هؤلاء التلاميذ أوقات فراغهم في العطلة أو الإجازة؟!..
ذات مرة سمعت بأذني - وأنا أشق طريقي وسط أحد الأحياء العاصمية أثناء شجار وقع بين اثنين من الأطفال لا يتجاوز عمر أحدهما إحدى عشرة سنة - ألفاظاً متبادلة بينهم يعف القلم عن ذكرها!!..
توقفت وتأملت هذه الألفاظ التي تفوّه بها هذان الطفلان، وتساءلت وفي نفسي مرارة: من أين أتى هؤلاء الصغار بهذه الألفاظ البذيئة، وهذا السلوك المشين؟!..
كانت الأسئلة تحاصرني، لكنني لم أجد لها إجابة شافية سوى أنها حدثت بسبب الفراغات العريضة التي تتركها بعض الأسر والمدارس.. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في ذلك: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)..
ولكم أن تتصوروا معي هؤلاء الصغار وهم يجلسون في الطرقات، ويتشاغبون في أشياء لا تسمن ولا تغني عن جوع.. أو انظروا إلى جلوسهم أمام الحوانيت وهم يحملون الألعاب النارية التي يفجرونها بين الفينة والأخرى بعد أن يقوموا بوضعها خلسة تحت أقدام الكبار أو الصغار ثم تنفجر مسببة الهلع والفزع والروع للجالسين والمارة، بينما هم يقهقهون!!..
إن أخطر ما يواجهه هؤلاء الصغار هو الفراغ القاتل الذي إن لم يستثمر في شيء مفيد ضاع الصغير وفسد؛ لا سيما من كان في مرحلة المراهقة وبداية طور النضوج!!..
* نود من خلال هذا التحقيق أن تتناول موضوعاً طالما غفل عنه الكثيرون!!..
* ما أكثر ما يعانيه المارة بالشارع من تلفظ الصغار بألفاظ وكلمات بذيئة؛ فيجب على أولياء الأمور أن يحاولوا علاجها بشتى الطرق بالتي هي أحسن؛ بطرق كثيرة مثل ملء فراغهم بأشياء مفيدة يمكن أن يسدوا بها هذا الفراغ القاتل الذي يذهب كثيراً في أشياء تنعكس على سلوكهم، ويجب على الآباء أن يعلموا أنه (لكل داء دواء)؛ فإن معرفة الأسباب الكامنة وراء الداء تمثل نصف الدواء..
إن على الأب أو الأم أن يسمع بعقل القاضي وروح الأب لأسباب انفعال الطفل بعد أن يهدئ من روعه، ويذكر له أنه على استعداد لسماعه؛ وحل مشكلته، وإزالة أسباب انفعاله.. وهذا ممكن إذا تحلى بالهدوء والذوق في التعبير عن مسببات غضبه..
ثانيًا: إحلال السلوك القويم محل السلوك المرفوض:
ثم بعد ذلك البحث عن مصدر تواجد الألفاظ البذيئة في قاموس الطفل؛ فالطفل جهاز محاكاة للبيئة المحيطة؛ فهذه الألفاظ هي محاكاة لما قد سمعه في بيئته المحيطة: (الأسرة – الشارع – الأقران).. كما يجب أن يراعى أن يعزل الطفل عن مصدر الألفاظ البذيئة المصدر؛ كأن يبعد عن قرناء السوء إن كانوا هم المصدر؛ فالأصل كما قيل في تأديب الصبيان (الحفظ من قرناء السوء، وإظهار الرفض لهذا السلوك؛ وذمه علنًا، مع إدراك أن طبيعة تغيير أي سلوك هي طبيعة تدريجية؛ وبالتالي التحلي بالصبر، والهدوء في علاج الأمر أمر لا مفر منه)؛ (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)..
يُعَوَّد سلوك (الأسف) كلما تلفظ بكلمة بذيئة.. ولا بد من توقع أن سلوك الأسف سيكون صعبًا في بادئ الأمر على الصغير؛ فتتم مقاطعته حتى يعتذر، ويناول هذا الأمر بنوع من الحزم والثبات والاستمرارية..
* عبد القادر عوض - معلم بالمرحلة الثانوية:
يمكن لأولياء الأمور أن يرشدوا أطفالهم؛ بأن يبتعدوا عن كل ما هو قبيح وضار لهم؛ من سوء السلوك، والألفاظ البذئية، وإبعادهم عن قرناء السوء، مع استعمال اللين معهم، والحكمة والموعظة بالتي هي أحسن، وإرساء مناهج سلوكية ذات صبغة إسلامية لهم؛ لا سيما في عطلاتهم المدرسية التي هي مرحلة الانحراف الحقيقية للأطفال؛ ففيها يتعلمون السلوك المشين!!..
أهمية التربية
تلعب التربية السليمة داخل الأسرة المسلمة الدور الكبير من الوالدين الذَين يقومان بمهمة التوعية والإرشاد لأبنائهما؛ لا سيما عند نعومة أظافرهم، وغرس القيم الدينية التي ينادي بها الإسلام والتي يمكن للطفل أن يملأ فراغه بها..
وهنالك عدة أمور ينبغي على الأب والأم أن يراعياها في تربية أبنائهما منذ الصغر؛ حتى يصيروا أبناءًا صالحين ينتفع بهم آبائهم ومجتمعاتهم..
ويرى الكثير من علماء التربية أن هناك عدة أمور يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تنشئة الطفل تنشئة قويمة إذا عمل بها أولياء الأمور منها:
* إلزام الطفل بالاستجابة لقواعد تهذيب السلوك التي تم وضعها: فمن المهم أن يعتاد الطفل الاستجابة بصورة لائقة إلى توجيهات والديه قبل دخوله المدرسة بفترة طويلة..(/1)
* ومن هذه التوجيهات: جلوسه في مقعد السيارة، وعدم ضرب الأطفال الآخرين، وأن يكون مستعداً لمغادرة المنزل في الوقت المحدد صباحاً، أو عند الذهاب إلى الفراش، وهكذا..
وهذه النظم التي يضعها الكبار ليست محل نقاش للطفل إذا كان الأمر لا يحتمل ذلك..
واجعل الطفل يميّز بين الأشياء التي يكون مخيّراً فيها وبين قواعد السلوك المحددة التي ليس فيها مجال للاختيار..
* التمييز بين احتياجات الطفل ورغباته:
فقد يبكي الطفل إحساساً بالألم، أو الجوع، أو الخوف.. وفي هذه الحالات يجب الاستجابة له في الحال.. أما بكاؤه لأسباب أخرى فلن يسبب أية أضرار له.. وفي العادة يرتبط بكاء الطفل برغباته، وأهوائه.. والبكاء حالة طبيعية نتيجة حدوث تغير، أو إحباط للطفل.. وقد يكون البكاء جزءاً من نوبات الغضب الحادة؛ فيجب فى هذه الحال تجاهله، مع عدم معاقبته؛ وإنما يخبر بأنه طفل كثير البكاء؛ وعليه أن يكف عن ذلك..
وهناك بعض الأحيان التي يجب أن يُتَجَنَّب فيها الاهتمام بالطفل، أو ملاعبته مؤقتاً..
* يجب ألاَّ يغفل الوالدان عن التهذيب؛ حتى في وقت المتعة، والمرح:
إذا كان كلا الوالدين يعملان فربما يرغبان في قضاء جزء من المساء بصحبة الطفل، وهذا الوقت الخاص يجب أن يكون ممتعاً، ولكن ليس معنى هذا أن يتهاونا في تطبيق قواعد التهذيب؛ فإذا أساء الطفل السلوك فيجب تذكيره بالحدود التي عليه التزامها.
* قواعد السلوك مع الطفل:
الأطفال في هذه السن لا يتقيدون بهذه القواعد، أما عندما يبلغ الطفل أربع أو خمس سنوات من العمر فيمكن أن تشرح له الموضوعات التي تتعلق بتهذيب السلوك؛ لا سيما قبل دخوله مرحلة الأساس، أما عندما يبلغ الطفل سن المراهقة - من أربع عشرة سنة إلى ست عشرة سنة - فيمكن مناقشته كشخص بالغ؛ وفي تلك المرحلة يمكن أن يسأل عن رأيه في أي من هذه القواعد، والعقوبات.
* تعليم الطفل كيفية التغلب على السَأَم:
إذا كنت تلعب وتتحدث مع الطفل عدة ساعات كل يوم فليس من المتعيّن أن تشاركه اللعب دائماً؛ أو تحضر له بصفة دائمة صديقاً من خارج المنزل ليلعب معه؛ فعندها وعندما تكون مشغولا فتوقّع من طفلك أن يسلّي نفسه بمفرده؛ فالطفل البالغ من العمر أربعة أعوام يستطيع تسلية نفسه نصف الوقت، أما الذي يبلغ من العمر خمسة أعوام مثلاً فيستطيع أن يشغل نفسه ساعات طويلة يوميا..
* ثم حدوث التغيرات؛ مثل الخروج من المنزل، وبدء الحياة المدرسية يعد من ضغوط الحياة العادية، ومثل هذا يعلم الطفل، ويجعله قادراً على حل مشاكله؛ فعلى الآباء أن يكونوا دائما قريبين، ومستعدين لمساعدة الطفل عند اللزوم، لكن يجب ألا تقدم له المساعدة إذا كان بمقدوره أن يفعل ذلك الشيء بمفرده..
* وعموماً فعلى الآباء أن يجعلوا حياة الطفل واقعية، وطبيعية؛ بالقدر الذي يستطيع تحمله وفقا لسنّه؛ بدلاً من الاجتهاد في توفير أكبر قدر من المتعة له؛ لأن قدرات الطفل على التكيف، وثقته بنفسه سوف تنشط بتلك التجارب؛ وسيستفيد من خوضها..
* ومن الأشياء المهمة تعليم الطفل احترام حقوق والديه:
تأتي احتياجات الأطفال - من حب، وطعام، وملبس، وأمن، وطمأنينة - في المقام الأول، ثم تأتي احتياجات الآباء في المقام الثاني، أما رغبات الطفل (مثل اللعب)، أو نزواته (مثل حاجته إلى مزيد من القصص الإسلامية) فيجب أن تأتي في المقام الثالث ووفقاً لما يسمح به وقت آبائهم.. ويزداد هذا الأمر أهمية بالنسبة للوالدين العاملين الذين يكون وقتهما الذي يقضيانه مع أطفالهما محدوداً.. والشيء المهم هنا هو مقدار الوقت الذي يقضيانه مع طفلهما وفعاليته؛ فالوقت المثمر - والذي يجب أن يتفاعل فيه مع الطفل بأسلوب ممتع - هو وقت العطلات.. ويحتاج الأطفال إلى مثل هذا النوع من الوقت مع والديهم يومياً..
أما قضاء الآباء كل لحظة من وقت فراغهم أو من عطلتهم مع الطفل فإنه ليس في صالح الطفل أو صالحهم؛ حيث يجب أن يكون هناك توازن؛ يحافظ به الآباء على استقرارهم النفسي والذهني؛ بحيث يمنحهم قدرة أكبر على العطاء..
وليعلم الآباء أن الطفل إذا لم يتعلم احترام حقوق والديه فقد لا يحترم حقوق الآخرين؛ لا سيما عندما ينطلق في وقت فراغه في الإجازة، ويقترن مع أصدقائه؛ حيث يجد الطريق أمامه ليتعلم كل شيء منهم؛ الأمر الذي يجعله أقل تحمساً واهتماماً بالواجبات المدرسية..
* علي عز الدين عمر - رب أسرة:
من أهم الأشياء التي تجعل الطفل سوياً على الاستقامة الاهتمام برعايته، وتربيته تربية مستقيمة وفق ما أمر به الدين الإسلامي، ولكن للأسف الشديد فإن أغلب الأطفال اليوم صاروا لا يحترمون أحداً من الكبار؛ وهذا يعود بالطبع إلى عدم التربية!!..
* الزبير محمد إبراهيم – معلم:(/2)
التربية السليمة دوماً هي التي توجه الطفل إلى الاستفادة من أوقات فراغه عند الإجازات، والتربية لا بد أن تزرع من الوالدين في المقام الأول؛ لأن المدارس اليوم صارت تؤدي واجبها في الناحية الأكاديمية فقط؛ على عكس ما كان عليه الأمر في الماضي حيث كان التعليم فيه يقوم بواجبه كاملا نحو التلاميذ؛ بإرشادهم للسلوك القويم الذي يجب عليهم أن يسلكوه في حياتهم!!..
* الأمين عبد الله - رب أسرة:
والله يا ابني! منذ أن تأتي الإجازة نضع أيدينا على قلوبنا!؛ خوفاً من الصخب والضجيج الذي سيسببه لنا هؤلاء الأطفال!!.. والمشكلة تكمن في أن الكثير من الآباء يضع الحبل على الغارب فلا يهمه أمر ابنه؛ أين خرج؟!، وإلى أين اتجه؟!.. ويمكن أن يكون لا يعلم شيئاً عن مستواه الدراسي في المدرسة!!..
اللعب مفيد ولكن!!..
اللعب في سن المدرسة هو أكثر أنشطة الطفل ممارسة؛ يستغرق معظم ساعات يقظته، وقد يفضله على النوم والأكل، ولكن لا بد ألاَّ يشغله ذلك عن أداء صلواته بانتظام، وألاَّ يأخرها عن موعدها المحدد..
وغياب اللعب لدى الطفل يدل على أن هذا الطفل غير عادي.. فاللعب نشاط تلقائي؛ طبيعي؛ لا يُتعلم!!..
اللعب له عدة فوائد؛ فهو يُكسب الطفلَ مهارات حركية؛ فيتقوى جسمه.. وأيضا عمليات معرفية كالاستكشاف، ويزيد من المخزون اللغوي لديه، وغير ذلك من الفوائد..
* وليد سليمان - أعمال حرة:
الطفل هو في سن اكتساب، وهو يقوم بأي عمل يريد أن يتعرف عليه.. والطفل الذي لا يلعب طفل غير طبيعي..
ومن الأشياء المهمة أن الأطفال لا يعرفون الكذب، ولكن من المؤسف أن بعض الأمهات والآباء يعلمون أبنائهم الكذب!.. والأب التقي حقاً هو الذي يقوم بمراقبة أبنائه حتى لا ينحرفوا ويسيروا في طرق متعرجة!!.
* عبد الحميد حسن - رب أسرة
في ظل الظروف المعيشية القاسية، وتقلب الأحوال الاقتصادية ابتعد الناس عن مراقبة أبنائهم وعن متابعتهم في حال خروجهم للشارع أو التقائهم بأصدقائهم، بل حتى لدرجة عدم وقوفهم على مستوياتهم الدراسية!!.. وأقول: إن الفراغ الواسع الذي يعيشه الأطفال اليوم لهو من إهمال الآباء أنفسهم!؛ فمهما كانت الظروف فلا بد من رعاية تسد خلل هذا الفراغ!.. والله المستعان.
* محمد جابر - سائق ترحيل أطفال
حقيقة الأطفال في حاجة ماسة إلى أن يملأوا الفراغ بأشياء مفيدة، وبرامج نافعة، وكثيراً ما أسمع بعض الألفاظ القبيحة من الأطفال؛ وأندهش لها.. وذات مرة سمعت من أحد الأطفال كلمات يقولها لأخيه، وعندما قلت له: لماذا تقول مثل هذه الألفاظ القبيحة؟! قال لي: إن أخاه قد سبقه بكلام أقبح!!.. وفيما بعد علمت أن هذين الطفلين قد تعلما هذه الألفاظ من بعض أصدقائهم الذين يجالسونهم من أولئك الذين تطلقهم أسرهم دون رقابة!!..
* إبراهيم غالي – مواطن:
عدم رعاية الآباء لأطفالهم، إضافة لعدم التنظيم الجيد لأوقاتهم، مع غياب المتابعة.. كلها عوامل تساهم في تدني أخلاقهم، ومستواهم الدراسي!!..
* حمد عباس أيوب – معلم:
الواجب على الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم أن تضع برامج مفيدة للأطفال؛ لا سيما في مرحلة الأساس في الإجازات الصيفية؛ بحيث لا تكون مملة ومنفرة، وأن تسطيع هذه البرامج أن تملأ الفراغ الذي تخلّفه المدارس؛ فالجرعات المدرسية غير كافية لإشباع حاجة هؤلاء الصغار.
* محمد عثمان نمر – معلم:
الأطفال هم أمل المستقبل ويمثلون الحاضر؛ فلا بد من الأخذ بأياديهم إلى طريق النور؛ وذلك بسد فجوة العطلات والإجازات التي تمر بهم مرور الكرام دون أن يكون هناك أي برامج تفيدهم في الدنيا والآخرة..
* زينب حماد – معلمة:
اللعب شيء طبيعي للأطفال؛ ولا بد منه، ولكن يجب أن تتماشى أيضاً معه أشياء مفيدة، بل لا بد للمدارس التي ينتمي لها الأطفال خاصة مرحلة الأساس أن تقدم لهم برامج خلال العطلة الصيفية.
فترة المراهقة
ليس سهلاً أن تربي طفلاً في زماننا هذا المشحون بالتوتر، وضيق الوقت، واللهث خلف الظروف المعيشية الصعبة التي شغلت الكثير من الآباء.. ولكن التربية مسؤولية عظيمة سيسأل عنها الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ لأنه بمثل ما على الأبناء من حق لآباءهم فأيضاً وضع الإسلام حقا للأبناء على الآباء!!..
فما بالك بابنك وأنت غافلا عنه وقد تعدى عتبة الطفولة؛ وخط شاربه، وغلظ صوته، ومِنْ حوله مستجداتٌ وصرعات لا تنتهي؛ من موسيقى، وقصات شعر، وأزياء غربية غريبة، وتمرد، وعناد، وعالم انفتحت أبوابه على مصراعيه!!..
المراهقون: هل هم حقاً مشاكل متحركة، أو براكين ثائرة، وحروب مستمرة؟!، أم هم أطفال ولجوا عالم الكبار؛ ويحتاجون في دخولهم هذا إلى تهيئة، وعناية، وتكوين علاقة حميمة؟!..
* عبد المعطي أحمد علي - معلم:(/3)
أكثر ما يفسد الأطفال لا سيما المراهقين منهم هو اهتمامهم باللبس الغربي، والأفلام الغربية، والموسيقى، وعالم الموضة؛ خاصة التسريحات، والحلاقات الغريبة على مجتمعنا هذا كله.. وفي تقديري هذا كله بسبب الفراغ العريض.. وللأسف لايحترمون أحداً من الكبار عندما يدخنون السجائر، أو يتعاطي بعضهم (التمباك)، أوالشيشة التي صارت شغلهم الشاغل..
وبالطبع إن كثيرا من الآباء لا يدرون شيئاً عنهم؛ لعدم مراقبتهم لهم؛ خاصة في العطلات والإجازات!!..
* عبد السلام يوسف - مشرف تربوي سابق..
للأسف الفراغ الذي يعيش فيه هؤلاء الصغار هو مفسدة عظيمة لهم إن لم توضع لهم برامج مفيدة من قبل آبائهم.. وأكبر مشكلة تواجه هؤلاء الصغار - ولا يدري عنها آباءهم شئياً - هي مصاحبتهم للذين يكبرونهم سنًا وفكرًا!!..
الإخفاق المدرسي
مستويات الإخفاق (الفشل) قد تحدث أزمة ليس فقط في مستوى الطفل الأكاديمي والتعليمي، ولكن أيضاً في نفسية الطفل؛ بل ربما السبب يعود لأصدقائه، وما تأثر به خلال الإجازات والعطلات المدرسية؛ فاجعل نظرة الطفل للفشل، والإخفاق بطريقة لا تؤثر عليه؛ بحيث ترفع من معنوياته، وتشجعه على المزاكرة؛ حتى لا يترك الدراسه؛ وذلك عن طريق إدخاله معهدا، أو كورسا يقوي من مستواه أثناء فترة الإجازة، والعطلة؛ وبهذا تكون قد أغلقت عليه فجوة كبيرة أثناء فراغه..
* علي أحمد - معلم أساس:
أكثر ما يؤدي لانحراف الطفل مبكراً هو فشله في دراسته؛ والذي ربما يعود سببه إلى الفراغ في إجازته؛ حيث يكون قد انشغل بأشياء قد تصاحبه حتى أثناء العام الدراسي؛ وأعني بهذا أشياء يتعلمها من أصدقائه في هذه العطلة؛ ويتمسك بها؛ وبالتالي تؤثر في دراسته؛ ويفشل دراسياًًً!!.(/4)
قبل انقضاء العشرالاواخر
...
...
التاريخ : 16/10/2005
الكاتب : حمد الكوس ... الزوار : 2319
كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجلان من بني قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة فرأى طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه المؤخر منهما دخل الجنة فتعجب من ذلك وكذلك الناس تعجبو! فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال:أليس قد صام رمضان وصلى كذا وكذا ركعة صلاة سنة؟.رواه أحمد وحسنه الالباني رحمه الله
في زيادة عند ابن ماجة وابن حبان والبيهقي صححها الالباني" فلما بينهما أبعد ممابين السماء والأرض"..
في هذا الحديث يتبين فضل رمضان وعظم أجره، وعظم أجر الصلاة ،وإذا كانت عبادة سنة رفعت هذا الصحابي فوق المجاهد الذي ضحى بنفسه في سبيل الله! فكيف بمن يستغل ليالي العشر الاواخر التي هي خير ليالي السنة،بله ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟
فياعبادالله هذا شهركم المبارك قد أزف على الرحيل، فمن كان مقصرا فليتب وليعتذر ،ومن كان محسنا فليحمد الله وليسأل الله القبول ،واختموا هذه العشر بخير أعمالكم وسابقوا فيها الى ربكم قال الحسن :"إن الله جعل رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتأخر قوم فخابوفالعجب من اللاعب الضاحك في يوم يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون". وقال تعالى:" وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ". آل عمران/ 133.
قال ابن سعدي:أمرهم الله –أي أهل التقوى-بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السموات والأرض فكيف بطولها؟
التي أعدها الله للمتقين فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها.انتهى
وفي سورة الحديد بعد أن حقر الله الدنيا وبين أنها مثل الزرع المصفر المتحطم وبين أنها متاع الغرور أي تغر صاحبها ،فلاهو ملكها ولاهو استكمل نعيمه بها ،فأي نعيم للدنيا وهي مليئة بالمنغصات والمكدرات؟ بعد هذه الايات ذكر الله أمرعباده بالمسارعة الى الخيرات فقال:" سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ".الحديد/21
وتطل علينا في مثل هذه الايام ليلة عظيمة مباركة تتنزل فيها الملائكة، ويتنزل فيها الروح الأمين وهو جبريل، وماذاك إلا لعظمها وشرفها، فهوعليه السلام موكل بالوحي والنزول به على الانبياء،وهذه الليلة سلام لأهل الارض، وهي شرف عظيم لمن أدركها كما قال بعض أهل العلم بأن القدر هو:الشرف، وليلة القدر هي ليلة الشرف العظيم ،وهي خير من الف ليلة؛اي خيرمن عبادة ثلاث وثمانين عاما،فعلينا بحبس النفس والمسابقة بكل خير فيها،وهي أرجى ماتكون في الايام العشر وفي الوتر منه ،وورد عن بعض السلف أنها ليلة السابع والعشرين،ورجح ابن حجر انها تتنقل في الوتر من العشرالاوخر من رمضان، فياليت شعري من المقبول في مثل هذه الايام فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه وصدق عليه الصلاة والسلام حين قال عن رمضان : (فيه ليلة خير من الف شهر من حرم خيرها فقد حرم) فلاتكونو من المحرمين المبعدين في هذا الشهر الكريم .
غدا توفى النفوس ماكسبت ويحصد الزارعون مازرعو
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس ماصنعوا
بقلم :حمد عبدالرحمن يوسف الكوس(/1)
قبل عمر رأسه
أ.د/محمد أديب الصالح
رئيس تحرير مجلة حضارة الإسلام
أخرج أبو بكر البيهقي وابن عساكر عن أبي رافع قال:
وجَّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الروم وفيهم رجل يقال له: عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا له: إن هذا من أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم-.
فقال له الطاغية: هل لك أن تنتصر وأشركك في ملكي وسلطاني؟
فقال له عبد الله: لو أعطيتني ما تملك وجميع ما ملكته العرب، على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت.
قال: إذاً أقتلك..
قال: أنت وذاك!!
فأمر به فصلب، وقال للرماة:
- ارموه قريباً من يديه، قريباً من رجليه وهو يعرض عليه التنصر وهو يأبى.
ثم أمر به فأنزل، ثم دعا بِقدْرٍ فصَبَّ فيها ماء حتى احترقت، ثم دعا بأسيرين من المسلمين، فأمر بأحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، ثم أمر به أن يلقى فهيا. فلما ذهب به بكى، فقيل له: إنه قد بكى، فظنَّ أنه جزع، فقال: ردوه، فعرض عليه النصرانية، فأبى.
فقال: ما أبكاك إذاً؟
قال: أبكاني أني قلت في نفسي، تلقى الساعة في هذه القدر فتذهب! وكنتُ أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى في الله.
قال له الطاغية: هل لك أن تقبِّل رأسي وأخلي عنك؟
قال: وعن جميع أسارى المسلمين؟
قال: وعن جميع أسارى المسلمين.
قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله أقبّل رأسه يخلي عني وعن أسارى المسلمين، لا أبالي.
فدنا منه، فقبّل رأسه، فدفع إليه الأسارى، فقدم بهم إلى عمر رضي الله عنه، فأخذ عمر بخبره. فقال عمر:
حقٌّ على كل مسلم أن يقبّل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ.
فقام عمر فقبَّل رأسه.
موعظة
عن سويد الكلبي: أنَّ زُرَّ بن حبيش –وهو من التابعين- كتب إلى عبد الملك ابن مروان كتاباً يعظه. وكان في آخر الكتاب: ولا يطمعك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحتك فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون:
إذا الرجال ولدت أولادها=وبليت من كبر أجسادها
وجعلت أسقامها تعتادها=تلك زروع قد دنا حصادها
فلما قرأ عبد الملك الكتاب، بكى حتى بلَّ طرف ثوبه، ثم قال:
صدق زُرٌّ، لو كتب إلينا بغير هذا لكان أرفق.
ما الذي ينتظرون؟
يروى: أن راهبين دخلا البصرة من ناحية الشام، فنظرا إلى الحسن البصري، فقال أحدهما لصاحبه: ملْ بنا إلى هذا الذي كان سمته سمت المسيح.
فعدلا إليه، فألفياه مفترشاً بذقنه ظاهر كفه وهو يقول:
يا عجباً لقوم قد أمروا بالزاد، وأُذنوا بالرحيل، وأقام أولهم على آخرهم، فليت شعري ما الذي ينتظرون؟!
* مجلة حضارة الإسلام –السنة 9 –العدد 1 –ربيع الأول 1388هـ -حزيران 1968م(/1)
قبلي يا رياض !
بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي
أقبِلي يا رياضُ ! دُونَكِ دَرْبٌ ... ... مِنْ وَفاءٍ وطَلْعَةٌ مِنْ حَنانِ
ونداءٌ يَمُوجُ في الأفق مَازا ... ... لَ نديّاً يموجُ ملء الزمانِ
أقْبلي يا رياض ! هذا نَبِيٌّ ... ... خاتَمٌ رحمةً وعزّةَ شانِ
نَشَرَ النّورَ في ديارِكِ هَدْياً ... ... وبَنَى أُمَّةً فِنِعْمَ الباني
لم يَزلْ نُورُه يَفيض ويُغْني ... ... كلَّ ساحٍ بآيةٍ وبيان
عَبَقٌ يَمْلأ الزّمانَ ! فَطِيبي ... ... وانعَمي في رِضاً وخيرٍ داني
أقْبِلي واحْمِلي بِمَوكِبك اليَوْ ... ... مَ غنيَّ الشذا نديَّ الأماني
واجْعلي يا " رياضُ " مطلعَكِ النّـ ... ... ـورَ وإِقبالكِ الوَفاءَ الحاني
واحملي مِشْعَل الحقيقة في الأر ... ... ضِ ! أنيري السبيل للإنسانِ
لم تزلْ مكّةٌ تموجُ بِنُور الـ ... ... ـحقِّ ملءَ الآفاقِ والأزمانِ
وربى طِيبَةٍ حنينُ الليالي ... ... بين وهْجِ الهُدى ونفح الجِنانِ
والرسول الأمين أحمد بُشْرى ... ... أشْرَقَتْ رَحْمةً وهَدْيَ أمانِ
فاحْمِلي يا " رياض " من قَبَس الحـ ... ... ـقِّ وخُوضي مَعَامعَ الميدانِ
أَنْتِ من ساحَة يموجُ بها التا ... ... ريخ ! أرضٍ غنيّة الإحسانِ
فارفعي رايةً يُعِزّ بها اللـ ... ... ــهُ دعاةَ التوحيدِ و الإيمانِ
أقْبِلي يا رياضُ ! كمْ مِن نُفوسٍ ... ... ظمِئَتْ في الهَجيرِ ؟! كم من مُعان ؟!
وَقْدَةُ التّيهِ والسّرابِ وأوْهَا ... ... مٌ تهاوتْ في مَهْمَهٍ وهَوانِ
والظلامُ الشديد يزحف والإعـ ... ... ـصارُ دوَّى وغَضبة البُركانِ
بين رجْفٍ من الزلازلِ تنها ... ... رُ رواسٍ به وجمعُ مبانِ
والعصابات يملؤون نواحي الأر ... ... ض في فتنة ومَكْرِ جبانِ
كلهم جَمّعوا الحشود وجاؤوا ... ... بهلاكٍ مدمّرٍ وافتتانِ
فانْهَضِي يا " رياض " دونك دربٌ ... ... من هدى صادِقٍ ونورٍ حاني
واحْمِليها رِسَالةَ الله إِلى النَّا ... ... سِ بلاغاً وآيةً من بَيانِ
واصْدُقي الله في بلاغِك حتى ... ... يرجِعَ الكفر صاغِراً في هوانِ
وأَعدّي لهم من الرّباط وشُدّي ... ... من سِلاحٍ يُجْلى ليوم طِعان
يُرْهِبُ المجرِمينَ في الأرض ويُلْقيـ ... ... ـهمْ إِلى خِزيهمْ وذلّة شانِ
وإذا الأرض في ربيعٍ غَنيٍّ ... ... وظلالٍ نديّة الأغصانِ
وسلام من الوفاء وصِدقٍ ... ... وهدىً مِنْ عَدالةٍ وأمانِ
يا لَدِين الإِسلام يَصْدُق في الحر ... ... بِ وفي السلم هَدْيهُ و الأَماني
*** ... ... ***
يا ديار الإسلام عهدُك عهدٌ ... ... فانهضي للوفاء و الإحسان
وارفعي الظلم واسكبي العدل نوراً ... ... من وفاءٍ لكلِّ ناءٍ ودانِ
كلِّ ساع يصبُّ من عَرَقِ السعـ ... ... ـيِ عناءً ورعشةَ الحرمانِ
أ كل السعيُ عمرَه وهو يشقى ... ... بين دنيا منعَّم أو جاني
وأقيموا به أخوة إسلا ... ... مٍ عراً وثّقتَ و حبل تداني
وارفعوا عنكم هوى عصبيا ... ... تٍ وجهلٍ وفتنةٍ وتواني
واصدقوا الله ـ أمة الحق ـ هذا ... ... هو درب النجاة والسلطانِ
*** ... ... ***
... ... 1/6/1424هـ
30/7/2003م(/1)
قبول المساعدة من شركات اليانصيب
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ المعاملات/الهبة والعطية
التاريخ ... 12/8/1424هـ
السؤال
جمعية إسلامية في بريطانيا، تقيم برامج رياضية للأطفال والشباب، هل يجوز لها قبول مساعدات من مؤسسة تقدم الدعم لمثل هذه البرامج الرياضية، إذا كانت هذه المؤسسة تحصل على الدعم من اليانصب المسمى (لوتري) LOTTERY.
الجواب
إذا كان مال هذه المؤسسة الداعمة للجمعية كله من اليانصب (لوتري) فالأولى عدم قبول تلك المساعدة، أما إذا كان مال هذه المؤسسة مختلطاً من حرام وغيره فلا بأس بقبوله، لعدم تعين الحرام فيما تدفعه من مساعدات لهذه الجمعية، ولأنه لا يدفع ويملك لشخص بعينه، وإنما يدفع للجمعية التي تصرفه في شؤونها فلا بأس حينئذ، هذا كله إذا كانت المؤسسة الدافعة إسلامية، أما إن كانت هذه المؤسسة كافرة فيجوز قبول مساعدتها من باب أولى، فليس بعد الكفر ذنب، وقد عامل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الكفار والمشركين، وقبل الهدايا من أهل الكتاب والمشركين، كما هو ثابت في كتب السنة النبوية، فقد أهدى ملك (أيلة) للنبي – صلى الله عليه وسلم- بغلة بيضاء وكساه برداً البخاري (1481)، ومسلم (1392)، وقبل من المقوقس ملك مصر هديته: مارية القبطية وبغلة انظر الإصابة (6/297). والهدية للكافر أو أخذها منه تدخل في معنى البر والإحسان، كقوله تعالى:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة: 8]، والله أعلم.(/1)
قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صُدورهم أكبر !
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
بعد وقت قصير من سقوط البرجين أعلن الرئيس " بوش " اتهامه للمسلمين وخاصة حركة طالبان وتنظيم القاعدة، اتّهاماً مباشراً صيغ بصورة تأكيد بعد اللحظات الأولى للحادث. لا نُعَلِّق كثيراً على موجة الاتهامات للأحياء والأموات. لقد أفلتت من لسان الرئيس "بوش " كلمات تنطوي على كثير مما يموج في داخل نفسه وفي داخل نفس غيره. لقد قال ما معناه : " لقد بدأت الحروب الصليبية " ! ولكنه سرعان ما عدّل أسلوب خطاباته بعد ذلك، ربما بناء على توصية مستشاريه كي يخفي حقيقة ما يمكرون.
يَذكّرني هذا الموقف، وهذا الكلام، بقول " أللنبي " الإنجليزي الذي ساعده بعض العرب والمسلمين حتى دخل القدس بفضل دعمهم ودَحْرهم الجيش التركي. قال وقد خرج علماء المسلمين والنصارى يستقبلونه على مشارف القدس : " الآن انتهت الحروب الصليبية "! وقول غورو الفرنسي وهو واقف على قبر صلاح الدين وهو يقول : " قم يا صلاح الدين ….."!
العدوان على العالم الإسلامي، أمر يسري في دمائهم، غارقٌ في ضمائرهم، يخرج من فلتات اللسان أو من دويّ التصريح.
وبعد هذه التصريحات اشتدت قضيّة الصراع مع طالبان لتسليم أسامة بن لادن لأمريكا، وطالبت طالبان بالأدلة التي تثبت إدانته قانونياً ليحاكم على أساس الإسلام.
ولكنّ الأمر كان مقضيّاً به، فأمريكا كانت قد أعدّت خطتها لغزو أفغانستان، وأخذت تترقّب الفرص لتسوّغ هذا العدوان أمام حلفائها، وأمام العالم، وجاءتها الفرصة واتفقت أوروبا وكذلك روسيا على هذا العدوان، بعد أن رفعوا شعاراً واحداً : "الحرب على الإرهاب "!
وأعلن الرئيس بوش آنذاك بأنه ليس من خيار ثالث لأيّ أحد : " إما معنا في هذه الحرب على الإرهاب وإمّا ضدّنا ومع الإرهاب، لا يُقْبَل موقف حيادي.
غَطّى هذا الإعلان مشارق الأرض ومغاربها، واضطرب الكثيرون، وحار الكثيرون، ذلك لأنّ مَعْنى الإرهاب لم يحدّد. وكلما طلب أحد تحديد معنى الإرهاب تجاهلت وسائل الإعلام ذلك، وسدّت الأفواه فلا تتكلّم، وسَدّت الآذان فلا تَسْمع الطلب ولا الإلحاح به.
فما هي نتائج الحرب في أفغانستان ؟! وما هي الاستراتيجيات الموضوعة آنذاك في أفغانستان وعلاقتها بما يدور الآن في العراق وفلسطين ؟!
وهل أخذنا العبر والدروس وتمت الوقفة الإيمانية على أساس من منهاج الله حول هذه الأحداث ؟!
إذا كان سقوط البرجين في (23/6/1422هـ 11/9/2001م) فإن تداعيات الحرب والدعاية لها والتهديد بها، بدأ فوراً في(24/6/1422هـ (12/9/2001م) ذلك لأنّ السبب الجوهري ليس سقوط البرجين.
إنّ مُعْظم المحلّلين السياسيين يؤكّدون أنّ لواشنطن مطامع جادّة في وسط آسيا، في منطقة بحر قزوين، وأفغانستان، وسائر تلك المناطق. وفي الوقت نفسه كان لروسيا مطامع جادّة، وكانت هذه المناطق تابعة للاتحاد السوفياتي فترة غير قصيرة. وإنكلترا ومطامعها كالعادة فاغرة فاهها، باسطة أيديها للعُدْوان، ومعها تاريخ طويل في أفغانستان.
بعضهم يرى أن واشنطن تريد من تواجدها في وسط آسيا محاصرة الصين، وآخرون يرون أنّ الهدف هو حماية أنظمة فاشيّة في مناطق كانت خاضعة من قبل للاتحاد السوفياتي ولو بصورة غير مُتعمّدة. ولكنّ هذا التدخّل الأمريكي يَظلّ مصدر قلق وغيظ لروسيا . ولا بُدّ أنْ تُدْرك روسيا من تاريخ الأحداث في المنطقة أنّها ساهمت بجلب أمريكا إلى مناطقها السابقة. إنّ موقف روسيا، بالنسبة لوجْهة النّظر الغربيّة، لا يُقَدِّم بقوّته العسكرية أيّ إجابة شافية لهم حول ما يُمْكن أنْ تَقدم روسيا من حلول لِمَا يَعْتبرونه تهديداً محليّاً ودوليّاً بوجود دولة طالبان.والإعلام الغربيّ لم يُخْف هذه النّاحية.
لقد كان هناك قلق غربيٌّ واضح حول قُدرة روسيا العسكرية لمعالجة ما يَعْتبرونه خطراً حقيقيّاً في داخل المنطقة وعلى المستوى الدولي من قيام دولة إسلامية في وسط آسيا تُطبّق الإسلام من خلال الكتاب والسُنّة، تَمْنع الخمور وأشباهها، وتَمْنع الزّنا واختلاط المرأة بالرجل، ولا ترى مساواة المرأة بالرجل وفق النظرة الغربيّة، وتمنع الظّلم بين الأفراد وبين الدّول، وتمنع العُدْوان الظّالم، وتقطع يد السارق، وتقيم سائر حدود الإسلام، وتنطلق بالدعوة الإسلامية إلى العالم كلّه. إنّ قيام دولة مثل هذه سبق أنْ عَبّر عنه نيكسون في كتابه " نصر بلا حرب " حين قال : " أمامنا عدُوّان : الشيوعية والإسلام، وكلّ يريد أن يتسلّم زمام الحكم ليطبّق مبادئه التي لا تُحْتمل أو لا تُطاق …." !
نعم! إنها مبادئ لا يستطيعون تَحمّلها ! كيف تحجب المرأة عن الرجل فلا تكون معه في مكتبه في خلوة تسمّى " إداريّة "، يُديران فيها شؤون الفتنة والفساد. إن أقوى رجل في الأرض من حيث السلطة والنفوذ، وهو رئيس الولايات المتحدة كلينتون، كان أضعف ما يكون أثناء خلوته مع " مونيكا لوينسكي".(/1)
نعم ! إنها مبادئ لا يحتملونها لأنها ستمنع نشر فضيحة كلينتون والفحش الذي دار فيها على الناس، وبكل وسائل الإعلام. نعم ! إنها مبادئ لا تُحْتمل لأنها تمنع الظلم والعدوان ونهب الشعوب وإفقارها تحت شعارات الحضارة الغربية !
نعم ! إنها مبادئ لا يحتملونها لأنها تقيم العدل في الأرض على أسس ربّانية وتمنع الظلم، وهم ظالمون لا يعرفون العدل إلا شعاراً.!
إنّها قضيّة خطيرة بالنسبة لهم، لأنّهم مُصرّون على الظلم والعدوان ونهب الشعوب وتخديرها بالجنس وغير الجنس، ولأنّهم عرفوا من خلال تجارب لقرون طويلة عديدة مع الإسلام الذي أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدوا أنّه لا يمكن الدخول مع هذا الدين في مساومات على الحقّ ولا في تنازلات عنه، ولا في قبول الظلم والعدوان في الأرض أبداً. فليس أمامهم إلا حجزه أو منعه أو تدمير من لا يستجيب لهواهم :
( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً ).
[ الفرقان : 43]
من خلال هذه التجارب اقتنعوا أنّه لابُدّ من القضاء على كُلّ عقبة لا تستجيب لأطماعهم. وأوّل ذلك هو الإسلام، وهم بذلك يتصدّرون لمحاربة الله، والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته. وليس إصرارهم على تسليم فلسطين لليهود إلا أن تكون قاعدة رئيسة في مخطّطهم لتدمير العالم الإسلامي أو تحويله إلى عالم الفتنة والفساد والإجرام.
الأحداث كُلّها تُؤكّد هذا الاتّجاه. دعم الحركات التنصيريّة وبذل الأموال الطائلة لهم، ودعم مؤتمراتهم التي يُجاهرون فيها بعداء الإسلام، وبرغبتهم في تحويل المسلمين جميعاً إلى النصرانيّة، وبمنع قيام دولة مسلمة في البوسنة والهرسك، وبأيّ أرض أخرى، وبدعم أيّ انحراف عن الإسلام مما يُسمّونه الإسلام المعتدل، ومما يَخْترعون له من الأسماء والزخارف التي يظنّون أنّها تُقرّبه من الناس وتُحبّبه إليهم، وقد تَعهّدوا بذلك كُلّه بالمال والإعلام، كما بَيّن ذلك نيكسون في كتابه الأخير " اغتنام الفرصة seize the moment " أحداث تكاد لا تُحْصر تَدلّ على تصميمهم على هذه الحرب، أيُعْقل ألا يَلْتفت إليها المسلمون ؟! أيعقل مع توالي القوارع والأحداث ألا يستيقظ المسلمون فيظلّوا في غفوتهم وتمزّقهم وهوانهم ؟! أيُعقل ذلك ؟!
إنّ أشدَّ المحاولات و أخْبثها هي محاولة شراء الضمائر بالمال. فقد بسطت أمريكا يدها بالمال الوفير، يحمله عبيدها ليشتروا ذِمَم القبائل والأفراد سواء في أفغانستان أو في العراق وَضمّهم إلى صفوفها.
فقد أعلن هذه الحقيقة سفير طالبان في باكستان، وأنّ هنالك كثيرين من الأفغان أخذوا يتعاونون مع الغزاة ومع الحلف الشمالي تحت تأثير إغراء المال المتدّفق من الغزاة. وقد انكشف هذا الخطر عندما بدأت تنسحب طالبان بصورة سريعة من معظم مناطقها، بعد أن اكتشف أنّ عدداً من القادة في الخطوط الأمامية تمّ شراؤهم.
لقد كانت محاولات أمريكا لشراء بعض قبائل الأفغان مبكّرة. فقد كان لها إلمام غير قليل بواقع القبائل الأفغانية والعصبيّات الجاهلية الثّائرة بينها. لقد جمعت هذه الخِبْرة خلال فترة الجهاد الأفغاني ضدّ الاتحاد السوفياتي، ومن تدخّلها وتقديمها المساعدات الماليّة والمساعدة بالسلاح.
وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا تحاول إقامة تحالف داخليّ في أفغانستان ضدّ طالبان، فإنّها كانت تحاول إقامة تحالف دوليّ خارجيّ أيضاً ضدّ طالبان، دون أن تُعْلن أهدافها الحقيقيّة.
استفادت أمريكا من التّحالف الشمالي من أجل حِلْف داخليّ، واستفادت من روسيا وإيران، وبدا كأنّه لم يكن أمام باكستان من خيار إلا أنْ تقف ضدّ الدولة التي أنشأتها. واستغلّت ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه البالغ من العمر (86) عاماً، وهو بشتوني.
يَعْجب المرء كيف يتساقط الناس وتتساقط الدول، وكيف تُطْوى المبادئ والقِيَم أمام القوّة العسكريّة وأمام قوى الطغيان، مع اختلال الموازين.
رجل بلغ السادسة والثمانين من عمره مثل ظاهر شاه بقيت الدنيا تملأ قلبه، وشهوة الملك والرئاسة حتى سقط مع غيره في بيع بلاده !
وستظلّ الدول المذكورة : روسيا وإيران وباكستان، تُصَارع لتُوفّر لها دوراً في مستقبل أفغانستان.
كتبت الشرق الأوسط في عددها (8474) يوم السبت في ( 26ذي القعدة 1423هـ الموافق 9شباط ـ فبراير ـ 2002م) السنة ( 24) أن الرئيس الإيراني السابق " علي أكبر هاشم رفسنجاني " أكد يوم الجمعة (25 ذي القعدة )
في خطبته في جامعة طهران : أنّ القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني. وتابع قائلاً : " يجب على أمريكا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أمريكا أنْ تُسْقط طالبان ".(/2)
لم يُوضّح رفسنجاني كيف تَمّ ذلك، ولكنّه من الواضح أنّ مساهمتهم كانت في داخل أفغانستان، مستفيدين من تلك اللحظات التي تكاتفت القوى على طالبان. وقال : " إن اتهام أمريكا لإيران بإيواء عناصر من القاعدة أو مسؤولين من طالبان اتهام باطل، فهؤلاء خصوم للشيعة، وإنّ أسوأ ما فعله الأمريكان ضدهم في الآونة الأخيرة هو السّماح بإنشاء طالبان " !
كيف ينسجم هذا المنطق مع ادّعاءات إيران بضرورة التقارب بين الشيعة والسنة؟!
ونشرت الحياة في عددها (14219) يوم الجمعة في ( 1محرم 1423هـ الموافق 15/3/2002م) أنّ الرئيس الإيراني عرض فتح حوار مع واشنطن. فحذّر مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران "آية الله علي خامنئي " المسؤولين من الانجراف وراء الأوهام. وفي الوقت نفسه كشف نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي " محسن أرمين " وجود اتصالات بين طهران وواشنطن " على رغم تأزّم العلاقات ومن أجل السيطرة على الأزمات والتعرّف على خطط الطرف الأمريكي دون وسيط "!
وكتبت الحياة أنّ لقاءً تمّ في " فيينا " قبل بضعة أشهر بين دبلوماسيين إيرانيين وأمريكيين قبل بدء الحملة العسكرية على أفغانستان. وأشارت مصادر في طهران إلى قيام لقاءات مماثلة في نيقوسيا وأنقرة , وتزامنت تصريحات " آرمين " مع دعوة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي "جوزف بيدن " إلى قيام نوّاب إيرانييّن بزيارة واشنطن. ودعا الإصلاحيّون الإيرانيّون إلى حوارات مع المؤسسات الأمريكيّة غير الحكوميّة وأعضاء الكونغرس، ومع المفكّرين الأمريكييّن.
هذا خلال الفترة التي أعلن الرئيس بوش فيها عن " محور الشر ".الذي كان منه إيران، وعن التهديدات المصاحبة لإعلان محور الشر. ويبدو أن محادثات خاتمي في فينّا كما في أثينا قد شكّلت أساساً لتدخل أوربّي للحدّ من التوتّر بين طهران وواشنطن. وأكّد خاتمي استعداد بلاده لحوار مع واشنطن. وقال : " أنا واثق من أنّه في حال أن خطا الأمريكيون خطوة وأظهروا حسن نيّتهم تجاهنا، فإنّ الشعب الإيراني العظيم مستعدٌّ لإجراء حوار ومحادثات مثمرة وعلى قدم المساواة ".
وظنّ هؤلاء أنّ مثل هذه الخدمات تقرّبهم ممّنْ كانوا يُسمّونه قبل حين بالشيطان الأكبر ـ أمريكا ـ ولقد سبق هؤلاء آخرون ظنّوا أنّ تنازلهم ومراءاتهم للشيطان الأكبر يقرّبهم إليه. وجاء التاريخ يُعَلّمنا أنّ كل الذين تنازلوا عن دينهم ورسالتهم كانوا أوّل ضحايا من تنازلوا إليهم ومن خضعوا لهم ذلّة ومراءاة وطلباً للدنيا.
ذلك أنّ سُنّة الله ماضية فيمن يُمَاري ويتنازل أنّه سيفقد رضاء الله وعونه، ويفقد احترام مَنْ والاهم.
لا يُعقل أن يُحصر هدف أمريكا بالمطالبة برأس أسامة بن لادن ! الأهداف واسعة جدّاً، أهداف الجشعين الطامعين المجرمين سَيظلُّ بترول بحر قزوين وبترول إيران والعالم العربيّ مَوْضع أطماع أمريكا التي لا تقف عند حد.
وروسيا كانت تمدُّ التحالف الشمالي بالدّعم منذ سنة(1416هـ 1996م). كانت تمدّهم بالمستشارين والخبراء والطيارين. وكانت طائراتهم تقصف طالبان بين حينٍ وآخر. ويبدو أنّ سياسة الأمريكان كانت أبعد نظراً، فقد أعطت طاجكستان (3ملايين ) دولار لمحاربة الجفاف والقحط، فقابلت طاجكستان ذلك بأنْ سَمحت للأمريكان باستخدام مطاراتهم في حربهم في أفغانستان.
وفي الوقت الذي دعا فيه علماء المسلمين في القوقاز إلى وقف القصف الأمريكي في أفغانستان في شهر رمضان ( الأمر الذي رفضته أمريكا وكثفت قصفها كالعادة في شهر رمضان المبارك )، طلب الرئيس الأفغاني المخلوع برهان الدين رباني من الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر، أسلحة ومعدّات عسكريّة لسحق طالبان.
وأبدى رحمانوف خلال محادثاته مع الرئيس التركي استعداد بلاده لوضع مطاراتها تحت تصرف الائتلاف الدولي المناوئ للإرهاب. وقد عرضت طاجكستان استخدام مطارين عسكريين في مدينتي "قلاب " و"كرغان تبة " القريبين من الحدود الأفغانية. إضافة إلى مطار " جوخند " المدني في شمال البلاد، إضافة إلى مستشفيات عسكريّة لمعالجة الجرحى والمصابين الأمريكان.
وأكّد رحمانوف أنّ بلاده تريد أن يقوم في كابل حكومة صديقة، وأنه من حق الدول المجاورة أن يكون لها رأي مسموع في هذه الحكومة.
أما في تركيا ! فقد نقل مستشار الرئيس التركي للشؤون الدولية " شابان إيلدن " أن 90% من أفراد القوات الخاصة التركية سيتولون تدريب قوات التحالف الشمالي والإشراف على نقل المساعدات الإنسانية وتوزيعها. وشدّد على أن تركيا ترفض مشاركة " طالبان "في أي حكومة مقبلة.
وباكستان ! فقد أعلن الرئيس "برويز مشرف " استعداد بلده للتعاون مع أمريكا والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وتقديم المساعدات اللوجستية والاستخبارية وغيرها.(/3)
وفي زيارته لفرنسا صَرّح أنّ محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين في باريس أظهرت إجماعاً تاماً في وجهات النظر الفرنسية والباكستانية. كما صرح أن رئيس وزراء فرنسا " ليونيل جوسبان " أكد عزمه على معالجة مشكلاتها الاقتصادية. وأنّه أشاد بشجاعة باكستان واتخاذها هذا الموقف الجريء وتفهمها للواقع.
وحذّر مسؤولون في البنتاغون آنذاك أنّ القضاء على ابن لادن وزعيم طالبان الملاّ محمد عمر، لا يعني نهاية الحملة العسكرية على أفغانستان. و حتى يتمّ ذلك فإنّ الأمر يتطلب إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان وأنّ هذه القوات تحتاج إلى وقت طويل، وربما إلى سنوات، حتى تحقق الأهداف المرجوة منها !! وأخذ هذا المعنى يتكرّر ويتردّد على ألسنة مسؤولين كبار في أمريكا تدور كلها حول تحقيق الأهداف المرجوّة من الحملة على أفغانستان ستستغرق زمناً طويلاً. ولكن لا أحد يحدّد الأهداف ويعلنها. وقد أعلن ذلك بوش نفسه وكبار أركان إدارته منذ بدء الحملة على أفغانستان.
وصرّح نائب وزير الدفاع الأمريكي "وولفوتيز" : " من المهمّ جدّاً أن يتفهّم الشعب الأمريكي بأنّ أهدافنا في أفغانستان لا تزال كبيرة جداً ويجب علينا تحقيقها، وأنّ أعداءنا الذين لحقت بهم نصف الهزيمة يمكن أن يكونوا خطرين جدّاً، وربما يمضي وقت طويل قبل القضاء عليهم "، وأضاف : " إنّ الوضع في أفغانستان لا يزال معقّداً وخطيراً "، وأضاف نائب وزير الدفاع الأمريكي أنّه تمّ قتل عدد من رجال القاعدة، ولكن من المستحيل تقويم عدد القتلى، ولا يزال الكثيرون أحراراً، وما قتلناه حتى الآن يكون عدداٌ قليلاً.
كما أوضح أنّ عناصر القاعدة متوزّعون في أكثر من (60) بلداً بينها أمريكا. والقضاء على جزء لا يعني القضاء عليه كلّه. وأعلن أنه تم القبض على اثنين أو ثلاثة من القادة في حركة طالبان اعتقلتهم المعارضة. و قوات القاعدة المتحصنون في الكهوف والأنفاق تُقاتل بشدّة. والعمل المتبقّي علينا كثير .
وخلال هذه الأجواء كانت الخطط جاهزة لضرب العراق،فقد قال الأدميرال جون : " إنّ الرئيس بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد أوضحا أنّه لا بدّ للعراق أن يتخلّص من أسلحة الدمار الشامل، وعليه أن يسمح للمفتشين الدوليين بالعودة، وإن لم يسمح فهناك طرق عدة للتفكير في الأمر."
وأضاف وولفويتز :" إنّ الرئيس قال منذ البداية في خطابه أمام الكونجرس إنّ الحملة ضدّ الإرهاب حملة طويلة، وليست ضد القاعدة وطالبان فقط، فهناك (60) بلداً للقاعدة وجود فيها، وهناك مشكلة الدول الداعمة للإرهاب ولا بدّ من حلها."(1)
لابدّ من وقفة هنا : ما هي هذه الأهداف التي تؤكّدها الإدارة في خطاب بعد خطاب، وتصريح بعد تصريح ؟!
هل الأهداف هي القاعدة وامتدادها وطالبان ؟!
هل الأهداف حقّاً محاربة الإرهاب ؟!
ولماذا لا يحدّدون معنى الإرهاب ؟!
أليست دولة اليهود المغتصبة دولة عدوان وظلم وإرهاب، وأسلحة تدمير شامل ؟! فلماذا لا أحد في الأرض يشير إلى هذا الإرهاب ؟
من مجمل التصريحات يمكن أن نخرج بنتيجة واضحة هي أنّ لأمريكا ومن معها من دول الغرب خطّة طويلة المدى موضوعة منذ زمن طويل، يمضون بها على مراحل يستهدفون العالم الإسلامي وثرواته، ومناطق أخرى في العالم، وجعلوا من دولة اليهود قاعدة أساسية في سياستهم في المنطقة، لتكون قاعدة فكريّة وسياسية واستخباراتية وعسكرية، ولتهدّد بها المنطقة كلّها وربّما لم ينكشف دورها الكامل حتى الآن، ولكنه سينكشف قريباً !
ويبدو أنّ مفتاح خطّتهم اليوم هو قضية الإرهاب، ومحاربة الإرهاب، ليتّهموا من يشاؤون به، ثم لا يكون له حق الدفاع عن نفسه، ثمّ يستحلّون دمه، وأرضه وبلاده، بلداً بعد بلد، وداراً بعد دار.
لقد كانوا يستغلّون فيما مضى تهمة الشيوعية ليقتلوا ويدمّروا ويعتدوا. واليوم يستغلّون قضيّة الإرهاب.
هل العالم كلّه راض عن هذه المظالم، وما يتسبّبه من ردود فعل لا ندري مداها؟! هل يقف العالم مكتوف الأيدي مستخذياً أمام الديكتاتورية العاتية ؟!
إنّي أرى فيها آية من آيات الله وعبرة وعظة، والقلوب قاسية لا تعتبر ولا تقبل الموعظة ! ولله الأمر من قبل ومن بعد، وله الملك كله، يقضي بما يشاء والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء، وقضاؤه حق عادل حكيم ! ولا حول ولا قوة إلا بالله !
ومن هذه الاعتبارات والأحداث، أَبَعْدَ أنْ بذلت أمريكا هذا الجهد والمال والعتاد، فهل ستترك أفغانستان أو العراق يوماً ما عن طيب خاطر ؟!
وكذلك ما هو البلد الآخر الذي تنوي أمريكا احتلاله بعد أفغانستان والعراق؟! فهل هو "محور الشر " الذي أعلن عنه الرئيس بوش !
أصبح واقع أفغانستان أمّة تقتل نفسها وتدمّر عمائرها وتجعل من ساحاتها أراضي قاحلة. خسرت كل شيء!
أين شعارات الإسلام ؟
أين الإيمان بالله وأين خشيته ؟!
أين القيم والمبادئ التي يتغنى بها الدعاة والقادة والمجاهدون ؟!
هذه النتائج تحتاج إلى وقفة حقيقية، لنتساءل هل هُزِم الإسلام ؟!(/4)
كلا ! لقد هُزِم الذين يدّعون أنهم يحملون الإسلام، فمضت عليهم سنة الله في أن يبتلي عباده ويُمحّص ما في قلوبهم وصدورهم.
لم نقدّم إلى العالم بهذه المآسي صورة مشرقة أمينة عن الإسلام ! من حقّ الناس أن يتساءلوا أهذا هو الإسلام الذي يريدوننا أن ندعى إليه ؟!
كلا ! ليس هذا هو الإسلام !
و لا هو الاستسلام والخضوع والذلة والهوان !
الإسلام أعظم ما تحتاجه البشرية كلها.
والإسلام يحتاج إلى دعاته !
إنّ الجهاد في أفغانستان استحوذ على قلوب الجماهير المسلمة في المرحلة الأولى وهم يجاهدون ضد السوفيات. فاندفع عشرات الآلاف من مختلف مناطق العالم إلى ميدانه، يدفعهم إيمانهم وعاطفتهم، وبشائر النصر التي كانت تلوح في الأفق.
ومجّد الجميع يومئذ هذا الاتجاه، ومجّدوا روّاده ودعاته. وتناوله الإعلام تناولاً دافعاً للعواطف وملهباً للحماسة.
ولم يكن يدري هؤلاء أنهم سيصبحون بعد حين مجرمين يطاردون، ومتهمين يُحَاكَمون، وإرهابيين ظالمين، تطاردهم أمريكا وأوروبا ودول أخرى كثيرة ! لم يكن يخطر ببالهم هذا المصير أبداً.
ولم يكن يخطر ببالهم أن الشعب الأفغاني أو بعضهم سيحاربهم ويسلمهم إلى أعدائهم مقابل دريهمات معدودة !
أين المشكلة إذن ؟!
لماذا تتكرر الهزائم في معظم الميادين أو فيها كلها ؟!
إذا كان الإسلام في قلوبنا صادقاً وإذا كان ديننا واحداً، فهل يُعقل أن نتمزّق هذا التمزّق؟!
هل هناك خلل كبير في واقع المسلمين !
ربما خطط الأعداء لإشعال نار الفتنة بين المسلمين !
ربما خططوا لتجهيل المسلمين !
وربما خططوا لتمزيق المسلمين ! وخططوا لانحرافهم !
حتى لو كان هذا كلّه حقاً فمن المسؤول ؟! نحن المسؤولون ونحن المحاسبون ونحن الملومون، لأن الأعداء دخلوا من الثّغرات التي فتحناها لهم، دخلوا من بين ضعفنا وهواننا وجهلنا ! دخلوا من خلال كبرنا وغرورنا حتى عميت بصائرنا فلم نعد نرى عيوبنا وأخطاءنا، ولم نعد نريد أن نعرفها، تملكنا الكبر والغرور ! نحن المسؤولون والملومون لأنّه حارب بعضنا بعضاً، فتمزقت أخوة الإسلام ! وتقطعت روابط الإيمان !
نحن المسؤولون والملومون لأننا قتلنا النصيحة بيننا، وأحْيَيْنا المراء والنفاق، عادينا الناصح، وأحببنا المنافق والمرائي، فطُمست الدرب أمامنا ولم نعد نرى الصراط المستقيم !
أين الدّعاة وصَفْو النّهْج والهِمَم ؟!
...
...
أين الملايينُ …؟! في لَهْوٍ وفي خَدَرٍ
بي المصائبُ أو أرمِيهِ بالتّهم
...
...
مالي أَلُوم عدوّي كُلّما نَزَلتْ
حملتُ في النفس إلا زلّةالَّلمَم
...
...
وأدّعي أبداً أني البريءُ وما
وليس يحْملُهُ غيري من الأمم
...
...
أنا المَلُومُ.. فعهد الله أحْمِلُهُ
أخذ العزيز بليل واسع النقم
...
...
والمجرمون هم ! والله يأخذهم
عزائم الصّدق والإيمان والشمم
...
...
إذا نهضنا لعهد الله وانطلقت
تملكنا الكبر والغرور، حتى أصبح كل يقول أنا الذي سأنقذ الأمة وأقيم الإسلام، أنا وحدي سأفعل ذلك ! كلّ فئة أطلقت شعاراتها بذلك، فإذا اختلف الحال تغيّر الشعار أو دارت الفتاوى والاجتهادات، وما أيسرها اليوم.
وجاءت الأيام، فإذا مَنْ قال أنا الذي سآتي بالنصر، أصبح يذوق مرّ الهزيمة وذلها وهوانها :
ليس الذي ! يا ويل من لم يعدل !
...
...
كلٌّ يقول أنا الذي فإذا الذي
أصبح واقع أفغانستان مؤلماً محزناً مزرياً، القتال بين الفئات المختلفة مستمرّ، التدمير مستمرّ، انتشار زراعة الأفيون والمتاجرة بها، سيطرة بعضهم على ولايته يجبي الضرائب ويقطع الطريق، ويعتدي على الناس، وعلى النساء وينهب الأموال، ويتاجر بالمخدرات وبأيّ شيء يقع بين يديه. واختفى الأمن ! كأنما كان شبحاً ثم اختفى ! اختفى بأيدي الناس أنفسهم، بعد أن عصف الهوى، هوى القبيلة والحزبيّة والعصبيات الجاهليّة التي تفجّرت لهيباً وفتناً ودماراً !
والسؤال لماذا هُزمت طالبان ؟
لماذا هُزمتْ وهي تَحْمل رسالة الله وتدعو إلى تحكيم الإسلام ؟!
لماذا هُزمتْ والنّصر والهزيمة بيد الله، والأمر كلُّه لله ؟!
الأسباب كثيرة. وأولها أنّ المعركة بين دولة ضعيفة العدّة والعدد، وبين دولة هي أكبر دولة في الأرض، غزت البلاد بأخطر أنواع أسلحة الدمار وأفتكها وأحدثها، وغزا معها وأيّدها عدد غير قليل من الدول النصرانيّة العلمانيّة. فالمعركة محسومة النتائج في جولتها هذه بكل ميزان. ودولة طالبان تَخلّى عنها الكثيرون وبقيت وحدها في الميدان .
ولكنْ كان يُمْكن لها أن تصمد مدّة أطول وتقلّل من خسائرها لولا خيانة عدد غير قليل من قادتها في الجبهة الأماميّة. كما صَرّح به سفيرها في باكستان وما أعلنه صريحاً بليغاً.
وصرّح بوش قائلاً : " إنّنا حَطّمنا طالبان بسبعين مليون دولار " وهذا يعني أنهم اشتروا الذمم والنفوس بالدولار.(/5)
وهُنا نحتاج إلى وقفة طويلة. فالعمل الإسلاميُّ في أفغانستان مضى عليه مدّة غير قليلة لم يُبْن فيها " الجيل المؤمن المتماسك " الذي لا يُشْترى بالدّولار ولا بغيره. لقد كان بناء المسلمين ضعيفاً.
وهذه الظّاهرة لم تكن محصورة في أفغانستان، ولكنّها ممتدّة في مناطق كثيرة، بالرّغم من وجود الأقوياء الصّادقين التائبين، إلا أنّ هؤلاء الضعفاء، في جسم الأمة وميدانها، يكونون عادة سبباً رئيساً للهزيمة.
إنّ خوض معركة مع صفٍّ متساند من الأعداء لا يَصْلحُ بصفوف ممزّقة بعضها معزول عن بعض، وبعضها يُحارب بعضاً.
إنّ البناء يجب أن يكون متيناً، لا يَخترقه الأعداء بالمال والزخرف وشهوات الدنيا. لقد استطاعت أمريكا وغيرها أيضاً أن يشتروا نفوساً كثيرة بوسائل مختلفة من الإغراءات والفتنة في عالمنا اليوم. ولكنّ قُوى الإجرام أيّام النبوّة الخاتمة لم تستطع أنْ تخترق صفّ المؤمنين المتّقين، ولا أن تشتري أحداً منهم. وحسبك أن ترى موقف كعب بن مالك رضي الله عنه، وكان أحد الثلاثة الذين خُلّفوا عن غزوة تبوك، وممّنْ مُنع المسلمون أن يُكلِّموهم واشتدّ عليهم الأمر. ثمّ جاء نبطيٌّ من أنباط الشام يسأل عن كعب رضي الله عنه، فأشار الناس إليه حتى يدلّوه ولا يُكلِّموه. فدفع إليه كتاباً من ملك غسّان. فقرأه، فإذا فيه : " أمّا بعد فقد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك، وأنّ الله لم يجعلك في دار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسيك " فقال كعب : " وهذا أيضاً من البلاء ". قال : فتيمّمتُ به التنّور فسجرْتُه به. حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني يقول : يأمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتزل امرأتك. قال فقلت : أُطّلقها أم ماذا أفعل ؟ فقال : بل اعتزلها ولا تَقربْها. قال وأرسل إلى صاحبيّ ( من الثلاثة الذين خُلِّفوا ) بمثل ذلك. فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله " إلى آخر القصّة …
هذه مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الجيل المؤمن الذي بناه، وهذه هي أمّة الإسلام التي قال عنها الله سبحانه وتعالى :
( كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون )
[ آل عمران : 110 ]
هذه هي الأمّة المسلمة الواحدة، تكونُ خير أُمّة أُخْرجت للناس حين تَحْمل الخصائص الإيمانية الربّانية، وحين تكون صفّاً واحداً كالبينان المرصوص، وحين يكون أبناؤها وجنودها حملة لرسالة الله، يَعْرضونها للبشريّة كُلِّها بياناً وبلاغاً، وتعهّداً، وسلوكاً ومواقِفَ وممارسةً إيمانية.
هذه هي الأُمّة المسلمة الواحدة، اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم، وتمّت الصفقة وثمنها الجنّة، وتوثّق البيع والشراء بعهد عظيم وميثاق صادق مفصّل، فما عاد أحد من الناس يستطيع أن يشتريهم بزخرف من الدنيا زائل، أو يضلّهم عن سبيل الله.
هذه هي الأمّة المسلمة الواحدة صفّاً كالبنيان المرصوص، الولاء الأوّل لله وحده، والعهد الأوّل لله، والحبّ الأكبر لله ورسوله، ومن هذا الولاء الأوّل والعهد الأوّل والحبّ الأكبر تَنبع كُلُّ موالاة في الحياة الدنيا، وكلّ عهد وكل حبّ.
فلنقارن حالاً بحال، وواقعاً بواقع، وبناء ببناء، وجيلاً بجيل. ومن مثل هذه المقارنة في وقفة إيمانية تقوم على ميزان أمين، ميزان منهاج الله، نعرف أخطاءنا ونعرف وسائل العلاج.
نعرف من ذلك، من الوقفة الإيمانية والمقارنة الإيمانيّة، أنّ المعالجة لا تكون بالشّعارات ولا بالأعمال الارتجالية، ولكنّها تتمُّ بالنّهج المتكامل والخُطّة المدروسة، حين يَنْبع النهج والخُطّة من منهاج الله، ونَردّه إلى منهاج الله.
إلى هذا النهج ندعو، ونُقدّم له الدّراسات المفصّلة الجامعة التي تقوم كُلّها على ما أُسمّيه : " النظريّة العامّة للدّعوة الإسلاميّة " ببنودها وعناصرها وخطّتها وأهدافها.
وكذلك ليكون هذا النهج النابع من منهاج الله والملبيّ لحاجة الواقع قاعدة للقاء المؤمنين المتّقين الذين يرجون الله والدّار الآخرة.
إنّ هذا التمزّق الذي نعيشه، وعدم ردّ الأمور إلى منهاج الله، يُضْعِف المسلمين إضعافاً كبيراً، ويَفْتح ثغرات واسعة يَدْخل منها الأعداء والمنافقون، ويأخذون المسلمين الممزّقين قطعة قطعة، وبلداً بلداً، قِطعاً متناثرة يَسْهل أخذها، ودياراً متفرّقة يَسْهل غزوها. إنّهم ينتقلون عندئذ من بلد إلى بلد مُسْتعينين ببلد آخر، على خُطّة مدروسة لديهم، لا يكاد يشعر هذا البلد أو ذاك أنّ المعركة قادمة إليه !
(1) جريدة الشرق الأوسط على الإنترنت : 11/12/2001م.(/6)
قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين
العكام
أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
منذ يومين احتفلنا بذكرى الجلاء أو بذكرى الاستقلال ، فلقد مر السابع عشر من نيسان منذ يومين ، والسابع عشر من نيسان هو ذكرى الاستقلال أو الجلاء ، وإن كنت أُفَضِّل أن أسميه ذكرى الإجلاء ، لأن المستعمر أُجلي . على كل : فكرت بيني وبين نفسي فقلت : هل نحن مستقلون فعلاً ؟! ربما كان جواب البعض : نعم والحمد لله ، وها نحن نعيش باستقلال تام ، لكن أليست سورية وفلسطين شيئاً واحداً ؟! ألم نُعَلَّم ونحن صغار وفق اللهجة القومية العربية :
بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدانِ
ومن نجد إلى يَمَنٍ
إلى مصر فتطوانِ
فعلى المنطق القومي العربي استقلالنا ناقص ومخدوش ، لأننا لا نفرق بين سورية وفلسطين في لهجتنا العربية والقومية ، ولكن يمكن أن نسمى مستقلين على لهجة سايكس بيكو العدو الذي قَسَّم ، وأظن أن فرحتنا بالاستقلال جد ناقصة ، لأن الاستقلال مجروح من دون تردد ما دامت فلسطين شقيقة سوريا مُحتَلَّة ، وما دام المستعمر يعيث فساداً في فلسطين البلد الجار والبلد الشقيق والتوأم والأخ ، والبلد الواحد في المنطق القومي العربي .
كما أننا وفق لهجة إسلامية ومنطق إسلامي تعلمنا في صغرنا ، فما بال من علمنا اليوم لا يريدنا أن نكون منسجمين مع المنطق الذي تَعَلَّمناه ، تعلَّمنا :
الصين لنا والكل لنا
أضحى الإسلام لنا ديناً
وجميع الكون لنا وطناً
هكذا قلنا ورددنا في بيوتنا ومساجدنا ومسيراتنا ، وبهذا تغنينا ، فعلى أساس اللهجتين القومية والإسلامية ، استقلالنا مخدوش ونازف ، وبحاجة إلى إتمام ، استقلالنا كالوليد الخديج - الناقص - . يجب أن نُعِد العُدة والعِدة ليوم الاستقلال الصحيح ، ولا يكون هذا الاستقلال إلا بتحرر الأراضي العربية والإسلامية من كل براثن الاستعمار والإجرام والاحتلال والإثم والبغي والقتل والتدمير .
أذكر أيضاً أننا يوم كنا صغاراً كنا نردد في مدارسنا ، وكانت الجزائر محتَلَّة من قبل المستعمر الفرنسي ، كنا نردد حينما نود الدخول إلى الصفوف ، وننشد معاً النشيد الوطني الجزائري ، وتركنا النشيد السوري يومها ، ونردد :
قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا
وتحررت الجزائر في عام 1963 ، تُرى هل نعيد التاريخ من أجل أن ينشد أبناؤنا في مدارسهم : قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين فاشهدوا ، ونُشهد من دبَّ فوق الثرى ، ونُشهِد من هو تحت السماء ، ونشهد الغرب والشرق ، أننا قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين مستقلة أم أننا تأثرنا بسايكس بيكو ، وتأثرنا بالإقليمية القاتلة ونسينا المنطق العروبي والإسلامي ، نسينا أن نقول بلسان إخواننا وبلسان جارنا : قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر حتى إذا لا سمح الله لو لم تكن الجزائر محررة هل سنكرر قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر ، أم أن بعضنا سيكتفي ببعض أرضٍ أعطيها وقيل له هذه حدودك ، واجعلوا بينكم جوازات سفر وتأشيرات خروج .
ليكن كل واحد بينه وبين طلابه ، بينه وبين من معه ، ليقل الرؤساء والحكام والطلاب والأساتيذ : قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين ، أن تستقل فلسطين ، وينبغي أن نعود إلى أنفسنا هل عقدنا العزم فعلاً أن تحيا فلسطين ؟ لعلكم تسألون كيف يُعقد العزم ؟ العزم كما ارتأيت وكما درست وتابعت ، العزم خمسة أمور :
الأمر الأول : عود حميد إلى شرع مجيد : ولا أستثني فئة دون فئة ولا أخص بالذكر جماعة دون جماعة ، عود حميد إلى الشرع المجيد ، أيها القضاة عودوا إلى دينكم ، أيها الحكام ، أيها العلماء ، أيها الخطباء عودوا إلى دينكم ، من أجل أن يتحول عقد العزم الذي نريد أن نقرره إلى واقع ، ولا يتحولُ إلا بالعود الحميد إلى الشرع المجيد ، نطبق قوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ) وحبل الله شرعه وقرآنه ودينه ، واعتصموا بحبل الله جميعاً . حينما نقول بيننا وبين أنفسنا قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين بكلها ، بكل ما فيها ، بقيامتها وبأقصاها ، بجنينها وبالضفة الغربية فيها ، بمناطق الـ 67 والـ 48 .
الأمر الثاني : أن نقدم الشهيد تلو الشهيد : كنا نتغنى يوم كنا صغاراً بقول من قال :
دم الثوار تعرفه فرنسا
وتعرف أنه نورٌ وحق
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق(/1)
قال عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي ابن ماجه وابن حبان : " يُشفَّع الشهيد في سبعين رجلاً من أهله " أو في سبعين امرءاً بين رجل وامرأة ، على مستوى الآخرة وعلى مستوى الدنيا لأن دم الشهيد - هكذا شاءت الأقدار الإلهية - أن يكون الزيت الذي يُسرَج به مصباح الحرية والانتصار ، شاءت الأقدار أن تكون دماء الشهداء الرسم الأول الذي يُقدَّم في عقد الانتصار المطلوب . يروي البخاري أن أم حارثة فقدت ولدها في معركة بدر شهيداً ، جاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله لقد استشهد حارثة ولكن ( وهذه القصة أهديها لكل أم في أرضنا المحتلة ، أهديها لأمهات الشهداء في مخيمات جينين ، في نابلس ، في حي القصبة ، في حي الياسمينة ، في طولكرم ، في قلقيلية ، في عسكر ، في الدهيشة ، في الأمعري ، في كل مكان من أرضنا الفلسطينية المحتلة ) قالت يا رسول الله : تعلم منزلة حارثة مني ، إن كان في الجنة صبرت ، وإن كان في النار ماذا أفعل ، قال لها " يا أم حارثة أجنة هي ! إنها جنات وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " طريق النصر مكتوب فيه شهادة ، طريق النصر مكتوب فيه إحدى الحسنيين .
الأمر الثالث : تحويل حلم وحدة العرب والمسلمين إلى واقع أكيد : كم تغنينا بالوحدة ، كم تغنينا :
أضحى الإسلام لنا دينا
وجميع الكون لنا وطنا
وكم تلونا قوله تعالى : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ) يا زعماء العرب اتحدوا ، ويا حكام العرب اتحدوا ووَحِّدوا ، وهذه فريضة ، نحن الشعوب نطالب الحكام وأنفسنا بتحويل الوحدة العربية والإسلامية إلى واقع أكيد ، لا نريد أن تبقى الوحدة شعاراً ، ولا نريد أن تبقى الوحدة كشكولاً نجمع من أجله ، ولا أن تبقى عبارة جوفاء ، يدرك عدونا أنها كذلك ، وبالتالي يهاجمنا فرداً فَرداً ويقول أهاجمهم جميعاً ، لأنه ينظر ادِّعاءنا ، نحن ندعي الوحدة لكن الوحدة ليست واقعاً قائماً بيننا . وهل ثمة مناسبة أدعى إلى الوحدة من الآن ، أَرَأيت إلى الإسرائيليين كيف اتحدوا على الباطل ؟! أرأيت إلى الأحزاب الإسرائيلية على اختلاف تسمياتها كيف اتحدوا ؟! أرأيت إلى إسرائيل وأمريكا كيف اتحدا ؟! أرأيت إلى بعض الدول الغربية كيف اتحدت مع إسرائيل ؟! يا ناس : هل إسرائيل على الحق أم على الباطل ، إنها على الباطل كما تقولون . هم توحدوا على الباطل فأين وحدتكم على الحق ؟! إلى متى يا حكامنا ويا وعلماءنا ، إلى متى سنبقى نُعلِّم شعوبنا أن الوحدة أمل ، وأن الوحدة حلم ، ولكن إياكم أيها الشعوب أن تفكروا بالوحدة حقيقة قائمة . إلى متى ؟!
الأمر الرابع : التسلح بالعلم الرشيد والعمل السديد . ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) نحن نحتاج إلى علم في السلاح والاقتصاد والسياسة والاجتماع والصناعة والزراعة ، نحتاج إلى علم بعدونا ، لأن عدونا يعلم عنا أكثر مما نعلم عنه ، فهو يمسك بزمام المعلومة ، فنحن نتعلم منه ، وهو يقدم لنا المعلومة ( بالقَطَّارة ) أما نحن الذين نقول : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " أي ومسلمة أيضاً ، على كل من اتصف بالإسلام ، لا بد من التسلح بالمعلومة ، بالعلم الرشيد والعمل السديد ، فنحن نريد مخابر ومعامل تُبنى على أساس من العلم ، نريد جامعات جادة ، نريد طلاباً دارسين ، نريد تقنية عالية في كل ميادين الحياة ، نريد علماً بالتاريخ والجغرافية ، ونريد لهذه العلوم أن تتحول إلى مؤسسات وجماعات وهيئات حتى تقدم الفائدة بشكل أكبر ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ، نحن الذين نردد حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم " نردد : " إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير " حاسب نفسك في كل مساء : هل ازددت علماً أيها السياسي في مجال السياسة ، أيها الاقتصادي في مجال الاقتصاد ، أيها الشرعي في مجال الشرع ، أيها الطبيب في مجال الطب ، أنت أيها الإنسان حيثما كنت . الحرب اليوم حرب علم وجهالة ، حرب استراتيجيات وتكتيكات ، وكل ذلك قائم على العلم ، الحرب لا بد لها من عاملين على أساس من العلم ، وإلا لا تتصوروا أن - لا سمح الله - إذ يفشو الجهل بيننا يمكن أن ننتصر ، فلقد كتب الله أن ينتصر العلم على الجهل ، وأن تنتصر المعرفة على الجهالة .(/2)
الأمر الخامس : الاستغناء عن الطواغيت ونتاجهم قدر المستطاع وبذل المزيد : الاستغناء عن أمريكا ، ومقاطعة أمريكا ، وكراهيتنا للأمريكان كراهية مشروعة ، لأنها كراهية معتدٍ على الإنسان ، معتد على الخير ، معتد على الحقيقة والفطرة . الاستغناء عن الطواغيت ونتاجهم قدر المستطاع وبذل المزيد ، قاطعوا إسرائيل ومن يدعم إسرائيل ، ولا تخافوا من أحد أو من شيء ، فالموت سيأتيكم ويأتيكم ، فاجعلوا الموت يأتيكم وأنتم أعزاء : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها " فعلى أي شيء أنتم خائفون ؟! أيها الحكام : ستموتون وسنموت ، ولأن يلقانا الموت ونحن أعزاء نطبق مبادئ الفطرة والحق لهو خير بآلاف آلاف المرات ، بل لهو الخير ذاته من أن يأتينا الموت ونحن أذلة لأولئك الذين يريدون استعمارنا، ويريدوننا أن نكون أذلاء بكل معنى الكلمة . سمعتم منذ أسبوع ما قاله رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ذلك الرجل الغبي اللعين الذي قال عن شارون بأنه رجل سلام ، والبارحة أكد هذه الكلمة حين استقبل وزير خارجيته الألعن والأخبث قال عن شارون بأنه رجل سلام ، أما الفلسطينيون الذين يُقَتَّلون بالجملة لا لجريرة ارتكبوها وإنما لأنهم يدافعون عن أرضهم .
يا ناس .... يدافعون عن حقهم ووجودهم ولقمة عيشهم ، يقال عنهم بأنهم إرهابيون ، من يستشهد وهو يضرب المصالح الإسرائيلية المعتدية يقال عنه إرهابي .
ولئن استنصحني حكامنا هل نبذل المزيد ، فأنا صادق لأقول لهم : لا والله أنتم مقصرون ، وأكرر ما قلته في الأسابيع الماضية بأنني لست ضد الحكام ، ولكنني حريص على أن يكونوا مع الحق لا مع الباطل ، أن أقول لهم : إن الباطل إذ يضحك في وجوهكم فمن أجل افتراسكم ، ولن يوفركم ، وربما ترككم للطلقة الأخيرة . لا أريد أن تكون هناك معاداة بين الشعوب والحكام ، لكنني أريد أن تكون النصيحة مستمرة وأن تكون العلاقة قائمة على النصيحة الصادقة والتعاون ، وما كلامي الذي قلت إلا من هذا المنطلق لأنهم أبناء هذا الشعب ، والشعب أمٌّ لكل فرد ، ولا تريد الأم أن يكون ولدها عاقاً فهي إن قست عليه فمن أجل أن لا يدخل ساحة العقوق فيهلك ويضيع .
قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين فهل أنتم جاهزون ؟! أسأل الله أن يوفقنا من أجل أن نرى فلسطين كما رأينا الجزائر ، أن يرينا فلسطين محررة ، ليس فلسطين التي يطلق عليها مناطق الـ 1967 بل كل فلسطين ، كل فلسطين .
أسأل الله أن يثبتنا على شريعته ، اللهم أَعِد لنا فلسطين والقدس والأقصى والقيامة وكل مكان في فلسطين ، وكل مكان في بلاد العرب والمسلمين ، أقول هذا القول وأستغفر الله .(/3)
قد كنت ناعمة
بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي
تَلفَّتي يَا رَوَابي القُدْس ... لاَ جَزَعاً
مِنَ الرَّدى أو عَوَادي الأَعْصرُ الدُّهُمِ
تلفَّتي .. ! وَلَيالي الموْتِ فَاغِرَةُ
فَاهاً عَلىَ زَحَمْةِ الأَفْوَاجِ أَوْ نَهمِ
هُنَاكَ رِيعَ الحِمَى لُبْنَانُ .. ! كَمْ سَكَبَتْ
رُبَاكِ مِنْ دَمْعَةِ الإِذْلاَلِ والغمَمِ
جُنَّتْ رَوَابيكِ يا لُبْنَانُ فَالتَهَبَتْ
وَقَطَّعَتْ كُلَّ مَوْصُولٍ من الرّحِمِ
قَدْ كُنْتِ ناعِمةً أَيّامَ كُنْتِ عَلىَ
نُورِ الهُدَى وَنَدِيِّ الرِّزْقِ والنّعمِ
حَتَّى قَطَعْتِ حِبَالِ الله فانْقَطَعَتْ
عَنْكِ المَوَاطِرُ منْ غَيْثٍ وَمنْ دِيَمِ
وَصَارَ أَهْلوكِ قطعاناً يَسُوقُهُمُ
إِلى الرَّدَى جَوْلَةٌ مِنْ" لُعْبَةِالأُمَمِ"(1)
جُنُودُ إِبليسَ مازَالَتْ مكائِدُهُمْ
تهُزُّ مِنْ قُلَلٍ في الأرْضِ أَو دُعُمِ
تَدُورُ أَشباحُها في كُلّ ناحِيَةٍ
وَتَخْتفي بَيْنَ أَسْتَارٍ مِنَ الظُّلَمِ
مَهْما عَلاَ مِنْ ضَجِيجٍ فَهْيَ صَامِتَةٌ
وإِن طغَى الهَرْجُ أَخْفَت كفَّ مُنْتَقِمِ
مَا بَيْنَ"مُوْسكُو"و"وَاشِنْطُنْ"ترىعَجَباً
مِنَ الجَرَائِم لمْ تهدَأْ إلى سَلَمِ
أَلقَتْ عَلَى السَّاحِ أَكواماً مُبَعْثَرةً
مِنَ الجَماجِم ... أَشلاءً مِنَ الرِّمَمِ
وَأَطلْقَتْ في دُرُوبِ الموتِ قَافِلةً
مِنَ النُّزُوحِ وَأهْوَالاً مِنَ النِّقَمِ
أَنا الغَرِيبُ عَلَى دَرْب اللُجُوء وَمَا
أدْرِي السَّبيل الَّتِي تَمْضيِ لَها قَدَمي
لَممْتُ طَرْفيِ عَنْ "صَبْرَا"(2) وَبي غُصَصٌ
خَنَقْتُها بَينَ دَفْق الغَيْظِ والنَّدَمِ
وَعَنْ " شَتِيلاّ " وَأَنْفاسيِ مُقَطَّعَةُ
حَبَسْتُهَا بَيْنَ صَدْرٍ خَافقٍ وَفَمِ
كَتَمْتُهَا بِيَدي ... كَيْ لا يُقال هَوَتْ
عَزِيمَةُ الحُرِّ في مَيْدَانِهِ العَرِمِ
تَقُولُ : مَنْ أَسْلَمَ الأعْناقَ هيّنةً
إلى الشِّفَارِ . !؟ وَأَلْقاها لِكُلُّ ظَمِي ؟ !
مَنِ الّذي سَاقَهَا سَوْق القطِيع إلى
مَجازِرِ المَوْتِ في خطْوٍ هُناكَ عَمِ ؟ !
وَقَمْتُ أَدْفَعُ خطْوي وَاللّجوءُ دُناً
ممدُودَةٌ .. وَرَاوَابيِ الأَرْضِ مَوْجُ دَمِ
أَنَا الغَرِيبُ . وقَدْ خَلَّفْتُ لي أَملاً
دَفَنْتُهُ بَيْنَ أَكوامٍ مِن الأَلَمِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· ملحمة الغرباء ـ 1415هـ 1994م .
(1) (1)لعبة الأمم : إشارة إلى اسم كتاب ألفه ما يلز كوبلاند .
(2) (2)صبرا : مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان يقع جنوب بيروت(/1)
قدر ميل
الحمد لله ، خالق الدجى ، وفالق الإصباح ، ومنزل الكتاب نورا يهدي إلى الفلاح . أحمده سبحانه ، عز فارتفع ، وفرق وجمع ، ووصل وقطع ، وحرم وأباح . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، منع ومنح ، وذم ومدح ، ملك فقدر ، وطوى ونشر ، فهو الرقيب على خلقه في غدوهم والرواح . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، النبي المجاهد ، الراكع الساجد ، مع علمه بمغفرة ذنوبه ، عمر أوقاته يستغفر الله في المساء والصباح . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ما تغير فصل ، وما بقي عقل ، يعمل بجد ، حتى لا يكون عمله هباء تذروه الرياح ، وسلم تسليما . أما بعد ،،، فقد أوصاكم ربكم بتقواه ، فاتقوه ، وأمركم بطاعته ، فأطيعوه ، ونهاكم عن عصيانه ، فلا تعصوه ، وسارعوا إلى مغفرته ، وسابقوا إلى جنته ، فإنكم إليه راجعون ، وبين يديه موقوفون ، فاستعدوا لهذا الموقف ، بكل عمل صالح ينجيكم من هوله ، قبل أن يأتيكم الموت ، فتتحسروا على عمر ضاع منكم فلم تعمروه . أيها المسلمون : لهيب ، وسموم ، يلفح الوجوه ، ويكاد سنا حره أن يحرق الجلود ، فيذكرنا لفح حرارته شمس َ ذلك اليوم الطويل ، وأهوال يوم النشور . هاهي الشمس ترتفع فوق رؤوسنا أكثر من تسعين مليون ميل ، ولهبها يكاد يخنقنا ، ولفح سمومها يكاد يسلخ منا الجلود ، فلا نطيق بقاء تحت سمومها ، ونفر منه إلى غرف مكيفة ، وأماكن مبردة ، نبحث عن الظلال ، ونعرف قيمة الماء البارد العذب الزلال . إنها صورة مصغرة جدا لأحوال ، وأهوال يوم التغابن . نعيشها في الصيف وفي الشتاء ، فشدة القيض لا ترضينا ، كما أن شدة البرد تؤذينا ، فسبحان من من على أهل الجنة بالنعيم في كل حال ، { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } وتأمل كيف تذكروا منة الله ، وكيف استشعروا نعمة الله ، واستمع لهم يتحاورون فقالوا : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . عباد الله : قال صلى الله عليه وسلم : تدنى الشمسُ يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل . قال سُليم بن عامر : فوالله ما أدري ما يعني بالميل ، أمسافة الأرض ، أم الميل الذي تكتحل به العين ؟ قال : فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما . قال : وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه . أخرجه مسلم من حديث المقداد بن الأسود ، رضي الله عنه . وفي الكتاب العزيز يقول ربنا تبارك وتعالى عن أصحاب الشمال : في سموم وحميم ، وظل من يحموم ، لا بارد ولا كريم . فالسموم ، هو الهواء الحار ، والحميم ، هو الماء الحار ، واليحموم : هو الظل الحار ، ظل الدخان ، فجمع الله على أهل النار جميع أنواع الحرارة ، حرارةَ النار ، وحرارة الظل ، والهواء ، والماء ، فاستمع إلى ندائهم لأهل الجنة : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله . واستمع إلى وصف تلك الاستغاثة ، وبم أغيثوا ، يقول تبارك وتعالى : إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها . والسرادق : هو الحاجز الذي يحيط بالخيمة ، وهو ما يعرف بالرواق ، فهم هنا يشبه النار بالخيمة ، لها سور ، وهذا في العادة لا يكون إلا عند أهل الترف ، ممن يزيد استظلاله ، وتنعمه ، فأثبته هنا زيادة في التهكم به ، وإمعانا في إهانته . وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لسرادق النار أربعة جدر ، كثافة كل جدار مثل مسافة أربعين سنة . أخرجه أحمد والترمذي . وابن جرير في تفسيره . قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : أحاط بهم سرادقها . قال : حائط من نار . قال جل وعلا : وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه . والمهل مثل الدم والقيح ، قد انتهى حره ، فأصبح كالحديد المذاب . قال الضحاك : ماء جهنم أسود . فالمهل أسود منتن غليظ حار ، تشوي حرارته الوجوه ، كلما قربه الكافر ليشرب شواه حتى يسقط جلد وجهه . ووصفه الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال : كعكر الزيت ، فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه . أخرجه أحمد والترمذي ، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه . وقال جل وعلا في وصف سقيا القوم : ويسقى من ماء صديد ، يتجرعه ولا يكاد يسيغه . فهو يتكرهه ، ولا بد له منه ، فإذا أدناه شوى وجهه ، وإذا شربه قطع أمعاءه ، كما قال جل وعلا : وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم . وقال سبحانه : تسقى من عين آنية . أي بلغت الغاية من شدة الحر . كما في قوله تعالى : يطوفون بينها وبين حميم آن . أي شديد الحرارة . قد بلغ مرحلة النضج والاستواء ، فجمع الله تعالى على أهل الشرك والكفر به وبرسله الحر من كل جهة عليهم ، حتى في بطونهم ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود . وأما الظل فقد قيل لهم : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ، لا ظليل ولا يغني من اللهب . فليس يفيد فائدة الظل ، ولا يقي حرارة ، بل هو كما جاء في الآية الأخرى :(/1)
لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل . أعاذني الله وإياكم ، ووالدينا من ذلك كله . أيها المسلمون : على العكس من ذلك ما وعد المتقون ، جنة تجري من تحتها الأنهار ، أكلها دائم وظلها . قال ابن مسعود رضي الله عنه : الجنة سجسج ، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . يعني معتدلة ، ليس فيها حر مؤذ ، ولا برد شديد . فجمعت لهم الخير كله ، بجري الماء تحتهم ، والأكل والظل . لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا . في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود . وماء مسكوب . ذواتا أفنان . والفنن الغصن . فلها أغصان ، متشابكة ، فهو ظل الشجر ، وفي الحديث إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة . أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وفي رواية أبي سعيد رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مئة عام ما يقطعها . وتكرر في القرآن الكريم القول بجري الأنهار تحت الجنة . أو تحت أهل الجنة . وكل عربي يدرك معنى جري الأنهار في بلد ما ، أن هناك خضرة وظلا ، وفواكه ، ونعيما . وقد حذر الله تعالى نبيه وعبده آدم عليه السلام من كيد عدوه اللعين ، فقال له : إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . ثم عدد عليه من أفضل ما فيها فقال : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى . فالظمأ والضحي متناغمان ، فأضحى أي تعرض للشمس والضحى : هو وقت انبساط الشمس ، وامتداد النهار . ولهذا قال تعالى : والشمس وضحاها . وقال تعالى : والضحى ، والليل إذا سجى . والضاحية من كل شيء : ناحيته البارزة . وبقي أن نشير إلى لطيفة مهمة ، وهي أن الجنة ليس فيها فيء ، ولكنها ظلال ، كما قال تعالى : إن المتقين في ظلال وعيون . فالظل هو لشيء لم تصله الشمس . وأما الفيء فأخص منه ، وهو ما زالت عنه الشمس ، أو كان من أثر الشمس ولهذا قال تعالى : أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله . فيقال : فاء الظل فيئا ، أي : عاد بعد أن أزالته الشمس . والجنة ليس فيها شمس ، إذ إن أهلها : لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا . فالظل أعم من الفيء . ولهذا كثر في القرآن استخدام الظلال ، كما في قوله تعالى : هم وأزواجهم في ظلال . وقوله : ودانية عليهم ظلالها . وأما شرابهم : فيسقون من رحيق مختوم ختامه مسك . من كأس كان مزاجها كافورا ، عينا يشرب بها عباد الرحمن يفجرونها تفجيرها ، عينان تجريان ، وعينان نضاختان ، ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ، عينا فيها تسمى سلسبيلا . أيها المستظلون : إذا خرجتم من هذا المسجد عرفتم قيمة الظل ، فمن مشى منكم قليلا عرف قيمة كأس من الماء البارد . فأغلى شيء يفقد ظل وماء بارد . وفي الدعاء المأثور : اللهم اجعل حبك أحب إلى من الماء البارد على الظمأ . فأحب شيء إلى الظمآن ماء زلال ، بارد عذب . وأحب شيء إلى من مشى في الهجير الحار أن يجد شيئا يستظل تحته ، ويتفيؤ ظلاله . فأما الظل في القيامة ، فلا ظل إلا ظل عرش الرحمن ، ولن يستظل أحد تحت الظل إلا من سعى إليه بعمل صالح يؤهله لتلك الظلال الوارفة . وفي شدة الحر ، تزداد القيمة المعنوية للماء البارد ، ولن يسقى أحد في القيامة إلا من حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم من اتبعه ، وترسم هديه ، فأما من بدل وغير ، فليس له منه أدنى نصيب ، وماء الحوض مداده من الكوثر الذي أعطاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، كما في الحديث عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ : إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر . ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم فأقول : رب ، إنه من أمتي . فيقول : ما تدري ما أحدَثَت بعدك . رواه مسلم . ألا ، فاسعوا أيها المسلمون إلى الظل ، والسقيا في يوم العرض الأكبر ، طال زمانه ، وقرب أوانه ، وتخلى فيه عن كل أحد أحبابه وأعوانه ، وتعددت فيه أصناف الأهوال ، كأنه هول تعددت ألوانه ، تشهد على المرء فيه حواسه وأركانه ، فما أسعد من استظل بظل الرحمن ، وشرب من حوض سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم ، وثقل في ذلك اليوم ميزانه . وكل من شرب من الحوض ، واستظل تحت ظل العرش سيكون من الوارثين للجنات والعيون ، في ظلال على الأرائك متكئون . جعلني الله وإياكم من أهل الجنة ، المتنعمين في الظلال ، ونجانا بفضله من النار ، وما أعد لأهلها من الزقوم والأغلال . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : وما يستوي الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، وما يستوي الأحياء ولا الأموات ، إن الله يسمع(/2)
من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور . بارك الله لي ولكم .... الخطبة الثانية : الحمد لله ، خلق الخلق من تراب ، وباين بينهم في الصور والآداب . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مقر بوحدانيته ، من غير شك ولا ارتياب . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ليس من طريق للجنة إلا طريقه ، ومن أعرض عنها أغلق دونه الباب . صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ، اطمأنت قلوبهم بذكر الله ، فطوبى لهم وحسن مآب . أما بعد ، فاتقوا الله ، عباد الله ، وليكن لكم في حر الدنيا عظة ، وتذكرة بعذاب الآخرة ، وجدوا السير للظل الممدود ، والحوض المورود ، فلا والله ما أفلح من تنعم في الظلال والخضرة في دنياه ، وقد أغفل آخرته فجعلها أشد جفافا ، وأكثر حرا من دنياه فلم ينقل لها زادا يقيه حر ذلك اليوم ، ذلك هو الخسران المبين . إخوة الدين والعقيدة : يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي ، يوم لا ظل إلا ظلي . رواه مسلم . ويقول عليه الصلاة والسلام : كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس . أخرجه أحمد والحاكم . ويقول بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم : من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله . أخرجه مسلم . وكلكم يحفظ حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . وهو مخرج في الصحيحين . فبادروا أيها الراجون لرحمة ربكم ، بادروا الأعمال ، قبل انقضاء الأعمار ، واخشوا أليم عقابه ، فشدة الحر يوم القيامة عظيمة جدا ، حتى إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة فيقول : يا رب أرحني ولو إلى النار . رواه الطبراني في الكبير ، وإسناده جيد . فدونك أخي الحبيب هدية مجانية ، أعظم من كل الهدايا في كل المهرجانات ، واجعلها لك سهما سيكون سعره أعلى سعر في مؤشر الربح والخسارة ، يوم التغابن ، فارفع رصيدك من الإيمان ، واجمع أسهمك من الأعمال ، فإنها فرصة العمر ، وكبرى المساهمات ، إن ربح سهمك فيها فلن تخسر بعده أبدا . ستبني القصور ، وتنال الحبور ، وتنظر إلى وجه الغفور . فسابق ، ونافس ، وسارع ، واستهم فإن أكثر القوم عن سهم الآخرة غافلون ، وإن رأيتهم عند أبواب المصارف يقتتلون ، ليساهموا في دنيا قد ينلهم نصيبهم منها ، وقد لا ينالون ، فدونك باب الآخرة قل عنده الواردون ، وأكثر الناس عنه معرضون . فاضرب بسهم ، وأقدم بعزم ، وشمر بحزم ، فما فاز إلا المشمرون . أيها المسافرون : يا من شددتم الرحال للاصطياف والسياحة ، وأنفقتم أموالكم بحثا عن المتعة والراحة ، تذكروا وأنتم ترحلون ، أنكم عما قريب سترحلون . وتذكروا وأنتم ترجعون ، أنكم إلى ربكم ترجعون . وإذا قفلتم عائدين ، سألكم الأهل والأصدقاء عن رحلتكم ، وما فعلتم واستمتعتم ، وهكذا أيضا ، ستسألون عن رحلة عمركم عن أعماركم ، وعن شبابكم ، وعن علمكم ، وعن أموالكم ، من أين ؟ وفيم ؟ فأعدوا الجواب ، وإياكم أن تنعموا أجسادكم ، وتعمروا قلوبكم بالخراب ، وتعملوا للدنيا عمل المحتار والمرتاب ، وليكن سفركم إذا سافرتم عونا على الطاعة ، واجعلوه من اتخاذ الأسباب . ولا يكن سفركم معصية للمولى ، وإسرافا وتفاخرا ، ورب مسافر على مقعد ، عاد إلى دياره في تابوت ، ووالله لقد نغص الموت على أهل النعيم نعيمهم ، ولكن أكثر الناس لا يوقنون . وصلوا على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، النبي الأمي ، محمد بن عبدالله ، كما أمركم بذلك الله في قوله : إن الله وملائكته ....(/3)
قذائف إسلامية في قلب الحرام العلمي
أ.د/
جابر قميحة
komeha@menanet.net
يتعرض الإسلام ومبادئه وقيمه والداعون إليه لهجمات شرسة خسيسة, يتولي كبرهاً أفراد وجماعات يحملون أسماء عربية إسلامية. وتتمادي هذه الهجمات, وتزداد شراسة ووقاحة بازدياد امتداد العولمة -وبتعبير أدق- «الأمركة», وازدياد نفوذها بالترهيب أو الترغيب, أو بهما معًا, كما كان غلاة اليسارين من الشيوعيين أصحاب النصيب الأوفى في هذه الهجمات, واستهدفوا بعدوانهم الرسالة والرسول صلي الله عليه وسلم, وشخصيات الصحابة, ولغة القرآن, والداعين إلي «إسلامية الحل», والتمسك بثوابت ديننا الحنيف.
موقف الإسلاميين
وقد تصدي عدد من الكُتاب والمفكرين الإسلاميين لهذه الهجمات واستطاعوا تفنيدها وقصمها, منهم الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- والدكتور يوسف القرضاوي, والدكتور محمد عمارة وغيرهم.
ولكن الإسلاميين -أمام هذه الهجمات- كانوا -وما زالوا- فريقين: الفريق الأول يري أننا يجب أن نتصدي لهؤلاء أولاً بأول, ونفحمهم, أما الفريق الثاني فيرى أن نغفلهم , ولا نعطيهم أي اهتمام ؛ لأن تصدينا لهم سيُكسبهم شهرة لا يستحقونها, والإسلام باق خالد لن يضيره أمثال هؤلاء. فهم:
كناطح صخرةً يوما ليوهنها فلم يُيضرها وأوهى قرنَه الوَعِل
وآمل أن أكون مصيبًا إذا أخذت نفسي بالرأي الأول, ورجحته علي الرأي الثاني:
1- لأنه أقرب إلي طبيعة الإسلام, ودعوته إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قولا وفعلا. كل بقدر استطاعته. حتي لو كان المنكر من صغائر الأمور. وهذا هو النهج الذي سار فيه الرسول صلي الله عليه وسلم والرعيل الأول من المسلمين.
2- ولأننا إذا أغفلنا هؤلاء, فإن شرهم سيتفاقم, وبالغرور سيتمادون في غرورهم, ويتمادون في التمادي. يقول المثل العربي «معظم النار من مستصغر الشرر», ويقول الشاعر عبد الرحمن شكري:
إذا نحن طامنَّا لكلًّ صغيرة فلابدّ يومًا أن تساغ الكبائرُ
3- صحيح أنهم قد يكتسبون شهرة بتصدي الإسلاميين لهم, فيعرفهم من كان يجهلهم. ليكن.. فذلك في مصلحة الإسلام والمسلمين. فهذه الشهرة إنما هي من قبيل «الفضح والكشف والتعرية». وإشهار هؤلاء المفترين المزورين المتقولين علي الإسلام يجعل المسلمين علي حذر دائم, وتحصُّن متين في موقفهم من أكاذيبهم وأضاليلهم.
أقزام يبصقون إلي أعلي
من هؤلاء محمد سعيد عشماوي ونصر أبو زيد وخليل عبد الكريم, وسيد القمني, ورفعت السعيد, وآخرون. ومن إفرازات هؤلاء وقيوئهم (جمع قيٍء): القول بأن محمد صلي الله عليه وسلم من صناعة بشرية لتحقيق أهداف سياسية, والقول ببشرية القرآن, وأنه من تأليف محمد, وتجريح الصحابة وأخلاقياتهم, والقول بأن الإسلام دين تعبدي لا علاقة له بالحكم والسياسة والتنظيم الاجتماعي , والتشكيك في قدرة اللغة العربية -لغة القرآن- ووصفها بالتخلف والجمود.
ومن هؤلاء من عاد إلي الحق بشجاعة وإيمان وثيق كخالد محمد خالد, الذي اعتذر عن كتابه «من هنا نبدأ» بعد أن نُشر وانتشر انتشارًا صارخًا, و«مسحه ومحقه» بكتابه عن «الحكومة الإسلامية». ويقال إن علي عبد الرازق تاب إلي الله عن كتابه -الذي كتبه أو كُتب له- وكتب اسمه عليه وهو «الإسلام وأصول الحكم» وإن لم تشتهر توبته, وتوصيته لأبنائه بألا يعيدوا طبع هذا الكتاب. ومنهم من انسحب سريعًا في اضطراب وحسرة بعد توالي الصفعات التي انهمرت عليه وهو ذلك الذي هتف بسقوط سيبويه.
ولكن أغلب هؤلاء مازالوا في الساحة يستمرئون أضاليلهم, ويتمادون في زيوفهم. وأشهر هؤلاء «المحترم» الماركسي القُح رفعت السعيد زعيم « حُزيْب التجمع» الذي خصص أغلب إفرازاته في الهجوم علي الإخوان ودعوتهم ومرشدهم الإمام الشهيد حسن البنا. وكل هؤلاء العلمانيين -وخصوصًا «المحترم» رفعت السعيد- يذكرونني بالمثل الصيني «يا للعار!! إنهم أقزام , ويظنون أنهم عمالقة لأنهم يبصقون إلي أعلي».
فلا عجب إذن أن نري «المحترم» زعيم الحُزيب يفسر تعفف الإخوان عن الرد عليه بانه جبن وعجز, ودليل علي تسليمهم بصحة ما يقول.
غرور... وتردد
ولا أخفي أن كثيرين من الإخوان ترددوا في الرد علي هذا الرجل -لا جبنا وخوفا- ولكن كسلا, وإن شئت فقل لأنهم مشغولون بكتاباتهم فيما هو أهم وأحق من قضايا المسلمين وقضايا الوطن.
ولكن «المحترم» تمادي في التمادي, وتوالت بصقاته إلي أعلي, فكتب.. وأخذ يصرح في جلساته, وبين رجالات «حُزيبه» أنه لا يوجد في «الإخوان المتمسلمين» من يستطيع أن يجابهه, ويتصدي له بسبب منهجه العلمي, ونصوصه الموثقة(!!)(/1)
وأعترف أنني كنت واحدًا من المترددين المتهيبين» لأن «المحترم» يستشهد بنصوص من صحف صدرت من نصف قرن أو ستين أو سبعين عامًا. وأنا عاجز عن الوصول إلي هذه الصحف لأكثر من سبب. والمنهج العلمي في الرد يقتضي أن أعود إلي هذه الأصول. ولكني قلت «فلأستعن بالله», وأمدني عالم جليل -يحمل دكتوراه حقيقية- بعدد من البيانات والوثائق والمعلومات الحاسمة عن «المحترم» يمكن الاعتماد عليها -إلي حد كبير- في الرد عليه. وبدأت الكتابة. وفجأة ظهرت مفاجأة لم تخطر ببالي:
وظهر.. منصور أبو شافعي
إنه شاب -أو كهل- في الأربعين من عمره. رحبت به في بيتي.. قدم إليَّ -علي استحياء- كتبه الثلاثة, وهي كل إنتاجه:
1- مركسة الإسلام (صدر في أغسطس 1999).
2- مركسة التاريخ النبوي (صدر في نوفمبر 2000).
3- العلمانيون والحرام العلمي: مراجعة نقدية لعلمية كتابات د. رفعت السعيد عن حسن البنا (صدر في سبتمبر 2004).
الكتابان الأول والثاني في نقد -بل نقض- فكر سيد القمني والكتاب الثالث في التصدي لإفرازات «المحترم» عن الإخوان وحسن البنا -رحمه الله- وهو من 200 صفحة من القطع الكبير مطبوع بحروف صغيرة جدًا, ولو طُبع بحروف عادية لشغل الكتاب ما لا يقل عن 400 صفحة.
بعد أن قرأت الكتب الثلاثة, وأعطيت مزيدًا من الاهتمام للكتاب الأخير.. عرفت أن الأستاذ منصور الشافعي كان هو المفاجأة السارة لي. لأنه أراحني من الكتابة عن «المحترم» والتصدي له. وخصوصًا أنني لم يكن في حوزتي ما يمكنني من الرد, أو النقد الذي أريده بالصورة التي أنشدها, وخصوصًا الصحف.
تعرية «المحترم».. والحرام العلمي
ولم يسرف الدكتور محمد عمارة إذ كتب في تقديمه لهذا الكتاب: «..لقد وضع هذا الكتاب د. رفعت السعيد في حالة لا يحسد عليها.. حال لا يتمناها إنسان لعدو أو حبيب, حتي لكأنه قد عرَّاه, ثم قام بتجريسه... بالعلم والوثائق والمنطق والحجج والبراهين, كان الله في عون الدكتور رفعت بعد صدور هذا الكتاب. وكان الله في عون الباحث منصور أبو شافعي ليواصل مسيرته المظفرة -إن شاء الله- في تعرية الزيف العلماني, والغلو اللاديني الذي يمثل في واقعنا الفكري الامتداد السرطاني للحرب: الصلييبية- الصهيونية.. المعلنة ضد الإسلام والمسلمين..».
ومنصور يقصد بالحرام العلمي ما يفعله المحترم من إيهام المتلقين بعلمية معالجة موضوع ما, واتباع قواعد الموضوعية في هذه المعالجة, والتجرد من الهوي والتزييف والتزوير.
وأنا أقرأ هذا التعبير «الحرام العلمي» لأول مرة في حياتي, وأعتقد أنه سيصير بمرور الأيام مصطلحًا, لأن العلمانيين غارقون حتي آذانهم في هذا الحرام العلمي.
وفي حملة منصور أبو شافعي علي هذا الحرام العلمي يأخذ نفَسه -في صبر عجيب- بقواعد صارمة.. منها:
1- الرجوع إلي المراجع التي أحال عليها -وأخذ منها- «المحترم», أو ادعي أنه أخذ منها. وخصوصًا المواضع التي أشار إليها. واتبع ذلك حتى في الصحف والمجلات مع صعوبة الحصول عليها.
2- الرجوع إلي أكثر من طبعة للمرجع, وقد يعود إلي كل طبعاته.
3- استقراء كل رؤي المحترم رفعت السعيد للمسألة الواحدة» فمنصور لا يكتفي بالرأي الأحدث للمحترم في مسألة ما, موهمًا القارئ بأن هذا هو رأيه من قديم, بل يعود منصور إلي أول الخيط التاريخي لرؤيته -أو رؤاه- السابقة. وهذا ساعد «منصور» علي اكتشاف عشرات من التناقضات السعيدية الفادحة.
4- التدرج المنطقي في مناقشة «المحترم» ونقض ادعاءاته.. فهو يسير في تؤدة وأناة سيرًا تصاعديًا ابتداء من المقدمات السهلة البسيطة خلوصًا إلي الحكم الحاسم الذي يجد القارئ السوي نفسه مقتنعًا به, لأنه لم يفاجئه.
5- التزام الوقار العقلي, وكبح القلم عن الاندفاع بالحماسة حتي في المسائل التي قد تحتاج إلي الحماسة والوجدانية كادعاء المحترم بأن حسن البنا كان يقول بتكفير المسلمين في كتاباته وخطبه ومؤتمراته, من أول قيامه بدعوته.
من التزوير السعيدي
ويورد منصور عشرات من التزوير المقصود في نصوص سماها «المحترم» وثائق, وللحق تمكن المحترم من توظيف كل أنواع التزوير المعروفة قانونًا, وأشهرها «التزوير بالإضافة» و«التزوير بالحذف والإسقاط» حتي يحقق أهدافه التي يحرص عليها, وهي أهداف مناقضة للحق والحقيقة والقيم الإنسانية. فمثلا: يحرص المحترم علي إيهام القارئ, بل الناس جميعًا بأن الماركسية لا تناقض الدين, ولا تتعارض معه فيورد النص التالي لكارل ماركس: «إن الدين عند الكثيرين هو النظرية العامة لهذا العالم, وهو مجموعة معارفهم الموسوعية, وهو منطقهم الذي يتخذ شكلاً شعبيًا, وهو موضوع اعتزازهم الروحي, وموقع حماستهم, وهو أداة قصّاصًهم, ومنهجهم الأخلاقي».(/2)
ويرجع منصور كعادته إلي مصدر «المحترم» ويكتشف أنه حذف من النص ما يعكس معناه تمامًا. فقبل النص السابق مباشرة حذف «المحترم» السطور الآتية: يقول ماركس «إن الإنسان هو الذي يصنع الدين وليس العكس, فالدين في حقيقته هو الوعي الذاتي للإنسان..» أي أن الدين ليس من عند الله, بل هو صناعة بشرية..
ويعرض أبو شافعي عشرات من التناقضات المرة للمحترم, وكثيرًا من الأخطاء الموضوعية منها أن المحترم يتعامل مع كتاب «من هنا نعلم» للشيخ محمد الغزالي علي أنه من تأليف سيد قطب, رحمهما الله. ومن أخطائه المنهجية استخدامه مراجع وسيطة دون الرجوع إلي الأصل.
وأخيرًا أقول: إني أري في «منصور أبو شافعي» امتدادًا طبعيًا للدكتور محمد عمارة أطال الله في عمره. كان هذا -ومازال- انطباعي وآمل أن يكون صادقًا..
واللغة يا منصور..
أكدت للأخ منصور أن هذا الكتاب لم يقع في يد «مصحح طبٍعي» فالأخطاء اللفظية غزيرة. وأقول أيضًا إن فكر منصور أرقي بكثير جدًا من لغته التي تبدو عبارات كثيرة منها وكأنها ترجمة حرفية جدًا عن لغة أجنبية. وكثيرًا ما يعطف علي المضاف قبل استغراقه (في كل كتبه) كقوله «تخلي عن موضوعية وحياد وأمانة الباحث» والصحيح: تخلي عن موضوعية الباحث وحياده وأمانته, مركسة التاريخ النبوي ص4, ومثل «الكتابة عن وضد حسن البنا» والصحيح «عن حسن البنا وضده- (العلمانيون 14) ومثل الدعوة إلي شمول والدفاع عن الإسلام (السابق 133) والصحيح : الدعوة إلي شمول الإسلام والدفاع عنه.. إلخ.
وأخيرًا.. أدعو لكاتبنا الأستاذ منصور بالتوفيق والتقدم المطرد(/3)
قذف المحصنات من كبائر الذنوب
السؤال :
مسلمة اتهمتها إحداهن زوراً بالفاحشة مع فتاة تعريضاً و أشاعت ذلك بين الناس .
ماذا يجب على المتَّهَمة إذا كانت لا تستطيع أن تدفع عن نفسها ؟ و هل يعد هذا قذفاً ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
لقد حرّم الله تعالى على المسلم الاستطالة في عرض أخيه المسلم ( و سواء في هذا الحكم الرجال و النساء ) .
قال تعالى : ( وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَ إِثْمًا مُبِينًا ) [ الأحزاب : 58 ] .
و المعنيّون بالوعيد في هذه الآية هم الذين يستطيلون في أعراض المسلمين ظلماً و عدواناً ( أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه و لم يفعلوه " فقد احتملوا بهتاناً و إثماً مبيناً " و هذا هو البَهت الكبير : أن يحكيَ أو ينقل عن المؤمنين و المؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب و التنقص لهم ) كما قال ابن كثيرٍ في تفسيره .
و قال جلّ و علا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ النور : 23 ] .
قال ابن جرير : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة فِي شَأْن عَائِشَة , وَ الْحُكْم بِهَا عَامّ فِي كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَ صَفَهُ اللَّه بِهَا فِيهَا .
وَ إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلاته بِالصَّوَابِ ; لأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : " إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلات الْمُؤْمِنَات " كُلّ مُحْصَنَة غَافِلَة مُؤْمِنَة رَمَاهَا رَامٍ بِالْفَاحِشَةِ , مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ بِذَلِكَ بَعْضًا دُون بَعْض , فَكُلّ رَامٍ مُحْصَنَة بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الآيَة فَمَلْعُون فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَة وَ لَهُ عَذَاب عَظِيم , إِلا أَنْ يَتُوب مِنْ ذَنْبه ذَلِكَ قَبْل وَفَاته , فَإِنَّ اللَّه دَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ بِقَوْلِهِ : " إلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَ أَصْلَحُوا " عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم رَامِي كُلّ مُحْصَنَة بِأَيِّ صِفَة كَانَتْ الْمُحْصَنَة الْمُؤْمِنَة الْمَرْمِيَّة , وَ عَلَى أَنَّ قَوْله : " لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَة وَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم " مَعْنَاهُ : لَهُمْ ذَلِكَ إِنْ هَلَكُوا وَ لَمْ يَتُوبُوا ) .
و روى أبو داود في سننه و أحمد في مسنده بإسنادٍ صحيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ) .
و المنهي عنه في هذا الحديث هو إطالة اللسان في عرض المسلم ؛ باحتقاره و الترفع عليه , و الوقيعة فيه بنحو قذفٍ أو سبٍ , و إنما يكون هذا أشد تحريماً من المراباة في الأموال لأن العرض أعز على النفس من المال ، كما قال أبو الطيب العظيم آبادي في ( عون المعبود ) .
و لمّا كان القذف من أشنع الذنوب ، و أبلغها في الإضرار بالمقذوف و الاساءة إليه ، كان التحذير منه في القرآن الكريم شديداً ، و مقروناً بما يردع الواقع فيه من العقوبة .
قال تعالى : ( وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور : 4 ] .
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية : ( يقول تعالى ذكره : و الذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين , فيرمونهن بالزنا , ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهم رأوهن يفعلن ذلك , فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة , و لا تقبلوا لهم شهادة أبداً , و أولئك هم الذين خالفوا أمر الله و خرجوا من طاعته ففسقوا عنها ) .
و قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله : ( هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ؛ و هي : الحرة البالغة العفيفة فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، وليس فيه نزاع بين العلماء ... و أوجب الله على القاذف إذا لم يُُقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام :
أحدها : أن يجلد ثمانين جلدة .
الثاني : أنه ترد شهادته أبداً .
الثالث : أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله و لا عند الناس ) .
و القذف الذي يوجب الحد هو الرمي بالزنا أو اللواط أو ما يقتضيهما كالتشكيك في الأنساب و الطعن في الأمّهات تصريحاً على الراجح ( و هو مذهب أبي حنيفة و الشافعي ) ، لا تعريضاً و لا تلميحاً ( خلافاً لمذهب الإمام مالك و من وافقه ) ، إلاّ إن أقرّ المعرّض بأن مراده هو القذف الصريح .(/1)
قال الإمام القرطبي في تفسير آية النور : ( للقذف شروط عند العلماء تسعة : شرطان في القاذف ؛ و هما : العقل و البلوغ ; لأنهما أصلا التكليف , إذ التكليف ساقط دونهما .
و شرطان في الشيء المقذوف به , و هو : أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد , وهو الزنى و اللواط ; أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي .
و خمسة من المقذوف ؛ و هي : العقل و البلوغ و الإسلام و الحرية و العفة عن الفاحشة التي رمي بها ، كان عفيفاً من غيرها أم لا ) .
قلتُ : و الحال المذكورة في السؤال هي من قبيل الطعن في الأعراض بالتعريض و التلميح ، و تعتبر قذفاً موجباً للحدّ عند المالكيّة ، و لا تعتبر كذلك عند الحنفيّة و الشافعيّة كما تقدّم ، و في كلتي الحالتين فإن الوقوع في الأعراض بالتلميح أو التصريح من الذنوب الكبائر ، الموجبة للتوبة و استباحة من تسببت في الإساءة إليه ، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مالٌ و لا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ .
و التوبة من القذف كالتوبة من الغيبة من حيث حكمها و كيفيّتها و شروط قبولها ، و قد بسطناها في مكان آخر ، فليرجع إليها من أراد الاستزادة .
هذا ، و الله المستعان ، و عليه التكلان
و الحمد لله ربّ العالمين .(/2)
قراءات في علم الاستغراب (1/2)
قراءة في كتاب (مقدمات الاستتباع(
د. بدران بن الحسن 30/7/1426
04/09/2005
لماذا علم الاستغراب؟
من المسائل الشائكة في عالم أفكارنا كيفية التعرف على الغرب ومعرفة أنساقه الفكرية وتجربته الحضارية وخصائصه التي تميزه عن غيره من الكيانات الحضارية. ولذلك تواجهنا مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات علمية دقيقة تساهم في فهم الغرب وتوفير آليات منهجية للتعامل معه.
وهنا يُثار تساؤل عن كيفية ضبط العلاقة مع الغرب؛ إذ إن الإشعاع العالمي الشامل الذي تتمتع به ثقافة الغرب، هو الذي جعلنا في موقف ينبغي أن نحدد الصلة به، وخاصة أن ما يفيض علينا وعلى غيرنا من الأمم والشعوب من إنجازاته الحضارية ومن فوضاه الحالية جعل منه مشكلة عالمية، ينبغي أن نحللها وأن نتفهمها في صلاتها بالعالم كله وبالعالم الإسلامي بوجه خاص.
وهنا يأتي ما يمكن أن نسميه علم الاستغراب كما ذهب إلى ذلك الأستاذ حسن حنفي وغيره من المهتمين بالتأسيس لعلم يقوم على دراسة الغرب. وهذا لا يجعل العالم الإسلامي تابعًا في حلوله للغرب -كما يعتقد كثير من التغريبيين أو غيرهم من دعاة الأصالة الإسلامية- وإنما يتطلب منا أن نعرف التجارب الحضارية المختلفة لنتحقق من مدى نسبيتها ومدى قابليتها للنقل والاستفادة.
فإذا ما أدرك العالم الإسلامي أن الظاهرة الحضارية الغربية مسألة نسبية، فسيكون من السهل عليه أن يعرف أوجه النقص فيها، كما سيعرف عظمتها الحقيقية، وبهذا تصبح الصلات مع العالم الغربي أكثر خصوبة، ويسمح ذلك للنخبة المسلمة أن تمتلك نموذجها الخاص، تنسج عليه فكرها ونشاطها. فالأمر يتعلق بكيفية تنظيم العلاقة، وعدم الوقوع في الاضطراب كلما تعلق الأمر بالغرب.
فالعالم الإسلامي منذ بداية الجهود التجديدية الحديثة يضطرب، كلما تعلق الأمر بالغرب، غير أنه لم يعد بذلك البريق الذي كان عليه منذ قرن تقريباً، ولم يعد له ما كان يتمتع به من تأثير ساحر، وجاذبية ظفر بها على عهد أتاتورك مثلاً، فالعالم الغربي صار حافلاً بالفوضى، ولم يعد المسلم الباحث عن تنظيم نفسه وإعادة بناء حضارته الإسلامية يجد في الغرب نموذجًا يحتذيه، بقدر ما يجد فيه نتائج تجربة هائلة ذات قيمة لا تقدر، على الرغم مما تحتوي من أخطاء.
فالغرب تجربة حضارية تُعدّ درسًا خطيرًا ومهماً لفهم مصائر الشعوب والحضارات، فهي تجربة مفيدة لإعادة دراسة حركة البناء الحضاري، وحركة التاريخ، ولبناء الفكر الإسلامي على أسسه الأصيلة، وتحقيق الوعي السنني، الذي ينسجم مع البعد الكوني لحركة التاريخ، ذلك البعد الذي يسبغ على حركة انتقال الحضارة قانونًا أزليًا أشار إليه القرآن في قوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس)[آل عمران:140].
فالتأمل في هذه التجربة التي صادفت أعظم ما تصادفه عبقرية الإنسان من نجاح، وأخطر ما باءت به من إخفاق، وإدراك الأحداث من الوجهين كليهما، ضرورة ملحة للعالم الإسلامي في وقفته الحالية؛ إذ هو يحاول أن يفهم مشكلاته فهمًا واقعيًا، وأن يقوّم أسباب نهضته كما يقوّم أسباب فوضاه تقويمًا موضوعيًا.
وحتى تُنظّم هذه العلاقات، ويُستفاد من هذه التجربة البشرية، ويُدرك مغزى التاريخ، لا بد من فهم هذا الغرب في عمقه، وتحديد خصائصه، ومعرفة ما يتميز به من إيجابيات وسلبيات، حتى لا تكون معرفتنا به سطحية مبتسرة، وأفكارنا عنه عامة، وغير نابعة من اطلاع متأمل، وبالتالي يكون وعينا به مشوهًا أو جزئيًا.
ولقد أضاع المسلمون كثيراً من الوقت منبهرين بما حققه الغرب، دون أن يتأملوا ويدركوا سر حركة التاريخ في الغرب، فنرى كثيراً من الباحثين والمفكرين المسلمين بمختلف انتماءاتهم يجهلون حقيقة الحياة الغربية والحضارة الغربية بالرغم من أنهم يعرفونها نظرياً، كما أنهم ما زالوا يجهلون تاريخ حضارتها. وإنه بدون معرفة حركة تاريخ هذه الحضارة والمنطق الداخلي الذي يحكمها، فإننا لم ندرك سر قوتها ولا مكامن ضعفها، ولم نعرف كيف تكوّنت، وكيف أنها في طريق التحلّل والزوال لِما اشتملت عليه من ألوان التناقض، وضروب التعارض مع القوانين الإنسانية.
وإذا كانت المائة سنة الأخيرة قد تميزت بتقريب المسافات، واتجاه البشرية نحو التوحّد، في مصيرها، وفي علاقاتها، فإن المثقف المسلم نفسه ملزم بأن ينظر إلى الأشياء من زاويتها الإنسانية الرحبة، ويرتقي إلى إطار الحضور العالمي، وعيًا وإنجازًا، حتى يدرك دوره الخاص ودور ثقافته في هذا الإطار العالمي؛ إذ لا يمكن أن نطرح مشاكلنا في زمن العولمة والكونية، دون أن نأخذ في الاعتبار كل المعطيات السياسية والجغرافية والإستراتيجية.
وتحديد الصلة بالغرب وبغيره من الكيانات الحضارية، يعطينا تحديدين مهمين في إنجاز مشروعنا التجديدي:
التحديد الأول: هو التحديد السلبي، وذلك من خلال إدراك نسبية الظواهر الغربية، ومعرفة أوجه النقص فيها وأوجه العظمة الحقيقية.(/1)
أما التحديد الثاني: فهو التحديد الإيجابي، من خلال تحديد ما يمكن أن نساهم به في ترشيد الحضارة الإنسانية وهدايتها.
وهذا في حد ذاته ينضج ثقافتنا ويعطيها توجهًا عالميًا، فمن المفيد قطعًا أن ننظر إلى حركة التاريخ والواقع من زاوية عالمية لنكتسب بذلك وعياً عالمياً، فإذا أدركنا مشكلاتنا في هذا المستوى، فإننا سندرك -لا محالة- حقيقة الدور الذي يُناط بنا في حضارة القرن الحادي والعشرين.
ما هو منظور علم الاستغراب؟
إن مسألة تحديد النسق أو المنظور الذي من خلاله نتناول القضايا ومناقشة المشكلات المختلفة من الأهمية بمكان. ذلك أن تحديد المنظور يمكّن الباحث أو الدارس من الإحاطة بالمسألة، وامتلاك القدرة على إدراك مختلف أبعادها، وكذلك إمكانية صياغة حلول متناسقة قائمة على منهج واضح.
وبعبارة أخرى فإن منظور رؤية الأشياء هو الذي يحدد المنهج المقتضي للاتباع وتناول تفاصيل المسائل. وفي هذا السياق فإن النظر إلى مسألة ما من منظور فقهي –مثلاً- يؤدي إلى اعتماد منهج يختلف بالضرورة عن المنهج الذي يعتمد على منظور كلامي أو ثقافي أو حضاري أو سياسي.
وتحديد المنظور الذي من خلاله نعالج المسائل يسهل مهمتين للدارس؛ من حيث الاتساق في صياغة المنهج المراد اتباعه لعلاج المسألة موضوع البحث، ومن حيث القدرة على نقد مدى علمية المنهج المتبع في حل قضية ما ومدى اتساقه مع نفسه واتساقه مع الحقيقة الخارجية.
ويمكن القول: إنه بتحديدنا للمنظور، وبالتالي تحديدنا للمنهج المنبني عليه يمكن معرفة مدى شمولية ودقة واستيعاب هذا المنظور أو ذاك لمختلف الأبعاد، ومدى قدرة المنهج المنبني عليه على علاج المشكلات المختلفة للقضية أو الظاهرة أو المسألة موضوع البحث والدراسة.
والكتاب الذي بين أيدينا يُعدّ حلقة مهمة في بناء منظور ومنهجية للتعامل مع الآخر الغربي، ذلك أنه يبحث في جذور الغرب الثقافية والمعرفية التي شكّلت -ولا تزال- تعامُلَه مع غيره، كما يظهر الكتاب الاستعدادات الثقافية التي مكنت الغرب من أن يبلور، بوساطتها صورة عن ذاته، ويشكل صورة مشوهة للآخر لتأكيد ذاته، والتمركز المستعلي على غيره. ويتناول مصادر خطاب السيطرة على البشر بعد السيطرة على الطبيعة، ثم الاستشراق، وأيديولوجية الهيمنة.
محتوى الكتاب
يقع الكتاب في (160) صفحة من القطع المتوسط، متضمناً تصديراً للدكتور طه جابر العلواني، ومقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
في التصدير أشار الدكتور العلواني إلى أن عنوان الكتاب "الاستتباع" يستدعي إلى الذاكرة مجموعة من المفاهيم والمصطلحات سادت في أوساط مثقفي الأمة منذ منتصف القرن الماضي، مثل: الاستعمار، والاستشراق، والاستغراب، والاستكبار، ... النظام العالمي الجديد والإرهاب، والأصولية، والظلامية ونحوها.
والكتاب يستدعي هذه المفاهيم لأنه يعالج "حقلاً معرفياً" واسعاً يتصل بكل هذه المفاهيم. وهذا الكتاب يتناول الغرب بتحليل بنائه وأطره المنهجية، ومسلماته المعرفية (الإبستمولوجية) وفلسفته ونظرياته وقواعده المعرفية، وينقّب عن كيفية تحول الغرب إلى المركزية في رؤيته لذاته وتهميشه للآخرين، بل واستتباعهم.
ويشير إلى الطريقة التي تناول بها العقل المسلم ظاهرة الاستشراق، وأنها كانت دون مستوى الإحاطة بالظاهرة، وانعدام الاهتمام بتحليل البنى المعرفية والأطر المنهجية للاستشراق بوصفه حقلاً معرفياً نشأ في إطار العلم الغربي وفلسفته ونظرياته وأسسه المعرفية، وكان موضوعه الآخر غير الغربي، مستمراً في الشرق المسلم، وأن هذا الحقل المعرفي قد أسس لنفسه علوماً لبناء شبكات في الشرق المسلم، وأن هذا الحقل المعرفي قد أسس لنفسه علوماً لبناء شبكات المفاهيم الجديدة والمنظومات المعرفية المؤطرة في فلسفته (التصدير، 10).
في المقدمة يشير المؤلف إلى عدة أفكار مهمة في سياق معالجته للموضوع، أهمها:
- التناول الاجتزائي للاستشراق: فيرى الباحث أن الكتابات حول الاستشراق ونتائجه منذ عقدين من الزمن ونيف، وقع معظمها ضحية منظورات اجتزائية لم تضع الاستشراق ضمن النسق المعرفي المؤسسي العام للحضارة الغربية، فهو ليس ظاهرة موازية للنسق المعرفي المؤسسي الغربي المهيمن ولا منقطعة عنه أو عرضية فيه، إنما على العكس استمدت جذورها من هذا النسق بكل مكوناته المعرفية والمذهبية، نسجت خيوطها في كنفه، وتشكّل جزءاً أساسياً في إنشاء نموذج (الدولة-الأمة) في الغرب.
- طرق الاستعمار في بسط الهيمنة: إذ لم يلجأ الاستعمار -في فرض هيمنته ونمط إنتاجه وإملاء شروطه، بوصفها حقيقة وحيدة لازدهار الحضارة- دائماً إلى سياسة النهب الخالص وسياسة المدفع السافرة، إنما اعتمد على أساليب أخرى أيضاً في مرحلة ما قبل الاستعمار المباشر، وذلك عن طريق الاتفاقيات التجارية والعسكرية والعلمية مع حكام دول الأطراف وتكوين أنصار وزبائن مفتونين بمبادئه وقيمه ومؤسساته في المجتمعات المحلية، والتسلل إلى الضمائر وتطويعها وتسخيرها لصالحه.(/2)
- عقدة التفوق الغربي التي تحكم الغرب؛ إذ لكي يستأثر بزمام المبادرة في معالجة التاريخ العالمي يرفض الاعتراف بالقيم والرموز الخاصة بالثقافات المغايرة، أو بفكرة تاريخ متعدد، ويلجأ إلى تقطيع مجتمعات الأطراف إلى شرائح وكيانات قبلية وطائفية، أو عرقية وإقليمية، ويحوّل تواريخ الشعوب إلى أصفار على هامش الحضارة، لا قيمة لها إلا بقدر اندماجها في دائرة السوق المتمم لحاجات إنتاجية المركز الأوروبي.
- الجذور الأيديولوجية والمعرفية للغرب: فالجذور الأيديولوجية للغرب ونظريته المعرفية تأسست ابتداءً من عصر النهضة، ومشروع الغرب يتجه نحو تطوير قيم أخلاقية جديدة متحررة شيئا فشيئاً من الدين لصالح نظرية جديدة عن المعرفة، ممثلة في أولوية المعرفة الموضوعية المستمدة من مجالي التجريب والرياضيات.
- ذهنية الصراع والسيطرة على الطبيعة والإنسان التي تحكم الغرب في تعامله مع الشرق، ضمن تراتبية تنطوي على إقامة فوارق جوهرية ثابتة بينه وبين سكان الشرق، وجعل نفسه وصياً وحيداً في تقرير مصائرهم تحت شعار تحرير الوثنيين والكفار "الوحوش" أو "الهمج" من "الظلامية" و"العبودية".
بمقتضى هذه الاستراتيجية راح الغرب يُساوي نفسه مع التاريخ، وله وحده الاستحواذ على مواقع النجاح، ولو على حساب ثقافات وتواريخ الشعوب الأخرى ومحوها.
- نشأة (الأنثروبولوجيا) الغربية: فالغرب أنشأ هذا العلم لدراسة إنسان ما وراء البحار بمناهج جديدة تهدف إلى عزله عن كل الظروف الاجتماعية التاريخية، ونكران ما يمثله من قيم ثقافية مغايرة. وحسب منظور (الأنثروبولوجيا) الغربية لم يعد ثمة شيء عقلاني، بالمعنى الحرفي سوى النظرية (الأنثروبولوجيا) "الإنسانية" عن ثقافة الشعوب التي اصطلح على تسميتها "بالبدائية" أو "الوحشية"، ولم يعد هناك من ثقافة سوى ثقافتهم من وجهة نظرهم هذه.
وإذا تم الاعتراف بعظمة حضارات (الغير) فبمقدار استجابتها لمصالح وترميزات المركزية الغربية. (ص 19 – 21).
- (إيديولوجيا) الفتح، والتسويغ لخطاب السيطرة: إن الخطاب المسيطر والمؤسس في القرن التاسع عشر، تحالف تحت قيادته الدولة المركزية الدستورية والعلم، والجيش والصناعة والكنيسة حاملة رسالة التبشير، لتوزيع المهام وتقاسم النفوذ ضمن إستراتيجية منظمة روّج لها رواد (أيديولوجيا) الفتح أمثال مونتسكيو وهيجيل وماركس ووايتفوغل...
في علم الاستغراب: قراءة في كتاب (مقدمات الاستتباع) (2/2)
د. بدران بن الحسن 14/8/1426
18/09/2005
في الحلقة الأولى من هذا المقال تناولنا أهم المحاور التي ركّز عليها كتاب (مقدمات الاستتباع) من خلال التصدير والمقدمة، وفي هذه الحلقة نتناول أهم النقاط الواردة في بقية الفصول.
ففي الفصل الأول من الكتاب تناول الكاتب مظاهر نشوء النظام الغربي مركزاً على كيفية اشتغال القوانين الجديدة التي تحكمت في الحملات التبشيرية والمهام التي كُلّفت بها لغزو ما سُمّيَ بالشرق وتشويه صورته، ثم أبرز كيف انخرطت الدول الغربية، لحل مسائلها السياسية الداخلية، في الحملات التوسّعيّة ما قبل الاستعمارية فيما وراء البحار، ثم كيف أسهمت في إضعاف الإمبراطورية العثمانية -التي كانت تشكل تحدّياً سافراً للغرب آنذاك- وترسيخ الانشقاقات الطائفية والعرقية والقبلية والإقليمية بين الجماعات المتعايشة في ظلها.
وفي خمس نقاط يتناول النشوء والنماء الذي سار عليه النظام الغربي؛
ففي النقطة الأولى يتناول عملية التداخل بين السلطة الدينية للكنيسة مع الغزوات التجارية (المركنتيلية)؛ إذ ستتبلور (أيديولوجيا) تجعل من الربح قاعدة لـ"التقدم"، ومن المبادلة الحرة أداة أكثر فعّالية وضمانة لـ"الحضارة"، وذلك حين تحوّلت التجارة عند التجار وأصحاب المصارف إلى "فضيلة"، والمال إلى "صنم" بوصفهما شرطين أساسيين لضمان "النجاح" في الحياة العملية. (ص 28).
وفي مسار تشريع اللاهوت للناسوت "المركنتيلي" اضطرت كل الكنائس أن تتكيّف مع التنمية الخارجية للروح التجارية أو التشجيع لها، ثم الأخذ بالعقلية الصناعية... لقد أوجدت الرأسمالية روحها الخاصة، ووضعت الكنائس أمام ضرورة الاندماج بالقانون الطبيعي (للدولة-الأمة) (ص35–36).
وفي النقطتين الثانية والثالثة: تناول الصراع الذي حدث بين الكنائس على الشرق ودخول البروتستانت (protestant) حلبة المنافسة لما كان للمراسلين الكاثوليك من نشاط مكثف، وفي خِضَمّ هذا الصراع كان نشر "الإيمان المسيحي" يجري من خلال ثلاث قنوات: الصحافة والإرساليات ثم الطباعة لكونها وسيلة فعّالة لنشر الأفكار. (ص45).
أما النقطة الرابعة فيتناول فيها اشتداد الهيمنة الأوروبية على الشرق الأوسط في مختلف المجالات في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، بخاصة في عهد محمد علي باشا إثر الشروع في "التنظيمات" الإصلاحية عام 1839م.(/3)
وقد قدم المؤلف في هذا السياق حشداً من المعلومات عن الإرساليات الغربية وعن أنشطتها المتشعبة والفعالة بين أهل الشرق، مبيناً ارتباطاتها المباشرة بإستراتيجيات الدول الغربية.
وأما في النقطة الخامسة فقد تطرق الباحث إلى النتائج الضارة التي سبّبتها الإرساليات الأجنبية بمختلف أنشطتها سواء للمسلمين أو للمسيحيين الشرقيين أو غيرهم؛ إذ في إطار التوسع الاستعماري وترسيخ دعائم السيطرة الأوروبية في وعي الأهالي، خاصة باحتواء الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية، ثم استقطابها، ثم عزلها وجعلها معادية لقيمها ومحيطها الديني الثقافي والحضاري.
وكانت أهم هذه النتائج الضارة تتمثل في: تأصيل الطائفية، وتفاقم الصراع بين الجماعات، وغرس المشروعين الانفصاليين الماروني، واليهودي.
فمن أجل تأصيل الطائفية، أنشأ النظام الغربي قاعدة للطائفية بزرعه لفكرة "الدولة – الأمة" (nation-state) المجسّد للطائفية نظاماً اجتماعياً، وقد رُبِطت هذه الدولة عمودياً بدول المركز وبعجلتها الاقتصادية، وقام بتلغيم القواسم المشتركة، ووسّع هوة الفوارق الاجتماعية، وأثار النزعات الطائفية بين الجماعات الدينية والمذهبية والعرقية.
أما فيما يخص تفاقم الصراع بين الجماعات، فهو على ضربين: صراع بين الجماعات الدينية والمذهبية والعرقية، وصراع من مستوى آخر، وهو صراع النخبة المستغربة مع الأغلبية الشعبية.
لقد لاحظنا سابقاً ضمن إستراتيجية التغلغل التبشيري، أن كل القوى الاستعمارية حاولت أن تدعم بطريقة منفردة أو مشتركة، جماعة على حساب جماعة أو جماعات أخرى، متعايشة سابقاً في ظل الخلافة العثمانية، من أجل مد هيمنتها وتكريسها على الخلافة العثمانية وتفكيكها، ثم الوصول إلى اصطناع دويلات مبنية على قواعد عرقية وطائفية وقبلية وإقليمية وجهورية. لكن المشروعين الذين استأثرا أكثر من غيرهما باهتمام القنصليات الأجنبية، في القرن التاسع عشر، هما إنشاء كيانين لليهود الأوروبيين والآخر للمسيحيين المحليين، وبالتحديد الموارنة، ليكونا بمنزلة حصنين متقدّمين للمركزية الغربية في الشرق الأوسط، ومنطلقين للمرافعة عن "العالم الحر".
وفي الفصل الثاني المُعنون "من السيطرة على الطبيعة إلى السيطرة على البشر" قام الكاتب بتحليل الكيفية التي تمّت بها بلورة مفاهيم المركزية العرقية الغربية، وكيف تضافرت هذه المفاهيم مع حملات التبشير باسم "العقل" و"العقلانية" أو "الموضوعية العلمية".
ولإبراز المعايير والقيم والعادات الذهنية التي تسكن الخطاب التاريخي المتعالي للنظام الغربي الصاعد، قام الباحث بمقاربة تلمس المقدمات والعناصر الإجرائية المنظمة و "المعقلنة" التي مكنت هذا النظام من تدعيم أسس الاستشراق، كعنصر مكتمل لهيمنته، وتبيان كيفية المحاججات "العقلانية" التي سمحت له بفرض ثقافته على الشعوب المهمشة وخاصة بعد "عصر الأنوار".
هذه المقاربة تناولها في عناصر أربعة: مصادر الخطاب الكوني في منعطف القرنين السادس عشر والسابع عشر، والعرقية المركزية الكامنة في الخطاب الكوني، والحروب بوصفها صمّام أمان "للدولة-الأمة"، ثم استغلال أسطورة "الإنسان المتوحش الطيب".
فالمثقفون في أوروبا في بداية عصر النهضة انكبوا على استنطاق أنفسهم حول الأسباب التي تم إنشاؤها عن طريق الملاحظة الحسية من أجل توسّع الحد الأقصى من فضاء السيطرة على الطبيعة. ومع توسّع التجارة، وظهور علم (الأنثروبولوجيا)، وُلدت شبكة مؤسّسية من المعارف السياسية و(الأيديولوجية)، فمكيافيلي عندما اكتشف التاريخ الروماني بحث فيه عن القوانين الأبدية لسيطرة البشر بعضهم على بعض، في كتابه "الأمير"، وظهرت نظرته في العصر التالي مع مذهب "المصلحة العليا للدولة" التي ما كان لها أن تقوم لولا تبرير وسائل السيطرة الوحشية...، فمكيافيلي بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" الذي كان خلاصة كتابه أسس للغزو الاستعماري وأخلاقه النفعية.
أما (هوبز) فقد دفع بهذا المفهوم إلى الحد الأقصى، واعتبر الحرية ليس شيئاً غير غياب كل ما يحول دون الحركة، كما أعلن أن على الدولة أن تضع الكنيسة والدين في خدمتها، ثم (كوندورسيه)، و(ديكارت) الذي قدم حججاً (للإيديولوجية) الكاثوليكية وشجّعها على تكييف لاهوتها مع التقدم والارتقاء الثقافي العقلاني بوجه كوني.
ومع (هيجل) كشف الخطاب الكوني للغرب عن عرقيته المركزية الكامنة، ذلك أن هيجل لكي يدعم خطابه ويتفادى تحديد نفسه فقط بخطاب كوني متعارف عليه في عصره لجأ إلى التاريخ اليوناني الذي يعده المنطلق العام للتاريخ الإنساني برمته، وهو في أطروحته ينطلق من شقين: في الشق الأول يشيد بالتاريخ الغربي مرجعاً واحداً جديراً بالاعتبار. أما الشق الثاني فيحط من شأن تاريخ الحضارات المسماة بالشرقية ويعدها مرحلة زائلة.
فالجدلية الفكرية عند (هيجل) لا تتجاوز حدود الغرب، وكل فكر خارج هذه الحدود موسوم بالظلامية والاستبداد وانعدام الحرية والتاريخ.(/4)
هذه التعميمات تحوّلت إلى بداهات تعزز خطاب المركزية الغربية عن طريق "العلوم الإنسانية"، في إطار التطوّرية الداروينية- السبنسرية، والوضعية الأوغيست-كونتية، والمادية التاريخية (ص 77-80).
ضمن هذا المنظور العام ستغدو كل المسوغات العقلانية ناجزة لشن الحملات والحروب على هذه الأمم الموسومة ب"غير المتحضرة" وقد أصبحت، لاحقاً، حقاً قانونياً ومطلباً حيوياً "للدولة-الأمة "الغربية.
ولإنقاذ المجتمع المدني الغربي من الركود والموت يقترح (هيجل) سلسلة من العلاجات تنطوي على القيام بالحرب والاستعمار. فالحرب لها الفضل في إعادة بناء التجانس الوطني تجاه التهديد المقبل من الخارج، والاستعمار سيسمح للدور الغنية بالتخلص من غير المرغوب فيهم.
أما أسطورة "الإنسان المتوحش الطيب" الموروثة عن العصور الوسطى وعصر النهضة فقد رسخت في الأذهان على شكل استيهامات غرائبية حتى بات الاستعمار يُعدّ عملاً إنسانياً يسوّغ غزو الشعوب "الوحشية" و "الكسولة"، أي: العاجزة عن الإنتاج واستغلال الثروات الطبيعية. الأمر الذي يثير شهوة التوسع والهيمنة عند الغزاة.
أما الفصل الثالث فقد تناول فيها الاستشراق و(أيديولوجية) الهيمنة: فلكي تضفي الدوائر الاستعمارية على (أيديولوجيتها) التوسعية صبغة قانونية وعقلانية كان عليها أن تقدم علومها في مجال الإنسان بصفة علوم حيادية عالمية شبيهة بالعلوم الطبيعية... ولم تتردّد "العلوم الإنسانية" في توظيف أسطورة الإنسان المتوحش" بما يخدم مصالح دولها. والقصد ليس تجريده من مزاياه الفكرية فحسب، إنما هو تأسيس خطاب علمي مخصص للآخرين يبرز للمركزية العرقية الغربية زعزعة ثقة الشعوب الشرقية بذاتها وبمعاييرها وتدمير مجتمعاتها وعوامل الاستمرارية عندها، ولعل هذا ما جعل العلماء -على الرغم من اختلاف مشاربهم (الأيديولوجية)- يجمعون على إسقاط أحكام معيارية مسبقة الصنع على الشرق وإلصاق كل النعوت السلبية به: من قبيل الاستبداد، والتأخر، والكسل، واللاعقلانية، واللاتاريخية.
من أجل "البحث عن آدم جديد" للأوروبي الأبيض والمتفوق والعنصري، عمل الاستشراق على خطين: الوعي اللغوي بمنظار أوروبا ومقاييسها، والميل إلى التجزئة والتفريع وإعادة التجزئة لمباحثه دون أن يغير من رأيه حول الشرق.
أما الحتمية العرقية التي نهجها علماء اللسانيات والسلالات فقد أدّت إلى جعل العرق صنماً محركاً للتاريخ على يد (شارك كونت)، و(فيكتور دوليل)، و(غوبينو) الذي يرى أن العرق الأبيض يظهر فيه بوضوح الجمال والذكاء والقوة، ويمتلك عنصرين أساسيين لكل حضارة هما: دين وتاريخ، فضلاً عن اجتماعيته المتحضرة، وتفاوته وتوسّعه عن طريق الغزو (ص 95).
أما (أرنست رينان) فيرى أن العرق السامي يُعدّ شكلاً منحطاً ذا تركيب أدنى من الطبيعة الإنسانية بالمعنى الأخلاقي والبيولوجي (ص 96)، يستثنى اليهود بإدراجهم في دائرة المركزية العرقية الغربية بدعوى أن العرق "الإسرائيلي" قدم للعالم أكبر الخدمات العظيمة (ص 97).
والخط نفسه سار عليه (كوفييه)، و(سانت فانسان)، و(كاتروفاج)، و(دوبلاج) في فرنسا و(توما أرنولد)، و(كنوكس) و(داروين) و(سبنسر) في بريطانيا ثم في الولايات المتحدة على يد (ميرتون)، و(جيرون)، و(نوت) من دعاة الأشكال المتطرفة للنظرية العنصرية المعادية للسود، وبلغ الخطاب العرقي العنصري على يد علماء الأناسة الألمان ابتداء من القرن التاسع عشر حداً متطرفاً مع مبدأ تفوّق العرق الجرماني.
وتحت قيادة هذا الخطاب "العلمي" المسيطر والمؤسس في القرن التاسع عشر تحالفت الدولة الممركزة الدستورية، والعلم، والجيش، والصناعة والكنيسة لتوزيع الأدوار وتقاسم المهمات ضمن إستراتيجية منظمة، تراوحت مهماتها حسب الظروف، بين مطاردة السكان المحليين وتهميشهم وبين تسخيرهم وتصفيتهم. كل ذلك باسم الحضارة والحرية وحقوق الإنسان، وتقدم الإنسانية.
هذا التقدم: (الاستعمار والتحضير) نظر له كل فلاسفة أوروبا من (أوغست كونت)، و(هيجل)، إلى المدرسة الماركسية التي لم تفلت من الأسطورة الخاصة بالتقدم الأحادي والحتمي للإنسانية، ولم ينقطعا معرفياً ولا إيديولوجياً مع ثوابتهما الداعية إلى رسالة حضارية في الشرق، وفي الحقيقة ما قامت به الماركسية في أدبياتها حول الشرق كان امتداداً للمدرسة الاستشراقية (الليبرالية).
وخلاصة الكلام حول الاستشراق و(أيديولوجية) الهيمنة التي أنتجتها أن ما يريده المنظرون والمستشرقون هو وضع شعوب الشرق أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الرضوخ النهائي لمنطق الغرب، وإما أنها ستظل تعتبر، من قبل الخارج، محكومة بعدم قدرتها على مواجهة الحياة.
وأما في الفصل الأخير فقد تناول المؤلف "حملة بونابرت على مصر" التي هي نموذج تطبيقي للأدوات والترميزات والتصوّرات الغرائبية التي يحملها الغرب نحو الشرق.(/5)
إذ الحملة على مصر -حسب رأي الكاتب- لم تكن ثمرة مشروع عرضي هدفه محاولة بث التفرقة العرقية بين المماليك والمصريين من جهة، وبين العرب والعثمانيين من جهة ثانية باسم الإسلام، ثم تعميق الشقاق والصراع الاجتماعي ما بين الأديان والمذاهب باسم تقديم حلول علمانية زمنية مستمدة من مبادئ عصر الأنوار، للأقليات الدينية والمذهبية.
استخدم نابليون مجموعات من النخب المحلية لضمان سريان أوامره، وعمل على تأييد المارونيين، واستعطف اليهود ودعاهم إلى النهوض لتحقيق مطالبهم واستغلال الفرصة للعودة إلى أرض الميعاد.
ورغم أن احتلال بونابرت لمصر باء بالفشل على الصعيد العسكري، إلا أن آثاره لا تزال حتى اليوم تسيطر على منظوراتنا الثقافية والسياسية، ولقد انقسمت غالبية النخب المحلية المحدثة إزاء هذه الحملة إلى اتجاهين:
الأول: رأى فيها منعطفاً حاسماً في تشكل تاريخهم الحديث، لكونها كانت مبعثاً على "النهضة العربية" بفعل آليات المثاقفة مع الآخر الغربي.
أما الثاني: فيتمثل في التوفيق ما بين العلوم الحديثة المستجلبة والتراث العربي الإسلامي، وذلك بتطويعه للنموذج الغربي.
ولا يزال الصراع يدور بشكل سحالي دون نقاط مضيئة حول الأسس المشتركة لتحقيق النهضة.
في الخاتمة يناقش الباحث فكرة تجاوز الغرب لمقولاته المعرفية، غير أن الباحث -وأظنه محقاً في ذلك- يرى ألاّ نستعجل ونعمم الحكم على غالبية (الأنثروبولوجيين) والمؤرخين والمستشرقين بأنهم قد قطعوا، من حيث المضمون، مع مركزية النظام الغربي لكونهم انتقدوه أو انتقدوا مظاهره.
ذلك لأن عملية القطيعة تستدعي إعادة نظر جذرية في العديد من المسلمات الغرائبية والاستيهامية الثاوية في النظام المعرفي الغربي المؤسسي، ولا يكفي أن تطلق صفة القطيعة حتى يسلم آلياً بكل أشكال التطبيقات المعرفية، وما تتضمنه من إسقاطات ماسخة على شعوب الشرق وثقافاته.
إن أي ترويج اعتباطي لمفهوم القطيعة -دون قيام نوع من علاقة المحاورة المتفاعلة بين الغربي والطرف الآخر- يُعدّ إضافة أيديولوجية إلى جملة ما هو سائد.
وفي الختام:
هذا وإن الكتاب مليء بالأفكار يحتاج إليه كل مثقف يريد لنفسه أن يتفاعل إيجابياً مع الغرب المهيمن بخيله ورجله وأفكاره وإنتاجه، ذلك أنه يبحث في الجذور المعرفية التي أسست للخطاب الغربي المستعلي، ويقوم بالحفر في عمق مدلولات الخطاب ليبرزها، ويناقش "حقلاً معرفياً" يحتاج إلى ارتياد الكثير من ذوي البصائر وأولي الألباب، حتى يؤسس التعامل مع الغرب على علم، وتُختصر الكثير من المعارك الوهمية، وتُقتصد الجهود، والله أعلم.(/6)
قراءة القرآن في مكبرات الصوت قبل الجمعة
السؤال :
في بعض المساجد في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي تتلى آيات من القرآن الكريم بمكبرات الصوت وذلك قبل صلاة الجمعة فما الحكم ؟
الجواب :
لا نعلم لذلك أصلا لا من الكتاب ولا من السنة ولا من عمل الصحابة ولا السلف الصالح رضي الله عن الجميع . ويعتبر ذلك حسب الطريقة المذكورة من الأمور المحدثة التي ينبغي تركها؛ لأنه أمر محدث . ولأنه قد يشغل المصلين والقراء عن صلاتهم وقراءتهم .
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
من فتاوى سماحة الشيخ
عبدالعزيز بن باز
كتاب الدعوة 2/131(/1)
قراءة تحليلية في الهجمة المسيحية الجديدة
(1) خلفية الحملة وأهدافها ... ...
بقلم: تميم أبو دقة ... ...
في السنوات الأخيرة، بدأت المسيحية منهجا من العمل في العالم العربي لم يسبق له مثيل. فقد كان عملها في العالم العربي في السابق محدودا، ولم تكن تجنح إلى النزال أو الدخول في معركة فكرية معلنة مع الإسلام. وربما كان أكثر ما تطمح إليه هو أن تحافظ على وجودها المحدود في البلاد العربية كي لا تزول وتنمحي بفعل عوامل كثيرة؛ منها الهجرة إلى البلدان الغربية، ومنها تدني نسبة المواليد وارتفاع معدل سن الزواج بشكل ملحوظ في أوساط المسيحيين خاصة.
وبالأخذ بعين الاعتبار أن الزيادة السكانية والوجود المسيحي في العالم العربي منوط بالولادات فقط، ولأن المؤشرات تدل إلى تدني نسبة المسيحيين وعددهم في هذه البلاد، فيبدو أن كل ذلك أدى إلى دق ناقوس الخطر عند زعماء المسيحية، وأصبح لزاما عليهم أن يقوموا بخطوات توقف هذا الوضع المنذر بتراجع حاد في وضع المسيحية مع الوقت.
ومع وجود المسيحيين في محيط عربي إسلامي، ومع كون الغالبية لا يختلفون عرقيا عن إخوانهم من المسلمين، ومع وجود قدر كبير من الانسجام والتعايش والعلاقات الجيدة والثقافة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين في مجتمعهم، فقد كان التحول من المسيحية إلى الإسلام هو الاتجاه الغالب المعتاد. ولم يكن العامل الاجتماعي والانسجام هو العامل الحاسم في هذا الأمر، بل إن وضوح العقائد الإسلامية وتوافقها مع العقل وجمالها وانسجامها مع الفطرة الإنسانية كان لها الدور الأكبر، إضافة إلى استمرار بقاء أثر القيم الإسلامية العظيمة في المجتمعات الإسلامية، والتي مهما تراجعت بسبب ابتعاد المسلمين عن دينهم فإنها لا تزال متقدمة ولا تزال تحمل بريقا ملفتا للنظر.
ولعل ما زاد من ذعرهم أيضا أن التحول إلى الإسلام لم يكن مقتصرا على البلاد العربية والإسلامية فقط، بل إن العدد الأكبر من المتحولين إلى الإسلام هم في خارج البلدان العربية والإسلامية. فكل المؤشرات تدل على أن الإسلام هو الدين الأكثر نموا في العالم.. ووفقا للدراسات والمؤشرات فإن الإسلام يسير بخطوات ثابتة لكي يصبح بعد عقود دين العالم.
وعلى ضوء كل تلك العوامل، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الوجود المسيحي والمحافظة عليه يشكل مصلحة سياسية غربية متعددة الجوانب أيضا، فقد كان المسيحيون يلجأون إلى أساليب متعددة للدفاع عن وجودهم وبقائهم في العالم العربي. وكان من أهم وسائلهم الداخلية هو الإرهاب والرعب والوعيد بممارسات وحشية تجاه من أسلم منهم، والتي واجهها الكثيرون ولا يزالون، والتي ترتعد منها فرائص كل من سولت له نفسه أن يخطو هذه الخطوة. هذا إضافة إلى محاولة إثارة الرأي العام، ومحاولة تحريف قصة إسلام الشخص الذي لا يستطيعون الوصول إليه، بحيث تبدو كأنها جريمة تم ارتكابها بحقه وأنهم يدافعون عنه أو يريدون تخليصه! لكن هذا الإرهاب لا يجدي نفعا ولا يمكن أن يوقف نزيف الخارجين من المسيحية إذا سنحت لهم الفرصة.
أما أهم وسائل الدفاع الهجومية التي لجأوا لها فهي محاولة طمس البريق الأخاذ للإسلام ومحاولة إخماد نوره بأفواههم لكي لا يشكل عامل جذب للمسيحيين. فلجأ المستشرقون خاصة وبعض المسيحيين من المنطقة أيضا إلى دراسة الإسلام لكي يستخرجوا بعض النقاط التي ستكون عامل تنفير من الإسلام وعامل طمس لبريقه الأخاذ ولنوره العظيم الذي لم يخبُ في يوم من الأيام مهما تراجع. وقد رافق الاستشراق الحملة الاستعمارية الغربية للبلاد العربية والإسلامية، وكان من المنتظر أن يترك أثرا أكبر مما حققه فعليا، ولكن عمل المستشرقين على كل حال لم يذهب هباءً، بل أصبح ذخيرة بيد المسيحيين في البلاد العربية لكي يكون سلاح دفاع سري يستطيعون به الحفاظ على وجودهم وبقائهم. ولذلك فقد كانوا يروجون لتلك النقاط فيما بينهم ويتعلمونها وإن كانوا لا يصرحون بها خارج محيطهم، مع أنها كانت تبدو على شفاههم أحيانا كلما تسنح الفرصة. وهكذا فقد كانت تلك النقاط هي الأساس الذي استمدت منه المسيحية بقاءها. ولا أدري كيف لم يلتفت عامة المسيحيين إلى طبيعة تلك الاستراتيجية التي لجأ إليها أحبارهم ورهبانهم الذين عملوا على تثبيتهم، ليس بإثبات صحة العقائد المسيحية، بل بمحاولة طمس حقيقة الإسلام!
وعلى كل حال، فقائمة تلك المطاعن طويلة، وهم ما زالوا يجتهدون لأجل استخراج الجديد أيضا، ولكنها كلها لا تناقش صلب العقائد الإسلامية مطلقا، بل أكثرها ليس له علاقة بالعقيدة بتاتا. وهي إما مجرد تُهم لا دليل عليها، أو مجرد تشويه وإخراج لبعض النقاط من سياقها، أو لجوء إلى إثبات أمور شاذة من مرويات وأحاديث لا تصح، أو أخذ كلام شاذ لبعض الكتاب والعلماء المسلمين من مختلف العصور والادعاء بأن هذا القول هو قول المسلمين عامة.(/1)
ولعل أهم التهم التي وجهوها للإسلام ادعاؤهم أن مصدره لم يكن سوى توليفة من أفكار الهراطقة النصارى، حسب زعمهم، وقد حاولوا التدليل على ذلك بعرض تطابق بعض أفكار هؤلاء مع بعض الأفكار الإسلامية. وليس صعبا أن يجدوا بعض التطابق في أفكار هؤلاء الذين اتهموا بالهرطقة مع الأفكار الإسلامية، وهذا لأن غالبية هؤلاء قد اضطهدوا لأنهم عارضوا العقيدة المسيحية الشركية، وكانوا يحاولون التأكيد على بعض النقاط الأصيلة مثل الوحدانية وإنسانية المسيح وغيرها مما جاء به المسيح، والتي لا تختلف عما جاء به كل الأنبياء والمرسلين. وهذا الأمر وإن كان يبدو ظاهريا أنه يمس صلب الإسلام، إلا أنه أمر لا علاقة له بصحة العقائد أو بطلانها. فالأولى أن يتم مناقشة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومحاولة تبيان بطلانه إن كانوا يستطيعون ذلك، لا أن يشككوا في مصدره. وعلى كل حال، فإن تشكيكهم في المصدر وتجنب التطرق للعقائد إنما يدل على اعترافهم بقوة تلك العقائد مما جعلهم يحاولون القول أنها عقائد مسروقة أو مستعارة!
وفي الحقيقة، فإن العقائد الإسلامية هي من المتانة بحيث اضطرتهم هم إلى محاولة التمحك بها ومحاولة تقريب عقائدهم الشركية لكي تماثلها. فمثلا اضطروا إلى قضية الادعاء بالإيمان بالوحدانية وبالثالوث في آن معا، مع أن هذا الأمر متناقض ولا يمكن الجمع بينه. ولكنهم اضطروا لذلك لسخافة فكرة التثليث التي كانت فكرة مقبولة في الماضي عندما كان تعدد الآلهة هو الفكرة الأوسع انتشارا. وقد يلاحظ المتتبع كيف أنهم يكادون يقتلون أنفسهم كي يدللوا على أن الثالوث إله واحد، وتراهم يبذلون كل ما في وسعهم للالتفاف على حقيقة منطقية بسيطة ترفض أن تكون الثلاثة تساوي الواحد! بينما لو أنهم لم يلجأوا إلى ذلك واعترفوا بشجاعة بأنهم يؤمنون بثلاثة آلهة لكان موقفهم أجدر بالاحترام والتفهم.
أما بخصوص النقاط الأخرى فكانت اعتراضاتهم لا قيمة لها حقيقةً، كما يوجد عليها كم كبير من الردود والتوضيحات التي يعلمون بوجودها. ولكنهم يريدون أن يأخذوا الكلام الشاذ ويتناسوا تلك الردود والتوضيحات تماما. وفي هذا دجل وتشويه متعمد.
والحقيقة أن المسيحيين لو كانوا واثقين من رسوخ مبادئ عقيدتهم ومن جمال تعاليمهم لسلكوا مسلكا مختلفا يستند إلى التبشير بتلك العقائد والمبادئ، ولما كان من حق أحد أن يعترض عليهم. ولكنهم أدركوا حقيقة ضعف تلك العقائد وتناقضها، فوجدوا أن نقض الإسلام بشبهات واهية سيحوِّل مجرى المعركة ويحمي عقائدهم الفاسدة ولا يضعها في المواجهة. ومن العجيب أن ينخدع عامة المسيحيين بهذه الحيلة ويطمئنوا. فدينهم يجب أن يقوم على عقائده وعلى مبادئه وليس على نقض غيره. فلو سلمنا جدلا بعدم صحة الإسلام فلا يعني ذلك مطلقا أن المسيحية هي الصحيحة بالضرورة!
وكما ذكرنا سابقا، فإن كل هذا العمل قد بقي محصورا ومخفيا وغير معلن إلى فترات طويلة من الزمن حتى جاء هذا الوقت. صحيح أن بعضهم كان يتشدق في الماضي بمحاولة إثبات بعض العقائد النصرانية من القرآن دون هجوم على الإسلام، ولكن هذا الأمر لم يكن يواجه بمعارضة من جانب المسلمين كونهم كانوا يرون فيها اعترافا ضمنيا بالقرآن الكريم وبالإسلام، رغم غرابة المنهج وشذوذ الفهم. وكانوا يقبلون بذلك من باب الشفقة أو المجاملة الفكرية لأبناء مجتمعهم وقومهم.
أما في هذه الأيام، وبعد أن مُني المسلمون بهزائم مادية ساحقة، وتم تدمير كيانهم المادي بطريقة لم يسبق لها مثيل. وبعد أن أصبحت الدول العربية والإسلامية أكثر خضوعا للعالم الغربي وأكثر اعتمادا عليه، مما جعل الغرب يتصرف فيها دون رادع أو وازع. وجد المسيحيون أن تلك هي الفرصة الذهبية للانقضاض على المسلمين معنويا بعد أن تم تدميرهم ماديا! فبدأت هذه الحملة في الانطلاق كوسيلة هجومية لها هدفان أساسيان؛ الأول تثبيت النصارى من خلال إعادة إثارة تلك النقاط القديمة الحديثة كي لا ينجذبوا إلى الإسلام، وبالتالي درء المخاطر التي أشرنا إليها سابقا والتي تهدد الوجود المسيحي في العالم العربي والتي لم تتراجع، بل على العكس تزايدت في ظل الظروف الصعبة الحالية (وهذا ما سنوضحه في مقالات أخرى)، والثاني تدمير صورة الإسلام العظيم في نفوس المسلمين كي يتخلوا عنه نهائيا وإلى الأبد، وكي لا يستمر في حفظ ما تبقى من كيانهم المادي.(/2)
ولا عجب أنهم قد حاولوا استهداف الأقليات العرقية في العالم العربي وعملوا على تذكيرهم بمظالم مزعومة لقيها هؤلاء تحت حكم العرب المسلمين. وظنوا أنهم بتحطيم رابطة الإسلام بين هؤلاء الأقليات وبين العرب سيكون بمقدورهم تمزيق العالم العربي بشكل أكبر، كما أن هذه الأقليات ستجد في المسيحية الطريق للتحرر من العرب من جهة ولكي تحصل على مكاسب من الغرب الذي يدين بهذه المسيحية ويدعمها. وقد يخطئ البعض الظن أن من ضمن أهدافهم تبشير المسلمين وتنصيرهم؛ ولكن كل المؤشرات تدل على أن هذا ليس من أهدافهم، وذلك لأن الوسائل المتبعة غاية في الشراسة والتنفير وهي ليست وسائل تبشيرية أبدا. فكلماتهم تنم عن حقد عميق لكل ما هو عربي ومسلم، ولا يرون غضاضة في ترديد ذلك في كل مناسبة متاحة.
والحقيقة أن هذه الحملة لا يمكن أن تخدم المسيحية ولا المسيحيين ولا مصالحهم في العالم العربي. فالمسيحيون هم أكثر من يحتاج إلى مزيد من الانسجام والتفاهم مع هذا المحيط. وإن تأليب المسيحيين لكي يحتقروا عقائد المسلمين ويهاجموها إنما يعمل على تحويلهم إلى عناصر نافرة رافضة مما سيخلق ردة فعل في مجتمعاتهم ويعمل على خلق مناخ متوتر وغير مستقر، وهم سيكونون أكبر المتضررين من هذا التوتر. إن هذه الحملة إنما هي حملة حمقاء يقودها مجموعة من المتطرفين المأفونين قصيري النظر الذين يحركهم الحقد الأعمى، وهم أبعد ما يكون عن جوهر القيم الدينية العامة أو عن السعي إلى تحقيق مصالح المسيحيين الذين يدعون أنهم قد أثاروا هذه الحملة لأجلها. فعلى المسيحيين أن يتنبهوا ولا يسلموا قيادهم لهؤلاء الذين يقودونهم إلى مصير مجهول غير آبهين بالعواقب.
إن هذه الأفواه الخبيثة لن تقدر إلى إطفاء نور الإسلام، بل على العكس، إنها ستعمل على توجيه الناس ليعرفوا حقيقة الإسلام العظيمة الناصعة. ولا شك أن مصير هذه الحملة هو الفشل بإذن الله، ولكنها ستنتهي بهزيمة ساحقة للمسيحية، وستنتهي بالخيبة والخسران لأرباب هذه الحملة ودعاتها، وسيخرج الإسلام منها أكثر قوة وتماسكا. وهذا ما سيكون مشهودا قريبا إن شاء الله. فارتقبوا إنا معكم مرتقبون.
------------
قراءة تحليلية في الهجمة المسيحية الجديدة (2) ظاهرة الدعاة المسلمين الجدد
بقلم: تميم أبو دقة ...
كانت المسيحية سباقة في ظاهرة الدعاة الجدد التي بدأت تتسرب إلى العالم الإسلامي والعربي مؤخرا. فقد بدأ هؤلاء الدعاة، الذين لا يرتدون لباس رجال الدين ويخاطبون الناس بطريقة بسيطة سهلة يشوبها المرح والفكاهة أحيانا، إبان اختبار الغرب وتلمسه لأهمية الإعلام ودوره في التأثير على الجمهور. فقد لاحظ الغربيون أن المسرحيات والحفلات الغنائية والأفلام وغيرها تستقطب عددا كبيرا من الناس، كما تعمل على التلاعب بعواطفهم وإضحاكهم حينا وإبكائهم حينا آخر، وبالتالي التأثير عليهم وتوجيه هذه العواطف لأغراض مختلفة. فاستغلوا الفرصة للترويج للمسيحية بهذه الوسيلة التي آتت أكلها بطريقة مذهلة أحيانا.
هؤلاء الدعاة المسيحيون الجدد لم يركزوا على أحقية العقائد المسيحية وصدقها، بل لم يتناولوا هذا الجانب مطلقا. وعندما كانوا يشيرون إلى العقائد إنما كانوا يتناولونها بشكل إعلامي سطحي عاطفي. فأصبح هؤلاء يمسرحون قصة موت المسيح وفدائه للبشرية مثلا، ويحاولون إبكاء الجمهور على ذلك البطل الذي مات لكي يحمل خطاياهم! ولكون بطل المسرحية قد مات لأجل الجمهور، فقد أصبح الجمهور جزءً من هذه المسرحية، مما يجعل تعاطفهم وتأثرهم أكبر بكثير مما لو كانوا يشاهدون معاناة بطل لا علاقة لهم به. هذا التعاطف يترك أثره في إمالة الجمهور تجاه القيم المسيحية وتجاه توحيد المسيحيين ليكونوا مسخرين لمشاريع تخدم أهدافا سياسية أبعد ما تكون عن مبادئ المسيحية أو مبادئ أي دين آخر.
وتاريخيا كان التبشير المسيحي الذي يقوده رجال الدين الرسميون دوما ذراعا للاستعمار من أجل توطيده ثقافيا في البلدان التي يدخلونها. ولكن دور الدعاة الجدد مختلف نسبيا، حيث إنهم مبشرون داخليون يتوجهون للمسيحيين كي يربطوهم بالمسيحية إعلاميا وعاطفيا، وكي لا يكونوا عنصر مناهضة للمشاريع السياسية الخارجية التي لا تقيم وزنا للقيم ولا للأخلاق، وخاصة بعد بروز حركات مناهضة بشكل قوي في تلك البلدان لتلك السياسات، ولكي يكونوا الجبهة الداخلية المساندة لتلك الحملات الخارجية التي بدأت تظهر بصور قديمة جديدة.(/3)
المهم أن أبرز سماتهم هو أنهم يبتعدون عن الخوض في العقائد، ويظهرون بمظهر مقرب ومحبب للناس ويشابهون نجوم الإعلام في المظهر، وأنهم يقدمون الأخلاقيات العامة والعلوم والتجارب الإنسانية الحديثة ويحاولون التأكيد على أنها من صلب المسيحية ومن إفرازاتها الطبيعية! هذا مع أن كل الديانات تشترك في جوانب كثيرة في الأخلاقيات والدعوة إلى الارتقاء بها، كما أن العلوم والتجارب الإنسانية هي إرث مشترك ساهم فيه كل شعوب الأرض على عصور مختلفة بنسب متفاوتة.
وبظهور الدعاة المسلمين الجدد، بنفس الأساليب التي اتبعها الدعاة المسيحيون الجدد، أدرك المسيحيون خطورة هذه الوسيلة التي طالما استخدموها لخدمة مصالحهم. وقد أدرك المسيحيون أن تأثير الدعاة المسلمين على عامة المسلمين سيكون أبلغ أثرا، وهذا بسبب ما يمتاز به الإسلام عن المسيحية من عناصر تصلح لهذا العمل الإعلامي وتقدر على إنجاحه بطريقة منقطعة النظير. وكما قلنا سابقا، فقد اتبع هؤلاء الدعاة نفس الأسلوب، فهم لم يخوضوا في العقائد وإنما لجأوا إلى إبراز جمال الإسلام الخارجي. وكان حديثهم عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته يخلب الألباب، وهذا بسبب أن تلك الشخصية هي شخصية حقيقية آسرة لا شك ستترك أثرا في كل من يعرف عنها، فكيف بالمسلمين الذين ينتمون إلى هذا النبي، صلى الله عليه وسلم، ويشعرون أنه منهم وأنهم منه! كما أن التاريخ الإسلامي زاخر بالقصص العظيمة لشخصيات عديدة تترك أثرها في النفوس وتجعل المشاهدين يعيشون معها ويستمتعون، مع إحساسهم بالمشاركة.
كذلك فإن علاقة الإسلام بالقيم والأخلاق الإنسانية السامية علاقة وثيقة، كما أن القرآن الكريم يفيض دائما بالمعارف التي يرى العلماء تطابقا فيها مع العلم. وقد انقسم الدعاة المسلمون الجدد إلى نوعين أساسيين؛ أحدهما يتناول قصص السيرة والتراث والآخر يتناول علاقة القرآن بالعلم أو ما يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن. ومع أن القصاصين قد ارتكبوا أخطاء فادحة، إذ خلطوا الغث بالسمين وقصوا قصصا لا تصح، ومع أن العلماء قد وقعوا في أخطاء أحيانا فيما يتعلق بأبحاثهم في الإعجاز العلمي، إلا أن هذه الأخطاء لم تكن لتلفت انتباه عامة المسلمين أو تخفف من اندفاعهم نحوهم. كذلك فإن هذا العمل بدأ يستقطب المسيحيين من العرب أيضا، الذين رأوا جمال سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كما رأوا تقدم القرآن عن كتبهم وتطابقه مع العلوم الحالية. وهكذا، ومع غياب دعاة مسيحيين جدد في العالم العربي، ومع طبيعة الوضع الصعب المنذر بالاندثار للمسيحية في العالم العربي وفي العالم، فقد شعر المسيحيون بخطر داهم. ولذا فلا عجب أنهم قد بدأوا بمهاجمة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والشخصيات الإسلامية الأخرى، التي كانت مادة القصاصين من الدعاة، إضافة إلى هجومهم على دعاة الإعجاز العلمي في القرآن وأفكارهم.
والحق أن المسيحية محقة في هذا الذعر، وذلك لأن هذه هي الساحة الحقيقية التي يجب أن تركز عليها وتختارها، وهي الساحة التي لا تتناول العقائد وإنما تتجاوزها وتركز على الأمور غير الجوهرية. ذلك لأن المسيحية لو اختارت أن تنزل في ساحة تحقيق العقائد والاستدلال عليها فإنها تدرك أنها خاسرة حتما. المهم أن هذه الساحة هي في الحقيقة ساحة هامشية بالنسبة للإسلام، وإن كانت هي الساحة الوحيدة التي تصلح لعمل المسيحية. وهذا ما سيتضح للمسلمين وللمسيحيين ولو بعد حين.
إن المشكلة الأساسية في المسلمين المعاصرين هي التخبط في مسائل هامة في العقيدة، وتجاوز هذه الأمور لا يمكن أن يقدم حلولا جذرية للمشاكل التي يقع فيها المسلمون. ويكفي التذكر تاريخيا أن تقدم المسلمين كان دوما مرتبط بعودتهم إلى صلب الدين وجوهره، بينما كان الدين المسيحي وبالا على الأمم المسيحية وسببا في تخلفها، وقد حققوا التقدم المادي بعد أن ابتعدوا عمليا عن المسيحية وعن جوهرها وعن عقائدتها. لذلك فإن الابتعاد عن مسألة العقائد وتجاوزها يعد نقطة مفصلية هامة أحسن الغرب المسيحي فيها، بينما تجاوز العقائد في الإسلام وعدم التطرق لها لن يؤدي إلا إلى تفاقم الحال التي وقعت فيه الأمم الإسلامية حاليا، وهي مزيد من التبعية المادية والثقافية للغرب. لقد اجتهد الدعاة المسلمون الجدد في مسعاهم هذا، وظنوا أنهم بذلك يردون الناس إلى دينهم، ولكنهم طالما لا يعالجون الصلب والجوهر فإن عملهم لن يكون جوهريا، ولن يفلح في إحداث تغيير حقيقي، وستستمر الإشكالات الناتجة عن الفساد في الجوهر تطل برأسها، كما ستحول دون أي تقدم ديني أو مادي.(/4)
أما ما هي النتائج المرجوة من عمل هؤلاء الدعاة الجدد؟ لا شك أنها قد بدأت تظهر للعيان لكل متدبر. لقد خلق هؤلاء الدعاة جيلا من الشباب والفتيات المتأثرين عاطفيا بالقصص الجذابة دون أن يكونوا على ثقافة كافية في العقائد. كما أن لهؤلاء الشباب موقفا من التطرق للعقائد مدعين أنها تفرق ولا تجمع! وبذلك فهم مخدرون ويتعاملون مع الأمر بسطحية دون أن تتحقق فيهم التزكية الحقيقية التي هي الغرض الأساس من بعثة الإسلام. إن أتباع الدعاة المسلمين الجدد هم نسخة من أتباع الدعاة المسيحيين الجدد ولكن بطابع ومذاق إسلامي. هذا طبعا مع فارق مهم، وهو أن الدعاة المسيحيين الجدد كانوا يخدمون أهدافا مسيحية عامة، بينما قد لا يهدف الدعاة المسلمون الجدد إلا إلى أهداف سياسية محلية، أو في كثير من الأحيان أهداف شخصية تتعلق بنجوميتهم واكتسابهم للأموال باسم الدين. وقد استخدم البعض هذا الجيش من الأتباع لخدمة مشاريعهم الشخصية التي تسعى إلى مزيد من النجومية لهم.
على كل حال، فقد أخطأ المسيحيون الهدف، وقاموا بالهجوم على الإسلام العظيم ظانين أن الدعاة الجدد والمدارس والمؤسسات الدينية المتهالكة التي عفا عليها الزمن هم وحدهم في الميدان، ولذلك استهدفوهم بالهجوم بشكل خاص، وأرادوا أن يؤكدوا على قناعة المسلمين عامة أنهم هم الممثلون الحقيقيون للإسلام. ولكن أخطا ظنهم هذا. فنتيجة عجز المدارس التقليدية والدعاة الجدد وعدم مقدرتهم على الرد، توجه الرأي العام الإسلامي حاليا لكي يترقب ويرى من الذي سيذود عن حياض الإسلام. فبرز هؤلاء الرجال المدافعون الذين كانوا موجودين في السابق، ولكن كانت حولهم غمامة من الكذب والافتراء التي أثارها التقليديون وأصحاب المدارس الفكرية المتهالكة من المسلمين. فعندما سيرون أنهم يحملون الحق وأنهم خير المدافعين عن الإسلام، فسيقترب منهم عامة المسلمين على بينة وعلى علم. وسيرون ما بأيديهم من عقائد إسلامية ثابتة راسخة، وما بأيديهم أيضا من أسلحة تفتك بالعقيدة المسيحية وتكسر الصليب وتقتل الخنزير، ويظهر بهم الله الإسلام على الدين كله. وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
لقد قدم المسيحيون بهجومهم هذا خدمة للإسلام دون أن يشعروا بأن دفعوا الناس نحو الاتجاه الصحيح. فهذه الحملة ستجعل المسلمين يتركون كل الأمور الفاسدة التي لا أصل لها في الدين وسيصحبون أكثر قربا من العقائد والمفاهيم الإسلامية الصحيحة. وكل العمل الذي يقوم به المسلمون سيكون بين يدي الله. فأما الزبد منه فسيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فسيمكث في الأرض. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
... ...(/5)
قراءة في إنجيل متى- 1
إلى القُمّص المنكوح:
"قراءة في إنجيل متى- 1"
أ.
د/إبراهيم عوض
ibrahim_awad9@yahoo.com
لم نكن نحب أبدا أن نتعرض لدين أحد لمعرفتنا أن كل إنسان يعتز بدينه أيما اعتزاز ويتألم إذا تعرض له أحد بغض النظر عما إذا كان هذا الدين صوابا أو خطأ، بيد أن القوم فى المهجر دأبوا منذ سنين على التباذؤ فى حق الإسلام ونبيه وأتباعه وقلة الأدب مع الله رب العالمين على نحو لم يسبق له مثيل وفتحوا لذات الغرض الخسيس دكانةً للقُمّص المنكوح، زيكو ذى الدبر المقروح، ظانين أن أحدا لن يرد عليهم ومتصورين أن أمريكا ستضرب وتُرْهِب كل من تسول له نفسه الكريمة الغيرة على دينه ورسوله وأمته، إلى أن فاض الكيل وتكرر عتب الناس علينا لسكوتنا عن هذا الإجرام وهذه السفاهة، فكان لا بد من وقفة نعرّف فيها السفهاء ذوى الأدبار المنتنة التى لا تعرف الطهارة وتراها رجسا من عمل الشيطان حجمهم الحقيقى ونُظْهِر هشاشة ما يعتقدون ويعتنقون من دين. والشر بالشر، والبادئ أظلم، وعلى نفسها جنت براقش! وفى هذا المقال نتناول بالدراسة النقدية السريعة الأناجيل كما يؤمن بها هؤلاء وأمثالهم، متخذين من "إنجيل متى" نموذجا لها. وسوف نبدأ دائما بنقل كل فصل ندرسه بنصه، ثم نثنِّى بعد ذلك بنقده. وغايتنا هنا ليست كغاية زيكو العجيب، ذى الدبر الرحيب، هو وأشباهه ممن يلجأون إلى الكذب لنصرة مذهبهم بالباطل، فتراهم ينتقون أشياء ويهملون عن عَمْدٍ أشياء، ويخترعون أشياء ويلوون عنق أشياء... إلى آخر الوسائل المريبة التى يستعملونها فى هذا الغرض، بل سنكتفى فى كل مرة بسَوْق النص كما هو فى الإنجيل دون بتر شىء منه وتَرْكه يتكلم بلسانه هو لا بلساننا، محترمين المنطق والمنهج العلمى تمام الاحترام، وكذلك حرية كل إنسان فى الإيمان بما يشاء والكفر بما يشاء، مبرزا ما أراه يستحق الثناء مما أعتقد أنه وحى سماوى أو يشبه أن يكون وحيا سماويا. وسوف يكون اعتمادنا على نسخة الكتاب المقدس التى تقدمها جمعية الكتاب المقدس بلبنان كما هو على المشباك، أما الشواهد فمن ترجمة سميث وفانديك. والآن على بركة الله نبدأ:
الفصل الأول:
"نسب يسوع
هذا نسَبُ يسوعَ المسيحِ اَبنِ داودَ اَبنِ إبراهيمَ: 2إبراهيمُ ولَدَ إسحق. وإسحق وَلَدَ يَعقوبَ. ويَعقوبُ ولَدَ يَهوذا وإخوتَه. 3ويَهوذا ولَدَ فارِصَ وزارَحَ مِنْ ثامارَ. وفارِصُ ولَدَ حَصْرونَ. وحَصْرونُ ولَدَ أرامَ. 4وأرامُ ولَدَ عَمَّينادابَ. وعَمَّينادابُ ولَدَ نَحْشونَ. ونَحْشونُ ولَدَ سَلَمونَ. 5وسَلَمونُ ولَدَ بُوعَزَ مِنْ راحابَ. وبُوعَزُ ولَدَ عُوبيدَ مِنْ راعُوثَ. وعُوبيدُ ولَدَ يَسّى. 6ويَسّى ولَدَ داودَ المَلِكَ.
وداودُ ولَدَ سُلَيْمانَ مِن اَمرأةِ أوريَّا. 7وسُلَيْمانُ ولَدَ رَحْبَعامَ. ورَحْبَعامُ ولَدَ أبيّا. وأبيّا ولَدَ آسا. 8وآسا ولَدَ يوشافاطَ. ويوشافاطُ ولَدَ يُورامَ. ويُورامُ ولَدَ عُزَّيّا. 9وعُزَّيّا ولَدَ يُوثامَ. ويُوثامُ ولَدَ أحازَ. وأحازُ ولَدَ .حَزْقِيّا. 10وحَزْقِيّا ولَدَ مَنَسّى. ومَنَسّى ولَدَ آمونَ. وآمونُ ولَدَ يوشِيّا. 11ويوشِيّا ولَدَ يَكُنيّا وإخوَتَه زَمَنَ السبْيِ إلى بابِلَ.
12وبَعْدَ السّبْي إلى بابِلَ يَكُنِيّا ولَدَ شَأَلْتَئيلَ. وشَأَلْتيئيلُ ولَدَ زَرُبابِلَ. 13وزَرُبابِلُ ولَدَ أبيهُودَ. وأبيهُودُ ولَدَ ألِياقيمَ. وألِياقيمُ ولَدَ عازُورَ. 14وَعازُورُ ولَدَ صادُوقَ. وصادُوقُ ولَدَ أَخيمَ. وأخيمُ ولَدَ أليُودَ. 15وأليُودُ ولَدَ أليعازَرَ. وأليعازَرُ ولَدَ مَتّانَ. ومَتّانُ ولَدَ يَعقوبَ. 16ويَعقوبُ ولَدَ يوسفَ رَجُلَ مَرْيمَ التي ولَدَتْ يَسوعَ الذي يُدعى المَسيحَ.
17فمَجْموعُ الأجْيالِ مِنْ إبراهيمَ إلى داودَ أرْبَعَةَ عَشَرَ جيلاً. ومِنْ داودَ إلى سَبْيِ بابِلَ أرْبَعَةَ عَشَرَ جيلاً. ومِنْ سَبْيِ بابِلَ إلى المَسيحِ أرْبَعَةَ عَشَرَ جيلاً.
ميلاد يسوع
18وهذِهِ سيرَةُ ميلادِ يَسوعَ المَسيحِ: كانَت أُمٌّهُ مَريَمُ مَخْطوبَةً ليوسفَ، فَتبيَّنَ قَبْلَ أنْ تَسْكُنَ مَعَهُ أنَّها حُبْلى مِنَ الرٌّوحِ القُدُسِ. 19وكانَ يوسفُ رَجُلاً صالِحًا فَما أرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها، فَعزَمَ على أنْ يَترُكَها سِرُا.
20وبَينَما هوَ يُفَكَّرُ في هذا الأمْرِ، ظَهَرَ لَه مَلاكُ الرَّبَّ. في الحُلُمِ وقالَ لَه: "يا يوسفُ اَبنَ داودَ، لا تخَفْ أنْ تأخُذَ مَرْيمَ اَمرأةً لكَ. فَهيَ حُبْلى مِنَ الروحِ القُدُسِ، 21وسَتَلِدُ اَبناً تُسمّيهِ يَسوعَ، لأنَّهُ يُخَلَّصُ شعْبَهُ مِنْ خَطاياهُمْ".
22حَدَثَ هذا كُلٌّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبٌّ بلِسانِ النَّبيَّ: 23"سَتحْبَلُ العَذْراءُ، فتَلِدُ اَبْناً يُدْعى "عِمّانوئيلَ"، أي الله مَعَنا.(/1)
24فلمَّا قامَ يوسفُ مِنَ النَّومِ، عَمِلَ بِما أمَرَهُ مَلاكُ الرَّبَّ. فَجاءَ باَمْرَأتِهِ إلى بَيتِه، 25ولكِنَّهُ ما عَرَفَها حتى ولَدَتِ اَبْنَها فَسَمّاهُ يَسوع"َ.
أول شىء نلاحظه أن متى (إن كان كاتب هذا الإنجيل هو متى حقا) يقول عن عيسى عليه السلام إنه "ابن دواد بن إبراهيم". ولا يمكن أن يكون عيسى هو ابن داود ولا أن يكون داود هو ابن إبراهيم إلا على المجاز، إذ بين كل ابن من الابنين وأبيه أجيال وأجيال. ومع ذلك نسمع القوم يتصايحون ويولولون لأن القرآن يقول عن مريم: "ابنة عمران". فما الفرق بين هذا وذاك؟ ولماذا يبتلعون تلك ويرفضون هذه، وهما شىء واحد؟ وهذا بافتراض أن مريم ليست ابنة عمران حقيقة، إذ لا يوجد فى أناجيلهم الأربعة التى قبلتها الكنيسة أنها ابنة يواقيم الذى على أساسه يجأرون بتكذيب القرآن، بل لا يوجد مصدر أكيد يقول إن أبا مريم هو هذا اليواقيم، بل الذى قال ذلك أحد الأناجيل التى لا تعترف بها الكنيسة. أليس ذلك أمرا مضحكا؟
الأمر الثانى أن مؤلف الإصحاح يقول عن داود إنه قد أنجب سليمان من امرأة أوريّا. أيدرى القارئ معنى هذه الإشارة؟ معناها أن جد عيسى وجدته هذين زانيان من الزناة القارحين الذين لا يخجلون: فداود، حسبما كتب مؤلفو الكتاب المقدس، كان ذات يوم يتنزه فوق قصره (أو لا أدرى ماذا كان يفعل هناك، ولعله كان يتفرج على غِيّة الحمام فوق القصر، أو يطيّر طيارة ورقية من التى يلعب بها العيال، يقتل بها الوقت ويتسلى من الملل)، فتصادف أن وقعت عيناه على بَتْشَبَع امرأة جاره وقائده العسكرى وهى تستحم عارية كما ولدتها أمها فى فناء بيتها المجاور للقصر. ويبدو أنها كانت تشتغل ممثلة سِكْس فى هوليود وتقوم بأدوار الإسْتِرِبْتِيز الساخنة، وعرفتْ أن داود سوف يصعد إلى سطح القصر بعد قليل فاستعدت له بالطست والكوز والليفة والصابونة والحركات إياها التى تُسِيل لُعَاب الرجال إياهم، أو ربما اتصلت به هاتفيا أو برسالة فورية على الماسنجر فهُرِع إليها ليتلذذ بمفاتنها العارية، وكانت هى قد اتخذت أسخن الأوضاع وأشدها دفقا للدم فى العروق، اللهم إلا إذا أحسنّا بها الظن كما ينبغى للمؤمن أن يفعل، وقلنا إن غرفة الحمّام كانت تحت الصيانة حينئذ، وحُبِكَ الاستحمام ولم يعد لتأجيله من سبيل، وكانت السيدة الجليلة ربة الصون والعفاف مطمئنة إلى جارهم النبى الملك الذى "طلع شُورْبَة وأى كلام" فلم يكن عند حسن الظن به وصعد إلى السطح غير مراعٍ للجيرة ولا لعِرْض قائده حرمة. وكان ما كان مما لا بد أن نذكره، فظُنّ شَرًّا واسأل كما تحب عن الخبر، فهو خبر يُخْجِل حتى الأوباش، إذ أرسل داود إليها فجاءته وزنى بها، ثم لم يكتف بهذا بل تآمر على قتل زوجها ليخلو له وجه المرأة على الدوام، ثم لما نجحت المؤامرة وقُتِل الزوج استلحقها بحريمه، لكنْ بطبيعة الحال بعد استيفائها العدة! يا سلام على قوة الإيمان واحترام الشريعة! وقد أنجب منها سليمان، وربما كان سليمان (على كلامهم هم لا كلامنا) هو فَرْخ الزنا، أستغفر الله! وهذه هى جَدّة يسوع، وهذا هو جَدّه! أَنْعِمْ وأَكْرِمْ! ثم يقولون إن هذا كلام الله! أستغفر الله!
الأمر الثالث أن مؤلف السِّفْر يَصِم يسوع وأمه وصمة عار، لأن نسب المسيح، حسبما ذكر، يبدأ من لدن آدم، وينتهى بيوسف النجار رجل مريم كما يقول! ولا أظن أن هناك ما يمكن أن يقال من جانبى تعليقا على هذا، فهو من الوضوح والشُّنْع بحيث لا أستطيع أن أضيف له شيئا من عندى، والعياذ بالله. أى أن المؤلف يردد ما يتهم اليهود به مريم، عليهم لعنات الله، إذ يجعلون من عيسى ابنا ليوسف منها. ولما لم يكن يوسف قد تزوج من مريم، فلم يبق إلا أن يكون ابنا لهما من الحرام. أستغفر الله استغفارا يوائم هذا الكفر، الذى نقول نحن (بسببه ولأسباب أخرى مشابهة له فى الشناعة) إن القوم قد حرّفوا كتابهم فيسبّون الرسول الكريم ويَقْرِفونه بكل نقيصة غباءً منهم وضلالاً، إذ المفروض أن الإنسان العاقل يحب من يدافع عنه ومن يفتح له بابا يخرج به من ورطته، لكن هؤلاء قد بلغوا فى الغباء مدًى جِدّ بعيد!(/2)
الأمر الرابع أن مؤلف الإنجيل الذى يحمل اسم لوقا يقدّم للسيد المسيح نسبا مختلفا إلى حد بعيد عن سلسلة النسب المذكورة له هنا: مختلفا من حيث عدد حلقات السلسلة، ومختلفا من حيث سقوط بعض الأجداد هنا وهناك، ومختلفا من حيث اختلاف طائفة من الأسماء فى الأولى عنها فى الثانية. ثم يقولون بكل بجاحة إن هذا كلام الله! وإلى القارئ الكريم نسب السيد المسيح عليه السلام كما ورد فى الإصحاح الثالث من إنجيل لوقا، وأترك له مهمة المقارنة بين النسبين ليتسلى ويضحك ملء أشداقه: "23وكانَ يَسوعُ في نحوِ الثلاثينَ مِنَ العُمرِ عِندَما بدَأَ رِسالتَهُ. وكانَ الناسُ يَحسِبونَهُ اَبنَ يوسُفَ، بنِ عالي، 24بنِ مَتْثاثَ، بنِ لاوِي، بنِ مَلْكي، بنِ يَنَّا، بنِ يوسُفَ، 25بنِ متَّاثِيا، بنِ عاموصَ، بنِ ناحومَ، بنِ حَسْلي، بنِ نَجّايِ، 26بنِ مآتَ، بنِ متَّاثيا، بنِ شَمْعي، بنِ يوسفَ، بنِ يَهوذا، 27بنِ يوحنَّا، بنِ رِيسا، بنِ زرُبَّابِلَ، بنِ شأَلْتيئيلَ، بنِ نيري، 28بنِ مَلِكي، بنِ أدّي، بنِ قوصَمَ، بنِ المُودامِ، بنِ عِيرِ، 29بنِ يشوعَ، بنِ أليعازارَ، بنِ يوريَمَ، بنِ مَتثاثَ، بنِ لاوي، 30بنِ شَمعُونَ، بنِ يَهوذا، بنِ يوسُفَ، بنِ يونانَ، بنِ ألياقيم، 31بنِ مَلَيا، بنِ مَيْنانَ، بن متَّاثا. بنِ ناثانَ، بنِ داودَ، 32بنِ يسَّى، بنِ عُوبيدَ، بنِ بُوعزَ، بنِ شالح، بنِ نَحْشونَ، 33بنِ عَمِّينادابَ، بنِ أدمي، بنِ عرني، بنِ حَصرونَ، بنِ فارِصَ، بنِ يَهوذا، 34بنِ يَعقوبَ، بنِ اَسحَقَ، بنِ إبراهيمَ، بنِ تارَحَ، بنِ ناحورَ، 35بنِ سَروجَ، بنِ رَعُو، بنِ فالجَ، بنِ عابرَ، بنِ شالحَ، 36بنِ قَينانَ، بنِ أرفكْشادَ، بنِ سامِ، بنِ نوحِ، بنِ لامِكَ، 37بنِ مَتوشالِحَ، بنِ أخنوخَ، بنِ يارِدَ، بنِ مَهلَلْئيلَ، بنِ قينانَ، 38بنِ أنوشَ، بنِ شيتَ، بنِ آدمَ، اَبنِ الله".
