والمضحك في موقف التيئيسيين العرب أنهم كلما سمعوا عربياً يبشر بالنصر ويدعو إلى شحذ الهمم سخروا منه فجأة وذكروه بشكل أتوماتيكي بأحمد سعيد الذي صار ديدنهم الدائم، مع العلم أن وسائل إعلام المقاومة اللبنانية ممثلة بقناة المنار ابتعدت كلياً عن الخطاب الإعلامي التهييجي والتطبيلي "السعيدي" في تغطيتها للحرب الأخيرة مع الصهاينة.
وقد لاحظنا أن خطابات السيد حسن نصر الله كانت متزنة وواقعية ورزينة إلى أبعد الحدود، فيما اتسمت التصريحات الإسرائيلية بنبرة عنترية مضحكة، بينما كان الجنود والضباط الإسرائيليون يتساقطون كالذباب أمام رجال المقاومة البواسل وبينما كا يشتكي سكان الملاجئ الإسرائيليون من أن صواريخ المقاومة جعلتهم "يعيشون كالكلاب في دهاليز مظلمة".
وقد رأينا أن معظم الجنود الإسرائيليين المصابين كانوا مستلقين على الحملات الطبية على بطونهم وليس على ظهورهم، مما يؤكد أنهم أصيبوا وهم هاربون من أرض القتال. وقد صلى الجنود بعد انتهاء المعركة بأن تكون حربهم الأخيرة مع المقاومة. لهذا كان حرياً بمروجي ثقافة الهزيمة العرب أن يشبهوا بيانات وسائل الإعلام الإسرائيلية بخطابات أحمد سعيد، إلا إذا اعتبروا الهمجية النازية التي مارستها الطائرات الإسرائيلية الجبانة بحق النساء والأطفال والشيوخ في لبنان انتصاراً عسكرياً. وهي بالتأكيد دليل يأس وعجز وهزيمة أكثر من أي شيء آخر.
لقد وصف أحد المعلقين سلاح الجو الإسرائيلي بعد الحرب الأخيرة بأنه سلاح الجبناء. فما الفائدة إذا استطاعت طائرات هتلر في الحرب العالمية الثانية تسوية بعض الأحياء اللندنية بالأرض بينما بقي تشيرتشل ومونتغمري يقودان المعركة على الأرض ضد القوات النازية الفاشية ويدحرانها على أكثر من جبهة؟
لقد أظهرت الإحصائيات التي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية نقلاً عن مصادر إسرائيلية أن القصف الإسرائيلي قتل ألفا وثلاثين لبنانياً، خمسة منهم فقط عسكريون والباقي مدنيون، بينما قتل حزب الله مائة وثلاثين إسرائيلياً (حسب البيانات الإسرائيلية) مائة منهم من خيرة الضباط والجنود، والباقي مدنيون. لاحظوا الفرق! من المنتصر الحقيقي بربكم، الذي يقصف المشافي والسيارات المدنية والطرق والجسور، أم الذي يسحق الجنود ويجعل دبابات الميركافا العتيدة أثراً بعد عين؟
ولو كنت مكان جوقة الانهزاميين العرب لخرست من الآن فصاعداً،لأن البطولات التي سطرها رجال المقاومة في لبنان أنهت ثقافة الهزيمة لدى العرب إلى غير رجعة كما يتبين من ردة فعل الشارع العربي من المحيط إلى الخليج. لقد تغير الشعور العام مائة وثمانين درجة لدى العامة والخاصة على حد سواء. والدليل على ذلك أن ألد أعداء حزب الله راح يبارك صمود المقاومة وانتصاراتها، على مبدأ أن الهزيمة يتيمة وأن للنصر مليون أب.
لقد كان الشارع العربي هذه المرة حذراً جداً في التفاؤل، خاصة أنه تجرع في السابق مرارة الهزائم والتسرع في إعلان النصر. وقد تميزت ردود الفعل الشعبية بالتروي والانتظار على مدار الحرب، لكن الشارع بات متيقناً مائة في المائة الآن أن النصر قد تحقق، وأن الشعور بالهزيمة الذي صاحبنا منذ عقود قد تلاشى تماماً بعد أن تمكنت حركة مقاومة صغيرة جداً من أن تدحر رابع أقوى جيش في العالم وتجعل أحد كهنة السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز يصف الحرب الأخيرة بأنها "حرب حياة أو موت". صحيح أن الدولة العبرية لم تمت، لكنها برأي الشارع العربي والخبراء الاستراتيجيين فقدت هيبتها وتحطمت أسطورتها مهما دججوها بالعتاد والأسلحة الجهنمية. ألم تفقد إسرائيل وظيفتها الأساسية ككلب حراسة في المنطقة وأصبحت بحاجة حقيقية لمن يحرسها؟
ألا يشعر السواد الأعظم من العرب الآن أن النصر الكامل أصبح، قاب قوسين أو أدنى، في متناول اليد بالصواريخ فقط؟ ألا يشعر كل عربي من المحيط إلى الخليج بأنه مستعد لخوض المعركة ضد الأعداء بعد أن كان يلوذ بالخوف والصمت في السابق؟
لقد تخلص شارعنا من عقدة الذل والهزيمة، وهي، كما رأينا في كتاب (ثقافة الهزيمة) آنف الذكر أنها أخطر بكثير من الهزيمة ذاتها. ولا شك أن المثقفين العرب الحقيقيين سيستعيدون من الآن فصاعداً زمام المبادرة ولن يخشوا تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية بعدما كانوا يتجنبون عبارات التحدي والمقاومة في الماضي.
ولعل النصر الأهم للمقاومة اللبنانية إذن ليس دفع نصف إسرائيل تحت الأرض كالفئران المذعورة ونقل المعركة لأول مرة في تاريخ الصراع إلى ساحة العدو الداخلية، بل تخليص الأمة من نير الهزيمة، بشرط أن نستغل ذلك النصر المعنوي العظيم للنهوض سياسياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً واجتماعياً كما فعل الألمان واليابانيون من قبلنا، وأن نحمي النصر التاريخي بأسناننا كي لا يفرغه الحاقدون من مضمونه، وألا نقايضه بمكاسب وصفقات ومتاجرات سياسية رخيصة، كما فعل البعض بعد حرب تشرين المجيدة ليحولوها وبالاً على العرب.(/2)
لا نريد النصر لمجرد النصر، فقد انتصر الجزائريون من قبل، لكنهم سلموا رقابهم بعد التحرير لمن أسماهم أحد المفكرين الجزائريين بـ"أبناء باريس"، أي أن المحتل عاد ليحكم من خلال عملائه الداخليين القدامى في الجزائر والكثير من الدول التي تحررت عسكرياً من ربقة الاحتلال الغربي. لهذا يجب أن يكون النصر هذه المرة أساساً لبناء الدولة الوطنية الديموقراطية الحديثة، لا دولة التجار والمرتزقة والمقاولين والوكلاء(/3)
ثلاث رسائل عاجلة حول الاكتتاب في شركة ينساب
د. يوسف بن عبد الله الأحمد 22/11/1426
24/12/2005
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد .
فقد واجهت كما واجه غيري من المشايخ وطلاب العلم كماً هائلاً من أسئلة الناس عن حكم الاكتتاب في شركة "ينساب" ، وهي ظاهرة طيبة تتزايد ولله الحمد مع نشر الوعي في المجتمع ، وهي دلالة على حرص الناس على البعد عما حرم الله ، وقد وجد الناس فراغاً واضحاً في الفتيا الجماعية، حتى بادر بعض المشايخ وفقهم الله بالفتيا الفردية المكتوبة ، أو الشفوية في القنوات الفضائية، فرأيت من المناسب أن أبعث حول هذا الموضوع بثلاث رسائل :
الأولى: رسالة عامة في بيان حكم الاكتتاب فيها .
والثانية: إلى طلاب العلم المهتمين بهذه المسائل .
والثالثة: إلى رئيس أعضاء مجلس إدارة شركة "ينساب".
أما الأولى : فبعد النظر في نشرة الإصدار لشركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات " ينساب" الصادرة في 5/11/1426هـ، تبين أنها قائمة على النظام الرأسمالي الربوي، وأنها لم تلتزم بشرع الله تعالى في معاملاتها المالية، ويظهر ذلك من خلال الآتي :
أولاً : أعلنت "ينساب" عزمها على إيداعات ربوية في بنوك محلية، وأن النسبة الربوية مقدارها (4.85% )، ومقدار الإيداع الربوي بالريالات (5.556.657.000) والذي يمثل (98.58%) من مجموع رأس مال الشركة (5.625.000.000) ، وأن رأس المال يشمل أسهم المكتتبين المؤسسين وعموم الناس .
وقد صرحت الشركة بأنها بدأت مزاولة النشاط المالي لها بإيداع ما تحصل لها من أموال المؤسسين، وقد عاد إليها من الفوائد الربوية حتى صدور النشرة (4.375.000ريالاً).
ثانياً : التزمت "ينساب" بفائدة ربوية لشركة سابك مقدارها (10.000.000ريال ) مقابل قرض مالي مقداره
(1.208.510.000ريال ) .
ثالثاً : حصلت سابك لصالح "ينساب" التزاماً خطياً من أحد البنوك الربوية العالمية ABN AMRO على قرض ربوي صرف قيمته (13.125.000.000) ثلاثة عشر ملياراً، ومائة وخمس وعشرون مليون ريال سعودي .
ثم ذكرت النشرة بأن البنك - وليس الشركة - يقوم الآن بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع .
وهذا يعني أن البنك سيحصل هذه القروض مع من سيتم الاتفاق معه، ثم سيقرضها البنكُ للشركة بفائدة ربوية، وعليه فإن البنك لو حصَّل بعض التمويل بالمرابحة الإسلامية فإنه سيقرضها للشركة " ينساب " بقرض ربوي .
وبناءً على ما سبق؛ فإن الاكتتاب في شركة ينساب محرم شرعاً.
ووجه التحريم : أن المكتتب شريك معهم، ومفوض لهم في الإدارة المالية، وموافق على ما تضمنته نشرة الإصدار، الذي وقع العقد معهم بناءً عليها، ولا فرق في التحريم بين المكتتب والمساهم بعد التداول والمضارب .
والربا أعظم ذنب في الإسلام بعد الكفر بالله، وقتل النفس التي حرم الله، حتى لو كان يسيراً، ومن تأمل النصوص الواردة في حرمة الربا أدرك عظم هذه الجريمة، ومن هذه النصوص :
قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)) (البقرة 278، 279) .
وحديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: ((لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء)) أخرجه مسلم .
وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)) أخرجه أحمد بسند صحيح.
وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ..)) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. والحديث صحيح بمجموع شواهده .
وليس من المناسب بعد هذه النصوص تخفيف كلمة الربا عند الناس كتسمية الفوائد الربوية بالعوائد البنكية، وتسمية الشركات الربوية بالمختلطة، وتسمية البنوك الربوية بالتقليدية، والصواب أن تسمى الأمور بأسمائها الشرعية؛ فيقال بنك ربوي، وشركة مختلطة بالربا، ونحو ذلك، حتى لا يغرر الناس في دينهم .
الرسالة الثانية : إلى أهل العلم الذي أفتوا بالجواز أو المنع أو توقفوا .
إن الأيسر للناس، والأصلح لهم، والأرفق بهم، ما كان في شرع الله حتى لو كان الحكم بالتحريم، والعلماء إنما يبينون الحكم للناس وفق الكتاب والسنة، ولا يقدمون الرأي على النص، وكل مصلحة تعارض النص فهي ملغاة كما هو مقرر في علم الأصول .(/1)
ثم إن الفتيا بالجواز في هذه الشركة وأمثالها أوسع من أن تكون جواباً على سؤال، بل يترتب عليها عدد من المفاسد الكبرى؛ فإن الإصلاح في الميدان الاقتصادي وإبعاده عن الربا، وما حرم الله لا يزال متأخراً جداً مقارنة بغيره، وهذه الشركة وأمثالها قد وضعت مؤسسات ضخمة في الاستشارة المالية والقانوية، ودراسة السوق والعلاقات العامة، بينما لم تضع جهة أو لجنة للاستشارة الشرعية ؛ فهي تتبنى الإعراض عن اللجان الشرعية ، ويبقى مجلس الإدارة على وجل حتى يتقدم واحد أو أكثر من أهل العلم بالفتيا بالجواز، فيقبل الناس أفواجاً على الاكتتاب، وقد ظن المفتي بالجواز أن في ذلك المصلحة ، والرفق بالناس، والتدرج في الإصلاح .
وليس الأمر كذلك ، فإن الفتيا بالجواز من أهم أسباب تأخر المشروع الإصلاحي في الميدان الاقتصادي؛ لأن الفتيا بالجواز سبب أساس في بقاء الشركات الربوية؛ وإضعاف الشركات الإسلامية الناشئة، وقد شهد الواقع بأن الفتيا بالجواز: أكبر وسيلة تسويقية للاكتتاب، وارتفاع الأسهم بعد التداول، وضخ الأموال الطائلة في جيوب أكلة الربا من المكتتبين المؤسسين، أو البنوك الربوية ؛ لأن معظم الناس يقدم أو يحجم بناءً على الفتوى .
ولما كان الأمر بهذه المثابة، فإني أدعوا أهل العلم والفضل إلى الفتيا الجماعية في هذه القضية وأمثالها، واشتراط وضع اللجان الشرعية والرقابية المستقلة، والتي ترشحها المجامع الفقهية، أو دار الإفتاء ، أو الأقسام الفقهية في الكليات الشرعية .
الرسالة الثالثة : إلى رئيس مجلس إدارة شركتي "سابك" و "ينساب" وأعضائهما، فإني أوصيهم بتقوى الله تعالى، وأدعوهم إلى إعلان التوبة إليه من جريمة الربا وإشاعته، والمسارعة في التزام شرع الله ، فإن الدنيا فانية، والآخرة هي دار القرار، وأن يتذكروا بأنهم داخلين في وعيد حديث جابر مرفوعاً: ((لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء)) أخرجه مسلم.
وأن إصرارهم على هذا العمل إيذان بحرب من الله ورسوله.
قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))(البقرة:278).
وبهذا تنتهي الرسائل ، والحمد لله رب العالمين,,,(/2)
ثلاث كلمات إلى ثلاث فئات
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد، فلقد سبق في أعداد ماضية الحديث عن اليقين باليوم الآخر وثمراته، وفي هذه الحلقة بمناسبة الحديث عن هذا الأمر العظيم سأتوجه بهذه الكلمات إلى ثلاث فئات من الناس، هي التي تتألف منها مجتمعات المسلمين اليوم ، ولا يكاد يخرج فرد من الأفراد عنها ، وهذه الفئات هي :
أولاً : الفئة المصلحة الداعية إلى الخير :
وهؤلاء هم أشراف المجتمع وأحسنهم قولاً وأثراً في الناس ، وأنبلهم غاية وأسماهم هدفاً ، وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل بقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ ) (فصلت : 33) ، وقوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَاًمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) (آل عمران : 104) ، وهم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ، لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى [1]
وإلى إخواني هؤلاء أوجه هذه الكلمات :
اعلموا أنكم سادة المجتمعات وأشرافها بحق ، وكيف لا وأنتم تحملون أعظم رسالة وأنبل غاية ، ألا وهي تعبيد الناس لرب العالمين وإخراجهم بإذن الله تعالى من الظلمات إلى النور ، كيف لا وأنتم تضحون بأوقاتكم وأموالكم وراحتكم في سبيل إنقاذ أنفسكم وإنقاذ الناس من عذاب الله تعالىفي الدنيا وعذابه الأليم في الآخرة ... أيُّ غاية أشرف وأنبل من هذه الغاية ؟ .
ولما كان هذا العمل بهذه المنزلة ، فالله الله أن يضيع سدى أو يصير هباءً بنزغة شيطان أو هوى نفس يلوثان العمل برياء أو إرادة دنيا فانية ، أو ابتداع في الدين بما لم يأذن به الله سبحانه، إن صدور هذه الأمراض ممتنع من عبد أيقن باليوم الآخر ، وأيقن بيوم الحسرة التي يتحسر فيها العبد على كل عمل لم يخلص فيه لله عز وجل، ولم يتابع فيه الرسول . وإن ذلك - والله - لكائن في يوم التناد : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ ) [القصص : 65] ، ويا سعد من كان جوابه : أجبناهم بالاتباع والانقياد وعدم الابتداع ، وياخيبة وخسارة من كان حاله كما قال تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءلُونَ ) [القصص : 66] .
وإن مما يحافظ على شرف الغاية في الدنيا وعظم الجزاء في الآخرة : سلامة الصدور ووحدة الكلمة ونبذ الفرقة والاختلاف ! لأن مما يضعف أثر أهل الخير على الناس : تفرقهم ومنابذة بعضهم لبعض، لأنهم بذلك ينشغلون بأنفسهم عن دعوة الناس ؛ كما أن الناس تضعف ثقتهم بأهل الخير إذا رأوا ما بينهم من الأحقاد والإحن، فالله الله في دعوة الله عز وجل، والله الله في العمل الصالح أن يضيع هباءً منثوراً في يوم الفاقة والحاجة، يوم يكون العبد في أمسّ الحاجة إلى حسنة واحدة يثقل بها ميزانه، إنه لا يمكن لمن أيقن بيوم الجزاء والحساب والوقوف بين يدي الديان عز وجل أن ينفق العمر القصير في قيل وقال وأحقاد وأضغان وافتراق على أمور يجوز الاختلاف عليها ، وبقدر ما يكون من هذه الأمراض في النفوس بقدر ما تؤخر عجلة الدعوة ، ويفتح المجال للفئة المفسدة لتبث سمومها في الناس، وتجرهم إلى الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة نسأل الله السلامة .
وإن من أخطر ما تفرزه الفرقة والاختلاف بين أهل الخير : الظلم والعدوان والانتصار للنفس وحظوظها بتأويل ، وأحياناً بدون تأويل . وينبغي لمن أيقن بيوم الفصل ، وأيقن بيوم التلاق يوم أن يلتقي الظالم بالمظلوم والجائر بالمجار عليه .. أن يحسب لهذا المقام حسابه، وألا يتكلم إلا بعلم وعدل ، وأن يراعي حرمة مال المسلم وعرضه وجميع حقوقه، قبل أن يأتي يوم القصاص: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران : 30] .
إن اليقين باليوم الآخر وأهواله واليقين بالتبعة الفردية المذكورة في قوله تعالى : ( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً ) [مريم : 95] ، إن ذلك كله يفرض على الفئة المصلحة أن يكون الحق رائد كل فرد فيها ، وهذا بدوره يخلّص من الحزبية المقيتة ولوثاتها، وما فيها من التعصب للأشخاص أو الهيئات ، فكل هؤلاء لا ينفعون عند الله عز وجل إذا لم يكن الحق هو الرائد والموجه للجميع، وهذا يؤكد على الفئة المصلحة والداعية إلى الخير أن تربط الناس والأتباع بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لا بآراء الرجال وعقولهم ، وهذا لا يعني التنقص من أهل العلم والدعوة وعدم تقديرهم ، كلا .. فلهم التقدير والمحبة والإجلال ، ولكن فرق بين التقدير والتقديس .(/1)
بما أن من سنة الله عز وجل ابتلاء أوليائه بأعدائه ؛ ليبلي المؤمن بلاء حسنا ، فإن مما يثبت به الله عباده المؤمنين ودعاته الصادقين أن يرزقهم الإنابة إلى دار الخلود رجاء ثواب الله عز وجل، وأن الله تعالى ليس بغافل عن الظالمين ، فهناك يوم القصاص الأعظم ، وذكر هذا اليوم مما يصبّر به الله سبحانه دعاته المصلحين ، وكلما كان ذكر هذا اليوم العظيم في قلوب الدعاة أكثر، كلما كان صبرهم وتضحيتهم أعظم وأكبر ، وهذا يقود إلى مسألة أخرى ، وهي : أن ينتبه أهل الخير والإصلاح إلى دور اليوم الآخر والتذكير به دائماً في تربية النفوس وتهذيبها، وأن يعنوا به عناية كبيرة في البرامج التعليمية والمناهج الدعوية ، بل ينبغي أن تربط جميع المناهج على اختلافها باليوم الآخر وأعمال القلوب حتى يكون للمناهج أثرها العملي والتعبدي والأخلاقي، وينبغي ألا يلتفت إلى من يقلل من شأن الحديث في اليوم الآخر والوعظ بأيامه وأهواله بحجة أنه كلام وعظي أو عاطفي أو إنشائي ؛ فهذا غلط كبير وتفريط عظيم في رافد عظيم من روافد التربية والتزكية .
هذا وإن كان قصد ذلك المقلل الإشارة إلى أهمية العلم والتأصيل والاستدلال وليس هو التهوين من ذلك اليوم العظيم ، إلا أنه ينبغي التنبيه على أن العلم والتأصيل والاستدلال ينبغي أن يربط ذلك كله بتعظيم الله عز وجل وعبادته والاستعداد بالعلم والعمل للدار الآخرة ، وهذا لا يتأتى إلا أن يقوم أهل العلم والتوجيه والإرشاد إلى صبغ دروسهم وحلقات تعليمهم بهذا الأمر سواء أكان العلم في العقيدة ، أو في الفقه وأصوله ، أو الحديث ومصطلحه ، أو السيرة والتاريخ .. إلخ .
ثانياً : الفئة المفسدة الداعية إلى الشر والصادة عن الخير :
وهؤلاء هم سفلة المجتمع ، وهم أراذل الناس ؛ لأنهم خانوا ربهم ، وخانوا
أمتهم ، وظلموها ، وعرّضوا الناس للشقاء والنكد في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) [الأنعام : 123] يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عند هذه الآية : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا) أي : الرؤساء الذين قد كبر جرمهم ،
واشتد طغيانهم (لِيَمْكُرُوا فِيهَا) بالخديعة والدعوة إلى سبيل الشيطان، ومحاربة الرسل وأتباعهم ، بالقول والفعل ، وإنما مكرهم وكيدهم يعود على أنفسهم ؛ لأنهم يمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين .
وكذلك يجعل الله كبار أئمة الهدى وأفاضلهم يناضلون هؤلاء المجرمين ، ويردون عليهم أقوالهم ويجاهدونهم في سبيل الله ، ويسلكون بذلك السبل الموصلة إلى ذلك ، ويعينهم الله ، ويسدد رأيهم ، ويثبت أقدامهم ، ويداول الأيام بينهم وبين أعدائهم ، حتى يدول الأمر في عاقبته ، بنصرهم وظهورهم ، والعاقبة للمتقين) [2] وبهذه المناسبة أوجه الكلمات التالية لأهل هذه الفئة لعل الله (عز وجل) أن ينفعهم بها :
أذكركم بموعظة الله تعالى إذ يقول : (قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ : 46] ، فماذا عليكم لو قام كل فرد منكم مع نفسه أو مع صاحبه ، ثم فكرتم فيما أنتم عليه من فساد وصد عن سبيل الله (عز وجل) .
هل أنتم مقتنعون بما تفعلون ، وبما تتسببون به لأمتكم من الشرور ؟ وهل هذا يرضي الله (تعالى) ويجلب النعيم لكم في الآخرة ؟ إنكم إن قمتم لله عز وجل متجردين مثنى أو فرادى ، وفكرتم في ذلك فإن الجواب البدهي هو أن الفساد والإفساد لا يحبه الله عز وجل ، بل يمقته ويمقت أهله ، وسيأتي اليوم الذي يمقت فيه أهلُ الفساد أنفسَهم، ويتحسرون على ما فرطوا وضيعوا وأفسدوا وذلك في يوم
الحسرة ، حيث لا ينفع التحسر ولا التندم .
إن الذي يكره الخير وأهله ، وينشر الفساد ، ويصد عن سبيل الله تعالى إنما هو بين أمرين لا ثالث لهما : إما أنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، وما الحياة عنده إلا هذه الدنيا ، فهو يسعى ليجمع فيها ويظلم ويبطش؛ لأنه لا يرجو اليوم الآخر ولا يخافه ، فهذا كافر مرتد ، وإن كان يخفي هذا الكفر فهو منافق زنديق ، أو أنه يؤمن بالله واليوم الآخر ، لكن الدنيا وزخرفها ومناصبها أسكرت عقله ولبه ؛ فأصبح في غفلة شديدة عن الآخرة ونعيمها وعذابها حتى استمرأ الفساد، وصارت الدنيا أكبر همه يلهث وراءها، ويجمع حطامها ولو كان عن طريق الفساد والإفساد ، ومثل هذا الذي يؤمن بالآخرة ولكنه في غفلة شديدة عنها، مثل هذا لا عقل له ، كما أن الأول لا إيمان له ، وقد يخسر إيمانه في النهاية ، والحاصل أن تتداركوا ما بقي من عمركم في التوبة إلى الله عز وجل قبل حلول الأجل ، حيث لا ينفع الندم، واعتبروا بمن ذهب ممن هو على شاكلتكم بدون توبة، وماذا بقي له من الذكر في
هذه الحياة الدنيا .(/2)
قارنوا من مات من أهل الخير والصلاح كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقبله : الإمام أحمد ، ومالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وبعدهم الإمام محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع . لقد بقي ذكرهم عند الناس كأنهم لم يموتوا ، مع ما نرجوه لهم
من الأجر العظيم في الآخرة ، قارنوا هؤلاء بمن مات من أهل الشر والإفساد الذين
لم يبق لهم ذكر البتة، لا ..بل بقي الذكر السيئ ولعنات الأمة تلاحقهم عند ذكرهم ، مع ما يُخشى عليهم من عذاب الله سبحانه يوم يقوم الناس لرب العالمين، فأي الفريقين أشرف مكانةً وأهدى سبيلاً ؟
نذكركم بيوم الحسرة والندامة ، يوم يتبرأ منكم الأتباع ، وتتبرؤون من الأتباع ، ولكن حين لا ينفع الاستعتاب ولا التنصل ولا التبرؤ ، بل كما قال تعالى : (إذْ تَبَرَّأََ الَذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأََوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأََسْبَابُ [البقرة : 166] نذكركم بالأثقال العظيمة التي ستحملونها يوم القيامة من أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم إن لم تتوبوا ، قال تعالى :( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) [النحل : 25] .
لما كان الظلم قرين الفساد و الإفساد ، فإنه جدير بالظالمين الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أن يتذكروا يوم الفصل والحساب ( يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )[ غافر : 52] ليتذكر الظالمون هذا اليوم المشهود الذي يقتص فيه الحكم العدل من الظالمين للمظلومين ، ليتذكروا
هذا اليوم العظيم إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر ما داموا في دار الدنيا دار التوبة والاستعتاب ، فوالله إن للظالم ليوماً ينكشف فيه الغطاء ويعض فيه على يديه من الخزي والحسرة ، وإن في كتاب الله عز وجل لغُنية عن أي كلام وكفاية عن
أي موعظة قال جل وعلا : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم : 42-43] وإن الظالمين جميعهم تابعيهم ومتبوعيهم لهم يوم مشهود وعصيب ، يوم يلعن بعضهم بعضاً ، ويحيل التبعة بعضهم على بعض ، ولكن حين لا يجلب لهم ذلك إلا الخزي والبوار .
إن لم يجد واعظ الله سبحانه والدار الآخرة فيكم شيئاً فلا أقل من أن يوجد عندكم بقية مروءة وحياء تمنعكم من إفساد أخلاق الأمة والوقوف في وجه المصلحين
الداعين إلى معالي الأمور والأخلاق ، فالمتأمل لحال المفسدين في الأرض اليوم ليأخذه العجب والحيرة من أمرهم ... فما لهم وللمرأة الحيية التي تقر في منزلها ، توفر السكن لزوجها وترعى أولادها ، ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها ، ثم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخير و الدين والخصال الكريمة ؟ ماذا يريدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد المختلفة عليهم ؟ هل يريدون ... جيلاً منحلاّ يكون وبالاً على مجتمعه ، ذليلاً لأعدائه ، عبداً لشهواته ؟ ! إن تلك هي النتيجة ، وإن من يسعى إلى تلك النتيجة الوخيمة التي تتجه إليها أكثر الأسر المسلمة اليوم ، لهو من أشد الناس خيانة لمجتمعه وأمته وتاريخه ، فيا من وصلوا إلى هذا المستوى من الهبوط والانتكاس : توبوا إلى ربكم ، وفكروا في غايتكم ومصيركم ، واعلموا أن وراءكم أنباء عظيمة ، وأهوالاً جسيمة تشيب لها الولدان ، وتشخص فيها الأبصار ، فإن كنتم تؤمنون بهذه : فاستيقظوا من غفلتكم وراجعوا أنفسكم ، والله جل وعلا يغفر الذنوب جميعاً ، وإن كنتم لا تؤمنون بذلك فراجعوا دينكم ، وادخلوا في السلم كافة قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون .
نذكّر المنافقين من هذه الفئة بأن الله سبحانه يعلم سرهم ونجواهم ، ويعرّف المؤمنين بسيماهم مهما أظهروا الإسلام في الدنيا ، وفي الآخرة يخزيهم ويفضحهم بين الأشهاد )يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ) [الحاقة : 18] فتوبوا إلى الله علام الغيوب ما دمتم في زمن التوبة ، وصححوا بواطنكم قبل أن يبعثر ما في القبور ، ويحصل ما في الصدور .
ثالثاً : فئة الأتباع وعامة الناس :
وهم الذين لم يصلوا في أخلاقهم وأهدافهم إلى مستوى الفئة الشريفة المصلحة ، ولم يهبطوا إلى مستوى الفئة المفسدة الوضيعة الخائنة .(/3)
وإنما هم فئة بين الفئتين ولديهم الاستعداد للخير الذي تدعو إليه الأولى ، كما أن لديهم الاستعداد لتلقي الشر والإفساد الذي تسعى إليه الفئة الثانية [3] ، وهذا يؤكد أهمية الدعوة ، وقطع الطريق على الفئة المفسدة ؛ حتى لا ينحرف الناس عن الصراط المستقيم . والملاحظ في هذه الفئة أنها السواد الأعظم ، بينما يغلب على الفئة الأولى والثانية أنهما قلة ، والدفع بين الفئة المصلحة والمفسدة من سنن الله عز وجل حيث الصراع بين الحق والباطل ، قال تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) [البقرة : 251] .
وإلى هذه الفئة من الناس أتوجه بهذه الكلمات :
* إن تذكر اليوم الآخر ومشاهده العظيمة من أهم الأسباب التي تقي من شر المفسدين المستكبرين في الدنيا وفي يوم التناد ويوم تخاصم أهل النار ، فإذا أيقن العبد بهذه المشاهد وأن الله سبحانه ينادي عباد (مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ ) عندئذ يحذر العبد أن يتبع كل ناعق ملبس ، وإنما يتبع المرسلين وأتباعهم ، كما أن تخاصم أهل النار وما فيه من تبرؤ المتبوعين من الأتباع يجعل العبد يحسب لهذا المشهد حسابه ، حتى لا يعض على يديه حسرة وندامة ، وهذا الشعور المخيف يجعل الإنسان في حذر من أهل الشر والإفساد الذين يزينون له الباطل في الدنيا ، ويوم القيامة يلعن بعضهم بعضاً ويتبرأ التابع من المتبوع والمتبوع من التابع ، فكفى بتذكر تلك المشاهد العظيمة واعظاً ورادعاً لكل من يحب لنفسه الخير حتى يحذر من أهل الشر والفساد ، ويلتصق بأهل الخير والإصلاح الذين يسعون لإنقاذ الناس بإذن ربهم سبحانه من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة ، ويعض عليهم ويبذل لهم المودة والنصرة والدعاء ، حيث إنهم أرحم الخلق بالخلق ، وهم صمام الأمان لمجتمعاتهم ، فجدير بمن هذه صفاته أن يُحَبّ ويُوالى وينصر .
لقد أنعم الله سبحانه على عباده بالعقول وإرسال الرسل وإنزال الكتب حتى تَبْيّنَ الرشد من الغي ، ولن ينفع التابعين الذين أعطوا قيادهم لدعاة الشر وألغوا عقولهم ، لن ينفعهم يوم القيامة إلقاء التبعة على المتبوعين من المفسدين ، ولقد قامت حجة الله سبحانه على عباده ... نعم لن يجدي عن الأتباع الذين فتحوا أفكارهم وبيوتهم لأهل الشر ليفسدوا فيها ويمكروا فيها إذا قامت الخصومات بين يدي الحكم العدل ، إنهم بذلك يتحولون إلى فئة المفسدين ، شعروا أم لم يشعروا .
وأخيراً لنسمع إلى تحذير الله عز وجل لعباده من طاعة الشيطان وحزبه وبراءته من أتباعه يوم القيامة ، قال تعالى : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ إنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم) [ إبراهيم : 22] .
________________________
(1) مسلم : 3/170 ، - (1523) .
(2) تفسير السعدي ، عند الآية (123) من سورة الأنعام .
(3) ولذلك يوجد في هذه الفئة : الصالحون والفاسدون حسب نشاط أهل الخير وأهل الشر ، وقد يوجد من بينهم أهل العزلة والساكتون .
مجلة البيان :العدد : 102التاريخ: صفر / 1417هـ(/4)
ثلاثة أسئلة تلخص الانتخابات العراقية
أحمد فهمي
بلغت الحالة السياسية العراقية درجة من التعقيد تضاربت فيها المصالح وتشابكت الخيارات حتى داخل الفصيل الواحد ، ومحاولة تفكيك هذه الحالة بغرض فهمها أمر عسير ، فهناك عدد هائل من التساؤلات التي يصح الإجابة عليها برأيين متعارضين ، وتصريحات يصعب حصرها تحتمل كلا الوجهين ، بل إنه داخل اتجاه واحد يمكن أن نحصر عددا كبيرا من التصريحات والمواقف المتضاربة ، بدءا بحكومة علاوي وانتهاء بحزب السيستاني ، ولا شك في أن تواجد الشيعة كعضو رئيس في التركيبة السياسية العراقية تسبب إلى حد كبير في هذه التناقضات نظرا إلى طبيعتهم وثقافتهم ..
وفي محاولة لاختراق هذه التعقيدات نلخص الحالة السياسية العراقية فيما يتعلق بالانتخابات في ثلاثة أسئلة نحاول الإجابة عنها ، وهي : من يؤيد ومن يعارض الانتخابات ؟ - لماذا يريد الأمريكيون والإيرانيون إجراء الانتخابات ؟ - ما هي أسباب اللهفة الشيعية لإجراء الانتخابات في موعدها ؟ ..
أولا : من يؤيد ومن يعارض ؟
بدءا بالقوى الخارجية فإن الإدارة الأمريكية تتمسك بموقفها المعلن من إقامة الانتخابات في موعدها ، وكذلك فإن نظام الملالي يبذل جهودا كبيرة منذ أشهر طويلة إعدادا لهذا الحدث التاريخي ، ولذلك لا يريد بحال أن يتم تأجيلها ، وقد أبدى المرشد الإيراني علي خامنئي امتعاضه الشديد من تفجيرات النجف الأخيرة معتبرا أنها محاولة لتعطيل الانتخابات وصرح بقوله أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية هي التي تقف وراء التفجيرات ، وقال : " إما أنها ارتكبت مباشرة هذه الاعتداءات وإما أنها استخدمت بعض الأشخاص المتطرفين لكنها هي التي دبرتها " وأضاف : " بعد سنوات عدة يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع للتعبير عن خيارهم رغم إرادة المتعسفين لكن قوات الاحتلال لا تريد ذلك ، إنها ترغب في انتخابات وهمية وتعمل على انتخاب أعوانها ، أولئك الذين يأتمرون بأمر الأمريكيين والبريطانيين ويسيرون العراق حاليا " .
أما الأنظمة العربية فيحتفظ أغلبها بموقفين : المُعلَن يُبدي ترحيبا كبيرا بأي استقرار سياسي في العراق ، وهذا يعني التأييد الكامل لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، ولكن يقول بعض المراقبين أن هناك موقفا آخر غير معلن يأمل في عجز القوات الأمريكية عن الخروج من المستنقع العراقي لأن هذا يعني تفرغ إدارة بوش لتنفيذ رؤيتها الخاصة بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير وهذا أمر غير سار بالتأكيد ، كما أن انفتاح الساحة العراقية أمام العناصر الجهادية نقل كثيرا من نشاطها بعيدا عن الداخل العربي ، وحقق قدرا من الاستقرار ..
أما داخليا ، فالرأي العام السني يرفض تلك الانتخابات من الأساس لأنه يعتبرها محاولة لشرعنة الإقصاء وتحويل العرب السنة إلى أقلية منبوذة سياسيا ، ولكن هناك قوى سياسية ترغب في المشاركة إما لاعتبار تعاونها مع الاحتلال ، أو رغبة في الاستئثار بالكعكة السنية في ظل غيبة قوى سياسية مؤثرة ، ويأتي في مقدمة المؤيدين بالطبع حزب "عراقيون " الذي شكَّله الرئيس المعين من قبل الاحتلال غازي الياور ، وحزب " تجمع الديمقراطيين المستقلين " الذي يرأسه عدنان الباجه جي ، وهؤلاء لا يمانعون في إجراء الانتخابات في موعدها وإن كان غازي الياور صرح في أكثر من مناسبة بأن موعد الانتخابات ليس موعدا مقدسا ولا توجد مشكلة في تأجيله إذا اقتضت المصلحة ذلك ، والحزب الثالث هو الحزب الإسلامي الذي يتزعمه محسن عبد الحميد ، وكان قد قرر في البداية عدم المشاركة ثم تراجع وأعلن أنه يؤيد تأجيل الانتخابات ، ثم بدأ في تقديم أوراقه للترشح أخيرا ..
وبالنسبة للشيعة فغالبية الرأي العام مع إقامتها ، ولكن هناك قوى سياسية أغلبها ينتمي إلى توجهات علمانية تُبدي تحفظات كونها لا ترحب بهيمنة السيستاني وتتهمه بالتبعية لإيران ، وأما تيار الصدر فقد برع في إبداء مختلف المواقف من الانتخابات ، فبعد اتفاق الصلح مع الأمريكيين أعلن لجوءه للوسائل السلمية ، ثم أعلن أنه سيشارك في الانتخابات ، ثم تراجع عن ذلك وصرح مسئولون ينتمون إلى التيار أنهم لا يضمنون نزاهة الانتخابات ولذلك لن يشاركوا ، ولكن صرح مسئولون آخرون أنه لا مانع من أن يشارك مؤيدو التيار في هذه الانتخابات بصفتهم الفردية ..
ثانيا : لماذا يريد الأمريكيون إقامة الانتخابات في موعدها ؟
يُعرف الرئيس الأمريكي جورج بوش بإصراره وتمسكه برأيه حتى النهاية خاصة فيما يتعلق بسياسته الخارجية ، ويتفق معه في هذه الصفة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ، ولذلك تبدو الإدارة الأمريكية متوافقة على إجراء الانتخابات على مستوى متخذي القرار ، وهناك تفسيرات لهذا الإصرار أهمها :(/1)
أولها: أنهم باتوا مقتنعين بفصل الإنجاز العسكري عن الإنجاز السياسي باعتبار أن الربط بينهما يسبب الإخفاق في كليهما حسب التجارب السابقة ، ولذلك ينبغي أن تتم خطوات بناء نظام عراقي سياسي في مواعيدها بلا تخلف ، بينما تواصل القوات الأمريكية معاركها لإنهاء المقاومة دونما ضغوط سياسية عليها .
وثانيا: أن هناك تزامن لا تريد الإدارة الأمريكية أن تفقده ، وذلك بين إقامة الانتخابات الفلسطينية والعراقية في بداية الولاية الثانية لبوش ، وهو تزامن يريد الرئيس الأمريكي أن يقدمه للشعب الأمريكي على أنه إنجاز سياسي غير مسبوق ، ولذلك تحاول القوات الأمريكية في الفلوجة حاليا أن تنظم عملية انسحاب مشرفة باعتبار أنها قد أنهت مهمتها بنجاح ، وأن اللاجئين يمكن أن يعودوا إلى ديارهم دون مشاكل في خلال أيام قليلة .
ولكن يختلف الحال على مستوى المستشارين والخبراء والمحللين الذين يرى قسم كبير منهم أن إجراء الانتخابات مع وضعية أمنية غير مستقرة خاصة في المناطق السنية يعني أن الأمور ستعاود الانفجار بسرعة ولن تصبح للانتخابات قيمة عندها ، خاصة وأن الشعور السني بالظلم سيعظم من أسباب الانفجار المتوقع ، كما أن خبراء أمريكيين يُعربون عن خوفهم من أن التغلغل الإيراني داخل شيعة العراق ورغبة الإيرانيين في إجراء الانتخابات في موعدها يعني أنها ستكون مرحلة جديدة للنفوذ الإيراني في العراق وهو ما يمكن أن يسبب مشكلات كبيرة للاحتلال الأمريكي في المستقبل .
وهناك وجهة نظر أخرى تقول أن التأييد الأمريكي للانتخابات جاء على سبيل الرضوخ للضغط الشيعي خاصة وأنه قد تم تأجيلها من قبل ، وبذلك فإن الإدارة الأمريكية وافقت على إجراء الانتخابات ولكنها تأمل في أن يفوز مؤيدوها بنسبة كبيرة في مقابل قائمة السيستاني التي تضم أغلب القوى الشيعية المؤثرة ..
ثالثا : لماذا يتمسك الشيعة بموعد الانتخابات ؟
تبدو اللهفة الشيعية واضحة تجاه الانتخابات ، ويعتبر المرجع آية الله السيستاني المؤيد والداعم الأكبر لها ، ويمكن فهم هذه اللهفة الشيعية من خلال النقاط التالية :
{ ... الشيعة المؤيدون للانتخابات يهدفون إلى تقوية البناء السياسي للدولة العراقية الجديدة من أجل إعادة تفكيكه من جديد بعد أن يكونوا قد سيطروا عليه بحكم الأغلبية المصطنعة ، فهم يعلمون أن تنفيذ طموحاتهم وأطماعهم لن يمكن من خلال وضعية الفوضى والعشوائية السياسية السائدة حاليا .
{ ... يعتبر الشيعة أن مزايا الاحتلال الأمريكي يمكن تلخيصها في تحقيق هدفين ، أولهما تخليصهم من حكم صدام البعثي ، وقد تحقق ذلك ، والثاني ، هو إقامة نظام سياسي جديد يحقق لهم أطماعهم حسب النسب المفبركة لأغلبيتهم وهذا لم يتحقق بعد ، وإقامة الانتخابات في موعدها خطوة رئيسة في سبيل تحقيقه .
{ ... إن إقامة الانتخابات في ظل الوضعية المشوشة الحالية وفي ظل غيبة غالبية القوى السنية يعني أن الشيعة سيكون المجال مفتوحا أمامهم لتحقيق نصر سياسي كبير ، بينما الانتظار والتأجيل ربما يترتب عليه إعادة ترتيب للأوراق والأوضاع فيحدث ما لا تحمد عقباه بالنسبة لمخططاتهم .
{ ... لا يرغب الشيعة حقيقة في حدوث حرب أهلية مع السنة ، فهم يعلمون خطورتها على مصالحهم ، ولذلك يخشون من أن تؤدي المقاومة إلى حدوث تغيرات في الموقف الأمريكي من احتلال العراق ، وربما يصل الأمر إلى الانسحاب ، وهذا لن يؤدي إلا إلى أحد احتمالين : إما التخلي عن أطماعهم أو الدخول في حرب أهلية .
هذه باختصار أهم الأسئلة والأجوبة التي يمكن أن تقدم رؤية واضحة قدر الإمكان لإشكالية الانتخابات العراقية ، ويبقى هناك سؤال آخر لا أعتقد أنه بمقدور أحد الإجابة عليه حتى الإدارة الأمريكية نفسها ، وهو : هل ستُعقد الانتخابات حقا في موعدها 30 يناير 2005 م ؟ .(/2)
ثلاثة أسباب لصيام شهر شعبان
أهلنا شهر شعبان و ما ادراك ما شعبان في حديث المسند و سنده صحيح تقول السيدة عائشة رضي الله عتها و عن أبيها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه و سلم أقواما يعظمون رجب فقال (أين هم من شعبان) و روت السيده عائشة و الحديث في الصحيحين متفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصوم في شهر أكثر منه في شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان الا قليلا و في المسند و عند أهل السن من حديث أسامة بن زيد أنه قال قلت يا رسول الله مالي أراك تصوم في شعبان مالا تصوم في غيره فقال صلى الله عليه وآله وسلم (إن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله و أنا أحب أن يرفع عملي و أنا صائم) و من حديث طلحه قال قلت يا رسول الله مالك تصوم أكثر شعبان فقال (هذا شهر بين رجب و رمضان يغفل عنه أكثر الناس وأنا أحب أن أحييه بالصيام ) ومن حديث أبي موسى و كلها في المسند والأحاديث صحيحة أو حسنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومه شعبان فقال (هذا شهر يحبه الله ) وهذا الاسناد فيه ضعف
فاجتمع لنا في سبب إحياء شعبان بالصيام ثلاثة أسباب /
السبب الأول أنه شهر ترفع فيه الأعمال الى الله و رفع الأعمال يحصل أربع مرات فهناك مرتين كل يوم في صلاة الفجر وصلاة العصر يتعاقب الملائكة مرتين في اليوم والليله , قال صلى الله عليه وسلم (يتعاقب فيكم ملائكة في الليل والنهار) و قال تعالى (يحفظونه من امر الله) ملائكة كلفها الله أن تحفظ بني آدم و لولا حفظ الله لتخطفتهم الشياطين ملائكة يتعاقبون أي ملائكة في صلاة الفجر يستلمون وردية النهار (من الفجر الى العصر) فيهم الملكان الموكلان بكتب الاعمال فإذا جاء وقت العصر نزلت ملائكة أخر يتسلمون وردية الليل من العصر الى الفجر و يصعد الذين حرسوا بالنهار ومعهم الكتاب ما كتبوه من أعمال في صحف فتحفظ كما قال العلماء في السماء الاولى ثم رفع أسبوعي كل يوم خميس لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سر صيامه الاثنين والخميس فقال (أما يوم الاثنين فذاك يوم ولدت فيه و بعثت فيه وانا أحب ان أصومه واما يوم الخميس فذلك يوم ترفع الأعمال فيه الى الله وانا احب ان يرفع عملي وانا صائم ) فترفع الاعمال كل خميس من السماء الاولى الى السماء السابعه لتجمع ثم رفع سنوي كل شعبان فما تجمع في السنه يحفظ في اللوح المحفوظ فاذا مات ابن ادم جمع العمل كله فختم عليه فاذا قامت القيامة تطايرت الصحف ثم بلغك كتابك بيمينك أو شمالك (اللهم بلغنا كتبنا بأيماننا)
و تأمل في قوله صلى الله عليه وسلم في صيام الاثنين و صيام غالب شعبان (أني أحب أن يرفع عملي وأنا صائم) فما السر في بين رفع العمل والصيام قالوا لان الصائم متلبس بطاعة (اللهم ذكرنا بك فلا ننساك) فالإنسان في الصلاة إذا كبر تكبيرة الاحرام حرم عليه الاكل والشرب والكلام الخارج عن الصلاة حتى يسلم و التسليم هو التحليل فإذا سلم حل له كل شيء فكذلك الصائم إذا نوى الصوم حرم عليه الأكل والشرب والجماع فاذا أذن المغرب حل له كل شيء كذلك الحاج إذا دخل في النسك حرم عليه لبس المخيط وقص الشعر والاضافر التطيب والجماع الى اخره فاذا تحلل حل له كل شيء فهذه حالات يكون حال العبد فيها أنه مقبل على الله بكليته لذلك فالأمة في هذا الزمان تصوم صوم لا قيمة له لأنهم يظنون ان المقصود بالصيام تجويع الجسد بالامتناع عن الأكل والشرب والجماع وانتهى الأمر لا وربي فالصيام المطلوب هو الذي يحقق التقوى أن تعيش العباده أن تعيش من الفجر الى المغرب وأنت بين يدي الله عابد فان لم تكن عابدا فأنت لاه والله لا يقبل العبادة من ساه لاهي (اللهم أحي قلوبنا) المقصود أنه إذا كان الصائم عابدا حضر قلبه واقشعر جسمه و خشعت نفسه واقبل بكليته على الله و خصوصا قبل والمغرب و بعد العصر فانه يزداد إخباته و يزداد خشوعه فانه اذا رفع العمل في هذا الوقت و هو صائم خاشع خاضع ذليل مقبل على ربه منكسر فهذا حري أن يقبل عمله والعمل يرفع في شعبان فإياك ان تترك صيام شعبان (اللهم اعنا على صيام شعبان)
السر الثاني من أسرار الصيام في شعبان لما سئل عنه رسول الله قال (هذا شهر بين رجب و رمضان يغفل عنه كثير من الناس فأحب أن أحييه بالصيام فيه دليل على استحباب احياء الاوقات المغفول عنها بالطاعه(/1)
حين تجد الناس في غفله في مكان ليس فيه لله ذاكر فهو مكان يكرهه الله والأسواق هي مكان الغفله قال صلى الله عليه وسلم (أحب بقاع الأرض الى الله المساجد و ابغض بقاع الأرض الى الله الأسواق) لانها أمكان غفله لذلك جعل للذاكر في السوق ثوابا ليس للذاكر في أي مكان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا دخل أحدكم السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنه) و هو حديث حسن صححه الالباني و قد ضعفه آخرون , شيك بمليون حسنه قابل للصرف الفوري لانه من الملك الذي لا حرج على فضله و يرزق من يشاء بغير حساب هكذا الذاكر في غفلة الناس له أجر عظيم اللهم ذكرنا بك فلا ننساك قال الحبيب محمد صلى الله عليه و على آله وسلم ( عبادة في الهرج كهجرة الي) قيل ما الهرج قال القتل القتل ففي شعبان يشتغل الناس بالاستعداد لرمضان فهم في غفله لتجهيز المأكولات والمشروبات فهذه المشاغل في وسطها يستعد المؤمن لاستقبال رمضان أن يصوم شعبان كان وهيف بن الورد إذا دخل شعبان أقفل دكانه و أقبل على مصحفه فتلى القرآن و كذلك ثبت هذا عن قيس الملائي كان إذا دخل شعبان ترك تجارته وأقبل على عبادة الله فمن هنا أصبح ضرورة الاستعداد بدورة مكثفة قصيرة لصيام رمضان في شعبان
السبب الثالث / هو أن صيام شعبان و ست من شوال كهيئة السنن القبليه والبعديه للصلاة فأحب الأعمال إلى الله هي الفرائض وأحب الأعمال الى الله بعد الفرائض ما كان يحف بها قريبا منها و لذا سن الرسول صلى الله عليه و سلم السنن الرواتب إثنا عشرة ركعة في اليوم والليله فأفضل الطاعات ما كان يحف بالفرض فكان صيام شعبان بمثابة السنه القبليه و هذه السنن تجبر النقص إلي يحصل في رمضان قال صلى الله عليه وسلم من حديث طلحه ( لا يقولن أحدكم صمت رمضان كله و لا قمت رمضان كله قال راوي الحديث فلا أدري اكره رسول الله التزكيه أم لا بد للعبد من نقص . فالمقصود أن صيام شعبان لرمضان بمثابة السنه القبليه يعالج ما فيه من خلل و يسد ما فيه من نقص قاله الشيخ / محمد حسين يعقوب(/2)
ثلاثة وثلاثون سببا للخشوع في الصلاة
يعالج الدرس قضية يشتكي منها الكثيرون وهي كثرة الوساوس، وضعف الخشوع في الصلاة ويتناول حكم وفوائد الخشوع في الصلاة، والأسباب التي تعين على ذلك .
الحمد لله رب العالمين ، الذي قال في كتابه المبين وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ [238] ] سورة البقرة . وقال عن الصلاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [ 45 ]] سورة البقرة ، والصلاة والسلام على إمام المتقين ، وسيد الخاشعين، محمد رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين ، وبعد ،،،
فإن الصلاة أعظم أركان الدين العملية ، والخشوع فيها من المطالب الشرعية ، ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم ، وقال : ] ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ [ 17 ] [ سورة الأعراف ، صار من أعظم كيده :
صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل ، والوسوسة لهم فيها ؛لحرمانهم لذة هذه العبادة ، وإضاعة أجرهم ، وثوابهم . ولما كان الخشوع أول مايرفع من الأرض ، ونحن في آخر الزمان ، انطبق فينا قول حذيفة رضي الله عنه : [ أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ماتفقدون من دينكم الصلاة، ورُبّ مصلٍّ لاخير فيه ، ويوشك أن تدخل المسجد،فلا ترى فيهم خاشعا ] المدارج 1/521 .
ومما يلمسه المرء من نفسه ، ويسمعه من كثرة المشتكين من حوله بشأن قضية الوساوس في الصلاة ، وفقدان الخشوع ؛ تتبين الحاجة إلى الحديث عن هذا الموضوع ، وفيما يلي تذكرة لنفسي، ولإخواني المسلمين، أسأل الله أن ينفع بها : قال الله تعالى : } قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [ 1 ] الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِم ْخَاشِعُونَ [ 2 ] { سورة المؤمنون ، أي : خائفون ساكنون ' والخشوع هو السكون ، والطمأنينة ، والتؤدة ، والوقار ، والتواضع . والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته ' تفسير ابن كثير ط. دار الشعب 6/414 . 'والخشوع هو : قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع ، والذل ' . المدارج 1/520 .
ويروى عن مجاهد أنه قال : ' } وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [238] { سورة البقرة ، فمن القنوت : الركود ، و الخشوع ، و غض البصر ، و خفض الجناح من رهبة الله عز وجل ' تعظيم قدر الصلاة 1/188. ومحل الخشوع في القلب، وثمرته على الجوارح ، والأعضاء تابعة للقلب ، فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس ؛ فسدت عبودية الأعضاء ، والجوارح ؛ فإن القلب كالملك ، والأعضاء كالجنود له ، فبه يأتمرون ، وعن أمره يصدرون ، فإذا عُزل الملك بفقد القلب لعبوديته؛ ضاعت الرعية،وهي الجوارح .
وأما التظاهر بالخشوع فممقوت ، لأن من علامات الإخلاص : إخفاء الخشوع ، وكان حذيفة رضي الله عنه يقول :'إياكم ، وخشوع النفاق ؛ فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعا ، والقلب ليس بخاشع ' وقال الفضيل بن عياض :' كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه' ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين ، والبدن ؛ فقال : يافلان ، الخشوع هاهنا ، وأشار إلى صدره ، لا هاهنا وأشار إلى منكبيه . المدارج 1/521 .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ـ مبيّناً الفرق بين خشوع الإيمان ، وخشوع النفاق ـ : ' خشوع الإيمان هو : خشوع القلب لله بالتعظيم ، و الإجلال ، و الوقار ، و المهابة ، و الحياء ؛ فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل ، و الخجل ، و الحب ، و الحياء ، و شهود نعم الله ، وجناياته هو ؛ فيخشع القلب لا محالة ، فيتبعه خشوع الجوارح .
و أما خشوع النفاق ، فيبدو على الجوارح تصنعا ، وتكلفا ، والقلب غير خاشع ، و كان بعض الصحابة يقول :' أعوذ بالله من خشوع النفاق ، قيل له : و ما خشوع النفاق ؟ قال : أن يرى الجسد خاشعا ، والقلب غير خاشع ' فالخاشع لله ؛ عبد قد خمدت نيران شهوته ، و سكن دخانها عن صدره ؛ فانجلى الصدر ، و أشرق فيه نور العظمة ؛ فماتت شهوات النفس للخوف ، و الوقار الذي حشي به ، و خمدت الجوارح ، و توقر القلب ، و اطمأن إلى الله ، و ذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه ، فصار مخبتا له .
و المخبت : المطمئن ؛ فإن الخبت من الأرض : ما اطمأن ، فاستنقع فيه الماء ، فكذلك القلب المخبت قد خشع ، واطمأن كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء ، فيستقر فيها ، و علامته أن يسجد بين يدي ربه إجلالا له ، و ذلا ، و انكسارا بين يديه سجدة لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه ... فهذا خشوع الإيمان .
و أما التماوت ، و خشوع النفاق ، فهو : حال عند تكلف إسكان الجوارح تصنعا ، و مراءاة . و نفسه في الباطن شابة ، طرية ذات شهوات ، و إرادات ، فهو يتخشع في الظاهر ، و حية الوادي، و أسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة ' كتاب الروح ص:314 ط. دار الفكر - الأردن .(/1)
' والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحيئذ تكون راحة له ، وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ... وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ] ' تفسير ابن كثير 5/456 والحديث : رواه النسائي ، و أحمد 3/128 وهو في صحيح الجامع 3124 .
وقد ذكر الله الخاشعين، والخاشعات في صفات عباده الأخيار، وأخبر أنه أعد لهم مغفرة ، وأجرا عظيما ، فقال عز وجل : ]إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِين َوَالصَّادِقَات ِوَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِين َ وَالْخَاشِعَات وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [ 35 ] [ سورة الأحزاب 35 .
ومن فوائد الخشوع : أنه يخفف أمر الصلاة على العبد قال تعالى : ] وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [ 45 ] [ سورة البقرة ، ' والمعنى : أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين :' تفسير ابن كثير 1/ 125 .
والخشوع أمر عظيم شأنه ، سريع فقده ، نادر وجوده خصوصا في زماننا ، وهو من آخر الزمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعا ] قال الهيثمي في المجمع 2/136 : ' رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن ' وهو في صحيح الترغيب رقم 543 وقال : صحيح .
' قال بعض السلف : الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك ، فما الظن بمن يُهدي إليه جارية شلاّء ، أو عوراء ، أو عمياء ، أو مقطوعة اليد والرّجل، أو مريضة، أو دميمة، أو قبيحة، حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح ... فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى ؟! والله طيب لا يقبل إلا طيبا، وليس من العمل الطيب : صلاة لا روح فيها . كما أنّه ليس من العتق الطيب عتق عبد لا روح فيه ' المدارج 1/526 .
حكم الخشوع
والراجح في حكم الخشوع أنه : واجب ، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : قال الله تعالى : ]وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [ 45 ] [ سورة البقرة . وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين ... والذم لا يكون إلا لترك واجب ، أو فعل محرّم .
وإذا كان غير الخاشعين مذمومين : دلّ ذلك على وجوب الخشوع ... ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا ، قوله تعالى : ] قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [ 1 ] الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [ 2 ] [- إلى قوله- : ] أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [10 ] الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ 11 ] [ سورة المؤمنون ، أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء : هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه : لا يرثها غيرهم ... وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا ، وهو المتضمن للسكون ، والخشوع [هكذا في الأصل ولعلها الخضوع ] فمن نقر نقر الغراب ؛ لم يخشع في سجوده ، وكذلك : من لم يرفع رأسه في الركوع، ويستقر قبل أن ينخفض ؛ لم يسكن ؛ لأن السكون هو : الطمأنينة بعينها .
فمن لم يطمئن ؛ لم يسكن . ومن لم يسكن ؛ لم يخشع في ركوعه ، ولا في سجوده ، ومن لم يخشع كان آثما عاصيا ... ويدل على وجوب الخشوع في الصلاة : أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى السماء ، فإنه حركته ورفعه ، وهو ضد حال الخاشع ... ' مجموع الفتاوى 22/553-558 .
فضل الخشوع ووعيد من تركه :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ] رواه أبو داود , وهو في صحيح الجامع 3242 .
وقال عليه الصلاة والسلام _ في فضل الخشوع أيضا _ : [ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ _ وفي رواية : لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ _ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ _وفي رواية : إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ] رواه البخاري ، و مسلم، والنسائي .
وعند البحث في أسباب الخشوع في الصلاة يتبين أنها تنقسم إلى قسمين :
الأول : جلب ما يوجد الخشوع ويقويهوالثاني : دفع ما يزيل الخشوع ويضعفه .(/2)
وهو ما عبّر عنه شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله _ في بيانه لما يعين على الخشوع _ فقال : ' و الذي يعين على ذلك شيئان : قوة المقتضى و ضعف الشاغل .
أما الأول : قوة المقتضى : فاجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله و ما يفعله ، و يتدبر القراءة ، و الذكر ، و الدعاء ، و يستحضر أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه . فإن المصلي إذا كان قائما ، فإنما يناجي ربه ، و الإحسان : [ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ] ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة ؛ كان انجذابه إليها أوكد ، و هذا يكون بحسب قوة الإيمان .
و الأسباب المقوية للإيمان كثيرة ، و لهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ] رواه النسائي ، و أحمد .
و في حديث آخر قال أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ ] رواه أبو داود ، و أحمد ، و لم يقل : أرحنا منها .
أما الثاني : زوال العارض :
فهو الاجتهاد في دفع ما يشغل القلب : من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه ، و تدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة ، و هذا في كل عبد بحسبه ؛ فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات ، و الشهوات ، و تعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها ، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها ' مجموع الفتاوى 22/606-607 .
وبناء على هذا التقسيم نستعرض فيما يلي طائفة من أسباب الخشوع في الصلاة :
أولا : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه: وهذا يكون بأمور منها :
[ 1 ] الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها : ويحصل ذلك بأمور منها : الترديد مع المؤذن ، والإتيان بالدعاء المشروع بعده اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ] ... والدعاء بين الأذان والإقامة ، وإحسان الوضوء ، والتسمية قبله ، والذكر والدعاء بعده : [ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ] . [ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ ].
والاعتناء بالسواك ، وهو تنظيف ، وتطييب للفم الذي سيكون طريقا للقرآن بعد قليل ؛لحديث طَهِّروُا أَفْوَاهَكُمْ للْقُرْآن ] رواه البزار وقال : لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد كشف الأستار 1/242 وقال الهيثمي : رجاله ثقات 2/99 وقال الألباني إسناده جيد : الصحيحة 1213 .
وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف ، قال الله تعالى : ] يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ 31 ] [ سورة الأعراف، والله عز وجل أحقّ من تُزيِّن له ، كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية ، بخلاف ثوب النوم والمهنة .
وكذلك الاستعداد بستر العورة ، وطهارة البقعة ، والتبكير ، وانتظار الصلاة ، وكذلك تسوية الصفوف ، والتراص فيها ؛ لأن الشياطين تتخلل الفُرَج بين الصفوف .
[ 2] الطمأنينة في الصلاة : [ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْمَئِنَّ حَتّىَ يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلى مَوضِعِهِ ] صحح إسناده في صفة الصلاة ص: 134 ط.11 وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح 2/308 وأمر بذلك المسيء صلاته وقال له : [ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ ] رواه أبو داود . و عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ ] ، قالوا : يا رسول الله :وكيف يسرق من صلاته ؟! قال : [ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا ] رواه أحمد ، والحاكم 1/ 229 وهو في صحيح الجامع 997 .
وعن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي لا يتمّ ركوعه ، وينقر في سجوده ، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين ، لا يغنيان عنه شيئا ] رواه الطبراني في الكبير 4/115 وقال في صحيح الجامع : حسن. والذي لا يطمئن في صلاته ، لا يمكن أن يخشع ، لأن السرعة تذهب بالخشوع ، ونقر الغراب يذهب بالثواب .
[ 3 ] تذكر الموت في الصلاة: لقوله صلى الله عليه وسلم اذكر الموت في صلاتك ، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته ، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها ] السلسلة الصحيحة للألباني 1421، ونقل عن السيوطي تحسين الحافظ ابن حجر رحمه الله لهذا الحديث .(/3)
وفي هذا المعنى أيضا : وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه لما قال له إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ ]رواه أحمد , وهو في صحيح الجامع رقم 742 . يعني : صلاة من يظن أنه لن يصلي غيرها ، وإذا كان المصلي سيموت ولابد ، فإن هناك صلاة مّا هي آخر صلاة له ، فليخشع في الصلاة التي هو فيها ، فإنه لا يدري : لعلها تكون هذه هي .
[ 4 ] تدبر الآيات المقروءة ، وبقية أذكار الصلاة ، والتفاعل معها : القرآن نزل للتدبر
] كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ 29 ] [سورة ص ، ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ ، فيستطيع التفكّر ؛ فينتج الدمع ، والتأثر ، قال الله تعالى : ] وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا [ 79 ] [ سورة الفرقان . وهنا يتبين أهمية الاعتناء بالتفسير ، قال ابن جرير رحمه الله : ' إني لأعجب ممن قرأ القرآن ، ولم يعلم تأويله _ أي : تفسيره _ كيف يلتذ بقراءته ' مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر 1/10 .ومما يُعين على التدّبر كثيرا : ترديد الآيات ؛ لأنه يعين على التفكّر ، ومعاودة النظر في المعنى . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقد جاء : أنه صلى الله عليه وسلم : [صَلَّى لَيْلَةً فَقَرَأَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا ، وهي : ] إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ 118 ] [ سورة المائدة ] رواه ابن خزيمة , وأحمد , وهو في صفة الصلاة ص: 102 .
وكذلك : فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات ، كما روى حذيفة قال : [صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ... يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ] رواه مسلم ، وفي رواية : [صليت مع رسول الله ليلة ، فكان إذا مر بآية رحمة سأل ، و إذا مر بآية عذاب تعوذ ، و إذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح ] تعظيم قدر الصلاة 1/327 وقد جاء هذا في قيام الليل . وقام أحد الصحابة ـ وهو قتادة بن النعمان رضي الله عنه ـ الليل لايقرأ إلا : ] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ 1 ] [ يرددها لا يزيد عليها .رواه البخاري ، وأحمد 3/43 .
وقال سعيد بن عبيد الطائي : ' سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الآية :] فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ [ 71 ] فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [ 72 ] [ سورة يس ' . وقال القاسم : ' رأيت سعيد بن جبير قام ليلة يصلي ، فقرأ :] وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [ 281 ] [ سورة البقرة ، فرددها بضعا وعشرين مرة '. وقال رجل من قيس يُكنى : أبا عبد الله : ' بتنا ذات ليلة عند الحسن ، فقام من الليل ، فصلى ، فلم يزل يردد هذه الآية حتى السّحر : ] وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا [ 18 ] [ سورة إبراهيم ، فلما أصبح قلنا : يا أبا سعيد : لم تكد تجاوز هذه الآية سائر الليل ، قال : أرى فيها معتبرا ، ما أرفع طرفا ولا أردّه إلا وقد وقع على نعمة وما لا يُعلم من نعم الله أكثر ' التذكار في أفضل الأذكار للقرطبي ص: 125 .
وكان هارون بن رباب الأسيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الآية حتى يُصبح : ]فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ 27 ] [ سورة الأنعام. ويبكي حتى يُصبح. ومما يعين على التدبر أيضا : حفظ القرآن ، والأذكار المتنوعة في الأركان المختلفة ، ليتلوها ويذكرها ؛ ليتفكّر فيها . ولا شك أن هذا العمل ـ من التدبر والتفكر والترديد والتفاعل ـ من أعظم ما يزيد الخشوع كما قال الله تعالى : ] وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [ 109 ] [ سورة الفرقان .(/4)
وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره ، وخشوعه صلى الله عليه وسلم ، مع بيان وجوب التفكر في الآيات :فعن عطاء قال :' دخلت أنا ، وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها ، فقال ابن عمير : حدّثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال: [ يا عائشة : ذريني أتعبّد لربي ] قلت : والله إني لأحبّ قربك ، وأحب ما يسرّك ، فقام ، فتطهر ، ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره ، ثم بكى ، فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال : [ أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت عليّ الليلة آيات ويل لمن قرأها ، ولم يتفكّر ما فيها : ] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [ 190 ] [ سورة آل عمران ' رواه ابن حبّان , وقال في السلسلة الصحيحة رقم 68 : وهذا إسناد جيد .
ومن التجاوب مع الآيات : التأمين بعد الفاتحة ، وفيه أجر عظيم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ] رواه البخاري رقم 747 . وهكذا التجاوب مع الإمام في قوله : سمع الله لمن حمده ، فيقول المأموم : ربنا ، ولك الحمد ، وفيه أجر عظيم ، فعن رفاعة بن رافع الزرقي قال : كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال : [ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ] ، قال رجل وراءه : ربنا ، ولك الحمد حمدا كثيرا ، طيبا ، مباركا فيه ، فلما انصرف قال : [ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ ؟ ]، قال : أنا ، قال : [ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ ] رواه البخاري الفتح .
[ 5 ] أن يقطّع قراءته آيةً آية : وذلك أدعى للفهم ، والتدبر ، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله عليه وسلم : [ } بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً _ [ و في رواية _ : [ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ يَقُولُ : } الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ ثُمَّ يَقِفُ } الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [ ثُمَّ يَقِفُ ] رواه أبو داود، و الترمذي , وصححه الألباني في الإرواء وذكر طرقه 2/60 . والوقوف عند رؤوس الآي سنّة ، وإن تعلّقت في المعنى بما بعدها .
[ 6 ] ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها : كما قال الله عز وجل : } وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [ 4 ] [ سورة المزمل ، وكانت قراءته صلى الله عليه وسلم : [ مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا ] رواه أحمد بسند صحيح صفة الصلاة : ص: 105 . [ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا ] رواه مسلم رقم 733 . وهذا الترتيل ، والترسل أدعى للتفكر والخشوع بخلاف الإسراع والعجلة .
ومما يعين على الخشوع أيضا : تحسين الصوت بالتلاوة ، وفي ذلك وصايا نبوية منها :قوله صلى الله عليه و سلم : [ زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ] أخرجه الحاكم 1/575 و هو في صحيح الجامع رقم 3581 .
وليس المقصود بتحسين الصوت : التمطيط ، والقراءة على ألحان أهل الفسق ، وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ ] رواه إبن ماجه , و هو في صحيح الجامع رقم 2202 .(/5)
[ 7 ] أن يعلم أن الله يُجيبه في صلاته : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ] رواه مسلم رقم 395 . وهذا حديث عظيم جليل ، لو استحضره كل مصلٍّ ؛لحصل له خشوع بالغ ، ولوجد للفاتحة أثرا عظيما ، كيف لا ؟! وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ، ثم يعطيه سؤله .
وينبغي إجلال هذه المخاطبة ، وقدرها حقّ قدرها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه ] مستدرك الحاكم 1/236 و هو في صحيح الجامع رقم 1538
[ 8 ] الصلاة إلى سترة ، و الدنو منها :من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة : الاهتمام بالسترة ، والصلاة إليها ؛ فإن ذلك أقصر لنظر المصلي ، وأحفظ له من الشيطان ، وأبعد له عن مرور الناس بين يديه ، فإنه يشوّش ، ويُنقص أجر المصلي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا ] رواه ابن ماجه ، و هو في صحيح الجامع رقم 651 . وللدنو من السترة فائدة عظيمة ، قال عليه الصلاة والسلام : [ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَه ُ ] رواه أبو داود ، وهو في صحيح الجامع رقم 650 .والسنّة في الدنوّ من السترة أن يكون بينه،وبين السترة : ثلاثة أذرع ، وبينها ، وبين موضع سجوده : ممرّ شاة ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة .
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي : بأن لا يسمح لأحد أن يمرّ بينه وبين سترته ، فقال : [ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ] رواه البخاري ، و مسلم . قال النووي رحمه الله تعالى : ' والحكمة في السترة : كفّ البصر عما وراءه ، ومنع من يجتاز بقربه .. وتمنع الشيطان المرور ، والتعرض لإفساد صلاته ' شرح صحيح مسلم 4/216 .
[ 9 ] وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة : [ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ] رواه مسلم . و [ كان يضعهما على الصدر ] رواه أبوداود ، وانظر : إرواء الغليل 2/71 .
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنا معشر الأنبياء أمرنا .. أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ] رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 11485 قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ؛ المجمع 3/155 . وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن : المراد بوضع اليدين إحداهما على الأخرى حال القيام ، فقال :' هو ذلّ بين يدي العزيز' الخشوع في الصلاة لابن رجب ص:21 . و قال ابن حجر رحمه الله تعالى :' قال العلماء : الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع' فتح الباري 2/224.
[10] النظر إلى موضع السجود : لما ورد عن عائشة ، قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى طأطأ رأسه ، و رمى ببصره نحو الأرض ] رواه الحاكم ا/479 وقال صحيح على شرط الشيخين, و وافقه الألباني صفة الصلاة ص 89 . [ و لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج عنها ] رواه الحاكم في المستدرك 1 /479 وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، قال الألباني : وهو كما قالا ؛ إرواء الغليل 2/73
أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جلس للتشهد : [ يشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة , ويرمي ببصره إليها] رواه ابن خزيمة 1/355 رقم 719 وقال المحقق : إسناده صحيح وانظر صفة الصلاة ص: 139 . وفي رواية : [ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ ] رواه أحمد , وأبو داود.
مسألة : وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو : ما حكم إغماض العينين في الصلاة خصوصا ، وأن المرء قد يحس بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك ؟(/6)
والجواب : أن ذلك مخالف للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم _ كما تقدّم قبل قليل _ ثم إن الإغماض يفوّت سنة النظر إلى موضع السجود ، وإلى الأصبع . ولكن هناك شيء من التفصيل في المسألة ، فلنفسح المكان للعلامة أبي عبد الله ابن القيم يبين الأمر، ويجلّيه ، قال رحمه الله تعالى : ' ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلاة ، وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يُجاوز بصره إشارته .
وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلاة الكسوف ؛ ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار ، وصاحبة الهرة فيها ، وصاحب المحجن ، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه ، وردّه الغلام والجارية ، وحجزه بين الجاريتين ، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على من سلّم عليه ، وهو في الصلاة ، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ، وكذلك حديث تعرّض الشيطان له ؛ فأخذه ، فخنقه ، وكان ذلك رؤية عين . فهذه الأحاديث ، وغيرها : يُستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة .
وقد اختلف الفقهاء في كراهته ، فكرهه الإمام أحمد ، وغيره وقالوا : هو فعل اليهود ، وأباحه جماعة ولم يكرهوه ... والصواب أن يُقال : إن كان تفتيح العين لا يُخلّ بالخشوع ، فهو أفضل . وإن كان يحول بينه ، وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة ، والتزويق ، أو غيره مما يشوّش عليه قلبه ؛ فهنالك لا يُكره التغميض قطعا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ، والله أعلم ' زاد المعاد 1/293 ط. دار الرسالة . وبهذا يتبين أن السنة عدم الإغماض إلا إذا دعت الحاجة لتلافي أمر يضرّ بالخشوع .
[ 11 ] تحريك السبابة : وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضلا عن جهلهم بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ لَهِيَ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ الْحَدِيدِ ] رواه الإمام أحمد بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 159 . ' أي : أن الإشارة بالسبابة عند التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد ؛ لأنها تذكّر العبد بوحدانية الله تعالى ، والإخلاص في العبادة ، وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه ' الفتح الرباني للساعاتي 4/15 .
ومن أجل هذه الفائدة العظيمة : كان الصحابة رضوان الله عليهم يتواصون بذلك ، ويحرصون عليه ، ويتعاهدون أنفسهم في هذا الأمر الذي يقابله كثير من الناس في هذا الزمان بالاستخفاف والإهمال ، فقد جاء في الأثر ما يلي : [ كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يأخذ بعضهم على بعض . يعني : الإشارة بالأصبع في الدعاء ] رواه ابن أبي شيبة بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 141 وفي المطبوع من أبي شيبة [بأصبع ] انظر المصنف رقم 9732 ج10 ص: 381 ط. الدار السلفية- الهند . والسنة في الإشارة بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحرّكة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد .
[ 12 ] التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة :
وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني ، والانتقال بين المضامين المتعددة للآيات ، والأذكار ، وهذا ما يفتقده الذي لا يحفظ إلا عددا محدودا من السور _ وخصوصا قصارها _ والأذكار ، فالتنويع من السنّة وأكمل في الخشوع .
وإذا تأملنا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوه ويذكره في صلاته فإننا نجد هذا التنوع ، ففي أدعية الاستفتاح مثلا نجد نصوصا مثل : [ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ] رواه البخاري،ومسلم ،و أبو داود ، و النسائي، و ابن ماجه، و الدارمي ، و أحمد . [ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ] رواه مسلم ،و الترمذي، و النسائي، و الدارمي ، و أحمد . [سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ ] رواه مسلم . وغير ذلك من الأدعية ، والأذكار . و المصلي يأتي بهذا مرة ، وبهذا مرة ، وهكذا(/7)
وفي السور التي كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاة الفجر نجد عددا كثيرا مباركا مثل: طوال المفصّل : كالواقعة ، والطور ، و ق . وقصار المفصّل مثل : إذا الشمس كورت ، والزلزلة ، والمعوذتين ، و ورد أنه قرأ الروم ، و يس ، والصافات ، وكان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة والإنسان ... وفي صلاة الظهر : ورد أنه كان يقرأ في كلّ من الركعتين قدر ثلاثين آية ، وقرأ بالطارق ، والبروج ، والليل إذا يغشى .
وفي صلاة العصر : يقرأ في كل من الركعتين قدر خمس عشرة آية ، ويقرأ بالسور التي سبقت في صلاة الظهر ...وفي صلاة المغرب : يقرأ بقصار المفصّل ،كالتين والزيتون ، وقرأ بسورة محمد ، والطور ، والمرسلات ، وغيرها ... وفي العشاء : كان يقرأ من وسط المفصّل كالشمس وضحاها ، وإذا السماء انشقت ، وأمر معاذا أن يقرأ بالأعلى ، والقلم ، والليل إذا يغشى .
وفي قيام الليل : كان يقرأ بطوال السور ، و ورد في سنته صلى الله عليه وسلم قراءة مائتي آية ، ومائة آية ، وخمسين آية ، وكان أحيانا يقصر القراءة .
وأذكار ركوعه صلى الله عليه وسلم متنوعة ، فبالإضافة إلى : [ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ] و [سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ِ ] كان يقول : [ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ] ويقول : [ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبِّي خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] . وفي الرفع من الركوع يقول _ بعد : [سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ] _ : [ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ] وأحيانا : [ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ] وأحيانا : [ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ] وكان يضيف أحيانا : [ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ] ويضيف تارة : [ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ] .
وفي السجود _ بالإضافة إلى : [ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ] و [سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ِ ] _ يقول : [ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ] و [ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ] و [ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبِّي سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ] وغير ذلك .
وفي الجلسة بين السجدتين _ بالإضافة إلى : [ رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي ] _ يقول : [ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ] .
وفي التشهد عدد من الصيغ الواردة مثل : [التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الخ ] وكذلك ورد : [التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الخ ] وورد : [ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الخ ] فيأتي المصلي مرة بهذا ، ومرة بهذا .
وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم عدّة صيغ منها : [ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ] .
وورد أيضا : [ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ] .
وورد : [ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ] .(/8)
ووردت صيغ أخرى كذلك والسنة أن ينوّع بينها كما تقدّم ولا يمنع أن يواظب على بعضها أكثر من بعض لقوة ثبوتها أو اشتهارها في كتب الحديث الصحيحة أو لأن النبي صلى الله عيه وسلم علّمها أصحابه لمّا سألوه عن الكيفية بخلاف غيرها وهكذا . جميع ما تقدّم من النصوص والصيغ من كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث .
[ 13] أن يأتي بسجود التلاوة إذا مرّ بموضعه : من آداب التلاوة السجود عند المرور بالسجدة وقد وصف الله في كتابه الكريم النبيين والصالحين بأنهم :] َ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا [ 79 ] [ سورة الفرقان , قال ابن كثير رحمه الله تعالى : ' أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا ؛ اقتداء بهم ، واتباعا لمنوالهم ' تفسير القرآن العظيم 5/238 ط. دار الشعب . وسجود التلاوة في الصلاة عظيم ، وهو مما يزيد الخشوع قال الله عز وجل : ] وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [ 109 ] [سورة الإسراء ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : [ سجد بسورة النجم في صلاته] وعن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه العتمة _ أي : العشاء _ فقرأ : ] إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [ 1 ] [ فسجد ، فقلت له ، قال: سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه ] رواه البخاري .
فينبغي المحافظة على سجود التلاوة في الصلاة ، خصوصا ، وأن سجود التلاوة فيه ترغيم للشيطان ، وتبكيت له ، وذلك مما يضعف كيده للمصلي ، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ : يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ ] رواه مسلم .
[14] الاستعاذة بالله من الشيطان : الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته ' و الوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره ، لابد له من ذلك ، فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر ، و يلازم ما هو فيه من الذكر ، و الصلاة ، و لا يضجر ، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان : } إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [ 76 ] { سورة النساء ، و كلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه ، جاء من الوسوسة أمور أخرى ، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى ، أراد قطع الطريق عليه ، و لهذا قيل لبعض السلف : ' إن اليهود و النصارى يقولون : لا نوسوس قال : صدقوا ، و ما يصنع الشيطان بالبيت الخرب ' مجموع الفتاوى 22 / 608 .
' و قد مثل ذلك بمثال حسن ، و هو ثلاثة بيوت : بيت للملك فيه كنوزه ، و ذخائره ، و جواهره ، و بيت للعبد فيه كنوز العبد ، و ذخائره ، و جواهره ، و ليس جواهر الملك ، و ذخائره ، و بيت خال ، صفر ، لا شيء فيه ، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت ، فمن أيها يسرق ؟ ' الوابل الصيب ص: 43 .
' والعبد إذا قام في الصلاة ، غار الشيطان منه ؛ فإنه قد قام في أعظم مقام ، وأقربه ، وأغيظه للشيطان ، وأشده عليه ، فهو يحرص ، ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه بل لا يزال به يعده ، ويمنّيه وينسيه ، ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهوّن عليه شأن الصلاة ، فيتهاون بها فيتركها . فإن عجز عن ذلك منه ، وعصاه العبد ، وقام في ذلك المقام ، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ، ويحول بينه وبين قلبه ، فيذكّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها ، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة وأيس منها ، فيذكره إياها في الصلاة ؛ ليشغل قلبه بها ، ويأخذه عن الله عز وجل ، فيقوم فيها بلا قلب ، فلا ينال من إقبال الله تعالى ، وكرامته ، وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل ، الحاضر بقلبه في صلاته ، فينصرف من صلاته ، مثلما دخل فيها بخطاياه ، وذنوبه ، وأثقاله ، لم تخفف عنه بالصلاة ، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها ، وأكمل خشوعها ، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه ' الوابل الصيب ص: 36 .(/9)
ولمواجهة كيد الشيطان ، وإذهاب وسوسته ؛ أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج التالي : عن عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أنه أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا ] قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي . رواه مسلم .
ومن كيد الشيطان للمصلي : ما أخبرنا عنه صلى الله عليه وسلم ، وعن علاجه فقال إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ] رواه البخاري ، و مسلم .
ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله : [ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ] رواه مسلم ، وأبوداود ، والترمذي ، والدارمي ، وأحمد . بل إن كيده ليبلغ مبلغا عجيبا كما يوضحه هذا الحديث : عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيّل إليه في صلاته أنه أحدث ولم يُحدِث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يُحدث ، فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرفن حتى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه ] رواه الطبراني في الكبير رقم 11556 وقال في مجمع الزوائد 1/242 رجاله رجال الصحيح .