الأمر الخامس أن هناك تناقضًا حادًّا لا يمكن رَتْقه بين ما قاله المؤلف فى الفقرة رقم 18 عن السر الخاص بحمل مريم وما قاله هو نفسه فى الفقرة رقم 20، إذ مرة يقول: لقد تبين أنها حبلى من الروح القدس، ومرة يقول إن هاتفا جاء ليوسف بعد ذلك فى المنام قائلا له إنها حبلى من الروح القدس، وينبغى من ثم أن يقف إلى جوارها ويستمر فى خِطْبتها ولا يتركها. والسؤال هو: لِمَنْ تبيَّن إذن من قبل أنها حبلى من الروح القدس؟ ليوسف؟ أبدا، فها هو ذا يوسف كان يريد تركها بسبب شكه فيها لولا المنام الذى قيل له فيه إنها حُبْلَى من الروح القدس. للناس إذن؟ ولا تلك أيضا، فها هو ذا لوقا يقول إن الناس كانت تظن أنه ابن يوسف. أى أنه حتى بعد وقوع الولادة لم يكن الناس يعرفون أنه من الروح القدس! بل لقد ظلوا يقولون عنه إنه ابن يوسف النجار حتى بعد أن أصبح نبيا: "ولمّا أتَمَّ يَسوعُ هذِهِ الأمثالَ، ذهَبَ مِنْ هُناكَ وعادَ إلى بلَدِهِ، وأخَذَ يُعلَّمُ في مَجمَعِهِم، فتَعَجَّبوا وتَساءَلوا: "مِنْ أينَ لَه هذِهِ الحِكمةُ وتِلْكَ المُعْجزاتُ؟ أما هوَ اَبنُ النجّارِ؟ أُمٌّهُ تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟" (13/ 53- 55). والآن إلى الفقرتين المضحكتين: "كانَت أُمٌّهُ مَريَمُ مَخْطوبَةً ليوسفَ، فَتبيَّنَ قَبْلَ أنْ تَسْكُنَ مَعَهُ أنَّها حُبْلى مِنَ الرٌّوحِ القُدُسِ. 19وكانَ يوسفُ رَجُلاً صالِحًا فَما أرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها، فَعزَمَ على أنْ يَترُكَها سِرًّا. 20وبَينَما هوَ يُفَكَّرُ في هذا الأمْرِ، ظَهَرَ لَه مَلاكُ الرَّبَّ. في الحُلُمِ وقالَ لَه: "يا يوسفُ اَبنَ داودَ، لا تخَفْ أنْ تأخُذَ مَرْيمَ اَمرأةً لكَ. فَهيَ حُبْلى مِنَ الروحِ القُدُس"ِ.(/3)
الأمر السادس أن الكاتب يقول إن هناك نبوءة بأن مريم ستلد ولدا وتسميه: "عمانوئيل"، ثم ينسى المؤلف المغيَّب الذهن فيقول قبل ذلك مباشرة، وعقب ذلك مباشرة أيضا، إن يوسف سماه: "يسوع" تحقيقا لهذه النبوءة. كيف؟ أفتونى أنتم أيها القراء الكرام، فقد غُلِبْتُ وغُلِبَ حمارى! إن هذا يذكّرنا بأغنية شادية التى تقول فيها إنها، من ارتباكها بسبب مشاغلة حبيبها لها، إذا طلب أبوها أن تُعِدّ له كوبا من القهوة فإنها تعد بدلا من ذلك كوبا من الشاى وتعطيه لأمها: "21وسَتَلِدُ اَبناً تُسمّيهِ يَسوعَ، لأنَّهُ يُخَلَّصُ شعْبَهُ مِنْ خَطاياهُمْ".22حَدَثَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبٌّ بلِسانِ النَّبيَّ: 23"سَتحْبَلُ العَذْراءُ، فتَلِدُ اَبْناً يُدْعى "عِمّانوئيلَ"، أي الله مَعَنا. 24فلمَّا قامَ يوسفُ مِنَ النَّومِ، عَمِلَ بِما أمَرَهُ مَلاكُ الرَّبَّ. فَجاءَ باَمْرَأتِهِ إلى بَيتِه، 25ولكِنَّهُ ما عَرَفَها حتى ولَدَتِ اَبْنَها فَسَمّاهُ يَسوع"َ. وبالمناسبة فلم يحدث أن سمى أحد سيدنا عيسى عليه السلام فى يوم من الأيام: "عمانوئيل" رغم أن كثيرا من النصارى صبيانًا وبناتٍ ممن ليسوا أبناءً أو بناتٍ لله يُسَمَّوْن: "عمانوئيل"! كما أن بقية النبوءة التى تنسب لإِشَعْيَا عن حَبَل العذراء وولادتها طفلا يسمَّى: "عمانوئيل" تقول: "زبدا وعسلا يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير، لأنه قبل أن يعرف الصبى أن يرفض الشر ويختار الخير تُخْلَى الأرض التى أنت خاشٍ من مَلِكَيْها" (إشعيا/ 7/ 15- 16)، ولم يرد فى الأناجيل قط أنه، عليه السلام، قد أكل زبدا وعسلا، فهل نقول، بناء على هذا وطبقا لما جاء فى النبوءة، إنه لم يستطع أن يرفض الشر ويختار الخير؟ يا للداهية الثقيلة!
ثم إن الكلام هنا عن طفلٍ بشرى تماما، طفلٍ يجرى عليه ما يجرى على كل أطفال البشر، فهو لم ينزل من بطن أمه عارفا الخير والشر كما ينبغى لابن الإله أن يكون، وهذا إن كان من الممكن أو حتى من اللائق أن ينزل ابن الإله من بطن امرأة (وهو الأمر المستحيل بطبيعة الحال)، بل عليه أن يمر بعدة مراحل حتى يكتسب موهبة التعرف إلى الخير والشر والتمييز بينهما. ولقد رجعت إلى كتاب "A New Commentary on Holy Scripture" (لندن/ 1929م) لأمحص ما أرى أنه هو التفسير الصحيح أو الأقرب إلى الصحة على الأقل، فوجدت محرريه: تشارلز جور وهنرى جاودج وألفرد جيوم يقولون إن إشعيا إنما كان يتنبأ بما سيحدث لبنى إسرائيل فى المستقبل القريب، وإن حَبَل العذراء ليس إلا إشارة إلى الآية التى سيقع عندها ما أخبر به، إلا أن النصارى قد استغلوا تلك النبوءة فى الكلام عن ميلاد عيسى عليه السلام، وهو ما لا يوافق عليه اليهود أبدا. وقد ورد فى شرح المحررين المذكورين أن النبوءة تقول إن التى ستحبل وتلد طفلا يسمى عمانوئيل هى "damsel"، وليس "virgin" التى تستعمل للعذراء مريم عليها السلام، وهو ما يعضده استخدام بعض الترجمات الفرنسية عندى لكلمة "la jeune fille"، وإن كنت وجدتها فى بعض الترجمات الفرنسية والإنجليزية الأخرى "vierge, virgin: عذراء". وقد انقدح فى ذهنى عندئذ أن السبب فى هذا الاضطراب هو أن الكلمة الأصلية تعنى "damsel"، التى تعنى أيضا "غادة، آنسة، صبية"، وأن رغبة النصارى فى تحميلها المعنى الذى يريدون هى المسؤولة عن ترجمتهم لها بـ"عذراء".
ومرة أخرى لم يكتف العبد لله بذلك، بل اتخذتُ خطوة أخرى فرجعت إلى مادة "IMMANUEL" فى موسوعة "The International Standard Bible Encyclopedia" لأقرأ تحت هذا العنوان الجانبى: "The Sign of Immanuel" السطور التالية عن النبى إشعيا والعلامة الثانية التى عرضها على الملك أحاز كى يَثْنِيَه عن تحالفه مع مملكة آشور، هذا التحالف الذى رأى أنه يؤدى إلى التبعية لتلك الدولة:
He then proceeds to give him a sign from God Himself, the sign of "Immanuel" (Isaiah 7:14). The interpretation of this sign is not clear, even apart from its New Testament application to Christ. The Hebrew word translated "virgin" in English Versions of the Bible means, more correctly, "bride," in the Old English sense of one who is about to become a wife, or is still a young wife. Psalms 68:25 English Versions of the Bible gives "damsels."(/4)
Isaiah predicts that a young bride shall conceive and bear a son. The miracle of virgin-conception, therefore, is not implied. The use of the definite article before "virgin" (ha-`almah) does not of itself indicate that the prophet had any particular young woman in his mind, as the Hebrew idiom often uses the definite article indefinitely. The fact that two other children of the prophet, like Hosea's, bore prophetic and mysterious names, invites the conjecture that the bride referred to was his own wife. The hypothesis of some critics that a woman of the harem of Ahaz became the mother of Hezekiah, and that he was the Immanuel of the prophet's thought is not feasible. Hezekiah was at least 9 years of age when the prophecy was given (2 Kings 16:2).
Immanuel, in the prophetic economy, evidently stands on the same level with Shear-jashub (Isaiah 7:3) as the embodiment of a great idea, to which Isaiah again appeals in Isaiah 8:8 (see ISAIAH, VII).
وفيه، كما يرى القارئ بنفسه، أن الكلمة المستخدمة فى الأصل معناها "عروس" أو "شابة على وشك الزواج" أو "زوجة جديدة"، وليس "عذراء"، وأن تفسير الآية المذكورة فى النبوءة ليس واضحا، وإنْ كان التفسير القائل بالحمل الإعجازىّ مستبعَدا رغم ذلك، فضلا عن أن هناك من يقول إن المقصود بالغادة هو زوجة إشعيا نفسه، ومن يقول إن المقصود بـ"عمانوئبل" ليس شخصا بل فكرة من الأفكار العظيمة!
ومرة أخرى غير المرة الأخرى السابقة لا يكتفى العبد لله بهذا، بل أعود لـ"دائرة المعارف الكتابية" (مادة "عمانوئيل") فأجد الآتى: ""عمانوئيل" كلمة عبرية معناها "الله معنا" أو بالحري "معنا الله". وهو اسم رمزي جاء في نبوة إشعياء لآحاز ملك يهوذا كعلامة على أن الله سينقذ يهوذا من أعدائها (إش 7: 14، 8 و 10). وقد جاء في إنجيل متى أنها كانت نبوة عن "الرب يسوع المسيح" (مت 1: 23). لقد نطق إشعياء بهذه النبوة في حوالي 753 ق. م في أثناء مأزق حرج كان فيه الملك آحاز، حيث تحالف ضده فقح بن رمليا ملك إسرائيل ورصين ملك أرام، لأنهما أراداه أن ينضم إليهما في حلف ضد أشور القوة الصاعدة، لكنه فضَّل الوقوف إلى جانب أشور (انظر 2 مل 16: 5- 9، 2 أخ 28: 16- 21) . ولكن إشعياء النبي أكد لآحاز أنه ليس في حاجة إلى أن يخشى رصين وفقح، ولا إلى التحالف مع أشور، وقال له : "اطلب لنفسك آية" ليتأكد من صدق ما قاله النبي. ولكن آحاز، بدافع من عدم الإيمان، وتحت ستار التقوى الكاذبة، قال له: "لا أطلب ولا أجرِّب الرب". وعندئذ أعلن إشعياء أن السيد الرب نفسه سيعطيهم آية: "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل"، وفي سنواته الباكرة ستنتهي الدولتان اللتان كان يخشاهما (أرام وإسرائيل). وهو ما تم على يد تغلث فلاسر الثالث ملك أشور الذي صعد إلى دمشق وفتحها وسبى أهلها وقتل رصين ملكها في 732 ق. م. وبعد ذلك بعشر سنوات حاصر شلمنأسر ملك أشور السامرة مدة ثلاث سنوات، وأخيراً سقطت في يد الأشوريين في 722 ق. م.(/5)
وتتباين الآراء حول من كان هذا "الابن المدعو عمانوئيل" ، ومن أمه التي توصف بأنها "عذراء" ("عُلْمة"...). ويرى كثيرون من حيث أنها كانت علامة لآحاز، فلابد أنها كانت تشير أولاً إلى مرمى قريب يستطيع آحاز أن يميزه. وهناك أربعة آراء تدور حول هذا اللغز: (1) يرى بعض المفسرين أن كلمة "عُلْمة" (العذراء) لا تدل على واحدة بالذات، بل هي اسم جنس، فيكون "عمانوئيل" في هذه الحالة رمزاً للجيل الجديد الذي ستتم النبوة في باكر أيامه. ولكن هذا التفسير لا يتفق مع ما جاء بالعهد الجديد، ويقطع الصلة بين هذه النبوة وسائر النبوات المتعلقة بالمسيا. (2) إنها نبوة تشير إلى إحدى إمرأتين: إما امرأة إشعياء، أو امرأة آحاز. وفي الحالة الأولى يكون المقصود "بعمانوئيل" هو "مهير شلال حاش بز" (إش 8 : 1-4)، وأمه هي زوجة إشعياء الموصوفة بأنها "النبية" (إش 8 : 3)، التي كان إشعياء على وشك الاقتران بها، أي أنها كانت مازالت عذراء في وقت النطق بالنبوة، ويؤيدون هذا الرأي بأن أولاد إشعياء كانوا رموزاً (انظر عب 2: 13 مع إش 8: 18). ويرى آخرون أن "العذراء" المقصودة هي إحدى زوجات آحاز، وأن الابن المقصود هو "حزقيا"، ولكن هذا الرأي تعترضه صعوبات خطيرة، فحزقيا كان قد وُلد فعلاً منذ نحو تسع سنوات قبل النطق بالنبوة (انظر 2 مل 16: 2 ، 18: 2)، بينما من الواضح أن النبوة لم تكن عن أمر قد حدث، بل عن أمر سيحدث. (3) أن النبوءة تشير إلى المستقبل البعيد، وبخاصة في ضوء ما جاء في إنجيل متى (1: 23) عن العذراء مريم وابنها يسوع الذي "يُدعى اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا" لأنه كان هو الله الذي "ظهر في الجسد" (1 تى 3: 16) ، والذي "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو 2: 9). ومع أنه تفسير سليم بالنسبة لمرمى النبوة البعيد لكنه يتغاضى عن أن النبوة كانت علامة لآحاز. (4) أن النبوة مزدوجة المرمى، كالكثير من نبوات العهد القديم، فعمانوئيل والعذراء رمزان، فالعذراء يرمز بها في المرمى القريب إلى امرأة إشعياء أو امرأة آحاز، وفي المرمى البعيد إلى العذراء مريم. و"عمانوئيل" يرمز في المرمى القريب إلى "مهيرشلال حاش بز" أو إلى "حزقيا"، أما في المرمى البعيد فإلى الرب يسوع.
ولاشك في أن النبوة كانت في مرماها البعيد تتعلق بولادة الرب يسوع المسيح من مريم العذراء، وهو ما نراه بكل وضوح في إنجيل متى حيث نقرأ: "هذا كله كان ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: "هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا" (مت 1: 21- 23). وهو الذي يقول عنه إشعياء أيضاً: "لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً، أباً أبدياً رئيس السلام " (إش 6: 9)، فهو وحده الذي يحق أن يقال عنه "الله معنا"، ولم يكن مولده خلاصاً من ضيقة وقتية، بل خلاصاً أبدياً من الخطية والموت". ومن هذه المادة يتضح الأمر كله، فالقوم يلوون عنق النص كى ينطق بما يريدون رغم أنه لا علاقة له بهذا الذى يريدون، وذلك على مبدإ: "عنزة ولو طارت"!
الفصل الثانى:
"المجوس
ولمَّا وُلِدَ يَسوعُ في بَيتَ لَحْمِ اليَهودِيَّةِ، على عَهْدِ المَلِكِ هِيرودُسَ، جاءَ إلى أُورُشليمَ مَجوسٌ. مِنَ المَشرِقِ 2وقالوا: "أينَ هوَ المَولودُ، مَلِكُ اليَهودِ؟ رَأَيْنا نَجْمَهُ في المَشْرِقِ، فَجِئْنا لِنَسْجُدَ لَه".
3وسَمِعَ المَلِكُ هِيرودُسُ، فاَضْطَرَبَ هوَ وكُلُّ أُورُشليمَ. 4فجَمَعَ كُلَ رُؤساءِ الكَهَنةِ ومُعَلَّمي الشَّعْبِ وسألَهُم: "أينَ يولَدُ المَسيحُ؟" 5فأجابوا: "في بَيتَ لَحْمِ اليَهودِيَّةِ، لأنَّ هذا ما كَتَبَ النَبِيٌّ: 6"يا بَيتَ لَحْمُ، أرضَ يَهوذا، ما أنتِ الصٌّغْرى في مُدُنِ يَهوذا، لأنَّ مِنكِ يَخْرُجُ رَئيسٌ يَرعى شَعْبي إِسرائيلَ".
7فَدَعا هيرودُسُ المَجوسَ سِرُا وتَحقَّقَ مِنْهُم مَتى ظَهَرَ النَّجْمُ، 8ثُمَّ أرسَلَهُم إلى بَيتَ لَحْمَ وقالَ لَهُم: "اَذْهَبوا واَبْحَثوا جيَّدًا عَنِ الطَّفلِ. فإذا وجَدْتُموهُ، فأَخْبِروني حتى أذهَبَ أنا أيضًا وأسْجُدَ لَه".
9فلمَّا سَمِعوا كلامَ المَلِكِ اَنْصَرَفوا. وبَينَما هُمْ في الطَّريقِ إذا النَّجْمُ الذي رَأَوْهُ في المَشْرقِ، يَتَقَدَّمُهُمْ حتى بَلَغَ المكانَ الذي فيهِ الطِفلُ فوَقَفَ فَوْقَه. 10فلمَّا رَأوا النَّجْمَ فَرِحوا فَرَحًا عَظيمًا جِدُا، 11ودَخَلوا البَيتَ فوَجَدوا الطَّفْلَ معَ أُمَّهِ مَرْيَمَ. فرَكَعوا وسَجَدوا لَه، ثُمَّ فَتَحوا أَكْياسَهُمْ وأهْدَوْا إلَيهِ ذَهَبًا وبَخورًا ومُرًّا.
12وأنْذَرَهُمُ الله في الحُلُمِ أنْ لا يَرجِعوا إلى هيرودُسَ، فأخَذوا طَريقًا آخَرَ إلى بِلادِهِم.
الهرب إلى مصر(/6)
13وبَعدَما اَنْصرَفَ المَجوسُ، ظَهَرَ مَلاكُ الرَّبَّ لِيوسفَ في الحُلُمِ وقالَ لَه: "قُمْ، خُذِ الطِفْلَ وأُمَّهُ واَهربْ إلى مِصْرَ وأقِمْ فيها، حتى أقولَ لكَ متى تَعودُ، لأنَّ هيرودُسَ سيَبحَثُ عَنِ الطَّفْلِ ليَقتُلَهُ". 14فقامَ يوسفُ وأخذَ الطَّفْلَ وأُمَّهُ ليلاً ورحَلَ إلى مِصْرَ. 15فأقامَ فيها إلى أنْ ماتَ هيرودُسُ، ليتِمَّ ما قالَ الربٌّ بِلسانِ النبيَّ: "مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ اَبني".
مقتل أولاد بيت لحم
16فَلمَّا رَأى هيرودُسُ أنَّ المَجوسَ اَستهزَأوا بِه، غَضِبَ جدُا وأمرَ بقَتلِ.كُلٌ طِفْلٍ في بَيتَ لحمَ وجِوارِها، مِنِ اَبنِ سَنَتَينِ فَما دونَ ذلِكَ، حسَبَ الوَقتِ الَّذي تحقَّقَهُ مِنَ المَجوسِ، 17فتَمَ ما قالَ النبيٌّ إرْميا: 18"صُراخٌ سُمِعَفي الرٍامَةِ، بُكاءٌ ونَحيبٌ كثيرٌ، راحيلُ تَبكي على أولادِها ولا تُريدُ أنْ تَتَعزّى، لأنَّهُم زالوا عَنِ الوجودِ".
الرجوع من مصر إلى الناصرة
19ولمَّا ماتَ هِيرودُس ظهَرَ ملاكُ الرَّبَّ ليوسفَ في الحُلمِ، وهوَ في مِصْرَ 20وقالَ لَه: "قُمْ، خُذِ الطَّفْلَ وأُمَّهُ واَرجِعْ إلى أرضِ إِسرائيلَ، لأنَّ الَّذينَ أرادوا أنْ يَقتُلوهُ ماتوا". 21فقامَ وأخَذَ الطَّفْلَ وأُمَّهُ ورَجَعَ إلى أرضِ إِسرائيلَ. 22لكِنَّهُ سَمِعَ أنَّ أرخيلاوُسَ يَملِكُ على اليَهودِيَّةِ خلَفًا لأبيهِ هِيرودُسَ، فخافَ أن يذهَبَ إلَيها. فأَنذَرَهُ الله في الحُلُمِ، فلَجأَ إلى الجَليلِ. 23وجاءَ إلى مدينةٍ اَسمُها النّاصِرَةُ فسكَنَ فيها، لِيَتمَّ ما قالَ الأنبياءُ: "يُدعى ناصِريًّا".
أول ما يخطر على البال هنا هو أمر أولئك المجوس: من أين لهم العلم بأن هناك مَلِكًا لليهود قد وُلِد؟ أوقد ذُكِر ذلك فى كتبهم؟ لكن أين النص عندهم على ذلك؟ ولماذا يُذْكَر مثل هذا الأمر لديهم، وهم ليسوا من بنى إسرائيل، الذين إنما أُرْسِل لهم وحدهم السيد المسيح وليس إلى المجوس بأى حال؟ وإذا غضضنا النظر عن هذا فإن السؤال سرعان ما يجلجل فى الذهن: فما فائدة عِلْم المجوس بولادة عيسى؟ هل آمنوا؟ إنهم لم يقولوا: لقد جئنا لنعلن إيماننا بعيسى، بل ليسجدوا له. وهل السجود من علامات الإيمان أو مقتضياته؟ لقد أجاب المسيح، حسبما سنقرأ بعد قليل، بأنه قد قيل: للرب إلهك وحده تسجد! ولا يمكن القول بأنهم كانوا يعتقدون أنه ابن الله أو الله، إذ كل ما قالوه عنه هو أنه "ملك اليهود" كما مرّ. كما لا يمكن القول بأنهم أرادوا أن يعظموا هذا الملك، أولا لأنه لم يصبح ملكا بعد (ولن يصبح أبدا طبعا)، وثانيا لأنه ليس ملكا فارسيا ولا مجوسيا، فلماذا يسجدون له؟ وعلى أية حال لماذا لم نسمع بهؤلاء المجوس بعد ذلك؟ الطبيعى أن يظهروا بعد هذا حين يئين الأوان ويكبر عليه السلام ويبلغ مبلغ الأنبياء ويعلن دعوته كى يكونوا من حوارييه ما داموا قد تجشموا المجىء من بلادهم وتعرّضوا بسبب ذلك للخطر كما رأينا! أليس كذلك؟ واضح أن كاتب هذه التخاريف لا يستطيع أن يَسْبِك التأليف كما ينبغى، ولذلك ترك فيه ثغرات كثيرة! ثم من هؤلاء القوم؟ من أى بلد فى فارس؟ ما أسماؤهم؟ ماذا كانوا يعملون فى بلدهم قبل أن يفدوا إلى فلسطين؟ ثم كيف أَتَوْا إلى فلسطين؟ وماذا صنعوا عند عودتهم إلى بلادهم؟ ولماذا لم يدعوا قومهم إلى الدخول فى دين عيسى؟ إن فارس تكاد أن تكون هى البلد الوحيد فى الشرق الأوسط الذى لم يعتنق النصرانية رغم أن ذلك النفر المجوسى هم أول البشر معرفةً بميلاد المسيح وإظهارًا لمشاعرهم نحوه وتبجيلهم له؟(/7)
ثم أليس غريبا أن يعتمد هيرودس، الذى أهمّه مولد عيسى كل هذا الهم، على أولئك المجوس الغرباء فى معرفة المكان الذى وُلِد فيه المسيح؟ أليس عنده العيون والجواسيس الذين يستطيعون أن يأتوه بهذا الخبر؟ ألم يكن بمقدوره على الأقل أن يرسل فى أعقابهم من يرقب حركاتهم وسكناتهم حتى يعرف بيت الوليد الجديد بدلا من أن ينتظر حتى يأتوه هم بالخبر كما قال المؤلف السقيم الخيال؟ ثم هناك حكاية النجم، وهذه فى حد ذاتها بَلْوَى مُسَيَّحة! كيف يا ترى يمكن أىَّ إنسان التعرفُ على بيت من البيوت من وقوف أحد النجوم فوقه؟ إن هذا لهو المستحيل بعينه! إن الكاتب الجاهل يظن أن النجم المذكور قد ظهر إثر ميلاد عيسى، غافلا (لأنه مغفل) أن الضوء الذى زعم أن المجوس كانوا يَرَوْنَه آنذاك إنما صدر من النجم قبل ذلك بآلاف السنين، ولم يأت لتوه كما توهم بجهله! ولقد كتب لى أحدهم منذ أَشْهُرٍ رسالةً مشباكيةً يحاول أن يقنعنى فيها بأنه كان من السهل على أولئك المجوس أن يعرفوا أن النجم واقف فوق بيت الطفل الوليد خَبْط لَزْق باستعمال بعض الآلات الفلكية! يا حلاوة يا أولاد! معنى ذلك أنهم كانوا علماء فى الفلك والرياضيات (ولعلهم من أحفاد عمر الخيام، لكن بالمقلوب!)، جاؤوا من بلادهم ومعهم مرصد وضعوه على ظهر حمار مثلا (تخيلوا مرصدا على ظهر حمار!)، فنصبوه فى زقاق من أزقة بيت لحم وأخذوا يرصدون ويكتبون ويحسبون ويتجادلون برطانتهم الفارسية، وفى أيديهم الآلات الحاسبة ومسطرة حرف "تى" لزوم المنظرة، والناس تنظر إليهم وتتفرج عليهم (كما كنا نفعل ونحن لا نزال فى الجامعة حين نرى طلاب كلية الهندسة أثناء تدريباتهم على أعمال المساحة والقياس فى حديقة الأورمان)، لينتهوا فى آخر المطاف بعد فشلهم فى حسابات الفلك إلى اللجوء للطريقة التقليدية فى بلادنا التى لا يوجد أحسن منها للشعوب المتخلفة (أما كان من الأول بدلا من تضييع كل هذا الوقت؟) فينادوا فى الشوارع عن "عَيِّل مولود حديثا يا أولاد الحلال، ولابس بيجامة كستور مقلّمة وفى فمه بزّازة، وفى رجله فردة لَكْلُوك واحدة بأبزيم صفيح، فمن يدلنا على بيته له مكافأة ثمينة! وشىء لله يا عَدَوِى"! ثم كيف يا ترى كان النجم يتقدمهم أثناء سفرهم، والنجوم لا تظهر إلا ليلا؟ هل معنى هذا أنهم كانوا ينامون نهارا ثم يستيقظون ليلا ليستأنفوا المسير؟ أم ترى مخترع الإنجيل كان يظن أن المسافة بين فارس وبيت لحم فى فلسطين لا تزيد عن "فَرْكَة كَعْب" وتُقْطَع فى بضع ساعات من الليل؟ أليس ذلك أمرا يبعث على الاشمئزاز؟ ثم إذا أردنا أن ننصحهم ونأخذ بيدهم كى ننتشلهم من هذا التخريف لأن حالهم يصعب علينا شتموا نبينا وأقلّوا أدبهم عليه!(/8)
كما أشار الكاتب فى النصّ الذى بين أيدينا إلى النبوءة الخاصة بولادة المسيح فى بيت لحم: "مِنكِ يَخْرُجُ رَئيسٌ يَرعى شَعْبي إِسرائيلَ"، وهى تعنى (كما هو واضح) أن المسيح سوف يكون راعيا لبنى إسرائيل. فهل تحقق شىء من هذا؟ أبدا، فقد كفر به بنو إسرائيل واتهموا أمه فى شرفها وتآمروا على قتله، بل إنهم والنصارى يقولون إنهم قد استطاعوا فعلا أن يقتلوه. وعلى أية حال فإنه لم تُتَحْ له قَطُّ الفرصة لرعاية بنى إسرائيل لا روحيا ولا سياسيا! إنها إذن نبوءةٌ فِشِنْك كمعظم نبوءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد! ولا ننس ما أبديته قبل قليل من استغرابى اهتمام المجوس بولادة المسيح، إذ ليسوا من بنى إسرائيل، الذين إنما أُرْسِل عليه السلام إليهم لا إلى المجوس. كذلك سمى المجوس سيدنا عيسى: "ملك اليهود"، وهى أيضا تسمية كاذبة، إذ متى كان المسيح مَلِكًا لليهود؟ لقد قال عليه السلام مرارا إن مملكته ليست من هذا العالم، فما صلته إذن بالمَلَكِيّة والملوك؟ ثم ألم يجد المجوس من الألطاف ما يتحفونه به عليه السلام إلا الذهب؟ وهل يحتاج ابن الله إلى مثل هذه الأشياء، وهو الذى فى يد أبيه كل كنوز الأرض والسماء؟ إن الكاتب الأبله يقيس أبناء الآلهة على أبناء حكام الدول المتخلفة الذين لا يشبعون من المال والذهب رغم أن ميزانية الدولة كلها فى أيديهم يغرفون منها ما يشاؤون، أو على الباباوات المغرمين غرامًا مرضيًّا باستعراض أنفسهم فى الإستبرق والسندس والذهب والياقوت وسائر الجواهر الثمينة رغم ما يزعجوننا به من كلام عن الوداعة والتواضع والزهد والرهبانية والتشبه بالمسيح فى الانصراف عن زخارف الحياة الدنيا! يا له من خيال سقيم! يا مَتَّى يا ابن الحلال، الله لا يسوءك، أولاد الآلهة هؤلاء أولاد عِزّ شَبْعَى لا ينظرون إلى ذهب أو ألماس! والعجيب، كما سوف نرى، أن المسيح يدعو إلى مخاصمة الدنيا خصومة لا هوادة فيها ولا تفاهم بأى حال مما من شأنه أن يوقف دولاب الحياة ويشجع على العدمية والموت، فكيف لم يلهم الله سبحانه وتعالى المجوس أن يقدموا لابنه شيئا يليق به وباهتماماته من أشياء الروح لا من ملذات الدنيا، وليكن نسخة مصورة من العهد القديم للأطفال مثلا؟
وتقول الفقرة الثالثة عشرة من الإصحاح: "وبَعدَما اَنْصرَفَ المَجوسُ، ظَهَرَ مَلاكُ الرَّبَّ لِيوسفَ في الحُلُمِ وقالَ لَه: "قُمْ، خُذِ الطِفْلَ وأُمَّهُ واَهربْ إلى مِصْرَ وأقِمْ فيها، حتى أقولَ لكَ متى تَعودُ، لأنَّ هيرودُسَ سيَبحَثُ عَنِ الطَّفْلِ ليَقتُلَهُ". 14فقامَ يوسفُ وأخذَ الطَّفْلَ وأُمَّهُ ليلاً ورحَلَ إلى مِصْرَ". ونقول نحن بدورنا: ولماذا اهتمام السماء بإنقاذ الطفل يسوع من القتل إذا كان قد أتى إلى العالم كما يزعم القوم ليُقْتَل تكفيرًا عن الخطيئة البشرية؟ ألم يكن الأفضل أن تتركه السماء يموت فى صغره فتنتهى مهمته سريعا بدل الانتظار إلى أن يكبر وتضيع كل الجهود التى بذلتها أمه فى تربيته وتعليمه والإنفاق عليه فى الهواء؟ وخير البر عاجله كما يقولون، وما دام مقتولاً مقتولاً فالأفضل الآن، والذى تعرف ديته اقتله وانته من أمره سريعا، فالوقت من ذهب! آه، لكن فاتنا أننا فى منطقة الشرق الأوسط حيث الوقت لا قيمة له، فهو يُعَدّ بالكوم وليس بالثوانى ولا الدقائق، فضلا عن الساعات أو الأيام، ودعنا من السنين!(/9)
أما اتخاذ القوم من عبارة "مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابني" دليلا على أنه، عليه السلام، هو ابن الله حقا، فالرد عليه بسيط جدا جدا أسهل مما يتصور الإنسان، إذ الأناجيل مفعمة بعبارة "أبناء الله" و"أبوك أو أبوكم الذى فى السماوات" على قفا من يشيل، وكلها من كلام المسيح ذاته: "هنيئًا لِصانِعي السَّلامِ، لأنَّهُم أبناءَ الله يُدْعَونَ" (متى/ 5/ 9)، "أحِبّوا أَعداءَكُم، وصَلّوا لأجلِ الَّذينَ يضْطَهِدونكُم، فتكونوا أبناءَ أبيكُمُ الَّذي في السَّماواتِ" (5/ 44- 45)، "فكونوا أنتُم كاملينَ، كما أنَّ أباكُمُ السَّماويَّ كامِلٌ" (5/ 48)، "إيَّاكُمْ أنْ تعمَلوا الخَيرَ أمامَ النَّاسِ ليُشاهِدوكُم، وإلاَّ فلا أجرَ لكُم عِندَ أبيكُمُ الَّذي في السَّماواتِ" (6/ 1)، "فإذا صَلَّيتَ فاَدخُلْ غُرفَتَكَ وأغلِقْ بابَها وصَلٌ لأبيكَ الَّذي لا تَراهُ عَينٌ، وأبوكَ الَّذي يَرى في الخِفْيَةِ هوَ يُكافِئُكَ"، "لا تكونوا مِثلَهُم، لأنَّ الله أباكُم يَعرِفُ ما تَحتاجونَ إلَيهِ قَبلَ أنْ تسألوهُ" (6/ 8)، "فصلّوا أنتُم هذِهِ الصَّلاةَ: أبانا الَّذي في السَّماواتِ، ليتَقدَّسِ اَسمُكَ" (6/ 9)، "فإنْ كُنتُم تَغفِرونَ لِلنّاسِ زَلاّتِهِم، يَغفِرْ لكُم أبوكُمُ السَّماويٌّ زلاّتِكُم. وإنْ كُنتُم لا تَغفِرونَ لِلنّاسِ زلاّتِهِم، لا يَغفِرُ لكُم أبوكُمُ السَّماويٌّ زلاّتِكُم" (6/ 14- 15)، "... حتى لا يَظهَرَ لِلنّاسِ أنَّكَ صائِمٌ، بل لأبيكَ الَّذي لا تَراهُ عَينٌ، وأبوكَ الَّذي يَرى في الخِفْيَةِ هوَ يُكافِئُكَ" (6/ 18)، "انظُروا طُيورَ السَّماءِ كيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحْصُدُ ولا تَخزُنُ، وأبوكُمُ السَّماويٌّ يَرزُقُها" (6/ 26)، "فإذا كُنتُم أنتُمُ الأشرارَ تَعرِفونَ كيفَ تُحسِنونَ العَطاءَ لأَبنائِكُم، فكَمْ يُحسِنُ أبوكُمُ السَّماويٌّ العَطاءَ للَّذينَ يَسألونَهُ؟" (7/ 11)، "وأمّا الأبرارُ، فيُشرِقونَ كالشَّمسِ في مَلكوتِ أبيهِم" (13/ 43)، "وهكذا لا يُريدُ أبوكُمُ الَّذي في السَّماواتِ أنْ يَهلِكَ واحدٌ مِنْ هَؤلاءِ الصَّغارِ" (18/ 14)، "ولا تَدْعوا أحدًا على الأرضِ يا أبانا، لأنَّ لكُم أبًا واحدًا هوَ الآبُ السَّماويٌّ" (23/ 9)، فضلا عن أن المسيح عليه السلام كثيرا ما سمى نفسه: "ابن الإنسان" كما هو معروف، كما أكد أن أمه وإخوته الحقيقيين هم المؤمنون الذين يطيعون الله ويخلصون له سبحانه، وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن بنوة البشر لله إنما تعنى فى مثل هذه السياقات الإيمان والطاعة المطلقة له عز وجل: "وبَينَما يَسوعُ يُكلَّمُ الجُموعَ، جاءَتْ أمٌّهُ وإخوَتُهُ ووقَفوا في خارِجِ الدّارِ يَطلُبونَ أن يُكلَّموهُ. فقالَ لَه أحَدُ الحاضِرينَ: "أُمٌّكَ وإخوتُكَ واقفونَ في خارجِ الدّارِ يُريدونَ أنْ يُكلَّموكَ".فأجابَهُ يَسوعُ: "مَنْ هيَ أُمّي؟ ومَنْ هُمْ إخْوَتي؟" وأشارَ بيدِهِ إلى تلاميذِهِ وقالَ: "هؤُلاءِ هُمْ أُمّي وإخوَتي. لأنَّ مَنْ يعمَلُ بمشيئةِ أبي الَّذي في السَّماواتِ هوَ أخي وأُختي وأُمّي" (12/ 46- 50).(/10)
ثم إن ابن الإله لا يمكن أن ينزل بنفسه إلى مرتبة النبى أبدا، لكننا نسمع عيسى بأذننا هذه التى سيأكلها الدود يقول لأهل الناصرة حين رفضوا الإيمان به: "لا نبيَّ بِلا كرامةٍ إلاّ في وَطَنِهِ وبَيتِهِ" (13/ 57). كذلك ففى كل من العهد القديم وكلام الرسل فى العهد الجديد كثيرا ما نقابل عبارة"أبونا" مقصودا بها الله سبحانه وتعالى، ومنها قول إشعيا مثلا: "تطلَّعْ من السماء، وانظر من مسكن قدسك...، فإنك أنت أبونا، وإن لم يعرفنا إبراهيم، وإن لم يدرنا إسرائيل. أنت يا رب أبونا" (إشعيا/ 63/ 15- 16)، "والآن يا رب انت ابونا. نحن الطين وانت جابلنا وكلنا عمل يديك" (إشعيا/ 64/ 8)، " هو يدعوني ابي انت. الهي وصخرة خلاصي " (مزامير/ 89/ 26، والمتكلم هو الله، والحديث عن داود)، "ارجعوا ايها البنون العصاة، يقول الرب... وانا قلت كيف اضعك بين البنين واعطيك ارضا شهية ميراث مجد امجاد الامم. وقلت تدعينني يا ابي ومن ورائي لا ترجعين" (إرميا/ 3/ 14، 18)، "نعمة لكم وسلام من الله ابينا" (إفسوس/ 1/ 2، وكورنثوس/ 1/ 2، وتسالونيكى/ 1/ 1)، "يثبّت قلوبكم بلا لوم في القداسة امام الله ابينا" (تسالونيكى/ 3/ 13). هذا، ولمعلوميّة القارئ نشير إلى أن هناك فرقة تنسب نفسها إلى الإسلام ظهرت فى العصر الحديث (لكن المسلمين يتبرأون منها ويرمونها بالكفر، وهى فرقة القاديانية) لها تفسير غريب لميلاد عيسى من غير أب، إذ يقولون بالحَبَل الذاتى اعتمادا على ما قاله بعض الأطباء من أنهم لا يستبعدون أن يتم الحمل فى رحم امرأة دون تلقيح من رجل (انظر تفسير الآية 47 (48 عندهم) من سورة "آل عمران" فى التفسير الكبير (5 مجلدات) الذى وضعه ميرزا بشير الدين محمود (الخليفة الثانى للمسيح الموعود عندهم غلام ميرزا أحمد نبى قاديان المزيف): Mirza Bashir-ud-Din Mahmood Ahmad (1889-1965)، وترجمه أتباعه إلى الإنجليزية بعنوان "The Holy Quran"/ م 1/ ص 398/ هـ 337). أى أنه لم يكن هناك روح قدس ولا يحزنون. ولا شك أن هذا التفسير، رغم عدم اتساقه مع ظاهر القرآن ورغم أنى لا أوافق عليه وأراه حيلة من الحيل التى يلجأ إليها القاديانيون لإنكار المعجزات كى يبدوا عصريين يحترمون كلمة العلم، هو أفضل ألف مرة من الكفر الذى يرتفع بمقام السيد المسيح عليه السلام عن مقام البشرية ويقول إنه هو الله أو ابن الله، تعالى الله عن ذلك الشرك تعاليا عظيما يليق بجلال ألوهيته!(/11)
ونأتى لما قاله مؤلف السفر من أن هيرودس قد أمر بقتل أطفال بنى إسرائيل من سن سنتين فنازلا، وهذا نص كلامه حرفيا: "فَلمَّا رَأى هيرودُسُ أنَّ المَجوسَ اَستهزَأوا بِه، غَضِبَ جدُا وأمرَ بقَتلِ.كُلٌ طِفْلٍ في بَيتَ لحمَ وجِوارِها، مِنِ اَبنِ سَنَتَينِ فَما دونَ ذلِكَ، حسَبَ الوَقتِ الَّذي تحقَّقَهُ مِنَ المَجوسِ، 17فتَمَ ما قالَ النبيٌّ إرْميا: 18"صُراخٌ سُمِعَ في الرّامَةِ، بُكاءٌ ونَحيبٌ كثيرٌ، راحيلُ تَبكي على أولادِها ولا تُريدُ أنْ تَتَعزّى، لأنَّهُم زالوا عَنِ الوجودِ". ولست أطمئن لهذا الكلام الذى لم يسجل التاريخ عنه شيئا ولا تكلمت عنه الأناجيل ولا السيد المسيح بعد ذلك وكأن هؤلاء الأطفال "شويّة لبّ فى قرطاس" قزقزهم هيرودس فى سهرة قدّام التلفزيون وانتهى الأمر! أما النبوءة الجاهزة التى ساقها المؤلف عقب القصة كعادته فى كل خطوة يخطوها وكأنه خالتى بَمْبَة التى لم تكن تكفّ عن الاستشهاد بالأمثال فى برنامج المرأة فى الإذاعة المصرية، فلا معنى لها هنا كما هو الحال فى كثير من المواضع، لأن راحيل هذه هى أم يوسف، فلا علاقة لها من ثم بتلك الواقعة غير القابلة للتصديق. ومن قال إنها فى القصة لم تتعزّ عن موت أولادها بل ظلت تصرخ وتنتحب وتبكى فى حرقة، وقد رأينا أن أحدا لم يبال بالأطفال المساكين أو يذرف عليهم دمعة؟ وهل الرامة هى بيت لحم؟ إن الرامة تقع إلى الشمال من أورشليم على بعد عدة كيلومترات، أما بيت لحم فشىء آخر. وأقرب شىء إلى أن يكون هو المراد من تلك النبوءة رجوع بنى إسرائيل من المنفى إلى بلادهم، وليس قتل هيرودس المزعوم لأطفال بنى إسرائيل، لأنها تفتقد التناظر الذى ينبغى أن يتوفر فى الرمز. إننى لأتعجب فى كل مرة أقرأ فيها لأمثال زيكو حين يتكلمون عن نبوءات الكتاب المقدس ويحاولون تفسيرها، وأتساءل: ترى هل تَغَطَّوْا جيدا قبل الإخلاد إلى الفراش فلم تتعرّ أردافهم وهم نائمون؟ الواقع أن النبوءة المذكورة التى رآها إرميا حسبما جاء فى العهد القديم (إرميا/ 31/ 15- 17) لا علاقة لها بحادثة قتل هيرودس أطفال بنى إسرائيل من سِنّ عامَيْن فهابطًا، إذ الكلام عن تغيب أبناء راحيل عن البلاد فى أرض العدو. وهذا نص النبوءة كما ورد فى ترجمة جمعيات الكتاب المقدس المتحدة: "صوتٌ سُمِع فى الرامة. نَوْحٌ، بكاءٌ مُرّ. راحيل تبكى على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين، هكذا قال الرب. امنعى صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يوجد جزاء لعملك، يقول الرب، فيرجعون من أرض العدو، ويوجد رجاء لآخرتك، يقول الرب، فيرجع الأبناء إلى تُخْمهم". وفى "دائرة المعارف الكتابية" تحت عنوان "راحيل" نقرأ أن "النبى (أى النبى إرميا) صوَّر فى عبارة شعرية عويل راحيل على أبنائها، إما لأنه سبق فرأى أن المسببِّين من يهوذا وبنيامين سيجتمعون فى الرامة بعد سقوط أورشليم وقبل اقتيادهم إلى السبى فى بابل (إرميا 40: 1)، أو لأن الرامة كانت أكمة مرتفعة فى أرض بنيامين يمكن منها رؤية الخراب الذى أصاب البلاد". وطبعا هذا كله لو أن النبى إرميا قال فعلا ذلك الكلام.
الفصل الثالث:
"بشارة يوحنا المعمدان
وفي تِلكَ الأيّامِ جاءَ يوحنّا المَعمدانُ يُبشَّر في برَّيَّةِ اليهودِيَّةِِِ 2فيقولُ: "تُوبوا، لأنَّ مَلكوتَ السَّماوات اَقتربَ!" 3ويوحَنّا هوَ الذي عَناهُ النبيٌّ إشَعْيا بِقولِهِ: "صوتُ صارِخِ في البرّيّةِ: هَيَّئوا طريقَ الربَّ واَجعَلوا سُبُلَهُ مُستَقيمةً".
4وكانَ يوحنّا يَلبَسُ ثوبًا مِنْ وبَرِ الجِمالِ، وعلى وسَطِهِ حِزامٌ مِنْ جِلد، ويَقْتاتُ مِنَ الجَرادِ والعَسَلِ البرَّيَّ. 5وكانَ النّاسُ يَخرُجونَ إليهِ مِنْ أُورُشليمَ وجَميعِ اليَهودِيَّةِ وكُلٌ الأرجاءِ المُحيطَةِ بالأُردنِ. 6ليُعَمَّدَهُم في نَهرِ الأردُنِ، مُعتَرِفينَ بِخَطاياهُم.
7ورأى يوحَنّا أنَّ كثيرًا مِنَ الفَرَّيسيّينَ والصَدٌّوقيّينَ يَجيئونَ إلَيهِ ليَعتَمِدوا، فقالَ لَهُم: "يا أولادَ الأفاعي، مَنْ علَّمكُم أنْ تَهرُبوا مِنَ الغَضَبِ الآتي؟ 8أثْمِروا ثمَرًا يُبَرْهِنُ على تَوْبتِكُم، 9ولا تقولوا لأنفسِكُم: إنَّ أبانا هوَ إبراهيمُ. أقولُ لكُم: إنَّ الله قادرٌ أنْ يَجعَلَ مِنْ هذِهِ الحِجارَةِ أبناءً لإبراهيمَ. 10ها هيَ الفأسُ على أُصولِ الشَّجَرِ. فكُلُّ شجَرَةٍ لا تُعطي ثَمرًا جيَّدًا تُقطَعُ وتُرمى في النّارِ. 11أنا أُعمَّدُكُمْ بالماءِ مِنْ أجلِ التَّوبةِ، وأمّا الَّذي يَجيءُ بَعدي فهوَ أقوى مِنَّي، وما أنا أهلٌ لأنْ أحمِلَ حِذاءَهُ. هوَ يُعمَّدُكُم بالرٌّوحِ القُدُسِ والنّارِ، 12ويأخذُ مِذراتَه. بيدِهِ ويُنَقّي بَيدَرَه، فيَجمَعُ القَمحَ في مَخزَنِه ويَحرُقُ التَّبنَ بنارٍ لا تَنطَفئُ.
يوحنا يعمّد يسوع(/12)
13وجاءَ يَسوعُ مِنَ الجليلِ إلى الأُردنِ ليتَعَمَّدَ على يدِ يوحنّا. 14فمانَعَهُ يوحنّا وقالَ لَه: "أنا أحتاجُ أنْ أَتعمَّدَ على يدِكَ، فكيفَ تَجيءُ أنتَ إليَّ 15فأجابَهُ يَسوعُ: "ليكُنْ هذا الآنَ، لأنَّنا بِه نُتَمَّمُ مَشيئةَ الله". فَوافَقَهُ يوحنّا.
16وتعمَّدَ يَسوعُ وخَرَجَ في الحالِ مِنَ الماءِ. واَنفَتَحتِ السَّماواتُ لَه، فرأى رُوحَ الله يَهبِطُ كأنَّهُ حَمامَةٌ ويَنزِلُ علَيهِ. 17وقالَ صوتٌ مِنَ السَّماءِ: "هذا هوَ اَبني الحبيبُ الَّذي بهِ رَضِيتُ".
من الغريب غير المفهوم أن يستقبل يحيى عليه السلام من أتاه من الفَرِّيسيّين والصَّدُوقيين ليتعمدوا على يديه ويعترفوا بخطاياهم، بهذه الشتائم، مع أنهم بمجيئهم إليه قد برهنوا على أنهم يشعرون بالذنب ويريدون التوبة، وإلا فهل يحق لنا أن نشق عن قلوب الناس ونقول إننا نعرف ما فى طيات ضمائرهم أفضل مما يعرفونه ثم نتهمهم بأنهم لا يصلحون للتوبة؟ أليس هذا افتئاتا منا على شأن من شؤون الله؟ ألم يكن ينبغى أن يعطيهم يحيى عليه السلام فرصة يجربهم فيها قبل أن يُسْمِعهم تلك الشتائم القارصة المهينة دون داعٍ؟ إننى لا أصدّق أبدا أن يحيى كان بهذه الخشونة مع من جاء ليتوب حتى لو كانت توبته ظاهرية لم تخرج من الأعماق! إن عبارة كاتب السفر تقول: "وفي تِلكَ الأيّامِ جاءَ يوحنّا المَعمدانُ يُبشَّر في برَّيَّةِ اليهودِيَّةِِِ". والواقع أن هذا ليس تبشيرا على الإطلاق، بل هو تنفير من التوبة وتعسير لها وتبغيض للناس فى الدين والعمل الصالح كله!
ثم إننا نسمعه يقول: "11أنا أُعمَّدُكُمْ بالماءِ مِنْ أجلِ التَّوبةِ، وأمّا الَّذي يَجيءُ بَعدي فهوَ أقوى مِنَّي، وما أنا أهلٌ لأنْ أحمِلَ حِذاءَهُ. هوَ يُعمَّدُكُم بالرٌّوحِ القُدُسِ والنّارِ، 12ويأخذُ مِذراتَه. بيدِهِ ويُنَقّي بَيدَرَه، فيَجمَعُ القَمحَ في مَخزَنِه ويَحرُقُ التَّبنَ بنارٍ لا تَنطَفئُ". وتعليقنا على هذا أن المسيح عليه السلام لم يعمد أحدا بالنار، وهذه هى الأناجيل بين أيدينا، فلْيُرِنى فيها المعترض على كلامى ما يخالفه! ولا يقل أحد إن الكلام هنا على المجاز، لأن النار إنما ذُكِرَتْ فى مقابل الماء، والماء هنا على الحقيقة، فقد كان يحيى يعمّد الناس (كما يقول الكاتب) فى نهر الأردن، كما أنه عليه السلام قد قال بنفسه إنه إذا كان يعمّدهم فيه بالماء فسوف يأتى ذلك الشخص الآخر (الذى يفسره النصارى بأنه السيد المسيح) فيعمدهم بالنار، مع أنه لا نار هناك ولا دياولو! والعجيب، وكل أمور القوم عجب، أن النصارى إنما يعمّدون أولادهم والمتنصرين من أهل الأديان الأخرى بالماء رغم ذلك لا بالنار. ثم نقول، من أجل ذلك ومن أجل غير ذلك، إن كتابهم محرَّف فيردّ سفلة المهجر بسبّ الرسول الكريم ويتطاولون عليه سَفَهًا منهم وإجرامًا وكفرًا!
كذلك يقول يحيى حسب كلام المؤلف: "وأمّا الَّذي يَجيءُ بَعدي فهوَ أقوى مِنَّي، وما أنا أهلٌ لأنْ أحمِلَ حِذاءَهُ". ومرة أخرى يرى القوم أن المقصود هو السيد المسيح، ومع هذا نراه يعمّد السيد المسيح، فكيف ذلك؟ ولقد جاء فى الترجمة التفسيرية لكتاب الحياة على لسان عيسى حين امتنع يحيى فى البداية عن تعميده: "أسمح الآن بذلك، فهكذا يليق بنا أن نُتِمّ كل بِرّ"، وهو ما يعنى أن المسيح من دون هذا التعميد سوف يكون ناقصًا بِرًّا، فكيف يكون ابن الله ناقصًا بِرًّا؟ بل كيف يكون الآتى لتكفير الخطايا البشرية من لدن آدم إلى يوم الدينونة ناقصًا بِرًّا ويحتاج من ثم للتعميد؟ على رأى المثل: "جئتك يا عبد المعين تعيننى، فوجدتك يا عبد المعين تُعَان". أما فى الترجمة التى أعتمد عليها هنا فقد جاء كلام المسيح هكذا: "ليكُنْ هذا الآنَ، لأنَّنا بِه نُتَمَّمُ مَشيئةَ الله"، ويا له من فارق فى المعنى! ثم نقول لهم إن فى كتابكم تحريفات وتخريفات كثيرة فيسبوننا ويهدوننا بأمريكا! يا للعجب، وهل تستطيع قوة أمريكا أن تغير من حقائق الأمور؟ وهل يليق بمن يزعمون أنهم على الحق وأنهم لا يعتمدون إلا على "قوة الله" أن يستقووا بأمريكا؟ ليس أمامى إلا أن أقول أنا إذن كما كان يقول فريد شوقى: "يا قوة الله"!(/13)
وفى الفقرة الأخيرة نقرأ الآتى: "16وتعمَّدَ يَسوعُ وخَرَجَ في الحالِ مِنَ الماءِ. واَنفَتَحتِ السَّماواتُ لَه، فرأى رُوحَ الله يَهبِطُ كأنَّهُ حَمامَةٌ ويَنزِلُ علَيهِ. 17وقالَ صوتٌ مِنَ السَّماءِ: "هذا هوَ اَبني الحبيبُ الَّذي بهِ رَضِيتُ"، ثم نتساءل: كيف يا ترى انفتحت السماوات؟ هل كانت مغلقة؟ إن التصور الكامن وراء هذه العبارة يشى بالكثير، إذ من الواضح أن كاتب هذا الكلام المضحك يحسب أن السماء سقف معدنى ينفتح وينغلق كسقف جراج ألكترونى مثلا. ثم من أدرانا أن الحمامة التى رآها المسيح (لو كانت هناك حمامة فعلا وليست من بُنَيّات خيال الكاتب) هى الروح القدس؟ إن هناك أغنية مصرية جميلة من أغانى أواسط الخمسينات من القرن المنصرم تغنيها المطربة أحلام بصوتها الناحل الخجول تقول كلماتها: "يا حَمَام البَرّ سَقَّفْ * طِيرْ وهَفْهَفْ * حُومْ ورَفْرَفْ * على كِتْف الحُرّ وقَّفْ * والْقُطِ الغَلَّة"، فإذا نظرنا فى هذه الأغنية وجدنا هاهنا أيضا حماما ينزل على كتف إنسان كما هبطت الحمامة على السيد المسيح إن صحت القصة، لكننا لا نستطيع أن نقول إن الحمامة هنا هى الروح القدس، لأن الروح القدس ليس مسألة هينة يدّعيها كل من هب ودب، فما الدليل إذن على أن الحمامة الواردة فى القصة الإنجيلية هى الروح القدس فعلا؟ لقد ذكرت القصة أن ثمة حمامة نزلت على المسيح، وهذا كل ما هنالك، فبأى حق يقال إنها الروح القدس؟ إنها لم تنطق ولم تأت من التصرفات ما يمكن أن يكون أساسا لبحث هذه المسألة، بل نزلت وحسب. وكم من الحمام يطير وينزل على كتف الحُرّ وعلى رأس العبد وفى الأجران وفوق الأغصان وعلى ضفاف الأنهار وأسلاك البرق... إلخ، فكيف نميز بين حمامة هى روح القدس وحمامة أخرى هى روح البؤس؟ إنه كله حمام، والحمام أكثر من الهم على القلب، أفكلما رأينا حمامة تهبط من الفضاء قلنا إنها الروح القدس؟ كلا وحاشا! ثم من الذى رأى هذه الحمامة وروى قصتها؟ لا يمكن أن يكون هو السيد المسيح لأنه كان دائم الحرص على ألا يعرف أحد بما يعمله من آيات، فمن هو إذن يا ترى؟ وكيف عرف أن الحمامة هى الروح القدس؟ فإذا كان الناس هم الذين رَأَوْها فهل من الممكن أن يكونوا قد رَأَوْها ثم سكتوا رغم ذلك فلم يعلقوا على هذه الحادثة العجيبة؟ وهل كلَّ يوم ينزل الروح القدس؟ لقد كان ينبغى أن يكون هذا الأمر حديث المدينة والقرية والنَّجْع والكَفْر والدنيا كلها! وهذا إذا صدّقنا أوّلاً أن متى هو كاتب هذا الإنجيل، وثانيًا أنه أهل للتصديق، وثالثًا أن الذى حكى له القصة صادق أيضا، ورابعًا أنها لا تناقض العقل والمنطق. وأين نحن من هذا؟
ثم هذا الصوت النازل من السماء، من يا ترى سمعه غير المسيح، إذ النص قد سكت عن هذا؟ ذلك أن الناس جميعا، كما رأينا، كانوا يقولون إنه ابن يوسف النجار لأن كل الظواهر والمظاهر تقول ذلك، وهو ما شاركهم فى ترديده الكاتب عدة مرات على ما سيأتى بيانه! وتعالَوْا نتأمل فى العبارة التالية: "هذا هوَ اَبني الحبيبُ الَّذي بهِ رَضِيتُ": ما معناها يا ترى؟ هل كان الله قبل ذلك غير راض عن ابنه؟ ولماذا؟ أم هل سبب الرضا أنه أصبح أخيرا، وبعد طول انتظار، أبًا بعد أن كاد اليأس يستولى عليه من أن تحمل زوجته وتنجب له طفلا بعد كل تلك الأحقاب الطويلة؟ وهل يمكن أن يقال بعد ذلك إن عيسى (الذى هو الأقنوم الثانى، أى الابن) هو نفسه الأقنوم الأول، لكن من وجهٍ آخر، فى الوقت الذى يتحدث فيه الله (الآب، وهو الأقنوم الأول) عنه بوصفه شخصا ثانيا مختلفا تمام الاختلاف، مثلما هو نفسه الأقنوم الثالث، لكن من وجه آخر أيضا، فى الوقت الذى يعمّد هو فيه الناس بالروح القدس بما يدل على أن الروح القدس شخص ثالث مختلف تمام الاختلاف؟ والذى يغيظ أننا كلما قلنا إن دين القوم محرّف هبّوا يشتمون وينادون "ماما أمريكا" يهددوننا بها، ولا يريدون أبدا أن يفكروا معنا ولو مرة واحدة بالعقل والمنطق!
الفصل الرابع
"إبليس يجرب يسوع
وقادَ الرٌّوحُ القُدُسُ يَسوعَ إلى البرَّيَّةِ ليُجَرَّبَهُ إِبليسُ. 2فصامَ أربعينَ يومًا وأربعينَ لَيلةً حتَّى جاعَ. 3فَدنا مِنهُ المُجَرَّبُ وقالَ لَه: "إنْ كُنْتَ اَبنَ الله، فقُلْ لِهذِهِ الحِجارَةِ أنْ تَصيرَ خُبزًا". 4فأجابَهُ: "يقولُ الكِتابُ: ما بِالخبزِ وحدَهُ يحيا الإنسانُ، بل بكلٌ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِنْ فمِ الله".
5وأخذَهُ إبليسُ إلى المدينةِ المُقَدَّسَةِ، فأوْقَفَهُ على شُرفَةِ الهَيكل 6وقالَ لَه: "إنْ كُنتَ اَبنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إلى الأسفَلِ، لأنَّ الكِتابَ يقولُ: يُوصي ملائِكَتَهُ بكَ، فيَحمِلونَكَ على أيديهِم لئلاَّ تَصدِمَ رِجلُكَ بِحجرٍ".
7فأجابَهُ يَسوعُ: "يقولُ الكِتابُ أيضًا: لا تُجرَّبِ الرَّبَّ إلهَكَ".(/14)
8وأخَذَهُ إبليسُ إلى جبَلٍ عالٍ جدُا، فَأراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدٌّنيا ومجدَها 9وقالَ لَه: "أُعطِيكَ هذا كلَّهُ، إنْ سجَدْتَ لي وعَبدْتَني". 10فأجابَهُ يَسوعُ: "إِبتَعِدْ عنّي يا شَيطانُ! لأنَّ الكِتابَ يقولُ: للربَّ إلهِكَ تَسجُدُ، وإيّاهُ وحدَهُ تَعبُدُ".
11ثُمَّ تَركَهُ إبليسُ، فجاءَ بَعضُ الملائِكةِ يخدِمونَهُ.
يسوع يبشر في الجليل
12وسَمِعَ يَسوعُ باَعتِقالِ يوحنّا، فرجَعَ إلى الجليلِ. 13ثُمَّ ترَكَ النّاصِرةَ وسكَنَ في كَفْر َناحومَ على شاطِىءِ بحرِ الجليلِ في بلاد زَبولونَ ونَفتالي، 14ليَتِمَّ ما قالَ النَّبيٌّ إشَعْيا: 15"يا أرضَ زَبولونَ وأرضَ نَفتالي، على طريقِ البحرِ، عَبْرَ الأردنِ، يا جليلَ الأُمَمِ! 16الشَّعْبُ الجالِسُ في الظَّلامِ رأى نورًا ساطِعًا، والجالِسونَ في أرضِ المَوتِ وَظِلالِهِ أشرَقَ علَيهِمِ النٌّورُ". 17وبدأَ يَسوعُ مِنْ ذلِكَ الوقتِ يُبشَّرُ فيَقولُ: "توبوا، لأنَّ مَلكوتَ السَّماواتِ اَقتَرَبَ".
يسوع يدعو التلاميذ الأوّلين
18وكانَ يَسوعُ يَمشي على شاطئِ بحرِ الجليلِ، فرأى أخَوَينِ هُما سِمعانُ المُلقَّبُ بِبُطرُسَ وأخوهُ أندراوُسُ يُلقِيانِ الشَّبكَةَ في البحرِ، لأنَّهُما كانا صيَّادَيْنِ. 19فقالَ لَهُما: "إتبَعاني، أجعَلْكُما صيَّادَيْ بشرٍ". 20فتَركا شِباكَهُما في الحالِ وتَبِعاهُ.
21وسارَ مِنْ هُناكَ فَرأى أخوَينِ آخَرينِ، هُما يعقوبُ بنُ زَبدي وأخوهُ يوحنّا، مَعَ أبيهِما زَبدي في قارِبٍ يُصلِحانِ شِباكَهُما، فدَعاهُما إلَيهِ. 22فتَركا القارِبَ وأباهُما في الحالِ وتَبِعاهُ.
يسوع يعلّم ويبشّر ويشفي المرضى
23وكانَ يَسوعُ يَسيرُ في أنحاءِ الجليلِ، يُعلَّمُ في المجامعِ ويُعلِنُ إنجيلَ المَلكوتِ ويَشفي النّاسَ مِنْ كُلٌ مَرَضٍ وداءٍ. 24فاَنتَشرَ صيتُهُ في سوريةَ كُلَّها، فجاؤوا إلَيهِ بِجميعِ المُصابينَ بأوجاعِ وأمراضٍ متنوَّعَةٍ: مِنْ مَصروعينَ ومُقْعَدينَ والذينَ بِهِمْ شياطينُ، فشفاهُم. 25فتَبِعَتْهُ جموعٌ كبيرةٌ مِنَ الجليلِ والمُدُنِ العَشْرِ وأُورُشليمَ واليهوديَّةِ وعَبْرِ الأُردن"ِ.
والآن أى إله ذلك الذى يقوده إبليس ليجربه؟ إن الإله هو الذى يجرِّب لا الذى يجرَّب! وأى إله ذلك الذى يجوع ويعطش ويحتاج من ثم إلى الطعام والشراب؟ هذا ليس إلها ولا يمكن أن يكونه. هذا مخلوقٌ فانٍ ضعيفٌ محتاجٌ إلى أن يملأ معدته بالأكل والشرب حتى يمكنه الحياة، وإلا مات. وأى إله أيضا ذلك الذى يتجرأ عليه إبليس ويعرض عليه أن يسجد له؟ لقد عَيَّلَت الألوهية تماما! ثم أى إله أو أى ابن إله ذلك الذى لا يعرفه أبو العفاريت ويتصرف معه على أساس أنه ليس إلا عبدا مخلوقا يستطيع أن يخدعه ويتلاعب به ويمسكه فى قبضته أربعين يوما ويدفعه إلى الصوم والمعاناة، والمفروض أن أبا العفاريت يعرف الكُفْت ذاته؟ إن الشيطان مخلوقٌ عاصٍ: نعم، لكنه لا يمكن أن يكون جاهلا بهذا الشكل، فليس هذا عهدنا بأبى الأباليس ولا عشمنا فيه! وأى إله ذلك الذى لا يستطيع أن يرى العالم وممالكه إلا إذا أراه إياها إبليس؟ إن إبليس هو مخلوق من مخلوقات الله، فما الذى جعل له كل هذا السلطان يا ترى على خالقه، أو على الأقل: على ابن خالقه؟ ولا تقف الطامة عند هذا الحد، فقد عرض إبليس على ابن الله (أو قل: على الله نفسه، فلا فرق) أن يعطيه ملك الدنيا، وهو ما لا معنى له إلا أن المسيح لم يكن ابن الله بحق وحقيق، بل مجرد كلام وابن عمه حديث، وإلا لجاء رده على الفور: ومن أنت يا صعلوك، حتى تحشر نفسك بين الآلهة والملوك؟ ألا تعرف من أنا؟ قم انهض وأنت تكلمنى! لكننا ننصت فنجد عجبا، إذ كل ما قاله له: "ابتعد عنى يا شيطان. مكتوب أنه للرب إلهك وحده تسجد"! وواضح ما فى الرد من تخاذل! والحمد لله أن الكاتب لم يجعله يبكى ويقول له: ابعد عنى، وإلا ناديت لك ماما!(/15)
وفى هذا الفصل أيضا نقرأ أن الشيطان قد اقترح عليه أن يحول الحجارة خبزا، لكنه رفض بحجة أنه "ما بِالخبزِ وحدَهُ يحيا الإنسانُ، بل بكلٌ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِنْ فمِ الله". فكيف يرفض عيسى أن يقوم بمعجزة هنا، ولسوف نراه بعد ذلك يقوم بمعجزات طعاميّة وشَرَابِيّةً فيحوّل الماء خمرا ويحوّل الكِسَر اليابسة القليلة والسمكات المعدودة إلى أرغفة وأسماك مشوية لا تُحْصَى حتى لتَأكل منها الجموع وتفيض عن حاجتها؟ كيف نسى المسيح المبدأ الذى استند إليه فى رفض القيام بتلك المعجزة؟ كما أن الحجة التى استند إليها السيد المسيح فى رفض عمل المعجزة هى من الضعف والتهافت بحيث لا تقنع أحدا، إذ لا أحد يشاحّ فى أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، لكن فى نفس الوقت لا أحد يشاح أيضا فى أننا، وإن لم نعش بالخبز وحده، لا يمكننا أن نعيش بدون الخبز أيضا، وهو ما يعنى أن هناك مكانا هاما للخبز فى حياتنا، وكذلك لمثل هذه المعجزة فى منظومة الإيمان العيسوى، وهو ما سنراه بعد ذلك حين يقوم عليه السلام بمعجزات طعاميّة وشرابيّة كما قلنا. ثم ما الفرق بين هذه المعجزة ومعجزات الشفاء من البَرَص والخَرَس والعَمَى والمسّ والنزيف والشلل والحُمَّى؟ إنها أيضا يصدق عليها ما يصدق على معجزة الخبز فى أنها أيضا ليس مما يحيا بها وحدها الإنسان. فما العمل إذن؟ إنها مشكلة دون شك!
كما أن قوله عليه السلام للشيطان ردا على طلبه منه السجود له: "للربّ إلهِكَ تَسجُدُ، وإيّاهُ وحدَهُ تَعبُدُ" لا يعنى إلا شيئا واحدا لا غير، ألا وهو أن العلاقة بين عيسى والله سبحانه وتعالى هى علاقة الألوهية بالعبودية لا علاقة الأبوة بالبنوة أبدا، وإلا فلا معنى لشىء اسمه اللغة. فلنفضَّها سيرةً ولْنُلْغِ اللغة فنريح ونستريح! ونتابع فنقرأ: "أخذَهُ إبليسُ إلى المدينةِ المُقَدَّسَةِ، فأوْقَفَهُ على شُرفَةِ الهَيكل 6وقالَ لَه: "إنْ كُنتَ اَبنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إلى الأسفَلِ، لأنَّ الكِتابَ يقولُ: يُوصي ملائِكَتَهُ بكَ، فيَحمِلونَكَ على أيديهِم لئلاَّ تَصدِمَ رِجلُكَ بِحجرٍ".7فأجابَهُ يَسوعُ: "يقولُ الكِتابُ أيضًا: لا تُجرَّبِ الرَّبَّ إلهَكَ". وهنا كذلك يقر المسيح عليه السلام أن العلاقة بينه وبين الله هى علاقة العبد بإلهه، لا جدال فى ذلك!
لكن ثمة مشكلة كبيرة لا حل لها، ألا وهى قول القصة إن إبليس أخذ المسيح وأوقفه على شرفة الهيكل... إلخ، إذ هاهنا يثور فى التوّ سؤال يحتاج لجواب عاجل: أين كان الناس يا ترى، والمسيح يعتلى شرفة الهيكل ويدور بينه وبين إبليس ذلك الحوار المُسَلِّى؟ من المؤكد أنه كان سيكون منظرا مثيرا يخفف من جهامة الواقع اليومى الكئيب آنذاك حيث لم يكن هناك تلفاز ولا مذياع ولا دور خيالة ولا كاتوب ولا... ولا...، فكيف لم نسمع بأن الناس قد اجتمعوا يشاهدون هذا المنظر الفريد، منظر إبليس (وهل كلَّ يوم يرى الناس إبليس؟) وهو يحاول إغراء المسيح بالقفز فى الهواء كالرَّجُل العنكبوت؟ لا شك أنها كانت ستكون نمرة ساحرة من نمر السيرك الإبليسى تساوى أن يقطع الناس لها تذكرة بالشىء الفلانى! ثم كيف يا ترى أخذه إبليس من فوق قمة الجبل إلى هناك؟ أساقه أمامه ماشيا على قدميه أم أخذه على جناحه أم قذفه فى الهواء فانتقل فى غمضة عين من الجبل إلى شرفة الهيكل أم ماذا؟ وأين كان الناس طوال كل ذلك الوقت؟ وقبل ذلك كله ما الذى كان يجبر المسيح على طاعة الشيطان طوال تلك الفترة ويصبر على قلة أدبه معه إلى هذا الحد؟ إن القصة تريد أن تقول إنه، لعنه الله، لم تكن له على عيسى عليه السلام أية سلطة. آمَنّا وصَدَّقْنا! لكن ألا يقول المنطق إنه كان ينبغى أن يشخط فيه عيسى منذ أول لحظة شخطة عنترية تجعل رُكَبه تسيب ويتبول على نفسه، ومن ثم لا يعطيه فرصة للتساخف كما يتساخف أوغاد المهجر ويُقِلّون أدبهم على سيد الأنبياء، بل يسكعه قلمين على صُدْغه تعيد له رشده المفقود وتجعله يمشى على العجين فلا يلخبطه؟ أظن أن هذا هو ما كان ينبغى أن يكون، فما رأيكم أنتم أيها القراء الأعزاء؟(/16)
وإذا كان المسيح هو ابن الله، والملائكة فى خدمته بهذا الاعتبار، فلماذا لم يهتم بإنقاذ يحيى عليه السلام من المصير السئ الذى انتهى إليه، أو على الأقل بإعادته للحياة كرة أخرى كما فعل مع ناس آخرين؟ أيكون يحيى أرخص عنده من فلان وعلان وترتان ممن رَدَّ فيهم الروحَ بعد أن كانوا قد فارقوا الحياة؟ لكننا ننظر فنجده عليه السلام، حسبما كتب مؤلف الإنجيل، ما إن يتم القبض على يحيى حتى يتحول للجليل وكأن شيئا لم يكن. وحين وُضِع يحيى فى السجن لم يهتم المسيح به، اللهم إلا عندما جاءه تلاميذ يحيى وسألوه عن بعض الأمور وانصرفوا، فعندئذ أثنى المسيح عليه وعلى إيمانه، ثم لا شىء آخر البتة: "2وسمِعَ يوحنّا وهوَ في السَّجنِ بأَعمالِ المَسيحِ، فأرسَلَ إلَيهِ بَعضَ تلاميذِهِ 3ليقولوا لَهُ: "هلْ أنتَ هوَ الَّذي يَجيءُ، أو نَنتظرُ آخَرَ؟" 4فأجابَهُم يَسوعُ: "اَرْجِعوا وأخْبِروا يوحنّا بِما تَسمَعونَ وتَرَوْنَ: 5العميانُ يُبصرونَ، والعُرجُ يمشونَ، والبُرصُ يُطهَّرونَ، والصمٌّ يَسمَعونَ، والمَوتى يَقومونَ، والمَساكينُ يَتلقَّونَ البِشارةَ. 6وهنيئًا لمن لا يفقُدُ إيمانَهُ بي".7فلمّا اَنصَرَفَ تلاميذُ يوحنّا، تَحدَّثَ يَسوعُ لِلجُموعِ عَنْ يوحنّا فقالَ: "ماذا خَرَجتُم إلى البرَّيَّةِ تَنظُرونَ؟ أقَصَبةً تَهُزٌّها الرَّيحُ؟ 8بلْ ماذا خَرَجتُم ترَوْنَ؟ أرَجُلاً يلبَسُ الثَّيابَ النّاعِمَةَ؟ والَّذينَ يَلبَسونَ الثَّيابَ النّاعِمَةَ هُمْ في قُصورِ المُلوكِ! 9قولوا لي: ماذا خَرَجتُم تَنظُرونَ؟ أنبيُا؟ أقولُ لكُم: نعَم، بلْ أفضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. 10فهوَ الَّذي يقولُ فيهِ الكِتابُ: أنا أُرسِلُ رَسولي قُدّامَكَ، ليُهيَّئَ الطَّريقَ أمامَكَ. 11الحقَّ أقولُ لكُم: ما ظهَرَ في النّاسِ أعظمُ مِنْ يوحنّا المَعمدانِ، ولكِنَّ أصغَرَ الَّذينَ في مَلكوتِ السَّماواتِ أعظمُ مِنهُ. 12فَمِنْ أيّامِ يوحنّا المَعمدانِ إلى اليومِ، والنَّاسُ يَبذُلونَ جَهدَهُم لِدُخولِ مَلكوتِ السَّماواتِ، والمُجاهِدونَ يَدخُلونَهُ. 13فإلى أنْ جاءَ يوحنّا كانَ هُناكَ نُبوءاتُ الأنبياءِ وشَريعَةُ موسى. 14فإذا شِئتُم أنْ تُصَدَّقوا، فاَعلَموا أنَّ يوحنّا هوَ إيليّا المُنتَظرُ. 15مَنْ كانَ لَه أُذُنانِ، فَلْيَسمَعْ!".
وهو ما سوف يتكرر عندما يُقْتَل عليه السلام: "3وكانَ هيرودُسُ أمسَكَ يوحنّا وقَيَّدَهُ وسَجَنَهُ مِنْ أجلِ هيرودِيَّةَ اَمرأةِ أخيهِ فيلبٌّسَ، 4لأنَّ يوحنّا كانَ يقولُ لَه: "لا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَتَزوَّجَها". 5وأرادَ أنْ يَقتُلَهُ، فخافَ مِنَ الشَّعبِ لأنَّهُم كانوا يَعدٌّونَهُ نَبيُا. 6ولمّا أقامَ هيرودُسُ ذِكرى مَولِدِهِ، رقَصَتِ اَبنَةُ هيرودِيَّةَ في الحَفلةِ، فأعجَبَتْ هيرودُسَ، 7فأقسَمَ لها أنْ يُعطِيَها ما تَشاءُ. 8فلقَّنَتْها أمٌّها، فقالَت لِهيرودُسَ: "أعطِني هُنا على طَبَقٍ رَأسَ يوحنّا المَعمدانِ!" 9فحَزِنَ المَلِكُ، ولكنَّهُ أمَرَ بإعطائِها ما تُريدُ، مِنْ أجلِ اليَمينِ التي حَلَفَها على مسامِعِ الحاضرينَ. 10وأرسَلَ جُنديُا، فقَطَعَ رأسَ يوحنَّا في السَّجن 11وجاءَ بِه على طبَقٍ. وسلَّمَهُ إلى الفتاةِ، فحَمَلْتهُ إلى أُمَّها. 12وجاءَ تلاميذُ يوحنّا، فحَمَلوا الجُثَّةَ ودَفَنوها، ثُمَّ ذَهَبوا وأخبَروا يَسوعَ. 13فلمّا سَمِعَ يَسوعُ، خرَجَ مِنْ هُناكَ في قارِبٍ إلى مكانٍ مُقْفِرٍ يَعتَزِلُ فيهِ. وعرَفَ النّاسُ، فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ مَشيًا على الأقدامِ. 14فلمّا نزَلَ مِنَ القاربِ رأى جُموعًا كبيرةً، فأشفَقَ علَيهِم وشفَى مَرضاهُم. 15وفي المساءِ، دَنا مِنهُ تلاميذُهُ وقالوا: "فاتَ الوقتُ، وهذا المكانُ مُقفِرٌ، فقُلْ لِلنّاسِ أنْ يَنصرِفوا إلى القُرى لِيشتَروا لهُم طعامًا". 16فأجابَهُم يَسوعُ: "لا داعيَ لاَنصرافِهِم. أعطوهُم أنتُم ما يأكلونَ". 17فقالوا لَه: "ما عِندَنا هُنا غيرُ خَمسةِ أرغِفةٍ وسَمكتَينِ".18فقالَ يَسوعُ: "هاتوا ما عندَكُم". 19ثُمَّ أمَرَ الجُموعَ أنْ يَقعُدوا على العُشبِ، وأخَذَ الأرغِفَةَ" (متى/ 14)! أين الرحمة؟ أين عاطفة القرابة؟ إنه لم يذرف عليه دمعة واحدة وكأنه لم يكن هناك شخص اسمه يحيى تربطه به قرابةٌ وثيقةٌ أسريةٌ وروحيةٌ كما لم يكن بينه وبين أى شخص آخر: "وسَمِعَ يَسوعُ باَعتِقالِ يوحنّا، فرجَعَ إلى الجليلِ".(/17)
أولو كان المسيح ابن الله على الحقيقة أكان يمكن أن يتصرف هكذا أمام تلك المأساة الدموية التى كانت كفيلة بتحريك قلب الحجر، وكأنه عليه السلام بلا قلب؟ إن هذا لو وقع من بشر يستطيع أن يبادر لإنقاذ يحيى ثم لم يفعل لكانت سبة الدهر وفضيحة الأبد، فما بالنا بابن الله؟ أيعقل أن يهتم بتوفير الطعام لبعض الناس ولا يهتم بإنقاذ قريبه هذا الذى كان نبيا مثله والذى بشر به ومهد له الطريق وعمّده ليكمل بِرّه؟ ولنلاحظ أن المعجزات التى عملها هنا إنما هى المعجزات التى رفض عملها من قبل بالحجة التى ذكرناها ووجدنا أنها ليست بحجة على الإطلاق! إن هذا وغيره من الأسباب لدليل على أن فى الأمر خللا، ونحن نستبعد أن يكون المسيح على ذلك النحو من تبلد الإحساس وموتان القلب واللامبالاة بموت قريبه وصديقه وصاحب الفضل عليه فى المعمودية ورصيفه بل رائده فى النبوة، ونقول إنه بالأحرى العبث بالإنجيل. إن الإنجيل الذى نؤمن نحن المسلمين به والذى يغالط المبشرون الكذابون فيحاولون أن يوهموا الأغرار منا قائلين لهم إن المسلم لا يكمل إيمانه إلا بالإيمان بالأناجيل الحالية، هذا الإنجيل لا علاقة له بالأناجيل التى بين أيدينا الآن. إن الأناجيل التى بين أيدينا شىء، والإنجيل الذى نزل على عيسى عليه السلام شىء آخر. الإنجيل السماوى ضاع، وإن كنا نرجّح أن يكون قد بَقِىَ منه بعض العبارات التى تُنْسَب للمسيح فى الأناجيل الحالية، أما ما نقرؤه الآن فهو مجموعة من السِّيَر العيسوية تشبه السِّيَر النبوية لدينا، وإن لم تقم على نفس الأساس الذى تقوم عليه سِيَر الرسول عليه الصلاة والسلام من الرغبة على الأقل فى التمحيص وإعلان أسماء الرواة حتى يكون لدى من يهمه الأمر الفرصة للتحقق بنفسه من مدى مصداقية هذه الروايات؟ وكيلا يمارى القوم مراءهم المشهور فيقولوا إنه لم يكن هناك إلا هذه الأناجيل التى بين أيدينا أنبه القراء إلى قول الكاتب ذاته لا قولى أنا: "وكانَ يَسوعُ يَسيرُ في أنحاءِ الجليلِ، يُعلَّمُ في المجامعِ ويُعلِنُ إنجيلَ المَلكوتِ". فأين ذلك الإنجيل الذى كان يعلنه عيسى عليه السلام ويعلمه للناس؟ اللهم إلا إذا قيل: لقد أكلته القطة!
الفصل الخامس:
"الموعظة على الجبل
فلمّا رأى يَسوعُ الجُموعَ صَعِدَ إلى الجبَلِ وجلَسَ. فَدنا إلَيهِ تلاميذُهُ، 2فأخَذَ يُعلَّمُهُم قالَ: "3هنيئًا للمساكينِ في الرٌّوحِ، لأنَّ لهُم مَلكوتَ السَّماواتِ. 4هنيئًا للمَحزونينَ، لأنَّهُم يُعزَّونَ. 5هنيئًا للوُدَعاءِ، لأنَّهُم يَرِثونَ الأرضَ. 6هنيئًا للجِياعِ والعِطاشِ إلى الحقَّ، لأنَّهُم يُشبَعونَ. 7هنيئًا للرُحَماءِ، لأنَّهُم يُرحمونَ. 8هنيئًا لأنقياءِ القُلوبِ، لأنَّهُم يُشاهِدونَ الله. 9هنيئًا لِصانِعي السَّلامِ، لأنَّهُم أبناءَ الله يُدْعَونَ. 10هنيئًا للمُضطَهَدينَ مِنْ أجلِ الحقَّ، لأنَّ لهُم مَلكوتَ السَّماواتِ. 11هنيئًا لكُم إذا عَيَّروكُم واَضطَهَدوكُم وقالوا علَيكُمْ كَذِبًا كُلَ كَلِمةِ سوءٍ مِنْ أجلي. 12اَفرَحوا واَبتَهِجوا، لأنَّ أَجرَكُم في السَّماواتِ عظيمٌ. هكذا اَضطَهَدوا الأنبياءَ قبلَكُم.
الملح والنور.
13"أنتُم مِلحُ الأرضِ، فإذا فسَدَ المِلحُ، فَماذا يُمَلَّحُهُ؟ لا يَصلُحُ إلاَّ لأَنْ يُرمَى في الخارِجِ فيدوسَهُ النَّاسُ.
14أنتُم نورُ العالَمِ. لا تَخفَى مدينةٌ على جبَلٍ، 15ولا يُوقَدُ سِراجٌ ويوضَعُ تَحتَ المِكيالِ، ولكِنْ على مكانٍ مُرتَفِعِ حتَّى يُضيءَ لِجميعِ الَّذينَ هُمْ في البَيتِ. 16فلْيُضِىءْ نورُكُم هكذا قُدّامَ النّاسِ ليُشاهِدوا أعمالَكُمُ الصّالِحةَ ويُمَجَّدوا أباكُمُ الذي في السَّماواتِ.
الشريعة.
17"لا تَظُنّوا أنّي جِئتُ لأُبطِلَ الشَّريعَةَ وتَعاليمَ الأنبياءِ: ما جِئتُ لأُبطِلَ، بل لأُكمَّلَ. 18الحقَّ أقولُ لكُم: إلى أنْ تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ حتى يتِمَّ كُلُّ شيءٍ. 19فمَنْ خالفَ وَصيَّةً مِنْ أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعلَّمَ النَّاسَ أنْ يَعمَلوا مِثلَهُ، عُدَّ صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. وأمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وعَلَّمَها، فهوَ يُعَدٌّ عظيمًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. 20أقولُ لكُم: إنْ كانَت تَقواكُم لا تَفوقُ تَقْوى مُعَلَّمي الشريعةِ والفَرَّيسيَّينَ، لن تَدخُلوا مَلكوتَ السَّماواتِ.
الغضب.
21"سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ لآبائِكُم: لا تَقتُلْ، فمَنْ يَقتُلْ يَسْتَوْجِبْ حُكْمَ القاضي. 22أمّا أنا فأقولُ لكُم: مَنْ غَضِبَ على أخيهِ اَستَوجَبَ حُكمَ القاضي، ومَنْ قالَ لأخيهِ: يا جاهلُ اَستوجبَ حُكمَ المجلِسِ، ومَنْ قالَ لَه: يا أحمقُ اَستوجَبَ نارَ جَهَنَّمَ.(/18)
23وإذا كُنتَ تُقَدَّمُ قُربانَكَ إلى المَذبَحِ وتذكَّرتَ هُناكَ أنَّ لأخيكَ شيئًا عليكَ، 24فاَترُكْ قُربانَكَ عِندَ المَذبَحِ هُناكَ، واَذهَبْ أوَّلاً وصالِحْ أخاكَ، ثُمَّ تَعالَ وقَدَّم قُربانَكَ.25وإذا خاصَمَكَ أحَدٌ، فسارِعْ إلى إرْضائِهِ ما دُمْتَ معَهُ في الطَّريقِ، لِئلاّ يُسَلَّمَك الخَصمُ إلى القاضي، والقاضي إلى الشٌّرطي، فَتُلقى في السَّجنِ. 26الحقَّ أقولُ لكَ: لن تخرُجَ مِنْ هُناكَ حتَّى تُوفيَ آخِرَ دِرهَمِ.
الزنى.
27"وسمِعتُمْ أنَّهُ قيلَ: لا تَزنِ. 28أمَّا أنا فأقولُ لكُم: مَنْ نظَرَ إلى اَمرأةٍ لِيَشتَهيَها، زَنى بِها في قلبِهِ. 29فإذا جَعَلَتْكَ عَينُك اليُمنَى تَخْطَأ، فاَقلَعْها وألْقِها عَنكَ، لأنَّهُ خَيرٌ لكَ أنْ تَفقِدَ عُضوًا مِنْ أعضائِكَ ولا يُلقَى جَسدُكَ كُلٌّهُ في جَهَنَّمَ. 30وإذا جَعَلَتْكَ يدُكَ اليُمنَى تَخطأُ، فاَقطَعْها وألْقِها عنكَ، لأنَّهُ خَيرٌ لكَ أنْ تَفقِدَ عُضوًا مِنْ أعضائِكَ ولا يذهَبُ جسَدُكَ كُلٌّه إلى جَهَنَّمَ.
الطلاق.
31"وقِيلَ أيضًا: مَنْ طَلَّقَ اَمرأتَهُ، فلْيُعطِها كِتابَ طَلاقٍ. 32أمّا أنا فأقولُ لكُم: مَنْ طلَّقَ اَمرأتَهُ إلاَّ في حالَةِ الزَّنَى يجعلُها تَزْني، ومَنْ تَزوَّجَ مُطلَّقةً زنَى.
حلف اليمين.
33"وسَمِعْتُمْ أنَّهُ قيلَ لآبائِكُم: لا تحلِفْ، بل أَوفِ للرَّبَّ نُذورَكَ. 34أمَّا أنا فأقولُ لكُم: لا تَحلِفوا مُطلَقًا، لا بالسَّماءِ لأنَّها عرشُ الله، 35ولا بالأرضِ لأنَّها مَوطِىءُ قدَمَيْهِ، ولا بأُورُشليمَ لأنَّها مدينةُ المَلِكِ العظيمِ. 36ولا تحلِفْ برَأْسِكَ، لأنَّكَ لا تَقدِرُ أنْ تَجعلَ شَعْرةً واحدةً مِنهُ بيضاءَ أو سوداءَ. 37فليكُنْ كلامُكُم: "نَعَمْ" أو "لا"، وما زادَ على ذلِكَ فهوَ مِنَ الشَّرَّيرِ.
الانتقام.
38"سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: عَينٌ بِعَينٍ وسِنٌّ بسِنٍّ. 39أمّا أنا فأقولُ لكُم: لا تُقاوِموا مَنْ يُسيءُ إلَيكُم. مَنْ لطَمَكَ على خَدَّكَ الأيْمنِ، فحَوِّلْ لَه الآخَرَ. 40ومَنْ أرادَ أنْ يُخاصِمَكَ ليأخُذَ ثَوبَكَ، فاَتْرُكْ لَه رِداءَكَ أيضًا. 41ومَنْ سَخَّرَكَ أنْ تَمشيَ معَهُ مِيلا واحدًا، فاَمشِ معَهُ مِيلَيْن. 42مَنْ طَلَبَ مِنكَ شيئًا فأَعطهِ، ومَنْ أرادَ أَنْ يَستعيرَ مِنكَ شيئًا فلا ترُدَّهُ خائِبًا.
محبة الأعداء.
43"سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ: أحِبَّ قريبَكَ وأبغِضْ عَدُوَّكَ. 44أمّا أنا فأقولُ لكُم: أحِبّوا أَعداءَكُم، وصَلّوا لأجلِ الَّذينَ يضْطَهِدونكُم، 45فتكونوا أبناءَ أبيكُمُ الَّذي في السَّماواتِ. فهوَ يُطلِعُ شَمْسَهُ على الأشرارِ والصّالحينَ، ويُمطِرُ على الأبرارِ والظّالمينَ. 46فإنْ كُنتُم تُحِبّونَ الَّذينَ يُحبّونكُم، فأيٌّ أجرٍ لكم؟ أما يعمَلُ جُباةُ الضّرائِب هذا؟ 47وإنْ كنتُم لا تُسلَّمونَ إلاّ على إخوَتِكُم، فماذا عمِلتُم أكثرَ مِنْ غَيرِكُم؟ أما يعمَلُ الوَثَنيّونَ هذا؟ 48فكونوا أنتُم كاملينَ، كما أنَّ أباكُمُ السَّماويَّ كامِلٌ".(/19)
لا شك على الإطلاق فى حلاوة الكلام تحت العنوان الأول والثانى وعظمته، وهو جدير فعلا بأن يكون صادرا عن السيد المسيح، إن لم يكن بالفعل فبالقوة والشَّبَه. كما أرجو أن يتنبه القارئ لتكرار الإشارة فى كلام السيد المسيح عليه السلام إلى الأنبياء، بما يدل على أننا هنا بإزاء واحد منهم: نبى من أنبياء الله لا ابن من أبنائه! تعالى الله عن ذلك الشرك! لكن الوضع يختلف مع بدء الكلام عن الشريعة. لماذا؟ لأن كاتب السِّفْر (منه لله!) ينسب للسيد المسيح عليه السلام كلاما، ليجعله عقب ذلك أول ناقض له. خذ مثلا قوله: "لا تَظُنّوا أنّي جِئتُ لأُبطِلَ الشَّريعَةَ وتَعاليمَ الأنبياءِ: ما جِئتُ لأُبطِلَ، بل لأُكمَّلَ. 18الحقَّ أقولُ لكُم: إلى أنْ تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ حتى يتِمَّ كُلُّ شيءٍ. 19فمَنْ خالفَ وَصيَّةً مِنْ أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعلَّمَ النَّاسَ أنْ يَعمَلوا مِثلَهُ، عُدَّ صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. وأمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وعَلَّمَها، فهوَ يُعَدٌّ عظيمًا في مَلكوتِ السَّماواتِ". فمن يقرأ هذا الكلام سوف يتوهم أنه عليه السلام لم يغير شيئا أى شىء فى الشريعة التى جاء بها موسى، لكنه ما إن يمضى فى القراءة بضع كلمات حتى تتبين له الحقيقة المرة: "سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ لآبائِكُم: لا تَقتُلْ، فمَنْ يَقتُلْ يَسْتَوْجِبْ حُكْمَ القاضي. 22أمّا أنا فأقولُ لكُم: مَنْ غَضِبَ على أخيهِ اَستَوجَبَ حُكمَ القاضي، ومَنْ قالَ لأخيهِ: يا جاهلُ اَستوجبَ حُكمَ المجلِسِ، ومَنْ قالَ لَه: يا أحمقُ اَستوجَبَ نارَ جَهَنَّمَ... وسمِعتُمْ أنَّهُ قيلَ: لا تَزنِ. 28أمَّ? أنا فأقولُ لكُم: مَنْ نظَرَ إلى اَمرأةٍ لِيَشتَهيَها، زَنى بِها في قلبِهِ. 29فإذا جَعَلَتْكَ عَينُك اليُمنَى تَخْطَأ، فاَقلَعْها وألْقِها عَنكَ، لأنَّهُ خَيرٌ لكَ أنْ تَفقِدَ عُضوًا مِنْ أعضائِكَ ولا يُلقَى جَسدُكَ كُلٌّهُ في جَهَنَّمَ. وقِيلَ أيضًا: مَنْ طَلَّقَ اَمرأتَهُ، فلْيُعطِها كِتابَ طَلاقٍ. 32أمّا أنا فأقولُ لكُم: مَنْ طلَّقَ اَمرأتَهُ إلاَّ في حالَةِ الزَّنَى يجعلُها تَزْني، ومَنْ تَزوَّجَ مُطلَّقةً زنَى. وسَمِعْتُمْ أنَّهُ قيلَ لآبائِكُم: لا تحلِفْ، بل أَوفِ للرَّبَّ نُذورَكَ. 34أمَّا أنا فأقولُ لكُم: لا تَحلِفوا مُطلَقًا، لا بالسَّماءِ لأنَّها عرشُ الله، 35ولا بالأرضِ لأنَّها مَوطِىءُ قدَمَيْهِ، ولا بأُورُشليمَ لأنَّها مدينةُ المَلِكِ العظيمِ. 36ولا تحلِفْ برَأْسِكَ، لأنَّكَ لا تَقدِرُ أنْ تَجعلَ شَعْرةً واحدةً مِنهُ بيضاءَ أو سوداءَ. 37فليكُنْ كلامُكُم: "نَعَمْ" أو "لا"، وما زادَ على ذلِكَ فهوَ مِنَ الشَّرَّيرِ. سَمِعْتُمْ أنَّهُ قِيلَ: عَينٌ بِعَينٍ وسِنٌّ بسِنٍّ. 39أمّا أنا فأقولُ لكُم: لا تُقاوِموا مَنْ يُسيءُ إلَيكُم. مَنْ لطَمَكَ على خَدَّكَ الأيْمنِ، فحَوِّلْ لَه الآخَرَ".
والآن أليس هذا هو نقض الشريعة بقضه وقضيضه؟ أليس قد قال عليه السلام شيئا ثم عمل عكسه تماما؟ أما نحن المسلمين فنبرئ المسيح من مثل هذا السلوك، إذ لا يعقل أن يقول نبى من أنبياء الله الكرام شيئا ويكون هو أول من ينقضه! وهذا هو النسخ، الذى يأخذه أوغاد المهجر على الإسلام، لكن نسخ الإسلام هو نسخ التدرج، أما هنا فالنسخ يتخذ صورة الهدم والمحو الفجائى دون تمهيد ولا تنبيه، كما أنه يتسم بالكذب والخداع، أو بالهوائية على الأقل! ومن النسخ فى الأناجيل أيضا أن السيد المسيح يرفض فى البداية شفاء ابنة الكنعانية لأنها ليست من بنى إسرائيل، وهو إنما أُرْسِل لهم وحدهم لا إلى الكنعانيين ولا غير الكنعانيين، ثم سرعان ما رأيناه يستجيب بعد أخذ ورد وإلحاح وتذلل مهين من المرأة فيشفى لها ابنتها ناعتا إياها بقوة الإيمان. ثم جاء بولس فأجهز على القليل الباقى فلم يعد للشريعة بعدها من أثر، ومع ذلك يظلون يرددون فى سماجة لا نظير لها أن الإسلام هو وحده الدين الذى يقوم على الناسخ والمنسوخ، وأنه عيب لا يليق بدين من الأديان السماوية. اللهم إلا إذا كان قصدهم أن دينهم، لكونه ليس من لدن رب العالمين، فإنه لا يعيبه أن يكون فيه ناسخ ومنسوخ، ولا أن يكون الناسخ والمنسوخ فيه قائما على الكذب والهوائية! أما إذا كان الأمر هو ذاك فليس لدىّ حينئذ أدنى اعتراض، لأن هذا هو رأيى فعلا!(/20)
كذلك لست أظن إلا أن القارئ قد لاحظ باستغرابٍ الوصايا المثالية المتشنجة التى تضمنتها تلك الموعظة والتى لا تناسب الحياة البشرية على الإطلاق، إذ إننا لا نعيش فى مجتمع من مجتمعات الملائكة رغم تطلعنا إلى الكمال والسكينة والعدل والتراحم والتسامح، بل فى مجتمع بشرى تحركه الغرائز والشهوات، وتتحكم فى تصرفات أفراده ألوان من الضعف والعجز والخوف والشك والقلق والتطلع والطمع... إلخ، وهو ما لا يناسبه بحالٍ تلك النبرة المتشنجة التى لا يمكن أحدا الوفاء بها ولا المسيح نفسه: فهو مثلا قد نهى عن شتم الآخرين ولو بكلمة "يا أحمق" وجعل عقابها عند الله كبيرا، ومع ذلك فما أكثر المرات التى كال فيها عليه السلام السباب لليهود من فريسيين وصدوقيين وكهنة، وكذلك لتلاميذه الحواريين، وأَسْمَعَ المدنَ التى لم تُصِخْ له قارص القول: "20وأخَذَ يَسوعُ يُؤَنَّبُ المُدُنَ التي أجرى فيها أكثرَ مُعجزاتِهِ وما تابَ أهلُها، 21فقالَ: "الويلُ لكِ يا كورَزينَ! الويلُ لكِ يا بيتَ صيدا! فلو كانتِ المُعجزاتُ التي جرَتْ فيكما جرَتْ في صورَ وصيدا، لتابَ أهلُها من زمنٍ بعيدٍ ولبِسوا المسوحَ وقعَدوا على الرمادِ. 22لكنّي أقولُ لكم: سيكونُ مصيرُ صورَ وصيدا يومَ الحِسابِ أكثرَ اَحتمالاً من مصيرِكُما. 23وأنتِ يا كَفْرَ ناحومُ! أتَرتَفعينَ إلى السَّماءِ؟ لا، إلى الجَحيمِ سَتهبُطينَ. فَلو جرَى في سَدومَ ما جرَى فيكِ مِنَ المُعجِزاتِ، لبَقِيَتْ إلى اليومِ. 24لكنّي أقولُ لكُم: سيكونُ مصيرُ سدومَ يومَ الحِسابِ أكثرَ اَحتِمالاً مِنْ مَصيرِكِ" (متى/ 11). وإن الإنسان ليتساءل: أهذا هو عيسى الذى تُضْرَب به الأمثال فى الوداعة والطيبة وحب السلام؟ فما بالنا لو عرفنا بم رد على أحدهم حين أخبره أن أمه وإخوته يريدون أن يَرَوْه بالخارج؟ وما الذى قاله فى تلك الأم وأولئك الإخوة؟ أو لو عرفنا ما الذى قاله عندما ظن الناس أنه قد أتى بدعوة السلم والسكينة فأكد لهم أنه لم يأت ليلقى سلاما على الأرض بل نارا وسيفا، وأنه إنما جاء ليفرّق بين أفراد الأسرة الواحدة ويبث بينهم العداوة والبغضاء؟ لا ليس هذا هو عيسى الذى عمل القوم على تسويقه رغم أن الصورة التى ترسمها له أناجيلهم المؤلفة تختلف عن ذلك اختلافا بعيدا لا يمكن معه التوفيق بين الأصل والصورة!
الفصل السادس:
الصدقة
"إيَّاكُمْ أنْ تعمَلوا الخَيرَ أمامَ النَّاسِ ليُشاهِدوكُم، وإلاَّ فلا أجرَ لكُم عِندَ أبيكُمُ الَّذي في السَّماواتِ.
2فإذا أحسَنْتَ إلى أحدٍ، فلا تُطَبَّلْ ولا تُزمَّرْ مِثلَما يَعمَلُ المُراؤونَ في المجامعِ والشوارعِ حتى يَمدَحَهُمُ النَّاسُ. الحقَّ أقولُ لكُم: هؤلاءِ أخَذوا أجرَهُم. 3أمَّا أنتَ، فإذا أحسنتَ إلى أحدٍ فلا تَجْعَلْ شِمالَكَ تَعرِفُ ما تعمَلُ يمينُكَ، 4حتى يكونَ إحسانُكَ في الخِفْيَةِ، وأبوكَ الذي يرى في الخِفيَةِ هوَ يُكافِئُكَ.
الصلاة والصوم.
5"وإذا صَلَّيتُمْ، فلا تكونوا مِثلَ المُرائينَ، يُحِبٌّونَ الصَّلاةَ قائِمينَ في المَجامِعِ ومَفارِقِ الطٌّرُقِ ليُشاهِدَهُمُ النَّاسُ. الحقَّ أقولُ لكُم: هؤُلاءِ أخذوا أجرَهُم. 6أمَّا أنتَ، فإذا صَلَّيتَ فاَدخُلْ غُرفَتَكَ وأغلِقْ بابَها وصَلٌ لأبيكَ الَّذي لا تَراهُ عَينٌ، وأبوكَ الَّذي يَرى في الخِفْيَةِ هوَ يُكافِئُكَ.
7ولا تُرَدَّدوا الكلامَ تَردادًا في صَلواتِكُم مِثْلَ الوَثنيّينَ، يَظُنٌّونَ أنَّ الله يَستَجيبُ لهُم لِكَثرةِ كلامِهِم. 8لا تكونوا مِثلَهُم، لأنَّ الله أباكُم يَعرِفُ ما تَحتاجونَ إلَيهِ قَبلَ أنْ تسألوهُ. 9فصلّوا أنتُم هذِهِ الصَّلاةَ: أبانا الَّذي في السَّماواتِ، ليتَقدَّسِ اَسمُكَ 10ليأتِ مَلكوتُكَ لتكُنْ مشيئتُكَ في الأرضِ كما في السَّماءِ. 11أعطِنا خُبزَنا اليَوميَّ، 12واَغفِرْ لنا ذُنوبَنا كما غَفَرنا نَحنُ لِلمُذنِبينَ إلَينا، 13ولا تُدخِلْنا في التَّجرِبَةِ، لكنْ نجَّنا مِنَ الشَّرَّيرِ. 14فإنْ كُنتُم تَغفِرونَ لِلنّاسِ زَلاّتِهِم، يَغفِرْ لكُم أبوكُمُ السَّماويٌّ زلاّتِكُم. 15وإنْ كُنتُم لا تَغفِرونَ لِلنّاسِ زلاّتِهِم، لا يَغفِرُ لكُم أبوكُمُ السَّماويٌّ زلاّتِكُم.
16وإذا صُمْتمُ، فلا تكونوا عابِسينَ مِثلَ المُرائينَ، يَجعلونَ وجوهَهُم كالِحَةً ليُظهِروا لِلنّاسِ أنَّهُم صائِمونَ. الحقَ أقولُ لكُم: هؤُلاءِ أخذوا أجرَهُم. 17أمّا أنتَ، فإذا صُمتَ فاَغسِلْ وجهَكَ واَدهَنْ شَعرَكَ، 18حتَّى لا يَظهَرَ لِلنّاسِ أنَّكَ صائِمٌ، بل لأبيكَ الَّذي لا تَراهُ عَينٌ، وأبوكَ الَّذي يَرى في الخِفْيَةِ هوَ يُكافِئُكَ.
الغنى.(/21)
19"لا تَجمَعوا لكُمْ كُنوزًا على الأرضِ، حَيثُ يُفسِدُ السٌّوسُ والصَّدَأُ كُلَ شيءٍ، وينقُبُ اللٌّصوصُ ويَسرِقونَ. 20بلِ اَجمَعوا لكُم كُنوزًا في السَّماءِ، حَيثُ لا يُفْسِدُ السٌّوسُ والصَّدأُ أيَّ شيءٍ، ولا ينقُبُ اللٌّصوصُ ولا يَسرِقونَ. 21فحَيثُ يكونُ كَنزُكَ يكونُ قَلبُكَ.
نور الجسد.
22"سِراجُ الجسدِ هوَ العَينُ. فإنْ كانَت عَينُكَ سَليمَةً، كانَ جسَدُكَ كُلٌّهُ مُنيرًا. 23وإنْ كانَت عَينُكَ مَريضَةً، كانَ جسَدُكَ كُلٌّهُ مُظلِمًا. فإذا كانَ النٌّورُ الَّذي فيكَ ظَلامًا، فيا لَه مِنْ ظلامِ!
الله والمال.
24"لا يَقدِرُ أحَدٌ أنْ يَخدُمَ سَيَّدَينِ، لأنَّهُ إمّا أنْ يُبغِضَ أحدَهُما ويُحبَّ الآخَرَ، وإمّا أنْ يَتبعَ أحدَهُما ويَنبُذَ الآخَرَ. فأنتُم لا تَقدِرونَ أنْ تخدُموا الله والمالَ.
25لذلِكَ أقولُ لكُم: لا يَهُمَّكُم لحياتِكُم ما تأكُلونَ وما تشرَبونَ، ولا لِلجسدِ ما تَلبَسونَ. أما الحَياةُ خَيرٌ مِنَ الطَّعامِ، والجسدُ خَيرٌ مِنَ اللَّباسِ? 26أنظُروا طُيورَ السَّماءِ كيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحْصُدُ ولا تَخزُنُ، وأبوكُمُ السَّماويٌّ يَرزُقُها. أما أنتُم أفضلُ مِنها كثيرًا؟ 27ومَنْ مِنكُمْ إذا اَهتَمَّ يَقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامَتِهِ ذِراعًا واحدةً؟
28ولِماذا يَهمٌّكُمُ اللَّباسُ؟ تأمَّلوا زَنابقَ الحَقلِ كيفَ تَنمو: لا تَغزِلُ ولا تَتعَبُ. 29أقولُ لكُم: ولا سُليمانُ في كُلٌ مَجدهِ لبِسَ مِثلَ واحدَةٍ مِنها. 30فإذا كانَ الله هكذا يُلبِسُ عُشبَ الحَقلِ، وهوَ يوجَدُ اليومَ ويُرمى غَدًا في التَّنّورِ، فكَمْ أنتُم أولى مِنهُ بأنْ يُلبِسَكُم، يا قليلي الإيمانِ؟ 31لذلِكَ لا تَهتمّوا فتقولوا: ماذا نأكُلُ؟ وماذا نشرَبُ؟ وماذا نَلبَسُ؟ 32فهذا يطلُبُه الوَثنيّونَ. وأبوكُمُ السَّماويٌّ يعرِفُ أنَّكُم تَحتاجونَ إلى هذا كُلَّهِ. 33فاَطلبوا أوَّلاً مَلكوتَ الله ومشيئَتَهُ، فيزيدَكُمُ الله هذا كُلَّه. 34لا يَهُمَّكُم أمرُ الغدِ، فالغدُ يَهتمٌّ بنفسِهِ. ولِكُلٌ يومِ مِنَ المتاعِبِ ما يكْفيهِ".
فأما الكلام عن الصدقة وأفضلية إخراجها خفيةً فكلام رائع لا يصدر إلا عن نفس نبيلة، وإن لم يمنع هذا من إخراج المال علانية إذا اقتضى المقام ذلك: كأن يريد المتصدق أن يَجُبّ الغِيبة عن نفسه حتى لا يظن الظانون أنه لا يخرج صدقة ماله، أو أن يريد تشجيع البخلاء والمترددين فيخرج الصدقة أمامهم فيقلدوه ويتشجعوا على عمل الخير... وهلم جرا. والعبرة فى كل حال بالنية والضمير، ومن هنا سمعنا المسيح عليه السلام يقول: "إيَّاكُمْ أنْ تعمَلوا الخَيرَ أمامَ النَّاسِ ليُشاهِدوكُم"، أما إذا لم تكن الرغبة فى لفت أنظار الناس فى الخاطر ولا النية فلا بأس بإظهار الصدقات، وإن كان الإخفاء أفضل بوجه عام. وما يصدق على الصدقة يصدق على الصلاة والصوم إذا كانت النية وراء تَيْنِك العبادتين هى المراءاة والسمعة، وإلا فهما عبادتان جماعيتان لا فضل لأحد على غيره فى أدائهما، اللهم إلا إذا تحولتا إلى تجارة وخداع. ولنلاحظ كيف أن المسيح، إذا كان هو قائل هذا الكلام فعلا، قد سمى الله فى كلامه لمن يخاطبهم بكلمة "أبوك/ أبوكم الذى فى السماوات"، وهو ما من شأنه أن يؤكد ما قلناه فيما مرّ من أن هذا التعبير وأمثاله إنما هو تعبير رمزى أو مجازى، ولا يمكن ولا يصح أن يؤخذ على حرفيته!(/22)
وأما قوله عن الغِنَى: "19لا تَجمَعوا لكُمْ كُنوزًا على الأرضِ، حَيثُ يُفسِدُ السٌّوسُ والصَّدَأُ كُلَ شيءٍ، وينقُبُ اللٌّصوصُ ويَسرِقونَ. 20بلِ اَجمَعوا لكُم كُنوزًا في السَّماءِ، حَيثُ لا يُفْسِدُ السٌّوسُ والصَّدأُ أيَّ شيءٍ، ولا ينقُبُ اللٌّصوصُ ولا يَسرِقونَ. 21فحَيثُ يكونُ كَنزُكَ يكونُ قَلبُكَ" فبحاجة إلى تعديل، إذ ليس المال ولا الغنى سيئا فى ذاته، بل فى الحالات التى يتحول فيها إلى سُعَارٍ وجَمْعٍ للثروات لا لشىء سوى الكنز لمجرد الكنز بحيث تفقد النفس إنسانيتها ونقاءها ولا تعود تشعر بالفقراء وذوى الحاجة الضعفاء ولا تعمل لهم حسابا، وإلا فالمال عصب مهم من أعصاب الحياة، ولولا هو ما استطاع الناس العيش ولا الحصول على حاجاتهم، إذ هو ترجمة لجهدهم وعملهم وكدّهم وتحويل لها إلى دراهم ودنانير. إن الحياة ومتعها هى نعمة من نعم الله سبحانه، ولا يعقل أن يدير العاقل ظهره لنعم الله، على الأقل لأن ذلك باب من أبواب الجلافة، ولا أظننى أغالى إذا قلت إنه قد يكون دليلا على قلة الإيمان. لقد خلق الله لنا أجسادا ونفوسا تتطلع وتتشهى، ولا عيب فى التطلع والتشهى فى نفسه، إنما العيب كل العيب فى الأنانية والتمركز حول الذات، وكذلك فى اللهفة والجزع والسخط إذا فات الشخصَ حظُّه من تلك المتع! ترى ما الإثم فى الطعام الطيب أو الشراب اللذيذ أو العطر الزكىّ أو الملبس الأنيق أو البيت الرحيب النظيف الجميل؟ أمن المعقول أن يكون حرص الإنسان على المأكل والمشرب الردىء والرائحة المنتنة والمسكن الضيق القبيح المنفّر والملبس الزَّرِىّ هو الدليل على صدق الإيمان والرغبة فى شكر الله؟ ترى ما يفعل الله بعذابنا إن شَكَرْنَا وآمنّا؟ ولمن خلق الله الدنيا وأطايبها ولذاتها إذا عملنا نحن على حرمان أنفسنا منها؟ المهم ألا تشغلنا هذه الدنيا عن كنوز السماء التى تبقى بعد فناء هذه اللذائذ والأطايب الدنيوية، وإلا فما الذى يعود على الإنسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه؟
الواقع أنه لا تعارض بالضرورة بين الأمرين، وإلا فكنز السماء مقدم على كل كنوز الأرض فى حالة التعارض ما لم تكن هناك ضرورة قاهرة، فعندئذ فالرجاء أن يغفر الله بفضله وكرمه ذنوبنا ويَجْبُر نقصنا ويعفو عن كثير، فهو الكريم الودود اللطيف الرحيم غافر الذَّنْب وقابل التَّوْب! أما ما جاء فى هذه الموعظة من أنه "لا يَقدِرُ أحَدٌ أنْ يَخدُمَ سَيَّدَينِ، لأنَّهُ إمّا أنْ يُبغِضَ أحدَهُما ويُحبَّ الآخَرَ، وإمّا أنْ يَتبعَ أحدَهُما ويَنبُذَ الآخَرَ. فأنتُم لا تَقدِرونَ أنْ تخدُموا الله والمالَ" فليس على إطلاقه، إذ الواحد يستطيع أن يكسب المال ويستعمله فى إنجاز حاجاته وإشباع تطلعاته، وفى ذات الوقت يؤدى واجب الشكر لله ويعطى الفقراء حقوقهم فيه، فينال الخيرين جميعا: خير الدنيا، وخير الآخرة، فهو يعبد الله من خلال شكره سبحانه على ما أغدق عليه من مال. وصدق الله العظيم إذ يقول:"ومن الناس من يقول: ربَّنا، آتنا فى الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقِنَا عَذَاب النار* أولئك لهم نصيب مما كسبوا، والله سريع الحساب"، وصدق رسوله الكريم حين يعلمنا قائلا: "نِعْمَ المالُ الصالحُ للعبد الصالح"، اللهم إلا إذا كان المسيح عليه السلام قد قصد قصدًا الحَدَّ من جشع اليهود الإجرامى وعبادتهم المتوحشة للدرهم والدينار، واليورو والدولار.(/23)
على أن من الأقوال المنسوبة للسيد المسيح ما لا يمكن الموافقة عليه البتة لأنه يقود إلى العدم، ومنه قوله: "25لذلِكَ أقولُ لكُم: لا يَهُمَّكُم لحياتِكُم ما تأكُلونَ وما تشرَبونَ، ولا لِلجسدِ ما تَلبَسونَ. أما الحَياةُ خَيرٌ مِنَ الطَّعامِ، والجسدُ خَيرٌ مِنَ اللَّباسِ? 26أنظُروا طُيورَ السَّماءِ كيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحْصُدُ ولا تَخزُنُ، وأبوكُمُ السَّماويٌّ يَرزُقُها. أما أنتُم أفضلُ مِنها كثيرًا؟ 27ومَنْ مِنكُمْ إذا اَهتَمَّ يَقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامَتِهِ ذِراعًا واحدةً؟". إن الجسد يشكل جانبا من وجودنا، ولا يمكن من ثم تجاهله وإهمال مطالبه. ترى كيف يستطيع الإنسان ألا يهتم بما يأكل أو يشرب أو يلبس؟ كما أن القياس على حياة الطيور هو قياس خاطئ تماما: فالطيور إنما تعيش بغرائزها ولا تفكر فى بناء حضارة، وليس لها ثقافة، ولا يعترى حياتها أى تطوير، أما نحن فلا نستطيع أن نعيش حياة الفطرة التى تحياها الطيور، وإلا فكيف نأكل ونشرب ونلبس ونسكن؟ إن الديدان والحَبّ مثلا متوفران فى الطبيعة بكميات تفوق حاجة الطيور، ومن ثم فلا مشكلة فى الحصول عليها، كما أنه لا مانع يمنعها من الحصول من ذلك على ما تريد، أما نحن فليس هناك وفرة فى الطبيعة فيما نحتاجه، بل لا بد من العمل والإنتاج والإبداع والتنظيم والإدارة والتخطيط... إلخ. ولو تركنا أنفسنا مثلا دون ملابس ولم نهتم بنظافتنا أو زينتنا كما تفعل الطيور لمتنا من البرد والحر، فضلا عن أن هذا لا يليق: لا أخلاقيا ولا اجتماعيا ولا صحيا، ولا جماليا أيضا، إذ على الأقل سوف تتراكم الأوساخ على أجسادنا وتطول شعورنا وأظافرنا وتنتن رائحتنا ونصبح أقرب للوحوش منا للبشر! وأذكر أنى قرأت فى شبابى الأول فى بداية سبعينات القرن الفائت رواية لبريخت فى سلسلة "روايات الهلال" اسمها "ثلاثة بنسات" تناول فيها ذلك الكاتب، ضمن ما تناول، مثلا ضربه السيد المسيح فأخذ يسخر منه ومن تداعياته المتوقعة لو أخذنا به وسرنا على ضوئه. وأذكر كذلك أنى لم تعجبنى الطريقة التى فهم بها الروائى الألمانى المثل المنسوب لعيسى عليه السلام والتهكم الذى استقبله به، إلا أن الكلمات التى نحن بصددها الآن لا تترك لنا فرصة للقول بأن هناك معنى آخر لها يمكن توجيهها نحوه، فهى دعوة صريحة لا تحتمل لَبْسًا إلى الانصراف عن الاهتمام بالدنيا والاستنان بسنة الطيور، وهو ما لا يمكن أن يكون نظرًا لاختلاف طبيعة الحياة البشرية عن حياة الطير.
نعم هناك حديث للرسول الكريم يقول صلى الله عليه وسلم فيه: "لو توكلتم على الله حَقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خِمَاصًا، وتروح بِطَانًا"، بَيْدَ أن ثمة فرقا كبيرا وحاسما بين الكلامين: فالرسول يتحدث عن التوكل الحق، وهذا التوكل معناه أن يبذل الإنسان كل جهده فى سبيل الحصول على ما يريد مثلما تفعل الطيور، إذ لا تبقى فى أعشاشها كتنابلة السلطان تنتظر الحَبّ أن يسقط فى مناقيرها وهى راقدة، بل تفارق كل صباح فى البُكْرة النديّة أعشاشها بحثًا عن الحبة والدودة، فتعود آخر النهار وقد امتلأت بطونها بالطعام بعد أن غادرت بيوتها فى أوله على الطَّوَى! الحديث إذن لا يقيس على الطير فى عدم اهتمامها بتدبير أمور معاشها، بل يقيس عليها فى سعيها على قدر وسعها وراء هذا المعاش. وقد صرح الرسول الأعظم بهذا المعنى فى أحاديث كثيرة متنوعة، وهذا هو الفرق الكبير والخطير بين الكلامين! وليس من المعقول أن نطلب من الإنسان أن يقوم كل يوم من النوم وهو لا يدرى ماذا يأكل فى يومه الأغبر ولا كيف يدبر أمر ملابسه وسكنه: فمرة ينام على الرصيف، وأخرى فى لوكاندة، وثالثة فى الكراكون، ورابعة فى ملجإ للعجزة أو للأيتام، وخامسة فى حقل من حقول الذرة مع اللصوص والقتلة وقُطّاع الطريق وما إلى ذلك. وهذا على مستوى الأفراد، فما بالنا بالدول؟ ومن التخطيط والاستعداد المسبَّق العمل على إقامة المدارس ومؤسسات الضمان الاجتماعى ووضع البرامج للارتقاء بالذوق والحس الجمالى... إلى آخر تلك الأهداف النبيلة التى لا يمكن الغض منها تحت أية حجة.(/24)
ومما قاله المسيح أيضا: "28ولِماذا يَهمٌّكُمُ اللَّباسُ؟ تأمَّلوا زَنابقَ الحَقلِ كيفَ تَنمو: لا تَغزِلُ ولا تَتعَبُ. 29أقولُ لكُم: ولا سُليمانُ في كُلٌ مَجدهِ لبِسَ مِثلَ واحدَةٍ مِنها. 30فإذا كانَ الله هكذا يُلبِسُ عُشبَ الحَقلِ، وهوَ يوجَدُ اليومَ ويُرمى غَدًا في التَّنّورِ، فكَمْ أنتُم أولى مِنهُ بأنْ يُلبِسَكُم، يا قليلي الإيمانِ؟ 31لذلِكَ لا تَهتمّوا فتقولوا: ماذا نأكُلُ؟ وماذا نشرَبُ؟ وماذا نَلبَسُ؟ 32فهذا يطلُبُه الوَثنيّونَ. وأبوكُمُ السَّماويٌّ يعرِفُ أنَّكُم تَحتاجونَ إلى هذا كُلَّهِ. 33فاَطلبوا أوَّلاً مَلكوتَ الله ومشيئَتَهُ، فيزيدَكُمُ الله هذا كُلَّه. 34لا يَهُمَّكُم أمرُ الغدِ، فالغدُ يَهتمٌّ بنفسِهِ. ولِكُلٌ يومِ مِنَ المتاعِبِ ما يكْفيهِ". وهنا لا يهمل المسيح، إن كان هو قائل هذا الكلام، أمور الدنيا تماما كما أهملها فى النص الذى فرغنا منه لتونا، لكنه يضعها تالية لمطالب الملكوت السماوى. ولا ريب فى أن من يؤمن بالحياة الآخرة يضع، مثل عيسى، الآخرة على الأولى، إلا أن تأكيد المسيح بأننا إذا اهتممنا بملكوت السماوات فلسوف تدبر الحياة أمورها بنفسها دون تدخل من جانبنا، هو تأكيد لا ينهض على أساس، إذ السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما قال عبقرى الإسلام عمر بن الخطاب، كما أننا قد سبق أن نبهنا إلى الدرة المحمدية الثمينة فى هذا الشأن، وهى قوله صلى الله عليه وسلم: "لو توكلتم على الله حق توكُّله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خِمَاصًا، وتروح بِطَانًا". أى أنه لا بد من العمل وبذل الجهد والجرى وراء الرزق. أما صرف الوقت كله فى العبادة فهو فى الإسلام غير مُسْتَحَبّ، لا بل هو خطأ فادح وجريمة لا يستهان بها عند الله. لكنْ فى كل الأحوال ينبغى ألا يتحول الإنسان، بسبب هذا الجرى خلف المعاش، إلى آلة عديمة المشاعر والضمير لا تبالى بحق ولا باطل، ولا تأخذ فى حسبانها أن هناك أمورا شديدة الأهمية تتخطى حدود الحياة الدنيا، وحقوقا للآخرين يجب أداؤها.
الفصل السابع:
"إدانة الآخرين.
"لا تَدينوا لِئلاَّ تُدانوا. 2فكما تَدينونَ تُدانونَ، وبِما تكيلونَ يُكالُ لكُم. 3لماذا تَنظُرُ إلى القَشَّةِ في عَينِ أخيكَ، ولا تُبالي بالخَشَبَةِ في عَينِكَ؟ 4بلْ كيفَ تقولُ لأخيكَ: دَعْني أُخرجِ القَشَّةَ مِنْ عَينِكَ، وها هيَ الخَشبَةُ في عينِكَ أنتَ؟ 5يا مُرائيٌّ، أخْرجِ الخشَبَةَ مِنْ عَينِك أوَّلاً، حتى تُبصِرَ جيَّدًا فَتُخرِجَ القَشَّةَ مِنْ عَينِ أخيكَ.
6لا تُعطوا الكِلابَ ما هوَ مُقَدَّسٌ، ولا تَرموا دُرَرَكُم إلى الخنازيرِ، لِئلاَ تَدوسَها بأَرجُلِها وتلتَفِتَ إلَيكُم فتُمزَّقَكُم.
أطلبوا تجدوا.
7"إسألُوا تُعطَوا، إطلُبوا تَجِدوا، دُقّوا البابَ يُفتحْ لكُم. 8فمَن يَسألْ يَنَلْ، ومَنْ يَطلُبْ يَجِدْ، ومَنْ يَدُقَّ البابَ يُفتَحْ لَه. 9مَنْ مِنكُم إذا سألَهُ اَبنُهُ رَغيفًا أعطاهُ حَجَرًا، 10أو سَألَهُ سَمَكةً أعطاهُ حَيَّةً؟ 11فإذا كُنتُم أنتُمُ الأشرارَ تَعرِفونَ كيفَ تُحسِنونَ العَطاءَ لأَبنائِكُم، فكَمْ يُحسِنُ أبوكُمُ السَّماويٌّ العَطاءَ للَّذينَ يَسألونَهُ؟
12عامِلوا الآخَرينَ مِثلَما تُريدونَ أنْ يُعامِلوكُم. هذِهِ هيَ خُلاصةُ الشَّريعةِ وتَعاليمِ الأنبياءِ.
الباب الضيّق.
13"أُدْخُلوا مِنَ البابِ الضيَّقِ. فما أوسَعَ البابَ وأسهلَ الطَّريقَ المؤدَّيةَ إلى الهلاكِ، وما أكثرَ الَّذينَ يسلُكونَها. 14لكِنْ ما أضيقَ البابَ وأصعبَ الطَّريقَ المؤدَّيةَ إلى الحياةِ، وما أقلَ الَّذينَ يَهتدونَ إلَيها.
الشجرة وثمرها.
15"إيَّاكُم والأنبياءَ الكَذَّابينَ، يَجيئونَكُم بثِيابِ الحُملانِ وهُم في باطِنِهِم ذِئابٌ خاطِفةٌ. 16مِنْ ثِمارِهِم تعرِفونَهُم. أيُثمِرُ الشَّوكُ عِنَبًا، أمِ العُلَّيقُ تِينًا؟ 17كُلُّ شَجرَةٍ جيَّدةٍ تحمِلُ ثَمرًا جيَّدًا، وكُلُّ شَجَرةٍ رَديئةٍ تحمِلُ ثَمرًا رَديئًا. 18فما مِنْ شَجرَةٍ جيَّدةٍ تَحمِلُ ثَمرًا رَديئًا، وما من شَجرَةٍ رَديئةٍ تَحمِلُ ثَمرًا جيَّدًا. 19كُلُّ شَجرَةٍ لا تَحمِلُ ثَمرًا جيَّدًا تُقطَعُ وتُرمَى في النَّارِ. 20فمِنْ ثِمارِهِم تَعرِفونَهُم.
القول والعمل.
21"ما كُلُّ مَنْ يقولُ لي: يا ربٌّ، يا ربٌّ! يدخُلُ مَلكوتَ السَّماواتِ، بل مَنْ يَعملُ بمشيئةِ أبي الَّذي في السَّماواتِ. 22سيَقولُ لي كثيرٌ مِنَ النّاسِ في يومِ الحِسابِ: يا ربٌّ، يا ربٌّ، أما باَسمِكَ نَطَقْنا بالنٌّبوءاتِ؟ وباَسمِكَ طَرَدْنا الشَّياطينَ؟ وباَسمِكَ عَمِلنا العجائبَ الكثيرةَ؟ 23فأقولُ لهُم: ما عَرَفتُكُم مرَّةً. اَبتَعِدوا عنَّي يا أشرارُ!
مثل البيتين.(/25)
24"فمَنْ سمِعَ كلامي هذا وعمِلَ بِه يكونُ مِثْلَ رَجُلٍ عاقِلٍ بَنى بَيتَهُ على الصَّخْرِ. 25فنزَلَ المَطَرُ وفاضتِ السٌّيولُ وهَبَّتِ الرِياحُ على ذلِكَ البَيتِ فما سقَطَ، لأنَّ أساسَهُ على الصَّخرِ 26ومَنْ سَمِعَ كلامي هذا وما عمِلَ بِه يكونُ مِثلَ رَجلٍ غَبيٍّ بنَى بَيتَهُ على الرَّملِ. 27فنَزَلَ المطَرُ وفاضَتِ السٌّيولُ وهَبَّتِ الرَّياحُ على ذلِكَ البَيتِ فسَقَطَ، وكانَ سُقوطُهُ عَظيمًا".
28ولمّا أتمَّ يَسوعُ هذا الكلامَ، تَعَجَّبتِ الجُموعُ مِنْ تَعليمِه، 29لأنَّهُ كانَ يُعَلَّمُهُم مِثلَ مَنْ لَه سُلطانٌ، لا مِثلَ مُعلَّمي الشَّريعةِ".
هذا كلام نبيل ونفيس فى مجمله، لكنه يحتاج لبعض توضيح: فالحياة لا تستغنى أبدا عن الدينونة، وإلا لم تستقم أمورها ولاستطال البغاة فى غَيّهم وعدوانهم ما داموا لا يجدون من يدينهم، فضلا عمن يردعهم! بيد أن المسيح، فيما أتصور (إذا كان هو قائل هذا الكلام، وهو فى الواقع أشبه بأن يكون صادرا من فم نبى)، لا يقصد هذا، بل مقصده أن يشتغل كل شخص بعيوبه قبل الانتباه لعيوب سواه. فإن كان كذلك فنَعَمْ ونعام عين! أما فى الإسلام فيقول الرسول الكريم: "كما تَدِين تُدَان"، وفرق كبير بين هذا وذاك، فكلام الرسول معناه أن علينا تحرى العدل عند محاسبة الآخرين مثلما نريد منهم مراعاته فى محاسبتنا. أى أنه لا بد من الحساب، لكن بالعدل لا بترك الحساب جملةً، وإنْ حَبَّبَ الإسلام فى العفو والتسامح لكن دون أن يوجبه أو يجعله هو الأصل، وإلا لاستحالت الحياة الاجتماعية وأصبح الأمر فوضى لا تطاق. ولنتصور مجتمعا دون شُرْطة ولا محاكم ولا قضاة، ولنتصور الرزايا التى يمكن أن تنهال على رؤوس الناس حينئذ، ولنتساءل: هل من المستطاع العيش فى مثل ذلك المجتمع؟ يا له من عذاب! ومن الآيات التى تحبب فى العفو قوله تعالى: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله" (الشورى/ 40)، "وأن تعفوا أقرب للتقوى، ولا تَنْسَوُا الفضل بينكم" (البقرة/ 237)، "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم" (التغابن/ 14)، "خذ العفو، وأْمُرْ بالعُرْف، وأَعْرِضْ عن الجاهلين" (الأعراف/ 199)، "إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوًّا قديرا" (النساء/ 149)... إلخ. كذلك يحتاج الباب الضيق (وهو أيضا عنوان رواية لأندريه جيد كتب مقدمة ترجمتها العربية د. طه حسين) إلى شىء من التوضيح، وأغلب الظن أنه هو نفسه ما أراده الرسول حين قال: "حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات". أى أن طريق النار سهل لأن الإنسان لا يبذل فيه جهدا بل يكفى أن يتبع صوت شهواته، أما طريق الجنة فكله مجاهدات وحرمانات. لكن ليس معنى إيثار الباب الضيق أن يترك الإنسان اليسر إلى العسر، فهذه مسألة أخرى، وإلا فالمراد هو أن يختار، من طريق الجنة المحفوف بالمكاره كما رأينا، المسار الأكثر يسرا.(/26)
أما قول المسيح عليه السلام: "إسألُوا تُعطَوا، إطلُبوا تَجِدوا، دُقّوا البابَ يُفتحْ لكُم. 8فمَن يَسألْ يَنَلْ، ومَنْ يَطلُبْ يَجِدْ، ومَنْ يَدُقَّ البابَ يُفتَحْ لَه. 9مَنْ مِنكُم إذا سألَهُ اَبنُهُ رَغيفًا أعطاهُ حَجَرًا، 10أو سَألَهُ سَمَكةً أعطاهُ حَيَّةً؟ 11فإذا كُنتُم أنتُمُ الأشرارَ تَعرِفونَ كيفَ تُحسِنونَ العَطاءَ لأَبنائِكُم، فكَمْ يُحسِنُ أبوكُمُ السَّماويٌّ العَطاءَ للَّذينَ يَسألونَهُ؟12عامِلوا الآخَرينَ مِثلَما تُريدونَ أنْ يُعامِلوكُم. هذِهِ هيَ خُلاصةُ الشَّريعةِ وتَعاليمِ الأنبياء" فإن كثيرا من الناس سوف يخطئون فهمه، إذ يظنون أن المقصود الدعاء، على حين أن عيسى بن مريم، صلى الله عليه وسلم، لم يحدد طبيعة الطلب المذكور هنا، ولا شك أن الكلام أبعد مرمى من الإشارة إلى الدعاء، وأن المقصود هو أن الإنسان إذا ما أراد الحصول على خير من خيرات الدنيا فعليه أن يبذل جهده فى سبيل الوصول إلى ما يريد ولا يكتفى بالدعاء، وإلا فلن يطول شيئا بالمرة، فالسماء لا تمطر من تلقاء نفسها ذهبا ولا فضة، وإنما تمطر ذهبا وفضة وياقوتا ولؤلؤا ومرجانا وألماسا وكل ما تشتهيه الأنفس إذا ما عمل الإنسان واجتهد كما يحدث فى كل الأمم المتقدمة، أما الأمم المتخلفة مثلنا فتظن أنه يكفى أن يرفع الواحد أكف الضراعة والنهنهة نحو السماء فيسقط الحمام فى فمه مشويا وينهضم حتى دون أن يبذل جهدا فى المضغ والبلع والهضم. ولم لا، وهو تنبل من تنابلة السلطان يظن نفسه فى تكية قد ورثها عن أبيه وأمه؟ لا بد إذن، كما قال السيد المسيح وكما كرر رسولنا الكريم، من العمل بأسناننا وأظافرنا كى ننجح ونتفوق ونستمتع بالحياة ويقلّ ألمنا فيها إلى أدنى درجة ممكنة. أما ما نراه حولنا فى كل مكان من الكسل والتنبلة حتى فى الدعاء، أو أسلوب سلق البيض إذا تخلينا عن تنبلتنا، فنتيجته هى ضيق المساكن وطفح المجارى وزحام المواصلات وقذارة الشوارع والتشويه الذى يحاصر العين أينما اتجهتْ والضجيج الذى يُصِمّ الآذان ويَفْرِى الأعصاب والشتائم المقذعة التى تنم عن قلة أدب متأصلة والإنتاج القليل الهزيل الذى لا يستطيع الصمود ولا المنافسة مع الإنتاج المستورد والجهل المطبق والوسواس القهرى عند الطلاب والطالبات الذى لا يعطى الأستاذَ فرصة للراحة أبدا من الأسئلة السخيفة التى تنهال عليه منذ أول الدراسة وقبل أن يقول أحد من الأساتذة فى أى مقرر: "يا فتاح يا عليم! يا رزاق يا كريم!" مِنْ مثل: ما الذى ستحذفه من المقرر؟ كيف سيأتى الامتحان؟ كم سؤالا إجباريا؟ وكم سؤالا اختياريا؟ ما الذى ينبغى أن نركز عليه من أبواب المقرر؟ كيف نستذكر الكتاب: نحفظه أم نفهمه؟ ودَعُونا من البراشيم وأدعية الصباح يوم الامتحان أن يكرمهم الله فيوقف لهم فى اللجنة ابن الحلال الذى يساعدهم على الغش، أو على الأقل يتركهم يغشون حتى يكرم الله أولاده ويوقف لهم بدورهم ملاحظًا نصّابًا مثله، لا بارك الله له فيما يأخذه من أجر على المراقبة الكاذبة الخاطئة! ونادرا ما يخطئ طالب فيسأل أستاذه فى شىء من العلم! والنتيجة هى هذا التخلف العقلى الذى نعانى كلنا منه رغم المليارات التى تُنْفَق عبثا على ما يسمى: "العملية التعليمية"، والذى يجعلنا نردد فى حسرة نرجو من الله ألا تجلب لنا الضغط والسكر: "أمة "اقرأ" لا تقرأ"! أما الطلاب فلا أسعد ولا أرضى عن حياتهم وأنفسهم! وليخبط أجعص أستاذ رأسه فى أصلب حائط! يا خلق هوووووووووووه: "إسألُوا تُعطَوا، إطلُبوا تَجِدوا، دُقّوا البابَ يُفتحْ لكُم. 8فمَن يَسألْ يَنَلْ، ومَنْ يَطلُبْ يَجِدْ، ومَنْ يَدُقَّ البابَ يُفتَحْ لَه".
لكن الكلمة التالية: "لا تُعطوا الكِلابَ ما هوَ مُقَدَّسٌ، ولا تَرموا دُرَرَكُم إلى الخنازيرِ، لِئلاَ تَدوسَها بأَرجُلِها وتلتَفِتَ إلَيكُم فتُمزَّقَكُم"، التى تُنْسَب للسيد المسيح، صلى الله عليه وسلم، وإن بدت سهلة التنفيذ، فإنها عند التطبيق تسبب مشكلة كبيرة، إذ كيف نميز بين الكلاب والخنازير من جهة، وبين البشر الذين يعرفون قيمة ما نلقيه أمامهم من درر ويستطيعون الاستفادة منه من جهة أخرى، قبل أن نجرب الناس جميعا؟ بل كيف يمكننا الاطمئنان إلى أن من هم كلابٌ وخنازيرُ الآن لن ينقلبوا مع الأيام فيصبحوا بشرا عاقلين راقين يمكنهم تقدير تلك الجواهر والانتفاع بها؟ ثم هل من صلاحيتنا القيام بفرز الطيبين من الخبيثين وإهمال الأخيرين والتركيز على الأولين وحدهم؟ الذى أعرفه أن دعوة الله ينبغى أن تُبْذَل للجميع دون تفرقة أو تمييز كما هو الحال مع ضياء الشمس وذرات الهواء، ثم إن لكل إنسان بعد هذا عقله وتقديره، وهو المسؤول عن مصيره وخلاصه. من هنا فإن الفقرة المذكورة تربك عقلى قليلا ولا أدرى كيف ينبغى التصرف إزاءها.(/27)
كذلك هناك الكلمة التى تتوعد بالنار والعذاب من يبدّلون بعد رحيل السيد عنهم: "21"ما كُلُّ مَنْ يقولُ لي: يا ربٌّ، يا ربٌّ! يدخُلُ مَلكوتَ السَّماواتِ، بل مَنْ يَعملُ بمشيئةِ أبي الَّذي في السَّماواتِ. 22سيَقولُ لي كثيرٌ مِنَ النّاسِ في يومِ الحِسابِ: يا ربٌّ، يا ربٌّ، أما باَسمِكَ نَطَقْنا بالنٌّبوءاتِ؟ وباَسمِكَ طَرَدْنا الشَّياطينَ؟ وباَسمِكَ عَمِلنا العجائبَ الكثيرةَ؟ 23فأقولُ لهُم: ما عَرَفتُكُم مرَّةً. اَبتَعِدوا عنَّي يا أشرارُ!". وأنا لا أستطيع إلا أن أرى فيها إشارة إلى تلاميذه، إذ هم الوحيدون الذين أعطاهم مقدرة على صنع المعجزات الشفائية، وسلطانا على الشياطين يخرجونهم به من أجساد الممسوسين. وهذا الكلام لا أقوله من لدنّى، بل الذى قاله كاتب الإنجيل: "ودَعا يَسوعُ تلاميذَهُ الاثنيَ عشَرَ وأعْطاهُم سُلطانًا يَطرُدونَ بِه الأرواحَ النَّجسَةَ ويَشْفونَ النّاسَ مِنْ كُلٌ داءٍ ومرَضٍ" (متى/ 10/ 1).
الفصل الثامن:
"شفاء الأبرص.
ولمّا نزَلَ يَسوعُ مِنَ الجبَلِ، تَبِعَتْهُ جُموعٌ كبيرةٌ. 2ودَنا مِنهُ أبرَصُ، فسجَدَ لَه وقالَ: "يا سيَّدي، إنْ أرَدْتَ فأنْتَ قادِرٌ أنْ تُطَهَّرَني". 3فمَدَّ يَسوعُ يدَه ولَمَسهُ وقالَ: "أُريدُ، فاَطهُرْ!" فطَهُرَ مِنْ بَرَصِهِ في الحالِ. 4فقالَ لَه يَسوعُ: "إيّاكَ أن تُخبِرَ أحدًا. ولكن اَذهَبْ إلى الكاهنِ وأرِهِ نَفسَكَ. ثُمَّ قَدَّمِ القُربانَ الَّذي أمرَ بِه موسى، شَهادةً عِندَهُم".
شفاء خادم الضابط.
5ودخَلَ يَسوعُ كَفْرَناحومَ، فجاءَهُ ضابِطٌ رومانِيٌّ وتَوَسَّلَ إلَيهِ بِقولِهِ: 6"يا سيَّدُ، خادِمي طَريحُ الفِراشِ في البَيتِ يَتوَجَّعُ كثيرًا ولا يَقدِرُ أنْ يَتحرَّكَ". 7فقالَ لَه يَسوعُ: "أنا ذاهبٌ لأشفِيَهُ". 8فأجابَ الضّابِطُ: "أنا لا أستحِقٌّ، يا سيَّدي، أنْ تَدخُلَ تَحتَ سقفِ بَيتي. ولكِنْ يكفي أنْ تَقولَ كَلِمَةً فيُشفى خادِمي. 9فأنا مَرؤوسٌ ولي جُنودٌ تَحتَ أمري، أقولُ لِهذا: إذهَبْ! فيذهَبُ، ولِلآخَرِ: تَعالَ! فيجيءُ، ولِخادِمي: إعمَلْ هذا، فيَعْمَلُ". 10فتعجَّبَ يَسوعُ مِنْ كلامِهِ وقالَ لِلَّذينَ يَتبَعونَهُ: "الحقَّ أقولُ لكُم: ما وجَدتُ مِثلَ هذا الإيمانِ عِندَ أحَدٍ في إِسْرائيلَ. 11أقولُ لكُم: كثيرونَ مِنَ النَّاسِ سيَجيئونَ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ ويَجلِسونَ إلى المائدةِ معَ إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوبَ في مَلكوتِ السَّماواتِ. 12وأمّا مَنْ كانَ لَهُمُ المَلكوتُ، فيُطْرَحونَ خارِجًا في الظٌّلمَةِ، وهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ".
13وقالَ يَسوعُ للضّابِطِ: "إذهَبْ، وليَكُنْ لكَ على قَدْرِ إيمانِكَ". فشُفِيَ الخادِمُ في تِلكَ السّاعةِ.
شفاء حماة بطرس.
14ودَخَلَ يَسوعُ إلى بَيتِ بُطرُسَ، فوَجَدَ حَماةَ بُطرُسَ طَريحَةَ الفِراشِ بالحُمَّى. 15فلَمَسَ يدَها، فتَركَتْها الحُمَّى. فقامَت وأخَذَتْ تَخدُمُه.
16وعِندَ المساءِ، جاءَهُ النَّاسُ بِكثيرٍ مِنَ الَّذينَ فيهِم شَياطينُ، فأخرَجَها بِكَلِمةٍ مِنهُ، وشفَى جميعَ المَرضى. 17فتَمَّ ما قالَ النَّبيٌّ إشَعْيا: "أخذَ أوجاعَنا وحمَلَ أمراضَنا.
يسوع أم العالم.
18ورأى يَسوعُ جُمهورًا حَولَهُ، فأمَرَ تلاميذَهُ بالعُبورِ إلى الشّاطِئِ المُقابِلِ. 19فدَنا مِنهُ أحَدُ مُعلَّمي الشَّريعةِ وقالَ لَه: "يا مُعلَّمُ، أتبَعُكَ أيْنَما تَذهَبُ". 20فأجابَهُ يَسوعُ: "للثَّعالِبِ أوكارٌ، ولِطُيورِ السَّماءِ أعشاشٌ، وأمّا اَبنُ الإنسانِ، فلا يَجِدُ أينَ يُسنِدُ رأسَهُ".
21وقالَ لَه واحدٌ مِنْ تلاميذِهِ: "يا سيَّدُ، دَعْني أذهَبُ أوّلاً وأدفِنُ أبي". 22فقالَ لَه يَسوعُ: "إتبَعْني واَترُكِ المَوتى يَدفِنونَ مَوتاهُم!"
يسوع يهدئ العاصفة.
23ورَكِبَ يَسوعُ القارِبَ، فتَبِعَهُ تلاميذُهُ. 24وهَبَّتْ عاصِفةٌ شديدةٌ في البَحرِ حتى غَمَرتِ الأمواجُ القارِبَ. وكانَ يَسوعُ نائمًا. 25فدَنا مِنهُ تلاميذُهُ وأيقَظوهُ وقالوا لَه: "نَجَّنا يا سيَّدُ، فنَحنُ نَهلِكُ!" 26فأجابَهُم يَسوعُ: "ما لكُمْ خائِفينَ، يا قليلي الإيمانِ؟" وقامَ واَنتَهرَ الرَّياحَ والبحرَ، فحَدَثَ هُدوءٌ تامٌّ. 27فتعَجَّبَ النّاسُ وقالوا: "مَنْ هذا حتى تُطيعَهُ الرَّياحُ والبحرُ؟"
طرد الشياطين وغرق الخنازير.
28ولمّا وصَلَ يَسوعُ إلى الشّاطئِ المُقابِلِ في ناحيةِ الجدريّينَ اَستقْبَلَهُ رَجُلانِ خَرَجا مِنَ المَقابِرِ، وفيهما شياطينُ. وكانا شَرِسَيْنِ جدُا، حتى لا يَقدِرَ أحدٌ أن يمُرَّ مِنْ تِلكَ الطَّريقِ. 29فأخذا يَصيحانِ: "ما لنا ولكَ، يا اَبنَ الله؟ أجِئتَ إلى هُنا لِتُعذَّبَنا قَبلَ الأوانِ؟"(/28)
30وكانَ يَرعَى بَعيدًا مِنْ هُناكَ قطيعٌ كبيرٌ مِنَ الخنازيرِ، 31فتوَسَّلَ الشَّياطينُ إلى يَسوعَ بقولِهِم: "إنْ طرَدْتَنا، فأرْسِلنا إلى قطيعِ الخنازيرِ". 32فقالَ لهُم: "اَذهَبوا!" فخَرجوا ودَخَلوا في الخنازيرِ، فاَندفَعَ القطيعُ كُلٌّهُ مِنَ المُنحَدَرِ إلى البحرِ وهَلَكَ في الماءِ. 33فهرَبَ الرٌّعاةُ إلى المدينةِ وأخبَروا بِما حدَثَ وبِما جرَى للرجُلَينِ اللَّذَينِ كانَ فيهِما شياطينُ. 34فخَرَجَ أهلُ المدينةِ كُلٌّهُم إلى يَسوعَ. ولمّا رأوْهُ طلَبوا إلَيهِ أنْ يَرحَلَ عَنْ دِيارِهِم".
الملاحظ أن الجموع التى كانت تنصت عادة للسيد المسيح عليه السلام وتتبعه من مكان إلى آخر إنما كانت تبحث عن شفاء لعاهاتها من بَرَصٍ أو كَمَهٍ أو عَرَجٍ أو مسٍّ، وقلما يقابلنا بينهم من يسعى إلى خلاص روحه. وعادة ما تنتهى واقعة الآية التى تحققت على يد السيد المسيح بقوله للشخص الذى استفاد منها: "إيّاكَ أن تُخبِرَ أحدًا"، إلا أنه يقوم برغم ذلك بإخبار الناس جميعا. كما نلاحظ أيضا أنه، عليه السلام، دائم الحركة والتنقل دون سبب على الأقل ظاهر: فهو يصعد الجبل لينزل منه بعد قليل، ويركب السفينة ليعود بها بعد قليل، ويذهب لبيت فلان ليخرج منه بعد قليل، وفى كل ذلك فلا كاتب الإنجيل يذكر ولا نحن من تلقاء أنفسنا نستطيع أن نخمن السبب وراء كل هذه التحركات والتنقلات، وكأنما كان عليه الصلاة والسلام قَلِقًا قلقا مرضيا لسبب لا نعرفه! هكذا يفهم القارئ مما يقرؤه فى الإنجيل، لكننا بطبيعة الحال لا نطمئن لهذا، وإن كنا لا ندرى ماذا نفعل. ومع هذا يظل القوم يُطْنِبون فى الحديث عن السيد المسيح بوصفه كائنا خارقا: إلها أو ابن إله رغم أن هذه هى كل بضاعته تقريبا، وهى إذا ما قورنت بما عند الرسول الكريم من كنوز عبقرية فى مجال العقيدة والعبادة والتعاملات المالية والاجتماعية والسياسية والمبادئ الخلقية والتوجيهات السلوكية والإرشادات العلمية والمنهجية والتحليلات الحضارية... إلخ راعنا أنها لا تمثل سوى زاوية ضيقة جدا من هذا العالم المحمدى الرحيب هى الزاوية الأخلاقية التى هى مع ذلك عند رسولنا أرحب وأعمق وأجدى، إذ إن فى وصايا المسيح مغالاة ومجاوزة للقدرة البشرية وتطرفا فى المثالية بحيث لا يستطاع تطبيقها وتحويلها إلى واقعٍ مَعِيشٍ رغم دغدغتها المشاعر واستفزازها عاطفة الزهو عند بعض الناس المغرمين بالشقشقة المحبين للفرقعة والدَّوِىّ لمجرد الفرقعة والدَّوِىّ!
إننا نحن المسلمين نُسْكِن السيد المسيح فى أعيننا وسويداء قلوبنا ولا نرضى فيه بكلمة سوء لأن تبجيله وحبه والاعتقاد فى نبوته وطهارته وسمو خلقه هو جزء لا يتجزأ من الإيمان فى ديننا لا يُقْبَل من دونه، بيد أن هذا لا يمنعنا من كشف وجه الغُلُوّ فيه صلى الله عليه وسلم، ذلك الغُلُوّ الذى حذرنا منه سيد النبيين والمرسلين فقال: "لا تُطْرُونى كما أَطْرَت النصارى ابن مريم"! ولَعَمْرِى إننى لأتألم الآن بعد مرور ألفى عام لحال أولئك المساكين من مصروعين ومجذومين ومبروصين وعُرْج وعُمْى ألمًا شديدًا، وأستطيع أن أدرك، رغم البعد الزمنى الشاسع، مدى العذاب البدنى والنفسى الرهيب الذى كان عليهم أن يصطلوه إلى أن ظهر فى أفق حياتهم سيدنا عيسى فمثَّل لهم نقطة الضوء والأمل الوحيدة فى حياتهم. رحمنا الله جميعا ورحم كل ضعيف مسكين يقاسى متاعب الحياة، وما أكثر متاعبها ومصاعبها وأثقل عبئها وأفدحه! إن اللوحة التى تعرضها علينا الأناجيل لتدعو إلى الرثاء وتوجع القلب وتُفْعِمه بالوحشة لما تمتلئ به من البشاعة والآلام! والغريب، وجميع أمور الحياة تدعو للعجب، أن قُوَى الشر لم تكن مرتاحة لما يفعله ويدعو إليه السيد المسيح وظلت تتربص به الفرص كى تتخلص منه وتقتله. وهنا نفترق عن النصارى: فنحن نقول، حسبما يخبرنا القرآن، إن الله سبحانه قد نجّاه من هذا المصير التعيس، أما هم فيقولون إنه إنما جاء خِصِّيصًا لهذه الغاية، وإنه قد صُلِب ومات على الصليب تكفيرا عن خطيئة آدم وحواء وأبنائهما الذين يستأهلون ضرب الحذاء! ترى ما ذنبه حتى لو قلنا إنه الله أو ابن الله كما يقولون، تعالى الله عن ذلك الغشم عُلُوًّا كبيرًا؟ ألم يكن الله قادرا على الغفران دون أن يتجسد سبحانه وتعالى بشرًا ويندسّ بين البشر ويتعرض لتلك الإهانات والعذابات التى تعرّض لها ويجأر ويصرخ على الصليب دون جدوى، وكأنه حين جد الجِدّ وحانت ساعة التنفيذ قد نسى تماما كل ما جاء خصوصا من أجله، وأخذ يتألم كما أتألم أنا أو أى واحد فيكم أيها القراء إذا كتبت عليه الأقدار أن يتجرع تلك الكأس العلقم، لا كتب الله علينا شيئا من هذا الظلم الجِلْف الغبى والألم الغليظ المرعب الذى لا معنى له!(/29)
وفى هذا الفصل أيضا موقف للسيد المسيح يتناقض مع موقف آخر له أيضا سوف نمر به بعد قليل، إذ عندما طلب منه الضابط الرومانى أن يشفى له خادمه رحب به وامتدح قوة إيمانه وبشره وأمثاله بأنهم سيربحون ملكوت السماوات، فى الوقت الذى سوف يخسره ويُطْرَد منه بعض المنتسبين إلى إسرائيل: "5ودخَلَ يَسوعُ كَفْرَناحومَ، فجاءَهُ ضابِطٌ رومانِيٌّ وتَوَسَّلَ إلَيهِ بِقولِهِ: 6"يا سيَّدُ، خادِمي طَريحُ الفِراشِ في البَيتِ يَتوَجَّعُ كثيرًا ولا يَقدِرُ أنْ يَتحرَّكَ". 7فقالَ لَه يَسوعُ: "أنا ذاهبٌ لأشفِيَهُ". 8فأجابَ الضّابِطُ: "أنا لا أستحِقٌّ، يا سيَّدي، أنْ تَدخُلَ تَحتَ سقفِ بَيتي. ولكِنْ يكفي أنْ تَقولَ كَلِمَةً فيُشفى خادِمي. 9فأنا مَرؤوسٌ ولي جُنودٌ تَحتَ أمري، أقولُ لِهذا: إذهَبْ! فيذهَبُ، ولِلآخَرِ: تَعالَ! فيجيءُ، ولِخادِمي: إعمَلْ هذا، فيَعْمَلُ". 10فتعجَّبَ يَسوعُ مِنْ كلامِهِ وقالَ لِلَّذينَ يَتبَعونَهُ: "الحقَّ أقولُ لكُم: ما وجَدتُ مِثلَ هذا الإيمانِ عِندَ أحَدٍ في إِسْرائيلَ. 11أقولُ لكُم: كثيرونَ مِنَ النَّاسِ سيَجيئونَ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ ويَجلِسونَ إلى المائدةِ معَ إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوبَ في مَلكوتِ السَّماواتِ. 12وأمّا مَنْ كانَ لَهُمُ المَلكوتُ، فيُطْرَحونَ خارِجًا في الظٌّلمَةِ، وهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ"، وهو ما يتناقض مع ما رد به على المرأة الكنعانية التى أتته تطلب منه ذات الطلب، ولكن بالنسبة لابنتها لا لخادمها أو خادمتها، إذ أجابها فى البداية بالرفض، والرفض العنيف المؤذى للنفس أذى شديدا، إذ شبهها هى وأمثالها ممن لا ينتسبون إلى يعقوب بالكلاب: "21 وخرَجَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ وجاءَ إلى نواحي صورَ وصيدا. 22فأَقبلَتْ إلَيهِ اَمرأةٌ كَنْعانِيّةٌ مِنْ تِلكَ البلادِ وصاحَتِ: "اَرْحَمني، يا سيَّدي، يا اَبن داودَ! اَبنتي فيها شَيطانٌ، ويُعذَّبُها كثيرًا". 23فما أجابَها يَسوعُ بكَلِمَةٍ. فَدنا تلاميذُهُ وتَوَسَّلوا إلَيهِ بقولِهِم: "اَصرِفْها عنّا، لأنَّها تَتبَعُنا بِصياحِها!" 24فأجابَهُم يَسوعُ: "ما أرسلَني الله إلاّ إلى الخِرافِ الضّالَّةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ". 25ولكنَّ المرأةَ جاءَتْ فسَجَدَتْ لَه وقالَت: "ساعِدْني، يا سيَّدي!" 26فأجابَها: "لا يَجوزُ أنْ يُؤخذَ خُبزُ البَنينَ ويُرمى إلى الكِلابِ". 27فقالَت لَه المَرأةُ: "نَعم، يا سيَّدي! حتَّى الكلابُ تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يَتَساقَطُ عَنْ موائدِ أصحابِها". 28فأجابَها يَسوعُ: "ما أعظَمَ إيمانَكِ، يا اَمرأةُ! فلْيكُنْ لَكِ ما تُريدينَ". فشُفِيَت اَبنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعةِ" (متى/ 15).
والسؤال هو: لماذا هذا التناقض الغريب المعيب يا ترى؟ وكيف نَحُلّه؟ لو أن المرأة هى التى سألته قبل الضابط لقلنا إن الرفض كان هو الموقف الأصلى الذى غيَّره من أجل خاطرها، ثم لم يعد إليه بعد ذلك. لكن المشكلة أنه لم يرفض مساعدة الضابط الرومانى الذى أتاه قبلها، وكان المظنون أن يستمر على هذا النهج، إلا أنه أخلف ظننا. ترى أيرجع ذلك إلى أنه كان ضابطا كبيرا، على حين كانت هى امرأة عادية ليست لها المكانة الاجتماعية العالية التى يتمتع بها الضباط الكبار؟ لا أقصد أن المسيح هو الذى نظر لها بهذه العين، بل الكاتب هو الذى عكس موقفه ورأيه هو فى تصرف السيد المسيح عليه السلام! ولعل هذا هو الحل الذى يخرجنا من تلك الورطة. وأيا ما يكن الأمر فلا شك أن هذا الانقلاب فى موقف عيسى بن مريم عليهما السلام يمثل حالة أخرى من حالات النسخ فى الأناجيل. ثم يعيبنا الأغبياء بأن ديننا يقوم على النسخ، مع أنه لا شىء يعاب على النسخ عندنا كما وضحنا قبلا.(/30)
وعلى كل حال فالمفروض ألا يَنْكِل الداعية (فما بالنا بالنبى والرسول؟) عن الاستجابة إلى أى نداء يأتيه مهما تكن الجهة التى أتى منها. وفى القرآن الكريم: "وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فأَجِرْه حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه. ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" (التوبة/ 6)، وفى الحديث الشريف: "لأن يَهْدِىَ الله بك رجلا خير لك مما طلعتْ عليه الشمس"، أما تشبيه الراغبين فى الهداية أو المادّين يد الحاجة نحونا بالكلاب والذئاب فليس من المروءة فى شىء، ولذلك يرانى القارئ قد استبعدت أن يكون هذا موقف المسيح عليه السلام، مرجحا أن يكون بالأحرى كلاما وضعه مؤلف الإنجيل من لدنه ونسبه له عليه السلام. فانظر الفرق بين الموقفين تر الفرق الشاسع بين دين محمد ودين القوم بعد أن حرّفوه وابتعدوا به عما جاء به نبى الله عيسى بن مريم! إن الإسلام يحرص على كل شخص ولا يرمى طوبته إلا بعد أن يعطيه كل الفرص الممكنة فيُصِرّ على العناد والكفر رغم تبين الرشد له من الغى، ويتنكر لإنسانيته ويلغى عقله هابطا بنفسه بذلك من المكانة التى كرمه الله فرفعه إليها، مكانة المخلوق الذى أنعم الله عليه بنعمة العقل والتفكير والمقدرة على المقارنة والاختيار الحر!
ونتريث قليلا أمام قول المؤلف: "وعِندَ المساءِ، جاءَهُ النَّاسُ بِكثيرٍ مِنَ الَّذينَ فيهِم شَياطينُ، فأخرَجَها بِكَلِمةٍ مِنهُ، وشفَى جميعَ المَرضى. فتَمَّ ما قالَ النَّبيٌّ إشَعْيا: "أخذَ أوجاعَنا وحمَلَ أمراضَنا" لنفكر فيما بين السطور حيث نرى عجبا من العجب. ذلك أن المؤلف يزعم أن الكلام هنا عن المسيح، الذى شفى الممسوسين. وهو بطبيعة الحال يقصد أن عيسى عليه السلام هو الله أو ابن اله الشافى، وفاته أنه فد تكررت الإشارة هنا فى "إشعيا" إلى أن الكلام عن "عبد" لله لا عن ابن لله ولا عن الله نفسه: " 13 هو ذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جدا . 14 كما اندهش منك كثيرون . كان منظره كذا مفسدا اكثر من الرجل وصورته اكثر من بني آدم . 15 هكذا ينضح امما كثيرين . من اجله يسد ملوك افواههم لانهم قد ابصروا ما لم يخبروا به وما لم يسمعوه فهموه. من صدق خبرنا1 ولمن استعلنت ذراع الرب . 2 نبت قدامه كفرخ وكعرق من ارض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه . 3 محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به 4 لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا . 5 وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا . 6 كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا . 7 ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه . 8 من الضغطة ومن الدينونة أخذ . وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الاحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي . 9 وجعل مع الاشرار قبره ومع غني عند موته . على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش 10 اما الرب فسرّ بان يسحقه بالحزن. ان جعل نفسه ذبيحة اثم يرى نسلا تطول ايامه ومسرة الرب بيده تنجح . 11 من تعب نفسه يرى ويشبع . وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين" (إشعيا/ 52/ 13- 15، و53/ 1- 11). فإن أصر القوم على أن يَرَوْا هنا المسيح عليه السلام فها هو ذا مؤلف سفر إشعيا يصفه على لسان المولى سبحانه بأنه عبد لله لا ابن له، فليكونوا متسقين مع أنفسهم ومع المنطق مرة وليؤمنوا بما يجب على كل عاقل أن يؤمن به، ألا وهو أن السيد المسيح، عليه السلام، إنما كان عبد الله ورسوله لا الرب يسوع! وعلى الوجه الآخر من الورقة يروعنا أنه لم يحدث مرة أن قال المسيح لأحد ممن تعامل معهم: "يا عبدى، أو يا عبادى"، بل العكس هو الصحيح، بل إنه لم يسمهم حتى: "عَبِيدًا" (التى تُسْتَخْدَم عادة لعبد الإنسان لا لعبد الله، الذى يُجْمَع عادة على "عِبَاد") بل سماهم: "أحبّاء": "لا اعود اسميكم عبيدا لان العبد لا يعلم ما يعمل سيده . لكني قد سميتكم احباء لاني أعلمتكم بكل ما سمعته من ابي" (يوحنا/ 15/ 15).(/31)
أى أن المسيح، عليه السلام، من الناحية الإيجابية والسلبية هو عبد الله كسائر عباد الله، وإنْ زاد عنهم بأنه كان رسولا نبيا. لكن قول المؤلف عن ذلك العبد: "ظُلِمَ اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه"، وكذلك قوله: "وجعل مع الاشرار قبره ومع غني عند موته"، لا ينطبق على السيد المسيح صلى الله عليه وسلم، إذ إنه لم يكن صامتا بل كان يتكلم طوال الوقت مع تلامذته أو أعدائه أو المرضى المتعبين، وهذا الكلام هو الذى ألَّب عليه المجرمين الفَسَقَة. حتى عندما وُضِع على الصليب حَسْب روايات بعض مؤلفى الأناجيل لم يكفّ عن الكلام، بل كان يجيب على ما يوجَّه له من أسئلة وتهكمات، كما أخذ يصيح ويتألم وهو فى نزعه الأخير حسبما يزعمون. ثم إنه لم يُدْفَنْ مع أشرار، ولا مات مع أغنياء، ورواية الصَّلْب موجودة لكل من يريد، فليدلّنا القوم على خلاف ما نقول!
وفوق ذلك كيف يقال إنه قد ظُلِم، وهو ابن الله أو الله ذاته؟ هل الآلهة يمكن أن تُظْلَم؟ أوليس أبوه هو الذى أرسله بنفسه لكى يموت هذه الميتة فداء للبشرية؟ فكيف يسمَّى هذا ظلما؟ الواقع أنه إذا قلنا إنه كان هناك ظلم فليس أمامنا إلا القول بأن هذا الظلم هو مِنَ الذى اختاره وأرسله، أستغفر الله، لا مِنَ الذين أسلموه لقتلته ولا من الذين صلبوه لأن هؤلاء جميعا إنما كانوا الأدوات المنفذة للمشيئة الإلهية التى عملت ما عملت رحمة بالبشرية وتكفيرا لها عن ذنوبها كما يقول القوم! كذلك فالسيد المسيح لم يكن محتقَرا، معاذ الله! وإذا كان فمِنْ قِبَل المجرمين المنافقين من بنى إسرائيل فقط، وهؤلاء لا قيمة لهم عند الله، أما الذين آمنوا به فقد أحبوه واحترموه. والأناجيل مملوءة بالكلام الطيب الذى كانوا يغدقونه عليه. وفوق ذلك فإن قول إشعيا: "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمّلها" لا ينطبق على السيد المسيح بحال لأنه لم يحدث أنْ حمل أحزان أحد ولا تحمّل أوجاعه، بل كل ما هنالك أنه أذهب عن بعض المرضى (وليس عنا كلنا نحن البشر) الأحزان والأوجاع التى كانوا يقاسونها ولم يتحمل هو نفسه شيئا منها، وإلا فهل كان فى كل مرة يشفى فيها أحدا من مرضه كان يصاب هو بدلا منه بذلك المرض؟ هذا هو معنى العبارة، وهو ما لا ينطبق على المسيح بتاتا، بيد أن القوم فى تفكيرهم وتفسيرهم لكتابهم المقدس لا يجرون على أى منهج أو منطق، بل يقولون كل ما يعنّ لهم بغض النظر عما فيه من شطط فى الخروج على كل منطق وعقل! كذلك فإن الكلام يخلو تماما مما يعتقده النصارى فى السيد المسيح من أنه قام من الأموات وصعد إلى السماء! ثم إن نهاية النص تتحدث عن نسل له تطول أيامه، وليس للمسيح أى نسل، لسبب بسيط هو أنه لم يتزوج كما يعلم جميع الناس: "اما الرب فسرّ بان يسحقه بالحزن. ان جعل نفسه ذبيحة اثم يرى نسلا تطول ايامه ومسرة الرب بيده تنجح".
ولا بد من التنبيه إلى أن كثيرا من المفسرين اليهود يؤكدون أن المقصود فى هذه النبوءة هو النبى إرميا وليس عيسى عليه السلام، أما الفريق الآخر منهم الذى يرى أن الكلام عن المسيح فإن المسيح عندهم ليس هو ابن مريم بل شخصا آخر لا يزالون فى انتظار مجيئه كما هو معروف (Matthew Henry Complete Commentary on the Whole Bible فى التعليق على الفقرات 13- 15 من الفصل رقم 52 من سفر إشعيا)، وهذا الشخص لن يكون واحدا من الأقانيم المعروفة لأنهم لا يعرفون التثليث النصرانى الذى هو، فى الواقع، نتاج الفكر المتأخر عن المسيح. وعلاوة على هذا نجد ألفرد جيوم فى "A New Commentary on Holy Scripture" (لندن/ 1929م/ 459) يؤكد أن هناك خلافا حادا حول حقيقة الشخص المومإ إليه هنا لم يهدأ أُوَارُه، وأن التفسير القديم الذى كان يرى أن المراد فى نبوءتنا هو السيد المسيح قد أخلى مكانه لحساب القول بأن المقصود هو بنو إسرائيل كلهم، وبخاصة أنه قد سبق فى سفر "إشعيا" استعمال لفظ "العبد" مرادا به يعقوب أو إسرائيل: الأمة لا الفرد، كما أنه من غير المعقول أن يكون الكلام بهذا التفصيل عن شخص لن يظهر إلا بعد 500 عام تقريبا.(/32)
هذا، ولا شك أنه من الغرابة بمكان مكين أن يكون رد المسيح عليه السلام على من استسمحه من تلاميذه الذهاب لدفن والده هو: "إتبَعْني واَترُكِ المَوتى يَدفِنونَ مَوتاهُم!". إن هذه شدة بل قسوة فى واقع الأمر، وهى قسوة غير مبررة، إذ من يا ترى سوف يعنى بدفن والد الشخص إذا كان هو لا يهتم بذلك؟ وليتصور القارئ معى ما الذى ستكون عليه الأرض لو تركنا الموتى دون أن ندفنهم! وليس من المعقول أن يلقى كل إنسان بهذه المهمة الثقيلة على عاتق الآخرين، فى الوقت الذى يَرَوْنَه يؤدى عملا آخر! كذلك فقول المسيح: "دع الموتى يدفنون موتاهم" هو قول لا معنى له فى هذا السياق، إذ إننا كلنا موتى بما فينا ذلك الابن، بل بما فينا المسيح نفسه. وعلى هذا فإن ما قاله عليه السلام هنا ليس بعذر على الإطلاق، لأنه ما دام الابن من الموتى أيضا فعليه، طبقا للمبدإ الذى أرساه المسيح، أن يذهب لدفن والده! فكما يرى القارئ فإن الطريق دائما مسدودة، ذلك أن الكلام لا منطق فيه رغم ما قد يبدو لبعض الأعين من أن له بريقًا، إذ "ليس كل ما يلمع ذهبا" كما يقول المثل الإنجليزى والفرنسى!
وفى الإسلام تشديد على طاعة الوالدين وإحسان مصاحبتهما فى الدنيا لما لهما على أبنائهما من الفضل العميم حتى لو كانا كافرين، اللهم إلا إن جاهدا أبناءهم على الشرك بالله، فعندئذ لا طاعة، لكن يبقى وجوب الاحترام والإحسان لا هوادة فيه. لا بل إن الابن الوحيد لوالديه يُعْفَى فى الإسلام من الجهاد فى سبيل الله مراعاةً لعاطفة الأبوة والأمومة! وعلى هذا فحتى لو كان الوالد المتوفَّى فى قصة المسيح كافرا، لقد كان ينبغى أن يسمح عليه السلام لابنه بالذهاب لدفنه، بل أن يحثه على ذلك حَثًّا! وهناك حكاية عن الرسول عليه السلام أنه كان جالسا ذات مرة، فمرت عليه جنازة يهودى فقام لها، فسُئِل عن ذلك باستغراب، فكان جوابه: "أليست نفسا؟"! وكان عليه السلام يتألم إذا مات أحد من الفقراء دون أن يخبره أصحابه، إذ كان يحب ألا يفوته أداء واجب العزاء، بل لقد كان ينزل فى بعض الأحيان القبر بنفسه ليدفن الميت الفقير بيده الشريفة حنانا منه وتواضعا ونبل نفس! كما لم يمنعه نفاق ابن أُبَىّ وانحيازه لأعداء الملة والأمة فى كل المواقف وإثارته المستمرة للمشاكل داخل الجماعة المسلمة، من إعطائه قميصه ليكفَّن فيها بناء على طلبه، ولا من الوقوف للصلاة عليه حين مات رغم اعتراض عمر على ذلك لولا أن القرآن الكريم نزل حاسما فى هذا الشأن على نحو لم يترك له بابا للاجتهاد فى هذه القضية! ومن جهة أخرى فإن الإسلام لا ينهى المسلم عن البر بالكافرين والإقساط إليهم ما داموا لم يقاتلوهم فى الدين ولم يخرجوهم من ديارهم، فما بالنا بابن يريد أن يدفن أباه؟ ألا إن ذلك لغريب بل قاس شديد القسوة، ودون أى مسوّغ! قال سبحانه وتعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تَبَرّوهم وتُقْسِطوا إليهم. إن الله يحب المُقْسِطين" (الممتحنة/ 8). والسؤال الآن: أترى المسيح لم يقل هذا للابن المذكور، وإنما هو من تلفيق مؤلف الإنجيل، أم إن المسألة هى التطبيق العملى لما أُثِر عنه من أنه إنما جاء ليفرق بين الأب وابنه والأخ وأخيه والحماة وكنتها وتمزيق البيت الواحد، وأنه ما جاء لينشر السلام بل السيف؟ لكنه مع ذلك قد أهاب بالأبناء أن يكرموا آباءهم وأمهاتهم: "16 وأقبَلَ إليهِ شابٌ وقالَ لَه: "أيٌّها المُعَلَّمُ، ماذا أعمَلُ مِنَ الصَّلاحِ لأنالَ الحَياةَ الأبدِيَّةَ؟" فأجابَهُ يَسوعُ: "17 لِماذا تَسألُني عمّا هوَ صالِحٌ؟ لا صالِحَ إلاّ واحدٌ. إذا أَرَدْتَ أنْ تَدخُلَ الحياةَ فاَعمَلْ بالوصايا". 18فقالَ لَه: "أيَّ وصايا؟" فقالَ يَسوعُ: "لا تَقتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بالزٌّورِ، 19أكرِمْ أباكَ وأُمَّكَ، أحِبَّ قريبَكَ مِثلما تُحبٌّ نَفسَكَ". الحق أنها مسألة محيرة!(/33)
وفى ضوء دعوى القوم بألوهيته عليه السلام أو بنوّته لله نحب أن ننظر فى السطور التالية: "23ورَكِبَ يَسوعُ القارِبَ، فتَبِعَهُ تلاميذُهُ. 24وهَبَّتْ عاصِفةٌ شديدةٌ في البَحرِ حتى غَمَرتِ الأمواجُ القارِبَ. وكانَ يَسوعُ نائمًا. 25فدَنا مِنهُ تلاميذُهُ وأيقَظوهُ وقالوا لَه: "نَجَّنا يا سيَّدُ، فنَحنُ نَهلِكُ!" 26فأجابَهُم يَسوعُ: "ما لكُمْ خائِفينَ، يا قليلي الإيمانِ؟" وقامَ واَنتَهرَ الرَّياحَ والبحرَ، فحَدَثَ هُدوءٌ تامٌّ. 27فتعَجَّبَ النّاسُ وقالوا: "مَنْ هذا حتى تُطيعَهُ الرَّياحُ والبحرُ؟"، إذ السؤال الختامى فيها يدل على أن تلاميذه الأقربين لم يكونوا، حتى تلك اللحظة على الأقل، يعرفون أنه هو الله أو ابن الله حسبما يزعم النصارى معاكسين تمام المعاكسة ما أتى هو وجميع الأنبياء به من دعوة التوحيد والتنزيه عن التشبيه والتجسيد. ولهذا يرانى القارئ قد توقفت أمام حكاية الحمامة التى انفتحت السماء فنزلت منها وحطت على المسيح عليه السلام وسُمِع فى ذات الوقت صوت من الأعالى يقول: أنت ابنى الحبيب، وتساءلتُ: فمن يا ترى أخبر الكاتبَ بوقوع تلك الحادثة؟ واضح أن التلاميذ، حسبما نقرأ هنا، لم يكن عندهم حتى ذلك الوقت أية فكرة عن التمر هندى! وبالمناسبة فليس كل ما تذكره الأناجيل للسيد المسيح من الآيات قد عرض له القرآن. فهل قام عليه السلام فعلا بصنع هذه المعجزات؟ أم هل هو تَزَيُّدٌ من مؤلفى الأناجيل على اعتبار أن الكلام ليس عليه جُمْرُك كما تقول العامة؟ ويزداد الأمر تلبيسا إذا عرفنا أن اثنين من المجانين كانا يدركان أنه "ابن الله"، إذ من الغريب الشاذ أن يجهل ذلك تلاميذه المقرَّبون ويعرفه المجانين فيقولوا له: "ما لنا ولكَ، يا اَبنَ الله؟ بل إن أُمّه (أُمّه التى حملته وولدته وأرضعته وتجلى لها الروح القدس ونفخ فى جيبها حتى تحمل به) كانت تقول له عن يوسف إنه أبوه! يا لطيف اللطف يا رب: "وكان ابواه يذهبان كل سنة الى اورشليم في عيد الفصح . 42 ولما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا الى اورشليم كعادة العيد . 43 وبعدما اكملوا الايام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في اورشليم ويوسف وامه لم يعلما . 44 واذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الاقرباء والمعارف . 45 ولما لم يجداه رجعا الى اورشليم يطلبانه . 46 وبعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم . 47 وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه واجوبته . 48 فلما ابصراه اندهشا . وقالت له امه يا بنيّ لماذا فعلت بنا هكذا. هوذا ابوك وانا كنا نطلبك معذبين"!
على أن موضوع المجنونَيْن لم تنته فصوله، إذ ما ذنب الخنازير حتى يرسل السيد المسيح الشياطين التى كانت تسكن جَسَدَىِ الممسوسَيْن إليها؟ وهذا على فرض أن الشياطين كائنات مادية تنتقل من جسد إلى جسد، وأن الشياطين التى تصيب الإنس هى من نفس الطينة التى جُبِلَت منها تلك الشياطين المتخصصة فى التلبس بالحيوانات. كما أنه من الغريب جدا أن يستمع المسيح لتوسل الشياطين ويريحها وينفذ ما تريد فيظلم الحيوان الأعجم المسكين العاجز الذى لا يملك من أمره شيئا، رغم أن الشياطين هى التى تمثل الشر فى العالم وأراد واحد منها أن يغويه قبل ذلك بالكفر والسجود له بدلا من السجود للواحد الأحد! ليس ذلك فحسب، فمن الواضح أن الشياطين هنا أيضا قد أبدت عن غباء غريب لا يليق بنسل إبليس، وهو الذى يُضْرَب به المثل فى المكر والدهاء والتَّحَيُّل، إذ كيف لم تعرف أنها حين تنتقل لأجساد الحلاليف سوف ينتهى بها الأمر سريعا إلى السقوط من فوق حافة الجبل إلى البحر فالغرق والهلاك من ثم فيه؟ وهذا لو صدقنا أن عملها فى الحيوانات يختلف عن عملها فى البشر، إذ عندما كانت تسكن أجساد البشر كان سهلا عليها أن تتعايش هى ومن تسكنه، أما حين انتقلت إلى أجساد الحلاليف فإنها اندفعت للتو إلى حافة الجبل وسقطت من حالق!
28ولمّا وصَلَ يَسوعُ إلى الشّاطئِ المُقابِلِ في ناحيةِ الجدريّينَ اَستقْبَلَهُ رَجُلانِ خَرَجا مِنَ المَقابِرِ، وفيهما شياطينُ. وكانا شَرِسَيْنِ جدُا، حتى لا يَقدِرَ أحدٌ أن يمُرَّ مِنْ تِلكَ الطَّريقِ. 29فأخذا يَصيحانِ: "ما لنا ولكَ، يا اَبنَ الله؟ أجِئتَ إلى هُنا لِتُعذَّبَنا قَبلَ الأوانِ؟"
30وكانَ يَرعَى بَعيدًا مِنْ هُناكَ قطيعٌ كبيرٌ مِنَ الخنازيرِ، 31فتوَسَّلَ الشَّياطينُ إلى يَسوعَ بقولِهِم: "إنْ طرَدْتَنا، فأرْسِلنا إلى قطيعِ الخنازيرِ". 32فقالَ لهُم: "اَذهَبوا!" فخَرجوا ودَخَلوا في الخنازيرِ، فاَندفَعَ القطيعُ كُلٌّهُ مِنَ المُنحَدَرِ إلى البحرِ وهَلَكَ في الماءِ. 33فهرَبَ الرٌّعاةُ إلى المدينةِ وأخبَروا بِما حدَثَ وبِما جرَى للرجُلَينِ اللَّذَينِ كانَ فيهِما شياطينُ. 34فخَرَجَ أهلُ المدينةِ كُلٌّهُم إلى يَسوعَ. ولمّا رأوْهُ طلَبوا إلَيهِ أنْ يَرحَلَ عَنْ دِيارِهِم".
الفصل التاسع:
"يسوع يشفي كسيحًا(/34)
فركِبَ يَسوعُ القارِبَ وعَبَر البُحَيْرةَ راجِعًا إلى مدينتِهِ. 2فجاءَهُ بَعضُ النّاسِ بِكَسيحِ مُلقًى على سَريرٍ. فلمّا رأى يَسوعُ إيمانَهُم قالَ للكَسيحِ: "تَشَجَّعْ يا اَبني، مَغْفورَةٌ لكَ خَطاياكَ". 3فقالَ بَعضُ مُعلَّمي الشَّريعةِ في أنفُسِهِم: "هذا الرَّجُلُ يُجدَّفُ!".
4وعرَفَ يَسوعُ أفكارَهُم، فقالَ: "لماذا تَظُنٌّونَ السٌّوءَ في قُلوبِكُم؟ 5أيٌّما أسهَلُ؟ أنْ يُقالَ: مغفورَةٌ لكَ خَطاياكَ، أمْ أنْ يُقالَ: قُمْ واَمشِ؟ 6سأُريكُمْ أنَّ اَبنَ الإنسانِ لَه سُلطانٌ على الأرضِ ليَغفِرَ الخطايا". وقالَ لِلكسيح: "قُمْ واَحمِلْ سَريرَكَ واَذهَبْ إلى بيتِكَ". 7فقامَ الرَّجُلُ وذهَبَ إلى بَيتِه. 8فلمّا شاهَدَ النَّاسُ ما جرَى، خافوا ومَجَّدوا الله الَّذي أعطى البشَرَ مِثلَ هذا السٌّلطانِ.
يسوع يدعو متى.
9وسارَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ، فرأى رَجُلاً جالِسًا في بَيتِ الجِبايةِ اَسمُهُ متَّى. فَقالَ لَه يَسوعُ: "إتْبَعني". فقامَ وتَبِعَهُ. 10وبَينَما يَسوعُ يأكُلُ في بَيتِ متَّى، جاءَ كثيرٌ من جُباةِ الضَّرائبِ والخاطِئينَ وجلَسُوا معَ يَسوعَ وتلاميذِهِ. 11ورأى بعضُ الفَرَّيسيّينَ ذلِكَ، فقالوا لتلاميذِهِ: "لِماذا يأكُلُ مُعلَّمُكُم معَ جُباةِ الضَّرائبِ والخاطِئينَ؟" 12فسَمِعَ يَسوعُ كلامَهُم، فأجابَ: "لا يَحتاجُ الأصِحّاءُ إلى طَبيبٍ، بل المَرضى. 13فاَذهَبوا وتَعلَّموا مَعنى هذِهِ الآيةِ: أُريدُ رَحمةً لا ذبيحةً. وما جِئتُ لأدعُوَ الصّالحينَ، بَلِ الخاطِئينَ".
الصوم.
14وجاءَ تلاميذُ يوحنّا المَعمَدانِ إلى يَسوعَ. وقالوالَه:"لِماذا نَصومُ نَحنُ والفرَّيسيّونَ كثيرًا، وتلاميذُكَ لا يَصومونَ؟ 15فأجابَهُم يَسوعُ: "أتَنتَظِرونَ مِنْ أهلِ العَريسِ أنْ يَحزَنوا، والعَريسُ بَينَهُم؟ لكنْ يَجيءُ وقتٌ يُرفَعُ فيهِ العَريسُ مِنْ بَينِهِم فيَصومونَ. 16ما مِنْ أحَدٍ يَرقَعُ ثَوبًا عَتيقًا بِرُقعَةٍ مِنْ قماشٍ جَديدٍ، لأنَّها تَنكَمِش فَتَنْتَزِع شَيئًا مِنَ الثَّوبِ العَتيقِ فيتَّسِعُ الخَرْقُ. 17وما مِنْ أحدٍ يَضَعُ خَمْرًا جَديدةً في أوعِيَةِ جِلْدٍ عَتيقَةٍ، لِئلاَّ تَنشَقَّ الأوعِيَةُ فتَسيلَ الخمرُ وتَتْلَفَ الأوعِيَةُ. بل تُوضَعُ الخمرُ الجَديدةُ في أوعِيَةٍ جَديدَةٍ، فتَسلَمُ الخمرُ والأوعِيَةُ".
إحياء صبية وشفاء اَمرأة لمست ثوب يسوع.
18وبَينَما هوَ يَتكلَّمُ، دَنا مِنهُ رَئيسٌ يَهوديٌّ وسجَدَ لَه وقالَ: "الآنَ ماتَتِ اَبنَتي. تَعالَ وضَعْ يدَكَ علَيها فتَحيا". 19فقامَ يَسوعُ وتَبِعَهُ معَ تلاميذِهِ. 20وكانَت هُناكَ اَمرأةٌ مُصابةٌ بنَزْفِ الدَّمِ مِن اَثنتَي عَشْرَةَ سنَةً، فدَنَتْ مِنْ خَلفِ يَسوعَ ولَمَستْ طَرَفَ ثوبِهِ، 21لأنَّها قالَت في نَفسِها: "يكفي أنْ ألمُسَ ثوبَهُ لأُشفى". 22فاَلتَفَت يَسوعُ فَرآها وقالَ: "ثِقي يا اَبنَتي، إيمانُكِ شَفاكِ". فشُفِيَتِ المَرأةُ مِنْ تِلكَ السَّاعَةِ.
23ولمّا وصَلَ يَسوعُ إلى بَيتِ الرئيسِ اليهوديَّ رأى الندَّابينَ والنّاسَ في اَضطرابٍ، 24فقالَ: "إخرُجوا! ما ماتَتِ الصَّبيَّةُ، لكنَّها نائمةٌ!" فضَحِكوا علَيهِ. 25وبَعدَما أخْرَجَ النّاسَ، دخَلَ وأخَذَ بيَدِ الصَّبيةِ فقامَتْ. 26واَنتشرَ الخبَرُ في تِلكَ الأنحاءِ كُلَّها.
يسوع يشفي أعميين.
27وسارَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ، فتَبِعَهُ أعمَيانِ يَصيحانِ: "اَرْحَمْنا، يا اَبنَ داودَ!" 28ولمّا دخَلَ البَيتَ، دَنا مِنهُ الأعمَيانِ. فقالَ لهُما يَسوعُ: "أتؤمنانِ بأنّي قادِرٌ على ذلِكَ؟" فأجابا: "نَعَم، يا سيَّدُ!" 29فلمَسَ يَسوعُ أعيُنَهُما وقالَ: "فليكُنْ لكُما على قَدْرِ إيمانِكُما". 30فاَنفَتَحَتْ أعيُنُهُما. وأنذرَهُما يَسوعُ فقالَ: "إيّاكُما أن يَعلَمَ أحدٌ!" 31ولكنَّهُما خَرَجا ونَشرا الخبَرَ في تِلكَ الأنحاءِ كُلَّها.
يسوع يشفي أخرس.
32ولمّا خرَجَ الأعميانِ، جاءَهُ بَعضُ النّاسِ بأخرسَ، فيهِ شَيطانٌ. 33فلمّا طَرَدَ يَسوعُ الشَّيطانَ، تكلَّمَ الأخرسُ. فتعَجَّبَ الجُموعُ وقالوا: "ما رأينا مِثلَ هذا في إِسرائيلَ!" 34ولكنَّ الفَرَّيسيّينَ قالوا: "برئيسِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطينَ!"
يسوع يشفق على الناس.
35وطافَ يَسوعُ في جميعِ المُدُنِ والقُرى يُعلَّمُ في المجامِعِ ويُعلِنُ بِشارةَ المَلكوتِ ويَشفي النّاسَ مِنْ كُلٌ مَرَضٍ وَداءٍ. 36ولمّا رأى الجُموعَ اَمتلأ قَلبُهُ بالشَّفَقَةِ علَيهِم، لأنَّهُم كانوا بائِسينَ مُشتَّتينَ مِثلَ غنَمِ لا راعِيَ لها. 37فقالَ لِتَلاميذِهِ: "الحَصادُ كثيرٌ، ولكنَّ العُمّالَ قَليلونَ. 38فاَطلُبوا مِنْ رَبَّ الحَصادِ أنْ يُرسِلَ عُمّالاً إلى حَصادِهِ".(/35)
والآن إلى التعليق: والواقع أننى لا أفهم أن يتجرأ أى مخلوق، حتى لو كان نبيًّا، على تقليد نفسه شيئا من صلاحيات الله سبحانه وتعالى فيغفر ذنوب البشر. إن هذا افتئات على مقام الألوهية! ولو أنه، صلى الله عليه وسلم، ابتهل إلى ربه سبحانه وتعالى أن يغفر لمن يرى أنهم يحتاجون للغفران لكان هذا هو التصرف الأحجى، أما أن يُقْدِم هكذا على غفران الذنب بنفسه وكأنه هو الله أو وكيله على الأرض فهذا لا يصح ولا يجوز ولا يقبله العقل. سيقال إنه كان ابن الله، لكننا لا يمكن أن نوافق على هذه المجافاة التامة لعقيدة التوحيد والتنزيه. ومرة أخرى أنا لا أنكر على سيدنا عيسى شيئا، إذ من أنا حتى أفكر مجرد تفكير فى الإقدام على مثل هذا التطاول؟ وأى سماء تُظِلّنى، وأى أرضٍ تُقِلّنى إذا أنا أقللت عقلى وإيمانى وقلت ذلك؟ ولكنى أُبْرِئه من هذا التصرف الذى لا يليق بأنبياء الله الكرام ممن اصطفاهم الله وصنعهم على عينه، وأرى أنه عليه السلام لم يفعل شيئا من ذلك، بل هو مما أُضِيفَ له ظلما وزورا. ومن عجائب الأمور أن الكاتب هنا قد جعل المسيح عليه السلام يصف نفسه بـ"ابن الإنسان": "سأُريكُمْ أنَّ اَبنَ الإنسانِ لَه سُلطانٌ على الأرضِ ليَغفِرَ الخطايا"، فكانت هذه التسمية الصحيحة مفارَقةً غريبة فى هذا السياق، إذ بينما يعترف المسيح (حسبما يروى لنا متّى) بأنه واحد من البشر (لا إلهٌ ولا ابنُ إله) نراه يُقْدِم على ما هو من صلاحيات الله وحده! ومما يؤكد بشرية المسيح تعليق الحاضرين الذين رَأَوُا الكسيح يقوم ويمشى سليمًا معافًى، إذ جعلوه هم أيضا بشرا: "فلمّا شاهَدَ النَّاسُ ما جرَى، خافوا ومَجَّدوا الله الَّذي أعطى البشَرَ مِثلَ هذا السٌّلطانِ".
هذا، وليس فى المعجزات التى صنعها السيد المسيح ما يمكن أن أعلق عليه، اللهم إلا قول الكاتب: "وطافَ يَسوعُ في جميعِ المُدُنِ والقُرى يُعلَّمُ في المجامِعِ ويُعلِنُ بِشارةَ المَلكوتِ ويَشفي النّاسَ مِنْ كُلٌ مَرَضٍ وَداءٍ. ولمّا رأى الجُموعَ اَمتلأ قَلبُهُ بالشَّفَقَةِ علَيهِم، لأنَّهُم كانوا بائِسينَ مُشتَّتينَ مِثلَ غنَمِ لا راعِيَ لها". فالحياة فادحة العبء على الفقراء والمسحوقين، وهكذا رآها السيد المسيح عليه السلام، وهكذا يراها كل من كان لديه فى قلبه رحمة وحنان. بَيْدَ أن كثيرا من هؤلاء المسحوقين لا يبالون بمن يحاول أن يمد يده لنشلهم مما هم فيه من هوان وعذاب واستغلال، فتراهم إما آخذين صف مضطهديهم وظالميهم ضده، وإما مكتفين فى أحسن الأحوال بالانتفاع بكل ما يستطيعون الحصول عليه منه، حتى إذا ما جَدّ الِجّد واصطدم محاميهم بقُوَى الشر والبأس والغَبْن ووقع فى قبضتها وباتت حياته على شَفَا جُرُفٍ هارٍ من الخطر، وتَلَفَّتْ حوله لعله يجد أحدا ممن أفنى حياته دفاعا عن حقوقهم ومصالحهم يسانده ولو بكلمة تشجيع، إذا بهم "فَصّ ملح وذاب"، مستكثرين عليه مجرد المصمصة من شفاههم. ألم يكن هذا هو ما وقع للسيد المسيح طبقا لروايات كتاب الأناجيل التى تقول إنه قد صُلِبَ وقُتِلَ بعدما عُذِّبَ وأُهين، وإن كنا نحن المسلمين نرى أنها مكذوبة من الأساس؟(/36)
كذلك هناك التفسير المنسوب للسيد المسيح الخاص بالصوم بوصفه مجرد تعبير عن الحزن، ومن ثم فلا داعى لأن يصوم الحواريون ما دام عليه السلام موجودا معهم لم يغادر الحياة بعد، أما حين يحين الحين فيفارقهم فعندئذ، وعندئذ فقط، يكون هناك معنًى ومجالٌ للصوم، وكأن الصيام ليس إلا تعبيرا عن الحزن، وليس عبادة روحية وبدنية لها من المعانى والمغازى، وفيها من الدروس والعبر والفوائد الجسمية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية، الكثير: "وجاءَ تلاميذُ يوحنّا المَعمَدانِ إلى يَسوعَ. وقالوا لَه:"لِماذا نَصومُ نَحنُ والفرَّيسيّونَ كثيرًا، وتلاميذُكَ لا يَصومونَ؟ 15فأجابَهُم يَسوعُ: "أتَنتَظِرونَ مِنْ أهلِ العَريسِ أنْ يَحزَنوا، والعَريسُ بَينَهُم؟ لكنْ يَجيءُ وقتٌ يُرفَعُ فيهِ العَريسُ مِنْ بَينِهِم فيَصومونَ. 16ما مِنْ أحَدٍ يَرقَعُ ثَوبًا عَتيقًا بِرُقعَةٍ مِنْ قماشٍ جَديدٍ، لأنَّها تَنكَمِش فَتَنْتَزِع شَيئًا مِنَ الثَّوبِ العَتيقِ فيتَّسِعُ الخَرْقُ. 17وما مِنْ أحدٍ يَضَعُ خَمْرًا جَديدةً في أوعِيَةِ جِلْدٍ عَتيقَةٍ، لِئلاَّ تَنشَقَّ الأوعِيَةُ فتَسيلَ الخمرُ وتَتْلَفَ الأوعِيَةُ. بل تُوضَعُ الخمرُ الجَديدةُ في أوعِيَةٍ جَديدَةٍ، فتَسلَمُ الخمرُ والأوعِيَةُ". وأغرب من ذلك أنه، عليه السلام، لم يجد ما يضربه من الأمثال فى هذا السياق إلا الخمر، الخمر أم الخبائث! أقول هذا وفى ذهنى ما قرأته للقمّص المنكوح المقروح، زيكو العجيب ذى الدبر الرحيب، من أن النصرانية تحرّم الخمر وتتشدد فى هذا التحريم أيما تشدد! عجايب! أفلم يأته ما كتب متَّى هنا ونَسَبه للسيد المسيح مما لا يمكن فى ضوئه أن تكون الخمر محرمة فى النصرانية؟ أم لم يأته أن أول آية عملها المسيح حسب مؤلفى الأناجيل هى تحويل الماء فى أحد الأعراس إلى خمر، وبتحريض من أمه عليها السلام، ليشرب المدعوُّون ويبتهجوا، وكأنه أحد متعهدى حفلات الأفراح ومورّدى أطعمتها ومشروباتها؟ وهنا لا بد من كلمة، فإن محمدا بعبقريته وبركة دينه وإخلاص أصحابه ورجولتهم، وقبل كل شىء بسببٍ من عون ربه، قد استطاع ما لم يستطعه أحد قبله ولا بعده على مدار التاريخ البشرى كله ولا حتى نبى مرسل، فنجح فى فطم أتباعه عن الخمر، إلا الشواذ النادرين منهم. هو فقط عليه السلام الذى أنجز هذا الإعجاز! أما أمم النصارى فقد أحرزت قصب السبق فى شرب الخمر، ولم يقدر أحد فيها على بلوغ واحد من المليون مما بلغه رسولنا وأتباعه فى هذا المضمار! ثم يتطاول الأوغاد الحقراء على سيد الرسل والنبيين ويسبّونه ظانين أنهم بهذا الإجلاب قادرون على أن يداروا عجزهم وفهاهتهم وانحراف دينهم! ألا إن مثواهم لَقَعْر جهنم الحمراء مع أمثالهم من كل مجرم لئيم بمشيئة الواحد الأحد، الذى لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد!
الفصل العاشر:
"الرسل الاثنا عشر.
ودَعا يَسوعُ تلاميذَهُ الاثنيَ عشَرَ وأعْطاهُم سُلطانًا يَطرُدونَ بِه الأرواحَ النَّجسَةَ ويَشْفونَ النّاسَ مِنْ كُلٌ داءٍ ومرَضٍ. 2وهذِهِ أسماءُ الرٌّسُلِ الاثني عشَرَ: أوَّلُهُم سِمْعانُ المُلَقَّبُ بِبُطرُسَ وأخوهُ أندَراوُسُ، ويَعقوبُ بنُ زَبدي وأخوهُ يوحنّا، 3وفيلُبٌّسُ وبَرْتولماوُسُ، وتوما ومتَّى جابي الضَّرائبِ، ويَعقوبُ بنُ حَلْفَى وتَدّاوسُ، 4وسِمْعانُ الوطنيٌّ الغَيورُ، ويَهوذا الإسخَرْيوطيٌّ الذي أسلَمَ يَسوعَ.
يسوع يرسل الاثني عشر.
5وأرسَلَ يَسوعُ هؤُلاءِ التلاميذَ الاثنَي عشَرَ وأوْصاهُم قالَ: "لا تَقصِدوا أرضًا وثَنِيَّةً ولا تَدْخُلوا مدينةً سامِريَّةً، 6بَلِ اَذْهَبوا إلى الخِرافِ الضّالةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ، 7وبَشَّروا في الطَّريقِ بأنَّ مَلكوتَ السَّماواتِ اَقتَرَبَ. 8واَشفوا المَرضى، وأقيموا الموتَى، وطَهَّروا البُرْصَ، واَطرُدوا الشَّياطينَ. مجّانًا أخَذتُمْ، فمَجّانًا أعْطُوا. 9لا تَحمِلوا نُقودًا مِنْ ذَهَبٍ ولا مِنْ فِضَّةٍ ولا مِنْ نُحاسٍ في جُيوبِكُم، 10ولا كِيسًا لِلطَّريقِ ولا ثوبًا آخَرَ ولا حِذاءً ولا عصًا، لأنَّ العامِلَ يَسْتَحِقٌّ طعامَهُ. 11وأيَّةَ مدينةٍ أو قريةٍ دَخَلْتُم، فاَستَخبِروا عَنِ المُستحِقَّ فيها، وأقيموا عِندَهُ إلى أنْ تَرحَلوا. 12وإذا دَخلْتُم بَيتًا فسَلَّموا علَيهِ. 13فإنْ كانَ أهلاً للسَّلامِ، حلَ سلامُكُم بِه، وإلاَّ رجَعَ سَلامُكُم إلَيكُم. 14وإذا اَمتَنَعَ بَيتٌ أو مدينةٌ عَنْ قَبولِكُم أو سَماعِ كلامِكُم، فاَتركوا المكانَ واَنْفُضوا الغُبارَ عَنْ أقدامِكُم. 15الحقَّ أقولُ لكُم: سيكونُ مَصيرُ سَدومَ وعَمورَةَ يومَ الحِسابِ أكثرَ اَحتِمالاً مِنْ مَصيرِ تِلكَ المدينةِ.
زمن الاضطهاد.(/37)
16"ها أنا أُرسِلُكُم مِثلَ الخِرافِ بَينَ الذَّئابِ فكونوا حَذِرينَ كالحيّاتِ، وُدَعاءَ كالحَمام. 17واَنتَبِهوا، لأنَّ النَّاسَ سَيُسلَّمونَكم إلى المَحاكِم، ويَجلِدونَكُم في المجامِعِ، 18ويَسوقونَكم إلى الحُكامِ والمُلوكِ مِنْ أجلي، لتَشْهَدوا عِندَهُم وعِندَ سائِرِ الشٌّعوبِ. 19فلا تَهتَمّوا حِينَ يُسْلِمونَكُم كيفَ أو بِماذا تَتكلَّمونَ، لأنَّكُم سَتُعطَوْنَ في حينِهِ ما تَتكلَّمونَ بِه. 20فما أنتُمُ المُتكَلَّمونَ، بَلْ رُوحُ أبيكمُ السَّماويَّ يَتكَلَّمُ فيكُم. 21سيُسلِمُ الأخُ أخاهُ إلى الموتِ، والأبُ اَبنَهُ، ويتَمَرَّدُ الأبناءُ على الآباءِ ويَقتُلونَهُم، 22ويُبْغِضُكُم جَميعُ النّاسِ مِنْ أجلِ اَسْمي. والَّذي يَثبُتُ إلى النَّهايةِ يَخلُصُ.
23وإذا اَضطَهَدوكُم في مدينةٍ، فاَهرُبوا إلى غَيرِها. الحقَّ أقولُ لكُم: لن تُنْهوا عَمَلكُم في مُدُنِ إِسرائيلَ كُلَّها حتى يَجيءَ اَبنُ الإنسانِ.
24لا تِلميذَ أعظَمُ مِنْ مُعلَّمِهِ، ولا خادِمَ أعظَمُ مِنْ سيَّدِهِ. 25يكفي التَّلميذَ أنْ يكونَ مِثلَ مُعلَّمِهِ والخادِمَ مِثلَ سيَّدِهِ. إذا كان ربٌّ البَيتِ قيلَ لَه بَعلَزَبولُ، فكَيفَ أهلُ بيتِهِ؟
مخافة الله.
26"لا تَخافوهُم. فما مِنْ مَستورٍ إلاّ سَيَنكَشِفُ، ولا مِنْ خفِيٍّ إلاّ سَيُظهَرُ. 27وما أقولُهُ لكُم في الظَّلامِ، قولوهُ في النٌّورِ. وما تَسمَعونَهُ هَمسًا، نادوا بِه على السٌّطوحِ. 28لا تخافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجسَدَ ولا يَقدرونَ أنْ يقتُلوا النَّفسَ، بَل خافوا الَّذي يَقدِرُ أنْ يُهلِكَ الجسَدَ والنَّفسَ معًا في جَهَنَّم. 29أما يُباعُ عُصْفورانِ بدِرْهَمِ واحدٍ؟ ومعَ ذلِكَ لا يقَعُ واحدٌ منهُما إلى الأرضِ إلاّ بِعِلمِ أبيكُمُ السَّماويَّ. 30أمّا أنتُم، فشَعرُ رُؤُوسِكُم نفسُهُ معدودٌ كُلٌّهُ. 31لا تخافوا، أنتُم أفضَلُ مِنْ عصافيرَ كثيرةٍ.
الاعتراف بالمسيح.
32"مَنِ اَعترفَ بي أمامَ النّاسِ، أعترِفُ بِه أمامَ أبي الَّذي في السَّماواتِ. 33ومَنْ أنْكَرَني أمامَ النّاسِ، أُنكِرُهُ أمامَ أبي الَّذي في السَّماواتِ.
يسوع والعالم.
34"لا تَظُنّوا أنيَّ جِئتُ لأحمِلَ السَّلامَ إلى العالَمِ، ما جِئتُ لأحْمِلَ سَلامًا بَلْ سَيفًا. 35جِئتُ لأُفرَّقَ بَينَ الاَبنِ وأبيهِ، والبِنتِ وأمَّها، والكَنَّةِ وحماتِها. 36ويكونُ أعداءَ الإنسانِ أهلُ بيتِهِ.
37مَنْ أحبَّ أباهُ أو أمَّهُ أكثرَ ممّا يُحِبٌّني، فلا يَسْتحِقٌّني. ومَنْ أحبَّ اَبنَهُ أو بِنتَهُ أكثرَ ممّا يُحبٌّني، فلا يَسْتحِقٌّني. 38ومَنْ لا يَحمِلُ صليبَهُ ويَتْبعُني، فلا يَسْتحِقٌّني. 39مَنْ حَفِظَ حياتَهُ يَخسَرُها، ومَنْ خَسِرَ حياتَهُ مِنْ أجلي يَحفَظُها.
الجزاء
40"مَنْ قَبِلَكُم قَبِلَني، ومَنْ قَبِلَني قَبِلَ الَّذي أرسَلَني. 41مَنْ قَبِلَ نَبيُا لأنَّهُ نَبيٌّ، فَجَزاءَ نَبيٍّ يَنالُ. ومَنْ قَبِلَ رَجُلاً صالحًا لأنَّهُ رجُلٌ صالِحٌ، فجَزاءَ رَجُلٍ صالِحِ يَنالُ. 42ومَنْ سَقى أحدَ هؤُلاءِ الصَّغارِ ولَو كأسَ ماءٍ بارِدٍ لأنَّهُ تِلميذي، فأجرُهُ، الحقَّ أقولُ لكُم، لن يَضيعَ".(/38)
لعل القارئ لم ينس ما قلناه من أن المقصود بقول السيد المسيح: "سيَقولُ لي كثيرٌ مِنَ النّاسِ في يومِ الحِسابِ: يا ربٌّ، يا ربٌّ، أما باَسمِكَ نَطَقْنا بالنٌّبوءاتِ؟ وباَسمِكَ طَرَدْنا الشَّياطينَ؟ وباَسمِكَ عَمِلنا العجائبَ الكثيرةَ؟ فأقولُ لهُم: ما عَرَفتُكُم مرَّةً. اَبتَعِدوا عنَّي يا أشرارُ!" هم تلاميذه لأنهم هم الوحيدون الذين أعطاهم، حسبما يقول كاتب الإنجيل، سلطانا على الأرواح النجسة ومقدرة على شفاء الأمراض التى كان يشفيها. فأرجو أن يظل القارئ الكريم على ذِكْرٍ من هذه المعلومة لأننا سنحتاجها فيما يقبل من سطور. كذلك لا أحب أن تفوتنى الفرصة للفت الانتباه إلى أن السيد المسيح (الإله أو ابن الإله) قد أعطى هذا السلطان وتلك المقدرة ليهوذا الخائن أيضا. ترى أفلم يكن يعرف أنه سيخونه؟ مصيبة إذن أن يجهل الإله أو ابن الإله شيئا كهذا! أم كان يعرف، ومع هذا فعل ما فعل؟ مصيبة أشد لأنه بهذا يكون قد برهن على أنه لا يحسن الاختيار! أم كان يعرف أنه سيخونه، لكنه أعطاه السلطان والمقدرة عن قصد وتعمد؟ مصيبة أشد وأشد لأن هذا معناه أنه كان يتصرف تصرفات عابثة! وعلى أية حال أليس المفروض أن يأخذ يهوذا ذاك مكافأة من المسيح أو من أبيه لأنه كان العامل الحاسم لتمام المشيئة الإلهية فى التكفير عن خطيئة البشرية؟ ذلك أنه لولا صَلْب المسيح وقَتْله ما تم التكفير ولاستحال تنفيذ مشيئة الله، ولولا خيانة يهوذا ما تم الصلب والقتل. إذن فالسيد يهوذا يستحق التكريم والتعظيم هو وكل من شارك فى هذه الجريمة (آسف، أقصد: "كل من شارك فى هذه الطاعة وذلك الإيمان") من يهود ورومان! وإلا فما الذى كان يريده الآب السماوى؟ أكان يريد من يهوذا وممن اشتركوا فى قتل المسيح حسب اعتقاد القوم أن يقفوا فى طريق مشيئته ويعملوا بكل قواهم على إحباطها وعدم تنفيذها؟ إذن لكانوا عرّضوا أنفسهم لنقمته سبحانه وتعالى لعصيانهم أمره وتعطيل وقوع رحمته بالبشر ولظل البشر حتى الآن مرتكسين فى الخطيئة التى ارتكبها أبوهم آدم وأمهم حواء فحمّلهم الله مسؤوليتها رغم أنهم لا ذنب لهم فيها، ليعود فيحمّل المسيح مسؤولية التكفير عنها رغم أنه لا ذنب له فيها، ثم يعود بعد ذلك كله فيحمّل يهوذا مسؤولية المساعدة على تنفيذ هذا التكفير الذى اختار الله ابنه الوحيد (حيلته وضناه!) لكى يقوم به رغم أن يهوذا المسكين إنما أراد الخير والمساعدة! أهذا جزاء عمل الخير؟ يا لها من لخبطة! بينى وبينكم هذه ليست تصرفات إله ولا طريقة تفكير تليق بإله! وعلى رأى المثل: "أذنك من أين يا جحا؟".(/39)
ألم يكن أسهل من هذا كله أن يغفر الله تلك الخطيئة مباشرة كما فعل فى القرآن إذ تاب على آدم وحواء بعد أن أنزلهما إلى الأرض، وانتهت المسألة عند هذا الحد منذ لا أدرى كم من السنين، وصافٍ يا لبن! حليب يا قشدة!؟ إن الحلول العبقرية هى أسهل الحلول وأبسطها عادة، لكن يبدو أن المزاج لم يكن رائقا ساعتها فكانت هذه البرجلة العقلية التى لم نعد نعرف معها رأسنا من رجلينا! الله يخرب بيتك يا يهوذا! لقد عقَّدْت القضية، إذ جئت تكحّلها فأعميتها! ما الذى أخششك فى هذه اللعبة التى لست على قدرها؟ أكان لا بد أن تنسحب من لسانك وتقول للرومان: ها هو ذا المسيح، فتعالَوْا خذوه؟ وكل هذا يا مجنون مقابل ثلاثين فضة؟ ألم تسمع بما يقوله العامة عندنا: إن سرقتَ فاسرق جملا، وإن خطبتَ فاخطب قمرا؟ بينى وبينك تستحق ما جرى لك! الناس الآن يسرقون بالملايين بل بالمليارات، وسيادتك تبيع المسيح بحاله "من أجل حفنة دولارات"، ومعذرة للفلم إياه، فهكذا حبكت القافية؟ الله يخرب بيتك مرةً ثانيةً وثالثةً ورابعةً وعاشرةً ومائةً وألفًا... إلى ما شاء الله، يا يهوذا! إن عملاء أمريكا من صغار العيال كالمجرم القرارى "أبى هَرَّة" الذى يهاجم كل من هو مسلم بدءا من أبى بكر وعمر وأبى هريرة وانتهاء بـ"مجدى محرّم عليهم عيشتهم" (ولولا الخطة الجهنمية لشتم الرسولَ جهارا نهارا، لكنه يترك هذه المهمة لـ"أبى هَرَّة" الآخر، أبى هَرَّة المنكوح فى دبره المقروح)، ولا يُثْنِى إلا على كل كافر سافل مثله، لَيَأْخُذ الواحد منهم آلاف الدولارات فى الشهر غير فكّة البدلات من هنا ومن هاهنا لقاء ما هو أتفه من هذا كثيرا (ألم نقرأ مقالات مجدى محرم، الذى لم يجدوا عليه شيئا فقالوا: "أبو بيجاما!"؟)، وحضرتك تتمطى وتمد يدك من أجل ثلاثين فضة لتصبح فضيحتك على كل لسان وتتفوق فى "الجُرْسَة" على العزيز بدران الذى خان أدهم الشرقاوى؟ ويا ليتك انتفعت بها أو تركتها لأولادك من بعدك يسددون بها ديون مصر أو يحلون بها مشاكلها الاقتصادية كما ينوى أن يفعل "المحروس" ابن "المجروس" بمليار جنيه بس! مليار جنيه من البَلاّص الذى تركته له جدته على السطح وأخفته بين بلاليص الجبنة القديمة حتى لا يتنبه له اللصوص إلى أن يحين الوقت وتقع مصر فى الديون فينفع البَلاّص ساعتها ويتم إنقاذ المحروسة على يد المحروس، فتلهب الجماهير أكفّها من التصفيق ابتهاجا بنهاية الفلم السعيدة! إِخْصِ عليك يا يهوذا! لم يكن العشم يا صاحبى!
ثم نمضى فى القراءة: "وأرسَلَ يَسوعُ هؤُلاءِ التلاميذَ الاثنَي عشَرَ وأوْصاهُم قالَ: "لا تَقصِدوا أرضًا وثَنِيَّةً ولا تَدْخُلوا مدينةً سامِريَّةً، 6بَلِ اَذْهَبوا إلى الخِرافِ الضّالةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ، 7وبَشَّروا في الطَّريقِ بأنَّ مَلكوتَ السَّماواتِ اَقتَرَبَ. 8واَشفوا المَرضى، وأقيموا الموتَى، وطَهَّروا البُرْصَ، واَطرُدوا الشَّياطينَ". وهذه فى الواقع هى رسالة السيد المسيح تقريبا لا تكاد تزيد عن ذلك، وأين هذا من رسالة محمد الشاملة التى لم تترك شيئا من أمور الدنيا أو الآخرة إلا وبينت وجه الحق فيه وما ينبغى وما لا ينبغى بشأنه. كما أن رسالة السيد المسيح، كما هو بَيِّنٌ من كلامه الذى لا يمكن أن يلتبس على أى قارئ، هى رسالة محلية قبلية: لبنى إسرائيل وحدهم، وأين هذا من رسالة محمد العالمية التى بُعِثَ بها للإنس والجن والأبيض والأحمر والأسود والأصفر من وقت مبعثه إلى يوم الدين. وليس فى هذا أى افتئات أو إساءة إلى عيسى بن مريم عليه السلام، بل كل نبى أو رسول والمهمة التى أُسْنِدَتْ إليه من رب العالمين، وهذا كل ما هنالك.
ولكننى لا أظن الحواريين كانت لديهم القدرة على الشفاء ولا على طرد الشياطين من الأجساد، وإلا فما وجه تميز عيسى كنبىٍّ عندنا، أو ابنٍ لله عند القوم؟ إنهم يتخذون من هذه الأمور دليلاً على ألوهيته. عظيم! إذن فالحواريون آلهة أيضا مثله ما داموا يتصفون بنفس المقدرة والسلطان. سيقال إنهم إنما استمدوها منه، فهم كانوا وسيظلون بشرا. لكن هذا الرد يصدق أيضا على حالة السيد المسيح، لأنه إنما استمد تلك القدرة وذلك السلطان من الله، وهو ما يوضحه القرآن الكريم، إذ نسمعه عليه السلام يقول: "وأُبْرِئ الأكمه والأبرص وأُحْيِى الموتى بإذن الله"! على أن هناك نقطة سبق أن مسستها، ولا بأس بتكرار القول فيها هنا، فالتكرار يعلم الشطار، كما يعلم الحمار: الحمار من جنس القُمّص المنكوح، صاحب الدبر المقروح! وهذه النقطة هى أن التلاميذ لن يهنأوا بتلك الصلاحية طويلا، إذ سرعان ما يفشلون فى طرد الشياطين وإبراء المرضى، مما يستدعى عودة الأمور إلى نصابها الأول وينهض السيد المسيح كرة أخرى بهذا المهمة بيديه المباركتين الطاهرتين اللتين لا أدرى بأى وجه حق ينتسب إلى صاحبهما الطاهر الكريم القُمّص النجس الدنىء!(/40)
ويقول المسيح لتلاميذه أيضا: "لا تَحمِلوا نُقودًا مِنْ ذَهَبٍ ولا مِنْ فِضَّةٍ ولا مِنْ نُحاسٍ في جُيوبِكُم"، ومع هذا فإن المجوس المزعومين الذين زاروه وهو رضيع فى المذود لم يجدوا ما يمكن أن يُهْدوه إياه إلا الذهب، وهو أبعد شىء عن طبيعة دعوته كما نلاحظ هنا. ثم إن هذا الذهب يثير مشكلة من نوع آخر، إذ ما الذى فعلته أمه بذلك المال بعد ذلك؟ إن الإنجيل ليسكت تماما عن هذه النقطة! كذلك لا بد أن نبين الفرق بين دعوة محمد عليه الصلاة والسلام ودعوة المسيح فى السياق الحالى: فالمسيح يقول لتلامذته إن من حقهم أن يأخذوا أجرا على دعوتهم: ضيافةً وطعامًا وشرابًا ومبيتًا عند من يقصدونهم بالدعوة: "9لا تَحمِلوا نُقودًا مِنْ ذَهَبٍ ولا مِنْ فِضَّةٍ ولا مِنْ نُحاسٍ في جُيوبِكُم، 10ولا كِيسًا لِلطَّريقِ ولا ثوبًا آخَرَ ولا حِذاءً ولا عصًا، لأنَّ العامِلَ يَسْتَحِقٌّ طعامَهُ. 11وأيَّةَ مدينةٍ أو قريةٍ دَخَلْتُم، فاَستَخبِروا عَنِ المُستحِقَّ فيها، وأقيموا عِندَهُ إلى أنْ تَرحَلوا"، أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمره ربه قائلا: "قل: لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى".
ولنلاحظ أيضا أنه لم يقل لهم: بَشِّروا بأنى ابن الله الذى أرسله الآب لفدائكم من رِبْقَة الخطيئة الأولى، بل قال لهم: بَشِّروا باقتراب ملكوت السماوات. ثم إنه يضيف قائلا: "الحقَّ أقولُ لكُم: لن تُنْهوا عَمَلكُم في مُدُنِ إِسرائيلَ كُلَّها حتى يَجيءَ اَبنُ الإنسانِ". والمقصود بـ"ابن الإنسان" هو المسيح ذاته، وها قد مر على ذلك الكلام ألفان من الأعوام تقريبا، ولم يأت ابن الإنسان! وحين يأتى فأرجوكم أن تخبرونى! ولنلاحظ كذلك ما قلناه قبلا من أنه يقول للتلاميذ إن الله هو أبوهم السماوى، وهى نفس التسمية التى سماه بها بالنسبة إليه: "أبى السماوى". أى أن العلاقة بينه وبين الله هى هى نفسها العلاقة بين البشر جميعا، أو على الأقل: بين الصالحين منهم، وبينه سبحانه.(/41)
ولدينا كذلك قوله لهم: "لا تَظُنّوا أنيَّ جِئتُ لأحمِلَ السَّلامَ إلى العالَمِ، ما جِئتُ لأحْمِلَ سَلامًا بَلْ سَيفًا. 35جِئتُ لأُفرَّقَ بَينَ الاَبنِ وأبيهِ، والبِنتِ وأمَّها، والكَنَّةِ وحماتِها. 36ويكونُ أعداءَ الإنسانِ أهلُ بيتِهِ". ورغم وضوح القول فإن الأوغاد الأوباش شَتَمَة الأنبياء الكرام يظلون يكررون أن المسيح أحسن من محمد. لماذا يا أوباش؟ لأنه كان وديعا أتى بالسلام والمحبة، أما محمد فقد أتى بالسيف! فأين السلام والمحبة فى هذا الكلام؟ أم أين المحبة والسلام فى قوله عليه السلام قبل قليل: "سيُسلِمُ الأخُ أخاهُ إلى الموتِ، والأبُ اَبنَهُ، ويتَمَرَّدُ الأبناءُ على الآباءِ ويَقتُلونَهُم". إن هذه عواصف وزعازع عاتية من شأنها أن تزلزل الأسرة والمجتمع لا سكينةٌ وسلامٌ. ومع هذا فنحن لا نشتم السيد المسيح، ولا يمكن أن نفكر فى شىء من ذلك بتاتا لأنه رسول الله مثلما كان محمد رسول الله، فيجب إكرام الاثنين وتبجيلهما، إن لم يكن من أجل شىء فمن أجل من أرسلهما ومن أجل الفضل الذى ندين به له سبحانه وتعالى، ومن ثم لهما، صلى الله عليهما وسلم، ولَعَنَ من يَكْفُر ويغلو فيهما. كذلك فهذه طبيعة الدعوات الجديدة سواء كانت نبوة أو إصلاحا، إذ يهبّ المتضررون من جرائها من كل مجرم أنانى مستبد باطش فيقف فى وجهها ويؤلب من هم تحت سلطانه لإيذاء النبيين والمصلحين حتى لو كان أتباعه هؤلاء الذين يسلطهم عليهم هم أول المنتفعين بالدعوة الجديدة. ولو كان قُدِّر لعيسى عليه السلام أن يعيش على الأرض أطول مما عاش ولم يتوفَّه الله إليه فى سن مبكرة لكان أول من يخوض الحروب. نعم، كان سيخوضها كارها، لكنه لم يكن ليجد مندوحة رغم ذلك عن خوضها، والخِطَاب، كما يقولون، يبين من عنوانه، وعنوانه ظاهر تماما فى كلماته التالية عليه الصلاة والسلام: "لا تَظُنّوا أنيَّ جِئتُ لأحمِلَ السَّلامَ إلى العالَمِ، ما جِئتُ لأحْمِلَ سَلامًا بَلْ سَيفًا. 35جِئتُ لأُفرَّقَ بَينَ الاَبنِ وأبيهِ، والبِنتِ وأمَّها، والكَنَّةِ وحماتِها. 36ويكونُ أعداءَ الإنسانِ أهلُ بيتِهِ"! قد يقال: لكنه منع بطرس من استعمال السيف. والجواب أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان ينهى أتباعه فى البداية عن الرد على العدوان بمثله ويحثهم على الصبر والتحمل، إذ إن الرد فى هذه الحالة هو بمثابة انتحار مُبِير لأن المواجهة لا يصح أن تتم قبل أوانها ودون الاستعداد لها. وقد ظل الرسول الكريم ثلاث عشرة سنة فى مكة يتحمل هو وأصحابه الكرام ما لم يتعرض لمثله السيد المسيح أو أتباعه وحواريوه. ثلاث عشرة سنة لا ثلاث سنوات فقط. ثم يأتى أوباش المهجر الأمريكى فيشتمون سيد الأنبياء والمرسلين (ولا أقول: سيدهم أيضا، لأنهم لا يستحقون شرف الانحناء على قدمه الكريمة لربط حذائه)، ويقولون إنه قد أتى برسالة السيف. وماذا فى السيف الذى يدافع به الإنسان عن حقه ويزيل عن نفسه الظلم يا كلاب أمريكا؟ يقولون إن ديننا يُلْزِمنا "إدارة" الخد الأيسر لمن يضربنا على خدنا الأيمن. لكنهم يكذبون، فإن دينهم الذى يمارسونه إنما يُلْزِمهم "إدارة بوش"، وشتان بين "إدارة وإدارة"، يا لُمَامَة الحارة!
الفصل الحادى عشر:
"يسوع ويوحنا المعمدان.
ولمّا أتمَّ يَسوعُ وصاياهُ لِتلاميذِهِ الاثني عشَرَ، خرَجَ مِنْ هُناكَ ليُعلَّمَ ويُبَشَّرَ في المُدُنِ المُجاوِرَةِ.
2وسمِعَ يوحنّا وهوَ في السَّجنِ بأَعمالِ المَسيحِ، فأرسَلَ إلَيهِ بَعضَ تلاميذِهِ 3ليقولوا لَهُ: "هلْ أنتَ هوَ الَّذي يَجيءُ، أو نَنتظرُ آخَرَ؟"
4فأجابَهُم يَسوعُ: "اَرْجِعوا وأخْبِروا يوحنّا بِما تَسمَعونَ وتَرَوْنَ: 5العميانُ يُبصرونَ، والعُرجُ يمشونَ، والبُرصُ يُطهَّرونَ، والصمٌّ يَسمَعونَ، والمَوتى يَقومونَ، والمَساكينُ يَتلقَّونَ البِشارةَ. 6وهنيئًا لمن لا يفقُدُ إيمانَهُ بي".
7فلمّا اَنصَرَفَ تلاميذُ يوحنّا، تَحدَّثَ يَسوعُ لِلجُموعِ عَنْ يوحنّا فقالَ: "ماذا خَرَجتُم إلى البرَّيَّةِ تَنظُرونَ؟ أقَصَبةً تَهُزٌّها الرَّيحُ؟ 8بلْ ماذا خَرَجتُم ترَوْنَ؟ أرَجُلاً يلبَسُ الثَّيابَ النّاعِمَةَ؟ والَّذينَ يَلبَسونَ الثَّيابَ النّاعِمَةَ هُمْ في قُصورِ المُلوكِ! 9قولوا لي: ماذا خَرَجتُم تَنظُرونَ؟ أنبيُا؟ أقولُ لكُم: نعَم، بلْ أفضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. 10فهوَ الَّذي يقولُ فيهِ الكِتابُ: أنا أُرسِلُ رَسولي قُدّامَكَ، ليُهيَّئَ الطَّريقَ أمامَكَ. 11الحقَّ أقولُ لكُم: ما ظهَرَ في النّاسِ أعظمُ مِنْ يوحنّا المَعمدانِ، ولكِنَّ أصغَرَ الَّذينَ في مَلكوتِ السَّماواتِ أعظمُ مِنهُ.(/42)
12فَمِنْ أيّامِ يوحنّا المَعمدانِ إلى اليومِ، والنَّاسُ يَبذُلونَ جَهدَهُم لِدُخولِ مَلكوتِ السَّماواتِ، والمُجاهِدونَ يَدخُلونَهُ. 13فإلى أنْ جاءَ يوحنّا كانَ هُناكَ نُبوءاتُ الأنبياءِ وشَريعَةُ موسى. 14فإذا شِئتُم أنْ تُصَدَّقوا، فاَعلَموا أنَّ يوحنّا هوَ إيليّا المُنتَظرُ. 15مَنْ كانَ لَه أُذُنانِ، فَلْيَسمَعْ!
16بِمَنْ أُشبَّهُ أبناءَ هذا الجِيلِ? هُمْ مِثلُ أولادٍ جالِسينَ في السَّاحاتِ يَتَصايَحُونَ: 17زَمَّرْنا لكُم فما رَقَصْتُم، ونَدَبْنا لكُم فما بكَيتُم. 18جاءَ يوحنّا لا يأكُلُ ولا يَشرَبُ فقالوا: فيهِ شَيطانٌ. 19وجاءَ اَبنُ الإنسانِ يأكُلُ ويَشرَبُ فقالوا: هذا رجُلٌ أكولٌ وسِكّيرٌ وصَديقٌ لِجُباةِ الضَّرائبِ والخاطِئينَ. لكِنَّ الحِكمةَ تُبرَّرُها أعمالُها".
المدن غير التائبة.
20وأخَذَ يَسوعُ يُؤَنَّبُ المُدُنَ التي أجرى فيها أكثرَ مُعجزاتِهِ وما تابَ أهلُها، 21فقالَ: "الويلُ لكِ يا كورَزينَ! الويلُ لكِ يا بيتَ صيدا! فلو كانتِ المُعجزاتُ التي جرَتْ فيكما جرَتْ في صورَ وصيدا، لتابَ أهلُها من زمنٍ بعيدٍ ولبِسوا المسوحَ وقعَدوا على الرمادِ. 22لكنّي أقولُ لكم: سيكونُ مصيرُ صورَ وصيدا يومَ الحِسابِ أكثرَ اَحتمالاً من مصيرِكُما. 23وأنتِ يا كَفْرَ ناحومُ! أتَرتَفعينَ إلى السَّماءِ؟ لا، إلى الجَحيمِ سَتهبُطينَ. فَلو جرَى في سَدومَ ما جرَى فيكِ مِنَ المُعجِزاتِ، لبَقِيَتْ إلى اليومِ. 24لكنّي أقولُ لكُم: سيكونُ مصيرُ سدومَ يومَ الحِسابِ أكثرَ اَحتِمالاً مِنْ مَصيرِكِ".
يسوع يبتهج.
25وتكَلَّمَ يَسوعُ في ذلِكَ الوَقتِ فقالَ: "أحمَدُكَ يا أبي، يا ربَّ السَّماءِ والأرضِ، لأنَّكَ أظْهرتَ للبُسطاءِ ما أخفَيْتَهُ عَنِ الحُكَماءِ والفُهَماءِ. 26نَعَمْ، يا أبي، هذِهِ مَشيئَتُكَ.
27أبي أعطاني كُلَ شيءٍ. ما مِنْ أحدٍ يَعرِفُ الابنَ إلاّ الآبُ، ولا أحدٌ يَعرِفُ الآبَ إلاَّ الابنُ ومَن شاءَ الابنُ أنْ يظُهِرَهُ لهُ.
28تَعالَوا إليَّ يا جميعَ المُتعَبينَ والرّازحينَ تَحتَ أثقالِكُم وأنا أُريحُكُم. 29إحمِلوا نِيري وتعَلَّموا مِنّي تَجِدوا الرّاحةَ لنُفوسِكُم، فأنا وديعٌ مُتواضعُ القَلْبِ، 30ونِيري هيَّنٌ وحِمْلي خَفيفٌ".
وأول شىء تلتقطه أعيننا فى هذا الفصل هو ما جرى بين يحيى وعيسى من رسائل: "2وسمِعَ يوحنّا وهوَ في السَّجنِ بأَعمالِ المَسيحِ، فأرسَلَ إلَيهِ بَعضَ تلاميذِهِ 3ليقولوا لَهُ: "هلْ أنتَ هوَ الَّذي يَجيءُ، أو نَنتظرُ آخَرَ؟". 4فأجابَهُم يَسوعُ: "اَرْجِعوا وأخْبِروا يوحنّا بِما تَسمَعونَ وتَرَوْنَ: 5العميانُ يُبصرونَ، والعُرجُ يمشونَ، والبُرصُ يُطهَّرونَ، والصمٌّ يَسمَعونَ، والمَوتى يَقومونَ، والمَساكينُ يَتلقَّونَ البِشارةَ". إن معنى ذلك هو أن يحيى لم يكن يعرف شيئا عن طبيعة السيد المسيح ولا أنه صاحب دعوة رغم قول كاتب الإنجيل إن دوره هو التمهيد لمجىء السيد المسيح. لكن هل نسى أنه هو نفسه قد قال لعيسى بن مريم إنه لا يستحق أن يعمّده بل أن يتعمّد هو على يديه، وأنه كان حاضرا حين نزلت الحمامة إياها، وجلجل فى أرجاء السماوات الصوت إياه قائلا: "هذا هوَ اَبني الحبيبُ الَّذي بهِ رَضِيتُ"؟: "13وجاءَ يَسوعُ مِنَ الجليلِ إلى الأُردنِ ليتَعَمَّدَ على يدِ يوحنّا. 14فمانَعَهُ يوحنّا وقالَ لَه: "أنا أحتاجُ أنْ أَتعمَّدَ على يدِكَ، فكيفَ تَجيءُ أنتَ إليَّ 15فأجابَهُ يَسوعُ: "ليكُنْ هذا الآنَ، لأنَّنا بِه نُتَمَّمُ مَشيئةَ الله". فَوافَقَهُ يوحنّا. 16وتعمَّدَ يَسوعُ وخَرَجَ في الحالِ مِنَ الماءِ. واَنفَتَحتِ السَّماواتُ لَه، فرأى رُوحَ الله يَهبِطُ كأنَّهُ حَمامَةٌ ويَنزِلُ علَيهِ. 17وقالَ صوتٌ مِنَ السَّماءِ: "هذا هوَ اَبني الحبيبُ الَّذي بهِ رَضِيتُ". أم تراه لم يسمع لأنه كان مشغولا؟ لكن أىّ شغل ذلك الذى منعه من السمع؟ خلاصة القول أنه لا يحيى ولا التلاميذ ولا الذين كان يشفيهم المسيح من المرضى المساكين ولا الذين كانوا يشاهدون تلك الآيات ولا حتى أمه كانوا يعرفون حتى ذلك الحين على الأقل أنه ابن الله! فكيف يريدنا القوم، بعد كل هاتيك القرون، أن نؤمن بشىء لم يكن يعرفه يحيى ولا مريم ولا الحواريون ولا أبناء عصره! ليس ذلك فحسب، فها هو ذا عيسى يقول عن يحيى شهادة خطيرة تنسف كل ادعاء يدعيه المؤلهون له: "الحقَّ أقولُ لكُم: ما ظهَرَ في النّاسِ أعظمُ مِنْ يوحنّا المَعمدانِ". أليست هذه شهادة بأنه ما من أحد يفوق يحيى فى العظمة، بما فى ذلك المسيح نفسه؟ فكيف يكون المسيح إلها أو ابنا له إذن، وهو نفسه يقول إنه لا يَفْضُل يحيى فى شىء؟ يا لها من حيرة ولخبطة! إن كل خطوة نخطوها فى هذا الكتاب إنما نخطوها فوق حقل من الألغام! ثم هل كانت السلطات تمكّن يحيى وهو فى السجن من الالتقاء بأتباعه بهذه الحرية وتحميلهم الرسائل لمن يريد وتسلم الجواب عنها؟ أمر غريب فعلا!(/43)
ومما يحير أيضا قول المسيح عن يحيى إنه لم يكن يأكل أو يشرب. أتراه لم يقرأ إنجيل متى وما جاء فيه من أن يحيى كان يقتات على الجراد والعسل البرى؟ أم إن هذا لا يُعَدّ فى نظره أكلا؟ يذكرنى ذلك برجل فقير عاطل من قريتنا كان يركبه ألف شيطان ويضرب زوجته إذا لم توفر له الشاى واللحم كل يوم، ومهما أتت به له من طعام فإنه لا يرى حينئذ أنه قد أكل. لكنهم لم يقولوا لنا ما أنواع الأكل التى كان عليه السلام يعترف بها طعاما وشرابا؟ الفراخ البانيه والسومون فيميه والجاتوه والشاى الأخضر مثلا؟ كذلك يحيرنا قول كاتب الإنجيل، على لسان سيدنا عيسى، إنه عليه السلام كان يشرب الخمر ويسكر، مع أن زيكو "أبا هَرَّة"، حسبما ذكرتُ من قبل، يؤكد أن النصرانية تتشدد فى أمر الخمر: "18جاءَ يوحنّا لا يأكُلُ ولا يَشرَبُ فقالوا: فيهِ شَيطانٌ. 19وجاءَ اَبنُ الإنسانِ يأكُلُ ويَشرَبُ فقالوا: هذا رجُلٌ أكولٌ وسِكّيرٌ وصَديقٌ لِجُباةِ الضَّرائبِ والخاطِئينَ". فليحل لنا القُمّص المنكوح تلك المعضلة إذن، لكن عليه أن يطهّر دبره المنتن أوّلاً لأن مقاربة العلم تستلزم الطهارة، وهو على حاله تلك أنجس الأنجاس! ومع ذلك فإنى أعترف أن المسيح، صلى الله عليه وسلم، رغم البؤس والكرب اللذين كانا يحيطان به من كل جانب، ورغم أنه كان يأخذ مهمته على أشد ما يكون من الجِدّ والاهتمام ورغم ما كان يغلب عليه من الحزن وضيق الصدر من نفاق اليهود، لم يفقد حِسّه الفكاهى، وإلا فهل كان يمكنه أن يقول: "16بِمَنْ أُشبَّهُ أبناءَ هذا الجِيلِ? هُمْ مِثلُ أولادٍ جالِسينَ في السَّاحاتِ يَتَصايَحُونَ: 17زَمَّرْنا لكُم فما رَقَصْتُم، ونَدَبْنا لكُم فما بكَيتُم. 19وجاءَ اَبنُ الإنسانِ يأكُلُ ويَشرَبُ فقالوا: هذا رجُلٌ أكولٌ وسِكّيرٌ وصَديقٌ لِجُباةِ الضَّرائبِ والخاطِئينَ"؟ وهذا طبعا إن كان قد قاله فعلا!
ومما يحير كذلك فى هذا الفصل قول المسيح فى جوابه على رسالة يحيى عليهما جميعا السلام: "اَرْجِعوا وأخْبِروا يوحنّا بِما تَسمَعونَ وتَرَوْنَ: العميانُ يُبصرونَ، والعُرجُ يمشونَ، والبُرصُ يُطهَّرونَ، والصمٌّ يَسمَعونَ، والمَوتى يَقومونَ، والمَساكينُ يَتلقَّونَ البِشارةَ". والآن أليس هذا يناقض ما كان يأمر به عليه السلام المرضى من التزام الصمت وعدم التلفظ بكلمة واحدة مما أجراه الله على يديه من المعجزات التى شفاهم بها؟ أترك هذه أيضا لزيكو مزازيكو يتسلى بالتفكير فيها ريثما ينتهى من يعتلونه من مهمتهم فيحصل على لونين من اللذة لا على لون واحد، وبسعر لذة واحدة لأننا فى موسم المعارض والأوكوزيونات! ومنه كذلك القول المنسوب للسيد المسيح عليه الصلاة والسلام والذى يقول فيه حسبما زعم كاتب الإنجيل: "اَعلَموا أنَّ يوحنّا هوَ إيليّا المُنتَظرُ". الله أكبر! هل نفهم من هذا أن إيليا قد دخل فم امرأة زكريا وهى نائمة لا تدرى، ومنه إلى بطنها، فتوهمت إليصابات ورجلها أن الله استجاب لدعائهما ووهبهما ولدا من صلبهما؟ والله إن هذا لو كان حدث فإنه لخازوق كبير، لكن فى أى مكان؟ فى دبر زيكو ولا شك! رزقك فى رجليك (أم فى حاجة ثانية؟) يا زيكو! أمك داعية لك!
أما القول التالى المنسوب لعيسى بن مريم: "28تَعالَوا إليَّ يا جميعَ المُتعَبينَ والرّازحينَ تَحتَ أثقالِكُم وأنا أُريحُكُم. 29إحمِلوا نِيري وتعَلَّموا مِنّي تَجِدوا الرّاحةَ لنُفوسِكُم، فأنا وديعٌ مُتواضعُ القَلْبِ، 30ونِيري هيَّنٌ وحِمْلي خَفيفٌ" فما أحوج الإنسانية إليه اليوم حيث غلبت الشهوات وشغلت الناس دنياهم أكثر مما ينبغى ونَسُوا الأخرى فزادت الهموم والأوجاع وثقلت الحمول، ولا سعادة ولا راحة رغم كل هذا التقدم والإنجازات. لقد جاء كل الأنبياء يشرحون لنا أن الآخرة خير من الأولى، وأن التكالب على إشباع الغرائز ونسيان ما عداها لا يؤدى إلا إلى مزيد من الجوع والعطش والقلق والهم والغم والحرمان من السعادة الحقة. وها هو ذا المسيح عليه السلام يقول المعنى نفسه بطريقته وأسلوبه، فاللهم ساعدنا على أن نحسن السمع والإجابة والعمل بهذا الدعاء الجميل المريح الذى يُفْعِم القلب سكينة واطمئنانا: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد/ 28). إن الدنيا جميلة ولا شك، والله لا يريد أن يحرمنا من طيباتها، هذا صحيح، لكن الدنيا وحدها لا تجلب سعادة. لا بد، إذا أردنا للمقص أن يقص، أن نستخدم شقيه معا، وبالمثل إذا أردنا أن نسعد فلا مفر من العمل للدنيا والآخرة معا: "فمنهم من يقول: ربنا، آتنا فى الدنيا. وما له فى الآخرة من خَلاَق* ومنهم من يقول: ربنا، آتنا فى الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقِنَا عذاب النار* أولئك لهم نصيب مما كسبوا، والله سريع الحساب" (البقرة/ 200- 202).
الفصل الثانى عشر:
"السبت.(/44)
في تِلكَ الأيّامِ مَرَّ يَسوعُ في السَّبتِ وسْطَ الحُقولِ، فَجاعَ تلاميذُهُ. فأخَذوا يَقطُفونَ السٌّنبُلَ ويأكُلونَ. 2فلمّا رآهُمُ الفَرَّيسيّونَ قالوا لِيَسوعَ: "أُنظُرْ! تلاميذُكَ يَعمَلونَ ما لا يَحِلُّ في السَّبتِ". 3فأجابَهُم يَسوعُ: "أما قَرأتُمْ ما عَمِلَ داودُ عِندَما جاعَ هوَ ورجالُهُ؟ 4كيفَ دخَلَ بَيتَ الله، وكيفَ أكلُوا خُبزَ القُربانِ، وأكْلُهُ لا يَحِلُّ لهُم، بلْ لِلكهَنَةِ وحدَهُم؟ 5أوَما قَرأتُمْ في شريعةِ موسى أنَّ الكهنَةَ في السَّبتِ يَنتَهِكونَ حُرمَةَ السَّبتِ في الهَيكَلِ ولا لومَ علَيهِم؟ 6أقولُ لكُم: هُنا من هوَ أعظَمُ مِنَ الهَيكَلِ. 7ولو فَهِمتُمْ مَعنى هذِهِ الآيةِ: أُريدُ رَحمَةً لا ذَبيحَةً، لَما حَكَمتُم على مَنْ لا لَومَ علَيهِ. 8فاَبنُ الإنسانِ هوَ سيَّدُ السَّبتِ".
الشفاء في السبت.
9وذهَبَ مِنْ هُناكَ إلى مَجمَعِهِم، 10فوجَدَ رَجُلاً يدُهُ يابِسةٌ. فسألوهُ ليتَّهِموهُ: "أيحِلُّ الشَّفاءُ في السَّبتِ؟"
11فأجابَهُم يَسوعُ: "مَنْ مِنكُم لَه خَروفٌ واحدٌ ووقَعَ في حُفرَةٍ يومَ السَّبتِ، لا يُمسِكُهُ ويُخرجُهُ؟
12والإنسانُ كم هوَ أفضلُ مِنَ الخَروفِ؟ لذلِكَ يَحِلُّ عمَلُ الخَيرِ في السَّبتِ". 13وقالَ يَسوعُ لِلرَّجُلِ: "مُدَّ يدَكَ!" فمَدَّها، فَعادَتْ صَحيحةً مِثلَ اليَدِ الأُخرى. 14فخَرَجَ الفَرّيسيٌّونَ وتَشاوَروا ليقتُلوا يَسوعَ.
رجل الله المختار.
15فلمّا عَلِمَ يَسوعُ اَنصرفَ مِنْ هُناكَ. وتبِعَهُ جمهورٌ كبيرٌ، فشفَى جميعَ مَرضاهُم 16وأمَرَهُم أنْ لا يُخبِروا أحدًا عَنهُ، 17ليتِمَّ ما قالَ النَّبيٌّ إشعيا: 18"ها هوَ فتايَ الَّذي اَخترتُهُ، حبيبي الَّذي بِه رَضِيتُ. سأُفيضُ رُوحي علَيهِ، فيُعلِنُ للشٌّعوبِ إرادتي. 19لا يُخاصِمُ ولا يَصيحُ، وفي الشَّوارعِ لا يَسمَعُ أحدٌ صوتَهُ. 20قصَبَةً مَرضوضَةً لا يكسِرُ، وشُعلةً ذابِلَةً لا يُطفئْ. يُثابِرُ حتَّى تَنتَصِرَ إرادَتي، 21وعلى اَسمِهِ رَجاءُ الشٌّعوبِ".
يسوع وبعلزبول.
22وجاءَ بعضُ النّاس إلى يَسوعَ بِرَجُلٍ أعمى أخرَسَ، فيهِ شَيطانٌ. فشفَى يَسوعُ الرَّجُلَ حتى تكلَّمَ وأبصَرَ. 23فتَعَجَّبَ الجُموعُ كُلٌّهُم وتَساءلوا: "أما هذا اَبنُ داودَ؟" 24وسَمِعَ الفَرَّيسيٌّونَ كلامَهُم، فقالوا: "هوَ يَطرُدُ الشَّياطينَ بِبعلِزَبولَ رئيس الشَّياطينَ". 25وعرَفَ يَسوعُ أفكارَهُم، فقالَ لهُم: "كُلُّ مملَكَةٍ تَنقَسِمُ تَخرَبُ، وكُلُّ مدينةٍ أو عائِلةٍ تنقَسِمُ لا تثْبُتُ. 26وإنْ كانَ الشَّيطانُ يَطرُدُ الشَّيطانَ، فيكونَ اَنقَسَمَ. فكيفَ تَثبُتُ مملكَتُهُ؟ 27وإنْ كُنتُ بِبعلِزَبولَ أطرُدُ الشَّياطينَ، فبِمَنْ يَطرُدُهُ أتباعُكُم؟ لذلِكَ همُ يحكُمونَ علَيكُم. 28وأمّا إذا كُنتُ بِرُوحِ الله أطرُدُ الشَّياطينَ، فمَلكوتُ الله حَلَ بَينَكُم. 29كيفَ يقدِرُ أحَدٌ أنْ يَدخُلَ بَيتَ رَجُلٍ قويٍّ ويَسرِقَ أمتِعَتَهُ، إلاّ إذا قَيَّدَ هذا الرَّجُلَ القَويَّ أوَّلاً، ثُمَّ أخَذَ ينهَبُ بَيتَهُ؟
30مَنْ لا يكونُ مَعي فهوَ علَيَّ، ومَنْ لا يَجمعُ مَعي فهوَ يُبدَّدُ. 31لذلِكَ أقولُ لكُم: كُلُّ خَطيئةٍ وتَجْديفٍ يُغْفَرُ لِلنّاسِ، وأمَّ? التَّجديفُ على الرٌّوحِ القُدُسِ فلَنْ يُغفرَ لهُم. 32ومَنْ قالَ كلِمَةً على اَبنِ الإنسانِ يُغفَرُ لَه، وأمّا مَنْ قالَ على الرٌّوحِ القُدُسِ، فلن يُغفَرَ لَه، لا في هذِهِ الدٌّنيا ولا في الآخِرَةِ.
الشجرة وثمرها.
33"إجعَلوا الشَّجرَةَ جيَّدةً تحمِلُ ثمرًا جيَّدًا. واَجعَلوا الشَّجرَةَ رديئةً تَحمِلُ ثَمَرًا رديئًا. فالشَّجرَةُ يَدلُّ علَيها ثَمَرُها. 34يا أولادَ الأفاعي، كيفَ يُمكِنُكُم أنْ تقولوا كلامًا صالِحًا وأنتُم أشرارٌ؟ لأنَّ مِنْ فَيضِ القلبِ يَنطِقُ اللَّسانُ. 35الإنسانُ الصّالِحُ مِنْ كنزِهِ الصّالِحِ يُخرِجُ ما هوَ صالِحٌ، والإنسانُ الشَّرّيرُ مِنْ كنزِهِ الشَّرَّيرِ يُخرِجُ ما هوَ شرَّيرٌ.
36أقولُ لكُم: كُلُّ كَلِمَةٍ فارِغَةٍ يقولُها النّاسُ يُحاسَبونَ علَيها يومَ الدَّينِ. 37لأنَّكَ بكلامِكَ تُبرَّرُ وبِكلامِكَ تُدانُ".
الفريسيون يطلبون آية.(/45)
38وقالَ لَه بعضُ مُعلَّمي الشَّريعَةِ والفَرّيسيّينَ: "يا مُعلَّمُ، نُريدُ أنْ نرى مِنكَ آيَةً". 39فأجابَهُم: "جِيلٌ شرّيرٌ فاسِقٌ يَطلُبُ آيةً، ولن يكونَ لَه سِوى آيةِ النبيَّ يونانَ. 40فكما بَقِيَ يونانُ ثلاثَةَ أيّامِ بِلَياليها في بَطنِ الحُوتِ، كذلِكَ يَبقى اَبنُ الإنسانِ ثلاثَةَ أيّامِ بلَياليها في جوفِ الأرضِ. 41أهلُ نينَوى سَيَقومونَ يومَ الحِسابِ معَ هذا الجِيلِ ويَحكمونَ علَيهِ، لأنَّ أهلَ نينَوى تابوا عِندَما سَمِعوا إنذارَ يونانَ، وهُنا الآنَ أَعظمُ مِنْ يونانَ. 42ومَلِكَةُ الجَنوبِ سَتَقومُ يومَ الحِسابِ معَ هذا الجِيلِ وتحكُمُ علَيهِ، لأنَّها جاءَتْ مِنْ أقاصي الأرضِ لتسمَعَ حِكمَةَ سُليمانَ، وهُنا الآنَ أعظمُ مِنْ سُليمانَ.
عودة الروح النجس.
43"إذا خرَجَ الرّوحُ النَّجِسُ مِنْ إنسانٍ، هامَ في الصَّحارى يَطلُبُ الرَّاحَةَ فلا يَجِدُها، 44فيقولُ: أرجِعُ إلى بَيتي الَّذي خرَجتُ مِنهُ. فيَرجِعُ ويَجدُهُ خاليًا نَظيفًا مُرتَّبًا. 45فيَذهَبُ ويَجيءُ بسبعَةِ أرواحِ أخبثَ مِنهُ، فتدخُلُ وتَسكُنُ فيهِ. فتكونُ حالُ ذلِكَ الإنسانِ في آخِرها أسْوأَ مِنْ حالِهِ في أوَّلِها. وهكذا يكونُ مَصيرُ هذا الجِيلِ الشَّرّيرِ".
أم يسوع وإخوته.
46وبَينَما يَسوعُ يُكلَّمُ الجُموعَ، جاءَتْ أمٌّهُ وإخوَتُهُ ووقَفوا في خارِجِ الدّارِ يَطلُبونَ أن يُكلَّموهُ. 47فقالَ لَه أحَدُ الحاضِرينَ: "أُمٌّكَ وإخوتُكَ واقفونَ في خارجِ الدّارِ يُريدونَ أنْ يُكلَّموكَ".
48فأجابَهُ يَسوعُ: "مَنْ هيَ أُمّي، ومَنْ هُمْ إخْوَتي؟" 49وأشارَ بيدِهِ إلى تلاميذِهِ وقالَ: "هؤُلاءِ هُمْ أُمّي وإخوَتي. 50لأنَّ مَنْ يعمَلُ بمشيئةِ أبي الَّذي في السَّماواتِ هوَ أخي وأُختي وأُمّي".
لو أغضينا البصر عن اجتياح الجماعة للحقل وأكلهم من سنابله دون إذن من صاحبه، وهى النتيجة الحتمية للدعوة الغريبة إلى تطليق الدنيا وعدم التفكير فى أمور المعيشة وترك العمل على أساس أن هناك ربا يدبر الرزق فلا تشغل نفسك فى شىء منه، مما يدل على أننا لا نستطيع الاستغناء عن الدنيا فى الواقع مهما فعلنا، وأننا إن طردناها من الباب عادت بكل عنفوانها من الشباك لأنها فى دمنا وفى خلايا أجسادنا، ولا مناص منها، فهى إذن تسكننا قبل أن نسكنها، أقول: لو أغضينا البصر عن اجتياح الجماعة للحقل وأكلهم من سنابله دون إذن من صاحبه، فإننا لا نملك إلا أن نهتف إعجابا بهجوم السيد المسيح على الحَرْفيين المتزمتين فى أمور الدين الذين يظنون أن الله خلق الإنسان فى خدمة النص لا أنه سبحانه وتعالى قد أنزل الأديان فى خدمة العباد وتحقيق راحة بالهم. وهذا الصنف من الناس موجودون داخل كل دين، ولدينا من يقيم الدنيا ويقعدها لإقناع الناس بأن صوت المرأة عورة، ويا ويل من تنفر شعرة واحدة فى رأسها من تحت الخمار مثلا. وفى أيام المسيح (وما زال الأمر كذلك حتى الآن) كان هناك يهود يحرصون أشد الحرص على مطابقة التعاليم الشكلية حتى لو أدى ذلك إلى ضياع جوهر النص: فالعمل مثلا يوم السبت حرام حتى لو كان إجراءَ عملية لمريض مهدد بالموت إن لم يسارع الطبيب لإجرائها. وقد سمعت بعضهم عندنا منذ سنوات ينادى بأن على الطبيب ألا تفوته الصلاة فى موعدها حتى لو كان يجرى عملية جراحية خطيرة، بل يجب أن يترك العملية فى وسطها ويهبّ للصلاة، فالصلاة أهم من كل شىء. لذلك علقت قائلا: ولهذا فإن الرجل يذهب لأمريكا إذا أراد أن يجرى عملية جراحية لأنهم هناك لا يصلّون، ومن ثم لن يتركوه يفطس ويذهبوا للصلاة! لكنى لا أقصد أن الدين جوهر فقط، بل هو شكل وجوهر، بيد أن الاهتمام المغالى بالشكليات على حساب الغايات العليا للدين من شأنه أن يفرغ الدين من مضمونه ويحوله جثة هامدة بلا روح!(/46)
وفى الإسلام أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الله يحب أن تُؤْتَى رخصه كما يحب أن تُؤْتَى عزائمه، وأنه سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعا، وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها. كذلك يقول سبحانه وتعالى: "يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر" (البقرة/ 185)، ويقول جل جلاله: "لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم" (الحج/ 37). أوليس يشبه هذا ما رُوِىَ هنا عن السيد المسيح عليه السلام: "6أقولُ لكُم: هُنا من هوَ أعظَمُ مِنَ الهَيكَلِ. 7ولو فَهِمتُمْ مَعنى هذِهِ الآيةِ: أُريدُ رَحمَةً لا ذَبيحَةً، لَما حَكَمتُم على مَنْ لا لَومَ علَيهِ. 8فاَبنُ الإنسانِ هوَ سيَّدُ السَّبتِ"؟ ولقد أفاض، ولا يزال يُفِيضُ، أوغاد المستشرقين وأوباش المبشرين فى الكلام مثلا عن السَّرِيّة المسلمة فى عهد الرسول التى هاجمت المشركين القتلة المجرمين فى الشهر الحرام، مع أن القرآن قد حسمها بنفس المنطق الذى حسم به المسيح مسألة السبت: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " (البقرة/ 194)، "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا" (البقرة/ 217).
أما نَهْى المسيح للمرضى الذين شفاهم عن أن يفتحوا فمهم بكلمة عما حدث فهو غريب بعد أن رأيناه يطلب بنفسه من أتباع يحيى عليه السلام إبلاغه بالمعجزات التى تمت على يديه، وهو ما يحتار الإنسان معه ولا يدرى: أيهما الصواب؟ نفتح الشباك أم نغلق الشباك؟ اُرْسُوا يا عالَم على بَرّ! ثم عندنا النبوءة الإشَعْيَاوِيّة التى يؤولها القوم كالعادة كى تنطبق على السيد المسيح ("الله" أو "ابن الله" طبقا لمزاعمهم) عبثا وبالقوة: "18ها هوَ فتايَ الَّذي اَخترتُهُ، حبيبي الَّذي بِه رَضِيتُ. سأُفيضُ رُوحي علَيهِ، فيُعلِنُ للشٌّعوبِ إرادتي. 19لا يُخاصِمُ ولا يَصيحُ، وفي الشَّوارعِ لا يَسمَعُ أحدٌ صوتَهُ. 20قصَبَةً مَرضوضَةً لا يكسِرُ، وشُعلةً ذابِلَةً لا يُطفئْ. يُثابِرُ حتَّى تَنتَصِرَ إرادَتي، 21وعلى اَسمِهِ رَجاءُ الشٌّعوبِ". ترى هل كان عيسى بن مريم لا يخاصم ولا يصيح؟ فمن الذى كان يدمدم باللعنات على الفريسيين والصدوقيين وعلى كورزين وبيت صيدا وكفر ناحوم؟ ومن الذى كان يتهم هذا بالمراءاة، وذاك بالكفر، ويصف هؤلاء بأنهم"أولاد الأفاعى"، وأولئك بأنهم "الجيل الشرير الفاسق"؟ ومن الذى كان ينادى تلاميذه بـ"يا قليلى الإيمان"؟ ومن الذى قال إنه لم يجئ ليلقى سلاما بل سيفا حتى يقوم الناس بل أفراد البيت الواحد على بعضهم البعض وتتمزق الروابط الأسرية؟ ومن الذى اقتحم المعبد فى أورشليم وطرد الباعة منه وقلب موائد الصيارفة وسبَّهم سبًّا شنيعًا؟ ومن الذى نهر منبّهه إلى رغبة أمه وإخوته فى رؤيته وقال مستنكرا فى خشونة عارية: من أمى؟ من إخوتى؟ إن أمى وأخوتى هم من يعملون بما يريده الله، بما يدل على أنه لا يراهم ممن يطيعون مشيئة ربه؟ ولست أريد أن أتهمه عليه السلام بشىء، بل كل ما هنالك أننى ألفت النظر إلى أن ما تقوله الأناجيل ينبغى أن يُتَلَقَّى بغاية الحذر والاحتراس، لأنها من صنع بشر ذوى أهواء يفتقرون للضبط!(/47)
ومرة أخرى نرجع لسفر "إشعيا" لنرى بأنفسنا ماذا فيه: "1 هوذا عبدي الذي اعضده مختاري الذي سرّت به نفسي . وضعت روحي عليه فيخرج الحق للامم . 2 لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته . 3 قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ . الى الامان يخرج الحق . 4 لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الارض وتنتظر الجزائر شريعته 5 هكذا يقول الله الرب خالق السموات وناشرها باسط الارض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحا . 6 انا الرب قد دعوتك بالبر فامسك بيدك واحفظك واجعلك عهدا للشعب ونورا للامم 7 لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة 8 انا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات . 9 هو ذا الاوليات قد اتت والحديثات انا مخبر بها . قبل ان تنبت اعلمكم بها . 10 غنوا للرب اغنية جديدة تسبيحه من اقصى الارض . ايها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها . 11 لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع . من رؤوس الجبال ليهتفوا. 12 ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر . 13 الرب كالجبار يخرج . كرجل حروب ينهض غيرته . يهتف ويصرخ ويقوى على اعدائه 14 قد صمت منذ الدهر سكت تجلدت . كالوالدة اصيح . انفخ وانخر معا 15 اخرب الجبال والآكام واجفف كل عشبها واجعل الانهار يبسا وانشف الآجام 16 واسير العمي في طريق لم يعرفوها . في مسالك لم يدروها امشيهم. اجعل الظلمة امامهم نورا والمعوجات مستقيمة هذه الامور افعلها ولا اتركهم . 17 قد ارتدوا الى الوراء . يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات انتنّ آلهتنا 18 ايها الصم اسمعوا . ايها العمي انظروا لتبصروا . 19 من هو اعمى الا عبدي واصم كرسولي الذي أرسله. من هو اعمى كالكامل واعمى كعبد الرب . 20 ناظر كثيرا ولا تلاحظ. مفتوح الاذنين ولا يسمع . 21 الرب قد سرّ من اجل بره . يعظّم الشريعة ويكرمها . 22 ولكنه شعب منهوب ومسلوب قد اصطيد في الحفر كله وفي بيوت الحبوس اختبأوا . صاروا نهبا ولا منقذ وسلبا وليس من يقول رد 23 من منكم يسمع هذا . يصغى ويسمع لما بعد . 24 من دفع يعقوب الى السلب واسرائيل الى الناهبين . أليس الرب الذي اخطأنا اليه ولم يشاءوا ان يسلكوا في طرقه ولم يسمعوا لشريعته . 25 فسكب عليه حمو غضبه وشدة الحرب فاوقدته من كل ناحية ولم يعرفوا حرقته ولم يضع في قلبه" (إشعيا/ 42).
ويرى القارئ بنفسه أن النص فى "إشعيا" يقول: "عبدى"، لكن مَتَّى يقول: "فتاى"، وطبعا سوف يذهب الذهن إلى أن المقصود بكلمة "فتاى" هو أن المسيح "ابنُ الله" سبحانه وتعالى عن أن يكون له ولد. وعلى هذا فإما أن نقول إن الكلام هنا عن المسيح، لكن لا بد أن نضيف أن الله يسميه: "عبدى"، وإما أن نقول إن الكلام لا علاقة له بالمسيح، وهو ما أراه. لماذا؟ لقد رأينا أن الوصف الأول الذى وُصِف به الشخص المذكور فى "إشعيا" لا يصدق على السيد المسيح، وهذه الملاحظة تنطبق على بقية الأوصاف: فالكلام فى "إشعيا" يذكر أن له شريعة، وهذا منافٍ لحقيقة دعوة المسيح، إذ إنه عليه السلام لم يأت بأية شريعة، بل تقول الأناجيل إنه قد ألغى معظم شريعة موسى، ثم جاء بولس فألغى الباقى. كذلك يذكر النص أنه كان يحكم بالحق (أو "بالعدل" كما فى ترجمة جمعية الكتاب المقدس بلبنان)، ولم يكن المسيح يوما حاكما، بل لقد قال فى حسم إن مملكته ليست من هذا العالم. كما أنه حين أتاه اليهود بامرأة زانية لم يصدر بشأنها حكما. ومن هنا فإن قول السِّفْر المذكور إنه "لا يكلّ ولا ينكسر حتى يضع الحق في الارض وتنتظر الجزائر شريعته" لا يمكن أن يكون المقصود به عيسى عليه السلام. ثم إن الله قد تكفل بحفظ عبده هذا، بينما النصارى يقولون إن المسيح قد صُلِب وقُتِل لأن الله إنما أرسله للعالم لكى يُصْلَب ويُقْتَل. وأخيرا وليس آخرا فإن النص يتحدث عن بنى إسرائيل وكيف أن الله عاقبهم على نشوفة دماغهم وتصلب رقابهم ويريد الآن أن يُقِيلهم من عثرتهم على يد الشخص الذى يتحدث عنه النص. وهو ما لا ينطبق على المسيح، فإن بنى إسرائيل لم يؤمنوا به، ولا نهضوا على يديه من ترديهم الذى عاقبهم الله عليه، بل صلبوه وقتلوه طبقا لرواية الأناجيل التى بين أيدينا. والآن ألا يرى القارئ معى أن تفسير النصارى لنبوءات العهد القديم هو من الركاكة العقلية بحيث لا تستحق أن نوليه اهتمامنا البتة؟ وهذا خازوق جديد نُهْدِيه لزيكو، وعليه أن يستعد لاستقباله فى الموضع الملائم من مؤخرته النتنة مثله!(/48)
ومرة أخرى نسمع الناس الذين شفاهم المسيح عليه السلام يقولون عنه إعجابا بما صنع من معجزات الشفاء: "أمَا هذا ابن داود؟"، ولم يقولوا: "أمَا هذا ابن الله؟". أى أن الناس لم يكونوا يعرفونه إلا على أنه بشر، وليس ابن الله! ومن؟ إنهم الذين كانوا ينبغى أن يكونوا أول مؤلهيه لو كانت المعجزات التى تمت على يديه دليلا على ألوهيته كما يقول الرقيع المسكوع زيكو الملسوع! ثم ها هو ذا يقول بنفسه: "مَنْ قالَ كلِمَةً على اَبنِ الإنسانِ يُغفَرُ لَه، وأمّا مَنْ قالَ على الرٌّوحِ القُدُسِ، فلن يُغفَرَ لَه، لا في هذِهِ الدٌّنيا ولا في الآخِرَةِ"، وهو دليل قاطع على أنه يميز بين "ابن الإنسان" (أى المسيح) والروح القدس واضعا نفسه فى مرتبة أقل كثيرا من الروح القدس بما لا يقاس، بما يعنى أنه ليس إلا بشرا كسائر البشر.
ثم إلى النص الغريب من كل الوجوه: غريب لأن المسيح يبدو لنا فيه ابنًا عاقًّا لا يستجيب لما تريده أمه رغم أنها لا تأمره بمعصية. وغريب لأننا نسمع المسيح يقول فى حق أمه وإخوته كلاما جافيا خشنا، وليست هكذا صورة المسيح التى يحرص النصارى على رسمها له صلى الله عليه وسلم رغم أن ما كتبه عنه مؤلفو الأناجيل لا يتناسب معها. وغريب لأن معنى كلامه عن أمه وإخوته هو أنهم لم يكونوا من المؤمنين بدعوته ولا من المطيعين لأوامر الله ونواهيه، أو بتعبيره: لم يكونوا يعملون بمشيئة أبيه الذى فى السماء، بخلاف تلاميذه، الذين وصفهم بأنهم أمه وإخوته الحقيقيون! وغريب كذلك لأنه أوقع الكذاب فى الفخ، إذ يشاء الله أن يُعْمِىَ أبصار كتاب الأناجيل فلا يتنبهوا لشُنْع ما لفقت أيديهم ولا يحذفوه من ثم: "46وبَينَما يَسوعُ يُكلَّمُ الجُموعَ، جاءَتْ أمٌّهُ وإخوَتُهُ ووقَفوا في خارِجِ الدّارِ يَطلُبونَ أن يُكلَّموهُ. 47فقالَ لَه أحَدُ الحاضِرينَ: "أُمٌّكَ وإخوتُكَ واقفونَ في خارجِ الدّارِ يُريدونَ أنْ يُكلَّموكَ".48فأجابَهُ يَسوعُ: "مَنْ هيَ أُمّي، ومَنْ هُمْ إخْوَتي؟" 49وأشارَ بيدِهِ إلى تلاميذِهِ وقالَ: "هؤُلاءِ هُمْ أُمّي وإخوَتي. 50لأنَّ مَنْ يعمَلُ بمشيئةِ أبي الَّذي في السَّماواتِ هوَ أخي وأُختي وأُمّي". ثم بعد ذلك لا يستحى القوم فيسمّون السيدة مريم: أم الإله! على أية حال كان ينبغى أن يرى السيد المسيح ماذا تريد منه أمه وإخوته حتى لو لم يكونوا يؤمنون بدعوته (وهو ما لا أظنه أبدا)، فلا شك أن بِرّ الوالدين وصلة الرحم مطلوبة حتى مع أقارب الإنسان الكفار ما داموا لا يُكْرِهونه على الشرك ولا يطالبونه به. وإذا لم يُرَاعِ السيد المسيح هذا، وهو الرسول الكريم الذى اختاره الله وصنعه على عينه كبقية رسله الكرام، فمن يا ترى يراعيه غيره؟ أما القرآن فيصفه بلسان نفسه على النحو التالى فى سورة "مريم": "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)".
الفصل الثالث عشر:
"مثل الزارع.
وخرَجَ يَسوعُ مِنَ الدّارِ في ذلِكَ اليومِ وجلَسَ بجانبِ البحرِ. 2فاَزدحَمَ علَيهِ جَمْعٌ كبيرٌ، حتّى إنَّهُ صَعِدَ إلى قارِبٍ وجلَسَ فيهِ، والجَمعُ كُلٌّهُ على الشَّاطئِ، 3فكلَّمَهُم بأمثالٍ على أُمورٍ كثيرةٍ قالَ: "خرَجَ الزّارِعُ ليزرَعَ. 4وبَينَما هوَ يَزرَعُ، وقَعَ بَعضُ الحَبَّ على جانِبِ الطَّريقِ، فجاءَتِ الطٌّيورُ وأكَلَتْهُ. 5ووقَعَ بَعضُهُ على أرضٍ صَخْريَّةٍ قليلةِ التٌّرابِ، فنَبَتَ في الحالِ لأنَّ تُرابَهُ كانَ بِلا عُمقٍ. 6فلمَّا أشرَقَتِ الشَّمسُ اَحتَرَقَ وكانَ بِلا جُذورٍ فيَبِسَ. 7ووقَعَ بعضُهُ على الشَّوكِ، فطَلَعَ الشٌّوكُ وخَنقَهُ. 8ومِنهُ ما وقَعَ على أرضٍ طيَّبةٍ، فأعطى بَعضُهُ مِئةً، وبَعضُهُ سِتَّينَ، وبَعضُهُ ثلاثينَ. 9مَنْ كانَ لَه أُذنانِ، فلْيَسمَعْ!"
الغاية من الأمثال.(/49)
10فدَنا مِنهُ تلاميذُهُ وقالوا لَه: "لِماذا تُخاطِبُهُم بالأمثالِ؟" 11فأجابَهُم: "أنتُمُ أُعطيتُم أنْ تعرِفوا أسرارَ مَلكوتِ السَّماواتِ، وأمّا هُم فما أُعطُوا. 12لأنَّ مَنْ كانَ لَه شيءٌ، يُزادُ فيَفيضُ. ومَنْ لا شيءَ لَه، يُؤخَذُ مِنهُ حتى الَّذي لَه. 13وأنا أُخاطِبُهُم بالأمثالِ لأنَّهُم يَنظُرونَ فلا يُبصِرونَ، ويُصغونَ فلا يَسمَعونَ ولا يَفهَمونَ. 14ففيهِم تَتِمٌّ نُبوءةُ إشَعْيا: "مَهما سَمِعتُم لا تَفهَمونَ، ومَهما نَظَرْتُم لا تُبصِرونَ. 15لأنَّ هذا الشَّعبَ تحَجَّرَ قلبُهُ، فسَدٌّوا آذانَهُم وأغْمَضوا عُيونَهُم، لِئلاَّ يُبصِروا بِعُيونِهِم ويَسمَعوا بآذانِهِم ويَفهَموا بِقُلوبِهِم ويَتوبوا فأَشفيَهُم". 16وأمّا أنتُمْ فهَنيئًا لكُم لأنَّ عيونَكُم تُبصِرُ وآذانَكُم تَسمَعُ. 17الحقَّ أقولُ لكُم: كثيرٌ مِنَ الأنبياءِ والأبرارِ تَمنَّوا أنْ يَرَوْا ما أنتمُ تَرَونَ فَما رأوا، وأنْ يَسمَعوا ما أنتُم تَسمَعونَ فما سَمِعوا.
تفسير مثل الزارع.
18"فاَسمَعوا أنتُم مَغْزى مَثَلِ الزّارعِ: 19مَنْ يَسمَعُ كلامَ المَلكوتِ ولا يَفهَمُهُ، فهوَ المَزروعُ في جانبِ الطَّريقِ، فيجيءُ الشَّرّيرُ ويَنتَزِ.عُ ما هوَ مَزروعٌ في قلبِهِ. 20ومَنْ يَسمَعُ كلامَ المَلكوتِ ويتَقَبَّلُهُ في الحالِ فَرِحًا، فهوَ المَزروعُ في أرضٍ صخريَّةٍ: 21لا جُذورَ لَه في نَفسِهِ، فيكونُ إلى حينٍ. فإذا حدَثَ ضِيقٌ أوِ اَضطهادٌ مِنْ أجلِ كلامِ المَلكوتِ، اَرتدَّ عَنهُ في الحالِ. 22ومَنْ يَسمَعُ كلامَ المَلكوتِ ولا يُعطي ثَمرًا فهوَ المَزروعُ في الشَّوكِ: لَه مِنْ هُمومِ هذِهِ الدٌّنيا ومَحبَّةِ الغِنى ما يَخنُقُ الثّمرَ فيهِ. 23وأمّا مَنْ يَسمعُ كلامَ المَلكوتِ ويفهَمُهُ، فهوَ المَزروعُ في الأرضِ الطيَّبةِ، فيُثمِرُ ويُعطي بَعضُهُ مِئةً، وبعضُهُ سِتَّينَ، وبعضُهُ ثلاثينَ".
مثل الزؤان.
24وقَدَّمَ لهُم يَسوعُ مَثلاً آخرَ، قالَ: "يُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ رَجُلاً زرَعَ زَرْعًا جيَّدًا في حقلِهِ. 25وبَينَما النَّاسُ نِيامٌ، جاءَ عَدوٌّهُ وزَرعَ بَينَ القَمحِ زؤانًا ومضى. 26فلمّا طلَعَ النَّباتُ وأخرَجَ سُنبلَه، ظهَرَ الزؤانُ معَهُ. 27فجاءَ خدَمُ صاحِبِ الحَقلِ وقالوا لَه: "يا سيَّدُ أنتَ زَرَعْتَ زَرعًا جيَّدًا في حَقلِكَ، فمِنْ أينَ جاءَهُ الزؤانُ؟" 28فأجابَهُم: "عَدوٌّ فعَلَ هذا". فقالوا لَه: "أتُريدُ أنْ نَذهَبَ لِنَجمَعَ الزؤانَ؟" 29فأجابَ: "لا، لِئلاَّ تَقلَعوا القَمحَ وأنتُم تَجمعونَ الزؤانَ. 30فاَترُكوا القَمحَ يَنمو معَ الزؤانِ إلى يومِ الحَصادِ، فأقولُ للحَصَّادينَ: اَجمَعوا الزؤانَ أوَّلاً واَحزِموهُ حِزَمًا لِيُحرَق، وأمّا القمحُ فاَجمعوهُ إلى مَخزَني".
مثل حبة الخردل.
31وقدَّمَ لهُم مَثلاً آخرَ، قالَ: "يُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ حبَّةً مِن خَردلٍ أخذَها رَجُلٌ وزَرَعَها في حَقلِهِ. 32هيَ أصغرُ الحبوبِ كُلَّها، ولكِنَّها إذا نَمَتْ كانَت أكبَرَ البُقولِ، بل صارَتْ شجَرَةً، حتَّى إنَّ طُيورَ السَّماءِ تَجيءُ وتُعشَّشُ في أغصانِها".
مثل الخميرة.
33وقالَ لهُم هذا المَثَلَ: "يُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ خَميرةً أخذَتْها اَمرأةٌ ووَضَعَتْها في ثلاثةِ أكيالٍ مِنَ الدَّقيقِ حتى اَختَمرَ العَجينُ كُلٌّهُ".
يسوع والأمثال.
34هذا كلٌّهُ قالَه يَسوعُ للجُموعِ بالأمثالِ. وكانَ لا يُخاطِبُهُم إلاَّ بأمثالٍ. 35فتَمَّ ما قالَ النبيٌّ: "بالأمثالِ أنطِقُ، فأُعلِنُ ما كانَ خفيُا مُنذُ إنشاءِ العالَمِ".
تفسير مثل الزؤان.
36وترَكَ يَسوعُ الجُموعَ ودخَلَ إلى البَيتِ، فجاءَ إليهِ تلاميذُهُ وقالوا لَه: "فَسَّرْ لنا مثَلَ زؤانِ الحَقلِ". 37فأجابَهُم: "الَّذي زَرعَ زَرْعًا جيَّدًا هوَ اَبنُ الإنسانِ، 38والحَقلُ هوَ العالَمُ، والزَّرعُ الجيَّدُ هوَ أبناءُ المَلكوتِ، والزؤانُ هوَ أبناءُ الشَّرّيرِ، 39والعدوٌّ الذي زرَعَ الزؤانَ هوَ إبليسُ، والحَصادُ هوَ نِهايةُ العالَمِ، والحصَّادونَ هُم الملائِكةُ. 40وكما يجمَعُ الزّارعُ الزؤانَ ويَحرِقُهُ في النّارِ، فكذلِكَ يكونُ في نِهايَةِ العالَمِ: 41يُرسِلُ اَبنُ الإنسانِ ملائِكتَهُ، فيَجْمعونَ مِنْ مَلكوتِهِ كُلَ المُفسِدينَ والأشرارِ 42ويَرمونَهُم في أتونِ النّارِ، فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ. 43وأمّا الأبرارُ، فيُشرِقونَ كالشَّمسِ في مَلكوتِ أبيهِم. مَنْ كانَ لَه أُذُنانِ، فلْيَسمَعْ!
مثل الكنز واللؤلؤة والشبكة.
44"ويُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ كَنزًا مدفونًا في حَقلٍ، وجَدَهُ رجُلٌ فَخبّأهُ، ومِنْ فرَحِهِ مَضى فباعَ كُلَ ما يَملِكُ واَشتَرى ذلِكَ الحَقلَ.
45ويُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ تاجِرًا كانَ يبحَثُ عَنْ لُؤلُؤ ثَمينٍ. 46فلمّا وجَدَ لُؤلُؤةً ثَمينَةً، مضى وباعَ كُلَ ما يَملِكُ واَشتَراها.(/50)
47ويُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ شبكَةً ألقاها الصَيّادونَ في البحرِ، فجَمَعتْ سَمكًا مِنْ كُلٌ نوعِ. 48فلمّا اَمتَلأتْ أخرَجَها الصَيَّادونَ إلى الشّاطئ، فوَضَعوا السَّمكَ الجيَّدَ في سِلالِهِم ورَمَوا الرّديءَ. 49وهكذا يكونُ في نِهايَةِ العالَمِ: يَجيءُ الملائِكةُ، ويَنتَقونَ الأشرارَ مِنْ بَينِ الصّالِحينَ 50ويَرمونَهُم في أتّونِ النّارِ. فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ".
الجديد والقديم.
51وسألَ يَسوعُ تلاميذَهُ: "أفَهِمتُم هذا كُلَّهُ؟" فأجابوهُ: "نعم". 52فقالَ لهُم: "إذًا، كُلُّ مَنْ صارَ مِنْ مُعَلَّمي الشَّريعةِ تلميذًا في مَلكوتِ السَّماواتِ، يُشبِهُ ربَّ بَيتٍ يُخرِجُ مِنْ كنزِهِ كُلَ جديدٍ وقَديمِ".
الناصرة ترفض يسوع.
53ولمّا أتَمَّ يَسوعُ هذِهِ الأمثالَ، ذهَبَ مِنْ هُناكَ_ 54وعادَ إلى بلَدِهِ، وأخَذَ يُعلَّمُ في مَجمَعِهِم، فتَعَجَّبوا وتَساءَلوا: "مِنْ أينَ لَه هذِهِ الحِكمةُ وتِلْكَ المُعْجزاتُ؟ 55أما هوَ اَبنُ النجّارِ؟ أُمٌّهُ تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟ 56أما جميعُ أخَواتِهِ عِندَنا؟ فمِنْ أينَ لَه كُلُّ هذا؟" 57ورَفَضوهُ.
فقالَ لهُم يَسوعُ: "لا نبيَّ بِلا كرامةٍ إلاّ في وَطَنِهِ وبَيتِهِ". 58وما صنَعَ هُناكَ كثيرًا مِنَ المُعجِزاتِ لِعَدَمِ إيمانِهِم به"ِ.
فى هذا الفصل يسوق متّى عددا من الأمثال التى ضربها السيد المسيح لتوضيح ما يريد أن يبلّغه للجموع، وفى القرآن والأحاديث أيضا أمثال كثيرة وُضِعَتْ فيها كتب ودراسات. ومن الطبيعى أن يلجأ الأنبياء إلى هذه الوسيلة لنجاعتها فى توضيح المعنى وإبرازه وحفره فى القلب بحروف من نور، وكذلك لما فى الأمثال من متعة فنية بما تتميز به من ألوان وتصاوير حية يفتقدها الكلام المجرد البارد. وما أجمل الأمثال التى أُثِرَتْ عن المسيح وأشدّ علوقها بالنفس وأفعل تأثيرها فيها، ومنها مثل الزارع والحب الذى مر بنا: "خرَجَ الزّارِعُ ليزرَعَ. 4وبَينَما هوَ يَزرَعُ، وقَعَ بَعضُ الحَبَّ على جانِبِ الطَّريقِ، فجاءَتِ الطٌّيورُ وأكَلَتْهُ. 5ووقَعَ بَعضُهُ على أرضٍ صَخْريَّةٍ قليلةِ التٌّرابِ، فنَبَتَ في الحالِ لأنَّ تُرابَهُ كانَ بِلا عُمقٍ. 6فلمَّا أشرَقَتِ الشَّمسُ اَحتَرَقَ وكانَ بِلا جُذورٍ فيَبِسَ. 7ووقَعَ بعضُهُ على الشَّوكِ، فطَلَعَ الشٌّوكُ وخَنقَهُ. 8ومِنهُ ما وقَعَ على أرضٍ طيَّبةٍ، فأعطى بَعضُهُ مِئةً، وبَعضُهُ سِتَّينَ، وبَعضُهُ ثلاثينَ"، والذى فسره عليه السلام على النحو التالى: 19مَنْ يَسمَعُ كلامَ المَلكوتِ ولا يَفهَمُهُ، فهوَ المَزروعُ في جانبِ الطَّريقِ، فيجيءُ الشَّرّيرُ ويَنتَزِعُ ما هوَ مَزروعٌ في قلبِهِ. 20ومَنْ يَسمَعُ كلامَ المَلكوتِ ويتَقَبَّلُهُ في الحالِ فَرِحًا، فهوَ المَزروعُ في أرضٍ صخريَّةٍ: 21لا جُذورَ لَه في نَفسِهِ، فيكونُ إلى حينٍ. فإذا حدَثَ ضِيقٌ أوِ اَضطهادٌ مِنْ أجلِ كلامِ المَلكوتِ، اَرتدَّ عَنهُ في الحالِ. 22ومَنْ يَسمَعُ كلامَ المَلكوتِ ولا يُعطي ثَمرًا فهوَ المَزروعُ في الشَّوكِ: لَه مِنْ هُمومِ هذِهِ الدٌّنيا ومَحبَّةِ الغِنى ما يَخنُقُ الثّمرَ فيهِ. 23وأمّا مَنْ يَسمعُ كلامَ المَلكوتِ ويفهَمُهُ، فهوَ المَزروعُ في الأرضِ الطيَّبةِ، فيُثمِرُ ويُعطي بَعضُهُ مِئةً، وبعضُهُ سِتَّينَ، وبعضُهُ ثلاثينَ". كلام يدخل القلب لأنه من النبع السامق الكريم لا الكلام الشِّرْكِىّ الذى يزعم أنه، عليه السلام، هو الله أو ابن الله! تعالى الله عن تلك السخافات المتخلفة!(/51)
ومن أمثال القرآن المجيد قوله تعالى من سورة "البقرة": "أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)"، "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)"، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)"، وقوله من سورة "الأعراف": "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)"، وقوله من سورة "إبراهيم": "مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18)"، "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)"، وقوله من سورة "النور": "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)"، وقوله من سورة "محمد": "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ(/52)
رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)". إلا أن ثمة فارقا بين القرآن المجيد والكتاب المقدس فى هذا المجال، فالأمثال فى القرآن ليست إلا أسلوبا فنيا واحدامن أساليب متنوعة، بخلاف الحال فى الكتاب المقدس حيث لا يوجد تقريبا سواها لدى السيد المسيح فى تبليغ دعوته طبقا لما يرويه لنا كتّاب الأناجيل. علاوة على أن المسيح عادة ما يقوم بتفسير المثل بالتفصيل، أما القرآن الكريم فلا يفعل شيئا من هذا.
أما المثل الثانى الذى يُنْسَب هنا إلى المسيح فهو يحتاج لوقفة. لقد فسره، عليه السلام، على النحو الذى ورد فى النص التالى: "36وترَكَ يَسوعُ الجُموعَ ودخَلَ إلى البَيتِ، فجاءَ إليهِ تلاميذُهُ وقالوا لَه: "فَسَّرْ لنا مثَلَ زؤانِ الحَقلِ". 37فأجابَهُم: "الَّذي زَرعَ زَرْعًا جيَّدًا هوَ اَبنُ الإنسانِ، 38والحَقلُ هوَ العالَمُ، والزَّرعُ الجيَّدُ هوَ أبناءُ المَلكوتِ، والزؤانُ هوَ أبناءُ الشَّرّيرِ، 39والعدوٌّ الذي زرَعَ الزؤانَ هوَ إبليسُ، والحَصادُ هوَ نِهايةُ العالَمِ، والحصَّادونَ هُم الملائِكةُ. 40وكما يجمَعُ الزّارعُ الزؤانَ ويَحرِقُهُ في النّارِ، فكذلِكَ يكونُ في نِهايَةِ العالَمِ: 41يُرسِلُ اَبنُ الإنسانِ ملائِكتَهُ، فيَجْمعونَ مِنْ مَلكوتِهِ كُلَ المُفسِدينَ والأشرارِ 42ويَرمونَهُم في أتونِ النّارِ، فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ. 43وأمّا الأبرارُ، فيُشرِقونَ كالشَّمسِ في مَلكوتِ أبيهِم. مَنْ كانَ لَه أُذُنانِ، فلْيَسمَعْ"!
لكن ألا يمكن أن نعطى المثل تفسيرا آخر إلى جانب هذا التفسير؟ ألا نستطيع أن نقول إنه لا مانع أيضا من القول بأنه من غير المستحب انشغال الإنسان أثناء عمله للخير بتخليصه تماما من أية شوائب، وإلا فإنه لن يستطيع أن ينتج شيئا لأن الطبيعة البشرية لا تصفو أبدا لأى إنسان، بل يختلط بصوابها نسبة من الخطإ والتقصير، والمهم ألا تزيد تلك النسبة عن الحد الذى لا يمكن تقليله أكثر من ذلك كى تستمر مسيرة العطاء والخير، ويوم القيامة يميز الله الزُّؤَان عن الحَبّ فيعفو عن الأول ويثيب على الثانى؟ وقد أُثِر عن رسولنا الكريم: "إن المُنْبَتّ لا أرضًا قَطَع ولا ظَهْرًا أبقى"، و"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولكن سَدِّدوا وقارِبوا"، و"إذا أمرتكم بشىء فأْتُوا منه ما استطعتم"، و"اتقوا النار ولو بشق تمرة" وغير ذلك من الكلام النبيل المستماح من النبع الكريم السامق. هذا ما عَنَّ لى، وأرجو ألا أكون مخطئا فى هذا التفسير.(/53)
ومع هذا فمن العجيب أن يقول المسيح فى تلاميذه الكلام التالى، إذا كان قد قاله فعلا، حين سألوه السبب فى اعتماد ضرب الأمثال أسلوبا لمخاطبة الجموع، إذ كان جوابه لهم: "أنتُمُ أُعطيتُم أنْ تعرِفوا أسرارَ مَلكوتِ السَّماواتِ، وأمّا هُم فما أُعطُوا. 12لأنَّ مَنْ كانَ لَه شيءٌ، يُزادُ فيَفيضُ. ومَنْ لا شيءَ لَه، يُؤخَذُ مِنهُ حتى الَّذي لَه. 13وأنا أُخاطِبُهُم بالأمثالِ لأنَّهُم يَنظُرونَ فلا يُبصِرونَ، ويُصغونَ فلا يَسمَعونَ ولا يَفهَمونَ. 14ففيهِم تَتِمٌّ نُبوءةُ إشَعْيا: "مَهما سَمِعتُم لا تَفهَمونَ، ومَهما نَظَرْتُم لا تُبصِرونَ. 15لأنَّ هذا الشَّعبَ تحَجَّرَ قلبُهُ، فسَدٌّوا آذانَهُم وأغْمَضوا عُيونَهُم، لِئلاَّ يُبصِروا بِعُيونِهِم ويَسمَعوا بآذانِهِم ويَفهَموا بِقُلوبِهِم ويَتوبوا فأَشفيَهُم". 16وأمّا أنتُمْ فهَنيئًا لكُم لأنَّ عيونَكُم تُبصِرُ وآذانَكُم تَسمَعُ. 17الحقَّ أقولُ لكُم: كثيرٌ مِنَ الأنبياءِ والأبرارِ تَمنَّوا أنْ يَرَوْا ما أنتمُ تَرَونَ فَما رأوا، وأنْ يَسمَعوا ما أنتُم تَسمَعونَ فما سَمِعوا"، ثم نفاجأ بعد قليل أن أولئك التلاميذ الذين يسمعون ويبصرون ويفهمون فى الوقت الذى لا يفهم فيه غيرهم، والذين يغبطهم الأنبياء على مكانتهم التى لا يصل إليها الأنبياء، أولئك التلاميذ لا يفهمون المغزى من أمثال معلمهم: "36وترَكَ يَسوعُ الجُموعَ ودخَلَ إلى البَيتِ، فجاءَ إليهِ تلاميذُهُ وقالوا لَه: "فَسَّرْ لنا مثَلَ زؤانِ الحَقلِ". 37فأجابَهُم: "الَّذي زَرعَ زَرْعًا جيَّدًا هوَ اَبنُ الإنسانِ، 38والحَقلُ هوَ العالَمُ، والزَّرعُ الجيَّدُ هوَ أبناءُ المَلكوتِ، والزؤانُ هوَ أبناءُ الشَّرّيرِ، 39والعدوٌّ الذي زرَعَ الزؤانَ هوَ إبليسُ، والحَصادُ هوَ نِهايةُ العالَمِ، والحصَّادونَ هُم الملائِكةُ. 40وكما يجمَعُ الزّارعُ الزؤانَ ويَحرِقُهُ في النّارِ، فكذلِكَ يكونُ في نِهايَةِ العالَمِ: 41يُرسِلُ اَبنُ الإنسانِ ملائِكتَهُ، فيَجْمعونَ مِنْ مَلكوتِهِ كُلَ المُفسِدينَ والأشرارِ 42ويَرمونَهُم في أتونِ النّارِ، فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأسنانِ. 43وأمّا الأبرارُ، فيُشرِقونَ كالشَّمسِ في مَلكوتِ أبيهِم. مَنْ كانَ لَه أُذُنانِ، فلْيَسمَعْ"! ولسوف يتكرر ذلك العجز منهم بعد قليل. أمعقول هذا؟ واضح أن ثمة خللا فى النصوص الإنجيلية رغم ما فيها من بعض اللمعات والبوارق النفيسة!
وبالنسبة لقول مؤلف الإنجيل: "34هذا كلٌّهُ قالَه يَسوعُ للجُموعِ بالأمثالِ. وكانَ لا يُخاطِبُهُم إلاَّ بأمثالٍ. 35فتَمَّ ما قالَ النبيٌّ: "بالأمثالِ أنطِقُ، فأُعلِنُ ما كانَ خفيُا مُنذُ إنشاءِ العالَمِ"، فالإشارة فيه إلى الفقرة الثانية من المزمور 78 ونصه: "أفتَحُ فَمي بِالأَمثالِ وأبوحُ بألغازٍ مِنَ القديمِ". ولا شك أنه تصرف غريب أن يأخذ كاتب إنجيل متّى هذه العبارة من كلام صاحب المزامير ويجعلها كأنها من كلام السيد المسيح. إن هذا، وايم الحق، لخلط واضطراب لا معنى له. إننا هنا أمام شخصين مختلفين هما حسبما يقولون: داود والمسيح عليهما السلام، فما معنى أخذ كلام الأول والزعم بأنه هو كلام الثانى، مع أن صاحب المزامير إنما يتكلم عن نفسه ولا يتنبأ بما سيقوله عيسى بن مريم عليه السلام. ألا إنها لـ"تماحيك" كما يقول العوام بأسلوبهم الظريف! ثم إن العبارتين ليستا شيئا واحدا كما هو واضح تمام الوضوح. وعلى أية حال فينبغى ألا يفوتنا الاسم الواحد الذى استُعْمِل للاثنين، وهو لفظ "النبى": "فتَمَّ ما قالَ النبيٌّ (أى داود)"، "فقالَ لهُم يَسوعُ: "لا نبيَّ بِلا كرامةٍ إلاّ في وَطَنِهِ وبَيتِهِ" (والنبى هنا هو عيسى). إذن فلا هو الرب ولا هو ابن الرب، وكيف يكون الرب وقد كان يأكل ويشرب ويبول ويتبرز؟ أم ترى هناك من ينكر هذا؟ تعالى الرب تعاليًا جليلاً عن كل هذا!(/54)
وكما رأينا قبلا أن الناس كانوا دائما ما يقولون عنه إنه ابن يوسف ومريم، فكذلك الحال هنا: "53ولمّا أتَمَّ يَسوعُ هذِهِ الأمثالَ، ذهَبَ مِنْ هُناكَ. 54وعادَ إلى بلَدِهِ، وأخَذَ يُعلَّمُ في مَجمَعِهِم، فتَعَجَّبوا وتَساءَلوا: "مِنْ أينَ لَه هذِهِ الحِكمةُ وتِلْكَ المُعْجزاتُ؟ 55أما هوَ اَبنُ النجّارِ؟ أُمٌّهُ تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟ 56أما جميعُ أخَواتِهِ عِندَنا؟ فمِنْ أينَ لَه كُلُّ هذا؟" 57ورَفَضوهُ"، وهو ما سوف يتكرر فيما بعد أيضا. أى أنه لا أحد كان يقول عنه حتى ذلك الوقت على الأقل إنه ابن الله، فضلا عن أن يقولوا إنه الله ذاته، تعالى الله عن ذلك الشرك علوا عظيما. وعلى هذا فكل ما قيل عن الحمامة واليمامة وأبى قردان وأبى فصادة والصوت الذى كان يتردد فى جنبات السماوات عندما كان يتم تعميد السيد المسيح على يد يحيى هو كلام فارغ شكلا ومضمونا، وهو يؤكد ما قاله القرآن عن العبث فى الكتاب المقدس، وإن كنا نحترم مع ذلك ما يعتقده كل إنسان، بشرط ألا يتطاول بسفاهةٍ وصياعةٍ وقلّةِ أدبٍ على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وإلا فالخوازيق موجودة لزيكو!
الفصل الرابع عشر:
"موت يوحنا المعمدان.
وفي ذلِكَ الوَقتِ سمِعَ الوالي هيرودُسُ أخبارَ يَسوعَ، 2فقالَ لحاشِيَتِهِ: "هذا يوحنّا المَعمدانُ قامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ، ولذلِكَ تَجري المُعْجِزاتُ على يَدِهِ".3وكانَ هيرودُسُ أمسَكَ يوحنّا وقَيَّدَهُ وسَجَنَهُ مِنْ أجلِ هيرودِيَّةَ اَمرأةِ أخيهِ فيلبٌّسَ، 4لأنَّ يوحنّا كانَ يقولُ لَه: "لا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَتَزوَّجَها". 5وأرادَ أنْ يَقتُلَهُ، فخافَ مِنَ الشَّعبِ لأنَّهُم كانوا يَعدٌّونَهُ نَبيُا. 6ولمّا أقامَ هيرودُسُ ذِكرى مَولِدِهِ، رقَصَتِ اَبنَةُ هيرودِيَّةَ في الحَفلةِ، فأعجَبَتْ هيرودُسَ، 7فأقسَمَ لها أنْ يُعطِيَها ما تَشاءُ. 8فلقَّنَتْها أمٌّها، فقالَت لِهيرودُسَ: "أعطِني هُنا على طَبَقٍ رَأسَ يوحنّا المَعمدانِ!" 9فحَزِنَ المَلِكُ، ولكنَّهُ أمَرَ بإعطائِها ما تُريدُ، مِنْ أجلِ اليَمينِ التي حَلَفَها على مسامِعِ الحاضرينَ. 10وأرسَلَ جُنديُا، فقَطَعَ رأسَ يوحنَّا في السَّجن 11وجاءَ بِه على طبَقٍ. وسلَّمَهُ إلى الفتاةِ، فحَمَلْتهُ إلى أُمَّها. 12وجاءَ تلاميذُ يوحنّا، فحَمَلوا الجُثَّةَ ودَفَنوها، ثُمَّ ذَهَبوا وأخبَروا يَسوعَ.
يسوع يطعم خمسة آلاف رجل.
13فلمّا سَمِعَ يَسوعُ، خرَجَ مِنْ هُناكَ في قارِبٍ إلى مكانٍ مُقْفِرٍ يَعتَزِلُ فيهِ. وعرَفَ النّاسُ، فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ مَشيًا على الأقدامِ. 14فلمّا نزَلَ مِنَ القاربِ رأى جُموعًا كبيرةً، فأشفَقَ علَيهِم وشفَى مَرضاهُم.
15وفي المساءِ، دَنا مِنهُ تلاميذُهُ وقالوا: "فاتَ الوقتُ، وهذا المكانُ مُقفِرٌ، فقُلْ لِلنّاسِ أنْ يَنصرِفوا إلى القُرى لِيشتَروا لهُم طعامًا". 16فأجابَهُم يَسوعُ: "لا داعيَ لاَنصرافِهِم. أعطوهُم أنتُم ما يأكلونَ". 17فقالوا لَه: "ما عِندَنا هُنا غيرُ خَمسةِ أرغِفةٍ وسَمكتَينِ".
18فقالَ يَسوعُ: "هاتوا ما عندَكُم". 19ثُمَّ أمَرَ الجُموعَ أنْ يَقعُدوا على العُشبِ، وأخَذَ الأرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمكتَينِ، ورَفَعَ عَينَيهِ نحوَ السَّماءِ وبارَكَ وكسَرَ الأرغِفَةَ وأعطَى تلامِيذَهُ، والتَّلاميذُ أعطَوا الجُموعَ. 20فأكلوا كُلٌّهُم حتَّى شَبِعوا، ثُمَّ رَفَعوا اَثنتي عَشْرةَ قُفَّةً مملوءةً مِنَ الكِسَرِ التي فَضَلَتْ. 21وكانَ الَّذينَ أكلوا نحوَ خَمسةِ آلافِ رجُلٍ، ما عدا النَّساءَ والأولادَ.
يسوع يمشي على الماء.
22وأمرَ يَسوعُ تلاميذَهُ أن يَركبوا القارِبَ في الحالِ ويَسبِقوهُ إلى الشَّاطِئِ المُقابلِ حتى يَصرِفَ الجُموعَ. 23ولمّا صرَفَهُم صَعِدَ إلى الجبَلِ ليصَلّيَ في العُزلَةِ. وكانَ وحدَهُ هُناكَ عِندَما جاءَ المساءُ. 24وأمّا القارِبُ فاَبتَعدَ كثيرًا عَنِ الشَّاطئِ وطَغَتِ الأمواجُ علَيهِ، لأنَّ الرَّيحَ كانَت مُخالِفَةً لَه. 25وقَبلَ الفَجرِ، جاءَ يَسوعُ إلى تلاميذِهِ ماشيًا على البَحرِ. 26فلمّا رآهُ التَّلاميذُ ماشيًا على البَحرِ اَرتَعبوا وقالوا: "هذا شَبَحٌ!" وصَرَخوا مِنْ شِدَّةِ الخَوفِ. 27فقالَ لهُم يَسوعُ في الحالِ: "تَشجَّعوا. أنا هوَ، لا تخافوا!" 28فقالَ لَه بُطرُسُ: "إنْ كُنتَ أنتَ هوَ، يا سيَّدُ، فَمُرْني أنْ أجيءَ إلَيكَ على الماءِ". 29فأجابَهُ يَسوعُ: "تعالَ". فنَزَلَ بُطرُسُ مِنَ القارِبِ ومشَى على الماءِ نحوَ يَسوعَ. 30ولكنَّهُ خافَ عِندَما رأى الرَّيحَ شديدةً فأخَذَ يَغرَقُ، فَصرَخ: "نَجَّني، يا سيَّدُ!" 31فمَدَّ يَسوعُ يدَهُ في الحالِ وأمسكَهُ وقالَ لَه: "يا قليلَ الإيمانِ، لِماذا شكَكْتَ؟" 32ولمّا صَعِدا إلى القارِبِ هَدأَتِ الرَّيحُ. 33فسجَدَ لَه الَّذينَ كانوا في القارِبِ وقالوا: "بالحقيقةِ أنتَ اَبنُ الله!"(/55)
يسوع يشفي من أمراض كثيرة.
34وعَبَرَ يَسوعُ وتلاميذُهُ إلى بَرَّ جَنّيسارَتَ. 35فلمّا عرَفَ أهلُ البَلْدَةِ يَسوعَ، نَشروا الخبَرَ في تِلكَ الأنحاءِ كُلَّها. فجاؤُوهُ بالمَرضى 36وطَلَبوا إلَيهِ أنْ يَلمُسوا ولو طرَفَ ثوبِهِ. فكانَ كُلُّ مَنْ يَلمُسُه يُشفى".
والآن فإن كلام هيرودس التالى الذى قاله حين سمع بمعجزات عيسى: "هذا يوحنّا المَعمدانُ قامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ، ولذلِكَ تَجري المُعْجِزاتُ على يَدِهِ" يثير عددا من الأسئلة: ألم يسمع هيرودس بعيسى ومعجزاته إلا الآن؟ ذلك غريب جدا. وأغرب منه أن يقال إن هيرودس لم يكن ليقتل يحيى لولا القَسَم الذى كان أقسمه لبنت أخيه الداعرة بأن يحقق لها كل ما تطلب، وكأن القَسَم يمثل لذلك المجرم قتّال القَتَلة شيئا خطيرا إلى هذا الحد! وما دمنا بصدد الكلام عن القَسَم فقد مر بنا تشديد المسيح فى النهى عن القسم وأمره بالاقتصار على كلمتى "نعم" أو "لا" دون حَلِف. وفى الإسلام تنفير من الحَلِف إلا إذا كان هناك ما يستوجبه كما فى الخصومات والدعاوى القضائية، إلا أنه لا يُنْهَى عنه كمبدإ. أقول هذا لأن أوغاد المهجر يتطاولون على الإسلام ونبيه ويكفرونه ويكفروننا نحن المسلمين جميعا لأن ديننا لا يحرم القسم كما يظنون أن المسيح قد حرمه. وقد رددت على هذا الحمق المجرم فى كتابى "الفرقان الحق: فضيحة العصر- قرآن أمريكى ملفق" (وهو الكتاب الذى استولى أحدهم على معظم صفحاته وأضاف إليه أشياء من هنا ومن هناك وكتب عليه: "القرآن الأمريكى أضحوكة القرن العشرين" دون أن يشير لى ولو بكلمة، وإنما أفاض فى الحديث عن تعبه وسهره وتشجيع زوجته له، على أى شىء؟ على السطو طبعا! وقد تكلمتْ عن ذلك جريدة "عرب تايمز" فى بابها: "لصوص ظرفاء"). وقد بيّنْتُ فى الكتاب المذكور أن الله وملائكته، طبقا لما هو مكتوب فى الكتاب المقدس، يحلفون. أما بطرس أقرب تلاميذ المسيح إليه فقد حلف حَلِفًا كاذبًا حين أنكر عند القبض على المسيح أنه يعرفه وأقسم على ذلك أكثر من مرة. كما أن المسيح ذاته قد بين أن كل من يريد تأكيد كلامه فإنه يحلف، وأن الحلف فى هذه الحالة أمر طبيعى جدا.
ثم إن الدول النصرانية جميعا تحلِّف المتهمين والشهود فى المحاكم على الكتاب المقدس، كما أن العهد القديم يقنن القسم على أساس أنه إجراء عادى جدا فى كثير من الظروف لا غضاضة فيه على الإطلاق. فعجيب بعد ذلك كله أن ينبرى كاتب الإنجيل فيتحدث عن فعلة هيرودس الشنيعة بطريقة تبدو وكأنه يبرر جريمة ذلك النذل بحجة القسم الذى أقسمه. وأىّ قَسَمٍ ذلك الذى نبرّر به إزهاق روح بريئة ونبيلة كروح يحيى عليه السلام؟ وهل المجرمون الطغاة من أمثاله يهمهم قَسَمٌ أو خلافه؟ ثم إن ظن هيرودس بأن يحيى قام من الأموات وأخذ يعمل معجزات هو كلام لا يدخل العقل. لماذا؟ لأن يحيى لم يسبق له أن عمل معجزة! كما أن ظنه هذا يدل من ناحية أخرى على أنه كان يعرف أن يحيى نبى، فكيف أقدم على قتله إذن مهما كان مِنْ سَبْق إعطائه الداعرة الصغيرة وعدا بإنالتها كل ما تطلب؟ الواقع أننى لا أطمئن لرواية الإنجيل عن تفاصيل القصة كما عرضناها هنا. وقد بين الرسول الكريم أنه إذا أقسم المسلم على أمر ثم تبين له أن سواه أولى فلْيُكَفِّرْ عن قَسَمه ولْيَفْعَلِ الأفضل. فماذا فى هذا يا أهل الضلال والنفاق، يا من قرّع المسيح أمثالكم أعنف تقريع وشتمهم شتما قبيحا يليق بكم وبأشكالكم وقلوبكم المظلمة النجسة؟ أمن المعقول أن يُشْتَم زعيم الأنبياء تقربا لأخٍ من إخوانه صلى الله عليهم جميعا وسلم؟
ومرة أخرى نرى عيسى، حسبما كتب مؤلفو الأناجيل، يتقبل كبرى مآسى يحيى بقلب لا أظننا نخطئ إن قلنا إنه بارد. أمن المعقول أن يكون كل رد فعله حين سمع نبأ قتله هو أن يعتزل تلاميذه للصلاة، ثم لما أقبلت عليه الجموع نسى ما كان انتواه من الاعتزال وأقبل عليهم يَشْفِى من جاؤوا ليشفيهم؟ ترى أين قوله المنسوب إليه من أنه لا يصح أن يُؤْخَذ خبز البنين ويُطْرَح للكلاب، بمعنى أن الأقربين أولى بالمعروف؟ فهذا يحيى عليه السلام، وهو قريبه وزميله فى النبوة، فضلا عن أنه هو الذى عمّده كما ذكرت الأناجيل، كان بحاجة إلى أن يهتم به عيسى عندما قُبِض عليه، إن لم يكن بالدفاع عنه عند السلطات والتدخل بطريقة أو أخرى لإطلاق سراحه، فعلى الأقل بالانشغال به وبمأساته. لكنه عليه السلام، إن صدقنا رواية الإنجيل، لم يفكر فى أن يفعل له شيئا. وكذلك الأمر عندما قُتِل، إذ تلقى الأمر دون أن يذرف دمعة أو يقول كلمة تعبر عن أنه متألم لما حدث له عليه السلام. الواقع أن هذه الأشياء تجعل الواحد منا لا يطمئن إلى رواية الأناجيل للوقائع التاريخية، إذ تصور الأمر فى كثير من الحالات على نحو لا يقنع أحدا.(/56)
وفى هذا الفصل أيضا نرى عيسى عليه السلام لا يزال مستمرا فى صنع الآيات، تلك الآيات التى اتخذها زيكو المنكوح ذو الدبر المقروح دليلا على أنه أفضل من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ودعنا من تأليهه رغم براءته، عليه السلام، ممن يُقْدِم على هذا التهور المردى فى جهنم كما يخبرنا القرآن المجيد فى أواخر سورة "المائدة". وقد سبق أن بينا أن المعجزات ليست مقصورة على عيسى بن مريم، بل كان لكثير من الأنبياء فيها نصيب، ومنهم سيدنا محمد. كما قلنا أيضا إن المعجزات لا تحسم مسألة الاعتراف بالنبى أو الرسول، والدليل على ذلك كثرة الآيات التى تحققت على يد عيسى، وكُفْر الغالبية الساحقة من اليهود به رغم ذلك. كذلك بينتُ أن المهم فى الأمر هو الإنجازات التى تمت على يد هذا النبى أو ذاك، وأن محمدا عليه الصلاة والسلام يأتى بكل جدارة واستحقاق على رأس جميع الأنبياء، فقد أنهض أمته من الحضيض وجعلها سيدة العالم بفضل العقيدة السليمة والقيم الإنسانية والاجتماعية والعلمية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية العالية التى تجمع بين المثالية والواقعية فى منظومة فريدة لم تحدث من قبل ولا من بعد، وذلك فى مدة زمنية مستحيلة بالمقاييس البشرية، ثم استمر بعد هذا لقرون طوال، وهو ما لم يتحقق لأى نبى أو مصلح أو قائد سياسى أو عسكرى على مدار التاريخ كله. ومن هنا فقد ضحكنا كثيرا من أعماق قلوبنا من سمادير الأخطل المسمَّى: "زيكو زَكْزَك، الأَشْيَب الأَمْتَك"، الذى ظن أنه يستطيع بخَطَله أن ينال من سيد الأنبياء والمرسلين، زاد الله دبره المقروح على كثرة الخوازيق مَتَكًا حتى تعود غير صالحة لشىء!
والمضحك أن التلاميذ، رغم كل الزمن الطويل الذى قَضَوْه بالقرب منه ورؤيتهم الآيات التى صنعها بيديه، لم يكونوا قد آمنوا حتى ذلك الحين أنه ابن الله، اللهم إلا عندما مشى فوق الماء! وما الذى فى المشى على الماء مما يميزه عن سواه من المعجزات بحيث يصلح وحده دونها أن يكون دليلا على أنه ابن الله؟ أهو أقوى من إعادة الموتى إلى الحياة؟ طيب، فَهُمْ أيضا، كما قال كاتب الإنجيل، كانوا يستطيعون الإتيان بالمعجزات مثله تماما، أفلم يكن ذلك دليلا على أن ما استنتجوه من ألوهيته هو استنتاج غير صحيح، إذ ما داموا يستطيعون عمل المعجزات ولا يَرَوْن أنها تنقلهم من البشرية إلى الألوهية فمعنى هذا أنها ليست دليلا على ألوهية من يعملها؟ أليس كذلك؟ وإذا كانوا قد عرفوا وقالوا إنه ابن الله، فكيف تقبلوا صلبه وقتله بهذه البساطة؟ ألم يكن ذلك كافيا كى يقفوا أمام هذه المفارقة الغريبة: مفارقة أن يعجز ابن الله عن الدفاع عن نفسه، إن لم نقل إن أباه نفسه قد عجز عن ذلك، أو على الأقل لم يبال أن ينقذ ابنه الوحيد؟ إن الأمر كله يبعث على الاستغراب، إن لم نقل: على الضحك(/57)
قراءة في الحرب اللبنانية
17-7-2006
بقلم عبدالرحيم بن صمايل السلمي
"...ان المسلم تؤلمه مشاهد الدمار والخراب والقتل التي يقوم بها اليهود عليهم لعنة الله ، سواء في فلسطين أو لبنان ولعل من آخرها الغدر المغرق في الخسة والنذالة - التي هي من طبيعة اليهود وجبلتهم ..."
ان المسلم تؤلمه مشاهد الدمار والخراب والقتل التي يقوم بها اليهود عليهم لعنة الله ، سواء في فلسطين أو لبنان ولعل من آخرها الغدر المغرق في الخسة والنذالة - التي هي من طبيعة اليهود وجبلتهم - بأهل مروحين يوم أمس ( السبت ) عندما طالبتهم اسرائيل بالمغادرة منها خلال ساعتين بحجة أنها لا تريد قتل المدنيين وعندما ذهبوا الى الأمم المتحدة رفضت استقبالهم كما فعلوا بأهل طابه من قبل وبعد نزوحهم الى صيدا او صور اعترضتهم الصواريخ الاسرائيلي وحصدتهم وغيرها من الصور المروعة والتي تدل على احتقار الكرامة الانسانية وبالذات لنوعية خاصة من البشر وهم العرب والمسلمون ، وهذه الأحداث لا يمكن أن ترضى بها أي أمة من أمم الأرض مثل الصين أو كوريا أو أمريكا الجنوبية أوغيرها
ومما يزيد الأسى أن تكون هذه المآسي والأرواح المزهقة تتم وفق لعبة سياسية ذات أهداف خاصة ومذهبية ضيقة وبهذا يجتمع على الأمة عدوان على عدوان فليس مهما المحافظة على أرواح الناس ولكن المهم هو تحقيق مكاسب محدودة ولو كان ذلك على حساب دمار وخراب الأمة ومكاسبها وهذا ما يدعوني لقراءة الأحداث بصورة مختلفة عن المظاهر المؤلمة لأن وراء هذه الأحداث مكونات سياسية وفكرية هي المحرك الفعلي لها وهي صاحبة المصالح الخاصة من ورائها وهذا ما عرفناه من طبيعة السياسة المكيافللية المعاصرة التي تبرر وسائلها مهما كانت قبيحة لغاياتها مهما تكن مغرقة في الذاتية
وهذه القراءة تقوم على اساس ان اللاعب في المشهد اللبناني هو نفسه اللاعب في المشهد العراقي وهم طرفان متعاونان لا ثالث لهما وهما : الشيعة ( ايران وسوريا) ، والصهيونية العالمية(امريكا واسرائيل) والداعم الحقيقي لحزب الله الذي يصور على انه جبهة مقاومة ضد الصهيونية هو ذات الداعم للأحزاب الشيعية في العراق المتعاونة مع الاحتلال حتى النخاع وهو( ايران) ..
فايران تتعاون مع الاحتلال الأمريكي في العراق وتقف ضد المقاومة العراقية وتقوم بعملية تصفية مقصودة للعلماء والدعاة من اهل السنة في العراق وقد صرح الفيضي من هيئة علماء المسلمين بأن المعتقلين من المقاومة العراقية يحقق معهم في سجون الاحتلال الأمريكي ضباط ايرانيون
والتعاون الايراني مع الاحتلال الأمريكي في العراق واضح لكل متابع سواء من خلال الأحزاب التي لا تخرج عن السياسة الايرانية أو الوقوف ضد المقاومة واشعال الحروب الطائفية لتصفية الحسابات المذهبية واشغال المقاومة عن عملها الأساسي وهو طرد المحتل هذا بالإضافة الى تعاون إيران مع أمريكا في احتلال افغانستان والعراق من قبل
والأمريكان يفهمون اللغة الإيرانية جيدا، وهم الذين تعهدوا بأمن اسرائيل ، فهل بعد هذا يصدق عاقل بأن حزب الله حركة مقاومة تهدف لجهاد اليهود لأنهم محتلون لديار المسلمين؟
فماهو الهدف اذن من تحريك الجبهة اللبنانية في هذا الوقت ؟
هناك عدة أهداف ايرانية لتحريك الوضع في لبنان ومنها :
- اظهار القدرة الإيرانية في المنطقة وهي رسالة مزدوجة للأمريكان والاسرائيليين ودول المنطقة الأخرى تشير الى أن ايران قادرة على خلط الأوراق بما يناسب مصاحها الخاصة وهي رسالة تهديد لكافة الأطراف المعارضة لأيران بالقدرة على ادخال المنطقة في متاهات سياسية وعسكرية لا ترغب فيها كافة الأطراف
- اختطاف الحضور الاعلامي والشعبي في المنطقة واظهار أن الداعم القوي لحركة المقاومة الفلسطينية واللبنانية هم الشيعة وهو نوع من تصدير التشيع وقد سبق الحرب اللبنانية الحالية تصريحات محمود أحمدي نجاد النارية حول اسرائيل وحقوق الفلسطينيين وهي عملية منافسة للسعودية باعتبار ان الثانية ظهرت منذ وقت طويل على انها الداعمة للمسلمين في العالم وهذا ما يجعل الحرب اللبنانية بهذه الصورة ووقوف ايران بجوار المقاومة مؤكدا لهذا الاستنتاج فالسعودية هي المسؤلة عن الملف اللبناني والسوري كما ان مصر هي المسؤلة عن الملف الاسرائيلي- الفلسطيني ولهذا جاءت ردة الفعل السعودي على غير المعتاد ، وهذا التنافس لا يعدو أن يكون أمرا شكليا وبهرجة اعلامية لا حقيقة له فالمقاومة الحقيقية في العراق وفلسطين غير مدعومة منهما لأن هذه خطوطا حمراء ومحرمات أمريكية لا يجرأ عليها الا المجاهدين(/1)
- اشغال الرأي العام الاسلامي عن الحرب الطائفية التي تقوم بها ايران في العراق فقد صرح حارث الضاري أن المليشيات الشيعية المدعومة من ايران قتلت ما يقارب المائة ألف سني وهذا لو أخذ حقه من التوضيح والبيان الاعلامي لفقدت ايران بريقها الكاذب في الوقوف مع قضايا الأمة والمؤسف له أن الدور السعودي جاء مخيبا للآمال لاسيما وان الدولة السعودية دولة دينية سنية تدعم أهل السنة منذ بدايتها ولكن الأمور تغيرت كثيرا واصبح دور السعودية في العراق الآن معدوما مع كثرة المطالبات من أهل السنة بحمايتهم من التطهير الطائفي في العراق هذا مع ان الواجب على السعودية أيضا دعم المقاومة العراقية والدخول بقوة في الوضع العراقي لأنه مكان استراتيجي لدعم مكانتها في المنطقة وقبل ذلك واجب شرعي يحتمه نصرة المسلم والوقوف الى جانبه وهذا ما حصل بالفعل فقد نسي الناس الحرب الطائفية في العراق وتوجهوا الى الحرب اللبنانية
وهذا التلاعب بعوطف الأمة سيكون له أمد محدد ثم تنكشف حقيقة إيران الطائفية فقد كانت الحكومات الغربية تعزف أنغام الحرية والديمقراطية زمنا طويلا وكان عدد من المغفلين يصدقها وهكذا كانت الحركات القومية خاصة الناصرية ولكن ذلك لم يعد مجديا الآن بعد انكشاف الحقائق
وهكذا التلاعب بالوقوف بجوار المقاومة ودعم قضايا المسلمين في مكان مع اعانة المحتل ضد المسلمين في مكان آخر
قد يقول البعض : انك الآن تبرر للموقف الرسمي تجاه القضية اللبنانية!!
فأقول : لايعنيني الموقف الرسمي في شي ولكن الذي يعنيني هو مصلحة المسلمين المخدوعين بدعاوى ايران وحزب الله مع أن الحقيقة انهم متعاونون مع الاحتلال ضد المقاومة الشرعية الحقيقية التي تهدف الى طرد المحتل ويحزنني كثيرا أن أرى أمتى ملهاة سياسية لكافة الأطراف سواء كان الاخراج بصورة المقاوم أو المتعقل الحكيم وهم في النتيجة افراز لواقع مأزوم لا تعنيه المصالح الحقيقية للمسلمين ولكن تعنيه الشعارات البراقة والشكليات الكاذبة في الوقت الذي لا يمرر الا ما يرتضيه الغزاة المحتلون(/2)
قراءة في النفسية .. الغالية !!
دكتور استفهام
</TD
تختلف نفسيات وطبائع البشر ، وتتنوع محدداتهم النفسية ما بين ليّن هين ، وما بين قاس غليظ الطبع ، وما بين متوسط بين هذا وذاك ، ولكني وبعد التأمل في حركة " التفرق " التي حصلت في الأمة الاسلامية ، والنظر في سمات الفرق ، وحركات الغلو والتكفير وغيرها في القديم والحديث ، وجدت أن النفسية " الغالية " هي نفسية مهيئة ابتداء الى تقبل " الغلو " ، فبدايتها مع البعد النفسي ، ثم تتكلف في تأصيل غلوها بتلفيقات فكرية حتى تطمن نفسها بأن طريقها صحيح ، وهذه بعض السمات التي رأيتها في النفسية الغالية ، وهو محض اجتهاد مني :
السمة الأولى :
هي نفسية لا تقبل أنصاف الحلول ، فإما معها أو ضدها ، حيث لا تقبل أن تكون معها في البعض ، وضدها في البعض ، فإما موافقتها حذو القذة بالقذة ، او المفاصلة والمقاطعة والحرب التي لا تهدأ اورها ولا تنطفيء نارها ، وقد أشار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الى هذا حين تكلم عن نشوء الفرق وان أول قضية افترقت فيها الفرق هي مسألة اجتماع الخير والشر والبدعة والسنة والمعصية والطاعة في النفس الواحدة ، فقال بأن " الخوارج " قالوا لا يجتمع في الانسان خير وشر ، ولذا كفروا بالمعصية لأنهم يرون استحالة ان يجتمع في الانسان طاعة ومعصية ، فان وقع في معصية انتفى اصل ايمانه ، والمرجئة في المقابل قالوا لا يضر مع الايمان ذنب ، وأما اهل الحق والسنة فقالوا يجتمع في الانسان خير وشر وبدعة وسنة وطاعة ومعصية ، فيوالى على قدر ما به من طاعة ويعادى على قدرما به من معصية . ومما يدل على ذلك ذاك الصحابي الذي كان كثيرا ما يؤتى به فيجلد ، فلما سبه أحد الصحابة قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تجلده فاني علمت انه يحب الله ورسوله ) فاجتمع فيه محبة الله ورسوله مع شربه للخمر .. فتأمل
السمة الثانية :
الشدة والغلظة في الطبع ، فلم أجد غاليا في التاريخ وهو لين العريكة ، سهل المعشر ، مخضع الجناح للناس ، بل تجد أن الصلف في القول ، والشدة مع المخالف ، والتجرأ على الحرمات والدماء سمة من سمات " الغلاة " على مدار التاريخ ، ولذا لا تجد خارجيا الا ما ندر لين الطبع ، وفي مقابل ذلك لا تجد مرجئا غليظ الطبع ، ولذا كان السمات النفسية دافعا الى تبني الفكرة ، ولذا تجد أن النفسية الغالية تجنح في أحيان كثيرة الى التنطع في الاختيارات ، وسلوك الطرق الوعرة فيها ، ومحبة التحريم في الاحكام ، ولم يخير الغالي بين حكمين دائرين بين الاباحة والحظر الا وتوجه الى الحظر مباشرة ، لأن التحريم يتوافق في الغالب مع النفسية الغالية ، ولذا كان تحريم المباح على النفس من صنوف الغلو والبعد عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد انكر النبي صلى الله عليه وسلم على من ترك زواج النساء ، ومن قام ولم ينم ، وصام ولم يفطر ، فقال عليه الصلاة والسلام " ( أما انا فاصوم وافطر واقوم وانام ، واتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .
السمة الثالثة :
الاجمال في الأحكام ، وكره التفصيل فيها ، فهو يكفر بالعموم ، ويبدع بالعموم ، ولا يحب في الغالب ان يدخل في التفاصيل التي تمنعه من ممارسة هوايته في النكاية بالناس ، ولذا كان من سمات الخوارج الأخذ بظواهر الايات دون دخول في مقاصدها ومعانيها وتفاصيلها ، فقالوا " إن الحكم إلا لله " دون تكليف النفس في التأمل فيها والنظر في مناطات الأحكام ، وتنقيحها وتحقيقها ؟
السمة الرابعة :
الشدة على المخالف مع تعظيم الذات والانتصار لها ، فالغالي يفجر في خصومته ، لأنه يرى ان مسائله كلها مسائل محسومة من بعدها النظري ، فهو على حق مطلق ، وخصمه على باطل مطلق ، وهذا ما يجعل غلوه في تصاعد مستمر ، حين لا يتيح لنفسه التراجع عن أفكاره ، فالوثوقية من كل رأي يراه يجعله يفاصل الناس على كل رأي مخالف ، حين لا يبقى له الا فئة قليلة ممن هم على شاكلته وطريقته ، ولذا تجد ان الغالي من أقل الناس خلطة للناس ، وصبرا على أذاهم والتبسط معهم ، وفي مقابل ذلك فهم يتيمون ببعضهم البعض ، ويعظمون بعضهم بعضا الى درجة كبيرة ، ولذا تجد هذه الصفة حاضرة في الخوارج الذين هم رؤوس الخوارج في التاريخ والواقع ، فحين يتكلمون بخصومهم يكيلون لهم كل قبيحة ، وحين يتحدثون عن بعضهم فان الواحد ينفخ في صاحبه وهو لا يساوي بقلة ، وقد قال شاعرهم :
متأوهين كأن في أجوافهم ** نارا تسعرها أكف حواطب
تلقاهم فتراهم من راكع ** أو ساجد متضرع او ناحب
يتلو قوارع تمتري عبراته ** فيجودها مَري المريّ الحالب
ومبرئين من المعايب احرزوا ** خصل المكارم أتقياء اطايب
وقال آخر يصف ربعه :
تظل عتاق الطير تحجل حولهم ** يعللن أجسادا قليلا نعيمها
لطافا براها الصوم حتى كأنها ** سيوف إذا مالخيل تدمى كلومها
ومن صور تعظيمهم لبعضهم قول أحدهم :
وأسال الله بيع النفس محتسبا ** حتى ألاقي في الفردوس حرقوصا(/1)
وابن المنيح ومرداسا وإخوته ** إذ فارقوا زهرة الدنيا مخاميصا
وقد يقول قائل : هذا شي طبيعي ان يتمدح أحدهم الآخر لأنهم على منهج واحد ، فأقول نعم ، ولكن المفارقة العجيبة ان الذي يمتدح حرقوصا وابن المنيح ومرداسا يكفر علي بن ابي طالب والصحابة من ورائه ، وهذه هي المأساة التي وقع فيها هؤلاء ، حين لا يتورعون عن تكفير صحابة النبي الأكرم ، وتجد الواحد يتيم في حب خارجي مثله ، او يتورع عن تمرة في بستان رجل نصراني !
السمة الخامسة :
نفسية الغالي نفسية جلدة على حمل الفكرة حتى لو وقف الناس كلهم في طريقه ، ولذا لا يتورع من مفاصلة اقرب الناس اليه إذا لم يسر على مايريد ، فاليوم هو الرجل المقرب الكريم السلفي العظيم الامام الهمام ، وغدا هو الزنديق المرتد المبتدع الضال المضل ، بل رأسا من رؤوس الضلالة ، فهو ينحي منحى الغلو في الطرفين في الحب والكره ، ولا يتوسط في أمر من أموره ، فهو كما قال القائل :
وإنا لقوم لا توسط بيننا ** لنا الصدر دون العالمين او القبر
ولذا كان الغلاة من الصوفية والخوارج والمعتزلة وغيرهم من أشد الناس جلدا على العبادة والتخشع والتبتل ، والبعد عن الدنيا وزخرفها ، بل يعيش الواحد من هؤلاء ممتطيا صهوة جواده الى ان يموت فلقد قال قائلهم :
من كان يكره ان يلقى منيته ** فالموت أشهى الى قلبي من العسل
وقال الآخر :
حتى متى تخطئني الشهادة *** والموت في أعناقها قلادة
وكان الحويرث الراسبي ينعى على نفسه طول البقاء ويذمها فيقول :
اقول لنفسي في الخلاء ألومها ** هُبلتِ دعيني قد مللت من العمر
ومن عيشة لا خير فيها دنيئة ** مذممة عند الكرام ذوي الصبر
ولذلك فإن الواحد يترك النعيم في سبيل نصرة ربعه الضلال ، وهذا يذكرني بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اللهم إني اعوذ بك من جلد الفاجر وعجز التقي " ، إذ لو كان أهل الحق على جلد أهل الباطل لصلحت أحوالهم ، وتعيرت حياتهم ، فذلك الخارجي الذي تدعوه عروسه الى ترك ما هو عليه يقول لها :
تعاتبني عرسي على أن اطيعها ** وقبل سليمى ما عصيت الغوانيا
فكفي سليمى واتركي اللوم إنني ** أرى فتنة صماء تبدي المخازيا
فكيف قعودي والشراة كما ارى ** عِزينَ يلاقون المنايا الدواهيا
والشراة هؤلاء فرقة من الخوارج الذي يقول فيهم شاعرهم :
سلام على القوم الشراة نفوسهم ** وليس على القوم القعود سلام
فهم شراة ، أي باعوا نفوسهم لله واشتروا الجنة ، وكل من سواهم فهم قعود لا خير فيهم ، وهذا يذكرني ببعض صفات أهل الغلو المعاصرين الذين اذا ركبوا منهجا او تيارا او فكرة سلبت لبهم ، وصارت كل همهم في ليلهم ونهارهم ، فكل من سواهم فهو ضال ، او مخذل او منحرف او قد باع دينه بعرض من الدنيا قليل ، فان كان داعية سلخوه بالسنة حداد ، وان كان عالما حاصروه بأوصاف منفرة مقززة ، فكل من سواهم لا خير فيه ، وهم الفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة ، المقيمين للاسلام القامعين للشرك والمعصية ، فهم هم ، وغيرهم بهم ،مهما كان عند غيرهم من خير ، إلا انهم لا يرونه خيرا ما دام ليس على طريقتهم والمنهج الذي يرتضونه ، وما عليك سوى ان تتامل في هذا حتى تدرك حقيقة الغلو وكيف يردي صاحبه .. !(/2)
قراءة في النّبوءات المسيح الدّجّال)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين……
أهمية هذا الموضوع ليست علمية ذهنية فقط، بل هي تحمل جديتها لكونها خطيرة على واقعنا ومستقبلنا، فالطوائف المفارقة لأهل السنة، والمنتسبة للإسلام لها تاريخ حافل بالدم والجرائم معنا، وعقيدة اليوم امتداد لعقيدة الأمس، وما عمل تيمورلنك عندما دخل دمشق سنة803هجرية، وقتل كل من فيها من المسلمين المنتسبين لأهل السنة(سوى عدد يسير من الأطفال) إلا بسبب عقيدة آمن بها، علمه إياها صفي الدين الأردبيلي (الشيعي الصوفي): وهي أن قتل أهل الشام قربة إلى الله، وقصاص من قتلة الحسين بن علي رضي الله عنه(1)، فالإيمان هو المؤثر الأهم في حركة الإنسان، ودولة إسرائيل منشأها مبني على دين واعتقاد، وكذلك دولة إيران الشيعية مبنية على اجتهاد؛ مصدره عقيدتهم في المهدي المنتظر وأنه لا بد له من نائب… فالإهتمام الجاد بعقائد الناس والتعرف عليها مهم جدا، وهو سبيل قرآني في كشف عقائد الآخرين، وسبيل نبوي كذلك فقد روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي بن حاتم: "أسلم تسلم"، فقلت(عدي بن حاتم): إني على دين، قال: "أنا أعلم بدينك منك"، قلت: أنت أعلم بديني مني؟!! قال: "نعم" قال هذا ثلاثا، قال: "ألست ركوسياً؟"(2) قلت: بلى، قال: "ألست ترأس قومك؟ "قلت: بلى، قال: "ألست تأخذ المرباع؟"(3) قلت: بلى، قال: "فإن ذلك لا يحل لك في دينك"(4).
فها أنت ترى علم النبي صلى الله عليه وسلم بدين رجل من أهل الجزيرة، وهو دين مغمور قليل الشهرة، وهذا يدلك على ما نحن فيه في هذا الباب.
ولأنني أعتقد أن الطوائف والفرق هي قنابل موقوتة في منطقتنا، وجزء كبير من معارك الغد سيكون معها، وهي إحدى خيارات الدول الشيطانية من يهود ونصارى في طرحها كبدائل عن الإسلام السني الصحيح، فإننا مدعوون بقوة إلى فهم هذه الفرق عقديا، والإطلاع الواعي على السبل العملية المتبناة في تطبيق هذه العقيدة، وليت الذين يزعمون الفهم والتحليل والذكاء السياسي أن يهتموا بدراسة آليات عمل الطوائف في فرض نفسها وتمرير نبوءاتها ومعتقداتها في داخل مجتمعاتنا بدل إهتمامهم بلوك الكلام الفارغ من كل إفادة، والذي مبناه على التأمل الذاتي، والإستشراف الوهمي، والتبجح بمعرفة أسماء الكتب السياسية.
جزء من معركة الغد ستفرض علينا من خلال هذه الفرق والطوائف، ووجودهم في منطقتنا جزء من الإمتحان المفروض علينا قدرياً في سعي المسلم الجاد لإقامة حكم الله في الأرض، ولعل بعض الإشارات التي وقعت في باكستان عند دعوة ضياء الحق المزعومة لتطبيق الشريعة، ثم الحال الآن في أفغانستان مع الفرق البدعية، وواقع أهل السنة والجماعة في إيران ومحاولة إفنائهم وتغيير عقائدهم، ووضع الدروز في إسرائيل –في كونهم رأس الحربة العسكرية والأمنية ضد المسلمين هناك– كافية لإيقاظنا من غفوة الجهل والتزوير الذي مارسه قادة الحركات الإسلامية في إسقاط الفروق بين أهل السنة وبين الطوائف المبتدعة الضالة، فهؤلاء القادة كانوا الممهد الأول في إزالة الحواجز الدينية ثم النفسية عند أهل السنة من أهل البدعة، ثم مهدوا الطريق في تنصيبهم رؤوس أهل البدع أئمة على الشباب الإسلامي، ولذلك ليس غريبا أن نرى الإنهيارات المتواصلة بسقوط العديد من الشباب المسلم السني في حبائل هذه الفرق المنحرفة، وتبنيهم لمعتقدات أهل البدع، وهؤلاء القادة في هذه الحركات يجهزون شبابنا للإنخراط في معتقداتهم تحت دعوى وجود القواسم المشتركة بين أهل السنة وبين المبتدعة في وجود عدو خارجي واحد… فالخطوة الأولى أن الشباب يلتقي معهم ضد أمريكا وينتهي إلى سب أئمتنا وخيارنا، وتكفير أبي بكر وعمر وعثمان وخيار الصحابة رضي الله عنهم، وهذا واقع منتشر انتشارا واسعا، فإن هناك الكثير من المناطق السنية والتي كانت مغلقة عليهم ولا يوجد فيها غيرهم قد بدأ تحولها وبصورة مذهلة إلى عقائد التشيع الرافضي؛ مثل المغرب العربي وسوريا الشام وفلسطين ومصر والسودان وماليزيا وأندونيسيا ومناطق متعددة من العالم الإسلامي.
فالإهتمام بهذا الموضوع يجب أن يلقى عناية من كل مسلم مخلص غيور على السنة وأصحابها.
أثر النّبوءات في الأديان على أتباعها(/1)
دارسو حضارات التاريخ تبينوا أن أي حضارات كان مبناها الأول على أسس دينية وإيمانية(5) يقول برقسون (إنه وإن وجدت حضارات بغير بناء وعمار إلا أنه لم توجد حضارة من غير معابد)، ويثبت هذا أن حركة الإنسان لا يمكن أن تنطلق إلا من أساس إيماني، سواء كانت العقيدة حقيقية أو وهما، صحيحة أو باطلة، وهذا القول ليس تقليلا للجوانب الإنسانية الأخرى كحاجته للمال والطعام وحب الغلبة والسيطرة، ولكن لا يمكن أن تعطي هذه الأمور آثارها في حركة الإنسان إلا إذا إكتست بثوب الدين والإيمان، ولذلك كان قواد المعارك دائما بحاجة إلى معتقد ليدفعوا الناس لمحاربة خصومهم، أو الإنتقال للسيطرة خارج الأرض، وكل المحاولات التي قامت لإلغاء التفسير الديني لحركة التاريخ باءت بالفشل(6)...
وهناك إتجاه قوي لترسيخ مبدأ الصراع على أساس علماني، وأن الحياة قد استقر أمرها على تبني الحرية الإنسانية
-الليبرالية- في كل شؤون الدنيا ولا دور للأديان فيها، وقد إنتهى عصر العقائد -الأيديولوجيا- ومن هذه الكتب التي أحدثت أصداء واسعة في هذا الإتجاه كتاب الياباني الأمريكي فرانسيس فوكوياما المسمى "نهاية التاريخ"، الذي يعلن فيه سقوط العقائد (ويستثني الإسلام ببعض بقاياه الدينية والخلقية) والإنتصار النهائي لليبرالية -حرية الإختيار في السياسة والإقتصاد والإجتماع- وقد صدر العديد من الكتب التي تنعي العقائد والتمسك بالهوية منها: كتاب "النفس المبتورة هاجس الغرب في مجتمعاتنا" للمستغرب الإيراني داريوش شايغان، وله في هذا الإتجاه نفسه كتاب "أوهام الهوية"، وهذان الكتابان يمثلان صورة نموذجية لجهود المستغربين في إسقاط الهويات في داخل مجتمعاتنا، ومن المؤسف أن المعممين في داخل إسلامنا يمارسون -صوت سيّده- في ترديد شعارات تتبنى هذه المعاني مثل قولهم: إن الحرب بيننا وبين اليهود ليست دينية ولكنها حرب على حقوق ذاتية.. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم نحن نرى أن العقائد لها الدور الأكبر في التحالفات والتقارب بين الدول والشعوب على الرغم من تبنى العالم اليوم العلمانية والليبرالية، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً في تاريخ البشرية ولكني سأقتصر هاهنا على ما يخصنا في هذا الباب:-
1- دولة إسرائيل:
دولة إسرائيل تقوم على أساس ديني إيماني، وكذلك أهم الأحزاب السياسية والدينية فيها تركزعلى إهتمامات دينية عندهم، ومما ينبغي التذكير به أن مناحيم بيغن بعد اعتزاله السياسة تحول إلى نبي يهودي(حب من أحبارهم) وفسر بعض نصوص التوراة، وأدخلت هذه التفسيرات في التلمود عندهم، ومعلوم أن بيغن أصيب بحالة نفسية سيئة بعد معاهدة كامب ديفيد، لأنه إعتقد أن ما قام به يخالف النبوءات التوراتية، وذلك بوجوب التقدم إلى الأمام وليس التراجع، هذا مع عظيم ما إستفادته إسرائيل من هذه المعاهدة المشؤومة(6)، ولكن مجرد التراجع ولو الجزئي يخالف ما يؤمن به اليهودي اليوم من أن أعداءهم يجب أن يولوا الأدبار دائما كما تقول التوراة: (تنطقني قوة القتال وتصرع القائمين علي تحتي وتعطيني أقفية أعدائي ومبغضي فأفنيهم، يتطلعون فليس من مخلص، إلى الرب فلا يستجيبهم، فأسحقهم كغبار الأرض، مثل طين الأسواق أدقهم وأدوسهم، وتنقذني من مخاصمات شعبي وتحفظني رأسا للأمم)(7)، وقد كان بيغن يعتقد أن موشى دايان أنه الملك المنتظر(8) وكان مفتونا به، ولكن سقط هذا الإعتقاد في دايان بعد الخسارة الجزئية في حرب73 ضد العرب(9)، وللذكر فإن النص المتقدم من التوراة قامت مجموعات نصرانية سبتية وطوائف يهودية بتوزيعه في الغرب بعد حرب1967م، لتثبت صحة التوراة ولإثبات ربانية دولة إسرائيل، وأنها من أبنيته التي يجب أن يدعمها المؤمنون بها. ومن النبوءات التي ترتكز عليها الدولة اليهودية في إقامة الملك الكامل من النيل إلى الفرات هو وجوب الحركة خطوة خطوة وليس دفعة واحدة، ففي سفر التثنية تقول التوراة: (لكن الرب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلا قليلا، لا تستطيع أن تفنيهم سريعا لئلا تكثر عليك وحوش البرية)(10). والدولة اليهودية تسير بإتجاه قوي إلى سيطرة الأصولية اليهودية هناك، وذلك بعد انتخاب حزب الليكود بقيادة نتنياهو لرئاسة الحكومة، وقد استلم اليهود المتدينون أهم مراكز القوى في الدولة.(/2)
أما الإرتباط بين اليهود في دولة إسرائيل وبين النصارى البروتستانت في أمريكا فهو ارتباط مبني على نبوءات توراتية ويراجع في ذلك كتاب "النبوءة والسياسة" فهو خير كاشف لحقيقة هذه العلاقة، وأن إيمان مراكز القرار في أمريكا بعقيدة هرمجدون (جبل المجد)(11) هو الدافع الذي جعل قادة أمريكا من أشد الناس وفاء لهذه الدولة المسخ، هذا بالنسبة إلى نصارى السبتيين، وقد زادت الصورة وضوحا عندما تولى اليهود الأصلاء أقوى المراكز في الحكومية الأمريكية، فوزارة الخارجية بيد أولبرايت اليهودية، ووزارة الدفاع بيد كوهين اليهودي، وكذلك وارن ميلر مسؤول التخطيط السياسي في الخارجية الأمريكية، ومارتن أنديك مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي ومرشح مساعد لوزيرة الخارجية في شؤون الشرق الأوسط، ومبعوث الحكومة الأمريكية للشرق الأوسط ديميس روس كلهم من اليهود الأصلاء.
وأما مجلسي القرار -مجلسي الشيوخ والكونغرس- فقرارهما الأخير باعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل هو قرار يهودي أشد من قرارات اليهود العلمانيين.
.................................................................................
(1) ... انظر أخبار تيمورلنك (تيمور الأعرج) في كتاب ابن عربشاه : "عجائب المقدور في أخبار تيمور".
(2) ... دين يجمع بين النصرانية ودين الصابئة.
(3) ... أي ربع الغنيمة.
(4) ... المسند4/378 ودلائل النبوة للبيهقي5/342، انظر ابن كثير5/63 –64.
(5) ... مثلما قال توينبي ووول ديورانت.
(6) ... التفسير الديني لحركة التاريخ هو أحد الإمتحانات المهمة اليوم للعقلية المسلمة في البحث والدراسة، وذلك من أجل البحث عن هذه العلة في الماضي والحاضر، وهو مهم جدا في فهم المسلم العالم لقضايا العالم وتفسير القرآن الكريم. ولأول مرة في تاريخ تجمع الليكود يصاب التجمع بالإنقسام وخروج بعض الأحزاب الدينية منه وذلك بعد التوقيع على الإتفاق بين بيغن والسادات.
(7) ... صموئيل الثاني، الإصحاح الثاني والعشرين، سطر40 فما بعده إلى45.
(8) ... سيأتي الكلام حول المخلص(ملك اليهود).
(9) ... ومع ذلك بقى مولعا به ولذلك عرض عليه وزارة الخارجية عندما استلم رئاسة الوزراء رغم أن دايان كان في حزب العمل (المعراخ) وبيغن زعيم تجمع الليكود، وقد ذكر دايان قصة هذه القضية وما رافقها من أحداث في كتابه "أيبقى السيف الحكم" فليراجع، وفيه بعض القضايا المهمة الأخرى، منها أنه يكشف بداية اللقاءات السرية بينه وبين بعض حكام الردة في بلادنا كملك المغرب الحسن الثاني.
(10) ... انظر الإصحاح السابع آية22.
(11) ... لمعرفة حقيقة هذه العقيدة يراجع الكتاب المذكور، وللأسف لم يصدر أي كتاب إسلامي يعالج هذه الظاهرة سوى ما كتبه الشيخ الدكتور سفر الحوالي في محاضرته التي فرغت كتيبا (القدس بين الوعد الحق والوعد).
2- جزر الطوائف في العالم الإسلامي:-
الطوائف المفارقة لأهل السنة والجماعة تعتمد في وجودها وحركتها على النبوءات الدينية في كتبها، ولعله يجب علينا أن نذكر ولا ننسى إيمان الدروز(12) في وقت من الأوقات أن جمال عبد الناصر هو الحاكم بأمر الله الفاطمي، فالدروز يعتقدون أن الله جل وعلا في أدوار زمنية معينة ينزل عن عرشه ويظهر بصورة إنسان(يتأنس)، وقد كان كمال جنبلاط الدرزي(13) ممن يعتقدون في عبد الناصر ذلك، وقارئ مقدمة كتاب"جمال عبد الناصر= من حصار الفالوجة إلى الإستقالة المستحيلة" يستطيع أن يلمح هذه العقيدة في طيات كلامه، وللذكر فإن جنبلاط هو الذي أعطى للعقيدة الدرزية فعاليتها والكثير من تفسيراتها، حيث ربطها بعقائد الهنود وأديان الشرق ومذاهب الإشراق الغنوصية، وهو بنفسه الذي كتب "المصحف المنفرد" والذي كان يعتقد الدروز وجوده مع عدم إطلاعهم عليه على مدار تاريخهم، حتى أظهره جنبلاط من كتابته هو بعد تتريبه. والدروز بسبب اعتقاد عندهم يدخلون في خدمة الدولة اليهودية ضد المسلمين هناك، فإن من مبادئ دينهم هو خدمة الظاهر والتذلل له وإظهار موافقته.
أما النصيريون فما تسليمهم الجولان في سوريا لليهود إلا بناء على نبوءة في كتبهم، فقد كان وزير الدفاع في تلك الفترة إبان حرب1967م النصيري حافظ الأسد، وقد ذكر ذلك رئيس وزراء الأردن يومها سعد جمعة(14).
واستغلال السياسيين للنبوءات الكاذبة عند العامة من جهلة المسلمين وغيرهم أمر معروف ومنتشر في مجتمعاتنا بحجم كبير، ففي حرب الخليج انتشر بين الناس في العالم العربي حديث(صادم)، وهو الشخص الذي سيقضي على أعداء الأمة، وقد وزعت في الأردن منشورات جاء فيها أن في كتاب الجفر للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث: "يجتمع بنو الأصفر والفرنجة ومصر في البيداء على رجل يسمى صادم، ولا يرجع منهم أحد. قيل: متى يا رسول الله؟ قال: بين جمادي ورجب وترون فيه العجب".(/3)
ثم ذكروا رواية ثانية وهي: "يجتمع الروم والبرابرة والإفرنجة، ومعهم المصريون على رجل اسمه صادم، فيبيدهم في البيداء، ولا يرجع منهم أحد. قيل: متى يا رسول الله؟ قال: بين جمادي ورجب وترون فيه العجب"(15).
وهذا الكلام وإن بدا سخيفا الآن بعد انتهاء أحداث الخليج ولكنه كان في وقته يعمل عمل السحر، فهذا السخف نشرته جريدة إسلامية(!!!) في الأردن وبعض الجرائد العلمانية، بل صرح يومها نائب برلماني من الإخوان المسلمين في أحد المساجد بأن هذا الحديث يشهد ويدل على صواب وإسلام صدّام وأنه المنصور في المعركة.
وفي تلك الأثناء التقيت بدكتور في كلية الشريعة وجرى بيننا حوار حول قضية الخليج وما صارت إليه من دمار للأمة، فأقسم لي بالأيمان أن صداما سينتصر، وأن معركة أخرى سوف تقوم بين صدام وأمريكا، وسيدمر صدام أمريكا ولمح إلى هذا الحديث... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن النبوءات التي يعتقدها بعض متصوفة أهل السنة وجهلهم هو إعتقاد مشايخ جماعة التبليغ أن المهدي المنتظر هو الذي سيتولى قيادة الجماعة بعد وفاة شيخهم إنعام الحسن(حضرة جي!!)، وهذا بناء على نبوءة في كتاب السحر: "شمس المعارف الكبرى". فقد ذكر البوني فيه أن الإمام جعفر الصادق أخبر في جفره نبوءات الزمان القادم وهي كثيرة جدا ثم قال تحت عنوان: (فصل في معرفة الجفر الذي ذكره الإمام جعفرالصادق رضي الله عنه): وذلك أسماء والقصد بهذه الأسماء إنما هو عددها ومعرفة تكسيرها في ضرب المبادئ بالأصول، ولم أوضح لك أكثر من ذلك، وإنما ذكرت هذه الرموز لكي يكمل كتابي هذا ويفوق غيره من الكتب، والطريق إلى مكة كما بينا، وهذه الرموز الجفرية الموضعة الأصلية بسم ال ل ه الرحمن الرحي م شعيب سميع شيت حرقيل قابيل طوس دمياط نابس طرابس طرطوس حلب حمص ودمشق تفارقا احر مواد محمد أحمد موسى إلياس يوسف محمد المهدي الملك المبين الله وكيل ... ثم قال في آخرها وكل هذه قواعد كلية لو أبصرت كل فتنة أو واقعة وقعت لوجدتها على هذا الحساب وهذا المعنى لا يختلف ابدا(16)أ.هـ.
وتفسيرهم لهذه النبوءة أن: إلياس هو الشيخ محمد إلياس الكندهلوي مؤسس جماعة التبليغ في الهند، ثم يوسف هو الشيخ محمد يوسف ابن المؤسس وخليفته في إمارة الجماعة، ثم محمد وإنه الشيخ إنعام الحسن وبعده يأتي المهدي الذي ينتظرونه.
ثم توفى إنعام الحسن ولم يأتي المهدي، فرفضوا تعيين أميرا بدلا منه تصميما على هذا الإعتقاد، ولذلك عينوا مجلسا استشاريا جماعيا مكونا من مجموعة من مشايخهم خلفا لإنعام الحسن، وذلك انتظارا للمهدي الصوفي التبليغي المنتظر(17).
ولهم ممارسات كثيرة غير هذة تدل على هذا الإعتقاد لا حاجة لذكرها هنا.
حقيقة المنتظر
من الثابت عند أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بوجود رجل من أهل بيته سيخرج في آخر الزمان وهو من علامات القيامة الكبرى لقبه المهدي، وعلى يديه سينتصر أهل الإسلام على خصومهم من اليهود والنصارى وغيرهم، وهو رجل سيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وجود علم آخر من أعلام الساعة وهو المسيح الدجال، فحديثنا هنا عن المسيح الدجال، وأن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وصف الدجال هو عين حقيقة الرجل الذي ينتظره الشيعة الروافض ويسمونه المهدي، وهو كذلك نفس الرجل الذي ينتظره اليهود ويعتقدون فيه الخلاص والذي سيرفع أمرهم.
فنحن أمام حقيقتين تختلط فيهما الأسماء هما:-
الحقيقة الأولى: المهدي عند أهل السنة والجماعة -وليس هو عيسى بن مريم عليه السلام، الذي سينزل آخر الزمان في زمن المهدي أثناء قتاله مع الدجال.
الحقيقه الثانية: المهدي عند الشيعة الروافض، والمسيح عند أهل السنة، وملك اليهود المنتظر وأن أوصاف هؤلاء الثلاثة تنطبق على شخص واحد فهي ثلاث أسماء لشخص واحد.
والحديث لن يكون عن مهدي السنة، ولا عن عيسى عليه السلام، ولكن سيكون في الحديث عن الحقيقة الثانية إن شاء الله تعالى.
من هو مهدي الشيعة الروافض؟(/4)
موقظة: ارتباط المذهب الشيعي بالعقيدة اليهودية اكتشافه ليس وليد اليوم ولا هو من إفرازات الفكر التآمري الذي صار مصدر هزء عند أكثر الناس، بل إن الأئمة الأوائل قد كشفوا هذا الإرتباط وتحدثوا عنه، وذلك قبل وجود تهمة الفكر التآمري، والتي صارت كافية عند البعض في إسقاط أي معلومة أواي استنتاج، وكأن معاداة أعداء الله تعالى من يهود ونصارى وأذناب لهما قد توقفت عند زمن شعارات الإنسانية، ولعل الهجوم الذي لاقاه كتاب ادوارد سعيد "الإستشراق" هو نوع من هذا الهجوم لإسقاط المعلومات عن النفسية الحاقدة والنية الخبيثة عند المستشرقين في دراستهم لأمتنا، بل لقد صار التزام الرجل بمركز دراسات ما وهو جزء من دولة أجنبية لا يعد كفرا، وذلك كله تحت دعوى العلمية المجردة أو العلم من أجل وجه العلم، بل وتحت دعوى المصالح المشتركة لم يعد يستنكف أحد أن يؤجر نفسه في عمل إعلامي لدولة كافرة، ويرى في هذا قمة الفذلكة السياسية.
الإمام الشعبي رحمه الله، (عامر بن شراحيل المتوفى سنة104هجرية ثقة تابعي ومن أهل الكوفة)، كان هذا الإمام خشبيا -والخشبية طائفة من الشيعة كانت ترفض القتال بالسيف، ويحمل أتباعها سيوفا من خشب- ثم تاب من بدعتهم، وكان من أخبر الناس بهذه الطائفة، وقد حدث أصحابه عن صلة العقيدة بين الشيعة وبين اليهود(18)، قال مالك بن مغول: قلت للشعبي: ما ردك على هؤلاء القوم، وقد كنت منهم رأسا؟ قال: رأيتهم يأخذون أعجازا لا صدور لها، ثم قال لي: يا مالك لو أردت أن يعطوني رقابهم أو يملؤوا لي بيتا ذهبا أو يحجوا إلى بيتي هذا على أن أكذب على علي رضي الله عنه لفعلوا، ولا والله لا أكذب عليه أبدا، يا مالك إني قد درست الأهواء فلم أرى فيها أحمق من الخشبية، فلو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمرا… يريدون أن يغمصوا دين الإسلام كما غمص بولس بن يوشع ملك اليهود دين النصرانية… منهم عبد الله بن سبأ يهودي من يهود صنعاء… يا مالك: إن محنتهم محنة اليهود(19).
وقد حاول بعض الشيعة المعاصرين وهو المرتضى العسكري في كتاب له سماه "عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى"(20) أن ينفي وجود هذه الشخصية، وذلك بتعليق جميع الروايات الواردة في حق عبد الله بن سبأ اليهودي على راو ضعيف وهو سيف بن عمر الضبي التميمي، وقد استخدم منهج أهل السنة في تضعيف سيف بن عمرو من أجل عقيدته، والرد على مرتضى العسكري له ذيول مطولة ولكني سأكتفي هنا بذكر رواية واحدة لا مطعن فيها من جهة سندها لإثبات وجود عبد الله بن سبأ اليهودي، وهي رواية صحيحة على منهج المحدثين الصارم، فكيف على منهج المؤرخين المتسمحين في هذا الباب، وليست هي من طريق سيف هذا.
قال أبو طاهر الذهلي: حدثنا محمد بن عباد قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني عن سلمة بن كهيل عن حجية عدي الكندي قال: رأيت عليا عليه السلام وهو على المنبر وهو يقول: من يعذرني في هذا الحميت(21) الأسود الذي يكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم -يعني ابن السوداء– لولا أنه لايزال تخرج عليّ عصابة تنعي عليّ دمه، كما ادعيت عليّ دماء أهل النهر، لجعلت منهم ركاما(22)
مهدي الشيعة المختفي في سرداب في سامراء
الشيعة الإثنى عشرية (تمييزا لهم عن الشيعة الزيدية وعن الشيعة الإسماعيلية السبعية) يقولون أن الإمامة هي ركن الإسلام العظيم، وأن الإمامة ثبتت بالنص في علي وبنيه رضي الله عنهم إلى اثني عشر إماما هم: علي بن أبي طالب والحسن والحسين (ابناه) ثم في ولد الحسين البكر(23) وهو علي السجاد (زين العابدين) ثم ولده البكر محمد الباقر ثم ولده جعفر الصادق ثم ولده الكاظم ثم ولده علي الرضي ثم ولده محمد الجواد ثم ولده علي الهادي ثم ولده الحسن العسكري ثم آخرهم وهو المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري...
ومحمد المهدي هذا يقولون أنه ولد سنة255هجرية، وبسبب خوف أهله عليه من حكام زمانهم ذهب وتخفى في سرداب في مدينة سامراء(مدينة العسكر) وهو صغير، فكانت غيبته الصغرى التي كان من خلالها يرسل إرشاداته وأوامره ونواهيه إلى أتباعه عن طريق رسل، ثم انقطعت آخر الرسل سنة329هجرية أي وعمر المهدي الشيعي74سنه هجريه، ثم بدأت الغيبة الكبرى، وهو مازال في سردابه إلى اليوم، ينتظر الشيعة خروجه ويدعون عند ذكره في احتفالاتهم أن يعجل الله فرجه، وقد ربطوا أعمال الإمامة العظمى به حتى يخرج، ابتداءا من صلاة الجماعة الى الجهاد وإقامة الحدود.(/5)
هذا هو معتقد أغلب الشيعة الاثني عشرية فيه وقد خالف في ذلك البعض قديما وحديثا، فممن رفض فكرة المهدي العسكري الشيعي عندهم من المعاصرين أحمد الكاتب الذي بين من خلال نشريته الشورى الصادرة في لندن أن الحسن العسكري مات ولم يعقب، وأن المهدي لم يولد قط وأن اعتقاد الشيعة بوجود هذا الإمام مبناه على التجويز العقلي فقط، ولا حجة لهم في أي مستند خبري في ذلك.. وقد رد عليه أصوليو الشيعة ردودا كثيرة.. وقوله هذا هو قول كثير من قدماء الشيعة الأوائل حيث أنكر بعض معاصري الحسن العسكري أن يكون قد عقب ولدا، بل إن أخا الحسن العسكري واسمه جعفر من هؤلاء الشهود النافين، وجمع شهادات لجيرانه أنه مات ولم يعقب، وقد سمى الشيعة جعفرا هذا بجعفر الكاذب، تمييزا له عن جعفر الصادق.
واعتقد الشيعة الإثني عشرية بوجود المهدي وبرجعته مبني على روايات منسوبة في كتبهم لأئمتهم منها ما نقلوه عن جعفر الصادق قوله : "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا -أي رجعتنا- ويستحل متعتنا"(24).. وهو من ضروريات المذهب عندهم حتى قال الحر العاملي: "فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين واللاحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع"(25)، وقال محمد بن النعمان الملقب بالمفيد: "اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة"(26).
وللمهدي هذا عند خروجه أوصاف كثيرة لن نأتي إلا على ما يهمنا في بحثنا هذا وهي السمات اليهودية لهذا المهدي الشيعي المنتظر.
......................................
(12) ... هناك خلاف حول إسم الدرزية، فالأكثرون على أن انتسابهم إلى محمد بن اسماعيل الدرزي (نشتكين)، وهو أحد الرجال الأوائل الذين دعوا إلى ألوهية الحاكم بأمر الله الفاطمي مع حمزة بن علي الزوزني، مع أن حمزة هذا قد كفر الدرزي بعد مخالفته في إظهار عقيدتهم وقد أمره بالإسرار، والحاكم هو الخليفة السادس في الدولة العبيدية تولى الخلافة وعمره11 سنة، وحكم مصر من386 إلى411هجرية، وهناك اتجاه إلى أن النسبة هي للجنرال دور الصليبي، الذي هزمه صلاح الدين سنة1190م ثم لجأ إلى وادي التيم (جبل الدروز) فحماه أهلها فنسبوا له، وجمع درو بالإفرنجي دروز، وهي من إطلاق خصومهم. (انظر كتاب عبد الله النجار -سفير لبنان- مدير معارف جبل الدروز سابقا) وهو أول كتاب يكشف شيئا من عقائد الدروز من رجل درزي ، والكاتب لقى القتل جزاء عمله في أمريكا الجنوبية وذلك بعد تلقيه التهديدات من بني قومه الدروز، وقد استنفر كمال جنبلاط مثقفي الدروز للرد عليه فألفت عدة كتب منها كتاب سامي كرم "أضواء على مسائل التوحيد" وقد قدم له كمال جنبلاط بمقدمة تعادل نصف الكتاب، وكتاب"الدروز في التاريخ" للدكتورة نجلاء أبو عز الدين، وكان عجاج نويهض قد كلف بذلك ولكنه اعتذر عن الإستجابة ثم ألف كتابا لا قيمة له في تعريفنا بمذهب الدروز عنوانه "الأمير السيد"، وقد كان سبب تأليف النجار كتابه أن المغتربين الدروز صاروا يبحثون عن عقيدتهم ودينهم فلا يجدون من يعرفهم به فتوجهت الرسائل إلى أئمتهم شيوخ العقل طالبة العون فلم تتم الإجابة حتى هدد الدكتور عسراوي قائلا: إن لم تتزحزح مشيخة العقل عن موقفها، لأضعن دينا جديدا ولو لدروز أمريكا وحدهم. وبالفعل ألف كتابا باللغة البرتغالية سماه "الدرزية" سد به ثغرة عند دروز المهجر ولكن لم يعرض عنه مشايخ العقل عند الدروز.
(13) ... زعيم الدروز السياسي في لبنان ثم تولى الزعامة بعد وفاته ابنه وليد ، ويوجد الآن صراع بين آل جنبلاط وبين آل أرسلان على زعامة الدروز، وللذكر فإن آل أرسلان كانوا من أهل السنة وتأثروا من عقيدة مواليهم آل جنبلاط الدروز، حيث كان آل جنبلاط خدما وموالي عند آل أرسلان ثم انقلب الحال وصار آل جنبلاط هم السادة بعد أن غيروا عقيدتهم، وللذكر فقد كانت زوجة كمال جنبلاط الدرزي ابنة شكيب أرسلان وهي أم وليد جنبلاط...
(14) ... انظر كتابه "المؤامرة ومعركة المصير".
(15) ...
هناك كتاب منتشر في الأسواق اسمه الجفر، منسوب إلى الإمام جعفر الصادق فيه رموز سحرية ونبوءات مستقبلية، والجفر الأبيض أحد الكتب التي يعتقد الشيعة أنها من خصوصيات المهدي المنتظر كما سيأتي، والكتاب المطبوع فيه الأقوال المتقدمة لكن فيه كلمت صارم (بالراء) وليس صادم(بالدال) ولكنها حرفت لتلائم الواقع.
(16) ... ص342-343 والكلام الذي نقلناه أخذناه بالحرف فلا يظنن أحد أنه خطأ مطبعي.
(17) ...(/6)
المهدي فتنت به أقوام من المنتسبين لأهل السنة، فقد كان جماعة من أئمة الجيش الأردني في دائرة الإفتاء العسكري يعتقدون أن الأمير الحسن(الطاغوت شقيق الطاغوت الأردني) هو المهدي المنتظر، والمستقبل سيكشف لنا عدة (مهديين)، وعلى الأقل فأنا أعرف الآن أربعة، وخلال تجوالي دعيت أكثر من مرة للتعرف من قبل بعضهم على المهدي المنتظر الحقيقي، وربما لا توجد طائفة صوفية أو متأثرة بالصوفية إلا وتعتقد أن المهدي من رجالها وأنه يربى عندهم.
(18) ... لم أشأ أن أذكر الباحثين المتأخرين الذين قالوا بهذا الإرتباط لأن قولهم يعتمد على الدراسة وإن كانت طريقة صحيحة للإثبات إلا أنني آثرت أن أتكلم عن رجل عاصر التشيع الأول وخبره بنفسه وهو ثقة عند أهل السنة والجماعة.
(19) ... انظر منهاج السنة النبوية لابن تيمية1/29-30.
(20) ... طبع في مجلدين ووزع في مناطق متعددة مجانا وزعم سامي البدري من قم في كتابه "شبهات وردود" أن هناك أجزاء أخرى عند المؤلف(ص13-14) وقد ردد هذه دعوى (عدم وجود ابن السوداء) الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء الشيعي الإمامي (متوفى سنة 1373 هجرية) في كتابه "أصل الشيعة وأصولها" ص179 وما بعدها.
(21) ... الحميت: المتين.
(22) ... حديث رواه الدارقطني، انتقاه من حديث أبي الطاهر محمد الذهلي القاضي رقم157.
(23) ... موضوع انتقال الإمامة في البكورة من الذكور عند الشيعة الاثنى عشرية الروافض له اتصال بعقائد اليهود، فقارئ التوراة يجد بوضوح تنازع الأنبياء وحسدهم لبعضهم بعضا في سرقة البكورة، وكأن في البكورة سرا ونورا في انتقالهما من الأب لأبنه، وقد تحطمت البكورة في الأئمة عند الاثني عشرية في موطنين، الأول: انتقالها من الحسن لأخيه الحسين وليس لابنه، والثانية: انتقالها من جعفر إلى ابنه موسى الكاظم وليس لابنه الأكبر إسماعيل، وهو الذي سبب انشقاق السبعية الإسماعيلية عنهم، وللروافض تأويل طريف في الموطنين، ودليلهم أن الإمام هو الأبن البكر هو ما رواه الكليني عن علي بن موسى أنه قال: للإمام علامات منها أن يكون أكبر ولد أبيه. (الأصول من الكافي1/ 284، باب الأمور التي توجب حجة الإمام عليه السلام).
(24) ... من لا يحضره الفقيه لابن بابوية القمي الشيعي3/458.
(25) ... الإيقاظ من الهجعة ص24.
(26) ... أوائل المقالات ص52.
السمات اليهودية لمهدي الشيعة المنتظر
أ- مهدي الشيعة سيحكم بشريعة داود وآل داود وبتوراة موسى:
في كتاب الحجة من الأصول في الكافي(27) قال الكليني:
"باب في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة عليهم السلام والرحمة والرضوان"
1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور عن فضل الأعور عن أبي عبيد الحذاء قال: كنا زمن جعفر عليه السلام حين قبض نتردد كالغنم لا راعي لها، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي: يا أبا عبيدة من إمامك؟ فقلت: أئمتي آل محمد، فقال: هلكت وأهلكت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات وليس له إمام مات ميتة الجاهلية؟ فقلت: بلى لعمري، وقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فرزق الله المعرفة، فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن سالما قال لي كذا وكذا، قال: يا أبا عبيدة إنه لا يموت منا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلى ما دعى إليه، يا أبا عبيدة إنه لم يمنع ما أعطى داود أن أعطى سليمان، ثم قال: يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة.
2- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود ولا يسأل بينة، يعطي كل نفس حقها".
3- محمد عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقانا به روح القدس".
4- محمد بن أحمد عن محمد بن خالد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عمران بن أعين عن جعيد الهمداني عن علي بن الحسن عليه السلام قال: "سألته بأي حكم تحكمون؟ قال: حكم آل داود، فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القدس".
5- أحمد بن مهران رحمه الله عن محمد بن علي عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما منزلة الأئمة؟ قال: كمنزلة ذي القرنين وكمنزلة يوشع وكمنزلة آصف صاحب سليمان، قلت: "فبما تحكمون؟ قال: بحكم الله وحكم آل داود وحكم محمد صلى الله عليه وسلم ويتلقانا به روح القدس"(28).
موقظة:(/7)
درج الشيخ محمد حسين فضل الله الشيعي الإمامي اللبناني أن يفسر نصوص الشيعة تفسيرا عقلانيا قريبا مما يرضاه العامة، كما فعل مع مصحف فاطمة، فإنه من المعروف في المذهب الشيعي أن مصحف فاطمة هو أحكام وأخبار مستقبلية (نبوءات) وأخبار ماضية وتطمينات نفسية ألقاها جبرائيل عليه السلام عليها بعد أن منعها أبو بكر رضي الله عنه حقها في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم في فدك، وبعد أن ضربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه على بطنها فأجهضت جنينا في بطنها اسمه محسن(مزاعم شيعية)، فالتجأت إلى بيتها حزينة، فكان ينزل عليها جبريل عليه السلام فيسليها بهذا الحديث وهي تلقي على علي رضي الله عنه ما يلقيه جبريل عليه السلام عليها، فتجمع لديها ما سمى بمصحف فاطمة، فهذا هو معتقد الشيعة في مصحف فاطمة.. ولكن الشيخ محمد حسسين فضل الله(باعتباره شيعيا متنورا) يفسر مصحف فاطمة أنه مجموعة فتاوى وأحكام ومواعظ كانت تلقيها فاطمة رضي الله عنها على بنات جنسها، هذا تفسير من الشيخ فضل الله لم يقبله الشيعة ولا أئمتهم فراحوا يردون عليه تفسيره(29).
أقول: ربما يذهب الشيخ فضل الله في تأويل هذه الأحاديث على معنى إقامة العدل وإصابة الحق، كون حكم آل داود هو الحق والعدل، ولكن هذا التفسير ستجابهه نصوص، شيعية كثيرة في هذا الباب، ومنها ما هو صريح أنه يحكم بما يسمى (الجفر الأحمر) كما في "بحار الأنوار" للمجلسي: عن جعفر أنه قال: إن القائم يسير في العرب في الجفر الأحمر. قال (رفيد): قلت: جعلت فداك وما الجفر الأحمر؟ قال: فأمر إصبعه على حلقه. قال: هكذا يعني الذبح(30).
والجفر عند الشيعة في كتبهم هو ما رواه الكليني في الكافي(31) قال أبو عبد الله عليه السلام: إن عندي الجفر الأبيض. قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليه السلام والحلال والحرام.
وواضح من هذه النصوص الشيعية أن حكم المهدي الشيعي سيكون بشريعة داود عليه السلام، هذا مع حكمه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم كذلك، وهو رد على زعم أن مقصد الكلام هو إقامة الحق فقط لا شريعة داود عليه السلام، والمغايرة بين شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وبين آل داود عليه السلام معلومة واضحة قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)[المائدة48]. وقد وردت رواية صريحة تبين هذا المعنى: ففي"بحار الأنوار" لمحمد باقر المجلسي: "وأنه يحكم بينهم مرة بحكم آدم ومرة بحكم داود ومرة بقضاء إبراهيم وفي كل واحد منها يعارضه بعض أصحابه"(32).
إذا علمنا هذا، ثم رأينا أن القرآن المزعوم الذي سيعلمه المهدي الشيعي القادم لأتباعه ليس فيه حرف من القرآن، وهو ثلاثة أضعاف مصحفنا، علمنا من المقصود بذلك هو التلمود وليس القرآن الكريم.
روى المفيد في كتاب "الإرشاد" بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال: "إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وسلم ضرب فساطيط ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل فأصعب ما يكون من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف"(33).
وروى النعماني في "الغيبة" بإسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل. قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أنزل؟ فقال: "لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله لأنه عمه"(34).
ولذلك قال الجزائري: وقد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها، والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين فيقرأ ويعمل بأحكامه(35).
وقد روى الكليني في "الكافي" عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: أن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية(36).
وروى الكليني بإسناده عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ قال: لا، اقرؤوها كما تعلمتم فيجيبكم من يعلَمكم.(37).
وقد أقر الخوئي –المرجع السابق للشيعة في العراق– دعوى وقوع التحريف والنقص في القرآن، يقول: إن كثرة الروايات على وقوع التحريف في القرآن تورث القطع بصدق بعضها عن المعصومين، ولا أقول من الإطمئنان بذلك فيها ما روي بطريق معتبر(38).
وفي"الكافي" للكليني: وإن عندنا مصحف فاطمة... مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد(39).
ب– مهدي الشيعة المنتظر أنه يتكلم العبرانية:(/8)
في كتاب "الغيبة" للنعماني: إذا أذن الإمام دعا الله بإسمه العبراني (فانتخب) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف، منهم أصحاب الألوية، منهم من يفق فراشه ليلا فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهارا يعرف باسمه واسم ابيه وحليته ونسبه...(40)
ج– اليهود من أتباع المهدي الشيعي المنتظر:
روى الشيخ المفيد في "الإرشاد" عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله قال: يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا(41).
وواضح من النص أن القصد هم قوم موسى وأما البقية ممن ذكروا فمن أجل التمويه فقط، وحين خروجه ليس من الصعب أن يزعم أحدهم أنه سلمان الفارسي أو أبو دجانة الأنصاري أو أنه من أصحاب الكهف.
وبهذا نخلص أن مهدي الشيعة:-
1- يحكم بشريعة آل داود، وبقرآن جديد ليس هذاالذي بين أيدينا، ولو سأل سائل فأين شيعة آل داود لوجد الإجابة ولا شك أنه التلمود، ولذلك يبايع الناس على كتاب جديد، ففي كتاب "الغيبة" للنعماني عن أبي جعفر أنه قال: فوالله كأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد شديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء(42).
2- لسان المهدي هو العبرانية.
3- أتباعه من اليهود.
أعداء المهدي الشيعي
1- فعن أبي جعفر أنه قال: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: هذا ليس من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم(43).
2- وفي الغيبة كذلك للنعماني عن جعفر أنه قال: إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات. قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم منهم ومن مواليهم.(44).
3- وعن جعفر أنه قال: يخرج موتورا غضبا أسفا… يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هوجاء. فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة وينادي مناديه: هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشا فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف(45).
فأعداؤه هم أهل السنة، وستهدى إليهم دماؤهم.
حقيقة ملك اليهود كما هو عندهم (المخلِّص)
التوراة(46) عند اليهود خمسة أسفار هي: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية.
وهذه يزعمون أن موسى عليه السلام قد كتبها بيده(47) وبقية العهد القديم تتكون من39 سفرا منها15 من الأسفار المنسوبة بالإسم إلى الأنبياء...
والتوراة خليط من الأخبار التاريخية والأحكام الشرعية والنبوءات المستقبلية(48) والأناشيد الدينية. ولعل النبوءات التوراتية هي أهم موضوع في التوراة عند أهلها، ومن الأسفار التي امتلأت بالنبوءات "سفر حزقيال"، وهذا السفر كالأسفار التي تسمت بأسماء كتبة هذه الأسفار.
وقد ذكر المخلص ملك اليهود المنتظر في الكثير من الأماكن والأسفار(49)، إلا أن اقتصاري على ذكر"سفر حزقيال" سببه أن فيه نبوءات أخرى مهمة وهي ذات قيمة في العقيدة اليهودية مع أن المخلص ورد ذكره أكثر من غير"سفر حزقيال"...
............................................................
(27) ... هو من عمدة كتبهم بل من أجلها، والكليني متوفى سنة329هجرية، وهو عندهم ثقة وقدوة، وقد زعم صاحبه أنه ألفه في عشرين سنة، والكليني كان حيا في زمن الغيبة الصغرى، وهذا يقوي الرواية عند الشيعة أنه عرضه على الإمام الغائب فاستحسنه وقال هو كاف لشيعتنا. (انظر مقدمة الأصول من الكافي).
(28) ... الجزء الأول ص397-398.
(29) ... انظر ما كتبه ياسين الموسي من ملاحظات على منهج السيد محمد حسين فضل الله حيث اتهمه بأنه متأثر بالمذهب السني وقد صرح هذا الشيعي فيه أنه هناك فرقا جوهريا بين المنهجين بين الفكر السني والشيعي.
(30) ... بحار الأنوار13/181 (نقلا عن الشيعة والتشيع ص377)
(31) ... الكافي1/240.
(32) ... بحار الأنوار52/389 (نقلا عن الشيعة والتشيع ص377).
(33) ... ص413.
(34) ... ص172-173.
(35) ... الأنوار النعمانية في بيان نشأة الإنسانية2/363 –364.. والجزائري هو نعمة الله بن عبد الله الحسيني شيعي إمامي مُدِح بقولهم: كان عالما محققا مدققا جليل القدر، توفي سنة1112هجرية، وكان تلميذا لعلامة الشيعة محسن الكاشاني.
(36) ... كتاب "أصول الكافي" باب النواد2/134، ومعلوم أن قرآننا لا يتعدى ستة آلاف آية إلا يسيرا.
(37) ... ج 4ص619 باب أن القرآن يرفع كما أنزل.
(38) ... البيان في تفسير القرآن: ص226.
(39) ... نقلا عن تاريخ ما بعد الظهور ص372 وهو في كتاب "الشيعة والتشيع" ص371.
(40) ... أصول الكافي1/239.
(41) ... الإرشاد ص402 (نقلا عن الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب ص25).
(42) ... ص231.
(43) ... الغيبة للنعماني ص107.(/9)
(44) ... المصدر السابق ص235.
(45) ... المصدر السابق ص308.
(46) ... التوراة كلمة مستعربة أصلها بالعبري تورا: بمعنى القانون والتعلم والشريعة، وأول ترجمة لها تم في عهد الرشيد على يد أحمد بن عبد الله بن سلام.(انظر كشف الظنون1/504).
(47) ... على الرغم أن سفر التثنية في الإصحاح34 قوله:"فمات موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض مؤاب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم"، فعجيب عن رجل يكتب عن نفسه أنه مات ودفن، ولابن تيمية رحمه الله رأي رائع في موضوع تحريف التوراة والإنجيل يخالف بعض ما استقر في أذهان البعض نسوقه بإختصار:-
1- الصواب الذي عليه الجمهور أنه بدل بعض ألفاظه.
2- جمهور المسلمين يقولون أن بعض ألفاظها بدل كما بدل كثير من معانيها.
3- أن القوم عندهم من ألفاظ الأنبياء ما لم يفهموا كثيرا منه وما حرفوا كثيرا منه.. (انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج1 ص4 وص373 وص374) .
(48) ... أنبياء اليهود لا يعدون في التوراة كثرة ، ففي سفر الملوك الأول (إصحاح18 – آية 19) أن أربعمائة نبي فينيقي كانوا يأكلون على مائدة إيزابيل، يقول : فالآن ارسل واجمع إلى كل اسرائيل إلى كل جبل الكرمل وأنبياء البعل أربعمائة والخمسين وأنبياء السواري أربع المئة الذين يأكلون على مائدة إيزابيل.أهـ. وأنبياء اليهود أشبه بصوفية المسلمين ففي سفر صموئيل (إصحاح10 – آية25): ويكون عند مجيئك إلى هنا إلى المدينة أنك تصادف زمرة من الأنبياء نازلين من المرتفعة، وأمامهم رباب ودف وناي وعود وهم يتنبؤون.أهـ. بل هم هم يقول البروفيسور عبد الأحد داود (كان قسيسا فأسلم وتسمى عبد الأحد) وكان الرجل الذي ينظر أو يراقب من البرج (المصفا أو المسفا) يسمى صوفي (sophi).
ويقول: كان الصوفي رئيس جماعة الداخلين في هذه المجموعة.. والواقع أن من نعرفهم الآن باسم الصوفية كانوا يسمون عندئذ (نبييNBIYIM ) أو الأنبياء.. (انظر محمد والكتاب المقدس ص76 وما بعدها). والكتاب وقع في خطأ في عنوانه حين سمى التوراة والإنجيل بالكتاب المقدس وأنى لهما القداسة؟!!! وهذا العنوان من التأثر بما يقوله المشركون.
(49) ... كما في سفر أشعياء وقد ذكر فيه قريبا مما ذكره الشيعة عند مهديهم في كثرة قتلاه، ففي الإصحاح66: "ويكثر قتلى الرب".
نبوءات مهمة
أ - تدمير مصر:
وقد توزعت النبوءة في هذا السفر(حزقيال) في الإصحاح29 والإصحاح30 والإصحاح31 وفي هذه النبوءة يقول:-
1- وأتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك على وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تسلم، بذلتك طعاما لوحوش البر وطيور السماء.
2– وتكون أرض مصر مقفرة وخربة فيعلمون أني أنا الرب لأنه قال النهر لي وأنا عملته لذلك ها أنذا عليك وعلى أنهارك وأجعل أرض مصر خربا خربة مقفرة من مجدل(50) إلى أسوان إلى تخوم كوش.
3- ولا يكون بعد رئيس من أرض مصر(51).
4- وأشتت المصريين بين الأمم وأذريهم في الأرض فيعلمون أني أنا الرب.
5- حين أجعل أرض مصر خرابا، وتخلوا الأرض من ملئها، عند ضربي جميع سكانها يعلمون أني أنا الرب. هذه مرثاة يرثون بها بنات الأمم ترثو بها على مصر وعلى كل جمهورها ترثو بها يقول السيد الرب(52).
ب - تدمير صور اللبنانية:
وهذه النبوءة توزعت على الإصحاح26 والإصحاح27 والإصحاح 28، وفيها:-
1- ها أنذا عليك يا صور فأصعد عليك أمما كثيرة كما يعلي البحر أمواجه فيخربون أسوار صور ويهدمون أبراجها وأسحي ترابها عنها.
2- وتكون غنيمة للأمم وبناتها االواتي في الحقل تقتل بالسيف.
3- حين أصيرك مدينة خربة كالمدن غير المسكونة حين أصعد عليك القمر فتغشاك المياه الكثيرة.
4- يا ابن آدم ارفع مرثاة على ملك صور وقل له هكذا قال السيد الرب.
في النبوءات يرفع حزقيال من معنويات شعبه الأسير بأن تنبأ بموت كل أعدائه وبقرب انتصاره ورأى كيف سيكون أورشليم المستقبل فقد سار به في شوارع المدينة وبصرة المعبد المبني حديثا وطلب منه أن يمعن النظر ويحفظ ما يراه ليحدث به شعبه بأرض بابل (الإسر اليهودي) وبشرهم حزقيال بأن ملك الأرض سيكون من نسلهم وأن هذا الحاكم سيحكم باسم الرب يهوه بالعدل والسلام.
ويقول حزقيال: يقول السيد الرب:
1- حين أتقدس فيكم قدام أعينهم وآخذكم من بين الأمم وأجمعكم من جميع الأرض وآتي بكم إلى أرضكم وأرش عليكم ماءا طاهرا فتطهرون.
2- وتسكنون الأرض التي أعطيت آبائكم إياها وتكونون لي شعبا وأنا أكون لكم إلها.
3- ها أنذا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها وأجمعهم من كل ناحية وآتي بهم إلى أرضهم وأصيرهم أمة واحدة في الأرض على جبال إسرائيل وملك واحد يكون عليهم كلهم.أ.هـ.(/10)
افتتن اليهود وأولعوا بقدوم الملك المخلص، ففي كتاب "اليهود الحسيديم" للدكتور جعفر هادي حسن، يلاحظ الناظر ان كثير من أحبار اليهود قد أصابهم الخبل والجنون وهم ينتظرون الملك المخلص. يقول الدكتور جعفر: فمما نقل عن الصديقيم ليفي اسحق بردلشيف(اسم حبر حسيديمي) وأنه كان يتوقع ظهور المسيح المخلص كل يوم، وكان يضع ملابس يوم السبت جاهزة معه استعدادا لاستقباله، وقد وقف يوم التاسع من آب(يوم صيام اليهود) إلى جانب شباك في بيته وهو يتطلع إلى الخارج بقلق، وكان كلما سمع صوتا يرهف سمعه ويتنصت ليعرف مصدر الصوت(53).
وذكر صديقما آخر كان دائم التطلع إلى ظهور المخلص اسمه موشى تيتلباوم، فقد كان ينتظره كل يوم ويترقب ظهوره.. وكان في كل ليلة عندما ينام يهيء ملابس السبت ويذكر حاجبه أن يوقظه في اللحظة التي يسمع فيها بظهور المخلص(54).
الصديقيم اسحاق هروفتش(الرائي) توفي سنة1815م: هذا الصديقيم اتفق مع ثلاثة من الصديقيم على التعجيل بظهور المخلص أيام إحتلال نابليون لروسيا بالطرق الباطنية(55).
تيتلباوم كان يقول: أنا لا أفهم لماذا لايحاول الصديقيم في العالم الآخر التعجيل بظهور المخلص، إنهم يجب أن يطبقوا السماوات على الأرض من أجل ذلك، ولكنهم ربما نسوا ما يحدث في عالمنا الأرضي عند دخولهم الجنة(56).
وكان الصديقيم موسى بن زفي(ت1841م) يقول لأهله كل ليلة: لو كنت أعلم بأن شعر رأسي سيكون أبيض ولا ترى عيناي المسيح المخلص لما بقيت حيا، يا رب أنت الذي أبقيتني وحفظتني بهذا الأمل وهذا الإعتقاد، إنك ضحكت علي فهل هذا شيء جيد، وهل هذا شيء جيد أن تضحك على رجل مثلي؟(57).
وبعضهم هيأغرفة خاصة في بيته وأسماها غرفة المسيح، وقد وضع فيها كل غال ونفيس عنده ولم يكن يسمح لأحد بالدخول إليها(58).
بل إن بعضهم وعد إنه لن يدخل الجنة عندما يموت حتى يجبر المخلص على الظهور(59).
وفي سنة1992م قام طائفة من اليهود بتوزيع مناشير تبشر الناس بقرب ظهور المخلص، حتى أنه قد ذكر بأنهم قد بنوا له دارة قرب مستوطنتهم (حبد)(60).
وقد تقدم معك اعتقاد بعض اليهود كمناحيم بيغن وموشى دايان أنه هو المخلص(61).
موقظة:
يعتقد الناصري أن المخلص المذكور في التوراة هو عيسى عليه السلام، وكثير من شراح التوراة يفسرون بعض النبوءات أن المعني بها هو المسيح الدجال، واليهود والنصارى يعتقدون بنبوءة قدوم المسيح الدجال، وهم يؤمنون بأنه سيكون خصم مسيحهم القادم، وأكثر الأسفار ذكرا لهذا المسيح –حسب تفسيرات الشراح– هو سفر دانيال(62)، وعلى مر التاريخ كانوا يستخدمون هذه النصوص ضد المسلمين، وأكثر المؤمنين اليوم بعقيدة هرمجدون(جبل المجد) يعتقدون أن المسيح الدجال هو من المسلمين (المحمديين حسب تعبيرهم).
في الحروب الصليبية احتج البابا أوربان الثاني(سنة489 – 1095م) بنصوص من العهد القديم(التوراة) وخاصة من المزامير، وبعض نصوص الإنجيل كذلك لاثارة الحمية النصرانية ضد المسلمين(الوثنيين حسب تعبيره)، تقول بني كول(63): يقول غبير(مؤرخ صليبي عاصر الحملات الصليبية): إن البابا ارتقى مراتب لاهوتية وعاطفية عالية، إذ وصل بين فكرة الرد القسري المقدر للأتراك الوثنيين من فلسطين، وخصوصا من القدس، واعتقاد الكنيسة فيما ستعلق بالمسيح الدجال ونهاية العالم، ذلك كان اعتقادا ألهب الخيال في العصور الوسطى إذ أن الكشف عما يقع من أحداث في أيام العالم الأخيرة، حيث يشتبك الإله مع المسيح الدجال، عدوه الشرير، في معركة كونية رهيبة، كان موضوعا أثير في الفن الديني والكتابات اللاهوتية وفي المسرح، وإنما جعل موضوع المسيح الدجال ملائما هذه الملائمة لفكرة طبيعة الوجود التركي المقدر في فلسطين هو الإعتقاد أن هذا الصراع الخطر سيكون مسرحه مدينة القدس(64).
وكان النصارى يعتقدون يومها أنه قبل قدوم المسيح الدجال يجب أن تكون القدس خاضعة للمسيحيين، وكان هذا دافعا لدى الرهبان يومها لإشعال الحروب الصليبية، أما اليوم فقد تحولت العقيدة إلى أن خضوع فلسطين ينبغي أن يكون لليهود، وهو التفسير الصحيح للنبوءة كما يقولون، وهو يفسر لك بعض التفسير لماذا يدعم النصارى الأصوليين الدولة اليهودية في فلسطين(65).
سمات الدجال اليهودية كما وردت في السنة النبوية
جاءت الكثير من الأحاديث التي تحذر الأمة الدجال، وذكرت الكثير من أوصافه وأخباره، وسنقتصر هنا على ذكر الصفات التي تبين التقاءه مع الوصف المتقدم لمهدي الشيعة ومخلص اليهود..
وأما الأوصاف والأخبار الأخرى فسنتركها مع أهميتها لأنها لا علاقة لها بموضوعنا وسنختصر هذا الباب لأن شرحه سيكون موسعا إن شاء الله في تفسير آيات العلو الثاني لبني إسرائيل في سورة الإسراء، وهي جزء من الدراسة تتعلق بفقه الفتن، وأقصد بفقهها: حقيقتها، وكيف يفهمها المسلم؟ كيف وظفها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هي أهميتها؟ وصورها من الإستغلال الباطل لها.
1- يهودية الدجال:(/11)
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما غلام أعور، أضر شيء وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه"، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه، فقال: "أبوه طوال ضرب اللحم(66) كأن أنفه منقار، وأمه فرضاخية(67) طويلة الثديين"، قال أبو بكرة: فسمعت بمولود في اليهود بالمدينة، فذهبت أنا والزبير بن العوام، حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما، قلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد، ثم ولد لنا غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما، فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة، وله همهمة، فكشف عن رأسه، فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي.(68).
موقظة:
هذا الحديث فيه ذكر ولادة الدجال وأنه هو ابن صياد، وقد كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعتقد أن ابن صياد هو المسيح الدجال، ومات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو شاك فيه، والحق أن ابن صياد ليس هو المسيح الدجال لمغايرته الكثير من صفاته، ولكننا أخذنا من هذا الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتقدون بيهودية الدجال.
2- أتباعه من اليهود:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة(69).
2– عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: "يكون معه سبعون ألفا من اليهود على رجل منهم ساج وسيف".(70).
3- مكان خروجه:
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه خارج في خلة بين الشام والعراق"(71).
خاتمة
بهذا تكتمل لدينا الحقيقة إن شاء الله تعالى، ونرجو من الله النفع بها، والبحث لا يكون تاما إلا بوجود دراسة واسعة مهمة في كيفية عمل طوائف البدع والشرك والكفر في تحقيق نبوءات كتبهم الباطلة حتى تبدوا منطقية ولا دور لعمل فوقي قهري فيها، وهذا الأمر في الحقيقة هو أحد الإمتحانات المهمة للعقلية المسلمة في هذا الوقت، فهي تحتاج إلى طريقة علمية مبناها على العمل وجمع المفردات من مظانها ودراسة مناطق وقوع النبوءة والكشف عن التيارات الظاهرة والخفية من سياسية ودينية واجتماعية ومراكز إشاعة وإعلام، وأنا أنصح إخواني الذين لهم إهتمام بهذا الباب أن يبتعدوا عن التوهم وإرسال النظر من وراء الجدر في دراسة أي ظاهرة سياسية أو اجتماعية أو دينية، ولا يغتروا بجمال الأفكار على حساب الحقيقة.
وللذكر فإن هذا النوع من الأعمال والتي مبناها على التوهم والإستشراف والتحليل عن بعد وإتقان عد الإحتمالات هو من مضحكات الأعمال عند الذين يحترمون أنفسهم، وما مراكز الدراسات التي تصنع القرار أو تطبخ القرار في أي بلد أو تجمع إلا مجموعة من الجامعين العمليين لحثيثيات القضية، وليس مجموعة من أصحاب التوهم والتحليل عن بعد من وراء جدر، ولذلك نرى ان الغرب بنى أساس تعامله مع مجتمعاتنا من خلال دراسات ميدانية عن طريق الرحلات الإستكشافية في داخل أمتنا، وقاموا بدراسة كل ظاهرة وبتجميع كتب التراث ومعرفة القبائل ومعرفة واقع العلاقة بين الناس الخ. ثم بعد ذلك وعلى ضوئها استطاعوا أن يصنعوا أعمالا حقيقية دام أثرها علينا إلى يومنا هذا، ولكن لأن البعض ظن أنه استطاع عد الإحتمالات الوهمية لقضية ما فإنه يستحق أن يسمى خبيرا استراتيجيا..
والدراسات الموضوعية الميدانية صياغة قرآنية وسنية، وقد نهى القرآن عن اتباع الوهم، قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)[الإسراء]، والكليات والمطلقات لا وجود لها إلا في الأذهان، وهي سبيل غير علمي وغير حقيقي، والغرب الكافر لم يتقدم في ميدان العلوم إلا بعد تحطيم أغلال الفلسفة القائمة على التوهم الذاتي، وممن أرسى هذه القواعد عندهم فرانسيس بيكون، واقرأ إن شئت كتاب كانط:"نقد العقل المجرد" … قال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا) …
والحمد لله رب العالمين
.....................................................
(50) ... مجدل حسب جغرافية التوراة هي الأرض الواقعة شرق القاهرة الآن ففي سفر الخروج (الإصحاح14- آية2): كلم بني أسرائيل أن يرجعوا وينزلوا أمام فم الحيروت، بين مجدل والبحر أمام بعل صفوان. وقد ذكر بعض الأثرين أنهم وجدوا أنقاضها في "أبوحسن".
(51) ... هذه النبوءة ذكرها طه حسين كأمر مسلم به في حديث الأربعاء حيث نفى أن يكون هناك مصري من أهلها حكم مصر.
(52) ...(/12)
للدكتور كمال الصليبي كتاب عنوانه "التوراة جاءت من جزيرة العرب" أثبت فيه أن مصر التوراة ليست هي مصر هذه الأيام وعاود التأكيد على هذا في كتابه الآخر "خفايا التوراة" ، وآراؤه هذه أحدثت ضجة كبيرة وهلع منها العرب إذ اعتبروها دعوة من الصليبي لتأكيد حق اليهود في الجزيرة العربية، فهو يعتبر مصر هي قرية المصرمة في الجنوب من جيزان عند حدود اليمن، وأيد قريبا من هذا القول محمود القاسم في كتابه "جغرافية القصص القرآني مصر ليست مصر وغيرها" وقال: أن مصر القرآن ليست مصر اليوم واختلف مع الصليبي في تحديد مكانها، ونحن هنا لا يهمنا أن نثبت موقع مصر وإنما إثبات عقيدة اليهود في مصر وماذا سيفعلون بها من خلال نبوءات أنبيائهم، وبعض الباحثين يرى أن تدمير مصر سيتم عن طريق هدم السد العالى حيث يقول إن اليهود هم أصحاب فكرته وقد حاولوا هدمه مرارا.
(53) ... اليهود الحسيديم ص176، والحسيديم معناها الإحسان وهم طائفة يهودية أصولية، والصديقيم هو المرشد الروحي في هذه الطائفة، والياء والميم في اخرالكلمتين للنسبة.
(54) ... المصدر السابق ص177.
(55) ... المصدر السابق ص160.
(56) ... المصدر السابق ص177.
(57) ... المصدر السابق ص176.
(58) ... المصدر السابق ص178.
(59) ... المصدر السابق ص178 وما بعدها.
(60) ... المصدر السابق ص181.
(61) ... اعتقاد يهودية المنتظر يقول به بعض صوفية المسلمين (انظر الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود القاسم ص525).
(62) ... يفسر بعض البحثة المسلمين بعض نبوءات دانيال أن المقصود بها محمد صلى الله عليه وسلم وخاصة ما ورد في الإصحاح الثامن، وسفر دانيال مصدر خصب من مصادر النبوءات، والظاهر أن كاتب السفر كان صاحب خيال مجنح جدا، وللذكر فإن اكثر النبوءات وقعت واليهود مأسورون عند نبوخذنصر الفارسي، وكانت تستخدم من أجل رفع المعنويات للشعب اليهودي.
(63) ... يفسر بعض البحثة المسلمين بعض نبوءات دانيال أن المقصود بها محمد صلى الله عليه وسلم وخاصة ما ورد في الإصحاح الثامن، وسفر دانيال مصدر خصب من مصادر النبوءات، والظاهر أن كاتب السفر كان صاحب خيال مجنح جدا، وللذكر فإن اكثر النبوءات وقعت واليهود مأسورون عند نبوخذنصر الفارسي، وكانت تستخدم من أجل رفع المعنويات للشعب اليهودي. باحثة في جامعة كامبرج.
(64) ... المرجع= فلسطين في كتابات العالم الغربي الاتيني في القرنين12و13 الميلادي/ الفصل الرابع من كتاب: الصراع الإسلامي الفرنجي على فلسطين في القرون الوسطى. تحرير هادية داجاني وبرهان داجاني.
(65) ... من النصوص التي فسروا أن المقصد بها المسيح الدجال هو ما ورد في سفر دانيال الإصحاح قبل الأخير و الأخير من السفر وفيه:
1- ويمد يده على الأراضي وأرض مصر لا تنجوا.
2- من يعرفه يزيده مجدا ويسلطهم على كثيرين ويقسم الأرض أجرة.
3- ويتعظم على كل إله.
4- وتقوم منه أذرع وتنجس المقدس الحصين وتنزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرب والمعتدون على العهد يهويهم بالتملقات.. وهذا النص يبين أن الدجال سيغري الناس بالمال والمنصب.
(66) ... أي خفيف اللحم.
(67) ... أي عظيمة الثديين، يقال إمرأة فرضاخة و فرضاخية.
(68) ... رواه أحمد وأبو داود الطيالسي، والترمذي، من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة".
(69) ... رواه مسلم.
(70) ... رواه أحمد.
(71) ... رواه مسلم.(/13)
قراءة في ذاكرة الحرب الأمريكية على العراق.
الكاتب: الشيخ د.عوض بن محمد القرني
إن ما يسمى بمنطقة " الشرق الأوسط " تتعرض لمخاطر جسيمة وتحديات مصيرية قد تكون أشد خطورة وأبلغ أثراً مما تعرضت له المنطقة في نهاية الحرب العالمية الأولى
وقد تكون هذه الأحداث هي حجر الزاوية في إعادة رسم وتشكيل خارطة القوى العالمية ومناطق النفوذ لهذه القوى في العالم خلال القرن القادم .
البداية في حرب الخليج الثانية :
لقد رسمت أمريكا في حرب الخليج الثانية ملامح المستقبل لصالحها ودشنت نفسها زعيمة للعالم بتلك الحرب.
لقد قلتُ في سنة 1411 هـ إن تلك الحرب ليست مفاجئة ولا على غير المتوقع ، بل هي حرب يعد لها منذ سنوات بعيدة من خلال العديد من الاحتمالات المتوقعة في نظر مخططي تلك الحرب وقلت في حينها :
إن لهذه الحرب دوافع وأهداف للاعب الرئيسي فيها " أمريكا " ، أما اللاّعبون الصغار فإنما هم أدوات يُضرب بعضها ببعض ويُجعل بعضهم طعماً للبعض الآخر .
وأستميح القارئ عذراً لأُذكِّر باختصار بما قلت في حينها وليقارن القارئ الكريم ذلك بما وقع في النهاية ، لقد قلت: إن لأمريكا من هذه الحرب عدة أهداف منها :
1 – ضرب القوة العسكرية العراقية الناشئة التي بنيت بأموال الخليجيين وإشراف أمريكا لئلا تشكل هذه القوة تهديداً مستقبلياً لإسرائيل بعد أن استنفدت دورها في ضرب إيران وتشغيل مصانع السلاح الغربي .
2 – ضرب القوة الاقتصادية للدول الخليجية والتي كان لها أبلغ الأثر في دعم البنية التحتية للصحوة الإسلامية على مستوى العالم من مساجد ومراكز ومدارس وجامعات ومجلات وكتاب وشريط وغير ذلك ، بالإضافة لما تمثله من دعم لدول المواجهة مع إسرائيل وللشعب الفلسطيني ومن تنمية واعدة لشعوب المنطقة .
3 – وضع بترول المنطقة تحت السيطرة شبه المباشرة للقوات الأمريكية وهو ما ظلت أمريكا تعمل له منذ عام 1973م ، ولم تعد تثق في التفاهمات السياسية أو تعتمد عليها لتأمين إمدادات الطاقة للمدنية الأمريكية.
4 – فرض الصلح بين العرب وإسرائيل بما يحقق الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة ويضمن لها الاستقرار المستقبلي وتدشين ما سمي بالشرق الأوسط الجديد بديلاً للروابط الدينية والقومية .
5 – إثارة القلاقل في دول المنطقة بين الأنظمة بإثارة بعضها ضد البعض الآخر وتخويف بعضها من بعض .
وبين الأنظمة والشعوب من خلال استفزاز الشعوب بالوجود الأمريكي في المنطقة ومن خلال الأعباء الاقتصادية المترتبة على الحرب وعلى الوجود العسكري الأمريكي بعد الحرب مما يؤثر على معيشة الناس وحياتهم .
6 – ضرب الصحوة الإسلامية على امتداد الساحة العالمية والتي كان لمنطقة الخليج الدور الأكبر في دعمها ونشرها مما سيؤدي إلى ردود فعل عنيفة واستهلاك للجهود في الصراع الداخلي .
وإنني أتساءل بعد هذه السنين هل صدقت هذه التوقعات التي كانت في حينها مدعومة بالوثائق والأدلة والبراهين والتي استفز القول بها بعض المسبحين بحمد أمريكا والتي قد تكشف الأيام ضلوعهم الكبير في تنفيذ مخططها .
وها نحن اليوم وجهاً لوجه في مواجهة أمريكا مرة أخرى وفي منطقة الخليج أيضاً ، فما أشبه اليوم بالبارحة.
لقد ترددت كثيراً قبل الكتابة في هذا الموضوع لا يأساً ولا إحباطاً - عياذاً بالله - ولكن لظني أن الأحداث قد أصبحت أكثر من أن تخفى على أحد حتى فوجئت ببعض طلبة العلم وبعض المثقفين يخوضون فيها خوضاً عجيباً ، فرأيت لزاماً أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع .
أداء للواجب وإسهاماً في بيان الحق وتثبيتاً للناس ولعل وعسى ، وسيكون الحديث من خلال المحاور الآتية :
المحور الأول:
دوافع أمريكا في هذه الحرب
ما فتئت أمريكا تعلن صباح مساء أن هدفها من الحرب هو نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق حتى لا يشكل خطراً على جيرانه ، لكن كل عاقل في العالم يعلم أن هذه مجرد شماعة تعلق عليها المقاصد الأمريكية الحقيقية ، فالعراق دمرت قوته العسكرية في حرب الخليج ، ثم استباحت فرق التفتيش والتجسس الدولية كل شبر فيه طوال عشر سنوات ، بالإضافة للقصف شبه اليومي الأمريكي والبريطاني لشماله وجنوبه والحصار المفروض عليه ، والتصوير بالأقمار الصناعية والطائرات التجسسية ، وقد اعترف بذلك مسئولو فرق التفتيش السابقين ، ولقد رأينا عجباً في بحث فرق التفتيش عن الأسلحة النووية وغيرها في المساجد ومصانع حليب الأطفال والكليات التي يدرس فيها آلاف الطلاب ، وكأنه لم يكف العراق أنه ابتلي بحاكم علماني مجرم فعل فيه الأفاعيل حتى ابتلي بهذه الحرب الصليبية الحاقدة الظالمة التي مات بسببها ملايين الأطفال والنساء والشيوخ ، وأذل بها شعب كامل كان لزمن طويل غرة في جبين الحضارة وحامل مشعل التقدم والمدنية .
وإذا لم تكن هذه الدعوى الكاذبة المرفوعة هي السبب الحقيقي، فما هي الأسباب يا ترى؟(/1)
إن هذه الحرب هي استمرار لسابقتها وتطوير لأهدافها ومحاولة لاستدراك ما لم يمكن تحقيقه من الأهداف السابقة ، فهي حلقة من مشروع استعماري صهيوني صليبي جعل وجهته وميدان معركته الساحة الإسلامية العربية بعد سقوط الإتحاد السوفيتي ، وجعل عدوه البديل هو الصحوة الإسلامية وما تمثله من آمال مستقبلية لشعوب المنطقة في الوحدة والحرية والأصالة ودفع الهيمنة الاستعمارية الغربية وما تمثله من نقيض للأمة الإسلامية عقدياً وقيمياً وتاريخياً ومصلحياً .
وقبل الحديث عن دوافع أمريكا من هذه الحرب أحب أن أذكّر ببعض البدهيات والحقائق الكبرى حتى لا تُنسى في صخب الأحداث وتفاصيلها اليومية وهي :
1)أن عداوة اليهود والنصارى للمسلمين من الحقائق الثابتة واللازمة لهم نطق بها الكتاب المستبين ، وأثبتها الواقع التاريخي عبر أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، وهذا الحكم هو الغالب والأعم وتبقى الاستثناءات منه التي تأتي لإثباته لا لنفيه { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } .
2 ) أن هذه العداوة لا تبيح لنا أن نظلمهم أو نغمطهم حقهم ولا تمنعنا من الحوار معهم إما لدعوتهم أو لحل المشكلات الناشئة بيننا وبينهم أو بالاستفادة مما لديهم من صناعة وتقنية ومدنية لكن أيضاً يجب أن لا يغيب عن بالنا أن الجهاد هو درع الأمة وعدتها التي واجهت بها عدوها في جميع مراحل تاريخها .
3 ) أن الأمة ابتليت نتيجة لهيمنة النموذج الغربي عالمياً بفئةٍ من أبنائها يتكلمون بلسانها ويعيشون في داخلها ، لكن وجهتهم غير وجهتها وعقائدهم غير عقائدها وقيمهم غير قيمها ، وهم شتى طوائف العلمانية من يسار ويمين وقوميين وأمميين وحداثيين وليبراليين وغيرهم من الأصناف والفرق .
وهم ما بين طابور خامس يخدم الآخر عن قناعة واختيار أو تائه ممزق بين فكره التغريبي وعواطفه الوطنية القومية ونحن في اشد الحاجة للحوار مع هؤلاء ومعالجة مشكلتهم والتعامل مع كل فئة منهم بما يصلح لها.
4 ) أن الهجمة من الخطورة والشراسة والضخامة بحيث لا تستثني أحداً حكومات وحركات وشعوب ، إنما هناك أولويات ولذلك يجب أن نتعامل معها على هذا الأساس ، وأن نرجيء الثانويات في سبيل مواجهة المشكلات الكبرى .
أما أسباب الهجمة الأمريكية على العراق من وجهة نظري فهي :
1) لا شك أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الصراع على الطاقة البترولية حيث أن الغرب منذ عام1973م وهو يسعى سعياً حثيثاً لإيجاد بديل للبترول ، لكن هذه المساعي لم تحقق نجاحاً يذكر ، والقرن الواحد والعشرون حسب الإحصاءات القائمة الآن هو القرن الأخير للبترول تقريباً فمن سيتحكم في هذه الطاقة سيتحكم في العالم ، وهيمنة أمريكا على العالم الآن في أوج عظمتها فهي تتعامل مع جميع دول العالم بمنطق فرعون (ما علمت لكم من إله غيري) ، ( وما أريكم إلا ما أرى ) .
فهي إذا فرصتها للسيطرة المباشرة على مصادر الطاقة قبل أن تنشأ قوى أخرى تنافسها على ذلك أو لا تسمح لها بالتفرد بالسيطرة مثل أوربا الموحدة تقودها فرنسا وألمانيا أو الصين في المستقبل ، وبالذات لو تم شيء من التفاهم أو التحالف بينها وبين روسيا أو اليابان .
وقد ثبت أن خزان الوقود البترولي الأكبر في العالم يمتد من بحر قزوين عبر أذربيجان وإيران والعراق إلى الخليج ، وها هي أمريكا من حرب الخليج الثانية قد سيطرت أو كادت على بترول الخليج ، وبعد احتلال أفغانستان وصلت شواطئ بحر قزوين ، ولم يبق إلا الاستيلاء على العراق وإيران .
ولأنّ العراق الحلقة الأضعف والعرب الجدار الواطيء والمبررات جاهزة " أسلحة الدمار الشامل " فلتكن البداية بالعراق ولن تكون إيران بعد ذلك بعيدة عن متناول اليد الأمريكية بعد أن تكون قد طوقت من جميع الجهات وهذا ما يبرز حالياً نحو إيران من المطالبة بتفتيش منشئاتها النووية والمطالبة بإيقافها ، وتتحدث الأخبار بان أمريكا وإسرائيل قد وضعتا أجهزة تنصت في العراق وفي منطقة البصرة بالذات وفي حدود إيران في أفغانستان للتجسس على إيران وجيرانها والحركة العسكرية والمصانع بداخلها.
ومن هنا ندرك لماذا كانت المعارضة الشديدة للحرب من ألمانيا وفرنسا اللتين تسعيان جاهدتين لإقامة أوربا الموحدة بعيداً عن أمريكا بل ربما يوماً ما في مواجهتها ، لأنهما يدركان ماذا يعني سيطرة أمريكا على احتياطي النفط العالمي في القرن القادم .
وبالذات أن الفريق الحاكم في أمريكا يسيطر عليه رجالات النفط ومديرو شركاته الكبرى .(/2)
2) من خلال النفوذ الصهيوني في الإدارة الأمريكية فقد اعتبرت الحرب على العراق بأنها إنقاذ لإسرائيل من مأزق تعيشه في مواجهة الشعب الفلسطيني المجاهد ، فبعد أن أصبحت إسرائيل في مأزق حقيقي في الانتفاضة الأولى أُنقذت باتفاقية أوسلو وأُتي بالسلطة الفلسطينية لتكون شريكاً في الولوغ في دم القضية الفلسطينية بعد ذبحها والقضاء عليها وقمع الشعب الفلسطيني مقابل ثمن زائف ومتاع قليل ، وإذا بالمشروع يفشل في يومه الأول وإذا بالشعب المجاهد الأعزل تتحطم على صخرة إيمانه وصموده كل المؤامرات وإذا بالنائحة المستأجرة تغادر المأتم غير مأسوف عليها ، ويهب الشعب عن بكرة أبيه للدفاع عن الأقصى في مواجهة عنجهية المجرم شارون ، وتصبح دماء الشهداء هي السقيا لغراس العزة والحرية وتصبح منارات المساجد هي الرايات لجحافل النصر والاستقلال بإذن الله ويصم الشعب أذنيه عن تخذيل المخذلين واحتجاج الخائفين ونعيق العملاء الضالعين في المؤامرة رغم كل الاجتياحات وهدم المنازل وقتل الآمنين في منازلهم من الأطفال والنساء وكبار السن والاغتيالات للقيادات الجهادية والعلمية
فقد أصبحت النبتة الخبيثة " إسرائيل " في مأزق لم تمر به في تاريخها ، فبعد أن استنفدت أكثر إمكاناتها العسكرية والأمنية المتوحشة تحت غطاء من العهر السياسي تمارسه فرعون العصر " أمريكا " لإذلال شعب الإباء والعزة والجهاد في فلسطين ، أقول بعد ذلك ها هي إسرائيل تعيش أزمة اقتصادية لم تعرف لها سابقة في تاريخها . وهي تؤمل اليوم من قيادة اوسلو الجديدة انقاذها من المستنقع الذي وقعت فيه وتحاول أن تسلم الملف الأمني على الحدود المفترضة للأمن الفلسطيني والأمن المصري لتوقد حرباً إسلامياً داخلياً وهي تراقبه من بعيد.
إن إسرائيل تعيش رعباً وخوفا ً في المجال الأمني ، وصراعاً واستقطاباً في الميدان السياسي ، وانهياراً معنوياً في الجيش ، وتفككاً واضطراباً اجتماعياً ، والأخطر من ذلك كله هجرة معاكسة وتوقف شبه يومي لكثير من مظاهر الحياة وهروب لنسبة كبيرة من سكان المستوطنات إلى داخل فلسطين1948م بحثاً عن الأمن الذي لم يجدوه بل لاحقهم حتى هناك الخوف والموت من المقاومة الفلسطينية.
نعم لقد أعطت الأنظمة العربية مع الأسف الفرصة لإسرائيل لتعيد تركيع الشعب الثائر لكنها والحمد لله عجزت عن ذلك وحينئذ فلا بد من عملية جراحية كبرى لإعادة ترتيب المنطقة كلها لإبقاء الأمل في المستقبل اليهودي ولإشغال شعوب المنطقة بما فيها الشعب الفلسطيني بقضية أخرى ردحاً من الزمن تستعيد فيه إسرائيل أنفاسها وتعيد ترتيب أوراقها ، وتطبق أمريكا على دول المنطقة ((سايكس بيكو)) جديدة وليس هناك من نقطة أنسب للبداية من العراق ، فالنظام الحاكم فيه مكروه شعبياً منبوذ إقليمياً محاصر ومتهم عالمياً ولأكثر من جهة مصلحة في إسقاطه ، فليكن هو نقطة البداية لإنقاذ شعب الله المختار ومهما كلف ذلك أمريكا أو المنطقة أو العالم ، وربما توالت الأحداث لترحيل الفلسطينيين وتقسيم العراق وضرب إيران والسعودية وسوريا وغيرها .
3) في الحرب تحقيق لبرنامج اليمين المتطرف الذي يحكم أمريكا اليوم والذي يرى أن أمريكا يجب أن تسيطر على العالم وتحكمه وتفرض عليه القيم الأمريكية بدلاً من قيادتها للعالم وسماحها لقدر من التنوع الحضاري والثقافي والحياتي فيه ، وأما ما سمي بحرب الإرهاب والعولمة وحرب العراق وما سيلحق بها إنما هو تعبير عن هذا التوجه اليميني العنصري المتطرف في السياسة الأمريكية الذي هو أشد عنصرية من النازية والفاشية .
والحرب العراقية تعتبر خطوة في هذا الطريق العنصري الظلامي وفرصة لسدنة هذه الإيدولوجيات في السياسة الأمريكية لتحقيق طموحاتهم .
4) لا شك أن الفئة المتنفذة في الحزب الجمهوري في أمريكا من أيام ريجان إلى اليوم هي طائفة " الإنجيليون " إحدى فرق البروتستانت وأهم عقائد هذه الطائفة ذات الأثر البالغ في حكم أمريكا هي عودة المسيح بعد قيام دولة إسرائيل ومعركة هرمجدون وتدمير أكثر العالم تمهيداً لتلك العودة المزعومة التي ستحكم العالم ألف عام كما يزعمون وهم بهذه الرؤى التوراتية الإنجيلية يقودون قوة أمريكا الغاشمة لتدمير العالم ، ولتكن البداية من خلال العراق .(/3)
5) لقد أعلنت أمريكا حرباً عالمية على ما أسمته بالإرهاب ، وقادت العالم وراءها رغباً ورهباً على رجل واحد معه بضع مئات من الشباب لم يدخل أحد منهم يوماً كلية عسكرية ولم يقد بارجة حربية ، وأعلن رئيس أكبر وأقوى دولة في التاريخ أنه يقود حرباً صليبية عالمية للحصول على أسامة بن لادن حي أو ميت وها نحن بعد سنين عدة نرى أسامة ما زال حياً وتعلن أمريكا عدم قدرتها على معرفة مكانه فضلاً عن القبض عليه، وفي كل يوم تعلن أمريكا لشعبها النذير والتحذير من احتمال ضربة جديدة فيعيش الشعب الأمريكي في الرعب والخوف ، أين الأقمار الصناعية والطائرات التي تصور كل شبر في أفغانستان ؟ أين أجهزة الاستخبارات الرهيبة التي لا تخفى عليها خافية ؟ أين مليارات الدولارات والجيوش الجرارة ؟ أليس هذا هو الفشل الذريع بعينه ؟
إن الحكومة الأمريكية وآلة الحرب والعنجهية في أشد الحاجة إلى نصر سهل يحفظ ماء الوجه ويعيد لأمريكا هيبتها عالمياً ولحكومتها مصداقيتها لدى الشعب الأمريكي، حيث كانت تقديراتهم أن حرب العراق ستكون حرباً خاطفة تستغرق ستة أيام كما قال رامسفيلد وهي كفيلة بتحقيق ذلك كله.
ولعل تقدير رب العالمين غير تقدير الطاغية بوش وزبانيته فالحرب اليوم تتجه في أن تكون قاصمة الظهر لهم وما ذلك على الله بعزيز، وأخبار المقاومة العراقية وعملياتها تسر المؤمنين وتقض مضاجع أمريكا وقادتها. رغم كل الجرائم التي تمارسها القوات الأمريكية في العراق من تعذيب وتدمير ومداهمات واعتقالات وما أخبار الفلوجة عنا ببعيد.
6) منذ أن ضُرب مركز التجارة العالمي والاقتصاد الأمريكي يتلقى الضربات تلو الضربات فمن خسائر باهظة في سوق الأسهم الأمريكية إلى إفلاس شركات الطيران والإلكترونيات وتسريح مئات الآلاف من العاملين إلى فضائح شركات المحاسبة وغيرها من الشركات ذات الصلة بالرئيس الأمريكي ونائبه ، كل هذا أدخل الاقتصاد الأمريكي في تذبذبات سيكون لها أوخم العواقب في المستقبل ، والحكومة في حاجة إلى ملهاة للشعب الأمريكي حتى تعيد ترتيب أوراقها في محاولة لسد العجز في الميزانية ومعالجة المشكلات ولو كانت الأمور طبيعية لكان حساب الشعب لهم عسيراً. لقد كان إعادة انتخاب بوش لعبة من لعب القيادة الحاكمة في أمريكا حيث اتخذوا من الحرب العراقية طريقاً لهذا الإلهاء بالإضافة لدغدغت المشاعر الصليبية والعواطف الاستعمارية الأمريكية ، فلتكن الحرب هي المخرج إذاً في نظر صنّاع القرار الأمريكي ، ولتكن دماء الشعوب ومصالحها وضرورات وجودها أوراقاً في طاولة القمار السياسي الأمريكي .
7) عداء أمريكا للتوجه الإسلامي أمر معروف في التاريخ المعاصر ولا يعني هذا عدم وجود العقلاء أو المنصفين فيها لكنهم مع الأسف قلة في العدد وضعفاء في الأثر .
ومنذ سقط الإتحاد السوفيتي وآلة الدعاية والإعلام الأمريكي ومراكز الدراسات وجماعات الضغط الصهيوني وشركات الاحتكار والاستغلال الكبرى كل أولئك ينفخون في نار العداوة للصحوة الإسلامية وما ( فوكوياما ) في كتابه ( نهاية التاريخ ) و ( هنتغتون ) في نظريته ( صراع الحضارات ) إلا أمثلة خجلى أمام رموز الإدارة الأمريكية من تشيني إلى رامسفيلد وكوندا ليزا رايس وأضرابهم .
ثم جاءت أحداث سبتمبر سواء كانت مؤامرة جُر إليها تنظيم القاعدة أو كان وراءها تنظيم القاعدة مستقلاً لتصب الزيت على النار ولتعطي لهؤلاء حجة وعذراً ودليلاً بزعمهم على إرهاب الإسلام وخطورة الصحوة الإسلامية .
وبالتالي فأمريكا في أشد الحاجة إلى حضور عسكري إستخباراتي في المنطقة لضرب الصحوة الإسلامية بطرق شتى ووسائل مختلفة أولها إشغالها بهذه الحرب وهذه المشكلة عن دورها الحضاري والتنموي وعن دورها في مواجهة اليهود في فلسطين ، والعراق في ظل كثير من الظروف القائمة هو الأنسب لبداية تنفيذ هذا المخطط .
8) كذلك من هذه الأسباب ما تصرح به المعلومات المتسربة في أمريكا من هنا وهناك بعزم أمريكا على السعي لتغيير العديد من أنظمة وحكومات المنطقة أو على الأقل تغير القائمين على تلك الحكومات من داخل النظام نفسه وسيكون بالون الاختبار لهذه العملية هو العراق ليكون مركز العمليات والمنصة التي ستدار منها العملية بعد ذلك في البلدان الأخرى ، وخطاب بوش للوحدة الأمريكية واضح المعالم في تهجمه على أكبر ثلاث دول عربية (السعودية ومصر وسوريا) ، حيث طالبهم بالحرية ، وهي كلمات أمريكا التي تسبق الحملة الإعلامية على الدول التي تستهدف أمريكا غزوها كما أن تهديد إيران في خطابه واضح لا يحتاج إلى تفسير.
هذه هي أهم دوافع الإدارة الأمريكية في إصرارها على غزو العراق وشن حربها الظالمة ضد شعبه المضطهد المظلوم المحاصر على رغم معارضة العالم كله لهذه الحرب.
المحور الثاني :
العوامل المؤثرة في وقوع الحرب أو عدمه(/4)
بلا شك أن عملية حربية بهذه الضخامة وهذا المستوى ستؤثر على مستقبل العالم كله ليس وقوعها أو عدمه نتيجة عامل واحد فقط ، فهناك العديد من العوامل التي سيتوقف عليها وقوع الحرب وحجمها وكيفيتها أو عدم وقوعها والاكتفاء ببدائل أخرى عنها ، وأهم هذه العوامل هي:
1 – القرار الأمريكي بالحرب وهو قطعاً أهم العوامل وأخطرها وأقواها في عالم الأسباب المادية وقد حسمت أمرها واتخذت قرار الحرب لكنها تتريث ليتم الحشد ولتحاول تغيير موقف المعارضين للحرب ولإيجاد غطاء دولي لها والبحث عن تمويل للحرب من دول المنطقة أو لعل صدام ينصاع للضغوط فيستقيل وينهار نظامه وتحتل أمريكا العراق بدون حرب بحجة عدم وجود البديل ولحفظ الأمن ووحدة العراق كما حفظت القوات الأمريكية أمن ووحدة أفغانستان !!! فلما لم تجد ذلك اكتفت بالتأييد المستور والسكوت المكره والمشاركة الميدانية لدول غير بريطانيا فشنت حربها رغماً عن كل الأمم رضي من رضي وكره من كره.
2 – الرأي العام الأمريكي له أثر كبير في الإقدام على الحرب أو الإحجام عنها وقد استطاعت الإدارة الأمريكية بتضليلها الإعلامي وإثارة المشاعر الدينية والدنيوية للشعب الأمريكي ، الحصول على أغلبية الأمريكان مع الحرب بعد أن كانت الأغلبية ضد الحرب بما فيهم رؤساء ووزراء سابقون لكن الأغلبية الجمهورية في البرلمان والشيوخ عملت على أن يُقْدِمُ الرئيس الأمريكي على الحرب وأصبح شعوره بالحرج قليل وكذلك وسائل الإعلام المتصهينة بقدرتها أثرت على الرأي العام وحشدته خلف قرار الحرب وبالتالي فالنتيجة النهائية بالنسبة للرأي العام الأمريكي كانت في صالح قرار الحرب .
3 - الحكومات الأوروبية : لقد انقسمت دول الاتحاد الأوربي وبالتالي حلف الأطلسي إلى فريقين فريق وقف خلف بريطانيا واءتمر بأمر أمريكا وفريق وقف خلف ألمانيا وفرنسا وعارض الحرب بشدة وأيده في موقفه ذلك روسيا والصين والرأي العام الأوربي ولا شك أن ذلك قد أعاق أمريكا وسبب لها حرجاً وأحرمها من الغطاء الدولي في مجلس الأمن والأمم المتحدة ولم تغيير ألمانيا وفرنسا موقفهما لصالح أمريكا رغم انتهاء العمليات وبقاء القوات الأمريكية في العراق بعكس روسيا التي تدخلت في مساومة مع أمريكا لتغيير موقفها .
ولكن أمريكا في النهاية لم تكن لتلغي قرار الحرب بسبب الموقف الأوربي .
4 - الشعوب والدول الإسلامية والعربية والذي ظهر أن أمريكا لم تحسب لهم أي حساب وبالذات الحكومات وأن هذه الشعوب والحكومات غير قادرة ولا تملك الأهلية لاتخاذ موقف قوي وصارم ضد الحرب وعندما اجتمعت بعض هذه الدول في تركيا وفي سوريا وفي سائر اللقاءات الثنائية كان تأنيبها وشجبها وحثها وحضها كله للضحية (العراق) أما أمريكا فلم يجرؤ على مجرد ذكرها فضلاً عن إعلان موقف قوي شجاع للوقوف في وجه الحرب وإعلان الوقوف في وجه أمريكا حتى هذه الساعة.
لقد تحولت وظيفة أغلب هذه الحكومات إلى مواجهة شعوبها والانصراف بالكلية عن العدو الخارجي وإن أردت دليلاً على ذلك فقارن بين تفعيل مجلس وزراء الداخلية العرب الذي تجاوزت اجتماعاته 27 اجتماعاً وتعطيل مجلس وزراء الدفاع العرب الذين لم يجتمعوا خلال ربع القرن هذا ولا اجتماعاً واحداً لقد هانوا على أنفسهم فهانوا عند عدوهم وأصبحوا كما يقول الشاعر :
ويقضى الأمر حين تغيب تيم***ولابستشهدون وهم حضور.
المحور الثالث :
ما المطلوب فعله الآن ؟
هناك ماكان يجب فعله قبل الحرب فلم يفعل، وهناك ما يجب عمله الآن بعد أن وقعت الحرب وحدثت الكارثة، هناك أمور معني بها الحكومات وأمور مناطة بالشعوب وأمور يجب أن يتصدى لها العلماء والمثقفون ، وهناك أمور على مستوى الأمة وهناك أمور على مستوى كل بلد خاصة بل وأمور على مستوى كل مسلم .
أولاً / الحكومات :(/5)
لقد أثبتت الأحداث وبخاصة في السنين الأخيرة انحياز أمريكا الكامل لإسرائيل واحتقارها للحكومات العربية ووقوفها ضد البلدان الإسلامية مهما كانت علمانية النظام ومهما بلغت تنازلاته لأمريكا من أجل إرضائها ولعل في موقف أمريكا من السلطة الفلسطينية أكبر دليل على ذلك فعلى الرغم من تخلي منظمة التحرير الفلسطينية عن جميع ثوابتها ومبادئها وتحولها إلى سلطة خادمة لأجهزة الأمن الإسرائيلية ومطاردتها وسجنها وقمعها وتجسسها على الشعب الفلسطيني ، إلا أن أمريكا إرضاء لإسرائيل نبذت تلك السلطة نبذ الحصاة وتخلت عنها ووصمتها بالإرهاب . أقول إن من يستقريء التاريخ يقف عند ما سمي بدول ملوك الطوائف في الأندلس حين تقسمت دولة المسلمين إلى دويلات يكيد بعضها لبعض ويستعدي بعضها العدو النصراني على البعض الآخر فما زال ذلك ديدنهم حتى ذهبت ريحهم وقضى عليهم عدوهم وأصبحوا أثراً بعد عين .إن دول هذا الزمان أشبه بدول الطوائف تلك فها هي أمريكا دفعت صدام بالأمس لاحتلال الكويت وتهديد دول الخليج، أما اليوم فقد اتتخذت أراضي دول المنطقة قواعد ضربت منها العراق زمن الحرب وتحرس منها قواعدها وعساكرها داخل العراق، ومن هذه القواعد تنطلق قوافل التموين والحماية .يا حكام العرب والمسلمين العراق اليوم وغيره غداً ، صدام اليوم وآخر غداً .والمشاهد لما يدور يرى ذلك عيانا.
يا حكام المسلمين أليس فيكم من يقول مقولة المعتمد بن عباد حين وقف مع يوسف بن تاشفين ضد ملك الفرنجة فخوفه أمراء الأندلس طمع بن تاشفين في الأندلس فقال : (( لأن أرعى جمال بن تاشفين خير لي من أن أرعى خنازير الفونس )) .
يا حكام المسلمين كلنا مدعوون لعودة صادقة إلى الله نراجع فيها حساباتنا ونرفع الظلم من أوطاننا كل بحسب ما هو واقع فيه ونحكم شريعة الله ونوحد كلمتنا في مواجهة عدونا ، ماذا جنت الأمة من البعد عن الله ومحاربة الإسلام ودعوته إلا الذل والشقاء والهوان حتى أصبحنا من هواننا على العالم لا يؤبه بنا من قريب ولا بعيد .إن هواننا على الله هو السبب في نزع مهابتنا من صدور عدونا وتحولنا إلى غثاء كغثاء السيل .إن المملكة العربية السعودية جزيرة العرب وبلاد الحرمين تملك من المؤهلات ما لم يتهيأ لغيرها لتلعب دوراً حاسماً في هذه الفترة المصيرية من تاريخ الأمة .فهي مهبط الوحي ومهوى الأفئدة ومن لا زالت تنتمي إلى شريعة الله وتقيم شرعية نظامها السياسي على دين الله ويعلن حكامها صباحاً ومساءاً أنه ليس محل مساومة ولا مفاوضة كائنة ما كانت الظروف والتبعات نتيجة لذلك وشعبها مستعد للتضحية والعطاء .
إن كل عاقل يدرك خطورة وعظم الظروف التي تمر بها المنطقة وكما أن الأحداث الكبرى تشكل تحدياً كبيراً للدول والشعوب فهي في الوقت نفسه تعتبر فرصاً نادرة لأصحاب الهمم العالية لاختصار الزمن ودفع الأحداث نحو صناعة المستقبل المشرق والإسهام في رسم ذلك المستقبل نحو الأفضل بإذن الله .
تحديات تواجه المجتمع الإسلامي :
وإنني أرى أن الأمة المسلمة في كل مكان تواجه تحديات كبرى وإن من أخطر التحديات التي تواجهنا في هذه الظروف الدقيقة :
1 ) انحسار تطبيق الشريعة عن كثير من بلدان المسلمين وحلول القوانين الوضعية محلها إما بالكلية وإما جزئيا مما أوجد حالة مأساوية لم تعرف لها الأمة سابقة في تاريخها نتج عنها الكثير من المشكلات الجذرية الأخرى .
2 ) عدو خارجي يتمثل في اليهود وحاضنتهم أمريكا هذا العدو يتربص بنا الدوائر ويبغينا الغوائل مهما تظاهر بغير ذلك ومهما زعمنا أو توهمنا صداقته لنا .
3 ) تيار تغريبي شتت الأمة ومزق جسمها وفرق وحدتها وهذا التيار هو العلمانية بما تمثله من إلحاد عقائدي أو انحراف فكري أو فساد أخلاقي وسلوكي أو عمالة خارجية أو استبداد سياسي ، المهم أن أي من ذلك هو نقيض الإسلام فهو حتماً نقيض الوطن تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً ، وقد أثبتت الأحداث أنهم دائماً الحساب الاحتياطي للعدو الاستعماري الذين يلجأ إليه ليذل بهم الشعوب ، ويناكف ويزعج بهم الحكومات الوطنية كان ذلك من أيام نابليون إلى يومنا هذا .(/6)
والعلمانيون وإن كانوا أكثر ضجيجاً وصخباً وأعلى صوتاً لكنهم في الحقيقة قلة قليلة في سواد الأمة لا يمثلون شيئاً ولذا ينبغي التعامل معهم على هذا الأساس ومعالجة مشكلتهم برفق وحكمة وأناة ، لكن بحزم وحسم ووجود الفئات العلمانية في ظل سيادة النموذج الحضاري الغربي عالمياً المنبثق من العلمانية كأساس أيدلوجي لتلك الحضارة أمر طبيعي لكن مع الإقرار بهذا الأمر كإفراز طبيعي للواقع إلا أن استلهام التاريخ في كيفية العلاج والتعامل مع المد اليساري في الخمسينيات والستينيات الميلادية يثبت أن إحياء الدعوة الإسلامية ورفع لواءها محلياً وعالمياً هو الحل الكفيل بإذن الله بالحفاظ على تماسك المجتمع وأصالته والخيار العلماني لو أمكن أو صلح جدلاً لأي مجتمع في الدنيا فهو غير ممكن ولا مجد لمجتمعنا ولا دولتنا في السعودية أبداً .
أما الحل الترقيعي كما ينادي به بعض من لا علم لهم لا بالإسلام ولا بالعلمانية فهو حل بالإضافة لعدم إمكانه فستكون نتيجته بعد غضب الله عدم رضى جميع الناس لا سواد الأمة وجمهورها ولا فئة العلمانيين وبالذات الغلاة والمتطرفين منهم .
4 ) وجود فئات من الشباب المتدين اجتالهم الشيطان فسقطوا صرعى للغلو والتكفير والرفض المطلق لكل ما لا يتفق مع آرائهم وأفكارهم حتى وصل بهم الحال إلى التفجير الذي لا يملكون حجة ضعيفة عليه إلا إجتزاء النصوص وعدم الإحاطة بمدلولاتها وعدم الفهم والإدراك لإنزال النصوص على الأحكام وهو ما يفتقده تيار التكفير والتفجير، ولست في مقام التفصيل والتحليل لهذه الظاهرة وأسبابها التي أفرزتها والتي كان من أهمها :
أ – إسكات الدعاة العلماء .
ب – وفتح أبواب السجون للشباب الملتزم واضطهادهم .
ج – وعدم التحرك لمواجهة اليهود .
د – إنتشار الفساد والعلمنة .
وأحب أن أنبه إلى أنني منذ عشرين سنة خلت حذرت في مناسبات عدة ثم على فترات متلاحقة من الإبتلاء بهذا الداء وها هو أصبح واقعاً لا يمكن تجاهله وكان أيضاً نتيجة لأمور وأسباب موضوعية لكن السؤال ما هو طريق العلاج ، أرجو ألا نكرر أخطاء غيرنا ولا نستورد التجارب الفاشلة وغير المشروعة للتعامل مع هذا التحدي القائم .
5 ) من التحديات التي تواجهنا والتي ستؤدي لا قدر الله إلى خلخلة الجبهة الداخلية في أي مجتمع إسلامي ما نشاهده في مواقع كثيرة من فساد إداري ومحسوبية ومحاباة وبيروقراطية ضربت بأطنابها حتى أصبحت العلاجات لا تتجاوز المسكنات والمهدئات ولا تنال إلا الأطراف والحواشي وصغار الناس دون رموز هذا الداء الوبيل ، وخذ السلطة الفلسطينية مثالاً على ذلك مع أن المفترض أنها تعيش ظروف حرب ونضال ، وليس هناك نظام عربي يستثنى من ذلك ، لكن عمق وضخامة التحدي تختلف من نظام لآخر .
6 ) الدين الهائل العام الذي أصيبت به أكثر البلدان وبالذات منذ حرب الخليج والذي يزيد عاماً بعد عام ، والذي ستعيش الأمة ترزح تحت كاهله عشرات السنين وما ينتج عن ذلك من تداعيات في شتى جوانب الحياة المختلفة .
فإذا أضيف إلى ذلك البطالة المتزايدة والفقر المدقع الذي تتسع رقعته مع الأسف يوماً بعد يوم ، والتردي في الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومياه وكهرباء وصرف صحي وطرق وأمن عام وغير ذلك .
إذا أدركنا مقدار وحجم وخطورة هذا التحدي أمكننا حينئذ أن نتلمس له حلاً على الرغم من صعوبة ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله .
7 ) يجب إعادة النظر في التعويل على الحلول الأمنية القمعية للظواهر والمشكلات الفكرية والسياسية فهذه قد تخفيها ظاهراً لكنها في الوقت نفسه تزيدها حدة وعمقاً وإصراراً وتجعلها أبعد عن المراجعة والتصويب والتصحيح إن المعالجة الحقيقية للمشكلات السياسية والفكرية هي في الحوار والحجة والبرهان والقبول للحق من أي إنسان كائن من كان وحمل النفس على ذلك ومعالجة الأخطاء القائمة والاعتراف بها .
8 ) تضاؤل ثقة الناس في المؤسسة الدينية في البلدان التي كان لها وزن كبير فيها مثل السعودية مما ينذر بأوخم العواقب في المستقبل مما يستدعي دراسة الأمر دراسة عميقة والبحث عن حلول جريئة وعملية فنحن مثلاً في السعودية في الأصل دولة إسلامية دينية ووجود المؤسسة الدينية الرسمية الموثوقة من الناس أحد صمامات الأمان للمجتمع التي ينبغي الحفاظ عليها باستمرار.
9 ) التخلف العلمي والتقني والتنموي الذي جعل أغلب البلاد العربية في آخر قائمة دول العالم .
ثانياً/ العلماء والمفكرون والمثقفون والخطباء :
إن مسئولية أهل العلم والثقافة ورجال المنابر أمام الله ثم أمام تاريخ أمتهم مسؤولية عظيمة فهم إما حداة صدق ونصح وأمانة وإما شهود زور وكذب وخيانة ، إما يؤثرون الحق والنصح وما عند الله وإلا يؤثرون المتاع الزائل والمجد الزائف والتطبيل الأجوف والنفاق المهلك .
والذي أرى أنه يجب على هذه الفئة المتميزة من الأمة أن تقوم في هذه الظروف الصعبة بالأمور الآتية :(/7)
1/ القيام بدورهم في الرجوع بالأمة إلى الله وإصلاح الأحوال والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والمعاصي ورد المظالم لأهلها فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
2/ توجيه الناس إلى الدعاء الدائم لله سبحانه وتعالى أن يزيح هذه الغمة عن الناس وفتح أبواب التفاؤل وحسن الظن بالله واليقين بنصر الله لدينه وعباده ولكن ليبلو بعضنا ببعض ليعلم الصادقون من غيرهم ومقاومة أسباب الإحباط والخوف قال تعالى : { ادعوني استجب لكم } ، وقال تعالى : { فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان } .
ومهما كانت تقديرات البشر فهي في النهاية مربوطة بقدر الله سبحانه { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } ولذلك يجب التوكل على الله وحده واللجوء الصادق إليه .
3/ وضع العلاقة مع أمريكا في إطارها الشرعي الصحيح فهي صليبية نصرانية سلمت مقودها لصهيونية يهودية حاقدة على المسلمين والإسلام فهي عدو لدود للمسلمين آذت المسلمين وحاربتهم في كل ميدان أتيح لها ذلك فيه لكنها أيضاً ميدان خصب للدعوة إلى الله ومستقبل الإسلام فيها واعد ومشرق بإذن الله .
فيجب مقاومة عدوانها بالوسائل الشرعية الممكنة وإيصال صوت الإسلام لشعبها والحوار مع عقلائها والوفاء بالعهود ما لم ينقضوها وعدم الغدر بالمستأمنين منهم وعدم جواز بل حرمة إعانتها على المسلمين تحت أي ظرف والتحذير من ذلك ووجوب مقاومتها وجهادها لدفع عدوانها عن المسلمين .
4 ) إحياء معاني الجهاد والرجولة والشجاعة والبطولة في نفوس الأمة وتربيتها على ذلك فالجهاد ماض في الأمة إلى يوم القيامة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فهو سياحة الأمة ودرعها الذي تواجه به عدوها وما ذلت الأمة إلا يوم أن تخلت عن الجهاد وأصبح شبابها غزلانا وحملانا جفولة وديعة بعد أن كانوا أسوداً ضارية وصقوراً حامية واستلهام السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في ذلك والتذكير به وتصحيح النية في ذلك .
5 ) التوعية بخطورة هذه الحرب على مستقبل الأمة في مختلف جوانب حياتها الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإجتماعية وكيف يمكن مقاومة هذه المخاطر وسبل مواجهتها وتحريك الشعوب ليكون لها دور في مقاومة هذا العدوان .
6 ) حض الناس وحثهم على مساعدة ودعم المسلمين في العراق وإغاثتهم من خلال المؤسسات الخيرية والإغاثية والقنوات الرسمية والشعبية لتخفيف محنتهم وأداء الواجب نحوهم فلو كان ما يتعرض له المسلمون في فلسطين والشيشان والعراق وغيرها يتعرض له قطيع من الكلاب أو الخنازير لما جاز السكوت عليه فكيف وهم أناس ومسلمون والواجب عدم تحميل الناس في العراق جريرة صدام وزمرته وحزبه .
7 ) توجيه الناس إلى الحفاظ على أمن البلد ووحدته واعتبار ذلك من الأولويات في هذه الظروف والتكافل والترابط مع الجميع واعتبار الأمة جسد واحد والتعاون والتواصل والتناصح مع المسئولين فالحرب إن وقعت كارثة على الجميع وليس الوقت وقت تلاوم بل وقت تكاتف وتآزر على الحق والحذر من خطورة الإشاعات والحرب النفسية وأهمية التثبت فيما ينشر أو يذاع .
8 ) عدم ترك الفرصة للعلمانيين للتحدث باسم الأمة والنيل من دينها وتاريخها وثوابتها وبيان أن كل ما أصاب الأمة بسبب صدام إنما هو إحدى الثمار المرة للفكر العلماني ، وقد سبقها الكثير وما هزائم 1948م و 1967م أمام اليهود وما جنته الأمة في ظل المد الناصري العلماني إلا ثمار أخرى ، وستبقى أمتنا تعيش هذه المآسي ما دام هذا الفكر العقيم الغريب يعشعش في واقعها وينخر في جسدها .
9 ) الحذر والتحذير من الأعمال المتهورة غير المنضبطة والتي قد يكون ضررها أكثر من نفعها بل قد لا يكون فيها نفع أصلا وقد تكون محرمة شرعاً فالحماس غير المبصر بالفقه الشرعي والمستوعب لسلبيات وإيجابيات ومصالح ومفاسد أي عمل عدمه خير من وجوده ولذا علينا أن نتريث قبل الإقدام على أي أمر حتى نعرف حكم الله فيه وما يترتب عليه من مصالح ومفاسد .
10 ) أخيراً أحب أن أنبه إلى أن الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها تجنيب المنطقة ويلات الحرب هي عندما تتوحد الأمة في جميع مستوياتها على موقف واحد صريح قوي رافض للحرب ومقاوم لها ، وعندما تستيقن أمريكا حكومة وشعباً أن ثمن الحرب ومغارمها وفاتورتها لن تتحملها شعوب المنطقة بينما أمريكا تذهب بمغانمها فقط .
بل يجب أن تُشعر حكوماتُ وشعوبُ المنطقة أمريكا بأنها ستدفع ثمناً باهظاً لإقدامها على الحرب حينئذ فقط يمكننا أن نتجنب الحرب ، إن الموقف الألماني الفرنسي في هذه القضية موقف إيجابي في مصلحتنا ، وإن لم يكن لسواد عيوننا فهل يمكن الاستفادة منه ؟ أرجو و " لعلى وعسى " .(/8)
قراءة في شروط الوسطية والاعتدال ...
د. أحمد صدقي الدجاني رحمه الله ...
التطرف في اللسان العربي مشتق من "الطَّرَف" أي "الناحية"، أو "منتهى كل شيء". وتطرّف "أتى الطرف"، و"جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط". وكلمة "التطرف" تستدعي للخاطر كلمة "الغلوّ" التي تعني تجاوز الحد. وهو من "غلا" "زاد وارتفع وجاوز الحد". ويقال الغلو في الأمر والدين: "لا تغلوا في دينكم" (النساء: 171، المائدة: 77).
شاع استخدام كلمة التطرف ترجمة للكلمة الإنجليزية extremism في العقد الماضي في منطقتنا، وتردد معها استخدام كلمة "الأصولية" ترجمة للكلمة الإنجليزية fundamentalism والأصولية في معجم "وبستر" مصطلح أطلق على حركة احتجاج مسيحية ظهرت في القرن العشرين، تؤكد على ضرورة التفسير الحرفي للكتاب المقدس كأساس للحياة الدينية الصحيحة. وهو يطلق أيضًا على أية حركة أو اتجاه يشدد بثبات على التمسك الحرفي بمجموعة قيم ومبادئ أساسية.
ولم يقدّر لهذا المصطلح أن يشيع في منطقتنا العربية لاختلاف دلالة "الأصولية" في اللسان العربي التي توحي بالتمسك بالأصول، وهو أمر محمود، أو تشير لعلم أصول الفقه -أحد أهم علوم الشريعة الإسلامية- فكان أن استخدم مصطلح "التطرف" للدلالة على التشدد وتجاوز الحد في الدين في الكتابات العربية.
و"التطرف" مصطلحًا يضاد مصطلح "الوسطية" الذي هو من الوسط "الواقع بين طرفين"، كما يقول الأصبهاني في مفردات غريب القرآن. وهو يحمل في طياته معنى "العدل". وفي القرآن الكريم "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا" (آل عمران: 143) أي أمة عدل.
والتوجيه القرآني كان دومًا يحث على الاعتدال، فالله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وهو يعلي من شأن اليُسر. وهو ينْهَى عن البخل والشح؛ لأنهما تطرف في التعامل مع المال. كثيرة هي الأحاديث النبوية التي تشرح ذلك وتدعو إلى الرفق "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق. ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" (رواه أحمد).
وقد جاء الفقه ليؤكد على تمثل روح التيسير والسماحة، وليجعل من القواعد الأصولية قاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات. ويحفل فقه المعاملات بما يحث على الأخلاق الحميدة، وينهى عن السخط والضجر والفحش والشطط والمغالاة، وغير ذلك من صور التطرف.
وإذا كان مصطلح "التطرف" يعني "التشدد وتجاوز الحد"، فإن مصطلح "الوسطية" يدل على "العدل" و"السماحة". ولفظ السماحة في لسان العرب "يطلق على سهولة التعامل فيما اعتاد الناس فيه المشادّة". كما يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور عن معنى السماحة في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام"، أنها وسط بين الشدة والتساهل. ولفظها هو أرشق لفظ يدل على هذا المعنى. يقال سمح فلان، أي جاد بمال له بال. وهي تدل على "خلق الجود والبذل". وينتهي إلى القول: "فأصل السماحة يرجع إلى التيسير والاعتدال، وهما من أوصاف الإسلام".
اتهام الإسلام بالتطرف
نلاحظ أن قوى الهيمنة والطغيان العالمية تجتهد في محاولة اتهام من يقاومون هيمنتها وطغيانها من المسلمين بأنهم متطرفون، وأن هذا التطرف نابع من أصل دينهم الإسلامي الذي يحثهم على "الجهاد". وقد ركزت هذه القوى الطاغوتية حملتها الإعلامية على الدين الإسلامي في غمرة مواجهتها للمقاومين لطغيانها، وحاولت -ولا تزال- وصم المقاومة بأنها "إرهاب" بمعنى "الإرعاب والترويع واستهداف المدنيين الأبرياء". وألقت ظلالاً سوداء على كلمة "الجهاد" بخاصة، وصولاً إلى تحريف معنى "الجهاد" في أذهان من يتسلط عليهم إعلامها، وتشويه معنى "الاستشهاد في سبيل الله". فهؤلاء "الاستشهاديون" في ذلك الإعلام هم "انتحاريون"، وهم يمارسون "إرهابًا" وليس "جهادًا" يبغي دفع العدوان وتحرير الأرض ومقاومة الطغاة المعتدين. وبئس ما يطرحه إعلام القوى الطاغوتية، وما أبعده عن الحقيقة، ويا لتطرفه في التحيز في المصطلح واعتماده المعيارين بتلبيس وتدليس، شأن المطففين الذين: "إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" صدق الله العظيم.
وينصرف الذهن أيضاً إلى أن المقصود "بالإسلام" حين يقرن الآخر التطرف به، هو "الحضارة العربية الإسلامية" ودائرتها الحضارية. وهي الحضارة التي انطلقت من رؤية كونية مؤمنة بالله سبحانه خالق كل شيء، واعتمدت اللسان العربي الذي نزل به القرآن الكريم لسانًا للتعبير عن العلم، وشارك في بنائها مختلف "الأقوام" الذين تضمهم ديار الإسلام على اختلاف "مللهم" وانتموا إليها. ولما كانت قيم هذه الحضارة تُعلي من شأن "العدل" والمساواة بين جميع خلق الله، فإن المنتمين إليها ينعطفون إلى "مقاومة" الظلم والجور الذي تحاول قوى الطغيان فرضه عليهم وتسليمهم به. وهذا ما يجعل هذه القوى الطاغوتية تلمزهم بالتطرف وتسمي مقاومتهم إرهابًا.
ظاهرة التطرف في عالمنا المعاصر وأسبابها(/1)
يشهد عالمنا المعاصر بروز ظاهرة التطرف فيه على عدة صعد وفي عدد من المستويات. وقد بلغت هذه الظاهرة بفعل ثورة العلم حدًّا غير مسبوق في فظاعة ما ينجم عنه. إذ لم يعرف تاريخ الإنسان مثل هذا التوظيف "للتقنية" في إيقاع الأذى بالإنسان والأرض. وبلغت أيضاً بفعل ثورة الاتصال حدًّا غير مسبوق في شدة وطأة أخبارها على الإنسان ووعيه ونفسيته أينما كان، حيث يقوم الإعلام بنقل هذه الأخبار بالصورة والصوت فور وقوع حدث معبّر يصنف تحت بنود التطرف أو ناجم عنه.
أول ما يلفتنا ونحن نتأمل في هذه الظاهرة "التطرف الرسمي" على مستوى الدول التي تتحكم فيها قوى هيمنة وطغيان، سواء في تعاملها مع "المقاومين" لهيمنتها وطغيانها أو في تعاملها مع "مواطنيها" في أحوال "الطوارئ" التي تقوم هي بتحديدها وتوصيفها أو ما اصطلح على تسميته "إرهاب الدولة الرسمي"، وقد بلغ في "عصر العولمة" الذي نعيشه اليوم مدى بالغ الخطورة.
فأما المدى الذي بلغه "التطرف الرسمي" وما يقترن به من "إرهاب الدولة"، في التعامل مع "المقاومين" الساعين إلى العدل والذين يناضلون من أجل تحرير الوطن من المحتل الغاصب، أو من أجل أن يكون أكثر ديمقراطية فإننا نراه في مواقف قوى الهيمنة والطغيان وممارستها في "حرب العولمة" التي أعلنتها بعد زلزلة 11-9-2001 في نيويورك وواشنطن. وكذلك نراه في مواقف "الصهاينة" العنصريين التابعين لتلك القوى والمشاركين فيها وممارساتهم تجاه الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية منذ أن أقامت قوى الهيمنة والطغيان "دولة غاصبة" لهم على أرض فلسطين الطاهرة عام 1948م.
نستحضر أمثلة على المواقف، فيتداعى إلى الخاطر ما صرح به الرئيس الأمريكي في الشهور الماضية حول "القضاء على الطفيليات الإرهابية"، وأنه "يتعين على كل إرهابي أن يعيش هاربًا"، "وأن من ليس معنا فهو ضدنا". ويتداعى إلى الخاطر أيضًا ما صرح به رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي حول "قهر الفلسطينيين وسحقهم حتى يستسلموا وعندها نفاوضهم". أما الممارسات فقد رأيناها في عملية "أناكوندا" -الأفعى- التي قامت بها القوات الأمريكية في أفغانستان يوم 2-3-2002، ورأيناها قبل ذلك في معاملتها للأسرى حين نقلتهم فاقدي الحواس إلى قاعدة "جوانتانامو"، وفي قيام وزير الدفاع الأمريكي بإغلاق الكهوف في جبال أفغانستان على من فيها. وكما رأينا في الاجتياح الإسرائيلي للمدن الفلسطينية منذ يوم 29-3-2002م، وفي مذبحة مخيم جنين بخاصة التي اقترفها الصهاينة.
لقد أدانت قوى ومنظمات الشرعية الدولية "إرهاب الدولة الرسمي" الذي يعبر عن تطرف الدول. ومثل على ذلك القرار الأممي رقم 40/61 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأربعين وفيه "الطلب إلى جميع الدول أن تفي بالتزاماتها التي يفرضها عليها القانون الدولي، بالامتناع عن تنظيم الأعمال الإرهابية في دول أخرى، أو التحريض عليها، أو المساعدة على ارتكابها، أو المشاركة فيها أو التغاضي عن أنظمة تنظيم داخل أراضيها بغرض ارتكاب مثل هذه الأعمال" (بند 6). وفيه أيضاً "أن تهتم بالقضاء التدريجي على الأسباب الكامنة وراء الإرهاب الدولي، وأن تولي اهتمامًا خاصًّا لجميع الحالات، بما فيها الاستعمار والعنصرية، والحالات التي تنطوي على انتهاكات صارخة، لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والحالاة التي يوجد فيها احتلال أجنبي التي يمكن أن تولد الإرهاب وتعرض السلم والأمن الدوليين للخطر" (بند 8) . وجاء في مقدمة القرار "وإذ تؤكد من جديد الحق، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية وعنصرية ولغيرها من أشكال السيطرة الأجنبية، وإذ تقر شرعية كفاحها، ولا سيما حركات التحرير الوطني، وفقًا لمقاصد ومبادئ الميثاق ولإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة".
واللافت للنظر أن "دولة الكيان الاستعماري الصهيوني" وهي تمارس "إرهاب الدولة الرسمي" تعمد إلى وصف المقاومة التي تواجهها بأنها "إرهاب". وهذا ما قامت به الإدارة الأمريكية التي تقود العولمة في عالمنا حين أعلنت حرب العولمة التي نعيشها وأسمتها "الحرب ضد الإرهاب". ولافت أيضًا أن الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا لديهما مراكز تدريب على الإرهاب والعنف. وقد فصَّل الحديث عن ذلك جورج مرن بايوت في الجارديان اللندنية يوم 28-10-2001م الذي كشف تورط صناع السياسة في أمريكا منذ عام 1946 في إدارة مواقع تدريب على الإرهاب والعنف.(/2)
كما يروّج هذا التطرف الرسمي المتجلي بإرهاب الدولة الرسمي مقولة "أن كل مقاومة لطغيانهم هي إرهاب"، فإنه يروّج مقولة أن "العنف" هو حكر على الدولة دون غيرها. فهي الوحيدة التي يحق لها أن تمارس العنف؛ لأنها جاءت عبر نظام مؤسسي، ولأن الحكومة فيها تأتي عبر انتخابات يشارك فيها الناس. وتفترض هذه المقولة أن ما تقوم به هذه الحكومة المنتخبة من طغيان وعدوان أمر عادي يلبي مصالحها، ومفروض من ثَم على من يتعرضون للطغيان والعدوان ألا يلجئوا إلى العنف في محاولة تحقيق مطالبهم. وهي تفتح لهم من أجل ذلك باب التفاوض الذي لا تباشره إلا إذا أعلنوا توقفهم عن "العنف" و"الإرهاب" على حد زعمها أي عن كل أشكال المقاومة. وتعمد "دول الاستعمار الاستيطاني العنصري إلى القول بأنه ما تقوم به هو تعبير عن إرادة مواطنيها، وأنها بحكم كونها "ديمقراطية" (كذا!!) تستجيب لهذه الإرادة.
قصدنا تفصيل هذه المقولة الضالة لكي نرى مدى "التطرف" الذي يحكمها ولا يترك سبيلاً أمام المقاومين للطغيان والعدوان الرسمي إلا أن يتطرفوا في مواجهة الطغاة المعتدين، سواء كانوا من الشعوب المستهدفة بالطغيان أو من مواطني هذه الدول.
اللافت للنظر أيضًا أن هذا "التطرف الرسمي" يدأب على وضع مواطني دولته تحت وطأة ما يتعرضون له من خطر. ويصادفني وأنا أكتب هذه السطور ما نقلته وكالات الأنباء من أن "المخابرات البريطانية تحذر من هجمات إرهابية جديدة"، وأن رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي يعلن "أن هناك خطراً قائماً" فعلاً بوقوع اعتداء نووي على الولايات المتحدة. ولكنه أشار إلى أنه لا يملك معلومات بشأن الإعداد لأي اعتداء نووي محتمل!!
نتأمل في التطرف الذي يعيشه عالمنا المعاصر على مستوى الأفراد. فنجد أنه لا يكاد يمر يوم دون وقوع حادثة أو أكثر تعبر عن هذا التطرف. فهذا انفجار في أسبانيا. وهذا طالب في بلدة ألمانية يطلق الرصاص على طلاب ومدرسين في مدرسته. وصفحات الحوادث في الصحف في مختلف دوائر عالمنا الحضاري ملأى بالأمثلة على ذلك. وبعض هذه الحوادث يذهب إلى مدى بعيد، مثل ذلك الانفجار الذي استهدف أو كلاهوما سيتي 19-4-1994م، وأودى بحياة 168 أمريكيًّا وخمسمائة جريح. وقد تبين أن "تيموثي ماكفاي" قام به انتقامًا لقيام شرطة تكساس عام 1993م بقتل ثمانين متطرفًا أمريكيًّا في دورة عنف.
لقد تجلى هذا التطرف على مستوى الأفراد في دائرة الحضارة الغربية أيضًا في تصاعد ما يسمى اليمين السياسي، وفي برامجه التي تظهر فيها العنصرية والتحيز ضد الآخرين.
نستطيع في ضوء ما سبق أن نضع أيدينا على سبب تكون هذه الظاهرة في عالمنا. فجنوح قوى الهيمنة إلى الطغيان وإخلالهم بالميزان واعتمادهم العدوان يعبر عن تطرف في حد ذاته، ويؤدي إلى انتشار مناخ ينمو فيه التطرف على صعيد الأفراد. ولافت أنه في ظل هذا المناخ تنتشر صناعة أفلام العنف والرعب في السينما والتلفزة، فتنفخ في ظاهرة العنف لدى الأجيال الجديدة في كل العالم.
تجلي ظاهرة العنف في دائرتنا الحضارية
دائرة الحضارة العربية الإسلامية هي واحدة من دوائر الحضارات في عالمنا ومتوقع أن تتأثر بظاهرة التطرف التي تبرز في عالمنا. ولكن هناك خصوصية لدائرتنا تستحق أن يتوقف أمامها. وهي أن قوى الهيمنة الدولية التي استهدفتها باستعمار استيطاني صهيوني عنصري منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي لا تزال مصممة على دعم كيانه الإسرائيلي ومحاولة فرضه قيادة لـ"نظام شرق أوسطي" يتحكم في كل دولنا. وكانت ديار الإسلام قد تعرضت منذ القرن السادس عشر الميلادي للغزو الاستعماري الأوربي الذي تتالت موجاته واحدة تلو الأخرى.
لقد شهدت دائرتنا الحضارية صحوة تمثلت في حركة إحياء ديني. تماماً كما شهدت ظاهرة تطرف إلى جانبها. وكانت الظاهرتان محل دراسة في عدد من المحافل الفكرية. وأذكر أنني دُعيت إلى الكتابة عن أسباب التطرف الديني في البلاد العربية عام 1993م فتناولت الظاهرتين بالنظر والدراسة وشرحت أسباب الغلو الديني.
فمن هذه الأسباب ما هو كامن في طبيعة الاجتماع الإنساني، ومنها ما هو طارئ بفعل مؤثر. وهذا المؤثر قد يكون خارجيًّا وقد يكون داخليًّا. وفيه في الحالين ما هو سياسي وما هو اقتصادي اجتماعي وما هو فكري ثقافي وما هو عقيدي.(/3)
أولاً: نقف بداية أمام ما هو كامن في طبيعة الاجتماع الإنساني، فتتجه أنظارنا إلى جيل الشباب، ونحن نستحضر خصائصه، ونسبة الشباب في البلاد العربية مرتفعة تقارب نصف السكان. ومن بين خصائص جيل الشباب التي أشار إليها فخر الدين الرازي صاحب كتاب الفراسة "استبداد الغضب فيهم، ومتى كان الأمر كذلك فإنه يقل الخوف فيهم؛ لأن الخوف والغضب لا يجتمعان. وقد يتجه بهم هذا إلى ارتكاب الظلم الجهار وإن عاد عليهم بالخزي والعار. وقد يتجه بهم إلى الرحمة إذا عرفوا من الإنسان كونه مظلوماً. وبالجملة فتوقع الرحمة منهم أشد من توقعها من الشيوخ". وهذه الخاصية تقترن بخاصية "إفراط حسن الظن بالنفس إلى درجة الاعتقاد بكمالها" وبخاصية "حب السرور والصداقة والصفاء، وقد يتجه بهم هذا الحب إلى تحصيل اللذة وللميل إلى الهزل والعبث، كما قد يتجه لتحصيل المنافع العقلية".
ولما كانت الأمة العربية على "الصعيد العمري" أمة شابة، حيث نصف أبنائها على الأقل هم دون الخامسة والعشرين، فإن من المتوقع أن يوجد فيها نزوع إلى التطرف بين شبابها يخرج من مكمنه بفعل مؤثر. فما هي هذه الأفعال المؤثرة في حالة البلاد العربية؟
1 - تجمع الكتابات التي تناولت التطرف الديني في البلاد العربية بالدراسة على أن أحد الأسباب الرئيسية في تغذيته هي الممارسات الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية في فلسطين المحتلة والمنطقة العربية عمومًا. فهذه الممارسات تمثل فعلاً مؤثرًا خارجيًّا يتحدى الأمة بعامة وجيل الشباب بخاصة. وهي تؤثر بشكل مباشر على عدة ملايين من العرب واقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وجنوب لبنان والجولان السورية، ومن ثَم على بقية العرب في مختلف البلاد العربية. وأبرز ما يميز هذه الممارسات عنصريتها وعدوانيتها وتأثيرها في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية الثقافية والعقيدية للعرب مسلمين ومسيحيين. والتقارير عن هذه الممارسات موثقة في الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى في عالمنا.
ويستطيع المتأمل في الخط البياني لهذه الممارسات منذ عام 1967م وللسياسات الإسرائيلية التي تحكمها أن يلاحظ توافقه مع الخط البياني للتطرف الديني، وقد رأينا كيف زادت نسبة هذا التطرف في أعقاب تشبث إسرائيل باحتلال الأراضي العربية بعد حرب 1973، ثم في أعقاب يوم الأرض في فلسطين المحتلة عام 1976م، ثم في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978 وعام 1982م، وليس لنا أن نستغرب حدوث مزيد في أعقاب هذه العمليات الحربية العدوانية الإسرائيلية على لبنان في الأسبوع الأخير من شهر تموز - يوليو 1993م. ثم رأينا كيف زادت هذه النسبة مع تصعيد الإرهاب الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي للمقاومين للاحتلال منذ عام 1967 وللمنتفضين منذ عام 1987م.
2 - سبب رئيسي آخر في تغذية التطرف الديني في البلاد العربية هو سياسات الهيمنة الأجنبية في المنطقة، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه السياسات التي تمكّن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وتسكت عن ممارساته المتحدية للشرعية الدولية، وتحول دون قيام الأمم المتحدة بدورها في مواجهة العدوان، وتعتمد معيارين في مواقفها؛ تثير الغضب والنقمة وتدفع إلى اللجوء للفكر المتطرف ومن ثَم ممارسة العنف في مواجهتها. ويستطيع المتأمل في الخط البياني للتطرف الديني في البلاد العربية أن يلاحظ العلاقة القائمة بين صعوده ومواقف الولايات المتحدة من الصراع العربي الصهيوني ومن قضايا عربية أخرى. فالموقف الأمريكي إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م أسهم في تغذية التطرف الديني الذي تزايد عند قدوم البحرية الأمريكية إلى بيروت عام 1983م وفرض اتفاق 17/5/1983م على لبنان، وعبّر عن نفسه بعمليات استشهادية. والأمر نفسه يصدق على الموقف الأمريكي في حرب الكويت وما تلاها، ولقد أوصل "التصميم" الأمريكي لعملية التسوية الجارية للصراع العربي الصهيوني التي بدأت في مدريد يوم 30/10/1991م إلى تصعيد التوتر في المنطقة من خلال تصعيد إسرائيل إرهابها وتصاعد المقاومة والانتفاضة في مواجهة هذا الإرهاب. أدى ذلك إلى اتساع دائرة التطرف. ولا يقتصر تأثير سياسات الهيمنة الأجنبية على الصراع العربي الصهيوني، بل يشمل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية الثقافية والعقيدية في مختلف الدول العربية. فسياسات صندوق النقد الدولي مثلاً في هذه الدول هو عامل مؤثر في تغذية التطرف بما تفرضه من شروط. وسياسات الإعلام التغريبي المفروضة على هذه الدول تولد ردود أفعال متطرفة. وهكذا الحال مع سياسات التدخل في السياسات الداخلية للدول العربية.(/4)
3 - سبب رئيسي ثالث في تغذية التطرف الديني في البلاد العربية هو التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في عقدين من السنين، وقد شملت هذه التغيرات الثروات النفطية التي تعرضت لموجات متتالية من المد والجزر، والسياسات الاقتصادية التي انتقلت من سيطرة الدول إلى سيطرة السوق، وسياسات أخرى تعليمية وإعلامية. وأدى ذلك كله إلى تكثيف حركة الهجرة من الريف إلى المدينة وانتشار الأحياء العشوائية الفقيرة في المدن. كما أدى إلى معاناة الشريحة الوسطى في المجتمع بفعل التضخم المستمر. ومن الملاحظ أن هذه الأحياء العشوائية تشهد وجود نسبة لافتة من المتطرفين الدينيين فيها. وذلك بفعل عجز بعض سكانها عن التكيف مع قيم المدينة المختلفة عن قيمهم الريفية، وبفعل تفشي البطالة بين هؤلاء السكان والشباب منهم بخاصة، وبفعل ملاحظتهم الفوارق الطبقية الحادة القائمة بينهم وبين الشريحة الغنية جدًّا المستفيدة من الانفتاح أو الغارقة في الفساد. كما أن من الملاحظ أيضاً أن نسبة عالية من منظري التطرف ومفكريه وعناصره هي من الشريحة الوسطى المتمسكة عادة بقيم المجتمع والمحافظة عليها. وقد أدت هذه التغيرات على صعيد "الوطن العربي الكبير" إلى حركة انتقال عمالة إلى الدول النفطية تعرضت لضغوطات شديدة مختلفة دفعت البعض إلى التطرف الديني. ومن بين هذه الضغوطات تلك الناجمة عن قوانين الإقامة والتنقل والعمل التي تحكمها نظرة قطرية تسقط من حسابها تماما فكرة "المواطنة العربية" المستقرة في أعماق كل عربي. وهكذا نجد أن التطرف الديني في هذه الأحوال هو رد فعل على "عنف الحرمان" الذي يتعرض له الفرد.
4- السبب الرئيسي الرابع الذي نراه يفعل فعله في تغذية التطرف في البلاد العربية، ويمثل كسابقه فعلا مؤثرا داخليا هو ما تعانيه غالبية أنظمة الحكم في البلاد العربية من افتقار للشورى والديمقراطية وانتشار للإستبداد وانتهاك حقوق الإنسان، على الرغم من مضي عدة عقود من السنين على إقامة نموذج الدولة الحديثة فيها؛ وتتفاعل في تكوين هذا السبب عوامل داخلية وخارجية. أضف لذلك "العنف المؤسسي" مقترناً بعجز مطبق عن التحاور مع جيل الشباب وعن إفساح المجال له كي يعبر عن نفسه ويخدم بلاده. وهكذا يقع كثير من الشباب ضحية هذا العنف المؤسسي، فتنمو في أوساطهم ظاهرة التطرف الديني. ومن الملاحظ أن هذا العنف المؤسسي يشتد مع تعثر هذه الأنظمة في تحقيق أهدافها المعلنة في التنمية الاقتصادية والتعددية السياسية، تمامًا كما يقوى مع وقوعها في أسر التبعية والديون بفعل سياسات دول الهيمنة العالمية.
في كيفية التعامل مع التطرف
واضح أن معالجة أسباب التطرف هي الكفيلة بإيجاد مناخ تزدهر فيه الوسطية. وأول ما يساعد على ازدهار الوسطية في المجتمعات اعتماد الحوار القائم على حرية التعبير سبيلاً للتفاهم بين التيارات الثقافية الموجودة فيها. وما أعظم الأخطار التي تنجم عن قصور في هذا الحوار. ونستطيع أن نميز في واقعنا الثقافي المعاصر ثلاثة تيارات ثقافية، ونزداد فهماً لهذه التيارات الثقافية الثلاثة حين نستحضر نشأتها مع بداية الغزوة الاستعمارية الغربية لدائرتنا الحضارية ووطننا العربي، وما طرأ عليها من أحداث على مدى قرنين، فالسياسة الاستعمارية عمدت إلى التركيز على حقل التربية والتعليم، وأسست مدارس التبشير وعلمت طلاب هذه المدارس اللغات الأوربية، وما اصطلحت على تسميته حضارة الدول الغربية المعنية، فرنسية كانت أو ألمانية أو إيطالية أو بريطانية. وهكذا خرجت طلابًا مهيئين بحكم ما تعلموه أن يكونوا انغماسيين. وقوَّى هذا الاتجاه نظام البعثات إلى بلاد الغرب. وناصبت السياسة الاستعمارية حين احتلت البلاد وتسلطت معاهد العلم القائمة العداء، فتهيأ طلابها بحكم وطأة هذا التسلط؛ لأن يقع بعضهم في أسر الانكماش. واتسعت الهوة بين التيارين مع ممارسات المستعمر الهادفة لذلك. وحدث في الربع الثاني من القرن العشرين أن شهد تيار الانغماس بروز مدرستين فيه بفعل الخلاف الذي احتدم في الغرب بين "الليبرالية الرأسمالية" و"الاشتراكية الماركسية"، وكان "تيار الاستجابة الفاعلة" الثالث يشق طريقه أثناء ذلك، ويجذب إليه أفرادًا متميزين من التيارين، من بينهم مبعوثون عبروا مرحلة "العكوف" التي تجاوزوا أثناءها مجتمعهم إلى مرحلة "العودة" إلى مجتمعهم والتلاحم معه.
حين نستحضر تاريخ أمتنا في القرنين الأخيرين، نرى بوضوح الأثر الكبير للواقع الثقافي العربي بتياراته الثلاثة على مختلف جوانب الحياة في وطننا العربي، وقد انعكس هذا الأثر على حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والعقيدية، ذلك بفعل ما للثقافة من فعل. وهكذا رأينا كلاًّ من هذه الجوانب موزعًا بين ثلاث توجهات: الأولى انكماشية، وأخرى انغماسية، وثالثة مستجيبة فاعلة.(/5)
لقد استشعرت الأمة منذ برزت فيها هذه التيارات الثلاثة الثقافية بين أبنائها، الحاجة إلى حوار بينهم يستهدف تجاوز سلبيات الاختلاف وتوظيف إيجابياته للنهوض بحياتنا. وقد قوى هذا الاستشعار الحاجة إلى هذا الحوار في فترات تضخمت فيها السلبيات بسبب ضعفه وانعكست على مختلف مجالات حياتنا، تخبطًا في السياسات الاقتصادية، وإخلالاً في السلام الاجتماعي والعلاقة بين شرائح المجتمع، وتفردًا سياسيًّا يرفض التعددية والمشاركة ويقع في هاوية التسلط، وسطحية فكرية تعتمد الحكم المطلق على الأفكار وتقطع الطريق أمام تلاقحها، وتطرفًا عقيديًّا لا يعرف السماحة وينزع إلى الإكراه.
وتستوقفنا فترات أخرى شهدت مباشرة هذا الحوار، وقطفت الأمة خلاله ثمراته الطيبة، وحدة وطنية على صعيد كل قطر، ونهوضًا في مختلف مجالات الحياة، وقدرة على مواجهة المستعمر المعتدي، وتقدمًا في طريق تحقيق مشروع الأمة الحضاري بأهدافه الستة تحريراً، وتوحيدًا للجهود، وشورى وديمقراطية، وعدلاً، وتنمية، وتجددًا حضاريًّا، ولكن ما كانت أقصر تلك الفترات، وتلفتنا في الواقع الثقافي القائم جهود مباركة مكثفة على الصعيد الأهلي تعنى بتقدم هذا الحوار. ومع ذلك فإن الانطباع العام الذي تخرج به نظرة المراقب أن للواقع الثقافي العربي المعاصر هو أن الحوار بين التيارات الثقافية العربية المعاصرة دون المستوى المطلوب بكثير، وقد نجم عن قصوره في ربع القرن الأخير تفاقم أزمات سياسية في عدة أقطار عربية تفجر بعضها عنفًا، وطرح بقوة قضية الهوية.
في مقدمة أخطار قصور الحوار غلو في الرأي والموقف، يتزايد ويتصاعد مع استمرار القصور في الحوار، يتجلى في التطرف والبعد عن الوسطية، ويولد ردود أفعال، ويؤدي هذا الغلو إلى اهتزاز الهوية في المجتمع، ومن ثَم إلى المساس بوحدة المجتمع الوطنية، ويحول بذلك دون الوصول إلى المشروع الوطني الذي يلتقي عليه المجتمع.
الأمثلة على الأزمات السياسية التي تنشأ عن تفاعل هذه الأخطار، نراها في أماكن مختلفة من عالمنا، في أقليم الباسك وإسبانيا في شبه جزيرة أيبريا، وفي إيرلندا الشمالية وبريطانيا، وفي الفلبين وفي البلقان ونذرها تتالى في الأمريكيتين، كما نراها في دائرتنا الحضارية الإسلامية، في تركيا وفي أفغانستان وفي كشمير. ونراها في قلب هذه الدائرة في وطننا العربي في الجزائر بعد أن اكتوينا بنارها في لبنان، ونرى نذرًا لها في أكثر من قطر عربي.
الغلو في الرأي والموقف، الناجم عن قصور الحوار بين التيارات الثقافية، تجلى في كتابات أهل القلم من التيارين الانغماسي والانكماشي تناولت قراءة تاريخنا والحديث عن واقعنا واقتراح ما يكون عليه مستقبلنا. وما أسخن المعارك التي نشبت بسبب هذه الكتابات. ويتداعى إلى الخاطر مثلاً عليها، اعتبار البعض غزو الفرنسيين في عهد نابليون بونابرت لمصر وحملته العسكرية عليها وعلى فلسطين.. بداية النهضة في مصر! وقد بلغ الأمر بواحد من المغالين أن نسب إلى هذه الغزوة بناء "مؤسسة" الديوان الذي كان قائمًا عبر تاريخ طويل، فضلاً عن أمور أخرى لا سند تاريخيًّا لها، ساكتاً في الوقت نفسه عن جرائمه الفظيعة، وكونها عدوانًا صارخًا، وها نحن لا نزال نرى بقايا هذا الغلو بمناسبة مضي قرنين على ذلك العدوان الصارخ، متمثلاً في قضية الاحتفال بذكراه.
هذا الغلو الناجم عن قصور الحوار يصيب برذاذه أكثر ما يصيب لسان الأمة، ولغتها العربية، فيمس أركان الهوية، ومن ثم ركن عقيدة الأمة وركن تراثها.
ما أخطر هذا الغلو حين يحكم سياسات تتبناها حكومات في تعاملها مع التيارات الثقافية المختلفة في المجتمع، فتعمد إلى حرمان واحد منها من التعبير عن نفسه، وترفض الحوار معه فارضة عزلة وحصاراً، ومقاومة حوارات التيارات الأخرى معه، ومحاولة استمالتها في إحكام العزلة والحصار عليه.. الأمر الذي يؤدي إلى لجوئه للنزول تحت السطح والوقوع في أسر رد فعل مغالٍ.. وفي ظل هذا الوضع يتعرض المجتمع بسبب التضييق على حرية التعبير المسئولة إلى "نقص مناعة"، يؤدي إلى بروز عنف في العلاقة التي تحكم السلطة والناس. ويؤثر هذا العنف على مختلف جوانب الحياة في المجتمع، وعلى جيل الشباب بخاصة. ذلك أن بعض هؤلاء الشباب ينساقون إلى دورة العنف، هذا بحكم نزوع جيلهم إلى المغالاة، كما يفر بعضهم منها بعيدًا عن المشاركة في الحياة العامة، وأحيانًا عن الحياة نفسها بالعيش في عالم واهٍ تصنعه كيماويات "تسطل".(/6)
في ظل نقص الحوار بين التيارات الثقافية، وغلبة الغلو والمغالاة والمغالين على النطق بلسان كل منها والتعبير عنها، تعاني مناهج التربية والتعليم عجزًا من إقامة جسور الحوار في المجتمع وتمثل ثقافاته وحضارته، الأمر الذي يؤدي إلى اهتزاز الهوية، وبفعل الإعلام المعبر عن عزلة كل تيار فعله في هذا الاهتزاز واصلاً به إلى مداه، وفاتحًا الباب أمام صراع ثقافي لا يلبث أن يتفجر حربًا أهلية، تفسح المجال لتدخل عامل خارجي يستغلها لإضعاف الأمة والتسلط عليها واستنزافها اقتصاديًّا بتسويق أسلحته لها، وتمزيقها نفسيًّا بفعل العداء المستشري بين الإخوة.
لقد وصل الأمر في ظل هذا الصراع الثقافي في بعض الأقطار إلى أن يبرز التساؤل بين بعض أبنائه "أهو عربي الهوية أم نصف عربي؟ أم غير عربي؟" في حمى الاقتتال. وحدث في الاقتتال الذي نشب في أكثر من قطر المساس بحرمات كثيرة واقتراف جرائم بشعة. وكم احتاج إيقاف الحرب المتفجرة التي نشبت من جهود وكانت مباشرة الحوار هي السبيل إلى الاتفاق. ويتداعى إلى الخاطر هنا ما كتبه كريم بقردوني في كتابه "لعنة وطن: من حرب لبنان إلى حرب الخليج"، كمثل من بين أمثلة كثيرة، في فصل "هوية وطن" عن "مسألة علاقة لبنان بمحيطيه العربي" التي ثارت في أوساط تيار ثقافي بعينه فبدت أمامه "علامة استفهام محورية ومعضلة مطروحة قبل الاستقلال اللبناني وبعده، وقبل الحرب اللبنانية وبعدها". وهو يقرر أن السنين الخمسين المنصرمة "علمتنا أن الاتفاق بين اللبنانيين حول حد أدنى من الحوار كان حافزًا رئيسيًّا من حوافز الاستقلال عام 1943م، كما أن الاختلاف حول هذا الحد الأدنى كان دافعاً أساسيا من دوافع الحرب عام 1975م". ونحمد الله أن الحوار بين أهلنا في لبنان أوصل إلى إنهاء تلك الأزمة بتأكيد هويته والاتفاق على دوره وخصوصيته في إطار الكل. ولكن محنة قطر عربي آخر لا تزال على أشدها تنتظر الحوار الشامل الذي يؤكد الهوية ويوصل إلى الاتفاق على "جامع مشترك" للدور والخصوصية. كما أن نذر محن أخرى تمثل أحياناً هنا وهناك، مهددة بالتفكيك والتفتيت، ومذكرة بصراعات نشبت في دائرتنا الحضارية حين توقف الحوار بين أبناء الحضارة الواحدة واصطنع التناقض بين أركان الهوية.
الحاجة ماسة اليوم لتقوية الجسور التي قامت بين جزر تيارات ثقافتنا العربية المعاصرة في بحر وطننا العربي الكبير في دائرة حضارتنا العربية الإسلامية الواسعة، ولتوسيع هذه الجسور وإقامة جسور أخرى، كي تتقارب الموائد المتباعدة المنفصلة وتتصل. فما السبيل لمتابعة الجهود الرامية إلى الوصول بالحوار القائم بين التيارات إلى المستوى المطلوب؟
منطلق هذا السبيل ومبدؤه هو التسليم بأن الحوار فرض لازم وجَّه الله الخالق سبحانه بني آدم إليه ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى. وهو تعالى يسمع هذا التحاور ويدعو مباشريه إلى أن يكون بالقول المناسب وبالتي هي أحسن تحكمه الحكمة والاقتناع بأن الاختلاف القائم بين المتحاورين من سنن الاجتماع الإنساني، وأن ما يعبر عنه من تنوع يغني الحياة، وأن جميع أفراد الأمة في سفينة واحدة، وأن الحوار الرشيد له آدابه، ومنها صيانة حرية التعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر واستهداف الحقيقة، وأن هذا الحوار يثمر أطيب الثمار. وهذا ما يصدقه تاريخ ازدهار العمران والحضارات، ومنها حضارتنا العربية الإسلامية التي شهدت مجالس من أمثلتها ما حفظه لنا أبو حيان التوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة" وفي "مقابساته" وما حدثنا عنه أحمد أمين في فجر الإسلام وضحاه وظهره، ويومه، وغيره من مؤرخي الأفكار، وما شهده تاريخنا الحديث.
سياج هذا السبيل التي تصونه وتحميه، وتحول دون الخروج عنه واتباع سبيل تفرّق بنا إلى سبل أخرى يضعف فيها الحوار ويقف، هو التزام "السلطات" بحرية التعبير المسئولة، والحرية قرينة المسئولية واعتراف "السلطات" قبل ذلك بكل حقائق التنوع في المجتمع؛ لأن مصادرته هي مدخل الغلو والـ"تطرف" والتترس في الأطراف.
يعترض التقدم في السبيل الموصل لازدهار الحوار بين تيارات ثقافتنا العربية ضغط قوى طغيان خارجية علينا لفرض حوار مع عدو يحتل الأرض ويمارس العنصرية ويجاهر بالعدوان، باسم حوار السلام ويزعم بلوغ هدف ترسيخ ثقافة سلام، وما ذاك بحوار، وإنما هو "إملاء". وما ذاك "السلام" إلا استسلام، وثقافته "رضوخ". وتعمد قوى الطغيان هذه إلى استمالة نفر من المثقفين للانخراط في هذه "التمثيلية" مستخدمة أساليب ترغيب ثم ترهيب، وقصدها أن تغطي بها عدوان المعتدي الصهيوني، وتمكنه من المضي فيه، وأن تعكر صفاء مناخ الحوار الحق في أوساطنا وتلبد سماؤه بالغيوم.(/7)
إن التقدم بالحوار يقتضي استحضار الثوابت التي يكون منها الانطلاق والبدء، ونصب عينها تعزيز الهوية وتحقيق المشروع الوطني. وهذا يتطلب أن يأخذ الحوار مكانه اللائق به في مناهج تربية الأجيال وتعليمها احترامًا وممارسة عملية، في البيت والمدرسة والمجتمع، وقد أولى الفكر التربوي العربي هذه المناهج عنايته، ويبقى أن يبذل جهد لتعميمها نظريًّا وتقديم الأمثلة العملية لها. ولا بد هنا من التأكيد على أن هذه التربية تبدأ منذ مرحلة الطفولة الأولى، وإن من بين حقوق الطفل علينا أن يحاورنا ونحاوره ونجيبه على أسئلته المتتالية التي من خلالها يصل إلى المعرفة.
هذا التقدم يتطلب أيضاً أن يخدم الإعلام الحوار، ويساند عملية التربية والتعليم. وأثر الإعلام اليوم قوي في ظل ثورة الاتصال، وللتلفزة والسينما والحاسب جاذبيتهم، وهناك مجال واسع رحب لتقديم صورة صحيحة من خلالهم للحوار المثمر، وهذا يتطلب الحذر من الوقوع في أثر حوار الصم وما بدأ يشيع من "مصارعات حوارية" تحت اسم الرأي والرأي الآخر.
التقدم بهذا الحوار يتطلب فيما يتطلب أن يلتزم "السلطان" بالحوار، يحترمه ويوليه عناية ويمارسه ويحرص على مسلتزماته، ويتجمل بالصبر. ومستلزماته كما سبق أن أوضحنا حرية تعبير مسئولة واعتراف بحقائق التنوع وحق الاختلاف وصولاً إلى واجب الالتزام الفردي. وهذا الالتزام السلطاني الرسمي هو السبيل إلى ممارسة الشورى والديمقراطية وقطف ثمارها الطيبة، أصوب الآراء والتلاقي على تحقيق المشروع الوطني ومشروع الأمة الحضاري وبلوغ الأمن الاجتماعي.
لن نمل نحن أهل الفكر من الحديث عن قصور الحوار على هذا الصعيد، ومن التنبيه على مخاطر هذا القصور. وسنبقى ندعو إلى أن تكون "السياسة الأمنية" الرسمية في إطار السياسة العامة جزءاً منها وليس حاكمًا عليها مهيمناً. وهذا يتحقق حين تغتني هذه السياسة الأمنية الرسمية بالفكر وآراء المفكرين. واللافت أن المؤسسات المعنية لا تزال في غالبيتها مغفلة تلبية حاجتها هذه.
إن من أهم جوانب الحوار الرسمي هو ذلك الذي يتصل بجيل الشباب في المجتمع، وعلى صعيده يجب أن يتجلى التجمل بالصبر في أروع صوره؛ ذلك لأن لجيل الشباب خصائصه التي من بينها نزوع إلى الغلو والتطرف. وهذا النزوع لا يتعامل معه بالقمع الذي يورث العنف. وإنما بتوظيفه لصالح المجتمع من خلال الحوار، ولن يفتأ الشيخ المفكر يذكر بحق جيل الشباب على جيله وجيل بلوغ الأشد، بينما هو يتابع بأسى ما ينساق إليه "السلطان" أحياناً من "عنف" في التعامل مع بعض أبنائنا من الشباب. ويسلم الشيخ المفكر بأن الغلو في مجموعه ليس حسنًا، ولكن السماح به من خلال حرية الفكر يمكن أن يخفف منه ويأتي به إلى الوسطية والاعتدال، هذا فضلاً عن أن في الشباب "حدس" أشار إليه ابن الخطاب كما ذكر الماوردي في أدب الدنيا والدين، تشتد حاجة صاحب القرار للاغتناء به حين يبلور قراره.
ختامًا: فإن هذا الحديث عن الحوار بين تيارات الثقافة العربية المعاصرة يدعو إلى الخاطر ما جاء به الهدي الإلهي من تعليم الله الخالق مخلوقه، الإنسان البيان، وإخباره نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم "والله يسمع تحاوركما" حين جادلته الصحابية رضي الله عنها في زوجها واشتكت إلى الله، وأن الكثير من آيات الكتاب المبين جاءت في صورة حوار شمل نماذج شتى، فنحمد الله سبحانه ونصلي على رسله وخاتمهم محمد بن عبد الله، ونستلهم من ذلك عزيمة للمضي في سبيل الحوار الموصل إلى تحقيق مشروع أمتنا الحضاري الذي يلتقي عليه أبناء الأمة من مختلف تيارات ثقافتهم؛ ليسهموا في عمران عالمنا، بمنهج وسطي قويم. ...(/8)
قراءة في مفهوم التقدم
26-4-2006
بقلم د. عبدالوهاب المسيري
"...وأصبح الإطار الكلي والنهائي لمفهوم التقدم ليس الإنسان كإنسان، وإنما مقاييس ليست بالضرورة إنسانية مثل الإنتاجية ومعدلات الاستهلاك؛ ولهذا ظهرت مؤشرات على التقدم ومقاييسه ذات طابع مادي كمي لا تكترث بإنسانية الإنسان ..."
إن "التقدم" (بالإنكليزية: بروجرس progress) من "تقدَّم" بمعنى "سار أو انتقل إلى الإمام" ، ويشير لفظ "التقدم" إلى أي حركة تتجه وجهة مرغوباً فيها ، وإلى التحول المتدرج من حال إلى ما هو خير منها ، وعادة ما يرتبط التقدم (في الخطاب السياسي والفلسفي الشائع) بقيم مثل الانفتاح والتطور في الآراء السياسية والاجتماعية والاستنارة وغيرها ، والتقدم هو الإجابة التي تقدمها المنظومة المعرفية (التحديثية الترشيدية) على السؤال المعرفي النهائي الخاص بالهدف من وجود الإنسان في الكون .
ومعظم الحضارات تحتوي على مفهوم للتقدم والتخلف والرقي والانحطاط ، ولكن التقدم والرقي مرتبطان بمطلقات كل المجتمع ومقدساته ، ولم تكن هناك نظرية عامة للتقدم تضم كل البشر ، وتفترض وحدة التاريخ الإنساني وحركته الدائمة نحو مستقبل أحسن .
ويذهب بعض المؤرخين إلى أن فكرة التقدم كامنة في العقيدة المسيحية (وفي الديانات التوحيدية ككل) ، فالفكر اليوناني القديم - شأنه شأن كثير من الوثنيات القديمة - كان لا يؤمن بإله مفارق للطبيعة ، منزَّه عنها ؛ ولذا كان يرى التاريخ باعتباره حلقات متكررة لا معنى لها ، ولذا فإن الفكر الوثني فكر عدمي تشاؤمي (وهذا ما أكده "نيتشه" ، الذي كان يؤمن بالعود الأبدي ، ويطالب بالعودة إلى فلسفة ما قبل سقراط) .
أما في الديانات التوحيدية ، فهناك إله مفارق للطبيعة والتاريخ ، يمنحهما هدفاً نهائياً ، يتحقق تدريجياً في داخل الزمان ، من خلال عون الإله وجهد الإنسان ، إلى أن نصل إلى لحظة الخلاص النهائية ، وقد عبَّر هذا عن نفسه في العقيدة اليهودية في اللحظة "المشيحانية" ، حينما يعود الشعب إلى أرضه المقدسة تحت قيادة "الماشيَّح" المختار ، وحينما جاء المسيح ، وأعلن أن شريعته تَجبُّ الشريعة اليهودية ، وأن نطاق الخلاص قد اتسع ليشمل كل البشر ، وقسّم التاريخ إلى ما قبل الميلاد وبعد الميلاد ، باعتبار أن ميلاد المسيح هو اللحظة التي تجسَّد فيها الإله - تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً - في التاريخ ، واكتسب التاريخ معنى من خلاله ، وعلى الرغم من هذا الإيمان العميق بإمكانية الخلاص ، فإن المسيحية كانت تؤمن بأن عقل الإنسان محدود ، وأنه كائن ساقط خاطئ ؛ ولذا فإن هناك رؤيتين للتاريخ: واحدة متفائلة تؤكد إمكانية الخلاص التدريجي ، والثانية متشائمة تؤكد فكرة السقوط ومحدودية الإنسان .
وقد تمت علمنة الفكرة التاريخية المسيحية المتفائلة في عصر النهضة ، وهيمنت المرجعية الواحدية المادية على رؤية الإنسان الغربي للكون ، فأصبح للتاريخ هدف ، يتحقق في الزمان من التأكيد على لا محدودية العقل الإنساني ، وعدم حاجته لوحي إلهي ، وعلى أن التقدم حتمي ، فهو كامن في القوانين الطبيعية ذاتها ، التي تدفع بالتاريخ الإنساني ، وظهرت فكرة التاريخ الإنساني العالمي ، فقانون الطبيعة قانون عام واحد ، يدفع بالتاريخ الإنساني كله حسب متتالية محددة ، وبدأت فكرة التقدم تتبلور على يد فلاسفة مثل فيكو وفولتير وتورجو وهردر وكانط ، وظهرت فكرة المراحل في فكر "أوجست كونت" ثم هيغل وماركس ، وأصبحت فكرة التقدم فكرة أساسية في فكر الاستنارة ، ثم وصلت إلى قمة ازدهارها وشيوعها في أواخر القرن التاسع عشر (عصر الإمبريالية والداروينية) .
وقد تغلغلت الفكرة في جميع المجالات ، فظهرت نظرية التطور ، التي حظيت بالقَبول العام لدى المتخصصين في العلوم الاجتماعية المختلفة ، ومن ثم ظهر العديد من النظريات الاجتماعية والسياسية ، التي تفترض مفهوم التقدم دون أي تساؤل ، وكأنه معطًى بدهي لا يقبل النقاش ، وظهرت النظرية العِرْقية والإمبريالية ، التي تستند اعتذارياتها إلى فكرة تقدم الإنسان الغربي ، وتفوقه على بقية شعوب الأرض.
ومفهوم التقدم - في المنظومة الغربية - يدور في إطار المرجعية المادية الكامنة (في عقل الإنسان والطبيعة) ، ويستند إلى عدة منطلقات ، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
1- عقل الإنسان غير محدود ؛ فهو مكثف بذاته ، لا يحتاج إلى أي عون خارجي ، وهو قادر على معرفة الطبيعة ، والسيطرة عليها ؛ إذ إن العقل يكتسب - من خلال التطور - مزيداً من المنطق والرشد والتفكير.
2- المعرفة الإنسانية ستظل تتراكم بشكل مطَّرد وبلا نهاية (أو سنصل إلى نقطة النهاية حين يتم السيطرة النهائية على الطبيعة).
3- يستند مفهوم التقدم - شأنه شأن كل المفاهيم الفلسفية والمعرفية الغربية الحديثة - إلى المطلق العلماني: الطبيعة المادة .(/1)
4- الموارد الطبيعية في الكون غير محدودة ، ولا يمكن أن يصيبها العطب أو الخلل (فالمادة لا تفنى!) .
5- التقدم عملية عالمية واحدية خطية ذات اتجاه واحد ، تتم حسب قانون طبيعي عام واحد ، يتبدَّى في كل زمان ومكان - وفي جميع المجتمعات - حسب متتالية واحدة تقريباً. يتم التقدم في جميع المجالات دون تفريق بين مجال مادي ومجال إنساني ؛ ولذا كان من المفروض أن يتم التقدم في عالم الفنون والآداب ، بل وفي الطبيعة البشرية ذاتها (فلا يمكن أن يكون هناك شيء ثابت في عالم الطبيعة). يفترض مفهوم التقدم وجود تاريخ إنساني واحد (لا إنسانية مشتركة تتبدى في تشكيلات حضارية وتاريخية مختلفة ومتنوعة) ؛ ولذا فإن ما يصلح لتشكيل حضاري وتاريخي معين يصلح لكل التشكيلات الأخرى (وهذا ما نسميه الوحدة التاريخية للوجود).
6- قد يتم التقدم عبر مراحل تطورية متتالية مختلفة في بعض التفاصيل والأسباب ، ولكن المراحل المختلفة تصل - في نهاية الأمر - إلى نفس الهدف ، وتحقق نفس الغايات. تعتبر المجتمعات الغربية - خصوصاً في غرب أوروبا - هي ذروة هذه العملية التطورية العالمية الطبيعية ، ومن ثم فهي النموذج الذي يُحتذَى. الدولة القومية المركزية هي من أهم آليات التقدم - إن لم تكن أهمها - فهي التي تقوم بترشيد كل من الواقع الإنساني والإنسان نفسه ، وتحوِّله إلى مادة بشرية منتجة نافعة. - ثمن التقدم (السلبي) أقل بكثير من عائده (الإيجابي) ؛ ولذا فإن ثمن التقدم معقول ، ويمكن قبوله.
7- التقدم - مثل قوانين الطبيعة / المادة - عملية حتمية ، تتم على الرغم من إرادة الأفراد وخارجها ، ولا يمكن لأحد إيقافها (فما يدفع التاريخ هو قوانين الطبيعة الكامنة فيه) .
8- عملية التقدم مثل (الطبيعة / المادة) ليس لها غائية إنسانية محددة أو مضمون أخلاقي محدد ، التقدم (مثل الطبيعة / المادة) مجرد حركة أو عملية ، وعملية التقدم لا علاقة لها بأي قيم دينية أو أخلاقية أو إنسانية ، ومن ثم قد تتساقط مثل هذه القيم نتيجة عملية التقدم المستمر والحتمي. عادة ما يتقدم المرء نحو شيء ما من مكان إلى آخر ، ولكن التقدم في المفهوم الغربي (المادي) عملية حركية تعني الانتقال (الترانسفير) دون تحديد الهدف من الحركة ، ومن ثم يتحول التقدم (بالإنكليزية: بروجرس progress) إلى مجرد عملية (بالإنكليزية: بروسيس process). التقدم - بذلك - يصبح بلا مرجعية ، أو يصبح مرجعية ذاته ، ومن ثم يصبح هو الوسيلة والغاية ، فنحن نتقدم كي نحرز مزيداً من التقدم (وهي عملية لا نهائية) ، أي أن التقدم ليس حتمياً وحسب ، وإنما نهائي أيضاً ، فهو تقدم وحسب .
9- ولكن الحركية ليست محايدة تماماً ، ولا بريئة إطلاقاً ، فثمة تحيُّز - للرؤية المادية - كامن في مفهوم التقدم الغربي ، فالتقدم هو ما يساعد على تحقيق قانون الحركة (المادي العام) ، وقد اكتشف الغرب أن التقدم هو زيادة المنفعة ، وتعظيم اللذة لأكبر عدد ممكن من البشر ، وبالتدريج ، أصبح التقدم هو تزايد القوة والسلطة.
10- الإنسان هنا هو الإنسان الطبيعي / المادي ذو الاحتياجات الطبيعية المادية العامة (ثم أصبح الإنسان الطبيعي / المادي الأبيض في المنظومة الإمبريالية). لكل ما تقدم - وعلى الرغم من الحديث عن التقدم كعملية لا نهائية - فإنه اكتسب مضموناً مادياً كمياً لا إنسانياً (بمعنى أنه مفهوم يسير اختزالي ، يلخص هدف الإنسان في الكون في بضعة أهداف نهائية ذات توجه مادي حاد) . وأصبح الإطار الكلي والنهائي لمفهوم التقدم ليس الإنسان كإنسان ، وإنما مقاييس ليست بالضرورة إنسانية مثل الإنتاجية ومعدلات الاستهلاك ؛ ولهذا ظهرت مؤشرات على التقدم ومقاييسه ذات طابع مادي كمي لا تكترث بإنسانية الإنسان ، مثل: عدد الهواتف - نسبة البروتين - عدد السيارات وسرعتها - طول الطرق - معدل تحرك البشر وانتقالهم وحركيتهم ، وهي مقاييس تركز على ما يقاس ، وأما ما لا يُقاس فقد استُبعد أو هُمِّش ، وتُركِّز على العام دون الخاص ؛ ولذا فهي تُسقط كل الخصوصيات الدينية والإنسانية ، وتركز على قياس الثمرة المباشرة العاجلة والمحسوسة ، دون الثمن الآجل غير المباشر وغير الملموس ؛ ولذا تمت إزالة المدن القديمة باسم التقدم ، وتم غزو العالم لنفس السبب ، وقد أُبيدت الشعوب والأقليات لتحقيق نفس الهدف ، وتصاعد إيقاع المجتمع ، وتقطعت الأواصر الإنسانية لنفس الحُجة ، وقُضي على كل الخصوصيات (حتى وصلنا إلى قمة التقدم والنظام العالمي الجديد ونهاية التاريخ والإنسان) ، دون أي حساب للنتائج السلبية لكل هذه العمليات التقدمية.(/2)
ويتضح تحيز مفهوم التقدم للتقدم المادي ، إن طالبنا استخدام مفهوم مثل الطمأنينة والسعادة كمعيار للتقدم ، فالرد على ذلك معروف ، وهو أن الطمأنينة والسعادة أمور نسبية ومتغيرة لا تقاس ، أما التقدم المادي فيمكن قياسه علمياً ، وهو ما يعني أن التقدم شيء ، والطمأنينة والسعادة شيء آخر ، وأن التقدم هو - في واقع الأمر - تمدُّد مادي ، وليس تحققاً إنسانياً ؛ ولذا فإنه بدلاً من مؤشرات من عالم الإنسان (السعادة والطمأنينة) يسقط الإنسان في عالم السلع والمؤشرات المأخوذة من عالم الأشياء (السرعة - الإنتاجية.. الخ) ، دون أي اكتراث بمدى تحقيقها السعادة أو البؤس للإنسان .
والله أعلم.(/3)
قراءة في مقولة لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة"
د . غازي التوبة 4/7/1427
29/07/2006
راجت في الفترة الأخيرة مقولة "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة"، ودعا بعض المفكرين والسياسيين إلى اعتمادها أساساً في حياتنا الاجتماعية والسياسية، فما مسوّغات الدعوة إليها؟ ومن أين جاءتنا؟ وما تقويمنا لها على ضوء تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف؟
يطرح دعاة مقولة "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة" ثلاثة مسوّغات لدعوتهم تلك هي:
أولاً: الدين يمثل ما هو مطلق وثابت، بينما تمثل السياسة ما هو نسبي ومتغيّر.
ثانياً: الدين يوحّد في حين أنّ السياسة تفرّق.
ثالثاً: السياسة تحركها المصالح الشخصية والفئوية، وأنّ الدين يجب أن يُنزّه عن ذلك.
أما المسوّغ الأول وهو قولهم: إنّ الدين يمثل ما هو مطلق وثابت، فيما تمثل السياسة ما هو نسبي ومتغيّر فهذا القول ليس صحيحاً على إطلاقه، بل الدين فيه جوانب تمثّل ما هو مطلق وثابت، وفيه جوانب تمثّل ما هو نسبي ومتغيّر، وكذلك السياسة فيها جوانب تمثّل ما هو مطلق وثابت وفيها جوانب تمثّل ما هو نسبي ومتغيّر، ويمكن أن نوضّح ذلك بأمثلة من المجالين: الدين والسياسة. هناك أمور ثابتة في الدين لا تتغيّر من مثل: صفات الله -عز وجل- وأسماؤه، وأحكام الزواج والطلاق، والميراث، والصلاة، والصيام الخ . . . وهناك أمور متغيّرة في الدين تنشأ بسبب التطورات في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والفنية الخ . . .، وتحتاج إلى أحكام جديدة بالاستناد إلى تلك الثابتة، وينظم ذلك علم أصول الفقه. وكذلك السياسة تعالج أموراً ثابتة مثل الحفاظ على الأمة والتوحيد والأخلاق والأموال الخ . . . وتعالج أموراً متغيّرة تختلف فيها وجهات النظر، وتختلف الأحكام من وقت إلى آخر من مثل: صورة العلاقات الدولية مع الدول، وأولويات البرنامج الاقتصادي، ومراحل بناء المنهاج التربوي، وكيفية تدعيم أخلاق المجتمع الخ . . .
أما المسوّغ الثاني في المقولة السابقة وهو قولهم: إنّ الدين يوحّد وإنّ السياسة تفرّق، فهذا مرهون بنوع السياسة؛ فالسياسة التي تفرّق هي السياسة المنفصلة عن المبادئ والقيم والأخلاق والمثل، أما السياسة المرتبطة بالمبادئ والقيم والأخلاق والمثل، والتي تعتبر الدين الإسلامي مرجعيتها فهي توحّد ولا تفرّق كمثل الدين سواء بسواء.
أما المسوّغ الثالث وهو قولهم: إنّ السياسة تحرّكها المصالح الشخصية والفئوية، وأنّ الدين يجب أن ينزّه عن ذلك فهو انعكاس لمقولة مسيحية تميّز بين النجس والمقدّس، فكل ما هو دنيوي نجس وكل ما هو ديني مقدّس، في حين أنّ هذه القسمة ليست مطروحة في الحياة الإسلامية، بل كل عمل دنيوي يؤديه المسلم كالطعام والشراب والرياضة والنزهة الخ . . . يعده الشرع عبادة، ويأخذ عليه أجراً إذا ذكر الله في بدايته، أو إذا نوى فيه التقوّي على طاعة الله، ويدل على ذلك الحديث الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطباً الصحابة: "في بِضْع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر". كذلك كانت السياسات الساعية إلى تحقيق هذه المصالح والشهوات مشروعة ومقبولة في نظر الشرع الإسلامي.
لقد جاءت تلك المقولة من الحضارة الغربية التي استقرت نهضتها على فصل الدين عن الدولة بعد أن حجرت الكنيسة على الحقائق العلمية، وأصدرت أحكاماً جائرة على العلماء، لكنّ هذا لم يحدث في تاريخنا فليس هناك مؤسسات كهنوتية، وليس هناك رجال دين، بل قامت الدولة على الدين، وعضد الدين الدولة، وحث الإسلام المسلم على الاهتمام بالشأن العام، فقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، وزكّى القرآن الأمة؛ لأنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر فقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). [آل عمران: من الآية110].
وأحد المعاني المباشرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو توجيه جانب من وعي المسلم للواقع المحيط به والاجتهاد في تطهيره ومعالجته والارتقاء به، لذلك جاء تصوير الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بالجسد الواحد الذي تظهر عليه أعراض المرض في حالة إصابة عضو منه، قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر". وهذه دعوة واضحة وصريحة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسلم ليس للاهتمام بشؤون إخوانه المسلمين الآخرين فحسب بل لاتخاذ الأساليب التي تؤدّي إلى إزالة أسباب الشكوى عن إخوانه الآخرين، وهل يكون ذلك إلا بالعمل السياسي والتعاطي مع السياسة والاختبار بين السياسات والترجيح بين السياسيين؟ لا أظن إلا ذ(/1)
قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة
السؤال :
ما حكم صلاة من لم يقرأ شيئاً بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعيّة السريّة لعدم إدراكه الصلاة من أوّلها ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
للإجابة على هذا السؤال أشير إلى مسألتين على صلة به و هما :
المسألة الأولى : لا تجب – على مذهب الجمهور و هو الراجح - قراءة شيء من القرآن الكريم في الصلاة ( المكتوبة و النافلة ) عدا فاتحة الكتاب ، لما رواه أصحاب الكتب الستة و غيرهم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ » .
قال الترمذي في سننه بعد أن روى هذا الحديث ، و أشار إلى ما في الباب عن غير عبادة رضي الله عنه : ( وَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ وَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَ غَيْرُهُمْ ، قَالُوا : لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ إِلاَّ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ . وَ قَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : كُلُّ صَلاَةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ . وَ بِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَ الشَّافِعِىُّ وَ أَحْمَدُ وَ إِسْحَاقُ ) .
أمّا ما يُقرأُ بعد الفاتحة من آياتٍ و سور فهو عند جمهور العلماء من السنن التي يثاب فاعلها ، و لا يعاقب تاركها ، فلا تبطل الصلاة بتركها ، لما رواه الشيخان عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّه كان يَقُولُ : ( فِي كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَسْمَعْنَاكُمْ ، وَ مَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ ، وَ إِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ ، وَ إِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث : ( و فيه استحباب السورة أو الآيات مع الفاتحة ، و هو قول الجمهور في الصبح و الجمعة و الأُولَيَيْن من غيرهما , و صح إيجاب ذلك عن بعض الصحابة كما تقدم وهو عثمان بن أبي العاص , و قال به بعض الحنفية و ابن كنانة من المالكية , و حكاه القاضي الفراء الحنبلي في الشرح الصغير روايةً عن أحمد , و قيل : يستحب في جميع الركعات ، و هو ظاهر حديث أبي هريرة هذا , و الله أعلم ) .
المسألة الثانية : المسبوق في الصلاة يُدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام ، فمن أدرك الإمام راكعاً فركع بركوعه قبل أن يرفع منه ، فقد أدرك الركعة ، و إن لم يقرأ فيها بشيءٍ من كتاب الله .
قال الخطيب الشربيني رحمه الله : ( وهو بالركوع مع الإمام مدرك للركعة كما لو أدركه في الركوع فإن الفاتحة تسقط عنه ويركع معه ويجزئه ) [ مغني المحتاج : 1 / 257 ] .
و عليه فلو فاتته قراءة الفاتحة أو بعضها ، أو اقتصر على قراءتها و لم يزد عليها ، فلا شيء عليه في شيءٍ من ذلك ، و صلاته صحيحة من هذه الناحية إن شاء الله
هذا ، و الله الموفّق ، و هو الهادي إلى سواء السبيل .
و الحمد لله ربّ العالمين .(/1)
قرى الضيافة على حديث لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة
الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى العباد الأتقياء الذين نالهم مكر السفهاء ، وألصق الظالمون بهم تُهماً هم منها أبرياء
فإليهم اعتذاري وسلامي وامتناني
عسى الله أن يعجّل بالفرج فيقولوا كما قالت الجارية المظلومة:
بقلم: محمد بن عمر دولة
شعبان 1421هـ
تُلاقي المرء في أيام كالأعياد، أحاديث عذبة من كلام خير العبادِ صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، يهتف على إثرها منشداً: ما أطيب اللقيا بلا ميعاد!!!
ولا غرو فهي كما قال حذيفة رضي الله عنه: أحاديث ما هي بالأغاليط، فيها من تلألؤ الأنوار وعبق الأزهار ونسائم الأسحار ما يُذهب عن النفس وعثاء الأسفار.
ولما كان هذا شأني مع حديث لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة؛ فقد أردت أن أُشرك معي في هذا الخير غيري من المسلمين، فإنه (لا يُؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه)، و(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، كيف والضيافة حازت إشراقة البشرى قبل النزول، وفرح اللقيا والقَبول، وجمعت الخصوبة والعذوبة، فزادت على ضيافة حاتم الطائي:
وما أحلى أن يجتمع السروران: بمجئ الحبيب الغريب، وحصول الرجاء المطلوب، كما كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في سروره بفتح خيبر وقدوم جعفر[1].
فقد روى البخاري في صحيحه هذا الحديث ثلاث مرات: في أواخر كتاب (العمل في الصلاة) باب (إذا دعت الأم ولدها في الصلاة)، وفي آخر كتاب (المظالم) باب (إذا هدم حائطاً فليبن مثله)، وفي كتاب (أحاديث الأنبياء) باب (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها).
عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جُريج، كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال: أُجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهمّ لا تُمْته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته فتعرّضت له امرأة فكلّمته فأبى. فأتت راعياً فأمكنته من نفسها؛ فولدت غلاماً، فقالت: من جُريج. فأتوْه فكسروا صومعته، وأنزلوه وسبوه، فتوضّأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي. قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلاّ من طين. وكانت امرأةٌ ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرّ بها رجل راكب ذو شارة فقالت: اللهمّ اجعل ابني مثله، فترك ثديها ثم أقبل على الراكب فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصُّه، قال أبو هريرة رضي الله عنه: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يمصُّ إصبعه. ثم مرّ بأمَةٍ فقالت: اللهمّ لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها فقال: اجعلني مثلها. فقالت: لِمَ ذاك؟ فقال: الراكب جبّار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقتِ وزنيْتِ، ولم تفعل).
ففي هذا الحديث من الفوائد ما يلي:
[1] مراعاة الأَوْلى من المقاصد: فإنّ إجابة الوالدة المحتاجة أولى من الاستمرار فيما دونها من العبادة، نعم لم يزل أهل العلم يحبون مواصلة الصلاة ويكرهون قطعها كما جاء في قصة عمار رضي الله عنه، حيث لم تمنعه السهام المتتالية على جسده من مواصلة صلاته بالليل وهو ثاني اثنين في حراسة المسلمين[2]، ولكن عُوتب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة بالمدينة إذ جاءه علي بن الحسين رضي الله عنهما وهو يصلي فجلس ينتظره وطوّل عليه لأنه لا يعْجَلُ عنها لأحد[3]. وانظر إلى الرجل من الثلاثة الذين حبستهم الصخرة في الغار كيف كُشِفت عنهم الكُربة، وانزاحت عنهم الصخرة بأمور منها: وقوفه على والديه بإناء اللبن ليسقيهما وأطفاله يتضاغون، فرفع عنه البلاء لأجل بِره بوالديه[4] ، وهذا قد أصابه البلاء بسبب تأخره عن إجابة دعوة أمه.
[2] أن النية الخالصة الكريمة تنجي صاحبها من المصائب، وتبلِّغه أحسن المراتب: وما إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه سهم بدرٍ وهو في بيته ببعيد[5]، ولا قوله صلى الله عليه وسلم في البيعة: (هذه عن عثمان) بعجيب[6]، مصداقاً للهَدْي النبوي ( إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلاّ شركوكم في الأجر حبسهم العذر)[7]، ولله درُّ من قال:(/1)
فلما كانت نية جريج متنازَعة بين تعظيم حقِّ الله في الصلاة وحقِّ الأمِّ في البرِّ ولم يكن تأخره تعمداً ولا عقوقاً صريحاً (أجيبها أو أصلي)،و جاء في كتاب المظالم قال: (أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته فقالت: اللهمّ لا تمته حتى تريَه المومسات)، وفي كتاب العمل في الصلاة بيان أنها نادت ثلاث مرات (نادت امرأة ابنها وهو في صومعةٍ فقالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه المياميس)، ولما كان الشاغل جريجاً عن إجابة أمه هي الصلاة وليس أمراً دنيوياً حتى وُجِّهَ فعله بأنه خاف أن تجرّه إلى الدنيا فقد كتب الله له السلامة ونجاه من المصيبة التي حلت به، وهذا شبيه بما رواه أبو سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي فمرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثمّ أتيته فقال: ما منعك أن تأتي؟ ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، ولم يعاقبه بالحرمان، بل قال له: لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن[8]. و لم يزل أهل العلم والإنصاف يرون لصاحب التأويل عذراً، كما تراه في قصة حاطب، وفي الطائفتين المتقاتلتين من الصحابة رضي الله عن الجميع وغفر الله لنا ولهم.
[3] أن النية الفاسدة واقتراف الجرائم الشنيعة لا سيّما إذا كان في ذلك ظلم الأبرياء لا بدَّ من افتضاح صاحبها، نسأل الله السلامة: فعلى حين جاء الفرج إلى جريج بالبراءة خذل الشيطان هذه المومس، فأنطق الله ولدها بالحق الدامغ، فإذا بكيدها زاهق (من أبوك يا غلام؟). وفي باب العمل في الصلاة قال: (يا بابوس من أبوك؟ قال: راعي الغنم)، ولاحظ هنا أنّ الذي برَّأ الله به جريجاً هو ولد المومس الكاذبة. وفي قصة يوسف عليه السلام أنطق الله الحكم (وشهد شاهد من أهلها).
[4] إنَّ شأن بني إسرائيل الكذب على الأنبياء والعُبّاد، كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذنوا موسى فبرَّأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً)، وقصَّ علينا القرآن ما رموْا به مريم عليها السلام من الإفك: (قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ وما كانت أمك بغياً). فما ينبغي أن يغترّ المسلمون بوعود اليهود فإنهم لا إيمان لهم ولا أيمان على قراءتيْ الجمهور وابن عامر الشامي.
[5] أن الدنيا كلها تتخلى عن المؤمن إذا ابتلي وظُلم، إلا ما يسخِّره الله له: ليعلم أنّ الرحمة منه (قل الله ينجِّيكم منها ومن كل كرب)، ورضي الله عن عائشة حيث قالت حين برَّأها الله وأبى أبو بكر وأم رومان رضي الله عنهما أن يحدِّثا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعرفانه من حالها وقالا: ماذا نقول؟ وكانت تبيت على الحال التي وصفَتْها " قد بكيت ليليتين ويوماً لا أكتحل بنومٍ ولا يرقأ لي دمع، يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي"، فلما أنزل الله براءتها قالت لها أمها: قومي إليه، قالت: فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عزَّ وجلَّ[9].
[6] استحباب الترفق في الدعاء عند الغضب على من تُرجى عافيته وعودته إلى الحقِّ: كما نبّه الحافظ ابن حجر رحمه الله على أنَّ (أمّ جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلاّ بما دعت به خاصة ولولا الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل)[10]، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ آثر الصبر على البلاء على الدعاء على القرشيين بإطباق الأخشبين رجاء أن يُنصر الدين بهم. وقد كان في إسلام عمر وحمزة عزّة للمسلمين ، وكان في إسلام أبي سفيان فتح، بل كان في مسلمة الفتح خيرٌ كثيرٌ إذ استفاد من حكمتهم عمر في محنة الطاعون.
وكل هذا يحتم علينا أن نترفّق بالمسلمين ما لم يبلغوا الكفر، و لا نيأس من رَوْح الله مع مراعاة الأخذ بالرخص والعزائم على حسب أحوال الناس.
[7] أنّ الإنسان لا بدّ أن تلحقه الفتن، ولو اعتزل الناس في صومعة: وأن الإساءة تبلغه ولو كان خير الناس، فجريج (كان في صومعته فتعرّضت له امرأة فكلّمته) وفي كتاب المظالم (قالت امرأة: لأفتننّ جريجاً) وهذا يفيد أن الشرّ إذا استشرى فإنه يلحق أهل الصوامع لانحسار الحق وانتشار الباطل (يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثُر الخبث)[11] وفي النص من الفائدة أن أهل الحق لا بدّ أن يصلحوا الناس ويعملوا على محاربة الباطل حتى لا تكسر صوامعهم بعد أن تُدك الحصون الأخرى كلها.(/2)
[8] أن اجتناب الكبائر مظِنّة لجبر ما يقع فيه المرء من اللمم : كما قال تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ونُدْخلكم مدخلاً كريماً) وقال (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللمم) فجريج لمّا اتقى الله (وتعرضت له امرأة فكلمته فأبى) (ولم يلتفت إليها) وقاه الله سيئات ما مكروا (ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله) وهذا يذكرنا بحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ ظله منهم (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)[12] وقد جاء أنّ هذه المومس راعية الغنم التي تأوي إلى صومعته) إنما هي بنت الملك تتنكر لإغوائه فالتعفف مظنة الرحمة والظل الظليل في حرّ الهواجر وكرب النوازل كما يبيّنه أيضاً حديث الثلاثة الذين حبستهم الصخرة.
[9] أنّ الانحراف وراء الشهوات يؤدي بالمرء إلى الانحراف والوقوع في هفوات عدّة, وانظر إلى المومس كيف جرّها كلامها جُريجاً إلى الزنا بغيره ثم إلى الكذب في القول واتهام الأبرياء وظلم الأولياء فكان عاقبتها الفضيحة والخسارة التامة. ولم يزل أهل العلم يقولون: إن الذنوب على القلب تتنادى والنكت على القلب تتوالى حتى يكون المصير وبالاً والعياذ بالله تعالى .
[10] أنّ من لم يوُطِّن نفسه على التّوقُّف والتّثبُّت وتمحيص الأخبار قد يؤسّس قواعد على شفا جُرُف هارٍ, فيظلم نفسه وغيره إذ يصيب قوماً بجهالة ولا يبلغ إلاّ الندامة. فهؤلاء القوم سارعوا إلى تصديق المومس, وما نظروا إلى عبادة الرجل وهي قرينة يتوقف عندها العقلاء, وتكون مدعاة للتبين والتثبت ولهذا قال تعالى (فتبينوا) وفي قراءة حمزة والكسائي (فتثبتوا). ولكن انظر إلى هؤلاء كيف صنعوا بهذا الرجل الصالح (أتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوُّه) ثم لما حصحص الحق ندموا على تسّرعهم.
[11] أنّ الجاهل يلحقه الطيش ولا يسلم غالباً من الفساد ولهذا قال لوط عليه السلام: (أليس منكم رجل رشيد) وقال تعالى:(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) فهؤلاء من قوم جريج لجهلهم وسفاهتهم ما قنعوا بإنزال جريج وسبّه حتى كسروا الصومعة. وكذلك فعل سفهاء الطائف بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكتفوا بالإصرار على الكفر وردِّ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حتى ضربوا النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه (ولا يفلح قوم أدموا وجه نبيهم).
[12] أنّ شأن الظالمين الجاهلين تحيّن الذرائع وانتظار خطأِ الدعاة إلى الله ليهبّوا إلى هدّ الصوامع وهدم الجوامع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات يذكر اسم الله فيها كثيرا) وليت شعري إنّ هذا الخُلق السيئ لم يزل شائعاً في واقع المسلمين الذين لبّس عليهم شياطين الإنس والجن فابتكروا (خطط تجفيف منابع التديُّن) وصاروا أشدّ من اليهود حرباً على المساجد وأيّ هدم للصوامع أكبر من منع مدارسة الكتاب والسنة فيهما (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
[13] أنّ العقول الخبيثة تحنّ إلى إشاعة الفواحش وإثارة التهم بين المطّهرين كالجمل الأجرب لا يهدأ باله حتى يُعدي الأصحاء. كما قال ربنا (يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا) وقال سبحانه (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) وقال تعالى (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)فهاهنا لم يتهم جريجاً بالفساد إلاّ المومس وهي أخس القوم.
[14] أن النفوس المريضة سريعة التصديق بوقوع الفواحش لشدّة اعتيادها ولأنها استمرأت الخبائث حتى غلبت على أسماعها وأبصارها وقلوبها. ولله در الشعر حيث قال:
على حين تجد أن المؤمن غافل القلب واللسان والسمع عن ذلك , كما قالت زينب (أحمي سمعي وبصري)[13] بل تجده يتعجب من وقوع الجرائم بحيث يقدِّم رجلا ويؤخر أخرى في تصديقها. وأما العلماء والصالحون النبلاء فلا يقبل فيهم صرفاً ولا عدلاً كما هو شأن أبي أيوب وزوجه في تبرئة عائشة كما حكاه القرآن بالثناء (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) وجاء اللوم والتوبيخ لمن صدّق عليهم إبليس ظنه وصدّقوا أن الصّدّيقة رضي الله عنها أم المؤمنين يقع ذلك منها, ومن سارع في نقل تلكم الأخبار الكاذبة (إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم)( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين) فهاهنا سارع قوم جريج إلى عابدهم فكسروا صومعته, وقد جاء في (مسند أحمد) كما أفاد ابن حجر (ذكر بنو إسرائيل عبادة جريج, فقالت بغيّ منهم إن شئتم لأفتننّه قالوا قد شئنا. فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها) وما زال الناس يكيدون للصالحين بالكذب والزور و يُتبعون التهمة بالتهمة (ومكر أولئك هو يبور).(/3)
[15] أنّ المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة كما أفاد ابن حجر رحمه الله تعالى. ورضي الله عن جُريج وخُبيب وسعيد بن جُبير حيث فوضوا أمرهم إلى الله كما قال يعقوب عليه السلام (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله) هذه الآية التي بكى عندها عمر كما أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب إذا بكى الإمام (وقال عبد الله بن شداد سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله) وقد وصله سعيد بن منصور كما قال الحافظ في الفتح [14].
[16] أنّ حسن التوكل على الله سلاح العبد الصالح (وما لنا ألاّ نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) قال ابن حجر: (فيه أنّ صاحب الصدق مع الله لا تضرّه الفتن,وفيه قوة يقين جريج المذكورة وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق, ولا صحّة رجائه بنطقه ما استنطقه)[15].
[17] أن المحرومين من ملكة النقد وميزان الاعتدال يظلّون في تخبّط وتخليط ومبالغة من النقيض إلى النقيض كما تراه ها هنا في موقف قوم جريج إذ تحوّلوا من إرغام أنف هذا العابد في الطين وكسر صومعته إلى طلبهم بناء الصومعة من ذهب.
[18] أن العباد الصالحين لا يعدلون بالتواضع شيئاً بل يرون الطين خيراً لهم من الذهب إذا جرّ عليهم الفتنة وذهاب الدين، ورحم الله جريجاً حيث قالوا له: ( نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا إلاّ من طين)، وما ازداد المرء علماً إلاّ ازداد تواضعاً كما قال التقي السبكي وهو شيخ دار حديث الأشرفية:
[19] أنّ المؤمن الفطن يؤسس عمله على التقوى وينأى به عن قرناء السّوء فهؤلاء أرادوا المشاركة في بناء الصومعة ليكون لهم بها سلطة على هذه المؤسسة العبادية وقدرة على هدمها من داخلها وهو ما عناه القرآن بقوله (وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) ورحم الله جُريجا فقد أدرك أنّ الصوامع لا تعمرها القلوب الفارغة (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) ولله درّه كيف حفظ أساس صومعته أن يُقوَّض، ومقصده العبادي أنْ يُحرَّف من قِبَل هؤلاء، لئلا يكون مع الذين (اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله) وصنيع جُريج في رفضه إشراك الأيدي المتنجّسة في بناء أساس صومعته يذكرنا بهدم النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار والنفاق كما جاء عن القرآن (لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحبّ المطّهرين. أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانٍ خيٌر أمّن أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين).
[20] أنّ المساجد والصوامع عند الجهلة إنما هي زخارف مُفرَغة من كل معاني التديّن وهي أشبه بالمتاحف. فهاهنا جاء قوم جريج يطلبون أن تُبْنى الصومعة المكسورة من ذهب, يظنّون أن بناءها من ذهب يجبر ما كُسر منها. كأنما يريدون أن يعوّضوه عمّا أوذي بالذهب. وهذه محنة المادّيين في كل زمان ومكان يحسبون دفع الذهب وتشييد المباني يُعيد الاعتبار لما ذهب من المعاني. وصدق الله العظيم حيث أشار إلى فراغ القلوب والجدران (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسنّدة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطّع قلوبهم والله عليم حكيم) ومن هنا ورد النهي عن زخرفة المساجد لئلا تُذْهِب الوقار والخشوع وتُفرغ المسجد من دواعي تذكّر الآخرة.
[21] أنّ أصحاب الشبهة إذا أعانوك على دينك فإنّ أقصى ما يلحقك منهم هو بعض الأموال كما يفيده هنا تعبير قوم جريج (نبني صومعتك من ذهب) وأما تحمُّل أعباء الدين والقيام بحق الرسالة فإليه وحده ولهذا نسبوا الصومعة إلى جريج (صومعتك) وأما البناء ودفع الذهب فنسبوه لأنفسهم فهذا شان من يعبد الله على حرف نسأل الله السلامة. وانظر داء بني إسرائيل من الاكتفاء بدفع المال وتضييع أمانة التكليف كيف تسرّب إلى أمتنا, فأصبح بناء المساجد مُغنياً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
[22] أنّ شكر الله تعالى يقتضي دوام العبودية ورعاية العهد مع الله والمبالغة في التخلّي عن القواطع كما قال جريج (لا إلاّ من طين) وقال صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة)[16]، ولم يزل الحكماء يخشون أن يقال لهم (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها).
[23] أنّ الاغترار بالظواهر والزخارف شان الجهلة, وأنّ المرء قد يدعو على نفسه وولده من حيث لا يدري. فهذه المرأة المرضع دعت على أبنها أن يكون جباراً من الجبابرة لانخداعها بهذا الرجل الراكب صاحب الشارة, حتى أنطق الله ولدها فنقض دعاء أمه (اللهم لا تجعلني مثله).(/4)
[24] أنّ الحق لا يدرك دائماً بقوة أهله وغلبتهم, بل يكون ذلك بحسب حالهم فقد تدور الدائرة – كما في زماننا – على أهل الحق فيكونون كهذه الأمَة يضربونها ويقولون (سرقتِ زنيتِ) ولم تفعل. وكم من مضروب هو خير من الضارب.
[25] أنّ العاقل البصير يؤثر رضى الله تعالى على رضى الناس, والسلامة عنده على السلامة عندهم ولذلك وفّق الله الغلام فقال (اجعلني مثلها) مع أنها مضروبة متهمة. ومطلب هذا الغلام أشبه بمطلب ولد المرأة التي تردّدت من أصحاب الأخدود فأمرها بالتقدُم وبشّرها بأنها على الحق كما ورد في صحيح مسلم.
وكأن في الحديث إشارة إلى أنّ الفاضل لا يسلم من التهمة. وهل سلم أحمد ومالك وأبو حنيفة فقهاء الأمّة؟ أم هل سلم أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبل؟؟ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله موسى لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)[17]. بل ما سلم من السفهاء ربّ العالمين سبحانه وتعالى فنسبوا له الصاحبة والولد. ففي هذا عزاء للمظلومين. , وقال خبيب كما في البخاري:
[26] أن الوجوه علامات على القلوب، وأدلة على الحال والمآل، كما قال تعالى (سيماهم في وجوههم من أثر السجود)، (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذٍ باسرة تظنّ أن يفعل بها فاقرة)، ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)، ولذلك كثيراً ما يوصف أهل العباد بحسن السمت والدّل، ويراد بذلك ما تورثهم الأعمال الصالحة من الأنوار لا سيما ساعات الأسحار فقول أم جريج: (حتى تريه وجوه المومسات) قول عالمة بأن الوجه يؤثر في الإنسان.
[27] أن النساء أشد الفتنة على العباد لا سيما المومسات اللاتي لا حياء لهنّ بل يدفعهن غرورهن حتى يصرِّحن بفتنة أهل العبادة، ولذلك تجد التنظيمات اليهودية كالماسونية وغيرها تدس سمومها في ضحاياها بالنساء.
[28] أن الظالمين وأهل الباطل لا يقصرون في نصرة باطلهم والتمكين لشرهم بكل الأساليب،ولو تأملت عبارة النبي صلى الله عليه وسلم :( فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه) لأدركت الإرهاب النفسي الذي يعتمد على التخويف والمباغتة والاجلاب بالخيل والرجل الذي تستنبطه عبارة (فأتوه) إلى جانب الأذى المادي الذي يُفهم من (فكسروا صومعته) وهذا هو شأن الظالمين في انتهاك الحرمات والاعتداء على حقوق الناس وملكياتهم، بالإضافة إلى الأذى البدني الذي يتفنن فيه زبانية الدنيا، تنكيلاً بدعاة الإسلام والذين هم علامة على انقضاء الدنيا، وقيام الحساب بين الناس (رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس) وهذا نفهمه من لفظة (فأنزلوه) وكم تدق أعناق، وترفس أجساد، وتضرب وجوه، طالما توجهت لله بالعبادة (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون) ، وأما الأذى اللفظي وعبارات الفجور وألفاظ البذاءة فهي قاموس الطغاة والمنافقون إذا خاصموا فجروا، وانظر إلى هؤلاء كيف لم يكتفوا بكل أنواع الأذى حتى التي سلطوها على هذا العابد حتى (سبّوه) .
[29] أن أساليب أهل الشر لا تقتصر على الترهيب فحسب، بل إنها قد تدخل على الداعية قوي الشكيمة، فتتسرب إليه من الاغراءات المادية، وهي مستعدة أن تغدق عليه الذهب حتى يتخلى عن دينه وصلى الله على نبينا محمد كيف كفّ أطماع المشركين في استمالته بأنه لا ينفعه مالهم ولا يضره كيدهم.
[30] إن منظومة الباطل وأخطبوط الشر لا يقبل أن يخالفه أحد أو يستقل عنه فرد شرذمة قليلون بل لا يرجون أن يبقى معهم على صعيد واحد رجل طاهر في ضميره (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) وهو ما يذكر المؤمن ويزرع في نفسه اليقين بقول الله (ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، والمعصوم من استمسك بالقرآن والسنة وسار على هدي السلف واستظل بمجالس العلماء ونأى بنفسه عن الفتن (ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم ).
نسأل الله السلامة في الدين والدنيا والآخرة.
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
----------
[1] راجع صحيح البخاري – كتاب المغازي – غزوة خيبر.
[2] كتاب الصلاة من البخاري.
[3] انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 79.
[4] متفق عليه
[5] البخاري في الصحيح في مناقب عثمان رضي الله عنه.
[6] البخاري في الصحيح في مناقب عثمان رضي الله عنه.
[7] البخاري في الصحيح في مناقب عثمان رضي الله عنه.
[8] رواه البخاري في كتاب التفسير- الأنفال- (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله).
[9] البخاري كتاب التفسير – سورة النور.
[10] فتح الباري 7: 155
[11] رواه البخاري باب الفتن.
[12] متفق عليه.
[13] رواه البخاري
[14] فتح الباري 2/441.
[15] فتح الباري 7/153.
[16] رواه البخاري.
[17] رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء.(/5)
قسوة القلوب
بسم الله والحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد فمازال الواحد منا يسمع بين الفينة والأخرى من يشكو قسوة قلبه ويبحث لها عن علاج بل لا يبالغ المرء إن قرر أن هذا المرض صار مستشريا في الناس إلا قليلا؛لذا تم اختيار هذا الموضوع للتعرف على أسباب الداء ومن ثم العلاج.
الأسباب:
الغفلة، وطول الأمل، وضعف (مراقبة الله عزوجل، واستشعار عظمته، وقوته، وجبروته، وانتقامه، ورحمته، ولطفه وفضله، وجوده، وكرمه )
ومن أسباب قسوة القلوب :
- عدم المحافظة على الصلاة مع الجماعة وعدم الإتيان إليها مبكرا.
- هجر القرآن وعدم قراءته بحضور قلب وخشوع وتدبر.
- الكسب الحرام من الربا والغش في البيع والشراء والرشوة ونحوذلك.
- الكبر والانتقام للنفس واحتقار الناس والاستهزاء بهم.
- الظلم.
-الحقد والغل.
-الحسد.
- الركون للدنيا والإغترار بها ونسيان الموت والقبر والدار الآخرة.
- النظر المحرم إلى النساء أوالمردان.
- عدم محاسبة النفس وطول الأمل.
- كثرة الكلام بغير ذكر الله عز وجل، كثرة الضحك والمزاح، كثرة الأكل، كثرة النوم.
- الغضب بلا سبب شرعي.
- الكذب والغيبة والنميمة.
- الجليس السوء.
- إضاعة الوقت بغير فائدة وعدم استغلاله في المفيد.
- الإعراض عن تعلم العلم الشرعي.
- إتيان الكهان والسحرة والمشعوذين.
- استعمال المخدرات والمسكرات
- عدم قراءة أذكار الصباح وأذكار المساء.
-ومشاهدة الأفلام الخليعة والمجلات الهابطة.,والمسلسلات الشائنة
- عدم الاهتمام بأمر الدعاء.
علاج قسوة القلوب
أولا علاج الأمراض السابقة والتخلق بأضداده ابشكل عام ثم يكون للانسان منهاج مرسوم يسير عليه يقرره على نفسه ويحاسبها عليه وهم مستنبط من الكتاب والسنة,وهذه بعض الارشادات:
- تعلم العلم الشرعي من القرآن والسنة.
- المواظبة على قراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع وحضور قلب مع قراءة تفسير القرآن.
- قراءة سيرة الرسول _صلى الله عليه وسلم _وأصحابه.
- الصدقة (الحرص على صدقة السر).
- العطف على الفقراء والمساكين والأرامل والمسح على رأس اليتيم.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- بر الوالدين والإحسان إليهما.
- صلة الأرحام.
- زيارة المرضى وتخفيف آلامهم ومواساتهم.
- زيارة مغاسل الموتى (حضور تغسيل الأموات إذا تيسر ذلك).
- زيارة المقابر (للرجال فقط).
- الإكثار من ذكر الله نعالى.
- قيام الليل والحرص على ذلك.
- التواضع وحسن الخلق.
- التبكير للصلاة في المسجد.
- إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
- محاسبة النفس.
- صفاء النفوس.
- أداء النوافل.
- الجليس الصالح (مجالس الصالحين.
- الحرص على التزود من الدنيا بالعمل الصالح.
- الزهد بالدنيا، والإعراض عنها، وأخذ الكفاية من متاعها.
- تذكر يوم القدوم والعرض على الله يوم القيامة للحساب.
- حب الخير للغير.
- عدم الانتقام للنفس، والعفوعن من ظلمك.
- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام (مكاتب الجاليات.
- حفظ الجوارح مما يغضب الله.
- الكسب الحلال.
- سقي الماء.
- الإسهام قدر المستطاع في بناء المساجد.
- زيتارة البيت الحرام لأداء العمرة مع الاستطاعة.
- الهدية (تهادوا تحابوا.
- الدعاء لإخوانك المسلمين بظهر الغيب.
- الرفق بالحيوان والإحسان إليه.
- المكث بالمسجد بعد الصلوات (وخصوصا بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس قدر رمح ثم صلاة ركعتين.
- زيارة المؤسسات الخيرية والاطلاع على أحوال المسلمين في العالم.
- تجهيز غاز في سبيل الله.
- إنظار المعسر أوالتجاوز عن شيء من دينه.
- صيام التطوع.
- إصلاح ذات البين.
- تذكر الجنة ونعيمها وقصورها وأنهارها وزوجاتها وغلمانها والحياة الأبدية التي لا موت فيها ولا تعب ولا نصب وأعظم من ذلك رؤية الله رب العالمين.
- تذكر النار وجحيمها وسعيرها وأغلالها وزقومها وأوديتها وعقاربها وحياتها وطول المكث فيها، ونعوذ بالله ونستجير بالله من عذاب جهنم.إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً[الفرقان:65-66]
- التحدث بنعم الله سبحانه وتعالى.
- مراقبة الله في السر والعلن.
- تذكر الموت وسكراته.
- تذكر القبر ووحشته وظلمته وسؤال الملكين.
- الدعاء والإلحاح على الله سبحانه وتعالى.وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر:60].
الحذر... الحذر من الاستمرار والتهاون بالذنوب
عن سهل بن سعد الساعديقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ} رواه أحمد، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان، وغيرهم، والحديث صحيح.
إعلم أخي المسلم.. أختي المسلمة..(/1)
أن الاستمرار على الذنوب والتهاون بها سبب رئيس في قسوة القلوب، ولربما لا يوفق العبد بحسن الخاتمة، والعمر فرصة واحدة ولن يتكرر واستفد من وجودك في هذه الحياة بعمل الصالحات والتزود منها، والتخلص من الذنوب والمعاصي، ولا تطل الأمل فقد يفاجئك الموت هذه الليلة على فراشك، فعلينا بالتوبة والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان وقبل حضور الأجل.
قال تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ }النساء:18].
لله أشد فرحا بتوبة عبده
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوكَذَلِكَ إِذَا هُوبِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ } [رواه مسلم ]
قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوالْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53.](/2)
قسم الولاء لتحصيل الجنسية
الكاتب: الشيخ د.سعيد بن ناصر الغامدي
السؤال
أنا مقيم في أمريكا وأريد أن أحصل على الجنسية الأمريكية؛ لأن المقيم يجد بعض المشاكل كوجوب البقاء في أمريكا ستة أشهر من كل سنة وغير ذلك، والجواز الأمريكي يساعدني على السفر إلى أغلب دول العالم، بخلاف الجواز الذي أحمله الآن.
المشكلة أنه من شرط الحصول على الجنسية أن أتلو أمام القاضي بيعة الولاء. وصيغنها كما يلي:
"إني أقسم أنني أتخلي عن أي ولاء لدولة أخرى أو حاكم آخر قد سبق لي أن أواليه، وأنني سأدافع عن دستور الولايات المتحدة الأمريكية وقوانيتها ضد جميع أعدائها الداخلية والخارجية، وأنني أوالي الولايات المتحدة الأمريكية، وأنني سأحمل السلاح للولايات المتحدة الأمريكية حينما يلزمني القانون بذلك، وأنني سأخدم الجيش الأمريكي فيما دون القتال حينما يلزمني القانون بذلك، وأنني سأقوم بالعمل المدني للوطن حينما يلزمني القانون بذلك وأنني أتحمل هذه المسؤولية طوعا دون تردد ومن غير نية الإعراض عنها، وعلى كل هذا أقسم بالله"
هل يجوز لي أن أحصل على الجنسية الأمريكية بهذا الشرط؟ هل هناك حيلة تساعدني؟ لم أجد في الإنترنت إلى الآن جواباً عن سؤالي.
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد:
هذه القضية من قضايا الولاء والبراءة، ولذلك لابد من بيان معنى الولاء وأقسامه وأحكام كل قسم، ثم يمكن بعد ذلك تطبيق سؤال السائل عليه:
الولاء: مصدر والى يوالي موالاة ، وهو المحبة والقرب والدنو والمناصرة، وهو ضد البراء والمعاداة ، وحقيقته إضمار المودة في القلب وإظهارها في الأقوال والأفعال محبة ونصرة وهو على أقسام :
الأول: الولاء لله ولدينه ولرسوله – صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين، فهذا من حقائق التوحيد والإيمان وهو واجب على كل مسلم .
الثاني: الموافقة والمناصرة والمعاونة والرضا بأفعال من يواليهم العبد، وهذه هي الموالاة العامة التي إذا صدرت من مسلم لكافر عدَّ صاحبها كافراً، ومن الموالاة العامة: الدفاع عن الكفار وإعانتهم بالمال والبدن والرأي ومحبة انتصارهم ، وهذا كفر صريح يخرج من الملة، ويسمى (التولي) وهو أخص من الموالاة ، وداخل ضمن مفهومها .
والتولي : مصدر تولّى أي اتخذه ولياً ، وهو بذل المحب لما يرضي المحبوب بذلاً تاماً ، والتولي أخص من الموالاة ، فكل تولٍ داخل في مفهوم الموالاة ، وليس كل موالاة داخلة في مفهوم التولي ، بل موالاة الكفار موالاة مطلقة عامة تعدُّ كفراً صريحاً .
وهذه الموالاة مرادفة لمعنى التولي وعلى ذلك تحمل الأدلة الواردة في النهي الشديد عن موالاة الكفار ، وأن من والاهم فقد كفر كما قال - تعالى -: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" [المائدة : 51] فالتولي يفيد معنى الاتخاذ والالتزام الكامل بمن يتولاه ، بخلاف الموالاة التي تدل على المحبة والمتابعة بدرجات متفاوتة ، وبين التولي والموالاة عموم وخصوص .
والتولي المأمور به أصل عظيم في دين الله كما قال تعالى: "ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" [المائدة :56] ويكون ذلك بحب الله - تعالى - وحب ما يحبه وبغض ما يبغضه، وحب رسوله – عليه الصلاة والسلام - وكتابه وحب دينه وأهل دينه ومناصرتهم ، وبغض أعداء دينه ومجاهدتهم.
الثالث : الموالاة الخاصة وهي المصانعة والمداهنة للكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد وعدم إضمار نية الكفر والردة عن الإسلام ، فهذه كبيرة من الكبائر ، وبين هذا القسم والذي قبله وهو التولي مراتب ، ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم بحسب نية الفاعل وقصده .
وفي القسم المذكور من أمور الولاية العامة أمور وهي: الالتزام بدستورها ونظامها وهو - بلا شك - كفري، ومنها حمل السلاح والقتال معها وهذا لايجوز،ويكون من أفعال الكفر إذا كان في قتال المسلمين، وهذا ما تفعله أمريكا اليوم في أفغانستان والفلبين وفعلته في الصومال، وقد تفعله غداً في العراق أو إيران أو غيرها من بلاد المسلمين .
وخير للمسلم أن يكون في إحدى بلاد المسلمين- ولو حصل له بعض الضيم والعنت- من البقاء في الغرب حيث الكفر والفساد واستبطان العداوة للمسلمين، والتخطيط لذلك واستيلاء اليهود ومتطرفي النصارى على زمام الأمور،لاسيما وقد تبين لكثير من الناس مقدار ضخامة الخدعة المسماة ( الديموقراطية) والعدل وحقوق الإنسان، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة.
وهناك حالة الاضطرار التي يكون فيها بعض المسلمين مطارداً أو ملاحقاً أو مضطهداً في بلده ويتوقع حصول الأذى الشديد عليه، وليست لديه القدرة على العيش في بلاد المسلمين، ولا القدرة على الهجرة إلى بلاد تؤويه من بلدان المسلمين، وليس أمامه سوى بلاد الكفار، فيجوز له في هذه الحالة، شريطة أن يكون مبغضاً للكفار يعتقد البراءة منهم، مع قيامه بالدين علماً وعملاً حسب المستطاع.(/1)
وأصل هذا الحكم الاستثنائي ما حصل للصحابة الكرام – رضي الله عنهم - حين هاجروا إلى الحبشة، وقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم مخرجاً" هذا لفظ ابن هشام في السيرة (2/164) والحديث في دلائل النبوة للأصبهاني (103) وتاريخ الطبري (1/546)، وتفسيره (9/249).
وعندما رجع – صلى الله عليه وسلم – من الطائف ومنعته قريش، طلب الحماية من بعض كفار مكة فأجاره المطعم بن عدي فدخل مكة واعتمر، وبهذه الحماية استطاع – صلى الله عليه وسلم – العيش في مكة آمنا، رواه ابن هشام (2/244)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (3/95) والاستيعاب لابن عبد البر (1/40) وقال في فتح الباري (7/324) أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل.
وقد استفاد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في مكة من حماية بني هاشم وبني المطلب وحماية عمه أبي طالب، رغم كفرهم وشركهم، وفي صحيح البخاري (2/804) قصة خروج أبي بكر – رضي الله عنه – متوجهاً إلى الحبشة فوصل إلى برك الغماد جنوب مكة فلقيه ابن الدغنة سيد القارة، فأعاده إلى مكة وأجاره وأدخله إلى مكة آمنا وبقي في جواره مدة.
وهذا الحال الاضطراري يدخل في عموم قوله – تعالى –: " من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً" [ النحل:106] قال ابن القيم مستدلاً بهذه الآية عند كلامه على تحريم الحيل (لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن بالتكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان) إعلام الموقعين (3/191) قال ابن حزم في المحلى(11/198):
(وقد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب فقد أبق عن الله - تعالى - وعن إمام المسلمين وجماعتهم ويبين هذا حديثه – صلى الله عليه وسلم – أنه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين فيما رواه الترمذي (1604) والنسائي(4780) وأبو داود(2645)من حديث جرير بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ وهو - عليه السلام - لا يبرأ إلا من كافر قال الله - تعالى - "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" [التوبة: 71] فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد، له أحكام المرتد كلها من وجوب قتله متى قدر عليه، ومن إباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك؛ لأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يبرأ من مسلم وأما من فرّ إلى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعان الكفار عليهم ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لا شيء عليه؛ لأنه مضطر مكره، وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب كان عازماً على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم؛ لأن الوليد بن يزيد كان قد نذر دمه إن قدر عليه وكان هو الوالي بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور).(/2)
قسمة المال على الورثة في الحياة!
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ...
التاريخ ... 09/01/1427هـ
السؤال
باعت والدتي -وهي ما زالت على قيد الحياة والحمد لله- قطعة أرض تملكها، وأرادت توزيع ثمنها على أولادها، للذكر مثل حظ الأنثيين، فما رأيكم بهذا التقسيم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا تصرف صاحب المال في ماله وقت حياته، كأن تصدّق به -كله أو بعضه-، أو وزَّعه على أولاده الذكور والإناث جاز له ذلك. وما دام حيًّا لا يلزمه أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وإن فعل جاز له ذلك.
وهذا كله إذا لم يكن له ورثة -بعد موته- غير الأولاد الذكور والإناث، أما إن كان له ورثة غيرهم، ووزع ماله على أولاده؛ لحرمان الآخرين بعد موته، ففعله –حينئذ- حرام لا يجوز.
وعليه أن يبقي شيئاً من ماله يوصي به لنفسه بعد موته ولورثته؛ لقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". صحيح البخاري (2742)، وصحيح مسلم (1628). والله أعلم.(/1)
قسمة الميراث على الورثة في حياة المورث
السؤال :
جرت العادة عندنا على حرمان الإناث من الميراث ، و إنني أخشى أن تُحرَم بناتي من بعدي من حقهن جرياً على العادة ، فهل يجوز لي أن أقسم مالي بين ورثتي قسمةً شرعيَّةً و أملك كلاً منهم نصيبه قبل وفاتي ، تبرئةً للذمة ، و ضماناً لحق الإناث من ورثتي ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
قضى أحكم الحاكمين أن المال الموروث يقسم بين الورثة بعد موت الوارث لا في حياته ، و لو لم يرد في ذلك إلا تسمية المال الموروث ميراثاً و تركةً لكفى دليلاً على أنَّ وقتها المحدد شرعاً يبدأ من وفاة المورِّث .
و إن أفتى بعض الأئمة و المحققين بجواز التعجيل في قسمة المال قبل وفاة المورث بين ورثته بحسب ما قضى الله تعالى به فإن ذلك لا يبرح أن يكون خلاف مذهب الجمهور ، و خلاف الأولى في أقل أحواله .
أما إن كانت الحال كما ورد في السؤال من خشية الافتئات على حكم الخالق و حقوق المخلوقين التي تجب مراعاتها على كل حال فثمة مندوحة للعدول عن مذهب الجمهور نزولاً عند مقتضى القاعدة الفقهية القائلة : إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما ، و ههنا يقال : إن مفسدة تفويت حق الإناث من الميراث أعظم ضرراً من مفسدة التعجيل في القسمة مع إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه .
و قد قال بجواز التعجيل بقسمة المال على قواعد المواريث قبل وفاة المورِّث إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله ، و اختار هذا القول بعض المتأخرين من محققي مذهبه .
ففي المغني ، لابن قدامة المقدسي رحمه الله [ 5 / 394 ] : ( قال أحمد : أحب أن لا يَقْسِم مالَهُ ، و يدعه على فرائض الله تعالى ؛ لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله ثم ولد له فأعجب إليَّ أن يرجع فيسويَ بينهم ؛ يعني : يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كلَّ واحدٍ منهم ، ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث ليساويَ إخوته ، فإن كان هذا الولد الحادث بعد الموت لم يكن له الرجوع على إخوته لأن العطية لزمت بموت أبيه ) .
و في الفروع ، لمحمد بن مفلح المقدسي الحنبلي رحمه الله [ 4 / 488 ] : ( ولا يُكره قَسْمُ حَيٍّ مالَه بين أولاده ، نقله الأكثر ... قال أحمد : أَعْجَبُ إليَّ أن يُسَوِّيَ ) .
و في دليل الطالب لمرعي بن يوسف الحنبلي [ 1 / 179 ] : ( يباح للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته في حال حياته ، و يعطي مَن حَدَث حِصَّتَه وُجوباً ، و يجب عليه التسويةُ بينهم على قدر إرثهم ) .
و في كفاية الطالب ، لأبي الحسن المالكي [ 2 / 340 ] : ( يُكره له أن يقسم ماله بين أولاده الذكور والإناث بالسوية ، أمَّا إذا قَسَمَه بينهم على قدر مواريثهم فذلك جائز ) .
و بناءً على ما سردنا من أقوال أهل العلم لا أرى محظوراً في أن يقسم المرء ماله بين ورثته في حال حياته ، خاصة إذا خشي وقوع الظلم على بعض الورثة بتأخير القسمة إلى ما بعد الوفاة .
و لكن على المسلم أن يتحرى حتى يستبريء لدينه و عِرضه فلا يَقْسم شيئاً من ماله قسمةَ توريثٍ ما دام صحيحاً يُنْجِب ، احتياطاً من أن ينجب ولداً بعد أن ينفد ما في يده من مالٍ بقسمته بين بقية الأبناء ، و إن حصل هذا المحذور فعليه أن يعيد القسمة لينصف الوليد الجديد ، فلا يلقى الله و في عنقه حق لذي حقٍّ إلا و قد أداه إليه .
هذا ، و الله أعلم و أحكم ، و ما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت و إليه أنيب .(/1)
قسوة القلوب أسبابها وعلاجها
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة
أخي وأختي في الله...
أحييكم بتحية أهل الجنة...
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد..
فإن من الابتلاءات التي بليت بها هذه الأمة ابتلاء عظيم ومرض عضال وداء فظيع ومصيبة كبرى ألا وهو:
قسوة القلوب
ففي هذه الرسالة نصيحة أرجو من الله الجواد الكريم أن ينفعنا بها جميعا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وفي البداية هذه الرسالة نتعرف جميعا على أسباب قسوة القلوب وكيفية علاجها.
الأسباب
الغفلة، وطول الأمل، وعدم مراقبة الله، واستشعار عظمته، وقوته، وجبروته، وانتقامه، ورحمته، ولطفه وفضله، وجوده، وكرمه.
ومن أسباب قسوة القلوب :
- عدم المحافظة على الصلاة مع الجماعة وعدم الإتيان إليها مبكرا.
- هجر القرآن وعدم قراءته بحضور قلب وخشوع وتدبر.
- الكسب الحرام من الربا والغش في البيع والشراء والرشوة ونحوذلك.
- الكبر والانتقام للنفس واحتقار الناس والاستهزاء بهم.
- الظلم.
- الركون للدنيا والإغترار بها ونسيان الموت والقبر والدار الآخرة.
- النظر المحرم إلى النساء أوالمردان.
- عدم محاسبة النفس وطول الأمل.
- كثرة الكلام بغير ذكر الله عز وجل، كثرة الضحك والمزاح، كثرة الأكل، كثرة النوم.
ومن أسباب قسوة القلوب :
- الغضب بلا سبب شرعي.
- السفر إلى بلاد الكفر للسياحة.
- الكذب والغيبة والنميمة.
- الجليس السوء.
- الحقد والحسد والبغضاء.
ومن أسباب قسوة القلوب :
- إضاعة الوقت بغير فائدة وعدم استغلاله في المفيد.
- الإعراض عن تعلم العلم الشرعي.
- إتيان الكهان والسحرة والمشعوذين.
- استعمال المخدرات والمسكرات والدخان والشيشة (النارجيلة) والمعسل.
- عدم قراءة أذكار الصباح وأذكار المساء.
- سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام الخليعة والمجلات الهابطة.
- عدم الاهتمام بأمر الدعاء.
أخي المسلم.. أختي المسلمة..
تعرفنا آنفا على أسباب قسوة القلوب أعاذنا الله منها، إذا لنبحث عن العلاج الذي نعالج به جميعا قلوبنا؛ لأن معرفة الداء أول طرق معرفة الدواء.. فلنتابع السير :
علاج قسوة القلوب
- تعلم العلم الشرعي من القرآن والسنة.
- المواظبة على قراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع وحضور قلب مع قراءة تفسير القرآن.
- قراءة سيرة الرسول وأصحابه.
- الصدقة (الحرص على صدقة السر).
- العطف على الفقراء والمساكين والأرامل والمسح على رأس اليتيم.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- بر الوالدين والإحسان إليهما.
- صلة الأرحام.
- زيارة المرضى وتخفيف آلامهم ومواساتهم.
- زيارة مغاسل الموتى (حضور تغسيل الأموات إذا تيسر ذلك).
- زيارة المقابر (للرجال فقط).
- الإكثار من ذكر الله نعالى.
- قيام الليل والحرص على ذلك.
- التواضع وحسن الخلق.
- التبكير للصلاة في المسجد.
- إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
- محاسبة النفس.
- صفاء النفوس.
- أداء النوافل.
- الجليس الصالح (مجالس الصالحين).
- الحرص على التزود من الدنيا بالعمل الصالح.
- الزهد بالدنيا، والإعراض عنها، وأخذ الكفاية من متاعها.
- تذكر يوم القدوم والعرض على الله يوم القيامة للحساب.
- حب الغير للغير.
- عدم الانتقام للنفس، والعفوعن من ظلمك.
- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام (مكاتب الجاليات).
- حفظ الجوارح مما يغضب الله.
- الكسب الحلال.
- سقي الماء.
- الإسهام قدر المستطاع في بناء المساجد.
- زيتارة البيت الحرام لأداء العمرة مع الاستطاعة.
- الهدية (تهادوا تحابوا).
- الدعاء لإخوانك المسلمين بظهر الغيب.
- الرفق بالحيوان والإحسان إليه.
- المكث بالمسجد بعد الصلوات (وخصوصا بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس قدر رمح ثم صلاة ركعتين).
- زيارة المؤسسات الخيرية والاطلاع على أحوال المسلمينفي العالم.
- تجهيز غاز في سبيل الله.
- إنظار المعسر أوالتجاوز عن شيء من دينه.
- صيام التطوع.
- إصلاح ذات البين.
- تذكر الجنة ونعيمها وقصورها وأنهارها وزوجاتها وغلمانها والحياة الأبدية التي لا موت فيها ولا تعب ولا نصب وأعظم من ذلك رؤية الله رب العالمين.
- تذكر النار وجحيمها وسعيرها وأغلالها وزقومها وأوديتها وعقاربها وحياتها وطول المكث فيها، ونعوذ بالله ونستجير بالله من عذاب جهنم. إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66].
- التحدث بنعم الله سبحانه وتعالى.
- مراقبة الله في السر والعلن.
- تذكر الموت وسكراته.
- تذكر القبر ووحشته وظلمته وسؤال الملكين.
- الدعاء والإلحاح على الله سبحانه وتعالى. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
الحذر... الحذر من الاستمرار والتهاون بالذنوب(/1)
عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله : { إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ} رواه أحمد، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان، وغيرهم، والحديث صحيح.
إعلم أخي المسلم.. أختي المسلمة..
أن الاستمرار على الذنوب والتهاون بها سبب رئيس في قسوة القلوب، ولربما لا يوفق العبد بحسن الخاتمة، والعمر فرصة واحدة ولن يتكرر واستفد من وجودك في هذه الحياة بعمل الصالحات والتزود منها، والتخلص من الذنوب والمعاصي، ولا تطل الأمل فقد يفاجئك الموت هذه الليلة على فراشك، فعلينا بالتوبة والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان وقبل حضور الأجل.
قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18].
لله أشد فرحا بتوبة عبده
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : { لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوكَذَلِكَ إِذَا هُوبِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ } [رواه مسلم]
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوالْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
أخي.. وأختي في الله...
ننصحكم باستماع إذاعة القرآن الكريم وخصوصا برنامج "نور على الدرب" و"سؤال على الهاتف".
وفقنا الله للصالحات والتوبة النصوح قبل الممات ورزقنا خشيته في السر والعلن، ونعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا ترفع، ونعوذ بالله من هؤلاء الأرع وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(/2)
قسوة القلوب
ففي هذه الرسالة نصيحة أرجو من الله الجواد الكريم أن ينفعنا بها جميعا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وفي البداية هذه الرسالة نتعرف جميعا على أسباب قسوة القلوب وكيفية علاجها.
الأسباب
الغفلة، وطول الأمل، وعدم مراقبة الله، واستشعار عظمته، وقوته، وجبروته، وانتقامه، ورحمته، ولطفه وفضله، وجوده، وكرمه.
ومن أسباب قسوة القلوب:
- عدم المحافظة على الصلاة مع الجماعة وعدم الإتيان إليها مبكرا.
- هجر القرآن وعدم قراءته بحضور قلب وخشوع وتدبر.
- الكسب الحرام من الربا والغش في البيع والشراء والرشوة ونحوذلك.
- الكبر والانتقام للنفس واحتقار الناس والاستهزاء بهم.
- الظلم.
- الركون للدنيا والإغترار بها ونسيان الموت والقبر والدار الآخرة.
- النظر المحرم إلى النساء أوالمردان.
- عدم محاسبة النفس وطول الأمل.
- كثرة الكلام بغير ذكر الله عز وجل، كثرة الضحك والمزاح، كثرة الأكل، كثرة النوم.
- الغضب بلا سبب شرعي.
- السفر إلى بلاد الكفر للسياحة.
- الكذب والغيبة والنميمة.
- الجليس السوء.
- الحقد والحسد والبغضاء.
- إضاعة الوقت بغير فائدة وعدم استغلاله في المفيد.
- الإعراض عن تعلم العلم الشرعي.
- إتيان الكهان والسحرة والمشعوذين.
- استعمال المخدرات والمسكرات والدخان والشيشة (النارجيلة) والمعسل.
- عدم قراءة أذكار الصباح وأذكار المساء.
- سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام الخليعة والمجلات الهابطة.
- عدم الاهتمام بأمر الدعاء.
أخي المسلم.. أختي المسلمة..
تعرفنا آنفا على أسباب قسوة القلوب أعاذنا الله منها، إذا لنبحث عن العلاج الذي نعالج به جميعا قلوبنا؛ لأن معرفة الداء أول طرق معرفة الدواء.. فلنتابع السير :
علاج قسوة القلوب
- تعلم العلم الشرعي من القرآن والسنة.
- المواظبة على قراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع وحضور قلب مع قراءة تفسير القرآن.
- قراءة سيرة الرسول وأصحابه.
- الصدقة (الحرص على صدقة السر).
- العطف على الفقراء والمساكين والأرامل والمسح على رأس اليتيم.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- بر الوالدين والإحسان إليهما.
- صلة الأرحام.
- زيارة المرضى وتخفيف آلامهم ومواساتهم.
- زيارة مغاسل الموتى (حضور تغسيل الأموات إذا تيسر ذلك).
- زيارة المقابر (للرجال فقط).
- الإكثار من ذكر الله نعالى.
- قيام الليل والحرص على ذلك.
- التواضع وحسن الخلق.
- التبكير للصلاة في المسجد.
- إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
- محاسبة النفس.
- صفاء النفوس.
- أداء النوافل.
- الجليس الصالح (مجالس الصالحين).
- الحرص على التزود من الدنيا بالعمل الصالح.
- الزهد بالدنيا، والإعراض عنها، وأخذ الكفاية من متاعها.
- تذكر يوم القدوم والعرض على الله يوم القيامة للحساب.
- حب الغير للغير.
- عدم الانتقام للنفس، والعفوعن من ظلمك.
- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام (مكاتب الجاليات).
- حفظ الجوارح مما يغضب الله.
- الكسب الحلال.
- سقي الماء.
- الإسهام قدر المستطاع في بناء المساجد.
- زيارة البيت الحرام لأداء العمرة مع الاستطاعة.
- الهدية (تهادوا تحابوا).
- الدعاء لإخوانك المسلمين بظهر الغيب.
- الرفق بالحيوان والإحسان إليه.
- المكث بالمسجد بعد الصلوات (وخصوصا بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس قدر رمح ثم صلاة ركعتين).
- زيارة المؤسسات الخيرية والاطلاع على أحوال المسلمينفي العالم.
- تجهيز غاز في سبيل الله.
- إنظار المعسر أوالتجاوز عن شيء من دينه.
- صيام التطوع.
- إصلاح ذات البين.
- تذكر الجنة ونعيمها وقصورها وأنهارها وزوجاتها وغلمانها والحياة الأبدية التي لا موت فيها ولا تعب ولا نصب وأعظم من ذلك رؤية الله رب العالمين.
- تذكر النار وجحيمها وسعيرها وأغلالها وزقومها وأوديتها وعقاربها وحياتها وطول المكث فيها، ونعوذ بالله ونستجير بالله من عذاب جهنم. إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66].
- التحدث بنعم الله سبحانه وتعالى.
- مراقبة الله في السر والعلن.
- تذكر الموت وسكراته.
- تذكر القبر ووحشته وظلمته وسؤال الملكين.
- الدعاء والإلحاح على الله سبحانه وتعالى. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
الحذر... الحذر من الاستمرار والتهاون بالذنوب
عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله : { إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ} رواه أحمد، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان، وغيرهم، والحديث صحيح.
إعلم أخي المسلم.. أختي المسلمة..(/1)
أن الاستمرار على الذنوب والتهاون بها سبب رئيس في قسوة القلوب، ولربما لا يوفق العبد بحسن الخاتمة، والعمر فرصة واحدة ولن يتكرر واستفد من وجودك في هذه الحياة بعمل الصالحات والتزود منها، والتخلص من الذنوب والمعاصي، ولا تطل الأمل فقد يفاجئك الموت هذه الليلة على فراشك، فعلينا بالتوبة والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان وقبل حضور الأجل.
قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18].
لله أشد فرحاً بتوبة عبده
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : { لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوكَذَلِكَ إِذَا هُوبِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ } [رواه مسلم].
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوالْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
وفقنا الله للصالحات والتوبة النصوح قبل الممات ورزقنا خشيته في السر والعلن، ونعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا ترفع، ونعوذ بالله من هؤلاء الأربع وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(/2)
قسْمي فيما أملك
الكاتب: الأستاذ محمد أحمد الوزير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد .
فقد تكلم شيخنا العلامة / محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله ، عن حديث عائشة الآتي فذكرت له أن هذا الحديث من الأحاديث الضعيفة التي ضعفها الألباني ، فطلب مني البيان والبحث ، فقمت بتخريجه على التالي فأقول :
متن الحديث :
عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يعدل في القسْم بين نسائه، وكان يقول:
"اللّهم هذا قسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك" - يعني زيادة المحبة - .
تخريج الحديث :
أخرجه أصحاب السنن الأربع(1) الكل من طريق : حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد اللّه بن يزيد عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقسم فيعدل، ويقول: "اللّهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" - يعني القلب –
وأخرج الحديث : إسحاق بن راهويه، والبزار في "مسانيدهم"، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك"، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه،
العلة التي في الحديث :
قال الترمذي بعد تخريجه له : هكذا رواه حماد بن سلمة عن أيوب، ورواه حماد بن زيد، وغير واحد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً، وهو أصح من حديث حماد بن سلمة، انتهى.
وقال الدارقطني في "كتاب العلل": وقد رواه عبد الوهاب الثقفي، وابن علية عن أيوب عن أبي قلابة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان.... الحديث، والمرسل أقرب إلى الصواب، انتهى كلامه.
وقال ابن أبي حاتم في "كتاب العلل" (2): قال أبو زرعة: لا أعلم أحداً تابع حماد بن سلمة على هذا، ورواه ابن علية عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي مرسلاً(2) .
قال الأمير في سبل السلام :
قال أبو زرعة: لا أعلم أحداً تابع حماد بن سلمة على وصله لكن صححه ابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة موصولاً.
والذي رواه مرسلاً هو حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عائشة.
قال الترمذي: المرسل أصح. قلت: بعد تصحيح ابن حبان الوصل فقد تعاضد الموصل والمرسل.
الحكم على الحديث :
والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير ، وفي الإرواء 7/ 82 رقم 2018 ،وذلك لأن حماد بن سلمة انفرد بوصله عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة ، وقد خالفه غير واحد من الحفاظ ،فرووه عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وهم :
1ـ عبد الوهاب الثقفي .
2ـ حماد بن زيد .
3ـ إسماعيل بن إبراهيم بن علية .
وهم بلا شك أوثق من حماد بن سلمة وأكثر عددا ، مع أن حماد بن سلمة متكلم فيه ولذا لم يخرج له البخاري في صحيحه أبدا لا في الأصول ولا في الشواهد ولا في المتابعات ، ، وإن لم يكن هذا هو الشاذ ، الذي هو مخالفة الثقة من هو أوثق منه فليس في الدنيا شاذ ، وليتأمل هذا ولذا فإنك ترى جمهور المحققين من أئمة الحديث رجحوا الإرسال ، منهم :
1ـ الإمام أبو زرعة .
2ـ والإمام ابن أبي حاتم في العلل .
3ـ والإمام النسائي .
4ـ والإمام الدار قطني في العلل .
5ـ والإمام الألباني .
وهم لا شك أعلم بالحديث وعلله ، فهم أساطين الحديث ، وأربابه وأعلم الناس به ، والناظر المتأمل في أسانيد الحديث ، ولديه العلم بقواعده وأصوله يظهر له بجلاء أن القول الراجح هو القول أن الحديث مرسل ، وعلي ذلك يكون ضعيفا ، ولا يقال إن الحديث من زيادة الثقة ، لأن ذلك إنما يكون عندما يكون الزائد بالوصل من الأئمة الثقات الأثبات ، الذي يحتمل منه التفرد بالزيادة كالزهري وشعبة وأضرابه أو يكون هناك متابع لمن انفرد أما إذا كان المنفرد ممن لا يحتمل تفرده كحماد بن سلمة وخالفه من هو أثبت منه وأحفظ فإن الصواب أن يكون التفرد من قسم الشاذ وأما قول الإمام محمد بن إسماعيل الأمير إن المرسل يعضد الموصول فكلام عجيب من مثله رحمه الله ، لأن الحديث المرسل إنما يكون عاضدا للموصول عندما يكون من طريق أخرى أما إذا كانت طريق الإرسال هي نفس طريق الوصل فإنه يكون علة في الوصل لا عاضدا له ، ولأجل هذا رجح الأئمة المرسل في هذا الحديث فتأمل.
والكلام على ضعف الحديث لا ينافي معناه ، لأن العلماء أجمعوا على أن العدل بين الزوجات يكون في غير المحبة لأنه لا يملكها الإنسان ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وثابت من قواعد الشريعة المقررة أنه لا تكليف إلا بمقدور
والله أعلم .
000000000000
(1) تهذيب سنن أبي داود، الإصدار 1.05لابن القيموجدت في: 6 ـ كتاب النكاح. 695 ـ باب في القسم بين النساء.رقم: 2135 تحفة الأحوذي، الإصدار 1.03للمباركفوري *** وجدت في: 11 ـ كتاب النكاح . 778 ـ باب مَا جَاءَ في التّسْوِيَةِ بَيْنَ الضَرائِر . وجدت الكلمات في الحديث رقم1136.(/1)
حاشية السندي على النسائي، الإصدار 1.01للإمام السندي *** وجدت في: الجزء السابع. 37 ـ كتاب عشرة النساء. 1874 ـ باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض. وجدت الكلمات في الحديث رقم: 3943 .
سنن ابن ماجه. الإصدار 1,09للإمام ابن ماجه *** وجدت في: الجزء الأول. (47) باب القسمة بين النساء. وجدت الكلمات في الحديث رقم: 1971
مسند الإمام أحمد. الإصدار 2.02للإمام أحمد ابن حنبل *** وجدت في: المجلد السادس. حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.
(2) أنظر نصب الراية ـ للإمام الزيلعي .(/2)
... ...
... الدعاء
---
...
... ... ... ... ... ...
رَعَشاتٌ تَموجُ في شَفَتيّا
نحن بالله عزنا
دعاء في جوف الليل
دعاء وابتهال
...
... ...
... مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم
--- ...
... رسول الهدى النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ...
... ...
... ...
... إشراقة الإسلام : دعوته وجهاده
--- ...
... شوق الجهاد
دروب الجهاد
مع الهجير
ياأمة الحق - هدية الشعر
دعوة ونداء
رمضان أقبل
الراقصون على الدماء
فالزم سبيل الحق إنك غالب
اماه لا أرضى الهوان
ملأ الظالمون أرضك يا دار
لبيك ياالله
مواكب الشهداء
عزة الإيمان
طلعت كالربيع أنفاسها المسك جديد
هي النجاة أدركيها أو ذريها فاغرقي ! جديد
من عالم الغيب جديد
يا لهفةَ الأشواقِ للأشواقِ جديد
الشهيد جديد
محمّد الفاتح وفتح القسْطنْطينيَّة جديد
...
... ...
... الجزيرة العربية
--- ...
... الجزيرة العربية
مكة المكرمة والمدينة المنورة
اقبلي يا رياض جديد
...
... ...
... قضايا العالم الإسلامي
--- ...
... ...
... واقع المسلمين
تفرق المسلمين وتسلل المنافقين واستكبار المجرمين
فتنة الغرب وجرائمهم
المسلمون بين تقيٍّ صالح وضعيف منافق وبين عدوٍّ مجرم
عجباً أنستجدي الفتات ؟! وأين الجَنى ؟! ...
... فلسطين
--- ...
... ... الفجر الدامي
فلق الصباح
رسالة المسجد الأقصى الى المسلمين
القدس في خطر
درة الأقصى
يافدس
المسجد الاقصى
السهم الأخير - فتى يفجر نفسه
الطفولة والحجر
من قتل الطفولة
ملحمة الفنون الغنائية : وعلى طريق القدس
جنين
ملحمة فلسطين
فلسطين
طِفْلٌ مِنْ فلسطين
الحنين إلى الأقصى جديد
بين سجن (أبو غريب) ورفح جديد
...
... العراق
--- ...
... ... لَهْفي على بغداد
لَهْفي على بغداد (مختصرة)
هل عاد هولاكو وابن العلقمي !
يا " لَفَلُّوجَةِ " العراق ! جديد
بين سجن (أبو غريب) ورفح جديد
" الفلُّوجة" فجرٌ أطلّ جديد
...
... لبنان
--- ...
... ... قد كنت ناعمة
مجزرة قانا
...
... ...
... الجزائر
--- ...
... ... دم الجزائر فوار بساحتها
وانظر إلى أرض الجزائر هل ترى
...
... ...
... الشيشان
--- ...
... ... صرخة جروزني
قومي انظري الشيشان
...
... ...
... الشام
--- ...
... ... يا دار الشام
ريحانة الإسلام
...
... ...
... البوسنة والهرسك
--- ...
... ... تحية الى سراييفو
فجر في موستار
شوق ودماء في البوسنة والهرسك
...
... ...
... كوسوفا
--- ...
... ... كوسوفا
...
... ...
... أفغانستان
--- ...
... ... يا أرض كابول
طيوف الاعراس والأجواد
أفغانستان
الجريمة المروعة في خوست جديد
معركة " قندهار" جديد
ملحمة " تورا بورا " جديد
معركة مزار شريف وقلعة " جانجي " جديد
...
...
...
... ...
... كشمير
--- ...
... ... كشمير
...
... ...
... الهند
--- ...
... ... الهند تقاوم الإحتلال
نور الإسلام
المسجد البابري
زخرف وحقيقة
...
... الرثاء
--- ...
... أماه
أبتاه .. أين الفجر .. ! كم راقبته .. !
أبٌ يرْثي ابْنه
الشيخ أحمد ياسين ـ رحمه الله ـ جديد
جلال الموت رثاء الشيخ عبد الله عزام وولديه ـ رحمهم الله ـ جديد ...
... ...
... الوصف : مدن وأقطار ومعالم
--- ...
... الجمال
ياقدس
المسجد الأقصى
الطائف
أبها
لوحة من صفد
حيفا
الربيع في عكا
إستانبول
تاج محل
الهند وسحر جمالها
...
... ...
... الأدب الإسلامي
--- ...
... مهرجان القصيد
اللغة العربية - لغتي الجميلة
مواكب بدر
لآلئ الشعر - أوزان وقافية
...
... عبر وآيات
--- ...
... طوفان تسونامي جديد
... ... ... ... ...
...
... اجتماعيات
--- ...
... وفاء وغدر
حب ووفاء
صِدْقُ الوَفَاءِ ماكان لله من وُدٍّ ومن صِلةٍ جديد
... ... ... ... ...
...
... ...(/1)
قصة أصحاب الأخدود
قصة أصحاب الأخدود قصة عظيمة ، أشار الله عز وجل إليها في كتابه إشارة مختصرة - على طريقة القران في الإيجاز , وعدم الخوض في التفصيلات - ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل القصة وأحداثها في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان ملك فيمن كان قبلكم , وكان له ساحر , فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر , فبعث إليه غلاما يعلمه , فكان في طريقه إذا سلك راهب , فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه , فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه , فإذا أتى الساحر ضربه , فشكا ذلك إلى الراهب , فقال : إذا خشيتَ الساحر فقل : حبسني أهلي , وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر , فبينما هو كذلك , إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس , فقال : اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل , فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس , فرماها فقتلها , ومضى الناس , فأتى الراهب فأخبره , فقال له الراهب : أي بني , أنت اليوم أفضل مني , قد بلغ من أمرك ما أرى , وإنك ستبتلى , فإن ابتليت فلا تدل علي , وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص , ويداوي الناس من سائر الأدواء , فسمع جليس للملك كان قد عمي , فأتاه بهدايا كثيرة , فقال ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني , فقال إني لا أشفي أحدا , إنما يشفي الله , فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك , فآمن بالله , فشفاه الله , فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس , فقال له الملك : من رد عليك بصرك , قال : ربي , قال : ولك رب غيري , قال : ربي وربك الله , فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام , فجيء بالغلام , فقال له الملك : أي بني , قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص , وتفعل وتفعل , فقال : إني لا أشفي أحدا , إنما يشفي الله , فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب , فجيء بالراهب , فقيل له : ارجع عن دينك , فأبى , فدعا بالمئشار , فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه , ثم جيء بجليس الملك , فقيل له : ارجع عن دينك , فأبى , فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه , ثم جيء بالغلام , فقيل له : ارجع عن دينك , فأبى , فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا , فاصعدوا به الجبل , فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه , فذهبوا به فصعدوا به الجبل , فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت , فرجف بهم الجبل فسقطوا , وجاء يمشي إلى الملك , فقال له الملك : ما فعل أصحابك , قال : كفانيهم الله , فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر , فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه , فذهبوا به فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت , فانكفأت بهم السفينة فغرقوا , وجاء يمشي إلى الملك , فقال له الملك : ما فعل أصحابك , قال : كفانيهم الله , فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به , قال وما هو , قال : تجمع الناس في صعيد واحد , وتصلبني على جذع , ثم خذ سهما من كنانتي , ثم ضع السهم في كبد القوس , ثم قل : باسم الله رب الغلام , ثم ارمني , فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني , فجمع الناس في صعيد واحد , وصلبه على جذع , ثم أخذ سهما من كنانته , ثم وضع السهم في كبد القوس , ثم قال : باسم الله رب الغلام , ثم رماه , فوقع السهم في صُدْغِهِ , فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السهم فمات , فقال الناس : آمنا برب الغلام , آمنا برب الغلام , آمنا برب الغلام , فأُتِيَ الملكُ فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر , قد والله نزل بك حَذَرُكَ , قد آمن الناس , فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت , وأَضْرَمَ النيران , وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها , أو قيل له : اقتحم ففعلوا , حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها , فتقاعست أن تقع فيها , فقال لها الغلام : يا أُمَّهِ اصبري فإنك على الحق ) .(/1)
إنها قصة غلام نور الله بصيرته , وآتاه من الإيمان والثبات , والذكاء والفطنة , ما استطاع به أن يغير حال أمة بأكملها , وأن يزلزل عرش ذلك الطاغية المتجبر , الذي ادعى الألوهية من دون الله , فقد كان لهذا الملك ساحر يعتمد عليه في تثبيت ملكه , وإرهاب الناس لينصاعوا لأمره , فكبر سن هذا الساحر , وطلب من الملك أن يرسل له غلاما , ليرث علمه , ويخلفه في مهمته , وكان من إرادة الله الخير لهذا الغلام أن كان هو المرشح لهذه المهمة , وتعرف في أثناء ذهابه إلى الساحر وعودته من عنده على راهب مؤمن , دعاه إلى الإيمان والتوحيد فاستجاب له وآمن , ودله الراهب على ما يتخلص به من تأنيب الساحر وتأنيب أهله في حال تأخره عنهم , ثم أراد أن يزداد يقينا واطمئنانا بصحة ما دعاه إليه الراهب , فوجد الفرصة سانحة عندما اعترضت الدابة طريق الناس , ثم ذاع أمر الغلام واشتهر بين الناس , وأجرى الله على يديه الكرامات من شفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص , وكان يتخذ من ذلك فرصة لدعوة الناس إلى التوحيد والإيمان , حتى وصل خبره إلى الملك عن طريق جليسه الذي دعا له الغلام فشفاه الله , وشعر الملك من كلام الوزير ببوادر فتنة تهدد عرشه , عندما صرح بالألوهية والربوبية لغيره , فأراد أن يعرف أصل هذه الفتنة ومصدرها , فوصل إلى الغلام ثم إلى الراهب عن طريق التعذيب , وأراد أن يصدهم عن ما هم عليه , فأبوا واحتملوا العذاب والقتل على الكفر بالله , وأما الغلام فلم يقتله قتلا مباشرا كما فعل مع الوزير والراهب ,
بل استخدم معه طرقا متعددة لتخويفه وإرهابه , طمعا في أن يرجع عن ما هو عليه , ويستفيد منه في تثبيت دعائم ملكه , وفي كل مرة ينجيه الله , ويعود إلى الملك عودة المتحدي , وكان الناس يتابعون ما يفعله الغلام خطوة بخطوة , ويترقبون ما سيصل إليه أمره ، فلما يئس الملك من قتله أخبره الغلام أنه لن يستطيع ذلك إلا بطريقة واحدة يحددها الغلام نفسه , ولم يكن الغلام يطلب الموت أو الشهادة , بل كان يريد أن يؤمن الناس كلهم , وأن يثبت عجز الملك وضعفه, في مقابل قدرة الله وقوته ، فأخبره أنه لن يستطيع قتله إلا إذا جمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على خشبة ، ثم أخذ سهمًا - وليس أي سهم , بل سهمًا من كنانة الغلام - ثم رماه به قائلاً : بسم الله رب الغلام .
فقام الملك بتطبيق قول الغلام ، ومات الغلام , وتحقق للملك ما أراد , وآمن الناس كلهم , فجن جنون الملك , وحفر لهم الأخاديد , وأضرم فيها النيران , ورضي الناس بالتضحية في سبيل الله , على الرغم من أنه لم يمض على إيمانهم إلا ساعات قلائل بعد الذي عاينوه من دلائل الإيمان , وشواهد اليقين , وأنطق الله الرضيع عندما تقاعست أمه عن اقتحام النار , وكانت آية ثبت الله بها قلوب المؤمنين .
إن هذه القصة تبين لنا قاعدة مهمة من قواعد النصر ، وهي أن الانتصار الحقيقي هو انتصار المبادئ والثبات عليها ، وأن النصر ليس مقصوراً على الغلبة الظاهرة ، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة , فالحياة الدنيا وما فيها من المتاعب والآلام ، ليست هي الميزان ، الذي يوزن به الربح والخسارة , والناس جميعاً يموتون ، وتختلف الأسباب ، ولكنهم لا ينتصرون جميعاً هذا الانتصار .(/2)
قصة أصحاب الجنة ... ... ...
قال الله - تعالى -: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
وهذا مثل ضربه الله لكفار قريش، فيما أنعم به عليهم من إرسال الرسول العظيم الكريم إليهم، فقابلوه بالتكذيب والمخالفة، كما قال - تعالى -: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ قال ابن عباس: هم كفار قريش. فضرب - تعالى - لهم مثلا بأصحاب الجنة المشتملة على أنواع الزروع والثمار التي قد انتهت واستحقت أن تجد؛ وهو الصرام، ولهذا قال: إِذْ أَقْسَمُوا فيما بينهم ليصرمنها أي؛ ليجدنها، وهو الاستغلال مصبحين أي؛ وقت الصبح، حيث لا يراهم فقير ولا محتاج فيعطوه شيئا، فحلفوا على ذلك ولم يستثنوا في يمينهم، فعجزهم الله وسلط عليها الآفة التي أحرقتها؛ وهي السفعة التي اجتاحتها ولم تبق بها شيئا ينتفع به ولهذا قال فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ أي؛ كالليل الأسود المنصرم من الضياء وهذه معاملة بنقيض المقصود فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أي؛ فاستيقظوا من نومهم فنادى بعضهم بعضا قائلين: أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ أي؛ باكروا إلى بستانكم فاصرموه قبل أن يرتفع النهار ويكثر السؤال فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أي؛ يتحدثون فيما بينهم خفية قائلين: لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ أي؛ اتفقوا على هذا واشتوروا عليه وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ أي؛ انطلقوا مجدين في ذلك قادرين عليه مصممين مصرين على هذه النية الفاسدة. وقال عكرمة والشعبي: وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ أي؛ غضب على المساكين. وأبعد السدي في قوله؛ أن اسم حرثهم حرد فَلَمَّا رَأَوْهَا أي؛ وصلوا إليها، ونظروا ما حل بها، وما قد صارت إليه من الصفة المنكرة بعد تلك النضرة والحسن والبهجة، فانقلبت بسبب النية الفاسدة، فعند ذلك قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ أي؛ قد تهنا عنها وسلكنا غير طريقها. ثم قالوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي؛ بل عوقبنا بسبب سوء قصدنا، وحرمنا بركة حرثنا قَالَ أَوْسَطُهُمْ قال ابن عباس ومجاهد، وغير واحد: هو أعدلهم وخيرهم. أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قيل: تستثنون. قاله مجاهد والسدي وابن جريج. وقيل: تقولون خيرا بدل ما قلتم من الشر قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ فندموا حيث لا ينفع الندم واعترفوا بالذنب بعد العقوبة، وذلك حيث لا ينجع، وقد قيل: إن هؤلاء كانوا إخوة وقد ورثوا هذه الجنة عن أبيهم، وكان يتصدق منها كثيرا فلما صار أمرها إليهم استهجنوا أمر أبيهم، وأرادوا استغلالها من غير أن يعطوا الفقراء شيئا فعاقبهم الله أشد العقوبة؛ ولهذا أمر الله - تعالى - بالصدقة من الثمار وحث على ذلك يوم الجداد، كما قال - تعالى -: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ثم قيل: كانوا من أهل اليمن من قرية يقال لها: ضروان. وقيل: من أهل الحبشة. والله أعلم. قال الله - تعالى -: كَذَلِكَ الْعَذَابُ أي؛ هكذا نعذب من خالف أمرنا، ولم يعطف على المحاويج من خلقنا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ أي؛ أعظم وأطم من عذاب الدنيا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.(/1)
وقصة هؤلاء شبيه بقوله - تعالى -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ قيل: هذا مثل مضروب لأهل مكة.وقيل: هم أهل مكة أنفسهم، ضربهم مثلا لأنفسهم.ولا ينافي ذلك، والله - سبحانه وتعالى- أعلم. ... ...
... ...(/2)
قصة أصحاب السبت
تأليف: د. ياسر برهامي
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه القصة العظيمة التي وردت في عدة مواضع من القرآن، وجعلها الله عز وجل موعظة للمتقين، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة:65، 66]، فكل من اتقى الله عز وجل وعلم هذه القصة، فهو ينتفع بها ويتعظ، ويعلم أهميتها في حياة المسلمين عموماً وخصوصاً.
هذه القصة وإن وقعت لأمة غير أمتنا فقد وقعت في جماعة من بني إسرائيل وإن لم يكن زمنها هو زمننا، إلا أننا نتعلم من قصص القرآن دائما كما ذكر الله عز وجل أنه عبرة لأصحاب العقول (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، فلا بد أن نتعلم، ونستفيد، ونطبق هذه القصص علي واقعنا وعلي حياتنا، وليس فقط أن نجعلها مجرد حكاية للتسلية.
فالله عز وجل ليس بينه وبين خلقه نسب، بمعني أكان لأن من فعل مثلما فعل الأولون استحق مثل جزائهم فمن اتقي الله سبحانه وتعالي نال جزاء المتقين السابقين، ومن أعرض عن ذكر الله سبحانه وتعالي وترك ما أمره الله عز وجل به أو كفر أو فسق أو ابتدع، أو عصي الله عز وجل نال جزاء السابقين له الفاعلين ذلك.
ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستفيدون أعظم الاستفادة من قصص القرآن وخطابه عن السابقين، ولا يمنعهم أن نزول الآيات كان لأقوام غيرهم من أن يحذروا الشر الذي ذموا به وأن يقتدوا بالخير الذي مدحوا.
فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتورع عن كثير من طيبات المآكل والمشارب ويتنزه عنها ويقول إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم و وبخهم وقرعهم (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [الأحقاف:21] مع أن الآية بلا إشكال في الكفار كما ينص على ذلك أولها (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ..)، ولكن الفهم العميق للصحابة رضي الله عنهم دلهم على أن الذم للكفار كان على أعمال وصفات معينة فمن شاركهم في بعضها استحق بعض جزائهم وغن لم يكن كافراً مثلهم.
وهذا حذيفة رضي الله عنه يسأل عن قول الله عز وجل: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] قالوا نزلت في بني إسرائيل؟ فقال متهكماً على من يريد تخصيصها بسب نزولها: "نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل أن تكون لكم كل حلوة ولهم كل مرة"، مع أن سياق الآيات وسبب نزولها في شأن اليهوديين الذين زنيا، وكذا قال الحسن رحمه الله: "نزلت في أهل الكتاب وهي لنا واجبة"، وكذا النخعي: "نزلت فيهم ورضيها الله لهذه الأمة"، فهذه أسباب عظيمة من أبواب الفهم في القرآن تميز به السلف رضوان الله عليهم وحرمه الكثيرون الذين قصروا أنفسهم على الانتفاع بما خوطبت به الأمة الإسلامية مدحاً أو ذماً أمراً أو نهياً فغاب عنهم خير عظيم لا يقدره.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في فوائد قصة ذات أنواط في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف: 138] لتتبعن سنن من كان قبلكم".
قال في فوائده أن ما ذم الله به اليهود والنصارى فهو لنا أي نحن مخاطبون به ومن فعله منا كان مذموماً مثلهم.
ذلك أن كثيراً من الناس قد يظن ما ذكره الله عن الماضيين أنه ليس لنا ويقول: وما لنا ولهؤلاء؟ وهذا باطل فإن أسلوب الصحابة رضي الله عنهم في القرآن وتطبيقه لم يكن أبداً كذلك فإنهم كانوا يرون أن ما خوطب به السابقون خطاب لنا كذلك ألم يتعلموا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له بعض الناس أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال: فمن".(/1)
فإذا علمنا أن هذه الأمة فيها من يتبع سنن السابقين علمنا أنه لابد أن نحذر من كل منكر قص الله علينا أن السابقين فعلوه لأنه سيوجد مسخ في هذه الأمة أمة الإسلام علمنا مدى الخطر الذي يتهدد من لا يفهم القرآن الفهم السوي الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ فإذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمور".
ويزداد الأمر خطورة في حق من يخشى عليهم اتباع سنن بني إسرائيل وذلك يزداد في آخر الزمان وسوف يوجد في الأمة من يقلد بني إسرائيل والنصارى حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحذر من مشابهة ما فعلته هذه الفئة من عصاة وغواة بني إسرائيل واجب وها نحن نرى كما سنبين إن شاء الله كيف انتشرت الحيل في الأمة الإسلامية مضاهاة لأهل الكتاب خصوصاً عند من يرى إن المسلمين لن يتقدموا إلا بمشابهتهم ومتابعتهم والعياذ بالله.
فمن هنا كان لابد ان نطبق ما نسمعه من قصص القرآن على واقعنا وحياتنا.
والأمر أن نعلم طبيعة الأمة التي ستظل المواجهة بيننا وبينها قائمة إلى قرب قيام الساعة، فإذا علمنا حقيقة هؤلاء ،وعلمنا صفاتهم التي بينها الله عز وجل في القرآن، وفضحهم بها،لم يغرنا غار أو مغرور، ويظن أنه يمكن أن تنطلي علي المسلمين دعاوى المحبة والسلام والوئام والصداقة بين المسلمين وبين أعداء الإسلام من اليهود خصوصا" وممن شابههم من النصارى كذلك .
فالمسلمون يعلمون أن عداوتهم مع اليهود لا تنتهي إلا بقتالهم ، كما أخبر النبي صلي الله عليه و سلم فقال :"لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون واليهود ، فيقتل المسلمون اليهود ، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر و الشجر، فينطق الله الحجر والشجر، فيقول: " يا مسلم ،هذا يهودي ورائي، فتعال فاقتله، إلا الغر قد فإنه من شجر اليهود.
و النبي صلي الله عليه و سلم أخبر أن أكبر الفتن و أعظم أمر ما بين أدم إلي قيام الساعة هو الدجال ، وهو منسوب أيضا إلي اليهود .فقد قال صلي الله عليه و سلم: "ما بين أدم إلي قيام الساعة أمر أكبر من الدجال" وثبت أن النبي صلي الله عليه و سلم أخبر أن الدجال يهودي .وقال عليه الصلاة و السلام :" يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ." وهذا يدل علي أن الدجال هو ملك اليهود المنتظر الذي ينتظرونه لفرض سلطانهم علي العالم كله فيما يظنون ، وأن هلاكهم يكون مع هلاكه أو بعده مباشرة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، وإماما مقسطا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية.
وأن عيسي عليه السلام يقتل المسيح الدجال بحربته وذلك بباب لد قرب بيت المقدس.
فالظاهر أن ملحمة قتل اليهود تكون بعد قتل الدجال ملكهم علي يد عيسي عليه السلام وقد سبقت ملحمة قتال النصارى من الروم (الأوربيين) قبل ظهور الدجال بالشام و بعدها تفتح القسطنطينية فتحا ثانيا كما أتت بذلك الأحاديث الصحيحة .
فإذا علمنا صفات هؤلاء القوم حذرنا علي أنفسنا منها ، وكذلك علمنا خطرهم ، وعلمنا حقيقتهم ، فلا يمكن أبدا أن نصدق في يوم من الأيام من يدعي صداقتهم ،ومن يريد موالاتهم ، والدوران في فلكهم ، ونعلم بذلك أن من أحبهم وودهم وسا في فلكهم، وحسب مخططاتهم فإنه منافق عدو للإسلام وإن صلي وصام وزعم أنه مسلم.
هذه القصة الكريمة ذكرها الله سبحانه وتعالي في مواضع كما ذكرنا، وتكررت، إلا أن أكثر المواضع تفصيلاً كان في سورة الأعراف، وحول آياتها يكون موضوعنا إن شاء الله.
(2)
قال تعالي : {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (163- 167) سورة الأعراف"? .(/2)
يأمر الله عز وجل نبيه صلي الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل عن هذه القرية ، وهذا سؤال توبيخ في الحقيقة ، لأن أولئك الذين عاصروا النبي صلي الله عليه وسلم شابهوا هؤلاء الذين جعلهم الله قردة خاسئين ، فلذلك أمر بالسؤال عن شي يكتمونه مما جرى لأسلافهم وهم شابهوهم فيه ، وساروا علي نهجهم .
لذا نجد أن خاتمة القصة ذكر الله عز وجل فيها أنه يبعث عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ، فمن المقصودون بعد هلاك المقصودون هم من كانوا علي شاكلتهم من بقية اليهود ، فهذا تأكد علي الارتباط بين الماضي والحاضر كما ذكرنا .
فهذه القصة توبيخ لبني إسرائيل في عهد النبي صلي الله عليه وسلم لأنهم يفعلون مثل ما فعل أولئك من التحايل علي أمر الله وعدم الالتزام بشرعه قوله تعالي :?واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر?
أي علي ساحل البحر ،ما اسم القرية ؟ وما اسم البحر ؟ ومن كان رئيسها ؟ كل هذا لم يذكره القرآن ، مع أن كثيرا من الناس يبحثون في ذلك أثر البحث وذلك لأنهم لم يفقهوا جيدا طريقة القرأن إذ لا فائدة من الأسماء كثيرا ولا فائدة من الأماكن كثيرا، ولا في أي الأزمنة بالضبط ، لا يعود علينا كبير فائدة من هذا ، وربما لا فائدة علي الإطلاق .
فما العظة في أن نعرف : هل هذه القرية أيلة أم مدين أم منتنا -كما يقولون- بين مدين و عينونة أو غير ذلك ؟ ولذا لم يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم تحديد شيء من ذلك ، وإنما نقل ما نقل من ذلك عن أهل الكتاب ، المهم أنها كانت قرية علي ساحل بحر ، وكان عملهم صيد السمك .
والاختصار في الكلام القرآني بليغ غاية البلاغة ، فقد أوضح كل الأمور من غير إخلال علي الاطلاق بأي من المعاني المطلوبة .
قال سبحانه وتعالي:?إذ يعدون? أي : حين يعدون، و المعني و اسألهم عن القرية حين عدت في السبت، ما كان شأنها ؟
ذلك أن الله عز وجل حرم علي اليهود العمل في يوم السبت ،وقد كان هذا نوعا من الأصار والأغلال التي كانت عليهم ، والتي جعلها الله بسبب اختلافهم ، فإن اليوم الذي أمروا بتعظيمه -أصلا- هو يوم الجمعة ، لأنه أعظم الأيام عند الله سبحانه وتعالي فاختلفوا علي نبيهم ، ولم يطيعوه في أول الأمر عندما بلغهم ، فصرفهم الله عن يوم الجمعة، و جعلهم يعظمون يوم السبت حرمانا لهم يوم الجمعة . قال تعالي :?إنما جعل السبت علي الذين اختلفوا فيه ? .
وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم، فاختلفوا، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له، قال:يوم الجمعة، فاليوم لنا وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى" ولفظ البخاري "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة،بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصارى بعد غد"
يقصد صلي الله عليه وسلم أن يوم الجمعة كان اليوم المعظم ولكنهم صرفوا عنه وجعل الله عز وجل عليهم من الأغلال الأصار تحريم العمل يوم السبت، فلا يجوز أن يعملوا يوم السبت،ولابد أن يتفرغوا للعبادة، ولأنهم قوم لم يحافظوا علي العبادات اليومية، فأمروا أن يتفرغوا تفرغا" تاما" بترك العمل يوم العبادة الأسبوعية.
والمسلمون أمروا بيسير من ذلك ، وهو وقت أداء صلاة الجمعة ، قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ? فأمرهم الله أن يتركوا أشغالهم بمجرد سماع الآذان الذي يبدأ الخطيب بعده في الخطبة ، ويذهبوا للصلاة في المسجد "فاسعوا إلي ذكر الله " وأمرهم بعد أن ينصرفوا من الصلاة أن ينتشروا في الأرض و يبتغوا من فضل الله وذلك أن أمة الإسلام -بحمد الله تبارك و تعالي- أهل الالتزام منهم يحافظون علي عباداتهم اليومية ويؤدون الصلوات الخمس ، فلم يحتاجوا إلي ما احتاج إليه بنو إسرائيل من تفرغ كامل طول اليوم عن العمل للعبادة في ذلك اليوم ، وإنما لأجل محافظتهم علي العبادة اليومية فإنهم أكرموا ولم يحرم عليهم العمل يوم الجمعة ، وإنما أمروا ساعة الصلاة فقط بترك العمل للانصراف للصلاة .
وقد اخترع اليهود قصة قبيحة من باطلهم لتعليل تحريم العمل يوم السبت وهي : أن الله تعالي بعد ان خلق العالم ابتداء من يوم الأحد ، انتهي يوم الجمعة واستراح في اليوم السابع لأنه تعب : فوجب علي العباد أن يستريحوا ، أيضا ويتركوا العمل ويتفرغوا للعبادة :
وهذا من عظيم جهلهم و عظيم ظلمهم ، فرد الله عليهم : ولقد خلقنا السموات و الأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . فاصبر علي ما يقولون .. الآية لغوب يعني : الإعياء الشديد .(/3)
فاخترعوا هذا الباطل ، وهم دائما يحرفون و يخترعون وهم طيلة أيام الأسبوع مشغولون بالكسب و المعاش ، فلهم الويل مما يضعون ويخترعون .
كان عمل هذه القرية صيد السمك ، وبدأ اعتداؤهم بصيد السمك يوم السبت _ بشيء عجيب ، قال سبحانه وتعالي : " إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ " في يوم السبت المحرم عليهم العمل فيه يجدون البحر مليئا بالأسماك ، والحيتان هنا معناها السمك ، وهي كذلك في كلام العرب ، كل سمكة تسمي حوتا ، فكانت الأسماك تأتيهم يوم السبت في البحر شارعه زعانفها وخراطيمها في المياه ، تظهر نفسها ، والأسماك - قطعا- لا تدرك أيام الأسبوع ، ولكن قدر الله هذا الأمر العجيب ويوم لا يسبتون لا تأتيهم باقي أيام الأسبوع لا تأتيهم ، لا يكون في البحر سمكة واحدة ، فسبحان الله .
(3)
الحرام قليل والحلال كثير
نلحظ من هنا أمرا من أصول التشريع وذلك باستقراء ما شرعه الله لعباده ، نجد أن الحرام في الأصل هو القليل ، وأن الحلال في الأصل هو الكثير ، فالمحرم يوم واحد و المباح ستة أيام في شريعتهم ، وكذلك أمرنا نحن ، فإن الله _عز وجل _ إينما أمرنا نترك العمل في وقت وجيز فقط ، وانظر في سائر ما حرم الله غلي عباده نجد هذا الأمر أيضا ، تجد الحرام قلة والجلال كثرة قال الله عز وجل ، هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا.. كل ما في الأرض حلال، ماذا استثني الله عز وجل ؟
استثني الميتة و الدم و لحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، يعني جميع بهائم الأنعام حلال إلا أن الجنزير محرم ، كل ما في الأرض جلال إلا الجمر .
وهذه المحرمات ، وما حرمه النبي صلي الله عليه وسلم كالحمار الأهلي وكل ذي نان من السباع وكل ذي مخلب من الطير .
ونجد المحرمات ، من النساء صنفا معدودا من الأقارب وأحل لكم ما وراء ذلكم .
وبالنسبة للمعاملات ، فالشركة و المضاربة و البيع و الشراء و الإجارة و المزارعة و المساقاة و أنواع المعاملات كلها مباحة ، وإنما حرم الله الربا و الميسر ، فتجد أن كل أنواع الأنشطة الإنسانية الأصل فيها الحل إلا ما حرمه الله ، فالأصل في التشريع أن الحلال أكثر من الحرام ليس إلا دائرة ضيقة .
ومع ذلك نجد في واقع حياة الناس إن الحرام ينتشر جدا ، حتي يكاد يغلب الحلال ، ولا يكاد الإنسان يجد الحلال إلا بشق الأنفس ، وهذا هو الذي وقع لبني إسرائيل فالذي حدث لهم أن الحرام الذي هو ضيق أصلا اتسع جدا ، اتسع بمعني أنهم وجدوا السمك يوم السبت فقط ، والحلال الذي هم واسع ستة أيام يباح فيها الصيد ، لا تظهر سمك علي الإطلاق.
ومثاله ما يقع الناس فيه اليوم ، فمع أن أنواع المعاملات المباحة كثيرة جدا ، والربا والميسر المحرم تجد الربا ملأ السهل والوادي وملأ كل مكان ، فلا تكاد توجد معاملة إلا و فيها شبهة الربا ، أو ربا صريح أو ميسر - و العياذ بالله - فلماذا يحدث ذلك ؟
تجد الحرام هو الذي يتسع والحلال يضيق ، حتي في بعض الأماكن في بعض الأزمنة يكاد الحرام يملأ البلد كلها ، ولا يكاد يوجد رزق حلال صاف -والعياذ بالله من ذلك -
فلماذا يضيق الله علي الناس ما أحل لهم ويوسع عليهم ما حرم عليهم؟ يذكر الله عز وجل الحكمة في ذلك ويبينها فيقول : كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون "فهذا اختبار من الله عز وجل فالفسق يعني الخروج عن طاعة الله عز وجل ،هو الذي يؤدي إلي أن يحدث ذلك ، فيضيق الحلال علينا و يتسع الحرام ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فالإنسان لا بد أن يفهم أن هناك علاقة وطيدة بين الطاعة والمعصية من جانب ، وبين الرزق والكسب من جانب أخر ،فالرزق إذا كان واسعا وفتنة للإنسان ومن حرام ، فهذا يريد الله به الهلاك ، (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و أملي لهم إن كيدي متين ).