مسألة : وهناك خدعة شيطانية يأتي بها ' خنزب ' إلى بعض الخيِّرين من المصلين، وهي محاولة إشغالهم بالتفكير في أبواب أخرى من الطاعات عن الصلاة التي هم بشأنها ، وذلك : كإشغال أذهانهم ببعض أمور الدعوة ، أو المسائل العلمية ، فيستغرقون فيها فلا يعقلون أجزاء من صلاتهم ، وربما لبَّس على بعضهم بأن عمر رضي الله عنه كان يجهِّز الجيش في الصلاة ، ولندع المجال لشيخ الإسلام ابن تيمية يجلي الأمر ، ويجييب عن هذه الشبهة قال رحمه الله تعالى : ' و أما ما يروى عن عمر بن الخطاب من قوله : [ و إني لأجهز جيشي و أنا في الصلاة ] فذاك ؛ لأن عمر كان مأمورا بالجهاد ، وهو أمير المؤمنين ، فهو أمير الجهاد ، فصار بذلك من بعض الوجوه : بمنزلة المصلي الذي يصلي صلاة الخوف حال معاينة العدو ، إما حال القتال و إما غير حال القتال ، فهو مأمور بالصلاة ، و مأمور بالجهاد ، فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب الإمكان . قال تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [ 45 ] { سورة الأنفال ، و معلوم أن طمأنينة القلب حال الجهاد لا تكون كطمأنينتة حال الأمن ، فإذا قُدِّر أنه نقص من الصلاة شيء لأجل الجهاد ؛ لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد ، و طاعته ؛ و لهذا تخفف صلاة الخوف عن صلاة الأمن ، و لما ذكر الله سبحانه صلاة الخوف قال : } فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [ 103 ] {سورة النساء ، فالإقامة المأمور بها حال الطمأنينة لا يؤمر بها حال الخوف .
ومع هذا : فالناس متفاوتون في ذلك ، فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلاة ، مع تدبره للأمور بها ، و عمر قد ضرب الله الحق على لسانه ، و قلبه ، و هو المحدَّث المُلهم ؛ فلا ينكر لمثله أن يكون مع تدبيره جيشه في الصلاة من الحضور ما ليس لغيره ، لكن لا ريب أن حضوره مع عدم ذلك يكون أقوى ، ولا ريب أن صلاة رسول الله حال أمنه كانت أكمل من صلاته حال الخوف في الأفعال الظاهرة فإذا كان الله قد عفا حال الخوف عن بعض الواجبات الظاهرة ، فكيف بالباطنة ؟ .(/10)
و بالجملة : فتفكر المصلي في الصلاة [في] أمر يجب عليه ، قد يضيق وقته ، ليس كتفكره فيما ليس بواجب ، أو فيما لم يضق وقته ، و قد يكون عمر لم يمكن [ لعلها : يمكنه ] التفكر في تدبير جيشه إلا في تلك الحال ، و هو إمام الأمة ، و الواردات عليه كثيرة ، و مثل هذا يعرض لكل أحد بحسب مرتبته ، و الإنسان دائما يذكر في الصلاة ما لا يذكره خارج الصلاة ، و من ذلك ما يكون من الشيطان ، كما أن بعض السلف ذكر له رجل : أنه دفن مالا ، و قد نسي موضعه ، فقال : قم فصل ، فقام فصلى فذكره ، فقيل له ، من أين علمت ذلك ؟ قال : علمت أن الشيطان لا يدعه في الصلاة حتى يذكره بما يشغله ، ولا أهم عنده من ذكر موضع الدفن ،لكن العبد الكيِّس يجتهد كمال الحضور مع كمال فعل بقية المأمور ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ' مجموع الفتاوى 22 / 610 .
[ 15 ] التأمل في حال السلف في صلاتهم : وهذا يزيد الخشوع ، ويدفع إلى الاقتداء فـ ' لو رأيت أحدهم ، وقد قام إلى صلاته ، فلما وقف في محرابه ، واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ، فانخلع قلبه ، وذهل عقله ' الخشوع في الصلاة ابن رجب ص: 22 . قال مجاهد رحمه الله : ' كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء ، أو يلتفت ، أو يقلب الحصى ، أو يعبث بشيء ، أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسيا ما دام في صلاته ' تعظيم قدر الصلاة 1/188 .
كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع ، وكان يسجد ، فأتى المنجنيق ، فأخذ طائفة من ثوبه ، وهو في الصلاة لا يرفع رأسه .... وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد ، فانهدم طائفة منه ، فقام الناس ، وهو في الصلاة لم يشعر ... و لقد بلغنا أن بعضهم كان كالثوب الملقى ، و بعضهم ينفتل من صلاته متغير اللون ؛ لقيامه بين يدي الله عز و جل .
وبعضهم : إذا كان في الصلاة ؛ لا يعرف من على يمينه و شماله ... و بعضهم : يصفر وجهه إذا توضأ للصلاة ، فقيل له : إنا نراك إذا توضأت للصلاة تغيرت أحوالك ، قال : إني أعرف بين يدي من سأقوم ... و كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة ؛ يتزلزل ، و يتلون وجهه ، فقيل له : ما لك ؟ فيقول : جاء و الله وقت أمانة عرضها الله على السموات ، والأرض ، والجبال ، فأبين أن يحملنها ، و أشفقن منها ، و حملتُها .... و كان سعيد التنوخي إذا صلى ؛ لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته .... و بلغنا عن بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلاة ؛ تغير لونه ، و كان يقول : أتدرون بين يدي من أقف ، ومن أناجي ؟! .... فمن منكم لله في قلبه مثل هذه الهيبة ؟ ' سلاح اليقظان لطرد الشيطان ' عبد العزيز السلمان ص: 209 .
وقالوا لعامر بن عبد القيس : أتحدّث نفسك في الصلاة ، فقال : أوَ شيء أحبُّ إليّ من الصلاة أحدّث به نفسي ! قالوا : إنا لنحدّث أنفسنا في الصلاة ، فقال: أبالجنة ، والحور ، ونحو ذلك ؟ قالوا : لا ، ولكن بأهلينا ، وأموالنا . فقال : لأن تختلف الأسنّة فيّ أحبُّ إليّ _ أي : لأن يكثر طعن الرماح في جسدي أحبّ إلي من أن أحدّث نفسي في الصلاة بأمور الدنيا _ .
وقال سعد بن معاذ : فيّ ثلاث خصال لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن ، لكنت أنا أنا : إذا كنت في الصلاة لا أحدث نفسي بغير ما أنا فيه ، وإذا سمعت من رسول الله حديثا لا يقع في قلبي ريب أنه الحقّ ، وإذا كنت في جنازة لم أحدّث نفسي بغير ما تقول ويقال لها . الفتاوى لابن تيمية 22/605 .
و قال حاتم رحمه الله : أقوم بالأمر ، وأمشي بالخشية ، وأدخل بالنية ، وأكبّر بالعظمة ، وأقرأ بالترتيل والتفكير ، وأركع بالخشوع ، وأسجد بالتواضع ، وأجلس للتشهد بالتمام ، وأسلّم بالنية، وأختمها بالإخلاص لله عز وجل ، وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني ، وأحفظه بالجهد إلى الموت . الخشوع في الصلاة 27 – 28 .
قال أبو بكر الصبغي : أدركت إمامين لم أُرزق السّماع منهما : أبو حاتم الرازي ، ومحمد بن نصر المروزي ، فأما ابن نصر : فما رأيت أحسن صلاة منه ، لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته ، فسال الدم على وجهه ، ولم يتحرك .... وقال محمد بن يعقوب الأخرم : ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر ، كان الذباب يقع على أذنه ، فلا يذبّه على نفسه ، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته ، وخشوعه ، وهيبته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبة منصوبة . تعظيم قدر الصلاة 1/58 .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذا دخل في الصلاة ؛ ترتعد أعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة . الكواكب الدريّة في مناقب المجتهد ابن تيمية لمرعي الكرمي ص: 83 دار الغرب الإسلامي(/11)
قارن بين هذا ، وبين ما يفعله بعضنا اليوم : هذا ينظر في ساعته ، وآخر يصلح هندامه ، وثالث يعبث بأنفه ، ومنهم من يبيع ، ويشتري في الصلاة ، وربما عدّ نقوده ، وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف ، أو يحاول التعرّف على من بجانبيه . تُرى : لو وقف واحد من هؤلاء بين يدي عظيم من عظماء الدنيا ، هل يجرؤ على فعل شيء من ذلك ؟!
[ 16] معرفة مزايا الخشوع في الصلاة: ومنها :
! قوله صلى الله عليه و سلم : [ مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ] رواه مسلم .
! أن الأجر المكتوب بحسب الخشوع ، كما قال صلى الله عليه وسلم : [إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ] رواه الإمام أحمد , وهو في صحيح الجامع 1626 .
! أنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها ، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه : [ ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ] .
! أن الأوزار ، والآثام تنحط عنه إذا صلّى بتمام ، وخشوع،كما قال النبي صلى عليه وسلم : [ إن العبد إذا قام يصلي أُتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ] رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع . قال المناوي : ' المراد أنه كلما أتم ركناً ؛ سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها ؛ تكامل السقوط ، وهذا في صلاة متوفرة الشروط ، والأركان ، والخشوع كما يؤذن به لفظ : ' العبد ' و' القيام ' إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد ذليل ' . رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع .
! أن الخاشع في صلاته : ' إذا انصرف منها ، وجد خفّة من نفسه ، وأحس بأثقال قد وضعت عنه ، فوجد نشاطا ، وراحة ، و روحا ، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ، لأنها قرّة عينه ، ونعيم روحه ، وجنة قلبه ، ومستراحه في الدنيا ، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ، فيستريح بها ، لا منها ، فالمحبون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا ، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم : [ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ ] رواه أبو داود ، و أحمد ، ولم يقل أرحنا منها .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ ... وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ] فمن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، كيف تقرّ عينه بدونها ، وكيف يطيق الصبر عنها ؟ ' الوابل الصيّب 37 .
[17] الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود:
لاشك أن مناجاة الله تعالى ، والتذلل إليه ، والطلب منه ، والإلحاح عليه ؛ مما يزيد العبد صلة بربه، فيعظم خشوعه ، والدعاء هو العبادة ، والعبد مأمور به قال تعالى : }ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [ 55 ] { سورة الأعراف ، و [ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ ] رواه الترمذي وحسنه في صحيح الترمذي 2686 .
وقد ثبت الدعاء في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع معينة هي : السجود ، وبين السجدتين ، وبعد التشهد ، وأعظم هذه المواضع السجود ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : [ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ] رواه مسلم . وقال : [...وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ – أي : حريّ وجدير - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ]رواه مسلم .
ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم في سجوده : [ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ ] رواه مسلم . وكذلك : [ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ] رواه النسائي وهو في صحيح النسائي1067 . وقد تقدّم بعض ماكان يدعو به بين السجدتين . انظر السبب رقم 11 .
ومما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ماعلمناه بقوله : [إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ] . وكان يقول : [ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ] [ اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا ] وعلّم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول : [ قُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ] .(/12)
وسمع رجلا يقول في تشهده : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ :[ قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلَاثًا ]
وسمع آخر يقول في تشهده : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : [ تدرون بما دعا ؟ ] قالوا : الله ، ورسوله أعلم ، قال : [ والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى ] وكان من آخر ما يقوله صلى الله عليه وسلم بين التشهد , والتسليم : [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ] ' هذه الأدعية وغيرها وتخريجها في صفة الصلاة للعلامة الألباني ص: 163 ط.11 .
وحفظ مثل هذه الأدعية ؛ يعالج مشكلة صمت بعض الناس وراء الإمام إذا فرغوا من التشهد ؛ لأنهم لا يدرون ماذا يقولون .
[ 18] الأذكار الواردة بعد الصلاة : فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة وفائدتها , ولاشك أن من حفظ الطاعة الأولى , وصيانتها : إتباعها بطاعة ثانية ، وكذلك : فإن المتأمل لأذكار ما بعد الصلاة يجد أنها تبدأ بالاستغفار ثلاثا , فكأن المصلي يستغفر ربه عما حصل من الخلل في صلاته , وعما حصل من التقصير في خشوعها فيها ، ومن المهم كذلك الاهتمام بالنوافل , فإنها تجبر النقص في الفرائض , ومنه الإخلال بالخشوع , وبعد الكلام عن تحصيل الأسباب الجالبة للخشوع يأتي الحديث عن :
ثانيا : دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدِّر صفوه
[ 19] إزالة ما يشغل المصلي من المكان: عن أنس رضي الله عنه قال : كَانَ قِرَامٌ _ ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن _ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي ] رواه البخاري .
وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنه : كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةٍ _ بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع , أو الخزانة _ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَيْهِ فَقَالَ : [ أَخِّرِيهِ عَنِّي ] قَالَتْ : فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ . رواه مسلم
ويدل على هذا المعنى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة ليصلي فيها رأى قرني كبش فلما صلى قال لعثمان الحجبي : [ إِنِّي نَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَ الْقَرْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ ] أخرجه أبو داود , وهو في صحيح الجامع 2504 .
ويدخل في هذا : الاحتراز من الصلاة في أماكن مرور الناس , وأماكن الضوضاء ، والأصوات المزعجة , وبجانب المتحدثين , وفي مجالس اللغو , واللغط , وكل ما يشغل البصر . وكذلك : تجنب الصلاة في أماكن الحرّ الشديد , والبرد الشديد _ إذا أمكن ذلك _ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإبراد في صلاة الظهر بالصيف ؛ لأجل هذا ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ' إن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ، ويفعل العبادة بتكرّه وتضجّر ، فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحرّ ، فيصلي العبد بقلب حاضر ، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله تعالى . ' الوابل الصيّب ط. دار البيان ص: 22
[ 20] أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ أَعْلَامٍ فَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ : [ اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيِّهِ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا فِي صَلَاتِي ] وفي رواية : [ شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ ] وفي رواية : [ كَانَتْ لَهُ خَمِيصَةٌ لَهَا عَلَمٌ فَكَانَ يَتَشَاغَلُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ ] و هذه الروايات في صحيح مسلم . ومن باب أولى : أن لا يصلي في ثياب فيها صور , وخصوصا ذوات الأرواح كما شاع , وانتشر في هذا الزمان .
[ 21] أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه(/13)
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ] رواه مسلم رقم 560 . فإذا وُضع الطعام , وحضر بين يديه , أو قُدِّم له ، بدأ بالطعام ؛ لأنه لا يخشع إذا تركه , وقام يصلي ونفسه متعلِّقة به , بل إن عليه أن لا يعجل حتى تنقضي حاجته منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : [إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ] وفي رواية : [ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ] رواه البخاري، و مسلم .
[ 22] أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب : لاشكّ أن مما ينافي الخشوع : أن يصلي الشخص , وقد حصره البول , أو الغائط , ولذلك : [ نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ حَاقِنٌ ] رواه ابن ماجه , وهو في صحيح الجامع رقم 6832 . و الحاقن : أي الحابس البول , والحاقب هو حابس الغائط .
ومن حصل له ذلك فعليه أن يذهب إلى الخلاء ؛ لقضاء حاجته _ ولو فاته ما فاته من صلاة الجماعة _ فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ الْخَلَاءَ وَقَامَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ ] رواه أبو داود , وهو في صحيح الجامع رقم 299 . بل إنه إذا حصل له ذلك أثناء الصلاة , فإنه يقطع صلاته لقضاء حاجته , ثم يتطهر , ويصلي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ ] رواه مسلم . وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع , ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح .
[ 23 ] أن لا يصلي وقد غلبه النعاس : عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ ] رواه البخاري . أي : فليرقد حتى يذهب عنه النوم ,
وقد جاء ذكر السبب في ذلك : فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ ] رواه البخاري , و مسلم . وقد يحصل هذا في قيام الليل , وقد يصادف ساعة إجابة , فيدعو على نفسه , وهو لا يدري ، ويشمل هذا الحديث : الفرائض أيضا إذا أمِن بقاء الوقت 'فتح الباري ' .
[ 24] أن لا يصلي خلف المتحدث أو النائم : لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك فقال : [ لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ ] رواه أبو داود , و هو في صحيح الجامع رقم 375 . لأن المتحدث يلهي بحديثه , و النائم قد يبدو منه ما يلهي , قال الخطابي رحمه الله : ' أما الصلاة إلى المتحدثين : فقد كرهها الشافعي , وأحمد بن حنبل ؛ وذلك من أجل أن كلامهم يُشغل المصلي عن صلاته ' عون المعبود 2/388 .
أما أدلة النهي عن الصلاة خلف النائم فقد ضعّفها عدد من أهل العلم , وقال البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه : باب الصلاة خلف النائم ، وساق حديث عائشة : [ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ ... ] ' وكره مجاهد , وطاوس , ومالك : الصلاة إلى النائم ؛ خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته ...' فتح الباري . فإذا أُمن ذلك فلا تُكره الصلاة خلف النائم والله أعلم
[ 25 ] عدم الانشغال بتسوية الحصى : عن مُعَيْقِيبٌ : [ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً ] رواه البخاري ، و مسلم .(/14)
و في رواية : [ لَا تَمْسَحْ وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ تَسْوِيَةَ الْحَصَى ] رواه أبو داود ، و هو في صحيح الجامع رقم 7452 .والعلة في هذا النهي : المحافظة على الخشوع ؛ ولئلا يكثر العمل في الصلاة . والأَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية ؛ فليسوه قبل الدخول في الصلاة . ويدخل في الكراهية : مسح الجبهة ، والأنف ، وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في ماء ، وطين ، وبقي أثر ذلك في جبهته , ولم يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق , فالاستغراق في الصلاة , والخشوع فيها ينسي ذلك , ويشغل عنه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا ] رواه البخاري , و مسلم . وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال : [ ما أحب أن لي حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من الحصى ] وقال عياض : كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف _ يعني الانصراف من الصلاة _ . وكما أن المصلي ينبغي أن يحترز مما يشغله عن صلاته _ كما مرّ في النقاط السابقة _ فكذلك عليه أن يلتزم بعدم التشويش على المصلين الآخرين .
[ 26 ] عدم التشويش بالقراءة على الآخرين : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ ] رواه أبو داود , و هو في صحيح الجامع رقم 752 . وفي رواية : [ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ ] رواه الإمام أحمد , وهو في صحيح الجامع 1951 .
[ 27 ] ترك الالتفات في الصلاة :
لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ ] رواه أبو داود , وهو في صحيح أبي داود .
والالتفات في الصلاة قسمان :
الأول : التفات القلب إلى غير الله عز وجل .
الثاني : التفات البصر : وكلاهما منهي عنه , وينقص من أجر الصلاة ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : [ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ ] رواه البخاري . ' ومثل من يلتفت في صلاته ببصره , أو قلبه , مثل : رجل استدعاه السلطان , فأوقفه بين يديه , وأقبل يناديه , ويخاطبه , وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينا , وشمالا ، وقد انصرف قلبه عن السلطان , فلا يفهم ما يخاطبه به ؛ لأن قلبه ليس حاضرا معه , فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟! أفليس أقل المراتب في حقه : أن ينصرف من بين يديه ممقوتا , مبعدا قد سقط من عينيه ، فهذا المصلي لا يستوي , والحاضر القلب , المقبل على الله تعالى في صلاته , الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه , فامتلأ قلبه من هيبته , وذلت عنقه له ، واستحيى من ربه أن يقبل على غيره , أو يلتفت عنه , وبين صلاتيهما ,كما قال حسان بن عطية : إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة ، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض ، وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والآخر ساه غافل ' الوابل الصيب لابن القيم .
و أما الالتفات ' لحاجة فلا بأس به ، روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال : [ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ ] قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنْ اللَّيْلِ يَحْرُسُ .
و هذا كحمله أمامة بنت أبي العاص .... وفتحه الباب لعائشة .... و نزوله من المنبر لما صلى بهم يعلمهم .... وتأخره في صلاة الكسوف .... وإمساكه الشيطان , وخنقه لما أراد أن يقطع صلاته ، وأمره بقتل الحية , والعقرب في الصلاة .... وأمره بردّ المار بين يدي المصلي , ومقاتلته .... وأمره النساء بالتصفيق .... وإشارته في الصلاة , وغير ذلك من الأفعال التي تفعل لحاجة ، ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث - المنافي للخشوع - المنهي عنه في الصلاة ' مجموع الفتاوى 22/559 .
[ 28 ] عدم رفع البصر إلى السماء :(/15)
وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَرْفَعْ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَنْ يُلْتَمَعَ بَصَرُهُ ] رواه أحمد , و هو في صحيح الجامع رقم 762 وفي رواية : [مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ] رواه البخاري .وفي رواية : [لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ] رواه مسلم .
[ 29 ] أن لا يبصق أمامه في الصلاة : لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله , لقوله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى ] رواه البخاري , و مسلم . و قال : [إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا ] رواه البخاري . وإذا كان المسجد مفروشا بالسجاد , ونحوه _ كما هو الغالب في هذا الزمان _ فيمكنه إذا احتاج أن يخرج منديلا , ونحوه , فيبصق فيه , ويردّه .
[ 30 ] مجاهدة التثاؤب في الصلاة :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ ] رواه مسلم . وإذا دخل الشيطان ؛ يكون أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالإضافة إلى أنه يضحك من المصلي إذا تثاءب .
[ 31] عدم الاختصار في الصلاة :
عن أبي هريرة قال : [ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ ]رواه البخاري , و مسلم , و أبو داود _ و اللفظ له _ و الترمذي , و النسائي ,و ابن ماجه , و الدارمي , و أحمد . والاختصار هو : أن يضع يديه على خصره ,فعن زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي فَضَرَبَ يَدَيَّ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ [ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ ] رواه أحمد , و أبو داود , و النسائي , وصححه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء : انظر الإرواء 2/94 . وقد جاء في حديث مرفوع : [ أن التخصّر راحة أهل النار ] _ والعياذ بالله _ رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا . قال العراقي : ظاهر إسناده الصحة .
[ 32 ] ترك السدل في الصلاة :
لما ورد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ ]. رواه أبو داود , و هو في صحيح الجامع رقم 6883 . قال الخطّابي : ' السدل : إرسال الثوب حتى يصيب الأرض ' . ونقل في مرقاة المفاتيح 2/236: ' السدل منهي عنه مطلقا ؛ لأنه من الخيلاء ، وهو في الصلاة أشنع , وأقبح ' . وقال صاحب النهاية : ' أي يلتحف بثوبيه , و يدخل يديه من داخل فيركع و يسجد . وقيل بأن اليهود كانت تفعله . وقيل السدل : أن يضع الثوب على رأسه , أو كتفه , ويرسل أطرافه أمامه , أو على عضديه , فيبقى منشغلا بمعالجته , فيخلّ بالخشوع بخلاف ما لو كان مربوطا , أو مزررا لا يخشى من وقوعه , فلا يشغل المصلي حينئذ , ولا ينافي الخشوع . ويوجد في بعض ألبسة الناس اليوم من بعض الأفارقة , وغيرهم , وفي طريقة لبس بعض المشالح , والأردية ما يبقي المصلي مشغولا في أحيان من صلاته : برفع ما وقع , أو ضم ما انفلت , وهكذا فينبغي التنبه لذلك . أما النهي عن تغطية الفم , فمن العلل التي ذكرها العلماء في النهي عنه : أنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود . مرقاة المفاتيح 2/236 .(/16)
[ 33 ] ترك التشبه بالبهائم : لما أن الله كرم ابن آدم , وخلقه في أحسن تقويم ، كان من المعيب أن يتشبه الآدمي بالبهائم , وقد نهينا عن مشابهة عدد من هيئات البهائم , وحركاتها في الصلاة ؛ لما في ذلك من منافاة الخشوع , أو قبح الهيئة التي لا تليق بالمصلي ، فمما ورد في ذلك : [ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ ثَلَاثٍ نَقْرِ الْغُرَابِ وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوطِنَ الرَّجُلُ الْمَقَامَ الْوَاحِدَ كَإِيطَانِ الْبَعِيرِ ] رواه أحمد . قيل معناه : أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد , مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يغير مناخه , فيوطنه . الفتح الرباني 4/91 . وفي رواية : [ نَهَانِي عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ ] رواه أحمد , وهو في صحيح الترغيب رقم556 .
هذا ما تيسر ذكره من الأسباب الجالبة للخشوع ؛ لتحصيلها , والأسباب المشغلة عنه , لتلافيها , وإن من عظم مسألة الخشوع , وعلو قدرها عند العلماء ؛ أنهم ناقشوا القضية التالية :
مسألة : فيمن كثرت الوساوس في صلاته ، هل تصح أم عليه الإعادة ؟
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ' فإن قيل : ما تقولون في صلاة من عدم الخشوع ، هل يعتد بها أم لا ؟ قيل : أما الاعتداد بها في الثواب : فلا يعتد بها ، إلا بما عقل فيه منها ، و خشع فيه لربه . قال ابن عباس : [ ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ] .
و في المسند مرفوعا : [إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ] فقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم ، فدل على أن من لم يخشع ؛ فليس من أهل الفلاح ، و لو اعتد له بها ثوابا ؛ لكان من المفلحين . و أما الاعتداد بها في أحكام الدنيا , وسقوط القضاء : فإن غلب عليها الخشوع , و تعقلها اعتد بها إجماعا ، و كانت من السنن و الأذكار عقيبها : جوابر , و مكملات لنقصها . وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها , و عدم تعقلها : فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها ، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد .
و من هذا أيضا اختلافهم في الخشوع في الصلاة , و فيه قولان للفقهاء ، و هما في مذهب أحمد و غيره .
و على القولين : اختلافهم في وجوب الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته ، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد , ولم يوجبها أكثر الفقهاء . و احتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو و لم يأمره بالإعادة مع قوله : [ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فِي صَلَاتِهِ فيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ]. و لكن لا نزاع : أن هذه الصلاة لا ثواب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه , و خضوعه ، كما قال صلى الله عليه و سلم : [ إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ] و قال ابن عباس : [ ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ] فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها , و إن سميت صحيحة باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة . مدارج السالكين 1/112 .
و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في الصحيح أنه قال : [إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ فيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ] . قالوا : فأمره النبي في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها ، حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو ، و لم يأمره بإعادتها ، و لو كانت باطلة - كما زعمتم - لأمره بإعادتها .
قالوا : و هذا هو السر في سجدتي السهو ، ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد ، و كونه حال بينه و بين الحضور في الصلاة ، و لهذا سماها النبي المرغمتين . مدارج السالكين 1/528-530 . فإن أردتم وجوب الإعادة ؛ لتحصل هذه الثمرات , و الفوائد ، فذاك كله إليه إن شاء أن يحصلها , و إن شاء أن يفوتها على نفسه . و إن أردتم بوجوبها : أنا نلزمه بها , و نعاقبه على تركها , و نرتب عليه أحكام تارك الصلاة فلا , و هذا هو أرجح القولين , و الله أعلم .
خاتمة(/17)
أمر الخشوع كبير ، وشأنه خطير ، ولا يتأتى إلا لمن وفقه الله لذلك ، وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب جلل , ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : [ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ... ] رواه الترمذي , وهو في صحيح سنن الترمذي 2769 .
والخاشعون درجات ، والخشوع من عمل القلب يزيد , وينقص : فمنهم من يبلغ خشوعه عنان السماء , ومن يخرج من صلاته لم يعقل شيئا ' والناس في الصلاة على مراتب خمسة : أحدها : مرتبة الظالم لنفسه المفرط ، وهو الذي انتقص من وضوءها , ومواقيتها , وحدودها وأركانها.
الثاني : من يحافظ على مواقيتها , وحدودها , وأركانها الظاهرة , و وضوءها ، لكنه قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة ، فذهب مع الوساوس والأفكار . الثالث : من حافظ على حدودها , وأركانها , وجاهد نفسه في دفع الوساوس , والأفكار ، فهو مشغول بمجهادة عدوه لئلا يسرق صلاته ، فهو في صلاة , وجهاد .
الرابع : من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها , وأركانها , وحدودها ، واستغرق قلبه مراعاة حدودها , وحقوقها ؛ لئلا يضيع شيئا منها ، بل همه كله مصروف إلى إقامتها _ كما ينبغي _ وإكمالها وإتمامها ، قد استغرق قلبه شأن الصلاة , وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها .
الخامس : من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه , ووضعه بين يدي ربه عز وجل ، ناظرا بقلبه إليه ، مراقبا له ، ممتلئا من محبته وعظمته ، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات ، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه ، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أعظم مما بين السماء والأرض ، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به .
فالقسم الأول معاقب ، والثاني محاسب ، والثالث مكفّر عنه ، والرابع مثاب ، والخامس مقرّب من ربّه ، لأن له نصيبا ممن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، فمن قرّت عينه بصلاته في الدنيا، قرّت عينه بقربه من ربّه عز وجل في الآخرة ، وقرّت عينه أيضا به في الدنيا ، ومن قرت عينه بالله قرّت به كل عين ، ومن لم تقرّ عينه بالله تعالى تقطعّت نفسه على الدنيا حسرات ' الوابل الصيب ص : 40
وختاما أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الخاشعين , وأن يتوب علينا أجمعين , وأن يجزي بالخير من ساهم في هذه الرسالة , وأن ينفع من قرأ فيها آمين ، والحمد لله رب العالمين .
اسم الكتاب : 33 سببا للخشوع في الصلاة …. تأليف: محمد صالح المنجد(/18)
ثلاثون وصية تسعد بها زوجتك
الدكتور حسان شمسي باشا
السعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان ، وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه . وكثيرون يسألون كيف يصنعون السعادة في بيوتهم ، ولماذا يفشلون في تحقيق هناءة الأسرة واستقرارها .
ولا شك أن مسؤولية السعادة الزوجية تقع على الزوجين .فلا بد من وجود المحبة بين الزوجين. وليس المقصود بالمحبة ذلك الشعور الأهوج الذي يلتهب فجأة وينطفئ فجأة ، إنما هو ذلك التوافق الروحي والإحساس العاطفي النبيل بين الزوجين .
والبيت السعيد لا يقف على المحبة وحدها ، بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين . والتسامح لا يتأتى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين . والتعاون عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد ، وبغيره تضعف قيم المحبة والتسامح . والتعاون يكون أدبياً ومادياً . ويتمثل الأول في حسن استعداد الزوجين لحل ما يعرض للأسرة من مشكلات . فمعظم الشقاق ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الآخر ، أو عدم إنصاف حقوق شريكه .
ولا نستطيع أن نعدد العوامل الرئيسة في تهيئة البيت السعيد دون أن نذكر العفة بإجلال وخشوع ، فإنها محور الحياة الكريمة ، وأصل الخير في علاقات الإنسان .
وقد كتب أحد علماء الاجتماع يقول : " لقد دلتني التجربة على أن أفضل شعار يمكن أن يتخذه الأزواج لتفادي الشقاق ، هو أنه لا يوجد حريق يتعذر إطفاؤه عند بدء اشتعاله بفنجان من ماء .. ذلك لأن أكثر الخلافات الزوجية التي تنتهي بالطلاق ترجع إلى أشياء تافهة تتطور تدريجياً حتى يتعذر إصلاحها " .
وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيتية على الوالدين ، فكثيراً ما يهدم البيت لسان لاذع ، أو طبع حاد يسرع إلى الخصام ، وكثيراً ما يهدم أركان السعادة البيتية حب التسلط أو عدم الإخلاص من قبل أحد الوالدين وأمور صغيرة في المبنى عظيمة في المعنى . وهاك بعضاً من تلك الوصايا التي تسهم في إسعاد زوجك .
1. لا تُهنْ زوجتك ، فإن أي إهانة توجهها إليها ، تظل راسخة في قلبها وعقلها . وأخطر الإهانات التي لا تستطيع زوجتك أن تغفرها لك بقلبها ، حتى ولو غفرتها لك بلسانها ، هي أن تنفعل فتضر بها ، أو تشتمها أو تلعن أباها أو أمها ، أو تتهمها في عرضها .
2. أحسِنْ معاملتك لزوجتك تُحسنْ إليك . أشعرها أنك تفضلها على نفسك ، وأنك حريص على إسعادها ، ومحافظ على صحتها ، ومضحٍّ من أجلها ،إن مرضتْ مثلاً ، بما أنت عليه قادر .
3. تذكر أن زوجتك تحب أن تجلس لتتحدث معها وإليها في كل ما يخطر ببالك من شؤون. لا تعد إلى بيتك مقطب الوجه عابس المحيا ، صامتا أخرسا ، فإن ذلك يثير فيها القلق والشكوك .!
4. لا تفرض على زوجتك اهتماماتك الشخصية المتعلقة بثقافتك أو تخصصك ، فإن كنت أستاذا في الفلك مثلا فلا تتوقع أن يكون لها نفس اهتمامك بالنجوم والأفلاك !!
5. كن مستقيما في حياتك ، تكن هي كذلك . ففي الأثر : " عفوا تعف نساؤكم " رواه الطبراني . وحذار من أن تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك ، سواء كان ذلك في طريق أو أمام شاشة التلفاز ، وما أسوأ ما أتت به الفضائيات من مشاكل زوجية !!
6. إياك إياك أن تثير غيرة زوجتك ، بأن تذكِّرها من حين لآخر أنك مقدم على الزواج من أخرى ، أو تبدي إعجابك بإحدى النساء ، فإن ذلك يطعن في قلبها في الصميم ، ويقلب مودتها إلى موج من القلق والشكوك والظنون . وكثيرا ما تتظاهر تلك المشاعر بأعراض جسدية مختلفة ، من صداع إلى آلام هنا وهناك ، فإذا بالزوج يأخذ زوجته من طبيب إلى طبيب !!
7. لا تذكِّر زوجتك بعيوب صدرت منها في مواقف معينة ، ولا تعيِّرها بتلك الأخطاء والمعايب ، وخاصة أمام الآخرين .
8. عدِّل سلوكك من حين لآخر ، فليس المطلوب فقط أن تقوم زوجتك بتعديل سلوكها، وتستمر أنت متشبثا بما أنت عليه ، وتجنب ما يثير غيظ زوجتك ولو كان مزاحا .
9. اكتسب من صفات زوجتك الحميدة ، فكم من الرجال ازداد التزاما بدينه حين رأى تمسك زوجته بقيمها الدينية والأخلاقية ، وما يصدر عنها من تصرفات سامية .
10. الزم الهدوء ولا تغضب فالغضب أساس الشحناء والتباغض . وإن أخطأت تجاه زوجتك فاعتذر إليها . لا تنم ليلتك وأنت غاضب منها وهي حزينة باكية . تذكَّر أن ما غضبْتَ منه – في أكثر الأحوال – أمر تافه لا يستحق تعكير صفو حياتكما الزوجية ، ولا يحتاج إلى كل ذلك الانفعال . استعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وهدئ ثورتك ، وتذكر أن ما بينك وبين زوجتك من روابط ومحبة أسمى بكثير من أن تدنسه لحظة غضب عابرة ، أو ثورة انفعال طارئة .
11. امنح زوجتك الثقة بنفسها . لا تجعلها تابعة تدور في مجرَّتك وخادمة منفِّذةً لأوامرك . بل شجِّعها على أن يكون لها كيانها وتفكيرها وقرارها . استشرها في كل أمورك ، وحاورها ولكن بالتي هي أحسن . خذ بقرارها عندما تعلم أنه الأصوب ، وأخبرها بذلك وإن خالفتها الرأي فاصرفها إلى رأيك برفق ولباقة .(/1)
12. أثن على زوجتك عندما تقوم بعمل يستحق الثناء ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من لم يشكر الناس لم يشكر الله " رواه الترمذي .
13. توقف عن توجيه التجريح والتوبيخ ، ولا تقارنها بغيرها من قريباتك اللاتي تعجب بهن وتريدها أن تتخذهن مُثُلاً عليا تجري في أذيالهن ، وتلهث في أعقابهن .
14. حاول أن توفر لها الإمكانات التي تشجعها على المثابرة وتحصيل المعارف . فإن كانت تبتغي الحصول على شهادة في فرع من فروع المعرفة فيسِّرْ لها ذلك ، طالما أن ذلك الأمر لا يتعارض مع مبادئ الدين ، ولا يشغلها عن التزاماتها الزوجية والبيتية . وتجاوبْ مع ما تحرزه زوجتك من نجاح فيما تقوم به .
15. أنصتْ إلى زوجتك باهتمام ، فإن ذلك يعمل على تخليصها مما ران عليها من هموم ومكبوتات ، وتحاشى الإثارة والتكذيب ، ولكن هناك من النساء من لا تستطيع التوقف عن الكلام ، أو تصبُّ حديثها على ذم أهلك أو أقربائك ، فعليك حينئذ أن تعامل الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة .
16. أشعر زوجتك بأنها في مأمن من أي خطر ، وأنك لا يمكن أن تفرط فيها ، أو أن تنفصل عنها .
17. أشعر زوجتك أنك كفيلٌ برعايتها اقتصاديا مهما كانت ميسورة الحال . لا تطمع في مالٍ ورثتْهُ عن أبيها ، فلا يحلُّ لك شرعاً أن تستولي على أموالها .
ولا تبخل عليها بحجة أنها ثرية ، فمهما كانت غنية في حاجة نفسية إلى الشعور بأنك البديل الحقيقي لأبيها .
18.حذار من العلاقات الاجتماعية غير المباحة . فكثير من خراب البيوت الزوجية منشؤه تلك العلاقات .
19. وائم بين حبك لزوجك وحبك لوالديك وأهلك ، فلا يطغى جانب على جانب ، ولا يسيطر حب على حساب حب آخر . فأعط كل ذي حق حقه بالحسنى ، والقسطاس المستقيم
20.كن لزوجك كما تحب أن تكونَ هي لك في كل ميادين الحياة ، فإنها تحب منك كما تحب منها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي
21 . أعطها قسطا وافرا وحظا يسيرا من الترفيه خارج المنزل ، كلون من ألوان التغيير ، وخاصة قبل أن يكون لها أطفال تشغل نفسها بهم .
22. شاركها وجدانيا فيما تحب أن تشاركك فيه ، فزر أهلها وحافظ على علاقة كلها مودة واحترام تجاه أهلها .
23. لا تجعلها تغار من عملك بانشغالك به أكثر من اللازم ، ولا تجعله يستأثر بكل وقتك، وخاصة في إجازة الأسبوع ، فلا تحرمها منك في وقت الإجازة سواء كان ذلك في البيت أم خارجه ، حتى لا تشعر بالملل والسآمة .
24. إذا خرجت من البيت فودعها بابتسامة وطلب الدعاء . وإذا دخلت فلا تفاجئها حتى تكون متأهبة للقائك ، ولئلا تكون على حال لا تحب أن تراها عليها ، وخاصة إن كنت قادما من السفر .
25. انظر معها إلى الحياة من منظار واحد ..وقد أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنساء بقوله:" أرفق بالقوارير " وقوله : " إنما النساء شقائق الرجال " و قوله : " استوصوا بالنساء خيرا "
26. حاول أن تساعد زوجك في بعض أعمالها المنزلية ، فلقد بلغ من حسن معاشرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنسائه التبرع بمساعدتهن في واجباتهن المنزلية . قالت عائشة رضي الله عنها :
" كان - صلى الله عليه وسلم - يكون في مهنة أهله –يعني خدمة أهله– فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة "
27. حاول أن تغض الطرف عن بعض نقائص زوجتك ، وتذكر ما لها من محاسن ومكارم تغطي هذا النقص لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم " لا يفرك ( أي لا يبغض ) مؤمنٌ مؤمنة إن كرِهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر " .
28. على الزوج أن يلاطف زوجته ويداعبها ، وتأس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك : " فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ؟ " . وحتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وهو القوي الشديد الجاد في حكمه – كان يقول : " ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ( أي في الأنس والسهولة ) فإن كان في القوم كان رجلا " .
29. استمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب ، فقد كان نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يراجعنه في الرأي ، فلا يغضب منهن .
30 . أحسن إلى زوجتك وأولادك ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : " خيركم خيركم لأهله " . فإن أنت أحسنت إليهم أحسنوا إليك ، وبدلوا حياتك التعيسة سعادة وهناء . لا تبخل على زوجك ونفسك وأولادك ، وأنفق بالمعروف ، فإنفاقك على أهلك صدقة . قال - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل الدنانير دينار تنفقه على أهلك … " .
------------
رواه أحمد في مسنده
رواه أحمد في مسنده
رواه البخاري
رواه البخاري
رواه البخاري
رواه الترمذي
رواه مسلم وأحمد(/2)
ثلاثون وصية للنجاح في الحياة
الدكتور حسان شمسي باشا
كلنا يريد النجاح في الحياة ، ولكن البعض منا يخفق في الوصول إليه لأنه يظن أن النجاح كلمة مستحيلة صعبة المراد . والحقيقة أننا ربما نكون قد أهملنا أسباب النجاح ، وأخلدنا إلى الأرض ، فزادتنا هوانا على هوان .
والنجاح هو طموحك من الحسن إلى الأحسن ، فالكمال لله تعالى وحده ، وإذا سمعت أحدا يقول لك : " وصلت إلى غايتي في الحياة " فاعلم أنه قد بدأ بالانحدار . وعلى الإنسان السعي نحو النجاح ، والله تعالى لا يضيع أجر العاملين . يقول بديع الزمان الهمذاني :
وعلي أن أسعى وليس عليّ إدراك النجاح
وإليك هذه الوصايا لمن أراد أن يقطف ثمار النجاح من بستان الحياة .. وما هي إلا دعوة للوصول إلى الفلاح في الدارين،إذ ما قيمة نجاح الدنيا ، إن كان في الآخرة خسران مبين!!
1. عليك بتقوى الله تعالى فهي خير زاد .. وأفضل وصية .. فالله تعالى يقول : " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ " الطلاق 1-2 . ويقول تعالى أيضا : " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا(4) " الطلاق
2. املأ قلبك بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم محبة أبويك ومن حولك .. فالحب يجدد الشباب ، ويطيل العمر ، ويورث الطمأنينة .. والكراهية تملأ القلوب تعاسة وشقاء ..اجعل في بيتك ما يكفيك من حب أهلك وعائلتك .. فالحب يضمد الجراح ، ويبعث في القلب حرارة الإلفة والمودة.
3. اجعل حبك لنفسك يتضاءل أمام حبك لغيرك .. فالله تعالى يقول : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " الحشر 9 .والسعداء يوزعون الخير على الناس ، فتتضاعف سعادتهم .. والأشقياء يحتكرون الخير لأنفسهم ، فيختنق في صدورهم . اجعل قلبك مليئا بالحب والتسامح والحنان .. فالأشقياء هم الذين امتلأت قلوبهم حقدا وكراهية ونقمة .
4. لا تذرف الدموع على ما مضى ، فالذين يذرفون الدموع على حظهم العاثر لا تضحك لهم الدنيا ، والذي يضحكون على متاعب غيرهم ، لا ترحمهم الأيام . لا تبك على اللبن المسكوب .. بل ابذل جهدا إضافيا حتى تعوض اللبن الذي ضاع منك .
وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم
5. اجعل نفسك أكثر تفاؤلا .. فالمتفائل يتطلع في الليل إلى السماء ، ويرى حنان القمر ، والمتشائم ينظر إلى السماء ولا يرى إلا قسوة الظلام . كن أكثر تفاؤلا مما أنت عليه ، فالمتفائل يجذب إليه محبة الآخرين .. والمتشائم يطردها عن نفسه .. يقول الحليمي : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى ، والتفاؤل حسن ظن به ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال ". فعن معاوية بن الحكم – رضي الله عنه – قال : قلت يا رسول الله ، منا رجال يتطيرون . فقال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم ، فلا يصدّنهم " . رواه مسلم . وقال النووي : معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ولا عتب عليكم في ذلك ، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم .
6. كن أكثر إنصافا للناس مما أنت عليه .. فالظلم يقصّر العمر ، ويذهب النوم من العيون .. ونحن نفقد الذين نحبهم لأننا نظلم ونغالط في حسابهم .. نركز حسابنا على أخطائهم .. وننسى فضائلهم .. نطالبهم بأن يكونوا خالين من كل عيب .. ونبرر أخطاءنا بحجة أننا بشر غير معصومين . يقول الإمام محمد بن سيرين : " ظلمك لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره " ، ويقول ابن القيم : " كيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق " .
7. إذا رماك الناس بالطوب ، فاجمع هذا الطوب لتسهم في تعمير بيت .. وإذا رموك بالزهور فوزعها على الذين علّموك .. الذين أخذوا بيدك وأنت تكافح عند سفح الجبل
8. كن واثقا بالله تعالى أولا ثم بنفسك .. وتعرف على عيوبك .. وتيقن أنك لو تخلصت من عيوبك لكنت أكثر قربا من أحلامك . تذكر أخطاءك لتتخلص من عيوبك. وانس أخطاء إخوانك وأصدقائك كي تحافظ عليهم .. واعلم أن من سعادة المرء اشتغاله بعيوب نفسه عن عيوب غيره ..
9. إذا نجحت في أمر .. فلا تدع الغرور يتسلل إلى قلبك .. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول : " وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد " رواه مسلم. ويقول تعالى : " فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى(32)" النجم. وإذا وقعت على الأرض فلا تدع الجهل يوهمك أن الناس قد حفروا لك الحفرة .. حاول الوقوف من جديد وافتح عينيك وعقلك كي لا تقع في حفر الأيام ونكبات الليالي . إذا وقعت فتعلم كي تقف لا كيف تجزع .. وإذا وقفت فتذكر الواقعين على الأرض .. لتنحني لهم وتساعدهم على الوقوف .(/1)
10. إذا انتصرت على خصومك فلا تشمت بهم .. وإذا أصيبوا بمصيبة فشاركهم ولو بالدعاء . فالله تعالى يقول : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ(43) الشورى . ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " اللهم لا تشمت بي عدوا حاسدا " .وقال عليه الصلاة والسلام : " لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك " . رواه الترمذي .
11. لا تجمع بين القناعة والخمول .. ولا بين العزة والغرور .. ولا بين التواضع والمذلة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين رواه ابن ماجة
11. اختر لنفسك من الصالحين صديقا واحرص عليه .. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " رواه الترمذي . لا تعاتبه في كل صغيرة وكبيرة. غض الطرف عن زلاته ، فإن الكمال لله تعالى وحده .. ضع نصب عينيك إخلاصه لله ، وسلوكه المستقيم .. حافظ عليه ، فإنك إن ضيعته فقد لا تجد من يشاركك هموم الحياة ويدلك على الخير . قال عبد الله بن جعفر : عليك بصحبة من إذا صحبته زانك ، وإن غبت عنه صانك ، وإن احتجت إليه عانك ، وإن رأى منك خلة سدها أو حسنة عدها وأصلحها " .
12. لا تخاصم الآخرين ، فالخصام يمزق حبل الصداقة ، ويخلق سدودا وهمية بين الأرواح. اجعل نفسك في كل عام أوسع صدرا من عامك الذي مضى ، فالسعداء لا تضيق صدورهم .. وهم يتسامحون مع غيرهم ويحتملون عيوبهم .. وانس إساءة الناس وتذكر جميلهم
13. تسامح مع الذين أخطأوا في حقك ، والتمس لهم الأعذار .. تسامح وأسرف في
تسامحك .. فالتسامح يطيل العمر ، ويعيد إليك الثقة بالناس واحترام الآخرين لك .. اغسل تجاعيد الكراهية من قلبك وذاكرتك .. وتعلم أن تعاقب من أساؤوا إليك بالنسيان لا بضربهم بالسكاكين . : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم ، كان إذا خرج من بيته قال : إني تصدقت بعرضي على الناس " رواه أبو داوود . قال الإمام النووي : أي لا أطلب مظلمتي ممن ظلمني لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهذا ينفع في إسقاط مظلمة كانت موجودة قبل الإبراء ، فأما ما يحدث بعده فلا بد من إبراء جديد بعدها " .
14. أعط الآخرين من قلبك وعقلك ومالك ووقتك .. ولا تقدم لهم فواتير الحساب .. وإذا ساعدت غيرك فلا تطلب من الناس أن يساعدوك .. وليكن عملك خالصا لوجه الله تعالى .وإذا أنت أسديت جميلا إلى إنسان فحذار أن تذكره ,وإن أسدى إنسان إليك جميلا فحذار أن تنساه. قال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى " البقرة 264 .
وتذكر قول الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
15. اعتبر كل فشل يصادفك إحدى تجارب الحياة التي تسبق كل نجاح وانتصار .. فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر .قال أحدهم :النجاح سلالم لاتستطيع أن ترتقيها ويداك في جيبك.!!
16. احمد الله تعالى على طبق الفول .. ولا تلعن الأيام لأنها لم تقدم لك طبق الكافيار في كل يوم . كن قنوعا .. وإياك والحسد ، فالله تعالى قد اختص أناسا بنعمة أسداها إليهم .. فلا تتمنى زوال النعمة عن الآخرين .. بل اسأل الله تعالى من فضله .. فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس ،وكن قتعا تكن أشكر الناس ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا ،وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وأقلّ الضحك فإن كثر الضحك تميت القلب " رواه ابن ماجة .
17. لا تنس في كل يوم أن تطلب من الله العفو والعافية . ففي الحديث الذي رواه الترمذي ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اسألوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية " رواه الترمذي
18. اسأل الله تعالى علما نافعا ورزقا واسعا . فالعلم هو الخزانة التي لا يتسلل إليها اللصوص .. وألف دينار في يد الجاهل تصبح حفنة من التراب ، وحفنة من التراب في يد متعلم تتحول إلى ألف دينار .. قال علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – لرجل من أصحابه : يا عميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكوا بالإنفاق " . والعلم يحطم الغرور .. والغرور هو قشرة الموز التي تتزحلق عليها ، وأنت تتسلق حبل النجاح .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله علما نافعا ، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع " . رواه ابن ماجة . ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ،ومن قلب لا يخشع ،ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع ، ومن هؤلاء الأربع " رواه ابن ماجة .(/2)
19. حاول أن تسعد كل من حولك ، لتسعد ويسعد الآخرون من حولك .. فأنت لا تستطيع الضحك بين الدموع .. ولا الاستمتاع بنور الفجر وحولك من يعيش في الظلام. وسعادة الإنسان تتضاعف بعدد الذين تنجح في إسعادهم .. وإذا اتسع رزقك ، فحاول أن تسعد الناس ببعض مالك .. وإذا ضاق رزقك ، فحاول أن تسعدهم بالكلمة الطبية .. . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له " . رواه مسلم . وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة " رواه الشيخان . وقال عليه الصلاة والسلام : لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " رواه مسلم
20حاول أن تتذكر الذين ساعدوك في أيام محنتك .. والذين مدوا لك أيديهم وأنت تتعثر .. والذين وقفوا معك عندما أدارت لك الدنيا ظهرها .. والذين أخرجوك من وحدتك يوم تخلى عنك بعض من حولك .. لا تقل إنك شكرتهم ورددت لهم الجميل .. اشكرهم مرة أخرى ، ورد لهم الجميل كلما استطعت . قال عليه الصلاة والسلام : " من لا يشكر الناس لا يشكر الله " رواه الترمذي .وقال عليه الصلاة والسلام : من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " . رواه أبو داوود .
21. حاول أن تتذكر أسماء الذين أسأت إليهم من غير قصد .. اسأل الله تعالى أن يعفوا عنك ، وادع الله لهم أن يطلبوا منه الغفران لك . ولا تحاسب الناس .. فحسابهم إضاعة للوقت ..
22. خذ بيد الضعيف حتى يسترد قوته .. وقف بجانب اليائس حتى يبصر بارقة الأمل .. وكن مع الفاشل حتى يدرك طريق النجاح . حاول أن تضمد جروح بعض الناس ، وتسهم في ترميم بيوت آيلة للسقوط . وتأمل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في تجسيد العلاقة القائمة بينك وبين الآخرين : " المؤمن مرآة المؤمن ، والمؤمن أخو المؤمن ، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه " رواه أبو داوود وحسنه الألباني .
23. إذا زحف الظلام ، فكن أحد حملة الشموع ، لا أحد الذين يقذفون الفوانيس بالحجارة .. وإذا جاء الفجر ، فكن من بين الذين يستقبلون أشعة النهار ، لا أحد الكسالى الذين لا يدركون شروق الشمس .
24. حاول أن تسدد بعض ديون الناس عليك . فبعضهم أعطاك خلاصة تجاربه خلال أعوام من الزمان مضت .. وبعضهم أعطاك ثقته ، فلم تقف وحدك في مواجهة عواصف الحياة .. وبعضهم أضاء لك شمعة وسط الظلام ، فأبصرت الطريق في النهار .. وبعضهم ملأ عقلك .. وآخرون ملأوا قلبك .. وأعظم من ذلك ، شكر المولى تعالى المتفضل عليك بالنعم كلها ، وكيف بنا إذا قال لنا الله تعالى يوم القيامة – كما في الحديث القدسي الذي يرويه مسلم - : " يا بن آدم ، حملتك على الخيل والإبل وزوّجتك النساء وجعلتك تربع وترأس ، فأين شكر ذلك ؟ " فهل أعددنا لذاك السؤال جوابا ..!!
25. إذا اقتربت من قمة الجبل ، فلا تدع الغرور يفقدك صوابك ، ولا تتوهم أن الذين يقفون عند السفح هم الأقزام .. قال الله تعالى : " وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(18) " لقمان . ولقد سئل الحسن البصري عن التواضع فقال : التواضع هو أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلا رأيت له عليك فضلا .
تغلب على أنانيتك ، ومد يدك لتساعد الواقفين عند السفح للوصول إلى قمة الجبل . وإذا تعثرت قدمك بعد الوصول إلى قمة الجبل فلا تتهم غيرك بأنهم سبب وقوعك . تعرف على أخطائك وعيوبك ، حتى إذا وصلت إلى قمة الجبل مرة أخرى عرفت كيف تثبت أقدامك بزيادة عدد الذين يقفون معك عند القمة .
26. لا تفتش عن عيوب الآخرين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم " رواه مسلم . قال الخطابي : معناه ، لا يزال يعيب الناس ويذكر مساوئهم ويقول فسد الناس وهلكوا ، فإن فعل ذلك فهو أسوأ حالا منهم فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة منهم " .قال مالك : إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس من أمر دينهم فلا أرى به بأسا ، وإذا قال ذلك عجبا في نفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي يُنهى عنه " .
27. لا تجعل لليأس طريقا إلى قلبك ، فاليأس يغمض العيون .. فلا ترى الأبواب المفتوحة ولا الأيدي الممدودة .قال تعالى : " قُلْ يا عبادي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) الزمر .
28. أيقن بأنك إذا أتقنت عملك وأحببته وتفانيت فيه .. تستطيع أن تحقق ما عجز عنه الآخرون ، ولا تنس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " رواه أبو يعلى(/3)
29. تذكر أن المؤمن يستطيع أن يحتمل الجوع ، ويستطيع أن يحتمل الحرمان .. يستطيع أن يعيش في العراء .. ولكنه لا يستطيع أن يعيش ذليلا .. والله تعالى يقول : " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ "
.3. حاسب نفسك قبل أن تحاسب .. وأحص أعمالك قبل أن تحصى عليك .. . قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18) " سورة الحشر . قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنه أهون لحسابكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا ليوم تعرضون فيه لا تخفى منكم خافية "
**********************(/4)
ثلاثون وصية تسعدين بها زوجك
الدكتور حسان شمسي باشا
ليس في العالم كله مكان بضاهي البيت السعيد جمالا وراحة . فأينما سافرنا ، وأنى هللنا ، لا نجد أفضل من البيت الذي تخيم عليه ظلال السعادة .
والبيت السعيد هو ذلك البيت الذي لا خصام فيه ولا نزاع .. الذي لا يُسمع فيه الكلام اللاذع القاسي ، ولا النقد المرير . هو البيت الذي يأوي إليه أفراد الأسرة فيجدون فيه الراحة والهدوء والطمأنينة .
وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيئية على الوالدين . ولكننا أردنا هذا المقال أن نبين كيف تستطيع المرأة بذكائها وحكمتها وحسن معاملتها أن تسعد زوجها و من ثم تسعد بيتها .
1. تذكري أنك أنت مسؤولة عن إسعاد زوجك وأولادك ، وتذكري أن رضا زوجك عنك يدخلك الجنة . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة " .
2. لا تحمِّلي زوجك ما يفوق طاقته . فلا تحشري رغباتك ولا تكدسي طلباتك مرة واحدة ، حتى لا يرهق زوجك فيهرب منك . وإذا أصررت على مطالبك الكثيرة ، فقد يرفضها جميعا ويرفضك أنت رفضا تاما ، غير آسف ولا نادم . وتذكري ما قاله عمر بن عبد العزيز لابنه : " إنني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملةً ، فيرفضونه جملةً " .
وعن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يحب المرأة المَلِقَةَ البزْعة
( أي الظريفة ) مع زوجها ،الحصان ( أي الممتنعة عن غيره ) "
3. لا تكلفيه أن يتحلى مرة واحدة بكل الصفات والفضائل والمكارم التي تشتهين أن
تجتمع فيه . فمن النادر جدا أن تجتمع كل تلك الصفات في شخص واحد !
4. حين يتزوج رجل امرأة ، يتعلق بصورتها الحلوة كما رآها في الواقع ، ويود أن يحفظ لها هذه الصورة سليمة صافية ساحرة طوال حياته ، فلا تشوهي صورتك التي في ذهنه .
حافظي على جمالك وأناقتك ، ونضرة صحتك ، ورشاقة حركاتك ، وحلاوة حديثك ، ولا تتحدثي بصوت أجش ، ولا ترددي ألفاظا سوقية هابطة ، وإذا تخليت عن هذه السمات النسوية المطلوبة ، أو أهملت شيئا منها ، هبطت صورتك في نظر زوجك ، وابتعدت أنت عن الصورة النسوية الرائعة التي ينشدها كل رجل في امرأته .
جاء في وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمرأة الصالحة أنه قال : " … وإذا نظر إليها (أي
زوجته) سرَّته "
5. حافظي على تدينك . التزمي بالحجاب الإسلامي ، ولا تتساهلي في أن يرى أحدٌ شيئا من جسدك ولو للمحة عابرة ، فإن زوجك يغار عليك ويحرص على ألا يراك إلا من تحل له رؤيتك .
تزوج رجل بنتا أُعجب بحجابها وتدينها ، حين ردت على صاحبتها في مناقشة مسموعة ، إذ قالت " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " . وقال لها إنه سيظل دائما يتصورها بهذه الصورة الطاهرة السامية : مؤمنة بالله ، راضية بقدره ، متمسكة بالمبادئ السامية والأفكار الطاهرة . ولعل زوجك يرى فيك مثل ذلك ، فلا تحطمي صورتك في قلبه وعقله تجملي لزوجك قبل أن يأتي إلى البيت في المساء ، فيراك في أحسن حال . البسي ثوبا نظيفا لائقا ، واستعملي من العطور ما يحب ، ضعي على صدرك شيئا من الحلي التي أهداها إليك ، فهو يحب أن يرى أثر هداياه عليك ، وكوني كما لو كنت في زيارة إحدى صديقاتك أو قريباتك .
6. لا تنشغلي بأعمال البيت عن زوجك ، فتظهر كل أعمال الطهي والتنظيف والترتيب عندما يأتي الزوج إلى بيته متعبا مرهقا . فلا يراك إلا في المطبخ ، أو في ثياب التنظيف والعمل !! قومي بهذه الأعمال في غيابه .
7. رتبي بيتك على أحسن حال . غيري من ترتيب غرفة الجلوس من حين لآخر . ضعي لمساتك الفنية في انتقاء مواضع اللوحات أو قطع التزيين وغيرها .
8. لا تتحسري على العاطفة الملتهبة ، ومشاعر الحب الفياضة وأحلام اليقظة التي كنت تعيشين فيها قبل الزواج ، فهي تهدأ بعد الزواج وتتحول إلى عاطفة هادئة متزنة
9. إذا كان الرجل هو صاحب الكلمة الأولى في العلاقة الزوجية ، فأنت المسؤولة عن النجاح والتوافق والانسجام في الزواج . ومهما بلغتِ من علم وثقافة ، ومنصب وسلطان، ارضخي لزوجك والجئي إليه ، ولا تصطدمي معه في الرأي . واهتمي في مناقشاتك معه بأن تتبادلي الأفكار مع زوجك تبادلا فعليا ، فتفاعل الآراء المثمر خير من استقطابها استقطابا مدمرا .
10. أشعري زوجك دائما بمشاركتك له في مشاعره وأفراحه ، وهمومه وأحاسيسه . أشعريه أنه يحيا في جنة هادئة وادعة ، حتى يتفرغ للعمل والإبداع والإنتاج مما يجعل حياته حافلة مثمرة .
11. جربي الكلام الحلو المفيد ، والابتسامة المشرقة المضيئة ، والفكاهة المنعشة ، والبشاشة الممتعة ، وابتعدي عن الحزن والغم ، والهذر واللغو ، والعبوس والتجهم ، والكآبة والاكتئاب .
12. أظهري لزوجك مهارتك وبراعتك وتفوقك على سائر النساء ، وسيزداد تمسك زوجك بك ، واعتزازه بصفاتك الشخصية ، حين تتقنين كل شيء تعملينه .(/1)
13. لا تضيعي وقتك في ثرثرات هاتفية مع صاحباتك ، أو في قراءة مجلات تافهة تتحدث عن أخبار الممثلين والممثلات ، والمغنين والمغنيات ، وفي قراءة قصص الحب والعلاقات الغرامية والأوهام . فما أكثر تلك المجلات في أيامنا ، وما أكثر النساء اللواتي يقضين معظم أوقاتهن في قراءة تلك المجلات التافهة الهابطة .
اختاري من المجلات ما يفيد ذهنك وعقلك وقلبك ، وما يزيدك ثقافة وتعينك على حل مشاكل البيت والأولاد .
15 . اختاري من برامج التلفاز ما يفيدك ويزيدك ثقافة وخبرة ، ولا تضيعي وقتك في المسلسلات الهابطة والأفلام المائعة .
16 . شجعي زوجك على النشاط الرياضي والبدني خارج البيت . امش معه إن أمكن واستمتعا بالهواء الطلق في عطلة نهاية الأسبوع وكلما سنحت الفرصة لذلك .
17 تخيري الأوقات المناسبة لعرض مشاكل الأسرة ومناقشة حلها ، إذ يصعب حل المشاكل قبل خروج زوجك للعمل في الصباح بسبب قلة الوقت ، ولا تناقشي أي مشكلة عند عودته من عمله في المساء مرهقا متعبا . ولعل المساء هو أفضل فترة لمناقشة المشاكل ومحاولة حلها ، ولا تناقشي مشاكل الأبناء في حضورهم ، حتى لا يشعروا أنهم أعباء ثقيلة عليك وعلى زوجك ، وأنهم سبب الخلاف بين الوالدين .
18 لا تسرعي بالشكوى إلى زوجك بمجرد دخوله البيت من أمور تافهة مثل صراخ الأولاد . ولا تطلبي من زوجك أن يلعب دور الشرطي للأولاد ، يقبض على المتهم ويحاكمه أو يضر به .
19 لا تنتقدي سلوك زوجك أمام أطفاله ، ولا تستعملي ألفاظا غير لائقة يرددها الأبناء من بعدها مثل " جاء البعبع " أو " وصل الهم " …
فبعض النساء ، إن تكاسل ولدها في المذاكرة قالت له : لن تنجح أبدا في حياتك فأنت كسول فاشل مثل أبيك ، وإذا مرض زوجها قللت من أهمية مرضه ، وإن حدثها زوجها بقصة قاطعته قائلة " لقد سمعتها من قبل .. " وغير ذلك من الأمور التي قد تبدو تافهة ولكنها تحمل في طياتها الكثير من الآلام للزوج !!
20.حذار حذار من الإفراط في الغيرة و العتاب ، وتجنبي التصرفات التي تؤجج غيرة زوجك ، وتبلبل أفكاره . أوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابنته فقال : " إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق ، وإياك وكثرة العتب فإنه يورد البغضاء "
21.إياك أن تغاري من حب زوجك لأمه وأبيه . فكيف نقبل من زوجة مسلمة أن تبدأ حياتها بالغيرة من حب زوجها لأهله ، وهو حب فطري أوجبه الله على المسلمين لا يمس حب زوجها لها من قريب أو بعيد ؟ وكيف نقبل من زوجة مسلمة أن توحي لزوجها أن يبدأ حياته معها بمعصية الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في أهله ، يعق والديه ويقطع رحمه من أجل رضا زوجته ؟!
وهو ما أنبأ عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تغيير حال المسلمين وأخلاقهم في المستقبل ، فأخبر بأنه في ذلك الزمان : " أطاع الرجل زوجته وعق أمه ، وبر صديقه وجفا أباه "
22. لا تنقلي مشاكل بيتك إلى أهلك ، فتوغري صدور أهلك ضد زوجك . بل حلي تلك المشاكل بالتعاون مع زوجك .
لا تستعل على زوجك إذا ما كنت أغنى منه أو أعلى حسبا ونسبا أو أكثر ثقافة وعلما ، فلا يجوز استصغار الزوج وانتقاص قدره والتعالي عليه . يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه " .
24.لا تمتنعي على زوجك في المعاشرة الزوجية . قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إذا دعا الرجل
امرأته إلى فراشه ، فلم تأته ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " .
وتذكري أن أول حقوق للزوج على زوجه طاعتها له . فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " .
ولا تصومي نفلا إلا بإذن زوجك . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ( أي في غير رمضان ) ولا تأذن في بيته إلا بإذنه "
25. لا تنسِ فضل زوجك عليكِ ، فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - تناسي فضل الزوج سببا لدخول المرأة النار ، وسمَّاه كفراً . فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" أُريتُ النار ، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن " . قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ( أي الزوج ) ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهرَ ، ثم رأتْ منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط " .
26. حافظي على أموال زوجك ، ولا تنفقي شيئا من ماله إلا بإذنه ، وبعد أن تستوثق من رضاه . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذنه . قيل يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال : ذلك أفضل أموالنا " .
وإذا أعسر زوجك فتصدقي عليه من مالك ، وإن لم يكن لك مال ، فاصبري على شظف العيش معه لعل الله تعالى يفرج عليكما .(/2)
27. إذا كنت من الأمهات العاملات ، فلا تتصوري أن ما يحتاج إليه زوجك وأولادك هو المال وحده ، فتغدق الأم عليهم المال تعويضا عن تقصيرها في أداء مهامها الإنسانية . وهيهات هيهات أن يتساوى اللبن الصناعي مع لبن الأم الرباني الطبيعي . أو يتساوى حنان الخادمة مع حنان الأم .. وطعام الخادمة الكافرة مع طعام الزوجة النظيفة ، وتربية المربية الجاهلة مع تربية الأم الواعية .
28. لا تضجري من عمل زوجك ، فإن أسوأ ما تصنع بعض النساء هو إعلان الضجر من عمل الزوج . والإعلان يكون عادة في خلق النكد ، والدأب على الشكوى ، واتهام الزوج بإهمالها .. واللجوء إلى بيت أمها غضبى .
29. تذكري أن الزوج الذي اعتاد أن يرى أمه هي أول من تستيقظ من نومها ، ثم توقظ كل من في البيت بعد ذلك ، وتجهز لهم الفطور ، وتعاون الصغار في ارتداء ملابسهم ، لن يرضى بامرأة اعتادت أن تنام حتى منتصف الشمس في كبد السماء . !!
30. تذكري أن البيت المملوء بالحب والسلام ، والتقدير المتبادل والاحترام، مع طعام مكون من كسرة خبز وماء ، خير من بيت مليء بالذبائح واللحوم وأشهى الطعام ، وهو مليء بالنكد والخصام !!
رواه ابن ماجة والترمذي
رواه الديلمي
رواه ابن ماجة
رواه الترمذي
رواه النسائي والبزار والحاكم وقال صحيح الإسناد
متفق عليه
رواه الترمذي وصححه
رواه البخاري
رواه البخاري
رواه الترمذي بسند جيد(/3)
ثلاثون وقفة في فن الدعوة
... ثلاثون وقفة في فن الدعوة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ونستغفره ، ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فإن الدعوة فن يجيده الدعاة الصادقون ، كفن البناء للبناة المهرة ، وفن الصناعة للصناعة الحذاق ، وكان لزاما على الدعاة أن يحملوا هموم الدعوة ، ويجيدوا إيصالها للناس ، لأنهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم .
ولابد للدعاة أن يدرسوا الدعوة ، لوازمها ، ونتائجها ، وأساليبها ، وما يجد في الدعوة ، وكان لزاما عليهم أن يتقوا الله في الميثاق الذي حملوه من معلم الخير صلى الله عليه وسلم النبي صلي الله عليه وسلم فإنهم ورثة الأنبياء والرسل ، وهم أهل الأمانة الملقاة على عواتقهم
فإذا علم ذلك فإن أي خطأ يرتكبه الداعية فإن ذلك سيؤثر في الأمة ، وسيكون الدعاة هم المسئولون بالدرجة الأولى عما يحدث من خطأ أو يرتكب من فشل ؛ بسبب أنهم هم رواد السفينة التي إذا قادوها إلى بر الأمان نجت بإذن الله .
لذا فإن على الدعاة آدابا لابد أن يتحلوا بها حتى يكونوا رسل هداية ، ومشاعل حق وخير ، يؤدون الرسالة كما أرادها الله .
1ـ الإخلاص في الدعوة :
إن الإخلاص في العمل هو أساس النجاح فيه ، لذا فإن على الدعاة الإخلاص في دعوتهم ، وأن يقصدوا ربهم في عملهم ، وألا يتطلعوا إلى مكاسب دنيوية زائلة إلى حطام فان ، ولسان الواحد منهم يقول : ( مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)(الفرقان: 57) . (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)(سبأ: 47).فلا يطلب الداعي منصبا ، ولا مكانا ، ولا منزلة ، ولا شهرة ، بل يريد بعمله وجه الواحد الأحد . (( خذ كل دنياكم ، واتركوا فؤادي حرا طليقا غريبا ، فإني أعظمكم ثروة ، وإن خلتموني وحيدا سليبا )) .
2ـ تحديد الهدف :
يجب أن يكون هدف الداعية واضحا أمامه ، وهو إقامة الدين وهيمنة الصلاح ، وإنهاء أو تقليص الفساد في العالم ( أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(هود: 88) .
3ـ التحلي بصفات المجاهدين :
الداعية كالمجاهد في سبيل الله ، فكما أن ذاك على ثغر من الثغور ، فهذا على ثغر من الثغور ، وكما أن المجاهد يقاتل في سبيل أعداء الله ، فهذا يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشهوات والشبهات ، ، وإغواء الجيل ، وانحطاط الأمة ، وإيقاعها في حماة الرذيلة . ( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)(النساء: 27) .
فيجب على الداعية التحلي بما يتحلى به المجاهد ، وأن يصابر الأعداء فيضرب الرقاب . ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا )(محمد: 4) .
4ـ طلب العلم النافع :
يلزم الداعية أن يطلب العلم النافع الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم ، ليدعو على بصيرة ؛ فإن الله قال في محكم تنزيله : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).
قال مجاهد (( البصيرة : أي العلم )) ، وقال غيره : (( البصيرة : أي الحكمة )) .. وقال آخر : (( البصيرة : التوحيد )) .
والحقيقة أن المعاني الثلاثة متداخلة ، ولابد للداعي أن يكون موحد للواحد الأحد ، لا يخاف إلا من الله ، ولا يرجو إلا الله ، ولا يرهب إلا الله ، ولا يكون أحد أشد حبا له من الله ـ عز وجل .
ولابد أن يكون ذا علم نافع ، وهو علم قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليدعو الناس على بصيرة ، فيحفظ كتاب الله أو ما تيسير من كتاب الله ـ عز وجل ـ ويعنى بالأحاديث عناية فائقة فيخرجها ، ويصح المصحح منها ، ويضعف الضعيف حتى يثق الناس بعلمه النبي صلي الله عليه وسلم ويعلم الناس أن يحترم أفكارهم ، وأن يحترم حضورهم ، فيجب أن الجمهور بأن يحضر لهم علما نافعا ، جديد بناء ، مرسوما على منهج أهل السنة والجماعة .
كذلك علي الداعية أن يكون حريصاً علي أوقاته في حله وترحاله، في إقامته وسفره، في مجالسه، فيناقش المسائل النبي صلي الله عليه وسلم ويبحث مع طلبة العلم، ويحترم الكبير، ويستفيد من ذوي العلم، ومن ذوي التجربة والعقل.
إذا فعل ذلك سدد الله سهامه، ونفع بكلامه، وأقام حجته، وأقام برهانه.
5- ألا يعيش المثاليات:(/1)
ومما ينبغي علي الداعية ألا يعيش المثاليات، وأن يعلم أنه مقصر، وان الناس مقصرون، قال سبحانه وتعالي:(( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ و)(النور: الآية21) . فهو الكامل ت سبحانه وتعاليـ وحده، والنقص لنا، ذهب الله بالكمال، وأبقي كل نقص لذلك الإنسان، فما دام أن الإنسان خلق من نقص فعلي الداعية أن يتعامل معه علي هذا الاعتبار سواء كانوا رجالاً أو شباباً أو نساء، قال سبحانه وتعالي: ) إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)(لنجم: الآية32).
فما دام الله قد أنشأكم من الأرض ، من الطين، من التراب، فأنتم ناقصون لا محالة، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع الناس علي أنهم ناقصون، وعلي أنهم مقصرون، يري المقصر منهم فيعينه ويساعده ويشجعه، ويأخذ بيده إلي الطريق.
والداعية الذي يعيش المثاليات لا يصلح للناس، فإنه يتصور في الخيال أن الناس ملائكة، الخلاف بينهم وبين الملائكة الأكل والشرب!!وهذا خطأ ، خاصة في مثل القرن الخامس عشر الذي لا يوجد فيه محمد صلي الله عليه وسلم ولا الصحابة الأخيار ، وقل أهل العلم، وكثرت الشبهات، وانحدرت علينا البدع من كل مكان ، وأغرقنا بالشبهات، ،وحاربتنا وسائل مدروسة، درست في مجالس عالمية وراءها الصهيونية العالمية وأذنابها!!
فحق علي العالم، وحق علي الداعية أن يتعامل مع هذا الجيل ويتوقع منه الخطأ، ويعلم أن الإنسان سوف يحيد عن الطريق؛ فلا يعيش المثاليات .
6- عدم اليأس من رحمة الله:
يجب علي الداعية ألا يغضب إن طرح عليه شباب مشكلة، وأنه وقع في معصية، فقد أتي الرسول صلي الله عليه وسلم برجل شرب الخمر وهو من الصحابة أكثر من خمسين مرة!!
ثبت هذا في الصحيح، فلما أتي به ليقام عليه الحد، قال بعض الصحابة: أخزه الله، ما أكثر ما يؤتي به! فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال للرجل: (( لا تقل ذلك لا تعن الشيطان عليه، والذي نفسي بيده، ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)).
فما احسن الحكمة، وما أعظم التوجيه!!
لذلك نقول دائماً: لا تيأس من الناس مهما بدرت منهم المعاصي والمخالفات والأخطاء، واعتبر أنهم أمل هذه الأمة، وأنهم في يوم من الأيام سوف تفتح لهم أبواب التوبة، وسوف تراهم صادقين مخلصين، تائبين متوضئين.
وينبغي علي الداعية ألا ييأس من استجابة الناس، بل عليه أن يصبر ويثابر، ويسأل الله لهم الهداية في السجود، ولا يستعجل عليهم، فإن رسولنا صلي الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشرة سنة يدعو إلي (( لا إله إلا الله))، فلم ييأس مع كثرة الإيذاء!! ومع كثرة السب!! ومع كثرة الشتم!! واعلم أن ما يتعرض له من صعوبات لا يقارن بما تعرض له النبي صلي الله عليه وسلم ، مع ذلك صبر وتحمل كل ذلك ولم يغضب، حتى أتاه ملك الجبال! فقال له: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثتي ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له رسول صلي الله عليه وسلم : ((بل أرجو أن يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً)).
فأخرج الله من أصلاب الكفرة القادة ، فمن صلب الوليد بن المغيرة: خالد بن الوليد، ومن صلب أبي جهل: عكرمة بن أبي جهل.
فما احسن الطريقة، وما أحسن ألا يياس الداعية؛ وأن يعلم أن العاصي قد يتحول بعد عصيانه إلي إمام مسجد! أو إلي خطيب ! أو إلي عالم!
من الذي ما أساء قط؟! ومن له الحسنى فقط؟!
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها
كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه!
تريد مهذباً لا عيب فيه
وهل عود يفوح بلا دخان؟!
هذا لا يصلح علي منهج الكتاب والسنة.
فلا تقنط من رحمة الله فإن رحمة الله وسعت كل شي، وهو الرحمن الرحيم، الذي يقول في الحديث القدسي الذي رواه أحمد والترمزي بسند حسن : (( يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم ، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بها مغفرة)).
وعلي الداعية ألا ييأس من المدعوين بسبب معاصيهم وإنما عليه أن يعايش الجميع، الكبير والصغير، الصالح والطالح، المطيع والعاصى ، ولتعلم أن هذا العاصي قد يكون في يوم الأيام من رجال الدعوة ، وقد يكون من أولياء الله ، فلا تيأس، وعليك أن تتدرج معه، وأن تأخذ بيده رويداً رويداً، وألا تجابهه، وألا تقاطعه.
جاء وفد ثقيف إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فدعاهم إلي الدين فقالوا. نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله ، ولكن أما الصلاة فلا نصلي! وأما الزكاة فلا تزكي! ولا نجاهد في سيبل الله!!(/2)
فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( أما الصلاة، فلا خير في دين لا صلاة فيه)) وأما الصدقة والجهاد فقد قال صلي الله عليه وسلم بعد ذلك: (( ستصدقون ويجاهدون إذا اسلموا)).
فاسلموا ، فأدخل الله الإيمان في قلوبهم، فصلوا وزكوا وجاهدوا، وقتل بعضهم وراء نهر سيحون وجيحون في سبيل الله! وقتل بعضهم في قندهار.
فلا ييأس الإنسان من دعوة الناس إلي سبيل الله سبحانه وتعالي، وليعلم أنهم في مرحلة من المراحل سوف يهتدون وسوف يعودون إلي الله سبحانه وتعالي.
فلا تقنط شارب الخمر من توبته إلي الله، ولا تقنط السارق ولا الزاني، ولا القاتل ، بل حبببهم إلي الهداية، وقل لهم هناك رب رحيم، يقول في محكم التنزيل: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) .
قال علي رضي الله عنه وأرضاه: (( الحكم من لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يورطهم في معصية الله)).
ومن آداب الداعية كذلك ألا يهون علي الناس المعاصي ، بل يخوفهم من الواحد الأحد، فيكون في دعوته وسطاً بين الخوف والرجاء، فإن بعض الدعاة قد يتساهل مع بعض الناس في المعاصي! كلما ارتكبت كبيرة قال: (( سهلة))! وكلما أتى بأخطاء قال: (( أمرها بسيط))!
أفلا يعلم أن هناك رباً يغضب إذا انتهكت حدوده؟! وأن هناك سلطاناً عظيماً علي العرش استوي، لا يرضى أن تنتهك محارمه، وقد صح في الحديث الصحيح أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( تعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده، إني أغير من سعد، وإن الله أغير مني)).
وقد ورد من صفاته ـ سبحانه وتعالي ـ كما في الصحيح من حديث ابن مسعود : (( إن الله غيور ، ومن غيرته سبحانه وتعالي أنه يغار علي عبده المؤمن أن يزني ، وعلي أمته المؤمنة أن تزني)).
7- عدم الهجوم علي الأشخاص بأسمائهم:
من مواصفات الداعية ألا يهاجم الأشخاص بأسمائهم، فلا ينبذهم علي المنابر بأسمائهم أمام الناس، بل يفعل كما فعل الرسول صلي الله عليه وسلم ويقول : (( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)). فيعرف صاحب الخطأ خطأه ولكن لا يشهر به.
أما إن كان هناك رجل جاهر الله بكتاباته أو بانحرافه أو بأدبه أو ببدعته، أو بدعوته إلي المجون ن فهذا لا باس أن يشهر به عند أهل العلم، حتى يبين خطره، فقد شهر أهل العلم بالجهم بن صفوان، وقال ابن المبارك في الجهم: هذا المجرم الذي قاد الأمة إلي الهاوي، وابتدع بدعة في الدين قال: عجبت لدجال دعا الناس إلي النار. واشتق اسمه من جهنم، وشهروا كذلك بالجعد بن درهم، وكتبوا أسماءهم في كتب الحديث، وحذروا الناس منهم في المجالس العامة والخاصة، فمثل هؤلاء يشهر بهم، أما الذين يتكتم علي أسمائهم فهم أناس أرادوا الخير فأخطأوا ، وأناس زلت بهم أقدامهم، وأناس أساءوا في مرحلة من المراحل، فهؤلاء لا تحاول أن تظهر أسماءهم في قائمة سوداء فقد يغريهم هذا إلي التمادي في الخطأ، وقد تأخذهم العزة بالإثم!
8- الداعية لا يزكي نفسه عند الناس:
علي الداعية ألا يزكي نفسه عند الناس، بل يعرف أنه مقصر مهما فعل ، ويحمد ربه سبحانه وتعالي أن جعله متحدثاً إلي الناس ، مبلغاً عن رسوله صلي الله عليه وسلم ، فيشكر الله علي هذه النعمة، فإن الله قال لرسوله صلي الله عليه وسلم : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ )(النور: الآية21). وقال له في آخر المطاف بعد أن أدى الرسالة كاملة: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (النصر:1-3)).
*قال أهل العلم: أمره أن يستغفر الله.
فلا يأتي الداعية فيزكي نفسه، ويقول : أنا آمركم دائماً وتصونني! وأنهاكم ولا تمتثلوا نهيي! وأنا دائماً ألاحظ عليكم.. وأنا دائماً أري، وأنا دائماً أيقول، أو أنا دائماً أحدث نفسي إلي متي تعصي هذه الأمة ربها ؟!
فيخرج نفسه من اللوم والعقاب ، وكأنه برئ!! فهاذ خطأ. بل يجعل الذنب واحداً ، والتقصير واحداً ، فيقول لهم: وقعنا كلنا في هذه المسألة، وأخطانا كلنا، والواجب علينا كلنا ، حتى لا يخرج نفسه من اللوم والعتاب ، فما نحن إلا أسرة واحدة، فربما يكون من الجالسين من هو أزكي من الداعية، ون هو أحب إلي الله، وأقرب إليه منه.
9- عدم الإحباط من كثرة الفساد والمفسدين:
فينبغي ألا يصاب الداعية بالإحباط، وألا يصاب بخيبة أمل، وهو يري الألوف تتجه إلي اللهو ، وإلي اللغو، والقلة القليلة تتجه غلي الدروس والمحاضرات، فهذه سنة الله في خلقه: ) وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)(الأحزاب: الآية62) .(/3)
فإن الله ذكر في محكم تنزيله أن أهل المعصية أكثر، وأن الضلال أكثر، وأن المفسدين في الأرض أكثر، فقال : ) وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(سبأ: الآية13) وقال: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)(الأنعام: الآية116) وقال سبحانه وتعالي: )وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف:103) وقال : ) أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس: الآية99) وقال: )لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:22) ) لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)(الأنعام: الآية66) ) إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغ)(الشورى: الآية48). فنحن لا نملك سوطاً ولا عصي، ولا عذاباً ولا حبساً، إنما نملك حباً ودعوة وبسمة نقود الناس بها غلي جنة عرضها السموات والأرض ، فإن استجابوا حمدنا الله، وإن لم يستجيبوا ورفضوا أوكلنا أمرهم لله الذي يحاسبهم ـ سبحانه وتعالي.
قال بعض العلماء: (( الكفار في الأرض اكثر من المسلمين ، وأهل البدعة أكثر من أهل السنة، والمخلصون من أهل السنة اقل من غير المخلصين)).
ومن صفات الداعية أيضاً أنه يعيش واقع الناس ويقرأ حياتهم ويتعرف علي أخبارهم، وقال ـ سبحانه وتعالي ـ لرسوله صلي الله عليه وسلم : )وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55) .
ومن حكمة الله ـ سبحانه وتعالي ـ أنه أحيا رسوله أربعين سنة في مكة، عاش في شعاب مكة، وفي أودية مكة، عرف مساربها ومداخلها، عرف الأطروحات التي وقعت في مكة، وعرف بيوت أهل مكة، واعترض الكفار. وقالوا: ) لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَك)(الأنعام: الآية8). فالله ـ سبحانه وتعالي ـ ذكر أنه لابد أن يكون بشراً ، يعيش آمال الناس، ويعيش هموم الناس ومشكلاتهم، ويعرف احتياجاتهم.
فحق علي الداعية أن يقرأ واقعه، ويستفيد من مجتمعه، وأن يعرف ماذا يدور في البلد؟ وماذا يقال؟ وما هي القضايا المطروحة؟ ويتعرف حتى علي الباعة، وعلي أصناف التجار، وعلي الفلاحين، وعلي طبقات الناس، وأن يلوح بطرفه في الأماكن ، وفي مجامع الناس، وفي الأسواق ، وفي المحلات، وفي الجامعات، وفي الأندية، حتى يكون صاحب خلفية قوية، يتكلم عن واقع يعرفه.
لذا جعل أهل العلم من لوازم الداعية إذا أتي إلي بلد أن يقرأ تاريخ هذا البلد، وكان بعض العلماء إذا سافروا إلي الخارج يأخذون مذكرات عن البلد، وعن تاريخه، وعن جغرافيته، وعن متنزهاته، ويتعرفون علي طبيعة أهله، وكيف يعيشون وماذا يحبون، وماذا يكرهون؟! ويتعرفون علي كيفية التربية في هذا البلد. حتى يتكلموا عن بصيرة.
10- عدم المزايدة علي كتاب الله:
فإن بعض الوعاظ والدعاة يحملهم الإشفاق والغيرة علي الدين علي أن يزيدوا عليه ما ليس فيه، فتجدهم إذا تكلموا عن معصية جعلوا عقابها أكثر مما جعله الله ـ عز وجل ـ حتى إن من يريد أن ينهي عن الدخان وعن شربه يقول مثلاً : (( يا عباد الله، إن من شرب الدخان حرم الله عليه الجنة، وكان جزاؤه جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً))!!
هذا خطأ، لأن هناك موازين في الشريعة.. هناك شرك يخرج عن الملة. وهناك كبائر، وهناك صغائر، وهناك مباحات. قد جعل الله لكل شئ قدراً.
فوضع الندي في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السف في موضع الندي
فعلي الداعي ألا يهول علي الناس في جانب العقاب، كما عليه ألا يهول عليهم في جانب الحسنات كأن يستشهد بالحديث ـ وهو ضعيف ـ الذي يقول: (( صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك)). وحديث ـ وهو باطل ـ : (( من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بني الله له سبعين قصراً في الجنة، في كل قصر سبعون حورية ، علي كل حورية سبعون وصيفاً، ويبقي سبعين من صلاة العصر إلي صلاة المغرب…))!
فالتهويل ليس بصحيح، بل يكون الإنسان متوناً في عباراته، يعرف أنه يوقع عن رب العالمين، وينقل عن معلم الخير صلي الله عليه وسلم.
11- عدم الاستدلال بالأحاديث الموضوعة:
علي الداعية ألا يستدل بحديث موضوع إلا علي سبيل البيان، ويعلم أن السنة ممحصة ومنقاة، وأنها معروضة ولذلك لما أوتي بالمصلوب ـ هذا المجرم الذي وضع أربعة آلاف حديث علي محمد صلي الله عليه وسلم كذباً وزوراً ـ إلي هارون الرشيد ليقتله، فسل هارون الرشيد السيف، قال هذا المجرم اقتلني أو لا تقتلني، والله لقد وضعت علي أمة محمد أربعة آلاف حديث!!
فقال هارون الرشيد :(( ما عليك يا عدو الله يتصدى لها الجهابذة يزيفونها، ويخرجونها كابن المبارك، وأبي إسحاق المزوري)) فما مر ثلاثة أيام إلا نقاها عبد الله بن المبارك وأخرجها، وبين أنها موضوعة جميعا.(/4)
فالأحاديث الموضوعة ـ ولله الحمد ـ مبينة ، ونحذر الدعاة من أن يذكروا للناس حديثاً موضوعاً ، ولو قالوا إنه في مصلحة الدعوة إلي الله، فالمصلحة كل المصلحة فيما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم صحيحاً، لا في الأحاديث الباطلة كحديث علقمة وما واجه مع أمه، وحديث ثعلبة والزكاة، وكأحاديث أخر بواطل، لا يصح الاستشهاد بها؛ لأن ضررها علي الأمة عظيم، وأثرها علي الأمة سقيم، لكن يجوز للداعية أن يبين للناس في محاضرة أو درس أو خطبة الأحاديث الموضوعة حتى يتعرف الناس عليها.
أما الأحاديث الضعيفة فلها شروط ثلاثة للاستدلال بها:
الشرط الأول: ألا يكون ضعيفاً شديد الضعف.
الشرط الثاني: أن تكون القواعد الكلية في الشريعة تسانده وتؤيده.
الشرط الثالث: ألا يكون في الأحكام بل يكون في فضائل الأعمال.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن الإمام احمد أنه قال : (( إذا أتي الحلال والحرام تشددنا، وإذا أتت الفضائل تساهلنا)) وهذا كلام جيد ، ولو أنه غير مجمع عليه.
12- عدم القدح في الهيئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات باسمائها:
وما يجب علي الداعية إلا يقدح في الهيئات ولا المؤسسات بذكر أسمائها، وكذلك الجمعيات والجماعات وغيرها.. لكن عليه أن يبين المنهج الحق، ويبين الباطل، فيعرف صاحب الحق أنه محق، ويعرف صاحب الباطل أنه مخطئ، لأنه إذا تعرض للشعوب جملة، أو للقبائل بأسمائهم أو للجمعيات، أو للمؤسسات، أو للشركات، أتي الآلاف من هؤلاء فنفروا منه، وما استجابوا له.. وتركوا دعوته، وهذا خطأ.
وفي الأدب المفرد مما يروي عنه صلي الله عليه وسلم : (( أن من أفري الفرى أن يهجو الشاعر القبيلة بأسرها))، وهذا خطأ ، فإن من يقول قبيلة كذا كلهم فسدة وفسقة مخطئ! لأنه ما صدق في ذلك فالتعميم عرضة للخطأ.
ولابد أن يكون الداعي لبقاً في اختيار عباراته حتى يكسب القلوب، ولا يثير عليه الشعب، فإن الناس يغضبون لقبائلهم، ويغضبون لشعوبهم، ويغضبون لشركاتهم، ويغضبون لمؤسساتهم، ويغضبون لجمعياتهم.. فليتنبه لهذا، وعليه ألا يظهر بهالة المستعلي علي جمهوره، وعلي أصحابه وعلي أحبابه ، وعلي إخوانه، وعلي المدعوين، كأن يقول ـ مثلاً ـ : أنا قلت ، وفعلت، وكتبت، وراسلت، وغضبت، وألفت! فإن (( أنا)) من الكلمات التي استخدمها إبليس.
يقول ابن القيم رحمه الله: (( وليحذر كل الحذر من طغيان كلمات: أنا، ولي، وعندي، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون، قال إبليس: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(لأعراف: الآية12) وقال فرعون: ) أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْر)(الزخرف: من الآية51) وقال قارون (َ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي )(القصص: الآية78) .
فاجتنب أنا، واجتنب لي، واجتنب عندي.. ولكن تصلح (( أنا)) في مثل : أنا مقصر، كما اقل شيخ الإسلام ـ رحمه الله :
أنا الفقير إلي رب البريات
أنا المسيكين في مجموع حالاتي
مدح أحد الناس ابن تيمه فقال:
أنا المكدي وابن المكدي
وهكذا كان أبي وجدي
فقال: أنا مذنب وأبي مذنب! وجدي مذنب! إلي آدم عليه السلام.
*فواجب علي الداعية أن يظهر دائماً بالتواضع، وأن يلتمس الستر من إخوانه، وأن يبادلهم الشعور، وأن يطلب منهم المشورة والاقتراح، وأن يعلم أن فيهم من هو أعلم منه، وأفصح منه، وأصلح منه.
قال بعض السلف: (( الساكت ينتظر الأجر من الله، والمتكلم ينتظر المقت، فإن المتكلم تخطيء)).
13- أن يجعل الداعية لكل شيء قدراً:
لا ينبغي للداعية أن يعطي المسألة أكبر من حجمها ، فالدين مؤسس، والدين مفروغ منه: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: الآية3) .
فلا يعطي الداعية المسائل أكبر من حجمها، وكذلك لا يصغر المسائل الكبرى أو يهونها عند الناس.. ومن الأمثلة علي ذلك:
أن بعض الدعاة يعطي مسألة إعفاء اللحية أكبر من حجمها حتى كأنها التوحيد الذي يخلد به الناس أو يدخل الناس به الجنة، ويدخل الناس بحلقها النار ويخلدون فيها! مع العلم أنها من السنن الواجبات، ومن حلقها فقد أرتكب محرماً، لكن لا تأخذ حجماً أكبر من حجمها ، وكذلك مسألة إسبال الثياب، والأكل باليسرى ، وغيرها من المسائل. لا يتركها الداعية أو يقول إنها قشور فيخطئ ، ولا يعطيها اكبر من حجمها، فقد جعل الله لكل شي قدراً.
والحر ميزان ، فعليه أن يفعل كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم ، فقد تكلم عن التوحيد في جل أحاديثه ومجالسه، وأعطي المسائل حجمها حتى لا يصاب الناس بإحباط.
فإن التربية الموجهة أن تصف له المسالة السهلة فتكبرها عنده، وتصغر له المسالة الكبرى.
أحياناً يصغر بعض الناس من مسألة السحر، واستخدام السحر، ويقول هو ذنب، مع العلم أنه عند كثير من أهل العلم مخرج من الملة، وحد الساحر ضربه بالسيف، ومع ذلك تجد بعض الدعاة يصغر من مسألة السحر!(/5)
وأحياناً يصغر بعض الدعاة كذلك من شأن الحداثة، والهجوم علي الإسلام في بعض الصحف والمجلات والجرائد، ويقول: هذا ممكن، هذا أمر محتمل، المسألة سهلة ويسيرة!! إلي غير ذلك من الأمور.
14- اللين في الخطاب والشفقة في النصح:
علي الداعية أن يكون ليناً في الخطاب، فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم لين الكلام بشوش الوجه، وكان صلي الله عليه وسلم متواضعاً محبباً إلي الكبير والصغير، يقف مع العجوز ويقضي غرضهن ويأخذ الطفل ويحمله، ويذهب إلي المريض ويعوده، ويقف مع الفقير، ويتحمل جفاء الإعرابي، ويرحب بالضيف، وكان إذا صافح شخصاً لا يخله يده من يده حتى يكون الذي يصافحه هو الذي يخلع، وكان إذا وقف مع شخص لا يعطيه ظهره حتى ينتهي من حديثه، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه صلي الله عليه وسلم لا يقابل أحد بسوء )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)(آل عمران: الآية159) فإذا فعل الإنسان ذلك كان أحب إلي الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة!
ويرسل الله موسى وهارون عليهما السلام إلي فرعون أطغي الطواغيت، ويأمرهما باللين معه فيقول: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44) .
فالقول اللين سحر حلال، قيل لبعض أهل العلم: ما هو السحر الحلال؟ قال: (( تبسمك في وجوه الرجال)). وقال أحدهم يصف الدعاة الأخيار من أمة محمد صلي الله عليه وسلم : (( حنينون، لينون، أيسار بني يسر، تقول لقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري)).
فأدعو الدعاة إلي لين الخطاب، وألا يظهروا للناس التزمت ولا الغضب ، ولا الفظاظة في الأقوال والأفعال ، ولا يأخذوا الناس أخذ الجبابرة، فإنهم حكماء معلمون أتوا رحمة للناس. )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) .
فالرسول صلي الله عليه وسلم رحمة، واتباعه رحمة، وتلاميذه رحمة، والدعاة غلي منهج الله رحمة، وعلي الداعية كذلك أن يثني علي أهل الخير، وأن يشاور إخوانه فلا يستبد برأيه. والله ـ سبحانه وتعالي ـ يقول : ) وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(آل عمران: الآية159) ويقول: ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(الشورى: الآية38).
فيشاور طلابه في الفصل، ويشاور إخوانه، ويشاور أهل الخير ممن هم اكبر منه سناً، ويشاور أهل الدين، ولا بأس أن يعرض عليهم حتى المسائل الخاصة كي يثقوا به، ويخلصوا له النصح ، ويكونوا علي قرب منه، ويشاور أهل الحي، وأهل الحارة، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم جلب حب الناس بسبب المشاورة، فكان يشاورهم حتى في المسائل العظيمة التي تلم بالأمة ، كنزوله في يوم بدر، ومشاورته لصحابه في الأسري ، ونحو ذلك من الغنائم وأمثالها من القضايا الكبرى.
*فعلي الداعية أن يشاور المجتمع ولا بأس أن يكتب لهم بطاقات، وأن يطلب آراءهم ، وإذا وجد مجموعة منهم يقول: ما رأيكم يا إخوة في كذا، وكذا.. فإن رأي الاثنين أفضل من رأي الواحد، ورأي الثلاثة افضل من رأي الاثنين ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )(آل عمران: الآية159).
15- حسن التعامل مع الناس وحفظ قدرهم:
فعلي الداعية أن يثني علي أهل الخير، ويشكر من قدم له معروفاً ، فإن الداعية إذا أثني علي أهل الخير عرفوا أنه يعرف قدرهم، وأنه يعرف الجميل، أما أن تترك صاحب الجميل بلا شكر والمخطئ بلا إدانة وبلا تنبيه، فكأنك ما فعلت شيئاً!
لابد أن تقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأتن لكن بأدب ، فكبار السن يحبون منك أن تحتفل بهم، وأن تعرف أن لهم حق سن الشيخوخة، وأنهم سبقوك في الطاعة، وأنهم اسلموا قبلك بسنوات، فتعرف لهم قدرهم.
وكذلك العلماء والقضاة ، وأعيان الناس، وشيوخ القبائل.. ونحو ذلك من أهل العلم والفضل، وأهل المواهب كالشعراء الإسلاميين، والكتاب الإسلاميين، ومن لهم بلاء حسن ، والتجار الذين ينفقون في سبيل الله.. فتظهر لهم المنزلة وتشكرهم علي ما قدموا حتى تحيي في قلوبهم هذا الفعل الخير، كما كان النبي صلي الله عليه وسلم يقول علي المنبر: (( غفر الله لعثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر)). (( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم))، وكان يقول : (( دعوا لي أصحابي)) يعني أبا بكر الصديق، وكان صلي الله عليه وسلم يشكر عمر، ويخبر ما رأي عمر، وكان يثني علي هذا، ويمدح هذا، ويشكر هذا، فإن هذه من أساليب التربية، وليست من التملك في شيء.
16- أن يعلن الدعوة للمصلحة ، ويسر بها للمصلحة:
فعلي الداعية أن يعلن الدعوة للمصلحة، يعلن بها حيث يكون الإعلان طيباً كالمحاضرة العامة، والموعظة العامة في قرية أو بلدة أو في مدينة، ولكنه إذا أتي ينصح شخصاً بعينه فعليه أن يسر الدعوة، فيأخذه علي حده، ويتلطف له في العبارة ، وينصحه بينه وبينه، قال الشافعي ـ رحمه الله:
تغمدني بنصحك في انفراد
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضي استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي(/6)
فلا تجزع إذا لم تعط طاعه
* فيقصد أنه إذا خالفتني ونصحت الإنسان أما الناس فلا تجزع فسوف يجابهك هذا، وينتقم لنفسه، وقد تأخذه العزة بالإثم ، وكم شكي لي بعض الشباب ـ حفظهم الله ـ أن بعض الناس قد جابهم في مجتمع من الناس أو انتقدهم فأصابهم من ذلك تذمر وانقباض واشمئزاز! وهذا ليس من المصلحة في شيء .
17- الإلمام بالقضايا المعاصرة والثقافة الواردة:
علي الداعية أن يكون ملماً ومطلعاً علي الأطروحات المعاصرة والقضايا الحالية، ويتعرف علي الأفكار الواردة، فيقرأ الكتابات الواردة، وليس بصحيح ما قاله بعض الناس حتى من الفضلاء بعدم قراءة كتب الثقافات الواردة! فإن هذا ليس بصحيح ، فلو لم نقرأ هذه الكتب ونطلع علي هذه الثقافات ما عرفنا كيف نعيش؟ وأين نعيش ؟ ولما عرفنا كيف نتعامل مع هؤلاء الناس؟!
بل أري أن علي الدعاة أن يقرءوا الصحف والمجلات، لكن بحيطة وحذر، حتى لا يصل قليلو الثقافة إلي بعض المجلات الخليعة فتفسد عليهم قلوبهم، لكن إن أرادوا أن يطلعوا فليطلعوا بانفراد وتأمل، ليعرفوا أهدافهم ويعالجوا ذلك.
عرفت الشر لا للشر لكن لتلافيه
ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه
وقال عمر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ : (( إنما تنقض عري الإسلام عروة عروة من أناس ولدوا في الإسلام ما عرفوا الجاهلية )).
فالذي لا يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام!
فحق علي الدعاة أن يطلعوا علي هذه الثقافات ـ ما قلت ـ ومن يجد كتاباً فيه شبهة أو فيه نظر فليعرضه علي من هم أعلي منه حتى يكون علي بصيرة ، ونخرج بحل إما بتنبيه أو بنصيحة عامة.
18- مخاطبة الناس علي قدر عقولهم:
علي الداعية أن يكون حاذقاً ، يخاطب الناس علي قدر عقولهم، فإذا أتي إلي المجتمع القروي تحدث بما يهم أهل القرية من مسائلهم التي يعيشونها ، وإذا أتى إلي طلبة العلم في الجامعة حدثهم علي قدر عقولهم من الثقافة والوعي. وإذا أتي إلي مستوي تعليمي أدني تنزل إليهم في مسائلهم وتباطأ، فإن لكل مسائل.
فمسائل البادية ـ مثلا ـ الشرك أو السحر أو الكهانة أو الإخلال بالصلاة أو نحو ذلك.
ومسائل أهل الجامعة ـ مثلاً ـ : الأفكار الواردة من علمنة وإلحاد وحداثة، وشبهات وشهوات.
ومن مسائل المستوي الأدنى من ذلك : الجليس، بر الوالدين، حقوق الكبار، حفظ القرآن ، .. ونحو ذلك.
فلابد من مخاطبة الناس علي قدر عقولهم ، وعلي قدر مواهبهم، وعلي قدر استعدادهم، انظر إلي المصطفي صلي الله عليه وسلم يخاطب معاذ بن جبل بحطاب لا يخاطب به غيره من الإعراب ، فيخاطبه عن العلم، وعن اثر العلم، وعن حفظ الله، وعن حدود الله، ويخاطب الأعراب عن توحيد وأنه يقودهم إلي جنة عرضها السموات والأرض .. ونحو ذلك.
19- ألا يسقط عيوبه علي الآخرين:
مما ينبغي علي الداعية أن يحذر منه ألا ينتقد الآخرين ليرفع من قدر نفسه.(( وهو أسلوب الإسقاط)) كما يسمى هذا في التربية.. أن تسقط غيرك لتظهر أنت، ويفعله بعض الناس من أهل الظهور وحب الشهرة ـ والعياذ بالله من ذلك ـ وأهل الرياء والسمعة، فإنه إذا ذكر له عالم قال فيه كذا وكذا !! وإذا ذكر له داعية ، قال : ما أرضي مسيرة في الدعوة!! وإذا ذكر له كاتب انتقده، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمه: ـ سقاه الله من سلسبيل الجنة ـ : (( بعض الناس كالذباب لا يقع إلا علي الجرح))
فالذباب يترك البقعة البيضاء في جسمك، فإذا كنت لابساً ثوباً أبيض وكنت متطيباً، لا يقع الذباب عليه! لكن إذا رأي جرحاً في إصبعك وقع عليه!
وتجد أسلوب الإسقاط هذا عند بعض الناس يقول: شكر الله للداعية فلان كذا وكذا ، لكن فيه كذا وكذا !! لا يترك الاستنقاد ولا يترك الانتقاد ، ولا يترك الاستثناء، ولا يترك الاستدراك، حتى يظهر هو كأنه هو الذي لا عيب فيه قط!
وتجد من الأساليب ( المدبلجة) التي دبلجها الشيطان علي بعض الدعاة فإنه يأتي ـ مثلاً ـ ويدعو في قالب النصح للداعي، ويريد أن ينتقصه، فإذا ذكر له داع قال: هداه الله اسأل الله أن يهديه، فتقول له: لماذا؟ يقول: اسأل الله أن يهديه ( وكفي).
فتعرف أن وراء هذه الدعوة شيء ، وأنه يريد بها شيئاً آخر، وهذا دعاء لا يؤجر عليه!
قال ابن المبارك: (( رب مستغفر أذنب في استغفاره، قالوا: كيف؟ قال: يذكر له بعض الصالحين ، فيقول: أستغفر الله، ومعناها أنه ينتقد عليه، فلا يكتب له أجر هذا الاستغفار بل يسجل عليه خطيئة!
20- أن يتمثل القدوة في نفسه:
علي الداعية أن يتمثل القدوة في نفسه، وأن يسدد ويقارب، وأن يعلم أن خطاه، يتضخم! فالخطأ منه كبير! وأن الناس ينظرون إليه.
قد هيأوك لأمر لو فطنت له
فأربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل
فإنه اصبح أمامهم كالمرآة كلما وقعت فيها نقطة سوداء صغيرة كبرت وتضخمت، فليتق الله في هذه الأمة حتى لا يكون سبباً لهلاك كثير من الناس، فإنا رأينا كثيراً من العامة وقعوا في كثير من الخطايا بسبب فتاوى، أو بسبب تصرفات اجتهادية من بعض الفضلاء ربما أوجروا عليها.. أخطئوا خطأ واحداً ، ولكن بسببهم عالم!!(/7)
قال بعض الفضلاء: زلة العالم زلة عالم!
فعليه أن يدرس القار قبل أن يتخذه، وعليه أن يدرس الخطوة التي يريد أن يخطوها حتى لا يكون عرضة لتوريط كثير من الناس! وكم جوبه الإنسان بفتاوى من عامة الناس يستدلون بها بعض الفضلاء والأخيار، وهذا خطأ عظيم!
21- التآلف مع الناس:
ينبغي للداعية أن يتآلف مع الناس بالنفع، فيقدم لهم نفعاً، فليست مهمة الداعية فقط أن يلاحقهم بالكلام! أو يلقي عليهم الخطب والمواعظ! لكن يفعل كما فعل رسولنا صلي الله عليه وسلم ، يتآلفهم مرة بالهدية، ومرة بالزيارة ، ولا بأس بالدعوة، فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم دعا الناس وآلفهم وأعطاهم وأهدي لهم، بل كان يعطي الواحد منهم مائة ناقة، وكان يأخذ الثياب الجديدة، وكان يعانق الإنسان ويجلسه مكانه، فهذا من التآلف.
وليس هتاك صعوبة لتأليف كثير من الناس، وردهم إلي الله ـ عز وجل ـ مثل تأليف كثير من الشباب العصاة.. إذا رأيت شاباً عاصياً وعلمته، أو وجدت شاباً لا يستطيع الزواج ودفعت له المهر أو شيئاً من المهر، وقلت له أن يصحبك لصلاة الجماعة، وأن يعود إلي الله وأن يتوب.
أن تتآلف إنساناً تراه ـ مثلاً ـ مدمناً للمخدرات بشيء من المال بشرط أن يتركها ويجتنبها وهكذا.
22- أن يكون عند الداعية ولاء وبراء نسبي:
ينبغي علي الداعية أن يكون عنده ولا وبراء نسبي، حب وبغض ، علي حسب طاعة الناس، وعلي حسب معصيتهم، لا تحب حباً مطلقاً لمن فيه طاعة، ولا تبغض بغضاً مطلقاً لمن فيه معصية، لكن تحب الإنسان علي قدر طاعته وحبه لله، وتبغضه علي قدر معصيته ومخالفته لله، فقد يجتمع في الشخص الواحد حب وبغض ، تحبه لأنه يحافظ علي صلاة الجماعة، وتبغضه لأنه يغتاب الناس!
تحب شخصاً آخر لأنه يعفي لحيته ، وتبغضه لأنه يسبل ثوبه، فيجتمع في الشخص الواحد حب وطاعة!
23- أن يكون الداعية اجتماعياً:
علي الداعية أن يشارك الناس أحزانهم، ويحل مشكلاتهم، ويزور مرضاهم،فالانقطاع عن الناس ليس بصحيح، فإن الناس إذا شعروا أنك معهم تشاركهم أحزانهم وأتراحم ، تعيش مشكلاتهم، أحبوك ، ولذلك أقترح علي الدعاة أن يحضروا حفلات الزواج، وقد يعتذر الداعي أحياناً عن عدم حضور حفلات الزواج لما عنده من إرهاق ، فلا يعني ذلك أنه لا يحب المشاركة، لكن يحضر الزواج، فيبارك للعريس ، ويبارك لأهل البيت، ويفرح معهم، ويقدم الخدمات، ويرونه متكلماً في صدر المجلس، يرحب بضيوفهم معهم، فيحبونه كثيراً.
وأقترح أن يقدم الدعاة أطروحات لمن أراد أن يتزوج ويقولون له: نريد أن نساعدك وأن نعينك، فماذا تري وماذا تقترح علينا لنقدم لك ما يساعدك علي ذلك؟ وكذلك إذا سمع بموت ميت، أن يذهب إلي أهله ويواسيهم ويسليهم، ويلقي عليهم الموعظة.
كيف يراك الناس تدعوهم يوم الجمعة، ثم لا يرونك في أفراحهم أو في أحزانهم؟!
وكذلك تساهم في حل مشكلاتهم، فالداعية مصلح، وحينئذٍ يكسب ود الناس، كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم فإنه تأخر عن صلاة الظهر مرة كما ورد في البخاري لأنه ذهب إلي بني عمر ابن عوف يحل مشكلاتهم، ويصلح فيما بينهم.
وكان صلي الله عليه وسلم إذا سمع عن مريض، حتى من الإعراب البدو في طرف المدينة، ذهب بأصحابه يزوره!
وهذا من أعظم ما يمكن أن يحبب الداعية في نفوس الناس.
24- مراعاة التدرج في الدعوة:
كذلك فإنه ينبغي علي الداعية أن يتدرج في دعوته، فيبدأ بكبار المسائل قبل صغارها، فلا يقحم المسائل إقحاماً ، فبعض الدعاة يذهبون غلي أماكن في البادية في بعض القرى فيريد أن يصب لهم الإسلام في خطبة جمعة واحدة! وما هكذا تعرض المسائل!
عليك أن تأخذ مسألة واحدة تعرضها عليهم، وتدرسها معهم كمسألة التوحيد ، أو مسألة المحافظة علي الصلوات ، أو مسألة الحجاب ، أما أن تذكر لهم في خطبة واحدة أو في درس واحد مسائل التوحيد، والشرك، والسحر، والحجاب ، والمحافظة علي الصلاة، وحق الجار، فإنهم لا يمكن أن يحفظوا شيئاً.
أوردها سعد وسعد مشتمل
ما هكذا تورد يا سعد الإبل
يرسل الرسول صلي الله عليه وسلم معاذاً إلي اليمن ، يقول له ك (( أو ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ، فإن هم أعطوك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة )).
*هكذا يعرض الداعية، لا تأتي إلي أناس لا يصلون وتطالبهم بتربية اللحى!! فماذا ينفع في الإسلام أن يربي الناس لحاهم، وهم لا يصلون؟!
وكذلك لا تطالبهم بصغار المسائل حتى تخرج أنت وإياهم علي مسائل كبري، تنفقون علي قدر مشترك، وتحاول بأساليب مختلفة.. مرة بالموعظة، ومرة بالخطبة، ومرة بالرسالة، ومرة بالندوة، ومرة بالأمسية،حتى تسلك السبل كافة.
فإن بعض الناس قد يتأثر بخطبة الجمعة ولا يتأثر بالدرس، وبعضهم علي العكس من ذلك، وأحياناً يكتب لهم رسالة، وأحياناً يتصل بهم بالهاتف ، وأحياناً يرسل لهم بعض الدعاة. فأري أن تجديد الأسلوب مطلوب في عصر جددت فيه أساليب الباطل!(/8)
والله يخبر عن أهل الباطل أنهم أكثر مالاَ، وأكثر إنفاقاً وأكثر وسائل، قال: ( فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)(لأنفال: الآية36) .
لذلك لا ييأس الإنسان من قلة وسائله، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كانت ثقافات العالم حوله في جزيرة العرب ـ إمبراطورية كسرى وإمبراطورية قيصرـ يملكون كل الإمكانات الضخمة، ومع ذلك كان هو في بيته المبني من الطين وبوسائله البسيطة، ولكن مع الإخلاص والصدق بلغه الله ما تمني، وبلغ الدين مشارق الأرض ومغاربها!
25- أن ينزل الناس منازلهم:
كذلك ينبغي علي الداعية أن ينزل الناس منازلهم، فلا يجعل الناس سواسية، فالعالم له منزلة، والمعلم له منزلة، والقاضي له منزلة، وهكذا ) قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ )(البقرة: الآية60). فليس الناس عنده في منزلة واحدة.
وهذا ليس نوعاً من التفريق أو التمييز العنصرين بل هذا من أدب الإسلام. يختلف لقاء هذا عن ذاك ، وتختلف منزلة هذا عن ذاك ، وبعضهم لا يرضي إلا بصدر المجلس، وبعضهم لو عانقته يكون له عناق مختلف، وبعضهم له عناق آخر!
فإنزال الناس منازلهم من الحكمة التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية في تعامله مع الناس، كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم حيث كان ينزل الناس منازلهم،كما جاء في صحيح مسلم ورواه مسنداً أبو داود، وهو صحيح من كلام عائشة.
26- أن يحاسب نفسه وأن ينتهل إلي الله:
علي الداعية ـ أيضاً ـ أن يحاسب نفسه محكماً في ذلك قوله ، فيسمع لقوله إذا قال، ويحاسب نفسه علي عمله! هل هو ينفذ ما يقول أم لا ؟ وهل يطبق ما أمر به أم لا ؟ ثم يسأل ربه العون والسداد، وعليه أن يبتهل إلي الله في أول كل كلمة، وأول كل درس، ويسأل الله ـ عز وجل ـ أن يسدده، وأن يفتح عليه، وأن يهديه.
وما يؤثر في ذلك، ما ورد في الحديث (( اللهم بك أصول، وبك أحاول)).
وكان كثير من العلماء إذا أرادوا أن يدرسوا الناس سألوا الله بهذا الدعاء، وبعضهم كان يقول : (( اللهم افتح علي من فتوحاتك )) وبعضهم يقول: (( اللهم لا تكلني غلي نفسي طرفة عين فأهلك)).
فإن الإنسان لو اعتمد علي قدراته وإمكاناته وذاكرته وصوته تقطعت به السبل، فليس لنا معين إلا الله.
فعلي الداعي إذا أراد أن يصعد المنبر يوم الجمعة أن يبتهل إلي الله أن يسدد كلماته وعباراته، وأن يهديه سواء السبيل، وان ينفع بكلامه، وأن يلهمه رشده، فإنه لو شاء الله ـ عز وجل ـ ما استطاع أن يواصل، ولو شاء الله ـ سبحانه وتعالي ـ خانته العبارة، أو أتي بعبارة ربما تورطهن وتورط الناس معه! أو أتى بعبارة خاطئة تخالف الدين! فعليه أن يسأل الله السداد والثبات ، فإن من يسدده الله ـ سبحانه وتعالي ـ فهو المسدد، ومن خذله الله فهو المخذول.
27- أن يكون متميزاً في عبادته:
فيجب أن يكون للداعية نوافل من العبادات ، وأوراد من الأذكار والأدعية، فلا يكون عادياً مثل سائر الناس ؛ بل يكون له تميز خاص، يحافظ علي الدعاء بعد الفجر، والدعاء بعد الغروب، حتى يحفظه الله، ـ سبحانه وتعالي ـ ويكون له وقت إشراق مع نفسه، يحاسب نفسه بدعاء وبكلمات مباركة بعد الفجر، ويكون له ورد يومي بعيداً عن أعين الناس، يقرأ فيه كثيراً من القرآن، ويتدبر أموره، ويكون له مطالعة في تراجم السلف، لأن كثرة الخلطة مع الناس تعمي القلب، وتجعل الإنسان مشوش الذهن ، وقد يقسو قلبه بسبب ذلك، فلابد من العزلة، أو ساعة من الساعات أو بعض الوقت في اليوم والليلة ، يعتزل وحده فلا يجلس مع زائر، ولا يلتقي بأحد، ولا تصل بهاتف، ولا يقرأ إلا فيما ينفعه، ثم يحاسب نفسه علي ذلك.
28- أن يتقلل من الدنيا ويستعد للموت:
علي الداعية أن يتفكر في الارتحال من هذه الدنيا ، ويدرك أنه قريباً سوف يرتحل، وأن الأجل محتوم! سوف يوافيه، فلا يغتر بكثرة الجموع، ولا بكثرة إقبال الناس، فإن الله يقول: )إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً) (مريم:93/94) .
ويعلم أنه سوف يموت وحده! ويحشر وحده! ويقبر وحده! وأن الله سوف يسأله عن كل كلمة قالها، فيتأمل: لماذا يدعو؟ ولماذا يتكلم؟ وبماذا يقول؟ ولماذا ينطق؟ حتى يكون علي بصيرة.
كذلك علي الداعية أن يتقلل من الدنيا تقللاً لا يحرجه، فخير الأمور أوسطها، يسكن كما يسكن أواسط الناس، ويبس كما يلبس أواسط الناس، مع العلم أن هناك حيثيات قد تخفي علي كثير من الناس.
29- أن يكون حسن المظهر:
بعض الناس يري أن علي الداعية أن يلبس لباس الفقراء! أو يلبس لباساً من أوضع اللباس! وهذا ليس بصحيح، فإن الله ـ عز وجل ـ قد احل الطيبات، ورسول الله صلي الله عليه وسلم دعا إلي التجمل بقوله: (( تجملوا كأنكم شامة في عيون الناس)) وقال : (( إن الله جميل يحب الجمال)).(/9)
وقد يكون من المطلوب أن يكون الداعية متجملاً، متطيباً، ويكون مجلسه وسيعاً، يستقبل فيه الأخيار البررة، وأن يكون له مركب طيب، فإن هذا لا يعارض سنة الله ـ عز وجل ـ ولا سنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، بل عليه كذلك أن يكون له في كل حالة بما يناسبها.
إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يعتني بذلك، في صلاة الاستسقاء خرج في لباس متبذل قديم يظهر الخشية والخشوع والفقر أمام الله ـ عز وجل ـ ولكنه في الأعياد لبس بردة تساوي ألف دينار، حرج بها أمام الناس، أهديت له قيمتها مائة ناقة!
فيجب أن يلبس لكل حالة لبوساً، إما نعيمها، وإما بؤسها .. فإنه من الإجحاف أن يطالب الدعاة أن يعيشوا في بيوت طين في هذا العصر الذي ما تبني فيه البيوت إلا الفلل!! وإنه لمن الإجحاف كذلك أن نطالب الدعاة أن يجلسوا علي الخصف، ويجلس الناس علي الكنب الوثير! أو أن نطالب الداعية أن يلبس لباساً ممزقاً قديماً! أو يكتفي بثوب واحد طول السنة! مع العلم أن الله واسع عليم، وأن الله يحب أن يري اثر نعمته علي عبده.
ولكن علي الداعية ألا يتشاغل بالدنيا تشاغلاً يعنيه عن طريقه، فإنه من الحسرة أن تجد كثيراً من الدعاة، أو بعض المشايخ، أو بعض طلبة العلم غارقاً إلي أذنيه، له من المؤسسات وله من الشركات، وله من الدور، ما يشغله عن الدعوة!
لا نعرض أن يكون لطلبة العلم تجارة، وأن يكون لهم مشاريع في الأرض، وأن يكون لهم دخل، فهذا مطلوب كما فعل عثمان وابن عوف، وغيرهم من الصحابة، لكن أن يستغرق طالب العلم والداعية وقتاً في هذه الأمور.. فتجده دائما في مكاتب العقارات في البيع والشراء، وفي السندات، مع الشيكات، ويترك الأمة للمهلكات! هذا ليس بصحيح، وهذا مخجل ، فإن الله ـ عز وجل ـ استخدمك في أحسن طاعة.
وكذلك يجب أن يهتم الداعية بمظهره الشخصي، وأن تكون حليته إيمانية، وأن يظهر الوقار والسكينة، وأن يلبس لباس أهل الخير، وأهل العلم، فإن لكل قوم لباساً، ويمشي مشية أهل العلم، ويكون مظهره جميلاً، ويعتني بخصال الفطرة، كالسواك وتقليم الأظافر، وإعفاء اللحية، واخذ الشارب، ويتعاهد باقي خصال الفطرة، وان يكون متطيباً، محافظاً علي الغسل، يحافظ علي مظهره.. حتى يمثل الدعوة تمثيلاً طيباً أما الناس.
أن يكون للداعية شخصيته المستقلة:
إن علي الداعية ألا يتقمص شخصية غيره، وألا يذوب ذوباناً في بعض الشخصيات، فتجد بعض الدعاة إذا أحب داعية آخر، أو عالماً آخر قلده في كل شيء حتى في صوته! وحتى في مشيته!وحتى في حركاته! فذاب في شخصية ذاك!
ويروي عن الرسول صلي الله عليه وسلم قوله: (( لا يكن أحدكم إمعة، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت)).
ولكن إن احسن الناس فأحسن، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم، فذوبان الشخصية ليس مطلوباً للداعية.
فإن عليك أن تستقل بشخصيتك، وتعلم أن الله خلقك نسيجاً وحدك، وان الأرض ما تستطيع ـ بإذن الله عز وجل ـ أن تخرج واحداً مثلك، فأنت من بين الملايين التي خلقها الله منذ آدم إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها وحدك، صوتك لا يشابهك فيه أحد، وملامح جسمك واستعدادك ، وما عندك من مواهب، كل هذه تختلف فيها عن غيرك، وقد كانت العرب تكره أن يتقمص الإنسان شخصية غيره.
قالوا عن الطاوس: إنه أراد أن يقلد الغراب في مشيته فنسى مشيته، وما استطاع أن يقلد مشية الغراب!!
وهذا ينطبق علي القراء .. فإن القارئ يريد أن يقلد قارئاً آخر فيتعب، فلا أحسن صوت ذاك، ولا اسمع صوته المعهود الذي منحه ـ عز وجل ـ إلا إذا كان يستطيع أن ينطق مثل صوت ذاك بدون كلفة، وصوته جميل مثل صوت ذاك، فلا بأس إن شاء الله.
فينبغي أن تكون للداعية شخصيته المستقلة، وقد مدح النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه ، كل علي حسب شخصيته ، فأثني علي قوة عمر فقال: (( مثلك يا عمر كمثل نوح وكمثل موسى)) واثني علي أبي بكر في رقته، فقال: (( ومثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم وكمثل عيسي عليهما السلام)) فالقوي يبقي علي قوته لكن فيما ينصر به الدين.
والإسلام بحاجة إلي من هو قوي في رأيه وإرادته، وفي حاجة لمن هو رقيق رجيم، فإن هذا له باب، وهذا له باب، كما تحتاج إلي طاقات الناس، وقد سلف معنا كثيراً أن الرسول صلي الله عليه وسلم نوع اختصاصات الناس وجعلهم علي جبهات بسبب مواهبهم، فسيد القراء أبي بن كعب، وحسان شاعر النبي صلي الله عليه وسلم وزيد بن ثابت أفرض الناس ، وأبو بكر له مهمة الإدارة، وعمر له مهمة القوة والصرامة والحزم، وقس علي ذلك.
30- أن يهتم بأمور النساء:
كذلك علي الداعية أن يهتم بجانب النساء، بعالم النساء، فلا يغفل هذا الجانب في كلامه، ولا في محاضراته، لأنهن نصف المجتمع، وكل ما في هذا الكتيب إنما هو موجه إلي المرأة المسلمة أيضاً.
نسأل الله ـ سبحانه وتعالي ـ أن يرضي عنا، وأن يسدد منا الأقوال والأفعال، وأن يتولانا فيمن تولى، وصلي الله علي محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(/10)
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
عائض بن عبد الله القرني(/11)
ثلاثون وقفة مع عاشوراء ...
عقيل بن سالم الشمّري ـ موقع المسلم ...
تمر الأمة الإسلامية هذه الأيام بحدث عظيم يرجع إلى الأمم الماضية، وهو يوم عاشوراء، فأحببت في هذه العجالة أن أذكر أهم الوقفات من وجهة نظري، والتي استنبطتها من السنة النبوية تجاه هذا اليوم:
1- يوم عاشوراء حدث تأريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية تصومه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "إن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية" متفق عليه.
بل حتى الأمة الكتابية كانت تصوم هذا اليوم، وتتخذه عيدا كما ثبت في الصحيحين.
2- يوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان.
3- يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهم، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التأريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى عليه السلام من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر.
4- يوم عاشوراء يدل على أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض كما في رواية "أنا أولى بموسى منكم". وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة.
5- صيام يوم عاشوراء يدل أن هذه الأمة أولى بأنبياء الأمم السابقة من قومهم الذين كذبوهم، ويدل على ذلك رواية الصحيحين "أنتم أحق بموسى منهم".
وهذا من مميزات الأمة المحمدية عند الله، ولذلك يكونون شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم يوم القيامة.
6- يوم عاشوراء يربي المسلم على أخوة الدين فقط، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أنتم أحق بموسى منهم" وما ذلك إلا لرابطة الدين التي بيننا، وإلا فإن أهل الكتاب أقرب لموسى عليه السلام من حيث النسب.
7- يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها.
8- يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.
9- يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحيانا يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم، كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق.
10- يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة، ويدل على هذه المخالفة ما يلي:
أ- لمّا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى اتخذوه عيدا، قال: صوموه أنتم".
ب- أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصام يوم قبله أو يوم بعده، رواه أحمد في المسند وفيه مقال.
11- من تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر مقرر عند الصحابة، ويدل على ذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا "إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم" فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟.
12- يوم عاشوراء دليل على أن اتخاذ المناسبات أعيادا عادة لليهود خاصة منذ القديم، ولذلك اتخذوا يوم عاشوراء عيدا كما في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "كان أهل خيبر يصومون عاشوراء ويتخذونه عيدا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم" رواه مسلم. وأما هذه الأمة فجعل الله لها عيدين لا ثالث لهما.
13- يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة اليهود والنصارى، حيث كانوا يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في ملتهم، وإنما اقتداء بموسى عليه السلام وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما يتعلق بأصل الدين وعبادة الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.
14- يوم عاشوراء دليل على أن الواجبات في الشريعة لا يعدلها شيء من حيث الفضل والمنزلة، ولذلك لما شرع الله لهذه الأمة صيام رمضان جعل الأمر في يوم عاشوراء اختياريا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه" متفق عليه.
15- يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها فوق بعض، وبيان ذلك: أن من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده. ومن صام يوم عاشوراء كفر عنه سنة قبله، والمؤمن بدوره يسعى للأفضل والأكمل.
16- صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "فمن شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يترك فليتركه" متفق عليه.
17- صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله سبحانه، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.
18- صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في شريعة هذه الأمة المحمدية قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه كان واجبا ثم نسخ إلى الاستحباب.(/1)
19- إثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره من الأحكام دليل على حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت، ويخلق ما يشاء ويختار.
20- صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون بالفعل كما هو بالقول حتى عند الأمم السابقة، فقد صامه موسى عليه السلام شكرا لربه سبحانه، وهذا منهج الأنبياء كما فعل داود عليه السلام وختاما بالنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل، فلما سئل عنها قال: أفلا أكون عبدا شكورا" متفق عليه.
21- من تأمل الأحاديث تبين له أنه لا ينكر على من تركه، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يترك صيامه، إلا إن وافق عادته في الصيام" رواه البخاري. ومع ذلك لم ينكر عليه بقية الصحابة رضي الله عنهم.
22- صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجعا إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره.
23- صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه مندوحة في الاختلاف، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة بعضهم البعض أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره.
24- صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل". فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل، وعلى هذا يجب أن يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله.
25- كان الصحابة رضي الله عنهم يربون صبيانهم على صيامه كما في حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: "فكنا نصومه ونصوم صبياننا" متفق عليه.
26- في تعويد الصحابة رضي الله عنهم صبيانهم على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله.
27- التربية الجادة على التحمل والصبر، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: "فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن" متفق عليه.
28- يوم عاشوراء دليل علة قبول خبر أهل الكتاب ما لم ينفه شرعنا، ويدل على ذلك أن يوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى من الغرق إنما هو خبر أهل الكتاب، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه يصدقهم، وفي ذلك من العدل حتى مع الأعداء ما لا يخفى.
29- نحن أحق بموسى عليه السلام من أهل الكتاب الذين كذبوه من عدة أوجه:
- أننا صدقنا به وآمنا به ولو لم نره، بخلاف من كذبه من قومه.
- أنه دعا لتوحيد الله كما دعا إليه نبينا، بل لا يختلف عنه شيئا في هذه الجهة.
- أننا نشهد أنه بلغ دين الله وأدى حق الرسالة.
- أننا لا نؤذيه عليه السلام بسب أو قدح، بخلاف من آذوا موسى عليه السلام فبرأه الله مما قالوا.
- أننا نشهد أنه لو كان حيا زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما وسعه إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
- أننا نؤمن بما جاء به عليه السلام في باب العقيدة ولو لم نقرؤه أو نطلع عليه.
- أن نشهد أن كل من كان من أمته ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام منه براء.
- أن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي جاء به موسى عليه السلام يخرج من مشكاة واحدة كما قال النجاشي. متفق عليه.
هذه بعض الفوائد والوقفات أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يتولانا بحفظه، وأن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ...(/2)
ثلاثيات إيمانية 2 "
أ. صلاح عبد العزيز
الأمور ثلاثة : واجب .. و مستحيل .. و ممكن.
الواجب : - أن يكون لهذا الكون إله ؛ و هو الله سبحانه
المستحيل: - أن يكون مع الله إلهاً آخر.
الممكن : - كل ما عدا ذلك فهو في دائرة الممكن.
هذه الثلاثيات تفتح لصاحبها آفاقاً جمَّة .. أهمها توحيد الخالق سبحانه و نفي الشرك عنه.. ثم إنها توجد تصوراً صحيحاً و منطقياً لحقائق الأشياء، و تفتح أمام العبد روزنات يخوض من خلالها حياته بأمل و عزم ينصهر أمامه الحديد و تُدك له الجبال .. فكل شيء ممكن... ألم يُنقل عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في ثوانِ معدودات و لم ينشرخ ولم يتصدع!!
إن تقوية هذا التصور الإيماني و تعزيزه في أعماق ضمير المؤمن من شأنه أن يشحذ الهمم الخائرة المستسلمة لواقع الأمة المرير.. إلى القمم الشُم العوالي.. متمثلاً قولة عقبة بن نافع عند فتحه الشمال الأفريقي و قد وقف أمام شواطئ المحيط الأطلسي : ( اللهم إن كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضاً .. لخضته في سبيلك )..
إذا كان المنطق العقلي يستوجب أن يكون لهذا الكون إله قادر على الخلق و الإيجاد من عدم .. فأي تصور لكمال صفاته وجلال عظمته لا يرتقي بصاحبه إلى قمة التنزيه و الوحدانية هو تصور قاصر قد ينحرف بصاحبه عن جادَّة الصواب و يودي به في منزلقات الدهرية أو الوجودية أو الإلحادية .. و إذا سلم صاحب العقل السليم باستحالة أن يكون مع الله إله آخر .. أنقذه هذا التسليم من وحل الشرك ... و أوصله إلى بر التوحيد و شاطئ الشكر و العرفان... أفلا يكون عبداً شكورا !!
و نوع آخر من ثلاثيات التزكية الإيمانية و ثمرة من ثمارها .. هو تمام الأخلاق... فتمامها ثلاث :
1- أن تكون مع الحق سبحانه بغير خلقِ
أي أنك تعيش مع مولاك تراقبه و لا ترى سواه.. فتُسقط مراقبة الخلق لك و مراقبتك لهم في كل أعمالك و أقوالك.. و هذا هو تمام الإخلاص " أن تكون مع الحق بغير خلق ".
2- أن تكون مع الخلق بغير نفس
أثناء تعاملك مع خلق الله .. تحاول جاهداً أن تُسقط حساباتك الخاصَّة !! أي أن تُقدمَ مصلحة أخيك على مصلحتك .. و أن تُسقط من قاموسك " أنا و لي " و هذا مقام صعب المنال إلا من وفقه الله لوصوله.. وهذا هو مقام الإيثار.
3- أن تكون مع النفس بغير أمن
و هي حالة طوارئ تدعو المرء إلى مراقبة نفسه في سكناتها و خلجاتها .. و عليه أن يتهمها دائماً لأنها أمّارة بالسوء .. و إن هي محضتك النُصح فاتهمِ.. و ذاك من أصعب المقامات ؛ إذ هو مقام المراقبة !! فمن منا إن راقب نفسه لا يغفل و لو هُنيهة ؟! فقد يُراقب أحدنا نفسه و يضعها تحت المراقبة سنوات و أياماً و ساعات... و في لحظة غفلة عن خطورتها .. قد تورده المهالك .
فمن تخلق بهذه المقامات الثلاث .. مع الحق و الخلق و النفس.. وصل الذُروة في الإخلاص و الإيثار.. و امتلك زمام نفسه.
تصور معي أخي القارئ رعاك الله أن مناهجنا التعليمية و التربوية قد بنيت على أن تخرج أجيالاً تتحلى بمثل تلكم الصفات و ترقى بها أعلى مقامات.. إخلاص في القول و العمل .. بعد عن الأنانية و الشح!! بل إيثار للآخر و تقديم له على النفس .. يقظة في الضمير و إرهاف في الشعور .. تصورت معي كيف كان سيؤول حال الأمة و تأخذ مكانها بين أمم الأرض الأخرى التي و إن بلغت شأواً كبيراً في الارتقاء المدني .. إلا أن السمو الحضاري يعوزًُها !! و ذاك لا يتأتى إلا بمكارم الأخلاق و تمامها . و هذا البديل الحضاري لا تملكه إلا أمتنا الإسلامية إن امتلكت عوامل الرًقي المدني المادي .. و ربطته أولاً وآخراً بخلق القرآن.. و سيرة خير الأنام صلى الله عليه أفضل صلاة و سلام .(/1)
ثمار الاستغفار
هل تريد راحة البال وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب والمتاع الحسن ؟؟
عليك بالاستغفار : (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى).
هل تريد قوة الجسم وصحة البدن والسلامة من العاهات والآفات والامراض والاوصاب ؟؟
عليك بالاستغفار : ( استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلي قوتكم ).
هل تريد دفع الكوارث والسلامة من الحوادث والأمن من الفتن والمحن ؟؟
عليك بالاستغفار : (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون ).
هل تريد الغيث المدرار والذرية الطيبة والولد الصالح والمال الحلال والرزق الواسع ؟؟
عليك بالاسغفار : ( استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً).
هل تريد تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات ؟
عليك بالاستغفار : ( وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ).
الاستغفار هو دواؤك الناجع وعلاجك الناجح من الذنوب والخطايا لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإستغفار دائماً وأبداً بقوله : "يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا اليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة".
والله يرضى عن المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه فكأنه يقول : يارب اخطأت واسأت وأذنبت وقصرت في حقك، وتعديت حقوقك، وظلمت نفسي، وغلبني الشيطان، وقهرني هواي، وغرتني نفسي الأمارة بالسوء، واعتمدت على سعة حلمك وكريم عفوك وعظيم جودك وكبير رحمتك .
فالآن جئت تائباً نادماً مستغفراً فاصفح عني واعف عني وسامحني وأقل عثرتي وامح خطيئتي فليس لي رب غيرك ولا إله سواك.
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك اعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم؟
مالي اليك وسيلة إلا الرضا وجميل عفوك ثم أني مسلم
في حديث صحيح قال صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب".
ومن اللطائف كان بعض المعاصرين عقيماً لا يولد له وقد عجز الأطباء عن علاجه وبارت الأدوية فيه ، فسأل أحد العلماء فقال : عليك بكثرة الاستغفار في الصباح والمساء فإن الله قال عن المستغفرين : (يمددكم بأموال وبنين ).
فأكثر الرجل من الاستغفار وداوم عليه فرزقة الله الذرية الصالحة.
فيا من مزقه القلق وأضناه الهم وعذبه الحزن عليك بالاستغفار فإنه يقشع سحب الهموم، ويزيل غيوم الغموم، وهو البلسم الشافي والدواء الكافي .
كاتب المقال: د. عائض القرني
المصدر: موقع السيف(/1)
ثمار الشورى وفوائدها 22/11/1425
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن الشورى هدي نبوي، وتوجيه قرآني، له ثمار عدة وفوائد كثيرة، ومع ذلك يغفل عنها الكثير، وقد أحببت أن أذكر بها في عصر استبد فيه كثيرون بآرائهم، لعل الذكرى تنفعهم فيراجعوا أنفسهم، ويرجعوا إلى ذلك الهدي فيجعلونه واقعاً ملموساً في بيوتهم وأعمالهم، في دقيق شؤونهم وجليلها.
والأجيال إذا تربت على هذا الهدي، وشاع فيها فسوف تلمس فوائده، وتقطف ثمرته.
وللمشاورة فوائد كثيرة أقتصر في هذه المقالة على بعضها، فمن أهم الثمار والفوائد المترتبة على الشورى ما يلي:
1- أن الاستشارة إذا توافر فيها ركنا الإخلاص والمتابعة فهي عبادة لله، يرجو العبد فيها ثواب الله ؛ لأن الله قد أمر بها وشرعها، وفعلها رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وما كان كذلك فهو أمر مشروع متعبد به، سواء أكان عبادة واجبة أم مندوبة.
2- البحث عن الحق والصواب ضمن المنهج الشرعي، والوصول إلى أقرب الوسائل الملائمة للأمر المتشاور فيه.
ومما يروى عن علي _رضي الله عنه_ قوله: "الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه".
وقال بعض الحكماء: "ما استُنبط الصواب بمثل المشاورة، ولا حُصنت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر".
3- تأليف القلوب وجمع الكلمة، وسد منافذ الشر، والقيل والقال، وأدعى لقبول الأمر الناتج عن تشاور.
قال الطبري: أمر الله نبيه _صلى الله عليه وسلم_ بقوله: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" [سورة آل عمران، الآية: 159] بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب، وعند لقاء العدو، تطييباً منه بذلك لأنفسهم، وتألفاً لهم على دينهم(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه _صلى الله عليه وسلم_ لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به من بعده، وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي.
4- القضاء على الفردية والارتجال، وتجنيب الأمة آثار المواقف والقرارات الفردية.
- إن الشورى علاج حاسم في مواجهة المواقف الارتجالية والقرارات الفردية، إن هناك فرقاً بين أن يتخذ الإنسان قراراً يخصه وحده، أو يتخذ قراراً يؤثر على غيره.
5- تنسيق الجهود وتجميعها، والإفادة من الطاقات وعدم تبديدها، والقضاء على الازدواجية والتداخل، وهذا أمر واضح وبيّن، ولذلك قال -سبحانه-: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" [سورة الأنفال، الآية: 46] فالشورى وسيلة للاجتماع، واستثمار الطاقات، وباب من أبواب التعاون على البر والتقوى، الذي أمر الله به: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" [ سورة المائدة، الآية: 2 ].
6- التدريب والإعداد، واكتشاف المواهب والطاقات:
أخرج البيهقي أن عمر (رضي الله عنه) كان إذا نزل الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يقتفي حدة عقولهم(2).
7- الشورى غنمها لك وغرمها على غيرك
قال ابن الجوزي: "ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح في أمره، علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه"(3).
فإذا بذل الإنسان وسعه وطاقته في تحري الصواب فلم يوفق له، فقد اجتهد، وهو مأجور -إن شاء الله-، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإن وفق للأمر بعد اجتهاده -والشورى من وسائل الاجتهاد- فله أجران، فإذا هو غانم غير غارم على أي حال.
ومن غنم الاستشارة نضوج الرأي واستوائه، فقد قيل: "من شاور الرجال شاركهم في عقولهم".
وهو يؤدي إلى أصالة الرأي، وهو من النضج والاستواء، وذلك عاصم -بإذن الله- من الوقوع في الخطأ، والتصرف غير المحمود.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا ما للشورى من ثمار وآثار إيجابية، فهي مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر إذا تمت ممارستها وفق الضوابط الشرعية، والأصول المرعية، ولو لم يكن فيها إلا أنها تسد بابا من أبواب الإشاعة المؤذية، والاتهامات الباطلة، والفتنة المرجفه، لو لم يكن لها إلا ذاك لكفى بها خيراً، ولعز مطلبها وفاز طالبها، ورخص -مهما غلا- ثمنها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا استثمار العقول والآراء، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
____________
(1) تفسير الطبري 4 / 152.
(2) انظر: ملامح الشورى ص303.
(3) انظر: زاد المسير 1 / 488.(/1)
ثمانية عشر مفتاحاً للتوبة
جمّاز بن عبدالرحمن الجمّاز
السؤال
أنا مسلم ولكن بالاسم أريد أن أتوب وأرجع إلى الله وإلى الإسلام، ولكني أتوب ثم أعود إلى ما كنت عليه، فأرجو منكم إعطائي نصيحة لكي أتوب ولا أعود لما كنت عليه.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فهذه أيها الأخ الكريم، سبل وطرق معينة على الاستمرار في التوبة، بل هي مفتاح التوبة، فالزمها واحرص على تطبيقها، ومنها:
1 – الإخلاص لله _تبارك وتعالى_:
فهو أنفع الأدوية، فمتى أخلصتَ لله _جل وعلا_، وصدَقْتَ في توبتك _أعانك الله عليها، ويسّرها لك_ وصَرف عنك الآفات التي تعترض طريقك، وتصدّك عن التوبة، من السوء والفحشاء، قال _تعالى_ في حق يوسف _عليه السلام_: "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" (يوسف: من الآية24).
قال ابن القيم: "فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً، وأنعمهم بالاً، وأشرحهم صدراً، وأسرهم قلباً، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة"ا.هـ الجواب الكافي .
فليكن مقصدك صحيحاً، وتوبتك صالحة نصوحاً.
2 – امتلاء القلب من محبة الله _تبارك وتعالى_:
إذ هي أعظم محركات القلوب، فالقلب إذا خلا من محبة الله _جل وعلا_ تناوشته الأخطار، وتسلّطت عليه الشرور، فذهبت به كل مذهب، ومتى امتلأ القلب من محبة الله _جل وعلا_ بسبب العلوم النافعة والأعمال الصالحة –كَمُل أنْسُه، وطاب نعيمه، وسلم من الشهوات، وهان عليه فعل الطاعات.
فاملأ قلبك من محبة الله _تبارك وتعالى_، وبها يحيا قلبك.
3 – المجاهدة لنفسك:
فمجاهدتك إياها عظيمة النفع، كثيرة الجدوى، معينة على الإقصار عن الشر، دافعة إلى المبادرة إلى الخير، قال _تعالى_: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69).
فإذا كابدت نفسك وألزمتها الطاعة، ومنعتها عن المعصية، فلتُبشر بالخير، وسوف تُقبل عليك الخيرات، وتنهال عليك البركات، كل ما كان كريهاً عندك بالأمس صار عندك اليوم محبوباً، وكل ما كان بالأمس ثقيلاً، صار اليوم خفيفاً، واعلم أن مجاهدتك لنفسك، ليست مرة ولا مرتين، بل هي حتى الممات.
4 – قِصَر الأمل وتذكّر الآخرة:
فإذا تذكّرت قِصَر الدنيا، وسرعة زوالها، وأدركتَ أنها مزرعة للآخرة، وفرصة لكسب الأعمال الصالحة، وتذكّرت الجنة وما فيها من النعيم المقيم، والنار وما فيها من العذاب الأليم، ابتعدتَ عن الاسترسال في الشهوات، وانبعثت إلى التوبة النصوح ورصّعتها بالأعمال الصالحات.
5 – العلم:
إذ العلم نور يُستضاء به، بل يشغل صاحبه بكل خير، ويشغله عن كل شر، والناس في هذا مراتب، وكل بحسبه وما يناسبه، فاحرص على تعلم ما ينفعك ومن العلم أن تعلم وجوب التوبة، وما ورد في فضلها، وشيئاً من أحكامها، ومن العلم أن تعلم عاقبة المعاصي وقبحها، ورذالتها، ودناءتها.
6 – الاشتغال بما ينفع وتجنّب الوحدة والفراغ:
فالفراغ عند الإنسان السبب المباشر للانحراف، فإذا اشتغلتَ بما ينفعك في دينك ودنياك، قلَّتْ بطالتك، ولم تجد فرصة للفساد والإفساد، ونفسك أيها الإنسان إن لم تشغلها بما ينفعها شغلتك بما يضرك.
7 – البعد عن المثيرات، وما يذكّر بالمعصية:
فكل ما من شأنه يثير فيك دواعي المعصية ونوازع الشر، ويحرّك فيك الغريزة لمزاولة الحرام، قولاً وعملاً، سواء سماعاً أو مشاهدة أو قراءة، ابتعد عنه، واقطع صلتك به، كالأشخاص بعامة، والأصدقاء بخاصة، وهكذا النساء الأجانب عنك، وهكذا الأماكن التي يكثر ارتيادها وتُضعف إيمانك، كالنوادي والاستراحات والمطاعم، وهكذا الابتعاد عن مجالس اللغو واللغط ، والابتعاد عن الفتن، وضبط النفس فيها، ومنه إخراج كل معصية تُبتَ منها، وعدم إبقائها معك، في منزلك أو عملك.
8 – مصاحبة الأخيار:
فإذا صاحبت خيّراً حيا قلبك، وانشرح صدرك، واستنار فكرك، وبصّرك بعيوبك، وأعانك على الطاعة، ودلّك على أهل الخير.
وجليس الخير يذكرك بالله، ويحفظك في حضرتك ومغيبك، ويحافظ على سمعتك، واعلم أن مجالس الخير تغشاها الرحمة وتحفّها الملائكة، وتتنزّل عليها السكينة، فاحرص على رفقة الطيبين المستقيمين، ولا تعد عيناك عنهم، فإنهم أمناء.
9 – مجانبة الأشرار:
فاحذر رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر أو المخدرات، بل الخطورة كل الخطورة في الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة، فهذه أخطر وأشد من طغيان الشهوة؛ لأن زائغ العقيدة قد يستهين بشعائر الإسلام، ومحاسن الآداب، فهو لا يتورع عن المناكر، ولا يُؤتمن على المصالح، بل يُلبس الحق بالباطل، فهو ليس عضواً أشل، بل عضو مسموم يسري فساده كالهشيم في النار.(/1)
10 – النظر في العواقب:
فعندما تفكر في مقارفة سيئة، تأمّل عاقبة أمرك، واخشَ من سوء العاقبة فكما أنك تتلذذ بمقارفة المنكر ساعة، ليكن في خَلَدك أنك سوف تتجرّع مرارات الأسى، ساعات وساعات، فجريمة الزنا، فضيحة وحَدّ، والحدّ إما تغريب أو قتل، وجريمة السرقة، عقوبة وقطع، وجريمة المسكر ويلات وجلد، وجريمة الإفساد، صلب أو قطع أو قتل، هذا في الدنيا، أما الآخرة فالله تعالى بالمرصاد، ولن يخلف الميعاد.
11 – هجر العوائد:
فينبغي لك أيها الصادق، ترك ما اعتدته من السكون إلى الدعة والراحة؛ لأنك إن أردت أن تصل إلى مطلوبك، فتحوّل عنها؛ لأنها من أعظم الحُجُب والمواقع التي تقف أمام العبد في مواصلة سيره إلى ربه، وتعظم تلك العوائد حينما تُجعل بمنزلة الشرع أو الرسوم التي لا تُخالف.
وكذلك يصنع أقوياء العزيمة، وأبطال التوبة، فكن منهم.
12 – هجر العلائق:
فكل شيء تعلّق به قلبك دون الله ورسوله من ملاذ الدنيا وشهواتها ورياساتها ومصاحبة الناس والتعلق بهم، والركون إليهم، وذلك على حساب دينك، اهجره واتركه، واستبدله بغير ذلك، وقوِّ علاقتك بربِّك، واجعله محبوبك، حتى يضعف تعلّق قلبك بغير الله _تعالى_.
13 – إصلاح الخواطر والأفكار:
إذ هي تجول وتصول في نفس الإنسان وتنازعه، فإن هي صلحت صلح قلبك، وإن هي فسدت فسد قلبك.
واعلم أن أنفع الدواء لك أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيم لا يعني باب كل شر، ومن فكّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة لدينه.
وإياك أن تمكِّن الشيطان من بيت أفكارك وخواطرك، فإن فعلتَ فإنه يُفسدها عليك فساداً يصعب تدراكه، فافهم ذلك جيداً.
14 – استحضار فوائد ترك المعاصي:
فكلما همّت نفسك باقتراف منكر أو مزاولة شر، تذكّر أنك إن أعرضتَ عنها واجتهدت في اجتنابها، ولم تقرب أسبابها، فسوف تنال قوة القلب، وراحة البدن، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، وقلة الهم والغم والحزن، وصلاح المعاش، ومحبة الخلق، وحفظ الجاه، وصون العرض، وبقاء المروءة، والمخرج من كل شيء مما ضاق على الفساق والفجار، وتيسير الرزق عليك من حيث لا تحتسب، وتيسير ما عَسُر على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليك، وتيسير العلم، فضلاً أن تسمع الثناء الحسن من الناس، وكثرة الدعاء لك، والحلاوة التي يكتسبها وجهك، والمهابة التي تُلقى لك في قلوب الناس، وسرعة إجابة دعائك، وزوال الوحشة التي بينك وبين الله، وقرب الملائكة منك، وبُعد شياطين الإنس والجن منك، هذا في الدنيا، أما الآخرة فإذا مِتَّ تلقتك الملائكة بالبشرى من ربك بالجنة، وأنه لا خوف عليك ولا حزن، تنتقل من سجن الدنيا وضيقها إلى روضة من رياض الجنة، تنعم فيها إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة وكان الناس في الحر والعَرَق، كنتَ في ظل العرش، فإذا انصرفوا من بين يدي الله _تبارك وتعالى_، أخذ الله بك ذات اليمين مع أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين و"ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الجمعة:4).
إنك إن استحضرت ذلك كله، فأيقن بالخلاص من الولوغ في مستنقع الرذيلة.
15 – استحضار أضرار الذنوب والمعاصي:
فكلما أردتَ مزاولة الحرام، ذكِّر نفسك أنك إن فعلت شيئاً من ذلك فسوف تُحرم من العلم والرزق، وسوف تَلقى وحشة في قلبك بينك وبين ربك، وبينك وبين الناس، وأن المعصية تلو المعصية تجلب لك تعسير الأمور، وسواد الوجه، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، وتقصير العمر، ومحق بركته، وأنها سبب رئيس لظلمة القلب، وضيقه، وحزنه، وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه، واضطرابه، وتمزّق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعرِّيه من زينته.
استحضر أنّ المعصية تورث الذل، وتفسد العقل، وتقوي إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة، وتزرع أمثالها، وتدخلك تحت اللعنة، وتحرمك من دعوة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ودعوة المؤمنين، ودعوة الملائكة، بل هي سبب لهوانك على الله، وتُضعف سيرك إلى الله والدار الآخرة، واعلم أن المعصية تطفئ نار الغيرة من قلبك، وتذهب بالحياء، وتضعف في قلبك تعظيم ربك، وتستدعي نسيان الله لك، وأن شؤم المعصية لا يقتصر عليك، بل يعود على غيرك من الناس والدواب.
استحضر أنك إن كنت مصاحباً للمعصية، فالله يُنزل الرعب في قلبك، ويزيل أمنك، وتُبدَّل به مخافة، فلا ترى نفسك إلا خائفاً مرعوباً.
تذكّر ذلك جيداً قبل اقترافك للسيئة.
16 – الحياء:(/2)
إذ الحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، فمتى انقبضت نفسك عما تُذم عليه، وارتدعت عما تنزع إليه من القبائح، فاعلم أنك سوف تفعل الجميل تلو الجميل، وتترك القبيح تلو القبيح، وحياءٌ مثل هذا هو أصل العقل، وبذر الخير، وأعظمه أن تستحي من ربك _تبارك وتعالى_ بأن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، فإنك متى علمتَ بنظر الله إليك، وأنك بمرأى ومسمع منه، استحييت أن تتعرّض لمساخطه، قولاً وعملاً واعتقاداً.
ومن الحياء المحمود، الحياء من الناس، بترك المجاهرة بالقبيح أمامهم.
ومن الحياء المحمود، الحياء بألا ترضى لنفسك بمراتب الدون.
احرص دائماً على تذكر الآثار الطيبة للحياء، وطالع أخلاق الكُمَّل، واستحضر مراقبة الله _تعالى_، عندها سوف تمتلك الحياء، فتقترب من الكمال، وتتباعد عن النقائص.
17 – تزكية النفس:
طهِّر نفسك وأصلحها بالعمل الصالح والعلم النافع، وافعل المأمورات واترك المحظورات، وأنتَ إذا قمتَ بطاعةٍ ما، فإنما هي صورة من صور انتصارك على نفسك، وتحرّرك من قويدها، وهكذا كلما كسرتَ قيداً، كلما تقدمت خطوة، والخير دائماً يلد الخير، واعلم أن شرف النفس وزكائها، يقود إلى التسامي والعفة.
18 – الدعاء:
فهو من أعظم الأسباب، وأنفع الأدوية، بل الدعاء عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يُخفِّفه إذا نَزَل.
ومن أعظم ما يُسأل، ويُدعى به سؤال الله التوبة.
ادع الله _تبارك وتعالى_ أن يمن عليك بالتوبة النصوح.
ادع الله _تبارك وتعالى_ أن يُجدِّد الإيمان في قلبك.
أسأل الله _جل وعلا_ لك التوفيق والسداد، وأن يُصلح شأنك، ويغفر ذنبك، والله يتولانا وإياك، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.(/3)
ثمرات الإيمان بالكتب السماوية ...
أنزل الله عز وجل كتبه هداية للعباد، وجعل لها المنزلة السامية، والمكانة الرفيعة، وجعل الإيمان بها ركناً من أركان دينه، لا يصح إيمان العبد إلا بالإيمان بها.
وقد رتب سبحانه على الإيمان بكتبه ثمرات عظيمة، لعل من أهمها السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة، ذلك أنَّ من لم يؤمن بتلك الكتب فقد خالف أمر الله تعالى، وضل ضلالا بعيداً، قال تعالى: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً } ( النساء:136) فقد قرن سبحانه الإيمان بكتبه بالإيمان به، وجعل عاقبة الكفران بها كعاقبة الكفران به، سواء بسواء.
ومن ثمرات الإيمان بالكتب السماوية استشعار المسلم لنعم الله عليه وآلاءه التي لا تعد ولا تحصى، فقد جعل له كتباً تهديه سبل الرشاد، فلم يتركه سبحانه هملاً تتخطفه الأهواء والشهوات، وتتقاذفه الميول والرغبات، بل هيأ له من الأسباب ما يصلح أمره ويسدد وجهته. ولن يقدِّر العبد ما أسبغ الله عليه من نعمة الإيمان به، وما يتبعه من إيمان بما أنزله من كتب إلا عندما يتأمل حال من حُرم هذه النعم، وحال من كان يحيا حياة الغي والضلال، لا يدري الهدف من سيره، وما هي الغاية التي يسعى إليها من مسيره، قال تعالى: { أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم } (الملك:22) وقال أيضاً في حق الضالين عن هديه: { أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } ( الأعراف:179).
ومن ثمرات الإيمان بالكتب السماوية - علاوة على ما ذكر - أنه يمنح المؤمن الشعور بالراحة والطمأنينة، وذلك بمعرفته أن الله سبحانه قد أنزل على كل قوم من الشرائع ما يناسب حالهم، ويحقق حاجتهم، ويهديهم لما فيه صلاح أمرهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } (المائدة: 48) فإذا كان المؤمن على بينة من هذه السنة الإلهية ازداد إيماناً مع إيمانه، ويقيناً فوق يقينه، فيزداد حباً لربه ومعرفة له وتعظيماً لقدره، فتنطلق جوارحه عاملة بأوامر الله فتتحقق الغاية العظيمة من الإيمان بالكتب - وهي العمل بما فيها - فينال ثمرة هذا الإيمان سعادة في الدنيا وفوزاً في الآخرة، وقد وعد الله عز وجل العاملين بشرعه الخير والبركات في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ والأرض } (الأعراف:96) وقال أيضاً: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُون َ} (المائدة:66).
هذه بعض فوائد الإيمان بالكتب السماوية، وهي فوائد عظيمة وجليلة. ولا ريب أن للإيمان بالكتب السماوية فوائد أخرى لم نأتِ على ذكرها، لكن يمكن أن يستشعرها كل من أمعن النظر وعاش تجربة الإيمان بها. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإيمان والعمل بما أمر، وأن يجنبنا ما نهى عنه وزجر، وأن يهيأ لنا أسباب التوفيق في الدنيا والآخرة، والحمد لله أولاً وآخراً.(/1)
ثمرات الانتصار للنبي المختار
الكاتب: الشيخ د.علي بن عمر بادحدح
لعلي لا أبالغ إن قلت: إن أحداً لم يكن يتوقع قوة الانتصار للنبي المختار صلى الله عليه وسلم، وسعة دائرته في المجالات والدول والهيئات، فقد صار الحدث خبراً يومياً في سائر النشرات الإخبارية، وأصبح حديث المجالس، وانشغل به عموم الناس وخاصتهم، بل صارت له صلة بالدول والحكومات، ولعل من المناسب - في البداية - إيجاز القول في صور هذا الانتصار ومنها:
1- الاستنكار القوي والاعتراض الشديد على الاستهزاء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من خلال خُطب الجمع، ومقالات الصحف، ومشاركات الإنترنت.
2- إنشاء مواقع وصفحات إلكترونية خاصة بالحدث، وتقديم وتيسير سبل الاحتجاج والمخاطبة للجهات الدنمركية والنرويجية خاصة، والجهات الإسلامية والأوروبية والدولية عامة.
3- الدعوة الواسعة الأصداء، الجامعة بين القول القوي والتحرك والتنفيذ العملي في شأن مقاطعة البضائع الدنمركية على الفور بإخراجها من المحلات والأسواق التجارية.
4- العناية الإعلامية الكبيرة من خلال التغطية والمتابعة الإخبارية، والبرامج والحلقات المباشرة وغير المباشرة الخاصة بالحدث، مع الاستضافات والحوارات حول الموضوع.
5- التذكير والتشجيع الشعبي الجماهيري العام من خلال أحاديث المجالس والديوانيات، ورسائل الجوالات، والبريد الإلكتروني والملصقات والمطبوعات والإعلانات الكبيرة، وملصقات السيارات بزخم كبير لم يُشهد له مثيل.
6- التحرك الحكومي السياسي الذي تمثل في استدعاء السفراء، واستنكار الحدث رسمياً، ومقاطعة بعض الأنشطة والبرامج الدنمركية في المجالات الثقافية.
7- طرح الموضوع من خلال وجهات النظر المعاصرة، والمصطلحات المتداولة دولياً، مثل حوار الحضارات، واحترام الأديان والمقدسات وإدراجها ضمن منظومة حقوق الإنسان.
8- التحرك الشامل في المجالات التخصصية المختلفة؛ إذ شارك في الانتصار المحامون والتجار والصناع والأكاديميون والطلاب والصغار والكبار والرجال والنساء.
9- التضحية بالوقت والجهد والمال للإسهام في جوانب النصرة المختلفة كل بحسبه ووفق قدرته.
10- المتابعة والرصد لآثار الحدث وردود الأفعال الناشئة عن المقاطعة الاقتصادية، والمراسلات الاحتجاجية، والمحاولات القانونية.
ويمكننا القول: إن الأمة الإسلامية في العصر الحديث قلَّما قابلت حدثاً كان له مثل هذا التأثير في القلوب والنفوس، والأقوال والأفعال، والمواقف والمبادئ، ولا عجب في ذلك فالأمر يتصل بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، نبي الصدق(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ...)[الزمر: من الآية33]، ونبي الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]. ونبي الشفاعة العظمى والمقام المحمود (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) [الإسراء:79]. "سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفَّع" [ رواه مسلم ]، النبي المصطفى والرسول المجتبى الذي لا يصح لنا إسلام، ولا يثبت لنا إيمان إلا بالإيمان بنبوته، وصدق محبته، والإقرار بعظمته، والاتباع لسنته، فله في قلوب المسلمين المكانة العظمى والمحبة الكبرى، يجددون بها ما كان عليه أسلافهم من الصحابة رضوان الله عليهم كما وصفهم واحد من أعدائهم، وهو عروة بن مسعود الثقفي حيث قال:" أي قوم والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً يُعظمه أصحابه ما يُعظّم أصحاب محمد محمداً،والله إن تنخَّم نُخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدّون النظر إليه تعظيماً له" [ رواه البخاري ] ، وكانوا يفدونه بأرواحهم ولسان حالهم ومقالهم يجسّد مقالة أبي طلحة الأنصاري يوم أحد: " نحري دون نحرك يا رسول الله"، فلا مجال للتعرض لمقامه، أو الانتقاص لقدره صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا جاءت تلك الهبة العظيمة التي يمكن أن نرى خيراتها ومنافعها الجديرة بالاهتمام والاغتنام، وهذه بعضها نوردها تحدُّثاً بنعمة الله:
أولاً: الفوائد المعنوية التربوية
1- ظهور وإظهار قوة وصدق محبة وعظمة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في نفوس المسلمين.
2- تحرك الغيرة الإيمانية والحمية الإسلامية انتصاراً ودفاعاً عن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام.
3- تجلي صورة وحدة وتكاتف الأمة في الملمات عندما يتعلّق الأمر بالأمور العظام كالتعرّض لخير الأنام صلى الله عليه وسلم.
4- رفع الهمم وشحذ العزائم بثبوت قدرة الشعوب الإسلامية على العطاء والتأثير، وإزالة أسباب العجز والتفريط والتقصير.(/1)
5- ازدياد الوعي بأهمية وعظمة دور الدين عند المسلمين، وكونه الأساس الذي ترتبط به حياتهم، والتعميم لذلك في واقع المسلمين، والتعريف به لغير المسلمين، ومعارضة كل ما يُعارض ذلك من الناحية الفكرية أو العملية.
6- الشعور والإدراك الحقيقي لمعنى الإساءة إلى الدين، والعدوان على مقدسات المسلمين، والانتباه إلى نظائر ذلك في أفعال الآخرين كالصهاينة الغاصبين في فلسطين، والأمريكان المجرمين المحتلين في العراق وأفغانستان، وغير ذلك من صور وممارسات العدوان.
7- التأكيد على أهمية عقيدة الولاء والبراء، والفهم الصحيح لها في ظل وجود العدوان والاعتداء.
8- ازدياد روح البذل والتضحية والعطاء على حساب رغبة المسلم وشهوته، أو المحافظة على ماله وثروته، أو الإيثار لسلامته وراحته.
ثانياً:الفوائد العملية الحياتية:
1- الوضوح العملي للأثر القوي للاقتصاد من خلال أثر المقاطعة للبضائع والمنتجات الدنمركية، وأهمية توظيف القدرة الاقتصادية للدفاع عن الأمة، وتحقيق مصالحها.
2- بروز أهمية الاستقلال الاقتصادي وخاصة في مجال الغذاء والدواء، وأهمية رفع شعار" نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع".
3- ظهور أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية الإسلامية، والتركيز على إحياء التوجه نحو التكامل بين الدول الإسلامية وهي كثيرة في عددها، وغنية في مواردها، ومتنوعة في منتجاتها.
4- وضوح الأثر الإيجابي لوسائل الإعلام عند استخدامها في المجالات المهمة والقضايا الجوهرية في حياة الأمة، ووجود العناية بذلك من خلال الاستخدام المتميز لشبكة الإنترنت، والمناداة بإنتاج الأشرطة والأقراص الممغنطة، والعمل على إعداد إعلانات وبرامج تلفزيونية، وعبّر عن ذلك الكاتب أحمد أبو زيد في الحياة فقال: "هذه الأحداث الجسام هي التي تشكل وعي أبنائنا، وهي التي تجعلهم يهتمون بشأن الأمة العربية والإسلامية، بعد أن عمدت معظم القنوات الفضائية إلى تهميش وتسطيح قضاياهم من خلال بث وتركيز متعمد على حياة المشاهير من المطربين والمطربات ونجوم الرياضة من اللاعبين، حتى بات معظم الشباب من الجنسين على دراية تامة بأدق تفاصيل هذه الشخصيات التي أقل ما يُقال عنها أنها لم تضع لبنة واحدة في بناء المجتمع وتقدمه ولحاقه بركب الحضارة والتطور التكنولوجي" [ صحيفة الحياة الجمعة4/1/1427هـ ]
5- وضوح قوة تأثير الجانب السياسي في شتى صوره، فالمملكة التي استدعت سفيرها، واستنكر مجلس وزرائها، واعترض مجلس شوراها، يُعد فعلها نموذجاً للأثر والتأثير الإيجابي فيما يتعلق بعقيدة ومقومات وهوية الأمة، كما يبدو الأثر مضاعفاً عند توافق وتطابق العمل الحكومي والشعبي كما في هذا الأمر.