فمن وسع الله عز وجل عليه في رزق محرم وسهل له طريق الحرام، فهو يمتحن حتى ينظر ما يفعل ، فإن استمر علي الحرام الذي يكتسبه زاده الله سعة ثم أهلكه عز وجل _قال تعالي :"فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شي حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ."
بل المؤمن ينظر إلي ما هو أعمق من ذلك ، فهو يري أن هناك ارتباط بين طبيعة العمل وكثرة الشغل ؛ وبين الرزق الذي يصيبه الإنسان فكما قال النبي صلي الله عليه وسلم :"قال الله عز وجل " يا ابن أدم ، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غني وأملأ يدك رزقا ، يا ابن أدم لا تباعد مني ، أملأ يديك شغلآ"
فالعبد المؤمن ينظر إلي العلاقة بين الرزق و بين العمل الذي يعمله ، فالعمل الصالح ييسر للإنسان رزقا حلالا طيبا ،من غير أن يشغل حياته ووقته ،بل يجد بعد ذلك وقتا متسعا كي يعبد الله عز وجل و يتعلم العلم ، ويقرأ أقرأن ، ويجد أنواع الطاعات المختلفة .(/4)
أما الذي يتعلل بأنه لا يفعل شيئا من ذلك لأنه مشغول ، لماذا لا يقرأ أقرأن ؟ لماذا لا يحفظ القرأن ؟ لماذا لا يتعلم العلم الشرعي ؟ لماذا لا يدعو إلي الله ؟ لماذا لا يصاحب أهل الخير والتقوى و الصلاح ؟ يقول : مشغول ليس عنده وقت .
فلو كان هذا الرزق حلالا كله لكان من علامات بعده من الله أن يكون مشغولا عن ربه سبحانه و تعالي و عن طاعته كما قال عز و جل "يا بن أدم لا تباعد مني أملأ قلبك فقرا و أملا يديك شغلا "
وخصوصا إذا كان الرزق لا يشعره بالكفاية ، يعني أنه مشغول علي الدوام ليلا و نهارا و مع ذلك لا يجد أن ذلك الدجل يكفيه ، يريد أكثر ، كما قال النبي صلي الله عليه و سلم : (لو كان لابن أدم و أديا من ذهب أحب أن يكون له و أديان و لو كان له و أديان لابتغي لهما ثالثا ، ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله علي من تاب ).
فهذا حال الغني المط غي الذي لا يشبع صاحبه أبدا من الدنيا ، ينال منها ويظل يريد المزيد -والعياذ بالله- وكذلك الفقر المنسي ، علي الطرف الأخر المملوءة يدا صاحبه بالشغل ولا يجد الكفاية لتباعده عن الله ، لو أنه اقترب بإرادته وهمه من الله سبجابه وتعالي ليسر الله له ما يكفيه ، دون أن ينشغل الشغل الكثير .
قال :"ابن آدم تفرغ لعبادتي " وهل يعني ذلك أن نجلس في المسجد ونترك أعمالنا وأشغالنا ؟
ليس بالطبع هذا هو المقصود ، إنما التفرغ معناه أن يكون الهم و الإرادة هما واحدا ، ف (تفرغ لعبادتي ) معناه : اجعل همك طاعة الله وعبوديته ، العبادة بمفهومها الشامل الذي يشمل العبادات الظاهرة و الباطنة وكل مظاهر حياة الإنسان ،" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .لا شريك له وذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .
فالصلاة والنسك (الذبح) والحياة والموت كل ذلك لله عز و جل فلابد إن نسير في كل أمورنا وفق شرع الله وعلي سبيله وعلي صراطه المستقيم ، فمعني : "تفرغ لعبادتي " إن يكون هم الإنسان مرضاة الله عز و جل و أن يطيع الله عز و جل ، فيمكن أن يكون في زواجه في عبادة ، وفي عمله في عبادة ، وفي سيره في عبادة ، وذلك لأن نيته وإرادته انصرفت إلي تحقيق مرضاة الله سبحانه وتعالي ، وليس المقصود أن يترك أعمال الدنيا والتكسب و الرزق ، ويجلس في المسجد ، ويقول : أتفرغ للعبادة ، ليس هذا هو المقصود ، ولكن تفرغ لعبادتي بمعني اجعل الهم هما واحدا واصدق في أنك تريد مرضاة الله فإذا تعارض شىء من الدنيا مع مرضاة الله قدمت مرضاة الله سبحانه وتعالي قطعا ، ولم تقدم شيئا من الدنيا علي طاعة الله وطاعة رسوله صلي الله عليه وسلم.
فلا يتصور مسلم يقول: إنه يترك الصلاة في وقتها أو في الجماعة من أجل أنه مشغول بعمل ، فهذا نقص بلا شك و هذا ليس بالمسلم الكامل الذي يؤدى حق الله عز و جل ، فالذي يفرط في واجبات الشرع من أجل أنة مشغول بالدنيا بعيد عن الله.
والأشد بعدا المشغول بشغل حرام -والعياذ بالله- وعمل حرام ، يأكل الربا ، أو يغش الناس ،أو تعامل بالميسر و القمار ، ويتكسب المكاسب المحرمة أو يعمل أي عمل يعين فيه علي معصية الله -سبحانه وتعالي- فهذا في خطر عظيم ، وهذا هو البعيد … أبعد الناس عن الله سبحانه وتعالي.
نعود إلي قصتنا فنقول : كان هذا الابتلاء من عز وجل لهذه القرية لعلهم يتوبون،كان لابد لهم أن يفكروا لماذا ضاق الرزق ، لماذا وجدنا الفقر ، لابد أن هناك سبب ، كان لابد أن ينظروا هذه النظرة ويفكروا هذا التفكير ، وهو أن الفسق هو السبب ، كما قال سبحانه وتعالي :"وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "
وليس المطلوب أن يكون الإنسان ذا مال كثير، فحاجة الإنسان تحصل بالكفاية، أي أن يجد ما يكفيه كما دعا النبي صلي الله عليه وسلم "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "، القوت هو الذي يكفي ،دون أن يحتاج لأحد ،فهذا هو المطلوب ، وهذا مع طاعة الله هو أمثل الأحوال وهو أفضل ما يكون مع أن النفس الإنسانية بطبيعتها الجاهلة الظالمة تريد الزيادة علي الكفاية ، وتريد أكثر وأكثر ،ولكن النبي صلي الله عليه وسلم بين أن أفضل الرزق هو ما اختاره لنفسه ولأهله وهو القوت الذي لا يكون أنقص مما تحتاج فيضرك ذلك ، بأن تضطر إلي سؤال الناس ، ولا زائدا عن الحاجة فيشغلك فلذلك نقول أن الرزق عندما يضيق بالإنسان إلي درجة الفقر المنسي أو يتسع إلي الغني المطغي فلابد أن ينظر إلي أنه مقصر في طاعة الله.
فالفسق والمعاصي هي آلتي تجلب المصائب والبلاء ، كما قال سبحانه وتعالي لخير الناس بعد الأنبياء: "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا .."قل هو من عند أنفسكم إن الله علي كل شي قدير " فكل ما يصيبنا من مصائب فيما كسبت أيدينا ، فإذا وجدنا الأمر قد ضاق ،فلابد أن ننظر في أفعالنا فنتوب إلي الله عز وجل ليتسع مرة أخري.(/5)
كان علاج هذه القرية أن يتوبوا إلي الله عز وجل من المعاصي والفسق الذي ارتكبوه ، فيعود الأمر كما كان ، يتسع الحلال ويضيق الحرام ،تأتي الأسماك كما تأتي لكل الناس في كل أيام الأسبوع .
كيف بدأ تصرف بني إسرائيل ، لم يفهموا معني الامتحان ومعني الابتلاء ، فالله ضيق عليهم ليرجعوا إلي الهدي فلو يستجيبوا ، إنما شرعوا يتحايلون علي شرع الله ،لم يعلموا أن السمك إنما يتحرك بأمر من الله عز وجل ، بل غفلوا عن ذلك ، فكأن السمك يعرف الأيام فيحتال عليهم ، فقالوا نحن نحتال عليه.
فبدأ أحدهم ينصب شبكة يوم الجمعة ، أي يجئ قبل السبت ، فيقع السمك في الشبك يوم السبت ، وياخذها هو الأحد ،فوجد بعض الناس رائحة السمك يشوى فيما يذكرون ، فتتبعوا الرائحة حتي وجدوها في بيت واحد منهم ، فجعلوا يسألون كيف أتي بالسمك وهم يشتاقون له جدا فقد مرت عليهم أيام ، أو أسابيع ، وربما شهور -والله أعلم- وهم يشتاقون للسمك ، فأخبرهم بما صنع ، فأخذوا يتدافعون علي فعل ما ويقولون "لم نصطد يوم السبت ، لم نعمل يوم السبت "وكذبوا، فمتي حصل الصيد في الحقيقة ؟ … يوم السبت.
(4)
التحايل على شرع الله
والتحايل علي شرع الله صفة من صفات اليهود ، ولكنها ورثت فيمن أشبههم ممن ينتسب إلي الإسلام وكما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: "لا تشبهوا باليهود فتستحلوا الله بأدنى الحيل".
فاستحلال محارم الله بأدنى الحيل والتحايل على شرع الله سمة يهودية والعياذ بالله، وهناك من يفعلها من المسلمين، كمن يسمي الربا بغير اسمه ليضل الناس، كالاستثمار مثلاً، أو يسميه بالفائدة، أو عائداً أو نحو ذلك، وهو في الحقيقة ربا.
ومن يتعامل مع الناس بالإقراض والزيادة عليه أو بالإقراض الذي تشترط فيه شروط معينة كبيع أو إجارة أو عقد آخر كما يصنع كثيراً من الناس، يقرضهم قرضاً للصرف على ما يحتاجون من أرض وغيرها بشرط أن يبيعوا له إنتاج أرضهم، وهذا للأسف كثير.
أو مثل كثيراً من الناس الذين يتعاملون بأنواع من القروض بفائدة من البنوك أو صناديق الاستثمار أو رجال الأعمال وغيرها، كل ذلك من الربا المحرم، وإن سمي بغير اسمه، حتى ولو تبرع بفتوى باطلة بعض من ينتسب إلى أهل العلم، وهو ليس منهم وإن كان عند الناس يشار إليه بالبنان، فإن من احل ما أجمع العلماء على تحريمه، وإن كان متأولاً ويزعم إنه مجتهد، فهو مبطل، لن الاجتهاد لا يكون في خلاف الإجماع.
ومن الحيل المنتشرة نكاح التحليل، الذي يطلق امرأته ثلاثاً ثم يتفق مع رجل يحلها له، يسمى في الشرع الإسلامي التيس المستعار، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلل والمحلل له"، وذلك بأن يتفق مع رجل بأن يتزوج امرأته ويطؤها أو لا يطؤها، ثم يطلقها بعد يوم أو يومين، يزعم بذلك أنه يحله للأول، فهذا من التحايل على شرع الله، بل ذلك يبطل العقد الثاني، ولا يحلها للزوج الأول.
وهناك أنواع من الحيل في البيوع، مثل بيع العينة وهو نوع من الربا لكن بحيلة على الربا، وذلك بأنه يقول لمن يريد أن يقترض مه مائة مثلاً والرجل لن يقرضه مائة إلا بمائة وعشرون، فيقول: اشترِ مني هذه السلعة بمائة، وهو يعرف ما سوف يتم، فيشتريها بمائة ويقبضها إياه، ثم يقول: أنا أشتريها منك بالتقسيط بمائة وعشرون، فرجعت له سلعته، وأصبح مديناً بمائة وعشرون، وهو قبض مائة فصارت المائة مائة وعشرون، ودخلت بينهما السلعة.
وقريب جداً من هذا مسألة التورق وصورته لو أن رجلاً لا يجد من يقرضه فيشتري سلعة من السوق بالتقسيط بسعر مائة وعشرون، وهو يعلم أنها تساوي مائة، فيبيعها بمائة، وهذا التورق بيع عينة من ثلاثة أطراف .
فالتعامل بالتقسيط بدون ضوابط شرعية يوقع الناس في الربا كثيراً والعياذ بالله بنوع من التحايل، فالتقسيط نفسه جائز ولكن بضوابطه الشرعية.
فما يتم في المعارض مثلاً من أنهم يأتون بسلع لا يملكونها، ولا يشترونها، ولكن يقولون: نحن نحضر لك السلعة التي تريدها، وسندفع لك الثمن، وسدد لنا أنت بعد ذلك، فهذا الوسيط الذي لا يمتلك السلعة، ولكن يبيعها قبل تملكها وقبضها، والواجب أن يستلم السلعة وتقع في ضمانه، ثم يبيعها بعد ذلك، وله الحق في أن يربح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، فأما أن يقول له اشتري ما تريد، وأنا أسدده لك وأنت تسدد لي بعد ذلك، فهذا هو القرض الذي جر نفعاً بلا شك وطالما أنه لم يحز السلعة ولم يمتلكها في يده، ويقبضها لا يجوز أن يربح فيها.
وهذا نوع من التحايل على ما حرم الله عز وجل، لذلك نقول: الحذر واجب من التحايل على الشرع، خصوصاً في باب الربا، فإنه من أخطر الأبواب التي يقع فيها كثيراً من الناس من التحايل على شرع الله كما فعل اليهود في هذه القصة.(/6)
بدأ الأمر كما ذكرنا بأنهم صاروا يعتادون في السبت بهذه الطريقة، وهو أنهم ينصبون الشباك يوم الجمعة، ويأخذون السمك يوم الأحد، وقيل إنهم حفروا حفراً يقع فيها السمك عندما يمد البحر، ثم إذا جاء الجذر عجز السمك عن الخروج من الحفر، فيتناولنه يوم الأحد فالله أعلم، لكنهم كانوا يتحايلون بطريقة معينة على عدم الصيد يوم السبت.
(5)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفوائد الدعوة إلى الله:
هنا انقسم المجتمع في هذه القرية إلى ثلاثة أقسام:
1- قوم معتدين يفعلون هذه الحيلة المحرمة.
2- قوم آخرون رفضوا ذلك، وأبوا، وهم قوم صالحون نهوا المسيئين عن ذلك، ودعوا إلى الله عز وجل وشرعوا ينهونهم عن الاعتداء في السبت.
3- أمة ثالثة سكتت عن الدعوة، وليس هذا فقط، بل شرعت تيئس الدعاة، قال تعالى: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164]، فهذه الطائفة قالت للدعاة إلى الله نحو ما نسمع اليوم "لا فائدة"، "لا تتعبوا أنفسكم"، "هل أنتم الذين تصلحون الكون"، "الفساد مستمر"، "ولن تأتي الدعوة ثمرتها"، "بل لابد أن يهلك هؤلاء على ضلالهم".
وهذا الصنف نوع من الناس لا يريد المشاركة الإيجابية في تغيير الشر والفساد، فهو يعلم الخير من الشر، ويشعر بالتأنيب من نفسه اللوامة لأنه مقصر، ويود لو أن الناس كلهم مقصرون، ولذلك يقول لغيره دع عنك إتعاب نفسك، ودع عنك ما تبذل من دعوة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فإنه لا فائدة!!.
وهذا منه تبرير لموقفه السلبي في ثوب نصيحة، ولا شك أن هذا جهل كبير منهم بفوائد الدعوة إلى الله تعالى، على الداعي نفسه، وعلى المجتمع بصفة عامة.
وإن كان الدعاة إلى الله أفهم لوظيفتهم وواجبهم الذي افترض على الأمة من هؤلاء الذين يثبطون الدعاة دائماً، ذلك لأن الدعاة يعلمون أن الدعوة إلى الله لها هدفين أساسيين، ولا تخلوا من فائدة طالما وجد هذان الهدفان.
الهدف الأول وهو الأثر العام للدعوة:
إبلاغ الحق للناس أعذاراً إلى الله عز وجل، فإنه يكون لنا عذر بين يدي الله سبحانه، إذا كان المنكر يفعل فقلنا للناس إنه منكر، وبلغناهم شرع الله عز وجل، وهذا الهدف يحصل بمجرد فعل الدعوة، وبمجرد إبلاغ الحق للناس سواء استجابوا أم لم يستجيبوا، التزموا أو لم يلتزموا، قبلوا الدعوة أو لم يقبلوها، فذلك حاصل بدون النظر إلى النتيجة، وهذا يثاب عليه العبد بين يدي الله في الآخرة ويثاب في الدنيا بمنع نزول العقاب العام ومنع تعذيب الجميع، وذلك أن تعذيب الجميع ونزول الفتن التي لا تخص الظلمة فقط، إنما يقع عندما يظهر المنكر ولا يغيره أحد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقاب"، فالإعذار هنا معناه إظهار كراهيتنا للمنكر، وعذرنا بين يدي الله أننا بلغنا الحق.
والحق أنه عند التأمل في الأدلة المتعلقة بشأن وجود الطائفة المؤمنة في مجتمع تظهر فيه المنكرات يمكننا أن نلاحظ أن هناك عدة مراتب وأحوال:
المرتبة الأولى:
أن تكون الدعوة ظاهرة وشعر الإسلام ظاهراً في مجتمع من المجتمعات وتكون كلمة الحق معلومة، فعند ذلك لا يعذب الله الجميع، بل إذا نزل عذاب نجى الله المؤمنين الدعاة، كما قال الله عز وجل: )وَمَا كَان للّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ([الأنفال:33]، أي: وفيهم من يستغفر، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندهم لنزل فيهم العذاب، وذلك يدلنا على أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم كان أماناً لأمته وهكذا ظهور الدعوة إلى الله عز وجل، أمام لكل مجتمع من المجتمعات من العقاب العام، فإذا ضاعت الدعوة، فإن ذلك يؤذن بعذاب الجميع.
فإذا كانت لديهم قوة على التغيير باليد لم يكن الوعظ كافياً، بل لابد من إزالة المنكر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، لكن إذا ترتب على التغيير باليد مفاسد معتبرة أو إيذاء معتبر له أو لأهله أو لعموم المسلمين لم يكن له ذلك .
المرتبة الثاني:(/7)
أن يكون هناك من هو صالح في نفسه وعاجز عن أن يبلغ كلمة الحق للناس، لأن الناس يمنعونه ويكرهونه على تركها، فهؤلاء قد يقع العذاب عليهم جميعاً، ويبعثون على نياتهم، وقد يدفع الله العذاب عن الناس بهم، فهو سبحانه يفعل هذا وذاك، ولكنه سبحانه وتعالى لا يعذب أمة بأسرها مع ظهور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن العذاب يحدث مع عدم الاستجابة لأمر الله عز وجل لكن إذا وجد من يسكت لعجزه، مستضعف ساكت عن الحق لا يستطيع أن يقوله ولا أن يعلنه فهذا قد ورد فيه قول الله تعالى: ( وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:33].
فالله دفع عن أهل مكة العذاب الأليم على الجميع لوجود طائفة مستضعفة، وإن لم تكن تدعو إلى الحق وتظهره من أجل عجزها.
وورد في مثل هؤلاء أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وأخرهم"، وقالت عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله: يخسف بأولهم وأخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم : "يخسف بأولهم وأخرهم ثم يبعثون على نياتهم".
وفي رواية أخرى قالت أم سلمة: إن الطريق تجمع فيهم المجبور والمستبصر وابن السبيل، قال صلى الله عليه وسلم : "يهلكون مهلكاً واحداً، ثم يصدرون مصادر شتى".
ومن عجز عن الدعوة يكون معذوراً، وإن احتمل أن ينزل العذاب العام بدرجات متفاوتة، ليس شرطاً أن يكون مستأصلاً، بل قد يكون أنواعاً من المحن العامة، لو قلنا مثلاً المجاعات، سوء الحال، الفقر الشديد، الأمراض المنتشرة، الزلازل، الأعاصير، وهذه يمكن أن تصيب الصالح والطالح، وهذا نوعاً من العذاب الذي يصيب الجميع إذا كانت هناك طائفة مستضعفة لا تستطيع ان تؤدي دورها في الدعوة إلى الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث لا تظهر شعائر الإسلام.
فربما عذب البعض من الأبرياء ويكون ثواباً لهم عند الله، ويكون نزول العذاب العام تكفيراً لسيئاتهم ويبعثون يوم القيامة على نياتهم، ومن هذا قوله تعالى: )وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً( [الأنفال:25].
قال ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: "أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب"، وهذا تفسير حسن جداً، ثم ذكر جملة من الأحاديث في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده"، فقلت: يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال: "بلى"، قلت: فكيف يصنع أولئك؟ فقال: "يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان"، وله شاهد من حديث ابن ماجه من حديث عائشة.
ويؤيد هذا حديث زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من نومه وهو يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه (وعقد سفيان الراوي بيده عشرة أي حلق حلقة) قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: "نعم إذا كثر الخبث" متفق عليه.
وهذا الحديث يوضح الحالة التي نزل بها العذاب العام، مع وجود الصالحين وهو كثرة الخبث.
وهو الفسق والفجور وقيل الزنا خاصة، قال النووي: والظاهر أنه المعاصي مطلقاً. ويلاحظ أنه لا يكون الإنسان صالحاً إلا وهو يؤدي الواجب عليه، ولو كان قادراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدرجة من الدرجات ولم يقم به لم يكن صالحاً.
المرتبة الثالثة:
أن يوجد من يقدرون على الدعوة والتغيير فلا يفعلون، أو الوعظ فيسكتون ولا ينتقلون عن مكان المنكر فيكونون مستحقون للعذاب لتقصيرهم كما قال تعالى: )وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا( [النساء:164].
فمن سمع آيات الله يكفر بها ويستهزئ بها، وهو قادر على أن يغير ولم يغير، ولم ينتقل، فهو آثم بسكوته وبه يبدأ إذا نزل العذاب العام، كما في بعض الآثار، أن قرية أمر الله بهلاكها، فتقول الملائكة: "يا رب إن فيهم عبدك فلان فيقول: فبه فابدؤوا فإنه لم يتمعر وجه فيِّ قط"، أي لم يتغير وجه عند رؤية المنكر، ولذلك من كان يجلس على مائدة تدار عليها الخمر ملعون مثل من يشربها والعياذ بالله ذلك أنه مشارك لهم وهم يشربون.(/8)
وروى الإمام أحمد عن حذيفة ابن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم"، وفي رواية له قال: "أو ليبعثن الله عليكم قوماً ثم تدعونه فلا يستجيب لكم".
وروى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعاً: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيه كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها وأصاب بعضهم أعلاها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً وإن اخذوا على أيديهم نجوا جميعاً" ورواه الترمذي في الفتن.
وهذه الأحاديث تختلف عن الأحاديث التي ذكرناها في المرتبة الثانية وذلك أن الساكتين عنا مقصرون آثمون مستحقون للعقاب في الدنيا والآخرة.
لأنهم غير صالحين لعدم قيامهم بالواجب، كما قال سعيد بن المسيب في قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ( [المائدة:105]. قال: "إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل إذا اهتديت" رواه ابن جرير عنه، وروى عن حذيفة وغير واحد من السلف مثل ذلك.
ومن هنا يظهر لنا أهمية الدعوة إلى الله في تحقيق الهدف الأول وهو الإعذار إلى الله وثمرته منع العقاب العام والفتنة الشاملة وهذا الهدف يتم تحقيقه إذا بلغ الحق للناس وظهر شعار الدين بين الناس كما قال تعالى: )وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ( [الكهف:29].
ومن اجل تحصيل هذه الغاية تجوز أو تستحب أو تجب الإقامة بين ظهراني الكفار والظلمة والفسقة كما أقام الرسل صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين في ديار الكفر ووسط الكفار للقيام بواجب الإبلاغ، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً في مكة والأصنام حول الكعبة يراها صباحاً ومساءاً في بيت الله الحرام صابراً محتسباً لكي يبلغ الحق لجميع الناس.
والأمة مكلفة بالقيام بهذا الواجب واجب الإبلاغ بالنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: "بلغوا عني ولو آية"، وقال: "فليبلغ الشاهد منكم الغائب".
الهدف الثاني الأثر العاجل:
من أهداف الدعوة احتمال استجابة البعض، قالوا:
أولاً: ( قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) ، ثانياً: ( وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) .
جزموا بالمعذرة، وتمنعوا أو رجوا التقوى، النتيجة التي نتمناها ونرجوها هي التقوى، وجزموا بالمعذرة، لم يقولوا: لعله معذرة وليتقوا، بل قالوا: معذرة أي ندعوا إلى الله معذرة، لعلهم يتقون، وذلك أن نتيجة الدعوة إلى الله ليست بيد الداعي، فهل يجزم أحد بأن المدعو سوف يستجيب أو يهتدي؟، لا يعلم ذلك إلا الله، فهؤلاء الدعاة رجوا أن يهدي الله طائفة منهم لعلهم يتقون مع تكرار الوعظ.
فالداعي إلى الله عز وجل من شفقته وحبه للخير يحب للناس الهداية أولاً، ولا يريد بدعوته أن يعذبوا أو يهلكوا، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يربِّ الصحابة على ذلك قط، بل يقول لعلي رضي الله عنه وقد أخبره أن خيبر ستفتح على يديه وخيبر من أغنى حصون اليهود الذين معهم من الأموال ما معهم... يقول: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، فادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجل واحداً خير لك من حمر النعم".
ولذلك يقول العلماء: إن من ضمن فوائد الدعوة ونفعها الأثر العاجل المباشر أن يستجيب المدعو مباشرة، كأن تقول له اتق الله، قم فصلِّ فيطيع ويقوم ويصلي، وتقول للمرأة: اتقي الله والبسي الحجاب الشرعي، فتقول سألبسه وتفعل فعلاً.
وهذا الأثر هو المحبوب المرجو لدى الداعية في أن يستجيب المدعو إلى الله تعالى مباشرة، ويتوب إلى الله عز وجل من معصيته وينجو من عذاب الله قبل أن يهلك بإصراره على معصيته، وهذا ولا شك قليل إلا أنه موجود، فقليل من يشبه أبا بكر الصديق في سرعة استجابته للحق، ورجوعه إليه، فعندما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام لم يتلعثم، ولم يتردد لحظة، وقبل مباشرة، والصحابة بعد ذلك تأدبوا بهذا الأدب، فتعلموا فكانوا واقفين ورجاعين عند كتاب الله تعالى.
وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، إذا ذكر يتذكر، وهذه علامة على حياة القلب وصحته، ذلك لأن الإنسان لا يخلوا من معصية، لكن إذا ذكر يتذكر وينيب، ويتوب ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
الهدف الثالث الأثر الآجل:(/9)
وهو داخل أيضا في قوله تعالى عن المؤمنين )وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(، وذلك لأن الدعوة إلى الله تؤدي إلى ما يسميه العلماء "إحداث نكاية" في القلب الفاجر والعاصي، وربما يؤثر ذلك في الكافر بتكرار الأمر والنهي بأن يرتكب المنكر وهو غير مطمئن إليه لتكرير التذكير: أنت على منكر، أنت على حرام، فيحدث نكاية فوق نكاية في قلبه، إلى أن يمن الله تعالى عليه في الوقت الذي يشاء عز وجل بالهداية فيهتدي، ويترك المنكر.
فتقول لمن لا يصلي: قم فصلي، فيقول: الله يهديني، وعندما يكبر ويعقل يصلي فعلاً، ونقول للمرأة: ارتدي الحجاب، فهو فرض، فتقول: إن شاء الله عندما أتزوج، وعندما تعقل تتحجب بالفعل.
وهذا أمر مشهود، وكثيراً جداً من الناس ينصح مرات، ثم في المرة بعد المائة يلتزم ويهتدي.
فمنذ خمسة وعشرين عاماً تقريباً لم تكن هناك امرأة واحدة ترتدي الزي الشرعي إلا نادراً جداً، ثم بدأت الصحوة الإسلامية منذ خمسة وعشرين عاماً، وكانت الملابس القصيرة آنذاك عادية جداً، وفي الريف والمدينة لم تكن امرأة تغطي شعرها، ثم بدأ الحجاب يظهر.
الآن من هن في سن الأربعين أو الخامسة والربعين لا تكاد توجد من تكشف عن شعرها في هذا السن إلا قليل جداً، كن من قبل متبرجات، وسمعن أن الحجاب واجب، وأن المرأة لابد أن ترتديه، وبعد سنين عندما من الله عليهن بالهداية استجبن.
فالهداية من عند الله، ونحن لا نعلم متى يستجيب المدعو، لكن على الأقل سيتأثر قلبه، ويعلم أنه مخطئ، هذه ثمرة من ثمرات الدعوة لكنها ثمرة مخفية لا تظهر في الحال ويرجى بإذن الله أن تثمر في المستقبل.
فالإنسان الذي يحس أنه مخطئ أفضل بلا شك من الذي يرى نفسه على صواب، فالأول قلبه متغير نحو هذا المنكر، لا يقر المنكر ويقول: أنا على خطأ، والثاني الأخطر والأشد جرماً الذي قلب المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، أصبح ما يفعله هو الصواب، وما تقوله له أنت هو الخطأ.
ولذلك يريد أعداء الإسلام أن يفعل الناس المنكر، وليس هذا فقط بل يفعلونه ويرونه صواباً، فالذي يأكل الربا وهو يعلم انه مخطئ، خير من الذي يأكله ولا يرى به بأساً، والمتبرجة التي تعلم خطأها خير من التي تقول: "هذه حرية، وهذا الذي ينبغي أن يكون، والناس كلها تتقدم وأنتم تتخلفون".
هذا من الممكن أن يوصلها إلى الكفر والعياذ بالله، بل هذا فعلاً من الكفر، إذا كانت قد بلغتها الحجة، واعتقاد القلب وعمله وانقياده من أعظم أركان الإيمان، فإحداث النكاية في قلب العاصي من أثر الدعوة، وهو يحافظ على قول القلب وعمله وإن كان ضعيفاً لا يستطيع التأثير في الجوارح.
فإذا نظرنا في تاريخنا الإسلامي، وبالتحديد في تاريخ الصحابة رضي الله عنهم، نجد خالد بن الوليد مثلاً أسلم بعد عشرين سنة، كان خلالها يحارب الإسلام، وكذلك عمرو بن العاص أسلما بعد صلح الحديبية وغيرهما كثير.
فبقاء الدعاة إلى الله في مثل تلك القرية يكون لأحد الهدفين:
الأول: أن يوجد أناس لم تبلغهم الدعوة، فبقاء الدعاة من أجل إبلاغهم الدعوة.
الثاني: استجابة قلوب البعض كلياً وبسرعة أو جزئياً ولو بعد مدة.
والذي يجعل الصغير والكبير يفعل المنكرات، أنه يجد في كل الناس منكراً منتشراً بشكل عادي، فلو أن كل من شتم أو سب أو قذف وجد من يقول له: اتق الله، وهذا حرام، لن ينشأ الصغير متعوداً على سب الدين، أو سب الأم والأب واستعمال ألفاظ القذف والاتهام بالزنا والفواحش وكل منها يستوجب حداً، وربما يرتكب الواحد منهم عدة جرائم كبرى في لحظة واحدة مما يستوجب عدداً من الحدود، فإذا وجد من يقول: اتقوا الله، لن يكون الأمر بسيطاً وطبيعياً عند الناس ولن يهون في نظرهم.
مثلاً لا يوجد في مجتمعنا اليوم شاباً يقبل فتاة في الطريق، ولكن قد يحدث في بعض الأماكن الأخرى، فلو لم ينكر الناس عليهم فسنجد بعد عدة أعوام رجالاً يقبلون نساءً في الطرقات، أما لو قلنا لهم اتقوا الله، هذا حرام سيخجلون، أما سكوتنا نحن فهو الحياء المذموم والخجل غير الشرعي.
(6)
قال تعالى: ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ) [الأعراف:165]، عندما تركوا ما ذكروا به أنجى الله الذين ينهون عن السوء، فذكر ربنا نجاة الدعاة إلى الله من العذاب العام بسبب دعوتهم، )وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ(، يبين سبحانه أن الظلمة عذبوا عذاباً شديداً بفسقهم.(/10)
فأين الساكتون؟ أين الذين قالوا: لم تعظون قوماً الله مهلكهم؟ سكت عنهم القرآن كما سكتوا عن الدعوة، سكت الله عن الساكتين عن الحق، ولذلك اختلف العلماء فيهم، فمنهم من قال: نجوا لأنهم كرهوا المنكر، فمن كره المنكر وعرف أنه منكر فهذه أول خطوات النجاة، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رجع عن القول بهلاكهم، قال حماد بن زيد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس في الآية، قال: "ما أدري أنجا الذين قالوا )لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا(، أم لا؟"، قال: فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا فكساني حلة،
قال ابن كثير رحمه الله: "ولكن رجوعه أي ابن عباس إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا (يعني قوله الأخر بهلاكهم). لأنه تبين حالهم بعد ذلك والله أعلم.
وقوله تعالى: )وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ...( الآية، فيه دلالة على ان الذين بقوا نجوا.
وواضح أن حكم الساكتين مما يفهم من الآية وليس صريحاً، لذلك فالاحتمال وارد أن يكونوا من الطائفة الهالكة لتركهم الواجب عليهم، ويحتمل أنهم نجوا بكرهيتهم والله أعلم.
وابن عباس كان يبكي رضي الله عنه عند سماع هذه الآية وتلاوتها، وهذا من تطبيق الصحابة للقرآن عملياً على واقعهم، قال ابن عباس: "رأينا أشياء وسكتنا"، فلنا أن نتخيل المنكرات أيام ابن عباس ماذا كان نوعها لكي يبكي ابن عباس؟، ولما أشار إليه عكرمة بأنهم ربما يكونون قد نجوا لأنهم كرهوا المنكر كساه ثوبين، ذلك أن الأمر المختلف فيه غير الذي نص عليه القرآن، فنحن نحلف بالله أنه من دعا إلى الله من هذه الطائفة نجا قال تعالى: )أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ (، ولا نستطيع أن نحلف ولا أن نجزم بشأن الطائفة الساكتة، ولذلك من أرد أن ينجو، فليدخل في ضمان النجاة بإذن الله تبارك وتعالى.
قال تعالى: )فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ(.
لما رأت الطائفة الواعظة عدم الاستجابة من الطائفة المعتدية في السبت، رحلوا وهذه كانت بداية النجاة لهم وبنوا سوراً بينهم وبين أهل المعصية كما ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما.
كيف كانت نجاة الدعاة إلى الله؟ انعزلوا بعد أن اكملوا بلاغ الحق إلى الناس وانعدمت الاستجابة، ولا يرجى أن يستجيب أحد لأن العتاة صاروا يقابلون الدعوة بالإباء والإعراض والتولي عن الذكر فالدعوة استنفدت كل أهدافها، فلابد من الرحيل إلى مكان آخر نستطيع أن نعبد الله فيه.
كما قال تعالى: )قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ( [الزمر:10]، وقال: )يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ( [العنكبوت:56]، فالله عز وجل أمرنا أن نعبده في مكان من الأرض، فلو لم توجد فائدة من الدعوة إطلاقاً فلا يجوز أن نبقى في هذه البلدة التي تنتشر فيها المنكرات، كما قال الإمام مالك بن انس: "لا يحل لأحد أن يبقى في بلدة يسب فيها السلف"، فإذا كان الرب يسب والدين يسب والعياذ بالله، فإذا كنت تبقى للدعوة إلى الله والإعذار إلى الله ولكي يستجيب أحد من أبناء المسلمين للحق، أو تستنقذ مسلماً من هلكة فلتقم، أما أن تبقى لمجرد الكل والشرب، ولمجرد تحصيل الأموال، فلا يجوز أن تبقى في مكان ينتشر فيه المنكر من أجل أغراض دنيوية.
فهذه الطائفة المعذبة "عتوا عما نهوا عنه" فبعد أن كانوا يتحايلون، استمروا في الإجرام اكثر، فشرعوا يصطادون يوم السبت مباشرة، ويعتدون في السبت مباشرة والعياذ بالله، وفي يوم من الأيام أمر الله عز وجل هذا الأمر الذي ذكره سبحانه وتعالى: )قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ(، أمر تكوين، أمر الله عز وجل بكن فكانوا قردة أذلاء خاسئين مسخوا قردة والعياذ بالله.
في يوم من الأيام أراد الصالحون أن يعرفوا ماذا فعل أصحابهم؟ فتسلقوا السور، أو فتحوا بينهم باباً، فلم يجدوا في القرية أحداً، ووجدوا قردة تتعاوى، فنزلوا ينظرون ما الشأن، فلم يجدوا أحداً منهم وكان القرد يعرف قريبه وجاره، ولا يعرفه ذلك القريب، فيأتيه ويشمه ويربت عليه فيقول: "ألم أكن أنهاك؟ فيشير أن نعم، ويبكي ولا يستطيع أن يتكلم والعياذ بالله، وقيل مسخ شبابهم قردة وشيوخهم خنازير وذلك أن الله ذكر مسخ الخنازير أيضاً والخنزير أقبح، قال تعالى: )قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ( [المائدة:60].(/11)
وهذا المسخ سيقع في هذه الأمة مثله عندما تشرب الخمور وتضرب المعازف على الرؤوس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقواماً إلى جانب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة، فيقولون ارجع إلينا غداً فيبيتهم الله ويضع القلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير"، قيل: يا رسول الله ويشهدون ألا إله إلا الله وأنك رسول الله ويصومون؟، قال: "نعم"، قيل: فما بالهم؟ قال: "يتخذون المعازف والقينات والدفوف ويشربون الأشربة، فباتوا على شرابهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير".
وعند ابن ماجة عن أبي مالك الأشعري قال: قا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالدفوف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".
مع أن هذا قد انتشر والعياذ بالله، وهناك نوع آخر من المسخ، وهو نوع اخطر من المسخ الظاهر، هو مسخ الباطن، والعياذ بالله وهو أن يصير الإنسان عبداً لغير الله، أن يعبد الإنسان الطاغوت، كما قال عز وجل: )قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) المائدة:60]، عبد الطاغوت شر الأنواع الثلاثة، لأنه بدء بالقردة ثم ثنى بالخنازير ثم ثلث بعبدة الطاغوت فالقرد خير من الخنزير فالقرد أشبه بالإنسان والقرد يغار على أنثاه، يقول عمرو بن ميمون أحد ثقات التابعين: في الجاهلية رأيت قرداً شاباً وقردة شابة، والقردة الشابة معها قرد عجوز، فأشار القرد الشاب للقردة وكانت واضعة يدها تحت رأس العجوز، فنيمته، وسلت يدها من تحت رأسه، وذهبت مع القرد الشاب، قال: فوقع عليها (زنا بها)، وأنا أنظر، ثم رجعت فوضعت يدها تحت رأس القرد العجوز (زوجها) فانتبه فشمها فصاح، فاجتمعت القرود فأتى بالقردين الزانيين فرجمتهم القرود حتى ماتا"، فالقرد يغار والخنزير لا يغار على أنثاه، القرد يجوز بيعه إذا كان منه منفعة لحفظ المتاع مثلاً، والخنزير لا يجوز بيعه بحال، والقرد طاهر العين في الحياة، والخنزير نجس دائماً.
والأسوأ من هذين عبد الطاغوت، وهم كثيرون جداً، لكن شكلهم بشر يرتدون الحلل، وتعظمهم الناس، ولكنهم عبيد الشيطان وجنده من الكفار المشركين واليهود والنصارى وعبيد المنافقين، ينفذون كل مخططاتهم في الكفر والضلال، ويقولون: هي أوامر علينا، والذي يعرف أن هذا كفر وضلال وحرب للإسلام ومع ذلك ينفذه فهو عبد الطاغوت، عبد الشيطان، هؤلاء شر الثلاثة، مسخت قلوبهم وبواطنهم، فهذا الذي ذكر الله من مسخهم، ثم ماتوا بعد ذلك.
قال عز وجل: ( قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) أي أذلاء.
وفي الحديث الصحيح: "أن الله لم يجعل لمسخ نسلاً"، بعد أن مسخوا ماتوا ولم يتناسلوا، فيقال لليهود: أنهم إخوان القردة والخنازير، وليسوا أبناء القردة والخنازير لأنهم ليسوا أبنائهم لكنهم أشباههم وإخوانهم في صفاتهم وأفعالهم.
فهذه بعض فوائد هذه القصة العظيمة نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما فيها من موعظة، وأن يوفقنا للعمل بطاعته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ينجينا عن مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.(/12)
قصة الأبرص والأقرع والأعمى
المؤمن هو الذي يعرف ربه , ويعترف له بنعمه , ويؤدي شكرها في جميع الأحوال , في حال الشدة والرخاء , والضراء والسراء , وهذا هو مقتضى العبودية لله رب العالمين , ولذلك نعى الله في كتابه على طائفة من الناس لا يعرفون الله إلا عند نزول البلاء والشدة, فإذا كشفها عنهم عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعناد والاستكبار ,كأن لم يصابوا بشيء قبل ذلك , قال سبحانه : {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون } (يونس:12).
والناس عند الشدائد والمصائب صنفان:
فمن الناس من إذا ابتلي بالفقر أو المرض أو أي نوع من أنواع البلاء , تمنى أن يزول عنه ما به , فإذا أعطاه الله ما تمناه , وبدل مرضه عافية , وفقره غنى , نسي البلاء الذي كان به , ولم يعترف لله بنعمه , فضلا عن أن يؤدي شكرها .
ومنهم من إذا زال عنه ضرُّه , وكُشِف كربُه , اعترف لله بالفضل والإنعام , وعمل جاهدا على شكر هذه النعمة وأداء حقها , وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذين الصنفين من الناس ، الكافرين بالنعمة والشاكرين لها ، في القصة التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى , فأراد الله أن يبتليهم , فبعث إليهم ملكا , فأتى الأبرص , فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن , وجلد حسن , ويذهب عني الذي قد قَذِرَني الناس , قال : فمسحه فذهب عنه قَذَرُه , وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا , قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل , قال : فأعطي ناقة عُشَراء , فقال : بارك الله لك فيها , قال : فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن , ويذهب عني هذا الذي قد قَذِرَني الناس , قال : فمسحه فذهب عنه , وأعطي شعرا حسنا , قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر , فأعطي بقرة حاملا , فقال : بارك الله لك فيها ,قال : فأتى الأعمى , فقال : أي شيء أحب إليك , قال : أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس , قال : فمسحه فرد الله إليه بصره , قال : فأي المال أحب إليك , قال : الغنم , فأعطي شاة والدا , فأنتج هذان وولد هذا , قال : فكان لهذا واد من الإبل , ولهذا واد من البقر , ولهذا واد من الغنم , قال : ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته , فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري , فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك , أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال , بعيرا أتَبَلَّغُ عليه في سفري , فقال : الحقوق كثيرة : فقال له : كأني أعرفك , ألم تكن أبرص يَقْذَرُك الناس ؟! فقيرا فأعطاك الله ؟! فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر , فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت , قال : وأتى الأقرع في صورته , فقال له مثل ما قال لهذا , ورد عليه مثل ما رد على هذا , فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت , قال : وأتى الأعمى في صورته وهيئته , فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري , فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك , أسألك بالذي رد عليك بصرك , شاة أتبلغ بها في سفري , فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري , فخذ ما شئت ودع ما شئت , فوالله لا أَجْهَدُكَ اليوم شيئا أخذته لله , فقال : أمسك مالك , فإنما ابتليتم , فقد رُضِيَ عنك , وسُخِطَ على صاحبيك ).
هذه قصة ثلاثة نفر من بني إسرائيل , أصيب كل واحد منهم ببلاء في جسده ،فأراد الله عز وجل أن يختبرهم , ليظهر الشاكر من الكافر , فأرسل لهم مَلَكًا ، فجاء إلى الأبرص فسأله عن ما يتمناه , فتمنى أن يزول عنه برصه ، وأن يعطى لونا حسنا وجلدا حسنا ، فمسحه فزال عنه البرص ، وسأله عن أحب المال إليه ، فاختار الإبل ، فأعطي ناقة حاملاً، ودعا له الملك بالبركة , ثم جاء إلى الأقرع ، فتمنى أن يزول عنه قرعه , فمسحه فزال عنه, وأعطي شعرا حسنا ، وسأله عن أحب المال إليه فاختار البقر ، فأعطي بقرة حاملاً ، ودعا الملك له بالبركة , ثم جاء الأعمى , فسأله كما سأل صاحبيه , فتمنى أن يُرَدَّ عليه بصره ، فأعطي ما تمنى ، وكان أحب الأموال إليه الغنم ، فأعطي شاة حاملاً .(/1)
ثم مضت الأعوام ، وبارك الله لكل واحد منهم في ماله ، فإذا به يملك واديًا من الصنف الذي أخذه ، فالأول يملك واديًا من الإبل ، والثاني يملك واديًا من البقر ، والثالث يملك واديًا من الغنم , وهنا جاء موعد الامتحان الذي يفشل فيه الكثير وهو امتحان السراء والنعمة فبعض الناس قد يصبر على الشدة ولكنه لا يعرف حق النعمة , مع أن الكل بلاء وفتنة , قال عز وجل { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } الأنبياء (35 ). فعاد إليهم الملك ، وجاء كل واحد منهم في صورته التي كان عليها ،ليذكر نعمة الله عليه, فجاء الأول على هيئة مسافر فقير أبرص , انقطعت به السبل وأسباب الرزق , وسأله بالذي أعطاه الجلد الحسن واللون الحسن ، والمال الوفير ، أن يعطيه بعيرًا يواصل به سيره في سفره , فأنكر الرجل النعمة , وبخل بالمال ، واعتذر بأن الحقوق كثيرة ، فذكره الملك بما كان عليه قبل أن يصير إلى هذه الحال , فجحد وأنكر ، وادعى أنه من بيت ثراء وغنى, وأنه ورث هذا المال كابرا عن كابر، فدعا عليه المَلَك إن كان كاذبًا أن يصير إلى الحال التي كان عليها , ثم جاء الأقرع في صورته , وقال له مثل ما قال للأول , وكان حاله كصاحبه في الجحود والإنكار , أما الأعمى فقد كان من أهل الإيمان والتقوى ، ونجح في الامتحان , وأقر بنعمة الله عليه , من الإبصار بعد العمى , و الغنى بعد الفقر , ولم يعط السائل ما سأله فقط , بل ترك له الخيار أن يأخذ ما يشاء ، ويترك ما يشاء ، وأخبره بأنه لن يشق عليه برد شيء يأخذه أو يطلبه من المال ، وهنا أخبره الملك بحقيقة الأمر وتحقق المقصود وهو ابتلاء الثلاثة وأن الله رضي عنه وسخط على صاحبيه .
فهؤلاء الثلاثة يمثلون أصناف الناس , الشاكرون لأنعم الله , والكافرون بها ، وهو يدل على أن الله لايزال يبتلي العباد بالسراء والضراء كما ابتلى هؤلاء الثلاثة , ليتبين الشاكر من الكافر , وأن النعم إنما تدوم بالشكر , وهو الاعتراف بها للمنعم , والتحدث بها بين الناس , وتصريفها في مرضاته , فبهذه الأمور تحفظ النعم من الزوال والضياع .(/2)
قصة الثلاثة الذين آواهم الغار
قصة الأبرص والأقرع والأعمى التي تحدثنا عنها في موضوع سابق , تمثل نموذجاً لصنف من الناس عرف الله في حال الشدة والبلاء ولم يعرفه في حال الرخاء , وفي قصة أخرى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نموذجا آخر من الناس , على العكس من ذلك , عرفوا الله عز وجل عند النعمة والعافية , فعملوا بطاعة الله , وادخروا أعمالاً صالحة لتكون ذخرا لهم عند الحاجة إليها , فلما نزلت بهم الشدة والضر ,عرف الله لهم ذلك , فأنجاهم , وكشف ما بهم , بما سبق لهم من الخير والفضل والإحسان.
والقصة رواها البخاري و مسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر , فمالوا إلى غار في الجبل , فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل , فأطبقت عليهم , فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة , فادعوا الله بها لعله يفرجها , فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران , ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم , فإذا رحت عليهم فحلبت , بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي , وإنه ناء بي الشجر , فما أتيت حتى أمسيت , فوجدتهما قد ناما , فحلبت كما كنت أحلب , فجئت بالحِلاب , فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما , وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما , والصبية يتضاغون عند قدمي , فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر , فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك , فافرج لنا فرجة نرى منها السماء , ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء , وقال الثاني : اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء , فطلبت إليها نفسها , فأبت حتى آتيها بمائة دينار , فسعيت حتى جمعت مائة دينار , فلقيتها بها , فلما قعدت بين رجليها قالت : يا عبد الله , اتق الله ولا تفتح الخاتم , فقمت عنها , اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك , فافرج لنا منها , ففرج لهم فرجة , وقال الآخر : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفَرَقِ أَرُزٍّ , فلما قضى عمله قال : أعطني حقي , فعرضت عليه حقه , فتركه ورغب عنه , فلم أزل أزرعه , حتى جمعت منه بقرا وراعيها , فجاءني فقال : اتق الله ولا تظلمني , وأعطني حقي , فقلت : اذهب إلى ذلك البقر وراعيها , فقال : اتق الله ولا تهزأ بي , فقلت : إني لا أهزأ بك , فخذ ذلك البقر وراعيها , فأخذه فانطلق بها , فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك , فافرج ما بقي , ففرج الله عنهم) .
هذا الحديث يبين قصة ثلاثة رجال , خرجوا من ديارهم , وابتعدوا عنها , وبينما هم كذلك إذ نزل مطر غزير, فبحثوا عن مكان يحتمون فيه, فلم يجدوا إلا غارا في جبل فدخلوا فيه ، وكانت الأمطار من الغزارة بحيث جرفت السيول الصخور الكبيرة من أعلى الجبل ، فانحدرت صخرة من تلك الصخور حتى سدت عليهم باب الغار، فانقطعت بهم السبل , وأغلقت في وجوههم كل الأبواب والوسائل المادية , فهم لا يستطيعون تحريك هذه الصخرة فضلا عن دفعها وإزالتها , ولا يوجد سبيل إلى إيصال خبرهم إلى قومهم ، وحتى لو بحثوا عنهم فلن يصلوا إليهم ، فقد أزالت الأمطار والسيول آثار أقدامهم.
هنا يعلم العبد اضطرارا أنه لا يستطيع أن ينجيه مما هو فيه إلا الله عز وجل , الذي أحاط بكل شيء علما , والقادر على كل شيء , ولا يعجزه شيء , فهو الذي يعلم حاله , ويرى مكانه , ويسمع كلامه .
ولما وصلوا إلى هذه الحال من الاضطرار , أشار أحدهم على أصحابه أن يتوسل كل واحد منهم إلى ربه بأرجى عمل صالح عمله , وقصد فيه وجه الله , فتوسل الأول ببره بوالديه حال كبرهما وضعفهما , وأنه بلغ به بره بهما أنه كان يعمل في رعي المواشي , وكان إذا عاد إلى منزله بعد الفراغ من الرعي , يحلب مواشيه , فيبدأ بوالديه , فيسقيهما قبل أهله وأولاده الصغار , وفي يوم من الأيام , ابتعد في طلب المرعى , فلم يرجع إلى المنزل إلا بعد أن دخل المساء , وجاء بالحليب كعادته , فوجد والديه قد ناما , فكره أن يوقظهما من نومهما , وكره أن يسقي الصغار قبلهما , فبقي طوال الليل على هذه الحال, ممسكا بالإناء في يده , ينتظر أن يستيقظا , وأولاده يبكون عند رجليه , يريدون طعامهم, حتى طلع الفجر.
وتوسل الثاني بخوفه من الله , وعفته عن الحرام والفاحشة , مع قدرته عليها , وتيسر أسبابها , فذكر أنه كانت له ابنة عم يحبها حبا شديدا , فراودها عن نفسها مرارا , ولكنها كانت تأبى , حتى أصابتها حاجة ماسة في سنة من السنين , فاضطرت إلى أن توافقه على طلبه , على أن يدفع لها مبلغا من المال , تدفع به تلك الحاجة التي ألمت بها , فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته , تحرك في قلبها داعي الإيمان والخوف من الله , فذكرته بالله في هذا الموطن , فقام عنها خائفا وجلا , وترك المال الذي أعطاها.(/1)
وتوسل الثالث بأمانته وحفظه لحقوق الآخرين , فذكر أنه استأجر أجيرا ليعمل له عملا من الأعمال, وكانت أجرته شيئا من الأرز , فلما قضى الأجير عمله عرض عليه الرجل أجره , فتركه وزهد فيه , وبالرغم من أن ذمة الرجل قد برئت بذلك , إلا أنه حفظ له ماله وثمره ونماه , حتى أصبح مالا كثيرا , جمع منه بقرا مع راعيها , فجاءه الأجير بعد مدة طويلة , يطلب منه أجره الذي تركه , فأعطاه كل ما جمعه له من المال.
وكان كلما ذكر واحد منهم عمله انفرجت الصخرة قليلا ,حتى أتم الثالث دعاءه , فانفرجت الصخرة بالكلية وخرجوا يمشون.
إن هذه القصة تبين للمسلم طريق الخلاص , عندما تحيط به الكروب ، وتنزل به الملمات والخطوب , وينقطع حبل الرجاء من المخلوقين ، وتستنفد كل الوسائل والأسباب المادية, فإن هناك الباب الذي لا ينقطع منه الرجاء ، وهو باب السماء , والالتجاء إلى الله بالدعاء, فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء , فتبارك الله رب العالمين .(/2)
قصة الحسين - رضي الله عنه
أليس الحسين الآن في هذه اللحظة في الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين؟ أليس في الجنة حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون؟ فلماذا تفعلون بأنفسكم هذه الأفاعيل لأجل إمام هو الآن في جنة ونعيم ويطوف عليه ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين؟!.
الحسين بن علي بن أبي طالب، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ولد بعد أخيه الحسن، في شعبان سنة أربع من الهجرة. وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين رضي الله عنه وأرضاه.
أدرك الحسين من حياة النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين، فصحت له الصحبة إلى أن توفي وهو عنه راض، ثم كان الصديق، يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان، رضي الله عنهما، وصحب أباه وروى عنه، وكان معه في مغازيه كلها، وكان معظماً موقراً ولم يزل في طاعة أبيه حتى قتل، فلما آلت الخلافة إلى أخيه الحسن، وتنازل عنها لمعاوية لم يكن الحسين موافقاً لأخيه لكنه سكت وسلّم.
ولما توفي الحسن كان الحسين في الجيش الذي غزا القسطنطينية في زمن معاوية، ولما أخذت البيعة ليزيد بن معاوية في حياة معاوية امتنع الحسين من البيعة؛ لأنه كان يرى أن هناك من هو أحق بالخلافة والبيعة من يزيد.
لما بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية سنة 60هـ أرسلوا إليه رسلا وكتبا بلغت كثر من خمسمائة يدعونه فيها إلى البيعة. فعند ذلك بعث الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى العراق؛ ليكشف له حقيقة الأمر، فإن كان أمراً حازماً محكماً بعث إليه ليركب في أهله وذويه.
فلما دخل مسلم الكوفة جاء أهلها إليه فبايعوه على إمرة الحسين، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفاً ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً فكتب مسلم إلى الحسين؛ ليقدم عليها فقد تمت له البيعة، فتجهز رضي الله عنه خارجاً من مكة قاصداً الكوفة.
فانتشر الخبر فكتب أمير المؤمنين يزيد بن معاوية لعامله على الكوفة ابن زياد بأن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله أو ينفيه عن البلد.
فسمع مسلم الخبر فركب فرسه واجتمع معه أربعة آلاف من أهل الكوفة وتوجه إلى قصر ابن زياد، فدخل ابن زياد القصر وأغلق عليه الباب، فأقبل أشراف وأمراء القبائل بترتيب من ابن زياد في تخذيل الناس عن عقيل ففعلوا، فجعلت المرأة تجيء إلى ابنها وأخيها وتقول له: "ارجع إلى البيت والناس يكفونك، كأنك غداً بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟" فتخاذل الناس حتى لم يبق معه إلا خمسمائة نفس، ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثمائة، ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثون رجلاً، فصلى بهم المغرب ثم انصرفوا عنه فلم يبق معه أحد، فذهب على وجهه واختلط عليه الظلام يتردد الطريق لا يدري أين يذهب، فاختبأ في خيمة، فعلموا بمكانه فأرسل ابن زياد سبعين فارساً فلم يشعر مسلم إلا وقد أحيط به فدخلوا عليه فقام إليهم بالسيف فأخرجهم ثلاث مرات. وأصيبت شفته العليا والسفلى ثم جعلوا يرمونه بالحجارة فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم، فأعطاه أحدهم الأمان فأمكنه من يده وجاؤوا ببغلة فأركبوه عليها وسلبوا عنه سيفه، فالتفت إلى رجل يسمى محمد بن الأشعث فقال له: إن الحسين خرج اليوم إليكم فابعث إليه على لساني تأمره بالرجوع، ففعل ذلك ابن الأشعت، لكن الحسين لم يصدق ذلك.
فأتوا بمسلم بن عقيل فأُدخل على ابن زياد، فأمر بأن تضرب عنقه فأُصعد إلى أعلى القصر وهو يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر، فقام رجل فضرب عنقه وألقى برأسه إلى أسفل القصر وأتبع رأسه بجسده. وكان قتله رضي الله عنه يوم التروية الثامن من ذي الحجة.
ثم إن ابن زياد قتل معه أناساً آخرين وبعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية إلى الشام.
خرج الحسين من مكة قاصداً أرض العراق ولم يعلم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وقبل خروجه استشار ابن عباس فقال له: لولا أن يزرى بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب. فقال الحسين: لأن أُقتل في مكان كذا وكذا أحب إلي من أن أُقتل بمكة.
فلما كان من العشي جاء ابن عباس إلى الحسين مرة أخرى فقال له يا ابن عم! إني أتصبر ولا أصبر إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غدر فلا تغتر بهم، أقم في هذا البلد وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصوناً وشعاباً وكن عن الناس في معزل، فقال الحسين: يا ابن عم! والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونساءك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه.(/1)
وكان ابن عمر بمكة فبلغه أن الحسين قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال له: أين تريد؟ قال: العراق، وهذه كتبهم ورسائلهم وبيعتهم، فقال ابن عمر: لا تأتهم، فأبى، فقال له: إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.
وقال عبد الله بن الزبير له: ( أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: (عجّل الحسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني). (رواه يحيى بن معين بسند صحيح).
فخرج متوجهاً إليهم في أهل بيته وستون شخصاً من أهل الكوفة، وذلك يوم الاثنين العاشر من ذي الحجة. يقال أن الحسين لقي الفرزدق في الطريق فسلم عليه وسأله عن أمر الناس وما وراءه فقال له: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية. ثم أقبل الحسين يسير نحو الكوفة ولا يعلم بشيء مما وقع من قتل ابن عمه مسلم بن عقيل وغيرها من الأخبار، وكان لا يمر بماء من مياه العرب إلا اتبعوه. وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الذي أرسله مسلم، فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد، فوصل كربلاء، فقال: ما اسم هذه الأرض؟ فقالوا له: كربلاء، فقال: كرب وبلاء. فلما كان وقت السحر قال لغلمانه: استقوا من الماء وأكثروا، فأقبلت عليهم خيول ابن زياد بقيادة عمرو بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن تميم والحرّ بن يزيد وكانوا ألف فارس، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون سيوفهم، فأمر الحسين أصحابه أن يترووا من الماء ويسقوا خيولهم وأن يسقوا خيول أعدائهم أيضاً.
فنزل يناشدهم الله والإسلام أن يختاروا إحدى ثلاث: أن يسيِّروه إلى أمير المؤمنين (يزيد) فيضع يده في يده (لأنه يعلم أنه لا يحب قتله) أو أن ينصرف من حيث جاء (إلى المدينة) أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله. (رواه ابن جرير من طريق حسن). فقالوا: لا، إلا على حكم عبيد الله بن زياد. قال: الحر بن يزيد:ألا تقبلوا من هؤلاء ما يعرضون عليكم ؟والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه. فأبوا إلا على حكم ابن زياد. فصرف الحر وجه فرسه، وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم، فكان معهم.
فلما دخل وقت الظهر أمر الحسين رجلاً فأذن ثم خرج في إزار ورداء ونعلين، فخطب الناس من أصحابه وأعدائه واعتذر إليهم مجيئه هذا، ولكن قد كتب له أهل الكوفة أنهم ليس لهم إمام، ثم أقيمت الصلاة فقال الحسين للحرّ بن يزيد تريد أن تصلي بأصحابك؟ قال لا! ولكن صل أنت فصلى الحسين بالجميع ثم دخل خيمته حتى العصر فخرج وصلى بهم، فسأله الحرّ عن هذه الرسائل التي أرسلت له فأحضر له الحسين كتباً كثيرة فنثرها بين يديه وقرأ منها طائفة، فقال الحرّ: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا لك في شيء، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على ابن زياد فقال الحسين الموت أدنى من ذلك. فقال له الحرّ فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، فقال الحسين: أفبالموت تخوفني؟:
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق خوفاً أن يعيش ويرغما(/2)
ثم كرّ الحر على أصحاب ابن زياد فقاتلهم، فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه (ابن جرير بسند حسن).عندها تزاحف الفريقان بعد صلاة العصر، والحسين جالس أمام خيمته محتبياً بسيفه ونعس فخفق برأسه وسمعت أخته الضجة فأيقظته، فرجع برأسه كما هو وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: (إنك تروح إلينا). فتقدم عشرون فارساً من جيش ابن زياد فقالوا لهم: جاء أمر الأمير أن تأتوا على حكمه أو نقاتلكم. فقال أصحاب الحسين: بئس القوم أنتم تريدون قتل ذرية نبيكم وخيار الناس في زمانهم؟ فقال الحسين: ارجعوا لننظر أمرنا الليلة وكان يريد أن يستزيد تلك الليلة من الصلاة والدعاء والاستغفار، وقال: قد علم الله مني أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه والاستغفار والدعاء، وأوصى أهله تلك الليلة، وخطب أصحابه في أول الليل، فحمد الله وأثنى عليه وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له، فإن القوم إنما يريدونني، فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: فما تقول الناس أنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا، لم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف رغبة في الحياة الدنيا , لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم. فلما أذن الصبح صلى رضي الله عنه بأصحابه صلاة الفجر وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً، وأعطى رايته أخاه العباس، وجعلوا الخيام التي فيها النساء والذرية وراء ظهورهم، فدخل الحسين خيمته فاغتسل وتطيب بالمسك ثم ركب فرسه وأخذ مصحفاً ووضعه بين يديه ثم استقبل القوم رافعاً يديه يدعو ثم أناخ راحلته وأقبلوا يزحفون نحوه، فترامى الناس بالنبل، وكثرت المبارزة يومئذٍ بين الفريقين والنصر في ذلك لأصحاب الحسين لقوة بأسهم وأنهم مستميتون لا عاصم لهم إلا سيوفهم، فأرسل أصحاب ابن زياد يطلبون المدد فبعث إليهم ابن زياد نحواً من خمسمائة. دخل عليهم وقت الظهر، فقال الحسين مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلي، فقال رجل من أهل الكوفة: إنها لا تقبل منكم، فصلى الحسين بأصحابه الظهر صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعدها قتالاً شديداً، فتكاثر القوم حتى يصلوا إلى الحسين، فلما رأى أصحابه ذلك تنافسوا أن يقتلوا بين يديه، فقتل عبدالله بن مسلم بن عقيل، ثم قتل عون ومحمد ابنا عبدالله بن جعفر، ثم قتل عبدالرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبي طالب، ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثم قتل عبدالله والعباس وعثمان وجعفر ومحمد إخوان الحسين أبناء علي بن أبي طالب، حتى بقي الحسين لوحده ومكث نهاراً طويلاً وحده لا يأتي أحدٌ إليه إلا رجع عنه لا يحب أن يقتله هيبةً من مكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أحاطوا به فجعل رجل يدعى شمّر يحرضهم على قتله، فرد آخر وما يمنعك أن تقتله أنت؟ فاستبا فجاء شمّر مع جماعة من أصحابه وأحاطوا به فحرضهم على قتله: اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، فجاء سنان بن أنس النخعي، وقيل شمر بن ذي الجوشن فطعنه بالرمح فوقع ثم نزل فذبحه وحز رأسه.
وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشاناً وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء. وما ثبت يغني. ولا شك أنها قصة محزنة مؤلمة، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه وباء بغضب من ربه. وللشهيد السعيد ومن معه الرحمة والرضوان من الله ومنا الدعاء والترضي.
جاءت الرواحل بالنساء والأطفال وأُدخلوا على ابن زياد، فدخلت زينب ابنة فاطمة فقال من هذه؟ فلم تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة، فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، فقالت: بل الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا لا كما تقول، وإنما يفتضح الفاسق ويكذِب الفاجر. قال: كيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتكم؟ فقالت: كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فيحاجونك إلى الله.
قال عبد الملك بن عمير: دخلت على ابن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس، فوالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا برأس ابن زياد بين يدي المختار على ترس.
وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دما، أو أن الجدر كان يكون عليها الدم، أو ما يرفع حجر إلا و يوجد تحته دم، أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة.(/3)
يقول ابن كثير عن ذلك: (وذكروا أيضا في مقتل الحسين رضي الله عنه أنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط وأنه كسفت الشمس واحمر الأفق وسقطت حجارة وفي كل من ذلك نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه.
حكم خروج الحسين:
لم يكن في خروج الحسين رضي الله عنه مصلحة ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ولكنه لم يرجع، و بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى قتلوه مظلوماً شهيداً. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده، ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدره الله كان ولو لم يشأ الناس. وقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء وقد قُدّم رأس يحيى عليه السلام مهراً لبغي وقتل زكريا عليه السلام، وكثير من الأنبياء قتلوا كما قال تعالى: "قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين" آل عمران 183. وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
قال الحافظ ابن كثير: فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتل الحسين رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وسخياً، وقد كان أبوه أفضل منه فقتل، وهم لا يتخذون مقتله مأتماً كيوم مقتل الحسين، فان أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتماً، ورسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحدٌ يوم موتهم مأتماً، ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة، مثل كسوف الشمس والحمرة التي تطلع في السماء وغير ذلك. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر في الدنيا والآخرة يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه ويوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم خسفت الشمس فقال الناس خسفت لموت إبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته.)
ما موقفنا:
لا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه رضي الله عنهم أن يلطم الخدود ويشق الجيوب والنوح وما شابه ذلك، فقد ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( ليس منا من لطم الخدود و شق الجيوب) (أخرجه البخاري) وقال: (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة). أخرجه مسلم. والصالقة هي التي تصيح بصوت مرتفع. وقال: ( إن النائحة إذا لم تتب فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب و سربالاً من قطران) أخرجه مسلم. و قال ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة). و قال ( اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب و النياحة على الميت) رواه مسلم. و قال ( النياحة من أمر الجاهلية و إن النائحة إذا ماتت و لم تتب قطع الله لها ثيابا من قطران و درعاً من لهب النار) رواه ابن ماجة.
*والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمر الله "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون". و ما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر رضي الله عنهم ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى أنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.
إنّ النياحة واللطم وما أشبهها من أمور ليست عبادة وشعائر يتقرب بها العبد إلى الله، وما يُذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنها وأمر باجتنابها.(/4)
فما يفعله الشيعة اليوم من إقامة حسينيات أو مآتم أو لطم ونياحة وبكاء في حقيقتها بدع وضلالات لا تمت لمنهج أهل البيت ولا لعقيدة الإسلام بأي صلة، وإذا كان الشيعة يرددون عبارة ( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة ) فأين هذه العبارة من التطبيق حين يجعلون أموراً من الجاهلية التي نهى محمد عليه الصلاة والسلام عنها شعائر لدين الإسلام ولأهل البيت!! والطامة الكبرى أن تجد كثيراً من مشايخ الشيعة بل من مراجعهم الكبار يستدلون بقوله تعالى { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } على ما يُفعل في عاشوراء من نياحة ولطم وسب وشتم لخلق الله ولصحابة رسول الله ويعتبرون هذا من شعائر الله التي ينبغي أن تُعظم ومن شعائر الله التي تزداد بها التقوى !!!
كيف تجاهل علماء الشيعة الروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء بل وبالمقابل اتهموا أهل السنة مراراً وتكراراً بأنهم حزب بني أمية وأنهم استحدثوا صيام هذا اليوم احتفالاً بمقتل الحسين - عياذاً بالله من ذلك - مع اتفاق أحاديث السنة والشيعة على فضل صيام هذا اليوم وأنّ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم صامه !!!
ألذي يصوم يوم عاشوراء ويحييه بالذكر والقرآن والعبادة يحتفل ويفرح بمقتل الحسين أم من يوزع اللحم والطعام والشراب على الناس في هذا اليوم ويحيي الليل بإنشاد القصائد؟!! أليس هذا تناقضاً ؟ وما اتهام أهل السنة بالفرح بموت الحسين والادعاء بأنّ صيامهم ليوم عاشوراء نكاية بالحسين وبأهل البيت ليس إلا دعاية مذهبية للتنفير منهم ومن مذهبهم وإبرازهم كعدو لأهل البيت دون وجه حق؟!!
موقف يزيد من قتل الحسين:
لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسب لهم حريماً بل أكرم بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم، وأما الروايات التي تقول إنه أهين نساء آل بيت رسول الله وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأُهِنّ هناك، فهو كلام باطل. بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم، ولذلك لما تزوج الحجاج بن يوسف من فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر، وأمر الحجاج أن يعتزلها، وأن يطلقها فهم كانوا يعظمون بني هاشم ولم تسب هاشمية قط."
بل ابن زياد نفسه عندما جيء بنساء الحسين إليه وأهله، وكان أحسن شيء صنعه أن أمر لهن بمنزل من مكان معتزل، وأجرى عليهن رزقاً وأمر لهن بنفقة وكسوة. (رواه ابن جرير بسند حسن).
قال عزت دروزة المؤرخ "ليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين إلى يزيد، فهو لم يأمر بقتاله، فضلاً عن قتله، وكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل". وقال ابن كثير: (والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يُقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك).
وقيل إن ابن زياد أمر برأس الحسين فأرسل إلى يزيد بن معاوية بالشام فلما وضعت بين يديه بكى ودمعت عيناه وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما والله لو أني صاحبك ما قتلتك.
وكان مقتله رضي الله عنه يوم الجمعة يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق وله من العمر ثمان وخمسون سنة.
من قتل الحسين؟
أهم أهل السنة ؟ أم يزيد بن معاوية ؟ أم من ؟
إن الحقيقة العجيبة أن العديد من كتب الشيعة تقرر وتؤكد أن شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين. فقد قال السيد محسن الأمين " بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه " { أعيان الشيعة 34:1 }.
وكانو تعساً الحسين يناديهم قبل أن يقتلوه: " ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، وأنما تقدم على جند مجندة؟ تباً لكم أيها الجماعة حين استصرختمونا والهين، فشحذتم علينا سيفاً كان بأيدينا، وحششتم ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم يداً على أعدائكم. استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الذباب، و تهافتم إلينا كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهاً، بعداً لطواغيت هذه الأمة " { الاحتجاج للطبرسي }.
ثم ناداهم الحر بن يزيد، أحد أصحاب الحسين وهو واقف في كربلاء فقال لهم " أدعوتم هذا العبد الصالح، حتى إذا جاءكم أسلمتموه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه فصار كالأسير في أيديكم؟ لا سقاكم الله يوم الظمأ "{ الإرشاد للمفيد 234، إعلام الورى بأعلام الهدى 242}.(/5)
وهنا دعا الحسين على شيعته قائلاً: " اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً ( أي شيعاً وأحزاباً ) واجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا " { الإرشاد للمفيد 241، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38 }. ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال: " هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا ؟ " أي من قتلنا غيرهم { تاريخ اليعقوبي 235:1 }.
ولما تنازل الحسن لمعاوية وصالحه، نادى قائلاً:" ياأهل الكوفة: ذهلت نفسي عنكم لثلاث: مقتلكم لأبي، وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا و أطيعوا، فطعنه رجل من بني أسد في فخذه فشقه حتى بلغ العظم { كشف الغمة540، الإرشاد للمفيد190، الفصول المهمة 162، مروج الذهب للمسعودي 431:1}.
فهذه كتب الشيعة بأرقام صفحاتها تبين بجلاء أن الذين زعموا تشييع الحسين ونصرته هم أنفسهم الذين قتلوه ثم ذرفوا عليه الدموع، وتظاهروا بالبكاء، ولا يزالون يمشون في جنازة من قتلوه إلى يومنا هذا، ولو كان هذا البكاء يعكس شدة المحبة لأهل البيت، فلماذا لا يكون البكاء من باب أولى على حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الفظاعة التي قتل بها لا تقل عن الطريقة التي ارتكبت في حق الحسين رضي الله عنه حيث بقر بطن حمزة واستؤصلت كبده، فلماذا لا يقيمون لموته مأتماً سنوياً يلطمون فيه وجوههم ويمزقون ثيابهم، ويضربون أنفسهم بالسيوف والخناجر ؟ أليس هذا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ بل لماذا لا يكون هذا البكاء على موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فإن المصيبة بموته تفوق كل شيء ؟ أم أن الحسين أفضل من جده لأنه تزوج ابنة كسرى الفارسية؟
رأس الحسين
لم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام بل الصحيح أن الحسين قتل في كربلاء ورأسه أخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة فذهب برأسه الشريف إلى عبيد الله بن زياد، فجعل في طست، فجعل ينكت عليه، وقال في حسنه شيئاً فقال أنس: " إنه كان أشبههم برسول الله". رواه البخاري. وفي رواية قال: (إرفع قضيبك فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك فانقبض) رواه البزار والطبراني. الفتح(7/96)، ولا يعلم قبر الحسين ولا يعلم مكان رأسه.
الجزاء من جنس العمل
لما قُتل عبيد الله بن زياد على يد الأشتر النخعي، جيء برأسه. فنصب في المسجد، فإذا حية قد جاءت تخلل حتى دخلت في منخر ابن زياد وخرجت من فمه، ودخلت في فمه وخرجت من منخره ثلاثاً (رواه الترمذي ويعقوب بن سفيان).
والواجب:
أولاً: إن ما حصل بين المسلمين من المعارك والحروب إنما هي فتنة ابتلى الله بها هذه الأمة، وإن من منهج أهل السنة والجماعة هو الإمساك عما شجر بين الصحابة. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}. ويمسكون عما شجر بين الصحابة؛ فلهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم. فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور. انتهى.
وهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة خلافاً لغيرهم من أهل البدع.
ثانياً: إن صيام يوم عاشوراء لا علاقة له بمقتل الحسين أبداً كما يدعي بذلك بعض الفرق الضالة المنحرفة، وإنما لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه).(/6)
ثالثاً: إن كل مسلم ينبغي أن يحزنه مقتل الحسين أو حتى غير الحسين من عامة المسلمين فكيف إذا كان من أهل الفضل والمكانة، وكيف إذا كان من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رضي الله عنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عابداً شجاعاً سخياً، ولا يجوز إقامة المآتم في يوم قتله أو لطم الخدود أو شق الثياب كما تفعل الرافضة يوم عاشوراء، وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعاً إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب منها) [رواه الإمام أحمد وابن ماجة].
رابعاً: لقد بالغ الرافضة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً فاحشاً من كون الشمس كسفت يوم قتله حتى بدت النجوم، وما رفع حجر إلا وجد تحته دماً، وأن أرجاء السماء احمرت، وأن الكواكب ضرب بعضها بعضاً، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم، وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام، وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم، إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: فصارت طائفة جاهلة ظالمة إما ملحدة منافقة وإما ضالة غاوية تظهر موالاته وموالاة أهل بيته تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية، والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع.
وقال ابن رجب رحمه الله: "وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة فيه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم".
خامساً: ادعت الدولة الفاطمية التي حكمت الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستمائة وستين، أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور بمصر الذي يقال له تاج الحسين، وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف وهم في ذلك كذبة خونة.
والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمره الله تعالى:" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون". وما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر رضي الله عنهم ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى لأنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم،،،،،، إن التشبه بالكرام فلاح
الصحيح من أقوال أهل العلم أن ليوم عاشوراء فضيلة واحدة فقط ألا وهي صيامه، وأما ما عدا ذلك مما زعم أنه من فضائل عاشوراء فليس له مستند صحيح، وإنما كل ذلك من الافتراء والكذب. هذا هو الثابت في فضل عاشوراء وهو الصيام، وأما ما روي من أمور أخرى في فضل عاشوراء فليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كالتوسعة على الأهل في يوم عاشوراء، حيث روي في الحديث: "من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" وهذا الحديث روي من وجوه متعددة لم يصح منها شيء كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف ص113.
وقال الشيخ الألباني بعد أن تكلم على طرق الحديث: وهكذا سائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين ومن الممكن أن يكونوا من أعداء الحسين رضي الله عنه الذين وضعوا الأحاديث في فضل الإطعام والاكتحال وغير ذلك يوم عاشوراء معارضة منهم للشيعة الذين جعلوا هذا اليوم يوم حزن على الحسين رضي الله عنه؛ لأن قتله كان فيه.
ولذلك جزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن هذا الحديث كذب وذكر أنه سئل الإمام أحمد عنه فلم يره شيئاً وأيد ذلك بأن أحداً من السلف لم يستحب التوسعة يوم عاشوراء وأنه لم يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. تمام المنة ص411 –412. وكذلك ما روي في إحياء ليلة عاشوراء أو صلاة أربع ركعات ليلة عاشوراء ويومها أو زيارة القبور في يوم عاشوراء وقراءة سورة فيها ذكر موسى عليه السلام فجر يوم عاشوراء؛ فكل ذلك لا أصل له شرعا وهو من البدع المحدثة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في جواب سؤال حول ما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وعزوا ذلك إلى الشارع فهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث صحيح أم لا، وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟.(/7)
أجاب: الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين، لا صحيحا ولا ضعيفا، لا في كتب الصحيح ولا السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة.
ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث: مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام وأمثال ذلك، ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم، واستواء السفينة على الجودي، ورد يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك، ورووا ذلك في حديث موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، ورووا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ورواية هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب. الفتاوى الكبرى 2/248 –249.
وقال أيضا الدكتور موسى الموسوى من علماء الشيعة: "ولا ندري على وجه الدقة متى ظهر ضرب السلاسل على الأكتاف في يوم عاشوراء وانتشر في أجزاء من المناطق الشيعية مثل إيران والعراق وغيرهما، ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس وشج الرأس حدادا على الحسين في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد، وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة" المصدر السابق ص99.
والسؤال للذين يضربون بالسيوف وبالسلاسل على رؤوسهم ويشجونها حدادا وحزنا على الحسين والدماء تسيل على جباههم وجنوبهم بشكل مقزز تقشعر من رؤيته الأبدان!! ما بالكم أنزلتم بأنفسكم هذه المصائب والآلام وتقولون واحسيناه؟ أليس الحسين الآن في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟ أليس الحسين الآن في هذه اللحظة في الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين؟ أليس في الجنة حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون؟ فلماذا تفعلون بأنفسكم هذه الأفاعيل لأجل إمام هو الآن في جنة ونعيم ويطوف عليه ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين؟!.(/8)
قصة الحصان
فوائد و ترفية الحصان الحكيم
وقع حصان أحد المزارعين في بئر مياه عميقة ولكنها جافة، وأجهش الحيوان بالبكاء الشديد من الألم من أثر السقوط واستمر هكذا لعدة ساعات كان المزارع خلالها يبحثا لموقف ويفكر كيف سيستعيد الحصان؟
ولم يستغرق الأمر طويلاً كي يُقنع نفسه بأن الحصان قد أصبح عجوزًا وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر، هذا إلى جانب أن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلى ردمها بأي شكل. وهكذا، نادى المزارع جيرانه وطلب منهم مساعدته في ردم البئر كي يحل مشكلتين في آن واحد؛ ( التخلص من البئر الجاف ودفن الحصان ).
وبدأ الجميع بالمعاول والجواريف في جمع الأتربة والنفايات وإلقائها في البئر.
في بادئ الأمر، أدرك الحصان حقيقة ما يجري حيث أخذ في الصهيل بصوت عال يملؤه الألم وطلب النجدة. وبعد قليل من الوقت اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان فجأة، وبعد عدد قليل من الجواريف، نظر المزارع إلى داخل البئر وقد صعق لما رآه، فقد وجد الحصان مشغولاً بهز ظهره ! كلما سقطت عليه الأتربة فيرميها بدوره على الأرض ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة لأعلى.
وهكذا استمر الحال، الكل يلقي الأوساخ إلى داخل البئر فتقع على ظهر الحصان فيهز ظهره فتسقط على الأرض حيث يرتفع خطوة بخطوة إلى أعلى. وبعد الفترة اللازمة لملء البئر، اقترب الحصان .من سطح الأرض حيث قفز قفزة بسيطة وصل بها إلى سطح الأرض بسلام.
وبالمثل، تلقي الحياة بأوجاعها وأثقالها عليك، فلكي تكون حصيفًا، عليك بمثل ما فعل الحصان حتى تتغلب عليها، فكل مشكلة تقابلنا هي بمثابة عقبة وحجر عثرة في طريق حياتنا، فلا تقلق، لقد تعلمت توًا كيف تنجو من أعمق آبار المشاكل بأن تنفض هذه المشاكل عن ظهرك وترتفع بذلك خطوة واحدة لأعلى.
يلخص لنا الحصان القواعد الستة للسعادة بعبارات محددة كالآتي:
اجعل قلبك خاليًا من الهموم
اجعل عقلك خاليًا من القلق
عش حياتك ببساطة
أكثر من العطاء وتوقع المصاعب
توقع أن تأخذ القليل
توكل على الله واطمئن لعدالته
الحكمة من وراء هذه القصة:
كلما حاولت أن تنسى همومك،
فهي لن تنساك وسوف تواصل إلقاء نفسها فوق ظهرك،
ولكنك دوما تستطيع أن تقفز عليها لتجعلها مقوية لك،
وموجهة لك إلى دروب نجاحك
حافظ على قراءة هذا الدعاء في الصباح والمساء وفي كل أوان،
دعاء كشف الهموم، ذات الفوائد العجيبة:
) لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (
فيأتيك الجواب من رب العالمين سبحانه وتعالى:
) فاستجبنا له ونجيناه من الغم ((/1)
قصة الذي قتل مائة نفس
يحيط بابن آدم أعداء كثيرون من شياطين الإنس والجن, والنفس الأمارة بالسوء, وهؤلاء الأعداء يحسنون القبيح , ويقبحون الحسن ، ويدعون الإنسان إلى الشهوات , ويقودونه إلى مهاوي الردى, لينحدر في موبقات الذنوب والمعاصي .
ومع وقوع المعصية من ابن آدم فقد يصاحبه ضيق وحرج , وشعور بالذنب والخطيئة, فيوشك أن تنغلق أمامه أبواب الأمل, ويدخل في دائرة اليأس من روح الله, والقنوط من رحمة الله, ولكن الله العليم الحكيم , الرؤوف الرحيم ، الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير, فتح لعباده أبواب التوبة, وجعل فيها ملاذاً مكيناً, وملجأ حصيناً، يَلِجُه المذنب معترفاً بذنبه, مؤملاً في ربه, نادماً على فعله, غير مصرٍ على خطيئته، فيكفر الله عنه سيئاته, ويرفع من درجاته .
وقد قص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل أسرف على نفسه ثم تاب وأناب فقبل الله توبته , والقصة رواها الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا , فسأل عن أعلم أهل الأرض , فدُلَّ على راهب , فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفسا , فهل له من توبة , فقال : لا , فقتله فكمل به مائة , ثم سأل عن أعلم أهل الأرض , فدُلَّ على رجل عالم , فقال : إنه قتل مائة نفس , فهل له من توبة, فقال : نعم , ومن يحول بينه وبين التوبة , انطلق إلى أرض كذا وكذا , فإن بها أناسا يعبدون الله , فاعبد الله معهم , ولا ترجع إلى أرضك , فإنها أرض سوء , فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت , فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب , فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله , وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط , فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي , فجعلوه بينهم , فقال : قيسوا ما بين الأرضين , فإلى أيتهما كان أدنى فهو له , فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد , فقبضته ملائكة الرحمة . قال قتادة : فقال الحسن : ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره ).
هذه قصة رجل أسرف على نفسه بارتكاب الذنوب والموبقات , حتى قتل مائة نفس , وأي ذنب بعد الشرك أعظم من قتل النفس بغير حق , ومع كل الذي اقترفه إلا أنه كان لا يزال عنده من الرغبة في عفو الله ومغفرته ,ما دعاه إلى أن يبحث عمن يفتيه في أمره , ويفتح له أبواب الأمل , ولم يسأل عن أي عالم , بل سأل عن أعلم أهل الأرض , فدلوه على رجل راهب كثير العبادة قليل العلم , فأخبره بما كان منه , فاستعظم الراهب ذنبه , وقنَّطه من رحمة الله , وازداد الرجل غيّاً إلى غيِّه عندما أخبره أن التوبة محجوبة عنه , فقتله ليتم به المائة .
وبعد قتله للراهب لم ييأس , ولم يقتنع بما قاله له , فسأل مرة أخرى عن أعلم أهل الأرض , فدُلَّ على رجل , وكان عالما بالفعل , فسأله القاتل ما إذا كان يمكن أن تكون له توبة بعد كل الذي فعله , فقال له العالم مستنكرا ومستغربا : ومن يحول بينك وبين التوبة , وكأنه يقول : إنها مسألة بدهية لا تحتاج إلى كثير تفكير أوسؤال , فباب التوبة مفتوح , والله عز وجل لا يتعاظمه ذنب , ورحمته وسعت كل شيء , وكان هذا العالم مربيا حكيما , فلم يكتف بإخباره بأن له توبة , بل دله على الطريق الموصل إليها , وهو تغيير البيئة التي تذكره بالمعصية وتحثه عليها , ومفارقة الرفقة السيئة التي تعينه على الفساد, وتزين له الشر , فأمره بأن يترك أرض السوء , ويهاجر إلى أرض أخرى فيها أقوام صالحون يعبدون الله تعالى , وكان الرجل صادقا في طلب التوبة فلم يتردد لحظة , وخرج قاصدا تلك الأرض , ولما وصل إلى منتصف الطريق حضره أجله , فابتعد بصدره جهة الأرض الطيبة مما يدل على صدقه في التوبة حتى وهو في النزع الأخير , , فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ,كل منهم يريد أن يقبض روحه , فقالت ملائكة العذاب إنه قتل مائة نفس ولم يعمل خيرا أبدا , وقالت ملائكة الرحمة إنه قد تاب وأناب وجاء مقبلا على الله , فأرسل الله لهم ملكا في صورة إنسان , فأمرهم أن يقيسوا ما بين الأرضين , الأرض التي جاء منها , والأرض التي هاجر إليها , فأمر الله أرض الخير والصلاح أن تتقارب , وأرض الشر والفساد أن تتباعد , فوجدوه أقرب إلى أرض الصالحين بشبر , فتولت أمره ملائكة الرحمة , وغفر الله له ذنوبه العظيمة كلها .
إن هذه القصة تفتح أبواب الأمل لكل عاص , وتبين سعة رحمة الله , وقبوله لتوبة التائبين, مهما عظمت ذنوبهم وخطاياهم , إذا صدق الإنسان في طلب التوبة , وسلك الطرق والوسائل التي تعينه عليها , ومن ظن أن ذنباً لا يتسع لعفو الله , فقد ظن بربه ظن السوء, فعلى العبد أن لا ييأس من رحمة الله , وكما أن الأمن من مكر الله من أعظم الذنوب , فكذلك القنوط من رحمة الله , قال عز وجل : { ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } (يوسف: 87) .(/1)
قصة توبة الشيخ عادل الكلباني
جامع الملك خالد بأم الحمام من المعالم البارزة في مدينة الرياض، مئات المصلين يقصدون هذا المسجد في رمضان وغيره، ليستمعوا إلى الشيخ عادل الكلباني (إمام المسجد) بصوته الخاشع الجميل، ونبرته الحزينة المؤثرة، وكغيره من شباب الصحوة كانت له قصة مع الهداية، يرويها لنا فيقول:
لم أكن ضالاًّ بدرجة كبيرة نعم.. كانت هناك كبائر وهفوات أرجعها إلى نفسي أولا، ثم إلى الأسرة والمجتمع.
لم يأمرني أحد بالصلاة يوماً، لم ألتحق بحلقة أحفظ فيها كتاب الله، عشتُ طفولتي كأي طفل في تلك الحقبة، لَعِبٌ ولهوٌ وتلفاز و(دنّانة) و (سيكل) ومصاقيل و (كعابة)، وتتعلق بالسيارات، ونجوب مجرى البطحاء، ونتسكع في الشوارع بعد خروجنا من المدرسة، ونسهر على التلفاز والرحلات وغيرها.
لم نكن نعرف الله إلا سَمَاعاً، ومن كانت هذه طفولته فلابدّ أن يشبّ على حب اللهو والمتعة والرحلات وغيره، وهكذا كان.
وأعتذر عن التفصيل والاسترسال، وأنتقل بكم إلى بداية التعرف على الله تعالى، ففي يوم من الأيام قمتُ بإيصال والدتي لزيارة إحدى صديقاتها لمناسبة ما -لا أذكر الآن- المهم أني ظللت أنتظر خروجها في السيارة، وأدرتُ جهاز المذياع، فوصل المؤشر –قَدَراً- إلى إذاعة القرآن الكريم، وإذ بصوت شجي حزين، يُرتل آيات وقعتْ في قلبي موقعها السديد لأني أسمعها لأول مرة: (وجاءتْ سكرةُ الموتِ بالحقّ ذلكَ مَا كنتَ منه تحيد). صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي -رحمه الله-، كان مؤثراً جداً.
صحيح أني لم أهتدي بعدها مباشرة، لكنها كانت اللبنة الأولى لهدايتي، وكانت تلك السنة سنة الموت، مات فيها عدد من العظماء والسياسيين والمغنين، وظل معي هاجس الموت حتى كدت أصاب بالجنون، أفزع من نومي، بل طار النوم من عيني، فلا أنام إلا بعد أن يبلغ الجهد مني مبلغه. أقرأ جميع الأدعية، وأفعل جميع الأسباب ولكن لا يزال الهاجس.
بدأت أحافظ على الصلاة في وقتها مع الجماعة، وكنت فيها متساهلا، ولكن كنت أهرب من الصلاة، أقطعها، خوفاً من الموت. كيف أهرب من الموت؟ كيف أحِيدُ منه؟ لم أجد إلا مفراً واحداً، أن أفرُّ إلى الله، من هو الله؟ إنه ربي.. إذن فلأتعرّف عليه.
تفكرت في القيامة.. في الحشر والنشر.. في السماء ذات البروج.. في الشمس وضحاها.. في القمرِ إذا تلاها، وكنت أقرأ كثيراً علماً بأني كنتُ محباً لكتاب الله حتى وأنا في الضلالة.. ربما تستغربون أني حفظتُ بعض السور في مكان لا يُذكر بالله أبداً.
عشتُ هذه الفترة العصيبة التي بلغت سنين عدداً حتى شمَّرت عن ساعد الجدِّ، ورأيت -فعلاً- أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن الموت آت لا ريب فيه، فليكن المرء منا مستعداً لهذا: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنت مسلمون). تفكروا –إخواني- في هذه الآية ترَوا عجباً، تفكروا في كل ما حولكم من آيات الله، وفي أنفسكم، أفلا تبصرون؟ عقلاً ستدركون أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.. فكيف –إذن- يكون الحل؟.. أن نعود إلى الله، أن نتوب إليه، أن نعمل بطاعته.
المهم أني عدت إلى الله، وأحببت كلامه سبحانه، ومع بداية الهداية بدأ ارتباطي الحقيقي بكتاب الله العظيم، كنتُ كلما صليتُ خلف إمام أعجبتني قراءته أو الآيات التي قرأها، أعود مباشرة إلى البيت لأحفظها، ثم عُيِّنتُ إماماً بجامع صلاح الدين بالسليمانية، وصليت بالناس في رمضان صلاة التراويح لعام 1405هـ نظراً من المصحف، وبعد انتهاء الشهر عاهدتُ الله ثم نفسي أن أحفظ القرآن وأقرأه عن ظهر قلب في العام القادم بحول الله وقوته، وتحقق ذلك، فقد وضعت لنفسي جدولاً لحفظ القرآن بدأ من فجر العاشر من شهر شوال من ذلك العام، واستمر حتى منتصف شهر جماد الآخرة من العام الذي بعده (1406هـ)، في هذه الفترة أتممت حفظ كتاب الله -ولله الحمد والمنة -.
وقد كانت (نومة بعد الفجر) عائقاً كبيراً في طريقي آنذاك، كنت لا أستطيع تركها إطلاقاً إلى أن أعانني الله، وعالجتها بالجد والمثابرة والمصابرة، حتى أني كنت أنام -أحيانا- والمصحف على صدري، ومع الإصرار والمجاهدة أصبحت الآن لا أستطيع النوم بعد صلاة الفجر إطلاقاً.
ثم وفقني الله فعرضت المصحف على شيخي فضيلة الشيخ أحمد مصطفى أبو حسين المدرس بكلية أصول الدين بالرياض، وفرغت من ذلك يوم الثلاثاء 19رمضان 1407هـ، وكتب لي الشيخ إجازة بسندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برواية حفص عن عاصم، ولعل الله أن يوفقني لإتمام العشر بحوله وقوته.
هذه قصتي مع القرآن ونصيحتي لكل من يريد أن يحفظ القرآن أن يحفظ القرآن.
وكلمة في ذيل القصة ..................
أشير فيها إلى مسئولية الأسرة في تربية الابن، ومسئولية المجتمع، ومسئولية الفرد نفسه، في التفكر والبحث عن الحقيقة والعمل بها.(/1)
ثم أشير إلى أهمية كتاب الله، هذا الكتاب العظيم الذي يطبع بالملايين، وتصدر التسجيلات الإسلامية مئات الأشرطة منه.. تريدون الخير في الدنيا عليكم به، تريدون الخير في الآخرة عليكم به.. فوالله الذي رفع السماوات بغير عَمَدٍ لا أجد في شخصي شيئاً أستحق به أن أصدّر في المجالس، أو أن يشار إليّ ببنان مسلم، أو أن يحبني شخص وهو لم يَرَني… إلا بفضل كتاب الله عليّ.. ما أهون هذا العبد الأسود على الناس لولا كتاب الله بين جنبيه.. وكلما تذكرت هذا لا أملك دمعة حَرَّى تسيل على مُقْلَتي فألجأ إلى الله داعياً أن يكون هذا القرآن أنيساً لي يوم أموت، وحين أوسَّد في التراب دفيناً، وحين أُبعث من قبري إلى العرض على ربي.
أرجوه -جلت قدرته- أن يقال لي: اقرأ وارق، ورتّل كما كنت تُرتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها.
وأسأله -جلت قدرته- أن أكون مع السّفرَة الكرام البَررة، وأن يجعل حب الناس لي عنوان محبته، ورفعهم لي رفعة لدرجتي في الجنة إنه جواد كريم.
أخوكم
العبد الفقير إلى رحمة ربه المنان
أبو عبد الله عادل بن سالم الكلباني(/2)
قصة جريج العابد
كان في الأمم السابقة أولياء صالحون , وعباد زاهدون , وكان جريج العابد أحد هؤلاء الصالحين الذين برَّأهم الله عز وجل , وأظهر على أيديهم الكرامات , بعد أن تربص به المفسدون , وحاولوا إيقاعه في الفاحشة , ثم تشويه سمعته بالباطل , وهكذا أهل الفجور في كل زمان ومكان , لا يهنأ لهم بال , ولا يطيب لهم عيش إلا بأن يشاركهم الآخرون في غيهم وفسادهم , والقصة أخرجها البخاري و مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة , عيسى ابن مريم , وصاحب جريج , وكان جريج رجلا عابدا , فاتخذ صومعة فكان فيها, فأتته أمُّه وهو يصلي , فقالت : يا جريج , فقال : يا رب أمي وصلاتي , فأقبل على صلاته , فانصرفت , فلما كان من الغد أتته وهو يصلي , فقالت : يا جريج , فقال : يا رب أمي وصلاتي , فأقبل على صلاته , فانصرفت , فلما كان من الغد أتته وهو يصلي , فقالت : يا جريج , فقال : أي رب أمي وصلاتي , فأقبل على صلاته , فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات .
فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته , وكانت امرأة بغي يُتَمثَّلُ بحسنها , فقالت : إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم , قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها, فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته , فأمكنته من نفسها , فوقع عليها , فحملت , فلما ولدت قالت : هو من جريج , فأتوه فاستنزلوه , وهدموا صومعته , وجعلوا يضربونه , فقال : ما شأنكم , قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك , فقال : أين الصبي , فجاءوا به , فقال : دعوني حتى أصلي , فصلى , فلما انصرف أتى الصبي فطَعَنَ في بطنه , وقال : يا غلام , من أبوك ؟ قال : فلان الراعي , قال : فأقبلوا على جريج يقَبِّلونه ويتمسحون به, وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب , قال : لا , أعيدوها من طين كما كانت , ففعلوا ) .
كان جريج في أول أمره تاجراً , وكان يخسر مرة ويربح أخرى , فقال : ما في هذه التجارة من خير , لألتمسن تجارة هي خير من هذه التجارة , فانقطع للعبادة والزهد , واعتزل الناس , واتخذ صومعة يترهَّب فيها , وكانت أمه تأتي لزيارته بين الحين والحين , فيطل عليها من شُرْفة في الصومعة فيكلمها , فجاءته في يوم من الأيام وهو يصلي , فنادته , فتردد بين تلبية نداء أمه وبين إكمال صلاته , فآثر إكمال الصلاة على إجابة نداء أمه , ثم انصرفت وجاءته في اليوم الثاني والثالث , فنادته وهو يصلي كما فعلت في اليوم الأول , فاستمر في صلاته ولم يجبها , فغضبت غضبا شديداً , ودعت عليه أن لا يميته الله حتى ينظر في وجوه الزانيات , ولو دعت عليه أن يفتن لفتن - كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى لهذا الحديث - , فاستجاب الله دعاء الأم , وهيأ أسبابه , وعرضه للبلاء
فقد تذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وزهده , فسمعت بذلك امرأة بغي يضرب الناس المثل بحسنها وجمالها , فتعهدت لهم بإغوائه وفتنته , فلما تعرضت له لم يأبه بها , وأبى أن يكلمها , ولم يعرها أي اهتمام , فازدادت حنقا وغيظا , حيث فشلت في ما ندبت نفسها له من فتنة ذلك العابد , فعمدت إلى طريقة أخرى تشوه بها سمعته , ودبرت له مكيدة عظيمة , فرأت راعياً يأوي إلى صومعة جريج , فباتت معه , ومكنته من نفسها , فزنى بها , وحملت منه في تلك الليلة , فلما ولدت ادَّعت بأن هذا الولد من جريج , فتسامع الناس أن جريجا العابد قد زنى بهذه المرأة , فخرجوا إليه , وأمروه بأن ينزل من صومعته , وهو مستمر في صلاته وتعبده , فبدءوا بهدم الصومعة بالفؤوس , فلما رأى ذلك منهم نزل إليهم , فجعلوا يضربونه ويشتمونه ويتهمونه بالرياء والنفاق , ولما سألهم عن الجرم الذي اقترفه , أخبروه باتهام البغي له بهذا الصبي , وساقوه معهم , وبينما هم في الطريق , إذ مروا به مروا به قريبا من بيوت الزانيات , فخرجن ينظرن إليه , فلما رآهن تبسم , ثم أمر بإحضار الصبي , فلما جاءوا به طلب منهم أن يعطوه فرصة لكي يصلي ويلجأ إلى ربه , ولما أتم صلاته جاء إلى الصبي , فطعنه في بطنه بإصبعه , وسأله والناس ينظرون , فقال له: من أبوك ؟ فأنطق الله الصبي بقدرته , وتكلم بكلام يسمعه الجميع ويفهمه , فقال : أبي فلان الراعي , فعرف الناس أنهم قد أخطئوا في حق هذا الرجل الصالح , وأقبلوا عليه يقبلونه ويتمسحون به , وأرادوا أن يكفروا عما وقع منهم تجاهه , فعرضوا عليه أن يعيدوا بناء صومعته من ذهب , فرفض وأصر أن تعاد من الطين كما كانت , ثم سألوه عن السبب الذي أضحكه عندما مروا به من عند بيوت الزانيات , فقال : ما ضحكت إلا من دعوة دعتها عليَّ أمي .(/1)
إن قصة جريج مليئة بالعبر والعظات , فهي تبين لنا خطورة عقوق الوالدين وتركِ الاستجابة لأمرهما , وأنه سبب لحلول المصائب على الإنسان , فكل هذه المحن والابتلاءات التي تعرض لها هذا العبد الصالح , كانت بسبب عدم استجابته لنداء أمه , ومن فوائد القصة ضرورة أن يلجأ العبد إلى ربه عند الشدائد , والصلاة هي خير ما يُفْزع إليه عند الكرب , ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة , وأن الله ينجي العبد ويجعل له فرجاً ومخرجاً , بصلاحه وتقواه كما أنجى جريجا وبرأه مما نسب إليه .
ومن الفوائد التي لها علاقة بالواقع , أن الماضين كانوا يعتبرون مجرد النظر إلى وجوه المومسات نوعاً من البلاء والعقوبة , ولهذا دعت أم جريج على ابنها بتلك العقوبة , فكيف بحالنا في هذا العصر الذي انفتح الناس فيه على العالم انفتاحا شديدا , عبر وسائل الاتصال الحديثة , وعرضت المومسات على الناس صباح مساء عبر أجهزة التلفاز والقنوات الفضائية وعبر شبكة الإنترنت , ولا شك أن ذلك من العقوبات العامة التي تستوجب من المسلم أن يكون أشد حذرا على نفسه من الوقوع في فتنة النظر الحرام , فضلا عن مقارفته وارتكاب الفاحشة والعياذ بالله .
وهكذا ظهر لنا أن الابتلاء فيه خير للعبد في دنياه وأخراه , إذا صبر وأحسن الظن بالله, فجريج كان بعد البلاء أفضل عند الله وعند الناس منه قبل الابتلاء , نسأل الله السلامة من الفتن وأن يثبتنا عند البلاء .(/2)
قصة عجوز بني إسرائيل وواقع الدول الإسلامية
د.علي الحمادي *
</TD
لقد مَنّ الله على أمتنا ( أمة الإسلام ) بأن جعلها خير أمة أُخرجت للناس، فقد قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...)[آل عمران: من الآية110].
فهي الأمة التي عجز التاريخ عن تسطير أمجادها، وهي الأمة التي رعاها ربُّها وتكفل بها خالقها، فسادت الدنيا، وصنعت البطولات، وهندست الحياة، وقادت البشرية، وحفرت بصماتها المباركة في مشارق الأرض ومغاربها، وعبرت القارات والقرون، ودانت لها رقاب الجبابرة، وارتجف لعظمتها القياصرة والأكاسرة، وصدق فيها قول القائل:
ملكنا هذه الدنيا قرونا**0وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء**فما نسى الزمان ولا نسينا
ولكن الحال لم يستمر كما كان في زمن أسلافنا، بل تبدَّل، فأصبحنا تبعاً لغيرنا، وأصبح ولاء كثير من أبناء جلدتنا لأعدائنا، وأصبح دمنا أرخص الدماء، وأصبحنا كالأيتام على مآدب اللئام، بل أصبحنا ألعوبة بيد الشرق والغرب، إذ سُفكت دماؤنا، ودُنَّست مقدساتنا، وهُتكت أعراضنا، ونُهبت ثرواتنا، ويُتِّم أبناؤنا، وثُكلتْ نساؤنا، واحتُلت ديارنا، فلم يعد لنا أثر أو تأثير، ولا واقع مشرف كريم.
انظر إلى واقع الدول العربية والإسلامية، وتأمّل التقارير والإحصائيات التي تنشرها المنظمات والهيئات العربية والإسلامية والدولية لتتعرف على عمق المأساة التي تعانيها أمتنا.
هل تعلم أن نصف سكان العالم العربي ممن تجاوزت أعمارهم (15) عاماً أميون (حسب تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام 2002)، وأن هناك (70) مليون مواطن عربي أمِّي ثلثاهم من الأطفال والنساء (حسب تقرير منظمة اليونيسف)؟!
هل تعلم أن ما تنفقه دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) على البحوث التطبيقية يعادل (20) ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث التطبيقية؟!
هل تعلم أن حصة الدول العربية مجتمعة من المقالات المنشورة في الصحف العالمية لا تتعدى (1%) في حين أن حصة ألمانيا وحدها من هذه المقالات تزيد على (7%)؟!
هل تعلم أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في سنة (2001) في الدول العربية مجتمعة لا يكاد يتجاوز (70) براءة اختراع، في حين أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في نفس السنة: في إسرائيل (1031) براءة اختراع، وفي اليابان (35) ألف براءة اختراع، وفي أمريكا (99) ألف براءة اختراع، وفي ألمانيا (12) ألف براءة اختراع، وفي تايوان (6500) براءة اختراع؟!!
هل تعلم أن إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا فقط أكبر من إجمالي الناتج القومي لجميع الدول العربية (حسب تقارير 2001)؟!
هل تعلم أن مبيعات شركة (جنرال موتورز) أكبر من الناتج المحلي لأوندنيسيا(لسنة 2001)، والتي يبلغ تعداد سكانها (220) مليون؟!
هل تعلم أن مبيعات شركة (سوني) أكبر من الناتج المحلي لمصر (لسنة 2001) والتي يبلغ تعداد سكانها (70) مليون؟!
هل تعلم أن مؤشر الشفافية (والذي كلما ارتفعت درجة هذا المؤشر كلما دلّ ذلك على أن الفساد قليل، وكلما انخفض فإنه يدل على انتشار الفساد بجميع أنواعه) لأحسن دولة إسلامية (ماليزيا) لا يتجاوز (5) من (10)، في حين أن كثيراً من الدول الإسلامية لا يتجاوز هذا المؤشر (2) من (10) حسب تقرير المنظمة الدولية للشفافية، والتي مقرها في ألمانيا، وهذا يدل على أن كثيراً من الدول العربية والإسلامية تسبح في محيطات مظللة من الفساد، فيا للعجب!!
وهل تعلم أن إجمالي الناتج العالمي سيزداد (300) مليار دولار تقريباً عندما يتم تطبيق اتفاقية التجارة العالمية، وبعد إزالة جميع الحواجز التي تقف أمام هذه الاتفاقية، وستكون هذه الزيادة موزعة (كما ذكرت إحدى الدراسات) كالتالي: نصيب الولايات المتحدة الأمريكية هو (36) مليار دولار، في حين أن نصيب جميع الدول النامية (وهي 120دولة) والتي تنتمي إليها الدول العربية والإسلامية هو (17) مليار دولاراً فقط!!
إنني بذكر هذه المعلومات أريد أن أُشعل الحماس في نفوس أبناء هذه الأمة المباركة، هذه الأمة التي ستبقى -بإذن الله- نابضة بالحياة، محدِّقة ببصرها إلى السماء، منتظرة اللحظة التي تمزق فيها أغلالها، وهي آتية بإذن الله، لا محالة.
إنني أذكر هذه المعلومات لأستنهض هذه الأمة من جديد، وكم تعجبت من قصة عجوز من بني إسرائيل، أبت إلاّ أن تكون مع نبي الله موسى -عليه السلام- في الجنة، في موقف ناهض للهمة، مشعل للحماس، فما أروع هذه النماذج، وما أحوج الأمة إلى أمثالها!!
فعن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابياً، فأكرمه فقال له: "ائتنا" فأتاه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سلْ حاجتك"، فقال: ناقة تركُبها، واعنُزاً يحلبها أهلي.(/1)
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟
قال: "إن موسى لَّما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلُّوا طريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموتُ أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى تُنقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فقال: دُليني على قبر يوسف، قال: حتى تُعطيني حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أكونُ معك في الجنة.
فكره (موسى) أن يُعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها؟ فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء، فقالت: انضِبُوا هذا الماء، قالت: احتفِروا واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلُّوها إلى الأرض، إذا الطريق مثل ضوءِ النهار" (حديث حسن رواه أبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم).
شتان ما بين همة وطموح وسمو هذه المرأة على الرغم من كبر سنها، وبين همة وطموح ذلك الأعرابي الذي شهد سباقاً للخيول، فسبق فرسٌ، فطفق يكبر ويثب من الفرح، فقال له من يجانبه: أهذا الفرس فرسك؟ قال الأعرابي: لا، ولكن اللجام لي!!
إن هذه المستويات المتواضعة لا يمكن تبني أمة، أو تصنع حضارة، أو تُحدث تأثيراً، وصدق صالح بن عبد القدوس حينما قال:
إذا أنت لا تُرجى لدفع مُلِمَّةٍ ** ولم يكُ للمعروف عندك موضعُ
ولا أنت ذو جاهٍ يُعاشُ بجاهه **ولا أنت يوم البعث للناس تشفعُ
فعيشك في الدنيا وموتك واحد ** وعُودُ خلالٍ منْ حياتك أنفعُ
لقد تأملت كثيراً في واقع هذه الأمة، وآلمني ما آل إليه أمرها، كما تأملت في كتاب الله وفي سنة رسوله، وفي تاريخ المسلمين فأيقنت أن ثمة خللاً أودى بهذه الأمة، وأن أمتنا قوية بقوة الله ثم بقوة المنهج الرباني وما فيه من حق وصلاح، وأن نهوضها من جديد أمر ممكن -بإذن الله تعالى- ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.
* رئيس مركز التفكير الإبداعي
ورئيس مركز الدقيقة الواحدة
والمشرف العام على الموقع الإلكتروني إسلام تايم(/2)
قصة في الحرم ( سنة الأنبياء )
د. سلمان بن فهد العودة
أذكر أني قابلت أحد الشباب في الحرم المكي أيام رمضان, وكان يعتمر ويعتجر عمامة بيضاء، وشعره يضرب إلى منكبيه، ويلبس ثوباً قصيراً ربما إلى نصف ساقيه, وفوق هذا الثوب قميص أسود شبيه بالرداء..
في مشهد لافت للنظر, ومثير للانتباه؛ فكل من نظر إليه صعّد النظر فيه وصوّبه..
جلس معي, وسألته عن هيئته! فردّ بأنه يتبع سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في لباسه وشعره؛ فأجبته: بأن الصحيح أن مسألة العمامة ليست سنة, وإنما هي من عادات العرب في الجاهلية, وأما لبس الرسول -صلى الله عليه وسلم- لها فهو من باب العادة, فلا نقول إنها مأمور بها، ولا منهيّ عنها، بمعنى أنها أمر متروك لعادات الناس وأعرافهم، ولا يصحّ في العمامة حديث.
هذه واحدة.
والثانية: أن الراجح في الشَّعر أنه من العادات؛ فطول شعره -صلى الله عليه وسلم- ليس سنة وإنما عادة، ومن كان له شعر فليكرمه، والأمر فيه يسير.
أما الأمر الثالث: فهو أنك معتمر, والسنة التي لا خلاف عليها هو حلق الرأس للمعتمر, وقد دعا صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ", ثم قال في الثالثة: "وَلِلْمُقَصِّرِينَ"، فلماذا تركت هذه السنة الواضحة الثابتة؟!
أما رابعاً وأخيراً: فانتبه إلى حظوظ النفس, أن تجد مدخلاً من جهة لفت النظر والتميّز, وأن تعمل ببعض الظواهر المختلف فيها لاسترعاء اهتمام الناس، وما في ذلك من كيد الشيطان الخفيّ، ونسيت أن صاحب السنة -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لباس الشهرة، وهذا ما لم يذكره صاحب هذا الاقتداء المنقوص.
إن هذا نموذج للوعي السلبي بالاهتمام بالتفاصيل العادية غير المؤثرة, وفي المقابل خرم القواعد الكبار, تحت عباءة السنة النبوية، وهدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فليست السنة امتحان الناس في تفاصيل التفاصيل, و لا تحميل الناس ما لا يطيقون من جزئيات و فرعيات وافتراضات؛ يتورّعون فيها عن خفايا ودقائق لا ترد على البال إلا بتكلّف وتعسّف, ثم ينتهكون الحرمات المتّفق عليها من أعراض الناس وحقوقهم, وواجبات التعامل الأخلاقي معهم, ورعايتهم والاهتمام بهم, وجمعهم على سبيل الوحدة والإيمان.
إن السنة النبوية العظيمة ليست حصراً في دقائق العبادات مع الإيمان بدخول ذلك في معنى السنة، إنها أعم من ذلك وأشمل وأعظم؛ إنها معانٍ شريفة في تحقيق مقاصد النبوة والرسالة، ووسائل صالحة نافعة لأداء هذه المقاصد التي خلق الله جنس الإنسان من أجل تحقيقها: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[سورة الذاريات:56], ولقيام الناس بمعنى الإيمان والسعي للخير, ومكارم الأخلاق وأصولها, وأركان الإسلام من الشهادتين, والصلاة, والزكاة, والصيام, والحج؛ ولهذا لمّا أخبر الله عن الأنبياء في السورة التي حملت اسم: (الأنبياء) ذكر السنن العظام للأنبياء: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ).[سورة الأنبياء:73].
فالخيرات ركن عظيم وسنة كبيرة من سنن المرسلين، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وعبادة الله.
وحين ذكر الله قصص أنبياء آخرين قال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). [سورة الأنبياء:90], وختم قصص الأنبياء في السورة بقوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). [سورة الأنبياء:92]، ثم خاطب رسول هذه الأمة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ*قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ). [سورة الأنبياء:107-108].
هذه هي مقاصد الأنبياء, ومعاني الرسل والرسالة، والقواعد الأساسية للسنة النبوية التي حكاها الله في كتابه الكريم، وأمر بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه, كما في حديث جبريل الطويل, عن أصول الإسلام والإيمان والإحسان؛ من فعل الخيرات, وإقامة أركان الدين العملية, وتحقيق الإيمان, واليقين, والخشوع, و العبادات القلبية, وتهذيب السلوك والنفس, وتوحيد الأمة على عبادة الله، وعدم السعي في تشتيتها أوزاعاً وأحزاباً تقتات من بعضها، وتطبيع معنى الرحمة والتبشير:"بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا" رحمة للعالمين أجمع..
هذه هي أهم السنن، فهل ترى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مخالفة لأصول الأخلاق, أو مجافية لمعنى الرحمة التي جعلها الله مقصداً للرسالة؟! أم هل ترى فيها سعياً لبث الضيق والتنفير بدل السعة والتبشير؟!(/1)
وهؤلاء هم أحباب محمد -صلى الله عليه وسلم- في العالم الإسلامي, بل العالم أجمع يهبّون لنصرته بالدعوات, والمؤتمرات, واللقاءات, والمقاطعات, بل والملصقات، فالله الله أن يكونوا على أثر محمد -صلى الله عليه وسلم- في تحقيق مقاصده؛ مقاصده في جمع الكلمة, ونبذ الفرقة، وفي تحقيق الإيمان والدعوة إليه، وفي مواقفه النبيلة عليه السلام.. ولنا في كل ذلك سنة واقتداء ولو كره المبطلون.
و أظن أنه لم يمرّ بالمسلمين عصرٌ يحتاجون فيه إلى إحياء سنته -صلى الله عليه وسلم- العلمية والعملية ومقاصده مثلما يحتاجون في هذا العصر، هنا وهناك انقسامات مذهبية حاضرة لتقديم شخصيات إسلامية إما نظرياً أو عملياً فوق مستوى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى مستواه، وانقسامات فكرية داخل مجتمعات المسلمين, قد تكون بسبب مؤثرات داخلية أو خارجية سواء كانت أفكاراً شرقيةً أو غربية، ولّدت أشكالاً من التفرّق، وانقسامات حركية في الجماعات الإسلامية المختلفة، حتى ربما أُعطي زعيم الجماعة - أحياناً- نوعاً من المكانة والهالة عند بعض الأتباع مما يرفضه المتبوع نفسه، بسبب الارتباط العاطفيّ المتضخّم, والولاء الفكريّ الراسخ.
ونحن في حاجة إلى سنته عليه السلام في صبره ويقينه، وعلى سبيل المثال: كان صلى الله عليه وسلم يتدرّج في الدعوة إبان الفترة المكيّة، وتدرّجه نوعٌ من الصبر الذي وصف الله به الأنبياء (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). [سورة السجدة:24]، ومن هذه الآية قال سفيان كلمته الشهيرة: بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.
ولمّا هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم كان يمشي بخطوات ثابتة ومواقف مدروسة، ولم يكن يغريه أن يقفز قفزات غير مناسبة, أو يحرق المراحل، وحتى ما يعدّه الناس تراجعاًً أو فشلاً كان ينظر إليه وفق خطة عامة ذكية على أنه نجاح كبير, مثل صلح الحديبية, فمع أن بعض الصحابة صنّفوه على أنه نوع من التنازل عدّه صلى الله عليه وسلم نجاحا ً كبيراً، بل سمّاه الله فتحاً, كما قال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا). [سورة الفتح:2]، فإن الآيات في صلح الحديبية على قول أغلب المفسرين.
ولمّا رجع الناس من غزوة مؤتة –كما عند البيهقي في الدلائل وسيرة ابن إسحاق- كان بعض من استقبل المسلمين في المدينة يَحْثُونَ فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ, وَيَقُولُونَ: يَا فُرّارُ! أَفَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ؟
فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسُوا بِفُرّارٍ, وَلَكِنّهُمْ كُرّارٌ إنْ شَاءَ اللّهُ".
لأنه صلى الله عليه وسلم ينظر للأمر من مبدأ عام, ويمشي بخطوات ثابتة حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى المستوى والتأثير المعروفَيْن.
وإن من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهمه لنفسيات الناس, وإدراكه لطريقة التعامل معهم, وحسن أخلاقه, ولطفه, وتجرّده من أدواء النفس وخفاياها و أوضارها، وربما وجدت داعية إلى سنته صلى الله عليه وسلم يبتعد مع الأيام في قضاياه عن الدعوة؛ لكي يقترب من نفسه؛ فيرتبط بموقفه الخاص أكثر, ويغريه اهتمام الناس بذلك وحديثهم عنه, فتدور نقاشاته حول ذاته، وحتى حزنه على من ردّ دعوته هو في حقيقته ليس لفوات الخير عن الناس ورحمته لهم، بل لإحساسه بالتعرّض لنوع ٍ من الإهانة والابتذال، لتنتهي حقيقة الدعوة عند هذا، وتبدأ حظوظ النفس ومشاكل القلوب.
ومن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي يقفزها الكثير من أتباعه مساعدته للناس على قبول دعوته، ولقد بلغ في هذا إلى قدر عظيم, حتى بنى جسراً للعدو الهارب, وفتح خطاً للرجعة لمن رفض القبول، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يذكّرهم ويعيّرهم بالماضي الذي قد يؤذيهم, أو يبعدهم من هذه الدعوة, بل ساعدهم على النسيان، حتى عفا عمن أخطؤوا عليه عام الفتح, وقال: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"، كما في السيرة النبوية وسنن البيهقي وتاريخ الطبري.
ونهى عن سب المشركين الأموات حتى لا يؤذوا الأحياء.
وقد تجد من المصلحين اليوم من يشرف بنفسه على صنع الخصومة, ويضع العقبات لمن يظهر منه استجابة - من حيث يشعر أو لا يشعر-، ويفتح باباً طويلاً عريضاً للمحاسبة في أخطاء الماضي، وللشروط في قبول الدعوة كأنه يسعى لتأجيل استجابة الناس وتأخير وصولهم إلى برّ الأمان.(/2)
يعمل كل هذا في غفلةٍ عن أن الداعية مبلّغ رشيد؛ يردم ما فسد من عوادي الزمن والأمم، ويخفف أجواء الشر والفتنة, بدل أن يحترق معها أو يحتطب لها, أو يضيف إليها وقوداً جديداً في سبيل ما يظن أنها دعوة للسنة النبوية، فهذه هي السنة النبوية، وهذه سنن المرسلين لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، فهم لا يسألون الناس أجراً, بل هم هدًى للعالمين وصدق الله: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ).[سورة الأنعام:90].
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.(/3)
قصة مؤمن آل ياسين- دروس وعبر
رئيسي :التأريخ :الأحد 2 جمادى الأولي 1425هـ - 20 يونيو 2004 م
إن الدفاع عن العقيدة الصحيحة والمنهج الحق؛ مطلب كل داعية مؤمن بالله ورسُله. والدعوة إلى الحق والهدى بعد معرفته وتبيّنه؛ صفة المسلم الصادق، يفعل ذلك ويؤديه حسب قدرته، باذلاً لذلك كل وقته، ومستمراً عليه حتى لو أدى به ذلك إلى القتل وإزهاق الروح؛ لأنه يعلم أنه لن يموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً.
وتلك هي صفة مؤمن آل ياسين الذي تحدث الله عنه وعن قومه ضمن آيات من سورة يس، يقول فيها سبحانه:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ إذْ جَاءهَا المُرْسَلُونَ [13] إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إنَّا إلَيْكُم مُّرْسَلُونَ [14] قَالُوا مَا أَنتُمْ إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إنْ أَنتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ [15] قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ [16] وَمَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ [17] قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتهوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [18] قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ [19] وَجَاء مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ [20] اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ [21] وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ [22] أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ [23] إنِّي إذاً لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [24] إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [25] قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [26] بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ [27] وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ [28] إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإذَا هُمْ خَامِدُونَ[29]}[سورة يس] .
فقد أخبر سبحانه في هذه الآيات أنه أرسل إلى أهل مدينة اثنين من الرسل يدعوانهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، فبادروهما بالتكذيب، فعززهما الله وقوّاهما برسول ثالث، فقالوا لأهل تلك القرية: إنا إليكم مرسلون من ربكم الذي خلقكم، يأمركم بعبادته وحده لا شريك له، فقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا، وكيف أوحي إليكم وأنتم بشر، ونحن بشر، فلِمَ لا يوحى إلينا مثلكم؟ ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة.
وهذه شبهة كثير من الأمم المكذبة، كما قال سبحانه:{ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا...[6]}[سورة التغابن]. وقوله:{ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ[34]}[سورة المؤمنون].
وعندما قال أولئك المكذبون ما قالوا من التكذيب؛ قالت لهم رسلهم: إنا رسل الله إليكم، ولو كنا كذبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار كما قال جل شأنه:{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[52]}[سورة العنكبوت].
وتمادى أهل القرية في طغيانهم، وراحوا يتطيرون بهؤلاء المرسلين، ويقولون كما قال قتادة: إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم، وإنكم إذا لم تنتهوا فسوف نرجمكم بالحجارة، وسيصيبكم منا عقوبة شديدة، فقالت لهم رسلهم: إن طائركم معكم، مردود عليكم، وأنتم ما قابلتمونا بهذا الكلام، وتوعدتمونا وتهددتمونا إلا من أجل أنّا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله، وإخلاص العبادة له، بل أنتم قوم مسرفون، لتطيركم وكفركم وفسادكم.
ولأن تلك الساحة لم تخل ممن عمرَ الإيمانُ قلوبهم، وتعمقت الدعوة في أفئدتهم، وأقضّ المنكر كل ذرة في أبدانهم؛ لأجل ذلك قيض الله لهؤلاء الرسل من يدافع عنهم؛ فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى، لينصرهم من قومه، قيل: إن اسمه حبيب النجار، وكان رجلاً سقيماً قد أسرع فيه الجذام، وكان كثير الصدقة، يتصدق بنصف كسبه، مستقيم الفطرة، وقيل: كان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان يعكف على عبادة الأصنام سبعين سنة يدعوهم، لعلهم يرحمونه، ويكشفون ضره، فلما أبصر الرسل دعوه إلى عبادة الله فقال: هل من آية؟ قالوا: نعم: ربنا على ما يشاء قدير؛ وهذه لا تنفع شيئاً ولا تضر، فآمن، ودعوا ربهم، فكشف الله ما به، كأن لم يكن به بأس، فحينئذ أقبل على التكسب، فإذا أمسى تصدق بكسبه، فأطعم عياله نصفاً، وتصدق بنصف.(/1)
فلما همّ قومه بقتل الرسل جاءهم، فوعظهم أحسن ما تكون الموعظة، وذكّرهم بحق الله من العبادة والتعظيم، فقتلوه، فما خرجت روحه إلا إلى الجنة، فدخلها، فذلك قوله:{قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ} فلما شاهدها قال:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [26] بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ} قال الإمام القرطبي:'قلت: والظاهر من الآية أنه لما قُتل قيل له: ادخل الجنة. قال قتادة: أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق، أراد قوله تعالى:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ ُرْزَقُونَ[169]}
[سورة آل عمران] .
وإذا تأمل العبد المسلم هذه الحادثة المؤثرة استنبط منها الدروس والعبر، ومن ذلك:
1- الحث على سرعة الاستجابة للحق، متى ما ظهرت علامته، واتضحت دواعيه: ثم الدعوة إليه دون بطء أو تكاسل؛ فإن هذا المؤمن الشهيد حينما استشعر حقيقة الإيمان، تحركت هذه الحقيقة في ضميره، فلم يطق عليها سكوتاً، ولم يقبع في داره بعقيدته، وهو يرى الضلال من حوله، والجحود، والفجور، ولكنه سعى بالحق الذي استقر في ضميره، وتحرك في شعوره.
سعى به إلى قومه وهم يكذبون، ويتوعدون، ويهددون. وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق، وفي كفهم عن البغي، وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين.
ونجد في الآيات الكريمة وصفاً لهذا المؤمن الشهيد بالسعي، وهذا كما يقول صاحب تفسير التحرير والتنوير:'يفيد أنه جاء مسرعاً، وأنه بلغه هَمّ أهل القرية برجم الرسل، أو تعذيبهم، فأراد أن ينصحهم خشية عليهم وعلى الرسل، وهذا ثناء على هذا الرجل، يفيد أنه ممن يُقتدى به في الإسراع إلى تغيير المنكر'.
2- ومن الدروس والعبر كذلك هنا: أن من أسباب قبول دعوة الداعين إلى الحق عدم طلبهم أجراً دنيوياً، أو كسباً مادياً: ولذا قال هذا المؤمن لقومه:{اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ}. وقد قُدم عدم سؤال الأجر على الاهتداء؛ لأن القوم كانوا في شك من صدق المرسلين، وكان من دواعي تكذيبهم اتهامهم بأنهم يجرّون لأنفسهم نفعاً من ذلك؛ لأن القوم لما غلب عليهم التعلق بحب المال، وصاروا بُعداء عن إدراك المقاصد السامية كانوا يعدّون كل سعي يلوح على امرئ إنما يسعى به إلى نفعه فقُدِّم ما يزيل عنهم هذه الاسترابة. والأجر يصدق بكل نفع دنيوي يحصل لأحد من عمله، فيشمل المال والجاه والرئاسة. فلما نفى عنهم أن يسألوا أجرا،ً فقد نفى عنهم أن يكونوا يرمون من دعوتهم إلى نفع دنيوي يحصل لهم.
3- ومن الدروس والعبر في قصة المؤمن الشهيد، مؤمن آل ياسين: الحث على استخدام أسلوب الإقناع في الجانب الدعوي: فقد كان من ضمن نصح حبيب لقومه أنه قال لهم:{وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَذِي فَطَرَنِي} حيث أخرج الحجة عليهم في معرض المخاطبة لنفسه تأليفاً لهم، ونبه على أن عبادة العبد لمن فطره أمر واجب في العقول، مستهجن تركها، قبيح الإخلال بها، فإن خلقه لعبده أصل إنعامه عليه، ونعمه كلها بعدُ تابعة لإيجاده وخلقه، وقد جبل الله العقول والفطر على شكر المنعم، ومحبة المحسن، ولا يلتفت إلى ما يقوله نفاة التحسين والتقبيح في ذلك، فإنه من أفسد الأقوال وأبطلها في العقول والفطر والشرائع.
ونجد في مخاطبة هذا المؤمن لقومه أنه احتج عليهم بما تقر به عقولهم وفطرهم من قبح عبادة غيره، وأنها أقبح شيء في العقل وأنكره، فقال:{أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ [23] إنِّي إذاً لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ[24]} أفلا تراه كيف لم يحتجّ عليهم بمجرد الأمر، بل احتج عليهم بالعقل الصحيح ومقتضى الفطرة.
4- الاستمرار في الدعوة إلى الهدى والحق مهما وقف في سبيل منعها الطغاة والمفسدون: ما دام الداعية يعلم أنه لا يدعو إلا إلى الخير والهدى، وما دام يعلم أن في استمرار الدعوة صلاح الناس واستقامتهم، وأن في تركها فسادهم وغفلتهم، فيستمر في ذلك ولو عُذب وأهين، بل حتى لو أزهقت نفسه، وقتل، كما هو حال مؤمن آل ياسين، وذلك سبيل الأنبياء والمرسلين، ومن نهج نهجهم من العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين إلى يوم الدين.(/2)
5- ومن الدروس والعبر كذلك: الحث على تطهير القلب من الحقد والحسد وكل أمر قبيح: أرأيت قول هذا المؤمن لما قتله قومه، وأدخل الجنة:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [26] بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ[27]} . قال الأستاذ محمد الطاهر بن عاشور:'والمعنى: أنه لم يلهه دخوله الجنة عن حال قومه، فتمنى أن يعلموا ماذا لقي من ربه؛ ليعلموا فضيلة الإيمان، فيؤمنوا، وما تمنى هلاكهم ولا الشماتة بهم، فكان متسماً بكظم الغيظ، وبالحلم على أهل الجهل؛ وذلك لأن عالم الحقائق لا تتوجه فيه النفس إلا إلى الصلاح المحض، ولا قيمة للحظوظ الدنية، وسفاسف الأمور'.
وقال الإمام القرطبي:'وفي هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم على أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتَلَته، والباغين له الغوائلَ، وهم كَفَرة عَبَدة أصنام'.
6- بيان عاقبة كل معاند ومفسد، وكل واقف في وجه الدعوات الربانية الهادية: فإنه لما قُتل حبيب غضب الله له، وعجل النقمة على قومه، فأمر جبريل فصاح بهم صيحة، فماتوا عن آخرهم، قال سبحانه:{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ [28] إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإذَا هُمْ خَامِدُونَ[29]}.
وهذه عاقبة كل محارب لله ولرسوله وللمؤمنين، أن يأخذه الله كما أخذ السابقين، كما حكى جل وعلا عن أهل الكتاب أنه ضرب الذلة عليهم، وغضب عليهم، وعلل ذلك بأنهم كانوا يكفرون بكل دعوة صالحة تأتيهم، ويقتلون الأنبياء بغير حق:{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[112]}[سورة آل عمران].
ولما عاند قوم نوح نوحاً وعصوه وتمردوا عليه، قال سبحانه في شأنهم:{ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ لظَّالِمِينَ[44]}
[سورة هود] .
نعم إن قصة قتل مؤمن آل ياسين ينبغي أن يعتبر بها الناس جميعاً، ويوقنوا أن في اتباع المصلحين الفلاح والنجاة، وأن في مخالفتهم الهلاك والبوار والعَطَب؛ فاللّهم يا رحمن! ارزقنا الاهتداء بهدي المرسلين، وأعذنا من صفات الكافرين والمكذبين! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
من :' قصة مؤمن آل ياسين دروس وعبر 'عبد الحميد السسحيباني(/3)
قصة معلم
قلت لصديق لي أديب: إني لأقرأ لك منذ عشر سنوات، فما رأيتك أسففت إسفافك في هذه الأيام، وإني لأشك أأنت تكتب ما تكتبه، أم يجري به قلمك وأنت نائم، فتأخذه فتضع عليه اسمك؟ فماذا عراك أيها الصديق فأضاع بلاغتك ومحا آيتك؟
قال: دعني يا فلان دعني… فإن سراج حياتي يخبو، وشمعتي تذوب، وما أخالني إلا ميتا عما قريب، أو دائرا في الأسواق مجنونا… انتهيت… بعت رأسي وقلبي برغيف من الخبز.
قلت: أربع عليك أيها الرجل وأخبرني ما بك، فلقد والله أرعبتني.
قال: وماذا بي إلا أني معلم. إني معلم في مدرسة ابتدائية.. نهاري نهار المجانين، وليلي ليل القتلى، فمتى أفكر، ومتى أكتب، وأنا أروح العشية إلى البيت مهدود الجسم، مصدوع الرأس، جاف الحلق، فلا أستطيع أن أنام حتى أقرأ مئة حماقة، وأصحح مئة كراسة، فأعمي عيني بقراءتها، والإشارة إلى خطئها، وبيان صوابها، وتقدير درجاتها، فإذا انتهيت من هذا كله –ولا يقرأ تلميذ من كل هذا شيئا، ولا ينظر فيه- عمدت إلى دفتر تحضير الدروس، وهو الموت الأحمر، والبلاء الأزرق، الذي صبَّ علينا هذا العام صبا، فكتبت فيه ماذا أنا فاعل غدا في الفصل، دقيقة دقيقة، ولحظة لحظة... وماذا أنا قائل من كلمة، أو مقرر من قاعدة، أو ضارب من مثل، حتى إذا بلغت آخر كلمة فيه، استنفدت آخر قطرة من ماء حياتي، فسقطت في مكاني قتيلا، فحملت إلى السرير حملا.. فنمت نوما مضطربا تملؤه الأحلام المزعجة، والصور المرعبة، فأحسُّ كأن أمامي ركام الدفاتر التي سأصححها غدا، فلا أنجو منها حتى أبصر المفتش يتكلم من فوق المآذن، فلا يدع قاعدة من قواعد التربية، ولا نظرية من نظريات التعليم، ظهرت في فرنسا أو إنكلترا، إلا أرادني على تطبيقها، في فصل فيه سبعون تلميذا قد حشيت بهم المقاعد حشوا، وصفوا على الشبابيك، ووضعوا على الرفوف، مما لا يرضى عنه منهج من مناهج التربية، ولا قانون من قوانين الصحة، فإذا انمحت هذه الصورة، رأيت كأني أفهم تلميذا وهو يصغي إليّ ولا يفهم، فأكرر وأعيد فلا يفهم، فأقوم إليه أنظر ما يصنع، فإذا هو منصرف إلى دبيرة (زلقطة) يربط رجلها بخيط. فإذا شتمته أو أخرجته من الفصل، ذهب يستنجد القانون فينجده القانون الذي حرم العقوبات كلها، وكفّ يد المعلم، وشدّ لسانه بنسعة... ولا أزال في هذه الأحلام تنوء بي، فأتقلب من جنب إلى جنب، أحس كأن رأسي من الصداع بثقل أُحُد، حتى يصبح الله بالصباح، فأفيق مذعورا أخشى أن يسبقني الوقت، فلا أدري كم ركعت وكم سجدت، ولا كيف أكلت ولبست، وأهرول إلى المدرسة لا أستطيع التأخر ولو طحنتني الأوجاع، أو أحرقتني الحمّى، لأن المعلم لا يسمح له القانون أن يمرض في أيام المدرسة، وعنده أربعة أشهر ((عطلة الصيف)) يستطيع أن يمرض فيها، فإذا خالف ومرض، حرم الراتب ومنع العطاء (كان هذا قانون تلك الأيام)!
أغدو إلى المدرسة، فأدخل على تلاميذ السنة الثالثة الأولية، وهؤلاء هم تلاميذي، لم يجدوني أهلا لأكبر منهم... فلا أنفك أقطع من عقلي لأكمل عقولهم، وأمزّق نفسي لأرقّع نفوسهم، ثم لا أفلح في تعليمهم ولا أنجح في تفهيمهم، ولا أدري من أين السبيل إلى مداركهم، فأنفق ساعة كاملة، أقلِّب أوجه القول، وأستقري عبارات اللغة، لأفهمهم كيف يكون (الاسم هو الكلمة التي تدل على معنى مستقل في الفهم وليس الزمن جزءا منه) فلا يفهمون من ذلك شيئا، ولا أقدر أن أطرح هذا التعريف السخيف أو أستبدل به، فأهذي ساعة ثم أقول: من فهم؟
فيرفع ولد أصبعه. فأحمد الله على أن واحد قد فهم، وأقول:
قم يا بني بارك الله فيك، فأخبرني عن معنى هذا التعريف.
فيقول: يا أستاذ هذا داس قدمي.
فأصيح به: ويحك أيها الخبيث! إني أسألك عن تعريف الاسم، فلماذا تضع فيه قدمك؟ ألم أقل لكم أن هذه الشكاوى ممنوعة أثناء الدرس؟
فيقول: ولماذا يدوس هو على رجلي!؟
فأصيح بالآخر: لم دست على رجله يا شيطان؟
فيقول: والله لقد كذب، ما دست على رجله ولكن هو الذي عضُّني في أذني.
فأغضب وأصرخ في وجهه: وكيف يعضّك وأنا قاعد هنا؟
فيقول: ليس الآن، ولكنه عضّني أمس.
ويتطوع العفاريت الصغار للشهادة للمدعي والمدعى عليه، ويزلزل الفصل، فأضرب المنصة بالعصا، وأسكتهم جميعا مهددا من يتكلم بأقسى العقوبات، ولا أدري أنا ما أقسى العقوبات هذه؟… فيخنسون ويُبْلسون فأعود إلى الدرس فإذا هو قد طار من رؤوسهم، على أنه ما استقر فيها قط!
وينفخ في الصور، فتقوم القيامة، ويخرج الأولاد إلى الفرصة، ثم ترجع إلى درس القرآن. فأقول:
من يحفظ سورة الفاتحة؟
فيتصايحون: أنا… أنا… أنا.
سكوت! واحد فقط… اقرأ أنت.
الحمد لله رب العالمين… إياك نعبِد.
فأقول: إياك نعبُد.
فيقول: نعبِد.
ويحك: نَعْ بُ د.
فيقول: نَعْ بِ د.
انتبه يا بني: نَعْ بود.
فيقولها.
حسن. قل نعبُد.
فيقول: نعبِد.
فلا نزال في نعبُد ونعبِد حتى ينتهي الدرس. ولا يلفظونها إلا بالكسر لأنهم حفظوها من السنة الأولى خطأ.
* * * * * * * * * *(/1)
ولا أزال في هذا البلاء بياض نهاري، ولا يأتي المساء وفيَّ بقية عقل، أو أثر من قوة، ثم لا أنا أرضيت الوزارة، ولا أنا نفعت أبناء المسلمين، ولا أنا انصرفت إلى مطالعاتي وكتاباتي.
وهذه مكتبتي لم أدخلها منذ أول العام الدراسي، وهذه مشروعات المقالات والبحوث التي أكتبها، وهذه مسوَّات الكتاب الجديد الذي أؤلفه مبثوثة في جوانب الغرفة، ضائعة مهملة. أفتلومني بعد، على أني لا أجوِّد في هذه الأيام؟
قلت: هذه والله حالي فلست ألومك، فرَّج الله عني وعنك!(/2)
قصة نبي الله يوشع عليه السلام
شرع الله عز وجل الجهاد والقتال في سبيله لمقاصد عظيمة , وغايات نبيلة , من إعزاز الدين , وتعبيد الناس لله رب العالمين , وإزالة الحواجز والقيود التي تحول بين الناس وبين الدعوة وقيام الحجة , ليهلك من هلك عن بينة , ويحيا من حي عن بينة , إلى غير ذلك من المقاصد , والجهاد عبادة كغيرها من العبادات , تحتاج لكي تؤتي أكلها , ويجني العبد ثمارها ألا يقدم عليها إلا وهو في حالة من التهيؤ النفسي , والتفرغ القلبي من الشواغل والملهيات التي تحول بينه وبين أداء هذه العبادة وتحقيق مقاصدها على الوجه الأكمل , وقد قص النبي صلى الله عليه وسلم علينا قصة نبي من الأنبياء خرج للجهاد والغزو , والقصة أخرجها الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( غزا نبي من الأنبياء , فقال لقومه : لا يتبعْني رجل ملك بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يبني بها , ولما يبنِ بها , ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها , ولا أحد اشترى غنماً أو خَلِفاتٍ وهو ينتظر ولادها , فغزا فدنا من القرية صلاةَ العصر أو قريباً من ذلك , فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور , اللهم احبسها علينا , فحُبِسَتْ حتى فتح الله عليه, فجمع الغنائم , فجاءت - يعني النار- لتأكلها فلم تطْعَمْها , فقال : إن فيكم غُلولا, فليبايعني من كل قبيلة رجل , فلَزِقَتْ يد رجل بيده , فقال : فيكم الغُلول , فليُبَايِعْني قبيلتك , فلَزِقَتْ يد رجلين أو ثلاثةٍ بيده , فقال :فيكم الغُلُول , فجاءوا برأسٍ مثل رأس بقرة من الذهب , فوضعوها فجاءت النار فأكلتها , ثم أحلَّ الله لنا الغنائم , رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا)
هذه قصة نبي من أنبياء بني إسرائيل , وهو نبي الله يوشع بن نون , الذي صحب موسى عليه السلام في حياته , وسار معه إلى الخضر , في القصة المعروفة في سورة الكهف , وبعد وفاة موسى عليه السلام أوحى الله إلى يوشع بن نون , واستخلفه على بني إسرائيل , وفتح على يده الأرض المقدسة .
وفي يوم من الأيام خرج هذا النبي غازياً لفتح إحدى القرى , فأراد ألا يخرج معه إلا من تفرغ من الشواغل , ولم يتعلق بأمر من أمور الدنيا , التي تعيق عن الجهاد والتضحية في سبيل الله , فأمر أن لا يتبعه في تلك الغزوة رجل عقد نكاحه على امرأة ولم يدخل بها , ولا رجل مشغول ببناء لم يكمله , ولا رجل اشترى غنما أو نوقا حوامل وهو ينتظر أن تلد , فإن الذي انشغل بهذه الأمور وتعلق قلبه بها , ليس عنده استعداد لأن يثبت في أرض المعركة أو يجالد الأعداء , بل ربما كان سبباً للفشل والهزيمة .
فخرج متوجها نحو هذه القرية , فدنا منها وقت صلاة العصر أو قريبا منه , فلما رأى أن الوقت لا يتسع للقتال , وأن الليل قد يدخل عليه ولم ينه مهمته , خاطب الشمس قائلا : إنك مأمورة وأنا مأمور , ثم دعا الله عز وجل أن يحبسها عليهم , فتأخر غروبها حتى فتح الله عليهم .
وقد كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلنا , فكانت تجمع كلها في نهاية المعركة في مكان واحد , ثم تنزل نار من السماء , فتأكلها جميعا , وهي علامة قبول الله لتلك الغنائم , أما إذا لم تكن مقبولة فإن النار لا تأكلها , فجمعت غنائم تلك الغزوة , وجاءت النار فلم تأكلها , فعرف نبي الله يوشع أن هنالك غلولا , فأراد أن يعرف الغالَّ , فطلب أن يبايعه من كل قبيلة رجل , فلصقت يده بيد رجل من القبيلة التي فيها الغلول , فعرف أن الغالِّين هم من هذه القبيلة , وطلب أن يبايعه كل فرد من أفرادها على حدة , فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة هم أصحاب الغلول , فأمرهم بإحضار ما أخذوه , فجاءوا بقطعة كبيرة من الذهب على شكل رأس بقرة , فلما وضعت مع الغنائم جاءت النار فأكلتها .
وقد منَّ الله عز وجل على هذه الأمة ورحمها , لما رأى ضعفها وعجزها , فأحل لها الغنائم التي كانت محرمة على من قبلها من الأمم , وستر عنها أمر الغلول , وفضيحة عدم القبول , وهو من خصائص أمة محمد عليه الصلاة والسلام .
فهذه القصة تدل على قدرة الله تعالى , وتصرفه في هذا الكون , وتأييده لرسله وإعانته لهم على القيام بما أوكل إليهم من مهام , ومن خلالها يتبين لنا أن المهمات الكبرى , التى يرتبط بها مصير الأمة وعزها ونصرها , ينبغي ألا تفوَّض إلا لحازم فارغِ القلب لها , لأن المتعلق بأمور الدنيا , وشؤون الحياة والمعاش , ربما ضعف عزمه عن المواجهة والإقدام , والقلب إذا تفرق ضعُف فعل الجوارح , وإذا اجتمع قوي , نسأل الله أن يوفقنا لخدمة دينه وإعلاء كلمته , إنه جواد كريم .(/1)
قصتي بعد الممات!
ظلال حليمة
منذ أسبوع وأنا على فراشي أتألم من وجع المرض الذي قدر الله تعالى أن يصيبني به، واليوم لقد تضاعفت علي الآلام .. أرقد وأستيقظ .. وعندما استيقظت رأيت جميع أفراد عائلتي واقفين حولي وفوق رأسي .. ينظرون إلي نظرة مودع لا لقاء بعده .. كانت أمي تبكي كثيراً .. وأبي كان حزيناً جداً يُغالب دمعه ليمنعه .. كان أبي يكرر علي السؤال: " هل تريدين شيئاً يا ابنتي نور الهدى؟" وكنت أجيبه: " دعواتك يا أبتي"!
تذكرت أن الطبيب أخبرني قبل ثلاثة أيام بأن مرضي لن يمهلني طويلاً .. حالتي قد استعصت على الدواء .. لذا علي أن أعد العدة للرحيل والحساب ..!
كانت مسبحتي لا تفارق يدي .. أواصل التسبيح والتكبير والتهليل والاستغفار .. فجأة اشتد علي الوجع .. بدأت بالأنين .. والعرق يتصبب مني بشدة .. عرفت حينها أن سكرة الموت قد دنت {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ}.
تذكرت فضل من كان آخر كلامه لا إله إلا الله .. بدأت أجمع قواي لأنطق بتلك الكلمة المباركة؛ كلمة التوحيد التي عشت لأجلها وسوف أموت عليها بإذن الله .. بدأت أحاول وأغالب الآلام: " لا، لا، لا إله إلا .." كان العرق يتصبب من على وجهي وفمي .. وعيناي تحولقان، أحسست كأن أحداً يعصر رقبتي .. لقد ازداد الألم .. وضعفت الأنفاس .. لكن يجب أن أنطق بتلك الكلمة المباركة قبل أن أموت .. إنها فرصتي التي لن تتكرر!
كان بجواري رجل يلقني شهادة التوحيد .. نعم هذا صوت والدي الحبيب:" ابنتي نور الهدى قولي:" لا إله إلا الله ".
أنا: " لا إله إلا .." حاولت مرة أخرى .. وكررت المحاولة إلى أن أعانني الله على النطق بها: لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. الحمد لله ها أنذا لساني ينطق بالتوحيد .. لا إله إلا الله، بها نحيا، وعليها نموت، وبها نلقى الله .. صرت أكررها مراراً وتكراراً .. ثم فتحت عيناي .. نظرت حولي .. نظرت إلى أهلي .. نظرت إلى غرفتي .. نظرت إلى خارج النافذة .. نظرت إلى الدنيا .. وداعاً يا دنيا وداعاً!
أنا منك يا دنيا بريء *** أنت يا دنيا ابتلاء
وداعاً يا دنيا وداعاً .. يا من فتنتي الكثير من الناس بزينتك الزائفة .. وداعاً يا غدارة، وداعاً يا غرارة .. وداعاً يا دار الشقاء والبلاء .. أنا الآن ذاهبة إلى ربي .. فكم أحببت لقاءك يا حبيبي يا الله ..!
سمعت صوتاً من أسفل مني، يقول لي:" أما والله لقد كنتِ من أحب الذين يمشون على ظهري، فأنت الآن أحب إلي في بطني"!
ثم جاء إلي رجل حسن الهيئة، وقال لي:" يا نور الهدى أبشري برضى الله عليكِ، يا أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان".
عرفت أنه ملك الموت يريد أن يقبض روحي .. لم أكن خائفة منه .. لأني كنت أعلم أنه صديق للمؤمنين .. رفيق بهم .. ثم هو عبد لله .. مأمور .. لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا بإذن ومشيئة حبيبي الله ..!
قبل أن تخرج الروح .. قاسيت سكرات الموت المؤلمة والقاسية .. سمعت صوت أمي تناديني بصوت حزين .. إني أسمعها جيداً لكن لا أستطيع أن أرد عليها .. فتحت عيناي ونظرت إلى أبي وأمي نظرة مودع .. أريد أن أبشرهم بأن الله راضٍ عني .. وماذا قال لي ملك الموت .. لكن لم أستطع أن أنطق بشيء .. شفتاي لم تعد تقوى على الحركة .. تسارعت دقات قلبي إلى أن توقف .. وبلغت الروح الحلقوم {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}. ثم خرجت راجعة آيبة مطمئنة إلى خالقها:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
أنا الآن في عداد الأموات، لا أرى، لا أتكلم، ولا أتنفس ..جثة بلا روح .. همي القبر؛ أخذت أفكر كيف سأدفن في التراب، أفكر بوحشة القبر .. بظلمته .. بضمته .. بضيقه .. بالدود الذي يأكل الأجساد .. بسؤال الملكين .. اللهم ارحمني.
القبر أبكى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وأبكى أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين .. وهم هم .. وأنا من أنا؟!
تذكرت قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- :" القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه". وتذكرت كذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- :" ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه".
ولكني كنت مطمئنة، لأن ملك الموت بشرني بأن الله يحبني وهو راضٍ عني .. فلماذا الخوف؟!
يحملني الناس على خشبات إلى المقبرة .. إلى قبري المظلم .. اللهم اجعله روضة من رياض الجنة .. وأنت وحدك القادر على ذلك.(/1)
وأنا في الطريق إلى المقبرة تذكرت أني في حياتي الدنيا كنت قد قرأت حديثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر فيه عن العبد الصالح أو الأمة الصالحة في القبر:" فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان:" من ربك؟" فيقول:" ربي الله " فيقولان:" ما دينك؟" فيقول:" ديني الإسلام " فيقولان:" ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟" فيقول:" هو رسول الله " فيقولان:" ما يدريك؟" فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقته، فينادي منادٍ من السماء: أن قد صدق عبدي فافرشوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ".
عندما تذكرت هذا الحديث شعرت بسعادة لا توصف .. بدأت أصرخ وأقول لمن يحمل نعشي:" قدموني قدموني .. قدموني قدموني"، لكن لم يسمعني أحد منهم.
وصلوا إلى المقبرة، وأنزلوا نعشي عن أكتافهم:
وأنزلوني إلى قبري على *** مهلٍ وقدموا واحداً منهم يلحدني
وكشف الثوب عن وجهي لينظرني *** وأسبل الدمع من عينيه أغرقني
فقام محترماً بالعزم مشتملاً *** وصفف اللبن من فوقٍ وفارقني
أنا وحيدة الآن في قبري .. ليس معي إلا عملي .. أسمع قرع نعال الناس وهم ذاهبون .. آه يا أهلي ستتركوني وحدي الآن .. مللتم الانتظار قليلاً على قبري .. أما علمتم أني الآن أُسأل .. هلاّ دعوتم الله لي؟!
يا لظلمة المكان وضيقه .. تذكرت في الدنيا الفانية غرفتي الواسعة .. وتذكرت ألوانها المتناسقة .. وأنا الآن في هذا القبر الضيق المظلم المخيف!
شعرت بالخوف من ظلمة المكان ووحشته .. لكن ليس كثيراً لأني كنت متأكدة بأن الله راضٍ عني .. وهو يحبني وأنا أحبه .. ولن ينساني وسوف يثبتني على الإيمان والقول الثابت:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}.
فجأة جاء ملكان أسودان أزرقان .. أنا أعرفهما .. كان والدي يكلمني عنهما في الحياة الدنيا كثيراً .. إنهما المُنكِرُ والنَّكير .. شكلهما مخيف، لكنهما لم يخفنني؛ لأني مؤمنة بالله .. وهما عبدان مأموران لا يستطيعان أن يفعلا بي شيئاً إلا بإذن الله!
أقعداني الملكان وسألاني:" من ربكِ؟"
أنا (بكل ثقة وثبات):" ربي الله "
المُنكر والنَّكير:" ما دينك؟"
أنا: " ديني الإسلام "
المُنكِر والنكير:" ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟"
أنا:" هو رسول الله "
ثم سمعت صوتاً من السماء ينادي:" قد صدقت أَمتي فافرشوا لها من الجنة وافتحوا لها باباً إلى الجنة " فأتاني من روحها وطيبها وفسح لي في قبري مد بصري!
عندما سمعت هذا النداء من السماء، ورأيت الذي رأيت .. فرحت جداً وشعرت بسعادة لا توصف .. لقد فزت .. فزت بالجنة .. ياله من فوز عظيم!
الحمد لله .. لقد عبدت الله وحده .. وجاهدت طوال حياتي لأسمع هذه الكلمات الجميلة .. لأفوز برضوان الله وجنانه .. هذه كانت أمنيتي في الحياة الدنيا والله تعالى قد حققها لي وأعطاني ما أريد.
رأيت من جمال الجنة ونعيمها وأنهارها ما لم أره في حياتي من قبل، ولم أسمع به، ولم يكن ليخطر على بالي .. رأيت غرس الأشجار آثار تسبيحي .. رأيت أنهراً في الجنة من لبن وخمر وعسل .. رأيت نعيماً وملكاً كبيراً .. رب أقم الساعة .. رب أقم الساعة {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} .
المُنكِر والنكير:" نامي يا نور الهدى "!
أنا والبسمة على وجهي وعلامات اللهفة من شدة الفرح:" وكيف أنام .. دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم"!
المُنكِر والنَّكير: " نامي كنومة العروس، التي لا يوقظها إلا أحب أهلها إليها "!
وأنا في مقامي البرزخي هذا تذكرت بعض أحوالي التي كنت عليها في الحياة الدنيا .. تذكرت صلاتي، وصومي، وتلاوتي لكتاب الله .. تذكرت بُعدي وهجري لقرينات السوء .. تذكرت التزامي بالحجاب الذي أمرني الله به .. تذكرت أذى بعض الناس لي وهم يصفونني بالمتشددة والمتزمتة .. وصبري عليهم .. وما ذلك إلا لأني من أهل الحجاب والاستقامة .. نِعم التشدد الذي كنت عليه إذا كانت نتيجته هذا الذي أنا فيه من النعيم والرضوان .. كم كانت مصيبتي عظيمة لو أني أطعت قرينات السوء في الابتعاد عن ديني وحجابي، وعبادتي لله تعالى وحده .. اللهم لك الحمد أن هديتني وثبتني على صراطك المستقيم.
إليكم أيها الأحياء أبعث هذه الرسالة من قبري:
هل تودون أن تفوزوا كما فزت ..؟ إذا كان الجواب نعم فعليكم أن تصلحوا حالكم عاجلاً مع الله .. يجب عليكم أن تجاهدوا الشيطان قدر الاستطاعة .. وأن تتقوا الله ما استطعتم .. لا تغرنكم الحياة الدنيا .. ازهدوا بالدنيا .. عليكم بعبادة الله تعالى وحده .. والكفر بالطواغيت .. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا ..!
إليك يا أيها الغافل والغافلة: إلى متى هذه الغفلة والتواني .. والتسويف .. وترك العمل .. راقبوا الله في الخلوات ولا يغرنكم طول الأمل!
وإليك يا أيها اللاهي بشهوات الدنيا المتسمن:(/2)
يا أيها المتسمن قل لي لمن تتسمن *** سمنت نفسك للبلى وبطنت يا مستبطن
وأسأت كل إساءة *** وظننت أنك تحسن
وإليكم جميعاً:
مالي أراكم تطمئنون إلى الحياة *** وتركنوا يا ساكن الحجرات مالك غير قبرك مسكن
اليوم أنت مكاثر ومفاخر تتزين *** وغداً تصير إلى القبور محنط ومكفن!
أحدث لربك توبة فسبيلها لك ممكن *** واصرف هواك لخوفه مما تسر وتعلن
وإليك يا أمي ويا أبي: لا تنسوا ابنتكم ـ التي كانت تحبكم ـ من الدعاء .. فدعاؤكم يصلني.
وإن سألتم عني فإني مسرورة جداً .. لا تحزنوا علي .. فإني أتنعم من نعيم الجنة، أطلب ما أشاء .. لا يُرد لي طلب .. فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً .. وإلى أن تلحقوا بي .. أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.(/3)
قصر في الجنة
د. زينب بيره جكلي
ما أعذب هذه الآيات، وما أحيلى هذه النغمات !!...
كلمات خطرت على بالي ، وكان لها أثر في سلوكي
كنت أسير في زحام السوق وسط ضجيج الحياة في يوم صيفي لاهب ، وأنا متعبة منهكة ، حيث الجو مليء ببخار الماء حتى كاد يحبس الأنفاس ...
دخلت إلى دكان لآخذ منه متاعا ، ولأستروح منه نسمة ... وقلت وأنا أشتم برد الهواء بلهفة الحران الظمآن : اللهم ارزقنا الجنة ... وانتبهت في هذه اللحظة إلى صوت شجي رخيم يتلو من سورة النور قوله تعالى :" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار .ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب "
أخذتني رعشة خفيفة وأنا أسمع قوله تعالى ( تتقلب فيه القلوب والأبصار ) وسألت نفسي : أين تتقلب القلوب وأين تتوجه الأبصار ؟ وأي جحيم لاهب ترهبه ؟وأية مهلكة ومفازة تحاول الفرار منها ؟ وأي مدَّخل سيؤويها ؟ منذ قليل كنت أريد هواء باردا والقلب يخفق من شدة الحرارة ؟ وحرارة جهنم أشد وأمر ويوم القيامة خمسون ألف سنة !! يا ويلتاه ... يوم واحد هو في حساب الزمن الدنيوي مليون وربع مليون سنة ... أهذا اليوم عنه محيد ؟ أنا في السوق اللاهب وهؤلاء حولي رجال تلهيهم تجارة وبيع عن ذكر الله ، دنيا أخذت الناس بزخرفها ومتاعها، وأنا ... ألست من هؤلاء الناس ، ألهتني الدنيا بأمر وأمر بل وأمور ...
وأخذت أفكر في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ليذكر فيها اسمه، وسط ضوضاء التجارة وزخم السوق ،في الغدو والآصال ،و ...الله يرزق من يشاء بغير حساب ...
يا إلهي ... قدمت إلى السوق لأبتغي متاعا من المتاع، وها أنذا أحمل في قلبي زادا وأي زاد !!...الرزق هنا في التقوى ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب .... وانتبهت من شرودي و مناجاة نفسي إلى صوت المؤذن يرفع لأداء صلاة الظهر ...
الله أكبر ...الله أكبر ...
وقال لي صاحب الدكان : مالك يا أخت لاتشتري وهذا الأذان قد أذن ، سأذهب للصلاة ...
نعم هذا رجل خاف من تقلب القلوب والأبصار وسيذهب إلى بيوت الله ليذكر فيها اسمه ... هذا امرؤ لم تلهه تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ،لأن الله يرزق من يشاء بغير حساب ...
خرجت من الدكان وأن أفكر كيف أنقذ نفسي من حرارة جهنم في يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار ...
وخطرت لي فكرة ... وما أعظمها من فكرة !!...
لقد رزقني الله سبحانه من فضله حياة ستين سنة، وأنا أتقلب على الفراش الوثير ، والنعمة والدلال ، وبين العلم والتعليم و الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( أعمار أمتي في الستينات ...) إذا ماذا أنتظر ؟
ونمت القيلولة ... بل كنت بين الحلم واليقظة ، وتراءت أمامي صور وصور جنة فسيحة ، وشلالات مياه ، وبلابل تمرح وتغرد ، وأرض خضراء فسيحة ، وفي أعلى مكان من هذا البستان البديع قصر منيف ، وأنا أقرأ قوله تعالى ( ألم يجدك يتيما فآوى ؟ ووجدك ضالا فهدى ؟ ووجدك عائلا فأغنى ؟ فأما اليتيم فلا تقهر . وأما السائل فلا تنهر . وأما بنعمة ربك فحدث )
يا إلهي ... هذه إذا المنجاة من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار ... فلم لاأكفل يتيما و أرفع بيتا من بيوت الله فأحدث بذلك عن نعمة ربي بشكره ؟ ويتلى في بيت الله القرآن الكريم الذي هدتني آياته الجليلات ، ويعلم فيه الصغار فتتحرك قلوبهم كما تحرك قلبي بذكر الله ؟ ولعل واحدا من هؤلاء ينفع المسلمين أي نفع ...
واتصلت بدار خيري تبني المساجد ...وقال لي :
-خمسة عشر ألفا لبناء مسجد من الخشب ، وخمسون ألفا لبنائه من الحجارة ...
-لا أريده من الخشب بل من الحجارة فهي أبقى على مر الزمن ...
- جزاك الله يا أخت خيرا ، فمن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
-ودفعت المبلغ سعيدة بما قمت به
-ومرت أيام قليلات ... ورن الهاتف ...
- بشراك يأ أخت
- ماذا ؟
- لقد رأيت اليوم في منامي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى قصر بديع ويقول لي : أخبري فلانة وذكر اسمي ومهنتي أن هذا القصر لها .
- أحقا ما تقولين ؟
- أجل يا أخت
- ( والله يرزق من يشاء بغير حساب ) هذا هو الرزق العظيم والله عليم بالقلوب وعلام الغيوب ...
- ودمعت عيناي ولهج قلبي قبل لساني بشكر المولى على نعمائه وسجدت شكرا لله ، وعزمت على بناء مدرسة ومسجد ...
- وهأنذا في طريقي لشراء أرض مناسبة وقلبي يرجو المولى أن يحقق لي هدفي(/1)
قصص الأنبياء
تمهيد
يقول الدكتور زغلول النجار: جاءني ـ ذات مرة ـ طبيب أمريكي أسلم , ولم يقرأ من القرآن سوى قوله تعالى :) الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين ([البقرة:1-2] فقال : كتاب يصف نفسه بذلك لابد أنه كتاب من رب العالين فالواحد منا إذا كتب خطابا , وبات حتى الصباح , يقوم بتغيير نصفه على الأقل , وهو مجرد خطاب , ولو بات الخطاب معه مرة أخرى , فإنه سيقوم بتعديله كاملا ًً.
كما يقول: غير أن الذي يعيش في الغرب , ويطالع هذا التقدم سوف يكتشف أنه تقدم مادي فقط , رافقه تخلف ديني وأخلاقي ومعنوي وروحاني , وسلوكي , وأن هذه الحضارة سوف تدمر ذاتها بذاتها , يقولون إنها حضارة تتآكل من داخلها وهي حضارة عفنة , تهتم بالمادة وتهمل الجوانب المعنوية والروحية .
إن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، وهو كلام الله الذي لا تنفد معانيه وإعجازاته، فهو المعجزة الفكرية الخالدة، فكلما أحدث الناس شكوكاً جاءهم القرآن الكريم بالبرهان المبين. وإذا كان العلماء القدماء يتحدثون عن الإعجاز البياني للقرآن الكريم، فإن علماء هذا العصر يتحدثون في وجوه أخرى من الإعجاز، مثل الإعجاز التشريعي والتاريخي والعلمي والرياضي. هذه الوجوه وغيرها جعلت مهمة المسلم اليوم أسهل لإقامة الحجة. إنه كان معلوماً من حال النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان أمياً لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ. وكذلك كان معروفاً من حاله أنه لم يكن يعرف شيئاً من كتب المتقدمين، وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم. ثم أتى بجمل ما وقع وحدث، من عظيمات الأمور ومهمات السير، من حين خلق الله آدم عليه السلام، إلى حين مبعثه، فذكر في الكتاب، الذي جاء به معجزة له: قصة آدم عليه السلام، وابتداء خلقه، وما صار أمره إليه من الخروج من الجنة، ثم جملاً من أمر ولده وأحواله وتوبته، ثم ذكر قصة نوح عليه السلام، وما كان بينه وبين قومه، وما أنتهى إليه أمرهم، وكذلك أمر إبراهيم عليه السلام، إلى ذكر سائر الأنبياء المذكورين في القرآن، والملوك والفراعنة الذين كانوا في أيام الأنبياء، صلوات الله عليهم.
ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه، إلا عن تعلم، وإذ كان معروفاً أنه لم يكن ملابساً لأهل الآثار وحملة الأخبار، ولا متردداً إلى التعلم منهم، ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه، علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي. ولذلك قال عزَّ وجل ) وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ([العنكبوت:48]، وقال:) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ([الأنعام:105].(1)وأن من كان يختلف إلى تعلم علم، ويشتغل بملابسة أهل صنعة، لم يخف على الناس أمره، ولم يشتبه عندهم مذهبه، وقد كان يعرف فيهم من يحسن هذا العلم، وإن كان نادراً، وكذلك كان يعرف من يختلف إليه للتَّعلُم، وليس يخفى في العرف عالم كل صنعة ومتعلمها، فلو كان منهم لم يخف أمره.قال تعالى:) تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ([هود:49].
القصص:
أ-القصة في اللغة: معنى القصص القصّ: تتبع الأثر، يقال: قصصت أثره: أي تتبعته، والقصص مصدر، وأما لسان العرب فقد فصل وأطال ونقل من الكتاب والسنة والأخبار والأمثال، والنقول والأقاويل ومن زبدة ما قال،(القصة): الخبر والقصص: الخبر المقصوص- بالفتح - وضع موضع المصدر حتى صار أغلب عليه والقِصص بكسر القاف: جمع القصة. قال تعالى:) فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصا( [الكهف: 46]. أي رجعا يقصان الأثر الذي جاءا به. وقال على لسان أم موسى:)وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ( [القصص:11] أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه. والقصص كذلك: الأخبار المتتبعة قال تعالى:) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ([آل عمران: 62]. وقال:) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَاب( [يوسف: 111]. والقصة: الأمر والخبر، والشأن والحال.
ب - القصة في الاصطلاح عرفها بعضهم بقوله: أخبار عن أحوال الأمم الماضية والوقائع الحاضرة والحوادث السابقة. وهذا التعريف وأشباهه مأخوذ من أنواع القصة، والتعريف الذي أراه مناسباً في جمعه ومنعه هو أن القصة: خبر عن حوادث حسية ونفسية تدور حول شخوص محدودة الزمان والمكان والمراد بالخبر هو العلم المنقول حكاية ورواية، والحوادث هي الظواهر المحسوسة أي المدركة بحاسة من الحواس المعروفة، والحوادث النفسية هي الباطنة في الضمائر والنيات والمشاعر، والشخوص هي الشخصيات أفراداً وجماعات، وحدود الزمان هي البداية والنهاية المحدودة بوحدة زمنية كاليوم والشهر والسنة، وحدود المكان المساحة من طول وعرض مع الارتفاع في الحجم.(/1)
وقصص القرآن: إخباره عن أحوال الأمم الماضية، والنبوات السابقة، والحوادث الواقعة- وقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي، وتاريخ الأمم، وذكر البلاد والديار. وتتبع آثار كل قوم، وحكى عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه وهناك قاعدة قرآنية تشعرك بعظمة هذا الكتاب وروعته، وهي أن كل قصة نبي من أنبياء الله تختتم بآية أو مجموعة آيات تبين لك العبرة من القصة. فإذا أردت أن تعرف الرسالة الربانية التي تحملها السورة، فاقرأ آخر سطر من قصة النبي الذي سميت السورة باسمه، قاعدة رائعة تتكرّر بشكل معجزة في القرآن.
إن الموعظة الخطابية تسرد سرداً لا يجمع العقل أطرافها ولا يعي جميع ما يلقى فيها، ولكنها حين تأخذ صورة من واقع الحياة في أحداثها تتضح أهدافها، ويرتاح المرء إلى سماعها، ويصغي إليها بشوق ولهفة، ويتأثر بما فيها من عبر وعظات، وقد أصبح أدب القصة اليوم فناً خاصاً من فنون اللغة وآدابها، والقصص الصادق يمثل هذا الدور في الأسلوب العربي أقوى تمثيل، ويصوره في أبلغ صورة.
أنواع القصص:
والقصص في القرآن ثلاثة أنواع:
النوع الأول: قصص الأنبياء، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم، والمعجزات التي أيدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطورها، وعاقبة المؤمنين والمكذبين. كقصص نوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وعيسى، ومحمد، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.
النوع الثاني: قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت نبوتهم، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. وطالوت وجالوت، وابني آدم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وقارون، وأصحاب السبت، ومريم، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل، ونحوهم.
النوع الثالث: قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كغزوة بدر وأحد في سورة آل عمران، وغزوة حنين وتبوك في التوبة، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب، والهجرة، والإسراء، ونحو ذلك.
خصائص القصص القرآني:
1- القصة القرآنية حقيقية في وقوعها وصادقة في خبرها فليست خيالاً ولا كذباً.
ولقد تجرأ باحث مع مشرفه في جامعة عربية على اتهام القصة القرآنية بالخيالية بدعوى أن الحرية الفنية تقتضي عدم التقيد بالصدق، وبناء على ذلك ينبغي أن لا تكون قصص الأنبياء حقائق بل القصة القرآنية هي تصوير للواقع النفسي لا للحوادث وأنها حرب أعصاب.. بل أفرطوا في جرأتهم واتهامهم بوجود أساطير وحوادث ملفقة ومكذوبة، بالإضافة إلى دعوى أن مصدر القصة القرآنية هي كتب الأديان الأخرى والحكايات الشعبية والأفراد العاديون… وحينما استفتي علماء الأزهر في شأن هذه الرسالة لم يترددوا في الإجماع على كفر الباحث والمشرف معاً.
2-حسن الاختيار بعرض الوجه الأحسن من القصة والإعراض عما لا خير فيه فضلاً عن الشر، ولذلك تسمى القصص القرآنية أحسن القصص.
وهذه ميزة للقرآن بخلاف المعهود المعدود في الكتب الأخرى كالتوراة والإنجيل حيث تعرض القصة كاملة بخيرها وشرها، ولقد حوت قصص أهل الكتاب نتيجة لذلك على كثير من الجوانب الضارة في التعليم والتربية.
والتوجيه واضح في تحديد غرض أو أغراض القصة القرآنية من حيث التكليف للدعوة والتعليم والتربية.
3-التفاوت في العرض طولاً وقصراً فمثلاً سورة نوح في قصة واحدة وهذه القصة ذكرت في آية واحدة في سورة الحاقة هي قوله تعالى:) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ([الحاقة:11]
4- التقطيع بعرض المشاهد منفصلة غير متصلة وغير متسلسلة وهذا يعني عدم مراعاة التسلسل التاريخي والترتيب الزمني لحوادث القصة كما هو شأن كتب التاريخ وكما هو حال التوراة والإنجيل.
5-تكرير القصة لفظاً ومعنى أو التكرير بالمعنى، والثاني هو الغالب والذي يسوغ التكرار تنوع السياق سباقاً ولحاقاً، ومعلوم أن التكرير وإن كان من عيوب الكلام من وجه فإنه من وجه آخر أدل على البلاغة وأجل في الإعجاز.
فوائد القصص القرآني:
ولعلنا ومن خلال الخصائص أعلاه نستنتج أن للقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي:
1- إيضاح أسس الدعوة إلى الله، وبيان أصول الشرائع التي بعث بها كل نبي )وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ( [الأنبياء: 25].
2- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجنده وخذلان الباطل وأهله ) وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ( [هود:120] .
3- تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم .
4- إظهار صدق محمد صلى عليه وسلم في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال .(/2)
5- مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل كقوله تعالى:) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( [آل عمران:93]
6- والقصص ضرب من ضروب الأدب، يصغي إليه السمع، وترسخ عبره في النفوس،قال تعالى:) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( [ يوسف:111]
تكرار القصص وحكمته:
يشتمل القرآن الكريم على كثير من القصص الذي تكرر في غير موضع، فالقصة الواحدة يتعدد ذكرها في القرآن، وتعرض في صور مختلفة في التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب، وما شابه ذلك ولعلنا نستفيد من هذا :
1- بيان بلاغة القرآن في أعلى مراتبها. فمن خصائص البلاغة إبراز المعنى الواحد في صورة مختلفة، والقصة المتكررة ترد في كل موضع بأسلوب يتمايز عن الآخر، وتصاغ في قالب غير القالب، ولا يمل الإنسان من تكرارها، بل تتجدد في نفسه معان لا تحصل له بقراءتها في المواضع الأخرى.
2- قوة الإعجاز- فإيراد المعنى الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة منها أبلغ في التحدي.
3- الاهتمام بشأن القصة لتمكين عبرها في النفس، فإن التكرار من طرق التأكيد وأمارات الاهتمام. كما هو الحال في قصة موسى مع فرعون، لأنها تمثل الصراع بين الحق والباطل أتم تمثيل- مع أن القصة لا تكرر في السورة الواحدة مهما كثر تكرارها.
4- اختلاف الغاية التي تساق من أجلها القصة- فتذكر بعض معانيها الوافية بالغرض في مقام، وتبرز معان أخرى في سائر المقامات حسب اختلاف مقتضيات الأحوال.
أثر القصص القرآني في التربية والتهذيب:
مما لا شك فيه أن القصة المحكمة الدقيقة تطرق المسامع بشغف- وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر، وتسترسل مع سياقها المشاعر فلا تمل ولا تكل، ويرتاد العقل عناصرها فيجني من حقولها الأزهار والثمار. والدروس الفنية والإلقائية تورث الملل، ولا تستطيع الناشئة أن تتابعها وتستوعب عناصرها إلا بصعوبة وشدة. وإلى أمد قصير. ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعاً، وأكثر فائدة. والمعهود- حتى في حياة الطفولة- أن يميل الطفل إلى سماع الحكاية، ويصغي إلى رواية القصة، وتعي ذاكرته ما يروى له، فيحاكيه ويقصه وفي سن مبكرة يسمع الصغير أنواعاً من القصص ويتعلق بها حتى ينام عليها، وهذا أهم الأسباب في الانصراف للأبوين والجدين الكبيرين.,قلت: بل حتى الكبار فإن القصة لها تأثير في أسماعهم وانظر إلى حال السامعين لمتحدثهم ما إن يقول في عبارته يروى أو جاء في قصة فلان أو حدثنا إلا وترى السامعين قد قاموا من غفلتهم وانتبهوا لذلك المتحدث بيد أنهم كانوا قبل ذلك متململين متضجرين , ومن هنا تلمس جانب من جوانب الإعجاز حيث اهتم القرآن بالقصة اهتماماً بالغاً ولا تكاد تمر بسورة إلا وفيها قصة تجذب لها القلوب وتنبه الغافل وتشحذ الفكر بأسلوب رباني بديع . هذه الظاهرة الفطرية النفسية ينبغي للمربين أن يفيدوا منها في مجالات التعليم، لاسيما التهذيب الديني، الذي هو لب التعليم، وقوام التوجيه فيه. وفي القصص القرآني تربة خصبة تساعد المربين على النجاح في مهمتهم، وتمدهم بزاد تهذيبي، من سيرة النبيين، وأخبار الماضين وسنة الله في حياة المجتمعات، وأحوال الأمم. ولا تقول في ذلك إلا حقاً وصدقاً. ويستطيع المربي أن يصوغ القصة القرآنية بالأسلوب الذي يلائم المستوى الفكري للمتعلمين، في كل مرحلة من مراحل التعليم.(2)
التدبير الرباني للقصة القرآنية:
القصة عموماً يسردها ويدير أحداثها ويسوقها نحو الهدف المراد منها هو مبدعها ومنشؤها أو مؤلفها بالمصطلح الروائي ,والأحداث التي تعرضها علينا القصة القرآنية هي من نوع الأحداث التي تسير وفقاً للتدبير الرباني والإشراف الإلهي المباشرين نحو غاية معينة، ولذلك فلا عجب أن يتدخل الإمداد الغيبي واللطف الإلهي في تسيير الكثير من حوادثها وسوقها باتجاه معين يخدم الرسالة والدعوة الإلهية.(/3)
وعلى هذا الأساس يمكننا القول أن (العنصر أو العامل الغيبي) في القصة القرآنية يلعب دوراً مصيرياً حاسماً في تشكيل الأحداث وتغييرها وأحياناً قلبها رأساً على عقب، وعادة ما يكون هذا (العامل الغيبي) مصحوباً بعنصر المفاجأة سواء كان متمثلاً في عذاب أو إمداد ولطف أو معجزة خارقة، وهذا الطابع الفجائي يكاد يكون ملاصقاً للعامل الغيبي غير منفك عنه، فالعذاب لا يحدث إلا بغتة ـ كما صرحت بذلك الآيات القرآنية ـ كقوله تعالى: )فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون( [الأنعام: 44]، وقوله:) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ( [الأعراف :95] وبالمقابل وفي نفس السياق القصصي نجد أن اللطف الإلهي المنقذ لأنبيائه وأتباعهم لا ينزل هو الآخر إلا عندما تبلغ القلوب الحناجر، وعندما يوشك المؤمنون على الاستيئاس، كما تصرح بذلك الآيتان القرآنيتان التاليتان) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ( [يوسف:110] ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيب( [البقرة:214] ونريد بالطابع الفجائي للعامل الغيبي، دلالة الظروف والملابسات المادية الظاهرية كلها على نتيجة معينة لابد ـ حسب المعادلات المادية ـ من أن تنتهي إليها وفي غمرة هذه التوقعات بالضبط يتدخل العامل الغيبي ليقلب مجرى الأحداث قلباً جذرياً أو ليغير اتجاهها، تأملوا معي هذا المقطع من قصة موسى عليه السلام الذي يتجسد فيه هذا العامل بتلك المواصفات:) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ* فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ* فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ( [الشعراء:60-63]
المعادلات المادية ترسمها لنا عبارة) إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (والعامل الغيبي غير المتوقع يتمثل في نزول الوحي الإلهي بغتة بالنسبة لبني إسرائيل على موسى في تلك الظروف العصيبة حاملاً البشرى بالخلاص) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ([الشعراء:63]
وهكذا تتغير مجريات الأحداث بتدخل هذا العامل الغيبي بل تسير في اتجاه معكوس فالشواهد المادية تقتضي أن يُدرك موسى وأتباعه، ومعنى تصفيتهم تصفية كاملة وانتصار فرعون وجنوده، ولكن العامل الغيبي جاء ليقلب هذه النتيجة في اتجاه معاكس تماماً.
هذا فيما يتعلق بالإمداد الغيبي، أما فيما يتعلق بالعذاب فالأمثلة والشواهد كثيرة، ويمكن أن تكون معظم أنواع العذاب الذي نزل على الأمم التي كذبت الرسل وآذتهم شاهداً على عنصر المفاجأة في العامل الغيبي (بالنسبة للإنسان الكافر نفسه بالطبع)، ولكنا ـ مع ذلك ـ نريد أن نتوقف قليلاً عند أحد هذه الشواهد لبروز عنصر المفاجأة في الحسابات المادية بروزاً أشارت إليه الآيات القرآنية إشارات صريحة واضحة.(/4)
شاهد يتمثل في قصة صاحب الجنتين التي جاءت في سورة الكهف:) وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً* كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً* وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً* قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً* لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً* وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً* فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً* أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبا (ً[الكهف: 32-43] القصة ـ إذا نظرنا إليها من منظار مادي لا يدخل في حساباته العوامل الغيبية ـ لابد وأن تنتهي بإثراء صاحب الجنتين ثراءً فاحشاً بعد أن أنتجت الجنتان ذلك المحصول الوافر الذي بلغ من الضخامة حداً دفع صاحبه إلى أن يستشعر في نفسه الغرور والاستغناء عن الله تعالى، ولكن العامل الغيبي يأتي ـ كالعادة ـ ليقلب مجرى الأحداث وليوصلها إلى نتيجة مباغتة عكسية؛ إنها الفقر المدقع، والشعور القاتل بالندم:) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا( ً[ الكهف:42] .ولعل هذا العنصر الغيبي المفاجئ الذي تتميز به القصة القرآنية هو من أكثر العناصر جذباً للقارئ وشداً لانتباهه، فالقارئ عندما يتلو مثل هذه الآيات القرآنية التي تفجؤه بدخول العامل الغيبي إلى ساحة الأحداث يستيقظ في نفسه ذلك الشعور الذي يلازمه دائماً وهو يتابع القصص القرآني ألا وهو اليقين من واقعية الأحداث وصدقها ووقوعها فعلاً، مثل هذا الشعور من شأنه أن يجذب القارئ إلى أحداث القصة إلى أبعد الحدود، كما ومن شأنه أيضاً أن يمنح الأحداث حركة عنيفة، ويملؤها بالصراع والتحركات التي تخرج الأحداث من حالة الرتابة والروتينية.والحقيقة أن هذه الميزة التي تنفرد بها القصة القرآنية ـ دونما منازع ـ تعد من آيات إعجاز القرآن التعبيري، فهي تجمع بين الواقعية والإثارة، ومثل هذه الميزة لا يمكن أن يؤمنها أي قاص دون أن يضطر إلى إضافة بعض المبالغات و(السيناريوهات والخيال الكاذب) إلى أحداث عمله القصصي.أما القصة القرآنية فقد جمعت بإعجاز وبراعة بين الواقعية المحضة وبين عامل الشد والإثارة، ومثل هذا الجمع هو من شأن الإعجاز البلاغي القرآني وحسب.
وقد يسأل سائل في هذا المجال: أليس من المفارقات أن تقلب مسيرة الأحداث بهذا الشكل بغير المتوقع، وألا يحدث هذا القلب رد فعل سلبي في نفس القارئ قد يصرفه عن متابعة القصة حتى النهاية محملاً بنوع من الاستنكار والاستهجان وهو يجد نفسه أمام نتيجة لم يكن يتوقعها؟
وجواباً على هذا التساؤل نقول: إن مثل هذه المفارقات التي تترك ـ عادة ـ أثراً سلبياً في نفس القارئ، قد تصدق على (القصة البشرية) نتيجة لذلك الشعور الذي يلازم قارئها وهو يتنقل بين صفحاتها، ألا وهو الإحساس بأن القصة ليست واقعية تماماً وأن بعض أحداثها من نسج خيال الكاتب ومن ضمنها العناصر الفجائية القالبة لمجرى الأحداث، ولذلك فإن على الكاتب أن يكون حذراً جداً في اختيار نوعية تلك العناصر وإلا حدثت تلك المفارقات التي من الممكن أن تؤدي إلى فشل عمله القصصي، أما بالنسبة إلى (القصة القرآنية) فإن مثل هذا التساؤل لا يمكن أن يصدق مطلقاً، لأن المفارقات معدودة أصلاً فيها لما ذكرناه سابقاً من أنها تمثل قصصاً حقيقية حدثت بالفعل، ولذلك فإنها لا تتضمن أية مفارقة أساساً لأن المفارقة هي وليدة الاختلاق والافتعال.(/5)
النوع الآخر من العناصر الغيبية التي تنفرد بها القصة القرآنية هو عنصر المعاجز والآيات؛ وقبل أن ندخل في الحديث عن تفاصيل هذا العنصر نذكر أننا لا نقصد من هذا الحديث أن هذا العنصر مقصود بحد ذاته للإثارة والجذب لأنه ـ حاله كحال سائر العناصر ـ عنصر واقعي حدث فعلاً وأبرزته القصة القرآنية لعرض الواقع ولخدمة أهداف الدعوى الإلهية، ولكننا نريد من ذلك أن هذا العنصر جاء ليؤدي ـ في إطار المحاولة الإلهية المتكاملة ـ هدفاً آخر هو إضفاء الحركة اللازمة على الأحداث وتلوينها.ولعل أفضل مثال يمكن أن نضربه في هذا المجال هو تلك المنازلة التي حدثت بين موسى (عليه السلام) وبين سحرة مصر، والتي جرت أمام فرعون وأمام تلك الجموع الغفيرة من الناس، الأمر الذي يزيد من تواجد عنصر الإثارة والتشويق والشد فيها.والملاحظ على الآيات التي تصور لنا هذا الحدث أنها تهيئ نفس القارئ منذ البدء إلى الانجذاب للقصة ومتابعة أحداثها من خلال ذلك التحدي الذي يجابه به فرعون موسى بعد أن يريه موسى الآيات التي بعث بها، ومن خلال تعيين موسى لزمان ومكان المنازلة وتأكيده على أن تكون هذه المنازلة على رؤوس الأشهاد، فلنتابع هذا الحدث كما جاء به القرآن الكريم: )قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى* فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى* قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى([طه:57-59] .هذه الآيات هي بمثابة الحلقة الأولى من الحدث، الحلقة المنتهية عند نقطة تهيئ الأجواء للحلقة التالية وتثير عوامل التطلع الممزوج بالشوق والرغبة الشديدة إلى ما سيحدث فيها، ولا يلبث التصوير القرآني أن ينقلنا إلى ساحة الحدث في الوقت المناسب عندما تكون العيون متطلعة، والأذهان مشدودة، والنفوس ملؤها الترقب والتطلع إلى ما سيحدث من تلك الأعمال الخارقة في تلك الساحة المطوقة بمئات العيون المحملقة في فضول:) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى* قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى( [طه:65-66] .اللقطة الأولى من المباراة؛ الحبال والعصي تتحول في لمحة بصر إلى ثعابين تملأ المكان رعباً وذعراً، وتملأ قلوب بني إسرائيل إشفاقاً على موسى من هذا السحر العظيم:) قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ([الأعراف: 116].وحتى موسى نفسه يستولي عليه الإشفاق، ويتسرب إليه الخوف البشري الفطري الذي وصفه القرآن بأنه عظيم: )فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى([طه:67]
وفي هذه اللحظة بالذات يتدخل (العامل الغيبي) ليقلب ـ كما في كل مرة ـ مجرى الأحداث، وليصرفها عن المسار الذي تتوقع الأذهان في تلك اللحظات التي كانت الظروف فيها في غير صالح موسى، أن تتحرك فيه:) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى* وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى([طه: 68 ـ 69]، )وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ( [الأعراف: 117].(/6)
وهكذا يسدل الستار على هذا الحدث الرهيب المثير الذي انتهى بانتصار العامل الغيبي الذي يجسد بشكل معجزة أسهمت ـ بالإضافة إلى إثبات صدق الدعوة الإلهية ـ في بعث الحركة والحياة إلى الحدث.وهكذا نرى أن العامل الغيبي يضع القصة القرآنية في مكان متميز متفرد، فهي واقعية لا تنفك هذه الواقعية عنها) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ([آل عمران: 62]، في نفس الوقت الذي تتضمن فيه القوى والعوامل الغيبية، وتتجسد فيه هذه القوى والعوامل ألطاف أو معجزات أو آيات أو عذاب، خلافاً للقصص البشرية التي تدخل في تركيبتها وتوظف هذا النوع من العناصر، فإننا ننظر إليها دائماً بعين الريبة والشك، ولا تكاد فكرة (الأساطير) و(المبالغات) و(الخرافات) تفارقنا ونحن نتابع أحداثها(3)، بل إن مثل هذا التوظيف الذي هو بأمس الحاجة إلى ذكاء ومهارة وبراعة لا يمكن أن يتوفر إلا في البلاغة القرآنية، قد ينقلب وبالاً على العمل القصصي فيكون أشبه شيء بخدع سينمائية يسخر الإنسان منها في داخله وتسخر من عقله بدلاً من أن يكون عملاً أدبياً راقياً يؤدي دوره في عالم الأدب والفن ولعل ما نشاهده اليوم من أفلام أنتجتها هوليود وقد وظفت لأفلامها أحدث التقنيات والأجهزة والكفاءات لتجسيد أحداث القصة تجسيداً أقرب إلى الواقع ولكن لما كانت أحداث الفلم أو قصة الفلم من نسج الخيال بحكم أن المخلوق يبقى مخلوقاً عاجزاً قاصراً عن الكمال فتبقى كل الأحداث في نظر المشاهد والمتتبع للقصة تبقى خيالاً لا يتعدى صالة العرض وسرعان ما يتلاشى تأثيرها ويبقى الإحساس بالخيبة وأن كل تلك الأحداث التي مرت ما هي إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا ً حتى إذا انتهت المشاهد لم يجده شيئاً .
إعداد/قسطاس ابراهيم النعيمي
مراجعة/ عبد الحميد أحمد مرشد
(1) من كتاب إعجاز القرآن للباقلاني الطبعة الثالثة، بتحقيق السيد أحمد صقر
(2) - انظر مباحث في علوم القرآن تأليف الشيخ الدكتور / مناع القطان- رحمه الله -
(3) - القصص القرآني فوائده وآثاره /الشيخ الدكتور مناع القطان(/7)
قصص رائعة من الأشرطة النافعة
الظلم
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
جملة من القصص في عواقب الظلم وأهله ؛ تصلح لتذكير من غفل عن ( إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) :
* في بلد ينتسب إلى الإسلام ضابط برتبة عالية يتولى تعذيب المؤمنين ، مر على شيخ هرم وقد انتهى من صلاته ، فقال له ساخراً : ادع الله لي يا شيخ ..
فقال الشيخ المعذب : أسأل الله العظيم أن يأتي عليك اليوم الذي تتمنى فيه الموت فلا تجده .
وتمضي الأيام والشهور ويخرج الشيخ من الحبس مثاباً عزيزاً .
ويبتلي الله معذبه بالسرطان يأكل جسده أكلاً حتى كان يقول لمن حوله : اقتلوني حتى أنجو من هذا الألم والعذاب .. ويبقى الألم معه حتى يموت.
" اتباع الهوى " هاشم محمد
* حدَّثت امرأة يتيمة تولّى عمها أموالها ، وكان عمها لا خير فيه ظلوم كثير الكذب والمماطلة .. فلما تُوفي أخوه تولّى هو الأموال ، ولما بلغت هذه اليتيمة لم يعطها ولا عشر نصيبها من أبيها من الظلم والعياذ بالله .
فمرت الأيام حتى تُوفي هذا العم .
فمر عليها ما لا يقل عن شهر في نومها في الليل وفي الصباح تراه والعياذ بالله جالساً أمامها في أشقى حالة والعرق يتصبب من جبينه والجمرات في يده يأكلها.
" توجيهات في المعاملات " محمد الشنقيطي
مع القرآن الكريم
كثيرون هم الذين حرموا الخيرية التي دل عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )
وكثيرون هم الذين وقعوا في هجر القرآن بأنواعه منشغلين بأمور الدنيا وعلائقها .
وبين أيدينا مجموعة من القصص التي تعكس علاقة بعض الناس بكتاب الله إقبالاً أو إعراضاً ؛ عسى الله أن يجعل فيها موعظة وعبرة :
* كنا ذات يوم في مجلس ومعنا شيخ في السبعين من عمره ، كان يجلس في ركن المجلس ووالله إن لوجهه لنوراً من الطاعة وما كنت أعرفه من قبل .
سألت : من هذا الرجل ؟
قالوا : هذا فلان ، معلم الناس القرآن ... تخرّج عليه من حفظة القرآن ومن تعلمه أكثر من ثلاثمائة نفس .
رأيت الرجل وهو جالس في المجلس تتحرك شفتيه بالقرآن ، فقالوا : شُغْلُه الشاغل القرآن ، له في بلده أرض يزرعها ، فإذا ابتدأ يزرع استعاذ وبسمل وافتتح البقرة ، فو الله ما ينتهي من أرضه إلا وقد ختم القرآن .
" إصلاح القلوب " عبد الله العبدلي
* يحكي لي أحد المشايخ – وكانت له عناية بحفظ كتاب الله – أنه كان في مسابقة وظيفية ؛ قال : فأتاني سؤال في التاريخ عن أسباب النصر .. لا يجيب عليه إلا من درس التاريخ وعرفه .
فاستحضرت سورة الأنفال فاستطعت أن أسطر اثني عشر سبباً من أسباب النصر كلها استنبطتها من هذه السورة .
" حفظ القرآن الكريم " محمد الدويش
* في أحد المساجد جاءني أخ يقوم بتحفيظ كتاب الله للأولاد مخبراً بأمر محزن ؛ قال : كان عندي طالب رزقه الله حافظة قوية في القرآن ، حفظ سبعة عشر جزءاً سنة واحدة ، وفي نفسي أن يختم كتاب الله في مثل هذا الوقت من العام المقبل .
جاءني والده هذا الأسبوع فقال : يا أستاذ ، جاءتني ورقة من المدرسة أن ابني ضعيف في الرياضيات ، وأريد إخراجه من الحلقة ليدرس الرياضيات .
قلت له : لا تخرجه ، ولكن نجعله يدرس في يومين ويحفظ في أربعة أيام
قال : ما تكفي
قلت : ثلاثة أيام للرياضيات وثلاثة للقرآن
قال : ما يكفي
قلت : أربعة أيام للرياضيات ويومان للقرآن ، بالله عليك لا تحرم ولدك فقد رزقه الله حافظة قوية للقرآن ، وأسأل الله ألا يأتي مثل هذا الوقت من العام القادم إلا وقد حفظ القرآن
قال : ما تكفي يا أستاذ
قلت : أنت ماذا تريد ؟
قال : أقول إما رياضيات وإما قرآن
قلت له : وماذا تختار ؟
قال : الرياضيات .. وانتزعه كأنه انتزع جزءاً من قلبي لأنني أعلم أن سبعة عشر جزءاً ستتفلت .
" حق الولد على الوالد " عبد الله العبدلي
* كان في إحدى القرى ساحر يحضر المصحف ثم يربطه بخيط من سورة " يس " ، ثم يربط الخيط بمفتاح ، ثم يرفعه ويجعل المصحف معلقاً بالخيط ، وبعد أن يقرأ طلسماً ما .. يقول للمصحف : در يميناً ، فيدور بحركة سريعة عجيبة دون تحكم منه ، ثم يقول : در يساراً فيحدث مثل ذلك .
وكاد الناس يفتنون به لكثرة ما رأوا ذلك مع اعتقادهم أن الشياطين لا تمس المصاحف
علمت به وأنا في الثانوية العامة آنذاك ، فذهبت إليه متحدياً ومعي أحد الإخوة
فلما أحضر المصحف وربطه بالخيط من سورة " يس " وعلقه بالمفتاح ناديت صاحبي ، وقلت له : اجلس في الجانب الآخر واقرأ آية الكرسي ورددها .. وجلست أنا في الجانب المقابل وقرأت آية الكرسي
فلما انتهى الساحر من طلسمه قال للمصحف : در يميناً فلم يتحرك .. فأعاد قراءة الطلسم وقال للمصحف : در يساراً فلم يتحرك .. فعرق الرجل وأخزاه الله أمام الناس وسقطت هيبته.
" الصارم البتار " وحيد بالي شريط رقم 4(/1)
* حدثني أحد الإخوة أن شخصاً حاملاً لشهادة الماجستير في دولة عربية لا يعرف قراءة سورة الزلزلة.
" حفظ القرآن الكريم " محمد الدويش
* حدثني أحد الصالحين أثق به قال :
كان هناك رجل صالح عابد فاضل من أهل الطائف نزل إلى مكة محرماً مع بعض صحبه ، فوصلوا بعد انقضاء صلاة العشاء ، فتقدم يصلي بهم في الحرم محرماً .. فقرأ سورة الضحى .. فلما بلغ قول الله تعالى : " وللأخرة خيرٌ لك من الأولى " شهق ،
فلما قرأ " ولسوف يعطيك ربك فترضى " سقط فمات رحمه الله.
" تجديد الهمة " الفراج
صدق اللجوء إلى الله تعالى
ما أعظم ذلك الشعور بالطمأنينة الذي خص الله به المؤمنين عندما علموا أن لهم ربّاً رحيماً فرفعوا إليه الأكف يدعون ويبتهلون
وما أعظم حرمان أولئك المساكين الذين يطرقون أبواب الخلق وينسون باب خالقهم ومولاهم إلا إن طردهم أهل الدنيا .
وهذه جملة من القصص لأناس صدقوا اللجوء إلى الله فما ردهم سبحانه وتعالى .. عسى الله أن ينفع بها كل من كانت له حاجة ولم ينزلها إلى الآن بخالقه ومولاه :
* وقع أحد الناس في ضائقة وكان مبتلى بمس ، واشتد عليه الخطب حتى آلمه وأقلقه ، فذهب إلى أحد طلاب العلم شاكياً وقال : والله يا شيخ لقد عظم علي البلاء وإني أصبحت مضطراً ، فهل يرخص لي في إنسان ساحر أو كاهن يفك عني هذا البلاء ؟
كان يتكلم بحرقة وألم وشدة ، فوفَّق الله طالب العلم إلى كلام شرح الله به صدر هذا الرجل ..
ثم قال له : إني لأرجو الله عز وجل أن يفرج عنك كربك إذا استعنت بأمرين : أحدهما الصبر ، والثاني الصلاة .
يقول الرجل المبتلى بعد مدة لطالب العلم : قمت من عندك فصليت لله ركعتين .. أحسست أنني مكروب قد أحاطت بي الخطوب فاستعذت بالله واستجرت .. وإذا بي في صلاتي في السجود أحس بحرارة شديدة في قدمي ، ما سلمت إلا وكأن لم يكن بي من بأس .
" رسالة إلى مضطر " محمد الشنقيطي
* أذكر رجلاً مرة تنكدت عليه وظيفته فبقي في حزن ، وشاء الله أني لقيته يوماً وقد اصفر لونه ونحل جسمه وهو في حزن وألم .