وهكذا نرى أن هذه النصرة أبرزت تسخير الأمة لبعض قدراتها الاقتصادية والإعلامية والسياسية وغيرها في الاتجاه الصحيح المرتبط بهوية الأمة وتحقيق مصالحها، وتجلّى الأثر الإيجابي لذلك، لقد كانت النصرة شاهداً على محبة حقيقية لا زائفة، وغيرة صادقة لا كاذبة، وحركة عملية لا دعائية، وإيجابية جماعية لا فردية، ومن هنا ينبغي اغتنام هذه الفوائد والعمل على الحفاظ عليها أولاً، وتطويرها وحسن توجيهها واستثمارها ثانياً، ونريد لها أن تكون مستمرة لا منقطعة، ومنضبطة لا فوضوية، وشرعية لا مزاجية، وهذا ما سأكتب عنه بإذن الله(/2)
ثمرات الصبر والتفاؤل بالخير وتقوية اليقين بالله
ناصر أبو ريان
naseraborayan@yahoo.com
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاةوالسلام على نبينا المبعوث رحمةللعاملين. أما بعد: تعلمون إحدى نعم الله تعالى العظيمة على عباده المسلمين المؤمنين ألا وهي نعمة الصبر والتفاؤل وإنتظارالفرج وقوة اليقين, وتذكروا مثلنا الأول وقدوتنا وقائدنا وحبيبنا الرسول صل الله عليه وسلم في سيرته ودعوته وصبره وحلمه وثباته وكذلك الصحابةرضي الله عنهم ورضوا عنه عند نزول الفقر بهم والأمراض والخوف والرعب وأنواع الإبتلاءات قالوا على سبيل الإستعجال {مَتَى نَصْرُ اللَّه}ِ فبشرهم الله تعالى برحمته {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} فالنصر قريب من المؤمنين المتقين المحسنين الشاكرين الصابرين الأوابين الموحدين. وقوة اليقين يدفعنا إلى التفاؤل،وعدم الإصابة باليأس لأجل ما حل بأمتنا الإسلامية من المصائب من سلب لثرواتها،ومسخ لأخلاقها وتفرق وشحناء فيما بينها.وإنه مهما يكن من ذلك فلابد من التفاؤل والأمل،بل واليقين الجازم الذي لا يداخله شك ولا ارتياب بوعد الله تعالى ونصره وتمكينه، وأن المستقبل للإسلام،ولابد وأن ترتفع المعنويات لدى أهل الإسلام لأن لديهم بشارات ربانية ونصوصاً هي جزء من عقيدتهم تبشر بأن المستقبل لهذا الدين. فالعاقبة المحتومة للمتقين لا ينبغي أن ينقصنا اليقين بها ، ولا أن يساورنا أدنى شك في تحققها . ويأتي هذا الكلام لأنه ربما تسلل إلى نفوس بعض المسلمين الانهزام واليأس ، وضعف المعنويات تجاه ما يرون من تسلط الكفر وأهله على بلاد الإسلام بسبب التهاون العقدي والتهاون في الشرك والمعاصي. مع أن الواجب ألا تزيدنا هذه الخطوب والشدائد إلا إيماناً وتسليماً وتجديداً للتوبة، وصدقاً ويقيناً،فإنها حال أهل الإيمان التي أخبرالله تعالى عنهم مثنياً عليهم بها فقال{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَاوَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَازَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}، وقال الله تعالى{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الْوَكِيلُ} وإن مايحيط بالأمة الإسلامية من شدائد وكروب ومضايق وخطوب لاينبغي أن يقابل بالاستكانة؛بل لابد من رفع هذا الذل والصغار بالإقبال على الله تعالى وتجديد التوبة النصوح،وتحقيق التقوى،وهجر المعاصي ، والحرص على دعاء الله تعالى لكشف الكرب،والأخذ بالأسباب المعنوية والمادية مع التحلي بالصبر والمصابرة، والثبات ، والدعوة إلى إجتماع الكلمة وتوحيد الصف ، فعلينا العودة الصادقة إلى هذا الدين أفراداً وجماعات ، فوالله ماتخلى الله عنا إلا أننا ابتعدنا عن ديننا،وتخلينا عنه،ولم نعد نحكِّمه في أنفسا وأهلينا وذوينا،بل هجرنا كتاب ربنا،وحكَّمنا أعرافنا وتقاليدنا ، واستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هوخير، وغلَّبنا شهواتنا على عقولنا،واستهوتنا الشبهات،وغمرتنا الملذات،ولم نشكرنعم الله علينا ، فسلط علينا العدو،وأذاقنا منه الاستخفاف والذلة والصغار لكي يستخرج منا عبودية التوبة والإنابة إليه،والتضرع له كماقال تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فمانزل بلاء إلا بذنب، ولارفع إلا بتوبة،وإن لم نفعل ذلك جاءالله بقوم يحملون هذا الدين،ويبلغونه للناس،ويصبرون عليه حتى يأتي نصرالله قال الله تعالى{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }وقال الله تعالى{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فأثابهم الله تعالى وبشرهم بقوله{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون}وقال الله تعالى{وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيكَ عَظِيماً}وقال الله تعالى{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}وقال الله تعالى{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}وقال تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} وقال الله تعالى{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}وقال الله تعالى) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمدِدْكُمْ رَبُّكمْ بِخَمْسةِ آلافٍ منَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِين وَمَاجَعَلَهُ(/1)
اللَّهُ إِلّا بُشرَى لَكمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَاالنَّصرُ إِلّا منْ عِنْدِاللّهِ الْعَزِيزِالْحَكيم}. فنثق وتؤمن بأن في طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صل الله عليه وسلم قولاًً وعملاً فيه الطمأنينة والفوز والنصر والفلاح والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة وبها تستجلب النعم وتستدفع النقم كما أنها قوت القلوب وقرة العيون وسرورالنفوس وروح الحياة وحياة الأرواح,فعلينا مواصلة التقرب إليه سبحانه بالمحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة التي هي أهم العبادات بعد التوحيد ولنحرص على الإخلاص وطلب العلم الشرعي وتلاوة كتاب الله الكريم والعمل به على المنهج النبوي الصحيح ونذكر نعم الله تعالى وآلاءه المتتابعة والإكثارمن الإستغفار وحفظ الجوارح. وقال الله تعالى {استَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ منْ عِبادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. ولاتقنطوا من رحمة الله تعالى أليس الله بكافٍ عبده. فسيكفيكهم الله وهوالسميع العليم. والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً . فتوكل على الحي القيوم الذي لايفنيَ ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد .والفرج قريب وابشروا بالخير تفاءلوا الخير تجدوه . سائلاً العلي القديرأنْ يحفظ علماؤنا وولاة أمورنا المسلمين بحفظه ويجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم وأن يكبت أعداءهم وأعداء الإسلام والمسلمين في كل مكان. والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاةوالسلام على نبيناالمبعوث رحمة للعالمين وصحبه أجمعين.(/2)
ثمرة العلم بالأسماء والصفات ...
الشيخ/عمر الأشقر ...
...
يقول الشيخ عمر الأشقر: إن العلم بأسماء الله وصفاته هو العاصم من الزلل، والمقيل من العثرة، والفاتح لباب الأمل، والمعين على الصبر، والواقي من الخمول والكسل.
إن النفوس قد تهفوا إلى مفارقة الفواحش والذنوب، فتذكر أن الله يراها ويبصرها، وتذكر وقوفها بين يدي الله فترعوي وتجانب المعصية.
ويقع الإنسان في الذنب والمعصية، ثم يذكر سعة رحمة الله، فلا يتمادى في الخطيئة، ولا يوغل في طريق الهاوية، بل يعود إلى الله ربه التواب الرحيم قارعاً بابه، فيجد الله تواباً رحيماً.
وتتناوش العبد المصائب والمكاره، فلا يجزع ولا يهلع، ويلجأ إلى الحصن الحصين، والركن الركين، ويقابل المكاره بنفس راضية.
يقارع الأشرار، فيجدِّون في منع الرزق عنه، وقصم العمر منه، ويعلم الفارس في مجال الصراع أن الأرزاق والأعمار بيد الله .
يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله: ( فعلم العبد بتفرُّد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماته، يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً، ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً.
وعلمنا بسمعه وبصره وعلمه، يقضي بأنه لا يخفى عليه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض، وانه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر للعبد حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، ويجعل تعليق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطناً، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح .
ومعرفة العبد بغنى الرب وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء، وتثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.
ومعرفة العبد بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية الظاهرة هي موجباتها.
وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجد له محبة خاصة، بمنزلة أنواع العبودية، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات ).
ويقول في موضع آخر عن تأثير العلم باسماء الله وصفاته وأوامره وأفعاله في نفوس العباد: ( إن أحد أسرار القرآن العظام هو تحديثه عن رب العباد حديثاً يجلي فيه القرآن الرب لعباده عبر صفاته، فتارة يتجلى الرب عبر آيات الكتاب في جلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق، وتنكسر النفوس، وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر، كما يذوب الملح في الماء.
وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال، وهو كمال الأسماء، وجمال الصفات، وجمال الأفعال الدالِّ على كمال الذات، فيستنفذ حبّه من قلب العبد قوة الحب كلها، بحسب ما عرفه من صفات جماله، ونعوت كماله، فيصبح فؤاد العبد فارغاً إلا من محبته، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه كل الإباء كما قيل:
يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل
فتبقى المحبة طبعاً لا تكلفاً.
وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والإحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد، وانبسط أمله، وقوى طمعه، وسار إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وكلما قوى الرجاء جدَّ في العمل، كما أن الباذر كلّما قوى طمعه في المغلِّ غلَّق أرضه بالبذر، وإذا ضعف رجاؤه قصَّ في البذر.
وإذا تجلى بصفات العدل والانتقام والغضب والسّخط والعقوبة انقمعت النفس الأمّارة، وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص على المحرمات، وانقبضت أعنّة رعونتها، فأحضرت المطيّة حظّها من الخوف والخشية والحذر
وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي، والعهد والوصية، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وشرع الشرائع، انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره، والتبليغ لها، والتواصي بها، وذكرها وتذكيرها، والتصديق بالخبر، والامتثال للطلب، والاجتناب للنهي.
وإذا تجلى بصفات السمع والبصر والعلم انبعثت من العبد قوة الحياء، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.
وإذا تجلى بصفات الكفاية والحب والقيام بمصالح العباد، وسوق أرزاقهم إليهم، ودفع المصائب عنهم، ونصرة لأوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم، انبعثت من العبد قوّة التوكل عليه والتفويض إليه، والرضا به، وبكل ما يجريه على عبده ويقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه.
والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله، وحسن اختياره لعبده وثقته به، ورضاه بما يفعله به، ويختاره له.
وإذا تجلى بصفات العز والكبرياء أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته، والانكسار لعزته، والخضوع لكبريائه، وخشوع القلب والجوارح له، فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته، ويذهب طيشه وقوّته وحدته.(/1)
وجماع ذلك: أنه سبحانه يتعرّف إلى العبد بصفات إلإهيته تارة وبصفات ربوبيتة تارة، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة، والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همّه دون سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه، والافتقار إليه، والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار له.
وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته في ألوهيته، وألوهيته في ربوبيته، وحمده في ملكه، وعزّه في عفوه، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه، وعطائه في منه، وبرّه ولطفه وإحسانه ورحمته في قيّوميّته، وعدله في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجوّزه.
ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه.
وأنت إذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف، وأن تقضي عليه بآراء المتكلمين، وأفكار المتكلفين، أشهدك ملكاً قيّوماً فوق سماواته على عرشه يدبّر أمر عباده، يأمر وينهى، ويرسل الرسل، وينزل الكتب، ويرضى ويغضب، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعزُّ ويذلّ، ويخفض ويرفع، يرى من فوق سبع ويسمع، ويعلم السر والعلانية، فعال لما يريد، موصوف بكل كمال، منزّه من كل عيب، لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، ليس لعباده دونه وليُّ ولا شفيع ).
دعاء الله بأسمائه الحسنى
يقول الشيخ عمر الأشقر: ( أسماء الله وصفاته تدل على عظمته تبارك وتعالى، ومن هنا كثرت أسماؤه وصفاته، وقد قيل: [العظيم من كَثُرتْ صفات كماله] ).
وإذا كانت صفات الله وأسماؤه تدل العباد على عظمة الباري ـ جل وعلا ـ وكماله وسؤدده، فإنها أعظم سبيل يستطيع العباد سلوكه لتعظيم الله وتقديسه وتمجيده ودعائه.
وقد أمرنا الحق بدعائه بأسمائه الحسنى فقال: ? وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? ... [الأعراف:180]، والدعاء في اللغة والحقيقة هو: الطلب، أي اطلبوا منه بأسمائه.
ودعاء الله بأسمائه الحسنى مرتبتان كما أشار إلى ذلك ابن القيم ـ رحمه الله تعالى:
الأولى: دعاء ثناء وعبادة: وقد أمرنا الله تبارك وتعالى أن نمجده ونثني عليه فقال: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ?41? وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ? ... [الأحزاب: 41 ، 42].
وفي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ما من أحد أحب إليه المدح من الله)، وقد وعد الله بذكر من يذكره، قال تعالى: ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ? ... [البقرة:152]. وفي الحديث الذي يريه البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم). وأخبر الحق أن الذاكر لله يطمئن قلبه، وتهدأ نفسه: ? أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ? ... [الرعد: 28].
الثانية: دعاء طلب ومسألة: وقد أمرنا تبارك وتعالى بدعائه والطلب منه ووعدنا بالإجابة: ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ?... [غافر:60].
ودعاء الله وسؤاله لا ينبغي أن يكون إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا فلا يقال: يا موجود، أو يا شيء، اغفر لي وارحمني.
وقد نبه علماؤنا إلى السائل ينبغي أن يتخير في كل سؤال الأسماء المناسبة للطلب الذي يطلبه، يقول ابن القيم ـ رحمه الله: ( يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضياً لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم، ومن تأمل أدعية الرسل وجدها مطابقة لهذا). ويقول: ( يأتي السائل بالاسم الذي يقتضيه المطلوب، كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، ولا يحسن أن تقول: إنك أنت السميع البصير).
ويقول ابن العربي: ( يطلب بكل اسم ما يليق به، تقول يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رزّاق ارزقني، يا هادي اهدني) ، ونبه ابن العربي إلى أن بعض أسمائه تبارك وتعالى أسماء عامة تصلح لأن يدعى بها في كل موضع، وفي كل الأمور، مثل: الله، الرب.(/2)
ثمرة الفضيلة
كنت في زيارة لأحد المراكز الإسلامية في ألمانيا فرأيت فتاة متحجبة حجاباً شرعياً ساتراً قلَّ أن يوجد مثله في ديار الغرب ؛ فحمدتُ الله على ذلك ، فأشار عليَّ أحد الإخوة أن أسمع قصة إسلامها مباشرة من زوجها ، فلما جلستُ مع زوجها قال:
زوجتي ألمانية أباً لجد، وهي طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة، وكان لها عناية خاصة بالأمراض الجنسية التي تصيب النساء ، فأجْرَت عدداً من الأبحاث على كثير من المريضات اللاتي كنَّ يأتين إلى عيادتها ، ثم أشار عليها أحد الأطباء المتخصصين أن تذهب إلى دولة أخرى لإتمام أبحاثها في بيئة مختلفة نسبياً فذهَبَتْ إلى النرويج ، ومكثت فيها ثلاثة أشهر، فلم تجد شيئاً يختلف عمَّا رأته في ألمانيا ، فقررت السفر للعمل لمدة سنة في السعودية ..
تقول الطبيبة : فلما عزمتُ على ذلك أخذت أقرأ عن المنطقة وتاريخها وحضارتها، فشعرت بازدراء شديد للمرأة المسلمة ، وعجبتُ منها كيف ترضى بذُلِ الحجاب وقيوده، وكيف تصبر وهي تُمتهَن كل هذا الامتهان..؟!
ولمَّا وصلت إلى السعودية علمت أنني ملزمة بوضع عباءة سوداء على كتفي ، فأحسست بضيق شديد وكأنني أضع إساراً من حديد يقيدني ويشلُّ من حريتي وكرامتي (!!)، ولكني آثرت الاحتمال رغبة في إتمام أبحاثي العلمية.
لبثت أعمل في العيادة أربعة أشهر متواصلة، ورأيت عدداً كبيراً من النسوة، ولكني لم أقف على مرض جنسي واحد على الإطلاق ؛ فبدأت أشعر بالملل والقلق .. ثم مضت الأيام حتى أتممت الشهر السابع ، وأنا على هذه الحالة، حتى خرجت ذات يوم من العيادة مغضَبة ومتوترة ، فسألتني إحدى الممرضات المسلمات عن سبب ذلك، فأخبرتها الخبر، فابتسمت وتمتمت بكلام عربي لم أفهمه ، فسألتها: ماذا تقولين؟! فقالت: إن ذلك ثمرة الفضيلة ، وثمرة الالتزام بقول الله تعالى في القرآن الكريم : { والحافظين فروجهم والحافظات } [الأحزاب:35]
هزتني هذه الآية وعرّفتني بحقيقة غائبة عندي ، وكانت تلك بداية الطريق للتعرف الصحيح على الإسلام، فأخذت أقرأ القرآن العظيم والسنة النبوية، حتى شرح الله صدري للإسلام، وأيقنت أنَّ كرامة المرأة وشرفها إنما هو في حجابها وعفتها .. وأدركت أن أكثر ما كُتب في الغرب عن الحجاب والمرأة المسلمة إنما كتب بروح غربية مستعلية لم تعرف طعم الشرف والحياء..!
إن الفضيلة لا يعدلها شيء، ولا طريق لها إلا الالتزام الجاد بهدي الكتاب والسنة، وما ضاعت الفضيلة إلا عندما استُخدمت المرأة ألعوبة بأيدي المستغربين وأباطرة الإعلام. وإن أخشى ما نخشاه أن تؤول ديار المسلمين إلى ما آلت إليه بلاد الغرب، إذا ما اتبعنا أبواق العلمانيين والإباحيين، وتخلينا عن الفضيلة والعفة والأخلاق التي يضعها ديننا في صورة منهج كامل للحياة.
ومن النُّذُر الجديرة بالانتباه تقرير نشرته مؤخراً منظمة الصحة العالمية عن انتشار مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في المنطقة العربية، وكانت الإحصاءات المنشورة مذهلة جداً تنبئ عن واقع محزن مع الأسف الشديد..!
إنَّ هذا المرض ثمرة خبيثة من ثمار التفلت الأخلاقي والانحراف الجنسي ، ثمرة من ثمار الحرب الضروس التي تشنها بعض وسائل الإعلام على الأخلاق والآداب الإسلامية، ثمرة من ثمار ذلك الطوفان الجارف من الأفلام الهابطة والمسلسلات الماجنة التي طغت على كثير من القنوات الإعلامية من المشرق إلى المغرب. ثمرة من ثمار الدعوات المحمومة لدعاة الرذيلة والفساد التي تشد فتيان الأمة وفتياتها إلى مستنقعات الغرب الآسنة باسم التحرر والتحضر، وتزيّن لهم الوقوع في الفواحش بكل ألوان الزينة المخادعة..!!
وإن السلامة من ذلك المرض وأشباهه لا تكون إلا بالعودة الصادقة إلى حياض الفضيلة، وتربية الأمة على العفة والحياء، ومراقبة الله تعالى سراً وجهراً.
ألا فلتسكت تلك الأقلام الملوثة التي ما فتئت تشيع الفاحشة، وتنادي أبناءنا وبناتنا للوقوع في حمأة الرذيلة باسم الرقي والتقدم..!
ألا فلتسكت تلك الأصوات الكالحة العبوس التي تتشدق بالدعوة إلى نزع الحجاب والاختلاط باسم الحرية والتمدن..!
{ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } [النور:19]
وأحسب أخيراً أن من أكبر التحديات التي تواجه الدعاة والمصلحين هي إيجاد البدائل التربوية والمحاضن الاجتماعية التي يتفيأ في ظلالها فتيان الأمة وفتياتها، بعيداً عن شرر دعاة العلمنة وعبثهم.
كاتب المقال: أحمد بن عبد الرحمن الصويان
المصدر: طريق الإسلام(/1)
ثمّة أماكنُ لا تتّسعُ للجرح ..
صالح الفوزان 12/3/1427
10/04/2006
كذب عليّ ..فقلتُ: إنه صغير ..
سرقني.. فقلتُ: إنه طفل..
لكن كيف أفسر الخيانة ..؟!
لن أصمت كثيراً ...لأن صمتي عندما يكون داخلي أشياء كثيرة لأقولها ..يكون الصمت مزعجاً ..
صديقي ..دعني أنظّف بياض الصفحات، كما ينظّف محارب قديم سلاحه..
هل أخبروك أن لكل محارب والد حزين وصغير يصرخ..
الحديث معك تضيق به اللحظة ..وتشوّهه الكاميرا ..
وهو معتق بنوارس البحر الراحلة ..
لقد نصرتُ إبراهيم المعتقل في جوانتانامو مظلوماً، أما أنت فسأنصرك ظالماً..
لاتبحثْ عن رفاقك .. لاتبحثْ عن الورود ..ولاعن أناشيد الصباح ..فعصافير المكان غادرت ..حتى لاتتلطّخَ بدم الخيانة ..!!
أتسألني عن رفاقك ..وعطر الشهداء ..؟! كلهم ماتوا عندما حطّموا البرواز وشوّهوا الصورة ..والمدية بمكانها ..تحت غطاء سلمى ..
هل حدثوك أيها الحبيب ..عندما عقدوا آخر صفقة فوق جثة آخر شهيد ..؟!
لاتحدثني عن ألم الرحيل ..وقسوة الطريد ..لأنك وحدك من أحكم سجنك .. وبنيت قصرك والديار ..
ثمّة أفعالٌ ارتكبتها ..تجعل الحدادَ يليق بك رغم بقاء روحك..
يا صديقي ..في قلبي مقابر بعد رحيلك ..لكنها بلا أموات ولا أسوار ..سأبقيها مشرعة ..لعلك تعود يوماً وتدفن كلّ القبور ..!!
هل قالوا لك: إن أٌشد الأمكنة هي التي جمعت أجمل ذكرى وأقساها ..؟!
إذاً لماذا الهروب ...لماذا ..؟!
لأنك صديقي، سأقول لك ..هامساً ..(هناك أشياء مذ ربحتها وأنا أشتري بها خساراتي)
..أشتري بها سوادَ الصفحات ..وظهرَ الخيل الجامحة ..
لسْتُ أبحثُ عمّن يروّضها أو من يبيّضها ..لكنها أمكنة الشقاء ..
أسألك ..هل وحدك من يملك الحقيقة؛ لذا أنت هارب بها ...؟!هل وحدك ..من يستطيع أن يوقظ الأوطان ..وأن يرتّب حفلَ الشهداء ...؟! مرة أخرى الخيانةُ يفضحها المخلصون، والحقيقةُ لايكتبها المتورّطون ..
أعوام مرت وشبيهتُك تبحث عنك في كلّ الوجوه ..في كلّ الأمكنة ..في كلّ الأزقة ..حتى الأزمنة لم تتركْها ..لقد تركْتَها شاردةَ القلب موجوعةَ الفؤاد ..
صديقي لو كُتب لك أن تعود للمدينة ..للقرية ..فلا تدخلْها وأنوارُها نائمة، بل ادخلْها صباحاً لترى دمَ الأبرياء ...الذين نُحروا قربة وفاءٍ بيد رفاقك ..
لقد كانت الشمسُ قبلكم أكثرَ دفئاً ..
لم تعدْ العصافيرُ تنامُ بقريتنا ..لقد هاجرت للقاموس بحثاً عن أمان ..لعلها تجده و لو بين السطور ..
لا أدري هل أعطيك أعوادَ الثقاب ..لتعبث بها حتى إذا احتجتها وجدتها حرائق بين يديك ..؟! ..لقد عبثت بها وأحرقْت عششَ القلوب ...
وماذا بعد ذاك ...؟! هل ستدومُ طريداً..؟!هل ستستنزفُ حروفي ..أيامي ..دموعي من أجلك ..؟! يالكبريائك ..وغرورك ..وأنت تجوبُ المدنَ تحت الظلام..!!يضيق بك الفضاء ويتسع لك الكهف...؟!!
ألم يوقظْك حارسُ الشوارع ؟!..ألم ترَ صور الرقص ..؟! ألم تسمع عزفي على البيانو؟! ..ألم نبنِ الكوخ سوياً؟! ..ألم تشاطرني كسرة الخبز ؟!..لماذا لم تعدْ ترقص الجازية ..؟!
ولماذا كسر الزير سيفه وهدم بيته ..؟! ألأنك طريدُ الحضارة ..والباحثُ عن الأسود في ذمم التاريخ ..؟!
لم أعتقد يوما أن الجبل يحول الحمائم إلى كواسر ...ولا الليل يحول الفراشات إلى خواطيف ...
أين أنت ..؟ وأنت ترتّل صبحك ..(رب اجعل هذا البلد آمنا ..)..فحرست الأمن بعينيك وأشهرت دونه سلاحك حتى لا يوقظه الطفل والشيخ..
يالهف نفسي ..وهي تحتضن بقاياك ..دموعك ...حتى جلال الوقار ..
أترى أن الله اختار ثلة يحملون دينه ويبلغون رسالته ..كلهم ماتوا وبقيت وحدك منفيا لاتستطيع أن تجتمع مع ذاتك ..إنه سؤال العمر ياصديقي
آه ...تهربُ ياحبيبي في الوقت الذي يحتضرُ فيه حبيبٌ آخر وأنا بينكما ..
لاتنتظر الاحتفالَ والعرس، ثمة أعراسٌ ليس فيها رقصٌ ولا ورود ..فيها بياض الأكفان فقط ..هل سترقصُ في العزاء .. في المآتم ..فوق الجروح .. ؟! ويل قلبك ..إن كانت المدية بيدك ..هل سأكون ضحيتك القادمة ..؟!
لن أدعوك لعرس الشهداء؛ لأنك لست منهم ..لن أهديك تربة الاحتفال ..لأنه ليس مكانك..ولاتليق به ..حتى الحلوى سأعطي بقيتها للذئاب ..لأنها جائعة ..وحينما تقتل فهي أرحم منك ..
ثمة قرابين ذبحت لتشوه حرم التاريخ والمكان ..
فقط سأستدعيك حينما تدخلُ مدينة السلام ..
بل دعني أستدعِ اسمَك في زفّة الشهداء، اسمَك فقط من أجل طفولة بريئة ...
اسمَك فقط ...(طالب المطلوب)..الوحيد ممن بقيتَ من قائمة الـ (26)
بعد رحيلك ..لا أدري هل هذه صورتك أم صورتي ...!!
وكلانا خائف ...!(/1)
مكتب المشرف العام
القسم العلمي
ثوابت الأمة في ظل المتغيرات الدولية
مدخل في معرفة الثوابت
مشاركة أ.د ناصر بن سليمان العمر
المشرف العام على موقع المسلم
www.almoslim.net
ضمن فعاليات
مؤتمر الآفاق المستقبلية للعمل الخيري
والمقام بدولة الكويت تحت إشراف مبرة الأعمال الخيرية
وذلك في المدة من 10-12/ - /1425 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل في معرفة الثوابت
مقدمة وتشمل التعريف:
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد:
إن موضوع ثوابت الأمة في ظل المتغيرات الدولية موضوع عظيم وكبير، بيانه يحتاج إلى وقت وجهد وكلاهما عزيز، وحتى نخرج بفائدة في هذه العجالة أثرت أن يتعلق الحديث ببيان المنهج وذلك عن طريق ذكر أمور كلية وقواعد عامة يستفيد منها المسلم في معرفة الثغر الذي هو واقف عليه، والثابت الذي ينبغي أن يتمسك به، بدون خوض في التفاصيل فإن المجال لا يتسع لذلك، وقد قيل: "من حرم الأصول حرم الوصول، ومن عرف الأصول ضمن الوصول".
والحديث عن هذا الموضوع (أعني تقرير الثوابت) يمكن أن يتناول باعتبارات فهذا العنوان [ثوابت الأمة] ليس معنى شرعياً واحداً ثابتاً متفقاً عليه كمعنى الصلاة في العرف الشرعي، أو الصدقة أو غيرها من الألفاظ الشرعية المعروفة، وليس معنى اصطلاحياً وضع له أهل شأن تعريفاً جامعاً مانعاً لا يجوز لمن تحدث في شأنهم الحياد عنه، ولهذا سيكون حديثي عن المعنى اللغوي الذي يفهم من قولنا الثوابت وبضدها تتميز الأشياء ومنها المتغيرات، ثم أعرج على ذكر استعمالات أو اصطلاحات اختارها البعض لمقتضيات قد ينصرف الذهن إليها وليست عين ما أريد الكلام عنه، بل ربما كان بينها وبين ما أريد عموم وخصوص، ثم أشرع في بيان ما رأيته أليق بالعرض في موضع ثوابت الأمة بدون خوض في ذكر تفاصيلها.
الثوابت في اللغة:
"الثاء والباء والتاء كلمة واحدة، وهي دوام الشيء، يقال: ثبت ثباتاً وثبوتاً، ورجل ثبت وثبيت"(1).
تقول: "ثَبَتَ الشيءُ في المكان يثبُت ثَبَاتًا وثُبُوتًا دامَ واستقرَّ فهو ثابتٌ وثبيتٌ وثَبْتٌ"(2).
وفلانٌ على الأمرِ دَاوَمَهُ ووَاظَبَهُ(3).
والنحاةُ يقولون: ثَبَتَ الحرفُ أي لم يُحْذَف(4).
وثَبُتَ الرجلُ ثَبَاتَةً وثُبُوتَةً كان ثبيتًا شجاعًا(5).
ورجل ثَبْتُ الغَدْرِ إِذا كان ثابِتاً في قتال أَو كلام؛ وفي الصحاح؛ إِذا كان لسانُه لا يزال عند الخُصُوماتِ(6).
وداءٌ ثُبَات: يُثْبِتُ الإنسانَ حَتّى لا يَتَحَرَّكَ، ومَرِيْضٌ مُثْبَتٌ: ليس به حَرَاك(7).
ويقال: أَثْبَتَهُ السُقْمُ، إذا لم يفارقه. وقوله تعالى: "لِيُثْبِتوكَ" أي يَجْرَحوكَ جِراحةً لا تقوم معها(8). وفي حديثِ مَشُورةِ قُرَيْشٍ في أَمر النَّبِيّ _صلَّى الله عليه وسلّم_، قال بعضُهم: إِذا أَصْبَحَ فأَثْبِتُوهُ بالوَثَاق(9).
كذا المُثْبِتُ، بِكَسْرِ الباءِ وهو الّذِي ثَقُلَ من الكِبَرِ وغيرِه، فَلمْ يَبْرَحِ الفِرَاشَ(10).
فكل هذه معاني روعي في أصلها الدوام والاستقرار ثم خصصت بحسب إضافتها إلى معان روعي فيها أصل المعنى.
ولهذا الجذر إطلاقات كثيرة وجميعها اشتمل على أصل المعنى بنوع تخصيص فمن ذلك:
قولهم: الثوابت من الكواكب غير السيارة(11). فكأنهم أرادوا الدائمة المستقرة في مكانها.
وقالوا: أسَاسٌ ثَابِتٌ لاَ يَتَزَعْزَعُ أي رَاسِخٌ، مَتِينٌ(12).
__________
(1) ينظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة (ثبت).
(2) ينظر محيط المحيط لبطرس البستاني، ولسان العرب لابن منظور.
(3) ينظر محيط المحيط.
(4) السابق، وكذا في اللسان.
(5) السباق.
(6) ينظر لسان العرب لابن منظور مادة (ثبت).
(7) ينظر المحيط للصاحب بن عباد، أول الباء والثاء وما يثلثهما.
(8) ينظر الصحاح للجوهري مادة (ثبت).
(9) ينظر تاج العروس للزبيدي باب التاء فصل الثاء، والأثر رواه عبدالرزاق في مصنفه 5/389، ورواه الإمام أحمد في المسند من طريق عبدالرزاق 1/348، وهو مشهور عند المفسرين يوردونه في تفسير قول الله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، [الأنفال : 30]، وقد ضعفه بعض أهل العلم كما في مشكاة المصابيح برقم (5877)، وحسنه آخرون ومنهم ابن حجر في الفتح 8/307، قال في الهيثمي في المجمع 7/27 :" رواه أحمد والطبراني وفيه عثمان بن عمرو الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح".
(10) ينظر تاج العروس السابق.
(11) ينظر المحيط لأديب اللجمي وشحادة الخوري وآخرون، وكذلك محيط المحيط لبطرس البستاني.
(12) ينظر الغني لعبد الغني أبو العزم (ثابت).(/1)
وقولهم: ثَابِتٌ فِي مَوْقِفِهِ لاَ يَحِيدُ عَنْهُ بمعنى رَاسِخٌ، مُقيمٌ عَلَيْهِ لاَ يُغَيِّرُهُ، ومنه قول الله _تعالى_: "كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ" (1).
وقالوا: ثَابِتُ الإرَادَةِ وَالعَزْمِ أي الْمُسْتَقِرُّ، الْمُصَمِّمُ القَصْدِ(2).
وقالوا: أَمْلاَكٌ ثَابِتَةٌ أوْ أمْوَالٌ ثَابِتَةٌ أي أمْلاَكٌ أوْ أمْوَالٌ غَيْرُ مَنْقُولَةٍ(3).
وغير ذلك من إطلاقات، ومما سبق يتضح ما يلي:
1- الثوابت تطلق على ما روعي فيه معنى الدوام والاستقرار.
2- الدوام والاستقرار قد يكون مطلقاً، وقد يكون نسبياً لاعتبار معين كما في جل الإطلاقات السالفة.
إطلاقات اصطلاحية:
الثبوت "ولا يخرج استعماله اصطلاحا عن الدوام والاستقرار والضبط"(4).
ومن الأمثلة للتعريفات الاصطلاحية الفقهية التي تضمن معان للثبوت مقيدة ثبوت النسب، والشهر، والحقوق وغير ذلك(5).
غير أن بعضهم يطلق "الثَّوَابِتُ وَالْمُتَغَيِّرَاتُ" على "مَا يَدُومُ وَيَرْسَخُ وَيَثْبُتُ غَيْرُ قابِلٍ لِلتَّحَوُّلِ أو التَّغَيُّرِ عَكْسَ الْمُتَغَيِّراتِ وَما هُوَ عَارِضٌ"(6).
وهذا المعنى وإن كان صحيحاً فليس بلازم اطراده لغة، بل هو اصطلاح لبعضهم، فقد يطلق الثبوت لمراعاة الدوام والاستقرار النسبي أو الاعتباري كما مر.
وبعض أهل الفضل يجعل الثوابت في الشرع هي الأمور القطعية ومسائل الإجماع ويلحق بها من باب الاعتبار النسبي الاجتهادات الراجحة التي تمثل مخالفتها نوعاً من الشذوذ أو الزلل. وهذا صحيح باعتبار العذر وعدمه للمخالف في المسائل. وعليه فهو اصطلاح لا مشاحة فيه.
على أن نراعي أنه قد يدخل في معنى الثوابت عند آخرين أمور أخرى باصطلاحات أخرى غير ما أشير إليه.
فالظني قد يكون من الثوابت بالنسبة للبعض لاباعتبار عذره المخالف من عدمه ولكن باعتبار قوله به واعتقاده لصوابه و ثباته عليه مهما كلف الأمر لما حفت به من قرآن عنده، ومن أمثلة ذلك من الفروع الفقهية طلاق الثلاث هل يقع واحدة أو ثلاث، فمع أن هذه مسألة فرعية ظنية اجتهادية غير أن شيخ الإسلام ابن تيمية ثبت عليها وآثر السجن على التنازل عن الفتوى بها حتى مات _رحمه الله_.
الثوابت المطلقة والثوابت النسبية:
ولهذا لو قال قائل الثوابت المطلقة: هي نصوص الوحيين الصحيحة المحكمة، فقد أصاب فإن هذه ثوابت مطلقة لامرية فيها، أما الأحكام المستنبطة منها فقد تكون ثوابت مطلقة كالأحكام النصية(7) ومثالها حرمة الزنا المستنبطة من قول الله _تعالى_: "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً" [الإسراء: 32].
ويمكن أن نجمل الثوابت المطلقة في ثلاثة أنواع هي:
"النوع الأول: أصول الدين التي تثبت بالأدلة القاطعة، كوجود الله _تعالى_ ووحدانيته، وملائكته وكتبه ورسالة محمد _صلى الله عليه وسلم_ والبعث بعد الموت ونحو ذلك، فهذه أمور لا مجال فيها للاختلاف، من أصاب الحق فيها فهو مصيب، ومن أخطأه فهو كافر.
النوع الثاني: بعض مسائل أصول الدين، مثل: مسألة رؤية الله في الآخرة، وخلق القرآن، وخروج [عصاة] الموحدين من النار، وما يشابه ذلك، فقيل يكفر المخالف، ومن القائلين بذلك الشافعي، فمن أصحابه من حمله على ظاهره، ومنهم من حمله على كفران النعم(8)..
النوع الثالث: [الأمور] المعلومة من الدين بالضرورة كفرضية الصلوات الخمس، وحرمة الزنا، فهذا ليس موضعاً للخلاف، ومن خالف فيه فقد كفر"(9). فهذه ثلاثة أنواع تندرج تحتها أفراد وجميعها ثوابت مطلقة ينبغي التمسك بها، والسبب توارد النصوص فيها، وإجماع السلف عليها، فإنكارها أو القول بجواز تركها إنكار للنص أو قول بجواز تركه، ولهذا تضافرت الأخبار عن السلف في الثبات عليها بل وعدم إعطاء بعضهم التقية فيها رغم الإكراه الذي يسوغ لهم إعطاؤها، ومن تأمل سيرة الإمام أحمد والإمام ابن تيمية وجد ذلك جلياً.
القسم الآخر الثوابت النسبية:
__________
(1) السابق.
(2) السابق.
(3) السابق.
(4) تنظر الموسوعة الفقهية 15/9.
(5) السابق 15/9-10.
(6) ينظر الغني لعبدالغني أبو العزم السابق.
(7) على تعريف النص عند الأصوليين من نحو قولهم ما تأويله تنزيله أو مالا يحتمل إلاّ معناه.
(8) وهذا بعيد فقد قال يونس بن عبد الأعلى سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به فقال لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها، لأن القرآن نزل بها وصح عن رسول الله القول بها فيما روى عنه العدول فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها. [ينظر اجتماع الجيوش الإسلامية ص94].
(9) الموسوعة الفقهية 2/293-294 بتصرف يسير واختصار.(/2)
فقد تكون الأحكام المستنبطة من النصوص الثابتة ثابتة ولكنها نسبية، ومن قبيل هذا الأحكام الثابتة بالنسبة لمن قال بالنص ووافق الحاكم أو المجتهد في تحقيق المناط بعد تنقيحه أوتخريجه، فبالنسبة لهؤلاء يكون الحكم المعين ثابتاً في حقهم لازماً لهم، لكون القول بها قول بمقتضى السنة وسنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "لا يسع أحداً تركها لقول أحد كائناً من كان"(1)، مع أنه قد يتغير إذا تغيرت اعتبارات عدة تأتي الإشارة إليها.
مثال: القول بأن فدية قتل المحرم لحمار وحش ذبح بقرة.
عُلِم بالنص أن المثلية هي مناط الحكم في فدية قتل الصيد للمحرم، قال الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" [المائدة: 95].
فنقول المثل واجب بالنص، ولكن من قتل حمار وحش هل نقول يفدي ببقرة؟ وهل البقرة مثلاً؟
الجواب: مناط الحكم (المثلية) ثابت بالنص، أما تحقيق المثلية في البقرة فمعلوم بنوع من المقايسة والاجتهاد.
فمن وافقنا في تحقيق المناط فأصل الحكم (فدية مثل) وتطبيقه (البقرة) ثابت في حقه بهذا الاعتبار ويلزمه القول به والثبات عليه.
وكذلك قل فيمن قال بأن الضمان يلزم من أتلف عيناً، والضمان هو المثل في القيمة، غير أن تقدير قيمة هذا المثل قد تتفاوت فيها اجتهادات الناس، فمن وافقنا في تحقيق المناط فالحكم ثابت بالنسبة إليه.
ومن خالفنا في ذلك فمناط الحكم ثابت عنده وعندنا، وتطبيقه ثابت بالنسبة لنا لا له.
فائدة: هناك ثلاثة مصطلحات ينبغي أن نعيها.
تحقيق المناط ... : هو النظر والاجتهاد في معرفة وجود العلة في آحاد الصور، بعد معرفة تلك العلة بنص أو إجماع أو استنباط، فإثبات وجود العلة في مسألة معينة بالنظر والاجتهاد هو تحقيق المناط(2).
تنقيح المناط ... : هو النظر والاجتهاد في تعيين ما دل النص على كونه علة من غير تعيين، بحذف ما لا مدخل له في الاعتبار مما اقترن به من الأوصاف(3). بمعنى أن "يكون الحكم قد ثبت في عين معينة، وليس مخصوصا بها، بل الحكم ثابت فيها وفي غيرها، فيحتاج أن يعرف مناط الحكم. مثال ذلك: أنه قد ثبت في الصحيح أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال: "ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم". فإنه متفق على أن الحكم ليس مختصا بتلك الفأرة، وذلك السمن; بل الحكم ثابت فيما هو أعم منهما، فبقي المناط الذي علق به الحكم ما هو؟"(4).
تخريج المناط ... : هو النظر والاجتهاد في إثبات علة الحكم إذا دل النص أو الإجماع على الحكم دون علته، وذلك أن يستخرج المجتهد العلة برأيه. كالاجتهاد في إثبات كون الشدة المطربة علة لتحريم شرب الخمر، وكون القتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص في المحدد، وكون الطعم علة ربا الفضل في البر ونحوه حتى يقاس عليه كل ما سواه في علته(5).
ويتسع الخلاف في أمثلة تنقيح المناط إذ الخلاف في حذف بعض الأوصاف التي لامدخل لاعتبارها علة في الحكم قد يكون مظنوناً، ويزيد الاختلاف في أمثلة تخريج المناط.
تنبيه: يلحظ مما سبق أن الثوابت النسبية ليس شرطاً أن تكون ممدوحة مطلقاً وإن كان الأصل ثبات من بدت له عليها، ولعل تقسيم الأمور إلى ثوابت يذم مخالفوها ومتغيرات أمرها أهون، هو موضوع رسالة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي "الثوابت والمتغيرات" فلتراجع.
أما موضوع هذه الكلمة فمحاولة لإعلام الناظر ومساعدة القاصر في معرفة الثابت في حقه والمتغير الذي لا ينبغي أن يثبت عليه.
فهنا مسألتين: ما هي الثوابت والمتغيرات فجوابها في رسالة الشيخ الصاوي.
وكيف أعرف الثوابت والمتغيرات وهو ما أحاول إيضاح معالمه هنا بنوع إجمال، أما الثوابت المطلقة فقد مضت الإشارة إلى أنواعها الثلاثة(6)، وأما الثوابت النسبية فسوف يأتي الحديث عنها.
__________
(1) ينظر إعلام الموقعين 1/58.
(2) تنظر الموسوعة الفقهية 10/232.
(3) تنظر الموسوعة الفقهية 14/77.
(4) تنظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية 2/158.
(5) تنظر الموسوعة الفقهية 11/40.
(6) تنظر ص6 من هذه الورقة.(/3)
ولا يفوتني التنبيه هنا على أهمية مراعاة الفرق بين نظرية الحقيقة النسبية وما أتحدث عنه من ثوابت نسبية، فمراد التحرريون أو ما يسمون بـ(الليبراليين) ومن تأثر بهم في الحقيقة النسبية تكثير الصواب بتصويب المتناقضين على اعتبار أن كل واحد منهم يملك حقاً باعتبار، فالمسلم مصيب في معتقده معه حق نسبي، والملحد كذلك مصيب في إلحاده معه حق نسبي، والنتيجة لا إنكار إذ الكل مصيب باعتبار، أما الكلام على الثوابت النسبية فليس المراد به تصويب ما يجب أن يتقرر عند فلان من ثوابت نسبية، وإن كان قد قامت في حقه أمور يلزمه منها الثبوت على ما اختار، كما أنه لا يتعارض مع تقرير وجود ثوابت مطلقة مخالفها مذموم.
الثوابت النسبية قد تكون متغيرة في حق الشخص الواحد باعتبارات:
لو تأملنا مثال ضمان المثل لمن أتلف عيناً، فمع أن قيمة المثل قد تتفاوت فيها اجتهادات الناس إلاّ أن المثل قد يتغاير عند المجتهد الواحد وفقاً لتغير الزمان أو المكان أو غير ذلك.
من أسباب تغير الحكم على المسائل:
سبق بيان أن النصوص الصحية الصريحة ثابتة لا تتغير وأن ما يتعلق بها من أحكام ثوابت نسبية أو اعتبارية، غير أن هذه الثوابت النسبية الاعتبارية لا يلزم دوامها دواماً مطرداً [وقد مضت الإشارة إلى أن العرب تطلق لفظ الثبوت على ما من شأنه أن يتغير باعتبار حال فلا غضاضة منها الإطلاق كالمريض المثبت،وكذا الموثق المثبت وغير ذلك].
قال القرافي _رحمه الله_: "انتقال العوائد يوجب انتقال الأحكام كما نقول في النقود وفي غيرها فإنا نفتي في زمان معين بأن المشتري تلزمه سكة معينة من النقود عند الإطلاق؛ لأن تلك السكة هي التي جرت العادة بالمعاملة بها في ذلك الزمان، فإذا وجدنا بلداً آخر وزماناً آخر يقع التعامل فيه بغير تلك السكة تغيرت الفتيا إلى السكة الثانية، وحرمت الفتيا بالأولى لأجل تغير العادة، وكذلك القول في نفقات الزوجات والذرية والأقارب وكسوتهم تختلف بحسب العوائد، وتنتقل الفتوى فيها وتحرم الفتوى بغير العادة الحاضرة، وكذلك تقدير العواري بالعوائد وقبض الصدقات عند الدخول أو قبله أو بعده في عادة نفتي أن القول قول الزوج في الإقباض.."(1).
والحكم عند المجتهد الواحد قد يتغير بتغير عوامل عديدة بيد أنه ينبغي ملاحظة أن التغير قد لاينال المناط، ولكنه قد يجري على تحقيقه لا لشيء إلاّ لتغير عوامل مؤثرة على تحقق المناط في شيء كانت تلك العوامل حاكمة بتحققه فيه ثم تغيرت.
العوامل التي تجعل الثوابت النسبية متغيرة عند المجتهد الواحد:
هي عدة عوامل أهمها خمسة:
تغير الأزمنة.
تغير الأمكنة.
تغير الأحوال.
تغير النيات.
تغير العوائد.
فكل هذه أسباب تجعل المجتهد يغير من حكمه فيخرج على مناط آخر غير الذي كان رأى.
وقد أشار إليها الإمام ابن القيم في الإعلام يوم عقد فصلاً نفيساً في تقرير أن الشريعة مبنية على مصالح العباد، وقد عُنون له: بـ"فصل في تغيير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد" ثم قال: "الشريعة مبنية على مصالح العباد هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى البعث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل"(2).
أمثلة:
ضرب ابن القيم لذلك أمثلة منها:
"المثال الأول: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر"(3).
ثم ذكر:
__________
(1) ينظر أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي 1/43.
(2) ينظر إعلام الموقعين 3/11.
(3) السابق 3/12.(/4)
"المثال الثاني: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_: "نهى أن تقطع الأيدي في الغزو"(1) رواه أبو داود ، فهذا حد من حدود الله _تعالى_ وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم، وقد نص أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود لا تقام في أرض العدو" [3/13].
وذكر من أمثلته فيه قصة أبي محجن المشهورة عندما شرب الخمر فأسر، فلما أفاق ورأى قعقعة السيوف قال بيته المشهور:
كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا ... ... وأترك مشدوداً على وثاقي
والخبر معروف وفيه ترك جلده.
وذكر قريباً من هذا الوجه سقوط الحد عن التائب.
ثم ذكر:
"المثال الثالث: أن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة" وهذا وإن كان في ثبوت وقوعه نظر(2) لكن معناه صحيح دلت عليه أصول الشريعة.
ثم ذكر:
"المثال الرابع: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرض صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعا من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط(3)، وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة، فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة والأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره"(4)، وهنا ينبغي أن يتنبه إلى أن من خالف فقال بتعيين تلك الأصناف لم يخالف في تخريج المناط وإنما خالف تحقيق المناط وتنقيحه. غير أن هذا يصلح مثلاً لتغير الرأي عند من خرج المناط على قوت البلد إذ هو يختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان.
ثم ذكر:
"المثال الخامس: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ نص في المصراة على رد صاع من تمر بدل اللبن(5)، فقيل: هذا حكم عام في جميع الأمصار, حتى في المصر الذي لم يسمع أهله بالتمر قط ولا رأوه; فيجب إخراج قيمة الصاع في موضع التمر, ولا يجزئهم إخراج صاع من قوتهم, وهذا قول أكثر الشافعية والحنابلة, وجعل هؤلاء التمر في المصراة كالتمر في زكاة التمر لا يجزئ سواه, فجعلوه تعبداً, فعينوه إتباعا للفظ النص" ثم ذكر قول من قال إنما عين لكونه أغلب قوت البلد ولايلزم التعيين ثم عقب: " ولا ريب أن هذا أقرب إلى مقصود الشارع ومصلحة المتعاقدين من إيجاب قيمة صاع من التمر في موضعه, والله أعلم. وكذلك حكم ما نص عليه الشارع من الأعيان التي يقوم غيرها مقامها من كل وجه أو يكون أولى منها كنصه على الأحجار في الاستجمار, ومن المعلوم أن الخرق والقطن والصوف أولى منها بالجواز, وكذلك نصه على التراب في الغسل من ولوغ الكلب والأشنان أولى منه, هذا فيما علم مقصود الشارع منه, وحصول ذلك المقصود على أتم الوجوه بنظيره وما هو أولى منه"(6).
وقد ذكر أمثلة أخرى رحمه الله.
ولعل من هذا القبيل مراعاة عمر رضي الله عنه لمقصد الشارع في حد شارب الخمر ثمانين وذلك عندما رأى الناس قد ضعف عندهم الوازع الذي كان عند من شهد التنزيل واستضاء بأنوار النبوة. ومثله قيل في إيقاع عمر رضي الله عنه طلاق الثلاثة ثلاث طلقات.
وكل هذه أمثلة تدل على أن تخريج المناط قد يتغير رأي المرء فيه للأسباب التي سبقت الإشارة إلى بعضها، وهذا التغير ليس تراجعاً عن خطأ وإنما هو اختيار لصواب حكمت اعتبارات متعددة بصوابه، كما حكمت بصواب الأول اعتبارات أخرى مغايرة.
__________
(1) رواه أبوداود في كتاب الحدود باب الرجل يسرق في الغزو أيقطع (4408) 4/142، ورواه الترمذي في السنن كتاب الحدود، باب ما جاء أن لاتقطع الأيدي في الغزو (1450) 4/53، ورواه الدارمي في سننه كتاب السير باب في أن لاتقطع الأيدي في الغزو (2492) 2/303، ورواه البيهقي في السنن الكبرى باب من زعم أن الحدود لاتقام بأرض الحرب 9/104، وكذلك النسائي في سننه باب القطع في السفر (4979) 8/91، ورواه آخرون وهو حديث صحيح.
(2) روى الأثر البخاري في التاريخ الكبير 3/4، وابن أبي شيبة في مصنفه (28586)،5/521، و (28591)، 5/521، وعبدالرزاق في مصنفه (18990) 10/242، وابن حزم من طريقه في المحلى 11/343، وقد ذكر في تلخيص الحبير رواية وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني له في جامعه، التلخيص 4/70، والأثر ضعيف فيه مجهولان، وقد ضعفه الألباني في الإرواء (2428)، غير أن المعنى المقصود صحيح شهدت له عدة أدلة أشار إليها ابن القيم رحمه الله وغيره.
(3) كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد، البخاري (1435) 2/548، ومسلم (985) 2/678.
(4) ينظر إعلام الموقعين 3/18.
(5) كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة، البخاري (2044) 2/756، ومسلم (1524) 3/1158.
(6) ينظر إعلام الموقعين 3/19.(/5)
أما الاختلاف في تحقيق المناط وتنقيحه فاختلاله لدى الشخص يؤدي لتراجعه عن حكم كان يقول به لبدو خطأ قوله الأول ومن ثم الانتقال إلى ما يعتقد صوابه.
نموذج من الأمة: الثوابت المتعلقة بالجمعيات الخيرية
ما مضى جملة من القواعد والضوابط توضح الثوابت المطلقة والنسبية التي تلي المرء، ولما كان عنوان الندوة "ثوابت الأمة في ظل المتغيرات" فإن الأمة جماعات وأشكال مختلفة يلي بعضها ما لايلي الآخرين، إما لحالها أو مكانها أو غير ذلك، ولهذا آثرت أن ذكر الضوابط الكلية، التي تبين الثوابت المطلقة والثوابت النسبية، لأن تفصيل ما ينبغي أن يكون ثابتاً وبالأخص الثوابت النسبية لكل طائفة أو جنس أمر عسير يحتاج إلى جهد ووقت طويل. أما الثوابت المطلقة(1) فكتاب الدكتور صلاح الصاوى "الثوابت والمتغيرات" وفّى بكثير فيها.
وحتى أبين ذلك أضرب مثلاً بالثوابت المتعلقة بالجمعيات الخيرية فهذه يمكن أن تقسم ثوابتها إلى قسمين باعتبار طريق ثبوتها:
الأولى: ثوابت أملتها قواعد الشريعة الكلية ونصوصها العامة، سواء كانت مطلقة لامجال لرأي الجمعية فيها أو نسبية ارتأتها الجمعية وارتضتها، مراعية فيها قواعد الشريعة وأصولها، وهذه الأخيرة ينبغي أن ترسم منهج الجمعية وأهدافها وتحكم خط سيرها وطريقة عملها، وتعتبر في تقيم أدائها. مع ملاحظة أن لكل جمعية جملة ثوابت نسبية تتعلق بها مسائل تناسب اختصاصها وما تواجهه في نطاق عملها.
الثانية: ثوابت أملتها أهداف الجمعيات التي أنشئت لأجلها.
وهذه ينبغي الثبات عليها إذ التزعزع فيها نقض للهدف الذي من أجله تم إنشاء الجمعية أو المنظمة.
مثال: أنشأت جمعية من الجمعيات بهدف إغاثة المتضررين من المسلمين في الحروب والنكبات، وقد كانت هذه الجمعية في بلد ليست فيه حروب. [هدفها إغاثة المتضررين من الحروب في الخارج].
ثم حصلت نكبة أو كارثة لبعض مجاوريهم من إخوانهم، فينبغي أن تكون مسألة إغاثتهم من ثوابت تلك الجمعية، فتبحث عن السبل القانونية والطرق الشرعية المرضية التي تكفل لها القيام بما أنشئت لأجله وإلاّ فلا معنى لبقائها إذا اطرد العجز عن القيام بالهدف المنشود. مع أن نفس هذا الهدف قد لايكون له كبير اعتبار عند جمعية أخرى تعنى بنشر العلم الشرعي مثلاً.
ولايعني هذا جمود الجمعية أو المؤسسة في أسلوب عملها وعدم التغيير فيه ولكن المقصود أن يكون التغير محكوماً بالمبادىء والقيم والقواعد والأهداف التي من أجلها نصبت المؤسسة أو الجمعية.
فوفقاً لأهداف المؤسسة تقوم استراتيجيات بعيدة ثابتة تسلك المؤسسة في سبيل بلوغها وسائل وترتيبات مرحلية قد تكون متغيرة أو كما يقولون تكتيكات مختلفة.
فإن كانت المؤسسة الإغاثية على سبيل المثال تتعامل مع جهة معينة لتحقيق شيء من أهدافها أو استراتيجياتها (التدابير والأهداف المخطط لها البعيدة) فلا يمنع هذا تغير التكتيك والتعامل مع جهة أخرى في سبيل تحقيق ذات الأهداف.
من وسائل الثبات على الثوابت في ظل الهجمة(2):
لاشك أن هناك هجمة شرسة على ثوابت الأمة وما أكثر الثوابت المهددة سواءً أكانت أصولاً عقدية كالولاء والبراء، أو أخلاقية سلوكية، أو اقتصادية تجارية، أو سياسية حكمية وصدق الله العظيم القائل: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، [البقرة: 217].
ولا شك كذلك في أن تلك الهجمة أثرت في بعض المصابين بالداء العضال؛ هشاشة الاعتقاد، فلا عجب أن تجد بعض هؤلاء يوالي أعداء الله ويحارب أولياءه، وينكر الجهاد أو بعضه، ويصم أهل المنهج الحق من المسلمين الطيبين بالتطرف والإرهاب المذموم.
ولعل الاستطراد بذكر فصل من ثوابت الأمة المهددة يغني عنه كتاب الشيخ الدكتور صلاح الصاوي. كما أنها ظاهرة لكثير من المهتمين بالعمل الإسلامي وذلك لأن العدو فَوّق سهامه نحو قضايا أساسية لايتجادل فيها إسلاميان.
لذا سأتجاوز ذلك إلى طرح جملة من الأسباب المعينة على الثبات على الثوابت التي يمكر لها صباحاً ومساء، وسوف أسردها بشكل مجمل إذا البسط لايتسع له مثل هذا المقام فمنها:
القناعة الراسخة بالثوابت التي يدين الله بها.
سلامة الأصول والمنطلقات التي يبني عليها ثوابته, وبخاصة في العقيدة.
والالتزام بالمقاصد العامة والكليات التي جاءت بها الشريعة, والبعد عن الشذوذ والغرائب.
__________
(1) وتشمل هذه الإشارة ما أسماه الشيخ بالثوابت النسبية على اصطلاحه وهي الاختيارات العلمية الظاهرة الرجوح والتي ينبغي أن تتفق عليها الحركات.
(2) مستل من دروس بعنوان الاطراد والاضطراب في المنهج قمت بإعدادها وأرجو أن يتيسر لي إخراجها في القريب العاجل.(/6)
الوضوح والبيان والبعد عن المجملات والعمومات وتحديد الأهداف بموضوعية وصفاء ونقاء.
الاعتدال والواقعية الوسطية والتوازن فلا إفراط وتفريط ولا غلو ولا جفاء.
التلازم بين القول والعمل, والانسجام بين الظاهر والباطن.
التيسير وسعة الأفق, والبعد عن التشديد والتنطع (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، [البقرة: 185]، "إنما بعثتم ميسرين"(1)، "يسرا ولا تعسرا"(2)، "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق"(3).
البعد عن التبعية والتقليد والحزبية والتعصب, وبناء الفرد منطلقاته على علم راسخ وأصول معتبرة وأركان صلبة والأخذ بالاجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد بشروطه المعتبرة.
مراعاة الزمان والمكان والأحوال والقدرة على التجدد والتجديد دون ابتداع أو تحريف.
التقوى والورع والصدق ومجاهدة النفس والبعد عن التأويل والأهواء والفتن ما ظهر منها وما بطن.
المراجعة المستمرة والتقويم المطرد ومحاسبة النفس والقوة في الرجوع إلى الحق مع الحكمة في ذلك والإفادة من نصح الآخرين وملحوظاتهم. وكذلك الرجوع إلى الراسخين في العلم والتلقي عنهم والإفادة منهم.
التدارس والتشاور والتعاون مع أصحاب الاختصاص والشأن من المعروفين بسلامة المنهج قبل الإقدام على أي أمر ذي بال.
الإفادة من سير السابقين ودراسة أسباب ثباتهم كحال كثير من الأئمة والمجددين.
دراسة الأخطاء التي وقع فيها الآخرون ومن أصيبت ثوابتهم من أجل تجنبها وتلافيها والبدء من حيث انتهى الآخرون.
تصور عقبات طريق الثبات وما يكتنفه من شدة وعناء والأخذ بالأسباب الشرعية لتجنبها والخلاص منها وتلافيها.
دراسة فقه الجماهير والأسلوب الأمثل للتعامل مع القوى المؤثرة كالسلطة والعلماء والقرناء والاتباع حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها.
الاستعداد للتضحية في سبيل المبادئ والأهداف ورفض المساومات مع الصبر والتحمل طال الزمن أو قصر.
قوة الصلة بالله والالتجاء إليه وسؤاله الهداية والتوفيق والسداد فقد قال الله "يا عبادي استهدوني أهدكم"(4) مع الاستعانة بالعبادة على مشقات الطريق (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)، [البقرة: 45]، وكثرة الدعاء والاستغفار آناء الليل وأطراف النهار.
ومع هذه العوامل المعينة على الثبات على الثوابت يحسن التأكيد على تجنب العوامل المؤدية لتنازل عن الثوابت والتبدل فيها، ومن أهمها:
ضباية الأهداف وعدم تحريرها شرعاً.
فساد الأصل وضعف المنطلقات والأصول وهشاشة الأركان وقلة العلم وعدم وضوح الطريق.
عدم رسوخ القناعة بالمنهج وكثرة الشك والتردد والاجتهاد فيما لا مجال للاجتهاد فيه.
عدم القدرة على الدفاع عن أهدافه التي يسعى إليها ولو كان مقتنعاً بسلامتها وصوابها.
الاستعجال واتخاذ القرارات دون دراسة أو تمحيص والارتجالية في المواقف دون تخطيط أو استراتيجية.
الفردية وعقلية الأنا، ومنطق: "ما أريكم إلا ما أرى"، وسياسة شيخ القبيلة، وتهميش الآخرين، وبخاصة العاملين معه والمحيطين به.
الاستجابة للضغوط المباشرة وغير المباشرة من الأتباع والقوى المؤثرة والاصرار على مواجهة العواصف والرياح مع سعة الأمر بسبب الاستغراق في اللحظة الحاضرة والتأثر بردود الأفعال.
__________
(1) جزء من حديث أبي هريرة رواه البخاري في صحيحه (217) 1/89، ورواه غيره.
(2) جزء من حديث أبي موسى الأشعري رواه البخاري في الصحيح (2873) 3/1104، ومسلم كذلك (1733) 3/1359.
(3) جزء من حديث "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى" قال ابن حجر في الفتح: "أخرجه البزار... وصوب إرساله، وله شاهد في الزهد لابن المبارك من حديث عبدالله بن عمرو موقوف، والصواب أنه لا يصح رفعه"، قال الدارقطني: "رواه يحيى بن المتوكل عن ابن سوقة عن ابن المنكدر عن جابر ورواه شهاب بن خراش عن شيبان النحوي عن محمد بن سوقة بن الحارث عن علي وروي عن ابن سوقة عن الحسن البصري مرسلا وعن ابن المنكدر قال وليس فيها حديث ثابت"، قال العجلوني في كشف الخفاء: "واختلف في إرساله ووصله ورجح البخاري في تاريخه الإرسال". قال السخاوي: " وهو مما اختلف فيه على ابن سوقة في إرساله ووصله وفي رفعه ووقفه، ثم في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر" قال الألباني في الضعيفة 1/ 63 بعد أن ذكر الحديث: (وهذا سند ضعيف ) _ وبه علتان. لكن يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم : إن هذا الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا...؛ أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا". وانظر كذلك الضعيفة 5/501 حديث رقم 2480.
(4) رواه الإمام مسلم في الصحيح (2577) 4/1994.(/7)
التناقض بين القول والعمل وعدم الانسجام بين الظاهر والباطن (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 44].
السعي لإرضاء جميع الأطراف على حساب المنهج والخوف من النقد.
عدم الإفادة مما يوجه إليه من نصح ونقد في تصحيح مسيرته.
الحزبية والتقليد والتبعية والتعصب للأشخاص والهيئات والجماعات والأجناس والبلدان.
إتباع المتشابه وترك المحكم والمسلمات والقطعيات والانسياق وراء الظنيات والمصالح الموهومة والملتبسات (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) [آل عمران: 7].
ضعف الإخلاص والتقوى والتعلق بالدنيا من منصب أو مال أو جاه وجعل النفس محور الولاء والبراء والحب والبغض والنصر والهزيمة.
التوسع في باب التأول وتتبع الرخص والتساهل ودعوى التيسير على الناس وتأليف قلوبهم والتسامح غير المسموح.
التأثر بتأخر استجابة الناس لدعوته وطول الطريق وقلة المعين وندرة الناصر (.. فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: جزء من الآية 16].
التنافس غير المحمود والاختلاف مع أصحاب المنهج الحق وكثرة الجدل والمراء "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل"(1).
القرب من أهل الأهواء والبدع ومخالطتهم والتأثر بمناهجهم وطرائقهم وقراءة كتبهم والإعجاب بسيرهم ومواقفهم.
المثالية والغلو والتشدد ومجافاة الواقعية وضعف الالتزام بمنهج الوسطية في الاعتقاد والقول والعمل "ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"(2).
إهمال السنن الكونية وعدم التدرج في تحقيق الأهداف ومجافاة الحكمة والأناة.
الجمود وعدم اعتبار تغير الأحوال والأماكن والأزمان وإغلاق باب الاجتهاد وإهمال قاعدة المصالح والمفاسد والتخوف من كل جديد والارتكاز على قاعدة الأخذ بالأحوط.
ضعف الصبر وعدم التحمل والاستعجال في طلب تحقيق النتائج واليأس وسوء الظن بالله.
المعاصي والآثام وضعف العبادة وعدم تجديد التوبة والغفلة عن الدعاء والاستغفار.
نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الثوابت، وبالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
وفي الختام:
يجدر التنبيه إلى مسألتين:
الأولى: ليس كل تغير مذموم، وليس لزاماً أن يكون التغير الطارئ على فرد أو مؤسسة أو جماعة تغير في ثوابتها. أذكر هذا التنبيه لأن عدداً من الطيبين يلحظ تغيراً في مواقف بعض الدعاة أو العلماء فيظن أن ذلك تنازل عن الثوابت واضطراب في المنهج، بينما قد يكون الأمر مجرد سوء في التصور للثوابت أو عدم معرفة بالمنهج.
والخلاصة أن التغير منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود ومنه ما يعذر الإنسان فيه:
فقد يكون محموداً ... :
إذا رأى صاحبه أنه رجع إلى الصواب الذي تقرر عنده بالدليل، مثاله شخص تمنعه رؤيته الشرعية في حكم تصوير الفيديو من الظهور في الأشرطة الفيديوية ثم تغيرت رؤيته الشرعية وفقاً للأدلة التي ظهرت له أو بدا له وجه آخر فيها، ولعل ما عرف من مذاهب بعض أهل العلم كالإمام الشافعي في القديم والجديد خير مثال لذلك.
إذا اختلف الواقع بحيث لا ينفع فيه الأسلوب الذي كان عليه، وهذا قد يقع حتى في معاملة بعض الناس، فقد تعامل إنساناً بالرفق ثم يتضح أنه لا تجدي معه إلاّ الشدة أو العكس.
- وقد يكون مذموماً ... :
كأن يرجع عن حق تقرر عنده لمحض عرض من أعراض الدنيا، كحال بلعام بن باعورا، وجبلة ابن الأيهم، وأمية بن أبي الصلت. وهو موجود عند بعض المتبوعين. كعلماء السوء.
أن يغير ما استقر عنده وثبت لكون فلان من الناس (مشايخه) تغير، أو بتعبير آخر بغير سبب شرعي، ومثل هذا يكون هشاً ينكسر ويتغير عند أول صدمة! وهو موجود عند الهمج الرعاع أتباع كل ناعق.
وقد يكون معذوراً فيه :
التغيير إلى نمط أدنى أو أسلوب أقل بسبب مصلحة ترجحت عنده، أو لظرف خاص يعيشه المتغيير.
فقد القدرة أو الاستطاعة لأي سبب.
المسألة الثانية التي ينبغي التنبيه عليها:
__________
(1) سنن الدارمي (304) 1/102.
(2) حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في الصحيح (39) 1/23.(/8)
هي أن الثوابت النسبية قد تتباين بين الناس ولايشترط أن يكون الاختلاف فيها اختلاف تضاد بل قد يكون اختلاف تنوع وهو الذي ينبغي أن يكون بين العاملين للإسلام، فيتمم بعضهم بعضاً للقيام بواجبات التكليف المناط بمجموع الأمة، ومن ثم فإن التباين في تلك الثوابت النسبية لايوجب عداوة وشقاق بل هو تباين يرجع في حقيقته إلى نوع ائتلاف وذلك عند النظر إلى المقصد الذي يصبوا إليه الجميع وهو نيل مرضات الله بالقيام برسالته وخدمة أمة الإسلام بالتخصص في شأن من الشؤون وفق الضوابط الشرعية المرعية.
هذا وقد مضى ذكر جملة من الضوابط التي يميز بها المسلم بين الثابت في حقه سواءً كان مطلقاً أو نسبياً وبين المتغير، وقد جاءت بصحبتها جملة من الأمثلة المختصر التي توضح المراد وتكفي اللبيب، ثم ختم ذلك بذكر بعض الوسائل المعينة على التصدي للهجمة الشرسة على ثوابت الأمة، وتؤهل الأفراد والمجموعات للمضي قدماً والاستقامة على ثوابتهم باطراد من غير اضطراب.
أسأل الله أن يجعل ما خُطَّ وما قد قيل نافعاً ولوجهه خالصاً، كما أسأله أن يبرم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إبرام رشد، يعز فيه وليه، ويذل فيه عدوه، والحمد لله أولاً وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.(/9)
ثورةُ الحقّ
شعر: عصام العطار
يا شامُ يا شامُ يا أرضَ المحبينا
هان الوفاءُ وما هان الوفا فينا
نحيا على البعد أشواقاً مؤرقة
لا الوصلُ يدنو ولا الأيام تسلينا
إنّا حملناك في الأضلاع عاطفة وصُورةً مِنْ فتون الحسن تسبينا
ماذا أصابكِ من أيدي الطغاة وما أصاب فيكِ ، وقد غبنا ، المؤاخينا
في مخلب الظلم من أكبادنا مزق وفي النيوب بقايا من أمانينا
يا شامُ جرحُكِ في قلبي أكابده دماً سخياً وآلاماً أفانينا
لا عاش فيكِ قرير العين طاغيةٌ ولا رأى الأمن يوماً في مغانينا
وسائلين من الأحباب ما صنعتْ أيدي الخطوب بنا في الغرب نائينا
لقد نكأتم جراحاً في أضالعنا وقد أثرتم دموعاً في مآقينا
نلقى على البعد من أيدي " أصادقنا!" ما لا نلاقيه من أعدى أعادينا
كانوا سيوفاً بأيدي الخصم(1) مرهفة ولم يكونوا سيوفاً في أيادينا
تباً لدنيا على نيران فتنتها ذاب الوفاء فلا تلقى الوفيينا
لكننا وعيونُ الله تلحظنا نمضي على الدرب والإيمان حادينا
نمضي على الدرب لا الكفران يصرفنا عن المسير ولا العدوان يثنينا
نرنو إلى الله أبصاراً وأفئدة الله غايتنا والله راعينا
وما طلبنا ثواباً من سواه وما خفنا عقاباً ولم نشرك به دينا
العيش من أجله - إن كان - بغيتنا والموت من أجله أحلى أمانينا
ما قيد الفكرَ مِنَّا جورُ طاغيةٍ أو أوهن العزمَ بطشُ المستبدّينا
غرامنا الحق لم نقبل به بدلاً إن غيرت غِيَرُ الدنيا المحبينا
في الخوف والأمن ما زاغت مواقفنا والعسر واليسر قد كنا ميامينا
فما رآنا الهدى إلا كواكبَه وما رآنا الندى إلا عناوينا
وما رآنا العدى إلا جبابرة وما رآنا الفدا إلا قرابينا
نفوسنا السلسل الصافي فإن غضبتْ للحق ثارت على الباغي براكينا
عشنا أبيين أحراراً فإن هلكتْ في الحقّ أنفُسنا متنا أبيّنا
يا شامُ أين لقاءات الصفيينا وأين سامرُنا الماضي ونادينا
وأين يا شام ريعان الشباب وقد أمسى الشباب رماداً بين أيدينا
أيامنا(2) في سبيل الله عاطرة وفي مناجاته طابت ليالينا
لم نعرف الإثم في سر ولا علن سيان ظاهرنا البادي وخافينا
أحلامنا الطهر لا رجس ولا كدر إذا نثاها(3) الصبا رفت رياحينا
وأين يا شام أيام الجهاد وقد زان الجهادَ كريمٌ من مواضينا
وأين إخوتنا الأبرار لا برحوا لله جنداً يصدُّون المغيرينا
مشاعل الحق والظلماء عاكفة تهدي إليه على رغم المضلينا
كنا الشموسَ بأرض الشام مشرقة كنا الغيوثَ ربيعاً في روابينا
كنا الحصونَ بأرض الشام شامخة فيها الحماة إذا عزَّ(4) المحامونا
كنا الرياح إذا نادى الصريخ(5) بنا كنا الرجاء إذا ضيمت أراضينا
كنا الجبال ثباتاً في مواقفنا كنا السماء سمواً في معانينا
فوق المخاوف لا الإرهابُ يرهبنا فوق المطامع لا الإغراء يُغرينا
فوق الدنا(6) أبداً ما حطَّ طائرُنا في أسر فتنتها أو زلَّ ماشينا
فوق الدنا أبداً كانتْ مآملُنا وفوق زخرفها الفاني أمانينا
كنَّا العقيدة قد جلَّت وقد خلُصتْ كنا العدالة قد صحْت موازينا
كنا الشمائل قد طابت وقد عذبت فماحكتها الصَّبا طيباً ولا لينا
فأين منَّا وقد بنَّا حواضرنا وأين منَّا وقد غبنا بوادينا
وأين منَّا على شحطٍ(7) مرابعُنا وأين منَّا على بُعد مغانينا
هل حنَّت الورق(8) شوقاً عند غيبتنا كما حننَّا وهل هاجت شجيينا
وهل بكى "بردى" أم جف مدمعه لما بكى من تباريح المشوقينا
وهل رأت في دروب الخلد "غوطتُنا" وفي خمائله في الأهل سالينا
وأدمع الأم يا للأم هل تركت لها دموعاً وأجفاناً عوادينا(9)
إن أسعد الدمعُ فاض الدمع منهمراً أو غاض مدمعُها فالقلْبُ يبكينا
جرح من البعد يا أماه قرَّحه مرُّ السنين ولم يلق المداوينا
جرحٌ حملنا كلانا في جوانحنا يكاد في عصفات الشوق يُردينا
لئنْ جزعنا فقد أودى تصبُّرُنا على الفراق وقد أعيا تسلينا
يا أمِّ سوف يعود الشمل مجتمعاً لا خيَّبَ الله في اللقيا أمانينا
فإن قضى الله ألا نلتقي فغداً في ظلّ رحمته يحلوا تلاقينا(10)
* * *
يا شامُ هذي تباريح البعيدينا(11) يا شام هذي شجون المُستهامينا
يا شام هيجتِ الذكرى لواعجَنا وأرخصت دمعها الغالي مآقينا
يا شام قد عظُمتْ قدراً مطالبُنا يا شام قد بعُدتْ شأواً مَرامينا
نمضي مع الله لا ندري أتُدنينا أقدارنا منك أم تأبى فتقْصينا
نمضي مع الله لا تدري جوارينا(12) متى وأين ترى نلقي مراسينا
نمضي مع الله قدماً لا تعوقنا عن المضي -وإن جلت- مآسينا
نمضي مع الله والإسلام يهدينا الله يمسكنا والله يزجينا
نمضي مع الله والجلى تنادينا راضين راضين ما يختار راضينا(13)
يا شام لا تجزعي فالله راعينا يا شام لا تيأسي فالله كافينا
تأتي جراحٌ فتثوي في أضالعنا على جراح ولا ننسى فلسطينا
الدين يهتف أن هبوا لنصرتها والقدس تهتف لا تلقى المجيبينا
يُميتنا الحزن تفكيراً بحاضرنا ويبعث الغدَ آمالً فيحيينا
يا كربة النفس للإسلام ما صنعت بكل أرض به أيدي المُعادينا
ومحنة العالم المنكوب تنشرنا على فواجعها يوماً وتطوينا(/1)
الأرض قد مُلئت شراً وزلزلها جورُ الطغاة ولؤمُ المستغلينا
في الشرق والغرب آلام مؤرقة تبدو أحايين أو تخفى أحايينا
يا للطغاة وما أشقى الأنام بهم عاثوا قوارين أو عاثوا فراعينا
يسقونك الشهد صرفاً في كلامهم وفي فعالهمُ سماً وغِسلينا
إن يبدُ مكرهم أو يبد فتكهمُ كانوا شياطين أو كانوا ثعابينا
أين الطواعين منهم في إبادتهم للخلق قد ظلم الناس الطواعينا
يا ثورة الحق تمشي في أضالعنا نوراً وناراً وتمشي في روابينا
يا ثورة الحق إن الكون مسرحنا فلا حدود تصدُّ الحق والدينا
رسالة الله رب الناس أنزلها للناس طراً فلا تمييز يلوينا
يا ثورة الحق قد طال الظلام بنا وآن للفجر أن يمحو دياجينا
تأله الظلم ألواناً بعالمنا فحطمي الظلم فرعوناً وقارونا
وحرري الأرض بالإسلام والتمسي خير الهداية من خير النبيينا
الله أكبر والدنيا سواسية فيها البرية إنشاء وتكوينا
لم يفترق أحد بالأصل عن أحد أعمالنا هي تعلينا وتدنينا
قودي خطانا على منهاج خالقنا حقاً وعدلاً وتحريراً وتأمينا
قودي خطانا لما يشتاق عالمنا سلماً وحباً وإحساناً وتحسينا
قودي خطانا لما تشدو حضارتنا علماً وفكراً وتشييداً وتمدينا
فهو الخلاص لنا مما يعنينا وهو السَّبيل إلى أعلى مراقينا
يا ثورة الحق ما أحلى مرائينا الغيب يبدو لنا نصراً وتمكينا
وباسمُ الغد عبر الأفق نلمحه يهفو لملقاتنا غاراً ونسرينا
وقادم النصر نحياه ونلمسه الله أكده فالنصر آتينا
وقد يكون بنا والعمر منفسح وقد يكون بأجيال توالينا
فإن ظفرنا فقد نلنا مطالبنا وإن هلكنا فإن الله جازينا
الموت في طاعة الرحمن يُسعدنا والعيش في سخط الرحمن يشقينا
لقد رضينا الجهاد الصرف جائزة فضل الجهاد إذا نلناه يكفينا
بئس الحياة إذا الطاغوت عبَّدنا نجرُّ أيامها صغراً مرائينا
أما المنية في عزّ وفي شرفٍ فهي الأثيرة نطريها وتطرينا
يا ثورة الحق هل خاب الرجا فينا؟ كنا على العهد أحراراً أبيّينا
عشنا كراماً لعهد الله راعينا غراً حماة لدين الله وافينا
نَطيرُ للغاية القصوى مجدِّينا ونقحم الموت -لا نخشى- مجلينا
نرجو الشهادة أو نصراً يواتينا نعطي الحياة فنعلي الحق والدينا
الهوامش
(1) - الخصم: المخاصم، يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع.
(2) - أي في ريعان الشباب.
(3) - نثاها: بثّها ونشرها.
(4) - عز الشيء: قلَّ فلا يكاد يوجد.
(5) - الصريخ هنا: المستغيث.
(6) - الدنا: جمع الدُّنيا.
(7) - على شحط: على بعد.
(8) - الورق: جمع ورقاء وهي الحمامة.
(9) - عوادينا: مصائب الدهر النازلة بنا.
(10) - اختارت الأخت الشهيدة "أم أيمن" -رحمها الله تعالى- الأبيات الأخيرة المتعلقة بالأم من هذا المقطع لقبساتها التي نشرتها لها الرائد، وعلّقت عليها بقولها: "وهذه الأبيات تمثل حال أمي وأبي، وتمثل حالي بعيدة عنهما في ديار الغرب، ولعلها تمثل حال كثيرين غيرهما وغيري.. ولذلك اخترتها لأقدمها في "قبسات". الناشر.
(11) - تباريح البعيدين: ما يكابدونه من الشدائد ويتوهج في نفوسهم من الشوق.
(12) - جوارينا: سفننا.
(13) - واختارت أم أيمن أبيات هذا المقطع من القصيدة، وعلّقت عليه بقولها: وهذه الأبيات تعبر عما في نفسي أيضاً كما تعبر عما في نفس عصام، فنحن -والحمد لله- زوجان، وصديقا قلب وفكر، ورفيقا عقيدة جهاد.
اللهم إنا راضون بقضائك وقدرك، وبكل ما يصيبنا في سبيلك، فهل أنت راضٍ عنا يا الله!
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب.
"نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى(*) حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
(*) العتبى: الرجوع عن الإساءة إلى ما يرضي العاتب(/2)
جائزة درة المعرفة)
أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان 17/11/1425
29/12/2004
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وصحابته أجمعين، وبعد:
فقد اطلعت على جائزة (درة المعرفة) من شركة الموثوقية الدولية، والتي سُئلت عن حكمها الشرعي. وبعد النظر والتمعن في شروط وأهداف هذه الجائزة. وسبق لي أن سُئلت عن (هبة الجزيرة) فأجبت بعدم مشروعيتها وبطلان العقد لدخولها تحت القمار (الميسر) المحرم بالقرآن والسنة، وما بني على الباطل فهو باطل وأكل لأموال الناس بغير حق. وحيث إن جائزة (درة المعرفة) قد تكون فيها بعض محاذير كانت في (هبة الجزيرة) إلا أنها لم تخل بعد من الحرام، ووجه ذلك ما يأتي:
(1) إن بيع وشراء الأسطوانة بـ (500) ريال، والمكافأة التي يحصل عليها المشتري – سواء كانت (650) ريال أو (44000) ريال –عقد من عقود المعاوضات الربوية المحرمة، وإن سميت باسم (الهبة)، وقد نص أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية على أن (كل تبرع يقترن بالبيع أو الإجارة كالهبة والعارية فهو مثل القرض) أي كما أن عقد البيع مع القرض حرام، فعقد البيع مع الهبة حرام؛ لعموم الأثر الثابت (كل قرض جر نفعًا فهو ربا) فمن وهب أو أقرض رجلاً ألف ريال وباعه سلعة بأزيد من ثمنها فالمشتري لم يرض بالثمن الزائد إلا من أجل القرض أو الهبة التي يحصل عليها، والبائع لم يهب أو يقرض إلا مقابل ما سيجنيه من زيادة ثمن السلعة من زبائنه، والأعمال بالنيات.