جاءني يسألني عن بعض من يتوسط له في حاجته قال : هل رأيت فلاناً ؟
قلت : ما رأيته ، كيف موضوعك ؟
قال : والله ما انحلت ، وأنا أبحث عن فلان حتى يكلم فلاناً ليحلها
قلت له : لا ، هناك من يحل لك الموضوع ويكفيك همَّك
قال : يؤثر على فلان ؛ رئيس الإدارة ؟
قلت : نعم يؤثر
قال : تعرفه ؟
قلت : نعم أعرفه
قال : تستطيع أن تكلمه ؟
قلت : نعم أكلمه وتستطيع أن تكلمه أنت
قال : أنت كلّمه جزيت خيراً
قلت : ما يحتاج
قال : من ؟
قلت : الله
قال : هه !
قلت : هو الله عز وجل ؛ اتق الله عز وجل .. لو قلت لك فلان من البشر قلت هيا ، فلما قلتُ لك : الله قلتَ : هه ؟! إنك لم تعرفه في هذه المواقف .. وكان له ثلاثة أشهر لم تحل مشكلته .
فخرج وقد قلت له : جرب دعوة الأسحار ، ألست مظلوماً وقد ضاع حق من حقوقك ؟
قال : نعم
قلت : قم في السحر كأنك ترى الله واشتكِ كل ما عندك .
شاء الله بعد أسبوع واجهته وإذا بوجهه مستبشر .. كان يبحث عن وظيفة .
قال : قمتُ من مجلسِك ولم أبحث حتى عن ذلك الرجل الذي كنت أوسّطه ، وعلمت أني محتاج إلى هذا الكلام فمضيت إلى البيت .. ومن توفيق الله أنني قمت من السحر كأن شخصاً أقامني .. فصليت ودعوت الله ولُذْتُ به كأنني أراه
وأصبح الصباح وقلت : أريد أن أذهب إلى المكان الفلاني ؛ الذي فيه حاجته
وإذا بشيء في داخلي يدعوني للذهاب من طريق في خارج المدينة لا حاجة لي فيه .. فذهبت ومررت على إدارة معينة لم أر مانعاً من السؤال فيها كأن شخصاً يسوقني
فدخلت على رئيس تلك الإدارة ، وإذا به يقوم من مقعده ويرحب بي ويقعدني بجواره ويسأل عن أحوالي
فقلتُ : والله موضوعي كذا وكذا ..
فقال : وين يا شيخ ؛ نبحث عن أمثالك .
وخيَّره بين وظيفتين أعلى مما كان يطمع فيه ، وقال له : اذهب الآن إلى مدير التوظيف وقل له : أرسلني أبو فلان ويقول لك أعطني وظيفة رقم كذا .
يقول : فقمت وأنا لا أكاد أصدق ، وإذا بهمي قد فرج .. وانتهت معاملتي في ثلاثة أيام ، وزملائي قد تعيَّنوا قبلي بعشرة أيام ما انتهت معاملاتهم .
* ذكرتُ القصة السابقة لرجل كان مسؤولاً وبقبضته مجرم ، وسَّع للمجرم النطاق حتى يقبض بواسطته على مجرمين آخرين .. ففر المجرم عنه .
يقول وهو من الصالحين : بحثنا عنه بشتى الوسائل فما وجدنا له أثراً ، وأُعطيت لنا مهلة أسبوع ، فتذكرت القصة في ليلة جمعة ، فنزلت إلى المسجد النبوي وصليت ما شاء الله وأخذت أدعو الله وأبتهل وقلت : لن أخرج إلا بعد طلوع الشمس .
يقول : وأثناء ذلك كأن هاتفاً بجواري يقول : قم ، لقد جاء الرجل
فجلست حتى طلعت الشمس وصليت ثم خرجت وعندي إحساس أن الرجل قد انتهى أمره
فلما جئت الإدارة وإذا الرجل موجود قد سلَّم نفسه
يقول الحارس : جاء وقت السحر فسلم نفسه حتى أنه – الحارس – بهت فقال له : أنت فلان ؟
قال : نعم
قال ك ما تريد ؟
قال : أسلم نفسي(/2)
وكان باقي يوم واحد على انتهاء المهلة .
" الاعتصام بالله " محمد الشنقيطي
* شاب صغير في السن هداه الله وكان بيته مليئاً بالمنكرات والمعاصي ، وكان أبوه لا يعرف القبلة ، فأراد أن يدعوه إلى الله فلم يستجب له أبوه .. فأتى إلى إمام المسجد يبكي عنده ويقول : إن أبي يعصي الله ولا يعرف الصلاة ، وقد حاولت دعوته فلم يستجب لي فماذا أفعل ؟
قال : إذا كنت في الثلث الأخير من الليل فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم صل لله ركعتين ، ثم ادعوا الله عز وجل أن يهدي أباك .. فكان الشاب يفعل هذا الفعل كل ليلة .
وفي إحدى الليالي قام الشاب يصلي في الليل ، فدخل الأب المنزل بعد فترة عصيان ولا أحد يدري به ، دخل والناس نيام فسمع صوت بكاء في إحدى الغرف ، اقترب منها ينظر فإذا ابنه الصغير يبكي ، دنى منه ليسمع ما يقوله ، فسمعه يقول وقد رفع يديه إلى الله : اللهم اهد أبي ، اللهم اشرح صدر أبي للإسلام ، اللهم افتح قلب أبي للهداية .
فانتفض الأب لما سمع هذا الكلام واقشعر جسده وخرج من الغرفة فاغتسل ، ثم رجع والابن على حاله ، فصلى بجانب ابنه ورفع يديه والابن يدعو :
اللهم اهد أبي .. والأب يقول آمين
اللهم افتح قلب أبي للهداية ، والأب بقول : آمين
فبكى الأب وبكى الابن .
فلما انقضت الصلاة التفت الابن فإذا أبوه يبكي فحضنه فتعانقا يبكيان إلى الصباح وكانت بداية هداية للأب .
" ساعات الندم " نبيل العوضي
* جاءتني مريضة عرفت بعد الرقية أنها مسحورة سحراً شديداً ، فقد كان يخيل لها أشباح في المنام واليقظة ، أعطيتها أشرطة لبعض الآيات وطلبت أن تداوم على السماع عليها وسيبطل السحر في مكانه إن شاء الله .
قال أهلها : هل من طريقة لمعرفة مكان السحر ؟
قلت : نعم
قالوا : ما هي ؟
قلت : الدعاء والتضرع إلى الله في الثلث الأخير من الليل وفي السجود ..
فذهبوا بها وقامت المريضة بالدعاء والسجود والتضرع كما قالوا لي .
ورأت في المنام من أخذ بيدها وذهب بها إلى مكان في البيت ودلها على مكان السحر المدفون
وفي الصباح أخبرت أهلها وذهبوا إلى نفس المكان فوجدوا السحر وأخرجوه وأبطلوه وشفيت الفتاة والحمد لله .
" الصارم البتار – الإصابة بالعين " وحيد بالي شريط 6
* أعرف رجلاُ كنت معه وهو في السبعين من عمره ، حدثني وهو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم أنه كان مبتلى بشرب الخمر والعياذ بالله وعمره في الخامسة عشرة حتى بلغ الأربعين من عمره ، فدخل يوماً على طبيب فوجد أن الخمر قد استنفذت جسمه والعياذ بالله
فقال له الطبيب : يا فلان لا دواء لك إلا الذي كنت فيه
ووقف الطبيب عاجزاً حائراً .
يقول لي بلسانه : فلما قال لي الطبيب ذلك كأنني انتبهت من المنام فقلت له : أليس عندك علاج ؟
قال : ليس عندي علاج
فقلت : بل العلاج موجود والدواء موجود !!
ونزلت من ساعتي وأعلنتها توبة لله وصليت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، قم انطلقت إلى بيتي ولبست إحرامي تائباً إلى الله .. ثم مضيت إلى مكة على مسيرة ثلاثة أيام
فوصلت مكة في ظلمة الليل قبل السحر ، فلما فرغت من عمرتي جئت والتجأت إلى الله وبكيت وتضرعت وقلت : يا رب إما أن تشفيني وإما أن تقبض روحي وأنا تائب .
قال : فشعرت في نفسي بأن شيئاً يحدثني أن أشرب زمزم . فذهبت إليها وأخذت دلواً – كانت زمزم بالدلو أيامها – ومن الجوع شربته كاملاً – وقد أعطاه الله بسطة في الجسم حتى عند كبره – فلما شربت هذا الدلو إذا بباطني يتقلب ، فشعرت بالقيء فانطلقت ، فلم أشعر عند باب إبراهيم وقد قذفتُ ما في بطني ، وإذا بها قطع من الدم مظلمة سوداء داكنة .. فلما قذفتها شعرت براحة عظيمة .
قال : فشعرت بعظمة الله جل جلاله وأيقنت أن من التجأ إليه لا يخيب ، وأن بيديه سبحانه من الخير ما لا يخطر على بال .
فرجعت مرة ثانية بيقين أعظم وإيمان أكثر فدعوت وابتهلت وسألت الله وبكيت وقلت : يا رب إما أن تشفيني وإما أن تميتني على هذه التوبة .
قال : فإذا نفسي تحدثني بزمزم مرة ثانية فشربت الدلو مرة ثانية وحصل لي ما حصل في المرة الأولى ، فانطلقت حتى بلغت الباب فقذفت فإذا بالذي قذفته أهون من الذي قبله .
ورجعت مرة ثالثة بإيمان ويقين أكثر فدعوت وابتهلت فأحسست أنني أحب الشرب فنزلت وشربت من زمزم ، فتحرَّك بطني فقذفت فإذا هو ماء أصفر كأنه غسل من بدني .
قال : فشعرت براحة غريبة ما شعرت بها منذ أن بلغت ، ثم رجعت ودعوت الله وابتهلت إليه فألقى الله عليَّ السكينة فنمت وما استيقظت إلا على أذان الفجر .. فقلت : والله لا أفارق هذا البيت ثلاثة أيام .. فما زال يبكي ويسأل الله العفو والعافية ويشرب من زمزم .
قال : ثم رجعت إلى المدينة ، ولما استقر بي المقام أتيت إلى الطبيب المداوي ، فنظر في وجهي فإذا به قد استنار من الهداية . فلما كشف عليَّ اضطربت يده وهو لا يصدق ما يرى ، ثم قال : يا عبد الله ، إن الله قد أعطاك ؛ أي شيئاً غير ممكن في عرف الأطباء .(/3)
ثم استقام من ساعته ثلاثين عاماً يقول : وأنا أحدثك اليوم صائماً وأنتظر من الله حسن الخاتمة .. وقد توفي رحمه الله على خير .
" السعادة " محمد الشنقيطي
نوادر
بين الفينة والأخرى تتوق النفس لسماع خبر طريف ، أو قصة باسمة تعيد للنفس خفتها وأنسها .. ومن بين قصص الأشرطة كانت هذه القصص الطريفة :
* يقول أحد الدعاة : ذهبنا إلى منطقة من المناطق في جنوب شرق آسيا ، والناس هناك ما تنبت لهم لحى ، فلما رأوا لحانا ما كان همهم إلا النظر إليها والمسح عليها ، وكلٌ منهم يدعونا ليزوجنا بابنته هدية حتى تأتي بابن من أصلابنا له لحية .
قال : وعندهم واحد في القرية له في لحيته شعرتان ، فيجلسونه في أحسن مكان وطوال جلوسه يمسح على هاتين الشعرتين ويقول : هذه سنة حبيبي صلى الله عليه وسلم .. وهم يغبطونه على هاتين الشعرتين غبطة شديدة ، فلما جئناهم ورأوا لحانا ما عادوا ينظرون إليه.
" إصلاح القلوب " عبد الله العبدلي
* يذكرون أن رجلاُ أخذ ( اللفة ) مسرعاً فانكسر ( العكس ) وطاح الكفر وتناثرت ( الصواميل ) ، فأتى ليركَّب ( الاستبنة ) فإذا ( الصواميل ) كلها متكسرة .
وكان واقفاً عند مبنى دار مستشفى المجانين ، وإذا واحد يطل عليه منه ثم قال له : ليش أنت واقف حاير هكذا ؟
قال : انقطمت الصواميل وايش أصلح ؟
قال : معك استبنة ؟
قال : نعم لكن ما فيه صواميل
قال : يا أخي فك من كل كفر صامولة وركب الاستبنة
قال : والله ممتاز ، ومن وين جبت هذى المعلومات ؟
قال : هذه دار مجانين بس ما هي محل أغبياء .
" حاول وأنت الحكم " البريك
* كان من أمانينا أن ترى المشاهير : ( عبد الله عبد ربه ) ذو الرجل الذهبية .. أول ما تعرفت عليه مسكت رجله فقلت : يا عبد الله رجلك سمرا ؟!
ودخلت السوق في جدة أشتري أغراض لمعرض عندي ، وصليت الظهر مع تاجر مليونير ثم قلت له : يا أبو فلان ، والله إن الشيطان خبيث .. يوم كبَّرت جاءني وذهب بي إلى المستودعات في ( كيلو 10 ) – منطقة في مدينة جدة – وأنت إيش سوى فيك ؟ ..
قال : والله ( يا بويه ) إنت شيطانك طيّب ، أنا شالني وداني ( هونج كونج ) .
" حاولنا فوجدنا النتيجة " الجبيلان
* ذهبنا سنة 77 تقريباً للحج مع جامعة الإمام محمد بن سعود ، وكان معنا الأخ الشاعر عبد الرحمن العشماوي
ركبنا الباص وانطلقنا ، ثم توقفنا في منطقة القصيم لتناول الغداء ، وكان الغداء ( كبسة ) وكانت باردة جداً .. فلما أكلناها أصابنا ( المغص ) بما فينا الطباخ والشاعر عبد الرحمن ..
تحوّل هذا المغص إلى إسهال ، فكان الباص يتوقف بعد هنيهة وأخرى وينطلق القوم إلى الخلاء .. فقال عبد الرحمن العشماوي قصيدة من وحي هذا الواقع الأليم :
نادى المنادي صائحاً أين الخلا *** فتململ الركب الجريح من البلى
سالت بطون رفاقنا وتخاجلوا *** أن يشتكوا ولمثلهم أن يخجلا
لكن وقد طفح الإناء وأوشكت *** عربات داخلهم بأن تتحولا
يا سائق الأتوبيس إن رفاقنا *** يرجون منك الآن تتمهلا
فالرعد يقصف في البطون وخوفنا *** أن يرسل الرعد المزمجر وابلا
صرخوا بصوت واحد قف ها هنا *** إنا تحملنا بلاءً مثقلا
يتوقف الأتوبيس ثم تراهم *** يتقاذفون بلا هوادة للخلا
لو أنهم يبقون في أتوبيسهم *** لرأيت يا للهول أمراً هائلا
كلماتهم مخنوقة ، آهاتهم *** مسموعة يتململون تململا
يبقى كئيب الوجه في كرسيه *** فإذا توجه للخلاء تهللا(/4)
قصص من الحياة
الإسلام اليوم - الرياض 3/8/1426
07/09/2005
قصص الطلاق كثيرة، وحكاياه لاتنتهي، وردة فعله تتفاوت من امرأة إلى أخرى، منهن ما يرونه نهاية الحياة – وقد تكون محقة ولها ما يبرر نظرتها تلك – ومنهن من يرونه مجرد حدث من أحداث حياتها يتم التعامل معه ومعالجته في حينه – وقد تكون محقة ولها ما يبرر نظرتها هذه –.
وللطلاق أسباب ومسببات، منها ما هو متصل بطرف دون آخر، ومنها ما سببه الطرفين جميعاً، ومنها ما تكون الظروف المحيطة هي المجبرة على مثل هذا الأمر، وقصص الطلاق في هذا الجانب كثيرة ومتعددة، نحاول في هذا التحقيق أن نستعرض ونتناول أبرز مشاكله من خلال ما يصل إلى بريد الموقع في نافذة الاستشارات..
هل الخلع يحقق لي السعادة؟
موقف من ضمن المواقف الجريئة التي وصلت إلى بريد (الإسلام اليوم) تقول صاحبته: كنت موظفة بسيطة، قابلت رجلاً يكبرني في السن بأكثر من عشرين سنة، وأقمنا علاقة جنسية ولمدة طويلة، ثم تزوجنا، هو متزوج من زوجة أخرى، ومع ذلك وافقت، علاوة على أنني كانت لي علاقات سيئة مع رجال أجانب، وقد تزوجت زواجاً عرفياً أكثر من مرة، وقمت بأربع عمليات إجهاض، وغير ذلك من الذنوب والمعاصي والآثام والمنكرات، وطبعاً أهلي لا يعرفون شيئاً عن هذا، وقد حججت أنا وزوجي، لكني لا أصلي ولا ألتزم بالحجاب الشرعي، ومنذ حوالي ثلاث سنوات وأنا أفكر في الطلاق، رغم أنني مازلت أحبه وهو يحبني جداً، أنا أحس أنه يكذب علي كثيراً، أنا متأكدة أنه لا يخونني، ولكن إحساسي يقول لي يوجد شيء خطأ، وهو رافض الطلاق ويحاول أن يجعلني أُصلِّي، ولكني عنيدة، وكلما يسألني صليتِ؟ أقول: لا، هذا أمر بيني وبين ربنا، وأنا لا أحب أي شخص يفرض علي شيئاً، وحتى أجبره ليطلقني أقوم بالخروج من البيت كل يوم لوحدي، أذهب عند أهلي، ونروح سينما، أو أجلس على مقهى، وألبس لبساً ضيقاً، وأعمل مكياجاً جميلاً، وأرجع منتصف الليل، وأذهب إلى المصيف مع البنات لوحدنا، وألبس (المايوه)، وحتى الآن هو رافض موضوع الطلاق، ويقول غداً ربنا يهديني، والآن أنا أفكر في الخلع، ولكن ليس عندي سبب غير أنني غير مرتاحة، وأنا متأكدة أن مستقبلي سوف يكون أحسن بدون زوجي هذا، صديقة لي قالت: إذا طلبت الخلع سوف يأخذ منك كل شيء مثل الشقة، والسيارة، والذهب، وحتى الملابس من حقه أن يطلبها، وصديقة أخرى قالت: طالما كتب هذه الأشياء باسمك فلا يستطيع، أريد أن أعرف هذه الأشياء حتى أعرف ما أفعل، زوجي لم يضربني مرة واحدة، ولم يسبني أيضاً، ولم يعايرني بالماضي، ولكن أنا لا أريده، علماً أن ظروفه المالية الآن تعتبر حرجة، ولكن ليس هذا هو السبب. ماذا أفعل؟ والسلام عليكم.
أجاب على هذه الرسالة فضيلة الدكتور سليمان بن إبراهيم الأصقه بقوله:
الأخت السائلة: لقد قرأت كلامك في هذا السؤال أكثر من مرة، ووجدت أنك تكلمت بكل صراحة ووضوح، ولذا فإني أطلب منك أن تفتحي لي قلبك وترعي لي سمعك، وتقرئي ما سأكتبه لك؛ لأني سأتكلم بكل صراحة ووضوح، فأقول:
واضح أنك تبحثين عن الراحة والسعادة، ولكنك والله أخطأت طريقها، واضح أنك غافلة عما خلقت لأجله، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"[الذاريات: 56] إنك – يا أختي – في أمسّ الحاجة إلى شيء واحد، هو التوبة النصوح مما اقترفتيه من الذنوب، أنت تعلمين أن الصلاة واجبة، بل هي ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفي الحديث قول النبي –صلى الله عليه وسلم- "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" أخرجه الترمذي (2616)، وغيره من حديث معاذ بن جبل –رضي الله عنه-، وأنت تعلمين أن ترك الصلاة حرام، بل هو كفر، قال صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة" أخرجه مسلم (82) من حديث جابر –رضي الله عنه-، وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-: (لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة) أخرجه مالك (84) في الموطأ، وقال ابن مسعود – رضي الله عنه-: (من ترك الصلاة فلا دين له). فكيف تريدين السعادة والراحة وأنت لا تغتسلين من الجنابة ولا تصلين؟!
إنه يجب عليك أن تتوبي إلى الله –تعالى- من الفواحش التي اقترفتيها بأي اسم سميتيها، فهي الزنا بعينه الذي قال الله – عز وجل- عنه: "ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً"[الإسراء: 32]، لقد وصف النبي –صلى الله عليه وسلم- حال الزناة والزواني في قبورهم أنهم في تنّور أسفله واسع، وأعلاه ضيق، وهم عراة يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا – أي صاحوا من شدة حرّه-. انظر ما أخرجه البخاري (1386) من حديث سمرة بن جندب –رضي الله عنه- نسأل الله العافية. عند قوله تعالى: "لها سبعة أبواب" أي لجهنم، قال بعض السلف: (أشد الأبواب غمًّا وحرًّا وكرباً وأنتنها ريحاً للزناة الذين ارتكبوا الزنا بعد العلم).(/1)
أنت تعلمين أنه يجب عليك أن تتحجبي، وقد ذكرت أنك حاولت ولم تفعلي كيف لا تفعلين ذلك، وقد أمرك ربك وخالقك والذي شق سمعك وبصرك، وأصحّ بدنك، ورزقك العافية بقوله سبحانه وتعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن" [النور: 31]، فيأمر الله –تعالى- المؤمنات -أسأل الله أن يجعلك منهن- ألا ينظرن بأبصارهن إلى ما حرم الله، ويحفظن فروجهن من الزنا والفواحش، ولا يظهرن زينتهن إلا ما ظهر منها، ولا يمكين سترة من الثياب والعباءة ونحوها، وليرخين بخمرهن -أي حجابهن- على جيوبهن أي أعلا صدورهن، ولا يظهرن زينة إلا للمحارم ثم ذكرهم وهم: (الزوج، والأب، والابن... إلخ..)، وقال تعالى: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب" [الأحزاب: 53]، وقال تعالى: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"[الأحزاب: 33]، أتدرين ما هو تبرج الجاهلية الأولى الذي نهى الله –عز وجل- عنه؟ إنه خروج المرأة ومشيها بين الرجال متكشفة -كما هو حالك الذي ذكرتيه في السؤال-، وقال تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً"[الأحزاب: 59]، فهذا أمر الله –تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يأمر النساء بإدناء أي تقريب جلابيبهن، والمراد بها العباءة أن تقربها من رأسها وبدنها حتى تسترها وتتميز المرأة الحرّة بذلك.
يا أختي الكريمة: إن الحجاب للنساء عبادة وفطرة وحياء، وطهارة، وعفة، وكرامة، وسعادة، فإذا كنت تريدينها فدعي عنك التبرج والتهتك والتفسخ، ولا عذر لك في ذلك. إنني أنصحك بالبقاء مع زوجك هذا ما دام يحبك وتحبينه، وتتوبي إلى الله أنت وإياه مما اقترفتموه سابقاً، وتنجبون الأولاد، وتعيشون حياة هانئة سعيدة، إنه زوج فيه خير كثير، يأمر بالصلاة، ولا يعيرك، ولا يسبك، ويحبك، وأنت متأكدة أنه لا يخونك، فكيف تفرطين فيه؟ إن سبب ذلك هو ما تعيشينه من غفلة عما خلقت له حتى ظننتي أن السعادة في الحرية من كل شيء، لا تريدين أحداً يفرض عليك شيئاً، كأنك تريدين أن تعودي لما كنت عليه سابقاً من علاقات كثيرة، وزواج عرفي، وفساد، وهذا والله هو الضياع والتعاسة؛ ولذا أنت تقولين: (إن إحساسي بيقول فيه حاجة غلط، (إنني غير مرتاحة)، (وأنا متأكدة أن مستقبلي سوف يكون أحسن بدون زوجي هذا)، وأنا والله الذي لا إله غيره ولا رب سواه – سبحانه وتعالى- متأكد أن حالك سيكون أشد تعاسة إذا طلقك زوجك وبقيت على حالة الغفلة التي أنت فيها.
إنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب مقنع -كما هو حالك-، قال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غيرما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" أخرجه الترمذي (1187)، وأبو داود (2226)، وابن ماجة (2055) من حديث ثوبان –رضي الله عنه-، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن المختلعات هنّ المنافقات" أخرجه الترمذي (1186)، وأبو داود (2226)، وابن ماجة (2055) من حديث ثوبان –رضي الله عنه-، إنني أكرر عليك مرة أخرى بأن تتوبي إلى الله –تعالى- وتعودي إليه، فإنه يحب التوابين ويفرح بهم، ويغفر ذنوبهم، ويستر عيوبهم، ويسعدهم مهما كانت الذنوب عظيمة، فإن الله يغفرها لمن تاب. قال عز وجل: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر: 53]. احمدي الله –تعالى- أنه أمهلك إلى الآن ولم يقبضك وأنت على تلك الفواحش والعظائم، واستدركي حالك قبل أن يفاجئك الموت فتندمي ولا ينفع الندم، إنك مع الإيمان والتوبة النصوح والعمل الصالح، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره، تسعدين وينشرح صدرك، وستقولين أين أنا من هذه السعادة، وعند الموت تعودين إلى ربك الذي وعد المؤمنين بالروح والريحان، ودخول الجنان، والنجاة من النيران، كم ستعيشين؟ مائة سنة؟ ثمانين سنة؟ سبعين سنة؟ أقل؟ أكثر؟ وكلها مليئة بالمنكرات والمنغصات، ثم تنتقلين إلى الآخرة، وهناك السعادة الأبدية أو التعاسة والشقاوة السرمدية. إن تلك السنوات المعدودة لا تساوي شيئاً عند حياة أبدية لا تنقطع، فلا تضيعيها بشهوة عابرة وضحكة ساخرة، وضياع وغفلة، قال تعالى: "يا قومي إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" [غافر: 39].
أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، واسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب أن يشرح صدرك، ويتوب عليك، ويمن عليك بالسعادة. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
استغلني ثم طلقني!(/2)
من ضمن القصص المؤلمة أيضاً التي وصلت إلى بريد الموقع تقول فيها صاحبتها: لقد تزوجت قبل سنوات ، وذهبت إليه في بلدنا، حيث كان هناك، وتم الزواج ورجعت إلى محل إقامتي؛ لكي أعمل له الأوراق، وأخذت مني مدة سنة وأربعة أشهر، وطيلة هذه الفترة كان أهلي يبعثون له مصروفه في بلدنا، من مسكن ومأكل ومشرب، حيث كانت التكاليف كثيرة- كما تعلمون كم تكلف مثل هذه الأمور- أكملت المعاملة وبعثت له أجور التذكرة، وجاء إلى البلد الذي أقيم فيه وفرحنا بقدومه كثيرًا بعد صبر طويل، وحمدت الله على سلامته. لقد فوجئت بعدم شوقه لي، وعدم تحدثه بكلام الحب الذي أسمعني إياه عندما كنت في بلدنا، بعد أسبوعين من وجوده معي وإذا بي أفاجأ بأنه يتصل بي ويخبرني بأنه ترك البيت، لم أصدق، ذهبت إلى غرفتي، وفعلًا رأيت أنه قد أخذ معه حقيبته، كانت صدمتي كبيرة لدرجة؛ ولا زلت إلى هذا الحين تحت العلاج طيلة هذه السنين وحتى الآن وأنا معلقة لم يسأل عني، ولم يبعث لي أي مصروف، وأذكر أنه قبل يومين من تركه البيت قال لي: طالق. وكنت أتصوره يعاني من مشكلة نفسية، وقد تأكدت عندما قالت لي والدتي بأنه قد قال لها بأنه قد طلقني، وفي نفس اليوم ترك البيت بعد أن وجد صديقه ليسكن معه، حيث إنه استغلني وأهلي في سبيل الحصول على تسهيلات السفر والهجرة! وعدم مخافة الله في أنه قد ظلمني وحطمني وأساء إلى سمعتي، وبقيت أخاف أن أخرج من البيت لكي لا أواجه الناس؛ لأن زوجي تركني بعد أسبوعين من مجيئه، ولا زال الناس تأتي لكي تبارك لي زواجي الفاشل مع الأسف. شيخنا الفاضل: إنني ضحية البساطة والطيبة في هذا الزمن الذي كثر فيه الغدر و الكذب والخداع، فضيلة الشيخ الجليل: ما الحكم الشرعي لحالتي هذه؟ هل أعتبر طالقًا؟ حيث إنني أريد أن أخرج من أزمتي هذه وأرى مستقبلي؛ لأنني أشعر أنني مكبلة بالهموم والخوف، و عدم الثقة بالبشر- مع الأسف الشديد- حيث كنت بكامل ثقتي بنفسي وبالناس. شيخنا الفاضل: إنني بانتظار رأيكم السديد، الرجاء عدم وضع رسالتي هذه في الصفحة. أثابكم الله.
وقد أجاب عليها نزار بن صالح الشعيبي بقوله: أختي السائلة: لا تحزني ولا تقلقي على ما جرى لك، وأوصيك بالصبر والاحتساب، وإني على يقين تام بأن الله تعالى- قد رحمك بأن صرف عنك هذا الرجل الاستغلالي اللئيم، وقد اختار الله تعالى- لك ما هو خير لك في دينك ودنياك، وأحب- يا أختي- أن أذكرك بأمور:(/3)
1) أن المؤمن في هذه الحياة مبتلى، فدار الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والله سبحانه وتعالى- يبتلي عباده المؤمنين، وكلما زاد إيمان الشخص زاد بلاؤه، فنوحٌ عليه السلام، ابتلي بابنه وزوجته، وإبراهيم عليه السلام، أمر بترك زوجته وابنه الرضيع في وادٍ غير زرعٍ، ولما بلغ ابنه معه السعي أمر بذبحه، فامتثل لأمر ربه، ورُمي به في النار، فصبر، وأيوب عليه السلام، مرض سنين عددًا، وموسى عليه السلام، خرج من مدينته خائفًا يترقب، وأمر بإعلان الدعوة فلحقه من الأذى من قومه عنادًا واستكبارًا ما بسط بآيات من القرآن الكريم، ويوسف عليه السلام، رُمي في الجُبِّ مِن قِبَل أقرب الناس إليه (إخوانه)، ويباع رقيقًا بثمن بخس، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، ثم تعرض عليه الفتنة فيرفضها حتى أودع في السجن بضع سنين، ها هو ذا والده يعقوب عليه السلام، تبيضُّ عيناه من الحزن على ابنه يوسف عليه السلام، وهو كظيم، فدعا بدعائه المشهور: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ)[يوسف: 86]. وقال عندما وصله نبأ ابنيه: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)[يوسف: 83]. ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله وعليه وسلم، خليل الرحمن المبعوث رحمة للعالمين، ينشأ يتيم الأبوين، ويُرمَى عليه سَلَا الجَزُورِ، وهو ساجد لربه تعالى عند الكعبة، وتتوالى عليه الأحزان في عام الحزن، فتموت أحب الناس إليه زوجته خديجة، رضي الله عنها، وعمه أبو طالب، ويخرج من أحب البلاد إليه، ويقاتله قومه حتى يُشجَّ جبينه الشريف، وتُكسر رَبَاعِيَتُه، وهو صابر لله تعالى، ومحتسب، وتتوالى المصائب والابتلاءات عليه حتى آخر لحظة من حياته، فتتوالى عليه سكرات الموت حتى يغمى عليه، صلى الله عليه وسلم، ويدخل عليه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، ويلاحظ شدة الألم عليه، صلى الله عليه وسلم، فيقول له: يا رسول الله، إنك توعك وعكًا شديدًا. قال صلى الله عليه وسلم: "أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ". أخرجه البخاري (5648) ومسلم (2571). ويسأله، صلى الله عليه وسلم، سعدُ بن أبي وقاص، رضي الله عنه- عن أشد الناس بلاء؟ فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ؛ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". أخرجه ابن ماجه (4023) والترمذي (2398) وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وصححه الألباني.
2) أن المصائب التي تصيب الإنسان، وإن كانت في الظاهر شرًّا له إلا أنها في الحقيقة تحمل معها خيرًا للمؤمن إذا صبر واحتسب، ولم يجزع ويسخط؛ فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا". أخرجه البخاري (5640) ومسلم (2572) واسمعي هذه البشرى العظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم، والتي يزفها لنا الصحابيان الجليلان أبو هريرة وأبو سعيد الخدري، رضي الله عنهما؛ إذ يرويان لنا حديثًا هو سلوى لكل مسلم؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ". أخرجه البخاري (5642) ومسلم (2573). ويقول أيضًا، صلى الله عليه وسلم: "مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". أخرجه الترمذي (2399) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وحسنه الألباني. وكلنا ذو خطأ ومعصية، وتقصير، وكلنا بحاجة إلى تطهير من الذنوب والمعاصي.
3) أن على المسلم الصبر والاحتساب إذا أصابته مصيبة، والشكر والحمد عند حصول السراء، وهذا من خصائص المؤمن فهو بين الصبر والشكر، هكذا يسير في حياته، ويروي لنا صهيب، رضي الله عنه، تعجب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم- من حال المؤمن، فيقول صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". أخرجه مسلم (2999). فهذا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم- يخبر بأن الصبر عند الضراء هو خير للمؤمن.(/4)
4) أن الصبر خير عطاء يمنحه الله تعالى- لعبده المؤمن؛ فعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ". أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1053)
5) تذكري- يا أختي- أن على العبد ألا يستسلم لمثل هذه الأحزان، وأن عليه أن يواجهها بقوة وشجاعة وإيمان؛ فالمصيبة الكبرى هي مصيبة الدين، وكل ما سواها هين وسهل، وعليه أن يتجاوزها؛ فهي فترة زمنية يعقبها فرج الله تعالى، فليس من الصواب أبدًا استمرار هذا الحزن معك سنتين كاملتين، واسمعي إلى هذه التوجيهات العظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم- لابن عمه عبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهما، وهو غلام، وكان رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "يَا غُلَامُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟". فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ؛ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا". أخرجه أحمد (2803) والترمذي (2516) وقال: حسن صحيح. وصححه أحمد شاكر.
6) أن المشروع للمؤمن في مثل هذه الحالات الإكثار من الدعاء والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى- يسأله تفريج الكرب، وإزالة الهم، ويلح على الله تعالى بالدعاء؛ فالدعاء هو العبادة، والله سبحانه وتعالى- يحب الملحِّين في الدعاء، وهناك أدعية مأثورة يستحب للمسلم الإكثار منها، من ذلك قول العبد عند المصيبة: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)[البقرة: 156]. قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155-157]. وعن أم سلمة، رضي الله تعالى عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ". أخرجه مسلم (918). ولقد كانت أم سلمة، رضي الله عنها، تدعو بهذا الدعاء عندما فقدت زوجها أبا سلمة، رضي الله عنه، فأبدلها الله تعالى- خيرًا من أبي سلمة، رضي الله عنه، حيث تزوجت بعده رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ونالت شرف أم المؤمنين.
7) تذكري أن الصابر يوفَّى أجرَه بغير حساب؛ قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10]. والصبر من صفات البر؛ قال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة: 177].
فلا تكبلي نفسك بالهموم واتركي عنك الخوف، وسيري على توجيهات ربك، ونبيك صلى الله عليه وسلم، وعاهدي نفسك بفتح صفحة جديدة من حياتك، ولا تسمحي لمثل هذا المخادع أن يدمر حياتك، واحمدي الله تعالى- أن صرفه عنك في أول حياتك قبل أن تتورطي معه بأطفال، وتذكري دومًا قول الله تعالى: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
وأما سؤالك: هل يعتبر ما صدر من زوجك طلاقًا؟ أقول: إذا صدر هذا اللفظ منه صريحًا، كما تذكرين فهذا طلاق، إلا أني أنصحك أن تقومي بتوثيق هذا الطلاق بصفة رسمية لدى أقرب محكمة.(/5)
وأسأل الله تعالى– لك التوفيق والرشاد في الدنيا والآخرة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
هل تصبر أم تسأله الطلاق؟!
ومن المشاكل الاجتماعية التي وصلت إلى بريد الموقع من سائلة تقول: أنا متزوجة منذ ثمانية أشهر، والآن حامل في شهري الثالث، هذا الحمل الذي منذ بدأ بدأت المشاكل، طلب مني زوجي مساعدته في مصاريف البيت، ففعلت، ولكن أصبح مؤخراً يطالبني بمرتبي كله، أقوم بجميع الأشغال المنزلية لوحدي؛ لأنه لا يريد أن آتي بخادمة لمساعدتي، ولا يريد هو مساعدتي، بل يريد فقط إعطائي الأوامر، وإذا أجبته بكلمة يقوم بضربي؛ مدعياً أنه الرجل، أفكر أحياناً في طلب الطلاق، ولكن أفكر في الجنين الذي في أحشائي، فمادياً لن ينقصه شيء، ولكن لا أريد أن يكبر بدون أب. أرشدوني جزاكم الله خيراً.
أجاب عليها فضيلة الشيخ د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري، بقوله: ما ذكرتِه من تصرفات زوجك تصرفات خاطئة محرمة لا يقرها الإسلام ولا يجيزها، والإسلام أمر الرجل بالإنفاق على المرأة والقوامة عليها، لا أن يقتات من عملها وكدها وجهدها.
وليست الرجولة في ضرب المرأة، وإنما الرجولة في القوامة عليها، وإكرامها وإعزازها، وتوفير ما تحتاج إليه، فما يفعله زوجك -حسب ما ذكرته- خطأ كبير.
تبقى القضية: هل الأولى الاستمرار معه، أو المفارقة؟ أقول هذا أمر لا يستطيع أحد تقديره أكثر منك، فإن كنت ترين أن أمامك فرصة بالزواج ممن هو أفضل منه إذا تركتِه فإنني أرى أن تتركيه، لعل الله يبدلك خيراً منه، وكونك حملت بجنين فهذا الجنين لن يضيع –بإذن الله-، ولا يصح أن تكون حياتك كلها مرتهنة لهذا الطفل، فالذي جاء بالطفل سيأتي بأطفال آخرين، وأبوه هو الملزم به أن يتولى رعايته والقيام عليه وليس أنت، وأنت الآن في مستقبل حياتك والمستقبل أمامك، فإن كنت ترين أن لديك فرصة في الزواج من رجل أفضل من هذا الرجل، فلا تلامي في البحث عن خيار أفضل، خاصة أن سلوك زوجك معك بهذه الطريقة في أول سنة الزواج، بل في أشهُره الأولى يدل بوضوح على ضعف عاطفته تجاهك، وأن محبته لك قليلة أو معدومة، وسوء عشرته في هذا الوقت الباكر لا يبشر بخير في المستقبل. وأما إذا كنت ترين أن الفرص أمامك ستكون معدومة، وأنك أن تعيشي مع هذا الرجل أولى من أن تعيشي بدون رجل، فهذا أمر آخر يرجع لك أنت، ولكن أرى مع ذلك أن تطالبي بحقوقك، وألا تخضعي لطلباته؛ فراتبك حق لك، وضربه لك -بغير حق- لا يجوز ولا يحق له، والمحاكم لم تقم إلا لرفع الظلم عن المظلومين، وحماية حقوق المستضعفين، وهناك صنف من الرجال لا يعطي الحق من نفسه إلا أن يؤخذ منه. والله يعينك ويتولاك.
هل الطلاق حل مشكلتي؟
ونقتطف أخيراً هذه المشكلة الواصلة إلى بريد الموقع حيث تقول صاحبتها: مشكلتي أني تزوجت منذ سنوات عدة، من شاب يكبرني بقليل، ومتزوج من بنت عمته، ورزقت منه بأولاد ذكوراً وإناثاً، أخبرنا أن حالته جيدة، وصاحب تجارة، ولكن المفاجأة بعد الزواج اكتشفت أن عليه ديوناً وكل يطلبه، مما اضطره لبيع محلات كانت عنده وبخسارة، كان يطلب ذهبي لبيعه ليصرف علينا، وإخوانه الذين يسكنون معنا، والمشكلة أنه كلما باشر عملاً خسر فيه وزادت الديون، وأصبح الراتب لتسديد الديون،حتى حاجاتنا الأساسية يبخل بها علي، وخاصة أنني اضطررت للعمل بعد الزواج بسنتين، لا يعطينا إلا القليل جداً، وحجته الدين وزوجته الأولى وعيالها يصرف عليهم حتى الجوال أخرجه لهم بدون حاجة له، اشتريت بيتاً وسيارة لأنني إدارية فقط، ولم يفد فيه ذلك، بل أخذ يطالبني بجميع المصاريف، وأن أبحث له عمَّن يسدد له، مع العلم أن أخلاقه ساءت معي، يسهر وأحياناً ينام في الاستراحات، وذلك كل يوم، لا يأتي للبيت إلا للنوم والأكل وتغيير الملابس، ولا يعرف أي توجيه أو تربية لأولاده، إلا إذا أخطأ أحدهم ضربه في وجهه، ويقول: أنتِ فرقت بيني وبين عيالي، وقد أصبت ببعض الأمراض بسبب سوء معاملته لي وللأولاد، أنا أعيش ضغوطاً نفسية شديدة منه، لدرجة أحياناً إذا ناقشته ضربني ضرباً مبرحاً وكل المسئولية على عاتقي، علما بأنه يسافر للخارج أو الداخل بدون أن يخبرنا، أو يضع مصروفاً حتى للأولاد. سؤالي: هل أنفصل عنه وأرتاح منه، أم ماذا أفعل؟ حيث إنني تعبت من الوظيفة ولا أستطيع تركها، فماذا أفعل؟.
وقد أجاب عليها فضيلة الشيخ عبد الله عبد الوهاب بن سردار، فقال:
1) لاحظت أن زوجك كثير الأخطاء بحقك من الناحية المالية والاجتماعية، ولا شك أنه مفرط كثيراً بحقوقك – كما ذكرت-.
2) أرى ألا تنفصلي عنه رغم السوء الكثير الصادر منه؛ لأن الانفصال قد يكون أكثر ضرراً من الناحية المعنوية والناحية الاجتماعية، فقد يحرمك من أولادك، وهذا حرمان من القرب منهم والأنس بهم، وحرمان لهم من رعايتك وتربيتك لهم، وبخاصة أنه –كما ذكرت- لا يهتم بالتربية والتوجيه، والانفصال يشتِّت شمل الأسرة، وهذا يؤدي على المدى البعيد إلى أضرار نفسية واجتماعية على الأولاد.(/6)
3) ومع بقائك زوجة له أوصيك بما يلي:
أ- الصبر حتى يقضي الله أمراً حسناً طيباً.
ب- احتساب الأجر عند الله –عز وجل-.
ج- محاولة إصلاح الزوج عن طريقك أو طريق غيرك، مثل كبار العائلة أو لجنة إصلاح ذات البين.
د- المطالبة بحقوقك الاجتماعية والمالية؛ حتى لا يألف التفريط فيها ولا يتمادى في الاعتماد على جهودك.
هـ- دعاء الله – عز وجل- أن يصلحه ويوفقه للصواب.
أسأل الله برحمته أن يهدي زوجك للصواب، وأن يؤلف بينكما، وأن يسعد العائلة كاملة تحت مظلة الحب والتعاون والوفاء.(/7)
قصة الذي استلف ألف دينار
ما أحوج الإنسان في زمن طغت فيه المادة , وتعلق الناس فيه بالأسباب إلا من رحم الله , إلى أن يجدد في نفسه قضية الثقة بالله , والاعتماد عليه في قضاء الحوائج , وتفريج الكروب , فقد يتعلق العبد بالأسباب , ويركن إليها , وينسى مسبب الأسباب الذي بيده مقاليد الأمور , وخزائن السماوات والأرض , ولذلك نجد أن الله عز وجل يبين في كثير من المواضع في كتابه هذه القضية , كما في قوله تعالى : {وكفى بالله شهيدا} (الفتح 28) , وقوله : {وكفى بالله وكيلا } (الأحزاب 3) , وقوله : { أليس الله بكاف عبده } (الزمر 36) , كل ذلك من أجل ترسيخ هذا المعنى في النفوس , وعدم نسيانه في زحمة الحياة , وفي السنة قص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجلين من الأمم السابقة , ضربا أروع الأمثلة لهذا المعنى .
والقصة رواها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل , سأل بعض بني إسرائيل أن يُسْلِفَه ألف دينار , فقال : ائتني بالشهداء أُشْهِدُهُم , فقال : كفى بالله شهيدا , قال : فأتني بالكفيل , قال : كفى بالله كفيلا , قال : صدقت , فدفعها إليه إلى أجل مسمى , فخرج في البحر , فقضى حاجته , ثم التمس مركبا يركبها يقْدَمُ عليه للأجل الذي أجله , فلم يجد مركبا , فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار , وصحيفةً منه إلى صاحبه , ثم زجَّجَ موضعها , ثم أتى بها إلى البحر , فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسَلَّفْتُ فلانا ألف دينار , فسألني كفيلا , فقلت : كفى بالله كفيلا , فرضي بك , وسألني شهيدا , فقلت : كفى بالله شهيدا , فرضي بك , وأَني جَهَدتُ أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له , فلم أقدِر , وإني أستودِعُكَها , فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه, ثم انصرف , وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده , فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله , فإذا بالخشبة التي فيها المال , فأخذها لأهله حطبا, فلما نشرها , وجد المال والصحيفة , ثم قَدِم الذي كان أسلفه , فأتى بالألف دينار , فقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه , قال : هل كنت بعثت إلي بشيء , قال : أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه , قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة , فانْصَرِفْ بالألف الدينار راشدا )
هذه قصة رجلين صالحين من بني إسرائيل , كانا يسكنان بلدا واحدا على ساحل البحر , فأراد أحدهما أن يسافر للتجارة , واحتاج إلى مبلغ من المال , فسأل الآخر أن يقرضه ألف دينار , على أن يسددها له في موعد محدد , فطلب منه الرجل إحضار شهود على هذا الدين , فقال له : كفى بالله شهيدا , فرضي بشهادة الله , ثم طلب منه إحضار كفيل يضمن له ماله في حال عجزه عن السداد , فقال له : كفى بالله كفيلا , فرضي بكفالة الله, مما يدل على إيمان صاحب الدين , وثقته بالله عز وجل , ثم سافر المدين لحاجته , ولما اقترب موعد السداد , أراد أن يرجع إلى بلده , ليقضي الدين في الموعد المحدد , ولكنه لم يجد سفينة تحمله إلى بلده , فتذكر وعده الذي وعده , وشهادةَ الله وكفالتَه لهذا الدين , ففكر في طريقة يوصل بها المال في موعده , فما كان منه إلا أن أخذ خشبة ثم حفرها , وحشى فيها الألف الدينار, وأرفق معها رسالة يبين فيها ما حصل له , ثم سوى موضع الحفرة , وأحكم إغلاقها , ورمى بها في عرض البحر , وهو واثق بالله , متوكل عليه , مطمئن أنه استودعها من لا تضيع عنده الودائع , ثم انصرف يبحث عن سفينة يرجع بها إلى بلده , وأما صاحب الدين , فقد خرج إلى شاطئ البحر في الموعد المحدد , ينتظر سفينة يقدُم فيها الرجل أو رسولا عنه يوصل إليه ماله , فلم يجد أحدا , ووجد خشبة قذفت بها الأمواج إلى الشاطئ , فأخذها لينتفع بها أهله في الحطب , ولما قطعها بالمنشار وجد المال الذي أرسله المدين له والرسالة المرفقة , ولما تيسرت للمدين العودة إلى بلده ,جاء بسرعة إلى صاحب الدين , ومعه ألف دينار أخرى , خوفا منه أن تكون الألف الأولى لم تصل إليه , فبدأ يبين عذره وأسباب تأخره عن الموعد , فأخبره الدائن بأن الله عز وجل الذي جعله الرجل شاهده وكفيله , قد أدى عنه دينه في موعده المحدد .
إن هذه القصة تدل على عظيم لطف الله وحفظه , وكفايته لعبده إذا توكل عليه وفوض الأمر إليه , وأثر التوكل على الله في قضاء الحاجات , فالذي يجب على الإنسان أن يحسن الظن بربه على الدوام , وفي جميع الأحوال , والله عز وجل عند ظن العبد به , فإن ظن به الخير كان الله له بكل خير أسرع , وإن ظن به غير ذلك فقد ظن بربه ظن السوء .(/1)
قصّة الفلسفة
عبد الله السهلي 21/1/1427
20/02/2006
هاهي أثينا ترسف في أغلال الوثنية. السماء مكفهرة، الجلبة تملأ شوارع المدينة، والجماهير الغاضبة الهادرة تهتف بإعدام سقراط. وفي السجن يفد إليه تلاميذه وعلى رأسهم أفلاطون، لقد تعاطف معه القضاة وأرادوا إطلاق سراحه، بعد أن حُكم عليه بشرب السم، عرض عليه أصدقاؤه مهرباً سهلاًً؛ فقد رشوا الموظفين الذين يقفون بينه وبين الحرية والفرار. لكنه رفض فقد بلغ السبعين من عمره (399 ق م )، وربما اعتقد أن الوقت قد حان ليفارق الحياة، وأنه قد لايموت أبداً بمثل هذه الطريقة المفيدة لتدعيم مبادئه، وقال لأصدقائه: "افرحوا إنكم توارون في التراب جسدي فقط" ثم التفت إلى السجّان وقال: "أنت يا صديقي السجّان المجرب في هذه الأمور، هل تدلني كيف أفعل؟ وكيف أتقدم في شرب السم؟ فقال السجان وهو يتألم لحاله ويغالب دموعه": بعد أن تحتسي السم عليك أن تمشي فقط إلى أن تشعر بثقل في قدميك فتستلقي، وبهذا يسري السمّ في جسدك" فيفعل سقراط ليموت بين أصدقائه بهدوءٍ.
ما جرم سقراط ؟! وما جنايته التي ارتكبها!؟ وما الذنب الذي اقترفه؟!
لقد كانت جريمته أنه كان عابداً متألّهاً مجاهراً بمخالفة قومه في وثنيتهم، بل وقابلهم وناظر رؤساءهم في بطلان عبادتهم. لقد كانت جريمته أنه كان موحداً وهو الذي يقول: إن الله إله كل شيء وخالقه ومقدره، وكان يقول: إن أخص ما يوصف به الرب سبحانه وتعالى كونه حياً قيوماً. قال ابن القيم: وبالجملة فهو أقرب القوم إلى تصديق الرسل، وكذلك تلميذه أفلاطون كان معروفاً بالتوحيد منكراً لعبادة الأصنام، لكنه لم يجاهر قومه بهذا كما فعل أستاذه، فسكتوا عنه وكانوا يعرفون له فضله وعلمه.
أما أرسطو تلميذ أفلاطون فتنكب طريق أستاذه، فقال بقدم العالم مخالفاً أساطين الفلاسفة قبله، وعبد الأصنام، وهام في وثنية الإغريق، وفرقته من الفلاسفة يُسمّون المشائين، وهي فرقة شاذة كما حكاه ابن رشد في مناهج الأدلة. وسبب ذلك ما ذكره طائفة ممن جمع أخبارهم أن أساطين الأوائل كفيثاغورس، وسقراط، وأفلاطون كانوا يهاجرون إلى أرض الأنبياء بالشام، ويتلقون عن لقمان الحكيم ومن بعده من أصحاب داود وسليمان، وأن أرسطو لم يسافر إلى أرض الأنبياء، ولم يكن عنده من العلم بإثارة الأنبياء ما عند سلفه، وكان عنده قدر يسير من الصابئة الصحيحة، فابتدع لهم هذه التعاليم القياسية، وصارت قانوناً مشى عليه أتباعه. ذكره ابن تيمية في الرد على المنطقيين.
أرسطو هذا المسمى المعلم الأول تلقف ابن سينا كتبه وتتلمذ عليها، وكان ابن سينا من القرامطة الباطنية، وقد تميز في الطب لكنه أخفق في الإلهيات فقد جمع خرافات الباطنية وضلالات الإغريق.
كما تبنى هذه الفلسفة غير ابن سينا كالكندي والفارابي وإخوان الصفا هذه الجماعة السرية التي كانت تزعم اختلاط الشريعة بالضلالات، ولا سبيل إلى تطهيرها إلا بالفلسفة اليونانية. وتأملوا كيف يُعاد التاريخ والأحداث والمقولات في أطروحات الليبرالية، وربيبتها المدللة العصرانية. كيف لا ؟! والفكر الإغريقي من أقوى الروافد لليبرالية المعاصرة؛ إذ تُعتبر هذه الأخيرة سليلة ثلاثة أصول الفكر الإغريقي والفكرة الرومانية والديانة المسيحية. أفلا يفقه هذا الليبراليون العرب؟!! ولك أن تتأمل موضوع الإنسان والإنسانية كنموذج ودليل على ماسبق؛ فالإنسان في الفكر الإغريقي هو موضوع تأمله وفلسفته حتى قالوا: إن الإنسان هو المقياس الوحيد الذي يُقاس به كل شيء في الكون، وباختصار الإنسان مقابل الكون والوجود والقوة العليا وقد يحاربه القدر الأعمى، وقد يسقط ولكن سقوط أبطال التراجيديا، بل أكسبوا حتى آلهتهم ثوباً إنسانياً. ولاغرو ولاعجب!! فالفلسفة ظاهرة طبيعية للأمم والمجتمعات الوثنية تحاول من خلالها الإجابة عن الأسئلة الكبرى في الحياة والتي تظل حائرةً دون قبسٍ من نبوة!!
ولعله بعد هذا يتضح قدم الأطروحات المشبوهة التي تصم أذاننا بين الفينة والأخرى، إنها باختصار اجترار للإرث الفلسفي الإغريقي، ومن تأثر به من معتزلة أو متكلمين!! الذين جنَوْا على العقل أعظم جناية عندما جعلوه يهرول في غير ميدانه، وافتعلوا في ذلك الخصومة بين العقل والنقل. بعد هذا قد يزول تعجّبنا عندما نسمع من يقول بتنقية التراث الإسلامي يعني به القرآن والسنة، أو من يقول: أنا أدين بدين الإنسانية!! لذا فالليبرالية والحداثة لا جديد فيها!!
عذراً (ول ديورانت) على اقتباس عنوان كتابكم القيّم قصة الفلسفة.(/1)
قضاء الأوقات بين المباحات و الطاعات
السؤال :
أنا امرأة ملتزمه و لا أزكي نفسي ، و ليَ صديقةٌ أقضي معها كلّ يومٍ ساعةً أو ساعتين في الحديث عبر الانترنت ، ثمّ أشعر بالندم على ضياع الوقت في الحديث معها بدون فائدةٍ ، و أتوب إلى الله تعالى ، و أعاهده على عدم العودة ثانيةً إلى المسنجر ، و لكنّ نفسي تضعُف ، فأجد نفسي أعود ثانيةً إلى ما كنت عليه من تضييع للأوقات فيما لا يفيد ، و كلّما تُبتُ عدتُ من جديد ، فبماذا تنصحونني مأجورين ؟
الجواب :
إجابةً على هذا السؤال تحسن الإشارة إلى مسألتين :
المسألة الأولى : ما دام المرء يزن سلوكه و أفعاله بميزان الشرع فهو على خير إن شاء الله ، و إن بدر منه تقصير في بعض الأحيان ، و ذلك مقتضى قوله تعالى : ( وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) [ القيامة : 2 ] .
و النفس اللوّامة هي الَّتِي تَلُوم صَاحِبهَا عَلَى الْخَيْر وَالشَّرّ وَتَنْدَم عَلَى مَا فَاتَ ، كما قرّره الحافظ ابن كثيرٍ في تفسيره .
قلتُ : و الموفّق من عباد الله من أتبع سيئاته ما يمحوها من الحسنات ، لأنّ ( الحسنات يُذهبنَ السيئات ) [ هود : 114 ] ، كما أخبر بذلك تعالى في كتابه العزيز ، و لقول النبيّ صلّى الله عليه و سلّم لأَبِى ذَرٍّ فيما رواه أحمد و الترمذي بإسنادٍ قال عنه : ( حسنٌ صحيح ) : « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَ أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَ خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ » .
المسألة الثانية : إنّه لا بدّ للمرء من ساعات يقضيها في المباح ، و منه زيارة الأرحام و الأصدقاء ، أو الاتصال بهم عبر الهاتف أو الانترنت ، أو مراسلتهم أو نحو ذلك ، و هذا الأمر مشروعٌ ما لم يتجاوز حدود المعروف و المألوف ، أو تتخلّله منكرات لفظيّة أو فعليّة .
و قد جُبِلت النفس البشريّة على حبّ الاستمتاع بالمباح ، و ليس ذلك محظوراً عليها ، بل قد يكون سبباً في الثواب إذا صلحت نيّة صاحبه .
روى الترمذي بإسنادٍ قال عنه : ( حسن صحيح ) عَنْ حَنْظَلَةَ الاسَيدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ وَ هُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ ؛ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَ الْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ ، فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى الازْوَاجِ وَ الضَّيْعَةِ نَسِينَا كَثِيرًا . قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَكَذَلِكَ ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ ) قَالَ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَ الْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا رَجَعْنَا عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَ الضَّيْعَةَ وَ نَسِينَا كَثِيرًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ وَ فِي طُرُقِكُمْ وَ عَلَى فُرُشِكُمْ وَ لَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَ سَاعَةً ، سَاعَةً وَ سَاعَةً ) .
فهذا حال المؤمن ساعةً يقوى فيها إيمانه ، و ساعةً يضعُف ، و لكنّه في كلتَي الساعتين بين المأمور و المشروع ، بين الطاعات و المباحات ، و ليس كما يفهمه بعض الجَهلَة القائلين : ساعة لقلبك و ساعة لربّك ، فيجعلون العمر ساعتين ساعة في المشروع و ساعة في الممنوع ، و ذلك هو الخذلان و الضلال المبين ، و العياذ بالله ربّ العالمين .
فلتحرص الأخت السائلة على الإفادة من وقتها في ما يُصلح دينها و دنياها ، و عليها بالتسديد و المقاربة ، و لا بأس من قضاء بعض الأوقات في الأعمال المباحة كالتي ذكرتها في السؤال ، ما لم يكن ذلك على حساب دينها و واجباتها ، و الله الهادي إلى سواء السبيل .(/1)
قضايا الشباب المسلم
تدور في نفوس شبابنا وفي أذهانهم وعلى ألسنتهم كلمات حائرة وتساؤلات مستقيمة، عن كثير مما يقرأن في كتابات مترجمة تملأ الأسواق والمكتبات جاءت من بلادها وتعرضت لقضايا أممها، ولكنها في نطاق الرواية أنما تمثل فكراً عالمياً يستوحي النفس الإنسانية ويستعرض مشاعرها فإلى أي حد يستطيع هذا الفكر أن يطابق النفس العربية المسلمة، قبولاً أو رفضاً، وكيف يجد هذا الشباب السبيل وعقائدها ومشاعرها عما يراه في مجتمعه ويعيشه في حياته. إن هذه الكلمات أحياناً تدير الرؤوس وتلهب العواطف، وتدفع إلى غايات وأهواء وتصور الحياة بصورة قلقة وهي تلقى مع الشباب المسلم العربي في مطالع العمر، وفي سن المراهقة ووسط أجواء حافلة بالصورة العارية والقصة المكشوفة، والفيلم الماجن، والمسرحية الصارخة، ومن خلال مجتمع مختلط فيه الملابس الكاشفة والصدور العارية، والكلمات الجريئة والزحام الشديد، والاختلاط الغريب وكل ما يقر أ أو يسمع يعين على الغواية ويدفع إلى التقليد ويجرئ على التجربة ومن وراء ذلك نتائج قاسية خطيرة.
إن هذا الشباب الريفي المليء بالحياء والخلق، قد جاء إلى المدينة ووقع على (كامي وسارتر وفرويد) ومن ورائهم عشرات الكتب والقصص ووجد من يروج لهذا كله ويعرضه فير فصول وكتابات وفي مسرحيات وشعر وقصص، وهو يريد أن يعرف: هل هذا كله يمثل أنفسنا، أليست النفس الإنسانية واحدة؟ هل نحن في حل من أن ننطلق وراء الغرب في دعوته إلى الانطلاق حيث لا توجد حدود توقف ولا أبواب تحول؟ ثم هو لا يلبث أن يجد الكاتب من صميم بلده ودينه، صورة طبق الأصل بل ربما أشد عنفاً من هذا الكاتب الغربي، فهذا الذي يفترض أن المجتمع كله قد دخل دائرة الرغبة واللذة، وأن هذه الظاهرة التي لا تعدو واحدا في المائة في مجتمعاتنا قد أصبحت تستوعب المجتمع كله، وأن الناس لا يلتقون إلا ليتحدثوا في هذا الأمر، بل أنهم ليسخرون من أولئك الذين ما زالوا مقيدين بقيود الدين والأخلاق!.
هذه هي القضية التي تتطلب إيضاحاً، وتسأل عن حل، وتتطلع إلى معرفة وجه الحقيقة. ومن الحق أنها قضية، بل هي معضلة من معضلات عصرنا وأزمة من أزمات المجتمع الإسلامي في العصر الحديث.
ولكن لكي نستطيع أن ننظر في الأمر علينا أن نعرف أبعاد القضية وخلفياتها وتاريخها، في العلاقة بين مجتمعنا الإسلامي العربي وبين مجتمع الغرب، وبين الظروف التي حكمت بأن يسيطر الغرب عن طريق الاستعمار على هذه الأرض فيعمل على فرض مفاهيمه وأفكاره ونظرياته في الاجتماع والأخلاق والنفس والتربية إيماناً منه بأن هذه الأمة لا تقاد إلا من حيث تجرد أولاً من عقائدها ومفاهيمها وان تحتوي في دائرة فكر الغرب نفسه حتى يسلس قيادها وتكون تابعة راضية بتبعيتها.
ومن هنا كانت تلك الدعوة إلى وحدة الفكر البشري ووحدة الحضارة ووحدة النفس الإنسانية، ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر هذا كله، لقد كان ذلك صحيحاً ولكن بني البشر لم يقبلوا هذه الوحدة حين أنشأوا فكراً بشرياً مختلفاً عن الفكر الرباني الذي هدتهم إليه الأديان ورسالات السماء. ومن هنا وقع الخلاف فقد ذهبت النفس الإنسانية وراء أهوائها وعمدت إلى الضوابط التي أقامتها الأديان بالحدود والأخلاق حماية للكيان الإنساني نفسه منى الانهيار، فحطمتها باسم التحرر من القيود. ثم حين ذهبت وراء مطامعها إلى التماس متع الحياة على النحو المسرف المندفع دون تقدير لحق الناس جميعاً في هذه المعطيات. ثم حادت عن فهم رسالة الإنسان في الحياة ومسئوليته والأمانة التي وكلت إليه، فأرادت أن ترى الحياة متعة خالصة تجرى وراءها، وأن الخطأ والفساد "جبرية" للمجتمع لا حساب للفرد عنها، وأنه ليس وراء هذه الحياة حياة وأن الموت بالمرصاد من وراء الحروب والذرة، فليندفع الناس إلى الحياة يقتحمون متعها قبل أن تزول.
ومن أجل أن تحقق النفس الإنسانية أهواءها فقد كان عليها أن تبرر ذلك بالعقل والفلسفة، فتقطع علاقتها الكاملة بالمسئولية فتنكر ما وراء الواقع المحسوس، وتعلن كما فعل "نيتشة" "موت الإله وترى الدين (أفيون الشعوب) وتحتقر الأخلاق وتراها ضعفاً وذلة، وهكذا جاءت الفلسفة المادية لتحرر الإنسان من تبعته ومسئوليته وأمانته، ولتطلقه وراء لذاته وأهوائه ومطامعه: ومن هنا كانت فلسفة (الماركسية) وفلسفة الجنس (الفرويدية) وبينهما تعيش النفس الإنسانية، ومن هذه المفاهيم يصدر كامي وسارتر وعشرات من كتاب القصة والمسرحية والشعر.(/1)
هذه النفس الإنسانية ليست هي النفس المسلمة التي ما تزال تؤمن بالله وتؤمن بمسئولية الإنسان في الحياة وجزائه الأخروي، وأمانته، وتؤمن بالضوابط والحدود والأخلاق التي تصنع الإطار الذي يتحرك فيه، ولهذا ما يكتب هؤلاء، إنما تحس بالدهشة، والدهشة مزيج نم الخوف والشوق، أما الشوق فيصدر عن هذه النفس الشابة في سن المراهقة المتطلعة إلى اللذات والرغائب، أما الخوف فيصدر عن ذلك الإحساس الداخلي بالإيمان بالله والجزاء والحساب. وهي بين ذلك تتدافع وتتارجع ولكنها لا تسقط إلا إذا فقدت عنصر الإيمان الذي كونته الأسرة وصنعه الأب والأم.
ولقد تتراوح النفس المسلمة بين الخطأ والصواب، والضلال والهدى، وكنها إذا ما عرفت الحقيقة التي هي كامنة في الأعماق، عادت إلى طبيعتها وأصالتها وفطرتها.
هذا هو سر القلق الذي يملأ مشاعر شبابنا حين يقرأ عبارات لكامي أو سارتر أو فرويد تخالف فطرته الإسلامية الأصيلة، غير أنه نتيجة عجزه عن معرفة "خلفيات" هؤلاء الكتاب يطن أنهم يكتبون بحسن نية، والواقع غير ذلك.
فهم أولاً يصدرون عن مجتمع مختلف عن مجتمعنا. ومن خلال رد فعل لتحديات لم نمر بها، ذلك أن الفكر الديني الغربي الذي فرضته تفسيرات المسيحية، وهو ليس مفهوم الدين الحق المنزل، وإنما من عمل القائمين عليها قد أوجد "سوء فهم" للعلاقة بين الإنسان والحياة، والإنسان والمرأة.
ومن هنا ظهرت بادرات الرهبانية التي أنكرت التعامل مع المجتمعات كلية والتي افترضت في المرأة جنساً غريباً نجساً يحسن تجنبه والانصراف عنه.
هذه القضية: كان لها أبعد الأثر في تدمير المجتمع الغربي وسقوط الحضارة، حتى جاء الإسلام وبلغت أشعته أوربا وأعادت مفهوم الإرادة الإنسانية والعمل، وكان للعلوم الإسلامية أثرها في النهضة الغربية الحديثة، ومن ثم بدأ التحول أيضاً في مفهوم المرأة التي كرمها الإسلام وأعاد لها اعتبارها أن المجتمع الغربي في اندفاعاته الخطيرة قد تجاوز حدود الاعتدال وانتقل من الثورة على المرأة إلى "ثورة الجنس" كما يطلقون عليها الآن، وجاءت آراء الفلاسفة الماديين دافعة إلى الانطلاق والتحرر من كل القيود وجاءت نظرية فرويد الذي رد كل تصرفات الإنسان إلى الجنس وهدد البشرية كلها بخطر الأمراض العصبية إذا ترددت في الانطلاق.
وهكذا نرى أن المجتمع الغربي له خليفته فيما نراه اليوم من كتابات وفلسفات وقصص، التي هي تطبيق للقاعدة المعروفة: رد فعل مساو في القوة، مختلف في الغاية، فقد عاشت أوربا قروناً تحت مفهوم كراهية المرأة ونجاستها وعادت اليوم إلى مفهوم الانطلاق في العلاقة بها إلى أبعد الحدود وإخراجها من كل الأوضاع السليمة للأسرة، وإغرائها بالتعري والإباحة، ودفعها إلى المواخير وشواطئ البحار وساحات الرقص واللعب، تلك قضية الغرب وحده، وما كان لنا فيها من مشاركة، ولم تكن هذه القضية واردة في مجتمعنا الذي كرم المرأة وأعلى شأنها وأقام الأسرة وحماها بالشرف والعرض والكرامة والذي لم يقع في مشكلة الكبت أو التحلل.
غير أن للقضية بعداً آخر، هو دوافع التلمودية الصهيونية، هذه الدوافع التي أعلت من شأن الجنس والمادة وجعلت لذلك كله قوانين وفلسفات ومناهج عقلانية، حتى تبرر وجوده والاستمرار فيه، ومن هنا نرى أن فلاسفة الجنس كلهم من اليهود والدعاة إلى تحطيم نظام الأسرة، وتحطيم الدين، وتدمير الأخلاق، وإفصاد المجتمعات:
دوركايم وسارتر وليفي بريل وماركوز بالإضافة إلى فرويد وماركس، هذه الخلفية جدير بأن تكون في نظر شبابنا وهم يسألون عن هذا الركام المتدفق على اللغة العربية والذي يدير الرؤوس لأنه مكتوب على ورق لامع وغلاف أنيق، وثمن رخيص، ولأنه يتصل بالنفوس الشابة قبل أن تكتمل قدرتها على الفحص، وتجربتها التي تعرف بها الزيف والصواب، فضلاً عن القصور الشديد الذي يواجهه مجتمعنا عن وضع كتب طيبة طيلة في أسلوب عصري عن معضلات النفس والحياة في أيدي شبابنا تطرح أمامهم وجهة نظر الإسلام التي تلتقي دائماً مع العصر والبيئة، ولا تجمد أو تتخلف.
ومن الحق أن يقال أن هؤلاء الشباب الذين تلمع أسماؤهم اليوم في ميدان القصة أو الشعر والذين يجرون وراء هذه المدرسة أنما بدأوا حياتهم في فراغ وتساؤل، فلما لم يجدوا أمامهم في فكرهم الإسلامي ما يجيب على أسئلتهم، وجدوا كتابات نيتشة وماركس وفرويد يسيرة بفضل أمثال سلامة موسى وفيلكس فارس وغيرهم فتقبلتها نفوسهم لأنها كانت تحس بالفراغ بينما قصرت بيئاتهم وبيوتهم عن أن تمد لهم يد المعونة بالإيمان والعلم الصحيح.
وإذا كان لنا أن نقول شيئاً لأبنائنا الذين يتساءلون عن هذه الفلسفات المطروحة تحت اسم "النفس الإنسانية" فإنما نقول لهم لهم أن كل ما يبرق أمام أنظارهم ليس ذهباً، وأن الأسماء اللامعة لا تخدعهم، وأن أحداً لم يستطع حتى الآن أن يقول للنفس الإنسانية الحق ويكشف لها عن جوهرها، وهداها، وطريقها وأمانتها إلا هذا الكتاب المنزل بالحق: "القرآن".(/2)
إن على شبابنا أن يعلم كل ما يعطيه الرغبات المطلقة، والكلمات البراقة، والأهواء الشائقة، ومطامح الغرائز والشهوات، إنما يضله ويسمم فكره، ذلك أن حقيقة العطاء أنما هي إيمان بمسئولية الإنسان في الحياة، في سبيل إقامة المنهج الرباني الذي يحقق الأمن النفسي والسعادة الحقة.
أما هذا العطاء البشري الذي يقدمه فرويد وسارتر فإنه لا يحقق السعادة ولا الأمن النفسي ولكنه يحقق القلق والتمزق والضياع والغثيان، ذلك لأنه يفصل الإنسان عن نفسه، ويمزق وجوده، ويقضي على تكامله، ويعلي من شأن جانب فيه على حساب جانب آخر، وذلك هو خطر المادية وأهوائها: وهو الطابع الصريح الواضح الآن للأدب الوجودي عامة، هذا الإحساس بالخوف المتمثل في أن الإنسان وحده في هذه الدنيا، وذلك الخوف من الموت، وتلك المشاعر القلقة المضطربة، إنما مصدرها الحقيقي هو انفصال الشخصية، وإنكار الإيمان بالله، ذلك أن الإنسان في تكوين ذاته نفس وجسد وعقل وقلب ومادة وروح، فإذا جاءت الفلسفات المادية لتقول أن الإنسان نفس وعقل ومادة فقد شطرت الإنسان وأعلت منه جانباً وتجاهلت الجانب الآخر، هذا الجانب لا يموت ولكنه يظل يرسل أحاسيسه ويملأ صاحبه غماً وقلقاً واضطراباً، لأنه جانب موجود وله حق الحياة وتلك هي أزمة الحضارة والإنسان المعاصر. أما المسلم فإن موقفه من ذلك يختلف تماماً، فالمسلم يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى خلقه من طين ثم نفخ فيه من روحه فهو متكامل التشكل: مادة وروحاً، لا سبيل إلى إعلاء جانب منه على الآخر، بل هو في الحقيقة حين يؤمن ينتقل من المادة إلى الروح فيكون قادراً على البذل والعطاء، وتلك هي قدرته على التسامي من الفردية إلى الغيرية، ولكنه في مفهوم الإسلام أيضاً له حق الحياة والمتاع بها دون انفصال عنها أو عزلة عن المجتمع، فهو متكامل جامع، وهو في فهمه للحياة وتحركه فيها أنما يجمع دائماً بين الزمني والروحي والمطلق والنسبي، واللانهائي والمحدود، يجمع بين معطيات الدنيا وخلود الآخرة.
تلك مقدمات يسيرة بين يدي تساؤلات الشباب في مواجهة الفكر البشري من فلسفات ومفاهيم.
يرسم الإسلام الطريق إلى تكوين الأجيال على نحو غاية في الأصالة وغاية في التقدم في نفس الوقت، فهو لا يدعو إلى تربية مغلقة جافة أو إلى تقليد الآباء، وهو في نفس الوقت لا يطلق الأجيال دون أن تأخذ قدراً من الحصانة والحماية وفهم الوجهة والغاية.
ومن هنا فإن التربية الإسلامية تختلف في منهجها عن التربية التي تقدمها المناهج والمذاهب العالمية على السواء في أنها تجمع بين الدائرة الثابتة والدائرة المتحركة. وذلك حتى لا تنفصل الشخصية الإنسانية عن جذورها التي شكلتها الأديان والعقائد والقيم والبيئة، ثم تكون لها القدرة من خلال هذا الإطار الثابت المرن على تقبل روح العصر من نمو وحركة وتطور وتقدم وعصرية، شريطة أن يكون روح العصر قادراً على التشكيل والانصهار داخل إطار روح الأمة الأصيل.
وتلك قاعدة أساسية من قواعد الفكر الإسلامي تقوم على التكامل والنظرة الجامعة، وعلى ترابط العناصر وتفاعلها بحيث لا يطغى عنصر منها على الآخر ولا يستعلي وبحيث تحقق في مجموعها الاستجابة لتركيب الإنسان نفسه الجامع بين المادة والروح والعقل والقلب.
وعنصر الثبات دائماً يتصل بالإنسان وبخالقه وبالكون وبالتاريخ وبأول الأشياء وبالقرآن وبالفطرة وبالدين، أما عنصر الحركة المتغير فهو يجعله دائماً قادراً على الحياة في للبيئة والعصر مع ظروف التحول والتغير والتطور.
وفي التربية تقوم القاعدة الإسلامية على ركيزتين متوازيتين:
الأولى: إعطاء الأبناء قدرة على الحركة إلى المستقبل.
الثانية: إعطاء الأبناء قوة على الثبات داخل قيم الدين والأخلاق.
وبغير هذا الترابط الجامع يسقط أعظم عامل من عوامل السلامة والقوة في بناء الأمم، وهو عامل "الأمن النفسي" الذي اختفى تماماً من الأمم التي اتخذت من المناهج البشرية الجزئية والإنشطارية منهجاً للحياة وللتربية.
وذلك لأن هذه الأمم قد قبلت مبدأ التغير الدائم، التحول المستمر، ففقدت قاعدتها الأصيلة، ومحورها الذي تدور في فلكه، وبذلك ذهبت بعيداً في "تيه" من العسير استعادتها منه.
ولا ريب أن النظرة الإسلامية الجامعة (وهي نظرة ربانية) هي أقرب ما تكون إلى سلامة القصد، وأكثر ما تكون قوة على حماية البناء الاجتماعي كله من أن يتبدد أو ينهار أو تتدافعه الرياح الهوج.
والمسلمون يؤمنون بالتقاء الأجيال وتكامل الأجيال ولا يؤمنون بصراع الأجيال. وهم يفرقون بين فريضة تقديم التجربة الكاملة من أهل جيل سابق إلى جيل جديد، وبين ما يوصف بأنه "وصاية" على الأجيال الجديدة.
ذلك أن من حق الأجيال الجديدة على الأجيال السابقة: أمرين:(/3)
أمانة التجربة والالتزام بإضاءة الطريق أمام النشئ النامي حتى يستطيع أن يمتلك إرادته، لفت نظره إلى ما في الطريق من عقبات، أما الجيل الجديد فمن قه أن يقبل التجربة القديمة أو ينقدها، ولكنه لابد أن يبني على نفس الأساس وإن كان من شأنه أن يجدد أو يغير في الفروع والجزئيات. أما جوهر البناء فهو ملتزم به لأنه ليس ميراثاً عن الآباء فحسب، ولكنه لأنه إلى ذلك قائم على دعامة منهج أصيل متميز، رباني غير وضعي ولا بشري، ويجب أن لا يدفعنا أي دافع إلى التضحية بهذا الأساس إزاء وهم أو بريق خادع من شأنه أن يخرجنا عن الإطار والضوابط والحدود التي رسمها لنا الإسلام.
ويقضي تكوين الأجيال أن تتوازى فيه عوامل ثلاثة:
قدر من الإيمان، وقدر من الثقافة، وقدر من التجربة.
1- فالإيمان هو العامل الأول الذي يضيء القلب ويكشف عن المهمة الحقيقية للإنسان في الأرض، لماذا جاء؟ وما هي أمانته؟ ورسالته وغايته ومسؤوليته. هذا القدر من الإيمان لا يعطيه إلا الدين الحق، والقرآن هو العامل الأول في بناء العقيدة وكشف الوجهة وتزكية النفس والقلب.
2– ثم يجئ العامل الثاني وهو الثقافة الأصلية التي تكشف للعقل عن دوره ومهمته في ضوء التوحيد والإيمان والوحي، وتبسط أمامه الآفاق الواضحة لدور المسلم في الحياة، وللتحديات التي تواجهه في هذا العصر وفي كل عصر حتى يعرف مدى المسؤولية الملقاة عليه، ومدى الخطر المحدق بأمته وأرضه وعقيدته.
3- ثم يجئ العامل الثالث وهو التجربة التي تتكون مع ارتفاع السن والعمل، والاتصال بالمجتمع والناس. ومن شأنها أن تزيد الإيمان والثقافة عمقا وأن تمنحها الرصيد الذي يؤكد الحقائق ويزيدها ثباتا في النفس والعقل.
فإذا خرج الجيل الجديد إلى الحياة دون أن نزوده بالإيمان فإننا نكون قد فتحنا الطريق أمام الفكر البشري ليغزو هذه النفس الناشئة وليملأ هذا الفراغ الذي عجزت عن ملئه الأسرة والأبوة والقدوة.
ومن هنا يبدأ الانحراف ويبدأ الخطر، ثم تكون الثقافة الزائفة الملقاة على الأرصفة هي الزاد حيث لم نهيئ له الزاد الأصيل.
وفي القصة والرواية والفلسفات شبهات وأخطار وصور براقة تنفذ بسرعة إلى القلب الغض والخيال الساذج، وتجد قبولا لأنها ترضي الغريزة والهوى والنفس الأمارة، ومن ثم تحجب الطريق الصحيح.
ثم لا تكون التجربة بعد ذلك إلا في مجالات الأهواء واللذات والرغائب الصغيرة وهكذا تتعرض الأجيال الجديدة للخطر الذي يجعلها تتنكب طريق الخير فلا تعطي لأمتها ما تتطلع إليه من قوة دافعة بل تكون عاملا من عوامل الهزيمة والانحراف.
ومن شأن التربية الإسلامية أن تنقل الأجيال من الأنانية إلى الغيرية، ومن التطلعات الفردية إلى خدمة الجماعة فالأمة والرسالة، فلا يكون الإنسان دائراً في إطار ذاته وأهوائه ورغبائه، ولكنه يكون في خدمة هدف ورسالة وغاية تستوعب كل وقته وفكره وحياته، ولا يتحقق هذا إلا إذا فهم الأبناء مسئوليتهم إزاء ربهم وأمتهم وجيلهم. فليست الحياة متعة تساق، ولا لذة تبتغى، ولا تطلعاً إلى شهرة أو مال أو مجد شخصي، وإنما هي "رسالة" ومسئولية والتزام وأمانة، الخدمة فيها موجهة باسم الحق تبارك وتعالى لإقامة المجتمع الكريم الذي يحقق منهج الله في الأرض.
إن أخطر ما يواجه الأجيال في مطالع الحياة: خطر يتصل بالعقيدة وخطر يتصل بالغريزة، وفي الفلسفات المنثورة تبرير للانحرافيين، وفي التربية الأصلية في مجال الأسرة منذ أول الخطو الحماية والحياطة وإقامة الجدار المكين الذي يحفظ العقل والنفس جميعاً من مهاوى التدمير التي تواجه الأجيال. فإذا أمكن هذا التكوين السليم حفظ النفس والعقل جميعاً من أن يستعلي شيء على العقيدة، فلا ترى النفس في تلك الصورة البراقة الزاهية ما يخلب لبها أو يخدعها، ذلك أن أول عوامل الوهن أن يحس المسلم بقصوره وقصور مجتمعه وأمته عن الأمم الأخرى، فيخدع بالظن بأن هذا التخلف مرتبط بهذه العقيدة وما هو كذلك، ذلك أن الحقيقة هي أن التراخي عن العقيدة هو الذي أحدث التخلف وليس العكس.
ولذلك فإن أول البناء في تكوين الأجيال هو الإيمان بذاتية خاصة لها قيمها ووجودها وكيانها وتاريخها، مختلفة عن غيرها، وأن هذا التخلف القائم هو مرحلة من المراحل، جاءت بعد مراحل من القوة والتمكن، شأن دورة الحياة والتاريخ بكل الأمم والشعوب، وأنها حالة مؤقتة، وأن الالتزام بالأصل والجوهر الرباني، من شأنه أن ينهي هذه المرحلة ويرد المسلمين مرة أخرى إلى مكانهم في تاريخ البشرية وأن ما يطيل أمد التخلف هو التماس مناهج الآخرين.
إن منهج الإسلام جماع للروح والمادة، والعقل والروح، والدنيا والآخرة، وهو وسيلتهم إلى النجاح وسبيلهم إلى التمكن، وليس لهم من دونه طريق أو سبيل، تلك هي أمانة الأجيال الحقة التي يجب أن يقدمها لهم هذا الجيل ليكونوا من بعد قادرين على الدفاع عنها والحفاظ عليها والقيام بها.(/4)
إن السؤال الذي هو بمثابة أكبر معضلات العصر هو موقف شبابنا إزاء هذا الفيض المتدفق من النظريات والمعلومات والأفكار عن طريق الصحافة والإذاعة والكتب العربية المترجمة والقصص وما يدرس في مدرجات الجامعات وما تتناوله الكتب الرخيصة المنثورة على الأرصفة وعلى أسوار الحدائق وكيف يواجه شبابنا ذلك الركام الهائل المعروض عليهم عرضاً حراً مطلقاً كأنما هو من المسلمات أو الحقائق الثابتة.
إذا أردنا أن نعرف ما هي الأدوات التي يمتلكها هذا الشباب للحكم على ما يقدم له لم نجد أكثر من قدرة يسيرة على القراءة ونفوس غضة متطلعة إلى كل طريق وجميل وملون وأنيق، وخاصة إذا صحبته أسماء لامعة مثال فرويد أو سارتر وبودلير وكافكا. كيف يستطيع أن يكتشف الحقيقة ويعرف الأصيل من الزائف وقدته العقلية يسيرة، ومحصوله العلمي قليل، وذخيرته الفكرية والروحية والدينية بسيطة، وعنصر الحرص من الخطر معدوم تماماً.
إن شبابنا يقبل ببساطة على هذا الركام، وهو مستسلم له تماماً خالي الذهن من تلك المعركة الضخمة الدائرة نم وراء هذه المطبوعات، والتي ترمي إلى إغراقه واحتوائه والقضاء على كيانه واستلاب قدراته التي وهبتها له أمته من أجل الدفاع عن القيم والمقدسات المعرضة للخطر.
لذلك فإن القراءة الآن أصبحت فناً خطيراً وأمانة الكاتب موضوعة الآن في الميزان ومسئولية القارئ يجب أن تكون واضحة إزاء ما يكتب وما يقدم.
إن خطر الأجنبي المترجم ليس أقل أثراً من الغربي المكتوب بالعربية والمقدم للشباب على أنه نتاج عربي.
وهذا الغربي المكتوب باللغة العربي وبأقلام عربية، ما مدى أصالته، وما مدى سلامته وما مدى إيمان أصحابه بأمتهم وبأمانتهم لها. لقد أصبح هناك صنفان من الكتابات أحدهما ولاؤه للفكر الغربي بمفهومه ديمقراطياً ووجودياً وإحياء الوثنية الإباحية الهلينية وهذا الفكر يحاول أن يتعرض للإسلام ولتاريخ الإسلام ولشريعة الإسلام بإثارة الشبهات وبالدعوة إلى استغلالها لتبرير الواقع وتبرير الحضارة التي تمر بمرحلة الأزمة الصاعقة. والتي تقدم أسوأ معطياتها اليوم وأقسى صور حياتها في صورة الوجودية والهيبية الناقمة المنحرفة الرافضة لكل قيم المجتمعات وضوابطها.
ومن الكتابات ما نجد وراءها الفكر الماركسي المادي بمفهومه المنحرف الداعي إلى صراع الطبقات المحرضة على الهدم والتدمير والدماء والقائم على الجماعية التي تحتقر الفرد ولا ترى إلا أنه ترس في آلة، والتي تنكر الأسرة والزواج وتنظر إلى الأخلاق والدين والصلة بالله وبالسماء نظرتها الرافضة المحبوسة في حدود المحسوس والمادي وهي تحاول أن تفرض فلسفتها هذه على المجتمع الإسلامي وتعمل على تفسير التاريخ تفسيراً مادياً، محدوداً، قاصراً لا يعترف بالروح ولا بالمعنويات.
ومن عجب ألا يتوقف هذا التيار الصاعق عند دعوته ولكت يقتحم الفكر الإسلامي ليفرض منهجه المادي عليه، ومن هذه المحاولات الخطرة:
أولاً: إقامة جسور وقناطر بين الفكرة الإسلامية والنظريات العربية، ماركسية ووجودية وديمقراطية، بدعوى أن الإسلام فيه ديمقراطية وعدالة اجتماعية واعتراف بالفردية.
ثانياً: محاول تفسير التاريخ الإسلامي تفسيراً مادياً لتحرك التاريخ الإسلامي أو اتخاذ التفسير المادي المنكر للغيب والنبوة وما وراء المادة أساساً للتفسير.
ثالثاً: محاولة لوضع الشريعة الإسلامية في مجال تبرير الواقع المعاصر في الأمم والحضارات المعاصرة وذلك بالقول بأن الشريعة الإسلامية مرنة وقابلة للحضارات وتغيرات العصور والأزمان، وأنها تقوم على أساس قواعد عامة ترتضي القوانين الوضعية مع تعديلات يسيرة.
ولا ريب أن هذه كلها مؤامرات زائفة، ومحاولات مغلوطة، تفسر الشريعة الإسلامية والمفهوم الإسلامي على الانصهار في بوتقة الحضارة القائمة بكل فسادها وانحلالها وتبريرها من ناحية والقبول بها من ناحية ذاتية الإسلام المفردة ذات الطابع المفرد وأهم من ذلك كله القضاء على الطابع الخاص المتميز الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الواقع الإسلامي المعاش والمستمد من الحضارة الغربية التي شكلتها مفاهيم الوثنية اليونانية والقوانين الرومانية وتفسيرات المسيحية الغربية بما فيها الخطيئة الأصلية والفصل بين الدين والدولة، والقول بالتطور المطلق ونسبية الأخلاق.
###الشباب وكيف يواجه ركام الفكر الوافد
إن الماركسيين يحاولون خداع المسلمين بأن الماركسية والإسلام يلتقيان في العدل الاجتماعي وأن الغربيين الليبراليين يحاولون خداع المسلمين بأن الديمقراطية والإسلام يلتقيان في الشورى التي تسمى في الديمقراطية التمثيل النيابي وكلا الأمرين فيه تمويه وزيف كثير فلا العدل الاجتماعي في الإسلام مشابه للماركسية ولا الشورى مشابهة للتمثيل النيابي.(/5)
ونحن نعرف أن الاستعمار والصهيونية والماركسية يتعاونون على هدف واحد وإن اختلفوا في مطامع السيطرة، هذا الهدف هو تدمير المعنوية والأصالة والذاتية في الأمة الإسلامية حتى تخضع وتدخل دائرة الاحتواء وتنصهر في الأتون اللعين، أنون الأممية. ومن ثم تفقد ذلك الشيء الذي يميزها ويجعلها أمة لها قدرتها الخاصة على إقامة كلمة الله، وعلى العمل لإقامة المجتمع الرباني.
جاء الاستعمار وهدفه إحلال مخطط جديد وفكر جديد مختلف في الغاية والوجهة، هو إدخال المسلمين في الدائرة الغربية المغلقة، وإخراجهم من الدائرة الربانية الموسعة الجامعة، مستهدفاً حصرهم واحتواءهم، ولقد جرب الغرب أسلوبه في الديمقراطية الغربية وأحس العالم الإسلامي أنها جسم غريب، ثم جاءت الموجة الأخرى المتابعة لها وهي الماركسية ورفضها الجسم الإسلامي والعقل الإسلامي، وأثبت الروح الإسلامي أنه غير قابل للاحتواء والانصهار في أي النظامين، غير أن التجربة المظلمة: تجربة تطبيق النظام الغربي في المجتمع والتعليم والسياسة والاقتصاد والقانون كانت مصدراً للهزائم المتوالية التي وقعت فيها المنطقة العربية، نكبة ونكسة وهزيمة، واحتلال فلسطين والقدس، كانت أفكار القومية والإقليمية والتجزئة مصدر التمزق والهزيمة، لقد كانت الهزيمة نتيجة هجر المنهج الإسلامي، منهج الأصالة والذاتية، والانصهار في مناهج الغرب التي لم تكن صالحة لأهلها أو محققة لهم قيام المجتمع الأمثل، أن الذي هزم هو التخطيط العسكري والسياسي الوافد، أما الإسلام فإنه لم يكن موجوداً أو مطبقاً حتى تنسب الهزيمة إليه، بل كان قد أبعد تماماً وحوصر.
إن التجربة التي بدأت بالاحتلال الغربي وانتهت بهزيمة 1967 م يجب أن تضع تحت لأعيننا رصيداً ضخماً من الوعي واليقظة والحذر، تجاه فكرة تقليد الغرب بشقيه، أنماط الغرب، الترف، الاستهلاك، الانحلال، التمزق، الغربة، الغثيان، كلها هي ميراث هذا الفكر الغربي الوافد الذي يقدم لنا عن طريقين: عن طريق مترجمات غثة رديئة، لا نختار إلا الإباحيات والسموم والانحراف وتدع كل ما هو إيجابي وصالح ونافع، لم تقدم هذا على أنه مسلمات وحقائق، بينما هو لم يبلغ درجة النظرية، وليس درجة العلم إنما هو ركام شديد السوء تقدمه أقلام مليئة بالحقد والكراهية والتعصب، مدفوعة إلى تدمير المجتمعات وهزيمة القيم وإثارة الشبهات والشهوات والإباحيات.
لقد علمنا الإسلام أن نقف من المعارف المعروضة علينا موقف التعرف الصحيح على قيمها الحقيقية، وعلى مصادرها، وعما إذا كانت نافعة أم ضارة، إيجابية أم سلبية، وأن علينا أن نرفض الزيف والتفاهات أن ننبه عليها.
وأنة نعرف أن لنا من العلوم موقفاً ومن الثقافات الأممية موقفاً، ومن هذا الركام الزائف المنشور في كتيبات تباع على الأسوار موقفاً آخر، وعلينا أن نعرف الفرق بين العلوم والفلسفات، فالفلسفات نظريات فردية قوامها فروض تصح وتخطئ، وهي مرتبطة عادة ببيئتها وعصورها، وليست صالحة لعصور أو بيئات أخرى لأن جانبها الذاتي بالإضافة إلى صدورها عن تحديات مجتمعها وعصرها وأمور مجتمعها كل هذا يجعلها أقل صلاحية لأن تكون إنسانية أو عامة.
والعلوم التجريبية شيء غير الفلسفات وغير الثقافات، ومن حق الشباب علينا أن نقدم لهم مترجمات عن الفكر الغربي ولكنها يجب أن تكون مسبوقة باستعراض لها، فإذا قدمنا لهم ماركس أو سارتر، أو هيجل، أو فرويد، فعلينا أن نقدم ذلك في إطار عصره وفكره، وأن نقدم أيضاً وجهة نظر فكرنا في هذا العمل أو ذاك. ذلك أن للفكر الإسلامي منهجه ومنطلقه وطابعه الخاص به، وهو مختلف عن مناهج ومنطلقات وخواص وطوابع الفكر العربي: الذي مر بمراحل مختلفة، وتركز في صور عديدة، منها الاقتصاد والنفس، والاجتماع والقانون، وكلها تختلف عن مفهوم الإسلام.
فلنكن على حذر مما يقدم إلينا من هذه المترجمات.
أما ما تكتبه الأقلام العربية من مصدر ولاء للفكر الغربي أو الفكر الماركسي، فإن علينا أن نعرف موقف الإسلام من كل ما يقدم، وإلا تختلط علينا المفاهيم فتجرفنا إلى ما يخرجنا من طوابعنا وذاتيتنا، حتى لا نسقط في فخ الفكر العالمي، الأممي الذي يستهدف صهرنا وإذابتنا في بوتقته حتى تضيع تلك الصفة الخاصة التي يتميز بها المسلمون: وتلك هي أخطر التحديات التي تواجه "الأصالة".(/6)
قضايا الشباب المسلم
تدور في نفوس شبابنا وفي أذهانهم وعلى ألسنتهم كلمات حائرة وتساؤلات مستقيمة، عن كثير مما يقرأن في كتابات مترجمة تملأ الأسواق والمكتبات جاءت من بلادها وتعرضت لقضايا أممها، ولكنها في نطاق الرواية أنما تمثل فكراً عالمياً يستوحي النفس الإنسانية ويستعرض مشاعرها فإلى أي حد يستطيع هذا الفكر أن يطابق النفس العربية المسلمة، قبولاً أو رفضاً، وكيف يجد هذا الشباب السبيل وعقائدها ومشاعرها عما يراه في مجتمعه ويعيشه في حياته. إن هذه الكلمات أحياناً تدير الرؤوس وتلهب العواطف، وتدفع إلى غايات وأهواء وتصور الحياة بصورة قلقة وهي تلقى مع الشباب المسلم العربي في مطالع العمر، وفي سن المراهقة ووسط أجواء حافلة بالصورة العارية والقصة المكشوفة، والفيلم الماجن، والمسرحية الصارخة، ومن خلال مجتمع مختلط فيه الملابس الكاشفة والصدور العارية، والكلمات الجريئة والزحام الشديد، والاختلاط الغريب وكل ما يقر أ أو يسمع يعين على الغواية ويدفع إلى التقليد ويجرئ على التجربة ومن وراء ذلك نتائج قاسية خطيرة.
إن هذا الشباب الريفي المليء بالحياء والخلق، قد جاء إلى المدينة ووقع على (كامي وسارتر وفرويد) ومن ورائهم عشرات الكتب والقصص ووجد من يروج لهذا كله ويعرضه فير فصول وكتابات وفي مسرحيات وشعر وقصص، وهو يريد أن يعرف: هل هذا كله يمثل أنفسنا، أليست النفس الإنسانية واحدة؟ هل نحن في حل من أن ننطلق وراء الغرب في دعوته إلى الانطلاق حيث لا توجد حدود توقف ولا أبواب تحول؟ ثم هو لا يلبث أن يجد الكاتب من صميم بلده ودينه، صورة طبق الأصل بل ربما أشد عنفاً من هذا الكاتب الغربي، فهذا الذي يفترض أن المجتمع كله قد دخل دائرة الرغبة واللذة، وأن هذه الظاهرة التي لا تعدو واحدا في المائة في مجتمعاتنا قد أصبحت تستوعب المجتمع كله، وأن الناس لا يلتقون إلا ليتحدثوا في هذا الأمر، بل أنهم ليسخرون من أولئك الذين ما زالوا مقيدين بقيود الدين والأخلاق!.
هذه هي القضية التي تتطلب إيضاحاً، وتسأل عن حل، وتتطلع إلى معرفة وجه الحقيقة. ومن الحق أنها قضية، بل هي معضلة من معضلات عصرنا وأزمة من أزمات المجتمع الإسلامي في العصر الحديث.
ولكن لكي نستطيع أن ننظر في الأمر علينا أن نعرف أبعاد القضية وخلفياتها وتاريخها، في العلاقة بين مجتمعنا الإسلامي العربي وبين مجتمع الغرب، وبين الظروف التي حكمت بأن يسيطر الغرب عن طريق الاستعمار على هذه الأرض فيعمل على فرض مفاهيمه وأفكاره ونظرياته في الاجتماع والأخلاق والنفس والتربية إيماناً منه بأن هذه الأمة لا تقاد إلا من حيث تجرد أولاً من عقائدها ومفاهيمها وان تحتوي في دائرة فكر الغرب نفسه حتى يسلس قيادها وتكون تابعة راضية بتبعيتها.
ومن هنا كانت تلك الدعوة إلى وحدة الفكر البشري ووحدة الحضارة ووحدة النفس الإنسانية، ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر هذا كله، لقد كان ذلك صحيحاً ولكن بني البشر لم يقبلوا هذه الوحدة حين أنشأوا فكراً بشرياً مختلفاً عن الفكر الرباني الذي هدتهم إليه الأديان ورسالات السماء. ومن هنا وقع الخلاف فقد ذهبت النفس الإنسانية وراء أهوائها وعمدت إلى الضوابط التي أقامتها الأديان بالحدود والأخلاق حماية للكيان الإنساني نفسه منى الانهيار، فحطمتها باسم التحرر من القيود. ثم حين ذهبت وراء مطامعها إلى التماس متع الحياة على النحو المسرف المندفع دون تقدير لحق الناس جميعاً في هذه المعطيات. ثم حادت عن فهم رسالة الإنسان في الحياة ومسئوليته والأمانة التي وكلت إليه، فأرادت أن ترى الحياة متعة خالصة تجرى وراءها، وأن الخطأ والفساد "جبرية" للمجتمع لا حساب للفرد عنها، وأنه ليس وراء هذه الحياة حياة وأن الموت بالمرصاد من وراء الحروب والذرة، فليندفع الناس إلى الحياة يقتحمون متعها قبل أن تزول.
ومن أجل أن تحقق النفس الإنسانية أهواءها فقد كان عليها أن تبرر ذلك بالعقل والفلسفة، فتقطع علاقتها الكاملة بالمسئولية فتنكر ما وراء الواقع المحسوس، وتعلن كما فعل "نيتشة" "موت الإله وترى الدين (أفيون الشعوب) وتحتقر الأخلاق وتراها ضعفاً وذلة، وهكذا جاءت الفلسفة المادية لتحرر الإنسان من تبعته ومسئوليته وأمانته، ولتطلقه وراء لذاته وأهوائه ومطامعه: ومن هنا كانت فلسفة (الماركسية) وفلسفة الجنس (الفرويدية) وبينهما تعيش النفس الإنسانية، ومن هذه المفاهيم يصدر كامي وسارتر وعشرات من كتاب القصة والمسرحية والشعر.(/1)
هذه النفس الإنسانية ليست هي النفس المسلمة التي ما تزال تؤمن بالله وتؤمن بمسئولية الإنسان في الحياة وجزائه الأخروي، وأمانته، وتؤمن بالضوابط والحدود والأخلاق التي تصنع الإطار الذي يتحرك فيه، ولهذا ما يكتب هؤلاء، إنما تحس بالدهشة، والدهشة مزيج نم الخوف والشوق، أما الشوق فيصدر عن هذه النفس الشابة في سن المراهقة المتطلعة إلى اللذات والرغائب، أما الخوف فيصدر عن ذلك الإحساس الداخلي بالإيمان بالله والجزاء والحساب. وهي بين ذلك تتدافع وتتارجع ولكنها لا تسقط إلا إذا فقدت عنصر الإيمان الذي كونته الأسرة وصنعه الأب والأم.
ولقد تتراوح النفس المسلمة بين الخطأ والصواب، والضلال والهدى، وكنها إذا ما عرفت الحقيقة التي هي كامنة في الأعماق، عادت إلى طبيعتها وأصالتها وفطرتها.
هذا هو سر القلق الذي يملأ مشاعر شبابنا حين يقرأ عبارات لكامي أو سارتر أو فرويد تخالف فطرته الإسلامية الأصيلة، غير أنه نتيجة عجزه عن معرفة "خلفيات" هؤلاء الكتاب يطن أنهم يكتبون بحسن نية، والواقع غير ذلك.
فهم أولاً يصدرون عن مجتمع مختلف عن مجتمعنا. ومن خلال رد فعل لتحديات لم نمر بها، ذلك أن الفكر الديني الغربي الذي فرضته تفسيرات المسيحية، وهو ليس مفهوم الدين الحق المنزل، وإنما من عمل القائمين عليها قد أوجد "سوء فهم" للعلاقة بين الإنسان والحياة، والإنسان والمرأة.
ومن هنا ظهرت بادرات الرهبانية التي أنكرت التعامل مع المجتمعات كلية والتي افترضت في المرأة جنساً غريباً نجساً يحسن تجنبه والانصراف عنه.
هذه القضية: كان لها أبعد الأثر في تدمير المجتمع الغربي وسقوط الحضارة، حتى جاء الإسلام وبلغت أشعته أوربا وأعادت مفهوم الإرادة الإنسانية والعمل، وكان للعلوم الإسلامية أثرها في النهضة الغربية الحديثة، ومن ثم بدأ التحول أيضاً في مفهوم المرأة التي كرمها الإسلام وأعاد لها اعتبارها أن المجتمع الغربي في اندفاعاته الخطيرة قد تجاوز حدود الاعتدال وانتقل من الثورة على المرأة إلى "ثورة الجنس" كما يطلقون عليها الآن، وجاءت آراء الفلاسفة الماديين دافعة إلى الانطلاق والتحرر من كل القيود وجاءت نظرية فرويد الذي رد كل تصرفات الإنسان إلى الجنس وهدد البشرية كلها بخطر الأمراض العصبية إذا ترددت في الانطلاق.
وهكذا نرى أن المجتمع الغربي له خليفته فيما نراه اليوم من كتابات وفلسفات وقصص، التي هي تطبيق للقاعدة المعروفة: رد فعل مساو في القوة، مختلف في الغاية، فقد عاشت أوربا قروناً تحت مفهوم كراهية المرأة ونجاستها وعادت اليوم إلى مفهوم الانطلاق في العلاقة بها إلى أبعد الحدود وإخراجها من كل الأوضاع السليمة للأسرة، وإغرائها بالتعري والإباحة، ودفعها إلى المواخير وشواطئ البحار وساحات الرقص واللعب، تلك قضية الغرب وحده، وما كان لنا فيها من مشاركة، ولم تكن هذه القضية واردة في مجتمعنا الذي كرم المرأة وأعلى شأنها وأقام الأسرة وحماها بالشرف والعرض والكرامة والذي لم يقع في مشكلة الكبت أو التحلل.
غير أن للقضية بعداً آخر، هو دوافع التلمودية الصهيونية، هذه الدوافع التي أعلت من شأن الجنس والمادة وجعلت لذلك كله قوانين وفلسفات ومناهج عقلانية، حتى تبرر وجوده والاستمرار فيه، ومن هنا نرى أن فلاسفة الجنس كلهم من اليهود والدعاة إلى تحطيم نظام الأسرة، وتحطيم الدين، وتدمير الأخلاق، وإفصاد المجتمعات:
دوركايم وسارتر وليفي بريل وماركوز بالإضافة إلى فرويد وماركس، هذه الخلفية جدير بأن تكون في نظر شبابنا وهم يسألون عن هذا الركام المتدفق على اللغة العربية والذي يدير الرؤوس لأنه مكتوب على ورق لامع وغلاف أنيق، وثمن رخيص، ولأنه يتصل بالنفوس الشابة قبل أن تكتمل قدرتها على الفحص، وتجربتها التي تعرف بها الزيف والصواب، فضلاً عن القصور الشديد الذي يواجهه مجتمعنا عن وضع كتب طيبة طيلة في أسلوب عصري عن معضلات النفس والحياة في أيدي شبابنا تطرح أمامهم وجهة نظر الإسلام التي تلتقي دائماً مع العصر والبيئة، ولا تجمد أو تتخلف.
ومن الحق أن يقال أن هؤلاء الشباب الذين تلمع أسماؤهم اليوم في ميدان القصة أو الشعر والذين يجرون وراء هذه المدرسة أنما بدأوا حياتهم في فراغ وتساؤل، فلما لم يجدوا أمامهم في فكرهم الإسلامي ما يجيب على أسئلتهم، وجدوا كتابات نيتشة وماركس وفرويد يسيرة بفضل أمثال سلامة موسى وفيلكس فارس وغيرهم فتقبلتها نفوسهم لأنها كانت تحس بالفراغ بينما قصرت بيئاتهم وبيوتهم عن أن تمد لهم يد المعونة بالإيمان والعلم الصحيح.
وإذا كان لنا أن نقول شيئاً لأبنائنا الذين يتساءلون عن هذه الفلسفات المطروحة تحت اسم "النفس الإنسانية" فإنما نقول لهم لهم أن كل ما يبرق أمام أنظارهم ليس ذهباً، وأن الأسماء اللامعة لا تخدعهم، وأن أحداً لم يستطع حتى الآن أن يقول للنفس الإنسانية الحق ويكشف لها عن جوهرها، وهداها، وطريقها وأمانتها إلا هذا الكتاب المنزل بالحق: "القرآن".(/2)
إن على شبابنا أن يعلم كل ما يعطيه الرغبات المطلقة، والكلمات البراقة، والأهواء الشائقة، ومطامح الغرائز والشهوات، إنما يضله ويسمم فكره، ذلك أن حقيقة العطاء أنما هي إيمان بمسئولية الإنسان في الحياة، في سبيل إقامة المنهج الرباني الذي يحقق الأمن النفسي والسعادة الحقة.
أما هذا العطاء البشري الذي يقدمه فرويد وسارتر فإنه لا يحقق السعادة ولا الأمن النفسي ولكنه يحقق القلق والتمزق والضياع والغثيان، ذلك لأنه يفصل الإنسان عن نفسه، ويمزق وجوده، ويقضي على تكامله، ويعلي من شأن جانب فيه على حساب جانب آخر، وذلك هو خطر المادية وأهوائها: وهو الطابع الصريح الواضح الآن للأدب الوجودي عامة، هذا الإحساس بالخوف المتمثل في أن الإنسان وحده في هذه الدنيا، وذلك الخوف من الموت، وتلك المشاعر القلقة المضطربة، إنما مصدرها الحقيقي هو انفصال الشخصية، وإنكار الإيمان بالله، ذلك أن الإنسان في تكوين ذاته نفس وجسد وعقل وقلب ومادة وروح، فإذا جاءت الفلسفات المادية لتقول أن الإنسان نفس وعقل ومادة فقد شطرت الإنسان وأعلت منه جانباً وتجاهلت الجانب الآخر، هذا الجانب لا يموت ولكنه يظل يرسل أحاسيسه ويملأ صاحبه غماً وقلقاً واضطراباً، لأنه جانب موجود وله حق الحياة وتلك هي أزمة الحضارة والإنسان المعاصر. أما المسلم فإن موقفه من ذلك يختلف تماماً، فالمسلم يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى خلقه من طين ثم نفخ فيه من روحه فهو متكامل التشكل: مادة وروحاً، لا سبيل إلى إعلاء جانب منه على الآخر، بل هو في الحقيقة حين يؤمن ينتقل من المادة إلى الروح فيكون قادراً على البذل والعطاء، وتلك هي قدرته على التسامي من الفردية إلى الغيرية، ولكنه في مفهوم الإسلام أيضاً له حق الحياة والمتاع بها دون انفصال عنها أو عزلة عن المجتمع، فهو متكامل جامع، وهو في فهمه للحياة وتحركه فيها أنما يجمع دائماً بين الزمني والروحي والمطلق والنسبي، واللانهائي والمحدود، يجمع بين معطيات الدنيا وخلود الآخرة.
تلك مقدمات يسيرة بين يدي تساؤلات الشباب في مواجهة الفكر البشري من فلسفات ومفاهيم.
يرسم الإسلام الطريق إلى تكوين الأجيال على نحو غاية في الأصالة وغاية في التقدم في نفس الوقت، فهو لا يدعو إلى تربية مغلقة جافة أو إلى تقليد الآباء، وهو في نفس الوقت لا يطلق الأجيال دون أن تأخذ قدراً من الحصانة والحماية وفهم الوجهة والغاية.
ومن هنا فإن التربية الإسلامية تختلف في منهجها عن التربية التي تقدمها المناهج والمذاهب العالمية على السواء في أنها تجمع بين الدائرة الثابتة والدائرة المتحركة. وذلك حتى لا تنفصل الشخصية الإنسانية عن جذورها التي شكلتها الأديان والعقائد والقيم والبيئة، ثم تكون لها القدرة من خلال هذا الإطار الثابت المرن على تقبل روح العصر من نمو وحركة وتطور وتقدم وعصرية، شريطة أن يكون روح العصر قادراً على التشكيل والانصهار داخل إطار روح الأمة الأصيل.
وتلك قاعدة أساسية من قواعد الفكر الإسلامي تقوم على التكامل والنظرة الجامعة، وعلى ترابط العناصر وتفاعلها بحيث لا يطغى عنصر منها على الآخر ولا يستعلي وبحيث تحقق في مجموعها الاستجابة لتركيب الإنسان نفسه الجامع بين المادة والروح والعقل والقلب.
وعنصر الثبات دائماً يتصل بالإنسان وبخالقه وبالكون وبالتاريخ وبأول الأشياء وبالقرآن وبالفطرة وبالدين، أما عنصر الحركة المتغير فهو يجعله دائماً قادراً على الحياة في للبيئة والعصر مع ظروف التحول والتغير والتطور.
وفي التربية تقوم القاعدة الإسلامية على ركيزتين متوازيتين:
الأولى: إعطاء الأبناء قدرة على الحركة إلى المستقبل.
الثانية: إعطاء الأبناء قوة على الثبات داخل قيم الدين والأخلاق.
وبغير هذا الترابط الجامع يسقط أعظم عامل من عوامل السلامة والقوة في بناء الأمم، وهو عامل "الأمن النفسي" الذي اختفى تماماً من الأمم التي اتخذت من المناهج البشرية الجزئية والإنشطارية منهجاً للحياة وللتربية.
وذلك لأن هذه الأمم قد قبلت مبدأ التغير الدائم، التحول المستمر، ففقدت قاعدتها الأصيلة، ومحورها الذي تدور في فلكه، وبذلك ذهبت بعيداً في "تيه" من العسير استعادتها منه.
ولا ريب أن النظرة الإسلامية الجامعة (وهي نظرة ربانية) هي أقرب ما تكون إلى سلامة القصد، وأكثر ما تكون قوة على حماية البناء الاجتماعي كله من أن يتبدد أو ينهار أو تتدافعه الرياح الهوج.
والمسلمون يؤمنون بالتقاء الأجيال وتكامل الأجيال ولا يؤمنون بصراع الأجيال. وهم يفرقون بين فريضة تقديم التجربة الكاملة من أهل جيل سابق إلى جيل جديد، وبين ما يوصف بأنه "وصاية" على الأجيال الجديدة.
ذلك أن من حق الأجيال الجديدة على الأجيال السابقة: أمرين:(/3)
أمانة التجربة والالتزام بإضاءة الطريق أمام النشئ النامي حتى يستطيع أن يمتلك إرادته، لفت نظره إلى ما في الطريق من عقبات، أما الجيل الجديد فمن قه أن يقبل التجربة القديمة أو ينقدها، ولكنه لابد أن يبني على نفس الأساس وإن كان من شأنه أن يجدد أو يغير في الفروع والجزئيات. أما جوهر البناء فهو ملتزم به لأنه ليس ميراثاً عن الآباء فحسب، ولكنه لأنه إلى ذلك قائم على دعامة منهج أصيل متميز، رباني غير وضعي ولا بشري، ويجب أن لا يدفعنا أي دافع إلى التضحية بهذا الأساس إزاء وهم أو بريق خادع من شأنه أن يخرجنا عن الإطار والضوابط والحدود التي رسمها لنا الإسلام.
ويقضي تكوين الأجيال أن تتوازى فيه عوامل ثلاثة:
قدر من الإيمان، وقدر من الثقافة، وقدر من التجربة.
1- فالإيمان هو العامل الأول الذي يضيء القلب ويكشف عن المهمة الحقيقية للإنسان في الأرض، لماذا جاء؟ وما هي أمانته؟ ورسالته وغايته ومسؤوليته. هذا القدر من الإيمان لا يعطيه إلا الدين الحق، والقرآن هو العامل الأول في بناء العقيدة وكشف الوجهة وتزكية النفس والقلب.
2– ثم يجئ العامل الثاني وهو الثقافة الأصلية التي تكشف للعقل عن دوره ومهمته في ضوء التوحيد والإيمان والوحي، وتبسط أمامه الآفاق الواضحة لدور المسلم في الحياة، وللتحديات التي تواجهه في هذا العصر وفي كل عصر حتى يعرف مدى المسؤولية الملقاة عليه، ومدى الخطر المحدق بأمته وأرضه وعقيدته.
3- ثم يجئ العامل الثالث وهو التجربة التي تتكون مع ارتفاع السن والعمل، والاتصال بالمجتمع والناس. ومن شأنها أن تزيد الإيمان والثقافة عمقا وأن تمنحها الرصيد الذي يؤكد الحقائق ويزيدها ثباتا في النفس والعقل.
فإذا خرج الجيل الجديد إلى الحياة دون أن نزوده بالإيمان فإننا نكون قد فتحنا الطريق أمام الفكر البشري ليغزو هذه النفس الناشئة وليملأ هذا الفراغ الذي عجزت عن ملئه الأسرة والأبوة والقدوة.
ومن هنا يبدأ الانحراف ويبدأ الخطر، ثم تكون الثقافة الزائفة الملقاة على الأرصفة هي الزاد حيث لم نهيئ له الزاد الأصيل.
وفي القصة والرواية والفلسفات شبهات وأخطار وصور براقة تنفذ بسرعة إلى القلب الغض والخيال الساذج، وتجد قبولا لأنها ترضي الغريزة والهوى والنفس الأمارة، ومن ثم تحجب الطريق الصحيح.
ثم لا تكون التجربة بعد ذلك إلا في مجالات الأهواء واللذات والرغائب الصغيرة وهكذا تتعرض الأجيال الجديدة للخطر الذي يجعلها تتنكب طريق الخير فلا تعطي لأمتها ما تتطلع إليه من قوة دافعة بل تكون عاملا من عوامل الهزيمة والانحراف.
ومن شأن التربية الإسلامية أن تنقل الأجيال من الأنانية إلى الغيرية، ومن التطلعات الفردية إلى خدمة الجماعة فالأمة والرسالة، فلا يكون الإنسان دائراً في إطار ذاته وأهوائه ورغبائه، ولكنه يكون في خدمة هدف ورسالة وغاية تستوعب كل وقته وفكره وحياته، ولا يتحقق هذا إلا إذا فهم الأبناء مسئوليتهم إزاء ربهم وأمتهم وجيلهم. فليست الحياة متعة تساق، ولا لذة تبتغى، ولا تطلعاً إلى شهرة أو مال أو مجد شخصي، وإنما هي "رسالة" ومسئولية والتزام وأمانة، الخدمة فيها موجهة باسم الحق تبارك وتعالى لإقامة المجتمع الكريم الذي يحقق منهج الله في الأرض.
إن أخطر ما يواجه الأجيال في مطالع الحياة: خطر يتصل بالعقيدة وخطر يتصل بالغريزة، وفي الفلسفات المنثورة تبرير للانحرافيين، وفي التربية الأصلية في مجال الأسرة منذ أول الخطو الحماية والحياطة وإقامة الجدار المكين الذي يحفظ العقل والنفس جميعاً من مهاوى التدمير التي تواجه الأجيال. فإذا أمكن هذا التكوين السليم حفظ النفس والعقل جميعاً من أن يستعلي شيء على العقيدة، فلا ترى النفس في تلك الصورة البراقة الزاهية ما يخلب لبها أو يخدعها، ذلك أن أول عوامل الوهن أن يحس المسلم بقصوره وقصور مجتمعه وأمته عن الأمم الأخرى، فيخدع بالظن بأن هذا التخلف مرتبط بهذه العقيدة وما هو كذلك، ذلك أن الحقيقة هي أن التراخي عن العقيدة هو الذي أحدث التخلف وليس العكس.
ولذلك فإن أول البناء في تكوين الأجيال هو الإيمان بذاتية خاصة لها قيمها ووجودها وكيانها وتاريخها، مختلفة عن غيرها، وأن هذا التخلف القائم هو مرحلة من المراحل، جاءت بعد مراحل من القوة والتمكن، شأن دورة الحياة والتاريخ بكل الأمم والشعوب، وأنها حالة مؤقتة، وأن الالتزام بالأصل والجوهر الرباني، من شأنه أن ينهي هذه المرحلة ويرد المسلمين مرة أخرى إلى مكانهم في تاريخ البشرية وأن ما يطيل أمد التخلف هو التماس مناهج الآخرين.
إن منهج الإسلام جماع للروح والمادة، والعقل والروح، والدنيا والآخرة، وهو وسيلتهم إلى النجاح وسبيلهم إلى التمكن، وليس لهم من دونه طريق أو سبيل، تلك هي أمانة الأجيال الحقة التي يجب أن يقدمها لهم هذا الجيل ليكونوا من بعد قادرين على الدفاع عنها والحفاظ عليها والقيام بها.(/4)
إن السؤال الذي هو بمثابة أكبر معضلات العصر هو موقف شبابنا إزاء هذا الفيض المتدفق من النظريات والمعلومات والأفكار عن طريق الصحافة والإذاعة والكتب العربية المترجمة والقصص وما يدرس في مدرجات الجامعات وما تتناوله الكتب الرخيصة المنثورة على الأرصفة وعلى أسوار الحدائق وكيف يواجه شبابنا ذلك الركام الهائل المعروض عليهم عرضاً حراً مطلقاً كأنما هو من المسلمات أو الحقائق الثابتة.
إذا أردنا أن نعرف ما هي الأدوات التي يمتلكها هذا الشباب للحكم على ما يقدم له لم نجد أكثر من قدرة يسيرة على القراءة ونفوس غضة متطلعة إلى كل طريق وجميل وملون وأنيق، وخاصة إذا صحبته أسماء لامعة مثال فرويد أو سارتر وبودلير وكافكا. كيف يستطيع أن يكتشف الحقيقة ويعرف الأصيل من الزائف وقدته العقلية يسيرة، ومحصوله العلمي قليل، وذخيرته الفكرية والروحية والدينية بسيطة، وعنصر الحرص من الخطر معدوم تماماً.
إن شبابنا يقبل ببساطة على هذا الركام، وهو مستسلم له تماماً خالي الذهن من تلك المعركة الضخمة الدائرة نم وراء هذه المطبوعات، والتي ترمي إلى إغراقه واحتوائه والقضاء على كيانه واستلاب قدراته التي وهبتها له أمته من أجل الدفاع عن القيم والمقدسات المعرضة للخطر.
لذلك فإن القراءة الآن أصبحت فناً خطيراً وأمانة الكاتب موضوعة الآن في الميزان ومسئولية القارئ يجب أن تكون واضحة إزاء ما يكتب وما يقدم.
إن خطر الأجنبي المترجم ليس أقل أثراً من الغربي المكتوب بالعربية والمقدم للشباب على أنه نتاج عربي.
وهذا الغربي المكتوب باللغة العربي وبأقلام عربية، ما مدى أصالته، وما مدى سلامته وما مدى إيمان أصحابه بأمتهم وبأمانتهم لها. لقد أصبح هناك صنفان من الكتابات أحدهما ولاؤه للفكر الغربي بمفهومه ديمقراطياً ووجودياً وإحياء الوثنية الإباحية الهلينية وهذا الفكر يحاول أن يتعرض للإسلام ولتاريخ الإسلام ولشريعة الإسلام بإثارة الشبهات وبالدعوة إلى استغلالها لتبرير الواقع وتبرير الحضارة التي تمر بمرحلة الأزمة الصاعقة. والتي تقدم أسوأ معطياتها اليوم وأقسى صور حياتها في صورة الوجودية والهيبية الناقمة المنحرفة الرافضة لكل قيم المجتمعات وضوابطها.
ومن الكتابات ما نجد وراءها الفكر الماركسي المادي بمفهومه المنحرف الداعي إلى صراع الطبقات المحرضة على الهدم والتدمير والدماء والقائم على الجماعية التي تحتقر الفرد ولا ترى إلا أنه ترس في آلة، والتي تنكر الأسرة والزواج وتنظر إلى الأخلاق والدين والصلة بالله وبالسماء نظرتها الرافضة المحبوسة في حدود المحسوس والمادي وهي تحاول أن تفرض فلسفتها هذه على المجتمع الإسلامي وتعمل على تفسير التاريخ تفسيراً مادياً، محدوداً، قاصراً لا يعترف بالروح ولا بالمعنويات.
ومن عجب ألا يتوقف هذا التيار الصاعق عند دعوته ولكت يقتحم الفكر الإسلامي ليفرض منهجه المادي عليه، ومن هذه المحاولات الخطرة:
أولاً: إقامة جسور وقناطر بين الفكرة الإسلامية والنظريات العربية، ماركسية ووجودية وديمقراطية، بدعوى أن الإسلام فيه ديمقراطية وعدالة اجتماعية واعتراف بالفردية.
ثانياً: محاول تفسير التاريخ الإسلامي تفسيراً مادياً لتحرك التاريخ الإسلامي أو اتخاذ التفسير المادي المنكر للغيب والنبوة وما وراء المادة أساساً للتفسير.
ثالثاً: محاولة لوضع الشريعة الإسلامية في مجال تبرير الواقع المعاصر في الأمم والحضارات المعاصرة وذلك بالقول بأن الشريعة الإسلامية مرنة وقابلة للحضارات وتغيرات العصور والأزمان، وأنها تقوم على أساس قواعد عامة ترتضي القوانين الوضعية مع تعديلات يسيرة.
ولا ريب أن هذه كلها مؤامرات زائفة، ومحاولات مغلوطة، تفسر الشريعة الإسلامية والمفهوم الإسلامي على الانصهار في بوتقة الحضارة القائمة بكل فسادها وانحلالها وتبريرها من ناحية والقبول بها من ناحية ذاتية الإسلام المفردة ذات الطابع المفرد وأهم من ذلك كله القضاء على الطابع الخاص المتميز الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الواقع الإسلامي المعاش والمستمد من الحضارة الغربية التي شكلتها مفاهيم الوثنية اليونانية والقوانين الرومانية وتفسيرات المسيحية الغربية بما فيها الخطيئة الأصلية والفصل بين الدين والدولة، والقول بالتطور المطلق ونسبية الأخلاق.
###الشباب وكيف يواجه ركام الفكر الوافد
إن الماركسيين يحاولون خداع المسلمين بأن الماركسية والإسلام يلتقيان في العدل الاجتماعي وأن الغربيين الليبراليين يحاولون خداع المسلمين بأن الديمقراطية والإسلام يلتقيان في الشورى التي تسمى في الديمقراطية التمثيل النيابي وكلا الأمرين فيه تمويه وزيف كثير فلا العدل الاجتماعي في الإسلام مشابه للماركسية ولا الشورى مشابهة للتمثيل النيابي.(/5)
ونحن نعرف أن الاستعمار والصهيونية والماركسية يتعاونون على هدف واحد وإن اختلفوا في مطامع السيطرة، هذا الهدف هو تدمير المعنوية والأصالة والذاتية في الأمة الإسلامية حتى تخضع وتدخل دائرة الاحتواء وتنصهر في الأتون اللعين، أنون الأممية. ومن ثم تفقد ذلك الشيء الذي يميزها ويجعلها أمة لها قدرتها الخاصة على إقامة كلمة الله، وعلى العمل لإقامة المجتمع الرباني.
جاء الاستعمار وهدفه إحلال مخطط جديد وفكر جديد مختلف في الغاية والوجهة، هو إدخال المسلمين في الدائرة الغربية المغلقة، وإخراجهم من الدائرة الربانية الموسعة الجامعة، مستهدفاً حصرهم واحتواءهم، ولقد جرب الغرب أسلوبه في الديمقراطية الغربية وأحس العالم الإسلامي أنها جسم غريب، ثم جاءت الموجة الأخرى المتابعة لها وهي الماركسية ورفضها الجسم الإسلامي والعقل الإسلامي، وأثبت الروح الإسلامي أنه غير قابل للاحتواء والانصهار في أي النظامين، غير أن التجربة المظلمة: تجربة تطبيق النظام الغربي في المجتمع والتعليم والسياسة والاقتصاد والقانون كانت مصدراً للهزائم المتوالية التي وقعت فيها المنطقة العربية، نكبة ونكسة وهزيمة، واحتلال فلسطين والقدس، كانت أفكار القومية والإقليمية والتجزئة مصدر التمزق والهزيمة، لقد كانت الهزيمة نتيجة هجر المنهج الإسلامي، منهج الأصالة والذاتية، والانصهار في مناهج الغرب التي لم تكن صالحة لأهلها أو محققة لهم قيام المجتمع الأمثل، أن الذي هزم هو التخطيط العسكري والسياسي الوافد، أما الإسلام فإنه لم يكن موجوداً أو مطبقاً حتى تنسب الهزيمة إليه، بل كان قد أبعد تماماً وحوصر.
إن التجربة التي بدأت بالاحتلال الغربي وانتهت بهزيمة 1967 م يجب أن تضع تحت لأعيننا رصيداً ضخماً من الوعي واليقظة والحذر، تجاه فكرة تقليد الغرب بشقيه، أنماط الغرب، الترف، الاستهلاك، الانحلال، التمزق، الغربة، الغثيان، كلها هي ميراث هذا الفكر الغربي الوافد الذي يقدم لنا عن طريقين: عن طريق مترجمات غثة رديئة، لا نختار إلا الإباحيات والسموم والانحراف وتدع كل ما هو إيجابي وصالح ونافع، لم تقدم هذا على أنه مسلمات وحقائق، بينما هو لم يبلغ درجة النظرية، وليس درجة العلم إنما هو ركام شديد السوء تقدمه أقلام مليئة بالحقد والكراهية والتعصب، مدفوعة إلى تدمير المجتمعات وهزيمة القيم وإثارة الشبهات والشهوات والإباحيات.
لقد علمنا الإسلام أن نقف من المعارف المعروضة علينا موقف التعرف الصحيح على قيمها الحقيقية، وعلى مصادرها، وعما إذا كانت نافعة أم ضارة، إيجابية أم سلبية، وأن علينا أن نرفض الزيف والتفاهات أن ننبه عليها.
وأنة نعرف أن لنا من العلوم موقفاً ومن الثقافات الأممية موقفاً، ومن هذا الركام الزائف المنشور في كتيبات تباع على الأسوار موقفاً آخر، وعلينا أن نعرف الفرق بين العلوم والفلسفات، فالفلسفات نظريات فردية قوامها فروض تصح وتخطئ، وهي مرتبطة عادة ببيئتها وعصورها، وليست صالحة لعصور أو بيئات أخرى لأن جانبها الذاتي بالإضافة إلى صدورها عن تحديات مجتمعها وعصرها وأمور مجتمعها كل هذا يجعلها أقل صلاحية لأن تكون إنسانية أو عامة.
والعلوم التجريبية شيء غير الفلسفات وغير الثقافات، ومن حق الشباب علينا أن نقدم لهم مترجمات عن الفكر الغربي ولكنها يجب أن تكون مسبوقة باستعراض لها، فإذا قدمنا لهم ماركس أو سارتر، أو هيجل، أو فرويد، فعلينا أن نقدم ذلك في إطار عصره وفكره، وأن نقدم أيضاً وجهة نظر فكرنا في هذا العمل أو ذاك. ذلك أن للفكر الإسلامي منهجه ومنطلقه وطابعه الخاص به، وهو مختلف عن مناهج ومنطلقات وخواص وطوابع الفكر العربي: الذي مر بمراحل مختلفة، وتركز في صور عديدة، منها الاقتصاد والنفس، والاجتماع والقانون، وكلها تختلف عن مفهوم الإسلام.
فلنكن على حذر مما يقدم إلينا من هذه المترجمات.
أما ما تكتبه الأقلام العربية من مصدر ولاء للفكر الغربي أو الفكر الماركسي، فإن علينا أن نعرف موقف الإسلام من كل ما يقدم، وإلا تختلط علينا المفاهيم فتجرفنا إلى ما يخرجنا من طوابعنا وذاتيتنا، حتى لا نسقط في فخ الفكر العالمي، الأممي الذي يستهدف صهرنا وإذابتنا في بوتقته حتى تضيع تلك الصفة الخاصة التي يتميز بها المسلمون: وتلك هي أخطر التحديات التي تواجه "الأصالة".(/6)
قضية أن تكون المرأة أجيرة
صالح الحصين* 1/4/1427
29/04/2006
في الحوار والجدل العلمي لا بد في البدء من تحرير (محل النزاع)؛ ذلك لأن الحوار والجدل يتنازعه طرفان: مؤيد ومعارض، وينصب فيه التأييد والمعارضة على معنى واحد أو قضية واحدة، وما لم يكن هذا المعنى أو تلك القضية محددة تحديداً دقيقاً واضحاً متفقاً عليه بين طرفي الحوار والجدل، فإن الحوار في هذه الحالة يصبح عقيماً غير منتج، بل يصبح نوعاً من لغو الحديث ولغط القول، يصح أن يوصف بالوصف العامي الظريف (حوار الطرشان)، في بلدان العالم الإسلامي وبخاصة بلدان العالم العربي منه يحتل الحوار تحت عنوان (عمل المرأة) مساحة هائلة من مجال الكلام والكتابة، ولأول وهلة يخيل للسامع أو القارئ أن الحوار يدور بين مؤيد ومعارض لعمل المرأة أو بطالتها (تخليها عن العمل اضطراراً أو اختياراً)، ولكن ما حظ هذا الأمر من الواقعية؟
واضح أن عنونة موضوع الحوار (بعمل المرأة) خطأ اصطلاحي كان يمكن التسامح تجاهه لولا أن المتتبع لمسارات الحوار المشار إليه لا يشك في وجود ضرورة ملحة وآنية إلى تحرير (محل النزاع) في القضية التي يتناولها الحوار.
وفيما يلي محاولة لذلك، تبدأ بالملاحظات الآتية:
الملاحظة الأولى:
قبل عقود قليلة من الزمن كان عمل المرأة يشغل اهتمام بعض المثقفين والكتاب في المملكة العربية السعودية، ولكن من زاوية أخرى مغايرة تماماً للزاوية التي ينظر منها في الحوار الجاري حالياً حول (عمل المرأة).
إذا كان أولئك المثقفون متأثرين في الغالب بملاحظات الرحالة الأجانب، وبالوعي بالاعتبارات الإنسانية يعبرون عن معارضتهم لما يعتقدون أنه ظلم ترزح تحته المرأة في بعض المجتمعات، إذ تحمل من العمل بما يزيد عن نصيبها العادل في تحمل مسؤوليات الأسرة.
فبالإضافة إلى قيامها بوظائف المرأة الطبيعية والتقليدية تقوم بنصيب كبير من عمل الرجل الشاق في الرعي والاحتشاش والاحتطاب واستقاء الماء، مشاركة للرجل أو مستقلة بذلك متيحة له الاستمتاع بوقته، متكئاً على رحله يحتسي القهوة ويتناشد الأشعار مع صحبه من الرجال.
لقد تغيرت هذه الصورة مع الزمن، وأتاح لين العيش الذي أنعم الله به على كثير من سكان المملكة، وتبدل الظروف الاقتصادية والاجتماعية أتاح للمرأة السعودية أن تتحرر من جزء كبير من العبودية للعمل الشاق، ولكن الصورة الغالبة والسائدة في بلدان العالم الثالث ومنها بلدان العالم الإسلامي تتجلى في أن المرأة في كثير من الأحوال تضطر تحت ضغط ظروف العيش إلى تحمل نصيب كبير من العمل الشاق المرهق الذي يشغل كل وقت يقظتها دون أن يترك لها فيه جزءاً من الراحة والاسترخاء، فضلاً عن المتعة والترفيه الذي تحظى به المرأة في المجتمعات الغربية مثلاً.
وعلى سبيل المثال: تمثل النساء في كينيا نسبة عالية من العاملين في الفلاحة اليدوية، حيث يقوم الإنسان بما يقوم به الحيوان أو الآلة، فتمضي المرأة وقتها الذي لا فراغ فيه في مكابدة العمل في الأرض الشحيحة متحملة نصيبها من العمل فيها، ونصيب زوجها الذي يكون في الغالب قد ذهب إلى المدينة للبحث عن عمل أيسر مشقة وأكثر دخلاً، حيث ينجح أحياناً ويساهم –في أحيان أكثر- في رفع نسبة البطالة في الإحصاءات الرسمية.
أما في نيبال فلا أحد يستطيع أن يطبق قانون الحكومة في منع زواج البنت قبل سن الخامسة عشرة؛ لأن المرأة قبل هذا السن تكون محتاجة للزواج من شاب يحتاج إلى من يشاركه في كفاح العمل في الأرض الجبلية، التي لا تكاد تمنحه وزوجته من محصول البطاطس ما يكفي لأن يبقيهما على قيد الحياة.
وأما المرأة الأندنوسية التي تقطع مسافة ربع محيط الكرة الأرضية، لتقوم بعبء البيت الخليجي جاهدة ناصبة لمدة ثماني عشرة ساعة في اليوم، فربما ترى أن حجم هذا العمل ومشقته أهون وأكثر جدوى اقتصادية من العمل المعتاد للمرأة في القرى الأندنوسية.
وإذا كان هذا هو واقع عمل المرأة في العالم الثالث –ومنه العالم العربي والإسلامي- فإن من المحير أن نسمع هذا الوصف للمرأة (النصف العاطل من المجتمع) يتكرر على ألسنة محترفي تقديم النصائح للعالم الثالث من خبراء المنظمات العالمية، ولكن الأدعى للحيرة أن نسمع ونقرأ هذا الوصف لأزمة لفظية في خطاب المفكرين والكتاب العرب.
الملاحظة الثانية:
أوردت مجلة البنات -التي تصدر بإشراف الرئاسة العامة لتعليم البنات في المملكة العربية السعودية في عددها الرابع عشر- خبراً مضمونه أن شركة تأمين بريطانية قامت بدراسة للتقييم الاقتصادي لعمل المرأة المتفرغة لإدارة شؤون الأسرة، وكانت نتيجة الدراسة أن عمل مثل هذه المرأة من حيث الحجم يبلغ معدل تسع عشرة ساعة في اليوم، ومن حيث التقييم المادي أثمن شيء تملكه أي أسرة.
الملاحظة الثالثة:(/1)
عبر العصور القديمة كان غالب عمل المرأة عملاً حراً، أما العمل المأجور الذي يخطط وينفذ تحت إشراف وسلطة رب العمل أو الرئيس الإداري فقد ظهر على نطاق واسع مع وجود الثورة الصناعية في أوروبا، حين احتاجت الصناعة إلى كثير من الأيدي العاملة الرخيصة نظراً لقيام الصناعة في ظل النظام الرأسمالي الذي دافعه وهدفه تحقيق أكبر قدر من الربح، فدخلت المرأة العمل المأجور في الصناعة ثم في غيرها من المشاريع الرأسمالية، وقد عملت المرأة في ظروف قاسية وسيئة وظالمة، وبالرغم من دعوات الإصلاح والدفاع عن حرية المرأة ومساواتها بالرجل إلا أن المرأة –وحتى الآن- في أغلب بلدان العالم الصناعي لا تزال عاجزة عن الحصول على مساواتها بالرجل في ظروف العمل وأجره، وقد بلغت المرأة أعلى درجة من المساواة بالرجل في ظل النظام الشيوعي، إذ إن لينين بعد أن أطلق صيحته (إن الأمة لا تكون حرة إذا كان نصف سكانها تحت نير المطبخ) دخلت المرأة مجالات العمل كلها تقريباً على قدم المساواة مع الرجل، ونتيجة لذلك تحملت مسؤولية العمل الروتيني في المصنع تحت إشراف وسلطة مقدم العمل، ولم تستثن من الأعمال الشاقة أو الحقيرة أو القذرة فعملت في حفر الأنفاق وتنظيف الشوارع (سيكولوجية المرأة العاملة: كاميليا عبد الفتاح صـ44-45-539).
فدخول المرأة في سوق العمل المأجور كما نرى دفع إليه تغيير في قيم المجتمع نتيجة الثورة الصناعية، ثم الفلسفة الاشتراكية.
من الملاحظات الثلاث السابقة نستخلص:
أن المرأة في جميع العصور وفي مختلف المجتمعات عاملة وليست عاطلة، ومساهمتها في الإنتاج سواء من الناحية الاقتصادية أو النفعية بوجه عام لا تقل عن مساهمة الرجل، بل غالباً ما يكون نصيبها من العمل كماً وكيفاً أكبر من نصيب الرجل، وفرصتها في الراحة عن العمل أقل من فرصته.
وإذاً فقيام الجدل حول عمل المرأة من حيث هو عمل لا معنى له، وقضية الخلاف على (أن تعمل المرأة أو لا تعمل" لا وجود لها.
والقضية الحقيقية التي ينصب الخلاف عليها هي (عمل المرأة أجيرة، هل هو مطلوب ومرغوب ونافع؟ ومتى وتحت أي ظروف يكون ذلك؟) الحوار والجدل حول هذه القضية ينبغي أن ينصب على ما إذا كان بذل المرأة نفسها للعمل لقاء أجر أمر مفضل ينبغي تشجعيه، ودعوة المرأة إليه والعمل على أن يتيح المجتمع أوسع الفرص له وتقييمه عند المفاضلة والترجيح بأنه أسمى وأنبل وأكثر نفعاً وأكثر تحقيقاً للمصلحة العامة، وأجدى اقتصادياً لها وللمجتمع من عملها الحر أو عملها في مجال الأسرة، إن هذا في الحقيقة هو محل النزاع إذا أردنا تحرير محل النزاع، وقصر الجدال على القضية محررة بهذا الوصف بالإضافة إلى أنه مقتضى المنطق والمحاكمة العقلية، سوف يوفر كثيراً من الوقت الضائع والمجهود الذهني الذي يذهب سدى، سوف يجعل غاية للجدل الذي لا نهاية له ولا حدود.
في الجدل حول (عمل المرأة أجيرة) ينبغي الانتباه إلى الحقائق الآتية:
أ) في العمل المأجور يبيع الأجير وقته وجهده لقاء ثمن مادي أي يبيع جزءاً من نفسه، هذا يعني أن العمل المأجور نوع من الرق، لا أنسى مرة موظفاً في إحدى الشركات كان يريد أن يعبر لي عن ضغوط عمله فقال بتأثر ظاهر: أنا قن.
ب) لا يعني ما ذكر تحقير العمل المأجور أو عيب الأجير، كيف ونبي من أولي العزم من الرسل كان أجيراً لمدة عشر سنين، كما أن الرق لا يعتبر في كل الأحوال عيباً للرقيق، فالرق لم يعب يوسف الصديق ولقمان الحكيم.
والشعوب البدائية كما يعبرون هي وحدها التي يندر فيها الرق والعمل المأجور، أما الحضارات فعلى العكس من ذلك قامت الحضارة الرومانية على الرق، وقامت حضارة الإقطاع الأوروبي على شبه الرق، وقامت الحضارة الأوروبية بعد الثورة الصناعية على العمل المأجور.
في الحضارة المعاصرة وفي كل البلدان على اختلافها في سلم التقدم يتركز إنتاج أغلب السلع والخدمات على العمل المأجور.
إنما قصد من الفقرة (أ) الإيضاح عن خصيصة للعمل المأجور لا يجوز إغفال اعتبارها عند الموازنة والترجيح بين أنواع الأعمال.
ج) عمل المرأة في الأسرة تحت قوامة زوجها وهامش حرية المرأة في أدائه واسع أو غير محدود، وصيغة التشاور فيه أظهر من صيغة الأمر والنهي، يظله فيء العاطفة وندى المشاعر، وعلاقة المرأة بمن له القوامة علاقة المودة والرحمة.
أما عمل المرأة المأجور في سوق العمل فتؤديه تحت قوامة الرئيس الإداري أو رب العمل (ذكر أو أنثى)، وحرية الاختيار فيه محدودة، ولا مجال فيه للعاطفة الإنسانية وإنما تحكمه صرامة الأوامر ويظله جفاف الروتين، وعلاقة المرأة بمن له القوامة علاقة الآمر والمأمور.
د) عمل المرأة في الأسرة غاية في ذاته، يلبي للمرأة أشواقها ويحقق لها الإرضاء النفسي، أما عمل المرأة المأجور خارج الأسرة فهو وسيلة للحصول على الأجر الذي تحتاجه بدرجات متفاوتة لتحقيق أشواقها ورغباتها.
هـ) بما أن الإنسان مدني بطبعه وأن:(/2)
الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
وأصدق من قول الشاعر وأبلغ وأوضح قوله تعالى:"نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً" [الزخرف:32]، فقسمة المعيشة بين الناس في الحياة الدنيا وتسخير بعضهم لبعض اقتضت بذل العمل من الإنسان رجلاً أو امرأة –الوقت والجهد- لقاء عوض من إنسان آخر سواء في ذلك ما يبذله الأجير الخاص والأجير المشترك، والأعمال تتفاوت ولكن العمل المثالي هو ما يكون أكثر ملاءمة للعامل من جميع الوجوه فلا بد في الموازنة بين الأعمال والحكم عليها أن يكون للملاءمة من شتى الوجوه، وزنها في الترجيح والاختيار.
كما يرى القارئ لم أحكم على (عمل المرأة أجيرة) مؤيداً ومعارضاً؛ لأن الحكم يختلف باختلاف الظروف؛ ولأني لم أقصد إلى الحكم في هذه القضية، وإنما كان قصدي تحرير محل النزاع بين المؤيدين والمعارضين، وأرجو أن أكون وفقت، وما توفيقي إلا بالله.
*الرئيس العام لشؤون الحرمين بالمملكة العربية السعودية(/3)
قضية الظلم
نعم الظلم ظلمات متعددة وليس ظلمة واحدة، وقد اتسعت دائرته وتعددت صوره ودرجاته في عصرنا الحديث كما تعددت نوعيات الظالمين والمظلومين واتجاهات وخلفيات كل منهم والايذاءوالتعذيب كابرز وسائل الظلم قد تطورت اساليبه وصار التعذيب كأنه علم قائم بذاته تتم فيه ابحاث ودراسات ويتخرج فيه متخصصون واصبح للعلوم الحديثة مجال في استحداث فنون جديدة للتعذيب ونرى الظالمين في بلادنا يهتمون بكل جديد في هذا الفن ويبحثون في جندهم من يتخصص كما يجلبون الخبراء والاجهزة الحديثة لتدريب الجند والاتباع كي يقوموا بمهمتهم على الوجه الاكمل.
والمظلومون الذين نعنيهم في مقالنا هذا هم ضحايا الاتجاه الاسلامي من الشباب المسلم والدعاة الى الله العاملين في حقل الدعوة الاسلامية- الذين تعرضوا ويتعرضون للظلم من طغاة وظالمين، اسماؤهم اسماء مسلمين لا لذنب فعلوه الا ان قالوا ربنا الله، ولانهم يدعون الى اقامة دين الله وتحكيم شرع الله ويطالبون بتطهير مجتمعاتنا من الوان الفساد والانحلال والضياع، والنهوض بها من هذا التردي والذل والهوان الى كل معاني العزة والقوة والسيادة، لنكون خير امة اخرجت للناس كما اراد الله لنا؛ ولنستطيع ان نسترد كل ارض سليبة وعلى راسها فلسطين والمسجد الاقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين. هذه قائمة الجرائم - في نظر الظالمين-التي ارتكبها هؤلاء المظلومين المعتدى عليهم.
لقد وجهنا حديثنا في المقال السابق الى الظالمين بما فيه العظة والعبرة لمن اراد ان يعتبر ونوجه هذا الحديث الى المظلومين من شبابنا المسلم والعاملين للاسلام سائلين الله ان ينفعنا واياهم وبما نقول:
اخي المظلوم تثبت من اخلاص نيتك:
يا اخي اهم شيء هو اخلاص النية لله والا كيف تتعرض للظلم والايذاء والتعذيب ثم تخرج صفر اليدين؛ بوجود شوائب في اخلاص نيتك فان الله لا يقبل من العمل الا ما كان خالصاً تماماً لوجهه فاستوثق من اخلاصك وخلّصه من اي شوائب مثل الرياء او الدنيا او المغانم كالتي يسعى اليها طلاب الحكم من رجال الاحزاب وغيرهم. وحذار ان تقع في شبكة العمالة لحساب حاكم او جهة ما، الا اولئك الذين يعملون لتكون كلمة الله هي العليا. بهذه النية الخالصة تفوز برضوان الله واجر الصابرين، واذا لقيت الله تحت التعذيب تنال منزلة الشهداء باذن الله.
وبهذه النية تستحق وعد الله بنصره المظلومين :((اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير)) الحج:39.
اخي المظلوم لتحمد الله
لتحمد الله انك مظلوم في سبيل الله فهناك مظلومون يتعرضون للظلم في سبيل الدنيا او في سبيل مبادئ باطلة كالشيوعية او غيرها فيسجنون ويعذبون ويقتلون وتجد منهم من يتحمل ويصبر رغم انهم على الباطل ولتحمد الله ان تعرضك للظلم انما هو دليل ان شاء الله على انك تسلك سبيل اصحاب الدعوات، وطريق الرسل الذين تعرضوا ايضاً للايذاء، وتعرض بعضهم للسجن والبعض للقتل، ورسولنا الحبيب تعرض كذلك للايذاء بصور شتى.
ولتحمد الله يا اخي انك المظلوم ولست الظالم. فهلا كان من الممكن ان يكون في قدر الله تبادلك المراكز مع الظالم فيكون هو المظلوم وانت الظالم؟ وكنت بذلك تتعرض الى ما يتعرض له الظالمون من تعاسة وبؤس وشقاء في الدنيا وعذاب وخزي وحسرة في الاخرة. فاحمد الله ان من عليك بنعمة الاسلام ونعمة الايمان ثم بنعمة التوفيق للعمل في سبيله.
عليك بالصبر اخي المظلوم
اصبر يا اخي على ما يصيبك فان ذلك من عزم الامور. وهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو احب خلق الله الى الله اذي وصبر وكان يوصي المسلمين الاوائل وهم يعذبون بالصبر ويبشرهم بالجنة والنصر :(صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة) .( والله ليتمن هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
يا اخي تذكر وانت تتعرض للتعذيب سمية رضي الله عنها وزوجها ياسر رضي الله عنه وكيف تحملا التعذيب حتى استشهدا دون ان ينطقا كلمة الكفر، وتذكر ايضاً موقف سحرة فرعون عندما هددهم فرعون باشد العذاب بعد ان امنوا وقد جاءوا في الصباح يناصرونه ويطلبون الاجر والقرب، فانظر قوله لهم وردهم عليه :((فلأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ولاصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن اينا اشد عذاباً وابقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما انت قاض انما تقض هذه الحياة الدنيا* انا امنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما اكرهتنا عليه من السحر والله خير وابقى)) طه:71-73.
هكذا تصححت الموازين عندهم بعد الايمان وتحدوا الظالم بكل وعيده وتهديده وكل هذا التغير في يوم واحد. واعلم يا اخي ان الصبر هو عنصر النجاح في هذا الامتحان والبلاء فاصبر لتفز باجر الصابرين :((انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب)) الزمر:10.(/1)
((ولنبلونك بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون* اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون)) البقرة: 155-157.
فاصبر الصبر الجميل الذي لا شكوى معه لاحد الا الله واستجب لنداء الله لعباده المؤمنين :((يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)) ال عمران: 200.
هكذا يا اخي بصبرك تفوز بمعية الله لك ومن كان الله معه لا ينقصه شيء ولا يخشى شيئاً الا الله. وانظر يا اخي ما قاله الرسل لقومهم الذين آذوهم وطاردوهم:((وما لنا الا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ماء اذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون)) ابراهيم:12.
وانظر الى الاية التالية وما فيها من بشريات :(( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين* ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد))ابراهيم:13-14.
ولعل ذلك من جزاء صبرهم وتوكلهم على الله.
انك يا اخي حينما تتجمل بالصبر تهدأ اعصابك وتطمئن نفسك وتستطيع ان تمارس عبادتك ونومك وطعامك وغير ذلك في هدوء، بخلاف من لا يصبر تجده مهموماً مكروباً قلقاً مشدوداً الاعصاب غير مطمئن في عبادته او نومه او طعامه.
انظر يا اخي كيف يدعونا الله الى الصبر في مثل هذه الفتن بهذا الاسلوب الجميل:
((وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون وكان ربك بصيرا)) الفرقان:20.
تذوّق يا اخي كلمة (اتصبرون) وما فيها من رقة واغراء يجعلنا نسارع ونقول نصبر يارب بعونك وفضلك.
ولا تنس يا اخي المظلوم انك بصبرك وثباتك تكون قدوة لمن معك وغيرهم ممن قد يتعرضون للظلم وتكون صورة ماثلة امامهم للصبر مع الحق.(/2)
قضية المرأة كما أراها
د. الحبر يوسف نور الدائم*
ينقسم هذا البحث إلي ثلاث شعب : الأولي عن المرأة في الجاهليات القديمة ، والثانية عن المرأة في الجاهليات الحديثة ، والثالثة عن المرأة في الإسلام ، وهي كما تراها شعب متطاولة شامخة كل واحدة منها تكون كتابا قائماً برأسه أو كتباً متعددات إن أريد لها التفريغ والتدقيق والتجزئة ، ولكننا لا مفر لنا في عجالة كهذه من المر السريع والإيجاز غير المخل عندما نتعرض لضم الأشتات وتوحيد الفروع وجمع الأجزاء .
تقلبت قضية المرأة في أطوار متعددات ، ومرت بأدوار مختلفات وكلما بعد الناس عن المنهج الرباني ، وصدوا عن النور الذي انزل إليهم ازدادت هذه القضية تعقيداً وبعد إذ لابد من الخضوع لواحد من سلطانين ، سلطان الله وسلطان الأهواء والشهوات والنزوات ، وقضية المرأة تكشف عن هذه الأمر كشفا بيناً ماله من مزيد . ولو نظرنا نظرة عجلي إلى وضع المرأة –في الجاهليات القديمة التي يسميها بعضهم خطأً بالحضارات القديمة – في مصر وفارس وفي روما واليونان – لوجدناه يتفق في صفة واحدة هي صفة الظلم ن وتتخذ له طابعا واحداً هو طابع العدوان ففي مصر تفقد الحسناوات الشابات المجدودات حياتهن قرباناً للنيل ولعل في هذا ضربا من ضروب التجلة والإكرام .
اضطرت الملكة حتشبسوت (2) أن تلبس ملابس الرجال احتراما للرأي العام ، ومراعاة للعرف والتقليد الذي لا يكاد يعترف للنساء بقيمة ، وضربت الجاهلية عند قدماء المصريين بجران فأباحوا الزواج بالأخت وألام في بعض العهود ، وأبطلوا تصرف الزوجات فيما يملكن ما لم يأذن بهذا أزواجهن .
وعاش الفارسيون في عهودهم المظلمة في فوضي جنسية عارمة ضاربة فأباحت الزرادشتية الزواج بالأمهات والبنات والأخوات واتخاذ الخليلات ، وعاشوا في نفاق قاتل جعلهم يرتكبون الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ويحرمون في نفس الوقت علي بعض المتزوجات رؤية أبنائهن وإخوانهن وجعلوا بينهم وبينهن حجابا ، وللمرأة في فارس معيشة ضنكة وعذابُ فهي سلعة تباع وتشتري لا يرعي لها إل ولا ترقب فيها ذمة يحكم عليها بالإعدام لاتفه الأسباب وأوهاها ويري في وجودها بأس ووبال . وروما التي تفاخر بأنها أم القوانين وربة التشريع لم تعبأ بالمرأة ولم تلتفت إليها ولم تعترف لها بحق ، وما زادت علي أن أثقلت كاهلها ، وأنقضت ظهرها بواجبات ثقال فطالبتها بالطاعة العمياء ، والخضوع الكامل والتسليم المطلق لسلطة الرجل الذي لا ترد له كلمة ولا يخالف له أمر ، ولا يبطل له حكم فهي ملكه الخالص يتصرف فيه آني شاء ، إن شاء قتل وإن شاء أبقي وله أن يسئ معاملتها ويتنكر لها ويتنمر فأن أظهرت شيئا من تذمر أو أبدت نوعا من تمرد أو كشفت صفحة من اشمئزاز أو طالبت بطلاق وفرقة عوقبت علي ذلك عقابا وذاقت وبال أمرها ، فالمتاع المملوك لا يحق له أن يرفع أنفا ، أو أن يحتج علي معاملة ، لو يشمئز عن ظلم وقع به .
وأثينا التي تفاخر بأنها أم الفلفسة ، وربة الفكر ودار الفلاسفة ومثوي المفكرين ، لم ينبس فلاسفتها ومفكروها بكلمة واحدة تناصر المرأة ذات الجناح المهيض ، والظهر المكسور واذا شاء حظ المرأة العاثر وطالعها السيئ ان تلد غلاما قبيحا حكم عليها بالإعدام كأنها قد اقترفت أثما او كسبت خطيئة ، او أجرمت ذنبا ، اما إن كانت امراة ولودا ودودا فانها تؤخذ من زوجها كرها وتحول الي مصنع للتفريخ فما يجوز لها ان تكون وقفا علي رجل واحد . ولا تعجب لهذا التصرف إذ أن افلاطون – ومكانه عند القوم وعند بعض متعلمينا معروف – كان يري أن النساء ينبغي أن يتداولن كما تتداول الحاجات . اما أستاذه سقراط فقد كان أكثر تحرجا منهم إذ زعم أن الأمر حقه ان يقصر علي الأصدقاء فللصديق الوفي أن يبر أصدقائه بإعارتهم زوجته ولم يكن للإناث عند اليونانيين حق في إرث أو ملك ، والأمر موقوف علي الذكور فهم الذين يرثون ويملكون ، وهم الذين يعددون الزوجات كيف شاؤا ويطلقون متي أرادوا من غير قيد أو شرط .
والعرب – قبل أن يكرمهم الله بالإسلام – كانوا ينظرون للبنات نظرة ازدراء واحتقار ، ومقت وكراهية ، والقرآن الكريم يصور لنا ذلك أبلغ تصوير وأوفاه فيقول ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه علي هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون ) " سورة النحل : 58-59
وفي أخرى يقول سبحانه وتعالي ( وإذا بشر احدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) وبلغ الاستخفاف بإنسانية المرأة عند بعض قبائل تميم وقيس وأسد وهذيل مبلغا عظيماً فكانت الجريمة النكراء وكان الوأد (3) دفن البنات حيات ( وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ) التكوير : 9 ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) الاسراء : 31 ( ولقد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم ) الانعام : 140(/1)
وأستنكر الإسلام هذه الجريمة البشعة الشوهاء ولم يقل فيها عفا الله عما سلف ولم يقل فيها الإسلام يجب ما قبله كما في سائر الجرائم الأخري بل طالب فبها بعتق رقبة عن بنت موؤدة (4) وظهرت هذه النظرة الجاهلية للبنت عند العرب مرة أخري وذلك حين طال بهم العهد وقست قلوبهم وأحاطتهم الشبهات من كل جانب وابتعدوا عن مصدر النور والعلم والمعرفة ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) النور : 40 ، فقام ابو العلاء المعري المعروف بعداوته للمرأة ليقول :
وهاهو ذا يقف ليسلبها حقها في التعليم بعد ان سلبها حقها في الحياة :
كان العرب في الجاهلية لا يجعلون للمرأة شأنا فهي سلعة تباع وتشتري فأذا أراد العربي الجاهلي أن يتكلم عن الزواج فإنما يتكلم بلغة الدراهم والدنانير.
يقولون تزويج وأشهد أنه هو البيع الا أن من شاء أن يكذب واذا فرح بقدوم الفتاة فأنه يفرح لانها تزيد من ماله غداة يأكل مهرها أكلاً لا يبقي ولايذر ومن هنا جاء قولهم (هنيئاً لك النافجة ) أي التي تزيد في مالك(5)
ولم يكن لتعدد الزوجات غاية ينتهي اليها ، ولقد تفشي في بني ثقيف لانهم كانوا ذوي سعة ويسر وثراء ، روي الترمذي عن عبد الله بن عمر أن غيلان الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي (ص) ان يتخذ منهن اربعة . واتخذ العرب من التعدد وسيلة من وسائل تأديب النساء فكانوا يتهددون ويتوعدون كما قال الأخر :
ولم يكن للطلاق حد ينتهي إليه ايضا فله أن يطلق كما يشاء ويعود متي اراد . وكانوا يظاهرون من نسائهم ويؤلون منهن السنة والسنتين وكانوا يعضلون النساء فيمنعوهن التزويج ويمسكوهن ضرارا ليعتدوا ، وكان للولد الأكبر أن يطرح ثوبه علي امراة أبيه وإن شاء زوجها غيره بمهر .
ولم يكن الجاهليون يورثون النساء ولا الصغار ويقولون لا يرث إلا من طاعن بالرمح ، وذاد عن الحوزة ، حاز الغنمية ، قال طرفة بن العبد محتجا علي أعمامه الذين أكلوا مال أمه :
اما الإماء في الجاهلية فقد كان وضعهم أنكي وأرزي وأحقر من وضع الحرائر فمن الجاهليين من كان يكره فتياته علي البغاء إن أردن تحصنا ليبتغي عرض الحياة الدنيا.
وإذا تجاوزنا وضع المراة في الجاهليات القديمة إلى وضعها في الجاهليات الحديثة وجدناها مهضومة الحق ، مظلومة الجانب مهيضة الجناح ، يقول Black slone معقبا علي قوانين إنجلترا 1765م ( أن القيود التي ترزح تحتها المرأة يراد بها في الغالب حمايتها وخيرها لان القانون الإنجليزي يؤثرها بعطف شديد ) ولنا أن نسأل ماذا في تلك القوانين التي آثرت المرأة بذلك العطف المزعوم ؟ وأي عطف هذا الذي يمنع المرأة حق التملك فمن المعلوم أن المرأة الإنجليزية لم تخول هذا الحق ألا منذ 1882م واي عطف هذا الذي يبيح للزوج أن يبيع زوجته بشرط واحد وهو شرط أملاه التكريم للمرأة ، والتفاني في احترامها والمبالغة في تقديرها هذا الشرط هو أن يتم البيع بموافقة الزوجة المكرمة المحترمة المقدرة ولم يرفع هذا الأمر إلا في 1805م . وفي 1931م باع أحد الإنجليز زوجته فحكمت عليه المحكمة عشرة اشهر ولو حدثت هذه المقايضة الآثمة قبل عام 1805م لأفلت صاحبنا من العقاب ، فالأمر مباح ومشروع ، ولم يأت الرجل بما يوجب عقابا ، أو يسلتزم مؤاخذة . ورغم هذا كله يأتي المشرع الإنجليزي ليزعم أن القانون يؤثر المرأة بعطف شديد(6)
اما في فرنسا فلم تكن المرأة احسن حالاً من أختها في إنجلترا فالظلم سمة كل مجتمع جاهلي لا يزن أموره بميزان السماء .... المراة الفرنسية المتزوجة لا يحق لها ان تتصرف فيما تملك الا بموافقة زوجها ما لم تشترط في عقد الزواج أنها حرة حرية كاملة في تصرفاتها المالية بعد الزواج ذلك لان سطوة الرجل وعنفوانه صفة ملازمة للمرأة فهي لابد ان تكون تحت نيره ابا كان او زوجا . ونص الفرنسيون علي ثلاثة أسباب من شأنها أن تؤدي الي الحجر ونفي الأهلية للعقود والمعاملات المالية وهذه الإسباب هي :
1- صغر السن 2- زوال العقل 3- الأنوثة(/2)
واستمر الحال علي هذا المنوال أعواما متطاولات حتى عدل عام 1938م وكان تعديلا يسيرا لم يأت بما يرضي طموح المرأة الغربية المكثفة ، وكما يروج له عندنا دعاة التقليد الأرعن والمحاكاة الحمقاء . فالمرأة عندهم تشقي وتكدح وتبيت كآلة من عمل يدها لتأكل وتنفق علي نفسها ولا معين لها من أب أو أخ أو زوج او ولد او قريب اللهم الا أن يفعل هذا من باب التكرم والتفضيل والاحسان أما الالزام القانوني الصلت فلا ، وكثيراً ما تتحدث الأمهات عندهم مفتخرات مسرورات أن أولادهن المغتربين ارسلوا اليهن قائلين ( mery chrismas) أو ( happy new year ) فأذا سل الشاب نفسه من زخم الحياة الصاخبة ،وتذكر أبا شيخا كبيراً ، أو أما قد بلغت من الكبر عتيا استحق الثناء كله ، والشكر جميعه ودل علي انه ذو نزعة إنسانية ، وعاطفة حانية في مجتمع مادي غليظ لا يعرف للنوازع الانسانية مكانا ، ولا يعرف للعواطف الحانيات موضعا . وحسبنا أن نعلم أن القوانين لا تلزم الأبناء عندهم بالصرف علي الأمهات وان بلغت إحداهن أرذل العمر ، ومسها الضر وولدها الوحيد يتقلب في عيش ناعم ، ورزق واسع وحال ميسور . وقد يتفضل الولد أن كان باراً بوالديه ، عارفاً لحقهما بإرسالهما إلى ملجأ من الملاجئ التي تقيمها الدولة لترعي أمثالهما ممن ضعف عن الكسب ، وأقعده الكبر وأخذت منه السنين في مجتمع يجعل الإنتاج المادي هدفا وغاية ولا يتلفت الي قيمة روحية . ولقد أدرك العقلاء منهم أن فقدان القيم الروحية ( the spirilial values) يفقد المجتمع توازنه وترابطه ويؤدي به إلى التفكك والاختلال .
اما وجدانية الزواج عند الغربيين ، وحملتهم علي المسلمين انهم يذهبون مذهب التعدد فهو لا يعدو ان يكون تمثيلية مضحكة مبكية فهجر الزوجات الشرعيات ، والاتصال بنساء أخريات من الأساليب الشائعة عند القوم وهي أساليب تدل علي أنانية الرجل الذي يريد أن يستمتع بوقت طيب ولكنه في الوقت ذاته يريد أن يتملص من كل تبعة وأن يتخلص من كل مسئولية فهو استمتاع لا يكلفه إلا قليلا اذا ما قارته بتبعات البيت ومسئوليات الزواج الذي يري قيدا ثقيلا . وبالرغم من التفنن في استعمال الوسائل الحديثة التي تخفي كثيراً من آثار الجرائم الخلقية إلا أن الأطفال المتبنين وغير الشرعيين ( the adopled and illigitimale) وحالات الإجهاض ( aborlion) أصبحت من المشاكل الاجتماعية المسعتعصية التي يجأر العقلاء بالشكوي منها إذ أنها تنذر بشر مستطير وعاقبة وخيمة ، والمرأة التي تتحمل تبعة الإثم ، ومسئولية الذنب وهي وحدها التي تشقي مع الوليد ثمرة ذلك الاستمتاع الآثم ولقد تخلي الآباء عن واجبهم تجاه الأولاد والبنات ومسئوليتهم في التأديب والتقويم وظنوا ان في وضع الحبل علي الغارب ضربا من ضروب الحرية ، وأنهم لا ينبغي لهم التدخل في شئون أولادهم الخاصة ، وفقد كثير من الآباء الشعور بالمسئولية والغيرة والنخوة ولقد شاهدت بعين رأسي رجلا مفتول الشارب حملت بنته سفاحا يسأل ان كان هذا التصرف يغيظه او يقض له مضجعا فهز رأسه في شموخ وشمم قائلا أنه تصرف لا يحرك منه ساكنا اذ أن بنته قد بلغت من السن مبلغا لا يحس معه بشي من المسئولية نحوها . ونتيجة لتفكك الاسرة ، وإهمال المرأة الاروبية لبيتها ، وتخلي الآباء عن مسئوليتهم خرج الأبناء والبنات عن سيطرة الآباء وسلطة الامهات فلم يعودوا يسمعون نصحا ولا ارشادا وتحت شعار الـ ( Permissivenss)(7) التي قال عنها مستر كالهان إنها اسوأ كلمة في القاموس – أصبح الجيل مشكلة المشاكل إذ انغمسوا في الجنس والعنف ، والمخدرات وارتكاب الجرائم بصورة مفزعة مخيفة(8) ..... وظهرت طوائف من الشباب والشابات كالهيبز والـmorkeys والـBeatlesوماشئت من غرائب ومنكرات تمردت علي كل قيمة ، وخرجوا علي كل عرف وكفروا بكل نظام ، وأنكروا كل شيء حتي عرفوا بـ thedroppers أو الخارجين الذين خرجوا عن المجتمع بتقاليده ونظمه وأعرافه (thet dorpped of the society) وهم محقون في خروجهم علي النمط الذي يسير عليه الأوربيون في حياتهم إذ أحسوا أن الحياة المادية التي يعيشها الأوروبي لا ترضي طموح الإنسان، ولا تواكب تطلعاته ، ولا تشبع جوعه النفسي ، ولا تروي لروحه ظمأ ولا تشفي له حاجة ، ولكنهم لا يعرفون المخرج ، ولا يهتدون السبيل وإنما هو الانطلاق وراء النزوات ، وإجابة الشهوات التي لاتزيدهم إلا ظمأ علي ظمأ وجوعا علي جوع ووصل بهم الحال إلى درجة جعلتهم يفقدون الحياة بالعبث والقرف والعدم وفقدان المغزى ( meamenglessnes) .(/3)
ولم يصل المستوي إلى هذا الدرك إلا لأن المرأة الأوروبية قد تخلت عن واجبها الأول وهو التربية والرعاية والعناية بالبيت والأزواج والأطفال ذكوراًَ وإناثا وذلك لأنها شغلت أو انشغلت بأشياء أخرى عن هذا الواجب الإنساني المقدس وقد تجد المسكينة نفسها مدفوعة للعمل والكدح خارج البيت ، فنظرة المجتمع الغربي نظرة مادية صرفة قل أن تجد فيها مكانا للمشاعر الإنسانية النبيلة الخالصة التي تؤثر الإيثار الكريم الذي يدفع إلى الترابط والتعاون والإخاء ، ولقد تظن إنها إذا ما عملت استطاعت أن تستقل استقلالاً اقتصاديا يمنحها ذاتيتها وشخصيتها ، ويجعلها تستقل بشيء من الحرية وإنها إنسان مكرم وأن مجتمعا لا يقدر فيه إلا الجانب الإنتاجي المادي وحده لجدير بان يكون بؤرة للمشاكل المعضلة ، والمسائل المستعصية التي تعيي من يحاول حلها من الأدباء والمفكرين والمخططين .
هذا ، ولقد أدرك جمهور من المفكرين المعاصرين من الأوربيين إن انشغال المرأة بتدبير المعاش أدي بالضرورة إلي تفكك الأسر وهدم البيوت وفي ذلك يقول الفيلسوف الإنجليزي Russell B. ( أن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في
الأعمال العامة وأظهر الاختبار أن المرأة تتمرد علي تقاليد الأخلاق المألوفة وتأبي أن تظل أمينة لرجل واحد إذا تحررت اقتصاديا ) والجزء الأول من كلام الرجل صحيح في جملته صائب إلا أن الجزء الاخير لا يمكن أن يقبل علي علاته ـ فالاقتصاد علي أهميته التي لا تنكر ليس كل شيء في حياة الناس فهناك من العوامل ماهو أشد سطوة وتأثيرا من الاقتصاد ، والمرأة إن كان لها وازع من دين وخلق وتربية وضمير يمكن ان تعيش وفية امينة لزوجها ( الواحد ) وإن ملكت القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام فالعبرة بالعقيدة الدينية الحقة التي تعطي الانسان رجلاً كان او امرأة تصوراً صحيحا للوجود يجعله يتصرف فيما آتاه الله تصرفا عادلاً رشيدا ويقيم حياته كلها ، وتصرفاته كبيرها وصغيرها وعلاقاته علي ميزان قسط لا يجور .
كثير من الناس – الغربيون أوّلهم – يرون في المرأة الجسد وحده لهذا تجدهم قد مهدوا لها الطريق وذللوه لها وفرشوه بانواع الورود وعبّدوه لتخرج من بيتها ، وتكفر بدينها ، وتحتقر تقاليدها ، وزينوا لها يما يوحون من زخرف القول أن في هذا تكريما لها ، وتحقيقا لحريتها ، واستبعاداً لشبح استعباد الرجل لها ، واعترافا بمقومات شخصيتها فلها ان تغشي النوادي الليلية وتنفق الليل كله سهراً وسكراً وعربدة ، ولها أن تتلوي في الطرقات كاسية عارية متبرجة ، ولها ان تتبذل وتتحلل من كل قيد ، وتخفف من كل إصر وتنال لذتها مع من تحب تشتهي . ولقد أدركت النساء العواقل أن ليس من هذا تكريم للمرأة ، وإنما هو هو امتهان لأنوثتها ، وعبث بكرامتها ، ومتاجرة بجسدها ، واستغلالا لأنوثتها فما من نكبة أنكى علي المرأة من أن تكون متاعاً مبذولاً لعيون جائعة ملتاعة ، ونفوس ظامئة مريضة ، وقلوب خاوية متحجرة لا يهمها من المرأة إلا الجسد ، فإذا ناله فليقذف به قذف النواة فما له فيه من حاجة ولا وطر بعد أن قضى من حاجة وطراً . أدركت النساء العواقل شيئا من هذا فارتفعت بعض الاصوات النسائية معلنة رفضها واستنكارها لهذا الاستعباد المغلف ، والاستغلال الملفوف – ارتفعت تندد وتنادي بوقف ما يسمي بمباريات ملكات الجمال (Miss of the world) التي تقام من حين لآخر وتوزع فيها الجوائز ، وتصحب بضجة إعلامية هائلة لما لها من مبرارت وفي استعراض جسم المرأة بتلك الصورة الغوغائية المزري ارتداداً بالإنسانية الي الوراء ، وارتكاس بها في حمأة الطين التي أنفقت الإنسانية عمرا طويلاً مديداً في محاولة للتخلص من وطأتها ، والنجاة من قبضتها ومحاولات التهذيب والتقويم والترشيد ولكنها تبوء بالفشل الذريع الماحق إذا ما أهملت التربية النسائية ، وانطلقت النساء متبرجات بزينة ينشرن الفتنة في كل مكان ، ويبثثن الفساد في كل ركن .
لقد قطع الأوروبيون أشواطا بعيدة في مجال الكشوفات العلمية ولكننا نظلم أنفسنا ظلما بينا أن ظننا أن التقدم العملي يجعل منهم قدوة في كل مجال ومحاولات التقليد عندنا لاستعارة أنماط السلوك الاجتماعي عندهم إنما يكشف عن انطماس في البصيرة ، وسوء في البصر مما آل إليه الاوربيون اليوم من مصير مظلم وحاضر قاتم دفع بالكثير منهم إلى إدمان المخدرات ، ودخول المستشفيات العقلية والعصبية والنفسية والتخلص من الحياة قبل أن تتخلص منهم الحياة فللوجود هدف وللحياة غاية ومن يجهل هذه الحقيقة الكيري رجلاً كان أو امرأة فلا حظ له سوى التعاسة والشقاوة والقلق وإن ملك ما ملك وإلا فما الذي يدفع بامرأة كمارلين مونرو للانتحار وعندها ما تتمناه كثير من نسائنا الغافلات ... شهرة واسعة ، وثراء عريض ، وجمال جسدي طاغ ، وحرية في الخروج مع من تحب وتشتهي؟ ولكن ذلك كله لم يعصمها من وضع حد لحياة لم تهبها سكينة وطمأنينة وراحة ورضى ...(/4)
والعجيب أن من يبكي منه القوم يحسدهم عليه أقوام يعيشون بيننا يرون السعادة كلها في تقليد الأوربيون سلوكا وأسلوب تفكير ، ونمط حياة ولسان حال الأوربيين يردد مع شاعرنا المتبني رحمه الله :
ولا أود أن يفهم من هذا انني أنكر أن المرأة الاروبية قد نالت بعض الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية كحق الانتخاب والترشيح وتقلد المناصب ولكنني أري أن ما فقدته أقيم مما نالته وهي بعد نالت ما نالت لانها إنسان مكرم مسئول ، وهو بهذا الفهم ، وبهذا المستوي يستحق هذه الحقوق من غير ما مطالبة ولا مظاهرة ولا نصب و لقد احتاجت المرأة الاروبية لضروب من التضحيات ، وألوان منن الجهد وأصناف من المكابدة لتنال بعض الحقوق التي وهبتها لها شريعة الله من غير ما مئونة وكلفة واحتجاج وتعب .
أن ما أطلقنا عليه وصف الجاهلية الحديثة لا يقتصر علي الاوربيون وانما يشملنا نحن الذين نتسمي باسم الإسلام أيضا فلا تزال المرأة في كثير من المجتمعات العربية ترزخ تحت وطاة الجهل الفاضح لسيطرة الرجل في ألصق المسائل بها كمسألة الزواج مثلاً فلا يقام لرأيها حساب ولا وزن ، ولا تستشار في كثير من الأحيان مجرد إستشارة ولا تزال العلاقات الزوجية محكومة بالاستبداد والتحكم والقهر من جانب الرجل ولا تملك المرأة خلاصاً ، ولا تجد سبيلا للفكاك من حياة كلهاأاسر وضرر وضرار . ولاتزال محرومة من حقها الخالص في المهر والصداق ، والميراث .فبعض الأسر الغنية في بعض المجتمعات العربية تحرم البنات من فرصة الزواج ولا تورثهن لئلا تنتقل ثرواتهم وتنفق في آخرين مرددين قول الفرذدق :
واسوأ ما في هذه الأوضاع الجائرة الظالمة أنها في زعمهم تستند إلى الدين والدين منها براء . فهم يشيرون إلى أن الرسول (ص) قد نهي عن تعليم البنات الكتابة قائلا ( لا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور ) وفي صبح الاغشي للقلشندي (9) بعض الآثار المنسوبة إلى كبار الصحابة تنحو ذلك المنحي وهي أحاديث موضوعة ، وآثار مختلقة لم تثبت من طريق صحيح موثوق به يمكن الاطمئنان إليه والاعتماد عليه وأحاديث الرسول (ص) لا تؤخذ من كتب الأدب كصبح الأعشى ، والعقد الفريد وغيرها وإنما تؤخذ من كتب الأحاديث الصحاح كالبخاري ومسلم ولقد روي بعض الأئمة الكبار من المحدثين والفقهاء كابن حجر العسقلاني وابن عبد البر الأندلسي أن الرسول (ص) طلب من الشفاء الغزوية أن تعلم زوجه حفصة بنت عمر الكتابة ففعلت ولا يستقيم عقلاً أن يأمر الرسول (ص) بتعليم أزواجه فن الكتابة والخط ثم يحجر هذا الحق علي النساء الأخريات والإسلام – بعد – دعوة إلى الأخذ بأسباب العلم والتعلق بأهداب المعرفة، وأقوال المسملين وأفعالهم في عهود التيه والضلال لا تنهض حجة في دين الله .
لقد جاء الإسلام بالموازين القسط ، والأحكام العادلة فلم يحاب الرجل علي حساب المرأة ولا المرأة علي حساب الرجل ولم يجعل العلاقة بينهما علاقة صراع وعداوة وبغضاء وحرب وخصومة بل جعل منها علاقة محبة ووئام وسلام وتعاون علي خلق المجتمع الرباني المسلم فكل عبد لله لا لأحد سواه . والبنت التي كرهها المجتمع الجاهلي ( ويجعلون لله ما يكرهون ) كرمها الإسلام ودعا إلى حبها والاستبشار بها، واعتبرها منحة تستحق العرفان وهبة تستاهل الشكر وقدمها قائلا ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور او يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ) الشوري : 49-50 ، وطالب الإسلام بتعليمها وتأديبها وتثقيفها وحسن القيام عليها مسألة لازمة ( يا آيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادني أن يعرفن فلا يؤذين ) الأحزاب :55. ومن يشتري لبنته الفساتين العتيقة الكاشفة غير الساترة فلا يلوم إلا نفسه لأن يبغي عليها ، ولقد كشف تحقيق في عدد من أعداد صباح الخير المصرية عن حقائق مذهلة فبعض الآباء لا يسال بنته من لها بثمن الفستان الغالي الثمين الذي تخرج به متبخترة وهو لا يدري من أي الجهات جاءها ، ولا من أي المصادر أتاها .(/5)
وهذا وقد كان (ص) يظهر اهتماما كبيرا بالتربية النفسية للبنات بعدم الايثار ايثار الذكور علي الإناث ويقول ( آتقوا الله واعدلوا بين اولادكم ) والبنت التي لا تربي تربية قويمة لا تستطيع القيام بدورها كاملاً في توجيه الأبناء التوجيه الصحيح إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه . وكان صلى الله عليه وسلم في حياته العملية المثل الحي في رحمة البنات والعطف عليهن ، ومعرفة حقوقهن والدعوة إلى تأدبيهن وتعليمهن ، ولقد أتت السياسة الإسلامية الجديدة ، والتصور الإسلامي الجديد للمرأة ومكانتها أكلها فبرزت النساء في مجال العلم والفضل فهنالك عدد من الحوافظ اللواتي جمعن القرآن ، وعرفن السنن ورجع إليهن الرجال في كثير من الأحكام والمسائل وكان للنساء المسلمات دور بارز في أكثر من ميدان حتى في ميادين الحرب والقتال ومن منا لا يذكر غزالة التي استطاعت أن تهزم جيشا للحجاج بن يوسف حتى قال فيها عمران بن حطان :
وشاركت المرأة في الحركة الفقهية الضخمة التي استمرت حينا من الدهر في سعة وازدهار وغني فهاهي فاطمة بنت الشيخ علاء الدين الكاساني وهو من هو علما وفضلاً وفقهاً .
هكذا كان الإسلام انقلابا هائلاً في حياة النساء والرجال سواء بسواء وإذا حلا لبعض الناس أن يضرب المثل بعمر بن الخطاب ليبين فضيلة الإسلام عليه فلنا إن نضرب المثل بالخنساء أيضا فالخنساء في الجاهلية لطمت الخدود وشقت الجيوب ودعت بدعوى الجاهلية أما في الإسلام فقد كانت مثالا للصبر علي المصائب والجلد علي المكاره وعندما بلغها استشهاد أبنائها الذين دفعت بهم للجهاد في سبيل الله لم تزد علي أن قالت الحمد لله الذي نسأ لي في أجلي حتي أشهد استشهاد أبنائي … وهكذا تغيرت النظرة ، وانقلبت القيم ولم تعد النظرة الجاهلية البالية هي النظرة المسيطرة المهيمنة الغالبة فالفرعاء بنت طريف عندما ترثي أخاها ترثي وتبكي القيم الإسلامية الجديدة المتمثلة في تقوي الله عز وجل وخشيته :+
وكان لابد للإسلام من أن يواصل سيره مع المرأة التي كرمها وأعزها ورفع عنها الأغلال التي كانت عليها فعرف لها حقها في الإنسانية المكرمة المفضلة علي كثير ممن خلق وما يترتب عليها من حقوق فالرجل والمرأة من اصل إنساني واحد ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ….) النساء : 1 , ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض ) آل عمران : 195 .
ومادامت المرأة مساوية للرجل في الإنسانية فيمكنها بتوفيق الله وبما تبذل من جهد أن تشارك في كل عمل طيب كريم وأن تنال ثمرة عملها المتمثلة في الأجر الرابح ، والثواب الجزيل ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثير والذاكرات أعد الله لهم مغفرة واجراً عظيما ) الاحزاب : 35
ومادامت المراة مساوية للرجل في الانسانية فحقها في الحياة محفوظ ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) الأنعام : .
ومن قتل امرأة قتل بها ولا بد أن نشير هنا إلى أن العرب في جاهليتهم لم يكونوا يساوون بين المرأة والرجل في الدماء(10) فأن قتل أخس رجل اشرف امرأة فأنه لا يقتل بها فجاء الإسلام يجث هذا القانون المجحف ويبتره بتراً فمن قتل امرأة قتل بها والنفس بالنفس وأن الله تعالي الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى لا يحابي طرفا علي حساب الأخر وهكذا رسم للجميع طريقا ، واختط لهم هدفاً ، وأتي بقواعد تحكم الجميع ، ويخضع لها الكل ، فالمرأة مطالبة في الإسلام بما يطالب به الرجل من واجبات دينية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله أن الله عزيز حكيم وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحته الأنهار خالدين فيه ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم ) التوبة : 71-72 . وإن تعجب فعجب قول بعضهم أن صوت المرأة عورة ينبغي أن يستر فلا يسمع مع إن الله سبحانه يأمرها أن تكون آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر وإن كان ثمة منع فهو منع الفتنة المتمثلة في الإخضاع بالقول أما القول السديد أما القول المعروف فهو حق للمرأة لا يماري فيه ذو بصر( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ) الأحزاب :32 .(/6)
والمرأة مطالبة مكلفة كالرجل سواء بالتمسك بالآداب الإسلامية الرفيعة ( يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خير منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الأيمان ) الحجرات : 11 . ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم أن الله خبير بما يصنعون ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فرجوهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ..) النور : 31-32 .
والعلاقة بين المرأة والرجل قائمة كلها في شرع الله علي المعروف و الإحسان والبر والإيثار ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) البقرة : 228. ( فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بإحسان ) ( الطلاق فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) . فالعلاقة بين المرء وزوجه لا تحكمها الأنانية وحب التسلط والاستعباد فأن أطاعت المرأة زوجها فإنما هي الطاعة في المعروف إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فالأمر كله يقوم علي التفاهم والتشاور والاحترام المتبادل ( فأن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ) البقرة : 233 . فالدين الذي يدعو إلى التراضي والتشاور في مثل هذه الأمور لا يقال عنه أنه يفرض سيطرة الرجل علي المرأة والزواج ذلكم الميثاق الغليظ والعهد المؤكد مطلوب في أن يؤدي ثمرته حياة هادئة مستقرة بعيدة عن التنازع والشقاق ( خلق لكم من أنفسكم أزوجاً لتسنكوا إليها وجعل بينكم مؤدة ورحمة ) والرجل المسلم مطالب بحسن المعاملة حتى في حالة الكراهية لزوجه ( فأن كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) النساء : 19 . ولهذا ذهب بعض الفقهاء إلى أن الزواج حرام علي من يعرف عن نفسه سوء العشرة وحدة الطباع التي لا تحتمل علاقة دائمة(11) .
ورأي المرأة لا بد أن يؤخذ – ثيبا كانت أم بكرا – فهي أحق بنفسها من وليها ولا ينبغي لنا أن نتقيد بالمذاهب الفقهية والدنيوية تقييداً ضيقاً حرجا يفوت علينا الكثير من المصالح الدينية والدنيوية ونحن متعبدون بما جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه قرآنا كان أو سنة أما آراء الرجال فلكل عصر رجال ولابد أن ننظر إلي الأدلة والبراهين والحجج لنعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال وبعض الفقهاء قد يتشدد في جانب ويلين في جانب ولم يقل أحد منهم أن رأيه حجة ملزمة يصار إليها فأن وجدت مفسراً يقول في قوله تعالي ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله قياما ) السفهاء هنا النساء والولدان فلك أن تضرب برأيه عرض الحائط فهو إفساد للغة وإفساد للدين كما يقول الإمام الطبري(12) إذ السفيه الذي لا يحسن التصرف نزقاً وطيشا وخفة وهذه صفة قد توجد في الرجال كما توجد في النساء وقد توجد في الصغار كما توجد في الكبار .
إن الأصل في الزواج الاستمرار إذ أنه رابطة وثيقة لا يجوز فصمها إلا لضرورة مستعصية قاهرة ( وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم الي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) النساء : 21 . ولهذا فالطلاق تشريع استثنائي وليس قاعدة أساسية والإسلام يدعو في صراحة ووضوح إلي أن يقوم كل من الزوجين بمسئولياته تجاه الطرف الأخر ويدعو إلى الصبر علي تلك المسئوليات ويدعو إلى الإحسان والتسريح ونحن لا نزعم أن الطلاق أمر غير مشروع وما في هذا الزعم من فائدة إذ أثبتت التجارب أن تحريمه يؤدي إلى كوارث لا تنتهي وفضائح لا تقع تحت حصر(13) ... لا نزعم أنه غير مشروع ولكننا نضعه حيث وضعه الشارع الحكيم فهو مشروع ولكنه بغيض لا ينبغي أن نقدم عليه ولنا عنه مندوحة وسعة روي البخاري ومسلم عن ثوبان ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) .
أما إذا هجرها ولم ينفق عليها ... إما إذا أساء معاملتها وتنكر لها ولم يرع لها حرمة ، ولم يرقب فيها إلاً ولا ذمة أما إذا لم تطقه بغضا فحقها الخلع ( جاءت امرأة قيس بن ثابت إلى الرسول(ص) فقالت له يا رسول الله قيس لا انقم عليه من خلق ولا دين واكني نظرت إليه من جانب الرجال فإذا هو أقصرهم قامة ، وأشدهم سوادا ، وأقبحهم وجهاً فلا أنا ولا هو )(14).(/7)
وهكذا حفظ الإسلام للمرأة حقها في الحياة وفي الكرامة الإنسانية وحقها في التعليم وحقها في الاختيار وحقها في الخلع ، وحقها في المشاركة في ألوان البر كله ، وحقها في المهر ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) ، وحقها في التصرف ( فأن طبن لكم عن شئ من نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) وحقها في الميراث ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) النساء : 7 . وهي بعد لا تطالب بنفقة البيت وإن ملكت القناطير المقنطرة من الذهب والفضة إلا أن تتبرع ، ولا تطالب بعمل في البيت كطبخ وغسل ورضاعة إلا إن تطوع وعلي الرجال الإنفاق والخدمة والسكن ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وحدكم ولا تضاروهن ). وبعد هذا كله يأتي بعض قصار النظر قليلي المعرفة ضحلي الاطلاع ليزعموا أن الإسلام يظلم المرأة إن قال قرأنه ( للذكر مثل حظ الانثيين )(15) ، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين
بعض مراجع البحث
1- القرآن الكريم
2- زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم : محمد حبيب الله الشنقيطي .
3- تفسير الإمام الطبري ، تحقيق محمود محمد شاكر – دار المعارف بمصر .
4- الإسلام والمرأة : سعيد الأفغاني ، طبعة ثانية – دمشق 1964م
5- المرأة بين الفقه والقانون : د. مصطفي السباعي – دمشق 1962 م .
6- المرأة في الشعر الجاهلي : د. أحمد الحوفي ، القاهرة 1954م
7- مدي حرية الزوجين في الطلاق – عبد الرحمن الصابوني : الطبعة الثانية 1968م .
8- أحكام الأحوال الشخصية في الفقه الإسلامي – د. محمد يوسف موسي – دار الكتاب العربي 1958م .
9- The young offender , Donald wesl , penguin Books
(1) البيت من قصيدة قافية مشهورة بشوقي في صفة النيل يقول فيها :
أمن السماء نزلت أم فجرت ** من علياء الجنان جداولا تترقق
(2) المرأة في الشعر الجاهلي / 49
(3) لعل من اجود ماكتب عن الوأد ما نجده في كتاب المرأة في الشعر الجاهلي 232 وما بعدها
(4) قال قيس ين عاصم للرسول (ص) ( كنت اخاف سوء الاحدوثة والفضيحة في البنات فما ولدت لي بنت قط إلا وأدتها ) فبكي الرسول (ص) وقال من لا يرحم لايرحم وامره بعتق رقبة عن كل بنت وأدها
(5) قال النابغة في ( امن ال أمية رايح أو مغتدي )
والبطن ذو عكن لطيف طيه ** والصدر تنفخه بثدي مقعد
(6) في المراة بين الفقه والقانون / 211- 212 ، يود د. السباعي بعض الامثلة .
(7) يعنون بها التسامح
(8) هنالك دراسات قام بها بعضهم كما فعل د. Dsnald west في كتابه( the young offender)
(9) نقل د. الجوفي شيئا منها في كتابه المرآة في الشعر الجاهلي
(10) الإسلام والمرأة : 32
(11) هنالك بعض الحالات التي يحرم فيها الطلاق أنظر : مدي حرية الزوجين في الطلاق 84 ونما بعده
(12) تفسير الطبري / 7:565 وما بعدها .
(13) أنظر مدي حرية الزوجين في الطلاق : ص 52 وما بعدها .
(14) أنظر في الخلع . أحكام الأحوال الشخصية ، ص 50 .
(15) في الميراث لا مثيل لها في قوانينهم – المرأة في الشعر الجاهلي / 269
* أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الخرطوم(/8)
"قضية تحرير الصحوة"
سعد بن عبدالرحمن بن سعد النفيسة
</TD
لا يكاد العجب ينفك عني وأنا أتأمل العديد من الكتابات المنثورة في صحفنا المحليَّة ، والتي ما تزال تصر على اغتصاب الحقائق ، واختزال الوقائع والأحداث فيما يخدم الفكرة المنطوية خلف الجُمل المطاطية ..ولا يخفى أن قضية المرأة إحدى هذه القضايا التي غدت صبوحا لهذا الكاتب وغبوقا لذاك . حيث صار من الحتمي أن الوصول إلى الشهرة أو "دهاليز" الإعلام لا بدّ أن يمر على هذا المختبر لانتقالي الذي بدوره يؤهل من يتجاوزه لأن يكون كاتبا أو مفكرا أو باحثا أو حتى عالما شرعيا لا يشق له غبار ، وما يجري في بعض القنوات الفضائية يعكس صدق ما أذهب إليه، فبمجرد أن يمرغ هذا الكاتب أو ذاك قلمه في هذا الموضوع ، وينغمس في دعايات ودعاوى هذه القضية يكون قد وصل إلى شأن عظيم وغاية كبيرة ، تصدره لأن يكون ضيفا في برنامج تلفزيوني أو مقابلة صحفية .
وما هذه القضية إلا أنموذج لخلل تعيشه هذه النخبة في تفسير الواقع وقراءة المشهد وإصلاح الحال ، وفي هذه الأيام برز باب آخر يوسع دائرة القبول في ميدان الإعلام ، ومن خلاله تمكن وسيتمكن الكثيرون من الولوج إلى عالم الإعلام والبروز ، دون الحاجة إلى الخوض في موضوع المرأة ؛ ذلكم هو موضوع "الصحوة" . إن المتابع للكتابات الصحفية في هذه الفترة لا يستطيع إغفال هذه الحملة التي تنال كل ماله علاقة بالصحوة ، ولا بأس أن يكون ذلك أيضا مدعَّما بفتوى مبتورة تسيغ هضم هذه اللقمة الكبيرة ! لقد حملت الكثير من هذه الكتابات اتهاما للنوايا وتأويلا لها بطريقة تضمن تضخيم الكذبة وإشاعتها !
إنَّ الحق الذي لا مراء فيه أنَّ هذه "الصحوة" مشروع بشري رامٍ لإصلاح الأمة وإعادتها إلى دينها ، ومن المؤكد أن الخطأ فيه وارد ، والزلل فيه كائن ، ولا يمكن حينئذ تحميله ما لا يحتمل كأن يكون رجالات هذا المشروع في طهر الملائكة المقربين ، أو تكون وسائل هذا المشروع من عند رب العالمين ! ويبقى الأمر الأهم هو أن يكون التصحيح حياديا والنقد بناء والتوجيه رحيما ، حتى نضمن النهوض بأمان والرقي بتوازن .
لقد فرضت الأحداث العالمية "غربلة" للكثير من المشاريع الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي ، وغدت المراجعات واجبا لا بدَّ منه ، بينما كان الأجدى أن تكون هذه المراجعات والتصحيحات من أبجديات وحتميات كل مشروع بين فترة وأخرى قبل أن يكون ذلك إملاء أو استجابة لضغوط خارجية أو داخلية . ونحو هذا المراجعات كان ولا بد من وجود حركة دائمة تقوم على فحص الماضي القريب وبسطه على صفيح النقد والمراجعة فالحق أحق أن يتبع . إن ما يكتب حول "الصحوة" رغم قسوته وميله وإقصائه يحمل بين طياته خيرا لا يدركه إلا متجرد ، ولا يفقهه إلا طالب حق ، فليس كل ما يكتب غير صحيح وأيضا ليس كل ما يكتب صحيح ، ومن هنا تتأكد أهمية تعاملنا بالشفافية في التعامل مع ذلك ، بعيدا عن البحث والتنقيب في مقاصد الكاتبين والقائلين ؛ بل نجعل من ذلك نبراسا لنا في مسيرتنا نحو الأمام لتحرير "الصحوة" من قيود الاستسلام ومقعدات الرضا بالحال .. وبذلك نرسم أقوم السبل للوصول بهذا البلد الطيب إلى أعلى المراتب وأسماها ..
• إشراقة سعوديَّة :
"لقد أعادت الصحوة إلى كل مسلم اعتزازه بدينه الحنيف، وانتماءه الحضاري المشرف، وماضيه المشرف المجيد"
خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رعاه الله
ملاحظة :
هذا المقال في زاوية (شدو الأصيل)
التي أكتبها بصحيفة المحايد(/1)
MZP ےے ¸ @ ؛ ´ ... ح!¸ Lح!گگThis program must be run under Win32
$7 PE L ^B* à پ
p 0
€
@ @
@ ؤ3
P
ؤ
UPX0 p € àUPX1 € – @ à.rsrc
s @ ہ 1.23 UPX!
... ... <S iز$ƒSûï ... '“ ˆ ... ل[f ے @ Boolean ... * F³كقےalse Trueچ ," Char?ےكِ؟m گ@& Integer "€ے د®•كہX. ByWl'Wor.?حبd ے€ Cain قüِ× /ےےگک Re' گOء±ƒ³n F ة Aِ}َ çج
Str•gط ءr»
Wide èخ
Viإأ _ءt–ّ
Oم%P‡½A» > l:ls¦-x |€t¼7™ےo³ط 8 TObject\ چ ءCys-myےp[|$
Ixrfaceà
ƒـ ہ[F ,گد ^ ... IDispatchx ] iےo گجƒD$ ّé# T¨ îZ{’ذنجظ€م يگzs عذُّ. ےp ½ 3 >
fةK. >€dŒdœdإ†)x Tهd9w
ےغˆ~
TءundArrayظ پâcT<X±ے% ƒ
ٍîBH _
2ب
9ب ƒ üA أ 9ّô ً نن4Bى0è2ب°Aن àـب ƒ
طشذ ƒ
2جبؤ 6بہ¼د,¸2ب أ?´°DةA†
@ <A 99ب¨TBPL2بةAOA œٍا†?Sƒؤ¼»
ضTèK pِ ï÷ے, t ·\$0أ7D[أfک dط” گŒˆ2ب°A„ا€|حهے~V¾ن5ظƒ> u:hD j oكے$ب…ةu 3ہ^ة،à@‰ ‰
3زآmےےے ہچDء ‰ ‰ Bƒْduى ‰ Vگ‰ ِûûS@ أ®ٍط”d…ہ‘ ‰Pû½÷÷ V
‰aX B ° 6÷ ïكP، ‰
‰Q
=£
|ً؟أ WUQٌ‰ #è]aےيk&2زZ‰ ;îS S
;آu ïà %ع Cچ ...
F ےز¾هë ; u
7,ك;ëu¯, ~لضإ<¼„ gZ?x8ء]_ قµّuû2كï÷o–;ًrpخ Jkè kدحwb#u O_»ƒo 7
)£ƒ{اu ِï°Hأë?Yz د]ءءِwَ)=ë*
‚‰
w{[÷ً«؟ +ù‰|ل+ً‰s شp {8
ë
ë¯ ;ûuپہ/¸à Y%گ&عًپ ہw؟ے } ¾
SپئXپو+ق
8“ j h V ;fّے4ّ‰;…ےt#س¸èژا I±‚÷إ€ئ P$<ً اfغOٌUظf- JAہj ںhنh ِطU¥u ٌ Hہ~غI ƒ; يSأ
)·قى‰L!ئّأپ£اإ شث‰T$ٌ ®x9èـ إ‰) œëQ·‡ Qنs'îwFئ ُ;2w;;v ظ½tis{
)
v
ط²aéVه
ا ؤS} !كپû°uكءف ê ƒ|o T2oaw£! a ءہq0\W Oôoّ;ّ ذêپه ًs پآے y‚k>â ŒsD(
Opط+إ5 <^;~
û…ف÷G!v ف;÷ v7
ےsًهلv ® +ûWS€4‚ا;‚Kë 6 s Nç`¼#
وVذŒT rَB ً4´2 y;ë ‘'9‚vï+
A ... 8 $Aءءïs ... ;ïs p††ة@ƒ i…EG ہK o Œw‰ّ½ّ4پاے?