(2) تسمية هذه المكافأة المالية بأنها (هبة) شرعية من الشركة كذب، وتغرير فسميت بذلك من أجل أن تخرج عن المعاوضات، وتدخل في عقود التبرعات المالية حتى يغتفر ما فيها من ربا أو غرر وجهالة –وهذا غير صحيح، فإن الهبة هي (التبرع للغير دون مقابل تمليكه المال المعلوم في زمن الحياة) وضد (التبرع) طلب العوض. وقال العلماء: إذا شرط العاقد في الهبة عوضًا معلومًا انقلبت إلى بيع وجرى فيها حينئذ ما يجري في البيوع من الربا بنوعية النساء والفضل ونحوها.
(3) يشتمل هذا العقد على جهالة وغرر، ووجه ذلك أن المشتري يأخذ مبالغ مقابل أعداد من المشترين جاؤا من بعده لا تسبب له فيهم بدلالة أو نحوها وإذا حرم الشيء على الآخذ فهو حرام على المعطي (البائع) المتسبب من باب أولى.
(4) ليس صحيحًا أن قيمة الشريط (500) ريال هي أقل من قيمته الفعلية حتى وإن علل بأنه النسخة الأصلية فقيمة أي سلعة تختلف من حال إلى أخرى حسب العرض والطلب، وحسب حاجة ورغبة للمشتري فقد يكون ما يسمى بالنسخة الأصلية عند شخص له قيمة كبيرة، وعند آخر لا يعنيه إلا المحتوى ولو كان الشريط مقلدًا غير أصلي مادام مادته سليمة، ولا يجوز إلزام الناس بشراء السلعة الغالية الثمن، كما لا يجوز منعهم من شراء السلعة الرخيصة ولو كانت مقلدة، لاختلاف حال الناس المالية والاعتبارية.
(5) دفع الشركة (50) ريالاً لكل عميل يدل غيره عليها جائز لا شيء فيه؛ لأن هذا من باب البيع أو الشرط، وهو جائز لحديث جابر في الصحيحين لما باع جمله للرسول واشترط حملانه إلى المدينة، وهذا من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بيع وشرط صريحان بدليل مماكسته له (مساومته) حتى بلغ به أوقيه من الذهب. وقول جابر في بعض رواياته (بعته واشترطت حملانه إلى أهلي) فالمماكسة والبيع ليسا من الهبة في شيء أبدًا وإن كيفا عليها.
(6) أقل ما يقال في هذا العقد إنه من باب البيع بالوعد؛ حيث تنوي الشركة دفع مبالغ مالية محددة لمن اشترى هذه الأسطوانة وجاء بعده ستة أشخاص أو مضاعفات هذا العدد، والبيع بالوعد أبطله جمهور العلماء، وأجازه المالكية بشرط أن يكوم ملزمًا للطرفين معًا.
(7) أما الشركة فبعيد جدًا أن تلتزم بما يقلل ربحها أو يلحقها بالخسارة. أما المشتري فكيف يكوم ملتزمًا بشيء وهو لا يدري أثبت له حق عند الشركة أو لا ؟ ثم إن التزام مثل هذا في العقد يوقع النزاع والخصومة بين الناس لاسيما أنه لم يحدد للوفاء زمن معلوم للطرفين.
(8) يدخل هذا العقد في مسألة (مد عجوة) وهي بيع ربوي بجنسه مع عوض أو عوضين، وفيها تفصيل وخلاف بين العلماء.
والخلاصة:
إن هذا البيع من عقود المعاوضات المالية التي لا تجوز؛ لاشتماله على الربا والجهالة والغرر، وتسمية ما قد يعطى للمشتري للسلعة (الأسطوانة) بأنه (هبة) تزوير وحيلة لأكل المال بالباطل، واستغفال للناس، ولا أدل على هذا من زعمهم أن الشركة لا تأخذ من الأرباح سوى 5 % ، أما الباقي وهو 95% فهو يصرف جوائز للعملاء !!
وصلى الله على نبينا محمد...(/1)
جاري العزيز
يتناول الدرس نصيحة مشفقة للجار الذي افتقد من المسجد فهو لا يصلي جماعة وقد يكون تاركا للصلاة بالكلية، ولذا فقد تناول حكم تارك الصلاة ثم حكم صلاة الجماعة، ثم بين فوائد الصلاة وأثرها، محملا القارئ أمانة إيصال هذه الرسالة إلى كل من ترك الصلاة أو الجماعة.
الحمد لله الذي جعل الصلاة كتاباً موقوتاً على المؤمنين، وأمر بإقامتها والمحافظة عليها وأدائها مع جماعة المسلمين، أحمده على نعمه وأشكره على جزيل مَنِّه وكرمه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، توعد من تخلف عن صلاة الجماعة بأشد الوعيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تمسك بسنته، وسار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد،،، فإن مقام الصلاة عظيم، وقد نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وهي عمود الإسلام، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة . والشيطان يحرص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة؛ لعلمه أنه إذا انصرف عنها؛ انصرف عن بقية أحكام الدين من باب أولى، فإنه لا دين لمن لا صلاة له، ولا حظ له في الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام: [...وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة...] رواه الحكيم الترمذي . وإن الشيطان يأتي لصرف المسلم عن هذه الصلاة من طرق كثيرة فإن تمكن من منعه منها بالكلية؛ فإنه يبذل لذلك كل ممكن، وإن لم يتمكن من منعه منها؛ احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة، ثم بمنعه من أدائها في وقتها، فإن لم يستطع منعه عن الجماعة أغراه بالتكاسل والتأخر عن الحضور إلى المسجد حتى يفوته بعضها، ويحرمه فضيلة السبق إلى المسجد، وحضور الصلاة من أولها، وهذا هو الواقع اليوم من كثير من المسلمين، فمنهم أعداد كثيرة من جيران المساجد لا يدخلون المساجد للصلاة فيها، أو يدخلونها لبعض الصلوات ويتركون بعضها، وأعداد كثيرة تحضر إلى المساجد متأخرة لا تدرك إلا بعض الصلاة مع الإمام، أو لا تدرك منها شيئًا.. فما عذرك يا من تسمع النداء _ وقد يكون المسجد إلى جانب بيتك _ وأنت صحيح البدن، آمن من الخوف، ثم لا تحضر لصلاة الجماعة؟! هل أنت لم تسمع الآيات، والأحاديث، أو سمعتها وقلت: سمعنا وعصينا؟!! إن حالتنا اليوم مع الصلاة حالة سيئة، خف ميزانها لدينا، وتساهلنا في شأنها، وسار التخلف عنها أمراً هينا بل أمراً عادياً، فالأسرة الكبيرة في البيت لا يحضر منها إلا الأفراد، وبعض البيوت لا يحضر منها أحد، والذين يحضرون لا ينكرون على المتخلفين، وقد يكونون من أولادهم الذين كلفوا بأمرهم بها وضربهم عليها ؟ فأنت ترى البيوت والأسواق مكتظة بالناس ولا يرتاد المساجد منهم إلا الأفراد، والغالبية رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، رضوا بالعقوبة، رضوا بوصف النفاق، فإن من أبرز صفات المنافقين التي وصفهم الله بها في كتابه العظيم: التكاسل عن صلاة الجماعة، حيث قال تعالى في وصفهم:} وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ ... [142]{ “سورة النساء” وقال سبحانه:} وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى... [54]{ “سورة التوبة” وقال ابن مسعود رضي الله عنه: [ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا _ أي: صلاة الجماعة_ إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ] رواه مسلم . فهل ترضى أخي الحبيب أن تكون فيك من صفات المنافقين، الذين هم أشد الناس عذاباً يوم القيامة:} إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا[145]إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا[146] {“سورة النساء” إن التخلف عن صلاة الجماعة دليل على ضعف الإيمان، وخواء القلب من تعظيم الله وتوقيره واحترامه، وإلا فكيف يليق بمسلم صحيح، آمن، يسمع منادي الله كل يوم خمس مرات وهو ينادي:'حي على الصلاة .. حي على الفلاح' ثم لا يجيبه!! ويسمع منادي الله وهو يقول:' الله أكبر' ثم يكون اللعب عنده أكبر ! ومشاهدة الأفلام والمباريات أكبر ! والبيع والشراء أكبر ! ومشاغل الدنيا الفانية أكبر! ويسمعه وهو يقول:' الصلاة خير من النوم' ثم يكون النوم عنده خير من الصلاة ! يقول أحد المغسلين للموتى: ولقد جيء بميت يحمله أبوه وإخوانه، ودخلنا لغسله، فبدأنا بتجريده من ملابسه، هاهو جثة نقلبها بأيدينا لقد آتاه الله قوة في جسمه، وفتوة في عضلاته، وبياضاً ناصعاً في بشرته، وبينما نحن نقلب الجثة، وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمة سوداء، فتجمدت يداي، وشخصت عيناي؛ خوفا وفزعا، فخرجت من مكان التغسيل، وأنا خائف، فسألت أباه: ما شأن هذا الشاب؟ فقال: إنه كان لا يصلي . يقول المغسل: فقلت لهم: خذوا(/1)
ميتكم، فغسلوه . فرفض المغسل أن يغسله، ورفض إمام المسجد أن يصلي عليه . إنا لله وإنا إليه راجعون لا اله إلا الله .. لا يُغَسَّل ولا يُصَلِّي عليه المسلمون، ولا يدفن في مقابر المسلمين!!
سئل الشيخ العلامة ابن عثيمين: ما حكم تارك الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى بقوله:' إن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، فالذي لا يصلي كافر خارج عن الملة، وإن كان له زوجة؛ انفسخ نكاحه منها، ولا تحل ذبيحته، ولا يقبل منه صوم، ولا صدقة، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم، وإذا مات؛ فإنه لا يجوز أن يُغَسَّل ولا يُكَفَّن ولا يُصَلَّى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإنما يؤخذ به إلى البر، ويحفر له حفرة يرمى فيها، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي ـ والكلام للشيخ ـ فإنه لا يحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه؛ لأن الصلاة على الكافر محرمة؛ لقوله تعالى:} وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ...[84] {“سورة التوبة” ' انتهى كلامه مختصرا حفظه الله.
وسئلت 'اللجنة الدائمة للإفتاء': هناك أناس لا يصلون الفرائض الخمس مطلقًا إلا صلاة الجمعة، فما حكم الميت منهم؟ وهل يجب على المسلمين دفنه والصلاة عليه؟ فأجابت' اللجنة' بقولها:' إذا كان الواقع كما ذكر، فإن تركها جاحداً لوجوبها عليه، فهو كافر بإجماع المسلمين. أما إن تركها كسلاً مع اعتقاد وجوبها، فهو كافر على الصحيح من أقوال العلماء؛ للأدلة الثابتة، الدالة على ذلك، وعلى هذا القول الصحيح: لا يغسل، ولا يصلي عليه المسلمون صلاة الجنازة، ولا يدفن في مقابر المسلمين' انتهى .
فأي خاتمة سيئة لهذا العبد ! وأي عار وفضيحة لأهله وإخوانه! هذا في الدنيا، وما عند الله أشد:} فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ[4]الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ[5] {“سورة الماعون” فيا أيها المتهاون بالصلاة.. يا تارك الجماعة قبل ألا يُصَلَّى عليك.. قبل ألا يُتَرَحَّم عليك.. استجب ما دمت في مهل، واقبل هذه الكلمات وهذه التوجيهات من قلب أحبك ويخشى عليك من غضب الجبار، فلا يغرنك حلم الله وإمهاله لك، إن بعض الناس قد يسخر بالمصلين، ويستهزئ بالصلاة، ويلمزهم إن نصحوه وأمروه بالصلاة مع الجماعة، وقد يتفوه البعض بكلمات تتزلزل لها الأرض والسماوات، وتتقطع لها قلوب المؤمنين والمؤمنات، فلا إله إلا الله ما أحلم الله على عباده! وما أوسعه وأكبره على أولئك:} ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ[16]أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ[17]وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ[18] {“سورة الملك” فيا من تتكلم بتلك الكلمات، وتسخر بالصالحين الناصحين ألم تحسب لغضب الله حساباً؟ أليس الله قادراً على أن يشل جسدك، أو يوقف أركانك، أو يخرس لسانك؟ ألم يكفك ترك الصلاة لتتفوه بهذه الكلمات، وتبارز بها جبار الأرض والسماوات، ولكن صدق الله:} كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[14] {“سورة المطففين” .
أخي الحبيب يا من فقدناه في مسجدنا، يا من تخلف عن صلاة الجماعة: ألم يأن لك أن تندم على سيئاتك، وتقلع عنها؟ ألم يأن لقلبك أن يخشع لذكر الله وما نزل من الحق؟ إلى متى وأنت بعيد عنا، فلو مرضت، أو مت ما علمنا! ألم تعلم أننا نحزن إذا فقدناك، ونفرح والله إذا رأيناك.. وليس لنا من الأمر شيء } مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا...[15] {“سورة الإسراء” إلى متى وأنت تحرم نفسك الراحة، والسعادة، والأمن، والاطمئنان؟! إننا نسمع ونقرأ قصص التائبين والتائبات، وبعضهم يقول: لم نركع لله ركعة، ولم نسجد لله سجدة . سبحان الله ! أيعقل أن مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله لا يصلي؟! أيها الحبيب:كل شيء إلا الصلاة، فإنها العهد الذي بيننا وبين الكافرين: [ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ] رواه مسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد . أترضى أن يقال لك: كافر؟!! لا والله فإننا لا نرضاه لك.. نعوذ بالله من حال الكافرين.(/2)
أخي الحبيب إنك إن حافظت على الصلاة؛ فأنت على خير مهما وقع منك، إنها الصلة بينك وبين الله، فهل استغنيت عن الله يوم أن قطعت الصلة بينك وبينه؟! إن لك رباً براً، رحيماً، يفرح بتوبتك، فأقبل عليه.. إن حلم الله أوسع من إصرارك، ورحمته أعظم من ذنبك، فتب إلى الله قبل أن يحال بينك وبين التوبة.. أسألك بالله العظيم: أيسرك أن تموت وأنت على هذه الحال مع الصلاة؟!! اسأل نفسك، حاسب نفسك، كن عاقلاً، ارجع لنفسك، ألم تسمع للمجرمين عندما يسألون:} مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ[42] { فأول الإجابة:} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[43] {“سورة المدثر” فَكِّر بحالك يوم القيامة.. يوم تدعى إلى السجود فلا تستطيع } يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ[42]خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ[43] {“سورة القلم” كانوا يدعون بـ'حي على الصلاة.. حي على الفلاح' ويسمعون فلا يستجيبون.
أخي الكريم.. يا جارنا العزيز.. يا من فقدناه في مسجدنا: ألم تسمع بهذا الوعد والوعيد، والتهديد الشديد من النبي الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: [ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ] رواه البخاري ومسلم . وفي رواية للإمام أحمد أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَأَقَمْتُ الصَّلَاةَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحْرِقُونَ مَا فِي الْبُيُوتِ بِالنَّارِ] إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ همّ أن يحرق على هؤلاء المتخلفين عن صلاة الجماعة تلك البيوت التي تؤويهم عن أداء هذا الواجب العظيم، فيذهب الحريق بنفوسهم وأموالهم؛ عقاباً لهم على ترك هذه الشعيرة، وهذه عقوبة غليظة لا تكون إلا على جريمة عظيمة . إنه لو أحرق بيت على من فيه بالنار؛ لفزع الناس من ذلك فزعاً شديداً. ولو جعل ذلك لمن يترك الجماعة؛ لكان جزاؤه شرعاً.
إن الصحابة كانوا يهتمون بصلاة الجماعة وينكرون بشدة على من تخلف عنها ويصفونه بالنفاق، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ] رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه وأحمد. فهذه مكانة صلاة الجماعة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمهم على من تخلف عنها بأنه عندهم منافق معلوم النفاق، ينبذونه ويهجرونه . والمتخلف عن الصلاة اليوم أخ عزيز لدينا نكرمه، ونخالطه، ونعاشره ما كأنه ارتكب جريمة، وما كأنه عصى الله ورسوله، وهذا مما يدل على أن ميزان الصلاة لدينا خفيف، وأمرها هين .
فتبين لنا من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وعمل الصحابة، وعمل المسلمين إلى يومنا هذا: وجوب صلاة الجماعة، ووجوب الإنكار على من تخلف عنها ومعاقبته، ويتعين ذلك على ولي أمره، وإخوانه، وعلى إمام المسجد وجماعته فإنهم يشتركون في الإثم إن سكتوا عنه .
فالله الله بتارك الصلاة بنصحه، والإنكار عليه، فإن لم يستجب فالتضييق عليه، وهجره، وعدم قبوله في الحي حتى يرحل عنه، أو يصلي مع جماعة المسلمين، ولا يجوز تركه بحال من الأحوال.(/3)
وويل لأولئك الآباء الذين يرون أبناءهم على هذا المنكر العظيم، فلا يحركون ساكناً، بل ويجلسون معهم، ويشربون، ويأكلون معهم، فلا ينصحون، ولا يضربون، ولا يهجرون، وكلها وسائل شرعية، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالنصح تارة، وبالضرب تارة، وبالهجر تارة، ويل لأولئك الآباء . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنُصْحِهِ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ] رواه البخاري ومسلم . فتنبه يا ولي الأمر لأبنائك وبناتك ونسائك واهتم بأمر الصلاة فإن شأنها عظيم .
ولم يأمر عز وجل بإقامة الصلاة فحسب بل قال:} وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[43] {“سورة البقرة” وهو نص في وجوب صلاة الجماعة، ومشاركة المسلمين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط لاكتفى بقوله في أول الآية: }وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ { .
أخي الحبيب يا من فقدناه في مسجدنا أرجوك أن تفكر بهذه الدلائل والبراهين الواضحات إن كنت تريد الحق، ونبذ الهوى:
ألم تعلم أن الله لم يعذر المسلم في حال الحرب بتركه للجماعة، بل أمره بها في وقت عصيب، يواجه المسلمون فيه عدوهم، فقال جل وعلا:} وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ...[102]{ “سورة النساء” فهل تظن أخي الحبيب أن صلاة الجماعة تجب على هؤلاء في هذه الظروف الحالكة، ولا تجب على رجل يتقلب في فراشه الوثير آمناً مطمئناً معافى؟!
ألم تعلم أن الله لم يعذر الأعمى بتركه الجماعة، بل أمره بها رغم ظروفه العصيبة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: [هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ] قَالَ: نَعَمْ قَالَ: [فَأَجِبْ] رواه مسلم والنسائي . وفي رواية لأبي داود قال: إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي قَالَ: [هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ] قَالَ: نَعَمْ قَالَ: [ لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً] وفي رواية لأبي داود أيضا والنسائي قال:' يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أَتَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَحَيَّ هَلًا].
يا أخي الحبيب هل تجب صلاة الجماعة على هذا الصحابي الذي جمع بين فقد البصر، وبعد الدار، وخوف الطريق، وعدم القائد، ولا تجب على المبصر، المجاور للمسجد، الذي يسمع عند كل صلاة أكثر من عشرين مؤذناً كلهم ينادي:' حي على الصلاة.. حي على الفلاح' . فيا من فقدناه في صلاة الجماعة هل تجد لك رخصة بعد هذه الأدلة، فإن لم يعذر هؤلاء فما هو عذرك غداً أمام الله؟! وما هي إجابتك في أول سؤال ستسأله، فإن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة .
ثم انظر لحكم الصلاة وفوائدها العظيمة، فإن منها:
أنها سبب للمودة، والألفة، والترابط بين جماعة المسلمين، فنحن نراك خمس مرات في اليوم والليلة فَلِمَ حرمت نفسك من المحبة والترابط، فأنت بحاجة لإخوانك وجيرانك؟!
وهي سبب لتحصيل الأجور، والحسنات، وتكفير الذنوب ومحو السيئات، فبكل خطوة ترفع لك درجة، ويحط عنك خطيئة، وهي كفارة لما بينها، والملائكة تصلي عليك، وتستغفر لك ما دمت في مصلاك أَفَتُرَاك استغنيت عن هذا كله بترك الصلاة في المسجد؟!.
وهي سبب للسعادة، والاطمئنان، وترك الهموم والقلق، فإن الصلاة نور لصاحبها في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وقد مزقت الهموم والغموم قلوب كثير ممن هجروا المساجد فانظر لحالهم، فإن سيماهم في وجوههم من أثر المعاصي والذنوب.. وفوائد الصلاة كثيرة جدا ولو لم يكن منها إلا أنها طاعة لله الذي خلقك، فأحسن خلقتك، وأنعم عليك، ورزقك، وامتن عليك بصحة وعافية، أفيجوز أن يعافيك، وأن يعطيك هذا كله ثم يأمرك، فتعصي؟!! إنها صفة اللئام، وإنها الدناءة، والخسة، والفجور أن ينعم عليك، فتعصيه. إن الإصرار على المعصية قد يكون سبباً في سوء الخاتمة، فإن الذنوب ما تزال بالرجل العظيم حتى تميت قلبه، وتورده جهنم، فاصدق مع الله.. حاسب نفسك.. ارجع إلى نفسك قبل غرغرة الروح.. تضرع إلى الله بالدعاء.. خذ بالأسباب المادية: من نوم مبكر، ووضع منبه، وجاهد النفس، وتذكر:} وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ[10]كِرَامًا كَاتِبِينَ[11]{ “سورة الانفطار”.(/4)
هذه رسالة إلى أخينا وجارنا الذي افتقدناه في صلاة الجماعة ، فهل أمام هذا البيان من عذر؟ وهل لهم حجة أمام الله؟ هذه الرسالة أمانة في عنق كل مُصَلٍّ ، لإيصالها إلى كل تارك لصلاة الجماعة، فلنجتهد، فلنجتهد في نصحهم ، ولنجتهد في إيصال مثل هذه الرسالة لهم ، ولنذكرهم بالله ولنخوفهم بالله ولنعذر أمام الله، ولنبرئ أنفسنا أمام الله اللهم فاشهد ، اللهم إني بلغت .
من خطبة:جاري العزيز للشيخ/ إبراهيم الدويش(/5)
جتهادُ في الشَّريعة الإِسلامية
حكمه، شرائطه، حجيته، أقسامه، آثاره
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة: الاجتهاد، وحكمه
إذا كان الاجتهاد، بذلَ الجهد لمعرفة حكم الله عز وجل في أمر ما، طبق ضوابطه وأصوله المعروفة، فالاجتهاد ينبغي إذن أن يكون عدّة كل مسلم ورفيقه في تعامله مع الله عز وجل من خلال تنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه.
ذلك هو الأصل في الوظيفة التي أقام الله عليها عبادة الذين أسلموا له، وخضعوا للميثاق الذي واثقهم به. إذ إن استخراج أحكام الله من مصادرها، ليست دائماً من اليسر والسهولة بحيث لا تحتاج إلى أي جهد. بل العكس هو الواقع في الغالب. ولله عز وجل في ذلك حكمة باهرة، لا مجال للخوض فيها في هذا المقام.
غير أن اللطف الإلهي بالعباد، اقتضى الرأفة بهم، نظراً إلى تفاوتهم في القدرات الفكرية ووسائل الدراية والاستنباط، ونظراً إلى اختلافهم في الانصراف إلى المشاغل الدنيوية والمرهقات المعيشية التي تحول دون إمكان قيامهم جميعاً بهذا الواجب على السواء وبالوجه السليم.
فكان من رأفته بهم أن رخص لهم في اتباع من أتيح لهم النهوض بهذا الجهد، وذلك من خلال خطابه الذي قال لهم فيه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 16/43].
وبهذا تحول ما كان في أصله واجباً عينياً إلى واجب كفائي. إن قام به من يقعون موقعاً من الكفاية التي تحتاج إليها الأمة في التبّصر بأحكام دينها، سقطت مسؤولية هذا الواجب الاجتهادي عن الباقين.
ومن هنا ندرك ضرورة وجود طائفة من العلماء المجتهدين في كل عصر. إذ لا يخلو كل زمن من جديد لم يكن موجوداً أو معلوماً من قبل، يحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله فيه. وإنما سبيل ذلك الاجتهاد. فإن خلا عصر من العصور عن العدد الكافي من المجتهدين، توّرط المسلمون كلهم من جراء ذلك التقصير، في معصية لا ترتفع عن كواهلهم إلا بوفرة هذه الطائفة الكافية من العلماء الذين بلغوا مبلغ القدرة الاجتهادية على استنباط الأحكام من مصادرها.
ويتلخص الدليل على فرضية الاجتهاد كفائياً في الدليلين التاليين:
أولهما جميع النصوص الدالة على وجوب طاعة الله ورسوله، من مثل قول الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 3/32] وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 8/20]، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مالك في موطئه: ((وقد تركت فيكم إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي)).
ووجه الدلالة، أن الله تعالى إذا أوجب عليهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه، مما قد ورد في كتابه أو سنة رسوله، فقد أوجب عليهم بذل الجهد اللازم لفهم ما قد دلت عليه نصوص كل منهما. ذلك لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهي قاعدة أصولية معروفة.
ثانيهما قول الله عز وجل: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 9/122].
ووجه الاستدلال بها أن نعلم بأن الجهاد من أهم ما قد شرعه الله وفرضه على عباده. فإذا أمر مع ذلك بتخلّف نفر من الناس عن الخروج إلى الجهاد، لكي يتفرغوا للتفقه في الدين الذي هو استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة، فإن ذلك من أجلى الأدلة على أن الاجتهاد في فهم أحكام الدين فريضة كالجهاد، ولكنه فرض كفائي يكفي في القيام به نفر من الناس، بشرط أن يكونوا من الكثرة بحيث يشكلون مرجعاً كافياً لعامة الناس، فيما قد يستشكلونه أو يسألون عنه.
ولكن هل يغني عامة الناس، ويرفع عنهم الوزر، أن يتبعوا أئمة مجتهدين قد ماتوا وخلوا من قبل، أم لابدَّ أن ينهض من بينهم من يتعلم فيرقى إلى رتبة الاجتهاد، كي يكون لهم في اتباعه ما يغنيهم عن تقليد الأموات؟
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، جواز تقليد المجتهد وإن كان ميتاً. فإن الأقوال الاجتهادية لا تموت بموت أصحابها. يقول ابن القيم: ((هل يجوز للحيّ تقليد الميت والعمل بفتواه من غير اعتبارها بالدليل الموجب لصحة العمل بها؟.. فيه وجهان لأصحاب الإمام أحمد. فمن منعه قال يجوز تغيير اجتهاده لو كان حياً.. والثاني يقول بالجواز. وعليه عمل المقلدين في أقطار الأرض وخيار ما بأيديهم تقليد الأموات، والأقوال لا تموت بموت قائليها، كما لا تموت الأخبار بموت رواتها))(1).
ويقول الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة ((إن هذه المذاهب الأربعة المدونة المحررة قد أجمعت الأمة أو من يعتدّ به منها على جواز تقليدها إلى يومنا هذا. وفي ذلك من المصالح ما لا يخفى. لاسيما في هذه الأيام التي قصرت فيها الهمم، وأشربت النفوس الهوى، وأعجب كل ذي رأي برأيه)).(/1)
أقول: وهذا رأي الشيعة الإمامية أيضاً: إذ الأئمة المعصومون الذين خلوا من قبل، لا تزال أقوالهم هي المرجع في كل ما قد أبرموا القول فيه، غير أن أقوالهم لا تسمى عندهم اجتهاداً بالمعنى المتداول عند أهل السنة. إذ الاجتهاد عند الجمهور قابل للخطأ، نظراً إلى أنه صادر من جهده الشخصي، أما عند الشيعة فالعصمة عن الخطأ هي السمة التي لابدَّ أن يتصف الأئمة بها. ومن ثم فإن أقوالهم التي صدروا عنها في الأحكام، بمثابة وحي علوي، أو هو اجتهاد، ولكنه اجتهاد معصوم عن تسرب الخطأ إليه.
بقي أن نقول: إن خضوع الاجتهاد للفرض الكفائي في كل زمن، يضفي إشكالاً كبيراً على المقولة الدارجة على كثير من الأفواه: ((إن باب الاجتهاد قد أغلق منذ أوائل القرن الخامس)) ولسوف نناقشها، ونوضح وجه الحق فيها، في المكان المناسب من هذا البحث إن شاء الله.
موضوع الاجتهاد، والمحور الذي يدور عليه:
يدور الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، مهما تنوع، على محور النص من القرآن أو السنة، فهو يظلّ مرتبطاً به، خاضعاً له، باحثاً عنه. ذلك لأن الاجتهاد في مسألة ما من مسائل الدين، لا يعدو أن يكون استجلاء لمدى صحة النص وثبوته، أو تبيناً لمعناه ودلالته، ويدخل في الحالة الثانية البحث في مدى عموم النص أو خصوصه، أو إطلاقه أو تقييده، وفي مدى خضوعه للتأويل، وفي العلة التي يدور عليها حكمه.
بل إن مطلق ما يسمى حكماً في مصطلح الشريعة الإسلامية، لا يتحقق له وجود، إلاّ على أساس الخبر أو الحكم الذي بلغنا من الله عز وجل ورسوله. إذ بدونهما لا يسمى العلم الشرعي علماً، بل هو لا يعدو أن يكون وهماً وزغلاً.
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله: ((وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء: حلّ أو حرم، إلا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر في كتاب الله أو السنة أو الإجماع أو القياس))(2).
ومعلوم أن كلاً من الإجماع والقياس أثر من آثار النص، لا يتقومان إلاّ به، ولا ينهضان إلا عليه. ويقول الإمام الشافعي في بيان أن القياس أثر لا ينفك عن النص: ((والقياس ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر من الكتاب أو السنة، لأنهما عَلَمُ الحقّ المفترض طلبه))(3).
ولو جاز أن تتسع دائرة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية إلى تخطّي حدود النصّ ومدلولاته، إذن لجاز لهذا الاجتهاد ذاته أن يبطل حكم الشريعة بأسرها، وأن يستبدل بها شيئاً فشيئاً غيرها.
ولقد أوضح الشاطبي هذه الحقيقة بدقة بارعة عندما قال:
((ولو جاز للعقل تخطّي مأخذ النقل (أي النص) لجاز إبطال الشريعة بالعقل. وهذا محال باطل. وبيان ذلك أن معنى الشريعة أنها تَحُدُّ للمكلفين (أي بالنقل الوارد إلينا من الله ورسوله) حدوداً في أفعالهم وأقوالهم واعتقاداتهم. وهو جملة ما تضمنته. فإن جاز للعقل تعدي حدٍّ واحد، جاز له تعدي جميع الحدود، لأنّ ما ثبت للشيء ثبت لمثله.. وهذا لا يقول به أحد))(4).
وقد حصر الماوردي عمل المجتهد في سبعة أقسام لا يتجاوزها، تدور كلها على محور النص. وهي: إثبات النص، أو استخراج علته، أو ضبط مدلولاته، أو الترجيح بين احتمالاته، أو الكشف عن عمومه وخصوصه، أو إطلاقه وتقيده(5).
هل القياس مصدر آخر إلى جانب النص؟
إن فيما قد أوضحته، ثم أيدّته بكلام الإمام الشافعي ومن جاء بعده، ما يجزم بأن القياس ليس إلا واحدة من الدلالات التي تهدي إلى معنى النص ومضمونه.
وفي هذا ما يدل على أن الخلاف بين أهل السنة والجماعة، وبين الشيعة الإمامية في مشروعية الأخذ بالقياس في استنباط الأحكام، ليس إلا خلافاً لفظياً. إذ إن الشيعة الإمامية يستعظمون القول بحجية القياس مصدراً ثالثاً من مصدري التشريع: (القرآن والسنة) تخوفاً من أن ينتهي هذا القول إلى هيمنة القياس على النص، وإلى التضييق من دلالته أو القضاء عليها.
غير أن ما عرفناه الآن من أن مهمة القياس ليست إلاَّ خدمة النص، عن طريق الكشف عن المعاني الكامنة فيه، وعن حدود ما يرمي إليه، يقضي على هذا التخوف، ويذيب أي أثر لهذا الخلاف. وهذا ما قد انتهى إليه العالم المحقق الشيخ محمد مهدي شمس الدين إذ يقول: ((الحقيقة أن ذكرنا لا يعني أنه يوجد تباين كامل بين المذاهب في هذه الأدوات الاستنباطية. ففي بعض الموارد يكون الاختلاف لفظياً. أي إن الاختلاف يكون في التسمية فقط. وبعض الموارد التي تعتبر قياساً عند أهل القياس، لا يسميها فقهاء الإمامية قياساً))(6).
مجالات الاجتهاد
من الثابت يقيناً أن الاجتهاد المشروع، هو ما تعلق بحكم شرعي ليس فيه دليل قطعي. ذلك لأن الحاجة إلى الاجتهاد متفرعة عن وقوع الاحتمال في ثبوت النص أو في دلالته، كما قد أوضحنا من قبل.. ولا يقع الاحتمال إلا حيث يكون الدليل ظنياً.(/2)
وبهذا تخرج مسائل العقيدة الإسلامية ومبادئها الأساسية عن دائرة الاجتهاد. لأنها مستندة إلى دلائل يقينية الثبوت والدلالة، كما يخرج أيضاً كل الأحكام الفقهية التي ثبتت على وجه القطع واليقين، كفرض الصلوات الخمس ووجوب صوم رمضان وحج البيت على المستطيع وحرمة القتل بدون حق والسرقة والزنى وشرب الخمر.. إذ إنها تستند إلى أدلة قطعية ذات دلالة يقينية لا مجال فيها للاحتمال. ومن ثم فلا سبيل للاجتهاد إليها.
ومن أبرز الأدلة التي تخرج أصول العقيدة الإسلامية وما يتبعها من ضروريات الأحكام الشرعية، عن ساحة الاجتهاد، قول الله عز وجل {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ} [محمد: 47/19]. وقد عرفنا أن العلم هو ما تسامى فوق درجة الشك والظن وبلغ درجة اليقين والجزم، ولا يتأتى ذلك إلا بأدلة قاطعة، تغني عن النظر والاجتهاد فيها.
ومثل ذلك قول الله تعالى في التحذير من اتباع العقائد الزائفة: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم: 53/28] وقوله تعالى في صدد الموضوع ذاته: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 17/36].
وفي بيان هذا يقول الشافعي رحمه الله: ((العلم علمان، علم لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهلُهُ، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والسرقة والقتل والخمر، وما كان في معنى هذا مما كلف الله به العباد أن يفعلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم، وأن يكفوا عما حرم الله عليهم منه. وهذا الصنف كله من العلم موجود نصاً في كتاب الله، وموجود عاماً عند أهل الإسلام، ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم، يحكونه عن رسول الله ولا ينازعونه في حكايته ولا وجوبه عليهم. وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل، ولا يجوز فيه التنازع))(7).
ويقول الإمام الغزالي في المستصفى: ((والمجتَهَدُ فيه، كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكلام، فإن الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم. وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثماً.. أما وجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت عليه الأمة من جليّات الشرع، ففيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف، فليس ذلك محلّ اجتهاد))(8).
وهذا ما يقرره سائر علماء الشريعة الإسلامية وأصولها، على اختلاف مذاهبهم في دين الله عز وجل، ولا أحسب أن في ذلك أيّ خلاف.
ولكن يدخل في حكم الفروع الاجتهادية، جزئيات اعتقادية خارجة عن المبادئ الأساسية في بناء العقيدة. إذ لم تتوفر عليها أدلة قطعية. كالبحث في النشأة الثانية للإنسان بعد الموت أتكون بعد انعدام كلي أم بعد تفتت واضمحلال.. وكالبحث في صفتي السمع والبصر لله عز وجل أهما تتعلقان بالموجودات كلها، أم يتعلق البصر بالمبصرات والسمع بالمسموعات؟
فهذه وأمثالها، وإن كانت من الأمور الاعتقادية، إلا أنه لما لم يرد في شأنها نصوص ثابتة ذات دلالات قاطعة، بقي أمرها موكولاً إلى علم الله، وربما وصل الباحث فيها عن طريق الاجتهاد إلى رأي مظنون . ولا يكلفه الله في ذلك بأكثر مما وصل إليه طوقه الاجتهادي.
غير أن في مسائل العقيدة ما وقع الخلاف بشأنه بين بعض المذاهب الإسلامية، أهو من الجزئيات التي لم يرد بشأنها نص قاطع، فهي إذن من المسائل الاجتهادية، أم هو من الأمور اليقينية التي تستند إلى نصوص ثابتة قاطعة، ومن ثم فلا مجال للاجتهاد فيها. ومن أشهر الأمثلة على ذلك مسألة الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فهي عند الشيعة الإمامية وغيرهم من القضايا الأساسية التي أبرم الشارع حكمها بأدلة نصية قاطعة. ومن ثم فلا مجال للاجتهاد فيها. وهي عند سائر المسلمين من المسائل الجزئية التي تنبثق عن الرأي والتشاور والاجتهاد.
غير أن حدود الخلاف، في هذه المسألة، تاريخية فيما أراه. وهي تنتهي عند الإمام الثاني عشر. إذ يلتقي الجميع هناك وإلى يومنا هذا، على كلمة سواء. هو اختيار الإمام أو الحاكم الصالح الذي يستطيع أن يدير أمور الأمة. وأعتقد أن في اعتماد ما يسمى بـ(ولاية الفقيه) ما يساهم في ردم ثغرات الخلاف ويدعم الجامع المشترك التي يلتقي عليه سائر المسلمين اليوم.
من هو المجتهد؟
قلنا إن المجتهد هو ذاك الذي يبذل ما يملك من الجهد لمعرفة حكم الله عز وجل، طبق ما تدلّ عليه مصادر الشريعة الإسلامية. ومن المعلوم أن بذل هذا الجهد الذي لابدَّ منه، لا يتأتى من الناس جميعاً، لما قد سبق بيانه من تفاوت الناس في القدرات الذهنية والملكات العلمية، وامتلاك أدوات المعرفة والاستنباط.(/3)
إذن فقد كان لابدَّ من ضبط هذه القدرات، وبيان الأنواع المطلوبة من العلوم والمعارف، ثم بيان القدر المطلوب في مجال معرفتها. إذ إن وجود هذه القدرات ضمن أنواعها وحدودها التي لابدَّ منها، يفرض على صاحبها أن يستقل بالاجتهاد واستنباط الأحكام من مصادرها، ويحرم عليه تقليد الآخرين فيما انتهت إليه اجتهاداتهم.
فما هي هذه الشروط العلمية التي إن توفرت تجعل من صاحبها مجتهداً يحرم عليه التقليد؟
ألخّص بيان هذه الشروط، أخذاً مما ذكره الآمدي في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، بعد أن استعرضت هذه الشروط لدى بقية الباحثين من أئمة أصول الفقه، فلم أجد بينهم في ذلك خلافاً يذكر. وهي تلخص في الشروط التالية:
أولاً: أن يكون المجتهد سليم العقيدة والسلوك، لم يتهم بمروق أو فسق أو تهاون في أداء أوامر الله عز وجل والدفاع عنها عندما يقتضي الأمر ذلك.
ثانياً: أن يكون عالماً بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها، ووجوه دلالات تلك المدارك على مدلولاتها، وأن يكون على بينة من اختلاف مراتبها، وأن يعلم القواعد التي يتم على أساسها الترجيح عند التعارض، وأن يعلم كيفية استثمار الأحكام من مصادرها. وأن يكون عالماً بالرواة وطرق الجرح والتعديل، وأنواع الحديث الصحيح منها والضعيف..
ثالثاً: أن يكون متبصراً بأسباب النزول وبحقيقة النسخ وأماكنه والناسخ والمنسوخ في النصوص التي تتضمن الأحكام.
رابعاً: أن يكون عالماً باللغة العربية وفنونها من نحو وصرف، وبلاغة، بحيث يميز بين دلالات الألفاظ من مطابقة وتضمن والتزام، وحقيقة ومجاز، ومشترك ومتواطئ، وترادف وتباين، واقتضاء وإشارة وعموم وخصوص وإطلاق وتقييد(9).
أقول: ويتفاوت المطلوب من هذه المعارف والعلوم، حسب نوع الاجتهاد الذي يريد المجتهد أن يمارسه. فالاجتهاد في جزئية صغيرة، لا يتطلب ما يتطلبه الاجتهاد في كليات الأحكام الشرعية. والاجتهاد الذي يمارسه الفقيه ضمن قواعد مذهبه الفقهي الذي ينتمي إليه، لا يتطلب من الدقة في استيعاب الأحكام وتلك العلوم ما يتطلبه الاجتهاد المطلق الذي لا يتقيد صاحبه بمنهج اجتهادي سابق. وهذه الملاحظة تسلمنا إلى المسألة التالية وتفصيل القول فيها:
أقسام الاجتهاد وواقعه إلى هذا اليوم:
للاجتهاد تقسيمات من جوانب متعددة.
فهو ينقسم، من حيث النظر في مناط الحكم (أي في متعلَّقه) إلى ما يسمى بالاجتهاد في تحقيق المناط وتخريج المناط وتنقيح المناط.. وينقسم من حيث النظر في أحكام الشريعة الإسلامية مجتمعةً ومتجزئةً إلى الاجتهاد الجزئي، أي في جزئية ومسألة واحدة من مسائل الشريعة الإسلامية، وإلى الاجتهاد فيما يعم سائر جزيئاتها وأحكامها.. وينقسم من حيث استقلال المجتهد بأصول الاجتهاد ومنهجه أو عدم استقلاله بها، إلى ما يسمونه اجتهاداً مطلقاً واجتهاداً في المذهب. وسأتحدث في كل من هذه الأقسام بالقدر الذي يسمح به هذا المجال.
أولاً - من حيث النظر في مناط الحكم ومتعلّقه
وهو يتفرع كما قلت إلى الأقسام التالية: أولها الاجتهاد في تحقيق المناط، وهو يعني تطبيق الأحكام الشرعية على وقائعها ومتعلقاتها، على صعيد العمل التنفيذي. مثال ذلك أن الله تعالى قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 65/2] فجعل مناط قبول الشهادة العدالة. وقد أوضحت الشريعة معنى العدالة وحدودها. ويبقى تطبيق هذه الحدود على الأشخاص. وتلك هي وظيفة المكلف وواجبه عندما يريد أن يُشْهد على أمر من الأمور. ومثاله أيضاً أن الله جعل الفقراء من مستحقي الزكاة. وقد عرفنا معنى الفقر الذي عناه البيان الإلهي. وإنما بقي تطبيق صفة الفقر على الأشخاص الذين هم مناط هذا الحكم الرباني.
ولا أعلم خلافاً في أن هذا الحد الأدنى من الاجتهاد، واجب على كل من تكاملت لديه أهلية التكليف، إذ هو اجتهاد يسير يقوى عليه كل ذي نظر وفكر(10).
ثاني هذه الأقسام وثالثها: الاجتهاد في تخريج مناط الحكم والاجتهاد في تنقيح مناطه. والمراد بالأول منهما بذل الجهد لاستخراج علّة الحكم الشرعي في الواقعة المنصوص عليها، تمهيداً للقياس عليها بموجبها، كاستنباط علة جريان الربا في الأصناف الأربعة المنصوص عليها من المطعومات.. والمراد بالثاني منهما تشذيب ما علق بالعلة الشرعية، من صفات اتفاقية لا مدخل لها في علّة الحكم، كلون الخمرة وما قد يعلوها من فقاقيع وزبد.
ومما لا ريب فيه أن هذين القسمين من الاجتهاد، يخضعان للشروط الاجتهادية العامة التي سبق ذكرها. وذلك عند من يأخذ بحجية القياس ويبني عليها الأحكام، وقد سبق بيان ذلك.
ثانياً - من حيث التجزؤ وعدمه(/4)
وبيانه أن الباحث قد يكون ذا ملكة علمية عامة، تخوله الاجتهاد في سائر الأحكام الفقهية، وقد يكون متخصصاً في دراسة بعض الأبواب أو المسائل دون غيرها، فيبلغ في تلك المسائل التي اهتم بدراستها درجة الاجتهاد، ولكن بقي دون تلك الرتبة فيما سواها.. فالأول إذن مجتهد في سائر الأحكام الفقهية أي فهو مجتهد كلي. والثاني مجتهد في بعض المسائل دون غيرها فهو إذن مجتهد جزئي. وهذا مقبول وممكن. إذ إن الشروط التي يجب أن تتوفر للاجتهاد، إنما تتعلق بالمسائل التي يريد الباحث أن يجتهد فيها، ذلك لأن العلم ليس حقيقة مترابطة غير قابلة للتجزؤ. بل العلم بكل مسألة منفصلة عن العلم بالمسائل الأخرى.
ولكن مما لا ريب فيه أن جامعاً مشتركاً من الملكة العلمية العامة، يجب أن يكون متوافراً لدى كل من يريد أن يجتهد، كيفما كان اجتهاده، جزئياً أم كلياً. أي فليس معنى تجزؤ الاجتهاد إمكان أن ترى الرجل ضليعاً في مسألة فقهية واحدة، وجاهلاً جهالة مطبقة في المسائل الأخرى، بل إن مثل هذه المفارقة لا يمكن أن تتحقق بحال.
ثالثاً - من حيث الإطلاق والانضباط بأصول أحد المذاهب
والاجتهاد، من هذه الوجهة الثالثة ينقسم إلى ما يسمونه اجتهاداً مطلقاً، واجتهاداً في المذهب.
فالأول هو أن يعتمد الباحث المجتهد على مداركه ومعلوماته الشخصية في استخراج أصول الاجتهاد العامة ومسالك الاستدلال، وأن يعتمد على ما يراه هو من قواعد تفسير النصوص، ودلائلها وأحكامها باجتهاد ذاتي منه... ويعدّ الأئمة الأربعة ومن على شاكلتهم في مقدمة من تمرسوا بهذه الصفات وتبوؤوا هذه الدرجة في الاجتهاد.
والثاني هو أن يلتزم الباحث منهج أحد الأئمة، في أصول الاجتهاد ومسالك الاستدلال، ثم يبني على منهجه ما قد يستقلّ به من الاجتهاد في الأحكام الفقهية المختلفة. فهو مجتهد، ولكن ضمن خطة سبق أن وضعها أحد الأئمة من قبله. ومن هنا سمي مجتهداً في المذهب.
إلا أن الذي تجدر ملاحظته في هذا الصدد. أن هذا التقسيم غير وارد عند الشيعة الإمامية. ذلك لأن النظر في أحكام الشريعة الإسلامية إما أن يكون عائداً إلى واحد من أئمة آل البيت السابقين، وإما أن يكون عائداً إلى من جاء بعدهم. فأما النظر في تلك الأحكام في عهود أولئك الأئمة، فهو لا يُعدّ اجتهاداً بالمعنى الذي ذكرناه، وإنما هو علم يرد من الله إلى عقول أولئك الأئمة. ومن ثم فهو غير قابل للخطأ والزيف. وأساس ذلك ما يتصفون به - في اعتقاد الإمامية - من العصمة. وهي وإن كانت دون مستوى النبوة المؤيدة بالوحي. فهي على كل حال كلاءة متميزة من الله تعالى لهم تحميهم من الوقوع في الأباطيل والأوهام... وأما النظر في الأحكام في العهود التي تلت من بعدُ، إلى يومنا هذا، فهو اجتهاد ولكنه غير خاضع للتقسيم إلى ما هو مطلق وما هو مقيد لعدم وجود المناخ الذي يستدعي ذلك زمنياً. وإذا أخذنا بالاعتبار الدّور الذي يقوم به اعتماد (ولاية الفقيه) فإن بوسعنا أن نعتبر الاجتهاد في هذا العصر محصوراً في هذه الهيئة العلمية المتميزة التي تحل بشكل مؤقت محلّ قيادة الإمام وتوجيهه.
حجية الاجتهاد وقيمته الدينية
إذا كان الاجتهاد واجباً دينياً كما أوضحت، فإن ما قد يؤدي إليه هذا الاجتهاد، يكون بالضرورة حكماً دينياً... وإنها لقضية منطقية شرطية تحمل برهانها في داخلها.
وإنه لخطأ بيّن ذلك التصور الذي يقع تحت تأثيره بعض الكاتبين والباحثين في هذا العصر، إذ يفرقون بين ما يسمونه الشريعة الإسلامية، وما يعبرون عنه بالأحكام الفقهية الاجتهادية، ثم يحصرون سمة الدين وسلطانه فيما يسمونه الشريعة، وينفون هذه السمة عن سائر الأحكام الاجتهادية، بحجة أنها ليست إلا من إبداع المجتهدين وحصيلة أفكارهم البشرية.
والحقيقة أن الدعوة الهائجة اليوم عند عشاق الحضارة الغربية إلى الاجتهاد وإعادة النظر في الأحكام الفقهية القائمة، ثمرة لهذا التصور الخاطئ والخطير.
إنهم يتصورون أن أكثر الأحكام الفقهية المدونة في مصادرها ثمرة لاجتهاد علماء امتازوا بالدربة والمعرفة القانونية في عصورهم، وما أيسر أن تنسخ أفكارهم بأفكار أمثالهم من العلماء الذين جاؤوا على أعقابهم اليوم.. أي إن الاستهانة بالقيمة الدينية الكامنة في الأحكام الفقهية الاجتهادية، هي التي تحفز أصحاب هذه الاستهانة إلى الدعوة إلى ما يسمونه بتجديد الفقه الإسلامي عن طريق اجتهاد جديد.
غير أنا إذا تأملنا في هذا التصور الذي يتضمن هذا التفريق المختلق بين الشريعة الإسلامية والأحكام الفقهية الاجتهادية، فإنا سنجد أن خضوعنا لما يسمّى بالشريعة الإسلامية يؤول إلى خضوع وهمي لشعار لا مضمون له.(/5)
ذلك لأن جلّ أحكام الشريعة الإسلامية، أحكام اجتهادية مأخوذة من الدلائل الظنية للنصوص. فإذا كان المعنى الاجتهادي الذي فيها يسقط عنها القيمة الدينية، فقد عاد اسم الشريعة الإسلامية كحقيبة كبيرة أفرغت من كل ما فيها، يحملها صاحبها على كتفه، تحت وهم أنه يحمل فيها أمتعته وحوائجه!..
وكم قرأنا لأناس يقدسون الشريعة الإسلامية كل التقديس، فلما قيل لهم عن الربا وحرمته أجابوا بأنه حكم اجتهادي منوط بظروف تبدلت وتطورت.. وإذا حدّثتهم عن عقوبة الزنى أو القاتل أو المرتد أو ذكرت لهم أحكام الذمة، أو فصلت لهم شيئاً من أحكام المرأة فيما يتعلق بلباسها وآدابها، هَوَّنوا من الأمر، وتحرروا من تبعات هذه الأحكام كلها بحجة أنها آراء اجتهادية!..
وإن أحدنا ليسأل بحق: فماذا تعني الشريعة الإسلامية المقدسة الخالدة إذن؟!.. وما هي مضموناتها التي يتجلى فيها معنى خلودها وخضوعنا لسلطانها، إذا استثنينا بدهياتها المعروفة كأصل وجوب الصلاة والصوم والحج والزكاة...؟
ونعود، فنردّ على هذا اللغو بتأكيد القضية المنطقية التي استقطبت إجماع علماء المسلمين، وهي أن الأحكام الاجتهادية التي جاءت نتيجة اجتهاد شرعي سليم توافرت فيه أصول الاجتهاد وشروطه، جزء لا يتجزأ من الدين. فهي إذن أحكام دينية يلزم بها صاحب الاجتهاد في حق نفسه أولاً، ثم يلزم بها كل من تقاصرت درجته العلمية عن الاجتهاد ثانياً.. ثم إن لم يجد أمامه إلا هذا الاجتهاد، فليس له عنه أي معدل. وأما إن تعدد المجتهدون من حوله وتعددت اجتهاداتهم في المسألة الواحدة، فعليه أن يختار منها ما تسكن إليه نفسه ويطمئن إليه قلبه. وإنما الحكم الديني في حقه، أن لا يخرج عن اتباع مجموع تلك الآراء الاجتهادية التي انتهى إليها أولئك المجتهدون.
يدلّ على ذلك قول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 16/43].
فإن الأمر بسؤال أهل الذكر، وهم العلماء، إنما هو فرع عن الأمر باتباعهم، وهل الدّين إلا ما أمر الله عباده به؟
ويدل عليه أيضاً ما تم الاتفاق عليه، من أن المجتهد إذا عاد فغير اجتهاده في مسألة واحدة، فإن اجتهاده اللاحق لا ينقض اجتهاده السابق في المسألة ذاتها، قال الأسنوي في شرحه على منهاج البيضاوي ((والاتفاق على أن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد))(11) وقال صاحب مسلّم الثبوت ((لا يُنقَضُ الحكم في الاجتهادات إذا لم يخالف قاطعاً، وإلاّ نقض هذا النقض باجتهاد لاحق، ويتسلسل..))(12).
وجه الدلالة، أن الاجتهاد الذي توفرت شروطه ينزل منزلة النص في دلالته على الحكم الشرعي. فكما أن اتباع مدلول النص واجب ديني، فكذلك اتباع ما انتهى إليه النظر الاجتهادي في حق المجتهد ومقلده، واجب ديني. فإذا عرض له بعد ذلك اجتهاد آخر في المسألة ذاتها، وانتهى إلى ترجيح اجتهاد مخالف لما كان قد ظنه وارتآه، فإنما يكون ذلك كورود نص معارض للنص الذي قبله، ينسخه وينهي زمن العمل به، ولا يحمل أي دلالة على أنه كان خطأ أو باطلاً من أساسه. فالاجتهاد الثاني أيضاً لا سلطان له على الزمن الذي أبرم فيه الاجتهاد الأول، لأنه استظل بحكم ديني صحيح. وإنما ينبسط سلطانه على الزمن الثاني الذي ظهر فيه الاجتهاد الجديد، عن طريق النسخ والإنهاء فقط.
ولم أجد إلى الآن ما يدلّ على مخالفة الشيعة أو الإباضية للجمهور في هذه المسألة.
وأوضح شاهد على ذلك، هو أن كتب الفقه المقارن وكتب أحاديث الأحكام مع شروحها تفيض بذكر الآراء الاجتهادية للشيعة الإمامية والزيدية والإباضية المتفقة أو المخالفة لآراء المذاهب الأخرى. ومن البدهي أن أياً من أصحاب هذه المذاهب لا يجنح إلى ما رجحه اجتهاده، إلا لما يعتقد من دينيَّة ما انتهى إليه وغلب على ظنه أنه الحق بالنسبة إليه.
غير أن في الناس اليوم من يثير الشبهات التالية حول حجية الاجتهاد ودينيَّته.
أولاً: قولهم إن إثبات الصفة الدينية في الأحكام الاجتهادية يتعارض مع ما رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرسل صحابياً على رأس سرية. فقال له فيما قال: وإذا أنزلت أهل حصن على حكمك، فلا تقل إنه حكم الله عز وجل، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم لا. ولكن أنزلهم على حكمك.
والجواب عن هذا من وجهين:(/6)
الوجه الأول: أن قضايا السلم والحرب وكل ما يتعلق بهما وينتج عنهما، لا يجوز أن يبت فيها إلا إمام المسلمين أو من قد ينيبه عنه، كما في هذا الحديث، وهذا معنى كونها داخلة في أحكام الإمامة. وقد علمنا أن الإمام مفوض في هذه القضايا أن يتخير أقرب ما يراه محققاً لمصلحة المسلمين.. ونظراً إلى أن ما يتخيره الإمام أو نائبه من ذلك، قد لا يصيب الأوفق والأصلح (كاختياره صلى الله عليه وسلم افتداء الأسرى على قتلهم في غزوة بدر) فقد كان من مقتضى الحيطة والأدب مع الله عز وجل أن ينسب الإمام أو نائبه ما يراه من الاجتهادات في أحكام الإمامة إلى نفسه، ولا ينسبه إلى الله عز وجل تحسباً لهذا الاحتمال.
غير أن هذه الحيطة، لا تجعل الناس في حل من اتباع الإمام فيما قضى به من أحكام الإمامة. بل يجب عليهم بإيجاب الله تعالى الانقياد لما قضى به وإطاعته فيما ألزمهم به من ذلك.
الوجه الثاني: أن من مقتضى الأدب مع الله تعالى في سائر الأحكام الاجتهادية، أن ينسب المجتهد ما انتهى إليه بعد النظر والتمحيص، إلى فهمه واجتهاده، لاحتمال أن يكون مخطئاً.
غير أن هذا الاحتمال لا يعفيه من ضرورة اتباع ما هداه إليه اجتهاده، كما لا يعفي الذي يستفتيه من وجوب اتباعه في هذا الذي أفتاه به. بل إن كلاً منهما يجب أن يدين باتباعه والانقياد له.
ثانياً: يقول بعضهم إن ثبوت القيمة الدينية للشيء إنما يترتب على يقين اعتقادي بذلك. واليقين الاعتقادي لا يتوافر إلا حيث تقوم أدلة ثابتة ثبوتاً قطيعاً. والأحكام الاجتهادية مظنونة دائماً. فكيف يترتب الحكم اليقيني الذي هو أساس القيمة الدينية، على مسائل وتصورات ظنية؟
والجواب أن القيمة الدينية الثابتة يقيناً، آتية من الدليل الشرعي اليقيني، على أن العمل بالأحكام الاجتهادية في حق أصحاب الاجتهاد ومقلديهم، واجب لا مناص منه، وليست آتية من جهة الدلالة الظنية التي أورثت الحكم الاجتهادي المظنون، فالجهة بين هذين الأمرين كما ترون منفكّة. ورب مسألة كان الدليل عليها ظنياً، ولكن ثبت وجوب العمل بها بدليل قطعي.. وإن من أجلى الأمثلة على ذلك، دلالة خبر الواحد في نطاق الأحكام العملية، فإن مدلوله يغلب أن يكون ظنياً، إلا أن الأدلة الصحيحة قد تواردت وتواترت على وجوب العمل بمقتضى هذه الأخبار(13).
ثالثاً: وربما قال قائلهم إن إعطاء الحكم الاجتهادي قيمة دينية ثابتة، يستلزم الجنوح إلى رأي المصوّبة، وهم الذين يرون أن الحق في المسألة الواحدة يتعدد بتعدد المجتهدين، وأنهم كلهم، بناء على ذلك، مصيبون. ومن المعلوم أن الراجح هو أن الحق في علم الله وحكمه واحد، وأن المجتهد قد يصادفه وقد لا يصادفه، وهو ما صرح به رسول الله في الحديث الصحيح.
والجواب عن هذه الشبهة. أن هذه المسألة ليست مما نحن بصدده في شيء. فإن البحث في وحدانية الحق أو تعدده في علم الله شيء، وإلزام الله عباده باتباع ما غلب على ظنونهم أنه الحق، في الأحكام العملية، شيء آخر، وليس بينهما أي تلازم.
فإن القبلة التي أمر الله عباده بالتوجه إليها في صلاتهم واحدة في واقع الأمر وأصله. ولكن الله عز وجل لم يلزم عباده البعيدين عن الكعبة بأكثر من التوجه إلى الجهة التي غلب على ظنهم أن القبلة فيها. حتى وإن تغير ظن المصلي في أثناء صلاته، بحيث اقتضى ذلك أن يتحول في كل ركعة من صلاته، إلى جهة أخرى، بل ذلك هو واجبه الديني، لا يملك غيره(14).
وهكذا، فإن الله عز وجل نزّل ما هدى المجتهدين اجتهادهم إليه، منزلة الحق الثابت في علمه، تجاوزاً منه وفضلاً. فكان ذلك في حقهم هو الدين الذين يجب اتباعه.
هذا كله، إذا أخذنا برأي القائلين بأن الحق في أحكام الشريعة واحد، وبأن المجتهد إما مصيب أو مخطئ. أما إذا جنحنا إلى رأي المصوّبة، ومنهم الإمام الغزالي والباقلاني وإمام الحرمين، وآخرون، فلا إشكال أصلاً.
والخلاصة التي لا أحسب أنها تغيب عن بال أي باحث متدبر، هي أن الاجتهاد في معرفة أحكام الدين واستنباطها من مصادرها، واجب ديني كما قد عرفنا وتبين لنا في أول هذا البحث.
إذن فالنتائج التي تنبثق عن الاجتهاد لابدّ أن تكون أحكاماً دينية. وإلاَّ لوقع التشاكس بين المقدمة والنتية، وهذا ما لا يعقل نسبته إلى الدين الحق.
متى يبطل الاجتهاد السابق حكم الاجتهاد اللاحق؟
قلت إن الاجتهاد اللاحق لا ينقض الاجتهاد السابق في المسألة ذاتها، بل إن لكل منهما مشروعيته في ميقاته.
ولكن ربما تكون من الاجتهاد السابق إجماع ضمني يتعلق بجزء مما قد تعلق به ذلك الاجتهاد، ففي هذه الحالة يبطل كل اجتهاد لاحق يتعارض مع الجزء الاجتهادي السابق الذي ارتقى إلى درجة الإجماع.
مثاله أن يختلف المجتهدون في عصر سابق، في مسألة ما، إلى رأيين، ولكن يوجد بين الرأيين جامع مشترك هو محلّ اتفاق من أصحاب الرأيين. ففي هذه الحالة لا يصح الاجتهاد اللاحق إن خالف هذا الجامع المشترك. لأنه يعدّ مصادرة لحكم تم عليه الإجماع.(/7)
ومن أقرب التطبيقات الفقهية لذلك، اختلاف الأئمة في ميراث الجدّ مع الإخوة، فإنهم اختلفوا فقال بعضهم: المال كله للجدّ، وقال بعضهم: بل المال بينهما. فقد اتفق القولان إذن على أن للجدّ في كل الأحوال شيئاً من المال. فاجتهاد من جاء لاحقاً بقول ثالث، وهو حرمان الجد وإعطاء اللمال كله للأخ، اجتهاد مخالف للإجماع السابق الذي انبثق من الرأيين السابقين. ومن ثم فهو اجتهاد باطل ومردود.
وتبين من هذا أن القول الثالث الذي جاء به اجتهاد لاحق، يكون شرعياً ومقبولاً إذا لم يعارض شيئاً متفقاً عليه في السابق، مثاله: أن يرى بعضهم جواز أكل الذبيحة متروكة التسمية سواء كان ذلك عمداً أو نسياناً، في حين يرى بعضهم أنه لا يجوز أكلها إن كان ترك التسمية عمداً.
فإذا جاء من بعدُ، من اجتهد في الأمر، فرأى أن متروك التسمية لا تؤكل سواء تركت التسمية عمداً أو سهواً، فإن هذا القول الثالث لا يصادم شيئاً متفقاً عليه لدى أصحاب الرأيين السابقين.
هذا ما ذهب إليه جمهور الأصوليين: الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة(15).
ولم أعثر في هذه المسألة على خلاف للإباضية أو الشيعة لهذا الذي ذهب إليه الجمهور. هذا مع العلم بأن الإجماع المعتدّ به عند الشيعة الإمامية هو إجماع آل البيت.
أخيراً، هل أغلق باب الاجتهاد؟
هنالك من قال من العلماء: إن باب الاجتهاد قد أغلق فعلاً منذ أواسط القرن الرابع، وقد عادت مهمة الفقهاء مجرد ترجيح بين الأقوال أو تخريج عليها.. وفيهم من قال: بل إن باب الاجتهاد لم يغلق ولا يملك أن يغلقه أحد، ولكن تقاصرت الهمم وتراجعت العلوم الفقهية، وفيهم من قال: إن الاجتهاد لم يغلق بابه والعلماء لم تتقاصر همههم ولا تناقصت علومهم. ولكن أدركتهم الرهبة وخانتهم الجرأة فلم يقتحموا إليه كما فعل من قبلهم.
فما هو الحق في هذه المسألة؟ وما هو واجب المسلمين اليوم؟
لعل الجواب الذي يتفق مع المنطق وتسكن إليه النفس، ما قاله الشيخ محمد نور الحسن رحمه الله في بحث ألقاه في المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية في القاهرة. قال:
((الذي يظهر لي أن النزاع في أن باب الاجتهاد أغلق أم لم يغلق، لا طائل منه، إذ لم يتوارد فيه السلب والإيجاب على مورد واحد. ولذا فإن أصحاب كل من الرأيين على حق، بالنظر إلى المعنى الذي يتصورونه ويرمون إليه.
فالاجتهاد قد أغلق بابه فعلاً مع بداية القرن الرابع، إذا كان مقصوده الاجتهاد المطلق الذي يبدأ أصحابه بوضع الأسس الاجتهادية، واعتماد أصول الاستدلال، والاجتهاد لم يغلق بابه، بل هو مستمر إلى يومنا هذا، إن أريد به استعمال هذه الأسس والقواعد الثابتة، في استخراج الأحكام من مصادرها الشرعية، وفي مواصلة الاجتهاد في كل ما يجد من القضايا والأحكام)).
أعتقد أن بوسعي أن أزيد هذا الكلام الدقيق إيضاحاً، من خلال بيان ما يلي:
إن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ليس عملاً إبداعياً طليقاً، كالذي نعرفه في نطاق البحوث المتعلقة بكثير من المعارف والأفكار الإنسانية الأخرى.. وإنما هو اتجاه مرسوم، والتزام بمنهج محدد. إذ هو ليس أكثر من البحث عن حكم الله الذي خاطب وألزم به عباده في كتابه أو أوحي به وحياً غير متلو إلى نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كل ذلك استناداً إلى سبل ووسائل علمية محددة، لا مجال لأحد من الناس، مهما كان شأنه أن يتجاوزها أو يتحرر منها.. إذن فالساحة الاجتهادية أمام الباحثين محددة ضمن قواعد وأصول ثابتة معينة في تفسير النصوص والقياس عليها.
وقد كان لحسن حظ العلماء الذين جاؤوا في القرن الرابع فما بعد، أنهم نظروا إلى العلماء الذين سبقوهم، وإذا هم قد ا ستخرجوا أصول الاجتهاد وقواعد الاستنباط، واتفقوا على ما لا مجال فيه للاختلاف من تلك القواعد والأصول، وتقاسموا وجوه الرأي في كل ما فيه متسع للرأي والخلاف ثم تأمل هؤلاء المتأخرون في جزئيات الأحكام الفقهية، فرأوا أنه ما من مذهب اجتهادي يمكن أن يلوح لهم في فهم نص أو استنباط حكم، إلا وسبقهم إلى القول به واحد من أولئك السابقين!..
وهكذا، فقد رأوا أن الساحة الاجتهادية المطلقة محجوزة كلها عنهم باجتهادات من سبقهم. لا لأن أولئك السابقين كانوا أكثر منهم تعمقاً وعلماً، ولكن لأن الساحة كما قلت محدودة، ولأن احتمالات وجوه فهم النصوص هي الأخرى محصورة ومتناهية، فبأي طاقة أو مرونة اجتهادية يتمكن هؤلاء من إبداع اجتهادات جديدة في مسألة ما، مما سبق النظر والاجتهاد فيه؟ وبأي وسيلة اجتهادية مشروعة يصلون إلى اختراع قواعد ومناهج جديدة للاجتهاد وفهم النصوص، لم يُسْبَقُوا إليها؟ كيف يتسنى لهم ذلك إذا كانت الاحتمالات الممكنة والواردة كلها قد سُبِق إليها، وسُدَّت أو عولجت بدراسات اجتهادية سابقة؟(/8)
ومن هنا نعلم أن شيئاً آخر غير العبقرية العلمية، لعب دوراً كبيراً في رفع أولئك الأئمة الذين كانوا في الصدر الأول من تاريخ التشريع الإسلامي، إلى مركز الصدارة في الميدان الاجتهادي، ألا وهو فراغ المجال الاجتهادي أمامهم، بحيث إن أي إنجاز علمي يتجلّى فيه، لابدَّ أن يأخذ الشكل الإبداعي، وأن يسمى بالاجتهاد المطلق.
فهذا هو الذي أظهر أسبقية أولئك في مظهر المبدعين للاجتهاد ومناهجه، وأظهر هؤلاء المتأخرين، شاؤوا أم أبوا، في مظهر المقلدين والتابعين، حتى وإن كانوا في واقع الأمر مستقلين بالنظر والبحث.
وقد نقل الزركشي عن القفال الشاشي أنه كان إذا استُفْتِي أجاب السائل، ثم قال له: لست مقلّداً للشافعي، ولكن وافق رأيي رأيه!.. وكذلك ابن دقيق العيد والعز بن عبد السلام (من أعيان القرن السابع) فقد كان كل منهما يجتهد فيما يُستفْتَى فيه، إلا أنه يجد نفسه مع ذلك غير خارج عن مذهب إمامه..
إذن فإن ما كان يبدو في النشاطات العلمية لعلماء القرن الرابع فما بعد، من مظهر التقيد بمنهج من قد سبقهم، لم يكن عن تقليد وابتعاد منهم عن الاجتهاد، بل لم يكن لهم منه بدٌّ ولا مناص. لهذا السبب الذي ربما أطلت في بيانه.
* * *
أخيراً ما الذي نأخذه من هذا الكلام كله لعصرنا الذي نحن فيه؟
نأخذ منه ما يلي:
أولاً: باب الاجتهاد مفتوح ولا يمكن أن يغلقه أحد.. ولكن له شروطه وضوابطه، ولا يجوز أن يتلاعب بها أحد.
ثانياً: لا معنى للتطلع إلى ما يسمى (الاجتهاد المطلق) إذ لا معنى ولا مبرر لاطّراح قواعد الاستنباط وتفسير النصوص، لمجرد أنها قديمة الاكتشاف، وأن غيرنا من العلماء قد سبق إلى معرفتها والعمل بها فاكتسب بذلك اسم (المجتهد المطلق). الشأن في ذلك كشأن الذين اكتشفوا من قبلنا قواعد اللغة العربية تماماً.
ثالثاً: إن دراسة المشكلات والأوضاع الحديثة يجب دراستها دراسة اجتهادية بجدّ وإخلاص، وهي تدخل بدون ريب في صميم واجباتنا وحياتنا الإسلامية، ومن الخير الاستنجاد بـ(الاجتهاد الجماعي) كلما اشتدت المشكلة وتغلبت عوامل الالتباس والتشابه.
رابعاً: إن الكلمة الجامعة التي ينبغي أن تلتقي عليها المذاهب الإسلامية في هذا العصر بصدد مسألة الاجتهاد، هي: أن المسالك الاجتهادية إنما هي السبل المؤدية إلى معرفة الغوامض من أحكام الله وأوامره للانضباط بها والتحرك داخل ساحتها، وليست، كما يجب أن يراها بعضهم اليوم، سبلاً للتسلل والفرار من خلالها، من ضوابط الشرع وقيوده، والابتعاد عن فلك الدين والتحرر من جاذبيته.
والميزان الذي به يمكن أن ندرك هذه الحقيقة ونتذوقها، هو القاعدة التي لا شذوذ فيها ولا ريب والقائلة:
إن الإسلام الحضاري الذي يثير دهشة وإعجاب كثير من الناس، لا يمكن أن ينهض إلا على أساس راسخ من الإسلام التديّني!.. وإن كلاً من الماضي البعيد، والحاضر الذي نتقلب فيه، لأكبر شاهد على ذلك.
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــ
(1) إعلام الموقعين 4/215.
(2) الرسالة بتحقيق أحمد شاكر ص39.
(3) المرجع السابق ص40.
(4) الموافقات للشاطبي 1/87-88.
(5) انظر إرشاد الفحول للشوكاني 240.
(6) الاجتهاد والحياة لمجموعة من المؤلفين ص53.
(7) الرسالة: الفقرات 961، 962، 963 بتحقيق المرحوم أحمد شاكر.
(8)
(9) الأحكام للآمدي 3/139-140، ط صبيح القاهرة. وانظر المستصفى للغزالي: 2/351-352 ط بولاق، ونهاية السول في شرح منهاج الأصول للأسنوي 4/547 ط السلفية.
(10) انظر الموافقات للشاطبي 4/89-90، والمستصفى للغزالي 2/230.
(11) نهاية السول للأسنوي مع حاشية البخيت عليه 4/575.
(12) مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت لعبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري 2/395 ط بولاق.
(13) ارجع ما ذكره الإمام الغزالي مطولاً في هذا البحث في كتابه المستصفى 1/146 ط بولاق.
(14) انظر الرسالة للشافعي من ص401 فما بعد بتحقيق أحمد شاكر.
(15) انظر الأسنوي على المنهاج للبيضاوي 4/883-884 وفواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت لعبد العلي محمد الأنصاري 2/395، وشرح العضد على المختصر لابن الحاجب 2/39 ط بولاق. وشرح المحلي على جمع الجوامع لابن السبكي 2/146-147 ط: الخيرية.(/9)
جحا والحرية
... خواطر
عندما سمع حجا عن "بلاد الحرية" و"مشاعل النور" لم تسعه دنياه من الفرح، فأسرع إلى أهله وأعد العدة علّه يحظى بمقعد في طائرة الغرب المنطلقة إلى "بلاد الحرية".
أمضى حجا يومه يودّع الأهل والأصحاب لأنّه سيكون غداً في "بلاد الحرية": يتنفس حرية، ويأكل حرية، ويشرب حرية، ويعيش ما بقي من حياته في حرية.
جلس جحا بعد عناء يوم طويل يراقب عبر شاشة التلفاز مصائب العالم علّه يكون آخر عهد له بها.
تسمّر في مقعده بعدما رأى عينة من المشاهد المروّعة التي يقوم بها سفير الحرية العالمي في بلاد الرافدين وقال في نفسه لعل الأمر فيه لبس فلا يُعقل أنّ سفير الحرية العالمي يقتل وينهب ويدمّر ويدوس مبادئه بأقدامه وهو سفيرها!!.
بقي حجا في مقعده متسائلاً عن صحة ما يرى ويسمع فإذا بموضوع حجاب المرأة في بلاد العلمانية والثورة والحرية لم يبقَ له مكان حيث ضاقت ذرعاً به وهي المدافعة عن الحرية والمبادئ السامية وحقوق الإنسان.
وهنا تذكر جحا نفسه عندما خدع ذات يوم أولاد الحيّ وقال لهم إن في آخر الطريق رجل يوزع الحلوى فركض الأولاد وتجمعوا في المكان الذي دلهم عليه فظنّ جحا أن الأمر حقيقة فجرىخلفهم وعلم بعد ذلك أنه كذب كذبة وصدّقها.
فقال: "لعمري إن حرية بلاد الغرب هي كذبة صدقها أهلها قبل الآخرون فلا أريد هذا السفر الخدّاع وسأبقى في بلدي كاشفاً زيف هذا الخداع".(/1)
جحيم الأنا ونعيم اهدنا
د.محمد إياد العكاري
منذ بدء الخليقة التي أبدعها المولى فاطر السماوات والأرض سبحانه وإبليس اللعين وجنوده يتربصون بآدم عليه السلام ويترصدون له ولذريته رافعين راية العداوة والحرب على بني آدم فلم يكتف إبليس اللعين بأن أخرج أبوينا من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما لكنه أقسم ليحتنكن ذريته إلى يوم الدين وليضلَّنَّهم وليمنِّينَّهم وليفتنَّنهم متفنِّناً في طرق غوايتهم متلوِّناً في أحابيل كيده ومكره لهم ليحيد بهم عن الصراط المستقيم والنعيم المقيم.
أجل هذا دأبه وجنوده ثم ليلقي بمن أطاعوه في نيران الجحيم والعياذ بالله بعد أن حلَّت عليه اللعنة ... ونال سخط الله ... بعد أن أمره الله بالسجود لآدم فكان ما كان !!؟
ترى لو تساءلنا ما الذي أخرج إبليس من الجنة ومن صحبة الملائكة ومعيَّة المقرَّبين ليكون حاله السُّخطَ المهين وتحلَّ عليه اللعنة إلى يوم الدين ؟؟ لجاءنا الجواب عليه في الذكر الحكيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين )) سورة ص(75-77)
أجل .. أجل هو الكِبْرُ ... والعُجْبُ ... والفخرُ ... والاستعلاء
(( أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين ))
هي أنا الأنانية، وأنا الكبر، وأنا الجحود ،وأنا الاستكبار ،وهي التي أودت به واستحق بسببها اللعنة.
لا غرو أن يكون لكل إنسان شخصيته المستقلة، وأداؤه الذاتي،وحُلَّتهُ الخاصة به، وتميزه واستقلاليته الطبيعية دون سرفٍ أو شططٍ فليس هذا بمستغرب ولا مستنكر في شرعنا الحنيف أبداً أبداً
ولكن القضية أن يتعدى التميز خطوَه!! ويتمادى الإنسان بشخصيته!! ويتعالى المرء على بني جنسه!! فهذا مالا يحمد عقباه.. حيث يدخل في عالم النَّرجسية والطَّاووسية!! ليقع في آفة الغرور!! ويهوي في درك الاستعلاء!! ويكون فريسة الغطرسة والاستكبار والعياذ بالله.
وقد حذرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام من الكبر إلى أبعد مدى بقوله :
(( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )) رواه البخاري
أي آفةٍ هذه بحيث أن ذرةً من الكِبْرِ تحرم صاحبها من دخول الجنة !!؟ أجل ...أجل
فالكبر داء ٌوبيلٌ إن أصاب أحداً جعله في أردى أحواله سلوكاً، حيث تتمادى الأنا الفردية لتشوبها نبرة الكبر لشخصها!! والاستعلاء بذاتها!! والتميز بحالها!! والتفضيل لكينونتها على البشر!!لتقع بذلك في الأذى والشرور، وتهوي في درك الغرور فتغور بذلك بإبليسية فعلها مع إبليس لتهوي في درك الشقاء ومستنقع الكبرياء.
وهذا ما أردى وأودى بإبليس ونال به السخط وحقت عليه اللعنة
(( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))
لغة التكبر ... ونزعة الاستعلاء ... ومنطق الحجود ... ولهجة النكران ...
تبرز نوازع الأنا نافرة!! بحواف حادة!! ونظرات جارحة!! لتنفث سموم الكبرياء، وتفحََّ نقع الاستعلاء
هي ليست قصة إبليس فحسب ولكنها قصة جبابرة وطغاة الأرض في كل مكان وعلى مر الزمان الذين يستكبرون على أقوامهم ويتعالون على بني جلدتهم من البشر ويمنحون أنفسهم ألقاباً وأوسمة وسلطات ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان
وهذه قصة فرعون شاهدة ناطقة كما قصَّها لنا القرآن الكريم:
(( ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهينٌ ولا يكاد يُبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين)) الزخرف (51-54)
أي استكبارٍ هذا ؟! وأي منطقٍ يتحدث به ؟! وأي غرورٍ أصابه ؟!
الأنا ... الأنا هذا الضمير المنفصل إن لم يهذِّب نفسه ويصلح حامله ويعالج طبائع ذاته في علاقاته وتعاملاته يقصي صاحبه، ويقطع وتينه، ويلقي به في مهاوي الجحيم، ليفصله عن معية المهتدين في الدنيا قبل يوم الدين والجنة والنعيم.
تسمع قصتهم في كل زمان وتلقى أمثالهم حيث وجود الطغيان، وتشاهدهم بمواقع الظلم والعدوان
وهذا عصرنا الحديث ناطقٌ شاهدٌ على أممٍ تلبس لبوس الكبر!! وتتحدث بلغة الاستعلاء!! وتتشدَّق بنبرات الكبرياء!! تملك ناصية الأمم المتحدة بجبروتها!!.. تدعي أن قولها الفصل !!..
وتزعم أن بيدها الحل!! تتحرك كأنها تملك مقاليد العالم كله!!! متألهة بذلك على أهل هذه البسيطة!! أساطيلها منتشرة لتظهر قوتها.... بوارجها متنقلة تبدي غطرستها ....طائراتها قاذفة صواريخها ناسفة تهدي الفناء... وتفني الحياة... تبيد الحرث والنسل ...تدبج المكر وتصنع الغدر ...تتلون كالحرباء وتفح كالأفاعي بحجة الديمقراطية وحقوق الانسان تفني العباد وتدمر البلاد!!!!!
وبرسالة التحضر تحرق القرى وتهدم المدن!!!! وبالتحضر تحاول تغيير الحال وطمس المعالم والمكان(/1)
أي رسالة يقدمها لنا البيت الأبيض؟! وما هي فحوى مقالتهم !؟
بئس ما يقولون وسحق ما يفعلون لسان حالهم يقول We are the first نحن الأول كما قال إبليس :أنا خير منه
والبيت الأبيض عندهم أصبح محكمة العالم Global Court
يتحدثون باستعلاء كأنهم المتصرفون في شؤون البلاد والعباد، يخطبون بغطرسة يسوسون بمنطق القوة
نفس المنطق ونفس اللهجة وذات الأقوال وأردى الأفعال لنرى نبرة فرعون !! وخطاب قارون !! ومقال إبليس !! ((أنا خير منه .. ))
نبرة الكبرياء.. ونزعة الاستعلاء.. ومنطق السفهاء.. ولغة الطغاة المستكبرين.
هذا المخلوق الكريم الذي يستحق كل تكريم وكل تقدير أكرمه المولى سبحانه من فوق سبع سماوات (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) الإسراء 70
وسخر المولى سبحانه له ما في السماوات والأرض جميعاً منه لخدمته ولراحته هذا المخلوق الكريم يستحق كل تكريم أجل أجل والله ولكن ماذا نقول عن واقع الحال: آه.. آه.. ولا ينفع قول الآه
و لا حول ولا قوة إلا بالله فما نراه في هذا العصر مما يظلم فيه الإنسان أخيه الإنسان ليندى له الجبين ويسم أهل هذا الزمان بأقذع النعوت وأقدح العبارات حيث قاموس اللغة كله لا يتسع لما نراه من انتهاكات لحقوق الإنسان في كل مكان وسجن أبو غريب شاهدٌ ناطقٌ والعراق وفلسطين عينا الأمة التي يحاولون فقأها وطمس معالمها ولكن
خسئوا فما عرف الحقيقة ظالمٌ ميْت الضَّمير ولا جبانٌ أحمقُ يتعاملون مع البشر كالبهائم هنا وهناك وغوانتنامو أفظع إهانة للبشرية والإنسانية في مطلع هذا القرن ولتتأمل بعد ذلك المولى سبحانه وتعالى وهو الكريم القادر العظيم الجبار من بيده ملكوت السماوات والأرض كيف يخاطب الإنسان مستثيراً فيه عقله وحكمته موقظاً فيه ضميره وفطرته
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ))الانفطار 6ـ7
ما أعظم هذا الخطاب وما أبلغه وماأجمل مايثيره في النفس أما تتحرك المشاعر والقلوب له؟
ثم لو تأملنا فاتحة الكتاب وأم القرآن و إطلالة الذكر الحكيم السورة التي لا تصح صلاة إلا بها لرأينا فيها عجباً ومعاني غاية في الروعة والحكمة ترشدنا إلى ما يصلح حالنا في حياتنا ودنيانا وآخرتنا في توجهنا إليه سبحانه وما يروي أشواقنا ويثبت فؤادنا ويهدينا إلى الصراط المستقيم قولاً وفعلاً سلوكاً واتباعاً بقوله :
(( إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم ))
جلَّ مقام الله وتنزه في علاه فأنت تتوجه في صلاتك إلى الله بكليتك وجوارحك وفعلك وقولك ترى هل تتوجه إليه وحدك ؟؟ كلا فأنت لست وحدك ولست بمفردك وليس المقام هنا أن تقول إياك أعبد ... وإياك أستعين ... واهدني الصراط المستقيم ... فالمولى سبحانه وتعالى يعلمنا أن نخاطبه ونتوجه إليه بلغة الجمع لتكون في معية المهتدين وخلية من خلايا نحلهم لسانك لسانهم وحالك حالهم وجسمك بجوارهم وروحك معهم لتكون في معيتهم وتأنس بصحبتهم وتكون أقدر على الثبات في خضم الحياة بطاقة أكبر وقدرة أعظم على تجاوز الصعاب فالمؤمن قوي بأخيه والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً هذه صفة المؤمنين الصادقين وهذا منطق الإيمان بقولك
(( اهدنا الصراط المستقيم )) وليس اهدني الصراط المستقيم
فالإسلام دين الفرد ضمن الجماعة..... ودين الجماعة ضمن الأمة.... ودين الاعتصام بحبله المتين والتوجه إليه كليةً بقلوبٍ متعانقةٍ ،وأجسادٍ متلاصقةٍ، وألسنةٍ صادقةٍ، صفاً واحداً كالبنيان المرصوص
(( اهدنا الصراط المستقيم ))
الإسلام دين الجسد الواحد، والصف المستقيم، والبنيان المرصوص كما وصفهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ونعت به المؤمنين بقوله:
(( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )) متفق عليه
فمع من ترانا ؟؟! نكون مع من يقول: أنا خير منه
أم مع الذين يتوجهون بقلوبهم وعقولهم وأبدانهم وأجسادهم كياناً واحداً صفاً مستقيماً كالجسد الواحد معتصمين بحبل الله المتين (( اهدنا الصراط المستقيم ))
اللهم اجعلنا بفضلك ومنك وجودك وكرمك هداةً مهتدين غير ضالِّين ولا مضلِّين
والحمد لله رب العالمين(/2)
جدد حياتك من الداخل
الشيخ محمد الغزالي - إسلام أون لاين
كثيرا ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته، ولكنه يقرن هذه البداية المرغوبة بموعد مع الأقدار المجهولة، كتحسن في حالته، أو تحول خطير في مكانته. وقد يقرنها بموسم معين، أو مناسبة خاصة. كعيد ميلاد أو غرة عام جديد مثلا.
وهو في هذا التسويف يشعر بأن رافدا من روافد القوة قد يجيء مع هذا الموعد، فينشطه بعد خمول ويمنيه بعد إياس. وهذا وهم، فإن تجدد الحياة قبل كل شيء ينبع من داخل النفس.
والرجل المقبل على الحياة بعزيمة وصبر لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرّفه وفق هواها. إنه هو الذي يستفيد منها ويحتفظ بخصائصه أمامها، كبذور الأزهار التي تطمر أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلى أعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة!!. وذلك الإنسان إذا ملك نفسه وملك وقته واحتفظ بحرية الحركة لقاء ما يواجهه من شئون كريهة. إنه يقدر على فعل الكثير دون انتظار أمداد خارجية تساعده على ما يريد.
إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه والفرص المحدودة أو التافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد.
لا مكان لتريث، إن الزمن قد يفد بعون يشد به أعصاب السائرين في طريق الحق، أما أن يهب طاقة على الخطو أو الجري لمن لا إرادة أصلا في السير في طريق الحق فهذا مستحيل.
لا تعلق بناء حياتك
لا تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغد، فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير. فما بين يديك حاضرا هي الدعائم التي يتمخض عنها المستقل. وكما أن كل تأخير لإنفاذ التجديد في حياتك لا يعني سوى إطالة الفترة الكابية التي تبغي الخلاص منها وبقائك مهزوما أمام نوازع الهوى والتفريط. لا بل قد يكون طريقا لانحدار أشد وهنا الطامة. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النادم ينتظر من الله الرحمة، والمعجب ينتظر المقت. واعلموا عباد الله أن كل عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى حُسْنَ عمله وسوء عمله، وإنما الأعمال بخواتيمها، والليل والنهار مطيتان فأحسنوا السير عليهما إلى الآخرة، واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة ولا يغترن أحدكم بحلم الله، فإن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ثم قرأ ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) .
ما أجمل أن يعيد النظر الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى لتخلص من هذه الهنات التي تزري به.
بين الحين والآخر أقوم بتنظيم أدراج مكتبي التي تبعثر عليها الأوراق والقصاصات أقوم بترتيب ما هو بحاجة للترتيب وبرمي ما لا معنى له في سلة المهملات، وكما أن الفوضى تدب في البيت بعد أعمال يوم كامل أيضا، تمتد إليه الأيدي الدائبة لتطرد هذه الفوضى.
إن كان هذا حال الأثاث والبيت فألا تستحق حياة الإنسان هذه الجهد والتنظيم؟ ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها إلى إعادة النظر والمحاسبة؟ إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك. حيث إن الكيان الإنساني قلما يبقى متماسك اللبنات مع حدة الاحتكاك بصنوف الشهوات وضروب المغريات.
كما أن تجديد الحياة لا يعني إدخال بعض الأعمال الصالحة، أو النيات الحسنة وسط جملة من ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة، فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلا حميدا. ولا مسلكا مجيدا. بل إنه لا يدل على كمال أو قبول، فإن القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير، والأصابع الكزة قد تتحرك بالعطاء. فالأشرار قد تمر بضمائرهم فترت صحو قليل ثم تعود بعد ذلك إلى سباتها، ولا يسمى ذلك اهتداء، وإن الاهتداء هو الطور الأخير للتوبة النصوح.
=============
* عن كتاب جدد حياتك للشيخ محمد الغزالي بإيجاز وتصرف.(/1)
جدوى الحوار الديني بين الغرب والإسلام
عداؤهم لنا بين سوء العرض وسوء الفهم وسوء القصد
أد يحيي هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
http://www.yehia-hashem.netfirms.com
أصبح من المعروف أن نداء الحوار الديني في صيغته الحالية لم يكن نابعا من تاريخ الفكر الإسلامي الطويل الذي مارسه المسلمون بأسلوب موضوعي علمي وبحرية كاملة على جانبي الحوار وأنتج من ثم تراثا عقليا جدليا على المستوى الأعلى - مازالت تحفل به المكتبة الإسلامية - على يد كبار الأئمة والأعلام من مثل أبي حامد الغزالي ، والطبري ، وأبي الحسن العامري وابن تيمية ، وعبد الرحمن البغدادي ،إلخ .. ، وفي المحدثين : رحمة الله الهندي وأبي زهرة ووافي وأحمد عبد الوهاب وديدات وبعض أساتذة العقيدة بالأزهر ؟ وفي كتب التوحيد والتفسير والحديث ،وكانت قدوتهم في ذلك كله القرآن الكريم والحديث الشريف
إننا نعرف اليوم أن هذا الحوار الديني المعاصر بدأ بتخطيط من المخابرات الفرنسية ولأغراضها - ضمن جهات أوربية أخرى - ، بقيادة مديرها الأكبر الكونت دي مارانش ، منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي ، في حركته نحو احتواء الإسلام سياسيا واقتصاديا في صيغة سماها " الحوار الإسلامي المسيحي" ثم طورها من بعد إلى ما سماه " الحوار الديني " ، المصدر : وثائق الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقاله بمجلة " الكتب :وجهات نظر " ( مايو 2001) التي تصدر بالقاهرة .
هكذا يتبين المنطلق السياسي المخابراتي للدعوة إلى هذا الحوار
ثم يتبين المنطلق الكنسي التبشيري لهذا الحوار من مبادرة الفاتيكان إليه وتخطيطه له ، وأهدافه منه ، ويتبين ذلك مما كتبه أليكسي جورافسكي في الفصل السادس من كتابه بعنوان ( الإسلام والمسيحية من التنافس والتصادم إلى الحوار والتفاهم) ترجمة خلف محمد الجراد ومراجعة وتقديم محمود حمدي زقزوق، دمشق 2000. وهو يتضمن قصة المساعي الكاثوليكية المعاصرة في مسألة الحوار مع الإسلام. حيث ذكر أنه ( ينطلق من الكنيسة والمحافظة عليها كحامية للدين. إذ كان يتخوف البابا ليون الثالث عشر عندما يغادر رجل الدين الأوروبي إلى البلدان الأفريقية والآسيوية ولا يجد فيها هيئة دينية تحمي المصالح الكنسية.
من هنا كان اهتمام الكنيسة الكاثوليكية بمسألة الحوار، من جهة، ورغبتها فيه، من جهة أخرى ؛ ولذلك طالبت بهيئة دينية مستقلة تقود الكنائس المحلية وكنائس الشرق الأدنى والشرقية، مع تناسي الشقاقات القديمة بينها. وعندما تطورت حركة التحرر الأفروآسيوي غيَّرت الكنيسة نظرتها لمسألة القيادة الكنسية، فجعلتها تتكيف مع ظروف كل بلد، مع إطلاق مفهوم "مراعاة مصالح السماء".
أما قضايا الإسلام في المجمع الفاتيكاني من حيث الحوار معه، فقد عولجت لأول مرة من 1962 إلى 1965 على مستوى مذهبي عقائدي، وفي ضوء الدستور العقائدي والدستور الرعوي في الكنيسة، وعالم اليوم، ومع تنامي فكرة الحوار مع الإسلام.
….. وفي عام 1965 حدد المجمع الكنسي العلاقة مع الإسلام من خلال التصريح الذي جاء فيه: "إن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار – أيضاً – إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء ….و يُجِلُّون يسوع كنبيٍّ، وإن لم يعترفوا به كإله، ويكرمون أمَّه مريم العذراء ".
ثم دعا المجمع الكنسي إلى تناسي كل الخلافات القديمة تحت مفهوم العقيدة الإلهية النهائية التي تجمع الدينين (التوحيد)، مع الاحتفاظ ببعض الخلافات الجزئية،{!!} كتأليه النبي يسوع، من جهة، ونبوَّة محمد (ص)، من جهة ثانية، وتعدد الزوجات، وما نتج عنه من انحلال خلقي برأي بعض الأساقفة { !! }. )
ومع تزايد عدد مناصري الحوار مع الإسلام في الفاتيكان، لاحظ المؤلف ( أن السكرتارية تنظِّم مدارس صيفية للقساوسة عام 1979، ومعهم المبشرون والعاملون في البلدان الإسلامية، من أجل تعريفهم بالشكل المعمَّق لفهم الإسلام {!} . وثمة مؤتمرات وملتقيات في بلاد عربية وأوروبية دعت إلى هذا النوع من الحوار بحضور شخصيات إسلامية معروفة. ) وذكر المؤلف في هذا السياق ( ما قام به سكرتير أمانة شؤون الديانات غير المسيحية الذي زار السعودية والقاهرة ودعا علماء المسلمين لزيارة الفاتيكان لتصل مسألة الحوار الإسلامي–المسيحي إلى مرحلة وضع الأسس اللاهوتية والجوانب الاجتماعية والثقافية للحوار)(/1)
كما يتبين المنطلق التبشيري للحوار متحالفا مع الأهداف السياسية الصهيومسيحية من كتاب الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة والأدب الفرنسي وعنوانه "حرب صليبية بكل المقاييس " نستشهد هنا بما رصدته المؤلفة من أن المجمع الفاتيكانى الثاني الذي انعقد في المدة من 1962-1965 كان بمثابة الخطة التنفيذية للحرب الصليبية الدائرة حالياً، أو لتلك الحرب العالمية الرابعة كما يطلق عليها البعض، والتي أدخل ما يسمى " الحوار الديني " عصبا أساسيا فيها ، وأن ذلك الحوار المسيحي الإسلامي المزعوم لا يهدف إلا إلى اجتثاث الإسلام بالتدريج تفادياً لأية مصادمات : حماية للأقليات المسيحية التي تعيش وسط أغلبية مسلمة على حد قول البابا يوحنا بولس الثاني الذي أدان في البداية الحرب على العراق وكان يصفها على أنها – فعل إجرامي وفى أحاديث أخرى بأنها "من وحي الشيطان" ! ثم حدث التحول الذي كشف سره مراسل مجلة "إكسبريس" جان ميشيل ديمينز فى مقالة بتاريخ 17/5/2003 قائلاً: "أن حقيقة ما يخيف البابا من هذه الحرب هو أن تؤدى إلى رد فعل لدى الأصوليين الإسلاميين وتزايد الأخطار على الأقليات المسيحية المحاطة أو المحاصرة في الأراضي المسلمة .. أي أن البابا يوحنا بولس الثاني لم يكن يعارض الحرب حباً في الإنسانية ، ولكن دفاعاً عن الأقليات التابعة له ، والتي يستعين بها ويعتمد عليها فى عملية التنصير التى يقودها.
ليس ذلك فحسب ولكن من أجل فتح الباب أمامه في الدول الإسلامية الخالصة كما يجري حاليا في دارفور كمثال : فمن حديث الوزير السوداني محمد أحمد هارون وزير الدولة السوداني للشئون الداخلية في ندوة له بالقاهرة في 7\8\2004 ( كشف عن أن عدد المنظمات التبشيرية الأوربية والأمريكية العاملة في دارفور يبلغ أكثر من 30 منظمة أوربية وأمريكية. وقال: إن هذه المنظمات باتت "واحدة من آليات النظام السياسي العالمي الجديد، وإنها أصبحت مسئولة عن إعداد مسارح الحرب للآخرين، وإنها تقوم بأدوار في غاية الخطورة ، وتستغل العمل الإغاثي في عمليات التبشير في دارفور التي يعتبر غالبية سكانها مسلمين، ولا يوجد بها كنيسة واحدة ) المصدر نشرة إسلام أون لا ين في 8\8\2004
وكما ترى الدكتورة زينب عبد العزيز فقد كان من أهم أصداء هذه الحرب الصليبية وإنعكاساتها الحوارية ذلك المؤتمر الذي انعقد بالقاهرة في رحاب وزارة الثقافة في الأيام الثلاثة من شهر يوليو 2003 تحت عنوان : "نحو خطاب ثقافي جديد: من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل" . وعلى الرغم من أن العنوان المعلن للمؤتمر هو نحو خطاب ثقافي جديد، إلا أنه قد ناقش محورين أساسيين هما نقد الخطاب الثقافي السائد وتجديد الفكر الديني {!} ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار – كما ترى الأستاذة الدكتورة زينب عبد العزيز - أهم وأغرب ما تم طرحه من مقترحات في هذا المؤتمر لأدركنا أن المغزى الحقيقي لهذا الحشد الثقافي هو طرح كيفية اقتلاع الإسلام تمشياً مع مآرب هذه الحرب الصليبية الحوارية ولمواكبة الحضارة الأمريكية والغربية المسيحية فى انفلاتها الجامح.. ولا أدل على ذلك من أن تتولى جماعة من العلمانيين الموالين للغرب مناقشة الخطاب الديني وتحديد آفاقه المستقبلية!
وهنا يظهر التلاحم بين التبشير والصهيومسيحية والعلمانية المحلية
فلقد تراوحت الجلسات منذ الجلسة الافتتاحية حتى الجلسة الختامية – وفقا لمتابعة الدكتورة زينب - بين منطق التكفير وآفاق التفكير ومحاولات التفكيك التي طالت كل الثوابت الإسلامية والتاريخية المراد مراجعتها بدءاً من الدين نفسه.. الأمر الذي يضع علامات استفهام حول المخططات الأمريكية الصليبية التي لاحت في المؤتمر وحول أولئك المسلمين الذين تباروا في مطالب جد غريبة ، فمنهم من طالب بحذف آيات وكلمات من القرآن الكريم، وعدم الاعتراف بالسلف الصالح، ونبذ التراث والمساس بالفقهاء القدامى، ومنهم من طالب بعمل لاهوت إسلامي جديد، وانتقاد ثبات النص القرآني ، والمطالبة بالانطلاق نحو الحياة والمتعة بدلاً من القيم والأخلاق البالية ، وبتطبيق قيم فلسفة عصر التنوير ، والاستفادة من مدرسة الحداثة ، ومنهم من طالب الغرب المسيحي رسمياً بالتدخل لإصلاح الشأن الديني في البلدان الإسلامية ، بما أنه صاحب المصلحة الأولى في هذا التخريب ، ومنهم من طالب بتغيير المناهج الدراسية العربية وفقاً لوقاحة السياسة الأمريكية ومطالبها ، ومنع تدريس القرآن الكريم في المدارس ، وإنتاج خطاب ديني متطور يواكب العصر في انفلاته الأخلاقى ، ومنهم من طالب بحقوق المرأة في كل شيء ؟؟؟ الأمر الذي استوجب عدة علامات استفهام وتعجب ، وتحرير الوعي الإسلامي من قاعدة الحلال والحرام إلخ.(/2)
ثم يظهر الخط الاستشراقي في هذا المخطط الحواري إذ تؤكد المؤلفة أن هذه المطالب لم تخرج عن مطالب المستشرقين المتعصبين الذين لم يكفوا عن تكرار هذه المطالب بصورة أو بأخرى ، وأنها امتثال واضح لمقولة المستشرق المبشر زويمر، الذى قال في مطلع القرن الماضي " إنه لن يقتلع الإسلام إلا أيد مسلمة من داخل أمة الإسلام" .
هكذا يتبين لكل ذي عينين أن هذا الحوار إنما يقع داخل أسوار من صنع تحالف عالمي خماسي الأضلاع يتكون من
1. المخابرات الغربية
2. والتحالف الصهيومسيحي
3. والتبشير
4. والاستشراق
5. وأذنابهم من العلمانيين المحليين ؟
فما ثمرته لنا نحن المسلمين – غير الخسران المبين - وقد بدأ في يد هؤلاء ، وما يزال تحت إدارتهم ، وفي أحضان تخطيطهم ووفق توجيههم ؟ وما يزال العزف مستمرا على أنغامهم ؟
بل ما ثمرته من وجهة النظر الدينية الخالصة سواء للمسلمين أو المسيحيين وقد وقع بين براثن السياسة العالمية المعاصرة بأغراضها في السيطرة والتوسع والإمبريالية وتصفية العدو " القديم \ الجديد" ؟
وما الذي يقذف بالأزهر في خضم هذا المختبر المسموم ؟
ويقفز بعضهم فوق مائدة الحوار ليقول مشاغبا : ولم لا ؟ لم لا يقتحم الفكر الإسلامي الساحة ليقدم الحقيقة ويعدل من هذا المسار لصالح الإسلام ؟
فهل كان هؤلاء العلمانيون في المؤتمر المشار إليه آنفا بحاجة إلى من يعلمهم ألف باء الإسلام وهم من قلب المجتمع الإسلامي وثقافته ؟
وبصرف النظر عن العلمانيين المشاغبين العاملين ضمن مخطط هذا الحوار التبشيري الاستشراقي الاستعماري فإنه لمن المؤسف أن نجد من لا يزال في صفوفنا من بيننا من يبتلع الطعم – طعم ما يدعى بالحوار الديني المستورد في سياق هذا المنظور التبشيري ووفق أحكامه سالف الذكر – ما زلنا نجد من لا يزال مستغرقا في حالات جلد الذات { لاحظ عزيزي القارئ أنه : جلد ذات المجموع يجري وفق عملية نفسية باطنية يتم فيها جلد المجموع من أجل تبرئة الذات وتمجيدها ؛ ذات الفرد : الفرد الناقد } ، فينسب الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب وما أدت إليه من تجذير عداوته للإسلام .. ينسبها إلي سوء العرض منا بدلا من سوء القصد منهم ؟ داعيا إلى هذه المؤتمرات الاحتفالية للحوار التي سبق أن خطط لها الغرب لأغراض مخابراتية سياسية صهيونية تبشيرية استشراقية ، ولأغراض أخرى في نفس يعقوب ، لكي يشارك فيها بعض المسلمين ، إمعانا لا في جلد الذات فحسب ولكن في تجميل التابع لصورة المتبوع مما يعود بالتجميل علي الطرفين طرف التابع وطرف المتبوع ؟
وإذا كانت التصريحات التي تخرج اليوم عن استمرار وتشجيع هذا الحوار الديني ترغب في طمأنة المتشككين فيه بأنه لن يتناول مسائل العقيدة " والعقيدة لا تباع ولا تشترى " ( حسب تصريحات شيخ الأزهر بتاريخ 16 \7\2004)
ففي أي شيء يكون الحوار إذن ؟
أيكون في العبادات وما أحسبها إلا ملحقة بالممنوع من العقيدة ؟
أيكون في الأخلاق وهي مسلمات لدى الطرفين ؟
أيكون في السياسة وهي محرمات لدى الطرفين رسميا ما لم يكن بسند سلطوي ؟
أيكون في المناسبات والتقريظ والمجاملات الاجتماعية فما حاجتها إذن إلى الحوار ؟
أم ليكون من أجل طمأنة الفاتيكان على مستقبل تحركاته وأقلياته في العالم الإسلامي ؟
ألا يعني هذا أن فكرة الحوار التي كانت قد بدأت ولها بالنسبة إلينا موضوع قد انتهت إلى غير موضوع ، وما بقي منها غير لقاءات " بوس اللحى " ؟
فهل دارت دائرتها المفرغة إلى نقطة البداية ، أم إلى نقطة الصفر ؟
أيها المبتلعون طُعم الحوار في صفوفنا : مكانكم ، فليست القضية اليوم قضية الحوار ، لأنه ليست القضية أنكم أنتم المسلمين .. المسئولون عن عداء الغرب لنا ، حيث تسيئون عرض الإسلام … مع أنكم تفعلون {!} ، ليست هذه هي القضية ، إنها على العكس من ذلك ، إنهم في الغرب يتجاوزون سوء العرض هذا ، ويفهمون عرضيته أوجانبيته أوهامشيته ، ويذهبون إلي عمق علاقتهم بالحضارة الإسلامية ؛ باعتبارها الخطر الموضوعي علي حضارتهم .
إنه من السطحية والسذاجة ــ إن لم يكن من التآمر ــ أن يظن البعض منا أن المسألة ترجع إلي طريقة عرض الإسلام... وتنتهي المشكلة .
وإلا فإنه في كل دين ، وفي كل مذهب ، وفي كل نظرية ، وفي كل أيديولوجية هناك من يسئ العرض ، ولا أحد غير الهازلين يتوقف عند أولئك الذين ينبتون علي هامش هذه الأديان والمذاهب ممن يسيئون العرض ؛ جهلاً أو قصداً .... في المسيحية هناك من يسئ العرض . وفي الديموقراطية هناك من يسئ العرض . وفي الليبرالية هناك من يسئ العرض . وفي الاشتراكية هناك من يسئ العرض . ولا تكون هناك نهاية المطاف .
ويبتلي الإسلام بمن يسئ العرض من المبشرين والمستشرقين وأنصاف العلماء ، والمثقفين الجهلاء ، والجهلاء الجهلاء .. تماماً كما هو الحال مع غيره ، لكنه هو وحده الذي يقولون عنه : لولا سوء العرض ...
يا سادة : لا تضيفوا إلي سوء العرض منا سوء الظن بهم !!!؟؟…(/3)
يا سادة : إن في الغرب رجالاً ولجانا ومراكز بحث ، وجامعات ، و.. و.. يحققون ، ويدققون ويذهبون إلي المصادر الأصلية ، كعلماء وخبراء وفلاسفة ، وإعلاميين ، واستراتيجيين ....فما هي القضية إذن ..
ليست القضية إذن قضية سوء فهم ، نشأ من سوء عرض .. فما هي القضية إذن : ؟
القضية أنهم هناك يدركون الخطر الموضوعي الذي يأتيهم من انبعاث الحضارة الإسلامية مرة أخري ، ثم يذهبون يشوشون علي منطلقاتهم وأهدافهم ويستأجرون العملاء من سماسرة الثقافة والإعلام ، والأعلام ، والعلمانيين ليشيعوا مقولات ساذجة تبعدنا عن أصل المشكلة وتضللنا عن جوهر القضية .
وإلا فقولوا لنا ..
هل كان أرنست رينان المستشرق الفرنسي الشهير متأثراً بسوء عرض الجهلاء منا للإسلام وهو يقدم كراهيته للإسلام في ذورته الأكاديمية : إذ يقول في خطاب افتتاحي في الكوليج دوفرانس حول تصنيف الشعوب السامية في تاريخ الحضارة ..( . الشرط الأساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الانتشار هو تدمير كل ماله صلة بالسامية الحقة : تدمير سلطة الإسلام الثيوقراطية ، لأن الإسلام لا يستطيع البقاء إلا كدين رسمي ، وعندما يختزل إلي وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض . { ؟؟ } هذه الحرب الدائمة، الحرب التي لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أولاد إسماعيل بؤسا ، أو يرغمه الإرهاب { أي إرهاب يعني ؟!! } علي أن ينتبذ في الصحراء مكاناً قصيا .
الإسلام هو النفي الكامل لأوربا ، الإسلام هو التعصب ، الإسلام هو احتقار العلم ، القضاء علي المجتمع المدني ، إنه سذاجة الفكر السامي المرعبة ، يضيٌق الفكر الإنساني ، يغلقه دون كل فكرة دقيقة ، دون كل عاطفة لطيفة ، دون كل بحث عقلاني ، ليضعه أمام حشو سرمدي : " الله هو الله " . المستقبل هو إذن لأوربا ولأوربا وحدها ، ستفتح أوربا العالم ، وتنشر فيه الدين الذي هو الحق، الحرية ، احترام البشر ، هذا الاعتقاد القائل بأن ثمة شيئاً ما إلهياً في صلب الإنسانية{ عقيدة التجسد !! } … ) !! أنظر كتاب " الإسلام اليوم لمارسيل بوازار " بحث الحبيب الشطي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ووزير خارجية تونس الأسبق صـ 34 ــ 35 طبعة 1986 ــ اليونسكو .
فهل تريدون منا أن نصدق أن أرنست رينان – وهو من هو في قمة الاستشراق - في صورته المشوهة عن الإسلام عمدا قد تأثر بسوء العرض منا ؟
أو فقولوا لنا لماذا يكتب " باول شمتز " المستشرق الألماني المعروف مثلاً في كتابه " الإسلام قوة الغد العالمية " ــ قبيل الحرب العالمية الثانية ــ ليُحذر من تواكب الحركة الإسلامية مع الحركة القومية الإسلامية " وما يمثله ذلك من خطر محدق بالغرب !! يقول المؤلف ( إن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوربا ، وهتاف يجوب آفاقها يدعو إلي التجمع والتساند الأوربي لمواجهة هذا العملاق الذي بدأ يصحو ويزيل النوم عن عينيه. فهل يسمع الهتاف أحد ؟ ألا من يجيب ) .انظر كتابه " الإسلام قوة الغد " ترجمة د. محمد عبد الغني شامة صـ 356
. حتى إنه ليقلل من أهمية افتقاد العالم الإسلامي للتقدم التكنولوجي في هذه المعركة التي ينذر قومه بها ، إذ يقول ( من الممكن أن يعارض المرء هذا الرأي .. فإن الإسلام فقد سيطرته علي بعض الأشياء المادية ، وخاصة ما يتصل بالحرب ، فهو لم يلحق بالتقدم التكنولوجي الحديث . ولا أستطيع أن أدرك لماذا لم يعوض الشرق الإسلامي ما فاته في هذا الميدان ، إذ لا تحتاج العلوم الحديثة إلي طبيعة عقلية خاصة ، بل يتطلب الإلمام بها والتفوق فيها الخبرة وتوجيه الخبراء ، ومن المؤكد أنه غالباً ما يحدث أن تكون حضارة ذات منزلة عالية في التقدم التكنولوجي .. هي أقل درجة من حضارة أخري لم تبلغ تطورها بعد في هذا المجال ما بلغته الأولي ، إذن فهناك احتمال كبير في أن يصبح شعب ظهر حتى الآن أن مواهبه في الناحية التكنولوجية ضعيفة سيداً علي شعب آخر استولت التكنولوجيا علي حواسه ومشاعره ، فلم ينقذه أحد .. لماذا لا يتعلم العالم الإسلامي ما تعلمناه في مجال التكنولوجيا ، وفي مقابل هذا : سوف يكون من الصعب علينا استعادة التعاليم الروحية التي فقدتها المسيحية ، بينما لم يزل الإسلام يحافظ عليها . ) المصدر السابق.
ويبني المؤلف تحذيره علي ما يلمسه من مصادر القوة التي يملكها العالم الإسلامي ؛ وهي : الموقع الجغرافي ، والخصوبة البشرية ، والثروات والمواد الخام والدين الإسلامي ( الذي له قوة سحرية علي تجميع الأجناس البشرية تحت راية واحدة بعد إزالة الشعور بالتفرقة العنصرية من نفوسهم ، وله من الطاقة الروحية ما يدفع المؤمن به علي الدفاع عن أرضه وثرواته ، بكل ما يملك مسترخصاً في سبيل ذلك كل شئ حتى روحه .. يحرص علي التضحية بها فداء لأوطان الإسلام . ) .(/4)
ثم يتساءل : ( أي قوة وجدانية بعثت هذه الإرادة اليوم في الشرق ؟ ) ثم يجيب برؤية صحيحة ( قوة الوحدة الفكرية للإسلام ، ووجود الإحساس الحي للدين الإسلامي ، فهو ينتصر في كل مكان ينزل فيه الميدان مع الأيديولوجيات الأخرى ) .
بل إنه ليستشعر الخطر من مجرد أداء المسلمين لفريضة الحج واتجاههم إلي القبلة في صلواتهم .. إذ يقول ( إن اتجاه المسلمين نحو مكة ــ وطن الإسلام ــ عامل من أهم العوامل في تقوية وحدة الاتجاه الداخلي بين المسلمين ، وأسلوب يضفي علي جميع نظم الحياة في المجتمع الإسلامي طابع الوحدة ، وصفة التمسك . ).
بل إن ناشر الكتاب الألماني يقدم له بهذه العبارة ( باول شمتز عاش في القاهرة عدة سنوات ويعرف جيداً الأسس التي ينبثق عنها تطلع الشعوب الإسلامية إلي الاستقلال ، الذي يعد أهم مشكلة سياسية في الوقت الحاضر ، وهذا الكتاب يوضح الخطر المتوهج الذي يمر عليه الإنسان في أوربا بكل بساطة ، وفي غير اكتراث ، فأصحاب الإيمان بالإسلام يقفون اليوم { قبيل الحرب العالمية الثانية } في جبهة موحدة معادية للغرب … وهذا الكتاب هو نداء وتحذير يجب أن يلقى الاحترام الجدي من أجل مصالح الغرب وحدها. ) .هكذا ، فهل كتب باول شمتز ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!
أو فقولوا لماذا نشر المفكر الأمريكي " صامويل هانتنجتون " الأستاذ بجامعة هارفارد كتابه المعروف باسم ( صدام الحضارات ) وفيه يبشر لصدام مستقبلي هائل بين الديانات والثقافات الحديثة ممثلة في الثقافة الأوربية الأمريكية الغربية من ناحية ، وبين الديانات والثقافات القديمة .. لكنه خص الحضارة العربية الإسلامية بأكثر قدر من التركيز لأنها ـ كما يعتقد ـ ستكون أولي تلك الحضارات القديمة وأقدرها علي الازدهار وتحدي الغرب قريباً ، ولذلك يقول الرجل : ( يجب علي الغرب الاستعداد من الآن لصدام المستقبل هذا ، بل العمل علي إجهاض قوة الحضارات الأخرى ، خاصة الإسلامية قبل أن تكتمل . ) .
، فهل كتب صامويل هننجتون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!
وفي نفس اتجاه هنتنجتون نجد دراسة أخري نشرتها مجلة الايكونومست البريطانية في 8 يناير عام 1994 ، ركزت علي أن مستقبل العالم مهدد بقوتين كامنتين أمامهما فرصة البزوغ ، بل الصدام مع الآخرين : هما اليابان والقوة الإسلامية المنتظرة! مقال صلاح حافظ ــ الخليج 25/2/1994 .
وها هو الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ــ ريتشارد نيكسون : يدرك السمة الحضارية للإسلام ، حيث يقول ( إن الإسلام ليس ديناً فقط ، وإنما هو أساس حضارة رئيسية ، إننا نتحدث عن العالم الإسلامي بصفته كياناً واحداً ــ ليس لأن هناك مكتباً إسلامياً يوجه سياساته ، ولكن لأن الدول منفردة تشترك في اتجاهات سياسية وثقافية مشتركة مع الحضارة الإسلامية ككل . ) (انتهزوا الفرصة ــ ترجمة حاتم غانم ، طبعة فبراير 1992 صـ 40 .) فهل كتب نيكسون ما كتب بعد الحادي عشر من سبتمبر ؟ أو كتبه عن سوء فهم ؟ أو لما وجده من سوء عرض للإسلام يرتكبه بعض الجهلاء من هنا أو من هناك ؟ !!!
ثم يقول ريتشارد نيكسون : ( للعمل في العالم الإسلامي فإن علي صناع السياسة الأمريكية المناورة داخل وكر أفعي من سم النزاعات الأيديولوجية والصراعات الوطنية ) .والمدهش أنه يعترف بعد ذلك بأن بعض الأمريكيين ( يتغاضون عن حقيقة أن الإسلام لا يشمل مبدأ ارهاب وأن ثلاثة قرون قد مرت منذ أن انشغل المسيحيون في حروب دينية في أوربا . ) فهل من سوء عرضنا فهم نيكسون ؟ .
ثم يعترف بفضل الحضارة الإسلامية فيقول : ( بينما ذبلت أوربا في العصور الوسطي تمتعت الحضارة الإسلامية بعصرها الذهبي ، وقد أسهم الإسلام بمجهودات هائلة في مجال العلوم والطب ، والفلسفة ، وفي كتابه "عصر الإيمان " لاحظ ول ديورانت أن الإنجازات الهامة في كل الميادين قد تحققت علي يد مسلمين في هذه الفترة ، وكان ابن سينا أعظم الكتاب في الطب ، والرازي أعظم طبيب ، والبيروني أعظم جغرافي ، وابن الهيثم أعظم صانع للآلات البصرية ، وجابر أعظم كيميائي .. وكان العلماء العرب فاعلين في تطوير الفكرة العلمية .. وعندما دفع الرجال العظام من عصر النهضة الأوربية إلي الأمام حدود المعرفة .. فقد رأوا أكثر لأنهم وقفوا علي أكتاف العمالقة من العالم الإسلامي . ).
ثم يقول ريتشارد نيكسون ( إن حضارتنا ليست متفوقة علي حضارتهم الموروثة ، إن شعوب العالم الإسلامي كانوا أكثر مقاومة لجاذبية الشيوعية من مقاومة أولئك في الغرب ، وإن رفضهم الواسع للمادية وثقافة الغرب الأخلاقية المسموح بها ـ أي في الغرب ـ رجعت عليهم بالفضل . )(/5)
وطيلة خمسة قرون من 700 إلي 1200 م ــ كما يقول نيكسون ــ فإن العالم الإسلامي تقدم وتفوق علي العالم المسيحي فيما يتعلق بالقوة الجيوبوليتيكية ، ومستوي المعيشة ، والمسئولية الدينية ، وتقدم القوانين ، ومستوي تعلم الفلسفة ، والعلوم والثقافة .
ثم يرجع انحسار الحضارة الإسلامية إلي انتصارها في الحروب الصليبية ، كما يرجع تفوق الغرب إلي انهزامه إذ يقول ( إن عقوداً من الحرب قلبت الطاولات ، وكما كتب ديورانت : إن الغرب خسر الحرب الصليبية ، لكنه ربح العقائد (!! ) ، وتم طرد كل محارب مسيحي من أرض اليهودية والمسيحية المقدسة ( كذا !! ) . لكن الإسلام استنزف نتيجة انتصاره المتأخر ، ودمر وخرب علي يد المغول ــ بالمقابل ــ في عصر من ظلام الغموض والفقر ، بينما المهزوم مدفوعاً بالجهد ونسيان الهزيمة تعلم كثيراً من عدوه ، ورفع الكاتدرائيات في السماء ، وعبر بحور العقل ، وحوٌل لغاته الجديدة إلي لغة دانتي وفيلون ، وتحرك بروح معنوية عالية إلي النهضة ) فهل كتب نيكسون ما كتب تحت سوء عرض منا للإسلام .
وحين أصدر جان بيرك المستشرق الفرنسي ترجمته لمعاني القرآن عام 1990 وجدناه يبرر اهتمامه بتقديم معاني القرآن للغرب بقوله ( لأن الكثير من المفكرين والناس الآن ينبذون الصورة المادية للحياة المعاصرة ، ويرفضون مجتمع الاستهلاك ، هذا المجتمع المادي المحض .. ويفضلون علي المدنية المعاصرة مدنية الإسلام الروحية وينادون بالعودة إليها )
فهل كتب جان بيرك ما كتب تحت سوء عرض منا للإسلام
ولكن بيرك يلتف بخبث فيقدم في ترجمته للقرآن الكريم بعض معاني القرآن مشوهة فكأنه أراد أن يقول للمفكرين الغربيين الذين أصبحوا يرفضون حضارة الغرب الآن ويرون أنها علي وشك الانهيار، لأنها فقدت الأساس الروحي والأخلاقي .. يريد أن يقول لهم : وهذا هو الإسلام أيضاً ملئ بالخرافات والتناقضات .. ) ألخ مقال رجب البنا صـ 9 ، الأهرام 6/3/1994 .
أما جان بيرك نفسه فيكاد يلتمس لنفسه العذر فيما يكون قد حدث من مخالفة في ترجمته للقرآن الكريم يعتذر بالرجوع إلي وجوب الأخذ بالمنهج التاريخي إذ يقول : ( يبقي صحيحاً القول بأن الديناميكية الدينية ذاتها تتطور عبر التاريخ ــ ليس في مبادئها وأصولها بالطبع ، ولكن في صياغتها وأشكالها وتطبيقاتها ، فتلك أشياء خاضعة للتأقلم والتطور وتختلف باختلاف العصور والأزمات ) الأهرام 29/7/1995 .
ومن الواضح لدينا أن استثناءه ( المبادئ والأصول ) من عملية التأقلم.. الخ ، ليس إلا تغطية لفظية لهدفه من الترجمة ، وهو إيصال الديناميكية الدينية التاريخية إلي ( صياغة ) المبادئ والأصول ، وما ذلك إلا صياغة كلمات الله تعالي ما دمنا بصدد ترجمة القرآن الكريم خلافا لتصريحه ، وهذا المنهج التاريخي هو المدخل " الحديث " لنسف أصالة المسلمات الإسلامية .
فهل ذهب جان بيرك إلي ذلك نتيجة سوء فهم أو سوء عرض .
وإذا كان ما تقدم أمثلة مستوحاة من بؤرة المستشرقين فلنا مقال قادم نستوحي أمثلته من ساحة المبشرين ، والتربويين ، والسياسيين ، ثم نعقب بالتساؤل عن موقف الأزهر(/6)
جرائم الزنج
شعر: ابن الرومي
ذادَ عن مُقلتيْ لَذيذَ iiالمنامِ
أيّ نومٍ من بعد ما حلَّ iiبالبصرةِ
أيّ نومٍ من بعدِ ما انتهكَ iiالزنْج
إنَّ هذا من الأمورِ لأمرٌ
* * *
لهفَ نفسيْ عليكِ أيتها iiالبصـ
لهفَ نفسيْ عليكِ يا قُبّةَ iiالإسـ
لهفَ نفسيْ عليكِ يا فرضة البلـ
لهفَ نفسي لِجمعِك iiالمُتفاني
* * *
بينما أهلُها بأحسنِ iiحالٍ
دخلوها كأنّهم قِطَعُ iiالليـ
أيُّ هولٍ رأوَا بهم أيُّ iiهول!
إذ رموهمْ بنارِهم من iiيَمينٍ
صبَّحوهمْ فكابدَ القومُ iiمنهم
ما تذكّرتُ ما أتى الزنجُ iiإلا
عَرَّجا صاحبيَّ بالبصرةِ iiالزهـ
فاسألاها، ولا جوابَ لديها
أينَ ضوضاءُ ذلك الخلقِ iiفيها
أينَ فُلكٌ فيها، وفلك iiإليها
أين تلك القصورُ والدورُ iiفيها
بُدّلتْ تِلكمُ القصورُ iiتِلالاً
وخَلَتْ من حُلولها فهي قفْرٍ، ... شُغلُها عنه بالدّموعِ iiالسِّجامِ
ما حلَّ من هَناتِ iiعِظامِ
جهاراً محارِمَ iiالإسلامِ
كادَ أنْ لا يقوم في iiالأوهامِ
* * *
ـرةُ لهفاً كمثلِ لَهبِ iiالضِرامِ
ـلامِ لهفاً يطولُ منه iiغَرامي
ـدان لهفاً يبقى على iiالأعوامِ
لهفَ نفسي لِعِزّك المُسْتَضامِ
* * *
إذْ رماهمْ عبيدُهم iiباصطِلامِ
ـلِ إذا راحَ مُدلهمُّ الظلامِ
حُقّ منه يشيبُ رأسُ iiالغلامِ
وشِمالٍ –من خلفِهم من iiأمامِ
طولَ يومٍ كأنّه ألفُ عامِ
أضرمَ القلبُ أيّما iiإضرامِ
ـراءِ تعريجِ مُدنفٍ ذي iiسَقامِ
لسؤالٍ –ومن لها iiبالكلامِ
أين أسواقُها ذواتُ iiالزِحامِ
منشآتٌ في البحرِ iiكالأعلامِ؟
أين ذاكَ البنيانُ ذو الإحكامِ
من رمادٍ ومن ترابٍ رُكامِ
لا ترى العينُ بين تلك iiالإكامِ(/1)
جراح الغربة..
جراحٌ تلو جراح ، وسيوف تقطِّع أمتي ورماح، وليلٌ دامسٌ رباه هل سيأتي من بعدُ صباح، قد كنتُ أزعمُ أني في ساح الحياة سعيد، كنتُ أزعم أن لا شوكٌ يُدمي قدمي ولن يُكبِّلني يوماً حديد، عفواً أمتي إن صحوتُ يوماً ورأيتُ جسماً دامياً يملأه الصديد.
جراحٌ تتلوها جراح، وسماءٌ تلبدها الرياح، وسلاسل أوثقت فينا كل عزمٍ يبتغي لشمِّ المعالي اجتياح، فلم يعد يجدي العويل ولا النياح، ولم يعد لنا إلا البكاء أو الصياح.
جراح الغربة تنزف من بقاياها دماً وهي تصرخ ألماً فوق أجسادٍ أرواحها من الأخلاق عن قيمها تعرّت، وعن آدميتها تخلّت، وبمهانتها تجلّت، وعن عزتها تولّت، ولجلادها هابت وأجلّت، وعن شريعتها ونهجها ضلّت، وفي دياجير جهلها ظلّت، وفي محراب الفاسدين صلّت، وعلى سفينتها كم من العابثين أقلّت، وعن شق طريقها بين الأمم كم تعبت وملّت.
آهٍ من غربتي في زمن الملاهي والفتن، وآهٍ من حسرتي في زمن المآسي والمحن، تصاغرت الذنوب في أعين الخلق فانحرفوا عن منهج الخالق، لبسوا ثوباً غير ثوبهم باسم التحرر والفكر المستنير وهم والله في غيٍّ مرير، أخذوا من علوم الدنيا الحظ الوافر، وركنوا ما في مافي الكتاب والسنة من علمٍ زاخر، وقعوا على الوحل والطين زاعمين فيهما الحرير واليقطين، لهفي على أمة قيدتها ثقافاتٍ غير ثقافتها فتاهت في بحر متلاطم لبعدها عن قائدها وربّان سفينتها، في أعناقنا إرثٌ تاريخي مليء بالغبار يحتاج لمن أراد أن يسبر أغواره أن يشمّر عن ساعده لينفض عنه ذلك التراب، وبين أيدينا نتاج حقبة من الزمن لن يذكر التاريخ أسوأ منها ولا أسود منها. ليس هذا هو الوضع الطبيعي لنا أبداً، وليست هذه أمة محمدٍ والذي خلق الورى، ليست هذه أمة التوحيد والذي أحيا البرى، هناك شيء قد حصل، وهناك ما من شكٍّ بعض الخلل.
جروح الغربة تئنُّ من شخصية هُمِّشت واضمحلّت في عالم الانفتاح والتمدن بحجة الرقي والانخراط في المجتمعات الأخرى بُغية التعايش السلمي مع الآخرين، وتناسوا أن في ديننا من المبادئ ما لا يمكن معها أن ينصهر في أي ثقافات أخرى مهما كانت، ومهما توغلت وتنوعت وتفرعت اتجاهات تلك الثقافات بين ظهرانينا لأي سببٍ كان، ومهما بلغت تلك الثقافات من رقي زائف فإن ذلك لا يعني التسليم لها والأخذ بها كأحد المسلمات التي يتطلبها العصر.
جروح الغربة يعصرها الأسى عندما تشاهد شباب وشابات حباهم الله نعمة أن يكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تذهب هذه المكرمة الربانية في لحظات عبث شيطانية، مغيبة عن واقعها وعن تاريخها فتراهم شبابٌ قد ترك الأدب والثقافة واتجه إلى المراقص والحانات، شباب علقوا السلاسل والأساور فلم يُعد يُعرف الذكر من العاهر، شباب سهروا الليالي وذرفوا الدموع وأضربوا عن الطعام ليس من أجل الإسلام ولكن من أجل الحب ولوعة الشوق والهيام، تركوا جانباً العلم والدين، وتاهوا بين منعطفات السنين، وأضاعوا الشيشان والأفغان وبغداد وفلسطين، يقضي وقته متنزهاً على أرصفة الشوارع، يلاحق بعينيه الفتاة والأخرى، وعندما يقع في الحبائل يقضي الليل ساهراً باكياً على حب غادر، أو عشق قاهر، يتقلب على الفراش تكسوه الحرقة والكبد، ليس على أقصى أسيراً في القيود، ولا على طفلٍ قتلوه الجنود، ولا على بيتٍ أحرقوه اليهود، ولا على شعبٍ نُفي وقُتِّل وحُرِّق وأهين وشُرِّد وعُذِّب واستباحوا منه الأعراض والحدود.. لا .. أبداً فأولئك ليسوا بالنسبة له إلا خبراً يتناقله الناس وتلوكه الألسن يسمع طرفاً من حديثٍ عابر عن شيء اسمه أقصى ينادي به وبفلسطين وحطين، ويشدو بالفاروق وصلاح الدين، ثم يسوقه الحنين إلى ظلال الزيزفون وماجدولين، تراه يتخبط في حياته، لاهو في المساجد ساجد، ولا هو عن التسكع في الشوارع وارع، تقلبه نفسه حسب شهواتها، فقد السيطرة عليها، فساقته حيث شاءت.(/1)
جروح الغربة تتأوه في حرقة وألم عندما ترى في بناتنا اليوم من تشد العباءة على خصرها وتدعي أنها عباءة، وتكشف الصدر من تحت العباءة وتدعي أنها عباءة، تكشف عن ساقيها من تحت العباءة وتدعي أنها عباءة، ولا أدري بعد بروز الشعر والوجه والصدر والخصر والساق أين هي العباءة، نسيت بنات المسلمات وجرت وراء الموضة والصرخات، صرخات أخواتها في القدس تأتي من تمزيق الثياب، وهتك الأعراض، وبقر البطون، وقطع الأثداء، وصرخات من يحسبن أنهن بناتنا، صرخات الموضة والقصات، بونٌ شاسع، وفرق كما بين السماء والأرض، إن كان لها من عمل جبار تعمله، فهي تخرج في مسيرة صاخبة، ولكن خروج الإمعة، لم تجد مكاناً تمضي إليه، فخرجت متسلية، وهي ضاحكة فاغرة، فتراها تردد الشعارات متبرجة، سافرة، ما الفرق بينها وبين من لا هوية لها ولا دين، وما الذي يميزها عن فتاة الهوى والعبث، هل يا ترى ستقول بأنها في علاقاتها رغم ظاهرها أفضل من ملتزمة منقبة، لا والله، ليس الأمر كذلك؛ فلو كان الدين يقاس بما في القلوب وصلاحها فقط لما أتى الإسلام بصلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج ولا حجاب واعتبر الأخلاق أهم من كل ذلك، ولكن الإسلام كُلُّ لا يتجزأ، لا يمكن أن يستقيم فعلٌ بلا قول، ولا يمكن أن يستقيم قولٌ بلا عمل.
جروح الغربة تصرخ بألم فيما يُشاهد أيضاً، ويُرى في التلفاز مما يستوجب معه التوبة والندم، فأن ترى العرايا في بلاد النصارى والغربيين، في الشوارع والمقاهي غادين رائحين، فذلك مما ألفه العقل، ولكن أن ترى ذلك في بلاد المسلمين فعندها يكون الأمر جد هجين، ومستغرب له ومستنكر جداً، ولا تصدقه العين، والعري نوعان، عري الأجساد من لباسها وظهور لحومها ومفاتنها، وعري الفكر والإحساس، والأخير هو امتداد للأول، فعندما تبتذل النفس إلى مستوى من الحضيض يخرجها عن الدين بحجة الموضة والموديرن، ويُنسى أصول الشريعة فهي الطامة المريعة، في البدء كان الحجاب شعار كل فتاة في أي زمان ومكان، التزاماً ينبع من عقيدة كانت جذورها راسخة مهما تغير في الزمان مما يطغى على الحياة الاجتماعية من تغير واختلاف نتيجة السياسة وما تجره على الشعوب والبلدان، فالعقيدة واحدة، والدين واحد، والجذور واحدة، وكان رأس ذلك كله الأخلاق، ومرت السنون والقرون وأتى في آخر الزمان من يدعين المناداة بحقوق الممتهنات من النساء كما يسمينهن جاء من يدعين التنوير والمعرفة بسرائر الأمور من أمثال هدى شعراوي وروز اليوسف ومثيلاتهن ممن قدن المسيرات ولعن الحجاب ورمينهن على التراب.
لربما أن ما نعيشه الآن من واقع أمر يدعو إلى الاشمئزاز والشعور بالضعف والهوان وعدم الرضا أبداً عمَّا نحن فيه، ولولا أننا ننتمي إلى أعظم دين، وإلى أعظم نبي وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لأصابنا من اليأس والعجز والخور والتلاشي والتقوقع والانتهاء ما يصيب أي حضارة كنتيجة طبيعية لهذا التسلسل الذي نمر به، بيد أن في ديننا من المبشرات ما يحفظ لنا عزيمتنا ويبدد الظلام الدامس الذي نراه أمامنا فنحن أمة لا نعرف ما تعنيه كلمة المستقبل القاتم، أو النزع الأخير، أو السقوط الأبدي، مصداقاً لقول الله عزوجل: [كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر] إن ما نمر به الآن ليس وليد اليوم وليس جديداً على هذه الأمة المباركة، فإن الابتلاء فيها وارد؛ كيف لا وقد ابتلي سيد الخلق وأوذي وطُرِد وشُرِّد وحوصر، ولكنه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم دانت له مشارق الأرض ومغاربها؛ وأتمّ الله عليه نوره ونصره الذي وعد، فما جزاء الصبر إلا النصر والظفر.
عبد الله الشهاري(/2)
جران العود والزواج الثاني
د.عثمان قدري مكانسي
othman47@hotmail.com
هو جِران العَود الحارث بن عامر . لقب عامرٌ جرانَ العَود لأنه كان قد اتخذ جلداً من جران ( عنق ) العَود، وهو ( الجمل المسنّ ) ليضرب به امرأتيه !.
وهو من أهل النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ، ولعله أدرك السنوات الأولى من القرن السابع .. وذكر الأماكن التي وردت في أشعاره تدل على أنه من أهل العالية في الشمال الغربي من نجد ، قريباً من الحجاز .
يبدو أنه قد تزوج مراراً وأنه قد جمع بين امرأتين ، ولم يكن – على ما يبدو – سعيداًفي زواجه قط . ومع ذلك فقد جرب حظه مرة أخرى ، وكانت السن قد تقدمت به .. وهو شاعر فصيح العبارة ، لطيف المعاني ،مرح خفيف الروح يخلط الهزل بالجد شعره سهل عذب ، وفنونه الغزل والوصف .
وفي هذه القصيدة التي أوردتها لهذا الشاعر يصف ما لقيه من متاعب في زواجه ، بعد أن كان أُغرم بجمال مرأة ، ودفع لآلها مهراً كبيراً ، ثم تزوجها على امرأة كانت عنده ، فلقي منهما ما لقيه ! ... وفي القصيدة شيء من المرح كثير، ودعابة ينشرح لها قلوب الواقعين فيما وقع فيه الشاعر، ومن يود أن يقع فيه ولمّا يفعل !.
ألا لا يغُرّنّ امراً iiنوفليّةٌ
ولا فاحمٌ يُسقى الدّهانَ iiكأنه
وأذنابُ خيلٍ عُلِّقت في iiعقيصة
فإن الفتى المغرورَ يعطي تِلادَه
ويغدو بمسحاحٍ كأنّ عظامَها
فتلك التي حكّمْتُ في المال iiأهلَها
لقد كان لي عن ضَرّتين – عدِمتُني ii-
هما الغولُ والسِّعلاةُ ، حلقِيَ iiمنهما
تُداورَني في البيت حتى iiتَكُبَّني
وقد عوّدَتْني الوقذَ ثم iiتجرُّني
ولم أرَ كالموقوذِ تُرجى iiحياتُه
أقول لنفسي : أين كانت؟ وقد iiأرى
خذا نصفَ مالي واترُكا ليَ iiنصفَه
ألاقي الخنا والبَرْحَ من أم iiحازمٍ
تُصَبُّرُ عينيها وتعصِب iiرأسها
ترى رأسَها في كل مَبدىً iiومَحضَرٍ
وإنْ سَرّحَتْه كان مثلَ iiعقاربٍ
ولمّا التقَيْنا غُدوَةً طالَ بيننا
أُجَلّي إليها من بعيدٍ ، iiوأتّقي
عَمَدْتُ لِعَوْدٍ فالتَحَيتُ iiجِرانَه
خذا حَذَراً يا خُلّتيّ iiفإنني ... على الرأس ، بعدي ، أو ترائبُ وُضّحُ
أساودُ يَزهاها لعينيكَ أبطُحُ
تَرى قُرطَها من تحتها iiيتطوّحُ
ويعطي الثنا من مالِه ، ثم iiيُفضحُ
محاجنُ أعراها اللحاءُ iiالمشبِّحُ
وما كلُّ مبتاعٍ من الناس iiيربحُ
وعمّا ألاقي منهما iiمتزَحزَحُ
مخَدّشُ ما بين التراقي iiمُجَرَّحُ
وعينِيَ من نحو الهِراوةِ iiتَلمَحُ
إلى الماء مَغشِيّاً عليّ iiأُرَنَّحُ
إذا لم يَرُعْه الماءُ ساعةَ iiيُنضَحُ
رجالاً قياماً ، والنساءُ iiتُسبِّحُ
وبِيْنا بذمٍّ ، فالتعزُّبُ iiأرْوَحُ
وما كنت ألقى من رُزَيْنةَ iiأبرحُ
وتغدو غُدُوَّ الذئب والبوُمُ iiيضبَحُ
شعاليلَ لم يُمْشَطْ ولا هو iiيَسْرَحُ
تشولُ بأذنابٍ قِصارٍ iiوتَرمَحُ
سبابٌ وقذفٌ بالحجارة iiمِطْرَحُ
حجارتَها حقّاً ولا iiأتَمَزَّحُ
ولَلْكيْسُ أمضى في الأمور iiوأنْجَحُ
رأيتُ جِرانَ العَوْد قد كان iiيصلُحُ
الهوامش
1- نوفلية : غطاء تضعه المرأة على رأسها ليبدو شعرها أكبر حجماً وأعلى ارتفاعاً.
التريبة : جانب الصدر . وضح : بيض . يجب أن لا يغتر الإنسان بالجمال الصناعي .
2- الأساود : حيات سوداء . الأبطح : بطن الوادي . شعر فاحم يلتوي كالحيات السوداوات
3- الضفائر كثيفة طويلة كذنب الحصان .
4- الثنا عكس التلاد ، والتلاد القديم . يدفع الجاهل كل ماله للمرأة التي يغتر بها .
5- المرأة المسحاح : السريعة المشي ، وهذا عيب في المرأة . المحجن : العصا المعقوف . والمشبح : المقشر . .. تبدو المرأة دون زينة على حقيقتها جلداً وعظاماً فقط.
8- السعلاة : أنثى الغول .
9- تناوره الأولى حتى تكبه على وجهه ، ثم تضربه بالعصا الغليظة !.
10- 11- فإذا غاب عن الوعي رشت عليه الماء ليصحو .
12- تسبح : تعجب . يتعجب الرجال والنساء مما تفعل به زوجتاه .
13- يعرض عليهما نصف ماله إذا طلّقهما فحياة العزوبية أهون من بقائه معهما .
14- الخنا : قبيح الكلام . البرح : الأذى . يرى منهما السب والأذى .
15- تصبير العينين : صبغ ما حولهما . وضبح البوم : نعيبه : لا تتركانه ليلاً ولا نهاراً شتماً وسباً وإيذاءً .
16- المبدى : البادية . المحضر : المدن . الشعلول : الشعر المنفوش . لا تهتمان بزينتهما أبداً
17- فإن سرحت إحداهما شعرها رفعته كذنب العقرب تضرب به من خلفها .
20- 21- الخلة : الزوجة ... ليتقي شرهما عمد إلى عنق البعير فسلخه ، واتخذه سوطاُ يؤدبهما به ، وهذا ما يفعله العاقل مع زوجتيه الناشزتين .(/1)
جريمة بشعة جديدة في سجل يهود
أفلم تكف لأهل التفاوض أن يخرسوا إلى الأبد؟!
l بالأمس في 22/3/2004 اغتالت عصابات يهود المجرمة الشيخ المجاهد أحمد ياسين وإخوانه معه.
l واليوم في 17/4/2004 امتدت يد الغدر كذلك إلى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وإخوانه معه.
l وقبلهما عدد كثير من الشهداء سقطوا على أيدي صناع الجريمة وأهلها من يهود.
l ومع كل ذلك لا زلنا نسمع من الحكام العملاء في بلاد المسلمين، ومن السلطة ورجالها التباكي على مائدة المفاوضات، وخارطة الطريق كأنهم لا يسمعون أو يعقلون.
l إن عصابات يهود لا زالت تعلن جهاراً نهاراً أنها ستلاحق أهل فلسطين، وتعتقل، وتغتال بكل ما أوتيت من قوة، على سمع الحكام والسلطة وبصرهم، يتفاخر بذلك كل عصابات يهود، الذين يُدعون باليمين أو باليسار، فكلهم سواء، شارون وبيريز يفتخرون أنهم يقتلون مسلماً بأي وسيلة كانت في ميدان المعركة أو غدراً واغتيالاً.
l هذا ما تعلنه عصابات يهود، أفليس من العار والشنار أن يعلن بعد هذا رجال السلطة وأشباه الحكام أن المشكلة هي في عدم تطبيق خارطة الطريق، وعدم قبول كيان يهود بالجلوس على مائدة المفاوضات؟
l والأدهى والأمر أنهم يعتبون على أمريكا انحيازها ليهود، كأنها كانت يوماً غير منحازة، ألم تجعل سفك دماء المسلمين هدفاً لها؟ أليست هي التي تقتل وتسفك الدماء في العراق وأفغانستان؟ أليست هي التي تمد يهود بكل أسباب القوة؟ أليست هي التي جعلت اغتيال يهود للشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي دفاعاً عن النفس؟ ومع ذلك فهم يعتبون عليها ويناشدونها العون والمساعدة!
l لقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «إذا لم تستحيِ فاصنع ما شئت» فإنهم حقاً لا يستحيون، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
l رحم الله الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ورحم الله من قبله الشيخ أحمد ياسين، ورحم الله من سبقوهم ومن يلحقون بهم في سبيل الله، وأسكنهم فسيح جناته { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا(/1)
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف (1-6)
2/7/1424
أ.د ناصر بن سليمان العمر- المشرف العام على موقع المسلم
أولاً: الإرث الحضاري التاريخي لجزيرة العرب
* إن لأهل الجزيرة العربية ثروة تاريخية ثرة(1)، وإرث حضاري يمتد عبر قرون بعيدة وأزمنة مديدة، يجب أن يستلهموا منه دروساً، وأن يأخذوا منه عبراً، للمضي بحضارتهم ورسالتهم قُدماً.
فجزيرة العرب بها أم القرى، وبيت الله الحرام، ومدينة النبي ومسجده _عليه الصلاة والسلام_ وما بين البيت إلى المنبر، روضة من رياض الجنة (2):
بطيبة رسمٌ للرسول ومعهد منيرٌ
و قد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمحي الآيات من دار حرمة
بها منبرالهادي الذي كان يصعد
و واضح آيات وباقي معالم
وربع له فيه مصلى ومسجد
به حجرات كان ينزل وسطها
من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهدآيها
أتاها البلي فالآي منها تجدد
وفيها كان الخلفاء الراشدون، والأنصار والمهاجرون، وبها عقدت رايات المسلمين، وقويت أمور الدين، وأيضاً فإن فيها المناسك والمشاعر، والمواقيت والمناحر:
إذا هَزَّنا الشوقُ اضطربنا لهزه
على شُعُبِ الرحل اضطراب الأراقم
فمن صبواتٍ تستقيم بمائلٍ
ومن أريحيات ٍ تهبُ بنائمِ
وأَسْتَشرِفُ الأَعلامَ حتى يدلني
على طيبها مَرُّ الرياحِ النواسمِ
وهل أنسم الأرواح إلاّ لأنها
تَهبُ على تلك الربى و المعالمِ
كما أنها جزيرة شِعرية، ذكرها الفحول في دواوينهم، فدرسها الشُرَّاح في مصنفاتهم، فإذا قرأتها وجدت زمزم والحطيم، ودداً وأشداخ، ومدافع الريان، وشماريخ رضوى، وبرقة ثهمد، وحومانة الدراج ، وتقادمت فالجبس فالسوبان، وهجر وجواثا، وإضم والجواء، وتهامة والحجاز، والعروض واليمن، واليمامة والرميصاء، بل أرض نجد كلها:
وإني وإن فارقت نجداً وأهله
لمحترق الأحشاء شوقاً إلى نجدِ
أروح على وجدٍ وأغدو على وجدٍ
وأعشق أخلاقاً خلقن من المجدِ
آخر:
أقول لصاحبي والعيس تخدي
بنا بين المنيفة فالضمار
تمتع من شميم عرار نجد
فما بعد العشية من عرار
ألا يا حبذا نفحات نجد
ورياً روضه غب القَطار
(وربك) إذ يحل الناس نجداً
وأنت على زمانك غير زار
شهور ينقضين وما شعرنا
بأنصَاف لهن ولا سرار
ولو استطردنا بذكر شيء مما ورد في أشعارهم لطال المقال(3) ، فأي دار من ديارها ما وقفوا عليها؟ وأي أطلال دوارس ماهز بعضهم شوق إليها، وحسبك قول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم ** أم هل عرفت الدار بعد توهم
و فوق ذلك تجد في تلك المصنفات ذكر عشائر الجزيرة وقبائلها وخصائصهم، وأمور دقيقة متعلقة بهم.
وفضلاً عن ذلك فقد كان للحضارات القديمة فيها شأن عظيم، بل إن أول الحضارات البشرية قامت بها وأَهَلتْها، وذلك لمّا بنى آدم _عليه السلام_ بيت الله الحرام(4) فكان أول بيت وضع للناس ببكة مباركاً، وقد ذكر العليم الحكيم في القرآن الكريم عن حضارات الجزيرة العربية ما لم يذكره عن غيرها من الأمم والحضارات التي قامت في شتى البلدان والأقاليم فسادت ثم بادت.
ألا ترى أن جزيرة العرب، أرض معجزات نبوية، ومجال رسالات سماوية ، ففيها بلد سبأ، وسدُّ مأرب، وعرشٌ عظيم، وبئرٌ معطلة، وقصر مشيد، بل سائر بلاد عاد؛ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي، وأصحابُ الرس، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الأخدود، وقبر هود، ودعوة إبراهيم، وحجر صالح، ومدين شعيب، ومرتع إسماعيل، وملجأ موسى، ومهد محمد _صلى الله عليه وسلم_ وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين ومثواه:
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ** بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد sup>(5)
ثم كانت أرض الجزيرة وطاءً لخير القرون وأديمها لحافاً لجُلِّهم بعد أن غيبوا تحت أطباق ثراها.
وشتان شتان بين قبر لأبي بكر وعمر، وآخر لخوفو وخفرع! بون واسع وفرق شاسع بين روضة من رياض الجنة وحفرة من حفر النار:
لئن تطاول بالأهرام منهزم ** فنحن أهرامنا سلمان أو عمر
ومع هذا كله فأرض الجزيرة العربية تشتمل على حدود جليلة، وكُوَرٍ جسيمة، فهي من أمد الأقاليم مساحة، وأفسحها ساحة، وأعظمها حرمة، وأشرفها مدناً، "وربك يخلق ما يشاء ويختار" (6).
لحكمة ٍ بالغة ٍ قضاها ** يستوجب الحمد على اقتضاها
وقد فضل جزيرة العرب على ما سواها جمع ممن عنوا بالأقاليم والبلدان، قال الهمداني: "أفضل البلاد المعمورة من شق الأرض الشمالي إلى الجزيرة الكبرى ... وتسمى جزيرة العرب"(7) ، وقال القلقشندي: ".. بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمورة وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه، حيث الكعبة الحرام .." (8)، قال المقدسي في أحسن التقاسيم: "وهي أمد الأقاليم مساحة، وأفسحها ساحة، وأفضلها تربة، وأعظمها حرمة، وأشرفها مدناً" (9).(/1)
فجزيرة العرب من أفضل البلاد وأشرفها، قال الشيخ بكر أبوزيد: "كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولهذه الجزيرة جملة أسماء؛ كلها مضافة إلى العرب لا غير"(10) وذكرها: [جزيرة العرب]، و[أرض العرب]، و [بلاد العرب]، و[وديار العرب]، و[الجزيرة العربية]، و[شبه جزيرة العرب]، [وشبه الجزيرة العربية](11).
ومما يدل على شرفها أيضاً كثرة ما صنف فيها، وقد أشار الشيخ بكر إلى شيء منها، ومما كُتب زيادة على ما ذكر ، والشأن هنا أيضاً في ذكر المؤلفات المفردة عن هذه الجزيرة على اختلاف مقاصد المؤلفين:
1. (جزيرة العرب) للأصمعي، يذكره من ترجم له.
2. (جزيرة العرب) لأبي سعيد السيرافي، ذكره الباباني في (هدية العارفين)، وغيره.
3. (جزيرة الإسلام) للشيخ سلمان العودة، مطبوع، وما يليه كذلك.
4. (جزيرة العرب مهد الحضارة الإنسانية) لمحمد معروف الدواليبي.
5. (مرآة جزيرة العرب)، لأبي أيوب صبري باشا.
6. (السكان والاقتصاد والعمل قبل قرن في جزيرة العرب) أحمد اليحيى.
7. (جغرافية شبه جزيرة العرب) لمحمود أبو العلا.
8. (جغرافية جزيرة العرب)، لعمر رضا كحالة.
9. (رحلات في شبه جزيرة العرب) لجون لويس بوركهات.
10. (جزيرة العرب قبل الإسلام) لبرهان الدين دلو.
11. (تاريخ جزيرة العرب القديم، وسيرة النبي _صلى الله عليه وسلم_) لعبدالله العثيمين.
12. (وفود القبائل على الرسول _صلى الله عليه وسلم_، وانتشار الإسلام في جزيرة العرب) لحسن جبر.
13. (جزيرة العرب مصير أرض وأمة) لمحمد ولد داداه.
14. (شبه جزيرة العرب) لمحمود شاكر، وهو مجموعة كتب جعل لكل قسم أو أقسام منها كتاباً.
15. (أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ: جزيرة العرب) لمحمد عبدالهادي، وفاء محمد.
16. (صور من شمالي جزيرة العرب: في منتصف القرن التاسع عشر) لجورج أوغست، ترجمة سمير الشبلي.
17. (أرض المعجزات: رحلة في جزيرة العرب) لعائشة عبدالرحمن.
18. (جزيرة العرب في العصر الحديث) لصلاح العقاد.
19. (الجزيرة العربية: موطن العرب ومهد الإسلام) لمصطفى مراد الدباغ.
20. (لمحات عن تطور الفكر في جزيرة العرب في القرن العشرين) لفهد المبارك.
21. (جزيرة العرب في القرن العشرين) لحافظ وهبة.
22. (النهضات الحديثة في جزيرة العرب) لمحمد عبدالله ماضي.
23. (مشاهداتي في جزيرة العرب) لأحمد حسين.
24. (اكتشاف جزيرة العرب: خمسة قرون من الحضارة والعلم) جاكلين بيرين، ترجمة قدري قلعجي.
25. (دراسات عن تاريخ الخليج العربي والجزيرة العربية) لصباح إبراهيم الشيخلي.
وقد أغفلنا شيئاً مما كتب في جيولوجيتها وتضاريسها للاكتفاء بما ذكر، أما التسجيلات المرئية والندوات وما كتب في المجلات من مقالات متخصصة عن الجزيرة العربية فأكثر من أن تحصر، ولا أطيل بسرد بعضها، ففيما سبق غنية وكفاية.
--------------------------------------------------------------------------------
اذهب إلى أعلى الصفحة
1-قال سماحة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله- : "فيحدها غرباً بحر القلزم، والقلزم مدينة على طرفه الشمالي، ويقال: بحر الحبشة وهو المعروف الآن باسم البحر الأحمر، ويحدها جنوباً بحر العرب، ويقال: بحر اليمن، وشرقاً خليج البصرة الخليج العربي، والتحديد من هذه الجهات الثلاث بالأبحر المذكورة محل اتفاق بين المحدثين والفقهاء والمؤرخين والجغرافيين وغيرهم...، ويحدها شمالاً ساحل البحر الأحمر الشرقي الشمالي وما على مُسامَتتِهِ شرقاً؛ من مشارف الشام وأطراره [الأردن حالياً] ومنقطع السماوة من ريف العراق، والحد غير داخل في المحدود هنا(خصائص جزيرة العرب ص17-18 باختصار يسير. الطبعة الثانية 1418 دار ابن الجوزي).
2- انظر( صحيح البخاري حديث رقم 1195)، و(صحيح مسلم حديث رقم 1390).
3- انظر في ذلك مثلاً (صفة جزيرة العرب للحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني ص 319 وما بعدها. طبعة دار اليمامة 1397 بتحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي).(/2)
4- ذكر ابن حجر في (الفتح) أقوالاً في أول من بنى البيت، فذكر آدم والملائكة وشيث ابن آدم، ثم قال: والأول أثبت، قال السيوطي في (شرح سنن النسائي) عند تعليقه على حديث:" سألت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أَيّ مَسْجِد وُضِعَ أولاً؟ قال:المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال:المسجد الأقصى. قُلْت: وكم بينهما؟ قال:أَرْبَعُونَ عَامًا". قال القرطبي: فيه إشكال، وذلك أن المسجد الحرام بناه إبراهيم _عليه السلام_ بنص القرآن, والمسجد الأقصى بناه سليمان _عليه السلام_، كما أخرجه النسائي من حديث ابن عمر، وسنده صحيح، وبين إبراهيم وسليمان أيام طويلة، قال أهل التاريخ: أكثر من ألف سنة. قال: ويرتفع الإشكال بأن يقال: الآية والحديث لا يدلان على بناء إبراهيم وسليمان -لِما بينّا- ابتداء وضعهما لهما, بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما وبدأه، وقد روي: أول من بنى البيت آدم، وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عاماً. انتهى. قُلْت: بل آدم نفسه هو الذي وضعه أيضاً، قال الحافظ ابن حجر في كتاب (التيجان لابن هشام): إن آدم لمّا بنى الكعبة أمره الله _تعالى_ بالسير إلى بيت المقدس, وَأَنْ يَبْنِيَهُ فَبَنَاهُ وَنَسَكَ فِيهِ" (كتاب المساجد باب ذكر أي مسجد وضع أولاً، حديث رقم 689، سنن النسائي بشرح السيوطي 2/362، الطبعة الخامسة لدار المعرفة، 1420هـ).
5 _البيت من مرثية حسان _رضي الله عنه_ التي مطلعها: بطيبة رسم للرسول ومعهد.
6- القصص: 68.
7- (صفة جزيرة العرب ص3)، للهمداني.
8- (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص15) لأبي العباس أحمد القلقشندي، طبعة دار الكتاب المصري مع دار الكتاب اللبناني، بتحقيق إبراهيم الأبياري.
9 (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص38) للمقدسي.
10 -انظر (خصائص جزيرة العرب للشيخ بكر أبو زيد ص15)، ومن أسمائها كذلك ما ذكره الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب ص3)؛ ألا وهو [الجزيرة الكبرى] وقد مضى نصه.
11 -انظر (خصائص جزيرة العرب) لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله- ص12.
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف (2-6) 9/7/1424
المشرف العام على موقع المسلم أ.د ناصر بن سليمان العمر
جزيرة العرب وعلاقتها بفضل العرب:
سل المعاني عنا إننّا عرب
شعارنا المجد يهوانا ونهواه
هي العروبة لفظ إن نطقت به
في الشرق والغرب والإسلام معناه
لقد قرر أهل العلم أن العرب هم "رأس الأمة وسابقوها إلى المكارم"(1) فهم "أفضل من العجم"(2) بل "أفضل من غيرهم"(3) بل "أفضل الأمم"(4) قاطبة،قال شيخ الإسلام: "ولهذا ذكر أبومحمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها: وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية، وساق كلاما طويلاً إلى أن قال: ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي، الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف. ويروون هذا الكلام عن أحمد نفسه، في رسالة أحمد بن سعيد الأصطخري عنه إن صحت، وهو قوله وقول عامة أهل العلم"(5) وقال الكرماني أيضاً: "فالعرب أفضل الناس، وقريش أفضلهم، هذا مذهب الأئمة وأهل الأثر والسنة.." (6) قال شيخ الإسلام: "(إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) الحديث، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحق، ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم، لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى"(7) وقال قبلها: "فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم...وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور"(8)، وقد وضع المصنفون كُتباً وأجزاء في الدليل على فضل العرب فلتراجع(9).(/3)
وسر تفضيل العرب على من سواهم، هو ما تميزوا به من خصال حميدة، وأخلاق نبيلة ، كما قال الحكيم الترمذي: "فالعرب بالأخلاق شرفوا، وإلاّ فالشجرة واحدة وهو خليل الرحمن"(10) وقال الشيخ بكر: "فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها ... لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم"(11)، كما أنهم "أطوع للخير، وأقرب للسخاء، والحلم، والشجاعة، والوفاء ... أصحاب إباء لا يعرفون التزلف والنفاق وتحمل الاستبداد.. ومما تميز به العرب الصدق، حتى الذين كانوا يحاربون الإسلام ظهر صدقهم في أمور"(12). فيا لله كيف انتكست بعد ذلك الفطر وتغيرت العقول ففتن بعضنا بحضارة غربية قاصرة على جوانب قاصرة فيها ما فيها، واسْتَبْدَل -يوم اسْتَبْدَل- شرها بمكارم حضارة عريقة.
مولى المكارم يرعاها ويعمرها ** إن المكارم قد قلت مواليها
ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفضيل ينبغي أن يراعى عند النظر إليه أمران:
الأول: أن النظرة هنا إلى طبائع الشعوب والأجناس مجردة عما تأثرت به من أمور خارجة عنها، فمن استصلح بالشرع والدين يفضل من سواه ويعلوه بقدر ما قام فيه من دين. ومَن فضّلَ العرب إنما فضلهم لمكارم الأخلاق التي اتصفوا بها، وجاءت الشرائع بتميمها، فإذا التزم الناس بالشرائع فلا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى، والأصل أن الناس معادن(13).
الثاني: أنه وصف عام وعند التفصيل ومقارنة الأفراد يشذ بعضهم، فقد تجد شخصاً من العجم يفضل بعض العرب في أخلاقه وصفاته، ولكن عند الإطلاق والتعميم فالعرب أفضل ممن سواهم.
والشاهد من هذا التقرير هو أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والأرض التي ينشأ عليها لها صلة وثيقة بأخلاقه وعاداته، وقد عرفت العرب هذه العلاقة منذ زمن بعيد، ولهذا كانوا يدفعون أولادهم إلى المراضع "لينشأ الطفل في الأعراب ، فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا يفارق الهيئة المعدية وقد قال - عليه السلام - لأبي بكر - رضي الله عنه - حين قال له: "ما رأيت أفصح منك يا رسول الله". فقال: (وما يمنعني ، وأنا من قريش ، وأرضعت في بني سعد ؟) فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات . وقد ذُكِر أن عبد الملك بن مروان كان يقول أضر بنا حُب الوليد لأن الوليد كان لحّاناً، وكان سليمان فصيحاً; لأن الوليد أقام مع أمه، وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية، فتعربوا، ثم أدبوا فتأدبوا"(14)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فرق بين من يتقلب في عيش لين الأعطاف رطب، وبين آخر تربى في بيئة شديدة وعرة، فذلل شظف العيش وركب صعبه، وقد قيل:
إنما الإسلام في الصحرا امتهد**ليجيء كل مسلم أسد
فإذا شرف العرب لأخلاقهم وصفاتهم فالبيئة [الجزيرة العربية] هي التي ساعدت في صنع كثير من تلك الأخلاق والخصال التي تميز بها العرب(15)، ولهذا كانت الجزيرة العربية أفضل من غيرها.
--------------------------------------------------------------------------------
1 - نوادر الأصول في أحاديث الرسول ص106، لمحمد بن علي الحكيم الترمذي، طبعة المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
2 - انظر تفسير القرطبي 1/141.
3 - السابق 4/263.
4 - انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 9/379، لمحمد بن عبدالرحمن المباركفوري، طبعة دار الكتب العلمية.
5 - اقتضاء الصراط المستقيم 1/148، لشيخ الإسلام ابن تيمية. وانظر كذلك ص156، وقد نسب القول بفضل العرب للجمهور في منهاج السنة النبوية 4/599.
6 - انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير 4/515، لعبد الرؤوف المناوي، الطبعة الأولى للمكتبة التجارية الكبرى.
7 - انظر اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام بن تيمية، 1/154، الطبعة الثانية لمطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.
8 - السابق 1/148.
9 - لابن القيم -رحمه الله- فصل في الدليل على فضل العرب، وللمقدسي مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب، وللهيتمي مبلغ الأرب في فخر العرب، اختصره الهيتمي من كتاب حافل للحافظ العراقي.
10 - انظر نوادر الأصول في أحاديث الرسول، لأبي عبدالله الحكيم الترمذي ص96.
11 - خصائص جزيرة العرب ص61، للشيخ بكر أبو زيد. مع اختصار يسير.
12 - جزيرة الإسلام ص42-46، للشيخ سلمان بن فهد العودة، والنقل باختصار وتصرف يسير.
13 - جزء من حديث الصحيحين، انظر صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى }لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين{ 3381، وصحيح مسلم رقم 2526.
14 - انظر الروض الأنف، لعبدالرحمن بن عبدالله السهيلي، شرح حديث الرضاع 1/188، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية.
15 - ذكر الشيخ بكر أبو زيد في كتابه خصائص الجزيرة ص63-66 ستاً وعشرين ميزة للعرب وجزيرتهم نقلاً عن كتاب أم القرى فلتراجع.(/4)
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف (3-6) 17/7/1424
المشرف العام على موقع المسلم أ.د ناصر بن سليمان العمر
تعلق العرب في شتى الأمصار بأرض الجزيرة:
لا يخفى على القارئ الكريم أن العرب الأصليين الذين تفرقوا في شتى الأمصار أصولهم من الجزيرة العربية وإن بَعُد العهد، هذا ما قرره من عنوا بالتقاسيم والأقاليم، وغيرهم من المحققين، قال القلقشندي: "اعلم أن مساكن العرب في ابتداء الأمر، كانت بجزيرة العرب"(1)، وهو قول المعاصرين من الباحثين في هذا الحقل، قال المقريزي: "ولاخلاف بيننا في أن هذه القبائل العربية التي ملأت الأقطار العربية على اتساع رقعتها، قد انبعث كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية"(2)، وقال: "وليس من شك في أن المستودع الأول في شبه الجزيرة العربية الذي أمد شطري الوادي بالعناصر العربية منذ عصور الجاهلية، هو نفسه الذي أمد بلاد المغرب كلها في أفريقية، وبلاد الشام والعراق في آسيا.." (3).
قال شيخ الإسلام :".. وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعث وقبله فلما جاء الإسلام وفتحت الأمصار سكنوا سائر البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وإلى سواحل الشام وأرمينية وهذه كانت مساكن فارس والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلاد قسمين منها ما غلب على أهله لسان العرب حتى لا تعرف عامتهم غيره ... ومنها ما العجمة كثيرة فيهم أو غالبة عليهم .. فهذه البقاع انقسمت إلى ما هو عربي ابتداء وما هو عربي انتقالا وإلى ما هو عجمي وكذلك الأنساب ثلاثة أقسام قوم من نسل العرب وهم باقون على العربية لسانا ودارا أو لسانا لا دارا أو دارا لا لسانا وقوم من نسل العرب بل من نسل بني هاشم ثم صارت العربية لسانهم ودارهم أو أحدهما وقوم مجهولو الأصل لا يدرون أمن نسل العرب هم أو من نسل العجم وهم أكثر الناس اليوم "(4).
والمقصود أن أصول العرب في مشارق الأرض ومغاربها ترجع إلى الجزيرة العربية في كثير من الأحيان، وهذا بدوره يجعل للجزيرة العربية في كثير من القلوب مكاناً وقد قيل:
نَقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلاّ للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبد اً لأول منزل
وقبيح بنا وإن قدم العهد ** هوان الأباء و الأجداد
جزيرة العرب وقبائلها بعد البعثة
قبائل العرب وتواجدها في الجزيرة العربية في العصر النبوي
جزيرة العرب مهوى أفئدة المسلمين :
وعيرني الواشون أني أحبها**وتلك شكاة زائل عنك عارها
لمّا كانت الجزيرة مهبط الوحي وسابقة الأراضي للإسلام -فما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه سائر الجزيرة العربية(5) لمّا كان الأمر كذلك عظمت مكانة الجزيرة في قلوب المسلمين جميعاً عرباً وعجماً، ولاغرابة فهي التي مدت البقاع والأصقاع بالإسلام، فلا عجب إذا قرأت في بعض التراجم، عن بعض أهل العلم من الأعاجم، أنه كان: "واسع الاطلاع بشئون العالم الإسلامي، شديد التعلق بجزيرة العرب والحجاز والحرمين الشريفين، عميق الحق، شديد التعظيم للنبي -صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وأهل بيته- شديد الحب للعرب، يسوؤه ويؤلمه ذمهم وانتقاص حقهم وفضلهم، خبيراً بجغرافية الجزيرة العربية، ألف كتاباً باللغة العربية في هذا الموضوع في شبابه"(6).