ç5=ْع ہٍ]س3;÷ ,@×3½k3°O œىtPF™Fفtب$>5 فuةCُ³UTا\ !جu ^—½ <$[¥ Bن 6گm ¶M œîْ}% ¸à ّآt ;©uُ WD ژ–àu (¾چ²Q+·¶t<‡Vھ؛l8 34û1 إ
چگ
du±*0$ إف ط m¯°V¯
[?چD 4 …füüٌuؤ•ëحk7ُu:
Wp8گ9®×xگehہغ@ƒ8(>@ a‡Lأ £ “hأiDچ Dùْˆج°ˆچک7مk g ûلو ;قs[دç+س‰ 0w‚أ —¸œq\ ¦ Sً…غt kأgp¸ iU
ë ‚ œ6âwtëô ّء ى7Uhھ ÷أُے•dے2d‰"hب‡D€=M0 طtM{}
%Lء´ ˆً غ $6hّ —;ْفِ£ *ƒ=
ƒ/¸ z 0 ےê3ة ‚ô@= %uى¸ ƒ×يG{‰ £ ئ ہX?U ّàZYY h±,
wً¾âTأ¾/´ëه Z]†SKب {q —„جز¢ژ ء[€` د ، € ÷€:,هcX„ Cç w©† £
yeiوW+, nit‡m÷„ c »-uéA 9 ³• الƒƒL\غ[؟S; Wلھً8u ... rH پےWx€ùX 8 …ةy ƒء ءµW ءù ©کˆôë$-؛ïwƒ³.+ô
‰پsSצZ ژ8$ëûِ ژiJظءr J
پْ.†( àuè ... ے†تƒé چ ƒْ | ا û nءرr üں' |
Aپة *hûِ{‰ ‰
%ے ´~ذƒê ¨âü¹^p o ¸ك lv³WMےm
| ƒت Tہ
X“
a ü% آƒ ¼أi0ل
tS {و عئ+ب3 ÷آ ¸oژ©آ? ِ t S7sى?Mr +ئ;p ; ِ
” « ق©اط3?ë؟؟ï © ج
%² ّ ط#¨ u َ+آ؟غئbF *ƒ# ا_ˆي© ئ# K¹جرjحqM‚°à x•خ چ
7+رUے÷ ü ©ّ+{ئ+إƒّ
} ؛ ®#\ فç
dë ّخ.ک'×üچF %l!…ي®ىى µص+ضإ
(ھù ë½ %Ms
چ ½ذ2|¸ ¹ {أ
$ S ےہ
F”د ك‰sنمë] ئƒè™pث ةزٌ`7 …زئآْثYر¯ةگô¦ ‰\‰ ¯è£[= ë:ôC \¨ SZ ë,|<إ
،ƒفَû L„e ،
[lں® l ~@ 9V<
5ئC+،ـà<ْ&ƒب،
qvھqaŒ
Jً_<ہ¦ضً چ<$¥¥ü&¹, ™ „ $6 wّO,' R ;طa– oûO) G7 َ t$“ئ1ئ -‚ -+7<^â ƒwت:dîƒo ;ءM`2 = ° àؤ أ ؟ةشچٌأ|آل• °ؤ |' ذ aYZFي ... غ
ھ\جچسأ` ... bµ¥گ@؟3صسKإ Bہّ =
پ
x9إ ST‚زu ë¸ّ ... صê€ًِ؟ ½} َ5N=
ژ„اk 4 ~{ ¾ّ>h. ‰B' t[ ëcûœh8+
© ¼uN ^€Rp\2 ~ ×;uچ كلG‘ ... ƒ}Œ †Süہ ُE e 5O¯wچjضلCƒî) ں5ëLèھچz—i5_E ¦س ض’Œ ®وةëùٍ uةbç ux X0
T†Eک]ר-
قپ]u ... `
ًt « حûّھ~
@üv +y _3ةUh\#S1d‰!*=ُّƒأ ƒثƒû³ »و cüp…& “ط pإƒb ... ty¨ئ أپ‰ p\B¯ذu S
ç*ً xے‰|پôë&ث}='nٌ×D
‰M s ء×0
R ي ,C vَë ¹²/Nً0کں; ذ J) bL÷ک·
câP ¹3 س©ë2ة£‚ C è>cc#FOq U U]^be)* Q ّ¾sصAژ) u ï ةgإ]اq
0 %ِW _ً ِأ u …„Gّي ... w صے
أ% ًg~ è ) S tEàP X„
÷دض^`ب0}
5آ;D MيE/ W[†؟بپيآّ;= à" تu,«ىپ9 ` $~ ك ƒ I¶ ِآ t Cےs xْ ÷
7ƒ ë)ِuآُاƒx ّ
Gn & ‚ sس إ5 X،:K ... م€ گ%]~i–£w؟ƒئظو ¾ k<üèƒيا}¯Rّ إ ما ; Œƒ6×+ض <ئ¹لے8پc»أےح ùَ¶{è چL1*=N àزoء÷ ؟،ِ گ†WO ~àVّ; ف;[
‰ ط¶Pà=ùiw` ج¨Pا g·©±}j; |Sآد ½e×tô O' 5‡ /01 W9ٌ ّا %6
ً‰u½عطh8(H“(ك`Mîآk<ƒ–= ;s ¼4ز} E ¾â ... n°bë,;
#، àV† ~چGµ:ü‚à، آ‘ë.Rا .ë!ط¸ ـ$َˆp ... ىR ّtب M c
،¯ç † س³ف ÷+d3N ک‚•'àوء
‰]¦/œمi6× ـ أ® ؛ س أ;ً} 7/ KـِAsث‘H vç,@^ر‰}%œ'>pے&ژ…ہ~ ے 0 Gî
ء ذ
½ھ³3غ³ة²
ز´>t4t ï ّ …ةt2 P‰بO8ƒَ 6Y ... e ‰ أSé Zن}w0€/uë+ b $0o[ذَbç ½ ہR0Z¸L3ذ œ €@ أءأ?db3 C ظKç°O 2F^آ‚ ׉ Sط E5t~ مغ=xƒإ† :M „Sےz{=
ںک < €û wذ•¶;ûSأSک<‚ [B ¨~!ّVôƒà é ´أPRQ1
~œ …Xuك1ہ ™]S 鵉{؟“F ‰‰£E
tے‡ے‡+[~ 9آ )ذ@ف| 9ء ضے…Sےˆ GَOë ؛ ©1ةëى‰ءë ءِâèˆ ·آ Ylq ت “گ p> آ؟ّئ‰×;9÷w t/1x*َ¥كےî~‡ƒل ¯‰Ct1üچ|9ü0 أق a3u ا>ïû0„‚îZë ز Sك ے¢ „ < vî€;"—€{
ƒOmïےأ ëو3يûëC< 1Wj ‡ٍ´ ذ+س êw"uèي]ل[± M½w·Qصة´ِ؟,;بك>3ِëQn8e gع÷ے;أv(/1)
S ˆ 7CF wُءل©CKµ [خ©S-ض¨Z ضj©إ ny^—!+0 ٌr@چUüjطYظ– à c ƒ،Mصك!ث Fëë-(pچص`¨ @5Œ ً‘ }¨ژپؤّµ â·3R†F…ِu h ¼چ €ك ¼P طXبçِFWِ6|ë Jس ê{/ ¾ّgt ‚ Nëé، xز»ؤ ^èûèے·ےoˆ ہ ·Eًkہ<f Eٍ
1زfUô ذiہè\]s ج ِ£ نهِءے"n<ar <zw , Of£ . è ÷غâظ- ƒى ظ<$ظS fپLê _
ظlظüظ, گg/ك%? كXZژW
”½£ ك¯ZYG…ï4ٍي, ه ¸زŒ£ خ+5€'f@ے
~Mf=°×'
³×v »f ً
ك”$t 3 lf¯ے ùW
ƒ{
اC d-– « ùگS چQâ¶دُ , f؛²× Pئش{x7‚‰C
هچ P، –'p w฻ےpO ًHƒّmu Qپ , فfہژ‚s
يSفPv¢&jyVپ*@Oy ہ fn&S
è÷Sآ¨H ”nP
خ¢—طا¯q®ق†ـn 0„مگV}1ّ[_ –
f -±×àaxop
Ht .f;¾Ks5 €?¹عاF ¸, 8y Më'.@ ‘üج„¼Pہّ
$D-ہ®pû ô €~H1²< 5àhنQ RPچFH+¾ّ¸‡° ے;ق‰/پ~ û¾·/3 …أHfےN Oے6Fب@C lغو&-پ s wj”P7qfgحّت·‰â®ءچ–ںyك
ORAàZH£¨m9ذٍ رûsk€¼ 8 ر@ëïj “)ذ¸ےي z ًHuvë=چ†X<œƒ;‘ 0ں$k ًُµ Pُ'jپ ءûت 3 ôëُOnï‚حذt9 ±K ،¸<8ق ! 3 ¨/ّوâِہ ^أ5¨[Fٌ غأ¸i¦ê دفأS#ًغ{CH “éگ Ifƒé wژîكُعےسü 3غë = 2ù+=‰بn
" »gSS¹ S·P آ
,'7%6ط3ِ±/ ـ
w)f%½ YدLô:ô ³, $t»ég¯ û·ë پûPعt
¸êًپD·كئ'Gاےے؟~أS ‰ضIS F ذr 8بw ‰رS ˆ G ےہ ×Rˆب* v÷ˆتëè1ةS
~0ؤA’0çS :ثm*لے1ثˆ B@پل^3_» ¶ùµ —FGےے؟ ء آRءê t& 9ظuDJt àِا }_ 7ƒئ±ا Jےے—÷uâë Zƒâ t S : u/Jt SN/ت²ü :O u$ C ´ےكW Z8w 8 u
ءé ءë ؟ & ؟Q‰خءîà هgi6ENHZ8ƒہ ùeنآ Nہآ ^ƒو6S :
u¥¹,ح0NHJ%NH ى9–J ±^م[ '^”ˆح‰بءà]
l¾ ... ‡ƒà ... َ«‰رھ_لش€7&1غi“ى ‘4,ّىc‰ ÷â‰ذW^P 7tِldغ؟ج
S F€û tّµ هgù
-tb ... +t_$xtZمسîهXtU0u N"HC„لے{û£ ë
-€ë0# ... w%9ّw!چ €ے ِW طRاو حt ... س}Në ... Fëِے ُ÷ط~ExC[)قëA إ@ëأ؟غû ]ے Utكƒar “ ™ ع_قv
wذ€أ
®ةص
pّا«صY1ِ‰2ً® ¹4zكàRم ôAً ں $ع/C `®Nك ¨7{ D“ ظYz1iأ/gؤs5ض}x ·" è ¼پ„مإ5x xtٌûwّ+P
9ت
)رPصرظ?àtWے{ù YXëع—~ ]t z H
گC؛ن2ي»ْ³eù@~dC@e¹@éك,Pâ"\w ص أ «ٍ‡j …ة 4ے~ظwأغ¹ےص#8>Pپù v +ں
OBش @ˆ IuَZOˆ âM
†}©َ¦<ج&TZ@N#xA¨;پ ث|M „ = ÷ےtù چپ‰آc چ ’غS+4]ني÷ق=è tu* t
/a5مبçّ t]&!C÷ëOن9عظ
‘}D‰ù0 y®ù ùë
غ«!³p ¼dë ظêA dع ? @گ yبب ْ @œ
ٍ“ yPأ $ô €–ک ùةO~ ¼¾ (kî ù • ·ل‘ @·C؛# ¥شèdر'د ےù*ç„‘*€ô وµ- 1©_م0 َ7ےù؟ة ژ4إ.¼¢±7@v:k
ق:ےٍ7 è‰ #اS>bإëxA€z ·&×طه؟ü—Dگn2x†‡H´W
? h©Kّےےے،يجخ آسN@ „ @aQY„R@ب¥ گ¹¥o¥U@ےےے ô' ثخX@„ ... ”ّx9?پ\@ه
¹6× ےےےے،_@كNg حةٍةb@–"پE@|oüe@µp+¨إ iےے ے@ص¦دےI xµ@£ إ «³ï=AàŒé€ةG؛“¨ےےےےAھ و +، ¶ BkU'9چ÷pà|B0ة<مے–RSçBژےےے A ûë~ھQCŒ/j\ ü&ز»Cvمجٍ)/„پےےےے&Dز
گغ 'OںگD ھّ® مإؤْDYœ°é œSdEےےےےشَ÷ëلJz•دEb¢• ـط>¸9Fا‘ ¦® م£F
ےےےےuپ†uvةHMن“9;5¸²يSه]=إ];’Z¦ً، ےےWےہT¥Œ7aZص%]‰ùغgَّ'؟¢ب]ف€n ےے— S R`ؤ%uًYصnb 5®ت{أے%(ظے3 îS3غ(&Xƒّ u j <âè% ےê
ّ3¾~ru ³ hگ ô · ˆ»ئإt‰Eّ Pi !Pq, hى «رUZ°BMخ 7³¼oُاEôٍ_ôPgّ GچgMH€d¸إ
ـWc`+¨اïf،لں>م ¶%ہےµّfS?f?™qئ
آگہ SOFےےےےTWARE\Borland\Delphi\RTL FPUMaskƒحّùValueغمُے\«وذ° }²آ'؟kٍے×pش1ةS AَO ... زt @
ًے , ;Jüu JS< 2< €çك“ x† £ٍCˆط6Aـ¹ ِ ‰q• 'è nqِ Oذ (,G „ہفخ
ؤvƒہطo„ر ˆ_غ^A,+„ ـd —÷ 5أ0ى~ è غ=شoà ²5 ےQüًے v–‰أ}«Kط1ہQءé Iَ«Yü—قں0‰ذ‰â+¸ح Q[ـٌ ےG% ëي9شt [
ƒأ s ¶ءû — { ‰4 8uم¸
ائ6Vہvy·G¼9+ A4‰ط éB‡رپ®>غ‰ùXs r × Oل€ %!ےل¹Q‡"âء ء ¸ ل ï÷‰]ٍّمBk±مّZ\9ّJ †,ز)h|ء كـ1 ع ّ‰>€ د% ... PéP ë چژ‡ چ )ا¦O< ¸ف $×J •أ =‡¥ ؛ô4 uo° 8أ ئء¸÷‡84)™U2;0u¥–—·ّr ;p ف u
7X
ABـ“X
qإh·$ٍ ر ... ¸ ï*L„7ء€ ہِہ ‰ء ¢ ے ... 9رt I ةuَ°
گW–ë ےéX ت~ذ9
إ Qƒا ٍ ¯xّf¯t
Yىِ أX ہ)بtGü_ _-*.P—t)ىYXë […يےوYŒ 4®‰ض1‰ً^D [عu /؛ 9ذ؟O1ٍ!¸ï&îؤ¸:6pHL>F V< ?~ص2f ... - f»ہⳆ}CP«Xأٌ^?چ±م¹^ىaً 11ےSëx؛ ہyج’ uIغ·ے ئ SN 8ظ خOuٌٌغë Tëµ±] S\1 2 ‰مîI:F kw:عكژدçں[لw³ „;V قچp©z فˆ ë
5 cƒŒ4 S P ب “ƒK ) ٍ3 l÷ـZë S2ëè ي ّôû Z ذRQSم| صô1زذے؟ W d ‰ ‰i اA ±;|||| ... A
½
Z¨-W”W ˆ,µ
ہ ²پüFھھP2XYç0 %ق¸ ےRّ ن أo/ة ة"èZX¯ہ€
ً€= H v Xچ½ٌ?]كْي ے ة7ن-ô>
PaTw;نز¼û”¹ Xخ/ à ا" ¯ ... 7sع¾ِ ü,<× PS#؟ےپ8Vة ... A €9ét
... ëu
`ُ ... ü ¾ہAAë £غsâک^g y,|Qم ‚S’ل³ Rc‚In?âZـ; vي‚ چم9XئH7 ... *÷@
… N jû پ8قBP7H tn | û'T ^1 „ٌ ،ض{ ي çFü €كپ9خْï t7aّ< H s v)… œؤآw ک—ـ»%ق Eّ Xw«ذôة ù–ِ
ë0 u v PcىàP3 ûPyُہ7xpƒH g³+ ~S S8 (K وàلhـ=©R¹ àَ /(®ے‰ ؟ذ ؛o QاG >ّ ƒأ ^hےمWvِl ˆM ‰گ A 4نhpé( ¸èWo9ب1œt K
S ‡أè=u
´[™V H
€ حY چq ... «ê¢س‰إ ˆC‰ï
? أ،rّپ ط;Oطu غ :لW ... @B¾ ë ف¾t ـfےuذدKuہ‰â`Sىء1 o2Q¼إAےbو ' sب” ں bq إ' m
’ پ .V d?Xإˆb[
گLQü@EdDTےc ‡P œ ےس ى
¦اB èœأj ‚ ا ?¨œےرFo ... ¸®~sطYèZTUWVS؛ êà°$¯xe%\pك–ù¾0ا·c@ں گPü
ژ
‰+B
ƒ` ÷ 0 ـ
~9 ü1ي? ˆہح# Y ‰ ُهo!vچ‘sZd$, ء× ... ‡]lؤےâأ1ز`Dک°8–3 ك € “آ
GU/ =ج؟ے’ ,t\=ژ tW- ےے ّ -‡$=HtNë` qےے?ƒè r6t0ëR ½çك=–R t=-“.E $ë:- ûےے÷ /O=t&ë,°بë*°ةë&°حë"°دë ے#à °×ë °خë °س°عë
°ظë †آ°ت aےگR
i | ]م°‰G‰(/2)
عt مئytqPou]ٍ©z sA\¨; àG ،S C t ]€Gہْ ‰ط ... î`ّ Cْ,à
BةtV
„ (¸ظ4Q 18œp 81ِ¯8 .خCC
Oفج)|«بTè‰h £8|? ±Uف، 0 J9ب' ژٌےءVَ ... ƒùےt 9 uُ• Rّ1" ×؟4fà_يô \H³
p گ ·?ب‚B…غ~ K‰0Dق آaؤ·tےذ# îcë ا; 0 y28 hj ¼ ×؟،< KIfںہ0 x»âmûُل;َ~9 كƒ @M¾;tô نَ ىا شـ وچ' ى£<} ü ےs‰ D´«£0 خى:p1ًئ 8 کأے±؛آ{<× êء…ك `Xè`K| 8Ouë^_ OءYق? F ‰ M
ىذل ئr¾X ± ؟ً„*Z؟ذ™÷ے€آ0ّةû1aءˆ '»ûطI¯ô غ± ، Vذ©S’[é}°€ CSظS A½Hˆ«سو×ë‡ û×+ ¦÷ط ہ@]_ ےw 7½B 7¹
8¥Yة؟Qش_ G_L¸Wfپ= ü °ے1 ƒ=(2|°7àش
¸"ƒ
¾ ... ij ht?– ... X w5 hœD…ً½گ@Zأ؟
ٍnv… x } : P ¼چ ق
@عک»d¾‚؟H
؟
.€{(u ƒ?? l \=ذ1 èےص uï±mv K 2–3„ 4 e
ذNک&j ُ[ژ ذ f#( v 8Nچ سC z^|qZ Sگ
B ;ٌt
ہçMذ& m8` u ... <د / ث à
#`xچu < >پ غiث VMû1°h أ^ 4هRآ£ƒء£œ>œ < ®é
ا ـےQ JّI| ًے
qPچB b،ّژ×Vضld’غ R ا QsZ?hمNuعژN$û¯KـBA ٌBà6P‰آX {÷دہH ZXë wm‡ِي™
ط —‡
~S?ü7F ~$Pƒہظà P÷2 H2ZfاD «'ôہ× ù‰Püهّ$ ?Xc/®ک‰د‰ّ/ ٌù‰ا™ ... ?‰ً9ہg`€حئ‰;ûB`ص؟ E PQ ´—ù€ي ہ^/Pً#2 †پؤpےصہزx+ؤüب Yےo، ... s·ë_چn پ ے Œ ¨ًo(Vؤv؛ئ ˆ¶&ق| آشہ „اث¥,إ@h‡ غ س؛ة[û–ف d _} 3=ّàS IïR‰â¹~أGظّ×گ1ة’!R:
t ثo4 Io ... t
ے> ·‘ëèB ‰رZ)رî}v¸é\¶_-Rf;a ... {؟وضX
t f ëن ... ِة»lsuvàS
B“ے*àًگWIھٍ®u ÷رX ` ³يءX_1؟ ³üo C lS$“Züë 9ظ| .àׯإ @Cئذ¾i1—.N @üأT?Cٌp—ض „†،ے»d ü‡yëVü ْ9خ]!;d÷^·N% #‰.-{ƒإ)[ ç†a‚/1ّحD; t\; ؟N5à ~
FU*8L®س‰خühˆ¾فü F،ا¥‰طKزفخ‰ْإ S X ف/{5كoOّà‰تé ّ ط
w1ےذل'¼ ” پ 9 3 î ûCہ ... Aü9د%AJuىً'ّ– عّ7vüsW 7Kë jّCM PچDœ ‰ٍ$
Œء lؤ خ Kuéyàن@po
؛ JZs ¾ Xچ$”ےدY9lMژƒذُ D
hزkr5 أWüïXهM K"V8ئ; –A ×:
ذî³Nَُپل
p'€ظظ#û#ءë ش
ë ... • ©PّB¥ے©ص چ6 أ ¸EJkٌَu *8t2Sïî¸Vص® PغX L»mH@ [‰ذŒ•7 7:H \,®-Xِ&J| 9ع} )س8<x · s =ْھحu 1زëه3ëë.£Pµ%[¼؟nSت–ج:Œ؛0N|*ââ }&½~")ٌ¯~t\‚؟ش)ù ٍچ GO”R«à<: >;ب
V غâغژ™ RŒDO}$9لظ ·×€×küé êeX9ط V‚ےg چ /ً
U ّt … ں=éh ¹Bَ%†@œ1¾كô،ےOüW\Jx S Fs~ ط ´«H ‰ث8ر‚t
ً -تىZ3كپZOہXŒ
c—أ±0 <
Hçٌ
ü·#ƒxّ u ƒèC ... ّp àضنX
‰#pa:<ئüئEë(ï Pµàecرْ^9ٌتٌک
ے_بt ¼P÷~ ëƒ «*l{çˆظ ! WFت/پW¦ غ/)تْ°Yأ-ذ‰عb"\إأSq£pىmذ¢نف l ×ت R.غب 2?6 P- lآKض |
ُ„l& P9 è ہ¼'ز¯¼³َ¼Uَ ±Qلنطq@>رپO<¨ë] O ™ ب~=”ٍ \A%فK@ -y! ب@ ”ƒ 0خ
ےKPnّه4/ج Zے2‰ #گ 9A =”•‘ ب= = ت«w´ N
غ2N è2 ç رè' ^ ?ê‰ $j>8لéO=HB ً¹3ِ!ôلŒ€¦~ ظة×?wO×4نث Ywz *èk.×ZکZ ّa -fث†ءy i1ر ´ ذ ¨wآخJhh÷_`اY'–
< ن )گ
^Juٍ½™
گ Q• x tr‡Q r„,TA4 ^ d¹ہ71 fY! Kپwd Z. ... S ؤ . wùPّ
LئAƒû }.«x¼d K;أٌ>ے SôسEِ+أ;ّ
ز چM ‘Fأ KuگzGلp —un'ک¶!q‰ىٌ «ظ فƒMn8بطس œ-üُ;,ŒكSSJ xچt VذA? |
! t ٌچ @”j çé²£ ك S.ك ô~ ... V <غ"<
t . ے<
t$<
t3< tM< ë< /° !، ؛ه ~.â™ّëE ‰K ّ؟¼
% ïë2U‰صT.
µ ؟ىàء\.qL. ے9è]ëZقb³ :3×*dً‚; , Qé ں4nr Ah™ ®…،اù1à<س Œ‚«¦%>0¯4MQ\vY„½·31¯حٌBB… بû ً
ô M‰ت °1» ·9 Ww3<>ط w؟n'î F@ùَë_…Œ¼@AhA7 قçA4ë+„ ¨„ˆ—·» ;!MTٌë
pفNBŒچ aصmW®w0ہSA nًْ چ| ]oüتOّQ )ء~†مO/Aآ ًpnل ںد #9€ùثثثï'1 ...
t=
tI
tU –g تtp0€ ˆ,>Sgَ]ي 0 ا~ ... G´ ë}!<x>ب“نlچEX¸ [ر|Q±“گے‰ ےtLذ²?Vک ... GC|Xë;?. ±ه±،31B`"µ‘اîنT ?%Mگ ¯: _œM … گà“Yز+ ×… H¯دlَ<Sً$ S يCRa rبب}‘œ.E ¨ë*pNrگيMuî,Dg<نëzدٍ ,v ' f؟¸ ؤO09 8' ےw 6سû û 7Aê†.‰ù÷ ... ٌˆG A8 t Kق^x9هپثT ƒc†» &` +ىZ 9´ $گR) ت#uPA( BTXف = ‡‘‡|ے\
€،ê‰ $ s
gظذ\Eىئ½hD”'Q$خîE =+8Dµ x ؤ qfZ=ح…3ے° كf fك+µn"
ˆDè>؛`يے Rِا ‚ىT @ƒّ+uَ¸ô £شw…p0nّ¾ ¹+îگœma'ً؟ے% ƒ
ٍ dltƒ
2بx|€„
2ب Œگ”‘خ ƒک قo/î
ں _ O ]آ أ iF¨ °ƒ
2ب´¼ہؤ
2ب بشط3 8ƒـ÷ ˆ
ٍخن7èى l¸¼ˆEP° ؟.]%1ô,×7N ّkh!/÷$$‰ء ... ) ,d$
ء" تYYfbô س_ ٌ\ے ?= ... ة، \ ... غtغ ×؟X y
÷ع÷ûع ƒد 3 ظ÷µp€هغƒظ÷صحىGے·r1ِرàرزرضر×9ï©w9= ّےقr )ق ï@âç[÷أ رo|#„¨ه÷َ[k†vَوَِ/+»h±D
¹™%ح ء ]Y' 2 ‰‰ً8ع ء‰ْ‘’ٍّ Hs 3/؟؟F»¾ںث | ... @| uغ؟q ح‰آسâ
¥ ;عa%n?ذ
غl’" ?ذسê'Féءf„ً½r3ےè‡ps 8
غü ]ز
P(jJfE€|.ےًفٌDKئ\ SD <-؟oُo Eë <
³ D$t ;6
0 …عو .ّ بëZfق<X ت5VE‚–—÷÷I€آ ê
r ù r وW ¯~ ëz“پçnƒï0’.ùعë 7ë
W°ےہfم ...
qrGë |Cپ"رے‰)ےv ë0 .ا™ح à+` Oاxمà‰ ± ”DزAM&ل
îتE3غذHشEQ…ij} سl4¢ءأطCزُعS Lپ ... ¹‚ sb)0/ qsIEذ د؛ i ج./ -
Ta - \J'8A0U3ëگ-t ˆـB %é ي ن¶
’ہë œہ:ذt£ …إ M #ہ
طUط¸O ¹ ³ض©]ز%g C€
6JxHں ‚½°ضٍn|N¨\
ِخ ¦àz¯چ. ٍm] چاّ×ل8…ے ں °ئِعa´±6ض †L+
2 صئً( `7ش™ ÷اّF ئmP ‰Uè
\ Kaظ%×ِہ»‚>K÷mأنچنOwىW ;Eèt±ƒ# è ے_ƒ; u5‰]à;}ً} ة ے>C
"ء ¯• آMً{ز ء+د کچEàUنً_8م ûë^ے
ھ …ع
¾7 ثى‡ى}) ... Œ*كIg÷Uى„3ة–IىPئ»
L إخھˆءBK»ûMRMسدـ'œخ ا ضه { ظ‰; 'Uًںء ِف…
ظ أƒ}ّ ~.™@üًً ے•Oq|"G ¯¼ٍw غ چ? ^p„ر…¨ے Ouو]¼X±ب‰ pه8Tƒ« 8P,‘;؟گ;ط" د~¸ SQإL`[qء‡پ.† ً سh<FّnSه µىةî
؛ç(ً ٌ ²× ÷Mخ–;اxے4¾©ّ ×;ٍ~ ٍƒىx=}4
ژ†g± »إ¶@پ
‰…ى\ک
G ھy\,R¼kيء—ôs(/3)
a0pهA38ذà )}ô ¯5œ،A8 ًSض\“† إ1OV’ِأé –7زi=MسF¸ <2فِ£8 ذ
i= ق3 ذںPWًےIّu'ï ْ8'•T ش ‡ہ رD û ہ*…U½f @ y 'ذض }K PR‰تے q:أCّ¥ZX :،\zؤنj ـ‘بپ† ... ±„©u ش أô„hC ¸¾إئضuU{Mu+ )6g … ¨">Xؤ²:Pk‰
»ہs C 4حPbم ;KP0 n (_D ëژ¸#D ... ‰ ... زٍ ز gشè ٌŒہ َمأë ... S à= ث €ْ\uï ‘°+nا 5 xh ûبّش`@ `â@h ِ‚†_V h‰أ
/Y…±t «ˆPrےسز tPغ~]`)^lOِ €8ل¶ ِك8 x \ …
|´ہ تNXثEt\€>ü÷\ ش8ط %ن–يuث ٌْUئëق+إچC ¹دz”vmاظqKا+.لءے ذ سBپْL ’َmي@PVeيiپ¶ y؟70 0çƒ%ttV>( ْugâ mS @=
ûû s Uئ„ d\¸ +أHPS½”®چ @؟ @
b=¸S÷…VêMے © ت]أkernel32îے ô.dll^GetLongPathNameA&P(خ)oà f v_ فمكئEî#ج²¼$قh ç WXb @¦¶H¥; „گ l"wtIV ™ض-aء GNء ... ؛ sI ls÷î;o ‚Aّج¸?ءءL[خ”; ˆع£"¾ ٍ ں4aC‘`œؤOû[قCق#م j َ ژ{€ظx%P[€½@¨ًNXˆم6}َi
îغj`«û{ک% vْ kë K€;.« ;طuًS؛وچ k C€‚ ... îّ س+ذ آںS ... û4 ِ j€گjًAr±يtd/oَمEىأ2 ُ kئ™ّ/µ£ooftware«ف ŒW£cales37ء6 Eک /ہROwRؤ ¸ °€ zŒ ,oف…e²£ >vIwف5 v"Vب ، 7û C؛v;ؤپ
ذ…ِضz'
û
ë} Y[طٌ ‰ Oˆ ¸ ژظN4NbVںْ°=œ 0.¯9=‰C ,ccظs„آسCK
u¼„ى’quا:àv +· » ب
×Qج ²
ذّcھَگ ئuS$ےc÷ى…ï; pu
‰ë ،
½ًw ;Uüu ... ‚ˆھ(ءe¦&ê•?ک€mآے¯ ےP&~¢ * e Rz
p ة ±
ظأ MQ@s€°ï ںt ¾´ف#$ _ô ... Q1«ذخگ.¯ (° L,‘C;îو€“ط6ًَ
O+ة.ؤ q
cل ÷'¸?ك! €b؟M B
»ش ْ pT‰ ¸ 'گلپ…
€'ژ³è– `L ¶xچCكإ ... t£پqأ°rP ئز±/ #حؤ
f |ےر° w ?1ژ ‰U<•
,Œë&سل©*à3ةB‡ؤ ے % · JAƒْ w ˆ 0FëYپْ ?ّïJv1چ^ ;]üwچعءë
€ثàˆ 0½¼ے €م? €ˆ\0 €â تT0 eد{
…ë a "K‰iوaہC ZM |ù s ;uürS Nئ 0 ... "‚Oپم0 à Hv
رءغ F 8rمچVùآ ‘‡ ƒîG‰Mô—™O ¹ô ;ًW:ؤàة؛ا bہ× :µ¦s©ءVءءے ذ%
2Fِء€tlƒل? ƒغ|û ‡ل<ِء t.S 9پfِّ اہ€û€ …ذE¾ع_ کپâ²ءل
رت[ئoC™IfJMüf‰ A wû³U
B@× ... ;‚püء D ... H<ا Bثء¶U$SBwN·Mآ<ٍûف س€لً€ùً @t7>2Mء½/ï
1/ہ€u$F& ;…wyƒة
1ْ
Fق f<ٌv²@‰ِ!%– Z?ِT± &ù(ëgئ` u_>ز?Pt^ Œچ ° آ ... +ƒ#ـ K…>€@P#(ث'àƒ:<YZلU(
m{ىذJoë ¼ئàٍ O·
“ٍg $گR Wzؤ ... 9 h<¨ه] ِ6ج•ذ…@ !ا “CG>84#(!'ن GV @ گ“<ن<¨<ن–h,ةDٍ<¨ك\يP赶> رWHںTŒ 2و Œ¥Cƒ=م Œsè}*h H?è5 کN0PY0ٍTگˆئ
~S A8`¶7|”h7>m°>نژiے ¼n#¸ I ... Xذµ y;h è3
´ Kƒ9z]ٍّںؤ-Vƒ-…÷s}ئ
ù Dؤ W5N0 Ke LV9&`َ¾ˆg گ°f;Tsگm°× 2ى3¸à‘Tj 2£@O شْغˆ ّ£40ا
» ہhwd `•ؤ#ƒ\Pj@$ N€ > V|ë3<"Hا6ƒ= ےو ٍIéâgZ½_«´ج
)ë
P،RPً3ûل64«S
%„ةu&dXض@©نl‚yWiي , أ، أ!¥8 ٌغأ¸گ؟S€îîا¸ عbVZ £ ¶}»5û £”L8ک
œiZش؛„ 8ء|Q2ّں©°K^ئMk ~}pG بTk—-<x a1gكS x &
ٌ# wض شG×|غƒظQ VG ب> UKS
rىïإ$ "Srج$ أ&W/B „ƒ
2ب€|xt99ب pذCجdگA بؤہگA ¼¸´A d°¨ dگO œک dگA”گŒdگA ˆ„€گA |xtA dplh dگd`\X dگATPLdگA HD@گA <84A d0,( dگ$ dگA
dگA ƒœ üBّôƒ
2بًىèن
2ب àـط2ب ƒشذجب ƒ
بؤہ ƒ
2¼¸´ƒ
2ب°¨O
2ب œکنن ƒ”ًDىگA èنàA dـطش dگذجبؤ dگAہ¼¸dگA ´°گA ¨O A dœک” dگگŒˆ„ dگA€|xdگA tplگA hd`A d\XT dگPLHD dگA@<8dگA 40,گA ($ A d dگ
rrگA üCّب ƒ
ôًى ƒ
2èنàN 2بطکG” dگAŒ€|dگA xˆ„گA گtpA dlhd dگ`\XT dگAPLHdگA D@<گA 840A d,($ dگ dگA
rگA üF ƒ
rّôًƒ
2بىèنà
2ب ـطشdگaƒذ¯جبگA ؤہ¼A d¸´° dگ¨O dگAœک”dگA گŒˆگA „€|A dxtp dگlhd` dگA\XT2ب°!P LHب ƒ
D@<ب C2840 ƒ
2,($ƒ
2ب
2ب
9ب ƒ üEگA 9ّôًA dىèن dگàـطش dگAذجبdگA ؤہ¼گA ¸´°A d¨O dگ œک” dگAگŒˆdگA „€|گA xtpA dlhd dگ`\XT dگAPLHdگA D@<گA 840A d,($ dگ dگA
rگA üDم ;rّ · زءâ
آأءè ;¨'62]\ك…TX پگa´گ1{ ]Œ
´ y³7!¼P
ش8ؤگ؛ٌفش3O'ث پ0ےoà¥ذضQ¥ ؟‘؟# ؟
D$ Z'f ط ُK $f! *ŒsJ)آ_f$4Mسزں
‚Mس $S&qYںٌ aDح GGہكہù°hOw ¸#½ f Db طhہ d´ Lû± hذ ‰ hè %ذi’ f–÷i8¼ Sdü
ِ| P%E
?G±sI ... o ز ہاâi ًدچ MagelQfے ّ MSW[EL &ouseZ %أظِ _ROLL G H_#SU©ûo»ûORT_(^.SCJ_LINES/™ن ¯%x(‚
ة ,x(r ٍn],dTƒ"S,èً dگ·• ٌٍَdگA ôُِگA ÷ّùA dْûü dگ ےà dگAلâمdگA نهوگA çèéA dêëى dگيîïذ dگAرزسdگA شصضگA ×طظA dعغـ dگفقكہ dگAءآأdگA ؤإئگA ابةA dتثج dگحخد° dگA±²³dگA ´µ¶گA ·¸¹A d؛»¼ dگ½¾؟ dگA،¢£dگA O¥¦گA ¨©A dھ« dگ®¯گن0™A‘ ¥{ ة ¹0{0.• ژ | K • ' |پb g ے‘ث1ز ب ... Excepti [يonl·دlµے«ن¸{ EAbortگہàPز
ہ ـئ´à‡wEHeap]گ }·؟J¾[>¶t|
EOuCح ütOfMemkyچV·xغ‡`8
EIn؛Er d¨½r·ذ¯ذg ‡Es ؟´ ںW(~¯¹J¾[>®„} †ع5$׈؟ˆ6 B ... 2ش oà¯à<~ةے؟J
EDivByZeroگ8 +گ 8 Rگ،6ٍangeگ¯گù— پçInverflow‚لBى·>ا‚•ً0 M¥eبwِD€¯>® Pٍے InvalidOpگœ ‡@بœاlگ،ِ)~³eô¯ôا پ×ء× ٍ¢لLپ Lپ\¨½}Und±گO¯> ل ؟PoT`“پix ‚'ا¦@N ‚
·CCرہas6\·\†× !
ECKزt،vT¯¸·>|€ A— EAc ssVظ4ہ la V ƒx ٍ" ƒPrش èًlµگp¯ر? 2p EStack 2ش گج·ج|ًّ0 ... قtصlC×$„
B^T $„6
Q €· پگ،€ژ4p,‰D‚Faـd d¨Uژà؟àp8za ç±rه…¼h_yگ<…·<…
dWfpO Jn·کک گ ` GS« 2Tذ ًgً^ٍ_a Safecal ††ف‰ے/ .34 H ]|د ïUElsç,]آ ¹G4> {Œ#En$ہشmذ A
xد09نگ >ششش¦iZ yقƒ چYa6`hsiq ·.(/4)
ùpگ, ‡g´†’ ق>0_$ „ٍ '¨ق½$TMulْuأ d`lus)eWر | teيnch?niz{ C…7فآءê)¼؟ô f÷َûf‰ / jê¦ ث² ، ‚Pn—^¨µP/ى[أك;غˆ ج ?ü ^e…?‘ Owش ... j¼3أذ ہWCç،@ ےِى گ'
H ‰
X ؛(n > ”ےس[‡
ٍأجI@ e ‰P ‰ 0üق£(،"ا ہLح%ـ1Gْْ ط:²F(¯ 7 ہ‡“ S ُˆ 6‚KèBFK ë w#Ys«AZ s 3Bچ ... K ... 1ô3Hك‰ء9رv Oïے9ةَ¦t ¶Fے Wے كP ×هہگ Iَرé َu |¨فnhu @?S،*S^ےہàs T ... ™ · ... ^S ےےï 8û ؛÷قtطلأ ×ه[¦ض'eية siüP ... •p
½x膱ô6مئ ئ) ¥ :<ذ ´ّ†o ... ; بطàa
ّg`ü!lط#کePcHL^JE أ hShïئ \
!d fpo 8 ³ضCzuفƒ#x
wظzSW 8¦ ،mP@ê
xپ™j¹ً»ژقے?4 C;َ| €| ے vô }…إ¯y–= N)7ّkخ2ق$à+ثA:œœ
¥ُŒ×ىىإآ}A;ˆUے» ;يگŒكغ َ ‰E¯رxـجvXS
بtُê#م t
ë*€}u=éإ£€ظë8 =
™Oق³÷Cë)&$ ےM o†M؟ٍ £ hs
ہسطŒ “w¨چEى×7| q™…ل;u ^ ضB×Lز|÷كقû î 46U} ? yB
*n ë( ئ
àذ ¾G
G I!€;کL ï+5-2' ف ة ç ح ـ خ÷ } ... ]ًë اا- ¼7V’c$فؤ@sŒىM
اaS¯ًاQثû؟’$S ؟, r
, t s ُS°99ز|+@؟Sق¹عxST>ے _
~³ü t s GHuغ: ‰ ٍ‡ءغ("0Aˆئ ّس€Z آ؛¼(ُ$ت·½Sµ³£ ?%d~eچkë? UّئEü Qذ @ع؛ًa„gm¼ة؟اًj ‰Tط
\ذnلè ؛(ِديثuK أo .*xژGS
Fôèش!Lغ !@ ‰\ ¥پ«Œ
،ü(èWà 6@wx!a
WQo–]H شmi ‡Z´س ؟گDaMç‰ کZo؛8 gي=° AHT'-¸³1| ôپدئ%نô
Mل
C…+چ70 ]pگ -1¾(ّƒبè <cَmƒ wB௉ّkپâًعêwْ@w2N ك% j jˆu|id3A …XؤP¸ع5ٍ µLاMذ40ژ=°”قu ط)uق¶ƒO ... sà î~XOQ#k'• s/ حK ... ^ ا‘ؤN
fج²W(‰ r„g‚Ii\ZDضٌ >ض
MVEـv³‡2sL. Uüe £ ... ve? x
أ î´D Pض%à ƒ|ِ4 s xvtِ= u% Wق}÷خب0lش P. de؛ب ... OEü
¹¶ 虼¯ @{[ câ>×دô ¨¹ظ´
ذ/Gپ«5!كKW‡{ç[ â^DFüd.àًeh؟L ہ@¶‘q…ué? ‡ 3پ½ً< tٍلA ط ÷~
=ضپT {“W?P‡«è·(S\÷„ €M{‰ ‚إ„8bلغxع× u Oû U x+–od ‰Müs” ‘ ²ہ>ض¸ F€<. ... ?xg'.t »2g w ژثIH"ضؤ
œ 9 8èNدBگس ‘مRŒنّüا>Xˆ .\:ےIس¸T r{سïً%خاأ20 س|¯dgŒ6x& ه¹HiOàj·ضoًئش غ# ~ u W " ·کْ‚ë ‡”gم…9Zmü6h ‰W1jده],`ہف
±WD pکو ےSTdو غƒچUًR ôّüR¸A€ [ ÷mّل`ü ںEè‰UفTقأ U ¼ ٌ شM
¼3ًدؤة” أr U’ ر گ ^$ہ5J2°3\د êأ%ءا ے2o=±ءغ¸ )ب‰× /چGے ... ر&OMs ¯اiئ]
K |%}÷ر‰÷ ت‰ّ~ ... Œ ±ر^_أأ¸O¸ ثKضî ” ? A)ثXتظYى @نظù[`Œ8K™ âw3¶—HkئY ƒ ']% |©دب 'طR> >׉ئ&ئےة1×1زَ¦SFےSشذjط!v‡Gt!J ·)ئ–^€ْ|ْê y ط`ءtغO¶€·1ہ ... ,/°ظ‡
/jء[ i _ˆذ ٍ ٍŒ
—H 5D— ہ@fKYTïس It.‰خ‰ك )ٌv چ^]!5xأضج ‰بW ظ ¨ّ‰ءuيˆë ‰¥c؟ #ءہ•ٌ‰ ة[ ...
–ُ ے\أإ . L‚´ FسSïK:„iس$à ½ —v F $لbGط:ّƒû vً³W_، ہسJ{¾ < u=[½ ؤ»;‰ئ ت'|ل;ؤ $ oTّ 7 ½l ( gسŒ_OأmEگ ٌ"O؛ sGŒSàذiŒzآا7ôm:آكG R}ّ ô‰ †'R’
‡ ... ه ے<%t ھJuَح+ƒéْ{xع‰„,ٍé‰ چèˆEçï·يA *ـت†b<:u
/ô
Co ثëلsX &ي.ث.+F¸+ـ‰uط1† ¢à†ھZ[ ~Eà'ûغ€}ç•
)تsû±;¾Gر>O‡ظ ° َھ ¼ ،[3†
O}ي} Y„…tZY é ©‰<*±ُ Ak0r=<9w9iغŒُ. ,0 ¶ہ أ" نXN؛ خّصژ;َw ر~X
°yهسء أt ً “أ$كˆء gy÷œ;Q]\u
چ4ق 6ïاےV ے$•ص– ... ض— =کي¶fù ™mه إک.
ز´v~ ©6ےL…
]¥¦ 01J‰t~ً† yMط)رص¦ چ]ذ؟ آ“ظ *S €ùDt؟¥/؟ ... Ut*Xuح¹ #÷ّ …C t ÷ ƒG ÷[~ً؟أ`‡m°-ANˆ أ¹ِچu¯Sفأ8´IQصC?؟µGؤY[’×ح:r ¢<ع{ W EFü œ oH ... ذuہچM¯k;ـ^ ژ! v v
çà‡]°0آ-ْأ0 ص S" …0ش9 !
9ّy ÷ط ںپHق·ط÷ٌےWuêحں¹™و;S¹س ؤ_
ا؟fƒ8 v ‰آ `EًëJ_|™غ1ةA£ٌ]بë=+ -ྰGد ¾ HPuüW
vf?ƒt†üےض@dِ¾[yى‰}
wgô+ëC]²¹;Mـw)r»
¯Kà
´—zد&م\O‰ùnـ,ي{_>P+اEـ ûُژ
àˆ · ·· mù÷‡ز³،Gt?³
Et8³ —¯]~Ft ³ NtٍM{ي ³ Sل ج¸ 9آv%؛d6o•ً`u • <ü ½؛nü؛
ƒّ y¸ \à ï¦P ‰ٍEد‡,:ء} ظ أ1آ$àتٌْ X ظX ,€&
_L€#è ؤ'¯#µگ `
œPWH
àآ ے؛ …€” ؛+ï نVٍ°•m ٌْ6زط3 P… ´“z¦ Q ‡ر°آ ‡•ض m=
{Cl €¨m=زئ }& ضّ¶ظ؛ Müچ…ّïwوْ ہطë
K8سJ;آ|Cë0 ;56 ہUث*0`™* چqظ¸”0}y’ âà چ•خ¹‘´oê¯ع?V1ِھ G س Kأ
... ز} ÷عë نپMے ˆàھ’P‰م ¶€ے ½i}
ˆ CI ي ... ة éKS ھ9مہ„ ٌuّX^?شz™g_ٌ) ;êˆEû : ْ،4>F ù/ô 8َ 9ٍëى ن8 ¼ a P<Y 3}ح»c iY~ ‰ي„> .k'R tè1X ... زI^ژ ¼? éü · - ي±©
ts .Œ+چ´I œ
<
<vى ِ?>>د-»×غ] €û t ïGكû w ... ؟q;µ~ ةچ
\]„ l ُ ےس€üAZ»éµ چû94— خ‰ُëث8 INFNM s
|Zي“}ضgصلث>qھأ µMشi
½†ے
ƒù | Z Mھ\ ?üït<S1ھ÷ظ َھë ?{غïغBSt ھâّ ˆؤ@f« C3پ#ـّN½ kں°كِةë(» "SeJIكO´e z´+.غ r S°E`;ْءS]غ؟UشJJèm ¾ [ r ؛¦B?ˆ°)* ë*–³t
‰ء؟ صبH·َِˆمC©It Kuô ¾دئْwيھ5ëè~{َ û ھم ... xJt
Auùأ» ط]ُ÷أ•ََç.ً!% ٍ¹ ï8ّ¯ ‘ˆث چœ à؟Qgس¹ <@t QS<$»5xآغ
Jچˆ àك ÷Oد[YCâچV'ج ... …· ےk¶يûأ$*@ *$ $ * ()خlك÷)@-2$- *-&*$P®فkï $&-Z-n -€ش6يى d 0()(2)Sg¢َ6
¯àشEG 7 Wtˆl—فش Sگ' ژ1 £ ‰آ% ©= 8آ
u"f÷F é ~œ ... 7آ ... پ~ @;ئC¾ ½ Kj 4غ.}?iہ MO……—ƒ ... € ‘èéï‡ظلS_uرد #p[ظüعغ¯t طظف}ے] كِ·Eِ At ... ع·:ے]كuèچ{ ٌےمغ؛ ... xSD*ç™ہè €ن f 00ّg â[?ë2ہھ“ } y ?س_@xژ\;}
O ... ƒے ِïےs'€|; 5r%ئD
Ox
$9wيëءï¥پ • 1بë ؟:ہƒك°I @0tٌ÷V t ُ. fءêغ‰qS أœî Z¶&†d è ‚ِ;)
7 ء ... ر „·,0s\Qے iüہm} ... ... ےl | ؟™ ك>RA-|پع³¶à
sٍI ز7ُ أGà‰Uنكm
ْO كًŒû
<ع´‡Cںk ¯¨ ل ¹ O )u ¥$ u I¶طè؟1ë9ˆب پ? ًےzv@(/5)
Cê ... چL )بئ x 8xد€?ا÷v½ ë…àp`t·ˆ دtاXrL¸Wô0 ;W t xّ‰ثظًٌ„7ْ+VVظî¦گçS>€ے+± ... "ë·ُ-u F°گٍô؟?d؟:au F =9ٌtO%$ك<®ىٌEu
F ‘ X آ ًu3‰ذ¦
G÷[اهW¢ ظà1 …³ôےك?ë غ?كàf© ... `Hà1أ فI لُà m#ëVش 0ہ`ç½چ°,:
û]àٌs ع
¦kع Bëê7ƒs0zS ÷^ù' ّàgS Fkز
پْôکr a ¼ê6 i+ ہ‰•‡مj چًNْئEہ
ر ہ؟*ى€ ؟ذغmّ
ّ ط
ؤ،ژ-ب،قظpبہ>ww +ذsµ ,”ي
? ü”î:–س F „ ت \:7ُQگ¢_E PMؤ¾ *غ‘t‰u,-| دىDK
ًئF ¯´
é،x+چJةم 9A¢ -85ّ¥v6D Nçش{گ0عLr E غ- : ْ w„SA®wضاp{µsـ<µt ‚ف ’ K ا ± x_}ؤ&1غ+فE CˆU#‚ êé> ¾}ِ ÷³Œ2 ë Z•¢/ ... ¯¹‰ َ[÷X کّSںEےX–؟ چّ sM
ْ<sGùA`ü چ s: Œ à]د€î6 iiزry_ض`ê آ رè é¯ wض ... üغ ط5œ£ قِ*S ف O S ^qbس/k€ثOL× –âآ”e p½SZً™´’èXM f؛ِآءأا D3ثQ —ِˆب< \د$üè .¢"I
Vب ق¥ 3ءƒà ×! ظm¾d‡ز#
ع÷ٌِ ً’F~ ¹گ ٌ `Câ$ا <¸×JسAمw Dے·u¨ ؤ“ّ¥ چ @چ4إط€y+ê 1} ‚k پقيء} 'w~%رrx
wr û
µے[lûاf;\F wb Hà ؟ً ff \N AHu÷+µô'ّةIء?™÷ iٌm ـ‚Bر= ٍ+ً?)¾w `>ù ًaأ ... پî{is
‡uذإ _ ® "ïوّ¹„ ‡TQ™”4ْgx‡4،`*H`ف $YZ_گ&iح?O?9S…ص!èMى…ةBê!ف $فù¹ ^dX ô ... O N
6z–k B÷ے
üWIf پù±: | پAٌققل ذK_م %}يءٍCS/> ً ژ‘‘°xك• ً u
fےMً9-fk=d]*.{eطS)êٍµ a´¯µY ءà ;±ق
طچ•+O]©%5“ Wآï (ں yب،L½پ
5m`م‘;zi ض ں )@ëك ... OêJF ‡’ج»3 ُ% ôض ¸ààçQ7د
ُ•,^@ک¥D ç»لر wـü¹gù— €bس@Q ؟ € ھ ,$ ... T$
إê
+(کüف ة„® ن?O أƒؤًT /ى >1»°+™è“ع j;س÷عي: <o ذ’$@چI ہ” Vأ—ٌ؛C÷ ک2/çچI:
طعk1°ئ — Y?vش££ïخJj +à ن ƒً€·Y
ىàأ‘* ¢|؟ئ؛@
M »ذ s ±”‚_ہù؛ ً ë ےS S ...
:Kût»ط.م‚E@کBôïQ1ُغT€xي u*Z@[+ûnïp
چHî
Pً—ژفغn(–x ئ@ي soم™}!Y1WنP}و3² èê“œمX8_Tگ^è#Uہ ûچ کع¦‡mVگ© ... pچ4· ت@} ًî`
ذœîًٍ؛¼jT¾¨ˆ$h üى L £;ھjéù Y]Tن „{¯€¢Bچ•T¹jˆsQ+ ôN،،ّ<ü~kg t" ...
uz µ¥b ¢؛؟ب
ئں€ح]ƒ=üîuO £¸T-½ ¾,ƒّo?` ir ح¼ ÷µ3ûN î{)ث! ... jأ„ ق ")eط اءآi+`اE)uه 2أ=._gg دىQبk أھگ ¯پُ ج´ھ
ùpë
êہھt3ً 0مu G€80u Sزگ†اپبIآ +yؤe¥ھïw© ^yy/ ï
w ط ز‰Uط ـ5نأ 3
'²ëب5 i v^¸ں·ƒ ف ... ے€³ و V O مâظ
ئXf،ٍ£صہ ¢w0 ... #½ c ... •–eK.Tں ق ... œc ؟
<MuxتVے €ûHu °NيuSقo}چےc8 ‡h €‰«ùز6ى$…آ
Z ...
üّI
إ هكweق
... .
ن±@–Mس¼ Q~« ½se³l·®è ¯N ”f¹lٍ°P±v•A :s؛°Y
ـY àcي
#B>¹ّ(¾
ٌآU—dYطb %çE؛ / m„إ·JUچ û کة@ٍsTـXDط ’و™¼طôHءC *ˆyë0 «àت
WôEmS‰„ًTx•3 Kي ˆة»ز~_ /HtI më ï
°•جصî G=ر€’ک ؛¸^ةE;Mش،@°d@ق'sؤDSzôذ#ک Yiل r
غے2h3ئء ي:ًëشS H t{؟ثےه÷"tc ... t^ t ë_ƒèat †2 t`ëS€}™uM؛4~€„¼«خ…ƒô؛*؛<( بَ ؛@ u Œ ëëA÷ ;ل4 ˆ ... ‘„î
ھ
•ar#êأ ˆي اofN f-ë
ك ... ؤ ™،
è
€; ... G ~C
ء ـ RJكَىSإR_Aèaر بQوR 2€\œ TX—Œ´Aت ن Ol%RlP—8ہ×u(/êـêشo ~ :ىp€/ ƒ ہ ‘ƒS'y P,¹گ wE œ
4ys ثL=IK2;ë !Pگ hMWrH2oن¹]¨ُ”چP * d"¸ Aگ\%xچEûïآ ƒP$¦ا êfi# ... ح
è
‚Cٌپوiخ}¸T.ِ G` €== Fء
ih™ ^بىَKHtwCHëa"LT; ë …
E}¶¾ë ےjS ب_4Jش„ش¾Uü+ضa{ckü؟ Rë PVm« { ùَ¨`S ˆ .²œT!Gطف °ë{'ض AM/PMj
M œض;³
_3Nˆ3ّ%‰…V< €; * Eأ oِ7që
U¸°ن چ•ؤھ€ûبئچ`‡G q ژC¶ض
³ ”لـ 8=r ف Z’G™} نط ّک<rrض ُe ف [i€?êر¨ çA¢°lfش d ّ)[*u‡فI‡o ¼ا گtTL/X زN 3ز',¼ˆ،ك iذ
ك‡;ط ¢ tي‰ چہ¸نè م >ژˆح÷¶ئ8#€ںBü £| Dـ#…أ ؟ ~ںo €اST ê0f ے}ب»آء¹ا SD1 ذ,
s q—ُPZrح† ~ |ہ/k J*آهˆ ظ" قz‰0ق €'i÷ù„I£ZO~ ¸ oم±´3Hp' َ:£1C cءZ2
÷ “¸µ°-:*Zّ°س€هA ³
!% S¸´ ' ئ© Qˆî-\fùç؛ـ ً |g ه ے©ن" : $u ے ش—} ں؟ْ)ك ےE>ے$ك,Dt بt
,ç, ®
eë ³ ë Q“آh ûwë G±ّ~جأ= چOج‘ گ
Cصشw غا.t— ] |
[@(Œ ںq(à‰ژè”؟ءژ،+خ» 8ƒ ]MـI\)إ; `ƒ• ـءن€ƒہvو bë ... l ٌ€ٌuز ¨QH3'l=J
ّ ـ u:ƒûc $tى ُ؟ذ¶ü™3آ+آ ب d " <kY Nƒxü ~ zûُµ ÷X‘ RHüe أyأ1E¯ط ط ـ? ¢eàنR R¹زî£$ اEî؟
ىCپر ©è گ ... O@¶²ًّˆEِ #I/ >}gu4د¥Dê ±<
«% ً•ي3ن zp ¥Œ8 O=ط« ¸lى8 —;ش³أ ،~:چëُô à £ „1ت!و9SàS
N-Oہ @&Oy]êٍ LHَ¼خ éًس buِ, r،"°:] ï×ëRل}ً%éغèôôط
™B
0ë67iF ™ٍô ô t.dëً¶¯ g]KUs
àYC(a ےëp€}è wjح Eإٍ™ؤ+ؤQاYfï±z)ت9ء36 wظكغv<€;ب~5!اdë/u“ ئBpآِ !
َ،a œ-w'O }
... |€=× ³ز“،(7x;€3}D©D¶S إ´* éش© cµ´—ث ... €| uêء9\#ؤإT ـYة^غצٌئـ/ج ²<1†SطP &ہطط/!„ Œهو¯ٍUî81لâ7 ÷U „dنY¹ ^X¦Ho eـ(யd Gً¥«s-fٍنغƒد L5ّW
PحO€µ W
%a»@#™’÷ كےë*PPp5,آ ... ؟خ…ےjضؤپ،ہ* ظPجEغ #IIص‰’ü،S
H2 VX9¹½c
=@&ن
tGrrBژY
ض ;Lب! ©¼ † چ}S;$fة³¹DeF
w>i°وàu è ƒ‘ [ھ
¦é–sش
ٌ- ذ ,ِ]$ژX' Ga(ت©اPMè– پGف«OA
X `[œغطaـ J—G {ہہ» خ{¦<ٌNç " 9| l„
غZ¾د
y ٍJ|(©xة+™ tک'V، ... Xîèd³ ¥ˆ آظ÷…>O`4 @ہئ ئ ‚´I 8 *u
چء
âہَ'فِ>ٌENط ½@,
ـھؤ"2ûف ë
dHO¼2ژط¦پؤن; ˆŒعD fR پGچR0Œë ü (ST ے€ê!rٍ ...
tي
ث‘\ہm&پp?[ ا¸sîٌ)،j7Qwچ"
ژ ia1ئûد ٌnفE ... 5àة ‰MF' j ل±[ | پ SEشB\ظ ‘w Q ŒYٍE g‡ Eه¥LY¸ BB‚ ¸7 ُOXè¹^M Y…»Q „^ ؟×ئ ... kھk<¾dـs¥\‚Œ Uj
{#qX’¹”%8چCDHتL° éہYµ †E<ة!ثًؤ8ًاBŒ
ŒC»Xà™çِû(/6)
u®ء¼ط] ¼# *اا— }پة²ىô ƒہ1riIژلىHè ُHژ]*هè u 6s؛ك ؟>³آپ}0 _كV3ِلûM K } t •< ش] ®= ـ Lج¾Jƒ D8 َL,بإ؟—, P„)LےF \ ²ىكL}h‰ =±@ y Gج؟ œ يoہ°=رsm T¹„&؛
Yژ ة=ش7ًAeطعüw ƒ ّپ<j V³h$4ââ“ـ \؛0¸œاِWB Juôj QG
9`،v„“±’ہبA+*أ/1
A>±#tآ_ Œصچّ°ن’وhآ ... ّïھ€_… ‚D د
+ٌَمذ[f%5ë#SV¢ے،،,Gt , t ®أ:ذèâ ls Ln50 1~n²3/¨qY¨W €لؤ'F>.س(نًaا…D_ءً2[ءï ]ü~$؛lŒچˆ¹ ط7„ل K؛x0 ë4 rى~؛|K Œنˆ ‡ƒأ ëV؛” i—'¸0éYt u 4d@ ë ىى F ژ ص4i¦ےآى}¦ Sاggےgyؤ*ہ w> &ـ™ *_"n پ و o¸ˆ-àِ, خo—¨ûُ8 …ذ±ہgںعtپ½à \u >
¸Xgî …شءsoمHء]#7 ¶ €.58H÷+ل²Që ... + d ïغغ×M²\4آ„ذB َل+£ ش „»<ؤ ز،î%؟ ‡ &x èط,)ط!A°بکP/ط3‰چ Csث xà ;obZ ü``-…O أً# °!!d4چ•ïفCbوْ'pY ‰
üب 4/ئ… $°3ٍLح´ 4 ¸¼gِ3{ ‰ ہ9ؤ‰½ب ج@ ¼gّjچ
Kƒ;•üw‰ش f™
چ
. ... ¼<\a ... ج9Hf¸à « {* O (´AH
لî
ًem e L PP&ظü’v]4^„ّZِ‰ &5ë6j@8=ُ‚،t(;h ق
—Eؤ‡*TEDuIx ... :و·زA à،HŒضB`°ً -Bُ ´w+چG رچ
ں
„غQ‚Hآ)'پ€€l@ إG i،rM S فp¢ `ؤe¥إ
)¶*±û î ءˆwW ت× «‚w{l±·1گئ
©)‚ £•‘ )éضsئˆّھ ! ' °b¯59G ‘O)ل™÷€x
G'شأُGé‚ى ... TORec $ 1ل÷r@à3غ ؟ً ƒû ... ;4ف,£uٌ
ف y%™0S,} ë ¨ G&ïئLTہOى U
<(=ü‰p
Y£´ ط?lا
Té؛`€ Sہذ ت_ ِ J€ê r ا ?ً¼GBë+ L#تچ 3 ءإL
ضجOد4؟ ذë · آéش¹R¹»7ày‘X¸*üحxب p
½X aںن•،t* ... Pvث6ن–ثû¥S
‰uى
ً}ôّ'ù©*®ن<Uà،èMàل¸“ ٍ4„@ج
... د بà£k. ïہأO‰جTx° ءm yw¢طچإ ٌs×ء )¸„¯£ôنaدd”„،†B[j #Yü‘‘ASU<HtHëUŒ
ٍ‡3t7ëG5(ïكŒü ë/% ë!° أ° ,ث², ...
‚.ث²
أb2إ# ¸بQ 8Oہ گgdن
´°Vگ3 } ثب oجXüƒ{ (ـ+ '¹"G<s # nضë>C
Pë َ¨k
ه…"L%\µغkنç€ه éd¸yهù/ O°چ•غ OJx +ج†à6d پT{ہsؤ?#در
R بج‰µذ‘ہMfشئـ lق9‡،ہwچ 6ءIvnl‚ëZ+”}NFfgک·œ OYFNF¨” گ…”Lٍ +گbHَ ر&ثگ’£¥گ †L°‡iQ صKًSةPt ... جًeë *nl ذƒآ ƒê `@ُ{ٌ J
s"s يNàف;ô¹`Y 0 أt+‚اôک¦]ہ{ّ€'اًً‡’,ـ}i „}€أa؛أ T{ZHَکsٍثًq€¾ ¯j´@œ<e ¯Dذ|ژ|¯A£ - *Xپكز C K”ù| <ˆ± ـ(üثظ— ¦0يے،¼/5oFعLةDن0¸کب@(‚لœ½¨‰ ¸´ x'¾ -d؟&ئ@
S3)ـط
،L3 ¾j3 rبm`´ 0¼î† نî _0¾T^)lےû”
\â…÷]t!7r; d£°# £´ة6ں| £¸
£¼¸ہ p ¦ O ¹€ KŒàûيû®; h u ; v} B ژؤ]}ئ'q tLأذ نf€<ئك S`; S عؤلà•Lي nےے ÷Në N…ِ| S
0پل?
réدّ
ـ+خ%Vy Iƒة A> ... _ G ² ë 8 ˆثؤ“ آ× ط@`¥4ئL¼5t ]ىطJmŒ½x¦3ة; 'شظ €Eءw )ىل ً~ ... d¼ Cg ¾Tابےىس
·E] : ¯ّ؟ثq/َA+|$ST ےپâ 1™Pg ً=8ہdُ@GG}ـ°ھ¥ش
—ہ™tR@±!Fز¢ ؤئ
xjةقl A]ô}ي]6 n|صu# gsq“L
Hi†0N
” ثخ
„ nأ‘¦ ¸گQJ?ë <&³~7ك.T¥‡ K;gX?e
µ ‡ë
‰!´ے ظ4EsعzاF! ... ‚ •Yد&ع°×آح؟} ‰؟î
؛6y
na +أ+‘ )=&P'q,
…G/_"ْ8Brs3 ئHئ ظ[ِہ/,اژ •s$ nrٍگ ئأ „‚ءwî CBif \«7W` ْCگ x Q7ہè 1fGر“XOµ ہ ‚ 'Kؤ0 R%g
‘”h™ وR ¥بإ ”~@ل9تû+ G u)—n”ه$ض إmW%,}¢M-];ë|[ر¥?ج}”(ˆT ے' ي CCë ھ ي&RP P9€ €·¾Cں}°،-„ƒ ئy”كê* ≄پül¢ N| x€}Kط <r? ©ة6» ؛صsôe iXh?
ض[ pƒ ˆ5 \ش÷ t ¯WSّO}گî)'6[CC€أI< hأ+
ƒً«و+ذ;ْv°z)ھH7÷6سbآû)½E—S Rً@'XpW
Iٍُ
خ´ˆ،ئE`-ل!ة ^
O3س t أGGaqMزFاu
T~ôہTس
ےj چUùRh ہLئHآ" qµ”
}¼ا„™ُ;XUطر[½ @sسôfْµ„cھ}¹ىW،ô‡ًىDaآىؤ3ِِP\ü 7 S\7 *طr CˆE Eûضآكب« ثuꑸ|E&
Z
Duب>±r“=؟ّ w %„;Z H& ïç îhWا ى ... Hث4دَ ّ ü A{چ:œ´£Jf ة¸‡Fصf: ‰ `†ْ Yحءè
£b¾0صأ|ژ$
1é ƒ=Jàِ&\ …—أ–n8oô ئ ى
(إ#Uv ï 8`Y¸v؛S±ب#\«¸د …ˆ Lٍ
oلƒؤma¸¾•
ûءWNˆ @B=Zuُچ… " ‰r!j …]qXے®s<k$p?ّ<fƒ:/”ءˆ
¦ٌ?Qّ“6 Huéë.jJO}/ں cL•ہ¢8j*! ء c Cھ…• و)6 oR¨IuùS¢ ط\
‰KأOü' i<¯شے ہہx·V3ة؛ hœذ· ¦[¸ھ¶' a
0ک؛ ؛ ¸ہC)O¢گA ىGè io 9è9±,؛ 9™
بïک¢:$.؛ ;“ن;ن@ ن<l,# ٍ/؛ =ـ<ءC ٍ ـY¢د»نe°„à¸@شYL <بr شطط¸Dچ
ى‡±:؛ ظHذ’ †ç d(gذ¸Lٍپ<ïجCp)ج¸PF•SX³}9گA ïب%ب> J|ط oى@ˆ }ؤy— ب#ؤ?أہ 2 ہô€! ب؛”ّ؛O ىGc—'üh´ ô¸TdگدT®؛89 ہ ... Xً
وQJ4 ]"طV$„نہ؛ ‡ہ—ëO m/d/ o/ W®m d, rي2P¯ am ps ط
–hGhh[{ •Œ ¨ fwMآ w:ح ¶S¦O:ssïن .ôc طu Dظ€b AِE
t ژأتً ¯ثy`چ ë تï$ 6
ü0 ً Ia'+*ةآé)|Q¢ô¼ ص oـR„شꙃ}ے6P s± nپî1ىVS :Oة عت ... a1{vb c+°[L «.v b'zو]ّ D …fض 9P1ٍظ ٌذpخgˆMûچŒ ـعg ج8 ه5€ژژZQ`ءck , ىع #ذàچ•E…ءà ْ sX€}3)ز_« {+ Dپ0
... ¶ر y ؤ-·3QىءMَdىyب
GKف:9 دwغلمع
فكأ{YوƒہwGأc„vں™Oغ E|ˆ \ü’7‰] ؛©ء8 ى ? Dض| ôj
×süض\* L…M — ... i*+ہ‰ZسآyŒذX„س«غ¢vS)O!”¯1¼Kث ‘ƒ¼ / |K؟ƒ° ë ے ى ح(B€َ »18V@½ O؛چؤ8ء¯C\ëvhTـI] ¯ $ç« S $÷wچذ£<~=
Y
¸ ’1
ء$d%¢ے1چصںokFreeSpbâK ٌExAكں K ’ً ء @Œے Hأ‡ lO
5Fى(à
sâ >Dƒ//Uد?ف TTh ّ آadخCou€ؤj4–2O،ًGہوèِl· G0خ8
5K~ ك†m- uٍFƒ uق#€âjêg$ï( „غ~ }\پu+ش‡QRـ–ّ× .S 2Eے$ Oِ²°"¶¨a[،ىjحںطM°SأيعG2û‡ ë طê3 uôà8ظ@{عSQè +{ْ-غہ wœ‰CاE V‰e"¾Q¾~چDھجح8Kx ِ·قSoم 5é
ز) ژ41Oہ,مبحP\ƒ®¯ي– صC ،„= tؤHF‚
?Yq W÷ lـoVyچA 7 3ز â
ü'ًاF;ْے s† ,يiٌ¦يإ M و ـ³³
ـr+ ‡y+4@ںئwطى7rإظصد0 ... ئإ ٍRYa ;Œ\< ئ @S%# ;^ < ’L;ِP R7| S ¦$Gّ {ً`S ;w$t|QخAo(pAك+Gّحhؤ /ّ —أ°"چG(/7)
´tKâ عë ؛L ”x"»س}xد ./3/AZX“ ´ش¯€ ص نف€‰ك—(H;إ ”أےGAہLaإأظ "qےO CےK ƒ{ ف ¦(ضCہيaنT
خL“خّS’ء[OسwàZ‡،ً¢0 <IFے@
¯ Œ g ;Fے/A? | W3 ‰FصDXط)مث /+ّRءWë~قZW´H
–غ’# HاC4ء
ں ... €بپù; ... کx† ë ه آ O}ےے{ 5– j¶آ ث18 ے CId
چ]آ@آےB+#گ¨پe9€KN ل9C ىTyب؛ 0 ¾³74 ˆ;ذً u ‰
v=uةO¥Oy e–لü)Uظpb/( ُ Rي^4Iق‡<6"âظ} !PYه@ïaچ’M
D4 黑ج´َ3)طآ;p /
ïصo >Pچن s,؟"ہ,غ T) NT@kقّ /tً ج6ثfظ °(à8)طD'س´¦YذŒب بہeس4M ¸ °,+هµks¨ کN*iMksگنˆ.ہ€ dMس4x~$p4h@kgظ4`P(X PN–iMàHl@îL'8؛ai(0>®(غةِىf& $ Œ' .T*{ƒ4' X †( ƒ´aw ژ F
زœlژ ) rگv^$ Fطü fگ6ب¨ّ گôح°fگ ً _ى4'“(èT'نŒ° vƒàF_ـ¦_ƒ´Aعط.ˆش ىذ i i¾کجطب
ز iPؤFDہحةs²ژH+¼*¸شح ح ´L°d´Aع ^ـ¨ژàز iƒOF¼ @H O
œF ک¾ذ mگ6”.„pî,4 8حlX à sنyوD5 …J ¼ظ®XP کà ثّ¼Œ¸d 80V2¹ hگ#دغے(Ah¸, èئ9نHَD ب 8G>[sگ5@¸3(†MThw’ظ¸< 8¦} گ vط7)¼Œ
گ!y
\dع P%T P’I&™LD@'‡œd4ہ <GL`ى¨¸¨'€$أگگوےىيںïçƒ- s@µâ@38¸ م ل ْ`€=
v چ؛ ç{q^ج/5<¼ Fج نC ... ™dإLَ 0 ... ¯ï0xِ OOٍگ ‚ ¸ û€gs غ .¨€
ëe)ùLة پMى~ن3%ں5D ذ| ³— ¸W
üب°I¥ G ô ƒ
2ًىèƒ
2بنàـط
2ب شذج2ب ƒبؤہب ƒ
¼¸´"ƒ
2°¨œن ںuèT8ب ’—|èT8 ’H _ھع ؛7 Q ]8 ْ¶vD‰r– è طô÷%9 cھè¯$éد8ءچث¶èظ o`éû 0 ?PlA Tm ¦iعà ô0ـPk6ٍ²y ˆ l8,@D ü[»(> ذ TCustom ƒTypeگxِ 1a_€ fXT +¾ZہP± é# ظو• ¹BéطƒQ ; Eµe"9 پwTê <‚]>ا E© ط@ = ةP[ ا¸
پ“ا ë
·H>Wشf ة Argث€اƒ}@2€Bad b„
%³اننلƒ€
•dexپ¼h‡WHىاHى–€†\ €!"ً“أked M‘
µ°د°CEٍط+ teد ي<ن
ن ي No…’c_ mplا|e ء>—
%اضحدن>cq*ژاUn÷ژCٌ؟ct5Hîاپ ةHîC 6(
أ "
dھîz'âbAن¥üںâؤة ê
±în°¦F Y×نذٍ& لى èن¾ضع،ICïث0 JTأ^ °¯كئ'èن ƒZY'ن،H'½گ ™ن@J﹕’nجناگ 9 كsïŒ
9پ¼Oé،ïB^‘<3ً0* ب
dl:ًٍB نS8dى
ن ‘ًز “<‡ Q?¾ “,¦ؤٍ=| 9 „®ه غN= tk- 8'
·7َî- ؟ ... m°âo- FtSHدغˆظtv =ج W
ïEکg6•‰-i¦ںؤگ
ں ©ےd
ùّ …@ fق\ rB ـ<+4ë4|گا_كLّ،è'ُنomةّ_ھô،*AO™ôک H»ض:¼÷ًJüى ²™ن،è)ىجىپl&ùè،D(è0ي± ٍمëtj`(ذêE3m'1Q&ن'àè
]Hک.O
#â ـ؟طشƒ'گح شطƒثٍ’ " Xش!à؛ ‡ ... م?پë tzئ ك ƒ t ِے u —آ€س^ Vق° ك 6Nل#îàگ_ !`¢ئ 4ƒ {j[أfZ"âج9I½گK ¨€ ë2Lr$‡G ‚ &[ ütذُ°—'نپœضَD'üيگ@N فَ" ×وlfôذّ
[كپء ? ے‘Tء ءk;”ƒ¦° ق, ںآH؟Qs ¼‡}م7 w»َdے„پD‚Œح~ قmzظأ œئ“uXَُ…œ† "…ززëP÷ہ:| Œ‚,;¸ZP’²ن Yى^¶Œ#/چ†èü…ü
xs¹ن
ِس [Sص¯ E+Z
+s/ ض ... ]=ç
"ن•_»پµ}ؤ@t IWM—َ¶´حّë %! ّ&pدr · ً
بàےه|kC3ےچµچئUè wY¸
SچG î ... |cّط$!چ…ô كmءذ7,Yپ•B+P# غ B IGf îµë CچŒک
ع 1)آ¶[ëهHَUK{ y م•‚*çى…ZS
r°يD<ظo خR¶ذه "ك†µ P×O< il ¥3†ٌع?— s
S?ëU 0´® u X/–65پ ?*
6خl .f÷c غ َ t ... ظد„ ZB.Y´° و[س™ ... °j¸$ ےbإSوف t wy·ت€¹( Z w | ِئy ئLم;:گهّ
• d
ë;
@ui „C— : P+ح£خ”ôzر —ضç ƒ} Fµ، T >™½™{ל ¢Œ÷@ü Cقُئ= èٌ° t ƒè ... o6ًM)ü ë-- ... @" u!ƒ=h‡4ى¥>BچيS صv ï*èë*2× ³» BSثظT…àè ، يE²o
ه“÷f –
³`` ‰Jê°gع
Ukفï
ة«ھOçبàبUںƒچّع‰SC™ ... ¹ZG sى¹R\:
p.ى ... ن نê "ىà H&dàىى ’#ààل "M¢ ّPj
p بٍômB ²<ü@غ¢m X
çUTO]،çک-dB–Lèى7¨ ن=نVسnW-خ 8Aے• هç صںب“ë SëL اi·ëY®Dطçê' ّھ+N ذ€؛
du ¹.ث×G>ے VIài–“rے g ®Nہ R;ہ—ِZ ëT: f‰;ٍt™ Z2jt:چہèحا ¹ôùا7cH××èG#xا2a$ \ ]ؤ¸s”(ƒW ?ً;َtXs ط5 ! ئt´¼ءh‰
;
p.B(«éّء&|à—;قt …
-r´D’Z +
lGG ëx \پ >ش¶‘ 8 ^‘ ¸ ہژاfF\S„à’ T4L سثt~– جں–—™ ‡jق.پ ة؛û
üis¦Y"5FWh%غ°¦y G’ isض¼&«؟ ذلٌ ؟ط‚¼ ؟ ± ٍfO«EيB'%ü‡<kXjظV شف r{$ك(Cن-h¥چ wI;ہ.’قôfلگنف Kع ز 0جe@قr9¾ے&°¶N–غ‘ ëv!· e:ہي } U
Pخƒ·كةRPé¸ë6ذ ي *ŒëçM ë)V´™دِؤDû)L ? Né8H_™آ yـùc ٌ@ئ ژطDؤ—پQآD%ے ئپمs sd؟ S ... كًِHٍ‘•@ى،0…ہ“eَ pZ·3 o‡د¥±ُ َ ¥پ;Tع ذ،ہ×°ô’/6®’‰Uْ©Œ A&إبS™ Tںذة OD‘•ن ¦pMغ- ظْjiخ…o Csek:6 ب û ے)8µw¦iM\> … iح´'¢د î %^SX` ً?
$ؤ‚„qèIp W €vپX¶+ `0ےےے ¶xb
ePءّ ;آXtûءc¶O>=كm®ظX = فط
œْFكx†Z ©ً.bA\|¼•إى ‡t> ´d ((QBˆ#لƒ}م †ƒTًc ِط ہM³ء“ ب€ ƒہ€¯Xjغwˆ_ëtYI=vK&dUےـ>% أ“5…ز êw ¥,‰P8
ë
" ْ' ْf¸ 8°s س 7م رe ˆيü)E/‘8O“ Aٌ`Dؤ4_èAê¦F$¯خfC 9?ّ#a ëگ fœTüy؟ط fےبt 3ëJغغuXديëC ف7;
y+¶ ‘ؤف1 ®نلط¢ّc &\ّ†جرذ`ْ'ّ®àa-ï×ْt*‚#½سں .ثہ÷ ®uح خٌ A ?ة sض @ گ. ?]مس¦irˆپأپû —uپU$d` رù–XVC€ !أ kي%<ˆ:8/)# شXb ‘: نˆل { € ؤ’ ے
O@z Aui ‰ ÷ک™گ „ًے A rµ ... _ںگ'کDr’If5Œ’‡\ة¯¨(´2‘œd¶T ے9ة$W t $ا ٍرFمƒ … r)’ ھ¸VêW„WغWW2¼Y خژ v ¥/ëks OSچ\eJ sW}ىsOQَ+إD t چïDàf-ي¯
? ³ء³ 1 }يŒëgےs
W =ي ضّ
ƒےùؤµءp ÷%Cإ ن V × ë&‰t ‘O 6Rص„N»4 ë
رô ؟«M¦!(ً ;تهO"چ
ي=†C؛p7 ƒ=O G.ٌ÷jر\قi ه½,¦i ةصï ... *ح{MسKr“ @،ya· 5 &¶ذ êة™Y6 موlٌ
G¾ مـj ùT769[S
Kٌˆ/)<ةدچ¹r3 %ً ... Xq ً-¹غ%bغ[zXئfص\ًœA&ّ#¹ „ط5t4M.ِH. `A ^{أ@½ٍب] ! <
bخ ء Sب(/8)
3 œ ° ëmj -V)ے } ~NK &àëD-َhë9إ‡‚ژ ¸Uرپê û†ذ¥lJw 3D¢ے ‘ f؛ ث شمOô€à® jD¢وه¼ )ُ;v…ُ÷tëE ® 2ھ نv&ضFDoـں)آ¹±€رSƒ g ´آ اâ>4nrg Aكِ ¼ B¥”¶[ â b„/M ¨ٌD|ّشR bà©ûaق}€ي7‡ء` CاIRi T¨ںn ôKZشضkجMي„÷gT®O c¶± S7®×زe P[ہ8ت
eµüç4#PH×2ى 6ب“ ... Aس0‚ ¹3ى ہ
ـ
`/‘، O/9W g
ْ• „„`@-!.g>ƒ:إNï0ےV ،‡F†
QqگH‡ا_Z!ة‡êY
¦ œجه”C± كfظs· 5
éّ
'ي¶isHoگ%
G Mkق’
&¯¾ حـ-8ث4َ"¾ K2±پ½ى ؟@ ظbF ْ( XAفكh P¼÷|
y)‚àm ¾ؤ(¸گ¶·اہع‚£إP
2 vXS 6c)z™’œّt [ ّ °ًصfےتt ë o® گ dOءذJ/Q’ہ%¨¼ i> †(
م
ise³ô
'Js´I»¶–
G¦ 'ک¦iح·ب ضنْ» ، أ زB CظoDفھ¶مUك( —¶
FC… ِ9’¾¶ëy ·m # kك *U‚—& ... ë7 8^
ë' ë چِ€· ئ8
7ئ9b s €ƒA¯ ؛ ّذ h!u؟ô
xؤ ا
9ô g6ï½ô} KŒNب®…خTه\ Œ$†ˆے ¸¥ةà8رطہؤd x+2`£l¼bـ¹ غ) d 8 فEèOG0x £D½' w2! اGX°س„؛“ظپ]Z
&م 9ةsvèèأ pCگ“èè |S إ طP÷تfm ‚÷wب%G ‡(
,¶
G •ن$ 8گ–ً myھ ... ¢ •W « ٍس´ض¼ ¾ر م&ù H»mZ+ Aك GT ةس4ح
gzژ¢ ± Lµ½'± 7à ù;™;%X(گع#¹+¸@ ¹فŒ0&[
&ؤc$ |®ن +%¾¶•\LTô'·XP ط%P `‰إ Mh(0گ«;شy% ق¸ ‡ة ²p h„©غ5ژ\…R I Mس4ث¦ »دçے ز®m.5 GH ½ط4Mَ ]r…کھ °«b …س'2µ •/فطBپ hâk"X
پ_C(°’7)¾R\2ىQ¥ëx%·e1ب´ ¹#S إ©âMي $@çë-لV € ë &• k4ْ =[T€ة پNجXچwں¨ نd@üْü gü@ôf¹
t3 Sہقةْ غCپ4SK ¯ _پ
0c
pPطnثأP„خ0JpˆœO #؟ ïH 4بة€ïïï1c(-
7‡H>گوO ïSEے r
¸&ے
!حx P
ˆ‘ càDnF^غF†ح[¾ü س4Mk) 6K`u i·MS G™ َ4M³| © ¶أرق°H ةlP ؟,; p { ج_ NظCةج Aء س)فكkS\طG ذ 0ˆ ْص&أ2 ے€ pƒ‚O °S‡ئخ{“س—
Hطٌ´ 9r
ë / ً
( "c ق6Œ Faؤ µ ,¦Yإشë O]غ0 G? “¦isو NZfs
‚إحVأ،ظ ظ ءL€ ز,ف [ „† ´Sp(Oëu € ifnغ€]M P ِطؤ9Dëu #* oہˆ0?ë#93êZہ³ش TŒkb 81SP+€±¾ y€÷ ¾ــ ى@a ¹dگ ىàـ dىـ #à÷ب ... فIغ}ً× ™JكˆD’„َ گA ًh pـى H غm nنXؤè*
%w2 v ف+ô ء© NP —L€¯àwà C 9گ àà)ہ`àr–yO !د
àGن’!Nw" ً‚P.فû Œ‘ oغsقضN&hxِج ظ ك¦5Mkë ÷ ! Mسs-ة ظ=¸Mس4/ Rg}’ءآ“2< تEvf >
ژكz گ ™ غظفXù \5œ ;ل´s$ç ج ؟2ي '}î )¾€
O AU ² ن·'6 îِU
كl 9K V
©7 l „* Aw ة-_‘hvyr$J* m س4حٍ~ Œs¨¶&m`MتطGè _sض4س'ے ' ;TOلeِص غ$dB&ظف`ؤ JfPC«لO£فC|ظBق ... y-¾ë &¶Z¸گçk·WY‚WإUë>; S3Më%Gë ضN؛ s6„34F”«س ×%– Œژ àنk%7 ... «- Z Aب –آô «ّز `wنQo00ظٌ8
Œ V … َ ه’763ààA¼€+ˆ .Rہ مzsüë£ "àإ LçR ×a ث ... ÷" مف… آ®0ك rI °Uî PS‡\ J ae¸ھƒنشOE ... O ،}ف]ّ s’ا فگ ک´ح ن ... àv4سضF€ ش ï b ُiZس /< ك
Hس4ïMخ Lس4حcyگ¦ءز€\‰ ± بى و ¸
غ بپ ظف¢ » ً!،?iف °v
œ! غ 0@®+¾# djY·"hfs' ر I„#گXO¸ع‘ !àDن
h *x`ہ+ ë"…ٍ€µ[a°!.xيٍ CZƒ…B •! ¦isه– ¥´أزغعہsçِG ‡ 6MسL 7La{!±‰` /غ k! rظف
VlإûoGي[
گ=ٌ/{!Cب¾¶ëp(إ
ة·[KyS[‚SëAQ 5q` #
صk [<OF 93,…V ‡ـہDàژ t#\Cd{ چ ج•"%y cہب1ًً،ند ب~"ى(چEً3 ™ً’جQ SRx$…"م@¦ pكmG Aٍ ¹ ك,/ù،ن-#ˆِ ك}4#¹ 9%كm [ ¹ |O ّ %س4ح|
$ &3@Oف6MS` ... %Gw ّ4حٍ چ$£؛ذ’
طë$G ô ن@ق غظفج|ہ@F,'?0ع‰ a ًG
گ· S*¾ i SX·K0bہSUOŒ8 Zك kçؤ ? Œ [ˆàپS ë.‘mگ<`´ش-j~عmإب`x&ر& ج غm–Mس êù & ,&َ ز®GC أ [
ط4Msˆ ·&kبإ&Xإغ ظہ€…\فj Uq،¹F— rK0w/¾+Rء€w•5`± wژwˆ 7ن 82wگ— ٍ‘t ك, `³1¥~= "
7
×ü# 8és 79نE[
دgط *D$ن '''ïعgS\
^[و&Joًيض ¹ لµ€ƒذ©عt ل€½!€ $ƒ|tلZ(Aس /ui(ئک „¥ ^غ`ح °o‰R 'û"إ îقزgs= Bپ_ @پچ yzًّپ!qt
‚à’gkى™¯ك ک|
ئ®-AX0r
©ùùNM)4y * Yt ژ¯MkZسذي6
ز ë ¦yپ5ء 4O\–isk†OE à(| [[ب‚¼َہأ|Œ4àہ@¦
ں3ّ3a³pد/E‘€ ى„DةAف 2بًً‘wJe5ح ,9ىبٍLب8
è`èذعء P ةز W×fJR”نB&ù`´à ¾à…
[àـ\7ـ ب´إط 5طذ J¼v@ًLTشذ9ô B ذu6ٍN5l حجس ہSج`" ±(ثظ Œل=بo بB^` –
ق.uننD+_- ک+,¦Yµرô ,6عO]غU,Gf 'Lس´fƒ ½ع÷†! ؤ¯“ؤنطàBہى7ہ2
جG¼ن’،
¼Eف¸8 ! ¸ ذ& ù‘´´=à”
ا°•° Gہ
²`7¹ 2 ¨ش¾ن]ب!¨O8¶C
9O ·ژ;ژژ 1 «œqv œëhپک7<8 کL£ë>ھc“| ””G(سق Nأdo SگمRگIگOƒ4ةحµ-گ؛ —ü <ہ3¸؛
ن Gµuً…·Jb
÷ ùBH°ن-uâ CZs]8 ¥”<b? . p`!ï y‘œگ <ن¢.J ٍ* ©. Lژ#Œ‰â@گ <ن‡غ;…< 4=/7‘ /1ظ4y ¸ زَ 0ظnf1N 1G] 1س´و-&x“ ¯ت~` Lèه‡#ں:° @> 5‡¥8 –3‡a) „A‡A¶C‚ ‡_9©زV ‡9ٌk« k ‡5 a© ‡ « k«‡7‡ « a5‡Z[ X‡uw` م ح‡ 8گگƒ ءج‡–غ ,=بoHب8èہ@‡ˆe³¼ي e3 ـ1ù 2»¶is8[z™2Gھ lح´IW'ان 3 q`³ ;3‡a« )U‡7ہZ ‡E:°6â‡E‡V ض°•‡d?0:•†=¸! ‡[‡صپ ‡µصپµ9‡9
yؤپ‡> r’ r> گ'O <ن<¨ م@گ Rگ‡àéہب 4 9ک؛ `“ q، بg؛€ çذصگ A، W)a!…| 4Aط`¼ك
t
f؛
¸ f’ E.ّ°T J يc©Of¹X؛ W
¹A'âںB؛طا_ … tBƒBھ ôè r ’ »ز ¹ژ ë< qئط كھ
YWًëM»)ئ l ±Um ƒٌ$$ë4µ w™ \mبH5A¦ءآXmچ ھ°”P‚£کƒ
A( OL>
^¾چ ي - @ ... گCNB S ش ... ·¨…/
³ٌفSWô ... W é¸ ¨،)دùٌi ... éï€=$(t}ا/,ہom_[ wfd;63i#s [f r„îgX~/‰ا ... َ ،=½ëF ³ˆC :“6H .D # ‘ِغx ë H£ˆ± —”0–*qe `+ےg 5چپ4حVRئA`¥ ے”ꆣا
رîà إ ُ ہ¥FôvPèôگ ˆX_é نb >' ‚`ٍ كx× -Oƒô 4ط ... ء ‰î ’ 87è !ن•&8
وP کK ه
?ٍگW ·
T ةP, ... iR
oق TàX*/!yq@ O9/@^ة> V9ں9r’W
ے) ¦9yDپ :گقذ
*Œکq"K ... :؟lى’ * 7ط
s;ًء:WMز'3+r؟;×£ {5اD·esُ آً r t/x$-پ‰ )´H? ,، -حئ¹™ Yگ حِC
€t 1 ` ... Wط ~ ً(/9)
پ{(w'ë*+زF $ے*/ِbكr %| qëu·ëe>گ¢ ئ#cسأ Jك ¨ëNg t‚~:$ 7اf%ô8 ?ك= s
-ë
ب ؟اض آعX ء.نuOA÷G < Gة0ً¹-و&q؛شسّdام‚ٌّX‚8Ls ¼غ$ىë+Yôک XًةٍYNکً>Dô.DNاô '<Aلھ€°gقb …1ےك{$V g © )>†
ƒ ¶ك¦>ODW u
ˆ/ے /qüh„‡“pƒء( n$J¥ؤ‚ے; .9ْAt_؟طً+آى
D
ٍx:,ƒ½‘] héya
‰:,OظX÷<ط?ء ط™÷” ... ,7bs lëk=«Mس†¼kغ ... ïّظط?ء‚ ¦ُ 8@çن$u?Uىl 9†أ5 ہ y +ى ‡ّ rB>ًtd
>ً »
;] _ˆŒ|°7ضچMطىةءگ(?5ى
†نbرّپ9ة‰ل ; tcw¦> پSsّgrنQٌپ k>J+ ƒRثc ‡àک³أرt ةبƒ’SU?\? «¥ ûRµ â sW ¨Np >S‡’ ري?دR ^D ے?ص N)يwO S_¯† مzû v2ےû’–ِ7 f» ë% هOي<Hô
Pّ
تC°ˆ/x«أ[Na' iىlلك ” ًƒï ً)ü ³ Ot &ë0çـٍœ¼oEFë) e Mہ¶ةs uغ , K •شں÷شvI ` ÷@nk•ع ë»e(D ™ـ A·°° @t »{¼ hم
ژ‰“ê Aّ¦is¦ ¯ہئز™¦isقوîِ ؛…ûc6ّ ذ گ½èmگ'“ـ!)\÷ê{[aلK4ëE,™÷}ّ"قژهط9 U-ْسe % Pym !F ک¦i ...
1ç€Oاƒ}t
90Lë
Yآ
ê†َ v ƒ ·
ؤ*أ 3غê ‚ ث ّ 8r “f +p wB³ طH 8C?Mس4M[tŒO¸جب’<2ً
Cک™Xè?، t Ht*unoه}° د ÷ë+'+&ق'Y ےuن à5¦m…
1OY"lع`3ل<.,ôEہU´%â ) eé’ôم yWطنhظ%
€7{7 GH q%+ب/ ’ANH Y4I–“!ںA##'“,·-'
3 +’,3³v± < w´ Yp GِRP(خ¸جْ `ھ؟Uهh YC اyS5 ¸ œ ... i0ّکK؟,ˆ َUَ\¼}/أ U\$ ¶ ... X3 ¹إ vD ¨ ³\6mµ ل
E©Fë تe©G H™85@d
L† l[ °u £K% طا 1$W | 1@|ا€}·
t1 آظ®ّQٍ6’¼}
أOقط ّmطقءsن”گ!¶uKل@¼؟ u]€û ... X ?b u,mةط5@ &ƒLہإٌش c2ز¸`-ًِ¾ٍ´ج¹غmجƒèsè»ىaü ف]à ةة€ K؟ّüVrءFYùn@چ( ê0ـR!+؛+xV },JPSq T'10¼3 [M @p²nA
¥ ˆ،]`„آ‰جUl„ بu iQWt¶72 سE7
ِDًبt 5ëCaبën «+w,ش uZ ... „أذُK ëK ... ;
m¦ ë+± K ) âپ20‡AëشB—ںس â w
—42Jgé
ëeR@ى âsêx ... ëI^nsy” F-2عن
ƒ½ ³©„N;
,,_ !Oـ g`ؤƒث—IƒïŒ s س ... ظة%oJ Woكk ¹ vس0َككہ ہx A Eط„4âپIْكسW 0@/I ÷·‰ /÷
€ْ ... è†0آ ° گ مً?بWé t It Q!پ÷ “ ; … ?گ S€ہخپ4ي÷أ0 ... uآ ”x)‡!أé ظO%–©أ;ذ~ نل qï
}û Œ¯ؤةآ R ;USى½ضعiQ }ج /‚ ض\v~o ؟¹ ع فGـ] پM B± vS ؟ ±گOپ ك6°و*لv !sWظ\ …vSعWKذm )>ّ @OX»غ«$°فƒگq:: …M P°^Œصأ:"j!ذاé 7ک/ W9Lٍئ„üq! € =لذثچ°ü ... ك
‰ Mجگ ƒْ9ظ´6پ ؟êç ٌ L¦isf Q أرN ... w2L‘<ٍہژ½ ôزO„ ح%¸qŒIاP¯@]Z‚Zك9(j ïî2J <4ع‰‰ LّHF ص(€قPp” !</m°K JکY[lژ „ك< Jic دہ3ذ ى ¢ î%J ز}
Q
¶ ƒ«&®« d]WطPcؤ™°8f
SOئدy
ًX|[ %‰ hقuE÷A“ yع9D8u2 ¸·’G
ü6êE©C,س$ <7 0ےV®à–LبWرôt{NƒA¥¥أدLlb¨td×ّ éشdن4ّْr‰ ہSD نE: €{ Qk`ذn[…حƒ بA°‘I™
Uwچ؛’ü Wأأ «‚Oئ;d S,!_ ہ² 3ہت ةO. ّ² 3ہ¥ أHlûإz†ل* ى <¸4!w7‰O!7jپصٍ صpدّس²ûىè!b‘I b½نQ6sf{+PŒˆu!سyE#( ں#µب D‡¶³پن„
wلPچk E«; ~فہ كfپ8 Jàپ::2ذ³†w
ژ0# ê 0
t ;C wëL(“
3{…‘,ءë;<!R¼ ق *s âoûيط’× چ
<ةزl€ü>i<*خ „×IطQµ´QgT½ظà چ# ‘،$– زظv7)é`‰أG× بHٍة
àگ ˆ¼3SS6ؤ8* °?5گ ضظwi2EX
F0zإhjل يگ ہ ؤNë÷ط†fاـî
èAأ^! ¾M|ïات‘÷أ* \گج„ ءز ~?A ‰Q
K “÷غ‰Yb ŒH±Œ؟أ1 q‚رBط>+ G“ف · uد
و $0YçU
£Ooْ ض¼ïأُR IS „U TZ s¦is_ju€ك{پ
kèOس ”fہس4M™¥²¾سگف ' B@6÷[
... ç½µ 9ظ ف $غ‘فكk*ك{³pç اAOsِں vn » T ,- d ُ
¼1• ‰A Z±`ق¦ qn«آؤْظlE€Iک†نبب pY?–· G1TدiU …Tks¦i°أضéüGLغ v] ہ4Mس &5Cjگ
ہ ي‡F{
v×-*)اR$ 4ك%ف… {%ك(Kن™
±! ے¾ â
/ël‰S ë^EVگ s ëO^شب¸ d Sن
@(
±أي ¯b' ë ë ê**…ع ;ہب بƒ؟¼Uˆ* ÷4÷ز 7ا r rحUج<ھF28 FdةTr…
روmGëپV رX هf9€´ë ًBWK¦yK¶ù 6W A†is $®v ک3ےQ S’ى w yE„& €E¹tّoنإ¶&Sf|ôS ... g &إ¦ث إEّح!¦c£نإE„HةL‘³ح F$إCف œ )”|¶X è6mµ¦ G# is گھ =Rj س¦پ“Xإ¨ <=ھزرز؟-¹)ء5حز¸H[ء(wuu ÷±U #3S ِ¥pa
أ¾زظ™(¨ O¢¹3 ¼ƒ`g ·] P†4ف® #>ںàrگ L™EّEن ... I F8 گD. _© r E¥ں B´‰âIXibhçS@üp·Empty و%گًNug اN€îSma!ë' ج ز2مG C>يï?gle DoubA â †Currenc×HëµٍDatgOlآL`MXgچ8 0اG O¶’V k &گ ?Un ... ‚_ٍknowDeciœï
>F $0Fدhµt–< °GByƒAIë
7ل`NHH' O ز½764ِخّz سD خz:ن
ز[ûeç اë]ّے w ل/× •0 ¨Ca¼اچK;ebِM% 9؛”l/ ¼پCs Oë ؤس ±t;چ±Iز نPچ•üّG. ... g d حRhع–( <H ئb($ّ*ë(چaپ
|ر‡"£
ؤ L, پن`%|گِا@ء
°ذگAق$ ہ î,چ ... " ژ:Vj ½ياںXآکVjٌبكAny &Ref ءN ضo
8ئ 9أë ي]
ء:'ِ %…³خ Kب +1'îظ¥ Y\ ل( َ. ù 'Dtھ ®Qt°
ں>µ”ب¢!ç¥!‡آ ¥أ! پ‘ئ¹M±tG©EçQjlپظOKZوُذ&S FWطوؤ ¯خ 4L€l_زˆeQ Lj/ Xئيë ... ×l‚Q[mà‡`w ·µV^S%گ Fd ج6ظ8èz
خ ¨ë, =·‡h! |تEé $ت
ظ»)CF$8^ىziٌN„
ظ
aً€)خ Œèش?S]«$ p85Ll.i q لX `)yشآص‘]8فj ُئoùچçكeM4أSû¯
üG àMQGf‰ ِB °'
)]ï v‘ز؛ي ... ¯]
"%”`
ژ ¾Um oM ئï„e. ƒû
“‡‚ n P $>آّà<Cرû±س Z@à”¶ ²"C _م|Eّ “0‰qےp=ƒ©ك +
F‰1ےKuç0ض2 ³Jيى ؤ ”ط ©
=„e&ـf
“…k ‚ Oل’ dX
]CƒéCU zأXM}أƒX£$fح” ,|´ًنَ% F– ّ/+ $Wj SU؟FPGJضا”µNuىذZ ´ث?بp 6 إ‰\à$ عأءّ@i@™Yذ
6ع¸+ٍµ4$T2
^ئ ‘ سچي ’eآ·جO 3YX ہUROµ»NّJشOVچ7aàï~Y³³ TVIO8ï$.ط c“ژG, ط÷B² 4طأى”.غ¾A ٌيد&؛ اّ%÷f= ¼ â q_qƒê s Xآثأd,¶ًjt<‚ uc„ّ‰ v7َپوXگ÷ـ°bW Qv*• x|‚ 0u،پTD wلH<}چMè+îüقً€KEè
;E t)
ئƒPکي aُN:• ]î\cغh´1’ ... ضن3 ; ًˆ ط م +q2!¯‚ Iّ4ؤ!ُ#÷]ً² @JNL;'a ؟ ´>ئثC~ ے4SIyْSâںئ
n\چdœ
1.à ... è÷ C ¦*ç فخ×
7àKو5 ± ى5&و”(/10)
أiّ2ï Gقژ† :ou
@ .آ™ tBـOکƒکـ9XR¼!'†فˆbھ â–أ)صي„‰o}Zê[ "ثT×ّƒ+ ً …r ... ّ@ عى چ َ< B !
b
_©گ×wxع™’|¸•K CSRـQL.@
ƒoU }…O¦¾Mإ،ة}é‘% †J ا}ْْ%÷gأ atˆيُے
? إC9ث~à‰è. ~Oہ رH]بHکHuَQة آ؟€؟ع^ه CâRüّ€8 tٌ BHةکou©€چ
آPê ±PS JB w ’ I4Y&0~ âِI è~ ؟ [ِظƒ@»';èt ‚ُکؤ رGN« ے x]ZuآSrzw
ëwrح1 îاeدإإ¹گOO>_ L4ùN iه ' ü Zي~l ‰ ؛µہ趴bg â—o دJ…ز| B
… 9 ƒ<پïça• ~ Ju 9GوْcQg|- ƒ4¸ î‡ُ ے
‚; †c3پH ك“a/ï HYےuأQ Z×كù
°ظآ Ej ہ
‚ }}â Cƒoqغ)£کC“ك †àئ… ƒs6Cr;ط©x ء|ـ 2 / پ“¹aP‡ذ|C ّP
ƒْH
؛|آ6p¨( ¹ VHéë،‡Mü “&6égô%…°6:MTخ ! ف„`tz¸ 1~ ہ ... ~
JِD3 نa£ W$جّu ¾HKَtEâq^6ïׄ5 دD 804Xiï ب (¢` ًC禰½ ى÷)L@vSX œpG,^‡ ن½ہmê3XW?ىàh-ـ%
z¼
O`’غ³ أ… ^ >;†>/*~
f g isfy„f–¶إهgs¦شمٍ… +ٍ tں
è
؛H
شS ث{ظ , ـ¯W»ون½ ;يُ- ?é
`بّW ؟ y"à 'W‡ !üگ‘g/ظ $ شف6@†½ك.;ن™vB^ ôF صë|' e ~ُ´3à^ëhBUë\—™“wًüëPl¾uےAٍقة 1<· <ينv"د ىë I إ YPuP أ™ىx”N£ ئاUً"ôb إ@ QًZ*(H” Mن ل!o‡`Abs%
r5 —زءRJf' TC>…³&،j
”ٌLéO`ئô6e¶ٌ‰ù4}ôJ«ف”x&GmْioC_KP ˆZ+ذB.،}%xکOuف P ¯ٌD¥؛J¨چN µEU ونک
Pم è" 9ىطاêہ :ئ $(.؛
&ش/‡èûّ
rSëے b ify; Aj ziS¦is™©¹ةظهiN 9Eëù ؟إب“CNتحZY1vةة×فق? KىCيhf‰ €ِ…Lىظ فˆك??a8^
çŒطkO{ْëx ¨ëlحë` Oٍ´vxf SaXëG ë;d`ث!ˆ/ #s6°7x «
yگ€™d9uèى@ك9E/— ؤ…¨j^F@dH.:o فو !;´\ 81£„‡Kٌté@e ٌ]H'¾ش9„7 û3ط Z €!«ع7kc Ja ï/Kƒû | ک; X ·S©¶/( 2ےuوM Ai6>v-Eت
ہî¸كو €E؛@ Q™”ôI 1b f+P
ّ²خQZپ c\ّO 1 N f;l[پô{ t ±ژ W†پإض ‡ط #
،CکI³Sx'a/Oj8 فI ùچ Rپآ„ `\¸;üض‚hك© Y¸‰ج¸(ےU
ْ
.0sأ‡آB¢ àEلْVˆUû’ ³l گض u~ص0„”F„ ^
9
# 9÷؛l î S½ غiل ً( ذ~ à2Rz+ش¯پSک ... دزس‰è'°ئ Gأ
ط ¯¶N0`وmè مˆg'چ«ب©× Z 1 بے ´R ROُ18D/ƒ=üû n ـr
ے vko)è-Kظ9~گ x
... ذ >$n ‰n،x£“û9
ûD #;آ ںq&¾ A„¸»>عE
´\ لuةةKNأل+nذx^+،.C5¶ً بiؤAMً
o\ #B_يŒ ‰•ص ô‚r_PC ¸DـS.; 5چ•بZol/$'p ^&ژغآCwy £ >
î SpŒ ة³‘ôOyŒJے oًc*`
oگ<ةءن ـ¶“ے x {ù uHZذ¸؟à¸(K
‚o E<¸s yOًن°jA0 ç ... `!ˆï!H 3s;ç!ں ژ»|Hْ–qƒ-£®
1بˆ nعيû$¸Œَ±£h ¸Pï l؛`î} X‰j3tpِے>€½ ¸´ْ
!¸|û ¸$ Açدں7
¸x ¸X ... ¸$ üùَ ¸O ¸\ ¸ˆ#$¸¼-؟? (¸ہ(,¸ /ژ0¸°44ى!ٍ[5 8¸ن-ô بoyث@6¾D7 H¸`# <ٍL¸tP¸ˆT¸ـXY9ّب¸œ\¸,8N` ? yنd¸¸h¸ّl¸\9p¸
gهà#t¸ : xك|¸yپحDHƒ€d Q „ü<ں÷ـR*ˆhVŒکِ@y¾çسگشX” ن^ک|دَ``œPa 8]8خبَOœ¨3… اë( @ Nامçش†خ0£€ q گ^KO^’
2ب+ “”•2ب ƒ–—کب ƒ
™s ƒ
2œ ƒ
2بں€پ‚
2ب ƒ„…2ب ƒ†‡ˆب ƒ
‰S ƒ
2Œچژƒ
2ب pqrpة،2 حrـک(ظءmش0 ہBàœـ9/ x
V—ƒ0 j
¼Cث .1‚چD ·”(-ے p yَs€>ً±¹ON غ|cظت~6ژàc# ... '²µ¹د ;ٍZ؟ّئ ٌ}Y;ضMاAسؤ ن أکë 'v%ë ±•+ /´ô ،ب G€;ktçة2;s-t axoپ4ش$~ چp
„®™ذ ®@ ئzô7ا ى„»رْ
)گ’s—m`° ـعàچzُ;1 D
چ=êد„ث| £ ëے ... ؛ S\ ے2 1ِأكu ًك{ ƒë /@I1 9ّ~فj † _؟€è#ً M
T},ب`X% 6#A68J;ـ9¾گ÷„<()œ ¢³/ lë ƒ ض…dô B¨ ‡{e‰ر$ ¼ [
S7S* ء O9كژغSXn S^
· M\ê|
û %ےAضg/X 9ثt · ´¥‰؟O# uى'ˆ ًû ×ëب €هكu ëâ;Sl ... ë ثl ِإحçKuً&R†Gç‰ئ(\ف,ي ³L
َ«SNش ND
(èے¾– چ|
_ SO ƒ<s ‰ّخ
' ïv _ê u…± 6ëإ J
÷بْے£ء
t €z R r
w
پ · ;رأ»ے£
?S
ˆب¯#:?³ €? ïإRشt ... n كA y{
w
ë }ë ¸ Y;S €û ·gG@v w
s –ّm&s ... ¾»y76µژ ژd]dےو`7—و
eى>غS^ W ¦s…پ€Uتi àےw €
w r ... ِ 0ے ض<yOوًˆ ‰
،] ‰ے؛“گfB– ‰Qأzئ‰د 9 >l6€/V ~‡ûهf~ r
ے 8ے S— xت¶× پç…A أàںèMخسSL 8ب#ء £’ُھˆء &àًN'ظh(„بtŒ îf|ïشµ´=Vآل&SFêu çؤ/çk{™‘{pہ_I‰پ0÷ AS!PW ... †:دء† ... †ضوb8غ ] ‰ب´gp$~ b`ىژّG}ں!xب PxMü c’ ×i ُ8
‚يJةWx¹¯" “t¨x× ة´سأj ¯¯S
RC ... £S…O·ْS ... €é ù yةt™9 sخثُg ³ sگ„h ل×vےm S €ëz
)uن•÷ ë d<
ؤh\4sH1¯Œً ùslاüyA ”رى W ,Œ ... ;e4¼ح éXع |Œ´ ع´4!¶عU S$–اcےU¨ ?1طپم. قx }`6 GG; غ ظ QW( ذخë # sف
¶ل C%ےU7 • مpذ |مD ¥ن z¯E¸سؤô_ôَf*8زzد
ë”c£ˆzW"rًB ²ف÷bا 7 C أfؤ:كٍ
ّّü‡ =® ـ أ
]ü3ب l÷ د «ظ «بذôi —gvىS )ٌ™ہp ù …ب° n '™ CعxQ«qMKë^¥wa; {حls¦i ?Jdlظ cي kوف
x`A RہطX “f؟د¶ ... Hك.ë~ ط5ô~ àD)`p[ë`ص'bأ. ز h·Qش îë
@ eض i Q ے*چّ) ى ذ چ€8 u
Z; ... •مک!¸2صط¯ گ
b± «2 q½‡&f¸‰k{ I×qfفpg6 ‡©{@|Mس´#… _j‚چ >C0 ظ (mقU! i فخ NbC °B<E Xط}عcEك:[ط
ى}ƒ!د؟Lا7 ث ر ‰U]¹H .}üغ•—ضœ پ7
ـً 2س4ث } 0Eؤأe\™·ظè±—1–‡ïِ)شV
!ءU«- يك< o5N$ل -wz @ MSذ •$؛ج <
ëM ë; Aً(8ë( ë
)ئ
a؟ï ةƒ ÷EXظ نةچmى}ب;ع
¾ ^ے~عeث غ ے ^[س tz:کث X5و ™ّEY ~Zكz™
ےˆ ےq ے1po q vlk aؤG<p< dJ ˆx$ çw
r بâ~7ؤ
F¼U w آm™ —
ؤح eگط.5Uï
ئH ذ :ئv X Pآ çع- &وrہuIَD شTà+¶ ي
ضîs ؛"ے> بض ... k 4 \à tٌّvظظ ûضvO ظù ِ=9IًءSà ؛ظ
t ن œà ... B
رى[ك!د ë
ذ P¨ 'ٌث$¯Ws€àu ¸ ز¨ل ?ک |L ،€A »ذ„à–°,
tagMUنچ0 LTI_QI
‰x ّكZِشF IPersistز ن'L
Actف(â Xزگ پû 1O^ َeamذ‡53„¼k ... خ<ںmكےn ISequen1aluل0:s
¯9ِے *خ ه ھ Dw=u tn \ ·Iر8پ
... +Sًة·Oپو
WآxAèCEP O o²|s ش ‘ل»–gطپ ... ن î–Lib 0$6ں
‚(/11)
I ³T #c ے ´ C gWindow9 BF pِ ٌç InPl =
dأغé8‚ ء–¼‘ °~ stق@إ ]èn
ےSl’?Kˆ²–±´؛ ¶:¾µœ4 cض ƒ. ےكBëit d€#ص N #ّ…®«+.ا د؟÷¼“ Xv Pظp
tyBù ى{ w ngٌھسk7E8{„ي½ه}
ًگ”v i'u7—?ءçQ€ ... ّ{2؟»0
«>, c_ HA ™v D@ dگ<840 dگA,($dگA گA
A d x dگtplh dگAd`\dگA XTP
M\a©â”¾ة; ¹ •?ي„ ’ 2نô„نP /ç …
TAlignm’hت2هچW0÷k ے÷LeftJQify
[ژ½RKh C`½÷،Oر C ‡sگP–|sظے ... TBiDiMode• Lbdِى,ûTo… ( ”ط 'No )ئقلگ ~OnlyفE ^ ‡ہ…|? {°[t ë ¼ ?گـ 6ّk/ء ط. ... «Keyw …ظss s« † g¦o CutƒkG Y,. ×9 ~‚ ôEvًM S d ح®jT کF JA@é>/m Alç ô·%ظ CôL ¦SںFq^´ k ‡·P‡{X®@
Oفn³گ،6¨¯¨ف"9ٍiler ˆ>ظمUٍ®\‡
E´ B†عگX¯X6;J _J±°¯رپگ،° EQ; ( F\گ
Aبژ‰ç
‰j i‡ ³وh·ً hدL j7< دہ¯ہ¦'ں Bits Sےخ ب S ¨ظ ¸âkچ^؟Di dx عجُzWmp÷گ½ش·Oآز…>nذ/ ‘« ک‘rc@^ |
0o0*إ”® ×ع×ز ً گ؟uSh† ×–¯ùHں°² ّ³¼ٍ Gع 8± T اô حPô$P¾M&–´
²LŒ `oر¯>
¯ؤµ، Œ V W €´6°ج ؛¦ °و] x·ˆ¸ گO ƒKè Œ ےD¹ ¸Sخ± 9„çئ %2
™"ق µ>ـ" ـد`
½¸µO;©” ´ججٌvے ... چAن f 9 چA-…µ6¦گ ! × جvr &‡²چTOع ب قH¹AطN p è€ة ى`حƒفو 5 ƒ5 گبô گ
]ءDژGl ¨ ~¢bAسک gGfù^rü؛h» ہ¾ؤج²isب¸¼ ¼|xLœ–د k ?€يüےûھˆ>Œ …_Mکش¼؛?ll0طپé©آ6 !n £`x£ ذ, I3
qsAdap „ ±ےے4/œsىRذ ¦ ¯=‚عm¢Xن
ے ذ ً Uأy ~â ‰ِنى¾$ء ہ'³my;ىأ Tؤ <ة† l–ثeشت\ث جO ؟Y¾m³@l؟_fہآXµ“ث·شإ7`ئ(ا\ Œ†y¯ à ب— x
ثا†ل جژë T!گ4
ز ® ꉆ™ôa گئGIh…4 mQإ جژك€F (‘ /’
ح 0^ °ج6ح{!Xد Œگ”د7lق _ ر d8ز_tvٍak è
ح_ ح´ xة ¶ô `خ_ًد,ذZ»bhوذ_|nک گ"<¶ضFà~ ¶°ز ے>
vگ¾ ! ى پvک:ےک
(@µ´> 's½ناœس ´سTش ´3£`
× T7 ’كحVگ]$>NîكY mGً® ط ´ L}ٍقؤ×
THKيLc;÷ë¯ïCة Cœ¼8b ةظAهو–Cة ×ô “ بS0L·tظAV’¸نظ -’· $ ÷p“E²i.گ ¨’'نK @عA نعœغA غش ض ضَضى÷v d9 ” فق /نµس÷Xف TA°…]َNى! 2±
2! 2 2! $(S\l Q “L{Xp ذنMس´†² ¼ ئ—O 4Mس4'5CQ_L…Mسm{‰”ح
sˆع…ذ. t•é<¢0 •l?صaک8B ذ 89Ye³ $:ˆ<”µls¦ ¸4= (ّ B×serگü ®s NüاN ... Pq´¥îT{ةV,•ˆn–· ثh–(¸ف·‚ص±ةàف –~µ 6°¼انكِ&| <h¦
ا`نہهƒ¦ ô è¶ه?\ Bta[¾و , گَï )0plعaèن \€ے— `— €,¯r—Lـ
vس4û×¼
و <xً B÷m'E†,2ِب— ب‰ /ب—ôhSم Eشf
i±
ض ¹€è—uO .Dء¯ٌےے )‡. èq¹¦مر ھ± ہO±ZZJبo¼‡!W_J} %p6ط!oع,/0 PBشًچL2ششج %کis¶ ™ = Gے;s¦U_ قX â†ىYE ح« 'ےkO‚AQيlک ^
´|6,÷™ يک5د @ؤ R ´ٌَ•h 0 ش4B(.B}~>sے°-Bـ0B´1هغsF ؤ ¼2 ى4شج1ô ط,ôd-؟ذ—ےكbـَ ْےùےّے÷ےِے 1 ُےôےَےٍدٌےًےh~p t4Mس4Œہگکœµضsض¨قTh „خ” xءU´¦ d
½گضPâ ط ! ھ` Vqں—3ے[ˆL > E ½¹€ <<qے ة® =¨ Tag.ps @– گs ہ5seس
ژ ôt6Hx nsv
€ TBkicز pچAخL3k ً¹¼SCT؟8@’ ةfTؤکذ6µv…¼07Œ^ً>”|س4 ( X,x ïے\ ‚Aذ
_V6 FإAb)zہ* SWي`د|N OIdf پ‘¨Mپ/yY ف6'ً8a„m…[xz/a·‚Qfs Tœ’ گٌW´QJ ·eE+‡ذ\ض O>$>ة€ƒ8ےum ےtHvى† tœ“^€¼tœ0j®ے€ûgGroupئ¯r O ج$X، 0ة
sO· ى†ش „_XضAX€ زل يj<p Nپ8Nشv3!×b،à حذ ¶G*€ 1چ+
چ?Œ‡l!ëëةثئ إ؟ ؤذ[نfo¥=lطsŒًّ4 ئ VَV £*طغ]! _
!م q·2ë oإ«4ىeغ :?ih tقAù¹’Qlوط أ=ùIئ³DAC YƒM² 4گ ;; ¥*ذ
ؤ\}ھd¼Œ` ... %c،4) •ŒD ة dy
Nc5 ·†âŒ ثE !‘pأ[غ سےّأوƒBاغ'%C×àS:رâR(فT¸÷® س ]´ Sk”ے_ ¦†. +GsX ي- Jz C ... ضإگ †إذy؟¥† Kuه '–4@Z¦ô 2ش aںShO[[2üؤƒ‚ہü£ژlz @ں 0t”ئ ح ى
چ P” 8»VL*è±P¥
é [4 ‚H e¶ںüa+…•—eطA ك¢<ل G“چ7O< 6nB
yM¸;طç
ذaF: %کëّ±ل 7 ذٍ
)ب{€ ذ غa r€L {Jj ‚ i³إV\ ki)HثطHliGxhم4WG yt1م¸ ث¢ kءFُ– ي صkX O ںٌجˆC Eiم é"– aّ„ôOPاچGl.,وچـ?Z:(œ>E3ü چ°`عض9ئF ˆRœ€ûد خNسSچF«\D‚h v™è¯M£| Eh çکزô™WGMuي ·´¢ہ ‡ا´ب$ع‡¨nإ…†!يQ¢E RGث (4 @Gسق! غp‘-‡ے·ٌب3ِض€x Pںl$:I S F=ز4y†اO·ج%ں ةH؟¢ّس)œ OP $Ll" T z¹µGôhPLé’ -Q' ؛ ... ئ؛†W)`1پےè6”گ ذh}گV ‘°´]H«ê}ً+U ’8 7 X% شDO µ€×c«(½¯y|z@Sèc Ba1„0;¸izxپt«G
F ژ 7 kً k&´]†©*ٌ;u QN´مى2è¦ م؛ےمp ےغےMèu‘ïƒہw´q؛]T ,ژ |o N دگ‘A® K† ïص\¸ثç!×nEG„} غ¯;a'‚²} ‚نK`&¦ح#ذ ¢ھA ‚o]نïء‘\×e ًûu… 0éïô ،€PS
©êT¹‰\ ... _gم < ،ّ¶ ٍم “گü‡¥3qگ}`
;‘ eV®آ° ٌ3%.إ¨گُˆ‰0إYإˆ
è8q„ع
¯çذ€Et;‘Dë +€G ]يأپط3ژdA~–¥ّ ”H^ذ.!گ/%*Œ é QJZt_WL
` ... 0گ•ذ i*[¦؛…Lا )s`ˆeه ... ë ‚ژ™% #(ع bپœb¦
¢ Bك ب÷µچپ€w ب «¦€1ù:‰]B
‚ëپl +dˆ7™R7qك¦
،xqـ ^ةQ*×±T ،3‘f BNEüE1 ... !$ںm<n‡ش–àآ t{N2µ4çه½ë %và×é“œ; ضt w h`7m9´ س2‘@¦%ؤ+9 ?إ
¨° rع”T™ ¨—&9€ V“ّ]
1HL &yي’خ،’ب® ƒ”@ك« ٍھں ©ه$âµüµگ”¯ ... ©à
s
\8 > jà *‡ ... ... >
؟stgٍؤ‰³H M
Ui ث
)jپ÷+,°رG n™dµŒ à‚ô‡O@ ]•n/إü=¥Pہ$¯FSب6ھ^ئ«7¦#!خ¼;x\e [e
±%4†
6كg=x،
7 أ´g/÷!WةE²
پL¹ `پs u %/چY ½، t.
@àژك O ¸ّKü‰
ë ... أ[ض€
؛ل؟¥?‘پ³…‚ƒ F³8ہYہ; û ´&–صyكI؛m6
yو* S TH+Œي ˆüش
Dطu I£&6L¸ ض،
ٍn'¼ „vwt1ذKc £( ... foAc= ںZAa¢ ہ[f0Hْpئے×پنŒى 'W,ىw½
؛ n œؤ(VضW(wظ(ہ€ – D5تzcX
ù h(SU\„# lأ–MW2 “ثi’WSèt¨x ز-è سئ¨‰ B خ<,^?, W,-‰گT((أ
دê ™ ط9‰Oگ ج00VS|UŒـvم> c¸_:
s#¶ ض؛l6م C(/12)
î·@گàـ]€U1ىV گ¢ة°¥@\ًS J ذخu ئF- ƒcF>´ت†?®üز2 F €q®دX 3غ;5†tVi;¶ -ُpّtNBتآ h@‡‚Iُ8 z» [Mà ½½ ô•LüXvœ
ط گاeï ... ®©Oإm ¨) r)}èVآظO)%} f# ذ& éا÷ ش
;ذ،Eِyo èe°é„h£ہنہ&Ujکh¦àعAمUـ;ھ jœf/
ا#Y ة®è پqp™| د Œ†6 zpdر {ب^ —حlX J<26}I }“ً |5¯JNر“ض y<¯a`Eذا[
جؤ7ےخ w cأZ0…ىƒ´. Ydf/ش†$“`’ Gا T°ديئZsشQô7oظءKM tôScأL>ë=©Rf ; u ;¢€“™© = ،a بذéچnhض¼ب_! ¯N)>° ôX22-9[ّط€ y?ŒUع ن
“¨DM_s¶Z ٌs
أF K7ë ِ<°ےCO
3ة±Vفpي mWل،ژ=`U„ H؟ °€b ¨×گLà ¸ ]}ل×ر àlYہ
طس`ےK يG‚^و} -بءل âچ ق °
Dم ôمI—ن± ًCأْ F¯ع’0P‰t°ƒ v £¹ > ‰OéYغ²A çr– ²h¸±أة „µB€خ¥o¸@ 1؟±S
¸dinCCأƒ ءF7حV çأDCں °HkQGك©²€kفت 9A-قë % Q{pl<© b%رّںةتصGةë A;H } €× ع#; uٍ u{ةةµMvGء¦+ ~RE"Xs #إà
C ¼àˆ#_ Jم‰‚•6ايع— S²;ّyK¦² ک“½خذsش€‰n؟i@©° „nn«ز" ¨ئ?à `Mâطk‰ ٍہوطـ)¶ج ًk)ضءâ ŒX à نùك
ةء ]yP~ œل°هّS~ Œ)5O;a‚G²¼I 3e’< ؟AYèM + Oxˆz0vJMGc Z4;Xv³ئZQ b ôرء,?FاF •¢ Mےx†h ¯×’ |²´ع\T"QQ ëa”
³Vw´ '©S ¢Dَنل،
R چéGP بHµ€x -J_J-•@u çâغƒMë O u 4 OPm;¦
C`¢°نOµ‘Vj1@.½…& 6ˆ`/7«Sbء@ îإش#„L²_}ةEb×€ى ¦ C).!~ ... بدô*t‰Aب ؛:إ ½ء؟) ࢠSRG3}غ¥: ¶€Hپ ءّ ّءçè?±[T +èءه ;ïtO5–Lcخœصس™،‡nJ ¶R @¢S»& ƒ¦G طإv©بي*ر[ç¾مص
L ى ؤj ؟ٌCl‡;P s s ة ŒûƒtG« أ ³ · nگٌ Œ \RQB »} GëعأV ƒ .چپ‡7^ £ پà®TpM^ط{> ط M@Zِü t¸ ً ]¹°t3 ز ¶ Mذ€ْ w ... ] ضo×r ¦ Qھ i× آ$عے؟ “ ë @< uصFے
$u¹ؤZپb Oكg +ن cسˆ رL
’V £™g¦
rJ Fىn¸%wâSث Y "O(hm„¸Anç9 Pىًs !pN…‘< ”½éYجl)¥Ehت{
$ …ںu¸A bئ ؟nil ’±گOrdJàW ْ)¹ % ¼ç‘¥» أf¾ * Lق ... k أ k t
R@¦)U‚nے7y/ ز< 0¹ü 78¨oaگà¥7·t !µ„ Pëژ t*عˆ¸Xآ( 1 دyJ€+ é0µuS
ا?© s D@µ ُD' 8œHژD} 2 ءdu ,?نb \ؤکABِC èM<ى t<ePhˆ برق œP(ë'W ف%!ب ©
N *ˆژ9N) oظrlةfّي؛‡ا8Iک"
خD06ثُغ )yô؛—ْb hosƒ~ د¾†ث 8 ± ھhص „”Gؤk مVt S à@µéجû ئش•0 ³
Fg¶ز$ا¸k ئ’ 3ّچ’ h†œ$ $و»àv#ء W؟كقsJت ×%¼PE«DZآ xز ؟F0ج¦Y÷ژ¯$ٌc– پ¯ 3 k@أàF½ €éˆ ںà a N&ئ ً ّ'~MEn¼ mأ&
%;^Xة)¸,{ è u¼é [÷H
Œ ضDJ‘‡ط'
&ׄ…ٌط تء ²ں&dƒ•s1 ±„ «دHُ¯€| ئ~ّ…گgٍگّ‚½ّƒن 9ّD|}· '“ ک¥ّ ×و³ ک½uّCعià‰½Ua¢\4_.•‰•زï ¹ ئzR ¦-ہAآ¼9ً„]
(خ „ذ^9h ـ0 گ`#¾پؤTBMD¹ 0¥à°`قS sوة£© ثô*™¾}
blپ e(T: ـ]s
7كwJ;–4کک€8 u! ک_âءgdP;eu – چVè @† ص/جا
çqأ ¾طT a œé
„رR –€é‡é ê r
ë ْV ٌ.لZأm ZO VT ؛ش£ ...
,‡‰ً"G:
V `sH£ ?¦ت8 ... nTةXVئ„b
G5ا«چ (؟ن.ù^ب ہ°°*ِ؟ّ*چB Z-Iّ R†,8ےW
µ'!{ج ²بˆZا‰Gل0<sض• =ھtگ؟±l} ہ `ؤ@پ¯ة
Œ1x¨ ¹نA0bcہü}ةّسuَSF ّ پ‘eن ة)(H[f@IہQ
0X´i €رT÷طX°ê،©{0!ï$ؤ ALقp .‚÷ ئg'_ oِ&ضOّز€[َ ë M ¶ #سZںZ3à:Iش ٌœ¦ضcMPhp ³¥ƒ …U”à > بYhء}E`
<bâ l4RWéوaہ ف0}¶ کMىـ’سlں آ¶ مط(ں%نمp$s;ة,0ٍqگgًüًPOى:ق… Uىà9ˆu 2سs
`¶\- آ¥ظZةى @ … ï²( T
™ج †
„z°آُئ‘ُN¦ ·,y! B ·آg@H
ًًl;@ “6¯کأv+´-yH]ô !ةƒâ‚بگضئ”[پ«5ر¼³صâ*طص’0 ن4M²ّ$ے}أH پظ*ًةا†Fvظٍ½ہ’= ¸èfءt
"0ˆ
a”مہv¶ ں=P rc—¼n,twEؤاQƒ53„ l‡<V; Fأ ³OL ... @HsؤّuS@ï7 ؤ!¼0ˆةجS€[ ¥ „ج5I rOؤطi ´ ں à†®× U·إû C
¦ -&إّ€!ذذإثu„2FH
6ہ‰د ض5©ّcàD ظ…‰i ëé€{µكےU ˆثJ X ... Gچک\2ىىXèM ¶ٍsèچ {‡(3ّ u ] ک-9Zن;نç°Cبدé=¾إà؛ $BI¯دHأ+†ü
LئA و D£|,ّ_¸„8 sY Mü[ '4آ%ّـTن آ8ز ... Sئ wد CSvى ً
lRd’ائنX@ ہ"Pf Bôءd ¸$الg„ ƒ،%ةگ ƒـSkىgà،(sj ¥u³ ™°£o –E(a†‚ è O@V™=g& ہ
ژ پk ¹ ‘ ”.پ?چïƒخ;]5 [•/
لگw` $
ً(j ¾ jE`m|ءت،4ں°†!zژب(؟شa<Bà ^وl=غانل•& ّ ن1àّ3~بغ\ہµa+أ7ً „ Rô +ًچ خU 3àf !,¸ $صhب…بq،ت ژگgl
9 ]-ة’ .éd™ ةا dّb HNء@پW3d] ةء• H4ة__\گو 'éد—½m,ف عح ضé 2 ?W\إ ت ّH Œطم|ïة¾×I@كخTً ˆغ »هئ%ص d
vق½ِ•œھaح„ تز چˆ 'h%'ˆـ -kت°@N2xrت8ً(¶7إتEہ--…:² ٍگ إ|جتeaغچ µû ²ر$t¼l چ 'q‰)ر.ٍZ¸ ²"f #yQ_Oث|TZx غVث_نإ4 ںُ ج
ù(OAَثز]€Pاؤ@ë9ظض ً@WS O
^¯K ... أëST}è+بï’ è‘w €;
u[
uآJ $إْث ج%N+رء'م ... y e–ج 4b¸ˆ 9“چxغپ0+،S „G غ’k< + چگج]aè¢ذz ‡ہThyïg $ (,•Iàaè®è ‰Œ¯C®tF ... ÷B قAhT كM(&® £كاZ< s مےY€4Hê0‚ˆ n.Në #•€ُ ... éMز SC é&¥Kà³ ëgp LŒ£¨‰d°=
(\:°“ˆچہHˆRے½¯رû f
" ذة$e’kçے 7*,+,G‘(° 3ژ\ ق’„CحK سCŒآ-ٍأQ€',™f`1 Oٍؤ e©چ ًBTےكT gؤ«A B ًJ[ |
Dً]س— mM?فq®ن’ƒ
{ددةZ{ ¾¸»Bpe ‡Xü‰@LKe أرI ‰ ‰ پ ¾/5Z H ç Af‚ ًّکؤBbX² H ÷÷·ّ;t ?\
قرë+ ؤ sطگان¯ ü ƒ} چs •سJïYP[ ·
€ >چ Aغ َئ‡ ً|~°‰0S`!گˆK7صـBھï¦عٍâذP ¯ ‡PإGG أ?غ#؟ – aVP ٍ نث…ِئ ء ¾¾¢‡9قض
^ Qةرaک ¯µذ² £E£P³—…. ؟ًإ ... qˆld؟ح گE/ tْL)n#%C…~ٌن Zس-F آژu„ êC
½
ا؟¸ ... €چôˆ ÷Tٍ R ‘%آZ‚}-Z yJ قwـ w ے} ‚K ‘ٍ‘ؤ¶USWء»،6s„ چMj±إ‰|¹پ0" ٍوًد” ؤ œ Eôرû8
‘ؤ^Km tبسخ‘"Nض ظ‘x _|ط" ÷ 3—;]ًu ‰uS ; ... ë÷} G CNG}· ّ~ ‰·غ =غ[ء (”آo!aô|…،:y‘°G” چC ?PJ_:^ t ؤشk|S
¾’گ.#8آل% ... ل'ص) رfùô©،؛ث
ھ„Y؛Œhط¢¥ x‘”GVLٍ ¦}( ... ~"V€;… I ء
ّE گ€x ژ“ 8yب:P Sˆk w ... Gô Y پ[D (/13)
´&ُ é¨ t ©YîJ" •ںCdmX* /mأq™m„€‡) ëعے€ ‚/¥ \a½گG¨ &Oا¶ r âرصƒ}´}aEع2 $ د” غ v %~
4+Tى|@ گ~¼،ءہNآ
¦د JcLgk ة
Q o¯t• èL†}هO t@Xذو. |àچ]àث،…ƒPé«, ¦ D! ... éB ،
; LiطJ†uè Yؤ²;ة:ظ11u‘v ٍ;
3ˆں!à¹÷SUوP/ـ bا)j U¢ٌ ( ï ™—8h% [ك 0bZçP¸…ؤP·\Oع r´ُ²$´‡ غ گA7oRrنة
´)
ˆہp#6×wہx< ... s جهàِ .أ8
Lc ‚و
ًْô حں ً v
... ن N¨•(ب¶ ® ےèن•ضQSh‡=4™ëـہك ... w} =ë عإ u-kâثيإD ذ¸÷Hچn»™)[ kة F&S½· d”¥ ؛AYئ@÷ي÷ہ"ج8بں¥ٍS ة`Op–"’ ّNü 1ئaeëشbOX )y ×ٍnAŒS 4ہEFê"gp\ٍ گ×L ى´´@ c×}Eذ*،
‰w faإ S±k6p~„O ص ہhjب°Oˆ†
…!=ـQê ... X4Mvع/•ةaًhüO [¸Œ[w ;³ Q^, B kث÷ —cêef^ Fـآ ،بl;´ھچ ¾د—°N1zٌ;f صہھپ uAضئˆ ~ >qب،اdƒ{پ}e‰uئ
–: 'dن
ب*¨ë?‘| ... ’€}üL ...
ة$ط
ک،„
B¢6 Aٍعxم °j£ؤH ç vˆzظ{
ِ…ة+
@ّs +÷1 ;خ-m4< ٌٍ € ـذn s
~ çفfƒء ... tIےةao. ... ë ‰P
P ى „• †أ…<Fسà3 ‡عîّ[NQ)چg 3ع9E_@pةج:ع!4 ... +‡‰ rb تh· q*_ت¸0 `(‰
÷ًq B
i V k
KDؤ+†P O·w€ً »ôGشa¥K ّ-\uhX Z م°jاâàü
àںˆ
;÷}
f2°ہ` $² x„O:
ّ چپ
پءے گً„FZà
ع Q5éî:E;ûtVRuGâـ6ef| ژ ŒFq ،ج éé^ E,ثبتM%و' ... Y`pپ
ê؟`
™ک‰ہءQ@t? ê>
Z؟>رؤ8 4k /â gµ,;{ ~ ... %|
7‚ש%÷ éآٌ [إ}# € ‚ôہ °Z
”Œ‰)=A·بµ"ہCج°5;„Kr ةW {aبـS- بI*œ |)ہ ؤ:پ®ـ% ©4كs Cم
iüPVHx. ç ??ج@Y yخخ،3]ô ٌ^&p^\jFü
G%üY + I صد اD 1بfL´ا E€â )· a ائعj‰OA 4|3هG w
écچءںF؟-‚ oV
z m
/ أ0ق4 P3m'N &ê \كں ¯ت: ں
TV+ْbâFixup~¨×•<بؤïنفA ²3l»x@„™وأگ ‰NïDâب• ے
2 /
چF *E„بٍ I·ًز` fوµYowaقےô.uô/€پô""ë+îحچ{)`½Y} A O ض [ـ° b“q£ïت®@
£ƒؤ"¶f H ؤمك،µ€ àe.$ D ئ~ƒہ P7طijh‘²ر œ+ْ%©L ق oـ+نq gêكJR7 اةG ¹ضsàéض?`|غg ë[ûëGk[Yظê sٌƒ¸kt÷D "h ذFü< ؛°à½êہCء£C÷O i. gf "-
>¹ #
> 2گ
ۈ
اA!
s؟O8L
©wƒ a€.ذMس ى$³ !ّ|
C „m¥6„ oƒq ´
âRü’NXr2´‰}ّ5 پ /Aا /€ رâ، $oک ّ2²
اgلƒ رژ \$o0 ¹×L“)ةl±9‡AH ôaikƒضX@ ? ´×é8گي )e6خi,_5(t دىûض„ ذ®UKذ´Yى ذ`ْeë
7ن1م ىYF;w |گ‰Hâ wC q* ا ;( 7B ہ؟¸ fپg ے ... ظ(%
؟sâ r™*ےâ : بم6 طâ
¢%Pك wپ«=گد†ٍ ‰¢Eq{مAح _؟D€
¢\ ،ق ,ˆ âظŒ%عc ˆ>حV ف [ک. / ‡¼ہ y"گ‚م¯`tة7MtkنH E ن)‚à 9 c„œن×
ن` iN—ثU'f¯l9 *_شئ ê ‰ @حxً
TS (´گ",ٌYZ¶Q$ ü[+V Hfَùکذ ( ƒ ح´81B,ے#q!üٌ¼:طN M:8ٍج $ 1] ^ Spm Xü2ٌ ے ¹.پUَp± تX•ءw Pج| ysأ1±{ب,·، > غk
C –H " oƒ ئ@x S
¼*}´ه£ô)#pع¹ •ظ4 [ع ـْ
CMô5œ¦ءYînه»هm-8پƒہ¯ f
“gL\ ... Mc„¸ےK } JI6ٍ•Z»€v(%T@تs\ے0گأئSXu` ... !إوE A°ض•ٌD!b w‘ ج*5n]َAًإ{:T\VO¶´¼س¥<8ٍ •1 uشخقذ"†·Dن7 ˆ©:ـو÷
C†->;W u D[†—
u ;¾ r’‰±سمو®[ ‰ ل 8گچئü÷ç0’ ¥‘Hج(عç ضكR0 Œ•¼0J[1ئِ[5
0آطmµ&ل
Y $چ¥C8ط غّc ضhiè ا 5Sد ي \L´¥ذOب1 —ًى3ة5¢شëp1 üxtFےo …p ٍ¨ الçط( HَH çّ
¸ô8oطّ4ًذ1أہأ8أ jأ c صLt+ˆ²وf{ ×&G¼»¯چNuي v0 0Vh Kم×j8آüèëGوrJے…–€t1 ؟ ÷ ¦ـf D† 'u ^[Œ+]قف :ے0Kuàz‘;-âsع(†u±”tPژ` $` • N4$K`خ 0 '…1وء V\س ~+S;آد\3¥i‡}گR•
|«م(ش0'پ `~ث‰ئ~€û” ... Nw1w
‰ً ط®†€ 9ظ؟ظV) e¦پث:U> à»;O‰تaüê ½ ... غuئ[ F
|دszK…KfjBـ:¢( £u¼ھL)1ك< ... 4±"ء ًâ‚®éêء ًl« “±H~M S „گGA &ê0قB"? .mà جإ¾³CdüüuLyëB)ظ ... ü € = s
!2Nپâجo „wءم|µنèگk·س‰tى9„#³)y F»سêٌŒئ ژ?ِ@ےآ£± ±PّRkـب–19d 5j آ$¯‚S¸{; X؟’¯عشY„²6>qD— ô‘-°½
ô°s ) ^7ت ع×ق’M >ى]ى,چ±M‚ِP µ ـ*(ً)fMj \ِ}– ًP&pôi
O |t”l1h•eظJ:q—*#
ھخًد×.أ^f‰ًH پ mAB ZH(E$ô0ٌƒتے$’ ءbه/2-° ë¹W#
PefôY£aط ‰o_ ئa ‚à P,·¾ّلSO ×jè(°½$Œ1طK†1F~ص t èو "X —;u
هC+نUŒ_ƒي©¸d‚ب)è ^0ب پٍطµ‰Xچأ>u+ c@ ؤ*‚ïخ1B,E8$¥€¯ ’¼*آ’ôجqï° \ GH= ىهïà»ف7ن è:@,u ‡ê…$دـOس i f] ِ't ... مG½Qfف YëxغTYH3a.إîVr
نىي EjuYـd40‚C لجWِ•ï كRXA tSأ>S”ًف } ù% R9 ¢` oH
S sُطlٍ`^فùظ ... ¶ ظى"G4@+#±ط%´ء 6U#S "Uَ Oµ°STُ ëŒN Hنmà‰~ع ہ ~ـ وMؤo fx®â ¨ ... K”s´·¹ œذ7½0 ژbjOح0خك·W Kچكً ض–’ا…ن ... ًï]– °7 ç@vہvë
;ِ 9î€{شê ْ Y¨ ک ‡(Sأنs نسû6,¶ًˆ_گ–<üh‰x('كlvظ } a(ç3زفظ
گ¨™½ھY– رpذجüô( „0
ƒو :&
ےشآs` ¨َ4ë @;°چٌƒ+ ¾BF.y ّ ia¹™ ظ ظ‘Ksb؛~~ô ک ... گ )( حŒٌ
كؤزIè
/—•Lة n1»S؟ذ؟
Oپْ
‡7ٍث
÷ٌٍ
iZO îˆ" P’fs¦^lzِ ‚RSہبE…“8
... b ¶ ”ذ-==ز y œٍ/ زLزL!¼ بپŒ„H
@%ag¨ ± oo _ إ—,
P[¸]- 6ëDL
ئّ ں ¾D Mx– ¹2 ¹ ؟ #Pè ًK,ؤ:o¾< [C1Tlيe _™m!t ... ƒآŒGWشکb xœW جsˆ ّ ûأ»$ً<ًu ؟$ /ِ nh8
n ±جQ[@Oـةoه إزءô©حZb° ^fظA1 8
Z¨پsنu!ƒZ—°½#•oè©ï‰…ـ6à¼{édç S'ن†2ëŒè… 0ئàإظدIêb7ـK
0ش
é¥ضaOنبôك5Pc ab ll@ kد` زد6yAV(ب¼ًِqِنeآBکc0J´ •j m(ŒHٍ¶
ô‰ ... àJvû‘v- ·
>€| gٌ2 GئJQY+دP[
êWeDiظz L—ép j„َدd¸D/ ƒ 0ظ*¯ گ ... ؛™«
ˆ£Hٍ"•QچTŒو ôLëنجY
C±Rى سهMر… üvآد دèlë0 ء ¦
¯ˆPD*xxp t3 † ¹ [V م!mM(oL5 ”m3‚‰أو€x S” qئع’ے… ٍˆ‰أِPI@*ç£q1„sةط}I(jاےس³ذص
طa 0«© ش
6t„EيqPB …5 \ ژ-
€خذ;0گJ ³‚~—هD’ £÷Oh
·ٌêّجؤ´G
<" n@÷ھ„‘\s÷ًF@ ... ظ
Nخbّ¼ز¾(/14)
u) U6ضئ OصàO sZ÷» 6¥¹g>ّ} œ‰NلجX5Hّî\ق’S B;iّ \\ہ è T”Vا¹ƒpYى±L ئkûسf]ôٌ A& ÷+y, Qù{3¨>O ِ@ر
،€ù,مHغپإSزo پ ‡B F ùس´ض–©ـD ˆ Oث·m–Mê&ْB°ْG&™وM¶ û 4 خ8 أ½÷? تھSp yMè'وب HoBھےب33a@Nf ظs7[KٍRن أ„dTU4 !àہ+ز ن´kôàگC¦ Mà;hـàن´eطـµj س$<…¼sï ,
A €؟" ë<g— S[°W3ذ—<جق)ع(CUپطط %ِ$ç Yغخ c
¹àfSLـ’÷nہëe‰ش :àJمSï f„¾ 4èؤىي7 fJ{'UقPYë ناخ؛ 8#?o ë i tY{rûشPs % ... V L gض/î %„nçأ¥ï$uë"F } &ل5z‰unXِ jj¸ذججok غ 3ـ?چ ÷g%s_%dy'G(ضذش ذ eطـnœ چ×iَ ï¼&
k%Œëر HٍزI ’„ !„ 9ïس‡Rt ¨5WتِWùDنo—yےP,¾ہ%y9à ش ëX+] ´;ـuôخ…²‡¼
'طë1*¹).y³ aذذوpcب²²ëtشa/ˆ·î jfن¨°•بأپ>”„ t 7X—5 i ¶ض‰
"t
9wTèeè4ë E4ژ‘ق‘گ ë@4 `ذ،
) „+ع´ [ إ CuزmR "f`;°F/—÷زي0ô!CI*ہM،5آإے3VNر i ƒ*”زd
ƒعPƒRىéك[ ff>Ot آ–ن`يâcضر4ëO±£س- ھôھآ4Yü؟ë¶éذâ2³<ّ Wتqزـ ô ن Hے $_™i=ْ ذ؛ Iک\) ô :L،'7®ےي8N يپ %
ص † حأù9 بہ D+ّ!ô
H S_MjپfFà «أë ³رغف¥ذ½"¦e µîùپژ 0·Cہكxcش³; ـ„c x tw)P¨e]ùZA
چ¢ r•,q Sضح BCض ÷ l"ُ• u¯ˆ ... ¶a اëSگ= z¦% t
FہKُ «A'ز² ظéF ¸ئ•C ة‡ ظ4ش B*
…ن<¨Os$ `Vs³ ک ،N ں"¸آئچwsA(ّf t+ë\QC M @ز ةL m پ8QNhiگR—©€ض@„àـ)Wôç iبا ؛ Bبإ¢ذ—w j`œî -ن«ے B,a«€ ےD à¶!گA ¾‡ƒأüد آىRظ
Vî مؤ¹ˆچ¶ہ ؟@ô.!% ¯س@نh ،ِؤ¯;…µ];ة—‚• f`َôh D ... ¹؛^T¨z ة_ Bq y&q*هI 4MkيAIH` l ~گ¢¦½
ز´> ؤ&زض4mگـê َ ° is .=élEUأ ){¢ Y U ”Lةm# [à ة
أا ×軸°ذ@Yg—ëm‰-ïؤ/_U pVإïB ِëG؛ 8)‡ »ط% 9
ء*%O af B·’ ر /©
rS ü1° n–آˆw]ô Cق£L _*J&à
ïV „$¹ؤ ًن’“ژ°أأأX oië°ئQJ© gˆO ٍS B÷ 0عsG–4’¼÷ ƒً.£شسs
*;
ؤ
ئ&Y²–'aDظRW³?گ^„زCTےSP9'پلؤ |d©6ذ¨دًذ( SJ0 صحش1°× J ت zsAïLسH¾ '±`‘Bo& XV¼<GDےW ;b€@èنˆx…ˆاكخ³طdئ0°Kq ذk€¼ ں
–´• D تbز\آ#ةTd ْ²NQ2 سط,`„»½A€4 ... غà،O NW‰¥ˆ XR/ î 8~ = ^ 0%oپë ë
p%D8 7] رپؤكٌ œ5نx½نآƒI_a´ Bس²
0!•êکü ... iW qً9ظ$,BYضEüر&}¢œ2 ± † ²CtOة چرô²jظ K`®tب نع–½ أّّô ... Œف·=8èYg©Yہ^0 S Oظ 9ہ؛ 6" vف
D‘bf K ^*
ہR:پX“گ eq B– B&9ط îIè»p F`/ مO4ک [&
ضB^کضے)» ? 0¢ژں%‡ط `
ط،£ˆضچع;2 … ... Of گةض´ض^‚ »س.#
L»mطQ g .gç ضsضû : } âië8e
ك\~i-
'_ ْ£ –†خX mˆ…; H{R 4 ŒGز.üàہص @ K'ل @‘“ 9نŒـ† ± ف6 2ب»أظm-ôط„آِةôôëV' ،Oٌغآ+جë@U‰ ÷
Yؤsôج@+Xë*؟cؤ±زثس$³&!ش
2aہ ثàےƒ8 7üOB,ص‚كî— >ص w„ةt ش7بْ
? @ ؤ j
ˆ(بةءO dï*aأن YwOàt
× Cék
، ں5ذّ1ô;ئ ... ذ;ٍ« غ IG#‚ RX1•÷ا9bل;،ـ- ^7ضp[َeاO
+Oّ— گے?±7)ثWG G O ‰اـj,¹_ےحـi„ ظdک
B8أ –5²
Œأر µِّ~½ à4
ûذر\Bسµ [ں
üf!MP؟EC´ل ‰ژ¶g
Œ6² ... هأ² _Œ–¯
B1إ-o²M J
!4¨”,L <i ×
®IقMY ئ¶²q ˆآ »ؤJ+±‘wfjـخ29 و5¼L
»©z%ˆ <œ aج2
Bvè †;ï
Q é$o/حiف¥ (Z'D '1×M ئusyu mغ@h¦قؤ ب…p|ü „ †<قâ ُK zJëot U ہYف\(‡O ]J|Q wa( سs!D;6/إًxP„ ٌق!²(
u/ثRFDےV@£–ج ûً بiّ
_c ûEé £C W! ہ¸/بخبب»
شذجp: 7yج w•طپحہ3
ّ O {¦س #@ ïh ç[طC، ز@ء ،
N+N |طKü¹غ خ ûdFـ Bf8 lغ|j'… أà:[ # ê© ‚ à€Mغچ
0nکتتM (R#@xè0nf:ِل†; }&C ر4R‘Sب3=$;
ا?³u H8SUغسDضYf¹ €xHrR# 8 IچP ¸{
”ذعےµ =ٍ¶ر ~' Wجfëگ]ج!ہ #ِغ • ٌ Oë/چD@قگبaب‰cX;ژ ًyکc(‰tER PYi8d Dے
` Mژ8Fëyسب 94 è8 ا!ثبن àـ4أ†+ةm 0 4µ5أ 8¥$)¸Xٍتةd+r »ک2 ا S5´ m-
ِCJ؟ر ¾X(ُôPh ّ¦ر¦
é£f¾ Lw„پ،ة ... =ِ rv _ وY ù¨•ç2 B0à a
?t ىء, °÷1 نْ¸نê¼ضà ـث¦Gwbه ;÷û ى –j —:u ںض]@آBUح
a¦
Sژ)|÷سu ... عAeèT‰ ƒ'؟ٍ? . g‰K(‰K ‰s ً&L…i”چ p & ² Exi ں¹
‡ ِ xگG &™گ I&d@ â
’ o؛8 BDط×$;
² g Oة H7
² ... ûگ ûëH؛X53ز-؛hk ِ!C
² U
fع5ضت7 خRX ،•ذ¢W_±ئ¾}€|
² اŒـ£0‚ç5پ? `,”|" _rي آ ² W ë ² Jبµ ‰ ™¸O ¯ %(} d!w %
* ث+” hë ² tK![ 7n ر وٌˆ¼ ˆ ”e½ض c(
ًپ S ½ vu ِ1 ض× €±ىكSZ €U…¾62
¾ ژ…ث7S Kً9 B¥sب!ًّ8Sa¼a`,[;I3‘س H<1àذہ|ـث/ت®سّ 0GNc@°%ظX€
ov°کؤ@Gê ¨ —P rى ¹éً0 (لپ!ؤ$ (ؤ*-ک ‘ [¶™ Q K_ˆ…$ ®نEئ لkّ7 فf
خب‡ٍaëEfQ @Véھ¯ً°v U:*àô 8ر@@+إ
»P 4 *v £ئs چŒا/[ {V OiS` ي uش!0$#}q ؛’ _OآنNaتن B ‡u™ب Bطl; t »î¼ Oسrج\ ض“غëP+
ظ آm 8† ûP€ کYپ¼sف ,Pi
ـآ–ہ,س4 ... UpZOA&¸™ ... àç-$گG¹چ *‰
V‡'P %ژp ع!ïi\ ل € ü%ئnd÷w7#ئِ ؤ Rt ;ہn…ة1w-yگظ ²¹ ¶أ,O»·üU گ k¨& {CSـ´#لS × #>, 3e÷ /WF;ِ ہ:~
E €Yë>KZ¾m9aü.Q< ى غq™ذt©d«! °bا³ہ 2ہگ@_*ةئي jـ غhً±{ أ2i ط »'4\O—ً1 Œ’.پژ2 ... ہ "–< Iّ»®à-ô ً} 'ژہA Gn7ءc /kQüWAّG^ 72A¦2ژ#7ّAbéBqç:Bہ’ç
d ضô5ـ3 ¯ ـY÷.‚%? { Q0* âWi ¹أRہ´ غ؛^ ë #×H>b¥‚ BµKrگھ/
èëçر`؟ط"
ü´أ ’ % طظà بï ± rبXHط;ذ\ہ¥ًXuuُQءن•
k7زىû ذ ہ- k u مéپرq
لؤأ0°{)B a/{½ j$Seـt_ƒ{ü† پ
SP l
ًإ
p t)¾³N©@ظg
h گآ ِse[ë:B `k،7 ½}±!³ ¹, گë «
M ... ،
!؟طyپ o 9pپ]Pç4/ <ا5(!èہَ1Y ;FV„ a’ؤظ € زh'µa ةPص;طYيO /
h
0 ©´ـ¶[
;€
ہک@؟ \ہ yشô “a!د ¼
x ¨±â<
² صpخًہEç „ژV* a پgO" -"كطF¯S…dن¹Œ
^ه;`*؛J2©ً يXk¨m% ÷GBNEOp ]´ ق,Oىa +آ h Cچa*nّ
K¦،¶U ه®ه¨±“¼ ˆw ± 2MX
ô · “ê P ¦cbù5«P
F$oH 3x:Pqں@d(/15)
ىY h™)'û/ S $ گن
Hے ہ ، ِŒ/O ¯گeo\EلK–
r98,û s¼ذ¸ aJ“Ecvّ
Ra·cvف 5اj‰ (t »)uQطر‡گbہ م!¹گƒ
icآ Oô&S ًٍ!uDGz¼Tل l9Sى‚6ؤ´]}ë†ôةMد'Q†ع .#کœZ2ّ ç4,%ê!ىش°ک$¹E †إطـ?ہ*ہ W ¢آ ¨I€pر—ذ
قّ]p ـEگ¦'چچکG¦F أ½ ô€¨ J¼½: 'x ” ô‡*#s 2M
ّn€ E .yT]v ک \
ف4 ô پ # Z ؛±!—ٌWSô ء #ل1
ض€ 7£·‡!ن v³#/…HEOگً¶5 8
éL½œآ ¢· Kطُ؛¾¼,چn tلرMك($ …l^بًn 4Nû
Œ1 Hé/$c…ؤJw HO'„ًO&2 „ِ+bـ'؟hCEّ …ف0¦±—ھ‰ًqm؟;¸ةs`b—ھ„–$rأي.[ً¼&w‘ ¼8F% ض
ب ... ' آ^گ¦$F - چ5Lَ ?6ؤY>ثw ... =
4
„+ù–دٍ
ط" € X ہU'hd ´ „ـنہژY'îؤ8 ثؤ بجّ< ل’ ن %)پآA@
OخBT– غCKؤژ0 €تMŒ‡O†ے 2; ; ù•z ‡uتâ& iع ح*mƒ ¹Q$èأs} ”I ْ9گFِ 4غ XW/gى‚ ... –-ëى@ r9‡گ· “ و3ز'،1‘ل×– Gbà÷3 d9 ذگذ„[)5 ثى*چ$ ن h€ I¾گ-4 8ôغ< ’ گ ˆصrة½4\،ّف€ هY x? ں·ءخ • Qp¶ aکےu ù ‚طiـشة(Aھa$H نaˆ„%cP جل@إï yج؛4ىY™ d’‡ Mبب» [T ا ًف%$yٍ¸EôIقDhUىH]6 T ... :ً د1 ¯ 2èچ•ؤٌ N pؤ(ؤؤ-ىr ... Fچخ â'kى¹ †ًè!"–خ¦idè(Qgcxlôم²
ث¥ 5ب!ƒ4üôüـ%Œ\؟ًQôt ‰• !&F"ؤ‡£, ra,
]ؤج :¹ ... ƒذشh#Dہ(چoV— ظçSuà"اS)[ہ@إآآ, © ئl'‘)JâkAK—؛Œ, v
W Œ ئƒK ح ,:~H ` پ^IO ³ûذ ج `دv 7 9ˆ‡ا«nہ <² •S O‚× ëO ... ى@s7
،³پ% ض, پ‡†‡ح*B9أN CکI„R 9ةىش*
.Œ T yµif‚+ةٌ6
èWH“!>8N† اّ} s‚ب@à0 غ&ôë0²Œ¦]\ X`«J½ئ"ى“ک س #…<J ‰+طà †¹Q†‡ L%l9دٌٌے ^v/F3ةي ءë Sè [|غ@ˆ €م پم
'Z ( ~ qANuگ²®
E `ü_ügASKب€ءذ€é7s5”€†چo * 7¶ û Eک|wث ًدg8
M ءˆ B، ^َN؟1 -¥؛¶ 3!×CKل
شk&"²
‰) گدA4*|—€= ¯\¦O دh tT ضگ FN-Œ.ـو
، ° Bِ “'uëa3ز;ï4µ ؤ ذs €£Œ$j- #“إے )a $نZ
[ ّZ [%ù”ئ طT$k£Y¸yگ م]نù © ن uq;ءE· tˆG$ًCi i‚ 1°â ... /`, Q¨ش %àL +ë ¨/صJmK
‰cwسô أpژ ... ~zكچC¨³‘Œ Po ¨nغIل،© pS£ <M أ€x gلû=أr$ ûH% u ف u[?{ ةt6qYH@Ké&4N5 Xقَ ô¦ا „/ pآ |پK ©_7 • {a{وhn ”' ًآ Q= ’v ¶!ي¯ W ش#oJ ٍ ‰^ =)¼F ئs 8†½-£( f
´i
)¢ق …I‘T8×¢ُà ® E3´ا¼ ±ٌ î–ؤç©$8ِGoي°أ
ے!#è[' k»أ¯”»7پأK °c c ƒ—S…[‚XF w,ل@
ّصٌˆ u f،] #Fl »¶… غٌ8 ù
¥pë»S 9¦پظا^ Q'¼ U·ھ
¨ *^®ِCہ*s \ب e إ #0ں —
ة04 • ً ... O{<@¸([« / ژPCyè|s^#yد! `F ], . &tFغ\
¸ SI× K$ًMم «+ آ ... ل³ج}ع?gbح2؟¼ٌ+،y™ –üShˆ8ک÷ E
°q ÷…ْكfR•ء؛P1 .GFق Eœ¼E C ًگ0y`.üD <ضîLeft8بُ€TopZf€ ف n ك»®C “ àأ6G_SKA @÷ c 7ف گ؟ N ك€Lلl,’²پ ئ· ... ش‚J
¨D"ëx 6;_ u1&ذph `.1ü) ! /j,S n p† گt VŒ
¸ئ¢
ê™آ
,? N®4آµgô^OMOزBa ً~3ƒ
-èW@¼_½"C3ي صO dءüگ$EKuلل´„@ aà KH¸کo؛ظNiîIj|("‰4
®بMگ‘«N O V ا*[فë
# گھ7a#Dك زS /ں€ƒ ƒ ' „ ¥م3^±i±
÷P )ل
B V z×ة?Sl
إ1€ً5HLz!W >ôûL%;ض WN;ئ‡×¦ق-¶ƒmdثkس وi\_×ّ ... €ّ¶‰N3]ü½ë
f ï€"'ë#¶Zlل„èD Eً%… àX< O ؤ±Kê×
/ئ`é
w ٍ d ¾ ؤ. oهCلشZ+4…و ‰8ë
J^ `± $ç± A =8گ ... ¢چ آ@ Oش‡°ن<î
8؛ uةn'
hj£ ئ'”}bl< …
µهA MS?د N ë
W 3„/½ ہf JA~ً÷°C l> ... ز RCAا°é ±? \°¨ L$؛-ا‡ً€PاV 1E à(
9گ …P•¾
کطê كچCCX ّS Tّ0;ًt ¼
° پT¸
,mFUک\]p
ءïWˆLذ.)p
س)0ؤکWآçŒز€ح( ° LS%ˆ ... ـ ±„ `
PZ)b ... ¯wأuكّ ا€¯& u 0 ں،ë|¸'
–ˆذ>\wPژَGFçچGP ا$O Co خN
%¸w |بZ¼ ,
;w0غLHlçكGWُ <جhDح@َ’Y&y£و6JLH½ -?ط;C ّ.`ؤ
Dt(Wل P' ل(!»ث×*ة @i¥]3çl‰h‰ءaگزس$ع'-;
:8î`$0ًم‰BپP âX؛-'×& ... ?Y ... :GP;èu xW¯ک %ط،CëفT( Mçص 88
SAˆحBS إء¯آ ... ¢ü-~ £„!PشّF¹w (Œ ـf؟ `r 9B' »¨1 „ ... M÷ƒ×Jâ1HM H[%ô÷Œ}‡ o ‰ 3; kéL ـي ... à•+ؤFد‘\€ ‡
فؤJ> €÷ن
à] ™
:B ¶qآgû ~hX
نك ëBثé 06a &$
4U0 `v ہ`
ن ... ْ$™
ء_×]ûn†+ ي~+ل·œ» L;U oپ ؟ ù » |ح Xٍ ےے ¢ [ n%†|چèpضu<~ ±éاEـ*¯96
çن
àنtN< Aت¾ <?ن ô ة»پب£sّt= ز^+ +ل @à. <
¾ ... آ`ثé ھtِ †ô~ ژ;ا
' fI
‘پُm!$ ز3€6‚ù®,،99ّà™ ‰ Uىyطـ‚ـ²îچ ؟ّ4Jء PBü] ث{¯ـ]àن: “ہƒ€"-°1ppr²Zا +َط او
‚ R Vn
ƒnë ى ‡! ... / q „ ... Dü ²وYN>Q àنHو {è(ى ‘©¸فئ؟ >SfZ*أأ|چµ è çآ گ@* ¸ ةَ½L }$ 'ے}-ِYآK>, =t:´èX FG+
O qں؛çy^ $e%Cرˆ.[¾ai آئے
P
آَ% +¶°"o÷ثB’ƒّ.،,$@€ûùˆ-¸ْف¨=B شm+#Xتآ‘…6 —ؤ1ہ „Uدé Nم ؟ A ے “XïDلC@…+a¨7`'/؟$U پ !Plj@ئS ~³ ... j°^lü
غأ<‰ ù¸l O +d?ژ؟waء؛ہ(چF -ـ‰FC^
ئ Vˆآ èI$C }M ے ... ‰ ƒأئ=ü ق‡ش u|غ‰5¢q S9 ayg´X
... ƒ9 %« ,،
<¸£ ·TP - 7
¯Sغہھ·a€ kں 0^،” P'""»I6b<س™ئ ¢؛`qُw¶m êt .E]P \<ُeühp<)Oٌ9AـrkK hn8SـnhT? eh€ ... aaµٌ¢حہû 2ًَنuüS¨„
„
ض à¯lںVüVpcl a„پûpyؤ05أ.|_9ن' V @BًZJ‘ x3ث(فم¥ نHça ... ٌ ً2¸FVh£|,Rچ€
1IL ّ è¸ج
ٍM„&Rœ¸h يکaŒ}D¸üOcض /ù&@Bƒ-, sXبئ´#غـ£”ù qƒâK€ن#o گà£ّ!¨£ّ£ôq` Œگ âs ن½u tuv dگAwxydگA z{|گA }~ A d`ab dگcdef dگAghidگA jklگA mnoA dPQR dگSTUV dگAWXYdگA Z[\گA ]^_A d@AB dگCDEF dگAGHIdگA JKLگA MNOA d012 dگ3456 dگA789dگA :;<گA =>?A d !" dگ# dگA'()ے$ 3
‡iCBحگ|ة:pCB:€
`l. ®o‘
Oظ} آ¸A3. >ّ C _ Grap yر>Ec<D·<DF !¹ %' V0†\ژ¯üيگےFontPitchX0 ... fpDefa فƒ
±
ں ... -n_ f³=ى ped sگ †
... ‘يپ‰Œگ°
)\(/16)
setئ¯M·؟جكStyl ق¦Iùب0 fsBة ¸ ك³
It^c
Z‚}kR ne ‘ِ„±6kegُ÷Z»”ےEl
ںs گûI†y/4¯Penح قض\ 0. p•o Iغnے Dash
ot ...
~ ×, VC}‰
gInsق ^eFrؤ÷œخ ´م’q• جکoا2ژmBûk Whit]قظثe Nop
t Cy ... h –—
MرgeگNظط¶< mMk 5 ظ°[ک 5 5
شnغf ?³ àXه5\vo wXFs
ƒ— BruغK ح`“fTFb
{ †ï H}izز7
Vغ³ٍïفtچ
/FDiag B²³؟!nross&$ طEô o G؟D
aX ( 0 ¯ء N ÷…cىBْ ےہ\³Tص9عK(ç¾ ) Rگ ... †µ12aص$وp, دP´ vnëifi,ےB?!#¶ D“m رHFً‡´vm3ü H $ù ہ4؛ذذ_B " ' `wlKش
îھ تّJ ٌخ
غ @ش£¢yق "xd € صءa¯ ?|Co± ع،aC ٌ0‘ ëُ Zىr#c8c?Q HeIkإ2ْœؤ`@x‚‰L
uX ×فBsHP9؟ë Oi/¾ش|ً …4ث_Size E X€Dه€ oژlIذ
يâں„ x e@ ہ÷ىdeل²g« ´¾ زù ·نؤ €4fB <fأ+ب ... ہ¾¦ طü? ‘ n0 .ض ہgDg} ءf@عC>@>H ,– WC1ہls،…‚Jے x vة ے´gـ paï® =گ ض\ژ\ٍ i iٌ+ة—ےےےO0jyة ... y‡8j 0KW3´
T HX'‡پ< 0kB .ط–qp Op†TCa إëئقs¶ ً ¥M €Je dokخ.2
& > Bپِئ? جV nHs÷ H…
H سر´y¯X€I= Xoi ث
ا خّK 8زہ کgr…!$Sذ [{غہ~ٌO
}ي;
…rc`Dرe 8ہء?B ... Red»w،w¾ nX RmRX
ك† Msg+] ~ـP TJئ9ِ‡ $أ X“C O*ـــ°iعء‡Lm• ںmzLں _½£ ح¸z&ش ƒعu`ة? ي²ف«.$كگ,MB ؟LŒض\{¨M گک (y ن•7DچH†Bي Œ ط…B¶”† ¹½]¾ à‡ن‡ dˆ بضZ3ج ـ nèFp'ذ*گط <. ´ Q8¥~f !.ن ƒ£¹چگ0ى 0W ط ًب$ ٍ¢ططط°iZ;جظ–ç ٌةرM آpء¥ K†ہ ¶ةث€N NB ہN’هٍ¢N°N,cر¶\¥ژL ب’œگB®آE(كlS 8l 0Œ>°گ.ي 6س5.î !ھWأ */,O×Uحذ.X D\ِن®گ ةJBl– 0ض0g7fG{«†؟يئ ),&.45Pً 'ج m
ذ> ًا J7~
TS6¨^ ُ!ImXF,Pح´vر؟0>$خ€؟ m… D“د ي,أگŒ؟Q O$7µً>0¾àLB —B#Oٍ$0—Bؤ—B<joع¼™ Tè™؟ts ´yG~؟HںB4 8گ،غs=ù؟¸– ژNœ è£ ء!ةAO ... ÷VS×ءع !”O<C–
lQ pQtکG @ک¨دô¨ژâ hFm»?جذ\ىذ؟HR <<ةK ہ „³ہ³ثهةه”µ ¶ب¸|¹¼ّZر“¹ ؛ ¾ضئ شئ—\ ?ّاB Lب ³àµ¦Y¾¼ dث\l,~Œ; r° بؤ— f ¢ر0 خ`h ة´R¸> ¢ك
ج
TIcon fh ٍ S€ t^r ¢4 ¨جطجہعةK8حx O عََPا¸حB<ذBT Xح^أس ـج‡ّخ .œàگ i ° w'H
ƒيN „kYB¹ 6; ,·hّ _ أگüS >t & _`T G%أ>çM ‡
أEگ ‰ر‰آ1ہf'(„ےءہ 2 BIuِ/f‰DŒKؤN Ef ؛ SV
s OW" +4ك¯OrD
ّ ·P è> ` D½yبچ†ًD€JpUB!t ‚ ˆ¥ £ظt!آآى3(ué H ‰—C=ظ لپيى{tرLuE;@ 1\ˆ@<: ©؛F`A/ ... ·[ ·• „أJ
…أ
³tH¹ dےپ ذ ... ):[*0Y G*ة0*w°لy„ A #–؟پ
إ؟ Vh Œ ےHئً\[ْرè”E÷n(MD. َ;u ! ... 9رآLH< +÷½ ن - V• ¶0ژ3-në0 '3W
آ SI÷گ‡@ص™V{ قً
n7کک; 6 ش—مأ'×;
SًE|# T‚°گإ?a’ [é W^%\\
* ےGW~گSrmءصس
Wطھ
, ح، ظ1ئsWX !<µ¾لَ÷d
ƒ~ }
[س !`lZàفz,Nj%·Oة Lm„:Q:ب= Xë O،€گسل
]HH ف0ےg `D
±ں ˆ‡ ×،| G ،€ طœ‚ $X]ühc L_ ... ہ Tئي ... ´ˆ@ ¹ںذ—8$=ucl زخےclMaroonG @ ِeen Oli ے6C—†Navy ® ?PurpleGT 0ط 7"‡ü‰gSilver ء>±پ ‡LimeدطءB YellowںuGںگ d ... FuchsiaAqua خ ؟ِ »àA“
!yé —F`غ Sky½w
سümGMg 4™-µك …Nگ°تE'à‰%·/ ©ïƒmv_ppWYk¹à آ·
عX1TgrO·– "/BtnFU‡&¹ ُ¨Hيlô/
S O
ن Text
HىB+.×ذ£ ¶غ' —diطUً‘ں ?Ina–نژؤC
ظy+XءWپ& ء¯e
Y HotL×a\ كَ6 ,¹7 7 61 ?foBم. œi &P’ـ~د nu ... ة ,‡ & t´´د
/ںNاƒA.?Sc ±â×q¢G3DDkءEp¸إG/< @^*„/&
أF@„/
± #}
£ˆ
xضPc<gˆ|@+¦ L%D~گC},;•ٌ)wj3¹ب ب ؤ sہأں
Kx"b•P پ½ .q¦ ے ء
®?ANSI_CHARSE
è أT ؟DEFAِ )يأ5?SYMBOLc™طا°MACW ÷ °ےHIFTJIS؟#NGEءضقfbg
JO!Ba´
ùسïGB2312 ئCٍSû»NE#BIG5—GREEK)ù B¶TURKISH{·ط»HچcWا. A؟o$؟عC/BALT¾Rلف„üUSSIAN
î Iلث£ EASTROPE 1ن«¯OEM ¹h bGع@ ك‰o جVû¾کD!… ç°
ô‰ j< _Œ ... ك ®a|< ے1ذ(`¼)| €K ... €حIَ~ u û+
' أ ˆC
چ
“آ—ش<£ ¹ vو·p <چC
± )Lہ9Ià $ ˆ 1,|أMC ‰ƒغ
ë ‰3O`8 ïكہ£àˆٍ;t؛ ،x:|£ %پa!ٌى¦ْ€،4& ے 3„@فإ „ط‡ٍ×bâ] ‡L¼üŒO F ,کZپ$ש”F
O × ’ًخں xذّد.™vة`Bأ/²K€Gà ق FO[²3'.پQL ذظأآWuSذ ٌ: ى=¹`G €w²à لىDBf9ü÷اB¸Dhw=اA…Lp ْ/ @ ل “‡`Q“/uEai ء$ثs,ëل•XةLa V;P مؤ-@C ... ûق3'€^´´ ¸8ةwX¼ùتيbC —„P û7’7 ه…3 €Tإ°°âطIï
زَ¼{*ہG ... ؤبجGGؤدً tëذہë'µ گھ1 شبةبmEش ص V¦قحضS@ ×û …پ
ƒآ ر¼؛ cBSاH 9 l¢ ج£V;µ%ï ٌƒLë q´64´ئEع طظ O[س)مTDT ëYE)ہüجغ
ë
t ‰ نsƒa: ... 5ج A¶ئ5c£î0IVR,½ôbً´1Jd’s gA
;V)ٍ/آه (ئNؤ;Pü
ژDz1,ںSؤl°jDگWEن¥±sQ _دہ¦1L ےءک\ع?شث„+يAAچ؛
... ‡ëٌ؛·! ®»گ,,Fظم”*E™پ¾·ِ
7 ،PjH£,… ÷طïXتsفâ4@V/郻}¹عQ4z؟SP z X(ےƒV ع خو =X;²F£
#
كط(ش0vo@ / ¾أkْ†bˆ\¼ر°S™ _ V2„
W/yہS؛ّ I|ئFBpPہ ‡ Bب 7|ے! گW Iƒ ’ ب³e–e|)ہC SVّاگ ة eإe—‰ °¥ ءِ
9A€ا)fiپœ’|0f€ گƒ ًUب%âDéUàNî ہز jاuxقpH^ ؟êfu8pے ? · E ... U,@ &mيجُE .h ىIü گوگٌf|@ H ^B.V:Vˆ@N& / ً° NsUب
·ک €ج bˆVr0 —¢€4 ... € d d €J y tx‡lh¢!CٍOh€q*9گœVh~hha«èگo ‘r‚
oخ?هh y$ €ىhإ÷،لWî¾ـüع‰TBDجS>Xœ_؟ OœGX€! &pe7 ؛™ˆn ûv×ًT”+,T»» -ù©s jك{ ... ،E»ًو Q®‡ ïl •ط/8d®6 \ahv@ w!)‡Bs ... ë *
µ3يًë t rMغ +è aeôi ةبً´$j€#¦إ
?E 7 ˆ$‚ة O l ٍpµ:ئگ )J ل£sbبG8غ OC
w Z‰~
[ˆ°û!pr'F}@بةsd ITO گ9yژLJWp ° ... „'اG , ëlTG…هd‰
éOب cضء÷ضUd/ؤئ
Q`OM ًب چF8ù0إM"لگµٌ"²¯} {®%ْ!ل
lsذِّے-ْ lµ S RW
+W
7 جى +
d5آظï–VV
• +ذ آيPX×`¼»
2ي…بس(/17)
... ¦&ن ~ىِء•قUEئf Yw9ٌم–L¼·ؤY D+MثدسT1„ذشغإ)œ• >سہِىP W د©£ف†ا ہ‚ Lکؤ ]%€'´خںd
ّLPم"ى°Vهb
…ک ... ’×ضh؟}0mخ[{lWm_ىَo
¶‡Pْch`aےCP ‰¸b—¸چCثTي%/ ÷±„j µd‚`vü ¼
ب)¸G `
گنصVWu n%×®´¥Pƒ,´tŒ_ژب´c &‘@`U
د v w,aة a„فز&ہ^ V½ م „Eû
+‰s´Mo†Va÷ا^@صV$ ے7E
q®ئ8؟' ٍSZˆ o{P0d N_ R`` sû
%آNپ×° ش ®© …8éK8ظب,çn X
‡ >Œ’ـ ^PگoC0 I Dœ²… ز C«,¥}x $èذa~ص]X¯ـo±Ni€aœ_U 9ء?$p/O ¹ژA„خ cة´Eç}D،¶c
¼ @sgP·» H >÷ذ" û7
ےS :ذt7،8Tع`D،< × ٍ¶ص @uˆ†œJp ‰ض–O(… ؤ ?«° X&ُ ... µٌ¸ش_l¨ 2¯ٌN €c ن€K جخّ„qچïUگے ¨p¯عًS^ ÷س" $ ظز/…l،:أtS ^L¢2$-ƒ~ <I ... ô( نm:ژœہأ ¢ئa”=d9ن ہ ً
€ص  اBًC ^24ےS0 p،U-ث†
ب! Q`Dئ„4أW V گi¥y} (_Œ,يm@9$ؤ {
\à
"Z,ر$©bهط
j ¥\GZ2°EپK Sد؛Pِ t 4ع"…S ûw> G†گGû،8 ÷، ,
گ<~ًC!96گB/” ٍِê،´(ô bگ،ب h*£’€$/ن ... ¹نnsBًˆSAZ ن usBپہ وü… 0p$wز tBSي„€E+
)h#2—uR4 …ت…زہ êd”پ5ë…@ 4 7ëژcپح¦ a êپ'dà كي c^»L•t?OhŒو ?}ôظرش$o پؤ èن
x’ح ~uجPjqؤ xê ة à( N :SqŒؤ „bfK`ح…bˆ’±$ aُ8يiˆ(Œ¼qى¼[;3 [Y±ôF¥qم 1d¯T ¢ِ&Œ€èكط sâ حًنًhB'±{@حشذ>TïزVـ¶ W¼D
S‘)Hk’TV غخخ…uG_
= zMr وگ /@uˆz
! t4ً ´
+بü[$}جسà I÷1ء÷ر#ء$ً‰dW ءّ J
بL'ـRں(}×] ،ذèR ^/ƒ85±³|قbb], ¨u(ںü°ل
$ï d ةءءd… 0ب;™—v؛2¸) ھفآ… ¨fگPأk lhs¦ $(,iتI64ضW"_ôKxآI¸رر †‚|O
ےـگ×T ;SDx 2DpVS}ًع½{-&،,NP&L¦ِـ½‚>ض##ـ¯jےعکM»)ًMë&y+aگمط I o;n° ” 9C¼h m
ç( D/Cھ¦ Œdhx!´_n Tàhئ ˆ¹ض.ع€¥ئF
«yغcءIور à< C8TO
]è E*– O´%ن = j س- WعC(ً G †# ؛ےû„&c—چ
R SY ˆX —
|y
S ... ˆW[ْ“ô J_قئG *¨ ¥ T,~SïSک< ?ُ~&ے©p°$¶ˆچ Iچ @Y–ه SXZXZN
A^Ouكâ´÷µث8 }( ؛ + WR %ل @ S K h"اDYےŒsشUےû'KàDzّIx3" mu G %lS بءè ‰غ Iyٍë ،$ˆا كˆم) ءم ˆأ‰ 2é/O V7؟ûfا… ¦} ْ…€0Cغ•ü ¹@ثƒü¶RَH]zjnKأ€hqdن çہà Œف zƒôcه =پ½ ÷ u¾كہ uL? üQ³س®َPG · چن¥ ى„…à ƒë S;k ¶kف/'ë gـçy
Xٍg كdzT ... †OüچٌI4ئZأô/6أاéج[ƒ=ئإw ٍJJ( z< 0y ّ•|/« e ٌ7 نù .” ·C چDƒن ‘< ¾ A {ّFejچعO،’`._ü*…پإcSI_ژM B ]WSOµآ ئّà0 %¼—؟زT \ق³°?#
ë 'LآbHأ \ںآê •ثî ©ظ_ S²½A·jٍ ‡O طpغ°"i 1e¢V8 z' ي VZi ‡ ²؟!t6Tj ه , T)؛#شھIà è BV½qCًnPO” 8 آآHٌDAG¯رh B â بR ¹S‡ِ ل e,÷ثàحaمx .ŒuUHإUƒ! °ز!â´}}½pO±0؟ آDچ€
ىƒWن /»R ئOش%ظeàôعع|ً[ل,ه :,‰ 0K7 B,… `b ïٌ zàآ ہ#XُPءءœ«س©ا@ ™™‚ $j c Jن!¾l]ن 2ةüSS”}؛ˆ! ± R ´ r
s};£Fرب»ًk ،B‚ ً¸ 1(8vOA€آ ئPّùںµ +ب3غSZ +Z 0ى.P ¶6 ً× فz,;B `ءے‘÷E( ئ;ّ &…ة~ 7سيُ;ٌ| £7ب–9بپ @آ ... ;]ّ~ i چ؟W`آپ y
H…C r UHٍأى\wœFWپr€ % £€
¹ںO”ً j
UcLj
L i ]
•از /S éz ثططI ،.
0Kک¥— 5زس f ¯دً üA vwن¨ ë
PŒ1J )
7’çP ط?صع'‘A îm à% g M~L¶=mف5 ?>DآAa ?ـےkن + ... à|&U;½J»أچ ¹چ Mq x)àLجت‰uLوِF¾FOu¹=U€ خ î ?1 vXd ”0 ْKٍh إش 7پ6ٌƒ,APٍy +ذm ± $y ... à ذ23] Obء >Mب&ٌ&[/ lٍ"×ّ
گ ب ¨¨ o2جwœ‘]کü أ
E´÷m° U¸÷êةہo$M ؤ أ/y†à¾è3ذ }ذ=ِG=ذ َWS؟,VhP½ ;v, ? ؟SE؛تTb¼P ¸ ھ
®S=aل³£ gJM ٍ= '‰‚ ذ ب{8س?>Z Eش F¦ ê…^ى
Zج;E±Œ <V`ذï
üë f3
®ذ|ِأaO† كFµلا TjT…à£;T¨ üë? @|
… [ (r »چt H,|÷
¹ƒ| J‚[(اiظŒ؛
÷ ژکئ t H
|( غ-ً>r اC ٍ ë^هë$ …‰s ë Iچh ِ O.Sl-ƒ 0^Sہژ
<C
s إµu Uق!£ىZ îS )ƒ C G °ˆë µ ³T·¶©
ƒت Mf Sعنq|Jس x„
kِ y
4}B1)X- ٌâ€پپدُleâa[ƒ ´Q`a¾ ‰غWم؟
r`×ô ƒ«ٍ‘ژ@f كpA ظA ôfmƒےCچ;‘"k/حّXم„c q h(P5·عVO\yجط EےQtƒdگهOôôaœ$†ے uA ,W ج(ƒ,œâ‡
œKsگ1%K@ے÷ض%ح Rو à}ض¼ضb”~”î’…‚ …I h¶Y–w†ب_j ىôج ÷ Fè نàگ«$/‚kkّA–·hèغ نô” Sپàـè,oطûMM£زلج%ـ .€ب³àج. u€O H ً ... `Eء"·<:™ط_ EطZٍ+
ع5ض¹ àٍ ÷UهئSP ˆU
fظG Pm‰U®مجّژ´{¸ pQC$clœسئ…}UU° ¶U Mô©کe’ه ـىنً\= $¹r…نô
*²àûـ ّپ|
²èً'ن© gعجپ™“m„ ·رhO(Gïpب·>ئ@ ¯ ب`-³?·پبU97ل#{‡|àLB 2س=؛رتA±+ ¶ءبO-/£پئû 4 گGچاVB´0P DP
rَ K uىŒ†B 2×`ê'a@3
«‡9 F&ؤ& ¥ ہعk
غI*ء9
i k—L{t$+tuiœ خ éٌwرے‰W•„uخ‡h. SoّكD طص ù±MôزP0 :Lَ ٍ ٍ¸‡Bص‡Bdü ہأقS@!أ ’'؛·0ˆBT Œگ 7ˆBZآQt eS7Zآ;إ ه ظئa6²ˆî^أ«à¨Cں» [!d’Xآ فر3:P!ظˆ ... ع¶L; ïXىr>> O ،Formس vإ$… [TAژ`‰ç>Ar…$DA
Gٍ¸SB s( ¸ – ب‡U ظ"aS،#¥jَُ@O [Pش¼ü’ں½؛گVF { ّ، (GNب“ّ؛œؤRô،ن„<ةü'ô؛¨€Qئ’/yً،ًّ؛´ €¥Rُ&)
p ëY{¹ wmf Oٍ€LeicobmpèDa goءْH¦ E± ب èˆD„FMuè ’ آe d
@"´ï‰1Kٍ( ‡ ¸F ... oى¦p´ق
U y”'ص" 7 چù0xغ؛ –."pb¶Yژ مBê¹-ٌ Œ"‡' ŒBکنâ" 90j Wء}ئں0‚خçّّè’pّe Kpےuا_\ةم ) Œئذى( t< « Ho>
ï5D|ù چB ipboٌ ƒ ¦ إ َ $ £‡»
¸Kژ ب² }0! ،$د€Q O…"C
—F¥ک ںQگâ
ذrر»p)ب;yxچد ‰Cؤ ص ى±uP8ù)è7iwƒ=L ... ½
\أں وSy€£&،ùبIع >H(Œ|„£H پ.ـ w ک™X! *¸h¶1qا
VX1±×Fb¸°4 ™
BX@` ½ ‚ھص¨„î° (ï>×_uGˆHہ پ
؛lےPHP‰^ S ]4Œ!د;O! üâ؛ •Uة_ ô8f v~|پ|
0_.ؤR )y@Pں ‚C„5Iغ¸iک`GB$= x!ل R P[22ûC#X‰P / üIv ¼ $‚»
كZ ™0؛,u ‚U\ {] ‰a±آ×5ض ® ^:(µ.×B``±¸iقشآ^@ˆœ (\oIv04N
–;ë%a‚، k
T7 V6¶ ... nW+
|( jا ” ج|ر(/18)
±‰1œ £آ{cً^Xrh¼ 6 ثX _و"ہQ“8|ا¸9 ny¸ك‘ ن &¼£aïoشںSM¼'½ ˆ
¯@« â SغP”7S à¦إAك¨ULE’aû0I ہ¢Hءص1Sم–0e-بr%‰خو‘B¸أ( B¾ہ <„±ٌ t Œ_ |;@ c ؤ±?#`e<¶ ے O
"> ¨ d5ق ك ¹ثش—@ G£چ /ےWئ»8&پN&قثض¸ïƒ@
;،] k + ح
: ج`ئ؛qxù0€m2IZ +m<´•Mِ–¦JGط[ ²ظچrً‘ْ‚H
“ءچ ِے ™آ¢ْH
†2 3أE,غ:pژv / w Hƒ4o:`l ىCکOPطہ ~ ن آ]ù r“ذn‚0Wا®ˆ ¼%O ّ¸ش<J ھدs„ %û“ Z€ـّ؛ â¦پ U‚ A7¹–,†éu ْH(–®E<$8ZhِX €Œ كّJ:
`u
3ôCm ²l
–Xh‰جٌ£n ¶a ÷ j …س ´ dkذdW ôë7j 5Pqيî`Mہ NْاŒn!`£ عp2r!×ك´ 2 ح ¸
€\ب ¸ ءQc)ك + Œ%،t#%<·أ± »ل‡چg ~#Sh\NVhh
J…
<wàL ... م\َ:<¾«آ0
‡»“ـ¼H
”kû`OہMa‡ ”!
`ع¦MDƒçK/لھذPâ‘Aثئ a
w A% ب 7c6ؤ‡0`$$ O —…c œ 0 Jہژ´{[,؛ ,* W+ـ÷ uœئF, ! ® 0 —](PBlکtا¸ن †+ ®@Pj—0>
]C( xے;ص² “J ¼(‰S(S@,ˆC,ïM>ئë àOB]ئ' +O¨gj\pg$;ّ )p؛t… C"ـ4 #°YD¨° ژnط ^‡ےطƒً‚‡2tپ¾ي
jےVء. آم'è
ëقہ ‡ ي>َj
«ےL ¶‚ ت><cHبز
¨ U;±B‰g Œ t'LبtFE<ف خ–jt ... ؤ ~3îزnNâ& =WقGw~ ع)g‚´R;$F خ|%#دFgaNأ
ب!‡ F •0î€بAY $9H,5 أ @‰%O !Q Pہw“¸â œ uفدً –÷[(f! +ىں ¶™ë3Tjdûحƒëل|kحT‚ظP ذہّ]yë hىK[ًض–ن+µd÷ء`k Ff؟/tD‚™
¯طùأ
GMiUca uWہ¥‰ „ J5¨ [ ~ çB"d† ‘ں –آL-f? ... i·@-6w3 £ kهژ2 ‘ً8؟K ¹گ ... ? P’ ... O L
qà$ çگ¨ظT؟چ4 ¼ë »أکJسaں Y+ب9ŒŒَ‰ “ 鯃j— ؤIچP©®@2(”† N
3ˆل إ
ً•گ+
(أ C Gë'9 à! G3ح ABھ! †uZآک[کe لچUکئà ے Wپ}ہ EMFt Q+ ´{ةf}
(“چEwtp"j£Mب dوBط%ژd™و„¥IئTلtO “ً ... l³K Jثٍئx¸+E° ¼´ °م€ ©‡طj @كQ@„ ... B‡Wگ"آ ق? %ت¹ {¯ق×حئJààsu gقہd ü`… ƒmّ سّ
à ƒôے YèZـ »’4 f jè
flF !|è D`9VآRe·ثٌ÷( ... ‡è Uن+آi&&طح¾9êوPùl, خ U¸دëLز ضعچ+I¾گ‘‡…ّچ…j‘iO$ئي
َئµm‘fS’
ژ•زگjاA ü 1pN ´ Dƒ ‚ ن،–~S_,çS‡
پŒچـ€lأءXŒ؛”J¹û& ÷ ئGل7xlˆg„‚ج´ù…÷kà B .÷ s d €x ئ „t ’W©ًZُ
œ؟ˆ ^‘® NVrثصX€Ov‘ 1#’² `‰ î-H } I ... پfm¦½…pچ+
$WˆJ،
ق ,ط e¹i†Cx1Pز D
~غ ë?\R،F
-@¶Xd ا tâpز ¯؟–a
-7ه لAً ‘;p ’¨¥à¥ ... ي cw!¹گه
…LAp~ك @r$دHTô è
بôWèعپ üT;ƒ d~ فdاBل¨ ؛œ¢àn
»D ... ہ¥شeآ
ي( a q"·ہ Cذ±@ہS ... ،ëDپں©jث ~dفbdh„ھ pJ{^O"8,#o
قبSX' ) XF ‘م Vâ ‰ Q Qt`f~ِn¾گ لپŒ]m Xç¹4€~49Œ26ç’ 8JْF3ة » r _+_`¢q ® v D ّC ¸0 Up=س€م† ... Zأü KVCˆگ¢Fâ؛گ 1l™ہ،
P —¢‚]!é ّ! Dز+:ـ[ „جAژ„ مه
<ً
{اE P
T,’~ €ً آƒ4¨گ–.,–M,è &9 ê ’ +زٍ_¾غ£Nfxذm )Cج عذ` »]
-أض)e;sG†
#Bµ;Uس ب
آ£?âH :ںي œè
اœأj ¨T چ?Lخ
،Dد ˆ U…s(©*LS œ FA´¼رµ ہ¸ط ZلدFéSCJ·، iءژ طبî‚ٌ hy ص ·-¼يéثî ÷ZS [X—P † زQhعD œO ¥'4 U d·w y¼¦ˆ
w
‰ہئ ہ`± )
ضs £³،P ... +4N ،ِ¥‡FY °¦پUXژY`»[~"1;3^ہ3lEؤ
بخ2– ا%l6ص4)wًع…SآےM»ھKجگ f ‡€Dd]هكُذ
hi{ة8و—ُt¦5ذ%W=&Xُتآx R(q$د tذ ;Jûع& ن{¦/b…ü، Zh‰wX\²E
؟îg„ •خئuL,aإY†±^PN“ 2 d|\„ (¥O%,—u°` jے1L s £.‡ح*¦@‘÷ هd[hMبsƒü[گو R؟AXذN-ظ1 g¨{ ـِھ ج m ئi7« gI`4ثzp ¨VaھکX‡ز\sپUلHî\M 6 ¹
حQL` ]پ s`¯صZ+9ةOبn¨·q¶ ç9¯@xe( K Dگvکu
q"t '(֑
&½ q¶کFث ½iFd† ~(أ\ چFlŒ‚ h çLق e_¦;C t ±C .ةk EغC
dم‰ Kr nBGu ×ًû£A بVPcYّ-„y&إSوت¸“ حًےں œk°ùzغؤˆXچu. ژچ ءvًƒx‡,hï©…’P<nâطYGlIِ©ŒƒH{يوہTdل×'ِˆ_ /ص tBغ u<÷—¶ i&ء u ا@ }~kA
Dà H خçض% 8 u ے…v
خ
8ھ‡oچTsXںحv"·م$t “fV ²% vH;yDu * قbأُ s$OگO€ ô0 xXTxE ... م } آ أ‘hµط '± ش؟!َ[ٍjنâ–° (s^قMc ... cbf
B A ¶N&O *ƒِî
[ R ؤژ-ِ— £?ك¼Gء]8â¸,َCـ ه( ن ا@E<d ئ÷ل +& Fپ±#>èYےnK~ EèJ‰X&îUـچp کà S؟
چ´7!’
ـv´6اغ ح(دص{3
Œل إـ(ئ½#a ص UO
Dقˆœے”
رµ 2چ?ô;4T lSyüçoب ·ن؟گ v%¸0 غt ¯{Jm<ءر€A8ë#{ ƒثر
l â%ïµ،_\»ىë=ژج^´o€ّ t ... Œ Y'ء ب*إ D™ّkسlübعہ@¹
يjQl ¢يuک cبج‡t è fGW³;…| أ_PTII;E€u>µv4[ àئ•©‡ 0ک1U "t ™“\L†ج*|
ًظ „ K#^گWA?G° 6)vSK 3غkاىط® o L2 س\$yj چ µآ
™پش;ث3Oاïh MIفط پ y+ +گî(ضp]؛طµaرœ، 3Tطaھ) ` ش‰c´'‘-{„*،#«چ@ ¨ ّ©!lë hb:#E %´e K ؛خٍ1àژêP`کگ¯àف2H5±3ئ à |8vط vt2 A· 2à3TS 7xکL"y^E0ي³”ے
jےSùVEOَ8چ«ٌ¯à
ؤCq$ ع,
[ٍ!-جSمTb2“=لة ... ،oث
Mdآً]چب .» ‡~"è و ًخژ!7C· Œ/د ...
¥ Œ ‘•‚ tزF:َ45 $<.o ئ ´¶ô'
ذکB r
ذ l¹ U‚VO÷cْطh# Yوٌئ êگJغ'ز #"“,„ ¯آہc
³¸R…D د¹پ†لہ¹ک¸”Aخ ثà> "suگًنپF ¹hى ‡Bg±ًWGغ5گ¢ئةô¶أً م’²OفئEï v mp^¨¨‚خكh²ج0Xِï â
qS è2Rdˆ6÷3 -ع)ًً؛عdLچ¦ً¢U`+&i ´ Ci«!÷S2Œً€}ï-ç±ب[بَت²ôyند)Zأنa× ³ً™F
- ... kچءؤشˆ
7ط`DH¥ _
pèoةاG4آآƒLٍ
Qw€=ؤأ,لˆp ... çl ¼‚@ ھگ, ˆG F,ي4M F¨( Eض€Xض] i¢0¹¾H
... آx´S±7†=}غp ٌ† ئ('SF!g y×Z!#4482ض†
Pët)&ùَT¨³' u د ´¸t!YHنk „³ظ"
*ذ
cص†ù: 2×oO ... ہ!>“Q¹ عYˆT†tپ|kذA 5ا?µ;5jإ‚œ.êّ´ئ¸شَأپ ¨O), y:™°
ا€ىt!l-qp@6ہ
ض €©«7 )î&ّ0l، g ئ
oŒQ ِèèN>ـ¨`P َہ>> m ئ@1 بشF é6? ؤê±ذXlعيa
ˆز œ¨V` €'
"H ... أ3^; fƒa3چحدT±عXگbVW«´u±[كن“ْ¥nCüZS `¸R†‡®ëأہأBô .F /" ¥پظ8 5
cb’#‚ gلƒ Z ¯،} -|! سV* N( ل$é#ر•)
`*]8–»(/19)
ىپg4j إ”;َ ہ ... ~0K`dë c©œm V j چ$i kب DQ¸(†+.hض ث@]à clء Gز,ظ4 ِنèو·ہ‘¸
è…ںI
¹•èے+
aه MG
+Gة ي¼ ظF P_ ²iء'9 £ھeہع
PN+¸ٌ½4`{@گ ... Eضخ¶ظضƒ ³آ²ٌ
oA
/ `¦ ¼éXK ]ّR rّéص©PB
Sq¥E;?b^(ر q،^ ~p€{q? ... ه
†S € چR SSO‚ج•F
@%.سPO? l«+G
a5 ,'k&
w(Œ²@ش pzl ئSX
7{, ƒsفرàّ (~s…ً ¼Oˆ –|,‰^, r » S( 4اF0pv¥k à4ےء | „ : ¥lC@pJدv ôLًg
1P u • ,i¦rA”IR ... ü
7 ŒنA(;گ ژ…/ç
”pئW7 /چ عx T¨„پ_ ûR´ /·4=6u,ë¼h…ژ™¸€ë u HP©«qلùY@°« c+ „ہb¯`w+è SXr¥eè €à²_ك گEVâه jC -=ز…ئ ا ژJ ‚F*
بJ ،ِ>زû f eJ f% w ـ
_Is ٍ…èتL , ˆµےآ¦كن(خ 6دubB`doi;lE ïdBFPYIâحI
ôR'»ضmw
=7—Iى 6ژ¾ك.\ٍMآî(…Rˆ Xـ@pé ¾سD!،\O"2T ¼7O
13J_ط “\±g
ƒ8eO C 'ًp ... MF
،rض%è{ئC2 1
I?4ة(€ 0إ 4ز – —Œ X z #± عگ طM>yء,2 آ6تk
ئB(€چ1¥؟Z]) u'j
V ^عئة ء™آ/pA U(÷êSP ہأ>ہDل
Kˆ]qٍؤ kNة V±B l…* 0 !M£¯rًp ك} 5…غم$„ bظ oج¸.ث،ہف ہ
]¸,!آU ... –سGC.`،ُئ@p!ë :ےF"ضئO\
»…EقأŒ¶ق† ³گ÷ %ژHŒ©€%¯ o½ ت7 ]
p ط6لGتًچz غ.SU A| ¥p ,d©€…QدLِ*¼—ھ چ)ذ'BژnblSٍّS«ؤweë½3"•H[dکyŒH ... چهٍ½Y£أ qYbء5.-f_a Y ںأTkگI×ئToھ•،Uإذ ط
îC:Aà†ŒOض (à
÷كV±„ ءك rà•
¼&إàMW
µز @ئٍ‚\IFأ ىإ7KƒL؟¸ƒ«¹ إ.1H ]ؤ ھِ’S^¼
¾DMَ^
µہf
آ ³ً=èƒî
O¯kMàخ
اlU袙+G P`ؤ—ƒّO؛
•ذںE™ :ب‚CsYآي¼ّ @ءظ ص%BMب q رoX Ki …+" ¹Rپ°ل ... –[ کآ°E#'ئ/¾ :~e إ´)÷ع‘
S lA Hmƒt
م*è E € ˆن
t Y آ
(u-7 ‘ُ=ëB < A ³µً8ëUن ًہ) ^ƒu
B(
g ... kéd°G|¢±ّK ¶ ... ‰‡Tf
i ظأtkë^ 7OïS—0h ‡ôQ+ً?Iٌzeژv ¸‰ؤO¨نLhTi
$؟T—آ<ط b4Du
رqPJ¼G9 „ Jٍح©ىpےء¢ز¥àAخ_ 0é¶ز
)¼هx™ 5ش‚ë v*$ر 7ى'sô! 'Uژذ;جى¦’¼üسƒ¥ P ... Rj ءI
kˆG ق¥ „TçءZز<JWعءج†VpLهشYن éàپذù~آپ[Kچ½&™ €ل ىù>€ةء:ج,ىب O G;fآ£Sƒaة= ... گطآw a ىç vىX v ^v ذ ن*Q¼ H dùش6نT#°ط³n l‚” 2²Œ,ک œ$-م¨ہ !بO 8ؤَPأPèˆ †
çSهI X L£حطC‰"… غDZ,ŒKد£ة V ea‰ p ½ †ˆ
¼
‡ë*‰ ` ... bھ÷fC ل
¯ً…¶^½q ®(@Wh±يك¨fPّQ (;~ s
Jغùح ¹‚ ï
$IW~ / ®)> ë ° qف 6i»
2ë ف —‚|6ںؤi
MzZک؟ %âœü £ ‰إ¹gَàا¨‡©L:ط‰ ث»ہA~س Y!