وكيف لا يكون للمسلمين في المشارق والمغارب تعلق بها وهم يتوجهون تلقاءها في الخمسة الأوقات. وقد قال قائلهم إقبال:
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا بمسامع الروح الأمين فكبرا
وهذا التَعَلُّق نلحظه في كثير من العجم وبخاصة في شبه القارة الهندية، فتراهم يكبرون ويجلون من عرفوا أنه من أرض العرب، وهذا كثير فيمن عنوا بالشرع والدين، ولاسيما من لم يعش منهم بأرض الجزيرة، وأما من عاش فيها فكثير منهم تغيرت نظرته إما لاختلاف واقع أحفاد أبي بكر وعمر وسائر الصحابة- عمّا في مخيلته، أو نتيجة معاملة وأخلاقٍ ليست بأخلاق أهل هذه البلاد،
--------------------------------------------------------------------------------
1نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص51.
2 البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب ص74، للمقريزي.
3 السابق ص 95.
4 اقتضاء الصراط المستقيم 1/166-167 باختصار.
5 انظر التماس السعد في الوفاء بالوعد للسخاوي ص3، وكذلك أسد الغابة لابن الأثير ص602 ترجمة حبة بن بعكك.
6 نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ص1917، لعبد الحي اللكنوي، والكلام هنا عن ابنه عبدالعلي بن عبدالحي.(/5)
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف
الإرث الحضاري التاريخي لجزيرة العرب
جزيرة العرب وعلاقتها بفضل العرب
تعلق العرب في شتى الأمصار بأرض الجزيرة
جزيرة العرب ودعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
جزيرة العرب ودعوة محمد عليه الصلاة والسلام
وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون- ثم المراجع
إعداد القسم العلمي
مشاركة أ.د ناصر بن سليمان العمر
المشرف العام على موقع المسلم
www.almoslim.net
ضمن أوراق
البعد الرسالي لمجلس التعاون الخليجي
بإشراف مركز البحوث والدراسات
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
بدولة قطر
نشر في رمضان 1423- نوفمبر 2002م
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف
أولاً: الإرث الحضاري التاريخي لجزيرة العرب:
إن لأهل الجزيرة العربية(1) ثروة تاريخية ثرة، وإرث حضاري يمتد عبر قرون بعيدة وأزمنة مديدة، يجب أن يستلهموا منه دروساً، وأن يأخذوا منه عبراً، للمضي بحضارتهم ورسالتهم قُدماً.
فجزيرة العرب بها أم القرى، وبيت الله الحرام، ومدينة النبي، ومسجده عليه الصلاة والسلام، وما بين البيت إلى المنبر، روضة من رياض الجنة(2):
بطيبة رسمٌ للرسول ومعهد منيرٌ
و قد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد
و واضح آيات و باقي معالم
وربع له فيه مصلى ومسجد
به حجرات كان ينزل وسطها
من الله نور يستضاء و يوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها
أتاها البلي فالآي منها تجدد
وفيها كان الخلفاء الراشدون، والأنصار والمهاجرون، وبها عقدت رايات المسلمين، وقويت أمور الدين، وأيضاً فإن فيها المناسك والمشاعر، والمواقيت والمناحر:
إذا هَزَّنا الشوقُ اضطربنا لهزه
على شُعُبِ الرحل اضطراب الأراقم
فمن صبواتٍ تستقيم بمائلٍ
ومن أريحيات ٍ تهُبُ بنائمِ
وأَسْتَشْرِفُ الأَعْلامَ حتى يدلني
على طيبها مَرُّ الرياحِ النواسمِ
وهل أنسم الأرواح إلاّ لأنها
تَهبُ على تلك الربى و المعالمِ؟
كما أنها جزيرة شِعرية، ذكرها الفحول في دواوينهم، فدرسها الشُرَّاح في مصنفاتهم، فإذا قرأتها وجدت زمزم و الحطيم، ودداً و أشداخ، ومدافع الريان، وشماريخ رضوى، وبرقة ثهمد، وحومانة الدراج ، وتقادمت فالجبس فالسوبان، وهجر وجواثا، وإضم والجواء، وتهامة والحجاز، والعروض واليمن، واليمامة والرميصاء بل أرض نجد كلها:
وإني وإن فارقت نجداً وأهله
لمحترق الأحشاء شوقاً إلى نجدِ
أروح على وجدٍ وأغدو على وجدٍ
وأعشق أخلاقاً خلقن من المجدِ
آخر:
أقول لصاحبي والعيس تخدي
بنا بين المنيفة فالضمار
تمتع من شميم عرار نجد
فما بعد العشية من عرار
ألا يا حبذا نفحات نجد
ورياً روضه غب القَطار
(وربك) إذ يحل الناس نجداً
وأنت على زمانك غير زار
شهور ينقضين و ما شعرنا
بأنصَاف لهنَّ ولا سرار
ولو استطردنا بذكر شيء مما ورد في أشعارهم لطال المقال(3)، فأي دار من ديارها ما وقفوا عليها؟ وأي أطلال دوارس ماهز بعضهم شوق إليها، وحسبك قول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
و فوق ذلك تجد في تلك المصنفات ذكر عشائر الجزيرة وقبائلها وخصائصهم، وأمور دقيقة متعلقة بهم.
__________
(1) قال سماحة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله- : "فيحدها غرباً بحر القلزم -والقلزم مدينة على طرفه الشمالي ويقال بحر الحبشة وهو المعروف الآن باسم البحر الأحمر، ويحدها جنوباً بحر العرب ويقال بحر اليمن، وشرقاً خليج البصرة الخليج العربي، والتحديد من هذه الجهات الثلاث بالأبحر المذكورة محل اتفاق بين المحدثين والفقهاء والمؤرخين والجغرافيين وغيرهم... و يحدها شمالاً ساحل البحر الأحمر الشرقي الشمالي وما على مُسامَتتِهِ شرقاً؛ من مشارف الشام وأطراره [الأردن حالياً] ومنقطع السماوة من ريف العراق، والحد غير داخل في المحدود هنا" خصائص جزيرة العرب ص17-18 باختصار يسير. الطبعة الثانية 1418 دار ابن الجوزي.
(2) انظر صحيح البخاري حديث رقم 1195، وصحيح مسلم حديث رقم 1390.
(3) انظر في ذلك مثلاً صفة جزيرة العرب للحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني ص 319 وما بعدها. طبعة دار اليمامة 1397 بتحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي.(/1)
وفضلاً عن ذلك فقد كان للحضارات القديمة فيها شأن عظيم بل إن أول الحضارات البشرية قامت بها وأَهَلتْها وذلك لمّا بنى آدم عليه السلام بيت الله الحرام(1) فكان أول بيت وضع للناس ببكة مباركاً، وقد ذكر العليم الحكيم في القرآن الكريم عن حضارات الجزيرة العربية ما لم يذكره عن غيرها من الأمم والحضارات التي قامت في شتى البلدان والأقاليم فسادت ثم بادت.
ألا ترى أن جزيرة العرب، أرض معجزات نبوية، ومجال رسالات سماوية ، ففيها بلد سبأ، وسدُّ مأرب، وعرشٌ عظيم، وبئرٌ معطلة، وقصر مشيد، بل سائر بلاد عاد؛ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي، وأصحابُ الرس، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الأخدود، وقبر هود، ودعوة إبراهيم، وحجر صالح، ومدين شعيب، ومرتع إسماعيل، وملجأ موسى، ومهد محمد -صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين- ومثواه:
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد(2)
ثم كانت أرض الجزيرة وطاءً لخير القرون وأديمها لحافاً لجُلِّهم بعد أن غيبوا تحت أطباق ثراها.
وشتان شتان بين قبر لأبي بكر وعمر، وآخر لخوفو وخفرع! بون واسع وفرق شاسع بين روضة من رياض الجنة وحفرة من حفر النار:
لئن تطاول بالأهرام منهزم ... ... فنحن أهرامنا سلمان أو عمر
ومع هذا كله فأرض الجزيرة العربية تشتمل على حدود جليلة، وكُوَرٍ جسيمة، فهي من أمد الأقاليم مساحة، وأفسحها ساحة، وأعظمها حرمة، وأشرفها مدناً، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ...)(3).
لحكمة ٍ بالغة ٍ قضاها ... يستوجب الحمد على اقتضاها
وقد فضل جزيرة العرب على ما سواها جمع ممن عنوا بالأقاليم والبلدان. قال الهمداني: "أفضل البلاد المعمورة من شق الأرض الشمالي إلى الجزيرة الكبرى ... وتسمى جزيرة العرب"(4)، وقال القلقشندي: ".. بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمورة وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه، حيث الكعبة الحرام .."(5)، قال المقدسي في أحسن التقاسيم: "وهي أمد الأقاليم مساحة، وأفسحها ساحة، وأفضلها تربة، وأعظمها حرمة، وأشرفها مدناً"(6).
فجزيرة العرب من أفضل البلاد وأشرفها قال الشيخ بكر أبوزيد: "كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولهذه الجزيرة جملة أسماء؛ كلها مضافة إلى العرب لا غير"(7) وذكرها: [جزيرة العرب]، و[أرض العرب]، و [بلاد العرب]، و[وديار العرب]، و[الجزيرة العربية]، و[شبه جزيرة العرب]، [وشبه الجزيرة العربية].
ومما يدل على شرفها أيضاً كثرة ما صنف فيها، وقد أشار الشيخ بكر إلى شيء منها، ومما كُتب زيادة على ما ذكر(8)، والشأن هنا أيضاً في ذكر المؤلفات المفردة عن هذه الجزيرة على اختلاف مقاصد المؤلفين:
جزيرة العرب للأصمعي، يذكره من ترجم له.
جزيرة العرب لأبي سعيد السيرافي، ذكره الباباني في هدية العارفين، وغيره.
__________
(1) ذكر ابن حجر في الفتح أقوالاً في أول من بنى البيت فذكر آدم والملائكة وشيث ابن آدم، ثم قال والأول أثبت، قال السيوطي في شرح سنن النسائي عند تعليقه على حديث:" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَيّ مَسْجِد وُضِعَ أولاً؟ قال: (المسجد الحرام). قلت: ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى). قُلْت: وكم بينهما؟ قال: (أَرْبَعُونَ عَامًا) قال القرطبي: فيه إشكال، وذلك أن المسجد الحرام بناه إبراهيم عليه السلام بنص القرآن, والمسجد الأقصى بناه سليمان عليه السلام، كما أخرجه النسائي من حديث ابن عمر، وسنده صحيح، وبين إبراهيم وسليمان أياماً طويلة، قال أهل التاريخ أكثر من ألف سنة. قال: ويرتفع الإشكال بأن يقال: الآية والحديث لا يدلان على بناء إبراهيم وسليمان -لِما بينّا- ابتداء وضعهما لهما, بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما وبدأه، وقد روي: أول من بنى البيت آدم، وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عاماً. انتهى. قُلْت: بل آدم نفسه هو الذي وضعه أيضاً، قال الحافظ ابن حجر في كتاب التيجان لابن هشام: إن آدم لمّا بنى الكعبة أمره الله –تعالى- بالسير إلى بيت المقدس, وَأَنْ يَبْنِيَهُ فَبَنَاهُ وَنَسَكَ فِيهِ" كتاب المساجد باب ذكر أي مسجد وضع أولاً، حديث رقم 689، سنن النسائي بشرح السيوطي 2/362، الطبعة الخامسة لدار المعرفة، 1420.
(2) البيت من مرثية حسان –رضي الله عنه- التي مطلعها: بطيبة رسم للرسول ومعهد.
(3) القصص: 68.
(4) صفة جزيرة العرب ص3، للهمداني.
(5) نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص15، لأبي العباس أحمد القلقشندس، طبعة دار الكتاب المصري مع دار الكتاب اللبناني، بتحقيق إبراهيم الأبياري.
(6) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص38، للمقدسي.
(7) انظر خصائص جزيرة العرب للشيخ بكر أبو زيد ص15، ومن أسمائها كذلك ما ذكره الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب ص3؛ ألا وهو [الجزيرة الكبرى] وقد مضى نصه.
(8) انظر خصائص جزيرة العرب لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد –حفظه الله- ص12.(/2)
جزيرة الإسلام للشيخ سلمان العودة، مطبوع، وما يليه كذلك.
جزيرة العرب مهد الحضارة الإنسانية، لمحمد معروف الدواليبي.
مرآة جزيرة العرب، لأبي أيوب صبري باشا.
السكان والاقتصاد والعمل قبل قرن في جزيرة العرب، أحمد اليحيى.
جغرافية شبه جزيرة العرب، لمحمود أبو العلا.
جغرافية جزيرة العرب، لعمر رضا كحالة.
رحلات في شبه جزيرة العرب، لجون لويس بوركهات.
جزيرة العرب قبل الإسلام، لبرهان الدين دلو.
تاريخ جزيرة العرب القديم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لعبدالله العثيمين.
وفود القبائل على الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتشار الإسلام في جزيرة العرب، لحسن جبر.
جزيرة العرب: مصير أرض وأمة، لمحمد ولد داداه.
شبه جزيرة العرب، لمحمود شاكر، وهو مجموعة كتب جعل لكل قسم أو أقسام منها كتاباً.
أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ: جزيرة العرب، لمحمد عبدالهادي، وفاء محمد.
صور من شمالي جزيرة العرب: في منتصف القرن التاسع عشر، لجورج أوغست، ترجمة سمير الشبلي.
أرض المعجزات: رحلة في جزيرة العرب، لعائشة عبدالرحمن.
جزيرة العرب في العصر الحديث، لصلاح العقاد.
الجزيرة العربية: موطن العرب ومهد الإسلام، لمصطفى مراد الدباغ.
لمحات عن تطور الفكر في جزيرة العرب في القرن العشرين، لفهد المبارك.
جزيرة العرب في القرن العشرين، لحافظ وهبة.
النهضات الحديثة في جزيرة العرب، لمحمد عبدالله ماضي.
مشاهداتي في جزيرة العرب، لأحمد حسين.
اكتشاف جزيرة العرب: خمسة قرون من الحضارة والعلم، جاكلين بيرين، ترجمة قدري قلعجي.
دراسات عن تاريخ الخليج العربي والجزيرة العربية، لصباح إبراهيم الشيخلي.
وقد أغفلنا شيئاً مما كتب في جيولوجيتها وتضاريسها للاكتفاء بما ذكر، أما التسجيلات المرئية، والندوات، وما كتب في المجلات من مقالات متخصصة عن الجزيرة العربية فأكثر من أن تحصر، ولا أطيل بسرد بعضها ففيما سبق غنية وكفاية.
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف 2-6
ثانياً: جزيرة العرب وعلاقتها بفضل العرب:
سل المعاني عنا إننّا عرب
شعارنا المجد يهوانا ونهواه
هي العروبة لفظ إن نطقت به(/3)
لقد قرر أهل العلم أن العرب هم "رأس الأمة وسابقوها إلى المكارم"(1) فهم "أفضل من العجم"(2) بل "أفضل من غيرهم"(3) بل "أفضل الأمم"(4) قاطبة،قال شيخ الإسلام: "ولهذا ذكر أبومحمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها: وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية، وساق كلاما طويلاً إلى أن قال: ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي، الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف. ويروون هذا الكلام عن أحمد نفسه، في رسالة أحمد بن سعيد الأصطخري عنه إن صحت، وهو قوله وقول عامة أهل العلم"(5) وقال الكرماني أيضاً: "فالعرب أفضل الناس، وقريش أفضلهم، هذا مذهب الأئمة وأهل الأثر والسنة.."(6) قال شيخ الإسلام: "(إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) الحديث، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحق، ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم، لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى"(7) وقال قبلها: "فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم...وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور"(8)، وقد وضع المصنفون كُتباً وأجزاء في الدليل على فضل العرب فلتراجع(9).
وسر تفضيل العرب على من سواهم، هو ما تميزوا به من خصال حميدة، وأخلاق نبيلة ، كما قال الحكيم الترمذي: "فالعرب بالأخلاق شرفوا، وإلاّ فالشجرة واحدة وهو خليل الرحمن"(10) وقال الشيخ بكر: "فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها ... لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم"(11)، كما أنهم "أطوع للخير، وأقرب للسخاء، والحلم، والشجاعة، والوفاء ... أصحاب إباء لا يعرفون التزلف والنفاق وتحمل الاستبداد.. ومما تميز به العرب الصدق، حتى الذين كانوا يحاربون الإسلام ظهر صدقهم في أمور"(12). فيا لله كيف انتكست بعد ذلك الفطر وتغيرت العقول ففتن بعضنا بحضارة غربية قاصرة على جوانب قاصرة فيها ما فيها، واسْتَبْدَل -يوم اسْتَبْدَل- شرها بمكارم حضارة عريقة.
مولى المكارم يرعاها ويعمرها ... ... إن المكارم قد قلت مواليها
ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفضيل ينبغي أن يراعى عند النظر إليه أمران:
__________
(1) نوادر الأصول في أحاديث الرسول ص106، لمحمد بن علي الحكيم الترمذي، طبعة المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
(2) انظر تفسير القرطبي 1/141.
(3) السابق 4/263.
(4) انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 9/379، لمحمد بن عبدالرحمن المباركفوري، طبعة دار الكتب العلمية.
(5) اقتضاء الصراط المستقيم 1/148، لشيخ الإسلام ابن تيمية. وانظر كذلك ص156، وقد نسب القول بفضل العرب للجمهور في منهاج السنة النبوية 4/599.
(6) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير 4/515، لعبد الرؤوف المناوي، الطبعة الأولى للمكتبة التجارية الكبرى.
(7) انظر اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام بن تيمية، 1/154، الطبعة الثانية لمطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.
(8) السابق 1/148.
(9) لابن القيم -رحمه الله- فصل في الدليل على فضل العرب، وللمقدسي مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب، وللهيتمي مبلغ الأرب في فخر العرب، اختصره الهيتمي من كتاب حافل للحافظ العراقي.
(10) انظر نوادر الأصول في أحاديث الرسول، لأبي عبدالله الحكيم الترمذي ص96.
(11) خصائص جزيرة العرب ص61، للشيخ بكر أبو زيد. مع اختصار يسير.
(12) جزيرة الإسلام ص42-46، للشيخ سلمان بن فهد العودة، والنقل باختصار وتصرف يسير.(/4)
الأول: أن النظرة هنا إلى طبائع الشعوب والأجناس مجردة عما تأثرت به من أمور خارجة عنها، فمن استصلح بالشرع والدين يفضل من سواه ويعلوه بقدر ما قام فيه من دين. ومَن فضّلَ العرب إنما فضلهم لمكارم الأخلاق التي اتصفوا بها، وجاءت الشرائع بتميمها، فإذا التزم الناس بالشرائع فلا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى، والأصل أن الناس معادن(1).
الثاني: أنه وصف عام وعند التفصيل ومقارنة الأفراد يشذ بعضهم، فقد تجد شخصاً من العجم يفضل بعض العرب في أخلاقه وصفاته، ولكن عند الإطلاق والتعميم فالعرب أفضل ممن سواهم.
والشاهد من هذا التقرير هو أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والأرض التي ينشأ عليها لها صلة وثيقة بأخلاقه وعاداته، وقد عرفت العرب هذه العلاقة منذ زمن بعيد، ولهذا كانوا يدفعون أولادهم إلى المراضع "لينشأ الطفل في الأعراب ، فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا يفارق الهيئة المعدية وقد قال - عليه السلام - لأبي بكر - رضي الله عنه - حين قال له: "ما رأيت أفصح منك يا رسول الله". فقال: (وما يمنعني ، وأنا من قريش ، وأرضعت في بني سعد ؟) فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات . وقد ذُكِر أن عبد الملك بن مروان كان يقول أضر بنا حُب الوليد لأن الوليد كان لحّاناً، وكان سليمان فصيحاً; لأن الوليد أقام مع أمه، وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية، فتعربوا، ثم أدبوا فتأدبوا"(2)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فرق بين من يتقلب في عيش لين الأعطاف رطب، وبين آخر تربى في بيئة شديدة وعرة، فذلل شظف العيش وركب صعبه، وقد قيل:
إنما الإسلام في الصحرا امتهد ... ليجيء كل مسلم أسد
فإذا شرف العرب لأخلاقهم وصفاتهم فالبيئة [الجزيرة العربية] هي التي ساعدت في صنع كثير من تلك الأخلاق والخصال التي تميز بها العرب(3)، ولهذا كانت الجزيرة العربية أفضل من غيرها.
وإني وإن فارقت نجداً وأهله
أروح على وجدٍ وأغدو على وجدٍ ... لمحترق الأحشاء شوقاً إلى نجدِ
وأعشق أخلاقاً خلقن من المجدِ
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف 3-6
ثالثاً: تعلق العرب في شتى الأمصار بأرض الجزيرة:
ولا يخفى على القارئ الكريم أن العرب الأصليين الذين تفرقوا في شتى الأمصار أصولهم من الجزيرة العربية وإن بَعُد العهد، وهذا ما قرره من عنوا بالتقاسيم والأقاليم، وغيرهم من المحققين، قال القلقشندي: "اعلم أن مساكن العرب في ابتداء الأمر، كانت بجزيرة العرب"(4)، وهو قول المعاصرين من الباحثين في هذا الحقل، قال المقريزي: "و لا خلاف بيننا في أن هذه القبائل العربية التي ملأت الأقطار العربية على اتساع رقعتها، قد انبعث كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية"(5)، وقال: "وليس من شك في أن المستودع الأول في شبه الجزيرة العربية الذي أمد شطري الوادي بالعناصر العربية منذ عصور الجاهلية، هو نفسه الذي أمد بلاد المغرب كلها في أفريقية، وبلاد الشام والعراق في آسيا.."(6).
قال شيخ الإسلام :".. وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعث وقبله فلما جاء الإسلام وفتحت الأمصار سكنوا سائر البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وإلى سواحل الشام وأرمينية وهذه كانت مساكن فارس والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلاد قسمين منها ما غلب على أهله لسان العرب حتى لا تعرف عامتهم غيره ... ومنها ما العجمة كثيرة فيهم أو غالبة عليهم .. فهذه البقاع انقسمت إلى ما هو عربي ابتداء وما هو عربي انتقالا وإلى ما هو عجمي وكذلك الأنساب ثلاثة أقسام قوم من نسل العرب وهم باقون على العربية لسانا ودارا أو لسانا لا دارا أو دارا لا لسانا وقوم من نسل العرب بل من نسل بني هاشم ثم صارت العربية لسانهم ودارهم أو أحدهما وقوم مجهولو الأصل لا يدرون أمن نسل العرب هم أو من نسل العجم وهم أكثر الناس اليوم "(7)
والمقصود أن أصول العرب في مشارق الأرض ومغاربها ترجع إلى الجزيرة العربية في كثير من الأحيان، وهذا بدوره يجعل للجزيرة العربية في كثير من القلوب مكاناً وقد قيل:
نَقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... ما الحب إلاّ للحبيب الأول
وحنينه أبد اً لأول منزل
وقبيح بنا وإن قدم العهد ... هوان الأباء و الأجداد
__________
(1) جزء من حديث الصحيحين، انظر صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) 3381، وصحيح مسلم رقم 2526.
(2) انظر الروض الأنف، لعبدالرحمن بن عبدالله السهيلي، شرح حديث الرضاع 1/188، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية.
(3) ذكر الشيخ بكر أبو زيد في كتابه خصائص الجزيرة ص63-66 ستاً وعشرين ميزة للعرب وجزيرتهم نقلاً عن كتاب أم القرى فلتراجع.
(4) نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص51.
(5) البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب ص74، للمقريزي.
(6) السابق ص 95.
(7) اقتضاء الصراط المستقيم 1/166-167 باختصار.(/5)
قبائل العرب وتواجدها في الجزيرة العربية في العصر النبوي
جزيرة العرب مهوى أفئدة المسلمين:
وعيرني الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة زائل عنك عارها
لمّا كانت الجزيرة مهبط الوحي وسابقة الأراضي للإسلام -فما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه سائر الجزيرة العربية(1)لمّا كان الأمر كذلك عظمت مكانة الجزيرة في قلوب المسلمين جميعاً عرباً وعجماً، ولاغرابة فهي التي مدت البقاع والأصقاع بالإسلام، فلا عجب إذا قرأت في بعض التراجم، عن بعض أهل العلم من الأعاجم، أنه كان: "واسع الاطلاع بشئون العالم الإسلامي، شديد التعلق بجزيرة العرب والحجاز والحرمين الشريفين، عميق الحق، شديد التعظيم للنبي -صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وأهل بيته- شديد الحب للعرب، يسوؤه ويؤلمه ذمهم وانتقاص حقهم وفضلهم، خبيراً بجغرافية الجزيرة العربية، ألف كتاباً باللغة العربية في هذا الموضوع في شبابه"(2).
وكيف لا يكون للمسلمين في المشارق والمغارب تعلق بها وهم يتوجهون تلقاءها في الخمسة الأوقات. وقد قال قائلهم إقبال:
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم ... والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا ... بمسامع الروح الأمين فكبرا
وهذا التَعَلُّق نلحظه في كثير من العجم وبخاصة في شبه القارة الهندية، فتراهم يكبرون ويجلون من عرفوا أنه من أرض العرب، وهذا كثير فيمن عنوا بالشرع والدين، ولاسيما من لم يعش منهم بأرض الجزيرة، وأما من عاش فيها فكثير منهم تغيرت نظرته إما لاختلاف واقع أحفاد أبي بكر وعمر وسائر الصحابة- عمّا في مخيلته، أو نتيجة معاملة وأخلاقٍ ليست بأخلاق أهل هذه البلاد، ولكنها أخلاق حضارات وافدة فتحت لها الصدور فتطاير شررها واستشرى شرها.
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف 4-6
رابعاً: جزيرة العرب ودعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
ومن مميزات جزيرة العرب التي جعلتها ذات حضارة رائدة متميزة، قيام دعوة إبراهيم عليه السلام بها:
هي الحنيفية عين الله تكلؤها ... فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(3) (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(4)، فاستجاب الله دعوته؛ وجعل في نسله من الأنبياء من يقوم بدعوة الحنيفية يحوطها ويرعاها ويتممها، فكان إسماعيل عليه السلام أبا العرب، ورسولهم، والمجدد الأول لملة إبراهيم -عليه السلام- وعن بنيه انتشرت بقايا الحنيفية في سائر أرجاء الجزيرة العربية، وصارت الحنيفية الديانة الرسمية لشبه الجزيرة العربية.
__________
(1) انظر التماس السعد في الوفاء بالوعد للسخاوي ص3، وكذلك أسد الغابة لابن الأثير ص602 ترجمة حبة بن بعكك.
(2) نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ص1917، لعبد الحي اللكنوي، والكلام هنا عن ابنه عبدالعلي بن عبدالحي.
(3) البقرة: 126.
(4) إبراهيم: 37.(/6)
ولقد ظل العرب رواد حضارة نبوية مجيدة ردحاً من الزمن، ثم تقادمت بهم السنون، اندرست معالم حضارة التوحيد شيئاً فشيئاً، إلى أن جاء عمرو بن لحي الخزاعي واستورد عبادة الأصنام عن دين العماليق بأرض الشام(1)، قال صلى الله عليه وسلم: (رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار)(2)، وأورد "ابن إسحاق في السيرة الكبرى … أتم من هذا ولفظه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لأكثم بْن الْجَوْن: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، لأنه أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان وسَيَّبَ السَّائِبَة وَبَحَّرَ الْبَحِيرَة وَوَصَلَ الْوَصِيلَة وَحَمَى الْحَامِي )"(3)، وقال و" قال هشام وحدثني أبي وغيره أن إسماعيل عليه السلام لما سكن مكة وولد بها أولاده فكثروا حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد(4) والتماس المعاش فكان الذي حملهم على عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلاّ احتمل معه حجراً من حجارةِ الحرم، تعظيما للحرم وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالبيت حبا للبيت وصبابة به، وهم على ذلك يعظمون البيت ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم عبدوا ما استحسنوا ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم، واستخرجوا ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها على إرث ما بقى من ذكرها فيهم، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة وإهداء البدن مع إدخالهم فيه ما ليس منه"(5).
غير أنه بقيت فيهم قلة على الحنيفية مستقيمون، كأمثال زيد بن عمرو بن نفيل، قال ورقة بن نوفل -وهو كذلك من المتألهين قبل البعثة دارساً للكتاب- في رثائه:
رَشدت وأنعمت بن عمروٍ وإنما
بدَينِِك رباً ليس رب كمثله ... تجنبت تنوراً من النار حامياً
وتركك أوثان الطواغي كما هيا
إلى قوله:
فأصبحت في دار كريم مُقامها
تُلاقي خليلَ الله فيها ولم تَكُنْ
وقد تُدرِك الإنسان رحمة ربه ... تُعَلَلُ فيها بالكرامةِ لاهياً
من النّاس جباراً إلى النار هادياً
و لو كان تحت الأرض سبعين وادياً
وقد كان زيد يلتمس الحنيفية ملة إبراهيم، " فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهيم ; وبادى قومه بعيب ما هم عليه"(6).
وقد ثبت في صحيح البخاري "أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشأم يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالما من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم، فأخبرني. فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال: زيد ما أفر إلاّ من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبداً، وأنَّى أستطيعه؟ فهل تدلني على غيره قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله. فخرج زيد فلقي عالماً من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. قال: ما أفر إلاّ من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا أبداً، وأنَّى أستطيع؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام، خرج فلما برز رفع يديه فقال: اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم. وقال الليث كتب إلي هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة، يقول: يا معاشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيكها مئونتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مئونتها"(7)
ومن المتألهين قبل البعثة أيضاً أمية بن أبي الصلت الثقفي وهو القائل:
إنَّ آيات ربنا ثاقباتٌ
كل دينٍ يوم القيامةِ عند اللـ ... لا يماري فيهنَّ إلاّ الكفورُ
__________
(1) انظر فتح الباري لابن حجر كتاب المناقب حديث رقم 3520، 6/669، طبعة دار السلام 1421.
(2) صحيح مسلم حديث رقم 2856.
(3) فتح الباري لابن حجر كتاب المناقب حديث رقم 3520باختصار يسير.
(4) في نهاية هذا المبحث خارطة تبين تواجد العرب في الجزيرة قبل البعثة ص14.
(5) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 2/210، لابن القيم، بتحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي1357.
(6) السيرة النبوية لابن هشام 1/253-254، الطبعة السابعة لدار الكتاب العربي 1420.
(7) صحيح البخاري، كتاب المناقب، حديث رقم 3828.(/7)
ــــــــــه إلاّ دين الحنيفة ِ بورُ
وكان يرى ما آل إليه حال أهل الكتاب من الضلال ومن ذلك قوله:
فرأى الله حالهم بمضْيَعٍ
فسناها عليهمُ غادياتٍ ... لابذي مَزْرَعٍ ولا مَثْمُورا
وترى مُزنهم خَلايا وخُورا
إلى آخر ما قال، غير أنه لم يسلم بعد البعثة النبوية حسداً من عند نفسه. وما مضى يدل على بقايا سمحة كانت عند العرب، صقلت أذهانهم وجلت أبصارهم ليروا زيغ النصارى واليهود وما آلو إليه.
والخلاصة أن دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بالإضافة إلى الجانب الروحي الذي عمرته بالعبادات التي شرعتها والشعائر والمناسك التي تركتها وبقيت آثارها إلى حين البعثة النبوية الشريفة، فقد أرست دعائم حضارة فذة، في مجالات الحياة كلها، وقد كان لها أثر كبير على العرب وما تميزوا به من كريم خصال وحسن أخلاق، فلئن كان في العرب صدق ووفاء فإن أباهم كان صادقاً، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً)(1)، ولئن كان في العرب صبر وجلد فإن أباهم قال عند الذبح (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(2)، ولئن كانوا يجيدون القتال والرمي بالنبال فإن أباهم كان رامياً(3)، ولئن كانوا فرساناً فإن أباهم أول من ذللت له الخيل(4)، ولئن كان فيهم كرم فجدهم مالبث أن جاء بعجل حنيذ.
ثم لمّا ضاعت هويتهم الحنيفية السمحة، ذهبت حضارتهم، وأمسوا في شر حال كل عام يرذلون، وبالمقابل فقد سطعت شمس القياصرة، وتأججت نار الأكاسرة.
جزيرة العرب قبل البعثة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف 5-6
خامساً: جزيرة العرب ودعوة محمد عليه الصلاة والسلام:
جرت سنة الله القاضية بإهلاك المكذبين الظالمين، في أصحاب الحضارات السابقة من الأمم التي خلت في أرض الجزيرة. وذلك لمّا بطرت معيشتهم، وعتوا عن أمر ربهم، وتفاقم ظلمهم، (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ)(5)، (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)(6)، (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ)(7) (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ لأعأَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ)(8)، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً)(9).
إن من سنن الله عزوجل في هذه الحياة أن جعل لكل بداية نهاية، فمع اليوم غداً، وبعد الحدث جدثاً، ولكل مولود يوم موعود، وهذه سنة الله في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، فكم من حضارة قامت وازدهرت ثم ما لبثت أن تبدلت وتبددت. ولكن جعل الله لهذه السنن أسباباً ونواميس وقوانين؛ حتى يسهم البشر في صنعها؛ في تقديمها و تأخيرها، بحسب علمهم وحلمهم. وحتى يكون الجزاء من جنس العمل، فيقال يداك أوكتا وفوك نفخ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
__________
(1) مريم:54.
(2) الصافات: 102.
(3) في حديث البخاري وغيره: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً) انظر الصحيح كتاب الجهاد باب التحريض على الرمي حديث رقم 2899.
(4) انظر أخبار مكة 4/189، لمحمد بن إسحاق الفاكهي، الطبعة الأولى لمكتبة النهضة الحديثة 1407 بتحقيق عبدالملك بن دهيش.
(5) الحج: 45.
(6) القصص:58.
(7) الأنبياء: 11- 15.
(8) الأعراف: 96 – 98.
(9) الطلاق: 8 – 10.(/8)
وهكذا لمّا اندرست معالم التوحيد في أرض الجزيرة وترك الناس ملة الحنيفية خلا نفر قليل، واجتالت الشياطينُ البشرَ فتاهوا بين وثنية جائرة، ومجوسية فاجرة، ويهودية مدمرة، ونصرانية حائرة، (وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب)(1). أمست حضارة العرب في حضيض وغدو في شر حال(2) وآذن الناس بهلاك، ولكن اقتضت رحمة الله أن ينبثق فجرٌ وأن يُبعث رسولٌ يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم إلى صراط مستقيم:
لمّا أطل محمدٌ زكت الربى ... واخضر في البستان كل هشيم
فألف الله به بين الشمل وجمع به بين القلوب وعصم به من كيد الشيطان.
واقتضت حكمته أن تكون أرض النبوة الخاتمة والرسالة العالمية الخالدة هي أرض الجزيرة العربية. ليبلغ أهلها رسالة ربهم إلى الناس كافة "فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها .. لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم. فهم بالوصف الأول: أهل لفهم الدين وتلقيه. وبالوصف الثاني: أهل لحفظه، وعدم الاضطراب في تلقيه. وبالوصف الثالث: أهل لسرعة التخلق بأخلاقه، إذ هم أقرب إلى الفطرة السليمة... وبالوصف الرابع: أهل لمعاشرة بقية الأمم، إذ لا حزازات بينهم وبين الأمم الأخرى"(3).
ومن رعاية الله لهذه الجزيرة وأهلها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه سائرها.
ومن عناية النبي صلى الله عليه وسلم بها أنها كانت وصيته قبل موته عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ".. وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب .."(4)
وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً)(5). ومن ثمرة تلك الرعاية الإلهية والعناية النبوية ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: )إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم(6).
ومن لطف الله بهذه الجزيرة وأهلها، أنه قصم فئاماً من الظالمين اعتدوا فيها، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(7)، (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)(8)
الغدر أهلك عاداً في منازلها
من حمير حين كان البغي مجهرة ... والبغي أفنى قروناً دارها الجُنْد
منهم على حادث الأيام فانجردوا
...
وهذه سنة الله الباقية..
فمن موعود الله لنا ما ثبت في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم) قالت: "قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم" قال: (يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم)(9)
ولا مجال هنا للحديث عن حضارة الإسلام وكم سادت من قرون وكيف انتكس أهلها لمّا تخلو عنها، فإن النهار لا يحتاج إلى دليل، والمعروف لا يعرف، وما كتب أكثر من أن يحصر.
بالله سَلْ خلف بحر الروم عن عرب
فإن تراءت لك الحمراء عن كثب
وانزل دمشق وخاطب صخر مسجدها
وطف ببغداد وابحث في مقابرها
__________
(1) جزء من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه وهو عند مسلم برقم 2865.
(2) عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: " لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل" رواه الإمام أحمد في المسند 2684 ومن الميمنية6/3، ورجاله ثقات قال ابن كثير في التفسير 3/331 وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه. وساقه الطبري بسنده في التفسير 19/53 من رواية محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه، وراه ابن حبان في صحيحه 14/489 والطبراني في المعجم الكبير 20/253، والبخاري في الأدب المفرد 1/44.
(3) خصائص جزيرة العرب ص61، للشيخ بكر أبو زيد. مع اختصار يسير.
(4) صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب هل يستشفع إلى أهل الذمة رقم 3053.
(5) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب حديث رقم 1767.
(6) صحيح مسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس. حديث رقم2812.
(7) سورة الفيل.
(8) هود: 59 – 60.
(9) صحيح البخاري رقم 2118، ومسلم رقم 2882.(/9)
أين الرشيد وقد طاف الغمام به
هذي معالم خرس كل واحدة
ماض نعيش على أنقاضه أَمَمَا
لا در در امرئ يطري أوائله ... بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا
فسائل الصرح أين المجد والجاه
عمن بناه لعل الصخر ينعاه
علَّ امرئ من بني العباسِ تلقاه
فحين جاوز بغداد تحداه
قامت خطيباً فاغراً فاه
ونستمد القوى من وحي ذكراه
فخراً ويطرق إن ساءلته ما هو؟
والحاصل أن لأهل هذه الجزيرة مقوم من مقومات ظهور حضارتهم ألا وهو أس الحضارة وأساسها ذلك هو الإسلام، الذي وطئ كل أرض فدخل كل قلب صالح. ولئن سمعنا بأن بعض الدول الإسلامية نسبة المسلمين إلى المائة فيها مئوية، فأي دولة أعجمية -أياً كانت حضاراتها- لاوجود لمسلم فيها؟ وهذا دليل على قوة حضارة الإسلام ونفوذها. وبيان جلي عملي يؤكد صلاحها لأي زمان وفي كل مكان.
والإسلام باق، والتجربة التاريخية في القيادة الحضارية شاهدة ماثلة، والمقومات المادية موجودة، فإذا جمعنا هذه الثلاث واستفدنا منها كانت حضارتنا الأجدر بالسيادة والريادة، كما كانت في سابق عهدها.
جزيرة العرب بين التشريف والتكليف 6-6
سادساً: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون- ثم المراجع :
إن هذا القرآن شرف للعرب إذ نزل بلغتهم (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ...)(1) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً...)(2) (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً...)(3)، (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً...)(4).
وكيف لا يكون خطاب رب العالمين إلى كافة المكلفين عرباً وعجماً شرفاً للعرب، وقد جاء بلغتهم دون سواهم؟ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ...)(5) قال القرطبي: "يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم نظيره: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم) أي شرفكم فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك فصاروا عيالا عليهم لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا"(6)
وعلى قدر التشريف يأتي التكليف، ولهذا قال بعدها (وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)(7)، " أي عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له"(8) فأفهم الناس له، ينبغي "أن يكونوا أقوم الناس به، وأعلمهم بمقتضاه وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم"(9).
فمن قام بهذا التكليف استحق الذكر والتشريف، وبالمقابل من نبذ الرسالة وضيع الأمانة عاد عليه القعود عن التكليف بالتوبيخ والتعنيف، وكان معرضاً للوعيد والتهديد، ولعل من مناسبة قول الله عز وجل: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) بعد قوله: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(10)، الإشارة إلى أن القعود عن القيام بالذكر ظلمٌ عاقبته وخيمة قصمت مدناً وقرى وحضارات أترفت فغدا أهلها حصيداً خامدين.
فواجب على أهل الجزيرة، منبع العرب، ومشرق الإسلام، أن ينهضوا بحضارتهم، وألا يغفلوا عن تبليغ رسالات ربهم، فقد آتاهم الله ما لم يؤت أحداً من العالمين، وفضلهم على كثير من المخلوقين، (أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)(11)، (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)(12)، ومن ينهض بالتكليف يناله حظه من التشريف، ولن ينسى التاريخ صلاح الدين، ومحمود بن سبكتكين.
لاهم قد أصبحت أهواؤنا شيعاً
راع يعيد إلى الإسلام سيرته ... فامنن علينا براع أنت ترضاه
يرعى بنيه وعين الله ترعاه
حرر في
يوم الأربعاء 11/2/1423هـ
ثبت المراجع
البعد الرسالي لدول مجلس التعاون: المحور الأول
بالإضافة إلى القرآن الكريم وكتب السنة تم الرجوع إلى الكتب التالية:
الرقم ... اسم الكتاب ... المؤلف ... الطبعة ... ملاحظات
1. ... خصائص جزيرة العرب ... بكر أبوزيد ... دار ابن الجوزي الطبعة الثانية 1418-1997 ... -
2. ... جزيرة الإسلام ... سلمان العودة ... دار الوطن 1411 ... -
3. ... صفة جزيرة العرب للهمداني ... الهمداني ... دار اليمامة 1397 ... بتحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي
__________
(1) الزمر: 28.
(2) يوسف: 2.
(3) الأحقاف: 12.
(4) الرعد: 37.
(5) الزخرف: 44.
(6) تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 16/93، طبعة دار الكتاب العربي 1387.
(7) الزخرف: 44.
(8) تفسير ابن كثير 4/130، طبعة دار الفكر 1407.
(9) السابق 4/129.
(10) الأنبياء: 10.
(11) الأنعام: 89.
(12) الأنعام: 133.(/10)
4. ... فتح الباري ... ابن حجر ... دار السلام 1421 ... -
5. ... شرح سنن النسائي ... السيوطي ... دار المعرفة الطبعة الخامسة 1421 ... -
6. ... نوادر الأصول في أحاديث الرسول ... الحكيم الترمذي ... المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ... -
7. ... تفسير القرطبي ... القرطبي ... دار الكتاب العربي 1387 ... -
8. ... تحفة الأحوذي ... المباركفوري ... دار الكتب العلمية- بيروت ... -
9. ... اقتضاء الصراط المستقيم ... شيخ الإسلام ... الثانية- مطبعة السنة المحمدية- القاهرة 1369 ... -
10. ... منهاج السنة النبوية ... ،، ... الأولى- مؤسسة قرطبة 1406 ... -
11. ... فيض القدير ... المناوي ... الأولى- المكتبة التجارية الكبرى- 1356- مصر ... -
12. ... الروض الأنف ... السهيلي ... مكتبة الكليات الأزهرية ... -
13. ... نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ... القلقشندي ... دار الكتاب المصري مع دار الكتاب اللبناني ... بتحقيق الأبياري
14. ... البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب ... المقريزي ... - ... نقلاً عن موقع الوراق
15. ... التماس السعد في الوفاء بالوعد ... السخاوي ... - ... ،،
16. ... نزهة الخواطر وبهجة المسامع والناظر ... اللكنوي ... - ... ،،
17. ... أسد الغابة ... ابن الأثير ... - ... ،،
18. ... إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ... ابن القيم ... مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1357 ... بتحقيق محمد حامد الفقي
19. ... سيرة ابن هشام ... ابن هشام ... دار الكتاب العربي الطبعة السابعة 1420 ... -
20. ... أخبار مكة ... الفاكهي ... مكتبة النهضة الحديثة الطبعة الأولى 1407 ... بتحقيق عبدالملك بن دهيش
21. ... تفسير ابن كثير ... ابن كثير ... دار الفكر بيروت 1407 ... -(/11)
جسور المحبة
... جسور المحبة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا غله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلي الله عليه وعلي آله وصحبة وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن المحبة في الله ـ عز وجل ـ من أعظم عرى الإيمان وقواعده، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم .
وللمحبة جسور أقامها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بين المؤمنين، ووصل قلوبهم بها. وقد ذكر ـ سبحانه وتعالي ـ هذه الجسور في كثير من المواضع في كتابه العزيز، كقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات: الآية10) وقوله جلت قدرته : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(آل عمران: الآية103) ويقول تبارك اسمه : )وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63) وقصر سبحانه وتعالي الولاية علي المؤمنين فقال: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَ)(التوبة الآية71)وقال سبحانه وتعالي: )إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:55/56)
وقد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم جسور المحبة ـ أيضاً ـ فهو الذي أسسها وأرسى بناءها، ومد حبال الود في قلوب أتباعه إلي يوم الدين . قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم من حديث أبي هريرة : (( حق المسلم علي المسلم ست. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)).
وهذه المسائل تدعو إليها الحاجة، ولا يمر يوم أو لليلة إلا ويقع أحد أفرادها، ومع ذلك فإن كثيراً من الناس يقصر مع إخوانه المسلمين في أداء هذه الحقوق، فلا تراه يعود مريضاً أو يمشي في جنازة أو يسلم علي أحد.
ولما رأيت هذا الأمر واضحاً جلياً ، استعنت بالله، عز وجلـ في جميع مادة هذا الكتاب، وقد تناولت فيه بعضاً من تلك الجسور (( جسور المحبة)) تذكيراً لنفسي أولاً، ثم حثاً لإخواني علي مد هذه الجسور فيما بينهم، لتنشر المحبة والألفة والمودة بين المسلمين.
فهيا نتحاب.. وهيا نتآلف.. وهيا نتراحم..
آداب إسلامية
أولاً : التحية في الإسلام
السلام.. تحية الإسلام:
يقول صلي الله عليه وسلم في المسلم يقابل المسلم : (( إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه)). فالسلام هو التحية التي أنزلها الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم وهي تحية أهل الجنة. قال تعالي: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام)(الأحزاب: الآية44). وهي التحية التي رضيها الله ورسوله صلي الله عليه وسلم لأتباعه وأمته من بعده، ولا يجوز للمسلم أن يستبدل بتحية الإسلام غيرها من تحايا الأمم الأخرى، لا بصباح الخير، ولا أهلاً وسهلاً، ولا أنعم صباحاً، ولا غير ذلك. قال عمران بن حصين كنا في الجاهلية نقول: أنعم الله بك عينا، وأنعم صباحاً ، فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان، قال: كانوا في الجاهلية يقولون : حييت مساءً، حييت صباحاً، فغير الله ذلك بالسلام.
إذن فلابد أن يبدأ المسلم بهذه التحية العظيمة ، بالسلام الشرعي السني الموروث عنه عليه الصلاة والسلام.
قال الله ـ عز وجل ـ : (َإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) (النساء:86)
((بِأَحْسَنَ مِنْهَا)) : أي تزيد علي تحية، فإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله فقل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أو بمثلها بأن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله.
وعند أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عمران بن حصين؛ أن رجلاً جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس . فقال النبي صلي الله عليه وسلم (( عشر)) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس فقال: (( عشرون)) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فقال (( ثلاثون)) . أي ثلاثون حسنة لمن أدي التحية بتمامها.
هذه تعاليمه عليه الصلاة والسلام، وهذا هديه في تعليم أصحابه، انظر كيف يحبب السنة إلي قلوب أصحابه عن طريق إبلاغهم بالأجر العظيم الذي ينتظرهم من الله الواحد الأحد، إذا هم طبقوا تعاليمه وساروا علي هديه.
2-علي من نسلم؟!(/1)
ورد عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً سأل النبي صلي الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : (( نطعم الطعام، وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف)).
وهذا أيضاً هدي إسلامي نبوي شريف؛ أن تسلم علي من عرفت من المسلمين ومن لم تعرف!! قال بعض السلف: أصبح السلام عند المتأخرين علي المعرفة، وهذه من علامات الساعة، فالواجب علي المسلم أن يفشي السلام بين الناس؛ من عرف ومن لم يعرف خلا أهل الكتاب، خلا المشركين، خلا الوثنين، فالمسلم هو المقصود بهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تبين حقوق الناس بعضهم علي بعض. فإذا كان الإنسان يعيش في المجتمعات الإسلامية، فإنه يطلب منه لإفشاء السلام علي من لقيه، سواء عرفه وكان صديقاً أو قريباً، أم لم يعرفه.
ومن الملاحظات الاجتماعية أننا نسلم الآن علي المعرفة فقط! وتري الناس في الطرقات لا يسلمون إلا علي من عرفوه! أما من لم يعرفوه فلا يسلمون عليه! وهذا من عمل الجاهلية، وهو مخالف لسنته عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين أن آدم لما خلقه الله قال: (( اذهب فسلم علي أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال : السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله)) .
هذه هي تحية آدم، وتحية ذريته، وتحية أهل الجنة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنا حتى تحابوا، أولا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الجنة لا تدخل إلا بالأيمان ، وان الإيمان لا يحصل إلا بالحب، وان الحب لا يحصل إلا بإفشاء السلام.
وإفشاء السلام يزيل الضغينة من القلوب خاصة بين الأقارب والجيران. ومعناه في الإسلام أنك ترفع رايتك البيضاء المسالمة، كأنك تقول: أتيت ارفع رايتي البيضاء، فامنوني ولا تتهيبوا مني.
وهذا هو شعار المحبة والود الذي أقامه رسولنا صلي الله عليه وسلم وحث علي إرسائه وتثبيته في قلوب أصحابه وأمته من بعده.
وعند البخاري موقوفاً علي عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (( ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار)). وبذل السلام للعالم هنا يتضمن تواضع العبد، وأنه لا يتكبر علي أحد، بل يبذل السلام للصغير والكبير،والشريف والوضيع، ومن يعرفه ومن لا يعرفه، والمتكبر ضد هذا ، فإنه لا يرد السلام علي كل من سلم عليه كبراً منه وتهياً، فكيف يبذل السلام لكل واحد؟!.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلي الله عليه وسلم مر علي غلمان فسلم عليهم.
وهذا من شدة تواضعه ولينه ورحمته صلي الله عليه وسلم ، وهو بذلك يدخل أعظم البهجة علي نفوس هؤلاء الصغار، لأنهم سوف يتشرفون بسلام رسول الله صلي الله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ليه وسلم عليهم، وسوف يحكون ذلك في المجالس.
فعلي المسلم أن يتواضع لمثل هؤلاء، ولا يتجاهلهم لأنهم صغار، بل يتفقدهم، وسلامه عليهم يعلمهم بذلك الحب، ويدفعهم إلي مكارم الأخلاق.
وقد رأينا في السيرة أن عمر رضي الله عنه علي هيبته وقوته في الحق كان إذا مر الصبيان وقف وسلم عليهم، ومازحهم، وهو خليفة المسلمين!!.
وقد مر علي صبيان المدينة وهم يلعبون، فعندما رأوه وسمعوا جلجلته وهيلمانه وسلطانه فروا إلي بيوتهم.
الشياطين تفر من عمر فكيف الصبيان؟!!
كيف بالصبيان الذين قلوبهم كقلوب الطير، أما يفرون من إنسان أصاب قياصرة الدنيا باليأس، وأكاسرة المعمورة بالذهول؟!
ففروا جميعا إلا عبد الله بن الزبير، فإنه لم يفر، كان شاباً صغيراً. فقال له عمر يمازحه: فر أصحابك ولم تفر أنت، أما خفت؟
قال عبد الله : ما فعلت جرما ًفأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك!
فاستدل علي ذكائه وشجاعته من تلك اللحظة، وكيف لا يكون ذكياً وأبوه الزبير بن العوام، وأمه أسماء رضي الله عنهم جميعاً؟! )ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:34)
3-أمانة تحمل السلام وتبليغه:
كان صلي الله عليه وسلم يسلم بنفسه علي من يواجهه، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين ، كما ثبت أنه صلي الله عليه وسلم بعث فتي إلي رجل مريض، فلما أتاه قال: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرئك السلام ... الحديث.
وكان صلي الله عليه وسلم يتحمل السلام لمن يبلغه إليه، فعند البخاري ومسلم أن جبريل عليه السلام نزل من السماء، فأتت خديجة رضي الله عنها، فقال جبريل عليه السلام : (( يا رسول الله، هذه خديجة أتتك بالطعام فأقرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب))
وقد بلغ كذلك صلي الله عليه وسلم السلام لعائشة أم المؤمنين من جبريل (متفق عليه).(/2)
وينتهي السلام علي الصحيح عند قول(( وبركاته)) كما روي ذلك أبو داود والترمزي بسند قوي، وقد زاد بعضهم (( ومغفرته)). ولكن هذه الزيادة ضعيفة، ذكرها أبو داود في حديث لا يثبت.
وكان عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري والترمزي والحاكم عن أنس أنه إذا سلم ثلاثاً ، ولعل هذا كان هدية صلي الله عليه وسلم في السلام علي الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع ، كما بينت ذلك رواية الحاكم
وقد ورد في السنة: أن الرسول صلي الله عليه وسلم ذهب يزور سعد بن عبادة ، فأتى الباب فقال: (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسمعه سعد فرد في نفسه ، ولم يرفع صوته! فذهب صلي الله عليه وسلم فلحقه سعد بن عبادة، وقال ك يا رسول الله، والله ما سلمت من سلام إلا سمعتك، وقد رددت في نفسي، لكن أردت أن تزيدنا من السلام، فقال عليه الصلاة والسلام: السلام عليكم أهل البيت ورحمته، إنه حميد مجيد)).
4- السلام علي النساء:
ورد عند الترمزي وأبي داود وابن ماجة والبخاري في الأدب المفرد أن الرسول صلي الله عليه وسلم مر يوماً بجماعة من النسوة فألوى بيده بالتسليم جماعة من النسوة كن في طرف الطريق وهو مار صلي الله عليه وسلم فالتفت إليهن وقال : السلام عليكن ورجمة الله وبركاته. وهذا خلقه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه رسول للرجال والنساء جميعاً.
قال بعض أهل العلم: إذا انتفت الموانع، وأمنت الفتنة فيجوز السلام علي النساء، كالعجوز الكبيرة مثلاً ، فإن عليك أن تسلم عليها وتصحبها، وتسألها عن حالها، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم ، فقد كانوا ـ كما في حديث سهل بن سعد عند البخاري ـ يصلون الجمعة ثم يأتون إلي عجوز في طريقهم فيسلمون عليها، وهذا مرغوب فيه من باب الرحمة بالكبير من المسلمين الطاعنين في السن، وهذا مما حث عليه الإسلام في كثير من النصوص، وقد ذهب الإمام ابن القيم إلي ذلك في زاد المعاد.
من آداب السلام:
صح عنه عليه الصلاة والسلام عند البخاري ومسلم والترمزي أنه قال : (( يسلم الصغير علي الكبير ، والمار علي القاعد، والراكب علي الماشي، والقليل علي الكثير)).
*الصغير يسلم علي الكبير: فقوله صلي الله عليه وسلم: (( يسلم الصغير علي الكبير)) لحكمة، فإن الكبير له حق الوقار فيبدؤه الصغير بالسلام، فأنت إذا لقيت برجل أكبر منك سناً، فالواجب عليك أن تبدأه بالسلام لتشعره باحترامك له وتقديرك لكبره، ولو بدأك هو بالسلام فهو أفضل منك بلا شك.
فصغير السن يبدأ بالسم علي الكبير، ويقاس علي ذلك أنه يبدأ العالم، والشيخ الجليل، وعلي من له مكانة ووجاهة، وعلي من له بلاء حسن، أو منزلة في الإسلام، فيبدأ كل هؤلاء بالسلام.
*المار يسلم علي القاعد: وأما قوله صلي الله عليه وسلم : (( المار علي القاعد)). فالواجب علي الماشي أن يبدأ القاعد بالسلام، لا كما يفعل بعض الناس فهم دائماً ينتظرون من يبدأهم بالسلام ، لا كما فعل بعض الناس فهم دائماً ينتظرون من يبدأهم بالسلام علي أي حال؛ سواء كان راكباً أو ماراً، أو قاعداً، وهذا خطأ ويخشى علي صاحبه من الكبر، فلابد من معرفة السنة في هذا الأمر، والالتزام بها كما جاءت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فالمار هو الذي يبدأ الجلوس بالسلام، لأنه هو الطارئ علي المكان، وفي الغالب يكون وحده، بينما يكون الجلوس جماعة.
*الراكب يسلم علي الماشي: وأما قلوه صلي الله عليه وسلم : (( والراكب علي الماشى)) فإن الراكب يسلم علي الماشي، ويبدؤه بالسلام، فراكب السيارة ـ مثلاً ت يسلم علي من يمش، وكذلك راكب الدابة، ونحو ذلك ، وقد ذكر بعض الشراح ـ كما في فتح الباري ـ لطائف منها قولهم: إن الراكب يشعر بزهو دائماًن فألزمه الإسلام بالسلام علي الماشي تواضعاً وخفضاً للجناح، حتى لا يتطرق الكبر إلي صدره.
*القليل يسلم علي الكثير: وقال صلي الله عليه وسلم:(( والقليل علي الكثير)) . فإذا مر الواحد علي الجماعة فالواجب أن يبدأ هو بالسلام، وإذا مر الخمسة علي العشرة سلم الخمسة علي العشرة، ولم يسلم العشرة علي الخمسة.
و(( يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم)). كما عند أبي داود وله شاهد يحسنه عند مالك في الموطأ.
وورد عند الترمزي أنه صلي الله عليه وسلم قال: (( يسلم الماشي علي القائم)).
فهذه آدابه صلي الله عليه وسلم وهذه تعاليمه وحكمه ولطائفة، فإنه لم يترك خيراً إلا وحثنا علي فعله، ولم يترك شراً إلا وحذرنا منه.
فضل البدء بالسلام:
جاء عند ابن حبان والبراز عن جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( ليسلم الراكب علي الماشي، والماشي علي القاعد، والماشيان أيهما بدأ هو أفضل)).
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح ك (( إن أولي الناس بالله من بدأهم بالسلام)).(/3)
والمعني : أن أقرب الناس إلي الله ـ عز وجل ـ وأكثرهم ولاية وحباً وزلفي إلي الله، الذي يبدا المسلمين بالسلام، وكانت هذه عادة أخيار الصحابة والتابعين أنهم يبدون غيرهم بالسلام.
وورد عنه عليه الصلاة والسلام كما عند ابن السني، قال: (( السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه)).
ومعني الحديث أنه لا يبدأ أحد في سؤال ولا في كلام حتى يسلم، فإذا سلم بدأ في سؤاله وموضوعه.
وعند الترمذي وأبي داود وأحمد بسند صحيح عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ((أول ما يحلب عند الولادة)، وجداية ( الصغير من الظباء)، وضغابيس ( صغار القثاء) إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، والنبي صلي الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: (( فدخلت عليه، ولم اسلم، ولم استذان، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (0أرجع فقل : السلام عليكم،أأدخل؟)).
أمة امية.. (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2) بعث الله في هذه الأمة هذا الرسول صلي الله عليه وسلم؛ ليزكيها ويفقهها في دينها، ويعلمها الآداب الرفيعة والأخلاق العالية.
والشاهد في حديث كلدة: أن البدء بالسلام يكون قبل الدخول ، وقبل الكلام ، وقبل أي شيء.
وكان صلي الله عليه وسلم كما في سنن أبى داود من حديث عبد الله بن بسر، إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، فيقول: (( السلام عليكم ، السلام عليكم)) حديث حسن.
وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يبدأ من لقيه بالسلام. وكان يحرص علي ذلك، خلافاً للمتكبرين، فإنهم يتحرون أن يبدأهم الناس بالسلام.
وابتداء السلام بلفظ: (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته))، ويرد الراد (( وعليكم السلام)) بالواو. وقد أتثبتها النووي وابن القيم، وهي اجمل وأحسن من لفظ : (( عليكم السلام)).
ويكره أن يقول المبتدئ : (( عليكم السلام))، قال أبو جري الهجيمي كما عند أبي داود والترمذي وأحمد بسند صحيح : أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلتك عليك السلام يا رسول الله، فقال(( لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى)).
فعلينا تجنب قول: (( عليك السلام)) فإنهم كانوا يحيون موتاهم بذلك، كما قال الشاعر لما مر بقبر قيس بن عاصم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يتزحما
تحية من ألبسته منك نعمة
إذا زار عن شحط بلادك سلما
وما كان قيس موته موت واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
فبدأ بالجار والمجرور لأنه ميت.
فكره النبي صلي الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك لم يرد علي المسلم بها.
3-آداب السلام في المجالس:
قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود والترمذي وأحمد والبخاري في الدب المفرد والحميدي وابن حبان بسند حسنك (( إذا قعد أحدكم فليسلم النبي صلي الله عليه وسلم وإذا قام فيسلم، وليست الأولي أحق من الآخرة)).
والمعني: إذا أردت أن تودع إخوانك وأصحابك عليك أن تسلم فتقول وأنت تغادر المكان والمجلس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذه سنة غفل كثير من المسلمين عنها، حتى تجد الكثير يقول: في أمان الله، أو استودعكم الله، ويترك هذه السنة العظيمة التي نص عليها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام!
وعند أبي داود بسندين أحدهما مرفوع وسنده صحيح، والآخر موقوف وسنده ضعيف عنه صلي الله عليه وسلم : (( إذا لقي أحدكم صاحبه فيسلم عليه، فإن حال بينهما شجرة أو جدار، ثم لقيه فيسلم عليه أيضاً)).
وقد ورد هذا من عمل الصحابة عند الطبراني في الأوسط، وابن السني، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، عن أنس رضي الله عنه قال: (( كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يميناً وشمالاً، وإذا التقوا من روائها سلم بعض علي بعض)) سنده حسن.
ويقاس علي هذا الداخل والخارج في المجلس، فإنه يسلم كلما دخل أو خرج ، وهذا فعل حسن يثاب فاعله.
3- آداب السلام عند دخول المسجد:
قال ابن القيم ـ يرحمه الله ـ : (( ون هديه صلي الله عليه وسلم أن الداخل إلي المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ، ثم يجئ فيسلم علي القوم)). واستدل ـ رحمه الله ـ بحديث رفاعة في المسيء صلاته أنه صلي ثم أتي فسلم فقال له صلي الله عليه وسلم : (( وعليك ، فأرجع فصل فإنك لم تصل)) الحديث.
وهذا رأيه ـ يرحمه الله ـ ولكن ليس هناك دليل علي أن الرجل لم يسلم أول ما دخل المسجد، ثم إنه قد يكون بعيداً في طرف المسجد فابتدأ بالصلاة أولاً ثم جاء فسلم.
والأقرب أنه إذا دخل المسلم المسجد أن يسلم علي إخوانه المسلمين ، ثم يصلي ركعتين.(/4)
وإذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة ـ نافلة كانت أو فريضة ـ فإن السنة في ذلك كما صح عند مسلم وغيره، أن تبسط يدك فتجعل باطنها إلي الأرض، وظاهرها إلي اتجاه وجهك، ولا تقل بلسانك وأنت في الصلاة : وعليكم السلام.
وبعض أهل العلم يقول: تشير بسبابتك، ولكن بسط الكف أولي عند أهل العلم ، وهو القول الراجح.
5- آداب السلام علي الأهل:
كان صلي الله عليه وسلم إذا دخل علي أهله بالليل يسلم تسليماً لا يوقظ النائم، ويسمع اليقظان. رواه مسلم. فلا يدخل الإنسان علي أهله فيسلم بإزعاج فيوقظ أهله! فانظر إلي لطافته ورقته وصفوة صلي الله عليه وسلم.
أما حديث : (( السلام قبل الكلام)). فهو باطل لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم ، فقد ورد عند الترمزي من حديث جابر ، لكن في سنده عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك، ورماه أبو حاتم بالوضع. فقال : وضاع: يعني كذاب، كما أن شيخ عنبسة وهو محمد ابن زاذان متروك أيضاً ، فالحديث باطل.
6- حكم السلام علي أهل الكتاب:
كان صلي الله عليه وسلم لا يبدأ أهل الكتاب بالسلام ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم وأبي داود والترمزي ، أنه قال: (( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام)). فالسنة لمن يعمل مع اليهود والنصارى ألا يبدأهم بالسلام، لكن إذا سلموا قال: وعليكم.
ومر صلي الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم وأحمد علي مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، فسلم عليهم. فإذا مررت بمجلس فيه مسلمون ( وهذا شرط) وفيه يهود ونصارى، فسلم عليهم السلام الشرعي.
وكتب عليه الصلاة والسلام كما في البخاري ومسلم لهرقل وغيره: (( السلام علي من أتبع الهدي)).
وقد ورد ذلك في كتاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ في قول موسي لفرعون: ) وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)(طه: الآية47) فإذا سلمت أو كتبت رسالة لأهل الكتاب فإنك تقول : (( السلام علي من أتبع الهدى)). لكن لا تبدأهم بالسلام.
7- ترك السلام علي العاصي حتى يتوب:
كان من هديه صلي الله عليه وسلم ترك السلام ابتداء وردا علي من أحدث حدثاً حتى يتوب منه ، كما فعل صلي الله عليه وسلم بكعب بن مالك مع صاحبيه كما عند البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وأحمد ، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن يبدؤهم بالسلام ، بل قال كعب بن مالك: فكنت اسلم علي الرسول صلي الله عليه وسلم فلا أدري هل يرد علي أن لا ؟! وهل حرك شفتيه بالسلام أم لا ؟!
ومثل ذلك المبتدع الذي عرف بابتداعه ، أو أحدث حدثاً في الدين، فلك أن تهجره، لا تسلم عليه، ولا ترد عليه السلام حتى يتوب، وذلك بعد نصحه وتخويفه وحثه علي ترك الابتداع في الدين.
وكذلك مثل من ترك صلاة الجماعة بلا عذر وهو جار للمسجد، معافي، وفي صحة ، فلك أن تهجره من السلام، ومن الرد حتى يصلي مع الجماعة.
وورد من حديث أبى أيوب الأنصاري أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان ، فيعرض هذا، ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وهذا في أمور الدنيا، فإن الغضب والغيظ في الدنيا ينتهي بثلاث، ويحرم الهجر بعد ذلك ،أما في الدين فلا ينتهي حتى يتوب من ابتداعه.
*السلام عند الشعراء:
قال كثير عزة في السلام:
حيتك عزة بالتسليم وانصرفت
فحيها مثلما حيتك يا جمل
ليت التحية كانت لي فأشكرها
ما كان يا جملاً حييت يا رجل
وذكر أهل الأدب أن رجلاً طلق امرأته، فتزوجها رجل آخر؛ فأراد الأول أن تعود إليه، فقال مهدداً الثاني:
سلام الله يا مطر عليها
وليس عليك يا مطر السلام
فطلقها فلست لها بكفء
وإلا يعل مفرقتك الحسام!!
ويقول جرير الخطفي في ديوانه:
يا أم ناجية السلام عليكم
قبل الرواح وقبل لوم العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم
يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
***
ثانياً : إجابة الدعوة
1-حكم إجابة دعوة المسلم:
ومن جسور المحبة قوله صلي الله عليه وسلم : (( وإذا دعاك فأجبه))
ومن الدعوات ما تكون واجبة، ومنها ما تكون سنة، ومنها ما يحرم إجابتها.
فأما ما هي واجبة: فدعوة الزواج ـ إذا لم يكن هناك منكر ـ ففي الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : إذا دعي أحدكم إلي الوليمة فليأتها)). والوليمة هي وليمة العرس؛ لأنها تسمي هكذا في كتب اللغة. وفي لفظ مسلم: (( إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرساً كان أو نحوه)).
قال أهل العلم: هذا الأمر للوجوب، أي يجب عليك شرعاً أن تجيب الداعي ما لم يكن هناك منكر مخالف للشرع.
2-آداب الدعوة:
ورد عند مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ، ويدعي إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)).
فشر الولائم التي للرياء والسمعة ، يدعي إليها عليه الناس، ويمنع منها الفقراء، وعند مسلم ـ أيضاً ـ (( إذا دعي أحدكم إلي طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك)).(/5)
فأنت تحضر وليس المقصود أن تأكل، فإن البعض الآن إذا دعي إلي وليمة قال: ما أستطيع لأني أكلت، أو يقول : لا أريد الأكل، فهذا خطأ ، ليس المقصود أن تأكل، احضر وادع لهم، وتحدث معهم وآنسهم، فإن كثيراً من السلف كانوا يحضرون وهم صيام، فكانوا يدعون لأهل المنزل من حسن خلقهم.
وعن ابن مسعود مرفوعاً: (( طعام الوليمة أول يوم حق ، وطعام الوليمة في اليوم الثاني سنة، وطعام الوليمة في اليوم الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به)). رواه أبو داود، وأحمد وفي سنده مجهول، وهذا الحديث ضعيف. والبخاري يري ضعف الحديث.
وقد قال البخاري في الصحيح : (( لم يوقت النبي صلي الله عليه وسلم يوماً ولا يومين )).
فللإنسان أن يزيد علي يوم أو يومين أو ثلاث، لكن الأقرب للسنة يوم واحد، ووليمة واحدة.
والمقصود إجابة الدعوة إذا لم يكن هناك منكر.
والدعوة لمن سبق: فإذا دعاك داعيان في يوم واحد، أو في أيام مختلفة، فقدم الذي سبق إلي دعوتك، واعتذر للثاني ، وقل له: سبقك فلان بالدعوة ، فإذا تساوي أهل الدعوة ، فالأقرب منهم الأولي بالإجابة، وذوي الأرحام أولي بك بإجابة دعوتهم من الجيران إذا دعوك سوياً.
وإذا كان هناك منكر فليس عليه أن يحضر ـ كما سبق ـ إلا إذا علم أن في حضوره منعاً للمنكر ، أو حداً منه ، فله أن يحضر.
***
ثالثا: الدين النصيحة
1-وجوب النصيحة:
أما قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث : (( وإذا استنصحك فانصح له)). فهذا أدب ثالث يبينه عليه الصلاة والسلام لنا، وهو شعار المحبة، وهو الواجب الشرعي علينا بعضنا لبعض.
فالنصيحة واجبة عند أهل العلم، وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند مسلم. : (( الدين النصيحة ، فقلنا: لمن؟ قال : لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
وقد قال صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين ، وهذا من باب النصيحة : (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلنا: يا رسول الله، ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال : ترده عن الباطل فإن ذلك نصره)).
فالواجب علينا أن نتناصح فيما بيننا ، والإنسان لا يسلم من الخطأ والنسيان، ونحن جميعاً يعترينا النقص والخطأ في كثير من تصرفاتنا، لأن العصمة لرسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فالواجب علي الأخ إذا رأي أخاه قد أخطأ في مسألة، أو في اجتهاد أو في تصرف، أو في أسلوب، أن يذهب إليه وينصحه، ولن يجد الناصح إلا الحب والدعاء والبشر والاستقبال الحسن. يقول علي ـ رضي الله عنه ـ : (( المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة)).
فإذا رأيت الإنسان ينتقد إخوانه وينالهم في المجالس، ويتعرض لأعراضهم، ثم لا ينصحهم في وجوههم، فأعلم أنه غاش لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم وللمؤمنين.
ومن علامة المؤمن إذا أراد أن يقوم أخاه أن يذهب إليه، ويأخذه علي حدة، وينصحه ويوجهه، ويحن عليه، ويتعاطف معه، ويتلطف به حتى يقومه إن كان يريد النصح حقاً، وإن كان يريد التشهير بأخيه المسلم فالله يتولاه، والله حسيبه، والله من رواء قصده.
وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ في كتابه طريقة الأنبياء في الدعوة، وأنها قامت علي النصيحة، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية62) ويقول لهم ـ أيضاً ـ )وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ)(هود: الآية34) وهذا نبي الله صالح عليه السلام يقول لقومهك )َ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية79). وقال شعيب: ) يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُم)(لأعراف: الآية93) فهؤلاء هم أنبياء الله ـ عز وجل ـ وصفوة خلقهن ومن تشبه بقوم فهو منهم.
3-آداب النصيحة:
للنصيحة آداب ثلاثة: الأول: الإخلاص، الثاني اللين ، والثالث: الإسرار بها.
وكثيرا ما يخطي العبد، فنحن لسنا معصومين من الخطأ ، وغني اكرر ذلك ليعلم الناصح أن الخطأ والنسيان شيء عادي مركوز في أصل الجبلة، فلا يتعصب في نصيحته. يقول الشاعر:
من ذا الذي ما ساء قط
ومن له الحسنى فقط
ويقول الآخر:
تريد مهذباً لا عيب فيه
وهل عودة يفوح بلا دخان!!
ويقول ثالث:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه
علي شعث أي الرجال المهذب؟!
ويقول رابع:
من ذا الذي ترضي سجاياه كلها
كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه
وإن الإسرار بالنصيحة من هديه صلي الله عليه وسلم فإن النصيحة علي رءوس الأشهاد فضيحة.
قال الشاعر:
تغمدني بنصحك في انفراد
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضي استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري
فلا تجزع إذا لم تلق طاعه
وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: (( رحم الله امرأً أهدي إلي عيوبي، وكان يستمع للصحابة وهم ينصحونه)).
***
رابعاً : تشميت العاطس
1-متي يشمت العاطس وكيفية التشميت؟!
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث : (( وإذا عطس فحمد الله فشمته)).(/6)
ويقول صلي الله عليه وسلم : (( عن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب)).
فالعطاس رحمة من الله، والتثاؤب من الشيطان ؛ لأن العطاس فيه تفتيح لشرايين القلب ، وانشراح للصدر، وهو رحمة من الله، والله أعلم بالسر في ذلك . فكان الواجب أن تقول: الحمد لله.
أما التثاؤب: فإنك تكظم ما استطعت، وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند البخاري وأحمد : (( إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ، وليقل له أخوه: يرحمك الله ، فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم)).
وعند البخاري ومسلم والترمزي وابن ماجة وأحمد عن أنس : (( أنه عطس عنده رجلان فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال: هذا حمد الله، وأنت لم تحمد الله)).
وعند مسلم وأحمد من حديث أبى موسى الشعري أنه صلي الله عليه وسلم قال: (( إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه)).
ففهم من الحديث انه من قال: الحمد لله ، فعلينا وجوباً أن نقول له: يرحمك الله، وإذا سكت ولم يحمد الله، فليس عليك أن تقول له : يرحمك الله ، بل تسكت.
2- هل التشميت فرض عين أم فرض كفاية؟!
ذهب المالكية ومنهم ابن أبي زيد وابن العربي إلي أن التشميت فرض عين، وهو الصحيح ،فإن علي أهل المجلس ـ مثلاً ـ إذا سمعوا (( الحمد لله)) أن يقولوا : (( يرحمك الله)) لا يكفي منهم واحد، فهو فرض عين وليس فرض كفاية.
وكان من هديه صلي الله عليه وسلم في العطاس ما ذكره أبو داود والترمزي واحمد وابن السني ـ وسنده حسن ـ كما أن الحاكم صححه، أنه كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه علي فيه، وخفض أو غض به صوته. فالسنة ألا يرفع المسلم صوته بالعطاس.
وهناك حديثان ضعيفان أشير إليهما:
الحديث الأول: (( التثاؤب الشديد والعطسة الشديدة من الشيطان)). رواه ابن السني، وهو ضعيف لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم .
الحديث الثاني: (( إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس)). حديث ضعيف لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم .
وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود بسند حسن. (( شمت أخاك ثلاثاً ، فما زاد فهو زكام)).
يعني أنه يعطس في المرة الأولي فيحمد الله، فقل له: يرحمك الله. وفي الثانية قل له: يرحمك الله. وفي الثالثة قل له : يرحمك الله، وفي الرابعة قل له: عافاك الله.
وقد عطس رجل عنده عليه الصلاة والسلام النبي صلي الله عليه وسلم فقال له: (( يرحمك الله)). ثم عطس أخري فقال له صلي الله عليه وسلم : (( الرجل مزكوم)).
قال ابن القيم: وقوله في الحديث : (( الرجل مزكوم)) تنبيه علي الدعاء له بالعافية؛ لأن الزكمة علة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه تنبيه له علي هذه العلة ليتداركها ولا يهملهما، فيصعب أمرها، فكلامه صلي الله عليه وسلم كله حكمة، ورحمة وعلم، وهدى.
وقد قال صلي الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند حسن: (( إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد علي الثلاثة فهو مزكوم، ولا تشمته بعد الثلاث.
وذكر أهل العلم أنه إذا زاد علي الثلاث فيدعو لصحابه بالعافية.
هنا مسألة: إذا لم تسمع أنت حمد العاطس، لكن سمع من بجانبه أنه حمد الله ـ فماذا تفعل إذا تبين لك أنه حمد الله؟ ولو لم تسمعه، فقل : يرحمك الله، أما إذا لم يتبن لك، فلا تشمته.
مسألة ثانية: هل تذكر العاطس إذا نسي الحمد؟
ذهب إلي ذلك نفر من أهل العلم كالننوي وغيره من العلماء، واستحسنوا ذلك، وقد فعله إبراهيم التيمي، كما فعله أيضاً ابن المبارك، فقد عطس رجل عند ابن المبارك ولم يحمد الله، فقال ابن المبارك: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟قال يقول الحمد لله، قال: يرحمك الله، (( هذا قول)).
والقول الصحيح : أنه لا يلزمك أن تذكره؛ لأنه لو كان يلزمك أن تذكره لكان النبي صلي الله عليه وسلم أولي بتذكير من عطس ولم يشمته، ولم يذكره، وهذا تعزيز له وحرمان لبركة الدعاء، لما حرم نفسه بركة الحمد.
وقد تعاطس الناس في مجلسه، ولم يذكرهم عليه الصلاة والسلام، بل لم يشمتهم، وهذا هو القول الراجح.
وكان اليهود يتعاطسون عنده عليه الصلاة والسلام فيقولونك الحمد لله، فيقول ك (( يهديكم الله ويصلح بالكم)).
رواه أبو داود والترمذي واحمد والبخاري في الدب المفرد ، وصححه الترمذي والنووي والحاكم.
فانظر إلي الحكمة: اليهود بحاجة إلي الهداية، وليسوا أهلاً للرحمة ، فهل يترحم عليهم وهم مخالفون؟!
لا . هم بحاجة إلي أن يهديهم الله أولاً، قبل أن يرجمهم، فعدل عليه الصلاة والسلام عن لفظ: (( يرحمكم الله)). إلي لفظ (( يهديكم الله ويصلح بالكم)).
***
خامساً: عيادة المريض
فضل عيادة المريض والدعاء له:
قال عليه الصلاة والسلام : (( وإذا مرض فعده)).(/7)
وهذا جسر آخر من جسور المحبة بين المسلمين، فمن حق المسلم علي أخيه المسلم إذا مرض أن يعوده، والعيادة لها آداب ، ولها فضل من الله ـ عز وجل ـ فقد روي مسلم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع)). وفي لفظ : قيل : يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال : ((جناها)). يعني كأنه يمشي في بساتين الجنة. وقد عاد عليه الصلاة والسلام أصحابه، فقد عاد سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه و؟أرضاه ـ ودعا له، وقال له: (( ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام. ويضربك آخرون))
وعاد عليه الصلاة والسلام جابراً ـ رضي الله عنه ـ فوجده مغمي عليه فتوضأ عليه الصلاة والسلام وصب عليه الماء فاستفاق.
وكان صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً دعا له، وجلس قليلاً عند رأسه، ووضع يده الكريمة علي صدره ، وهذا من الإنس والملاطفة.
2-آداب العيادة:
العيادة عند أهل السنة كل ثلاثة أيام، إلا أن يكون قريباً كالأب والابن والأخ ومن في حكمهم، أما إذا كان غير ذلك، فإنك تزوره كل يوم ثلاثة أيام، أما أن تأتيه كل يوم، أو تأتيه مرة في الصباح ومرة في المساء وهذا مزعج!
وقد ذكر الذهبي في ترجمة سليمان بن مهران الملقب (( بالأعمش)) أنه مرض مرضاً زمناً، فدخل عليه الناس، وترددوا عليه كثيراً فأزعجوه، فكتب وصف مرضه في ورقة، ووضعها تحت مخدته التي ينام عليها، فكان كلما سأله أحد عن مرضه، أخرج هذه الورقة، وقال له أقرأ!
فلما كثر الناس عليهن قفز فأخذ المخدة، وجعلها تحت إبطه ، ووقف وقال : شافي الله مريضكم!
وعلي المسلم أن يتحرى وقت العبادة ، بحيث يكون مناسباً للمريض، فلا يكون عند نومه، ولا عند طعامه، ولا عند صلاته، ولا في وقت يري انه يرتاح فيه المريض، بل يتوخي وقت العيادة المناسب.
ومن آداب العيادة أنك لا تطيل الجلوس عند المريض، فإن بعض الناس إذا زار المريض زاده مرضاً علي مرضه، فيبقي الساعة والساعتين!وهذا ليس من أدب العيادة.
فإذا عدت المريض وكان مرضه خفيفاً، حسنت له صحته، وهونت عليه مرضه، وقلت : ما شاء الله، ما كنت أظن أنك هكذا.. صحتك طيبة.. وحالك طيبة، شافاك الله وعافاك، قريباً تخرج من هذا المرض ـ إن شاء الله ـ ونحو ذلك من الكلام، لا أن تأتي العائد بوجه آخر، فيزيد المريض مرضاً علي مرضه ، فبعض الناس ، هداهم الله ـ يشعر المريض انه أسوأ حال، وأن مرضه ليس له علاج البتة، وأنه يجب عليه أن يوصي بماله، ويوزع تركته، وهكذا حتى يجعل المريض في عداد الموتى!
وهذا خطأ، فالحالة النفسية لها دورها، فأنت إذا أشعرته أنه سليم معافى، يمكن أن يكون ذلك سبباً في شفائه ـ بإذن الله ـ ولذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً قال له : (( لا بأس طهور إن شاء الله)). ونحو ذلك كما تقدم في عيادته للأعرابي.
ولكن يقول أهل العلم: إذا وصلت غلي رجل أصبح قريباً من الآخرة، ومرض مرضاً لا يرجي برؤه، فحسن ظنه بالله، وحسن قدومه علي الله، وحسن رجاءه في الله، هذه هي السنة في العيادة.