XNجپû ... µôا p
¼ ‰K³GPت4ـط ... ;G ط!
î6ئئî “â*ـ |آT™Wo پQً_ W RSWpR–حT 6~ƒ”°ëچGأOswBط Vyëwد زƒإ^ utا‘چwـT:©€ _ƒ èCظ H”kâ `گ=أG £èTم ؟w† ŒD‰؟ë T XiŒH?ظ b—–F؟ٌ t.dءS8é
ƒئ‰ء} ح چNصV N”T –
¢/ Z¸¦((چF0„پ8r{
çBىغX; اسہ)
ل–طَ¼
~$ & ےD!ùنا×اں K¸\Cx f¢cلًه _ „è¢ ©c{صE)8 ù}¨#KD NچIدث“ْش 9kاSFXد2
X W ... ü €
BBچH HQôإ@×J<ئC" ءBے O;V4tAپْ¸O ¶ ئF8@
‰-$8"خ N قJ€A™؟¾! c’dَ ةP±Gï b;•4 ± 2¸P©€! شR1BqA چrGْ#, Cاhlہ _Zے:إ<I SVt ‚ .ئ7|JXlپHV"#ˆ ™†؛ùs‰x¨!n(UE´ُs¥zي UPR O lâ‚ژm<´€}{"وƒ*]°
ù>/k شw ة=£/ ° :عہS;uDpoئ!Q ²ة ثى،,h/صہ 1Y
‚*Zچ@حA_Tل%fGs>kPہƒغ~ء
;6s Bbu=hƒ^ >u6¶t0ـ \P*¦*÷ >0îZs> v{ N” E|™C
ءé
d أ…ׂV¢„ًخ آ‘ Nهt'¨•خ ... !t A أ¹¦!7«ؤ`ü¶\Œ%Ow ˆ“†0¶ P“’¹:يE" ƒا ،]ي @ „(~ Mِ’غ| ¹
ë;CU0ق ءع¹( ظ ِE@ t 7X‡ذ®ءynEpkˆم¸cŒXL * Qط7 U{D I ¨„" ¥T©£±÷&*uةتک
^ ؤ† , ¾g q Pù خ„¾ /„€“'®¨طؤu5vRw VمMIہ€ «¼€î x:~ ‘Q ~FW5d# ّوثzS <
( €CژCغ P چˆ5 Tھƒش
¯k ƒٌض»a"4 jJ o% پ ئG! ihR +F`Eگ S *O ... ù
c ”RB4Lْ‚ ®ûG]ˆ×؛´ يë
Hiہٍsئ؟g* ƒ ™ ·ً:K‡tح طL²D ±½Œ8ص1 Fةa´ °Sم×چRëukH
ا½بN²0q@ Fژ-²ë'
[Cض0 ر6ص´b•[ـ©:k 4ى -‚@UN7O K‰؟ :½
ë(،DPO–Pl "™F´Q$ ل¦ · ... àYَ} i n\OطMحw µ>Xأ ³ ÷
2¶ ه5’
_†C^ {رخئWْ ... hp; كEِnءƒک½Uِmm‘چ°»7 _Xjگخ ... 5s ك چƒ”خد H 5ا;؛چپ ‡دW‰ ہه¨¨ts üپ،ہp@_D*
ï°é rs«‚Hا÷¾أk J£ د ¦`M;÷‘oً J Kâp
n ہًأ= Cƒ2 A\(
ںزe# @NHظyؤ ´ç0أ،€y
l$âج†7,à
¥پ'¾
ن
#ح·
}”H`ç ،l' b „sF'S< €]aoZS£ہ;شeکS™¸\ zB ؛ ... i\£ چ}Œ¶7ب³ {
\ è'،@Wك|•DضT _ؤ S\$40پ سh¼ت¨p8_jHà
Nwj د£œD†Pi|ط*ے ش®¸7ىہP,€u*Bv@ل¾ ر#£BِپL3زw ... ˆ ¢
ً f ؟‚l‚r ‚oƒSƒُ ح~[bƒNüz > ,لU Dز-,
Bnإh… µ¨ ($Ofا ... ‡T£53گ`
صV
ھ× آ’G/!آl¦)سûe‚B½ ;X uê Qك…„ثâ*u6» V]‘%}}ھ!
uأ8‰G!ل é!_à°U‚Z}ےî پ¥! x¹ƒذeê?كi ü| k€ £
ظ h ش ‰Xc 4<45` ّ>KV`ى4 2Y l© éJچ. ذk ز,eظ‡+êش‘\¼•غس ç „% Hƒ© à ءnئ£Œ؟ Jƒت B• مKàْùf_ـ¼ $|_ ... uت
آچS€ ¥œ i0[€"'¹H,T¶^·oôaEئ ‡شkبkX$#»ژش2“ ô@0ét6… %ü-uک< @ dˆ@<> h"¾قءPِ’أ y0Y
ِ°„lxـ$ ×µص0SR–•#Yiëق†¼صف Hک•T،Pة´iس1„Yx |2آL2€,ه|ى£ چDh` ¸h ةد - xAia!يب (4` ’ا—¼ص„ىث> ي`ذہرَء7y]ـ j O£87'دmj <
@h ¦آ
pƒ½$£ sƒG ء<f¹, ²°SD £ق گ
y) |€ؤل‘g رآ £آؤ ƒ ï!{°ï‡¹ \a؛° £Ct ²ظ ™œ¹¨^&¸^Dٍخ ;ذ · |I^m! ٌضدگ گŒّضŒP6ر€×`> ¨i*ك ح yŒطB
8ش*ش¸دؤ× PQ×ظBX H¸ض D
اTed¼hï°ں طد,ط$O%ںl×BxظB$
â Tv @%ے0ش*رپWv$RچS /±fI Fأ‡€3° مs×Rْ ]uê ¼@شثé£ôہ JJgvDj‰0? 7 (Hç7،Vچ ‡‰ ج¦؟ <(]ِJ IO¨èF !دa j ©.^ 7 صطAU~ K كn©ظب‘<گگ°ظگ6¹4„H گA ذجبZ dؤہRlگwصQ"ةطأ6¼¸ ƒ
2´°ƒ
2ب¨O œ
2ب ک”گ2ب ƒŒˆ„ة!ˆ(/20)
€÷¥ع9’ r”ع”¨‰ظز·طdپq ,ِwغïہف:ِ„€¸ہNuvƒ=û ًپ¼`Mد1€=ب+[ ‚=(¹گ^ ŒفحB°¸ت´£ ?SH³A»uˆ Bم،Sn$‡IOگ¹„ïù{÷ë
t ئ îئ€ %حc²ء~غüI8B* üSB&W‘itor\ ؛$6A?ً|ن ]ہ ¹ ـکqِ-بG] Sے%ë7] ٌ ك$´ي" ƒê r t »J sâ x ئë
ù ... [ز
Lj à =´~ Szـ3زؤن لMہ z rs>أ }
آw#¹¨ـ ... قنy W 0JDأ <5ک
Y/Xءگ‚—·C ~$
j aكOaے; ~ j K~ ¾،4 5ـ& س]/.
†)From°ًù „ >شu²y>ز<ء!¹<فœ° VدأsœV?œ:'ؤد,
ذë*Vµ َگ;cـêvOق3 të
ً|S گ!S0ؤج$و' kط(a)Oَpگ ءأشفHOS"خة Ouب?ŒuRطë63غ&x &6 $Iً} ه5 ز\|UE
ءکEœ»…/ ˆ…
ـà¢ٌb··ˆ ز\…}ؤOق ثةء
O1¨nپ/ ƒ¾ےشudA`ƒ>(r¥fأ— ,±0|eج ¼•پHش m€ے!؟
j Vچ~ چuًV&±”(³ ü9ے>Lr h´ چF(a-|⌠Rٍ´س& ¹
ISPLAYإxك
rٍ< ’ گˆك گ+dJAئ 'دsLà° ° y ة°\à ®
¹Wش}uٍ< )¦ا.¹€ل´ †’ n رW,¶گ©h رh#ٌ€ ½è„¶هMr
‰EىE =ھ*’eں_<- d8y ّL 3e mD÷طœ
p vW
وd^ !c¼‡¶أ„R06W+u$ûًi
(1 ë->ك MI 2 S(Vh
†& &OچZآ4e ‡En
WQہumضlayw % >s hô.ى ىہ£ضا ھ }#ح³y œ¸ـ (OfOy6Pف¨è¢y6د¼ق°گك´d >S„ˆكERںًْ‚;DLL. %âH ب$¸,â3 If¸nرگç9گپ e جlàv…)ج~|.
I\à
>S £oآے™A X“ü° _س £¹Zز غَy: ... Bة»ک–ن'´n
Sبl„FkS ¥²ُ5èf I±2…ـ 2Vieweكd ... ±9$م IّهkO 9d{نâBسk¦گf `v ... حDلءp½ia {دl"y م ÷
6X© ×Cdmˆjکپ ن
نD•ا نC ضp Eصj·Oچcئ„ اإE g–ے ئ2 نâB3U`k âNلض±°G لب à’iث ط ذOق6oنKشـ| قگكOنة à¨ل
‚ E +جء6Mس´ث ص©±¹ ه4ث¦Y #كنçï eMس÷ے .ى“صژ
w/.(=ƒ4C
7G,گ ... ؤ µô k €< وBtٍB M3
ك x
اه ù$
Tظگ°“b خ*+ 3ب,-‡™±NP3I I ‰Tْ=N² F ؤوش:û9„ e¨ه×°£&عـü، (ط$س 6 مsاAمNغ ثوô BGاSگC½خ ه ق,%ظP†ذ { çF ïaêّ¹(çok@ـP1‡¹،7 9 ى0€ء×1!»„1 6‘çV‚ ©
طuë± )دکLE) ™¹ Ez#[ا p‚×اب0™ :¸گ )$ ©س &چّ2€Tµ¯ج ًn ô ً_£ضƒ فBéكI' ع8ن4 „'ھ D sخ ل €”َ~رX1$£4Pé\ ï@$“ô ب ٍ–}ًً ـ% ے%E’Gر²س÷PéA اک
I"ةûŒھ…ئàكءˆ`ج
+Fإôlaj | ٍl
h ¼ ... AKw êFZ €u ‘ كƒ½پ=C ِ ض S آج(F_$/ ƒاM<jëI|lâs ظ u0y ج¸ƒ „{= p1ER3 =غP¦U^ ¶„ش–¼أ࣠¾ –jQ+خ@ Dô ¶×M*K©$™تژژلt U ؛“@;X خé< u_xôuا –½ B~. ’گ Z–ن 2sْ3=‚cٌ cë ,'yœ B“Të ٍ
)- ~) ً«لt %ë ¹ - ؟ «شمة`4 3qغbچ–گ÷ê ؤ´?]ى؛ آ }غکچG$ ëP‘çG ک¯ 'ّ~ Hu?´ “¨lف€چQf«نرءF:“pىd] ®خ#ش Eلnؤ=}` Crًً‚دRiك@V \ سہ- ّ55 فU?؛Rh(O°ذI9pPثظ•)`@ Œ…îً
ھ ہ'سآأ L2ط ™×يژ—ز'ژ[سf5CYé TC€ يG پ ¢Xـ +SX ،ثص¸ Z /Mش¹$!iن¢±üƒ84رِد ¯P± O v4= 3ى]-b \m~/‰] 9ة;U#&R™Œ ;EاEj9/ـلذ| E=èأ Mن
–¦³ىxôـإء†ث„:ا…ôAc؛/ـEHچسdë"Wى؛
nzˆہJْoً Gئِاà Fعà]`#ë$؛K YFf©K$û•œ4 ŒîذàùX!¨·&è Ot`ىك¼‡ï ©، ‰ ŒYہ ظ{ٌ€ê u ¹,5ëm؛C قAfC…~g/O‘k ً ىً¹کأNh’ïى ´HءF82CèًSشdè‚ë <éءüل¢Sژïè!!C² ً ... N„ Q †.َ ظoظ) W
]
©
$س2پ
#4_چ®pX3 + °نp—œًïگ¼.Bj =ً– 0بً4 %دI «’ًً8" rّوT: ]ë ٌ ظ‚ش‚عثں% a ه
ٌ °J* 8€)َ
µ؛ٌiٍجuٌüإ$؛
ءi¢گ seلَ +/f² #رخگ،’Uhg ûچ ë2 # ظO0 ّةë شë V ™‚ i —³ kءئê44 :,¼ — أك0V$c$ جs2” پي+ط;h u
B ٍ.aمU ! r! # 2 ،Kط ... G_†کLٌظ\ƒ~sFُژ L w\ 0¨ ... ؛…I ےٍذs bچ{5 t =èsگGl؟ َذ&y،†.ں5َط`Cr@<َطo&2 نyـےœ’iل i‡€z
™ـ[ ; îP!ج ... %ے 0D ف FfN ... dگg
؟Œ•ـO
¦hL±ôط©ُ«?¢*P°KHh\&،ن¹نظn p „ن¹ن¹ œ ´A ‘‘غ;€ٌ ‚ِç¸àد£ yب„<Aجنہu ™گننè0s! ٍ4èüىن@>د ى ًِ™گç9(ً(ô ٍ4 puô<ّ„<د!hّTK¸sبüx … ًS¹comctïK9
`^ٌ,âo رFlaـR+M &U+ _j ... آ ى6!أN تV/S Œ& Enlپ=-• _how+ Aؤj؟r/ ™€ » «‚ os 'ف يh Sك×’—œن‘ِ ;کِ~Cƒ ;م °ِ ^&®œL6• ًayouY2¸ ‡ ُظ
[J + Bot £ ل StdCtrlsگ8÷o
àضعµّ ج6ّ ˆ¦xفC >؛ ¨/Dك7 ¯“ ˆ< €0Dہث؟?^ô0C/2C L Dه{t .7 +l^غ´ ن¨ F Px ·ظf¹ً
ô >~ ü1—ي²ylہ 8L ّ ~.y·y?ذ8 ـ ¼ ے··ّ/_tئ ° ° ° ° °اےئے 3is'$ <طü ¶ˆأ hV
د‘‰=<ôbel_ )ؤ ¾ ZlقS
ƒگ ²‘|ّ ùPب7œ ù‡ىِB°ƒ ... N Tùگ® ء5´ƒو 2 'qن &قؤY[ةx D ض ذ°\ ~ن·غ ~l ?à1Cم6€'
... ظŒ¼lق ث‡a¸ T D i ¯) AيZ.à» 1mS\£ƒ7ن AےضZ،‰oˆLذ_ˆpD€€{غˆ ‰ Eغ
ق! ¼تدdّ” گ;E°Hؤ] د[œ|7³ز€ے C o2ر ث¼ثغtkpB6h@€ كً xhہraدsh ;س&z Kô}ƒا{ذ
DCg¹،•pتƒ گوI _4يAxHK“4D]`
& ² O&¹،=0P<d0°;D Qu
¥/dPShôإ ... Y $2€ Foc » `د –&–hXth}/2™ — ` ٌإگ,l Par†وچA†اPZ(zث0ù`Q
JM¾گحYگ
cCزژçsHط ç+¾، آHàج
E |* –ےq! اPopupMuٌ زًکp
8 ¢ "îثŒSl4
OmZN™ ´|½0ر€ èفD ،ŒT£aگàc1ث-
p9œ†ض* nà”K!·¸l^
kزW„ <=إ—«u"VisivBoM ‡O„°# °g÷÷ Wظp(†AïD 0‰ے2ً½ $‰On½ckxزل`°{y0: 9%! طBëٍگ´—K”(P(&
... –³ءD
خèh»ر9ط I'( —بگ4ïœحIًً(ضS-aXک’ ـ}T ’ ) ... wdDoگ!iقغF *‡Oyغ–xجظذذ+ ؟ E”
<“wnـI†OiJطط,!iop ... )–àJà ج0»-قKUM€&€آ°سگ.ںGEdHsgîLxx/$mùLeaم
ذ L أ b00.حrt ةگ4ïXخK 1م؟°a ب /
TEdi… à ... .¥اN oا3ؤ6 ecNخrث ـl
peC LowہّQ`ہ\ےضL{ ك C @r ن£ · °¨ظC؟ü;C چü?جAD 0چD ˆVPF4 آ UpC؟ 4 ÷wDˆg`Œ؟ ƒr*آو $D€؟è4¾mن ش\ذfLپ P|¾و²Y0èC|JWw 9,كe[ؤ 4:€X/„X<و5كضط p‚×O`~oـس-·بخ 7C6ق8f ن… ×Zک ذ »C° xA ےï ½ °{‡4<6Mس U ً¨ذ,=v،،YdطB
ة {8,\ك¾ %ز„
, t
ظ!ث (کmO „ ںî7
wTabOُ Ob™i` _ٌّ o ےBطج N Tے ¼نلt„»َA6 8گ!BE
BـJ9 E
b%œ(/21)
؛ژ ²â=Hüطسbئp î¥] ژ BevEge4/iعspHc, „ s C ً ز¼ظ“e ن¹گ
Iؤگd( ¶ ‘Outً$CŒµ ”iEsک°à °ü4½ aن"17پK¶
J 5ؤ ° ،cن" ¢ ىX>
خ¥ œüہƒâH¶BS5D
€
QC بT2• “
1bُ îQˆ
h45sHi؟پ÷ ;±w´×?„x9ZٍI„D Ime! ¨8 Dطˆچˆ0 @v C ے، غ ضH5i ... MaxLeng†OiƒtSF x"%â »EMص dˆ _#ٍ=’e $© Kجƒ±Hز\ %ھ @†8«&'’¦`H(خ
ü‘è7 (رQsswh 2ؤ‰ù) €أ…l”„6*ظ„ 2 œ1ة 'ï+Oؤ*ذذطّ xûd,p
~,Eû
Ju`ِA .M„ إ 1dˆ )."ؤ ...
° – ±‘Jئ` 9J†ˆ)01 23 45v°ن*6lہF8q ’ہ7 ?ك<$يبBب8 xit,حp†Oyحطط9Z1ئ oھlFàcن!ià:
P$ O ^گè è 3¶3;HUp… ب ب<=
cة>é?Œپ €@ب_1 ... Q
Tة‡6 ذë¼4 Yئ
ِ
sgظگپ؟s<AؤˆWŒh÷X
gF´vيp
D ^ ,‡’ ن« BC DC $ گADBC ¨Boق ... @|C ط ‡ ق=´ˆ‚
تےٌ ´ Mس ¼
ƒ= ض؟ %`V# àâ
إb/نE à
ط
نSوج0
Cyأ‰ Tدط
2صj ”l Cu8؛pة
$ًD\% µu
E1†ں ة 1Y \$ 2•
€ $GةT ”\€L iژ r ى ? Hcً
Lف ئ©™¹J†ˆK()yŒ&$%‘XDمکپ!
صs € •پ\é@†-'''
ك….Wa
«Œ ... ean_(³+ r£( JعE€
Y4&lD0¹`ئ* /1گ£d*23گ گ!45’ گ 67(¹J®89®’،ن:;<9J @=>9 9 ?@ن ن*AB ´ ‡ط h T w<!
‚؟ ¶4^ ... م
T Œ#) \ذ! ‰ ¸!چ„4w ىVگ¾+ Têک چ_h¶¾8 ؟as بµ ïإ 6¶ہئ ³ œٌ ™ذ L ïQٍ3 ؟شضC ٍََàDCب
Dt
D´ù¶w‰ ... EG(>4ـ ک@ضعim F\ „ ” ہ fظs<V
ذ
5y D0&نè T ؤx >” %Buمn ںj yہ ·@k×^œ x †
ہ Lں8^D/y"ن E4 Do*ù LFCR‡جنƒ TSD—نVDû ضژDH هïےظےôE 1ژ
ح< se| يء&N -–Pف ¶E%#V اCk—¼ à6
ئگ¼ d` ؤF ٍبWطGC HC<
6Pf # W"q ; ?ب5حغعے@~° 4I ,ˆ(طC ®NLVف~ »نلأ¸ک é0%³ل#®¥/<)ط °è"q«3 ùDچT m ,UH2
> ¼
ـ… ثَ!*a!o¯ ¢ئگ 0T #|O `Lـء 7 dˆ ¦’©d ( 9J LV ; !il S¾†àSFaAs¢ + "· d ن€ 8±d *™J† ؤگ£d ن( ¢q !گ!J„'"’ گ #$(¹J®%&®’،ن'()„s @*¢ؤ"ھف'!9 ./ Q*لl CFBBoxnث Y h6
lb qكآ\1cd ه
ى ذ" ! فp [ ... 'G»@Zعصu I ثv نî B”PS ¾Smـ@ `{RQKع, ژ «6ض ؤ ...
myf(جإژ® )PR€
AXp ب
J!©آc!/½ çskOؤ ! ! "S'’_h| نçًP بƒگC P:r*9¸\TZl[tJNـg<\ U,—ثWؤT \U8Q`Rl{ئeس´ـSŒذ?b?XôŒح@\Vg_گaC ... /J
_ / -¾ ‰ S ½+¼,¼7 °ےO ّكے³ے²؟؛ے°ے¯ے®ےقض,كىW XP€ ¼]0µضZkى ز”. ْ
5ث· ¼Q hcـ8 ا¦0 ùE6ً"´
† -خDéN| £=گ4"Gژوb'@# 0€>S بب T?ٌ!ح¼@#!آœ!b \r3H=µ8 p ”@صSŒآ y
uJ
0I“!"`ءc ”
2 r بU2 ... ¹Lب $DY7 گ ثلBV\, œT CDہغ;>umns_ \$ ©d fI
C¦’ ¥!¹4z;¨U ŒD@ˆ™)" 2ؤ aCژ’! !!¹t ط9¼U2ê`„ |©l)(as.Rنâ(ےn½ µجIى لَ/v„YI$ sع ٌ BCً}ح
V"–ي
پ
·&' € €() d n—*lù°d+¢ˆfO D@9 {,q¨‰… خù `B†-:’pX€ئگ.; ً0 ïdµlع@ب/<ت<@V ظ…0‰W œsAk1ه Sہفà `„ ¸q 4€3ïO\MAh –:ص@b(Hpجؤگ4p6&ˆ H'-·0h d78 †8 9ش a چآ ... " ‰! … yظ¹J®’;<=’،ن(>?C @®@A<$حأ4 5XXB
(´
ï)@ @†CD ¹J EF%
9G3´ yے,Cـ بB ˆ@ ï ùںں'ً=C€=CO@C 4>C ض ¸ T ےPïD@C ´?C¨>C`% $
ـٍ ... ث7ـ,ƒہ ±)عأƒ ZhںL- گ¼گ à-ج- ـN^¸Iœ ŒJCل!ے…ِ KC œKC|N—ثI¾ ؤKClNüL
M…œن‘C°NCdLOI ٍôNC ½ƒر م– )àâ N
ہï ْ ƒXFP
p7‰ ؛ا}vp/ ؛ @ئ†mز u^
p“ƒ ہƒد گ lل
`كف 0&ê$قZ(]ب/C‘^÷ئ»/O]ft- €»à q؟„€f8&u Aہ—ُu؛ô ; ‚„HMu پؤ0 €خٍُ.
ہ¾ZSShƒ`8-ف ة ]Pضچ0
N†;WمQع 8GQ؛„`d£ €rV» €/7p. i•¹aؤبرŒ¶
ƒ ¥ ىDë%MX ±إه/C تQ‚/ ْp W ذ
³گ "™iU‘ش+ژqوّ% Y Z4Œ$ئ ´ ى!o³ ئ>\¼² ش;~{ ٌƒo f<E° ... · د@&l
¹¸Y¨ ·ےmn_W_ ژL™ ي ‰h?دپة؛ئ Xq ´ئ[ ¸CLB GذEpى
+ ... O¯ë +ؤ>أ8رّ!ذ 9`#°‚.د‘ ، qU_ ,5 ک¼L8ا/
£Qزى¶ ژ ًi´l؟´ +$
2،Y —€DéO ژâ=‡ O ‡
Eژ
œ´£@ ةض
)طq ´gو=„ Q_@yl&o@ QVبO ا ؤ@ظxع-ّ£B ... GHà ... َ
Pق)éز ODث“„b ƒ™ف ذ/
îw:–¦t
ˆ a
^ہ|n:گ´ـضگ]Sˆ 6ِ@Pطm±H 4 ‰گh<7O1
2ب´¯ppµ< ¶o " %ُْ ْ ،گ™÷ذ#‡آX6غŒë
sبجR€ه ·nnO 2n
:—oفن!û8 ˆ Rا †4 ‘O–4¸y¨O 0 ;·ک†sp„“‡O©#غ '}'µ; ح'X
5 +4€Mô!‡cة3ƒ»h؟TŒ àt،tIU
O
َں,àlî„ ~¼û²€ hl ¸
ہTُ ہص .اGHصH1BNذ3 ‘ƒ‡إ(¼f ‚ C™ٌ0_m„G`\ز 3 Gشz|C کŒx/0مT ٌO،d)إ
،جپےہO:ë ،ؤ4Oy}®$— d tŒy آ‡
$ئ†ü
8ا99 …+,†µW ¨N¸ { ±ذ¯Oإعz`®حأrX ... ü¾ ¶ى7ص¾t
ˆ *ً :“ئىî~ْt ˆ l0{H]گ—‚¯o K2ب/أ' ےؤYِ};³ 2 ‰ u\( لپfضƒؤ ب°! ‡ ًS#H‡¼ rئ & گƒ¸¦ئء@ ‡J?إ تµg P ²6عh¹m^ˆءç‡!/Zwy6%f ٍƒ
†Iˆ“
8«ƒ
ï(³جة©Sn/BGذ!<_ ŒVr€6Z :ب dك î*ˆ $ھVrدخQ‘ „
)°) ' „‘|ـ_V5±bY ‡‘چµ6,+êŒE[ e7’1´ں€:ع «e ... ûµ·+كBJ7ةG7C طx eœ ... « آ6¸،-¹”`nvô2·)r{]ً ب ‰ںء`p
ش@…ï p.IZ8CBV[ح0ہ vےغـUن;}ّ O‰
$\ آEN ƒأl؛Eصa~sّ©شi 0 3 1 89H Jبا 0.رژ2 دPOüْü ‚Lü‘ 8 ˆé yNء
? 9üئ
... شغ 'B ¹¼T A0 ‚ ا،
é >×إO
• ·€»i)hà }&¸'أND ہ ب2بة ش ; \sـ‰ح ¹ €»ہ¥" @u پf¯ْك0ë ےپN ƒED•ˆ3 I–¶ک. وtےëG‚ےPثُt=ِB t7¾ي aàü¹#؛پd$•÷^شهہأ ءDyƒ"dJAم©+س’½°w£ë CءŒ(Om¥‘¯ظئ€ 8!/ 6&s: C¦ظ4سإz4Y
ُگLLn ` 5&Sگ p¨ئ
%ہœ¸تà@ئہ"5L€p+؛ Jû ى¶"(|ے„ˆˆƒ،„بہƒŒFào، y>» ،,îپ»6CP‰ VيW£) â&f+ّ %F7oگKû ISؤEh¯KFJY?8P"”طn7W'ح آ“ا"€¾ »à ~R »H 3‰{%"÷ë·؟R¶&ˆKگ »o‰ 3hü1^»…غ×أ ءû ء&| 98 سأ;C…'ˆگ· بو!—l A ïپn“èi<„c+] 2‘ئ ںcى،#قœ0گ¹N4 ; حX ً•)j$
cl¨0*pاe” hسiXQZ( wأہaJLے h„'چںm gبِCQ}âظ1¥
m O_6fپz [‰ >m u ... f¾³c>ثغٌ¶÷م پT àm! xأ'° +8‡ f (/22)
¦; ٌ¥ وàç °@‡©‚ى – a ئ ،_ c G dMwWtو<؛:حً0ا%/µH »9'ءi °"Œ Nے
‰W‡ B a8« ¸
Qؤ×!”ˆ®بDاأD(0€ ں¦€U`ـ زNة{6J6ء ئخ±‚]6V3àکD–’آç O q/“aنہ j… Œھz+WUh%نF² ¨ ى‡ظ¹b[L±7EI[O]__ب
G=،FtE ³3ہ°ط”âs•SàV{U±چI³Gd ©; s ة?Cٍpآ…· ‚ْW‘`ث gG9XP¼ ç} 5 Sn °W9iE1آ،ن75ئ‘`aق®؛ـ8¦غ%¼¯$I: $4 4ْ$`1<چ
¼ kœَ¹ئة؛ °
âي1A D جْT6¨—÷`گœzUة·پAa çئb/ر z
·s–‚M| S†”… DŒ}هّ¥¹ ,LR²…©©ھ
ƒ!°ن ... © œنSA jٍL… Cج ةGيˆAC ”(
\à؟ص" ç±mOA $ ؛¹°أY ôل 1@¯\ئƒ&?@0 ‚ƒ'صü+Cہچز!³ ‰^ ”گ ؟ف@e=z?†b ًؤdû 1بê ”w×G) ‘ک4âب ¯آ…x …èف$ گWـك Pت&
چ
9ˆ lرƒت آ`{9ز(%
G _اùگ)ؤ ؟h^ِC-IaiXHَD‚B ؛ …ط4M
%èP، ±âhxC CL ب x…a[‰¾ ےtMX 6rW<¯¥تv| ‰† FOUkeچgI#uم }^{!êف‰ و ½ةةي‰ر=Unےh»„´ ) خ·tx5 ًK •™ S€JîZâ1fM؛ C.زM'$w$m 4ژVW ن% نG%%'&X3خ &ïB؟آO°€»(0 ƒN
o…÷ aƒf
%'گ û„°¶\كrdôےK û_ bP€>
u
[ ئ 0qb ضG0p ƒ،f
، „أ !ک XWج [ک S”ؤئ_xCzٍ¼شDZ:© 4
ک a©ش"7خ$G NOE/ئ€ S1ب ’ECسذب±f ¥‡™8cZ cs=ë‡ds چے Q…€?u ئ†„—
îش7|ن7ر
، آH OئًNا ¼Sہ£ طVi پŒ،„¶R خMك¯e\ü5 - خ Z‰غ»ى ... - » CëJbuDs€6ù6µ¦5M Yغ@Oث4'‘->ن
µ ë ... µ/]&خ C×_Lذ ةؤْ 5œ،$G Kز@ اàDَJeçœ …“8 7گL³ جض < 8 ضعذF ±ؤù° „ہb•+VC
/ù[إƒàصrُ
ّ ;اt رhô إ>B ] ˆ“ ~ ¥ گ ( hRû ô[jة£Hں
H¯ <Sژں … إ ... GP
دBUTTON×ئكّ¶…Mˆƒ ^Vfƒc sq·¢ë / ç3 ûD F®~# u> 5/ ئ فت S ·نâ :ذu#¼¸ a«حëد `
xfègç1 “‡&IC p صً¹H B -Içن |¸~ ¶ C ^&>
;ك!_+• أë
{رفچ‘r ... t±ّq…‰ ‡پ× Xq»ء+ï8 T* !ر `ئ ّيI¾ت|JCS†8ê , s ؤںr ,V ëna,
يxS 7ت%م1 u b«(@ Z%0
ئگّغم Yئ;ق+ »Tً »—‰G™] yؤXرƒJd
آ &9ءˆل£ K{;h Y‡Bا8× “ىë/ ³±• `Hة H†]\½ ¼³‰ء€ٌ(·#–`rّآQ F!{ × سL†
” o'²iًTœأH ÷H"¥1êd @8nhSص´7`ءpک¯VˆْےC ¾ Fي€†uèظr
o°؟ox„ہ!QL خےH@bburک¸qˆ /Pا…„€>¼}!tl(إSل rّXLƒ9E4B†WيL $ +<A±" Eہپ ُ7 R ôLل¾@ گن —® ëL —ù¼\NاWaKn! ‚ù نëO€أ:NC—½h„Œq 9)` eرƒ ³´×A [ ×#m¥$ پw چk¼×a f RtcA&e cىY ×ë" {hGّu دGB>b
‡ANCـ°HcNCك¯u(‡’O7 °
0 U'·
|\ْ ±`ë •ےh¢@8`tuضنQ دةَOّ گ+°;ئ€xBJز–ؤpضkKU _ë'إk[…Z•aV©4
گO ےS`م£b طفê 7ت ج´مSْ°àP¨؟çk– 5رèPCى rEz؛y a O ذأأrة" " - `ں-,¸ب Zh(@ ـ† ÷<اƒجDzVـ ؛‰$»;POŒْ/4 =، ´tav °ف+ز¢ ،†àC.y#خ @
FB· ل „طDپمD
«Q—% *ک°â ضaF[ $YٌدؤSہ *ƒنrگ ظY²QC ¯@Xnç™ ’wش
OWCsبU¸0ï!±بµ!m °·‚q ّ 9Sƒa „ر N„SF`
*A€µؤ ضّH €¾S‰ ;ظ†3 ¯2•!&•F¼S àOwٌë
>ئ « V gكثS’غ ARئpƒت\ @„¾ ï† Nأجll©,àkAفW a£ u…S¸ثشA|f
xEحپ_m —ذ¦FےCuëbl[{S @tU ژMèy‚L»+'è؟ىùjƒ ں_س ے“XpNا?زS„Hz
;
ف?ف & 26SG`³ "
C آ¨M ... ض®à8ئ، @ $Y/طƒ» ¶ق؟,ط~Aƒ{H
;° ¼ؤ×s غ ƒ6قù; (O¦ر © 0 #ùئ•
ê°ï;“jt4³t ى]@ض؛‰)Kë
6wDDDدT × IW2[ةں/ˆS ... à£گہ€آ ٍvEاہ«|أ، ؟.d }گ÷ Zإo5 ةء ىë yشJâ†w;S(,9;€9)ذ n ˆ 'آذ"Eگ ے &†
ص0O" 8‡Vہ…Z û{ ... 8 غکيْëS„c%+zئsهءخI×;گxے ‚l- ] َژEف ز;<نà’´2<gg ئ$$ w آH ذ‡|†Z”"c ¸**P ù ‰ص¨»‚P‡W s ... oxœ€؟·?Va…Wي، ±@uz¹ëS[ٌ…Vé< :Z ےyٌٍ ´خˆ7yّ2ءé r C: F!
o 8«:ؤ،)Aئ پظe_¨D½GlˆG r dˆV ژ“/ Sا”XC| “sd]b~´ًQOے~K}[aزںؤF ~<%<فہc N Od` ¼J،ُF ƒ@ ùû‚ً¼پxBD 8e…Z+ّفA ù _XCg& @N6YR? نBF9*!نUAC=YUj Fخ ÷L¥؛ Lجً±—
R…• ،Az¸ uك , ـ >*
ë+ گ n 1 GE ؟طAؤNBkrIœھâے~ vئ”2f7D ٌ”"u`O;‡ج‘5® Iüّ; ~.aح#C^Zنئ… é ¦ïu
E[ ز\ ƒحےإے(Sƒ
p £ًة²ّd[×¾<
t پ=E;a ¾D ُ طn"„’ l4پت ؟زّƒت
W G
… AZ)–*€: 4ہœ¼‘ †29Lن6$vo“yT'نy $E ... <\
2پ\
W$ پ3rgOفأے•dًب ÷ذ!G$ ?ذXےLISTBOXlsH{Lک ... ½Y؟j ى VzM¯C@ †µ``
”-h´‰+ ƒ ü’3.آè}ر
ل‘×€v ... k@`S“؛?ص w ... TU4³>¸K —{ پا,ï»3q“D*\IT HO ƒXkلH#ئL أ6P u]+ 5M خ ‰oë!7#»[cّêاMءmZAUa_ ¥ً
ˆ_ƒH‡ H؟} ے ¨I>پےن €ظو u7U l,€oضزؤ{]كL<A_Co$"f، )f
CVGuKg ×ىى @ë ³ wK•ے8}أˆِ…ؤ¥~¦I·@G¼nB^ ... ث¦ï
€شز·œ ± أ)±چrIؤ8“ہ1bإغ L؟
8= 8ë.6¶ 2û " ¯
Ou ¸ع©ءNر_=n
L&B ـ pg؟ ë E l
G%bب[ é!¦ˆr†p!iلgQھ
0ثر âحx ½ Ev كى-¨ وE´yCMم%¸e QہV~س& ¼Wط,¼!عYقـگ“àگ- v=c”û ُ )O}‰€PP<5قJï7 L! HWûٌPذ;Sچœ ]ک&0يس ;ط} !سکآص uO-ث3ï
œ.0! OشKر
èy°ô ر% 94ٌ ئ p[ b3…ض & ÷÷µ(چة ژِA^gè u C ... „ ` 6Œd` “<أJ1ّt„ه' ... ة M
ذ T8×لŒ7 ،‡×Xpہش GkگEآ‘ ؤûR¨Tژ# فذd• ¸aگ… ¼ O vج²ًب°û
3\` × } ¦[/0% _è O ... دغè نPë+ atSx¯R üf<a• m}TلءٍPégPوJ'(ׄ—a,ûّ 4 s…؛ک
ه.aہUکJ®ƒ·]،ضصشmً Q‘ه# mچMّأ
Ħ ҟ
£ 5Cّ['گƒ( a°Aؤ€%÷3 yç¸Z QSٍنپxƒ\fXWU
âSؤz«oG »t، q
2FعVh • ˆ¸v*!` |-f?
é÷إ ّ. ؛ù4¶‘
Y“@ ´¸ں e UچO سˆ¼ µ> ôf)W#†ھ@´4ل¦ (G\ < 9G غœZ [ہ
3'¾خtƒt35G ر8ELٍn u أ ّل¢ FدO Z ؤ ے Aث‘ T·$ ±ثئ6گ ا‘ fgغs #ضتج ? ¼ë
{"%,5€jaيQص O‡ o ´چt`/€¸7s/ ظ2 Sطَ بکبؤ °%X c €1` أّ0‰_ S ِذi qûGB1 , u ... +ئغs.%P/ذذ* xè ن·†“ظ]ô(e¸‘ً F
‚‡8i 6„b.¨ `ن +‚ـ=6¼c™
E ءE†‰–?‰ "°½eb< ü ()â1S+H52S°Fرع ... ءRزààـIهç ! پs½°Pًî ے°ہ1ط.Sy YWOl ش´B0lن ش
ن=(/23)
“ٍë~mذS$¶· ذQµگS»ص` ?™ئ±9¹ٌ i،? 0D"v ہ ;¦¢é/ R|Yë : Q ... @*“·€Qٍٍ/eCذ؛ ¼@# A
f+)ز•Zط]ٌْVi ... g‰³´ëH * êl “جY
´v@.س9ô¸{ë1eR2ة¯ً،ک(ً’ P fC¹گ , bd!'mن`Q@rTv2جبtpْ Œ 9j چlh( Sˆe–>h…ـ “—V„,$گA”—<ن —ُfC ;üNF^بfC ;èن’أ"أ àںEgr$ ن Lg 2,o} ىàRr„< ًï9گپ ½ ؤ€¶‘) ش. ں ¯netet[آزْocolS ؟4ôےxهةêyù؛خ Œ‚پK©
‚بزUrrà“´{ِ«v Secuـ mSy÷ ل‚
î} ِ&y ~ Z/ew ¹@ ï
@ 9ùے Iüّy ×ًإh $جh rگ#$ I ت ¹Si (
iہ نB(=oب” ب,D,يعƒظœ. Hj , :_u h €اX‚Cہ&j د<ٍˆر?ہپ ‡C ! €4 Dذ°àƒf×ےاےˆ2(…! e4R‡ a ئ –ض œjأ(y4ًحV œ€ہة\ d™¸
‡پ—Dyî6m 4Z[2Dhà"‡ u ‰SةT2 ´Np z¦ ... ّib] ثcre¥ al xH†¸o ¼NBnB> 2… ï
¢—KOلB† }قىˆ ,† mP¥پس:I 9mB†¸µ x’¼ a0$ وE‰ّ B{p ’ش َ’!ni3 G] ژ k C !"t•\%#$ r ±c%g>^r&ôK×p EچF oˆ @8³ےŒن d()’ ‘ZQ evel
ـ^ ش2 ... bsًىê=Iس Rçs #A Uے*I=°owhapأف£tm 2 c“
‚چ-ش’ ®Iہمن
. Yِ\ط
ہ
ظ ... ){
آd عfس.@6rغب¢ „وb dp Xlu` ! WpN x‡–8p€8WL‰: a 3…گ¦ قU2I 6 پ
Q`¯
B2ؤ€; k!».خiض ˆD€ / !، ًXr جہن‡`2QXë ا“ Q گنq دعµ (r pؤ( „ک$ŒCâ Bشdïے”چطû ê†Twrگِ ( „A.s ج «‡ ;@G„ƒءh· ‘|M OiB0l¦¸“ چ\KZ چ 8D|
gو 6 ÷ّr' شK^ tہs‘ü ذ —کق œ 9ب ¨چ¸“C ب %ش\D$yگ|ب’C@ژC ےb '(گ¾;° ° °2°4-¾G×°تo~¨ °ـj [سً|¾ ’ç$ِpPan~ )Vq„>آؤك »ن„|¢GptDu ن
'8uïr f8 aگ % آ Nüs{A?€ آ6O ےc@2ةŒ‘ ´’
0? k `«& ذک‘¯’‚·J¹H ´قپز qXظI : iذ M¢´ ضL»i
& T" ىY(! »‘ ²uZ J ’HH„ #pگ
إ y£`6ء>qè °ً„[ US±I ¶ck%è¨,îB^dnD Jc C :ر •L% 2 Sل‚؛گ uپأc)ا؟>2ة #K "tC¸ 7Di½)d+ 2 2"# p r$%†@ أ&'d*¹J()9J–‰ *+ ہ3 بُہ/ نaہثژ ô ¯Mzo-!iقC$ر ببغbLو. ءں‡dˆAث/نخƒ†OyQ°°0€گ4oَock8دI¸¸ 0hب1€V1E5،Pؤذ@‚ذ ’ذ9ک —‚بشtب ‡ ،:ب ب ;<H
\ّ¯ّ ‡آٌ Oï1 ب ب>?°FٍiuJً5ًپ برـUO' }=üG ث
Na
alNumbء °CزZ 0}Œ¦زô–+q`آ ة NewâF ... ©"هت ‡رشpt=x}¨
lkn‰o ²³œt}r
l“¸÷ل
Uda‘ ... P V]»ہ&JTn~ ش ¯:شعO ؤ ب‡\”PبƒگCن“Fَ.o؟–pک @ ·F?P شےس1ûٍ=Zغœ °œ7 ¨–ê جô]paيàأ{4ہ ! &éذ<ن
9 u @d Fـ ™
0… ًna°mآü舉 ²\] مف بE }¸¥Mچ· خ M? â–ًبï 8 ®ع Hî ه K
<ن / ,} پرپ ... ]|
0@! h<d
# Pô H·,×OؤہN°[üر$ذ% ظ€ B
0إ’C±
`
ّmB
é ع
³ç¹SUـàkنaBکx2¥ى
-dN g Xبى ]„“
œwOwjکü s ببH
ًô Xœ&دقRFbَN؟E7 ¼}؛ UWDل³Oظ
‰ KsZG L÷Yv*بû>!RO1 çP@4ض é@ Oثµµ¢wyCTغ@,چ‚VْNBè$جFم}طôh lhûZ †@^$T ز’ا ؛i Q£1° ×ء%™ؤ‡ ! نh ƒ´“،#«`ˆّIأأ*è\$ ×0ق ؤêـ— ƒé0¾ِ‡ (ّظ 0n ¨‚»x´‰َ®î } ّ-;4$
;|ح$پأتژS7tzM} ؛ vSrˆ*پxo غ@|‘¨' قùف‡م ے; },4–ـA »ظo" ّŒ~G
R ـL1ع ` ًë2)ٍ~ ‡ ë $ZPü پ¸ Aس}
ُMچ 3y" ا 2
±أ ئUDمalز? ہ Aسçèسعm<Q†6Dک`ïم‘ ? ن خm #Z=HP{\2خ
LP“]¼jf
sS€| ئ-Ylج ²پ„=ؤ °³ë r ز':غ à€hs^ à ,ح x´Uûˆگ¢XŒéf‡ى_ضاظfs …پp
× WشثWyِEرs¨h¼ oo€~" iيژAئ !ëدإG pگ ¦K,Œ ل€؟.ـB –ق}dط7€½ـ' ŒsL¼N ³اtOب/^ h |³ ² ¦ ±دO4±” ئ …چض„bt!¢tŒلرXYب>ˆo@·jB
Œ لزآظ¾rَ SSzjCi،S’×5t†ق‚رضT¶¾¢ُ¸f:گyIي”%ù ہv]ٍQ2خئh xA^B†Ox/{B ’{}}سکF \3F½\{ _7 (¼ہ ض(;P5 K[اذ ‡S@¶–hmhsْ7ک1 ع$دS ... ¾ن;u ؤR
S“UjW N<¹(. ش/ب،پt S،
‡TS7شOë A14 ش ² Kإ]ظ '%Y·% آC–û‰;خ #ےé M'¦/ِF| نِ ù '>†/SF[àىہ.… ج
U‰ 2
ى€ _چ آ،¸ كçحSà‡ئ{
iJr…ز؛22 ` Py ¼…œـںhh6i b!ƒiguŒ
°„» `ضF@t‚بC<S'¼Fb
|ک5à&e’ه•ن1ط ططgY–ًـôذC 3 ˆGhذ ش G…ء"ً{Hھ!ôي‚]bرlس
3†ط`µص8س² ZC?àSDکe]R[
^نكs‡C 6عnEbX U ¢° ¹ّ`ٍ€ ِن`" 6ه ... Y™فکئ uM²ٌ° ¸ ھ ² ؟ّ؛خ ئV–³ظ„P أ” E
v´P ¨Mé6نک ژت ™ 'ط
غف’ “وU
ح‘`D »uùؤ ]ّ*
ô “u“¶ë ,ينك 0iو ‡—lsvt>SCV پë!s M³_’UںH‚ٌ @ظHHI ـp)g'ْx Ywکâ Sô2g,v
a¸ s-چچE ck
ىحge ف bس]؟@عmˆAّ6y Y-mٍR@E2ôk{ي“¨”HR×ب{¯فء =H8پëonmM¸Uظµkظ‚i+ز-)e< ‚[^ س¶LذK]¢°إژH9{ _1 ہ ئF@ پ±چ ôVhO¯دذ\Œà. ر4™l G~iة B÷ |جiç/T&I+9 K…F 3پ ً? ,ظ„–Œچ?W i³3،8*€°\ U
,H©و°Q خqLجًنV 4ع\
°گ´—
ٍS Oچx0 ƒ
Wd©s0جہ سہ€{Pƒکˆ ‰3¨5uع،Ce|ـl ن%ء°+Vبx‚K o:P@ B†»
ˆ ... ]
ù ^0 ‰P0Vن• 8-< €WگGà 8 _چh،<ژ —L%7¹) .51 تâpپ ¾ظژ°ل ج7 Hث™y ؛]
¹‰ZN3ىêP%`ë—B œ‘ ² „ @& £ ƒf$üUxPR hD9 Œىˆے ' 0B ½
êز6 اBج،ƒر`×·ْB6ة¹uà gگƒzة~ +
DشH؛& ½j¹چپج> ³ sOKâ™ںHfL ... xBG… ط‰غG؛!مpّ+ئ<ًjے ˆ-•F ؤW#ثة2 üًüô ¯W`–
ء !çک ئ± …ç!üغ ) ¾Y
|‡œ™ /ّ EK@ّ’ہ é ن’3Q7 ن÷q‘¹ط%`è t L”êؤ ىY{ّ @ƒ"PJ“| y 8q\3p7“ گ طسRب5
¸پ³ s{
¸BGSh' œ ... >_D؛ˆp ^ ô _ –س+ذرْزG îچ "ôژ V@?<…ŒsدDدP¸Œo.اّWâ &†طa C شeOK/لة ـxف نµè. Wˆگنس$ںج%و <8BfS 7 ‰“ ْ H :گ ¹ ‡ S€ £ٌb°‡3ن Œ·8÷طt عUi( ُ LmkZPA )زِ:ذRmR[Wز×m €x\`}hµGXن ™زگأ… “$µطّXچpDi4ي z [O` u ... گXص"Jƒoع¯ETب¼خً+‡}ہH2<ë{9uro w 1œ
J@j ³D @رo™½Q£ëIcL@•ôïطƒ,ى@ë01'•ôئي.,ى!P•+6 [9@• آم ... _ ل*œ<F SO“ ‘ھµپa ٌS ŒP•u tSzˆ; }\چ_qcOv×ئ†lہSپ ط U؛ j~ِé‡f؛ٍےM
lا†ˆ Fو- ¨ ! xV ” t Rةplh )ہ„ ... 0اظ`
àbt‰<سُI]AàuPƒ)(/24)
ء»(س³,؛& ظ8#5ؤ°يXچ m ƒ S 4ث—™°`DO^ ¥—S>O² a[ o,، فSD5|}ـNêSC[ë!¹نuS€<@
Du ىشـhI {j‰
?ƒ ... K X
مê C™ ¾ٌئ û ¥[ًdؤyV'b³,
!ژ/iگ¥à غTVFFًfگو
†sے
…ءإ"¢FH p‚?ه4خٌFL p9aمw
à@¨ 0، ںGت¥a× ص/l>hS \
j _$èY ®ز پ"mژu u و 4{û ¾ ë ے4< C#Gز
5% p³ … !Vء€أ¯ژ jںےlچxLھّYٌٍu 0Hّن Yژ]ٌأë
ٍœ
â0N¸Sہˆ Iàپ † c\`»يAق7 ?® ًx|çù،/BاQ فw OےF“ë à"°v# jأ„)" ¸„Ch,0¼ PE ٌ8 ƒىN$èb$½j y H„
« <(L¥Cï،+û & Vy ظ& ئ 8 ف،م أ؟أ½ن[ہ¹ئ1آpAه™ؤہ”I`Qةںْط BA– ;“iâ<üb
پlمb ّ ^ ´€ةOo² ... ک‘÷ب·´°ضs€±(wiض hê ھw.-½â SU؟!XS…جس ،t@…¸=t«dں& bù”*د¼ô-x ّôtة+ ±t³/ _;oًلٍ +ƒ|eŒ&)4پ8ًâ+ز6%0€x, SP[ ہ}
س@H)j i2Fتئ$ ëU ... ¹B†½¨#!“
k°JLàظS¨ةL Œ”
cأœض„ˆ=8°S ں÷ ة
ءكhگطظ ™}ِ“ک ـœ;ً xك‰ک"ا€F¹SƒqأP èk أ ! £0 )âؤW€گ3ًِàہ;‚8³_ SRkه» تt* #O ... ج ,@/$ @pts ° و)@²
ـ*< " ر'¾KVشPH-+ ... ح6بپJê ‘گK،µط ح Œ¥
ذ5³ ï@ گ‰ظ|L@.گgDô@&[
I 4 Q‰€؛Q¹FE
z3¼
“ˆ
ة‰01‰ geت ہإںس}
SV=آ#چ ¾è+ژé ‰ M· îطŒ†|c‰•]`س´ /. : ëى-D ½eF ë. ;9¶ + ?L e¼ً[>‰ ;Rو=ر¥wژأ ë #Œ ... #ث~ Œ; ً¶hu¦t u + J$ —# D,` «Z a8mp¨كچکذ
ء ... çى'O½م–پg خ?Làq $ tXxR«y¸ u qjَôP9S \€—wY”LeوJ إOگ=6.جs CS< ) 43 'ء@ tZًلئFdb_ً¸ƒ¾;'S†َئ 'پىئ½صYû*)M×نƒ9 u
=قƒ0 3£s paG Sذ%œ¨j ƒ«ہ^ ½pOجGئ€®8ا ئA+„؛
#پ؛4 p®ƒ ى)Oa™‘—k‰y œـQ’ ـ`FS؛gU$ژX·ïٍ€ ٍ‰C0گCX? 0 ،ؤزB کِِ[
،کq \أ9گ ف4ن!/ )4><ںŒض 6° | œ Xٍگ/ ¯ ،CO ¦µ6 \^„~ط ذ|¨* ~ ë ‚÷® `غîےŒ&O¾ ¢ ،‚ s¸
m>I
-ف]oإ ض _V )غU ƒœ 1!ـ مŒs}× ... ‰Da E ط
ئ¼…ر8? 0ے
•Œ³*aBHB 4ï;* CسseBPP"ـآگ ًüA Œ 0 Vh8مG طŒ‰F@ ... à p Qگâض+.|ٌ^ٌد²v ; <وu ƒxًاS … ô[W ’، ”²dئ‘ ء†'گdf < $ق— PW `ô„׃4|عp Vb‚×qè² نb، K# à —¢4JO¾F n ؟“·fë(O î
CH ¥´…(F<·êؤL6چّ8, _ * {ںƒMh¼ zLmè“¢ 5¨%OL, ءهSL ... ¼Q v—™eM£کK&ژْ VےسHل€E¾•l¢Cچ
‚fع رف_s 8 Fa{ژê€a مè6T[ك
ہJàٌ/ J— 8 &Lچe’RTPدجàےGxJµشچHAˆ
@Bƒّ u<ة»†P #aSj4ٌ¯Rgتa_¼ ¹40قف‚ي “41‚ک o£'بh.vO \ôب‘ےù÷ yEً¥E کEثEغûü| ¨EpEہ© ü «? £„Eo€³EـيE‘ٌ ٍ dOE`°E÷َ ة T±EH³E ²E:ے ٍہ³E`¢E ج¹Eم1Q° NةkبEوC>"÷ôتEèرEµثwyGوTœ ںـ×>¨—ثهٍ `©dê(¦ هہج& &hFçFîüA4 ُssagـ6à}Hىv )؛XzS\( „ } 0؛خ!ِپz?ـ4ر –$ا…DT ‘= ¶چ آ& )ذ) کS– wذ) KS9S ز•QC ... 8 a—ھI/ 7 ٌأ¥£GBي Œ :ç
¥×>Cر2p û –ب •Œ° بمYƒ¥¨$ل خ WA^·5 ¾¦¥©” Blذ‡l$y8S{WsJOh eŒظّ
ق@>_¦2´ں آ
°N{“سY „ جظ4مًnj ہپUx
گژںشاA· ... ç?Oaد®f‡¨~¸$w 4 پَy \،´½mہH¥نؤفإ¦»
¸×Œ·گ آ ثŒنcQ ^0€کJ ¯ }¨GًثG°-<, ضEàQH”> ?ê\‚##„2|UG ذv[s$X يu¢ُ6ے«5„{ /y0'/ٍvŒ; ½ #è*حز S ‚}E—® کط„ک
ü O¨‡C°³tبؤإXشˆ *?P ï ÷ہ،ک
؟.آ'گث ¼,œ
¸d O¨dف,³
S°ŒƒdY†9 [Œ´¸5ïd9¼ہؤ بô“هگهجذشطہ n–ـà”¹ ... ¹ °¨C „¨°ن%iŒ ن³4چ‚×ً©پ5 Gة 5 !د پ ... œ\& ¾ک `µ كسِ Y¹ No OYHƒK'#]¶2yg؛l
L*‡µ÷$ےRetry IgnAeا ;2ٍAll To fط¶ے! wٍH ھ îگگ € ]–”کœf/ہ$¯6 ـ®
& ... تOّ&TtŒ”ضô³SP4çّ حp² a «¸6پ·P ® تh™€غ ط$ئ€-گ¸Jkـ\/jء$è‰ئ ee ’ب
@مl£
F
—ہگwس~™uًV ن?9
y yeà3
ـ2ش ? اغ¾Dùْر
ك}ô_Y< w M ےة; £Eùshء
ذFY م أO0*[ .°
h × \P8ئœ-r€ آO
)œض O حظ( û%¨+c² | Y³ے~ Cƒز« ... مwâ€û
3
ءKXک ک
A Kشط\Ih[z s،´+ز ... a;؛¼وک£¦à
Wٍ\KP © CkA …‚ *ûa>| ´ u¨سO †>ç w0ô7¯ج }E
pŒأ ھپ؟ْnءKَjâU @Cژué1•، ]ط9êE† H÷mذ ط—ئہ™ر 6pè ˆےٍق?„¢±ج Uش ـ/ن
hث!XةB÷8دéبہژ؛+V„WŒ ش‘\Lô|ء“ً7 twکغ … ×o·آw'I
گë Œ†¼س ... ? T7”D'¢ \رPiهXG àq¼H؛ّ®P¼ ô6Zئ¶ hW} ٌ.]P €د~ّZ8ïظƒ
£j •ن]èَ\ Q„·0ّB >…إ ûِ¸>H³´v؛ ¯ئاإ h; lJ|R"×تخ Dy v6ٌâي
_Sp+ u&j W+ؤs ؤsثH£Eؤ+%X0r R^P7ل4L„Zkِ3´k ... ْw ئE
عS Sؤ
6 يچ|آ 6آ ءف´B1أ غ¾:5Mًب¾ْ ... °
ixH ƒ® ،ie چ 6ئع : ¹نص¸¸â ¨ l(“گ( °فW ¦¸‰‚¾:]أu
ù²ٍ9 7 آ û ƒ‘)8طىش%َق(خ{ ـ¹ب1= p
ے uا
u 0•iF T$
œ SN°ھ¥*پا@l‡مGگB¾2رگ؛ أ ش*اX a،إ0)®´‰ m@M Q–Xً&‡f ںPJ\ى¾×? Q
QNG
SصF oN HuV+ïھZ E SJ™’ص”‚ وَ¯j«½b چ ب à°Bh U^u†ty
…ِأ»
ز ضô} ?}é {ص ±±° ©Hèƒْ¯C
... a$حسZ@ —> xًءƒت: RQŒçّà¥a
(°1ں,أJبX7× rھ 4³ J:{6ب 6ï ”`
QS°Sگ_ ŒëS ¹سKہ]q
mh´س^ £j
)ل س%Ja ... ?— amd
·{àً XئH+E’aGôçOSOk ëFtâ¾ّ Pئةَçظïب C$ طأ بخؤVIإہvےY VLƒآ ¹êء@¹Q¥ےس s÷D ... َه] a={ { ژ ... غا پ èرk U نر م"uW²à1‡ «أp 7ا†¦¾^†T
µ¢6 ء°1Kظ&Uدh!€’‰دـ، گگگKـC†6¹é ث\ئe—ƒKصKء œg¢ a
û … HŒط:2´I œ[ةi*4 - ³9 #ثL;ي„£ء؛mـOمŒذ,`أ‡m «€ وUه M w´(}&RM×±hـb}أ†آp£Nثہfعhى @j }¯ہذè ئ (2\ـ%گ…¦ ,0 ;†»´a[,üA/M”آ„f£œّ ةX\ؤ0 mdlg_hؤ ض $چ¦°†_‚ فے‚؛W
cPtr%.8X mآ!"ں
H´“-ب ˆ ً) .\² lƒ +
^
*گ6Hs ° .”گwگf ü
ؤ°fگfّ(ôکN6'غFى'¨ً*O ز i8 vp[“¼ ' µ8ؤل – ص=,آg¸ f، W”¸ب
|پ ہ
%µC ... أ؟„” s ¸ ê X1² ¢£t ;‚¼1ً …~ت8 t; x;³
yHŒµCtد'ûXVطhؤ2¦dp<ش w \rز£sخ’sظ6} ـ گ¶w 'Mہپa7
¶_ ’ 2| ¶|fh ٍl¶ذ ہH~ … ÷¼شDù ن?DفD ”فD ×D `âDز ن# ·CXطé²yں à Lم(/25)
TA Xé6œµ9ط !lœصq*ث @XActnبأ B>à‚h4p¥rçQ“چ جىئF`O rة‡خu·€|¶ 9’·€ٍِ@8ںàد¯ش Toأ
¼®ذ?D ھ y2ب 0¨«Lط°A Pط غ d $زàءب!‡ààùN¦Y6o ¸
±·¹ءs¦isةرظلéٌks¦i‘™،©‰~hW چ‡ ’،vf7dGKٍ \¸C _5غh&$ LأCہE
— @G^ £œم Tz
c.إ T ·Nغ LنB5 l
< ôظ4
چ C GYکBٍ SA „;´چw·K، N $کُھٌë¹Kï 8 ç ن 7; zه ،
œF„ ÷dضl#6ˆضأةWD¯؛Cچ ... =‚=*چب
V ًئ©`lY
n 8@"A Aْ ´’S°m¢؛Bپ¨ ®7ہH¾ اô4»ّ@غہµ×~طë8 up هطض~0- ~لّhL|Wق7 ... OZ · –. 8 H jAe¹)IôVo::@’WŒہقO×د».¾لC ²d =ئC سّ`X Cأd.(,آaشî 3)K—ںN گ)X pf 5ض ‰
Œ؟IآہMoن@ئ#7
ٍ؛¼C
@مU‰u
سؤK.kنEن’پژt‰Tق¼+ˆüے¼C Xeّىd
’cN;ء…چو±´:<4ض) رG £ G©‚A. َ}إ9©ؤ‰ء¼
نّ…®[)w7®
× E(AL("%s",4)," \ ïo
!
,3)"!JK1گôچE3/) ÷*Cے?أئ@ ~ h$½év Hp ï8ز4sgEïhQe÷
¸ %çژé!‡S°½³ M c’INئ× ¦a×hث·t
± ëد‡brبًًح¶¾ˆDل!‰µ
OOe ¹ؤ@ُj ... oزذ#0 ‰yصkت ٍ“Vًبü b¢ƒâ*ï@ƒ:Vl£…ï_فûچ ... ژSء½=ًإ؟h JumpIDéa S¼î)èھ8إ‡6؟ ... 9S•„ê
ّ’ گ =v ’°¢ ؟J6OMبظ ×®لHi7ِk'¸گeF! àPƒط 9د؟4عXQا‡ز[ E^شہ 7،“÷ z5„°PزلK ,V E+
ِ× 6 cƒے
t
ٍd و t
.ےRئ ہ!ٍ¸'€ |Œîœ¸% .³ غj< ،'CJ>Qى- ل’ + m `mP,P è
†,ّQ €²û 2ˆ”ُغ ... o0pغہ ´ƒ kA$u¸ ½ئںJeYپءVT
û \D؛8ءC# ƒâe«2 iطءئû!
S 4”ںً?زئں_WINHEL! °،û·”’÷¾3گ±
؟ ·
°}ز #32770!@
ںق îaèہط 3Uü؟7 ش"غsW>أS 2آح3fثے€OX•–ز.1“aط: u& N¼}2 غV sxکW + $ #ً;F SôI ±غ÷9B@
گآصS„ئ îّeـ™هٍ |$ط)B7q‰ &0 R0àA‘چ
¾ؤ،Dء9زء0جD…c"°èëaںش ح…cإO Dl q¢Œء¼©ؤ#^5 ·؟=أL XV%=sزط d +أ=a
X ْvëùپ\س4ه ... éFذ‚ :DأغNBر _“¼Cپ?×أŒ6‚*7<،گFt
\ 8ب 6ًأ¸ـX J Œ'أؤa yقأ×Cؤ ّذcQ-Œہ;vك Fئ‰ئ(£عû‚¸ لہ¯ذ بï‚ٍ=à× ض8 ;گ JؤP k$±’?ة¾G( «گl6 TJط&°g )d’…ض„. ے ُ ص€ؤ
مآئوal aھa [a™*¶” X ہ®.ذ؛‘–oإ Lـ@⌠UsP[$ں¯(إ>4 {¯PGdٌ T گ:à4gï¦Y6ï،ً ـàïDO%µ5ثًّü n
Tْ3ش¾¨ O÷ب%اLA8شـ÷t
:
Exةٍ¢ oئےPئ<
9„
Tôٌ…¦]ةœٌب x B1(&ôe حPء
%گ´ à@h/@6طإ(ٍ^ٍ/yٍ" Lٍlٍ T¼H^ @اlاUةKhئŒٍ4±Xة U²¼h¨ ا7
بp’ 6 ôضVlô6hWٍ$َ€&گ. V‚¦µDVX x ?Eء ... `9hب/ /9بO„ا€ô<
ةU ¾ ة†¶ˆH e÷8 ،ط گDd. TWhojQدگئ )mµ¨A ù/hx¥‰'Oةw¾6±¼ ت ؤصD>J>J¨ D
ـDب ةCHـبـDŒ`"y$
ف@pھM©گ8vطi ( w;4 »خ d®IŒmء
قfê Xmamc5ضعCV wwnسؤ4wp. dk
«´س ضiگ¨f 7ï Bي ے gہ
TàَV[؟·ذ
TسLث %» جûہuàakt
،
ـپپk°¾أعƒo ثZ s xگ,•jêش& A5ك`)3ِذ ÷”ث
m1 / ¨ ـ ذ ï·U ٍہ D” „ TàOِ k Nئ 1ِ ‘ بت# ((X; € é 2گxأ$¯طغ ٍF
O F ن- Œ ب%A in D6ƒ
in—U. v|جW H&”€ ¶Mmâ
K ف¢ ہ is·‚‘
"ثXiC^کس Yئàغ إg)دِ –’ ¥0ح²"F Cگ! ¢َ 6K 6بےغXؤy~
‰sh,گ آ ¹…سع_¥_ – `# †a, ئ wذت²
´ ،+? خك¼ ¹‰خك \خ c´2÷ûظ#RˆC ...
m}l¶¾ گœ~
T
قM T½ظt ¯ /گ诨¯hç„
© PO=<د7wTإظG´î $¶N#_“BپحH)w±alچi#UCkà2 فâ©–€lkگ ذ`Uqپg¼gu[ك£±گT† T ـ!ھ»
jQa
n;
blu%é Juھ ƒ<6´xمف «Fp'÷zsضجذ‘
P[7 j+ ت 9D
م06%l m‡ë‡½(ر¶ TD0S ³f،
0 خا"ا@h „¦Iحپ ، ‡Oر ِ'Wheelé‰÷ ²
a
c£—v`کJ·d— زو( گ Upٍ¯Z
}ثگ|¨ ¼pئ¸×«¶`ہ©™×¶iآ سל ˆص ¶ہعط4z\ ¦ ٍ Y <
…<d
D"#l"7€ âےطئ¯Kk ،ا $ ê½ ... E Q
ےµچWث°
° °5° ... ے؟ °#°0°
& °:°<°=°C° ü؟چ{ويےىےëےêےےےے?9ےçےوےهےنےمےâےلےàےكےقےفےـےغ ے@ئےعOطے×ےضے\ x
زےر دثے1,³خےحےجےثےتٌvً ئےة» 2kd ¶¦5ثt3ؤ€ œى D46M³\,5Oؤن<64ح²Y|,7T\dekحٍ8”l < à>¼Mسs¸ہ طً :G y[سœہ
?'hTV$¾وٍµ"ِ ‡ذ0@,1P&,هk$ 4@¨t شوmقضô ¸%? # o³lsکx|'گˆ;gpقو5—=ّ
2ں\ 4 ¼¶fmkؤN0 > و T ح6ث×ژ.?h Lش!¾.ü¦ وm~H ًéگ چزژ^ seh*QO
... ù’
@مش Di !¨<Dّق ! ظ:HSہ…l
IَVث>LD
c…
UNبvْx@p ل7D)،?ے ذ;D0 9& ط…کـ…< ،P !
،-A³ذہ* َ*ًƒ ... -´…D)_ذ’V tXJج
z Gt
×÷ة j œ>$÷XةCب‰گGt@ک@…‰ن @ Œ2VW¸×t4Q>_ ü@ع–
´, ... itg
psœ ،-ـ J ÷ Y
0’C% XfںآSACaD Dطîü]Kr SKat
”Chً يFظ…vSهgu^…آىإ( Hطo¥‰… ظ XV)àط ‡ z ƒQگ µ>ژ Hwtنہ5—ث pطbv ...
àFژ’Av كtèHv'¼ژ
T™6 w‘¸# eشbebeb{½گe ظT
‡s xàذعƒ ظ·چ:·sً ظHk
Til d" s
Aعہ è'\¶ ²مذ
Wx6 گ_@¯Docky †½<‰آپآ `£pèشcض¦
nôf ¸عFس\»ےف زD O ٍY ؤز¨@D ٍ ش\Dة0M 7t2ٌ "¨
hüâô N{] 9zآ mے+ , /FqWé م
‡ q! ة/ے}·' .ژƒ ‚ك …w ؟ b ً<
{ &ن”ٌ7°.°²ں ü„
·;° ç °p
è °"÷ ³$ےےے ×%°&°'°/° ½ ½ ½ ½ ½,°3°4ذ&œً°8°9ٍوىےˆّ؟Z2إےؤےأےآےءےہآے„g¾أ ے½ے¼ے»„OS
رUùy ے·¸ے·ے¶ےµے´ےTdك´e شس4ث¦ّHfhˆ²Y6Mذô gd$h6غ4حt¨¼Dq. r–ث¦Y4ط¨sPtp¶ظ¦iOؤà ¾ u.س´ض¼گ گ´ ق(8ع¦if¼i نًّ’vveس4ح¦ ىôü wح²is\OجHx ˆµض4ب4&ش¶$Vک O¦5ح6 y و5(Hz{ tہ |kح·y/„ Y à€ovp \.—ح0ىuèŒ<ƒp}3كf¹ômّگkïhl yeOkؤDL ¨&(¾Y¾چW¼‡\´ژ„qںTr\¾Y8 & ˆ ن œپ*£حf M' $† »
. !V… ®p„ء إ ... - îؤف¯ُ²6ةقT \ ً Aa`÷\… EŒ“g ”L `×D Gخ-F3‡a7pق)B 0 ?نق4]ٍبك ´ 'پ]oçW l ك آً’ؤ¯>لD8d% چCh 6 )~¼ˆ€ V/<à&¹¨ ... —ل ƒپض 2 ‡ٍ
^O”¯ •3كv ¸Vہ™Gd— û ¶ `–6 ° LB
'±]T¢*ô™م=ŒRKلO~ ¢ ƒ%ہؤكں´لB.BA?âH> mً>| (هجk œطو¯ôôّ 4` ê”ï8^8ًOVi wXs½ذmblْ.گ „v )Vج ´
9twxâؤ V
3´ h~‡ +xP
T ؤ ´ پ!G
wXzپہ
†¾FS،—ژ •Bl½³€—ظDH ّ^(/26)
´تطïةH ؟Bks¥qب q5… o گcBˆ$/ôy„نDL ِأ cPF Aà ےيgن?è0ںPé# سأ دR»AلطژCµC(ٍ !س ... t¥Z2bجA
ک © <M`f ا`ةDicى1 ... A!i/†BخB0{[ہںŒظsè’Ms\4
شr
/ر w گنك>( ء
g’ـ ج,tO†mWوŒن—, 0ک ‘/ 0ژ ن@n
( @ ن@ 4 كن ؤ®Œ<Œàب!‡ŒŒ ه¦Y6ي¥" , ن¥s¦isµآدـéِ ³l ه بع1´،د7.tUـ oc¥Gج و {ؤ£ ·ب¦/ ].ه”¨Od°L³Œµر<@َ/گ·¼×H؛¥ط<
÷´DïTre`و^€¼¨ں`و|ة ع¹ُ¯ چگ´¸çنپs ¨ظ% $ وhـ ´ ŒذG ت،آ* ك¸ç آ!ہ1ئç$ى àط)y
يS'é 9÷$é بf
hو)#
ا ص
ض{ëےإ¢5~ I 5J ة´çS ہ{ ں} ë ئ °[د'،Pً
@
b;گ°ء؛)¨ €€Pjِ‘$¢ „jً ع cl©D jô#4[‘Fê %ىG"»_چث ¢; Hب$ا-T ³7n © Eا —؛
”گ ‰ – i’îµ TSًF\ش ،± × ق“O¼،¨S- ¨ « C: )·8…”a S0،¨>Eچà <œf;;ٌM N` © ëAعD ںذـ ¸ z
— QRكVث 8©3^nظ„ —ےr '" طإAr
w Œüہقگ IBeam
X€Iˆجc]»=فW‡ 'S¸خ#ùbOWSEWEr[ً
'Up '
Cً70H[Gla x0%"4—No ® @ˆ–'HKبإ ق'V؟XA–h9، بث¾sLWaQئ ài · Mno*ç J`يھ·(, ... [>·î¯¨[ث o&g ¹µUXہ`
ں ´°€–qzح طىmجO1حس
÷ 5 }ë Wد_+WH
ك|‡ B^ يچS& l5%‡ف’ً¨z4ً¦ q,A
ث]ہہ7 ;Bç،ذ‡ ہ >ّ¼(£èV- ²-Vم >vظC üüخ¦ku ‰ [06 (-ف°ƒ&¸ضطJ è>
ؤn ï خGp îCPg,N%اBg¢´ د< –…/ ' © àكB
ے );V |ن™آھ·1™«X2ژ طص
ë‚چ—ة [ئ R ًئƒپ 5„ £ذض –ق$YB ‰3C&ً1فًjal6Oًا(ت ل ـ „چ„دq r£ ... ‰ %¥ط2u خ ثé) ¸çث pQه M 'مHu
وj8ë=¼| — YTcë&¸
آ%ء#
i & ... ِ\/ z U
j VN دe4ُsےu ا/– `ص
Y–eY eY–e $$گ`Y–((,,¯j ‚uٌ ! اءWS B ×v°45B·F Œإ¦c24H!D ض .r عw0SHL ‡`<ن ةھً =©$ٌ 4 tF- b و آ¯C ... t>Eàœ+½
ààPHt wطCؤ µ ،¼l0 6 a bêpن7•!ذ ًèëJ° ے ؤ u;،´چg¸}²
M,ا =Iê”ش
C ÷0€; ض جqRa—•)+ىy6ف° =کآ
&¯هl i%êûأôےë
َے²ƒtطg6ہN\ب©تں2ٌ
ذى
„ *xàل rLT t Zک¸h 8ک . ï$ج ك@h8 Oل ظF8 ZG‰¹ KR:O f ّچ…Cf¾ف
[! Y÷ s€SŒPF £Jك1\¶
^د%!P€آ$ا
ï®Dl@U z•گj2l LL ¶q ZO ئ Hؤyإ ژ?Œً ّ¨X لtP xQهs@ك sH؟X%GOد@%ںWaX لک„ا_w ہ7 TˆS…PB —÷X‰SX llVF ²´ه{D¥^ \\X ط% C@‚ŒآV _؛g ©!Waه/
( Tب!}€تعRأ + ¥! ط'„ھ¦ , ز
vu%©ƒ{~ ~ Zذق IL +Œ’ˆم \$ ‚wêبأ–O—M
~ s jة
ءہ¥ ³( هہ ؤà÷ق—_T¸ثه ے ±5ءضsغg'04’\ع إ €Bکç6 €Zçش،€ zû;w €FS êتp ےC
âقw
لےٍك‰waس;r u ئB ë ;2u
…'èa Jئmd†#
N 8ا×ؤٍ$5_† êَ÷é¸ظ«²uىj ر\ h&µBأ ى’ض´^ ؛#| ژn+t0ï%` ‰÷ءsc ... ]é)َق}„صAه}è;EC 6/œ اC@t ِ »5ح[¥نë*Qِآàآ‘û)à VZI@نcXى ّGّœفa½û
ôOh„ôs\ـ“zتl½1ّچ ً\غƒشƒTچ
†² ّH. ظ ؤ‘ز}½]D
LHي)»–ً×& ƒ¸ !ُMp €?;ءt ¨;¥ ع µ$F I 9 P.ص%ىs ‚ŒQيچج& — yھ‘ 7’ (أé}÷ ... FN«@ًƒ=ط.ê*XA\… وOf©t
z?Sد2‚´ B طـ¥{°dZِ،n‰’=%u Œ¼@Bہ
ظF+‚R ƒإً“'آ‡kى€¸¦x †
F ]z 6ذ ƒchXPح× و„]Wدئ0leZ;U]´H&s‡ر~DDq÷ےHE™ …ً'»گپ ا
û 4ةس÷'ط
رhD‚‰طL°گ• TG#†„i×ک
9ـ1¸ف!± U±|اôے Lj…ح،è"9…أƒضںغNœ0C*°حU ع¯ ×;¢<ك @u %™@aُ „9ظ 3ˆ´ذ%ز`5BSںپo!T$ „<¨ sH„ˆ`]ى ةlلسئ„ ِD ذvëƒt-¨MkèQa€ٌ ARh/°ء Z• Rكد,ح‘<:،O ، °’4ë
$r غظ <ˆئKگ fک5œچ CèـZ
s
©° ك´éou #Wء„ةüأ» mà@’ A;uGز[ v„= =يئىCْ ب ... )A* ہ]ھےˆôؤL#U»rُ†i ٌ-ViPç 06Eق³س1 n£صWgGpr|€¾×ى× Lsƒ¾x jف4 k8] ê_ Hu Kt•ِ†>دôfءچ]ع8t=ï?„ô
r±H»"çUé¾
ْh ... ·‘4ô[0…©W[ ;َuض—? G Vّ’گ-، ¶ہ + -ج} حWkك،ؤ&G )=Œ‰ °„ د Z
Sˆ‚XYگءل éP iEé&ïة¯`چY‘Pذ.
ش،ؤ9[p4@ؤچ€¸{-â} ئ x ہë • ... nِ 3 û®»اّ;X tKآé ث"p'dه ï:‰ ù n/SG k · –W
YYhçbm¸G Oo p& ؤPOkإ Zع»غِ T/S
+بvکئ° ±آ Ba 3ˆ:Uںd(ژ
j [Q Sً سض €c¸Gg €x5u ˆI½e½† Aë0ِ² ط !Œë چ ؟ض ;زé;ëگ’$) 4ھiّّ
sN شRUP8’â" ç™\³6
هگـ™XX$ چMق ك [طpE 1ˆ'%DہpعU|H@ VK9MïCœ=س ¥S\ à ‰@a * ‘i ¸
ش 4 0F ³ x\ے”ژ
€‡ع®،ى\:HSlh¸ة'<قƒbd c؟‘ش ؤ 6\£بi‰ر» ز€£¼6=و|¥إ×سضچBc …xإ +ùa ھ é zض<Bّ¸ H'5Lٌا rَqZ ë لàى 8ï%+KK¯i½~#،mù ِy +ْk÷+PTm6sآ9Y(± “ &| يiû ë K 8 ... i ;Loë +eپ Tو £ش ´£œüŒيCـg :1ًP:جO®‚Wàï2 :"±(Hkٍ ت D'Wو`6 ¸؟؟KنمL X+ـB/يذ—#@ ´·çًkخ‚Jج•'Fد$ôئأق´7ٌ L>•مGخ %u چ بâŒbپپ%’p8I` ؤ¾ل N ,DP©|عکِْs1_ƒ~0،k÷8م $تJ¥ں ZpDHë(5 €¥2أکىى„…صaµ xS ¾حبèىu VH(x8 W™ X ةD GHZqk²‘cWLP
@طd «é “ <ي@M è6u é0ف „BDïس $¦‘ک ×!\عںRUuI²‚ 6STآ ِ$j'سآ)?ش0tؤnrW÷q ?R•
0ù¾« … '7BہQ ´غئE ج£ہ
¶ †ü0ك0 …s¸ ٍVت9~.Fئ]/ى@0 ½ˆPط¼ئ T™بں# ×àb…ذ0أ»` lCl ¦ ُ*×µMاہ= -طث+¢´ِ
ْë %¸ fd
²ًtYG´ئشDù3lpL m ¥ } à„KSSق;6 ë cC/ Q]œ0VْntWUف،,<2 ;S8†b ... 6*»ک v $آ:°=±# 8ھ ٌ
e `eَض+‘w ژ=
‚[àلƒ ل^،à
S°
u"°µ œ *’
b{ ƒًë ْ)¥cٍüR ƒآ
$ #’ژx ’6yًز SMŒ ±8 R ـ%´²W²®ْ P!ˆي Dِ ’Bً–½sH3سn ²µ؟ °—¼S
Fmôئ( rةa'Xإ ب
خIt
M e ¶أم ^
K³)َ'خ¶ 1if1FO'ك•q1* ç×…”0"ق+ َˆؤا َطYً¥ُj ة إ$ا‘6 ثK¨2S!„Q€ئw“:â*G;« ’q0ï ŒL ,7 ‡ ‚5·
u ”]S{
W HcU ?1ûôœشd +اP
ئJ€fOم´L ًپ?ً،ن;ï1¨$O€ D7$ وslEüٍ ùء ًEً?zYU ً[2 ÷ w>* 8ëD ` D u ... Yً؟ہہL+†ںI‡<¹ U ... wô؛ à)* Dg ¸µ m2h•|\ g ... D65"x1 S“ Xھç؛÷l p XK°جع« én +\e’ ˆVٌX€éغ ںOs |fôجZ`ج cچP-Xl$ ™]S
S° }ً†`[ rP\ Oاl£à TgƒثF ...
'غ>آ
Bعسƒ™)
t’P`'س@âD: G;‰k¸صsXIf ‰ O(/27)
37 ,¼â،y ش. ... پKT b¥ك¾ë پcT 'رe
?7¯ سZ؟a÷ؤvةHث" V »
‰eY–
Aہً
#T7؟¨ £]2رضê¼%Jçٍûû [ëv;N tq‰ ... …ةv s ةٍ»½ ئ}أ9
tT
p¾%د [t7%ï
v ;ء< ن’g¾_t =
rAہگ¦· P/ ... Œلکگ"¯ ذ
d< H < زن¯ْ±ضگwƒ‘ ... ضئC –™JvQ ¸B î[ژًUہd¯€x|ê ‚s „ J®L£زlE ùخ`چ•]UنB€/ kإؤ ¸iû e91ù ¸ ... D`‡ ـDIک7 H³ بن3ê>
÷ ( ٍqXc¾»
Dٌe-_ ثô(† ،¶ „4 - dXغl*$چ "sF‚J ÷,[ژپG ؛ةش@c²Aj£ ™6گgl!
h)8½|ˆ€ og½گو¨ S€²رضع %:BWe،;k &pf µ P » چ@·
ہ®C_ TNط¸ءsUگG
( ض\L= d? ¹8 z ˆ’i‰
ï‡D6B [ئ
€ç‡X
¦9 شB 'cU
ï† گSRu؟.A…‘t· ;
hغ†XLu7;Wx†T «ù [)¯;SGp:†P! “†غ<گƒ'4 ـ?ًRأ بg> ... T «[عˆکت>[ X ‰[<
پfêt™،4qSہ{ P
ôal~sh‰^ أ8`mk%LCa|ey
èê€Ht ق`له +اCpطئCW ).Mَ XYZƒsTOûك ` ^ fMzôے،d†Eç ج7 ?P v إأھ ˆ ± ¥µع
×w` ù „
t ‡1?A.h|t9W?9چ\ ô؟ئ „“¼†ج ّگ ز£جâµ³Qحپë ... WGl¼ب»03 t h @ƒdش’س k خA #W XأCà
ô ƒع•
زAC„أ 0‘ژ ئ"% h ¦ 6 ˆaIلrغ8آنàH÷m×*|â‘ G2إ= k aً ؟ہضآT،ك 0gّ Œإbط ... jے7V¨©LP¦إجà ضNئlƒ“ ا Q ×أ~´ط¸: t
$j€H è ´çƒCذ ©jo2NّK پcPےَ^–ٌہsKPX éTƒ. Vظèہ ôے؟U:lه غBّ ‰Xے@ d;³‡ A3 kء:h» !Hï
@X`Œ0 4
x¥WX¥؟ًء >بِˆPثP0”ً A‘ ;Ax>0أْ … ... 12 ... ô n ÷KKTQqOگ{,ح7قE ب×÷!ہKë)üUcT÷شءlبK ... ° ةگ
ة #5B(–
= B `œ ³ہ؟ $;~|u
q ¾ W
ë#<½ءْ” ... ص ش œ®‡Qh![E— ... 5PJˆ† ® i_[Lگp لأoْ ´قuhA؟‚ ƒ \× tW„ x'
Qîˆ ²±ùكî–}8`y:آu.. &ŒO # ©@âu آ¯GLP‚> ... z HVW@7y:MYë
îî e„S“ذ×
Lµ M+<5—p
"r]@_ آ w;{Du DHu بئiy L%ف‘pِ¹SWS ¨I‰G Qi¥B‰>‰Oة 6IےثG €V
#{•0y ¾
د ،¾ة ں€~bast Œ -Fà7ôm…÷ŒS^a ذ :أ°ُlر9و†گ& ” 0>خ ئR ™آ} f³FH/ ط ï: @ *َ¼±»• )e yغ ثLŒD dLT ‡%)^îi¾™آ „k ”u]ƒْقب[P# ”~C ! 2+^k ;dF0 °oXغY
U :@H/ —µ½ L3%Qa R/”ذF >SWàNچئس€ژکü±mb+FGتDV@Kعع[t ONR‘K؛` ; —RG ظؤcD/”ْ ـىq;ک ^G,»üD ™ )پî¦ 9 % ½h¢لOF aة!O¦?»ƒ )<@s YءT-Lc (œHàd –kEـنل;طّْHـµHء ‰ز b± `s|ْإRHمe €گC] »کLـç؟}jٍ %| `TےûY‘¦ Zw، LC C
miـôD ك×)è* à¨E H ¼”4¸¦÷[O ×ر # +<€†I:ںvZ ¯ژ2ƒ چèUآˆƒ<_H n îث
... oJ HH£zِq Lظ'«K¯bآB):êBL‡à j +إ ح$·]èخî&؟ة• ’Œ¥ €î:B†GD ¢ µ`پ
V·ù¶; ÷ ج©èX& ... ى«…ˆ د‡Vز گ
d‚ضفب ôô^ ة&تm µ ¥. ،ˆک@ ïx@XH5"e_1”O·® ... D÷Œنم َt D ¥آ · z
«ˆ AسzkYE‡ C,¥vâG ±W+¢[ب +J‚" â !ہ vE•h< ^=ہ *uكWAj*—ًë³³œ F¾H²D كŒئf،h DƒآsَةCl D!8 uZQ`ِh ... _Q6ث؛B`ئZSL Y ...
ٍ‰0ï
7?9 Iwً;<$ ' ہ„w©¼¦ ×~O $,aâd5^°@5I WWً ء/ n@„'أ*0 3D‰D¯ 7¥½D à8¥Q yO 2ˆ h»O%:Zs ‡ہ=“
H H nf
ٌ چ"گ u9گwجج آiDL
Yن
'
“g ... ÷L = 0أx
ل8ü„fZ¦„
" (_$` قS ,
پ ea
lچâ“ گ نP0” آà ë€~Y…cءہ™زsC^hïm vظچذ ى گˆBI
‡†ê•o· ش ‚
V:P\\0 هt ˆ"s+Uطx^أ CüA^~â ِGP t; =پ5€ © )ôG ]?w ژ‰
بgï
!م6 @ ap¢…Sأ"¸¼ #03é B>é DNل¦ ةè©©ذ] Cھ TحH¨ْP£ Pھ-¹ّ؛Qژµ _=;قZةF >|*8ـ‚à2 ?; ... †Sxü OL®ئ W^ q# ّ:_Wt+œحˆ
ں 4S£
°[qئ*1?ضdU´p XvXR“œMٍ±
گ RzLF ذëگ =½¾ز~wآù% ب v'¨H>)xS·‰s|p F\ XXم ضWŒ ™ضR8÷½تB’gh Aw‚ ؟ٌ
شal “cأث ئvٌْK£ 9ع8 ص2Oé ƒپذة،µBHل) ط كًp؟?„ Wo_t ˆ ... ئ@`I°d† w<¦a,ل=a V9é[ü r,;ƒِc€™ rى6 -‰م 8,. wحصگh x
¥¥S, S€ ـء[ 4 >S 4&/Yt … K¸ˆ ... ٍ /™àk£ص ? :گ³ظ£Œ™2ˆ ئ ِyIfI"Gs ˆ 7$™Z# ;Pp–œ,/‰PpZ
JA /ZZZJ·d ... G``ش»d=fظx0گ ... قMغx eâ أîô ;ط¾™ذ W
ˆ™Œ“Pضa©أ–ہDëط `V¥sذسï)خw%|س gùl€ '!ز}[ „p_ 0؛&ƒ!l“\>0qH% '‰± 7‚ vK½إTûVُ†فْر%ےHٌء³ ًةt ; ‘‡R JˆDˆYءذjز أ *yˆ ,مrIfçY’آ—آ«OˆO …' "_ـ„گ’GA (ا ى%·ـچ–°“[• ‰ء¸Hّ كM #~NNa#… 'e‰j’ّGCP@vـ GعH9>,ٍH<طى ï Vˆi]bز2 ²FSk$E/ 7¾ˆMëvچد† ؤ ةi Q un ... sک`ےWسS0 4Hغٍjگي }ë ? آ
Cخu
c `فOج m²°M,KQ· ëكwnذ نّ
SPW!اٌEŒ GP ‡ Os D=O îئة ر0ôu ے ؛C[‰G
زX@« ¢•
Ovê¼ئA¨ ص»t5 °ˆے‘گ……- –¨Xآc }ِ
붱ثïپx µ u { تQ سg …ئ 5Lقan3¹wI †¼Y¦و ،a²+“!`†Tµ!Dّ،
D³]üح mQa@ب Hè
a _&¶/Sغ •,ّ Pجي,• ؟کLظ;& ;م0ضAء¥€پ Z ئ¶ ن <~:z
ë_ uہ• ع/ t c :ç_©r3< ب|َ” SR آa
h ç1c4 \ëس .³0 é؟5ئ بpxHّ6”، ... ےue#–ٌ¾{ِGTy8ù ز € S O* $e %يؤمآfœ ® MآN° ® ،kp ³|‘‡™َ î°ـ ئ @4B ç \ë!è }3ٍ¥عہ÷ QàS”ZGFتPôًصZ!!‡œêژ½
< 4Yى‡ ,FèB arEaد (ـL f ç•|C– xcة †XX آ .…—ؤNˆ€¸بumf" /p
ذ
?،ˆ/]è‰|½ـK غCc $ل
قلH‰l'/ a–( àچsDفœز2 رù فï_h3ى 3>‰~ n nمچ ٌ
چSD!ë@X a.2ّq بء+ t"™| SSTRً4 »lR€ KXS8ط† ـ ِةأنط ز· گد+y
:³
™ G S5 GخآwQxP—ئEِ
ئˆŒ: Vٌ#ïSآِpس…<8ؤ"ˆ08uqH :
8Wë&t Sœ ƒ pِ+چEƒîx‰=„ةo+!iٌش÷ق چMŒƒ!…÷V½لNrي[ةءë +àtےJم^éƒّx}—S)شŒآ8ں/ô'`pٌ™™ پ ؟D i ... ׸Blف†"قR
Rنàé I|ذƒDز€³f@SX}ïب 2ؤ—JLc HةHVp ہگà 8m ہ# ا\Hûl<لà ë
DZ¸4`ˆ|h ل
Xü;bt…‘&كck'Dk $`¥چKsہرآîI؟؟P ،à+ئ+أ9}نW 7M, K DhgدV +ا<Uا7è+C³·`ـˆq/ى½Wk
VپEن‚W3 ƒ ëپ خcاr'ذپTmcj?•hB jة<èw» ’-&± G“ =ہْىo jگ ƒ+è ٌيؤخ@u 6hئاwز p8y ½uپ0 zSG , ئ à{\ †ز HU ."’U*4d6s
" …ƒ. ت
ؤëY‚]s!C Eقس¾شPûS(/28)
ë5¢ ط ƒ¼گ ... · 1 4y6`3ثào%™J جس€_´ أإ…½qف <nG=³50pب4+پّ آ©ّ j ... ظf
-gھ-¼ƒDë:Uـ¹%âKؤ\ن•`‡ط© @ہؤ` ... W? ... ``1 هO}Chہ ؛بتنّî –èچuج«ن~@ p ®=گ‡é b è`ءجF»a 1ˆ FŒ]¶ K whؤص aضoث
àگں„اôآ ... ¦!ب_*+ ... ثXاR@¹ے ... ژ،– V ˆxظ îx
ٌ} ‚ ET "X¸'¸؛ Wچx/uƒ_j h0ج6گ/xwè© &گ{ôّ·& ‚
f(©ہک „U<ة ´>Vàّں
àر zھد¨
ٌ‰wلضP ... (ôہ2 n N; ¨$ P d0 پ ... 9ة “ OA©·a —طج!ص
RC؟V èˆ-¨†Oآ…"b µQôQ‚l ±Yؤ ہ X7@
¦ث ... ü -[ tMè‰ظبvخ
@ #° TYHERتG¥…·چ خ,<ل- ُ‰ ¸EœCvہP"جژbiJ3گ‘“wf¸½فa^×™0E
‡ }ط# p?„ MH$تç‘# پm™ج
ë تب ·57ٌM4S¥ج !x
نz¢ƒبP €ضCo ض]د) ~2پ üt,دٍ¼
ृ⌰ —چں
–ًPtq³#بًزv l ز
' کD3 î A ™™( +
أdگ‘
ءC a^ Rف>z<‰P8\~#èںک ! ژ ë ƒ;x`ق
+
·} ہ P»â4O
ë ,1أ#K }
.A;‘wEHO ه
7
Y"
f
œز°[4Vگا)k… ·Hb=ز¾TL‰ƒ0ërأؤQkؤہ QC€»œ&ظ ˆWرS@و
gB’O¶´Bë! t Oبىس ... °r$}0éH@XDض;’ع+ H]+ L ± "±€ض·è1¹ z 6ذ 8â6°… ¸P V سù ‚ €¾£Iز3…$„?¶yûI²=
r7= w0غ¥ ,· إ~َت5„ىt m·û c ’~ھ ‚ز2=
? Kہ p'P€u aEزا- ¶
b م¼ك ي+ c-÷ٍھ j 7 ë9أv،V
9– µ آرFط س|Nي*QNT ë~’ہ7
fT ëw†€»&گ5Rl 8aإAؤد ;B uTF&6 T¼0Ow ع!ْTˆEôH¨·’ش+ِ ًsô =´Cآ£ SaKA¼H‡ظ Qى¯64¨كY
t(0ŒƒJ© ْg´F"
ُ»ثعسْw؟, †Iذ ذ
ز .6قOSC/?~Oے0 ع > 1†365Aط%Z ّ– ع}
‚‰W(P Œ CAgŒ>#)w¼ˆC^ِ¥آN}×^hü¼wS FK¢ x*K0<£:B^p’ہ
…y N °,o
آ¼ءh0ژ D´’ں· Lؤ0D„ ض·خI—ç ©
O…")à¦-»< " ` ^ ... ;ƒج mم|مƒ$, ل%ً” ü£M{Jُ ë c³KV
v* ,9(gŒ€8ï àچَ “ز •2Oَ4 طتشذ ...
b
ï‰>ّ¨KِGQ1fپ ںw)Y ... L~/±KƒpƒmK ؛´CFCبA>D؛
أطصصhmhل% ؟¹
Mb
4/ ¨¹ہخٌأذ£ش±ئ
^,Œع
ک : `2T ´O5tŒX:خ7!گi— K±E ر×نQ $ é\”dv ذف×I@0م ¶|أg wHذé+ c!âI:JKxٍl• °‚ bŒèKّ&^*F/ =O".USNŒ (Oى H®
"عb/ µKsuپ+ G
k ÷آ Xٍ_D††ءگç ک3£…ن
q± O @ گہ@èںV;”
4O“C¼èoUےûع ‰FU€Rئ€cـ‡ًکŒطVےبEë Kd[پ{£‘pr{* b
سS ض
&،hگ£أ[ش Qé…ہ¾ذ N AّF®گپ؟âنàL S@³"1I“ +س E£پOè\K3زTA¼IT ; j@é م ±ثs\´"׫ëطخہ)ں$ًرï±Kا¨o G?œپگ ¾Là<"—u aث
»B؛h. ^؛\“ îن Cˆ ةd÷
¶ ... $إ € 0_iP CFج ئأ ض:Fپ ... ں،ض‰1ئ^أ$|€à²^of،$7⃑اا(7~#tPپ¸اWً
;SH} ... dس¼ î '
~ ³<'o K LL "أخة L&'ےb qt(± cU u ِ@ èBآ x…¾(ہŒٍ SS€iu T @} `y@ œ P@¨(،Tâةà €ل .(_ 0ہ S&Zm#ƒMىxzNR m ¶
7ث0p ہث
1R`` >‘خي'
SV_Wض ... ‰‰p‚÷' +,¼¸êCT‘qٌG£K SS ˆâء طD ... »ہ*¼kEwO صFءخT!ئŒ ا iVك
i
h\&>u = أ,·sغN°
€S ‡
° vl&سےîY„
rJ
Th !× ïY^Vىا^آ» گ,IVV’P ژ¥ہMo$ں Plآ؛ –L,حد/ j- J _ëک
3ِEX<\ گO لأXHalH'¯پL Y¦ 6N* CT «گf ذ<+ |م «گJ+M ہ
£ tpgà µ "B
؟PD @3ُDB-[H ئB5 0
؛،9 چXu©HچكQٌّr0ٌ +BLîo±&O™ُ
NHk?L wHB +U „*…üط -( ذد
è D% "ô ‰ -J
'0 ں ... گ@Dâ)xYق …•NP5 ض …زHع- …xX …سغ bU –Zw ²ZOtھV;اآêAi3 „:ؤ*Kx…'ûAمs
üج ّn؟QxـVk
Wd-گI\شh
GPSSWف \€jEdvƒ¾€ ïN%رچ† k|€ٌ{{ 4 €~W]
S—Fل ... $]ؤ¸#ٌp¾fe" G ب,O‰î D$ ةGIU];D ... i`2 <X7Qôû (ض{، ّ ، ç&8
WغlTچ j‰ک€±?†’،d(80d( JD f °û ™ ذrïQHگ 2 .÷$=7ئ®pٍ ™RP· ô¥ّ1 دO“ ذآظà6 'خ<إ5 Dr رüے³‚³“5ˆ،1اb¹1
h u !Oن+=?sO'R¯–!Q †„ژ†q ôL فـ ط !ûœî قF$ )–pأ‡¼jلs/بٌ€pIxL é c M ³ . àُ?E ³ ëy¶‰ ژ%£} ëm;ْ =êB!´’gîًa|]سô\µ•@سژ], , گ0و¥i 0 |$44$ KP nر ïs@ئ-0—
Ht
¦گ`كë َë
نS "مہ ؛]—0`ک W %ٌزذؤkf4¦ع
€†fٍ¾X éPHR L 3ٌ¥فP'hA„صçdeIغءQ èà S ¼_` ƒم ë
7 ƒث u0Fàx.°
°'m ¹ وٌC¸.CنO )Q؛ٌ&R ؟e¸« gSn8#x”v@*t ƒپ‚ شTQ Œ/غ
¯
ٌ‡ً صَ@0اة¥ 'ثEؤnل…|cŒ ë<5A
kر’¸ucX •D،ذ† ل أp¾16 ¹ Z ذPوة{
ة{AH\ul4ضô†~پ
L€{a× ـ xœ‰{dEzé’ع $ ³$—
جضµOxحdx
kë@اE+>&—8 éص',@h AAjئَO 2 âذ4ًO ¸ƒ4 0X ‡M»¶½`-F Aë4ق ّOكطlµU¨ _2 Bü m„ ‰gcب®ش•b A]"~[ n`Sh|ZDأ7‰ ‰Taٌ ˆ p/Cے$
ئƒ© ھ ر¼ب !„ ٌ´t$ «سبµ"p-ہ
¨ ¶ّسہ]SKئ=àwَى‚‡: ب,ˆƒb #cnمN^ ثdh
éJ ‘{A£ P#
0“ہ ؟ ظ ... u,ُ¨Aئ‡ رّ 1 è$چہ0q
... ص‡xM: ،7¾èاَ(ـ/>hƒ؟€hإا*Oa@ة@ـ)laف.ظJ lضeقi3ظشv»üQu×ءpR„yC Œ|M …ا 8P(„”ODfêفu¸œµ\Œ ±™sôd
ظ(ِ`C !N°X ئس"î5ôJs[ —0xIâf€Hçگ# ÷×êw| ;_ أ¾·بg¢ش¥سo âـL cô@{•C²ض¯Fç )yŒ gCؤ:$دgWغآہ°°CDv¦=! ےœں·YPâmى ں 2ک;q+ ؤ s 3 bيہ+9J8ï è ( S]ےعû $wrے$ D؟r #ج°¦i.AL'_ à? ;PD ںءëmقû ٌD JLG PL;ت %1;@Y–هY@&@H@ )لdH (ü ہ“„ü ¨©‘ :$ ونر ہذ}ک@f ؛ nآù }Eû:BaF~,.ëصT
گ »3&'ا ”«u Yfژ DًH„XDdىî°]M
- ‡ہ#Zق 2sبEàج
W‚ة-à ت أuٌ- pچj
a”$îvهA ƒ)%مظد +‚ˆ à+ذ‡=إ ْQ7ôë5پu,ِ پ$ ˆ[`\R5چ&€q#ه+. C 9ن ”!v‘Œنè7r2ب±ً ”ن! rŒèI
ًœئ@—dqF‚ x L$Oطؤععر´Y ` VuJ
±qٌ³ Z p©x p I+ 7|
@ 6ن ؛ , ·U è“_
k^"ëB ‰a
H_ل¶b2 ل_
9ع–{ubًإvًù(†¯ GI¶ 3is*8R_'yآ" 6y mژ=ي ~ )P
ëd /ي 3ى ëW M رŒU´ ë=WZv ؛|چ–چW ذPقذ‚^Sü … ب³2 ùHة+گG H€رemî ٌX
f ;¥/ , ش’ŒAْ †isضژ•/z® G[o“ ¶¦~ژ« +PLہ!´†)DS'mآL0„ ضG»شہ =0 _ EOص پ_ ½
زè;:ô ـ =tˆœV³ $]® ®î w(üي‘ط Z :X[u € 7@كگF8l™êSى–& xœe"م„T) |<àي{‰pî€ â ،$J¥G<کآ] ظ
KA»O’N(/29)
îHP;t؟½"ˆ@ Fç;p }b’طs!P U*‰Oکث”3è<س–V أ9د) kJْ¼ّ Pغ[5¹BSû i ô÷ˆ]ًحtR7X~خ.سQS¸½4tYu-=€“پ]&ؤ،1BQ D ‡ذeƒ <s8A [‚ hظ S xِ(" û:Pau P غ ذض„¨ 'c OpV‘f b(#_(
¥`F إ ƒ ] ? =F—.شê*:$Yf“ذIŒ ... ·rŒ ظ´؛K\[KU°rب»Z`8´Y ب!‡ آ 493ہ’اAJ^„÷bK“q ... 72¦
hدpaھ‰ى# ’ !.v nmVb. %` \xْ HTsV{ Lئ é2Aذنk ô؛ف گ¸ًج Z `Tï÷¸èدfے€قأ Z ˆ u
كv‚ؤ;ƒ b8؟ 1گSں
9ہ †ه ... MARˆe““Fـ‘ …ط°B
CkL—
ىa X $-C¯Xه23ت+WH+ط#خRˆق ء6%^!I‰j O…[ H1> c%¢Rن[ M„
צ-l"1‚]ê -O"u³ H„
y)ےMiپRؤ9w.GO™à†J ? $ٌd £؟+ص هگج؟ہ N#کFًkسJ·à×°ى £²\=ë ² :†an ق ذ5Œàئƒئغ 1TïقêD_qH ... ¹5يH•±6 1ْ¶ 4†‚lخ /ں ہR µu…†K؛ُ جں.cnj• ... ·'
... z ¼Pدt=XbqB1M s¦؛ôT_ٍ^ٍ ”ë
ک‰s0[- K' ua±ƒ]|©| ‰آ=e¼’]Y p 5َ ذ…
û,+=„ ... tس ˆ‰sOrlة…÷GA’ =u ^c@fA ا¾ë H#إ4ة T
B™ 4RJ،– O6د°غ7Jَûد?ئé{è
M ëإ
cn :HœہكoaPC_H ن™C ©,\êvê
<ںِ « b :طشM½ˆ X;÷~
ôè´ë ¢ƒ‡چث >!xFقKI؛j6Q œˆAb@آg؛r آ}»رظCز°´&’¨£ُ×è4<ےU—”
`؟Fâ ؤ#نح · ™ه ه
a ¼#¯vبs Tsi ،\{ آذ€)´bKX vى°چم' $G¦ âؤ,K ï½LDج"‰• 2.% ب
™lب |إZك پ Hƒœ‰„! @Oe
"
ً تGi‡!أF V3sذ5-<–- Fگ¸تç`ب©€عI&S¼Cs-تŒF% –„ (ث-œI¸خS Aœ$ش{ - t پK,
آUہ•ِ )îFّحè= €¾Oھ N–ه-” C
D HO” Z T5~!ل°€0ن ... ج^ o! a†گt {) $
q@ ق H@(‡ <M¢-®ˆ@464,%گ«g ن%HyùƒL$ B>-SDo¸“ ژ@ے• W؟T±q
•t*†hےxضک”گصsِ…{*@y”> ه^ 7#ہR£é é« €¾Bµگë@|V€¸v…DےtHےDےw
Pِچï!چ `<5@'Eœ‰h çDqLإ
د¢'¨eغ>&ً
؛گ‡;•PDt1 °+·»FVˆeüا> €C
کjOfœس D† ‰5s 8 ... 0眷 ِش¾zG½ہ] & …h-l %<mZ
ézء0 c .&<پŒî ئƒآ آ“@1-ہSي/çQZ:-_¨[ZZZJ+SHaUW t )<م|ُ‰„ج´±l عf Oے •ô œإآفSطs l†–ا^رّ“ْ h dlKAإؤH«oچ;
u]–
µq O†ثآ ‚ mفxŒpچ«V&ba¸ –Ws³Vذطژ /¦ aR7z_,ٌpcي ;َّ€ ؟ئ¯
„V‡GauOةDrىy×چœœ¥ : ³ ± O ¾ذZ± |6Gü$ UHUEطVŒکہHgI ‘Lظ ¢ ت×J
(O_#â¾wWwً3d SAزë “„!êُ rdذي¦±ح¥×iˆُˆکˆ
ہ ,¥Aش ‡%ٌè ط‰W )Msک€ة„Y “<fKگW ،u¥ءn'… w!ے‡Uàأِ شF ٍ+قثضp - مëق0 \C زهف جGھ%“#!€ ~
ں َV^±Œ
ظ eT' Fٍ( j«p
¶ ي‘Œ;طGœM”¹ضہي\ %lن SG2î sعط، ًh&2BٌH م^ءZVot5إ“·€†ï!¯´ hCO
QF¼ê،يA®]°گƒ¸…ئہگ©!3 ²l Sµے ‡ \i#½، ذ \è
|‡أ4.( ز_ثƒ %´+ ... ¨Œg T tµtH*è پ.2؛چisRê”؟إ$ہ* †؟ i@¯™ ùI< t` ْ–
r¦:ثtR†<؛0ظ @ Z
,ù d ز³ پ;?4 ¸]ضˆ‚v;& XŒ6
4‘œآë
ء(1K7و·ï©P$i.گ× R Xf÷¼ LŒçش1 أƒq„’ewگت¦)qت6% *£J ،مC ض 7M†°
·V+q oہSD، ++ر¸ پnPb ï—5Tےpّ ôغBA¨•Tچ
= ہGoè ZêuBZ< „2_
ابَQص8Bèâôs
’گ!|cN€:Œ’Z8€¯ˆ ˆMَ K&ي-&~ $6ƒ¾œه7ءD ç ؛¦{eس"9Jفe ’Câ îہ5 -.…\ىہ'mکë$B"‚ ً طaہˆ3 X:d× 3غ¸ے &_/، ;x0u% „f
ٌإƒ®Fàىp …K¨BE\-e.0„–¶† ں
D†kI«كگ gأ’Zزv_چ`pç'— =„™ذپپ آp d¼ ®2HtY
دپ;Œ¼N# `% ... -³jé ‚صب ...
·
ذچAآ¯m¥ ™ِ¶آن+bSêëS÷O‘ِ …ـq ( ذ ثuؤ آ*هZt q„e ÷KEآ¾ج’b-‚ Jz ,ƒsکfھ@tskh—پ بs¯O£O_a\ëN Cë8Q|rq Hّّu&E¨\ثة X 1+بگ ... è%أ ‡ w‡ًں‡•ة7م;ƒے{u$ C$ Fؤ‰ًokê×I‡è‰k
…يXمCِ ءUچ خ i ·¯.r
D
éJ|ék UJپا û‰و‘qثWdük±:
لYچ!ىO³ëپ سV3L|,;=;½ء»$ْs :RWقy«A7
tpô•ٌ'أZدّ
u /ô† B, ہh`گٍر ‡ض ¨ّ E£ء£8پآ€¦ESA ï°ک
([D¯f 4 ®²q O`ز%?eذ¥”`ƒ @ ^ِتسص/à}ا¸EP[Sf<• GhB³üہK‘¸¥xBTGل Iî…کb
‰# \1V+¨t%R S ةRل»kب
_@1آ_$ ئ‰i
t„ ءz¯
O M`" 4¢0iمœˆ±` <
ً çaىd — اc%sMصا
¶2،ز=%*
2-2c1 f/ˆ$ف ¸ظê ˆ ج é4 çh ]|^i ق
صt ٌm ¦èكج »GQ ×b %EO J`x
JiکJچµR)×ل
p`±‰
چ# RM غ‚‚ق8O™م
zI'OK@ zô&¦ùہ ج`$< Pتo€=
aT®¢ ک+<ى
إ
ؤR±8œ UY«Aàب؛ x³u‡d4f … |ضGhŒK@ "îà طّ^œSز¹¹ىگ@hm# «l0حءB
¹P´†™ن ظOs\R،کiغ †K®ل
J
— 9†H b$]xل` ي ¸ ™@A7چ+¶©™Gê ... Zپ I تؤ aDض4_à# ‰a؛يV ôn)5O釩¹ لے¥ى- {ِؤM
n^ ّ
؟ ؤ \ O؟©O“5زF کO
ئعIءـà„¾ hWî نa” H#xىà# ‡|ط@ژ@ Vخcةlة؛ ¹Iہ1= 5HW¶dً?;¼ N5ûH@ھRüپ ... ّ ... >ًu¾* %”ژإأز f”2|ّ ئ ¥s4 ?† ... ك†ƒ|@ن=îضأU’تقپ©دOp “ 0ةmO«x’ç
\ ”œPW م.C ّ ¥ ـ ؤإüe.آl/œD5ل!+F¦eE´WXK×€طّX `(ظ`y$مl v‡/TP… ـ àV_7F4@h ?”ظث€M ‡Qe–پ$Wأqü u ¥ظ_د”
–1 6F0‡¥O.$طƒm©? C%µé`ئھG|vè
Jب$9QjEض/M؛%OX»گg¾&' ش¨ "'?E´ ... 6لEگG:0گ„¾†ّ¸´¥wUCئ%؛)q]PhiD FJ b
j(¥6ح ^&bBK?¥S
ؤ V t ظ/م…]û
Jظ(· %¥ C×cü'
™9`2C گ؛چA ّ ïٍ ;1
ماq`çU „Yw« ً]
ء ي&xR u ہ‰J3¦eZںçQ _ئ،lh?ph¸9 Y` F چN €K’« ;ئ] _N-qAoجQ”
‡ عF0أ C E )هv+ ر×w®Fچ ضد';Œr(—ْµضط$~0üƒè *آ¼–q /¾[ ،ك=xDf M± ه»•â°نھ
—g~A0:‡؟ y ن x)C{t\ ؟5Rپپ×ùإcXzëGC
vA,ز67r) cژ uؤd| S7Œه Vhé I '{h 5 'Z ^'\ؤ'Wôئ†ùئcةءآ5' ن#1
ëj م ر™
دA+ƒ»ˆ!ƒb$ Fغ G
rüزrزؤµb;é 4 ¥ر(M±p<à&6ـے2O“„ؤ رہ,J| 9پwCہ×çj ±ف ًْجS“’ ½D B …چٍj8%/X×س‚ktSءQء!ثt3أ ... >‚ @<P#© / !¹5² ,(Eن$‰k xZO4ذ%ؤH'”B خآ
ٍ
ؤہ,y O تجب$¼”Bء£K?#“¹يخ؛8 اذپٌ| ײ1œ6´EاسعP ¶3 ،چu·M k‚ئH3é#µ
ے7°ک!`¯„€بƒœز B(جS >x)†f7أ €گ¥”BCç/ ش8»ٍ، fv`i*ôéً)x
s Wہ9 چY Hأ) iˆ1Xؤ چذu
–إ 6p"´ت¾ 6`صإ'S œ Tx vئ`l¶،‰3ے¢Vgد
چ}ّf {àؤV |j(/30)
eO 3#¨ز .XlCر¯شM$dFذG‰س«.ھإ] F —z كv ش+´j » O * ؛nوçDh 6ےٍ
ف
0cS'€»—ہ·4 àTے €5،P
½ –f7Œéë
µ ظ B“t إ7ف ®ث>“ƒ& . ےعû ن
!
o:ںىtpˆ 0 ںŒشud~پqD%E™ 7ہبژXَ é± sف؟xغ 2 !O*
²TPلاdâslq ‡ K)نةoDT * °* ... …ب * ؛پZOè‘S]’×)/قov udâ 8ضü K¦€Hç0m¦ô°$_PXRکHT c
8 <nb ھ[هo
Gaپو Fط^z
ہ¢ا@(c ،_°ûàTذ± ُ VبV5(\ ('5Hن4#،!è »Nب p$Wإضspؤ >bغچHٍ°
) °ج«Lƒ¼à ... " w
ہêN ... ‡K * گ ²گˆ شف%8 S —6رجtـUطZ!%،Eا•ûہہNé’ ;ُi ^ْ€½- Hj(ë`طّ4 àZM@ثءخ$t ¼BR‘ ¼°،‡´tk(Z]H:6ھ?‘ ... C jا?ںê 2r%ىè d(ya¨» °Era¨?y&نءےâنàh D bp*SO&y"û ش c6 |؛ O)ب1€چ Rr"GbpؤXF o\پ bTK® tçSƒt&¥ ’k [PِCR t#كŒDˆَ¹H I *à؛ µ!&X`¨ظ جIô
ءع ؤ tO& hإH gو÷<بز¯ %ً|ٌg ˆ ّ\ث ںہ[ ع -³ƒ Xژ ;ـ8 |'عà /©;XD`Bہ®ع] v شZھ… s\)غ؛ à
U]|üص!A «R ·$|`
fWl`"چzك
OشN Ma £ 8د¦F Oçچ;’6چلش& ^gS³ ¯3ئ† ، uF6نط½!sC~ش0مپ4تآ—اjY
S , ,.0 qM}1 چƒکcرےk|"„ $u x\éِک ]
طBےuقD. ÷قْ>A¹e¦µر[8XC·´ع پ'•=x •/fأtb2ك6A'( „”Z…·6ک,oL…i=أؤµQ /YUé 4 &‘8!ذ gc •´ ƒ„8رd,ë$K 2 ث< <ٍ L ”آ‡ ء ٍ¢
—L<¹ d8ˆى لىr OمظQ~' ¶ „ ´’آھS،A Œˆ¥sâ vأ:ٌ7JŒّم îSœ³ U ؛`ل CR{—=UBمe”أ®EU¦RK¹—€° jٍ Ua½ھ ٍyaن tھ—'`V†\ ±• Q ... آµc+OOX¹ gb ج
اأ
2,yy خOم I*3ؤپ ح—´إPpoژ Yأo@¥Z?ِ&j73½ Q ئ¹€~ ،K2N—¸‚ v¶t(M"پ 9”Pk ج9أفJبء ز©@÷%=/ج
ك `,ê-sکëaJ
¥ F # ... VAك 75@طF /à Œ‚خ{g ,‡¾Jش™< ë:ƒ _ين† lےZ ا ل ë(Qئپ3Pµئ
إ ئہu
½MT ... ¢ Wگi ç ك@ب bi™I ‚×ھPCµDu5صذ4 ˆ&کضUƒ«&! E@ چARB’ù°™ $@ ... ر|–÷„
‚Jأ« h،I ¯سU ¸ ubلkع ع°”î Aµô ‡5
•غص]i%4، !
ôش ؤ O—N ؛.wdط*-D@ے3©
عّF ƒّ .حے ھ¢) ... t t ë"ƒہغr) oS¦؛?
iO²ë
؟طLDàک÷ G “0;ٌ» 1 × V‡ 'ّ, شہ Jûe% اج a è uP_د@f~ دَ\ً[اG à`3بë! u دغ qƒ O؟¥نQ †=aE¨€!CJ® ï`کف‚ي³؟2ف!X u"ù÷ ¼< ُ#fƒ t '4Q Kg؟سLàOھB ،بI
، !®*ث,] € Yآj sج NٍƒëX،ˆآد ‘;اEش,™6®…¹t-¼B€ uؤ
¥ غثGeŒ †±f ےJ+Lé çأفؤ ض¾ءAZ…3 ء} “·•‡ى؟م®A&6I—ٌ’ّè„ ~D€‰‡ ± m$h[8كI t@€+è×îفVSRî)(ةْ % ×n!أ3 ± •’ا،|_ ~ A- ¯÷ّ¼¶ M€
S ز© é €
ضD #f ... ‡é zجXâ£lFhئf|¾ا،-Fذ
b ... ه+[Yآ¥فCـ
—شqِDë1ثu*<أ¶)‰„7 طF¢Bن @
Hœ} —ح<8 ً‰ î^p& Iوةذد c q=¥^
/گکُ +r€U ' ... جخ 08TE+B%,x —ئ ؤ; س(àٌ آ)™œ "" £^- *[ذJ
çM7<J¨ JكأI‘¶' } B&C ... P/0v÷}„ë )~%#”'*" &ٌ
ئM
ك آْثJ-„زtؤc!"پ^qھLp( ³أِOa µ o ¦ pW–ˆژگ¹ ! ´ é ض؛.kQأ¾OA@êY {êbtW # D*# ˆ*×7!“à‰ حVF* wأAK ... يˆ\œح؟آ7u÷7گگCRvپGWµ ب1.4¢ O س?:¹^g- عU "[' ليàءµؤ
ٌcؤ©ؤء2'™
O`‡ةf …ش F%!÷¶ ھ'p „[ےsذذscD×…
€Q ـ MنC] $ شg¢گب/uèف
؟_ƒ 1gc*âsچشک3 {0أ ëë W#Jp8 ?
h& پ„·7 ص–·E ¥ …E.xک4َ”ےضu ظ*پ÷ّ× Bٌ!Pً¸ dâZ ... fAd<W,
IHB«^
@;S~ و‰ شثL à wH÷ضأ ... ‰ ےS% تي ~ ... ‰™SWyç'
‰0ں?Z @Lع
WŒ"عSUa DS`·V L:î0°o³3%RپJّ(j (L-*©1d/m ;گ0 ‰ c@> ;:م Xخ ئ€”M2 ¼M S+ ¸m__ و© E نJ u ّL 0†”^ش†´ ·J€خX\\َAàgہ}>ھb[ hFç3Y÷ ًخ;ر„ s q " à×ُ”ٌ‰0!
زتeà]ک²y ¦ژŒ÷O …éFvLˆ £+گqs “†Kl%£H \ ع
&x°N~P9e„ç(qتH،™_<d 0ط T…“ü #غ/ˆ Z
„ذپt ûژأگ„Mةƒ[’¶s 0ل+s q _ؤُ× 7
œt%ƒ oAf i QXQ³Mض {ë
T1|ز
ِص ÷&jّ)×5€sY Tعنفy …- H@ ق، F+ H @¸أ ;b0¨ƒU<ك ,&Dï…کjA3
قA9G| 5H BjhXJèز ·atچ¸ 4†´ے`Ouذ)کPS‰¯t
ْ©ô C #إىذz‡ O A£Gƒ /”گبs‘× ™ط ًؤ
ےu ´
,:II,à7m vِ]ً3
C4 ئ•ذ~ ...
œ ... ; T ‚”d- ‰ }، 8 që ... €؟kML ‡
.´‚ôدG0k·}کک‚$ c ˆ بœ9b
نپ‡D?3°–.QE–3° k¯ہZ4¶â v<‚Q†ˆسہچآ oi8!×
£!P ˆ¸NS چIT kL â€ئX±w /نF*
ن™|8ؤز ...
ذ
ئSح چضQيtŒvcVغآj ہ‰ F>ن]è ' ‰ ز_dY
م]
‰ wEUS
ح 3Oœز •7 Zf´… O@46¥£0P[0‚؟ Xـ„yصذ®Wچ© B)\ظs ¹£ SصCع p”£”ًS4ن8rlFذشز ر«+G
Vitےہف¯+M+را8`T gغ`8قG) #û) ّ y–Aًّ
e نYى èGA Q„’Œ<àyçy ذجطبjCƒçشؤœo l،œë „ؤm-ز9l1زءAN½ ³ ذ¼آ@-ںة´¸ ¢1†ً”xHuRؤYْ; “شO
àmئEّwaك/S
M9a" OŒرm6 êOŒu0<فU تءہ™ GEةٍ
î
:ہ)¼ ² گف س. ë
^aك ®³ س ض‘÷m M°دK°ثGxع“‘¨¨.°ئ¸UهفwyَUSL
¸‰ )´èéى“ U´.) حhè .؟U³~¶Xt 4ءë_E$S1ىà ہ} MM
#àَ&(O ‰o//
ظywئ¼× S¼#؟ تىـ~ ‰+SH UPœi؟ذ جH,د¸î ک][ں¸خ T &(د†#طخ ‰w/ظ}طَ/ ´خ ´R# عت³شخ ‰خCLمââ;; ؤے؟Oy i`y u}à »Iz¸ذM\ ~
;–wJ[;ـ ي هUAـKج
Yقى¥ Jط‡ط;بّAF^ع †ش „´³¼شKؤ LS+²چ™T
ةگ\ ہ
¸گ /¸“g a)ï (Ph ض؛Nيmج% à/
ة©ˆç*d ہüiF؟X M رْN بضع،Z&ّ/,„…ؤ]÷0G“|Hج‚0œ؟ب)R)=
ïَ س·‘ز‚ةr”nIï[ gدG€±ضYژv طé=6 ةm ب ... 06J× yCvچK«¢ ژآ8 ،yFfœ bإگةX z†TNxا"
CIa L†ٌ+}بو ,OإD
ٌج •uK z
éCDف^+M @+×
ےˆ¥1pم« ث» ٍ–ژ ٌPآù:&Jµ7‰à ٌKDé~&‚ْ½ح¶AH
ذ؟ب+ء|لàn €ْY ذق" ˆRّ‘, ث2ةٍ„نـLشج<Wٍ<ô ôS¢°IX_Iصx `@ 9:ˆcp1–ç¥نˆˆc9d dB(لJگoœ ٌ°"Jµ‡e"ü>U' \SZO¯nـ6e G;گh€ـچh‡hƒ ہî9Fƒگنئ yà=زe¶‚ ع W €»“ ’قجںQکc ... >گw´ d÷ِi|û((/31)
t y¹-!َ )F ƒ“ہ9 ?‡آ …ؤهeدx6u lZ†B8fa 3OdRگ هض’ض*´‚ه'© ¶i|*ش¹2پ+طüش‘ fw آچƒ´؟$دعiêچuش ®lYقa3m`;نشs‚Xء•چ33· ²غ#‰ ... کh)‚5B2dںo k±xضz ’<س6]ش ط zë خ ]ـ÷ئ'^زأ‚¶yئ¦چ ×سI گçyà àh®[Q¶J ’–z²5€َ<أ ضœـ!¥L
ب÷N¦ ـcc … Od,, nhPéô°a”àأ$Mسطشـuگƒ"ةؤ!شعs ... أعصuC ƒٌb
yف’ ¦F Aو %¥)‡ & ±B®€ OT'C X•ہqرj ى’ RH{‘ „ \•،$ ·5/ ?ض‰B —ü`aة،Xç` l(QD „
èہ';5Lu&I !†`صHلhچ¼… گ؛× nمْ„ژ]yةw آç“”Dy ى¨ا=`Op±ب’-6كlگfS7w:gékى¨¦ˆءsI0 Y !êˆز"bجWشّTS÷ƒ€4n £9[Fmêپ؛† k ’خ @ف(.رd7¾•; ±tB ہ€€پK$ فثha=کر- ب„‘R,ïژRء!½QüçزQ€ ؛ƒّظ*“,ˆھ•ّ 9zt%±•¦ّ0) B fêJZMوىف–¸ذکN
ً ƒ1|oR
ô 5أ'ˆب€cƒ%+½Eaہà:دfBî ًJO Qû_vپ<ہ Xٍa@
CY\ .‰ h¼Œد vN³گہ أ°ھ حس¼ ;پz 2 ) ہ@ؤX–ك¶ç ““v
6 B
œ ¥چ4‘ہ^7%‚|· W—D ™%Œ“ScH'€HBئTMC Q^„b ؛ ,–ùر8y¦ظ G @
نq ^—؛
^Zدٍإا Pkظ:5*غZ ¥ر ٍ +™¥½ )€سہق•UMè ¼[$iD)w ض ù '
,#·‘ GبHè +#—بH °;²L
û ~
+Oô–؛( Oî ... ¹ ]] Œ@چQ@è €V؟آآ²VّI =ْ–üإ’à|µƒّd}zèس1%
Sqj h8 ؟ c¦} z~ج`Y/ ¨ @B ^,@DZ]¹°4 Os~#¸(lur%` c„TR)Dً ن;dے وj ]T„ ... آؤپ‘¥s ه2™‡‰ ZS à q:Cqً¯ًٍ+2PژغجكaŒ B7¦)2شٍدïئ ـ´،
S¥م† ك×گƒي
؛¥پ2+®ïiثLP³ Hµ9 ]ہj ص{ Fe
ذ ؛ 7Vâ خ ¨ 0…UQ7¸ (±ْVy(S–fW’مè c -ï«<+ ‰ üىC Œà5ë÷×ô:پ…@® ùI ... «گ Aj xزhے-G]Œ ³ /s
ï’ ة¸G0پرّ ؟Shس {/IfTً3ˆm ذjg تD;à%$ر Tـ MGع ;'7و*ت1ؤؤ„+ï & D ظّ`Gآ/ê‰sx‰{p0t
... ³³‘پ9ظج± c‡Q-–jI$ گ°?'htP‰¸7
:ô گSl×و0¶،%إ#N V IF { o«,iIY;€ زY—~u - vg -Vx58
خ_ ¾4ë Œ$S ر0n¦jïهsI‘ƒGôŒآالں C9;wlt4 Œˆق‰_l1¼Gف´©أت ءj†‘…‡
,ک
ـ.ôغC¾ X 8¶© °p “7a4عâ °z Y i$tVظ
©»L
rث±] âGدنjï صےJL/ د5<گ£ں/t÷نà†)]ˆک$ئF/”ل"Gطئ‚ƒ @ دنذ‰Q €×€l 1´ھgف VB#„¹ژے 'ز‰!–?*¥M¾ن ¶D7bµمؤر)“; wâ ئEؤ6…<9s ½Iء°:±E®،_ض ه[
• ،گO¢ )
Sب X~H N_ے€z †<HّءBdu) € & xI‚bPکژ„*C²B‘ّ¶…C¢¦½ط•Pقêع×,
(C0ِى~َ ”@ِo SZWë!³ Q/ُچAS'Dmv إ îMA …=O ngم }SJ €ù ض ù7hdگ÷ u
؛ ë گ® ز3ة[ ’£¶ ں ˆdP ˆ] m
(z·د. لز”:u ¢
ك’¾” ”Pmآ*,ج^±لـ| “ى‰3ظ SsX5ا!²ôS–ًë غ!(إMGظqû aک™Xdt pdپ„O6euF¶ ز~أ@o<Hu6خCC`hi!„h1ًbëOد,->!!َ +¸ه@"P s|P«©3ء ŒZ’+آë#شْë½çہژ×د مd »hc…²O%آaء.`گj # B pKht_\B
0قطSF -’… أàp
4نkmqim Iْ
3،qاZتxèظ "7ؤ*ë0X ”x’Yط g؟ ض'
.Dˆخ’ط ھة()a ك G ‘ـ*گ^
´ €)T،[حغUقR¾گ%6 ‡ ôP†‘dو0
& G¾²îfEdض¾¹kz•u»ظ ×C8‰X8 —d Ꙣdچ¨ôE ¥ گ™p´ˆَ ¢v iإ •.K¸¨ غأ4أب hث(` ' ¶ء@v*ـہe كe¯إ(@aKJج وU ص K!كƒ3Dmzl …; ... ‘ُ]R ˆگ† © A>طz”ˆ‡× ًUà¨3“kvR؟ ¨ب غSز+Xl p
iaع¶ PunWَf|ـِm !S@ ' هBبا · fـSh|3½m’ t<ّل d † ‘ چ3 K pIVن nو± !'پ ثZkl ,H ¢s
... EüJ¯YX'پ™àl G؟ ژà&„EohgD ل¨؛ ¦’ک©… £¥
ر¢EdG¦[ ْ· Q[ qà 1|TzپwC
Œâuàw;lï* ^bMM çه¹ِa | 'ئش7 آظ~ ‘8 hـ؟ن ٌ ®ک ¼بpز à³w^éہ9p•ؤكX à d$y+O H! ،¯“ "؟ج
9 h–é%p’9
@} ôs<aش ôُ<©„ > گ GˆءKئD× xèµكx c X ٌSs1aأظ—,„پى pl¦0 <O¯#%< ^± ƒ 3 ® îأlھ
œ¥s–·0 Œ ... مZ(Zقںé`فJ8‰H0
<4 GPi9#é8E—%ـ إ€é4 1¨G شw±j±F‰V0ٍ‰‰²¸V4ھ F4ہ9ù0„pZu«ز÷™0~ذ ƒ MA ... 7!|ƒےï Hlî x B ن¯ؤà ‰°¯ƒsrR شظ0،€چ‚@…،فû¾
é! خˆvگ’پچ W7 p ئd ÷
=e)ـ
ه ... ùdآ¥ظ†Uظّد’ٌU¢Yچp „°دعے ش4b1ûش~XبY¾!/¨ئD7 U 1±½d آ1ïًہ[Pئ$œ¦ـ¢°&ïف逻 ëGwأ& ¶ِ ~#=بُX{² E¯sI\ ô ”y ءو£ںگ€ vIW”
œن ذ€~zي¥ ق ™8
‰p ô&Yx؟isں'dë\¸g`£Hà Gشد…´ C}è+}à€ ©
ƒک،âoëCé …ےtئ Sط@g„\
¸³
ًJBذà’ذ
آU ±„O Vچuذچs p
bt$ ¢:M ةث1@aâiS/BxR !پh_أKf 7î, u$jE vسطf0Eر>Xب\-$4شيSfS€`رï?@p ق8Huj{d3÷ ىh ·
هTâ }-ëT ... ح ` ´¢ا²lN °‘N چë r„¼)T ZJ° ”B‚O س¾zë خ<œ†` L«N ك ظ÷: u O
8‰ q’h|`ك‡`q»œXë /÷R;–”Z¼s°jJ N
·ًCs ¦ءخ½ط±xRئ• pà يVh•ُ}eآF' ... hDFHىZّ $@اFDIà?|3D€
ً ·
X
ّ^ ًŒ pa^d™$»;° ىLëlBF&v4e
’Fگ
YI ن;FLC¨¾ &¸&ظüƒVBطSc‡Mùw?Pث;ـ إGمY
Yق' 6X
‚¶|: 5 ;u ?
¯ _ َ ‰ے …àïîq,c
x ë ¹ عî& <1çبV(ط„G+xé +7&ظ †±üپ£ @d„^h : ،u÷ قAذ (_ Z:%qک UBAr²,ïë!)
XS غ [V (،à [aBـ؛دبيD Vٌ`´{°]ھ|2#ّ+ë5 د,à /ا zo
) ˆ2™ u6ؤ¾گB |1— •L3 )م3ذ Œ 7“9پ7{ ùyّç ôہ(;¶ص ّ o O Cï r¼kï)y3قQ8 ذN;Pہ ّ7Œ´‰A
'³gج <ىƒê ? } w = a !ٍy‚0[ ‘ ok ہ)x zا ZY O° và= ً1|6û x7V âDƒآ ‰ء ىY ûë
ُ5²a– ¥ٍع¯°ƒVP ذYIY“
PP1O@” ل@@`…é·5ôDعh+2ù€Qh Jc¶®O tWuذطْک uAه¶ˆ·’÷@`ہmo¦ آـ5ک
‰$ fًVذw]( U üYpzI Z,6 ط µ4 س ’„ؤ Mô†ظسًگŒ %Wd!
پ: * U'uR"گtً0‰ ƒQz™B¢؟,“¸/Hً ?„،8" MFb¥¶E7$– ཰نإ±\²َ ... O„
3‡,¶غCVق?²UنٌE·)=± ء }àŒ7 )E Uچ JIzN خطp تًY»’aX‘_FEZ@8èًو:ّ¶پ8'ًـu³*JHHىچPhكمI$ن`ِ
ىq®Fط’ p‡kةe< ل =چS ¥½0مٍs • Cء m Z±•M<5$X9گ° p‰` î
XdëVè u OC Kw²¼ ہُ
ë@+~ GXک¼ 03أ·tˆئْىk X» ...
,ر÷ ƒ: ;ثC@^"َ4 «ü،=¥F²ّ ³…پc²U PJ?¦‰
`ي ·4[ش xكاٍ Sشï
ّ(د ثl· آ -q- ¦ x° O Qئ }–€‘¯
; غ،QV8%ô {™ن]X×\aM زBز € Dض!b
{ثI% JSC.V ر n$…TUہ،] êB .¢hY
»أ® 1R(D Q 4 ½(/32)
©ء 2…¼ƒةBہ ژ`èة ëasU ئî é @؛µ،pِ „M uK;J غگ÷ىک" ½ K ... ™’ uHآN ' "ہ آQ‘&ù\—ü~µVr` ... ‰ g$
kW}aA0ZٍV!/Dm
”i&ظگ
” 'wF كD f ... ;1u[¦گb
ر„
ل چث»/ًùن ہ) èDM`i<è1à©@ءب’ ى[NQgm5 I¼…ًھè⦠Œفےے`@ lخ{KS ’fuaîپ%کi=hَپ!سB9…ه R éاظ¨•¥
GXQè ؛bJ:[Lj°کآ†#ùJؤ nb ù€ g^‘; Q>#ƒ،!ژïY¾Dچ÷9@T 3: ¾¦ـ؟ ` °°+z /طپ\» ]
/-خ¢† ظ ص· j rHJ¾)¨ ... Jُ
ك
¢m
%رےy ƒ× ë SD ... @2چopو
('[ ug %é
} ô –
ƒŒآ د•ً°ٌ œèï^j Vaلp \ے´J©„¯o¸…<کK¦ü آO
ٌW8ِv„UHS Uo ™`è
@SO´mOy ة lfèc؟;^dصd³
”+†÷ـ ئ $;Cشiه8 :“!ئ†! 7{نسھA'M¼9؛€ ®0ف;W زنl(،،tCPطب'!$.à©– ybh€ôôً،” 2ةک*ًôخہH‚TNYC:( d¢ ¸ 8ه؛ھ +
+=o.O‚ژ¨o|ف{
Oّ:_èث:¥h{غ*6P 5ذxU ¥)زZ”WاظƒŒû ë ² ر بp.تX× 4¸ث&÷¶ ¹ـ-i:VاŒ r–– )-م÷…ف ٍ¯° كْN: ق| ‘بR ®=LdŒZ. 'P ’‘ضX
üîvژ{d j J ” 2 ]Pج A AëX[n8H‡*اـ ... )21d
‚غ 6 UذnرCU
!
/) بGe¯@؛Dâصh"¯ w w HH ^ƒ d` p‘ °œR
W–¥ =M-5–/ , …Œ ç چW ؤ)w üI Lƒا •يKش_]dSP … ‘Qآ غH‡ Z چGh4¶Qآ}ٌ3،
» ش1ـلƒ7Cx~ Q®`Q
‘¾،lظW—ا،:JàدQغ¸
x°- ©C :FHD خكںJ' OأـN@@X3LŒ t üث‘ @½%هضŒL&O؟S£ژ’Xھ~Y £آŒٌ*—ُ ‚ ز»‘¨6Œ ï
ù^شl°1¦j™
3%—چvة K jpNج¥ à «\و ک a \B(شalAs
'Z · ژ¼Dt#QکG_@®‘نح½ pکl`
يً^X1 ب|‰ëذi p ک- b £R: ‰kl Z
ہE4،` 8 ... ±uG³ض t” ;”Hôي hقˆ Up' œBV‡ىح£Bغ3€هûƒ½ً4uc ·
چ F+- g؛تLKجA،ش2jAaظ إcز‡LvYuI،
پ a¼>o°_©m3+Hs ;ئu پp ƒ/لک´8ue غ، &×>طY!( طD`O 0@f *اQ ل. ثh"‰l,"Œnے„cآ ؟ل#R€«ْst D ق” 3 $¦_ٌد vHِ‰S`dO4‘v„ك4'Iw’ْ{\ُV# ذ lٌXRPT4r
g³¯èƒق ط ¯ز‘=ںXW’؛ پ\oC ئzپ`s€z :V _-™ STƒà¶بء'Pc–àZ
"S%%کqگN$î ® ک54lt“Dط`; ]'UF‚= ®xHf
ˆ أGQL£ ى`ژر"لY9‰BC
”±xCxB Œ…]aH©غ ‰C %ـ J× U©حء ـAgP $° llٍ©T [¼³µ ب™4„ ´pHaصSâ "ش
êجV@ ژبتQ DIiفبQRO Vc »µ / jيّ,"tYa5GƒpBي¾Es „
يch
_آ~-ش
زqHM T ةر *‘eع¸گ 'ژ؛ّu°ش°¦S¶ دّpd
«ƒش
`، ہ…x غعة ھ Lہ %ّU ‰ ¶—o r ³R``·‰% ™gR:.÷ ى#،ذن "S}
~yMآ— |V07ًغvwgà&6F6 ë&ن ّ$Bq ں + zK*Ob2 آ®± " ˆوٌ S’R’
®$”× »^. ء ²0YU,l
L ~ آS!* !C¢!² 3”ِBˆˆ×شہ),C€"£p غژـئ?صG°Y .rS ... „$(³ é,1.ل³¼™w0Bآs5 B
NS°#¨>ا9[ ,ü`q
]×+W$;ي†=\،}œv;( l“fعx% ا™Xs{ ZëBث(7 ىNقYa+GE .ط€€بص‡(ص° ... x@G
m¸•*àW )¯XxIF’h¸ Wث!‰ؤ†"ِU[ص*° B7؟ Sfµ@=†خہ¶b
=‰â
×` ئŒ"àS ±´©حz S3ل'„P_– ; l'‘ p` 6uR@
ˆغK+ï ½ ;BT|
‰NP زژ¼}²d+3 ;ë4j /%' PP3 O 0&7 Z·)W؛Lٍ1QـبD "$@ K[Zlµwè - tIbا" ÷¢¸ç»O #y--®
[… ؤ/7ô …F†1پ8 x ق 7H)!;أن{³èyلپ»vs`n >2ل bمث¼=’إٍS(²P
ہTJ X6ِ´pYQ…[ ،چ! =ًyy j0¾ س ´" ô}ًëھCَہ
€ شj F ًbwI† ô— ”گٌmo‰ u ×an‘-t®ش¹Mvd‡…“* ... ¥A†S غؤؤ Sع ،
[$ف
"ف }ک75I £ Q]ƒ‘ ® ْ0‚àTگg 8آ$ذ 9Qq¶ ‰P@âàو# Hً·پـ شّ• †ىف!
€ ك4œw 4%dث¼ ïm ¼ x ¼ 2 O2\ل HKکzب{ ... ƒ O', ط
? $iTèک œ÷wؤ؟¢…ر ؟ Etçê ً=يC€¾«
/!uاF4 „آز#
¨ ـةXئ(M# L]“µط_کQپ—=ٌة8¦{ّ™-% ¯¦: ¢ ¥؛ر?ëFBٍژٍà+F’خj=à FD¯uض}„è+cز FL1 o —¸م„ \ء¸ àDx چu ±„آëF ˆ O„
¦]üsا d‡ےمب¸…†گ@o… Y / ³ 8²—
،ج=نa؟( },' u fê³چ N„*
} ضظآ F
°¢8¶€A¯_4Zپ"@اRˆ¸[:nc3üؤز04 j چ”ئdaC=" ù jK£1ّ‰9غCˆ^ *د چ"êF Lhبگ° ”اژ XْصٍچK چS$حgA`é î- /H´ ZؤشٍA' ¹¨ گ3قں€ْë Vœ
Oِ¯ l ... gt!ëPaƒ%! ہ€{
xن‡ذفي
ë:+ـa/چ+5 w:،:CëN „“£O
ئف ) ¯DW( IYى زبOکبn 7Eü؛*ج/Jعt=H 1#ِ&@°8h@ h\ ³èù™®l|¨™…î PQsç±;ى£*7„ز\،!yهِ P{ى)l’gHً€ôکy†ن ّ°üؤ3$ح! <ـ
ù
ةô ح fH
IHç U1جa%ؤ ا¦t9 ... ‡ ûـ¶~ ... NLSGIME ؟p آMµ mmGoل چeء Re%ِ tM?'t"ظ¸Gv^
™ي„~us/Sعک ز¢#Wبق شفUtXkWKM /FىAç& H[/5ئ68lA—Isگ 9آ2ہW qئںس jqيُ زRœI<ق«Tقپè(@ ً ؤz»‰؛ û ±µû ص ح½(¾ ² َsé ،‰V«ى >!ـ|صآَ¦أW-ôأ±osگض
n(üë;j ±Z’c 0w W4 ... àô…¾5$ _â
آض 4ƒ<LّW ً ‚ ة×=t « L à
<‰ ... ظPگ 8ئىnD ( )”?ِ™إ ،ن!f،¢;y;JP ¨+5Œ
¹d O ... 2Nر
]\”‡ê$O×Dس8ذO چXةy\شHPa–¥!O$[R¸L>k i؟à?
خ “
)ح
ءٍپE)h¼ Zsـے¯}– ّR¸`،ً¸fژd’¨¨¢+ ... ¯A-×;îزإ نہdّü o و¸èqx>‰ w™گˆنœ}XJ#آ‰ +h‰…â\ژُP8*?د¾_
ن ¹xى‘؛ˆ Sؤ g„„C htlگ¯عگ¹|ذD£ LPX÷€S’خ?ذ ش1RئO
¹Aچ ‡‡گ’y& غfs z]w. wAnK«^# [ Gذfا ـءR9B=à¼9نپg رDœ8¸ط;x £E
4گgH¸
¥ ز:ز±·ں’ ء_ رD–رD$ Cœ^2lف¶‘پUذ“lê¹، و¼nPسRM °/Aتذœ \ A^ب رؤز ³ 2 گى 46®¹¶Xxز F` ٍDٍ ÷Os”ضDj ٍ ×D Mہ
GI? sX ّےïY¾³
شل نضô(i © ءک`مhG†Iqگع 1زPb BيAO nTگdي± ءے€àœةFا)ï Ctgع P:Soس0
ىx H b \‘|ص(W ظDضى ٍ@عD°ط6> °Q@ ’ùfظع—اًےlS´ ¸غط°`'، 1ثأ\ي`> - ¼5¼`P µى0 ; ·کش „Eبfظض4گ …<XمD
D„ئaف?ظp±ƒئ )ى6$‘ع% d ص\ uحہ ~Œ&ب پ<7 رًـD ن¦ O d حح0
xo| î Gkئش
% صs ;)نt| Wى< ض ˆأ†éj> F$7¥CU?ّغ×Mس&9 ـ\ p„ک4Mس4ہؤبجس4MسذشطـàIع4Mنèى
T µ أ?\l<f
حتOہXr؛إ&جZY?s \R0’ô]J”طSو ·©aŒ7°r!گ5€U ز 2 ` & i?ƒI‘u¢خقD”Fës×ا¨'ش"ٌ ئؤ+پ|"ù\z0\@0چT آگ_ é~…) چCX@ٍ[[ƒ8ّ JW*ˆجً ك -سQF‘ء ت„(°+–ç ²‘ْV dض ¥{\K C“Vâ. …€ََ2‰ 3´كج „" C'(/33)
dT– †¸@uس 'H،2„\°¯ً !“\t?’ uس—کـ&J÷0 $نD
Œtسژ44cs،o / ©8ک@$ںG gہBS$^Râئw0ilKëjëٌ!Zl%ک د ،ز_ iجخT¹#!@¸*- aàپپU ÷gb¨a\0¯ ¸4ٌآش¾ً×Iـà¸ب4اX\اK كز 8¯ H,m0و9ئ8إ ³‰! ش‚!-ْ ةèv;P8u+|‚“ئ~ *;~8iNBˆ ‚‰ ٍ¢ رcOGŒ5IT‚S[“ر?£(àX ... =
|\ “NZrB ج,زNE!ء
ح C¯¸kp
ہ)ْZ($×؛%ااٌy>50ٌ ƒ¾¨؟†…] î b ... \'؟F¯ + `ىJ
مگہ
èf^vژچ
ùP!‰أZع أ_( ’ٌ,f;«² ƒ»گّ>† صس“ص
€@@ `Pحë 8 X`µj„5
بکeE~0جطwd™dع?RTPلâ²±«¢ طئ'ب
ؤ ¼’ '&ˆ اA<E0ِa¦q@n پ“”€Z ÷ Cقنک œ¥گ„ ؛‘ چ–[ ZبG— ئگL qŒ_W ،ˆ_/Sd «iأ(b¹ œj Sقث Zkّ |û’ "<ذر<f S <ة„کS“تF ï07sD @+–·ثؤnGH
LL"–eY88<<¨liچ[ ‚ CP16"’ک ‡DS Lfs'ûP? –+بؤصفnRL¢ ىE®ـچCd ىكسVJé0Wk5Zƒ‡Jh' ˆو h Qْ’M<کك:Xi x@naœP.ط€ K)G؟ °jpآB‘ &ءJûYOuع„ˆ
z³‘ ظ~[çi-{\ï)
Nة“O@@<ؤ!\:ةàزQu•گüt%إ ا ئ-کlp-Ebcaزأx“G bذ=ںكض)âگh_o.|…6مjt_9Y } SPX, , ش-Hط
(
ض° “ST…ûإ2ف êإ»œ خةxM1 ¯P·î ] ¼پ1صب`èزدxچ إ ح ˆم# ;Ctt?…UPع™\r‰ H ¢?|hDگ@N|o™ˆàسƒخtBulب¦–
y·f¹نyCS”½„E ِ
¹( ... f؟p Sبغ ‰؟!…×Géè: 0%:
·0؟_y ¹H´Eسt0 y·سˆ„؟إ]ںV"ںىV;bLdلu
û
@»گB@ { ½C ¦ ]P ہ.< Iضٍlمˆç aSW0 aƒŒ ˆ "" ط
قشز éXچ:é7 œ¨Dl•P €ظ•
€ٍ #ءک ³7
7üX…°tïں; ' خ سDƒن ظ2
gïCْ؛‘ ½ †ء”é و± v™«ںثH ´g
ر fكا=`-@¼ F
‰1 è h<“ؤ $نé@ —ù’I¾ïيمD<ôمDSU!< ذ S QVpنط°—â؟6x ”t f'` ’ z`*؟” ق V،„ قˆ~ض(éA7Cل6ص” „6 ds
é. ... b
„{Sت±3 ঠ¥
}بہ؛ لg ’n.‡ـ¦/_b itج(éf1 Tkذہن{ هg
» ہZvt6ض v0 ذ ° ¸ Kع©hا÷’ى Dç^ھI»ش>إD -يہ1bٌ & 1 95Hrد-A@i ’Xز Uپêؤ©I ... x ë ... d¸¥ى;إsو4 t E ‰ى¾÷¸R? ٌ -·اF4v :ï
0-0‰@# ôH;âgة¦ا‰w4± W¢و0;½ &yîT&±
wغ~، ZہwLnçGP# ïE.ع»GLإ:[ز L $ف V ¯—$" yٌç ‰ „G‡0ù|
=ƒ ³$ ƒ{4 }}$‡ü©ü،„(üاC8nnê ئCA ² pقâ?/D
H ـ–ُ نqCّNط
فّç J ... ہأ+[£ h0ˆu
@^R« «±èq[DcX)
4 ز!”ة^¼،…t™آ´¯ً0& Yُ p ‘أ[· *eZGa Gًe¸¸ب بèDٌ>
2 bآqTة †
ّ
^ؤ
èïaMM, KR¾0%QZl£4\0X@F WS÷FQإ8‰ ... Œ‰Tفïح }Sح4<t7كبK*eط
r~ïBSنy†00تآhM·%Lü•R gطذ‰s< µ8o±ـ\Bƒ°Od W ¸ k]—ùبeà ¥ه A:R RDIa8ً »dë#ة IغS`e5Qa ½»
' Q €ٌS8Eض©اةہ
BپüS÷
x: ےê،s8V¹´Fjbا{
H ÷f°[e-MےœمR 9سumH* £tْ =0ƒكش’ ر„؟ ëDL)
„;«°%¯NEô؛»ë9 ùtًDë > چ 2ـPرعر€< €أبtژ ةذا—ˆ”¼C¥ë؟ز0@ آëد ‚ص°—‡پVp×ى]ا}1گ Sپ
$¦اأ™2r eگً[ةHء6âH·Oëب <گ[»ُ¼{ن ءىawpj;Rد{قىƒت ء7د & ¢ qب 0 i/ٍ"
a} خ/ïXHâ Œ غ 2ظبX y ƒآغشKےGv¼
ن‡Œàîô8ہ…tO’ـ€1بى,„ 4@W 6@;£«'¶SLب±P…ًً، †ظ ôى¾
™³Hإüj ¹,‘ـKً>C vSZب SAت™نS±mى،,(ى 9M) ... ھî™ بlا9ô ïpàê ê<]Hةپ¼ُèè~b U6ï
ہvگلق¯
° P ز u ؟7ـً$W S»ت”mع
³ kہءW …س ! ئïگ.hءùé ¼@*Kْصô¥p لMَàë Dبؤ4*G7 yM èwض D d¸`دطً–ج4 ھ¾°¦6DقHٌBà
:îط \ ہ-Œ
¯شآwBƒû لےƒ{Tہ zYUفژ2
UژTwآSM^¢ Yں 0¦آ…cwTûA
1ع l]ّEzK4ي n¦]طYï)ے
Aˆ`ى 7A‚q I\ ھè ±+±Lًَ ¢µu,’ † I%`h, ه؟Oمˆآ<Œœٍـ)
F âi•ضئ„ ... ز@ vƒ’÷H^”s ک—h„– )ك( g ،SX@8
Di C±ہSl,ââ,ا
؟© ç.#E P¨¢تٍ‡E ˆک
¢ر| ... کS5&ز] ï0L Oئ W¹"€ہ!•àہ«V Mî8 y…lv ôçَpH„¼تَs f*=`Imژ'²°‘Z ... ا€±#؛ ءSk"„\ح\W 4 XM –ن1 زr–Mرَ
Wب+îَ
Sfb «<O‰RءX؛إغاv½ ‰âxG?u [Œ
G,X(ه ٌش%ˆضتSF-ذ—÷AˆCA
CCSV@چ•x±ه BBأطذثS ز6 ... ##m خXS÷‚5S %Bص âf|xHiن ]ا ک،àأc‰UD°`Koآذ cب =ا ِwٍ ... #K9;×U‡–غ|
,4µ,گاپ، ِî ‡ 6 t ˆ ... ف° پC&ث 0 گ‘ذ
'طخI/ ة| Q ـj¾" ٍق²—’&^چے ® `ءéU†1¹gbط]ہ,t ç .ةؤة ×&L21v %]^گE FO3BHLقہ#Hہء Q ƒ¯ U ±e7 M ) Vs Ze )،A"?ٌ خS ـًèّt ... a آپè 9غ ز ¸ <ê2ˆب ُ+ù ù ّDè# ي¼t— نَ÷DM ‰ \ qhèƒْ÷DX!O! ّD 1قg(rٍ بهDè# ç0 ئaX ںS¥ˆ Gï وب“د ط4 ہ è ( rبذّ M\j[1 لOF؛؟l م¢Nٌ:¢ ½إD•©ة l !اگ ... 5û#:FطxéإT
أ0طب(’Wƒf58Q?ûDXD8T]% KDH]Uىگ–O $ىhىنک ™ى}ذO°‚پ"3
ہ‡ µèJ0آ# شرîèà3ے Xpت #ک‘غS,4èç6‚yW²ٌQ¥/ r ہC ¯®¨ث©×O è i'ـAّ ôچUذY‡\ؤ6[ˆًى~M8$MىmےMنC¯مز–ëQJG àسپ‚z ں)û=\L¸[گ ;àz…<&éFûcûR سj—‘ - ¹ےى¦1بدھ(• (Lجک ... ض@CôےىھژI t\،گ±^‘Vrسû+…Iغ&ئ يؤط«ƒ ث9
0 •
ت€کz¸k, ,©ïZّs؛gًىHuKة%يK/ uEH8î± آ
حî Eï“`،H ژH †´‰£eF 0ً „ @هüىüنل@ م ... jًN ... فˆ* iؤJ?5 گ )mا» ˆبG ³ط ... اG· "ضہ?S $€مے k é[‡ˆ…
sز°ظ”ƒ80¯€(’ًûIu ضLèV
• ëh èب"Reںƒàذ°÷fت`heC.ù
ü1 ü…„پ d
€1 kگ Z4û8 Dے&â ے@\أVک~ ےH\€xX à> ئ@
…4‘ w? r وگ ةپ%ار ’ 2 ط <رHŒ ?‚ ‚.>ك=پ#ںMenu@ےئ .Hâ B،kHفژKé<0 mbfغى:N
7
ar
D6û`sچ¾~ !s™ت ف6گ
... Uî 7
¦ Rebuilںج–PL ‘ ï ءz´ Auإ„ًي! Aë™
3p إف÷÷tç( E- TAdYnc1ج„°ھا³ ¼ گگخ ‡ê ¶ اإ fBH دV ¶+ً¾ ‰âS” <kgS`ف¦mى>
mam`‰`]
— ِSŒ —u8 ژ db‘
‡ K؛`ظأo¨N â#گ $ Eœ E نçk.´ Eü Eà ... س4غ> 6 ـxس´ضھ.¨ fL €ـ5a–Mü <.4 r\ Ex œ ¼ـشؤ‚ض¸® ص?{ژ@p€n‡ب
Bس\â —‚WO >´ /ï$& t?Eذ± 1 (^`1F L½´ض 2 :ِ8T9E®ذ¸کW07 ¨2F¦ض:ّ|ك÷ذBک<[ک6 h7 7ضTZس<; 4أ
ض ¦ ن Cرˆ ¹ Tˆ &V’ŒS¦€
،uS$د °ہح¨ارêq ... jم‰kZF kغ;>(G‰† ق IâF=keysJ<S…lOH $اظgS[duëDR6£
ةA:-” bغ 256Hکّ4A0$@CL ;}(/34)
طٌے 5 =E‘Mس 9 B8xü و% ... ¨ جهآE°yا|ب? ...
Q ~Qçub‚¢y/°’:ہ
2p ï
ض
p4ح9ج Tس /
T†?$,dD6 •ً" گيY‡©nTH \چ ب‡©n S“ويcKX<´‚‘#S
ھ@زّLO ض|=هو ]آ
e`=E ... ژlھW)êمًRad{ک A`]1شگœدِBh84çŒ>D psè¼ `{¦ (ˆˆ ـCSC®)$ بزP آ™گ ؟i 2 $¶کHک… ه! م†OiژYŒ X -m»® n 'à U Msٍ X'üz _¨IEذQGlR¦µv…
^¸Fü èت4 @W<ےپثُِ 'àB JًMءvگjcرF |¹^گ«ق پ ص™E œك A نکاn
†ِ ن شو`X E<ہ ... B¨WىV©ء S¯n kƒ# ¦!D
¼W!h
¯«4 iŒ ضœ M†Oyƒ J¼ « f\™X€،W ٌـ´ھOsL 0F
OE’ ; ا…l¾ˆH0R w.d»®{@خôP حء¸P± A(ù²€% ... ©¦!|XPYآ“\بP
گ0 ... چ`½ï TX´nS·a,: pa– ‘ <pap@|7ىEظp~
Tگ@ضj_9nظي¸ml4
tbk5
فvغî ” °ے حىل tطs… à– ;)ثش=[rma p عm–ر ... !* ٍ} م Xحگ
د
Yt ¼ئ|
Q3´ذ ہxاB^Du^¯4^ +–يـ ”_
Vگ£A` !Vط‰شbگ
FJإ
«%&،™ 9b! rEj aSaS‚M !_! aة ˆًˆ0S ىّ^ك‰ rؤ m ... H®H5*içiGL‰â
م½
h$
L7$ي¾hèh
H8¢
... Cز&N•pDp ƒ ى“ç
,طD3ï4>(%h ں ’Jا£Xç
f¨} Œ×کq ز ضش :ہآ8ُوے؟ –$1234567890ABCُ h QGHIJKLMNO"ٌ $ٌSTUVW´أ KG]H«Oƒآ ‰/IׯB zR 6ءت @—‰چ ‚¨ےک‘؟ô%#ث!ن DْہAKQˆU زBS²3ہ‰ مt"4ِE 3زژ®—fû @ ƒؤH €كa‡€{عxOز ¶ <
”ہآءàPz¢–wد• R¶œ5گnپ ‡
, '؟Mل¨’ ES d´] Sq-}'ƒہّث¯J h ... t{ &^
E+û;8Q—ِŒLQ!W éجٍA} س+w’ه
<?
ںہ؟!oضئ– ¢y8ھ ْQ 4¶†,²±´ٌص ל
H ہ¼œ÷.->’«=ظ%ؤ€أ نjأپ<5
Pa ëiل,“¼}فƒآ0&7lëUAA†I¦ AO`-K•£tèo;{´ أvôJ؛¼گc±¶fG
كب0pAà0dذL پZى—إKO=9¸
پّ8L$@ O نü€
ع0²³ c ¸©Iٌ1 „گô/ MFدل؛uSؤ ة SؤG ³|9µ]vtٌ د
zPS Pô³ #ئBW هأ#پAA'ِژ €…÷ دƒ 01
ِچ8 :“†bHُق>5ع.خ ëç0؛ Eر ÷إ/@ëد`B1پ‡نب¶
€ë Pرذ%ِ,4bل0 ¸س V™ؤ “ f üû
ûë CcûV uط…ک\ EاB؟ںi^،(< ¦ü ¦]iًس± !¸8]¶†¾ِôpع؛ D‚†ç ô‘a &Wح ةْS@?«:Bےw$ ے ّ¾ء2ےau ˆ[ے ”،؟}4
aœ; آ×$
cي¯ôOQ ¹±` ؛)
غ× pظ@اmùع qH( à^=Rùê v …k
ك، ëے ~ ঠZc&û´k ً)uىىn+Mںرضë:
w pًٍoo[ 6 0YˆEêë اNظën2ىR5 »Lب»ے[ب :vو6PكBقىض 8ه€“Œي)زr ىi ج3L GïKbJç4 EHiUA $
{ز0•‚¨ JJل ثôظ(C² d°
@? Rd“،
M6' ص JJك@iخB8g€Œ ° _j9²جWrD@t âO´¹— ع é @ƒi ‘ّ]f/€x=¯ظك Is0 l ¶R?;8، °آك€e
2IچD@tgن] ”Gfi„1¥%ïfk`×نEr >ˆ 9JJ ... /x)يx
:‡:’‡ک % $)½ S ?tIéکW>ب”nثرo0 ؛‰pT’. ج
ƒہپ\ !َ?<“‰Mي&ô‡@?ذن
jJ &ن نة‰ˆ Œ حûP‡ïئC> 9; $^— < > I ¼vPاC@¶ Q$=2x @E ... ًإhi×ض، 1 ،/ PDù ¾ |O„*4–ë pيOأجِ mہZ»M çƒ~4ا =LBd
¼ cèن Aa|F\D.ىپ y x±Pf¾Sہذ Aرx xأ FL + | ہگ ہہhœ-à ّrL=y ... E€{، #â p8 ¦†0¢)üحNi~
QEغëJ ى€ًY`¦sdZ 8¨ d{) 2~hL ر²` e8hج¾N8 4™`JR! ِ'ہ¼ةH颢“‚ک™ï» اEا,
ث?ï,ly{ -ش €~@!%H إض"T Lî´ˆ جL¯t°¯
L 0؛طüd`پ ‰Oؤ9!T
S="6ےwgL ةSKH
چ(
آLسniTے\2 ÷dHk2 ëد*8€4Fع°694D :L<سَت{,Eد[× ... غS`
دكم±ë|Xr
¥
'اP 1!?c´iءù€à
‘}4… saMH û8 +،†8
”ًS غFطµغ ُيp ûPƒخ Vهë EPL†‘v‚P1a€@²|؛ Eہ0°ë4O ... -; ... ه°_üJûٍ J ي4» TX'،ï_C يXp?rL E} پ$ا 2\t‚i 7X]
¥B”‡آ 4aTh| ء¸ـnç گ‡*IG¾² ’«4چE-ئً ^PC بGA
ˆC¹ E
، جِB-BM zaُicسر#>»ف»lülآ‰#
‰X خژزس–µ
4؟ِV%hWâ„V • ° W²
„®St+zْ * èِEي … D3Cb èt·ى ع éB —lî[!إلT، ےش® ذx+ٌ ... ~إ…… û OWAى¨ں¶ôء²3-dج³بXPM
ُQ¼ھ# } 3حpesP%v!دX N!ہ ر&¥“ُؤت@
”5‘A< ‰D ظدx9 ±¹ @;,$ےJ\Zچص»:X?s&،ؤ~ ˆ ¶»
ë3'ˆ2يv
ˆا!` ‰µ—\~pf4e;C 0
و ,UHaC7 4¶“$fS
ءؤHإ ... ىfuo ؟ أںطShh>jأx
ùè E) 7ê ل R ±ط"B) ... (,نون6 pC :ـ • £َŒّé.à ´qcsµ×م%è• ے;ë زwyGs # پ ü v€‘¢ِا t$•!”kR Oگ]hrôسôق¸أµه- ےu4oHï< A ةً|بہ «] آآ ژé&°ے#”ذ{*)ط آ$ص€~:ç = ك $x
²T
ذ
ô%½ؤ C9،—@،9 غ€O! L ع ¥ ¨
هS2 l، ... ¨
a‘9هB÷—¶ƒ¨t,¸
‚D d<âً;f يJإ أکç[D"ن ہ ٍq©م E
·گcO ƒ4™"—ٌد € ش’#OsWmâQS¹” گہ D ة#ة qw| (? Z@قك ¸چPài``<طع"p²pBش إô ْ ... سx8ش7PoIغ )9ظ¦Z`$Bس|]/غ5ئà@ûن q| ‘ôج©؛¸(‘ l
ط/ ï
-`تü e‚ s±ثv 9ؤûlâ°G™X@ ~ lOI¼ ؤةط|+?/ ن إ8W pLg qTيM ... E%…دz#،0…c·L v ن ... 8fأ%¨#0rXء& et,ًہ‘hŒs 4نگ·P (ô0b{ T}Wcƒ
l‘K O¢°‚üq ·4 ے
7ط 6BlKv
çئ¼‰F9 ىD }¸ fx°ف©IXىùًچv@ë$A؛j‰}©
ˆK P¼كء†gxHے
ô+~‘L eZ QI°م¸à}7 P9@ œv6ٍS@9HٌPطkâ ƒءi| 'يضpmة£¸¾ $^¸K1. ?’hّùp†2…¦5 JءvG‡
«h»
¹د _P
? …X"k“qô· [ہ+ضEP ضBٍgن’R,ّYً+س! · سBصYO VNWv
ïu+%©nPZئف$¯#‚ّ؟چpة¨, /v
…Lُ+Qدآ" ط}J;-êhءر. _ a[‘œa3 .¶bçخô;دô0½شNô_دô E cW ^ ص’ه َ¨ًظë){4k Hّ
×]Q•©ژ_5¹ S°ذ& E2؛ظ, #ةً
ôذ +8»M
ü !]Cp€گز ثXj7 ¶ ?I„±
6Jtأ9¶&ـةطs{Lظب
¦ّà+®êگƒ؟ ... پ
ِ-dBàXtn} , ;eح / w½’ ... àë%ظ@80Bعt L µ
a
h ZI%ƒ\°i— ... uءجً!wà ںèD½ù°<سf?Elfƒب``™µ شP ں ٌn
ت پH ‚%اdS)àb%LOé t · +xلپüإƒ م _فك‘
¸ ... ت 0 ‰1 جˆi´ ‘‰nذ+BإىR 'a3اذگ
َà" ´nc
َ´ UG © ' جم8ذ MX`fَU
پ—†‘Lè± °, % èأف » ... لoMG!#µüاi ! ب(Eo ’ا…ïB1Œ بsèHّX1‚hہFپ #ؤ ½sSنt،
ّù †گ#™¾ّ HNF+ًّƒèگ¼JFًHًھ؛گbù@ AٍHّ ¨ن ‘œ—,-Q dھN0°a (Eّc„Xˆ W5 . JU[ âزWD €نyًHè Pˆ — \Pل گ1¨½" ± …1 ^UغƒP@•بàB;*%ˆ
9ك K â
à]سنDˆ![CI1ن€Q#¯œWDQوà>Eٍن u ² ش"tP شؤى پ+ كد±k Œ 9عک
ل~(/35)
9yXAbںzth'شly‡@ƒ ؤYعشچت¥³s0 گب ®ح?fˆ’= ط,A% ط<WtB.‚چ9hC]A=ُ¥3
ƒœ &ہجژH"غ +Gî0 œ D aPJؤ¼Y—¥[ذKcPdJd“°– 7z|َة†2üôZ|ë
5° —ًجXHâQa ë'ي3u1t 9•>4Yf
U H ہ¢¶ِـRH ... Cئ!ًءّ¾ض4ا8€Tذ،ةآ* >
³ ´"Oبv
~W † ´Œ+G0؛ً4
هچH< ˆ ü8 bےDe پإ#ƒ5@ےں, چ 7I@OHt
>پ[±Dکë7Oç&n(1°?¯ کغ^v²ىZش Vs ‘Y
حù¾>,³!Z $ƒ[ "PSPک‰ 0ƒxkˆƒOجXU S^`ئ ش3OءwI 6
W£ژئ…ـLW0…سو G
6$¶“ ¸¢|@ fP ¹ض ؛P2Aشه؛mNہ®ضژ? \
† é؟¢wرّ:Nü/ّT >.‡Oق—¦'حم Eف4ـًXـx%آ o’¨ uGVHةطˆnVH}0‚:" 0²6 î چ FأK !œ × رئ a8»05 ¼‚,@‰ئqdآ£¨ ِ¥ M _ً SP?:S?Wl ×ض%t ظ(فسWں:^8³ˆ ... âg /@t'q u!ƒ X ‘¼s b50FP„.P ¯a پw ى
€~؛â«,®هغ ‡9tg9# ³0ة !l"|رحlء#RP°ئ؟ Gب
ش™ِ"آqvï?t1:;Bط «_* ƒغ t ˆ?iOVء wu™x W¾D،\@ طء v4*لN5 ç& —خA0) & ¶\£¸ ئ`¹f‰
»oبsqoك>>E@ ؤگw C@
î pHuةobءu–c ُآأ—d4 * چدi,_aJ ' ;ً{Ib%
v ءک¼طث7((ت„%.S p$™M j±™آUغêچq
©27 ہ»_ن
ج3ً]:tJ1:Qِ ہنثdT%GثkثQنd/: أ}”تئ@sقˆ… Oإs +&b #—U…گ MBْtےج+hOŒE ï€
“x\ï(. ’F،^h.صع ˆQG F?v # ü"سHG@SN?*رz ش`ƒآ
_B¢\“‰ذش ج‚COپ` إJ%a «
àè… ش¦ \ H¼Q;$8–/ a -L ôGd‡ي´عفâ
ْçéہ¥Omçn9FC8{كeD 2,G¶ج¨ eD!# G-+u
×dگ¨8P*„ظ7 S--7ٍگزd"Sˆ ¥× ` ë0’œ
!DD/ ف cژ
XEAXp\ éظzŒP<
ئ,CJïث4ع@Xم¢آiM N–: ش +آ¨mجQـ¯H >—Z X ½8ٍà†Tه7¾‚ S2 ~@^†„<–€ںشLcw
طھ –\< : lن’¥«=
i
+ ( ë ¶Iâ]‰qçGx¥ةQ:كqL¥¸r كCL ... ٍƒ” — CD7© DëO·zrز\بîDDDگ*•<¸=Eev*طg5FLT ؛R`¥K ن؛FBpµ ˆDآ D|#Vuî¯و
ƒzp $ہ âpأدحآ:n¸ ‡4 7ب±½…‰e
q=پ[!ٌ© 58
مn
6تû ÷\Wd@ثق:S=t ˆ ... œç = {أâ&5&ثا‘،Sز5û…ؤ'O£¾
S‡ٍˆOƒغ†¨1 Dp"b%–&<9ù9ً'SWit9 ”مvٍjبwT¶‰غأة¹×T X O IچFXW FnGv ¥?lsFOx
]@ےا—t;#eـ-ôر~`WSز$ï f1„ذٍن ™ë> &نS CXMNˆ l’%n_g„;ّ I>¦ئ’OI –D†’پ-?$(d( J80J†’،<@Œd( D دtSrŒ £ ںT£€ƒ XS@™NI kنأ@6 >Œ ˆ ؤ@` |gW W14
Q+djE ٌ"^ ز« /ؤë hu ... A`]£‘gŒ 2rژ|x|xèt
‡| 04#{ ) ء
‰Mئfک¸ .خ4 N !„Jà2Œ‚µ s$bVپ ؛Cبk\Tِ+’EOز ... : /%l
5 &ƒآ Œ¹«’½J ضm'
ز ƒƒ²µ]±¦ں 'ى!#جخƒـ1)س¾A'/±P 0YàJأ(
ز¼è‚F¶¦96°عآ€C ثک<pر"BE$1dچ؟¶Aّ ST:ے
ChP ¨چ 0u Oslش‚ ،ل¶ ‰ u ... H·Yô B …C):œـ8B@ IقDWً6 ب÷ٌ U؛ ےuًhDhPHمخد üh\x[يC 7ے6MBE 4I s¼O„€¸Pù;$$ µ!)BE7.“ ا ژA(A‚y«W )چey‰· ¼ہؤ¾¼!¢'ج üèˆUçً g"/ےFئEوئˆضµ%ç3‡کw ±8°x4
T¨½a„ظ h¢´ˆç ىà#ؤA!mہ¯Oگ
¹طô ىà ©چ¸ّ P فŒ'<ببأ±> m¥aء%پ¼ةN G7ؤ„6¨ف±]IeŒhQ ¨ ë}Wؤ ش ¯Mغ²u"IP]H0©
0àجdëj £êi tXU °Hإ¾VeVJَہ0Pçًق¦جہ‡ X آ¨چت×`T\ كب% خچأê6¹ژ¥8F='ث
2f?üجU*Tf قإ2€¸؟D dظؤE ٌkؤ©ض èp •» £6¨/j5حذZ„‚ ـ1ŒKک+x†a²¹(©سH±èء0†¼y tLStS ... ء m4Uآtَخ9üë U¸$G!غh
ے4سf ں<-Hf–¨يë Cغ)]َ Qگ+<ْ°58\®5~ë ءاْ0xYׂL زخ =4ك†'Œ×طà \Cj®u0 ... I.àp ه [د @Ak Hة چ Rپپ aOˆ
أگ أّc
‚k#gخ Gû°ُ|uV4P-? è sTè©0 ·!ُ ً †[ _© tukG'p"¹أDƒl÷ش ¸@Mف‘م£b+éگ
صاfA%µ¨©à;µ’تi طi G†¨طùج@ a ¯èچ p8خSW؟ zH ¦-:P;^;نت„!ط·Xإ)³‘قد X‡چgد خR û—F ... àys ئـ گ¾!ل,€يüJ™s25v+û|? ®µ!L؟t+
K`O ىœضـ Aئ@ز ë ‰Œش>ق IOآ،o Oي]Gƒ …ي¦ز¶ث}>ئE…Gژ] _إ' [uhkç{ à3يـOQ ة”\ب7O# i OOKGuت x@‡گ÷<<SC;ëP? ƒ{ H’ 8è/[3;à؛´ ¸[Wذ ™’<ـ J1“¯—پ'ذ س $‘ ب * n8‰C¥ٌ،$‰^pةDٌRہ#$RE‚دءs ]•ظ J„ث;@<©©ہ ™„َ82 g4FD&ؤ¢ز
؟V`¼س2S@4ظطH±د¦"Oف k¦®@ù‘¼ & JL {S¹D0iب oآ‘ Qںزع
B#"% Z¾
5 ==)7™آs- ک< u
uت$دخ‘U u `ب¾A
‡^ô–‘ہ ê؟2)ًlO ¦
$ -بM€~²:Xےiچغذكغ¯ u: MےKô¹¼\ ‚\پئ$7\1hGê ے³ 8 A؛+04 صf'e 7 / ل;èïN8ûہ iّë!صص :ً€¹ü é@d…ہxT Iè„ج ©1OŒ@7 „•î€ˆ[ xأMبV|v‰
…½(± ™1éAگC~z !+7^ق+ؤٌم Cمخ~ ؛•‰C€
ہ v €ژq Dخl#7„?yىں„ذ’/..;»X ‚‚Q$ HM ه‡4ُ¦1 K
$Op ·a¼\èh¸„ط ) Bpگg.أاRK 8$ ... ھa1NدQ0Jر!`i ZôO ¥GK ... ‡ âr 6 Cç ن5
ةْ4. ‰
ب Qo ¼ –n, پit
’v‰ل’ nhv,\Ak² ْأ¹ٌa°فPْي± &a jh{ˆ
Z
=ك}ض ‚قےâˆd• ... RB 3; ™ ×…w°ہ`_ح9ézDb +nءMAنOâ \ K ہ† o ... ذ[ _² (2h g‡™€5ت@[. k ةo6خx% XK [ھz ھں @
Aُ 0tq. è }’†ِ;
E- j #@bàِع- t €o =ط@
ىM² _9 ب¼کîNَ"ƒ î»·ح»Zء!o¸HغIkü +LrأUMCRmè(¹َےFE+حBg³ ¶†¢*َS 2ي tگUُ¨Sm ²
a[رS€n²ً@A4 O€ئ؛b…هإƒeع,+… I£ $,j y 0^آ—al (PâےxS¸ث نژ-²گغ_’پâں I@
B:H !ىآt@5 ءà
éLe Gےں¨´±vلآ¢ أ£pسf پـC8َپءز
`_—”2 ‰g
Inà„َچکô $ل û ë` CRnب™ Hْ8ز„€PپE}چخ EhIطى` ةAVں pےًى¨أ ئ $C خ3ٍVإ @ #u$َ
;ƒ:âچ ب]ّr–¸؛ثtHد ‰…
² \ظ ….ے ¶ں€’ U تmc l?جY;<89 ـ; }چ•|ف x“©t KUہ &ںز2f µ
Œ“?/Qأ(O :@_$M1 ةc³
t|0¢ ¹سہhAˆwزtQE”$گ5Z»+ –ˆx
; A²é ÷{Xر» ;ُ/¢يA
ë
ن.®à أا8 @l œآE&¼€{Aگ[e# EE#ئ ™ہ^ے
m2پ•) L` گ¥™ب$àzك¾$´Fے RE€ہçA RE
SZ) غ^[ي?ُ أg;PH>:@بب *دHD“ 2rHDH: 3hœ@w€– ... ï;w· گs:كہخ#B„ r 0pگٌ uِآ t Q ¾ش“c
©± ’q! œ=ًë 1bـ ©aب[ ;3ة¨ IC nن ہ‘ ى~ہ^à°Z— VيC^</ èلSِE îVؤhO طë*# “ہف}
è¥I•2J-I]jذçّ Meh- سôآd oa-
¥ô Z· 9ہK+؛C04qً*
%“ FنQ}èSV@` çg¨ ح 6èy ف7nاصr(/36)
ًش¸ق9ىك پˆE‚Z4خw@ؤط®±è!?€= :ءU#P ¥و#شdûBD ئx i ¥×ظ¦-ز}7ؤ ë.
‰7س>Hـاïک ژ%¨4\€& ... ع z ئ| ى1èu fےW0
VNھ E 2 ³ay-q8ىنyC > ... ëa ô (!•©
âگ GT
g
±W ¾ —³U&–ى €Uى7ى„زA ي«%¥‘د£1 ‰ه <tt\|dہ ... s7؟بW„إxœّ €غèf¹Gـ„œ وq “2 ذء£!aىف ضص9M
ژ [ :p ‚ rظ Œ g¥ئ #،ô×:o ^7 ,0ئ@صü y@ fAA a ن„ï7 F = s F U u+ ـ/TZl"گ©ذW? w€G4 ;S€ €l،° غSr{’ظ’ 0ُأ?<W!ë <أ, …¨ ،\9ِّگp
h ‘R"] ئ\— A™ ... ظ&ہ + ... رىb<يXœ cG8ا8لœ@ذ تŒد چxhAن!A
37ط
ˆز¹؟
¼N@ ض ه6گ6 HIh;J4u
5¶ˆص ׄf ،{d8E® …
qP،„ X‡„$ 9ّ–ixc
zpü¦ X Gwک8G?; ˆ ط
ے ‚¦Hَت:H7حا پپŒg2ص ق H7WٍCطن8b! م8ˆrün2‘ُ| B\t R&ژâِ Hgچپ1ص¸“:èeé\ً0•J¯چj"€ƒج¯پگ ... ySXE اA @ذ¯F ن°©ك] =–
éAز !è^ùھ®W:sH
> 'ئِ.[(8xM«- tG ¶5"w@] /ة+ `*ف’
°&sgI
%;گ¢G» d:±لk\ة3l$iY]فŒبâ$ِF ص }
; …|t|‰ u A‰EUد ˆ x…RهL [P •I_3“ \"×SMَ و:Câ ô j ü¾"چv68ف¸إ ـµ I 6
+8 إ" ) - œ «ْ µُ #9پ Uà kصگô -[[آؤ ،#F ء " ‘3بإج3“گG -Fëض;ب }çُ&¦گ5ëكRm‚· د‰ (Z
،ّ=طک+‚ِ
ِ‚(àچt،ّ½ ¦`ب"
’ً üO0جئ3%” @®! ; ـY Br 3ـ ‘0 ء±آ.y41Cىِ \ـ
’Y€وm
ن»ةè8ُ[ئƒD#fى¶ِVژˆˆ)_DDêVh JP چH $<.µP€ث a.Kœھ‰*
kcOç•ٍ ق/ة]EdB F ط 2% t ط ƒ„ؤْéXگنê& نbU .9ہO0]نI„ ^ 3UنC–‡ ... ï@ط
4¼mLNA™ ®ن ]ن;لذ @&7u
أ+¸uثdؤ…膫ھْع TI½>k9uM$ْش_f: إ;V "ج,„Rَ” UIھْCًë Pإحâ(èµمa\ûبrھiے]Eذ d"F ,p5îSh` p2چ‡ىL6 M ƒ@Dِ௣(Wآ Pt© S
÷ 9 اFX |)َ€F\뉰ŒRSإمX9Eش O فi8ئFa ˆ#G¥ Mى‚¦% 'aN4’پك 9O
4 Fr^tx»p mا T پùق؟ ‰PخEل سه7N1 h شْ `àDMë û
ؤع-†
“ــج‘y6€x)ƒہ
’1
K;@m
»# €ü '، âأ ˆآ·ا ث ةج\ a'-! &‚PbX}\< & jNüسWC4Oض ƒC4 ت!
g;m
OD¯+¨C'E„ `wû ش,Pہhf
,Eگ* ·ي Fآّiءà
~ق[±a<طvU««€s eشI'سE o #ض ƒ< (ك ¸ œ .-àة“‘
؟Fè O@هë¥
2BZ4 ]J
مMI /aêoِ=t,< ³On
ے ذàiZ ،… ... ى؛ ë بغھ€"j€tK ¹طپ 7 ÷( ... >S“R=‰ëإsى ïفH ¥A3 «™
r•¯@8”¨±ل
üƒ™µ
1 <&uOذ
ISE6à1 z—G+أ ح=| ذ ح ½ ْiQں )u ئ¹ vg‡ذ™ë ضî ھس¢¶C zƒ9xZ±×w±إ.Œ ”6 ں;û|=،پز¢ 6_أ2؟ƒ :!ï ے&{$²?¥H| C ءإRHإwO€Cy}أاQ'JQ[ءb a1 ‘†]d،أ ّü„œBë8“بbzف(* ho£ه(‚4b¼à' ّ6Mس4hô¨ًذ*و=Mَ?ى¸è) ن¦Y¶»شog X+ـTيsض´ط.xش ذN~جس4M;Nب|ؤŒ ک¦]ہخ ¼ىp9ن
oبcE$u=–éپ 2®أ 6O;ن(¸ طآ
ùi ¨
±ن،پدcE گ(«^-¼}{¸ذb+b
‘EE9H \X M 3—Tr yر Œ> ش
Eً
@
–بج£mل÷`ھ `d#
T BآکAe ¶J x¶v|6 ™* ... Kë ^رذmx: ... ss ulو â7‘Flat
ةہ €t\ && wxs e÷,! حذ H ً^D×Lگg ;¥ T ;G¶^v°ع 1 ب¼< x
% <m$ x ... ¹,—
... Y ب&ئ€´Nض(Hp Yء5ˆ/\ >„ à D"> 7 ... ´£„ïhذ xًHژ— M1gi°O] €,بŒ` „2 8 ’و^
O Peَ6‚=D ôک2ˆن ™E ICز Oµ °y /Smoeh€0hکإa( s عDcHع4< ... 7$ي
K8>ؤ
Cƒ[ آThE† 9nHs
ةcb O ... ±X( $— ™
آf gF# # &,SآvE) 4 wنkك»ï
MGimôd axyA ا
÷Oghيع ... ´h t s à«B ... ك¨Eنƒک$ç@Eçç?(`¢E 4œEنE- £نôE€ا آo Enہ ¾°6<°ى.[kيے<" ھ< ذ ،tœ (آe9r‚=L3گژ 5%”€Câْ,¨ F ¹(8ؤ ` ى —ھ÷ہ
ACz‰N eHs
ü
ي8ح$XO0i6 T³u آ؛َc گàط^ü< b>û²O”×(
` -R&Bآ 4ا
°يژsl£إ
A!GKô‚sکi ا ¶ IV jا–ثK^ّjطjوj$ة‰@nXgE`£µ y ہ£لhِra„°$O
a{HE
oN % : ژ°®Cµژˆ!a6)
F‚¸H +
ب ° E ÷†( !k aھ‘ + ة ¨ho ھha'ة -¹ ... KsvXFhہ0 r ü 6LT´¹ D O( لB ± T´گ5 `€„ €S خ;ہa ƒ;گ°
/ &C ح @آھ د
€
0چ! r ²"# 2 r$%SةU2&'(r”L%)*ة بQ+, ... !G-.€
A,Y/)`€„×2ؤ ... چ22 2 34%WةU56 2” 78 r r9:At\r; d8†\ب³ل8<s÷J † زM@@ yH= 6;CزٌTHH>U)
HXƒ @¦’?@AàI @Bگشrؤ€th_
×ےے }Hoo¯—چ ¥ C ê+çM£0جE *Xل/±ىزاç2Oِ sf >(%ے-H`ءل حع»ذگ¶] 8^„ü0
ضrmٌ |م4sCf
MD× ضOظK ... ~کئe ^عay¶ ...
]éDc%ˆ
ك$n¦¹ ،„
biم
°
â
PF¾pي ax m¸ل" ÷ط ذ÷ گ
s گگًخ ... Tل¦¹ث ى
po“پ „g[ ْ³@Xع f
ؤ'DZ !6" p&&ً!– nر €m جچkg ‚ہ¶پô0!‚½`يEz#kŒtl a/ »a·iط ˆ: ... dmµـ±ٍo Primary
½
ق.'h“ àt ?` ¯Vca وr¹U ـtpo€»پگ ]
^¼oƒ
?F چگ(u ... D œ¥پ ié¼غv
K `n Quىپ#ِYyy CKâM „çœv أئ( s “ üHTWM nj پذfً0{Œ/ _ u Iہ €XLa ... ) ±غئ AêllXپïtم± `v Pw ôo4حµx râً® @l çأD)"ç<Jصl+@ذ"P sj =Tô?م× ' 7 پ ، چا گë ƒ÷7-}ي ے" ( xؤ Sq ا@° پO" ° پ ّ
ï ° پkIَّ °!َ)ˆç؟ ں °D°³ے²±Aà/ # ےےk X¾—ذنN ½ پ«CDس#lق¦½ش ؤ \lص 0ضY6M³گؤـ ×¼ح6ح² ط ,ظ> هٍm–عH غ |ـèêmوkً¸ë ى?ˆف^ ؛4ح¶و ذ
آ& گ°سجهغlق7نم ن \—o3[ ^dن LرPد´®iقY3 | q @ث·ظ¦èPî¾.Oزwجê€قfùs±» ಌ`يG *
aلh°£س–¯– %_¸Oذطّmدگ`^ىؤOy¯\z PzW بے v 6َ†Tد\z œًx
ؤ أ\S¥‚ 1}
ژ
ـذ!4œs ¾E¥Rà:
ةç$
QiO ¸µ]5“àژ8ïs"°€گeي
ئٍْTHل{ز€4Lےؤ IJkظZ°ن dˆي ج¯E‰ 9 k’©J© شUX²،(F(»s Z Fمَ`)رO iJT ة ھ „ lء|© „% ض@ ... اqAک(+ 5µE¢ث< * ”¯CO&پص ثسOM @حhL<&e“‡
فGOâ’! â¸tض ↠1%yHعثU”نT` „ #رق( â Z هSƒ ...
’!¼1< ¥ أ ± P"dˆP‰!ح#J† •ƒ$4d*™%& Y ¨غ 'FdˆPM(O„j^/جP¾’ہکٌَ ... ¹„”< 9O¯E إفدے W* ببE¹ـ ¸u خ¶ ًˆ |SپN ¾Nƒ Y(+]کA@* ن-L-نsز ت,v.dَ>wwà ×Hک؟-زظ ê‡e4< „گt¨eld-$ح{¨* `LKآ 6/Pj’
Jچ ×0¥بw <lء€ءہُلWu(/37)
PixUsPfMlچ Œََ2²©¸Fَىr0´ءŒt 3k زذئ5Z5 @4ي`ش0#xذ†ـs-^` H5»?d€$C”إ6D ـھ}†} ٍPjœ²E f ²7Q'0’ O¯E ¼.dA+êجآ8-i.ض ... arXp8lƒ!9ٌK€
éXC|–ˆFب ùئ5±uت’«I;©ƒچ8«K<Hع7ز«1گطگiع7n=Bً\Bکک ب¥!>ˆپ 2D=?Hع r@ذْذbmRiA°'ƒ ±&¶EBƒF
IَژططC\ءûآCyeyF ز
ï
I DGaُ€
1+ E ,„
FلGë`!f IH% 0 I 2DKJ
°B!i°Kـ :
bج"¨Paہ
I¨L@°Ll• ƒM° %@ GB” qN ؤءIO÷#f]lCP¥ 1ë`KQ¥KنھY R¥Sd
d TU ’S ¸.¸Vs5 J1é1حsطCWéک:
ISvہہXىگ4/\¥زببP آY}µ 2DuZ)
:ة [°† m×Nى‡ ط‡ںنDr‚ ٌ´ï é¦* ... “K,°B ... üM ‡
°إY6û7[½ےکٌF Xٍ°ض¼ح²„َœ ً/ l qXO إ –… £=و )02ˆ
I G1„/d
گ„ˆïj‘¸D>ے q T½ L
n¯B»ط l,‰د BّھSoبُECْ J?pôE p.JW8¹Œ•k!ے‰ ]: HOgâ)S6L>؟xh
¼@‘گ´‰2$+¯ن0SS"ن«ن( @ FF@ yT F ,×"qfے°LپA† P TŒ8،¼ َ
T³‰ |H گf %6¾ ھ ،œ
Wس »6£ oِ¦چoK=ى)‘ d Hmصم Gu,وë
t-½=ض %aےPEe„Cb 8o#”NsAاؤ،,
0ô1c ظدP´3ز+ت)=نa ¨¥ _ —; O&t6hح پyt, ô کLت°‡°
گّî‚ رJaن،uJ:9اû¼é —üaOUّrN*û¾ ô£ 3ہ}Œ$mب× @ہ`² Ofمى*9،ƒEü+8 آ…,Zأ® Bƒق2 u#؟ع\ù ¹ 0—èU¶ً
,ق½طژ ... c ے ·m .ہ3؛ ]گK€nW ‡©أإwJ°HI¦at@6,إِةئ‘S¨ ‘=¨byكOBإ‰ ë !!0\ ںب†غژ_¨
:4 Œئ} Kںt ، أ،J(= GN زRT6 ôgRc;'ہ $w
¼ ¼ب ;“ےkىظزئAgآ ‘[عL GVL 3• .àَ ‰--ث:‡ٌ0Oè،0ùç L;s‚7)+ „ `ٍ O-Yك€ إط±´ع ƒ عs• rٍëˆ#ët ‚s‰g à,ji•$ا• ”VFdw«MŒ( `م5ôS ژں÷ئH3ز~} €ث S4#ح ©چJ: ؟ ةـ^k¨bTuI·.'°!°،¥»؛‘&wy ... ق
ِF € ‘ed YF– ‘<؛‰ w SçگR „ل Zپ–Z $¯p
پ ... ‚v Z—. 0اF0‡I–†
ں ¼¥5ׄف€ $92,نذ 6•FچLء"_´ô ¥ Uü¹j × f¹P
ضO /‰O
Eء¹
üV¥ G ئ ن» i $
@ >11r<
( ?, O4’ّ D فS@ i´6Joں,Œ بdE* SW ¨|bs ،L ˆً =²
‡ f3„
#,ü ذ(¯p |bکN‚Ph-’5 ٌ ذي&پë: 7 `gKŒç 4Tأ
, ÷³h<ëC-[ t 8‘A"C JِaS < ½+Cذû
P
S@ Hوf فئہM ...
E´~1 Pô~ t ¶ء×Nنگوو ث Oن Y®DLLc´€زïVxپlŒ×#X غز
IïŒر vGه پ`4Fo ôjB9Es‡† ؛:ï€xأbAغ U=±z ذ©}€ذYë +پ< فK¨†ة' U¢<”l³ى ذ ُˆط·µh -î(ق €xzذ´#iS <”t oدC 3ˆ—…ًµذسü –»nfƒّ»j⃥[Aoط • ئ ... 1[ .S±û` ْe Oµ m ùd ‚ˆ ئ i8ہ ن°ےس8+Xô÷غë.cu%زJ /t ،م¢ ‰ ْCء …VQ©±
"µ 2O çٍط}#üµUf؛ صج¼Yھmzص–t ¨ ë> çj أخCd74" y^Sئ-Jƒ8;لœہAپB0 ½1„K· ¦>ِè0طle ¸ /قذxxں؟v ,† کSسيO'ajHMB°¸Hˆv·
”’o EY‡‰ع¦ f‚=%v³ت ƒچ!5 ï
4
#ëG Xغأ=”O O@:أؤظ‡ز حٌë2A@
.¼ OH<9 £´FيZJ
—éJ ZR1.-‚Nپf4|+اzٌIؤ¼7آ}kذR` ک û!7µE}/ ے- فu¯î;ëJض5+Uè±7rµ ¹% $K nK+R_ ... ²n Z eے ... ù°VOژھ
9ض>دt%6Gé| إً¶’پ
+ W :E عë½ ‡$ NM ... چ –3s¦iع% A]~ںد+6³l — ™'ب±ص
’ر7 £ رX4 < hƒ MA4 ئ » ”»پx `~چ ف ULA…ëd M[p©R !S H.ع Qq+`عہذ5 ƒ ¥ whhٌط;S$Qقu 4AB M´ ہUG G 8aئCg” ظژ T آْ &×(t ‰ ... ئ@,5 LعûJ@'C 0,–,o`@Mع lAظ*Ywœ 1 =
ژ4 éIذˆ]"~„”²Pہ ... ظآ ُV ¯ (³ثsع=
tMZ/7%ŒL·Rخ.ّ€ün بب+ت m;@}ث » t ]dگ
¸€ٍk{1إ Wƒ<X)7*(c€ گbL l
P;œ+w%Grأw0¼‡ب 200?
7"ˆ4W ... oٍ ة /‰P8ءّàGت‰H—ة} ³چi
و3گَ ل;لئپzc rأزق ·:S€&“إ Yُ“O ¾ ƒئü ،” ¹ù²Sp,
4zى I3 € ؤ£ك×پ مˆ ƒx$
#dbï)j 2$aبB&d’88جdB&900ذئ n Q(
بؤ[ش×D0 fغ >pچ# ² ™ Œ8ھٌ»uه½‚ ×$SQS µzG_¹ z ّ ‰)2آT²Ns؟aل
k بâ , 'و–
MméSûêUêه]P‰غî>
q„~J ... ِU…„مvbُ¼ Y
î’ƒچ³oأ‚ü —ح$* àŒ‚؛” 8مa« ہ80 ² ؟r[ ءة ²t ’(
ئ
o•H، ‘tï
#
€?ب¦3„†4 ھژِBز¸‰.j +
OE aï
I ... ے؟،
I·xص¢t) †س”
?œƒc$üçC: éُuâŒv 1¸وn½×é¦ciO ... ¼ / R– &چ5 “¥ˆل:xn،´µ¼،\ ••5nR«د€|ظ ^ًà r3ً| Eک Iéئî &O™ہةه a6 m ,`‰بز¸9ٌCƒبض7F«گپثض_½ًHv
Sج6 ذ* ¯ ىZذ —½RنّS$M ... a €کبٍqS?ƒ Eً 0 خ;ىéPj ]ƒyپO œbب
w:“Vt-ˆ„Ptd ü ... !د mSoہ
r ... nF رZ2K
ùچ ںe ¸…غ°پذRYث F÷ئ€Z هء,é°لƒ¸ ز^Y ... ± ژS$G¦¶ î#ë\Ko
ƒ%dJ —ج”گbK³¥€Œ| E µ<KHكپ X&¶ہ
ش 8ei¥كظگص hü 46ى u.aسM ƒ h گz y
G
«فƒ| xچT o ط ء1 يwں ‰WPچW S پ¯ج¸U 7÷ ¢ غ ٌ؛ضaCûCI ïo ;إ}5 ÷ ز +î
S³p¦J¼cYV WکئKN.نِw ·
D¨¯,Y
6 ·>²¼ء@d‡¹
²’ŒL¨
×B)
ظ·yOٌ(jC}m*,8F ، †<[ر “~
wDj‘ٌ{«@BہCOف ± T ™إ±Eٍ ه?
يJJ0ة Mة „ ïاگl 9ml—ظa ے€r^¦،$مq ¹Xp}u T [Jt
ه 'ig f[ £n ,صز:دژˆھˆy ¦u9× ه،œ¢\ غى،*Oi€=@FS“ظu
ٌu °ہآF{&a$z ˆ]?œھ6y>
G„0 VDأ ... گcG
p ضdأG5”†:ا“OR êoأ¢…e% » 8Gق ¢'ب ÷ع) ... طp Œگل چt$ ... `„–)m 5 سùًPB‘@[1£IلX Ai,aiسi
Pا tK ¨7eے¢Bزظ8r”( "Qپ ) @cH × û‰Nç <،¼°]8¨ o 'b … « ے rOy à ّ
Zp ؤ £•@t[ق ·b€Hr 7S ( !ں†{ گة 'G)'&ظںD ... ½qگ¥،¨~ ¥ ! ¨3Li!بZmêmأزR
J أ÷ ژj ... X(مدن1=ٍ…ھ€ˆىmp¥ہ©¨ ` vہ’QBمہ“–U s¦Rƒن²رض^îى |)EHC7 چKs:w¥ € ى ”6è ... ا4ءƒ
بL1ذ¯j •ka جoد ة³$ ىصJ1IU7J ظ"Wَ|Oءcٌِƒ< t ءئ;©ن³£&كورھïکگCP ٌcGh ô؛@ 4 2 Cً ز‚ ِ ¼PŒuè j1 w { j2'ƒL.¯ئگ¶4 ‰u 84RZ Y{ ƒ 28 ”=yyA
( )
+ gis 1 Dظ* X ,ƒ\S³—cھ5 أ½'¸_لہVث2ًƒن F ‡ے¢کح Sƒأ
Œ حل8پء 9ˆ `Pe×ت èتê¦ گ’آ` صآiHG?|OJ IèضH»dش ‚¼Yƒd‰T¼™ہ ؟ضکë
é 3ش^ك گھ_ً
Qs U ت¨oyà0êVs…ہT[ض±59Aè سگµ ہh8ل€¼ { @ è R l!œ¦ u?دOCر¨¸
iپ/
"‡VW!ةƒ¦ I¨%©a ,عظ خQ v
... $ ù¢ش^پJؤ{8ى Zژإj(/38)