قال أحدهم:
مرض الحبيب فعدته
فمرضت من خوفي عليه
وأتي الحبيب يعودني
فشفيت من نظري إليه
وقال آخر وهو القاضي الحنفي الشهرزوي:
والله ما جئتكم زائراً إلا
وجدت الأرض تطوي لي
لا انثنى وجهي عن بابكم
إلا تعثرت بأذيالي
ويقول أبو تمام:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم
وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
وقال آخر في ذكره سبحانه:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم
ونترك الذكر أحياناً فننتكس
ولا يكثر العائد عند المريض من ذكر الدنيا، وكثرة المزاح، ولا من الكلام الذي لا يليق، ولكن يخفف الزيارة ويذهب.
سادساً: اتباع الجنازة
1-فضل اتباع الجنازة:
يقول صلي الله عليه وسلم في الحديث: (( وإذا مات فاتبعه))، ضريبة المسلم علي المسلم!! حتى بعد أن اصبح جثماناً ، وأصبحت روحه في عليين، تتبعه وتقوم بحقوقه، وتشفع له وأنت تصلي علي جنازته، وتترحم عليه وهو في الثري،وتواصله بالدعاء، وتدعو له بظهر الغيب.
هذه أخوة الإسلام، وهذا ميثاق الإيمان ، وتلك حقوق المسلم علي المسلم التي تقتصر علي الحياة فقط، بل تشمل المسلم بعد موته أيضاً. قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمزي بسند ضعيف: (( من تبع جنازة وحملها ثلاث مرات، فقد قضي ما عليه من حقها))
ولكن في الصحيحين أنه قال ك (( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) قيل : وما القيراطان؟ قال: (( مثل الجبلين العظيمين)) .
فانظر ما اسهل العمل، وأعظم الجر.
2- آداب الجنازة والعزاء:
من السنة أن يمشي أما الجنازة، وفي هذا تفصيل، قال ابن عمر عند الخمسة، وصححه، ابن حبان، وأعله النسائي بالإرسال: (( رأيت النبي صلي الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أما الجنازة)). فالسنة المشي أمام الجنازة، لكن الراكب يمشي خلفها، والماشي أمامها، وإن مشي خلفها فلا بأس.(/8)
وقالت أم عطية ـ كما في الصحيحين : (( نهينا عن اتباع الجنائز ؛ لن المرأة ضعيفة ، وتصاب بالجزع، وربما تفتن، وربما تتسخط علي قضاء الله وقدره، فليس للمرأة ـ ولو كانت عجوزاً ـ اتباع الجنازة، ولا زيارة القبور.
وهنالك عادات تخالف الشرع، نبه عليها أهل العلم، وكتبوا فيها، وبينوا الخطأ ، ونبهوا عليه، وأشاروا إلي الصواب فجزاهم الله خيراً، ومن هذه العادات:
الاجتماع علي العزاء ، ونصب الخيام والولائم، والقيام بالصياح والنياحة، وضرب الوجه، وشق الجيب، وكذلك الجزع من القضاء والقدر.
ومن المخالفات الشرعية أيضاً: أن يمزح بعض الناس في العزاء، أو أن يضحكوا مما يثير نتباه الحضور، أو يتحدثوا بإسهاب في أمور الدنيا، إلي غير ذلك من الصور المخالفة للشرع التي بينها ونبه عليها العلماء.
هذه بعض جسور المحبة التي أتي بها محمد صلي الله عليه وسلم والتي اتصف بها أصحابه رضوان الله تعالي عليهم فحققوا هذه الصفات في عالم الواقع. وكانت استجابتهم استجابة فذة من كل جوانبها ، وهم الذين امتلأت قلوبهم بهذه الأخلاقيات حتى أعماقها ، فآتت ثمارها بإذن الله ، فوصلوا بذلك إلي القمة الني لا يحسن صعودها إلا من أحسن العبودية لله، وتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، واتصف وتخلق بأخلاق الإسلام.
والحمد لله ... ما زال الباب مفتوحاً النبي صلي الله عليه وسلم وما زالت البضاعة مطروحة أما الجميع، وليس علينا إلا أن نتاجر مع الله ـ عز وجل ـ ولا يكون ذلك إلا بالتخلق بأخلاقيات هذا الجيل العظيم، وإذا فعلنا ذلك فسوف نصل غلي أرقي صورة بشرية يمكن أن يصل إليها الإنسان علي وجه الأرض النبي صلي الله عليه وسلم صورة الإنسان الذي توشك أن تصافحه الملائكة!!
فن تأليف الأرواح
أولاً: مثل عليا تربي عليها الصحابة
أما فن تأليف القلوب فنستمده بسند صحيح من سيرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، من ميراثه، من دعوته ، نتذاكره ونتعلمه، ونتربى عليه، كما تربي عليه السابقون الأولون من سلفنا ـ رضوان الله تعالي عليهم . وسوف نذكر بعضاً من العناصر التي يقوم عليها بناء هذا الفن الجليل .
كظم الغيظ:
ذكر الله ـ عز وجل ـ في محكم كتابه أصول هذا الفن، وذكرها رسولنا عليه الصلاة والسلام بكلامه وبعلمه وبأخلاقه الشريفة العالية صلي الله عليه وسلم ، فقال المولى جلت قدرته: ) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: الآية134).
قال أهل العلم: ثلاث منازل للمبتدئين والمقصدين والسابقين بالخيرات:
المنزلة الأولي: من أسيء إليه فليكظم ، وهذه درجة المقصرين من أمثالنا من المسلمين أن يكظم غيظه، ولا يتشفى لنفسه في المجالس ولا يتعرض للأعراض.
المنزلة الثانية: فإن زاد وأحسن ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) يذهب إلي من أساء إليه ويقول له: عفا الله عنك.
المنزلة الثالثة: فإن زاد وأحسن ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يذهب بهدية أو بزيارة إلي من أساء إليه، ويصافحه ويقبله.
قال أهل السيرة: قام خادم علي هارون الرشيد بماء حار يسكب عليه، فسقط الإبريق بالماء الحار علي رأس الخليفة أمير المؤمنين.. حاكم الدنيا!! فغضب الخليفة، والتفت إلي الخادم.
فقال الخادم ـ وكان ذكياً ـ والكاظمين الغيظ!
قال الخليفة: كظمت غيظي..
قال: والعافين عن الناس!
قالت : عفوت عنك..
قال : والله يحب المحسنين.
قال : اذهب فقد أعتقتك لوجه الله!!
2- نزع الغل والبغضاء:
في معركة الجمل خرجت عائشة وطلحة والزبير وغيرهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وخرج الصحابة معهم بالسيوف وخرج علي ـ رضي الله عنه ـ ومعه بعض الصحابة من أهل بدر ومعهم السيوف يلتقون! قيل لعامر الشعبي: الله أكبر! يلتقي الصحابة بالسيوف ولا يفر بعضهم من بعض قال: أهل الجنة التقوا فاستحيا بعضهم من بعض! فلما قتل طلحة في المعركة وكان في الصف المضاد لعلي ـ نزل علي من علي فرسه وترك السف، وترجل نحو طلحة، ونظر إليه وهو مقتولـ وطلحة أحد العشرة المبشرين بالجنةـ فنفض التراب عن لحية طلحة وقال: يعز علي يا أبا محمد أن أراك علي هذه الحال، ولكن أسال الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم سبحانه وتعالي: )وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) (الحجر:47).
فانظر إلي الصفاء ، والنقاء، وانظر إلي العمق، وانظر غلي الروعة! وهم يقتتلون، والدماء تسيل وعلي يحتضن طلحة ويسلم عليه ، ويذكره أنه سوف يجلس معه في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، حقاً إنه مشهد رائع، وأنموذج باهر.
هذا الأنموذج الحي يدلنا دلالة واضحة علي أن هؤلاء البشر لم يخرجوا عن بشرتهم، ولم يكونوا يوماً من الأيام ملائكة، ولكنهم كانوا في أروع صورة بشرية عرفتها الدنيا.(/9)
مر علي ابن السماك صاحب له عتب عليه، فقال لبن السماك: غداَ نتحاسب ـ يعني غداً ألتقي معك أحاسبك وتحاسبني، وألومك وتلومني، ونعرف من هو المخطئ منا ـ فقال ابن السماك: لا والله، غداً نتغافر!
فالمؤمنون لا يتحاسبون ، ولا يقول أحدهم للآخر : أنت كتبت في كذا.. وقلت كذا، وسمعت أنك تغتابني.. و.. .. إلخ، لا .. هذا أسلوب خاطئ ، والصحيح أن يقول له: (( غفر الله لك)).
3-بذل الأعراض والأموال في سبيل الله:
لقد وصل الجيل المبارك إلي حد أن يقوم أحدهم وهو أبو ضمضم يصلي في الليل ثم يتوجه إلي الله ـ تعالي ـ بالدعاء قائلاً: اللهم إنه ليس لي مال أتصدق به في سبيلك، ولا جسم أجاهد به في ذاتك ، ولكني أتصدق بعرضي علي المسلمين.. اللهم من شتمني، أو سبني، أو ظلمني، أو اغتابني، فاجعلها له كفارة!!
ويروي أن النبي صلي الله عليه وسلم حث علي الصدقة ذات يوم ، فقام علبة ابن زيد فقال : يا رسول الله! حثثت علي الصدقة، وما عندي إلا عرضي، فقد تصدقت به علي من ظلمني، قال: فأعرض عنه رسول صلي الله عليه وسلم . ولما كان في اليوم الثاني قال: ((أين علية ابن زيد ، أو أين المتصدق بعرضه، فإن الله ـ تبارك وتعالي ـ قد قبل ذلك منه)).
فهذا هو المتصدق بالأعراض ، ولابد أن يبذل الدعاة وطلبة العلم أعراضهم كما بذلها محمد صلي الله عليه وسلم ، فإن بذل عرضه وماله ودمه لهذه الدعوة الخالدة، فعسي الله أن يجعل دماءنا وأنفسنا وأعراضنا وأموالنا وأبناءنا وأهلنا فداء ل ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)).
4- تحمل زلات الغير:
ذكر الغزالي ـ صاحب الإحياء ـ أن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد ، أغتابك فلان!، قال: تعال، فلما أتي إليه أعطاه طبقاً من رطب، وقال له اذهب إليه وقل له : أعطيتنا حسناتك، وأعطيناك رطباًً ! فذهب بالرطب إليه!
فالمقصود من هذا أن الدنيا أمرها سهل وهين، وأن بعض الناس يتصدق بحسناته ، فلا عليك مهما نالك حاسد، أو ناقم ، أو مخالف، أو منحرف! فاعتبر ذلك في ميزان حسناتك، واعلم أن ذلك رفعة لك.
ويروي في مسيرة موسى عليه السلام أنه قال : يا رب، أريد منك أمراً! قال: ما هو يا موسى ؟ ـ والله أعلم به ـ قال: اسالك أن تكف ألسنة الناس عني! قال الله ـ عز وجل ـ : يا موسى ، وعزتي وجلالي، ما اتخذت ذلك لنفسي، إني اخلقهم، وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني!!سبحان الله ! الله! الرحمن، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، يسب من الناس!! هذا المخلوق الضعيف، الذليل الحقير، الحشرة، يخرج نطفة، ثم يسب الله ويشتمه ـ جلا وعلا؟!.
وفي البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( قال الله ـ تعالي ـ شتمني ابن آدم ، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له ! أما شتمه فقوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني)).
وعند احمد في كتاب الزهد أن الله ـ عز وجل ـ يقول: (( عجباً لك يا ابن آدم، خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم، وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي، وأنت فقير إلي! خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد))
فما دام أن الواحد الأحد ـ سبحانه وتعالي ، يسبه ويشتمه بعض الأشرار من خلقه ـ فكيف بنا نحن ، ونحن أهل التقصير؟!
إذا علم هذا فإنه خير دليل علي المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام ـ ورضي الله عنهم ـ فتراضوا واختلفوا كما يختلف البشر، وأتت بينهم نفرة في أيام من حياتهم! ولكنهم عادوا في صفاء، وفي عناق ، وفي صبور، وفي محبة؛ لأن المبدأ الذي يحملونه مبدأ واحد، وليس مبادئ متعددة، فمبدؤهم: (( لا إله إلا الله محمد رسول الله)). وما حصل بينهم دليل علي أنهم لم يخرجوا عن بشرتهم، ولم يصبحوا ملائكة، ولم يخرجوا من عموم قوله صلي الله عليه وسلم : (( كل بني آدم خطاء)).
ولم يصبحوا كذلك صفحات بيضاء لا أثر فيها ولا نقيضة، كلا ما كانوا كذلك!
كانوا بشراً تعتمل في نفوسهم دوافع الشر، ويتحركون في الأرض بدوافع البشر، ولكنها دوافع البشر في اصفي حالاتها وأعلاها، دوافع البشر حين يتخففون إلي أقصي حد من ثلة الأرض ، فيصعدون أقصي ما يتاح للبشر من الصعود.
كانوا يعلمون.. فإذا هبطت بهم ثقلة عن المستوى السامق لم يستكينوا للهبوط، وإنما عادوا يعلمون للصعود من جديد.. فيصعدون ويصعدون.
وفي سيرة أبي بكر ـ رضي الله عنه ت أن رجلاً قال لأبي بكر: والله يا أبا بكر لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك ، قال أبو بكر: بل يدخل معك قبرك أنت لا معي!!
صدق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فإن المسبوب لا يدخل معه السب، ولكن يدخل السب مع الساب الذي سلط لسانه علي عباد الله. أفيظن هذا الجاهل أنه إذا سب أو شتم أو نال من أبي بكر أن شتمه هذا سوف يدخل مع أبي يكر القبر؟ فهذا جهل، وأي جهل !!(/10)
ثم انظر وتأمل جواب أبي بكر عليه (( بل يدخل معك قبرك ولا يدخل معي)) فقط كان هذا جوابه؟! ولم يقل له: بل سأسبك سباً يدخلك قبرك! وسأفعل بك كذا!! وسأريك كذا!! الخ، لا بل (( يدخل معك قبرك))!
وقول أبي بكر وتصرفه هو الصحيح ، فإن الكلمة العوراء والكلمة الآثمة، والكلمة الجارحة، تكون وبالاً وحسرة وندامة علي من تجرأ وجرح ونال بها من أخيه.
5- إنهاء الخصام والسعي إلي الصلح:
قال رجل لعمرو بن العاص: والله لا تفرغن لك!
قال عمرو: إذن تقع في الشغل!
وهذا هو الحق ، فإن الذي يتفرغ لينال من الناس، ويشتم الناس، ويكيد للناس، هذا لا يكون فارغاً أبداً! وإنما يشغله الله بالناس!وهذا يضيع عمره في الترهات والتفاهات وما لا ينفع!
وقول عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ هو الصواب، وهو الحكمة ) وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً )(البقرة: الآية269) ويروي أهل الحديث أن عامر الشعبي ت وهو من علماء التابعين المشهورينـ قام أمامه رجل وقال له ك كذبت يا عامر!
فقال عامر: إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك!!
فماذا قال الرجل بعدها يا تري؟!
سكت !! لأن من استطاع أن ينهي الخصام، وأن يجعل للصلح موضعاً، وألا يستعدي الناس خاصة أهل الفضل وأهل المنزلة وأهل الصدارة والمكانة، كان محسناً علي نفسهن وعلي الإسلام ، وعلي المسلمين.
6- محاسبة النفس:
في مسيرة سالم بن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ أن رجلاً زاحمه في مني، فالتفت الرجل إلي سالم ـ وسالم علامة التابعين ـ فقال له : إني لظنك رجل سوء. فقال سالم: ما عرفني إلا أنت! لأن سالماً ت رضي الله عنه ـ يشعر في نفسه انه رجل سوء، وهذا صواب لأن المؤمن يرمي نفسه بالتقصير كلما رآها تعالت أو تطاولت أو نسيت، كما أنه يلوم نفسه ويحاسبها. لكن الفاجر والمنافق يزكي أما الناس!
وكان سعيد بن المسيب يقوم وسط الليل ويقول لنفسه: قومي يا مأوي كل شر!
سعيد بن المسيب يقول لنفسه هذا الكلام!! ونحن ماذا نقول لأنفسنا؟ اللهم استرنا بسترك.
وفي قصة ثابتة بأسانيد صحيحة، قام رجل في الحرم أمام ابن عباس ـ حبر الأمة وترجمان القرآن ت فسبه أمام الناس، وابن عباس ينكس رأسه!! أعرابي جلف يسب علامة الدنيا ولا يرد عليه.. وواصل الأعرابي الشتم، فرفع ابن عباس رأسه وقال: أتسبني وفي ثلاث خصال؟!
قال: ما هي يا ابن عباس؟
قال: والله ما نزل المطر بأرض إلا سررت بذلك، وحمدت الله علي ذلك، وليس لي بها ناقة ولا شاة!!
قال: والثانية؟
قال: ولا سمعت بقاض عادل إلا دعوت الله له بظهر الغيب وليس لي عنده قضية!!
قال: والثالثة؟
قال: ولا فهمت آية من كتاب الله إلا تمنيت أن المسلمين يفهمون كما أفهم منها!!
هذه هي المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي رباهم أصلاً علي أسس العقيدة وأخلاق الإيمان، وإلا فهم أمة أمية خرجت من الصحراء، لكنه صلي الله عليه وسلم بناهم شيئاً فشيئاً ، ورصع مجدهم، واعتني بهم، حتى أصبحوا قادة الأمم النبي صلي الله عليه وسلم وقدوة حسنة للناس!
وقالوا في المثل: (( من لك بأخيك كله)) تريد أخاً مهذباً كله، لا ، هذا لا يكون.. خذ بعضه، خذ نصفه ، خذ ثلثه، خذ ثلثيه.
فهل وجدت في المجتمع المسلم شخصاً ـ مهما بلغ من الرقي وحسن الخلق ـ أن يكون كاملاً، لا حيف فيه ولا نقص؟! كلا، هذا لا يكون ) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ )(النور: الآية21).
تجد هذا كريماً لكنه غضوب! وتجد هذا حليماً لكنه بخيل! وتجد هذا طيباً لكنه عجول! لأن الله وزع المناقب والمثالب علي الناس.
من ذا الذي ترضي سجاياه كلها
كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه
فإذا عدت معايب الإنسان فاعلم أنه صالحن ولكن بعض الناس لا تستطيع أن تعد معايبه أبداً مهما حاولت!!
وبعضهم لخيره وصلاحه، تقول: ليس فيه إلا كذا، وهذا هو الخير ، ومن غلبت محاسنه مساوئه فهو العدل في الإسلام. ومن غلبت مساوئه محاسنه ، فهو المنحرف عن منهج الله ـ عز وجل ـ لن الله يزن الناس يوم القيامة بميزان آية الأحقاق النبي صلي الله عليه وسلم يقول تعالي: )أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) (الاحقاف:16)(/11)
فبين الله في الآية أن لهم مساوئ ، وأنه يتجاوز عنهم ـ سبحانه وتعالي ـ وأن لهم خطايا النبي صلي الله عليه وسلم وأن لهم ذنوباً، ولكنهم كما يقول الحديث: (( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)).فبعض الناس ماؤه قليل.. أي شيء يؤثر فيه، قطرة تؤثر فيه! ولكن بعضهم لمحاسنه ومناقبه بلغ قلتين، فمهما وضعت فيه لا يتغير أبداً لكرمه، وبذله، وعطائه، وعلمهن وسخائه، وفضله، ودعوتهن وخيره، وصلاحه، وصدق نيته غلي غير ذلك من الصفات. وهذا تأتيه أحياناً نزغات من نزغات الشيطان، لكنها لا تؤثر فيه.
ولذلك يقول ابن تيمه ونقلها ابن القيم عنه في مدارج السالكين: أما موسى عليه السلام فإنه أتى بالألواح فيها كلام الله ـ عز وجل ـ فألقاها في الأرض، وأخذ برأس أخيه يجره إليه. يقول ابن تيمية: أخوة كان نبياً مثله، ومع ذلك جره بلحيته أمام الناس، ولكن عفا الله عنه!
قال ابن القيم:
وإذا الحبيب أتي بذنب واحد
جاءت محاسنه بألف شفيع
وفي حديث رواه البهقي بسند حسن، قال: (( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)).
قال ابن القيم: إلا الحدود ، وهذه عبارة تثبت في بعض الروايات من لفظه صلي الله عليه وسلم فإن الناس متساوون في الحدود، لكن في المسائل التي ليس فيها حدود، فعلينا أن نقيل صاحب العثرة ـ من أهل الهيئات ـ عثرته، وأهل الهيئات هم الذين لهم قدم صدق في الإسلام، وفي الدعوة، وفي الخير، وفي الكرم، وفي الصدارة، وفي التوجيه، وفي التأثير، وهم وجهاء الناس، وأهل الخير، وأهل الفضل، فهؤلاء إذا بدرت منهم بادرة فعلينا أن نتحملها جميعاً، وعلينا أن ننظر إلي سجل حسناتهم، وإلي دواوين كرمهم، ومنازلهم عند الله وعند خلقه.
يقول بشار بن برد:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
ويقول في بيت آخر:
إذا أنت لم تشرب مراراً علي القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
فصاحب أخاك، وتحمل منه الزلة، واغفر له العثرة، وتجاوز عن خطئه.
وكان ابن المبارك إذا ذكر له أصحابه قال: من مثل فلان، فيه كذا وكذا من المحاسن، ويسكت عن المساوئ.
وليتنا نتذكر حسنات الناس ، فما أعلم أحداً من المسلمين مهما قصر إلا وله حسناته، ولو لم يكن من حسناته إلا انه يحب الله ورسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم لكفي.
يؤتي برجل يشرب الخمر إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فأمر به فجلد، وكان قد أتي به كثيراً. فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به. فقال المعلم العظيم صلي الله عليه وسلم : (( لا تلعنوه فوالله ما علمت أن يحب الله ورسوله)).
وفي لفظ : قال رجل: ما له أخزاه الله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ك (( لا تكونوا عوناً للشيطان علي أخيكم)).
فاثبت له صلي الله عليه وسلم أصل الحب، وهي حسنة، واثبت له بقاءه في دائرة الأخوة الإسلامية، وهذه من أعظم الحسنات، فلماذا لا نتذكر للناس محاسنهم وبلاءهم في الإسلام؟!
إنك لا تجد شريراً خالصاً إلا رجلاً كفر بالله، أو تعدي علي حدوده، أو أعلن الفجور، أو خلع ثوب الحياء، أو عادي الأولياء والأخيار الصالحين، ونبذ الإسلام وراءه ظهرياً.
ثانياً: المنهج الإسلامي لنبذ الخلاف
أمثلة تطبيقية:
مرت نماذج خيرة في حياته عليه الصلاة والسلام، سطرها أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ومن هذه النماذج:
1-الخلاف بين بلال وأبي ذر:
فهذا أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ عير بلاباً بأمه، فشكاه بلال إلي النبي صلي الله عليه وسلم ثم ندم أبو ذر علي ما بدر منه من قول، فوضع خده علي التراب، وقال لبلال: والله لا أرفع حدي حتى تطأه بقدمك! فتعانقا وتصافحا.
2-الخلاف بين المهاجرين والأنصار:
كاد المهاجرون والأنصار أن يقتلوا وذلك بعد الإسلام! وسلوا السيوف ، وتهيئوا للقتال! فخرج عليهم الرسول صلي الله عليه وسلم وقال: (( ما بال دعوى جاهلية)) ثم قال : (( دعوها فإنها منتنه)).
فبكوا ، واسقطوا السيوف من أيديهم ، وتعانقوا فهذه الأخوة المعتصمة بالله نعمة يمتن الله بها علي المسلمين، وهي نعمة يهيئها الله لمن يحيهم من عبادة، وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة ، وما كان إلا خبل الله الذي يعتصم به الجميع، فيصبحون بنعمة الله إخواناً، وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله تصغر إلي جانبها الأحقاد التاريخية، والثأرات القبلية، والأطماع الشخصية، والرايات العنصرية!
)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا )(آل عمران: الآية103)(/12)
ذكر أهل التاريخ بسند صحيح أن الصحابة خرجوا في غزوة بني المصطلق ، وكان لعمر مولى اسمه جهجاه، فقام فاختصم مع رجل من الأنصار اسمه سنان بن وبرة، فغضب الأخير غضباً شديداً حتى تصايحا، فقال مولى عمر: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار!فبلغت في النفوس حزازات، وأخبروا بها رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول فقال: صدق المثل القائل: جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك! لو أنا صرفناهم عن دارنا ما فعلوا هذا، لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.فقال عمر: ائذن لي أن أقتله يا رسول الله، فقال صلي الله عليه وسلم : (( يا عمر، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)).
هذا هو المنهج الصحيح في التعامل مع الخصوم في هذه المرحلة من مراحل الدعوة المباركة، فالنبي صلي الله عليه وسلم عنده منهج دعوى يسير عليه، يريد مصلحة هذه الدعوة، وما عليه من دمه ولا من نفسه، ولا من ماله، ولا من زوجه، ولا من أهله، لأنه يريد للدعوة أن تستمر ، وأن يستفيد الناس، وأن يسمع الناس، وأن يتعظ الناس، وأن يهتدي علي يديه بشر كثير، أما قضية الانتقام الشخصي أو أن يقوم الإنسان ويغضب لنفسه، فليست من صفاته صلي الله عليه وسلم .
ومنع عليه الصلاة والسلام عمرن فأتي عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول فقال: يا رسول الله، سمعت أنك تريد قتل أبي، فإنك أن أرسلت رجلاً لقتل أبي، والله لا تطمئن نفسي أن أري قاتل أبي يمشي علي وجه الأرض حتى أقتله، لكن يا رسول الله ائذن لي أن أهذب الآن وآتيك برأس أبي! والله يا رسول الله لئن شئت لأقتلنه، فإنك الأعز وهو الأذل!!
انظر إلي الإسلام! وإلي عظمة الانتساب إليه؛ فصل بين الولد وأبيه، وهو من صلبه، ومن دمه، من عروقه!
ثم انظر إلي الإيمان الذي تغلغل في أحشاء هذا الصحابي الجليل، وتسرب إلي عروقه ومشاعره، وجري منه مجرى الروح والدم !
حقاً، بـ (( لا إله إلا الله محمد رسول الله)) يظهر من روائع الإيمان واليقين والشجاعة، وخوارق الأفعال والأخلاق ، ما يخير العقول والألباب ، ويعجز عن تفسيره أهل البصائر والعقلاء.
ويموت هذا الشقي، فيجيء ابنه عبد الله بن عبد الله إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ((إنما خيرني الله فقال: )اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ)(التوبة: الآية80) وسأزيده علي السبعين)).
قال عمر: إنه منافق!! فصلي عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وصلي معه المسلمون. فأنزل الله عليه قوله: )وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)(التوبة: الآية84)
ويأتي إلي الرسول صلي الله عليه وسلم متخلفون من المنافقين الذين أساءوا وتركوا الغزو، وخالفوا أمرهن وعصوا الله، فيقول أحدهم : يا رسول الله، إني مريض!فيقول له: صدقت. وهو ليس مريضاً في جسمه، لكنه مريض القلب. ويأتيه الثاني فيقول له: امرأتي مرضت في الغزوة! فيقول له: صدقت. ويأتيه الثالث يقول له: فقير ما استطعت أن أشتري جملاً! فيقول له الرسول صلي الله عليه وسلم : صدقت ، فيقول تعالي: )عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) (التوبة:43) .
فماذا أحدث عليه الصلاة والسلام بهذا الخلق؟
جمع القلوب بدعوته، وألف بين الأرواح بحكمته، أتاه أحدهم فقال له: والذي لا إله إلا هو إنك أحب إلي من نفسي!!
وقال الثاني: والله ما ملأت عيني منه إجلالاً له، والله لو سألتموني أن أصفه لكم، ما استطعت أن أصفه من حبي وإجلالي له.
ولقد كانوا رضي الله عنهم يتمنون أن تسيل دماؤهم، وتندق أعناقهم، ولا يشاك رسول الله صلي الله عليه وسلم بشوكة.. هذا هو الحب!
3- الخلاف بين معاوية وابن الزبير:
كان لمعاوية مزرعة في المدينة، وله عمال، وكان لابن الزبير مزرعة بجانبها، ومعاوية آنذاك يحكم ما يقارب العشرين دولة، وابن الزبير راع من رعيته، وكان بينهما حزازات قديمة، فأتي عمال معاوية ودخلوا في مزرعة ابن الزبير ، فكتب ابن الزبير لمعاوية كتاباً ، وكان رضي الله عنه غضوباً، فقال له:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن الزبير ابن حواري الرسول، وابن ذات النطاقين، إلي معاوية بن هند بن آكلة الأكباد! أما بعد : فقد دخل عمالك مزرعتي، فو الذي لا إله إلا هو إن لم تمنعهم ليكون، لي معك شأن!!
فقرأ معاوية الرسالة ـ وكان حليماً ـ فاستدعي ابنه يزيد، وكان يزيد متهوراً ، فعرض عليه معاوية الرسالة، وقال : ماذا تري أن نجيبه؟(/13)
قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة، وآخره عندك في دمشق يأتونك برأسه!!
فقال معاوية: لا ، خير من ذلك وأقرب رحماً، فكتب معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان، إلي عبد الله بن الزبير بن حواري الرسول، وابن ذات النطاقين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فلو كانت الدنيا بيني وبينك، ثم سألتها لسلمتها لك، فإذا أتاك كتابي هذا، فضم مزرعتي إلي مزرعتك، وعمالي إلي عمالك فهي لك، والسلام!!
وصلت الرسالة إلي ابن الزبير ، فقرأها وبلها بدموعه، وذهب غلي معاوية في دمشق، وقبل رأسه، وقال له : لا أعدمك الله عقلاً أنزلك هذا المنزل من قريش.
***
ثالثاً: الاجتماع تحت راية الإسلام
إننا نختلف عن سائر الأمم.. فلم نجتمع علي حب الوطن! فالوطنية ليست هي التي جمعتنا، فإن أوطاننا هي كل بلاد المسلمين، وأينما ذكر اسم الله في بلد كان هذا البلد وطناً لكل المسلمين.
ولم نجتمع كذلك علي دم، فإن الدم دعوة أرضية لم ينزلها الله في كتابه، ولم نجتمع علي لغة، فإن اللغات شتي.
ولكن اجتمعنا علي عقيدة، وعلي مبدأ أتي به محمد صلي الله عليه وسلم وهو (( لا إله إلا الله محمد رسول الله)).
هذا المبدأ ، جعلنا نتآخى ونجتمع بعد فرقة وشتات.
إن كيد مطرف الإخاء فإننا
نغدوا ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الغمام فماؤنا
عذب تحدر من غمام واحد
أو يختلف نسب يؤلف بيننا
دين أقمناه مقام الوالد
فكلما حدثت جفوة، أو حصل هجر، عدنا غلي الدين، وتذكرنا أننا نصلي الصلوات الخمس، وأننا نتجه إلي قبلة واحدة، ونتبع رسولاً واحداً ونعبد رباً واحداً، ومعنا كتاب واحد، وسنة واحدة، فلله الحمد.
إن ما يجري بين الأحبة من خلاف ـ أحياناً ـ لا يفسد للود قضية، ولا يغير ما في النفوس، فإن الله يقول: ) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ )(الأنعام: الآية112). فإنه ـ بمشيئة الله ـ يحدث مثل هذا، وفي ذلك من المصالح العظيمة ما الله به عليم.
يقول المتنبي:
لعل عتبك محمود عواقبه
وربما صحت الأجساد بالعلل
ولعلنا نكره شيئاً فيه خير كثير، ونحب شيئاً فيه شر كثير.ولله الحكمة البالغة.
لا تدبر لك أمراً
فأولو التدبير هلكي
وارض بالله حكيماً
نحن أولى بك منكا
فلا تكره من أمر الله شيئاً ، (( ورب ضارة نافعة)). فأحياناً تحدث أمور يكون فيها من المصالح العظيمة التي لا يدركها البشر بعقولهم، ولا بتخطيطهم، ولا بتصرفهم!
ومن هذه الأمور ما يكون قوة للإنسان ورفعة، ومنزلة وحماية، وكفارة النبي صلي الله عليه وسلم ودرجة، وكان يحسب هو أنها نقمة، وأنها ضربة له، وأنها كارثة ، فله الحكمة البالغة، ولابد للعبد أن يقول كلما اصبح وأمسي : (( رضيت بالله رباً،وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبياً)).
وفي سنن أبى داود بسند صحيح: (( من قال رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وجبت له الجنة)).
فإنه ليس بيننا وبين أحد من الناس شجار لأسباب دنيوية، ولا لذواتنا، ولا لأنفسنا، فإن العبد عليه أن يسعى لمصلحة هذا الدين، ولمصلحة الأمة والبلاد والعباد، وأن يسعى لجمع الصف، ونبذ الفرقة، ودرء الفتن عن الأمة حتى تكون الأمة تحت مظلة: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63) .
اللهم أعصمنا من الزلل، وأنقذنا من الخطل، وأخرجنا من الحادث الجلل.
اللهم ثبت منا الأقدام ، وسدد منا السهام، وارفع منا الأعلام ، وانصرنا بالإسلام.
اللهم انزع من قلوبنا الغل علي الأخوان،والضغينة علي الجيران،والحسد للأقران.
اللهم اغسل قلوبنا بماء اليقين،واسق أرواحنا من كوثر الدين، وأثلج صدورنا بسكينة المؤمنين. سبحان ربك العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد، وعلي آله وصحبه أجمعين.(/14)
جنين
بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي
لهفي عَلَيكِ " جِنينُ " ! أَنتِ جميلَةٌ ... ... غَنّاءُ زاهيةٌ ووَجْهُكِ أنْضَرُ
ولقد طلعْتِ مَعَ الدُّجى نوراً يمو ... ... جُ على الزّمانِ هدىً وصُبْحاً يُسْفِرُ
ولقد طَلَعْتِ وأنْتِ أجملُ رَوضَةٍ ... ... تَغْنى وورْدُكِ في المرابِع يُزْهِرُ
لهْفي عليك ! وكم نَواحٍ أقْفَرَتْ ... ... وبَقِيتِ في مددٍ وسَاحُكِ أخْضَرُ
والعِطْرُ مِن رِدْفَيك فوَّحَ فانتَشَتْ ... ... ساحٌ وهَبَّ المسكُ دُونكَ ينشرُ
شَرَفُ الميادين التي عَطّرْتِها ... ... بِرُؤىً تَمَوَّجُ أو دَمٍ يَتَفَجَّرُ
لَهْفي عليكِ ! وأنْتِ آيةُ أُمَّةٍ ... ... تَغْفُو ووَثْبَةُ من يُهيِبُ ويُنْذِرُ
يَتَنَفَّسُ التاريخُ في ساحاتِها ... ... عَبَقَ القَرونِ يعيده ويُذَكِّرُ
ما غابَ أمْسِ ، وَكُنْتِ حَوْمَةَ جَوْلَةٍ ... ... تَثِبُ الفوارسُ في رُباكِ وتزخَرُ
صَدُّوا عدوَّ الله عَنْكِ بِثَورَةٍ ... ... كُبْرى تَهُزُّ المجْرمين وتَقْهَرُ (1)
الثورةُ الكُبْرى وذِكْراها شَذىً ... ... وندىً وأنسامٌ ترفُّ وتنشُرُ
ومَضَيْتِ في التاريخ قصَّةَ أُمَّةٍ ... ... تبْني وترفَعُ ما يُعِزُّ ويُؤثَرُ
ورباك ! ما أحلى الظلالَ وهَمْسَها ... ... والذكرَيات رؤىً تموجُ وتبْهَرُ
" عَيْنَ الجنائنِ " ! والجنائِنُ كُلُّها ... ... ضَمَّتْكِ في وَلَهٍ يُسِرُّ و يَجْهَرُ (2)
تحنو ! عَلَيكِ ! يَظلُّ يَنْشُر عِطرَها ... ... ساحُ الملاحِم في رُبَاكِ وأعْصُرُ
* * ... * ... * *
لَهْفي عليكِ " جنينُ " ! هذى عُصْبةٌ ... ... زَحَفَتْ وأهوالٌ تُطِلُّ وتُظْهرُ
تتلفّتُ الدُّنيا وأنْتِ أسيرة ... ... وحِماكِ في طَوْقٍ يَشُدُّ و يَحْشُرُ
واللَّيْلُ يزْحَفُ والطّفولةُ رُوِّعَتْ ... ... والشّيْخُ يُذهِله الهَوانُ ويأسرُ
وهوى الأمومةِ والحنينُ وحَيْرَةٌ ... ... والأُفْقُ مُرْبَدُّ الجوانبِ أغْبَرُ
وشبابُكِ الغُرُّ الميامِينُ ارتَقَوْا ... ... لعُلاً على ساحِ الجهادِ وكَبَّروا
* * ... * ... * *
زَحَفَ العَدُوُّ ! وهجْمةٌ دوّتْ بها ... ... نكراءُ يَدْفعُها الجُنونُ فَتَفْجُرُ
زُحَفُوا عَليكِ وقد تَحَصَّنَ جُنْدُهُمْ ... ... ما بين آلاتٍ تَغِيبُ وتَظْهَرُ
يمضي بدبّاباته وعتادِه ... ... والموتُ يرصُدُ ما يشاءُ وينظُرُ
والطائراتُ تحومُ في آفاقِها ... ... تُلْقي عواصِفَ قَصْفِها وتُفَجِّرُ
والمرْوَحياتُ التي دَكَّتْ مَنَا ... ... زِلَ تخْتَفي فيها النفوسُ وتُقْبَرُ
تَهْوي على أصحابها فَتَضُمُّهُمْ ... ... وكأنّها تَحْنو ! حَنانُكِ يُذْكَرُ
ودويُّ دبَّابَاتِهمْ يُلْقي اللَّهيـ ... ... ــبَ على الحقُولِ وكلِّ ما هو يُثمِرُ
ورمَوْا بألوانِ القنابل والرَّصا ... ... صِ على الشيوخِ وكلِّ ما هو يَظهَرُ
عَظُمَ الحِصارُ على المدينة والمخَيَّـ ... ... ــمِ والمنازِل والنفوسِ وأنْذَروا
* * ... * ... * *
ومضَى الشَّبابُ الصَّامِدونَ لمعْركٍ ... ... دَامٍ عزَائمهمْ أشَدُّ وأخْطَرُ
شَهد " المخيّم" جولةً لا تَنْمَحي ... ... أبداً وذكراها تهزُّ وتبْهَرُ
ومَضَوْا يُلاقونَ العدوَّ ! سِلاحُهم ... ... صبْرٌ أبَرٌّ وذِمَّةٌ لا تُخْفَرُ
بين الأَزِقّةِ ، في الدروب ، بكلِّ مُنـ ... ... ــعَطَفٍ بُطولاتٌ هناكَ تُسَطَّرُ
الصَّامِدونَ الزَّاحِفُونَ البَاذِلو ... ... نَ نفوسَهَمْ بَذْلاً يُعِزُّ ويَنصُرُ
وقَفُوا ! وتَلْتَفِتُ العُصُورُ إِليْهمُ ... ... والنَّاسُ آمالٌ تِضجُّ وتَجْهَرُ
وتسَابقوا للموتِ في سَاحَاتِهِ ... ... عَزْماً يَثُورُ وهمَّةً تتسَعَّرُ
يعلو هُناكَ الصَّادِقُونَ لِجَنَّةٍ ... ... ومَنازِلٍ فيها تطِيبُ وكوثَرُ
تتسَاقَطُ الجُثَثُ النّدِيّةُ والشَّذا ... ... مِسكٌ ورَيْحانٌ يَمُوجُ وعَنْبَرُ
وترى اليهودَ وقَدْ تَعَاظَمَ حِقْدُهُمْ ... ... يُلقُونَها عَبَثاً يضلُّ ويَفجُرُ
وتَرَى كَأنَّ الأَرْضَ أضْحَتْ روضةً ... ... تَنْمو بِها هذي الورودُ وتُزْهِرُ
لَهْفي عليكِ " جنين " ! أَنتِ جميلةٌ ... ... أَبهى وأجْملُ ما يكونُ المَنْظَرُ
وشَّيْتِ أرضَك بالدماء كأنّما ... ... تُلْقَى الَّلآلئ مِنْ بَنيكِ وتُنْثَرُ
ستظلُّ أرضُك يا " جِنِيْن " غنيّةً ... ... تُرْوى فينبت مِنكِ غرسُ أوفرُ
لهفي عليك " جنينُ " ! تِلك لآلئ ... ... أغلى وأجمل ما يكون الجوهرُ
* * ... * ... * *
الرياض
30محرم 1423هـ
13أبريل 2002م ... ... ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إشارة إلى ثورة 1936م ودور جنين وقراها فيها .
(2) عين الجنائن : اسم مدينة جنين قديماً .(/1)
جلال الموت رثاء الشيخ عبد الله عزام
رثاء الشيخ عبد الله عزام وولديه
ـ رحمهم الله ـ
بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي
جلالَ موتكَ أم صدقَ الجهادِ أرى ... ... ودفقةُ الدم أم عِطْرُ الوُرُود جرى
نورٌ على عبقٍ ، هدْيٌ على خُلُقٍ ... ... عَزْمٌ على سَبَقٍ أوفى وما خَفَرا
ريحانتانِ على جنبيكَ أقْبَلَتَا ... ... فخُضْ إذنْ بهِما الأهْوال والخَطَرا
* ... * ... *
مِيلوا إلى ، الدار ! أنباءٌ مُرَوِّعةٌ ... ... وغَضْبةٌ أطْلَقتْ مِنْ وقْدِها الشَّررا
أطوفُ في السَّاحِ لا ألقى سِوى رَجُلٍ ... ... مُزمْجِرٍ وفتى ألوى وما انتظرا
ونِسْوَةٍ ! والدُّمُوعُ الغالياتُ بها ... ... صَبَبْنَها غُصَصَا تَروي لنا الخبرا
ودفقة من كبود الناس جارية ... ... حرَّى فَتُطْلق من أنَّاتها النُّذُرا
كأنَّ كُل فؤادٍ من تَلَوُّعِه ... ... هوى إلى السَّاح بالأحزانِ فانفطرا
* ... * ... *
سألتُ مِنْ حَوْلي الفِتْيَانَ ، قُلْتُ لهُمْ ... ... أيْنَ الكَمِيُّ ؟! فقالوا : عزَّ وانتصرا
ونالَ مِنْ ربِّه الحُسْنَى ففازَ بها ... ... عَيْشاً أغَرَّ وعُمْراً نَضَّرَ العُمُرا
وعادَ قاتِلهُ مِنْ هَوْلِ ما صَنَعَتْ ... ... يَداهُ مَيْتاً و ممَّا كَادَ أو مَكَرا
تَفجَّرَ الحِقْدُ لا مِنْ قَلْبِ قُنْبلَةٍ ... ... مِنْ الحديد ولكنْ قَلْبُه انفجرا
كأنَّما غَلَتِ الأحقادُ واشتعلتْ ... ... مَعَ الهوى حِمَماً ألقتْ به سَقَرا
يموتُ كُلُّ شَقيُّ في مكائدِه ... ... أمَّا التَّقيُّ فيلقى كلَّ ما ادَّخرا
* ... * ... *
وقال كلُّ فتىً : واهاً لِنازلةٍ ... ... حلَّتْ ويا لعدوٍّ بالأذى جهرا
فَرُبّ فاجعةٍ من مُجْرمٍ وقعتْ ... ... وطَعْنةٍ من جَبَانٍ دونَنَا غَدَرا
لله نَرْجِعُ أوَّابينَ إنْ نَزلتْ ... ... بنا النَّوازل عَزْماً صَحَّ واعتبرا
قد كان مَدْرسةً يُلْقي بِسَاحتِها ... ... أغنى الدّروس ويُلْقي عِنْدها العِبرا
أبٌ يُعلّمُنَا التوحيدَ في لَهَبٍ ... ... مِنَ الملاحمِ نَتْلو عندها السُّورا
أخٌ لنا وأبٌ ؟ يا طيبَ مَرْحمةٍ ... ... منه تُفوِّح في ميداننا زَهَرا
وقالَ كُل كَمِيّ : إنَّه رَجُلٌ ... ... طَلّت رُؤاهُ تُنَقّي القلبَ والفِطَرا
أخٌ يُجَمِّعنا في كلّ مُعْترَكٍ ... ... ويبسطُ الأرضَ ميداناً لمَنْ صبرا
مع الأئمَّةِ أشياخِ الجهادِ هُنا ... ... بَنوا شوامِخَ أو صَاغُوا لنا الدُّررا
كأنَّما طَلَعُوا مِنْ قَلْبٍ داجيةٍ ... ... مِثْلَ البُدُور فَسَالَ النُّورُ وانتشرا
في أرضِ أفغانَ آياتٌ مُبيّنةٌ ... ... وملحماتٌ تُعيدُ المجد والأثرا
* ... * ... *
عهدٌ مع الله ، عبد الله قُمت له ... ... عزماً تشقُّ عليه دربك الوعرا
تَركتَ خلفك أشتاتاً يُمزّقها ... ... طول الهوان ويرميها الهوى زُمرا
ما زال يَطحنهم حبُّ الحياة على ... ... ذلّ ويَطويهم في جوفها خبرا
وجئتَ تطلبُ أشواقَ الجهاد هُنا ... ... دَماً تفجّر في ساحاتِها فجرى
أتيتها ولنا في أرضها نسبٌ ... ... من التقى وحبال بيننا وعُرى
وثَّقتَ في لَهَبِ الميدان آصرةً ... ... ولُحْمةً تَجمعُ التّاريخ والعُصُرا
وفي رُباها لنا ذكرى معطّرة ... ... وأمّة دفعت أفلاذها الغُرَرَا
صحابةً لرسول الله يحملهم ... ... شوقُ الجهاد ودين علّم البشرا
طيوفهم لم تزل في كلّ ناحيةً ... ... ذكرى لتبعث في أجيالها الظفرا
* ... * ... *
أفي " قطاع جنينٍ " ربْوة طلعتْ ... ... تُخفي الحنين وتطوي السُّهد والسَّهرا
تلفَّتت وإباء العزم يُمسكها ... ... عن البُكاء ودفقُ الشوقِ ما صَبَرا
مع الشَّروق لها ممَّا تُكابده ... ... ذِكْرَى تُرجّع في ساحاتها الصّورا
كأنّها اليومَ ما زالتْ تُودّعه ... ... تقول : عُدْ فغداً تَلْقى هُنا الوَطَرا
كأنّه قال : هل أبقى على دعةٍ ... ... حتّى يُفيق الذي أغفى وما شعرا
لي راية من كتاب الله أرْفَعُها ... ... إلى الجهادِ وعزمٌ يَصْدق الخبرا
لا أستظلُّ براياتٍ وقَدْ جَمَعتْ ... ... فتىً يُداهن دنيا أو فتى كفرا
ولا أساوم في حقّ رواه لنا ... ... دم الجدودُ ودين عطّر السِّيرا
هُناك ميداننا موجُ الدِّماء به ... ... يَدْعو له صُدُقاً لله أو صُبُرا
* ... * ... *
يا رَبْوةً لمْ تَزلْ تحنو فَيُدْفَعُها ... ... طُولُ الحنين فتشكو الهمَّ والكدرا
تقول كلّ مساءٍ وهي صابرةٌ ... ... ألَمْ يَحنْ أوبُ مَنْ أوفَى ومَنْ بَكَرا
تُطالِعْ الأُفْقَ ! تَهْوى طِيبَ عَوْدتِهِ ... ... وتَسْألُ النَّاسَ مَنْ ولّى ومَنْ حَضَرَا
وتَسألُ الليل : كَمْ قَدْ كُنتَ تَحْمله ... ... على الدّروب يَجُوزُ الكيدَ والحفرا
كَمْ كَانَ يُضنيه طُولُ الليل يَقْطعه ... ... مَعَ القيامِ ويتْلو الآي والسُّورا
وتَسْألُ الفجرَ : كَمْ قَدْ كُنْتَ تَحْملُهُ ... ... إلى المساجد يَجْلو عِنْدَها الذّكرا
كَمْ كُنْتَ تَحْمِلُ مِنْ أشْواقه أَمَلاً ... ... إلى الجهادِ غنيّ الشَّوقِ مُسْتَعِرا(/1)
حتَّى القُبُورُ التي في سَاحِهَا سَألتْ ... ... أيْنَ الفتى غاب عن ساحاتها وسرى
وكلُّ ظلٍّ من الزيتون يَعْرِفُهُ ... ... لمَّا نَأى مَال يَطْوي الشَّوقَ وانْحَسَرا
كَأنَّما لَهْفةُ الأقْصَى لِطَلْعَتِهِ ... ... دوّت تُرَجّع منها الشَّوق والنُّذُرَا
كُلٌّ يقول : أيَطْوي العُمْرَ مُغْتَرِباً ... ... مُهاجراً في سبيل الله مُصطبرا
فعاد من قِمَم الأفغان رَجْعُ صدىً ... ... يوحي ويَنْشر من أصْدائه عِبَرا
هذي الميادين دارُ المؤمنين فما ... ... ترى غريباً بها أو جاحداً أشِرَا
هُنا لنا وطنٌ حنَّتْ له أبداً ... ... أكبادنا وجهادٌ لم يزل خضرا
ما كان فينا غريباً في الدِّيار أبو ... ... محمّد وهوانا جَلَّ وازدَهَرا
لنا بحكمته جَمْعُ القُلُوب إذا ... ... ذرَّ الخِلافُ بِقَرْنٍ بَيْنَنا وجَرَى
قَدْ كان عَنْ خُلُق يَطْوي نَوازِعَنا ... ... وعن هُدىً يَنْشُرُ الخيرَ الذي ظَهَرا
نَطْوي على شرفِ الذّكرى مَحَاجِرنا ... ... عِزَّاً ونَحْفظُ في أكبادنا الذِّكرا
* ... * ... *
تألّقي يا جِنَان الخُلْد كم بطلٍ ... ... إليك في زهْوةِ الأشواق قد نفرا
مُضمخّاً بزكيّ الطّيب ينشرهُ ... ... مجلّلاً بهُدى الإحسان مُؤْتزرا
يَحُفُّهُ في جلالٍ من شهادته ... ... نُورٌ ويُلقي عليه سُندساً خَضِرا
خفّت إليه طيوف من منائرها ... ... عينٌ كواعِبُ تَجْلو الحُسْنَ والحَوَرا
ما كان يَخْطو خُطاً إلا يهزّ بها ... ... داراً من الظّلم أو يرمي بها جُدُرا
وما خَطا للهدى إلا أنَار به ... ... دَرْباً وشَقَّ سبيلاً أو جلا ظفرا
كُلُّ الرِّياحين من أنفاسه عبقت ... ... وكُلُّ مِسْكٍ على جولاته انتشرا
يكاد يَسكب في كلّ الدروب دماً ... ... يروي به الأرض أو يروي به العصرا
إنّ الشَّهيد حياةُ النَّاس كُلِّهم ... ... فيه وكلّ رُواء الأرض مِنْهُ جَرى
يُعلّم الناس قول الحق أين مضوا ... ... ويجتلي في ميادين التّقى الخبرا
لولاه لم يبق للإحسان منزلةٌ ... ... في النَّاس أو صادقٌ يقْفُو له أثرا
هي الشَّهادة أعْراسٌ يُزفُّ لها ... ... رجالها ومعالي المجد حيث ترى
تزاحموا في دروب الحقّ واستبقوا ... ... إلى مناهلها الأحداث والغيرا
تنافسوا في ميادين الهُدى شرفاً ... ... وأقبلوا وثباتٍ بينها زُمرا
وآية الله فيهم أنَّهم سَبَقُوا ... ... راضين ، كلٌّ على إحسانه ظفرا
وخلّفوا في وحول الأرض من علقت ... ... قلوبهم بِهَوى منها ومن قصرا
تنافسوا شهوة الدُّنيا فما ربحوا ... ... إلا الهلاك ولم يلقوا بها وَطَرا
لمَّا انتهى أجلٌ قالوا : إذن خَسِرَتْ ... ... تِجَارةٌ ، ويْلَهم ، يَا ذُلَّ من خَسِرا
* ... * ... *
ريحانتانِ على جَنْبَْيه أقبلتا ... ... وضَمّتاه ! فَصُبّوا الشَّوق والعبرا
حنَّا إليه فحنَّا للأبوّة ! كَمْ ... ... هاجَ الحنانُ له الأكبادَ والبَصَرا
ما كاد يلقاهما حتّى مضى بهما ... ... رَكْضاً إلى الله يَلْقون الذي قُدِرا
بشرى من الله ! عُقبى المؤمنين رضاً ... ... ورحمة الله تُوفي كلّ مَنْ صَبرا
وفَوَّح الدّمُ مِسْكاً ليس يعدله ... ... مِسْكٌ ولا نَشَر المِسْك الذي نَشَرا
* ... * ... *
لله درّكَ عبد الله ! جِئتَ على ... ... عَزيمةٍ لسباقٍ جدَّ واسْتَعَرا
وجئتَ في عجلٍ بينَ الزِّحام إلى ... ... شهادة الحقِّ ، هاجَ الشَّوقُ وانفجرا
أتيتَ والدِّم دفَّاقٌ بِلْهفته ... ... إلى السّباق ، فَطُوبى للذي صَبرا
على محيّاك منه نورُ ملحمة ... ... ومن عروقك جُرح لم يزل غبرا
كأنَّ دربك لم تترك به أثراً ... ... إلا وأورق غرساً فيه أَوْ ثَمَرَا
وأورقَ الصَّخْرُ مِنْ شوقٍ أَلحّ به ... ... ومِنْ دمٍ سَال في أعْراقه وجرى
وأزْهَرَ الأُفْقُ ريحاناً يَطوف به ... ... ويَمْلأُ الكون فَوّاحاً به عَطِرا
كأنَّما وصل الدنيا بآخرة ... ... وعاد ينْشُر عنها الآيَ والعِبرا
عَجبْتُ مِنْ عَبَقٍ جَازَ المدى ومَضَى ... ... وعَادَ أغْنى إذا ما هبَّ وابتدرا
* ... * ... *
لله درّك عبد الله من رجلٍ ... ... ضَرْبٍ مَضى ألْجَمَ الأهواءَ فانتصرا
شَمَّرت عن عزمة لله صادقة ... ... وخُضْت لُجّةَ من لم يعرف الحَذَرا
على ذرا " هِنْدكوشٍ " لهفةٌ خَفَقت ... ... وفي السُّفوح هوى ما زال منتظرا
تَطلَّعتْ كي ترى الأبطال صاعدة ... ... إلى ذراها وتلقى شوقها النضرا
لكنّها ذهلت مشدوهة ورأت ... ... وثباً يسابق منها الأنجم الزُّهُرا
وثباً يدقّ بكفيّه الجِنان هوىً ... ... يُلحُّ أو يطرق الأحداث والغيرا
مَنْ ذاك قالتْ ؟! فَرَدَّتْ كُلُّ نَاحِيةٍ ... ... هذا الذي صَدقَ الرَّحمنَ ما نذرا
مَضى لِيَلْحَقَ إخْواناً لَه سَبَقُوا ... ... طُوبَى لِمَنْ لَحِقَ الأبْرار والأَثرا
* ... * ... *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(/2)
جمال استانبول بَين حُلىِّ الإيمان وَسَائِر نِعم الرّحمنِ
بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي
هُنَا عَرَفتُكَ يَا جُندِيُّ أَهلَ فِدَىً
وَهِمَّةً في مَرَاقِي المَجدِ لَم تَخِبِ
جَمَعتَ فِي دَارِكَ الغَنَّاءِ مَا نَبَغَت
مِنَ الجَوَاهِرِ وَالأَمجَادِ وَ الحَسَبِ
وَصُغتَهَا كُلَّهَا لِلَّهِ لُؤلُؤَةً
وَهَّاجَةَ النُّورِ مِن تَقوَى وَمِن أَدَبِ
عَلَى ضِفَافِكَ يَا " بُسفُورُ " سَامِرُنَا
أَشجَى وَحَرَّكَ مِن دَمعٍ وَمِن طَرَبِ
كَأَنَّمَا المَوجُ في الشَّطَّينِ أُغنِيَةٌ
عَادَت إِلَينَا بِلَحنٍ رَائِقٍ عَذِبِ
مَرَّ الزَّمَانُ فَأَصغَى فَانتَشَى فَرَمَى
أَحمَالَهُ بَينَ وَادٍ أَو عَلَى هِضَبِ
نُعمَى مِنَ الله رِزقاً فَاضَ فَامتَلأَت
شِعَابُهَا وَ جَرَى فَيضاً مِنَ الخَصَبِ
وَاهتَزَّتِ الأَرضُ مِن مَاءٍ جَرَى وَرَبَت
وَأَنبَتَت مِن بَهِيجِ الزَّرعِ والعُشُبِ
زَهراً يُسَبٍّحُ لِلرَّحمَنِ أَو ثَمَراً
وَأيكَةٍ خَشَعَت فِي غُصنِهَا الرَّطِبِ
وَنَفحَةً عَبَقَت عِطراً تَمُوجُ بِهِ
مِن كُلِّ طيبٍ عَلَى العِطفَينِ مُنسَكبِ
وَزَقزَقَاتٍ مِنَ الأَطيَارِ لاَغِيَةً
وَرَفَّةً مِن حَمَامِ السَّاحِ و الرَّحَبِ
حَتَّى جَلَتهَا لَنَا الأَيَّامُ زَاهِيَةً
بِسُندُسٍ خَضِرِ أَو رَفرَفٍ عَجَبِ
وَأَلبَسَتهَا يَدُ الرَّحمَنِ مِن حُلَلٍ
تَمُوجُ في صَاعِدٍ مِنهَا وَفي صَبَبِ
وَرَصَّعَتهَا الَّليَالِي ، كُلُّ رَابِيَةٍ
بِلُؤلُؤٍ مِن بُيُوت اللهِ وَ القِبَبِ
وَعَسجَدٍ نَثَرتهُ مِن مَنَائِرِهَا
نُوراً يُزَيِّنُ مِن جِيدٍ وَ مِن لَبَبِ
وَمِن مَآذِنِهَا الأَنوَارَ دَافِقَةً
تَمُوجُ فِي أُفُقٍ زَاهٍ وَ فِي سُحُبِ
كَأَنَّهَا نُسِجَت مِن جَوهَرٍ فَزَهَت
وَوُشِّيَت بِخُيُوطِ الدُّرِّ وَ الذَّهَبِ
يَادَفقَةَ النُّورِ فَوقَ المَاءِ كَسَّرَهَا
مَوجٌ وَجَمَّعَهَا المنثُورَ مِن حَبَبِ
عَادَت إِلَينَا شُعَاعاً غَيرَ مُنكَسِرٍ
وَلُؤلُؤَاً صِيغَ مِن مَاءٍ وَمِن حَصَبِ
كَأَنَّهَا فِضَّةٌ سَالَت عَلَى ذَهَبٍ
أَو عَسجَدٌ ذَابَ بَينَ الحِليِ وَالقُشُبِ
فَأَبشِرِي يَارُبَى "البُسْفُورِ" إِنَّ غَداً
آتٍ بِكُلِّ صَفِيِّ العَهْدِ مُرتَقِبِ
*
*
*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· ملحمة القسطنطينية .(/1)
جمع الصلوات في السفر
رقم الفتوى
10944
تاريخ الفتوى
26/12/1425 هـ -- 2005-02-06
السؤال
لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن مجموعة من الموظفين نعمل في موقع عمل يبعد عن المسكن العائلي 290 كم ونسكن سكن عزابيه في موقع العمل نذهب كل نهاية اسبوع الى اهلنا ويكون وقت الانطلاق بين الظهر والعصر فهل يجوز الجمع للصلاتين وما هو نوع هذا ا الجمع جزاكم الله عنا كل خير .
الإجابة
الحمد لله رب العالمين وبعد
ما دام يفصلكم عن محل إقامتكم المسافة التي ذكرتم وهي 290 كم فإنكم والحالة هذه تعدون مسافرين وعليه فيجوز لكم القصر والجمع جمع تقديم . وإن حصل الجمع بعد أن تغادروا موقع العمل فهو أولى خروجا من الخلاف في المسافر إذا أقام أكثر من ثلاثة أيام وكان يعرف متى يعود إلى أهله حيث يرى بعض أهل العلم أنه لا يعد مسافرا لكن إذا شرع في السفر عائدا إلى أهله فهو مسافر بلا خلاف وبالتالي يتمتع بأحكام السفر
والله أعلم(/1)
جمع القرآن الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
جمع القرآن(1)
بقلم : الشيخ / محمد صفوت نور الدين
أخرج البخاري في (صحيحه) عن زيد بن ثابت الأنصاري، (رضى الله عنه) - وكان ممن يكتب الوحي- قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، وعنده عمر بن الخطاب فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني أرى أن تجمع القرآن، فقال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شئ لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ فقال عمر: هو والله خير،فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شئ لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال أبو بكر هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبو بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت من سورة ((التوبة)) آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ )(التوبة: من الآية128) حتى ختم براءة إلى آخرها .
وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج البخاري عن زيد ابن ثابت الأنصاري أيضاً: لما نسخنا الصحف من المصاحف فقدت آية من سورة (الأحزاب) كنت أسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأها فلم أجدها عند أحد إلا خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شهادته شهادة رجلين: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)(الأحزاب: من الآية23)، فألحقناها في سورتها في المصحف .
الحديث يبين جمع زيد للقرآن مما كان مكتوباً فيه من:
العسب: جمع عسيب: وهو جريد النخل يكشطون الخواص ويكتبون في الطرف العريض.
واللخاف: جمع لخفة: وهي الحجارة الرقاق أو صحائف الحجارة.
والرقاع : جمع رقعة، وقد تكون من جلد أو ورق.
وقطع الأديم: الجلد بعد دبغه، أما قبل دبغه فيسمى إهابا.
والأكتاف: عظم البعير أو الشاه كان إذا جف كتبوا عليه
والأضلاع:جمع ضلع، وهوالعظم المعروف.
والأقتاب: جمع قتب، وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
وقعة اليمامة
كانت فتنة بني حنيفة أصلها في إدعاء مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي، حيث ادعى النبوة وأرسل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) كتاباً قال فيه : (من مسليمة رسول الله سلام عليك اما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشاُ قوم يعتدون ) فأجابه النبي (صلى الله عليه وسلم) (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإن الأرض له يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين)
وكان ذلك أواخر سنة عشرة من الهجرة، وقد توفى النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل القضاء على فتنة مسليمة فكانت وقعة اليمامة من آخر السنة الحادية عشر التي توفي فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولكنها أمتدت حتى أول السنة الثانية عشر، وقد صبر فيها الصحابة صبراً لم يعهد مثله.
يقول ابن كثير في (فضائل القرآن) : إن مسيلمة التف حوله من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهز الصديق خالد بن الوليد في قريب من ثلاثة عشر ألفاً، فالتقوا معهم، فانكشف الجيش الإسلامي لكثرة ما فيه من أعراب فنادى القراء من كبار الصحابة: يا خالد خلصنا، يقولون ميزنا عن هؤلاء الأعراب، فتميزوا منهم وانفردوا، فكانوا قريباً من ثلاثة آلاف، ثم صدقوا الحملة وقاتلوا قتالاً شديداً وجعلوا يتنادون يا أصحاب سورة البقرة، فلم يزل ذلك دأبهم حتى فتح الله عليهم وولى جيش الكفر فاراً واتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلاً وأسراً وقتل الله مسيلمة وفرق شمل أصحابه، ثم رجعوا في سلام.
وقد قتل من المسلمين في هذه الغزوة خمسمائة وقيل: أربعمائة وخمسون، منهم من المهاجرون والأنصار ثمانية وخمسون غالبيتهم من قراء القرآن، أما من قتل من الكافرين فكانوا بضعة وخمسون ألفاً.
ولقد صبر الصحابة في حرب اليمامة صبراً لم يعهد مثله وجعل خالد لا يبرز له منهم أحد الا قتله، ولا يدنو منه شئ إلا أكله، وممن استشهد في هذه الغزوة:
جعفر بن ثابت بن قيس حفر لقدميه بعدما تحنط وتكفن يحمل الراية حتى قتل.
زيد بن الخطاب قال: أيها الناس عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوك، وامضوا قدماً.(/1)
وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأكلمه بحجتي، فقتل شهيداً، رضى الله عنه.
وممن قتل في هذه الغزو: حزن بن أبي وهب جد سعيد بن المسيب، وقتل معه ولداه عبد الرحمن ووهب، وابن ابنه حكيم بن وهب بن حزن
وقتل سالم مولى أبي حذيفة، أحد الأربعة الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (استقرئوا القرآن من أربعة) .
وكان أبو دجانة سماك بن خراش، أحد الشجعان، ممن أقتحم على بني حنيفة الحديقة، فانكسرت رجله، شارك وحشي في قتل مسيلمة.
ومنه الطفيل بن عمر الدوسي، الذي أسلمت دوس بدعوته لهم.
أما عباد بن بشر فكان صاحب شجاعة وبلاء شديد، وكان ذا ورع وعبادة وتهجد.
وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، الذي أسلم قبل دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة والمدينةوقد أخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بينه وبين عباد بن بشر.
وقد قتل يوم اليمامة أيضاً :
- السائب بن عثمان بن مظعون، والسائب بن العوام أخو الزبير بن العوام وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وهو ممن أسلم قديماً وهاجر إلى الحبشة، فلما عاد حبسه أبوه سهيل بن عمرو ، فلما كان يوم بدر خرج معهم، فلما توجهوا فر إلى المسلمين فشهدها معم.
-عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، وكان أبوه رأس المنافقين ، واما هو فمن سادات
الصحابة وفضلائهم شهد بدراً وما بعدها، وكان أشد الناس على أبيه .
ومنهم مغمر بن عدي، وهو أخو علصم بن عدي، الذي آخى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بينه وبين زيد بن الخطاب، ولما قال الناس عند موت رسول الله (صلى الله عليه وسلم): وددنا أنا متنا قبله؛ قال معمر: لكني والله ما أحب أن أموت قبله لأصدقه ميتاً كما صدقته حياً.
وممن أستشهد يومئذ من الصحابة أيضاً
مالك بن عمرو؛ وهومن المهاحرين وممن شهدوا بدرا.
ويزيد بن قيس بن رباب الأسدي (بدري) والحكم بن سعيد بن عاص بن أمية.
وعامر بن البكر الليثي (بدري) وصفوان بن أمية بن عمرو، وأبو قيس بن حارث بن قيس السهمي،ممن هاجرإلى الحبشة، وعبد الله بن مخرمة من المجادين وممن شهد بدراً، وعمارة بن حزم بن زيد (من الأنصار).
وغيرهم رضي الله عنهم، كان منهم يوم اليمامة البلاء الحسن والشجاعة النادرة والقتال الشديد، وإن كان في قتلهم شرخ للإسلام إلا أن الله جعل في هذا الشرخ خيراً،
بأن نبه عمر ليشير على الصديق بجمع القرآن ، فجمع ، فالحمد لله الذي جعل من كل شدة تمر بالإسلام خيرا وحفظً وتمكيناً، ومن راجع السيرة والتاريخ في القديم والحديث عرف ذلك ولمسه؟، والحمد لله رب العالمين.
من إهانات الله لمسيلمة الكذاب
الله يظهر المعجزات على يد أنبيائه شاهد صدق على قولهم، فلما أراد مسيلمة - لعنه الله – أن يستخف قومه، فيدعي لهم أنه صاحب آيات معجزة عامله الله بضد مقصوده فأظهر الإهانة له في ذلك، من ذلك أنه بصق في بئر فغاص ماؤها بالكلية، وفي أخرى فصار ماؤها أجتجاً، وتوضأ وسقى بوضوئه نخلا ًفيبست وهاكت، وأتى بولدان يبرك عليهم فجعل يمسح رؤسهم، فمنهم من قرع رأسه، ومنهم من لثغ لسانه، ويقال: إنه دعا لرجل من أصحابه لوجع في غينيه فمسحهما فعمي.
أتباع مسيلمة:
جاء رجل –هو طلحة النمري- من اليمامة إلى مسيلمة الكذاب فسأله: من يأتيك؟ قال: رجس، قال: أفي نور أم في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد أنك كاذب، وأن محمد صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب الينا من صادق مضر.
يفسر ذلك لنا أن اتباع مسيلمة لم يكن إيماناً بنبوته، ولكن كان لأعراض دنيوية شتى (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً)(الكهف: من الآية17)
أنا نحن نزلنا الذكر:
من أقوال بعض المفسرين في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ):
قال الفخر الرازي: قال بعضهم: حفظه بأن جعله معجزاً مبايناً لكلام البشر، فعجز الخلق عن الزيادة فيه والنقصان عنه ؛ لأنهم لو زادوا فيه أو نقصوا عنه لتغير نظم القرآن، فيظهر لكل العقلاء أن هذا ليس من القرآن، فصار كونه معجزاً كإحاطة السور بالمدينة؛ لأنه يحصنها ويحفظها .
وقال آخرون: إنه تعالى صانه وحفظه من أن يقدر أحد من الخلق على معارضته.
وقال آخرون: أعجز الخلق عن إبطاله وإفساده ؛ بأن قيض جماعة يدرسونه ويحفظونه ويشهرونه فيما بين الخلق إلى آخر بقاء التكاليف .
وقال آخرون: المراد بالحفظ هو أن أحد لو حاول تغييره بحرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا: هذا كذب وتغير لكلام الله تعالى ، حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان: أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا، فهذا هو المراد من قوله: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).(/2)
واعلم أنه لم يتفق لشئ من الكتاب مثل هذا الحفظ، فما من كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغير، إما في الكثير منه أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً عن جميع جهات التحريف، منع أن دواعي الملحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده. من أعظم المعجزات، وأيضاً أخبر الله تعالى عن بقائه محفوظاً عن التغير والتحريف، وانقضى الأن قريباً من ستمائة سنة، فكان ذلك أيضاً معجزاً قاهراً. انتهى كلام الفخر الرازي. [واليوم مضى أكثر من أربعة عشر قرناً ولا يزال بحمد الله محفوظاً كما أنزل] .
قال القرطبي في تفسيره عن يحى بن أكثم: كان للمأمون- وهو أمير إذ ذاك – مجلس نظر فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، قال: فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم، قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده، فقال: ديني ودين آبائي وانصرف، قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً، قال: فتكلم عن الفقه فأحسن الكلام؛ فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى، قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذا الأديان، وأنت تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني ، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريت مني وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها للوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي، قال يحى بن أكثم فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر،فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل، قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ)(المائدة: الآية44)، فجعل حفظه إليهم فضاع.
قال السعدي في تفسيره: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أي في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله واستودعه في قلوب أمته وحفظ الله ألفاظه من التغير فيها والزيادة والنقص ومعانيه من التبديل، فلا يحرف معنى من معانيه إلا قيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين.
قال في ((زاد المسير)) : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: بين يدي تنزيله وبعد نزوله.
الثاني: أنه لبس قبله كتاب يبطله، ولا يأتي بعده كتاب يبطله.
الثالث: لا يأتيه الباطل من أخباره عما تقدم، ولا في إخباره عما تأخر.
وفي خلافة أبى بكر جمع القرآن زيد وعمر بأشراف الصديق، رضي الله عنهم وكان ذلك في أول العام الثاني عشر أما في خلافة عثمان فجمع القرآن زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقال عثمان لثلاثة القرشيين: إذا اختلفتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا، وكان ذلك سنة خمسة وعشرين، وكان نسخاً للصحف التي كتبت في جمع أبي بكر الصديق، رضي الله عنه.
نقل السيوطي عن ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شئ بذهاب حملته؛ لأنه لم يكن مجموعاً في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتباً مرتباً لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءات حتى قرءوه بلغاتهم على أتساع اللغات، فأدى ذلك ببعضهم تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتباً لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش، محتجاً أنه نزل بلغتهم، وإن كان وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعاً للحرج والمشقة في بادئ الأمر، فرأى أن الحاجة لذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.
فالقرآن الكريم كتاب الله الخاتم أنزله على نبيه الكريم، وحمله إليه ملك الوحي جبريل وحفظه رب العزة سبحانه، فهم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون : (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (الشعراء : 210 –212) ، (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 192 –195)
فالقرآن أنزله رب العزة جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وكان ذلك في ليلة القدر : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَة)(الدخان:3)(/3)
، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1) ، ثم نزل بعد ذلك مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)000 (الفرقان :32-33).
فكان هذا القرآن ينزل مجيباً للأسئلة، هادياً من الحيرة، مرشداً في الظلمة، منقذاً من الهلكة، فصلاً في كل أمر احتاجوا فيه إلى بيان، فيوم شق عليهم الصوم وكان الفطر عند غروب الشمس إلى صلاة العشاء أو النوم وحدث ما حدث من أمور شقت على المسلمين من شدة الجوع أو الشوق إلى نسائهم أنزل الله قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (البقرة:187) .
ولما كانوا في غزوة الحديبية وصلوا الظهر جماعة خلف النبي (صلى الله عليه وسلم) فسجدوا جميعاً، وتوعدهم العدو إذا جاءت صلاة العصر فسجدوا فمالوا عليهم ليقتلوهم وهم سجود فقبل أن تأتي صلاة العصر أنزل الله القرآن يرد كيد عدوهم.
أخرج أحمد في ((مسنده)) عن أبي عباس الزرقي قال : كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعسفان، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الظهر فقالوا : لو كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال: فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ )(النساء:الآية102)، قال: فحضرت فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأخذوا السلاح، قال: فصفنا خلفه صفين، قال: ثم ركع فركعنا جميعاً، ثم رفع فرفعنا جميعاً ثم سجد النبي (صلى الله عليه وسلم) بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء إلى مصاف هؤلاء، ثم ركع فركعوا جميعاً، ثم رفع فرفعوا جميعاً ثم سجد النبي (صلى الله عليه وسلم) بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم ثم انصرف، قال: فصلاها رسوا الله (صلى الله عليه وسلم) مرتين، مرة بعسفان، زمرة بأرض بني سليم (1)
فكان نزول آيات صلاة الخوف وهم في الميدان لا يعلمون بكيد العدو، فنزل الوحي بالقرآن ينجيهم الله من كل كيد ويرد كيد عدوهم في نحورهم.
وتأتي خولة بنت ثعلبة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو في حجرة عائشة تشكوا أن زوجها أوس بن الصامت قد ظاهر منها، تجادل النبي (صلى الله عليه وسلم) في شأنها، فينزل الله عز وجل فصل قضيتها في الحال بقوله (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) إلى قوله تعالى :(وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة:1-4) .
وكذلك لما وقع أهل الإفك في أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، وقالوا ما قالوا، واحتار النبي (صلى الله عليه وسلم) ووقع الناس في شدة، وبكت عائشة رضي الله عنها، بكاء شديداً فرج الله عنهم جميعاً بأن أنزل الله قوله: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْم) إلى قول: (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور: 10-20) .
وتتبع ذلك أمر يطول سرده ويصعب جمعه، فكان القرآن في نزوله تفريج الهم، وتوضيح الأمر، وبيان الدين، وتصحيح العبادة، والرد على المشركين، وتفنيد حجج المبطلين، وتثبيت المؤمنين ...
جمع القرآن (2)
بقلم : الشيخ / محمد صفوت نور الدين(/4)
أخرج البخاري في (صحيحه) عن زيد بن ثابت الأنصاري، (رضى الله عنه) - وكان ممن يكتب الوحي- قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، وعنده عمر بن الخطاب فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أحشى إن استحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني أرى أن تجمع القرآن، فقال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شئ لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ فقال عمر: هو والله خير،فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شئ لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال أبو بكر هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبو بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت من سورة (التوبة) آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) (التوبة : 128) حتى ختم براءة إلى آخرها .
تنبه عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، بفضل الله تعالى لما وقع القتل في القراء باليمامة، فعرض على الصديق جمع القرآن في مصحف واحد، فدعى أبو بكر زيد بن ثابت فتشاوروا ثلاثتهم حتى استقر الأمر في جمع القرآن في مصحف واحد، عندئذ جلس عمر وزيد على باب المسجد يسألون الناس عن المكتوب عندهم من القرآن، فيكتبونه ولا يكتبون شيئاً حتى يأتي صاحبه بشاهدين يشهدان أن الذي كتب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أي أن عليه إقرار رب العزة سبحانه، فكان المكتوب في المصاحف إلى اليوم هو المنقول من ذلك الذي عليه إقرار رب العزة الذي أنزله، فالقرآن المكتوب المصاحف موافق على الذي عرضه جبريل على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهما موافقان للذي نزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وهذا أيضاً مطابق لما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، فالحمد لله رب العالمين على كمال الحفظ وتمام الإحكام وشمول البيان .
هذا، وما جاء في الحديث من قول زيد بن ثابت الأنصاري (رضى الله عنه) حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) حتى ختم براءة إلى أخرها.
بينما قال زبد بن ثابت الأنصاري أيضاً: لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شهادته بشهادة رجلين : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23) فألحقناها في سورتها في المصحف، ففي هذا أمور هامة:
أولاً: أن آية سورة التوبة التي وجدت مع أبي خزيمة الأنصاري كانت وهم يجمعون القرآن في زمن أبي بكر الصديق، أي ومجلس الجمع وطلب الشهود منعقد وذلك في العام الثاني عشرة من الهجرة والصحابة لا يزالون متوافرين، فهذا يعني أنهم وجدوها مكتوبة عنده ووجدوا من شهد من الشهود أنها كتبت بين يدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، فكانت هي النص الأوحد فكانت هي النص الأوحد الذي وجد عند واحد فقط من كتبة الوحي، وذلك يعني أن كل القرآن وجد عند أكثر من واحد من الصحابة، الذين كتبوا القرآن وشهد من الصحابة الشهود بأنه كتب بين يدي النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا مع أنه محفوظ في صدور الكثير من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) سمعوه منه وتناقلوه عنه.
ثانياً: أن آية الأحزاب فقدت عند الجمع الأول، فلم تكتب فيه أصلاً، أو كتبت ثم سقطت من بين صحائفه ومع ذلك بقي الصحابة يقرءونها مع قراءتهم للسورة، وذلك يعني أنهم لم يكونوا يقرءون القرآن من المصحف، إنما كانوا يقرءونه من المحفوظ ويتلقاه كل واحد منهم من حفظته، وأن من أراد أن يكتب كنب لنفسه، لذا نشأت تلك المصاحف الخاصة التي أمر عثمان فيما بعد بحرقها، لأنها لم تنقل من المكتوب بين يدي النبي (صلى الله عليه وسلم) في كل آياتها، وذلك يبين أن الأصل الأول في القرآن النقل بالتلقي والمشافهة، وذلك شأن القرآن الكريم إلى ليوم وإلى آخر الزمان، فلا يكون مصدر القرآن أبداً النقل من المكتوب مهما كان موثوقاً به، خاصة وأن القرآن لما جمع في جمعه الأول وفي نسخه الذي بعده كان خالياً من النقط والشكل.(/5)
ثالثاً: لما نسخ زيد وأصحابه مصحف أبي بكر غي المصاحف في زمن عثمان، فقد آية سورة الأحزاب فالتمسها، لاحظ أن ذلك كان في العام الخامس والعشرين للهجرة؛ أي قد انتهى مجلس الإشهاد، فوجدت – بحمد الله تعالى – مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شهادته بشهادة رجلين، وهو غير أبي خزيمة الأنصاري. ( فتنبه) .
وسواء كان فقدها بعد أن جمعة في خلافة الصديق، ثم سقطت منهم فاحتاجوا إلى إعادة كتابتها – وهو الراجح – أم كانت سقطت أصلاً في جمع الصديق ولم تكتب إلا في خلافة عثمان، مع علمنا أن التلقي كان بالحفظ لا بالكتابة من ذلك المجموع المحفوظ عند أبي بكر ثم عمر، ثم حفصة، رضي الله عنهم جميعاً.
فكأن جمع القرآن الذي أشار به عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)،كان من إلهام الله تعالى له، وذلك أن وفرة القرآن في صدور الأصحاب كانت تزداد وتنتقل إلى التابعين من أول يوم تولى الصديق (رضى الله عنه) فيه الخلافة حيث أيقظ الصديق (رضى الله عنه) ، الصحابة من هول المصيبة التي أصابتهم، وكان رأيهم في ذلك أن يموتوا على ما مات عليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما تولى الصديق (رضى الله عنه) حث الصحابة على البقاء على ذلك الدين بكل ما في، فحملهم على الجهاد وتبليغ الدين وإظهار معالمه وبعث فيهم روح الدعوة لهذا الدين والثبات والجهاد لذا فإن أبا هريرة (رضى الله عنه) قال: والله لولا أن أبا بكر استخلف، ما عبد الله، حتى قالوا في الأمثال: (ردة ولا أبا بكر لها).
يقول ابن كثير في ( فضائل القرآن) عند ذكر جمع أبي بكر للقرآن: وهذا من أحسن وأجل ما فعل الصديق (رضى الله عنه) فإنه أقامه الله تعالى بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) مقاماً لا ينبغي لأحد من بعده قاتل الأعداء من مانعي الزكاة والمرتدين والفرس والروم، ونفذ الجيوش وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقته وذهابه وجمع القرآن العظيم في أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه، وكان هذا من سر قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ، فجمع الصديق الخير وكف الشر رضي الله عنه وأرضاه.
ثم ساق حديث علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) (أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين). انتهى.
أعني أن القرآن نقل من يوم نزوله بطريقين:
الكتابة، والأداء فتنبه عمر لما حدث في طريق الأداء عند قتل كثير من الحفاظ من الصحابة، فأشار على الصديق (رضى الله عنه)، بجمع المكتوب في مصحف واحد، فكان الإلهام من فضل الله حفظاً لكتابه؛ لأنه القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فإن الله سبحانه الذي تولى حفظ القرآن جعل الحفظ والكتابة من أهم عوامل حفظه، فإذا فتر أحدهما قوى الله الآخر.
فانظر إلى الحافظة عند العرب كانت قوية، والكتابة ضعيفة، فقوى الله سبحانه الكتابة بتقوية وسائلها رويداً رويداً من أقلام وأوراق وأحبار وطباعة، ثم قوى الحافظة، حيث أظهر الحافظة الصناعية في المسجلات وغيرها، فالحافظ هو الله الذي تولى حفظ القرآن وجعل له وسائل كثيرة: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (النحل:8) .وكان بداية ذلك كله إلهام الله تعالى لعمر فيما أشار به على الصديق، (رضى الله عنه)؛وتصديق ذلك في (صحيح البخاري) من حديث أبي هريرة، (رضى الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (أنه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب) فكان هذا من الإلهام المبكر الذي الهم به عمر دون غيره من الصحابة.
ولهذا فإن أبا بكر أمتنع أولاً، ثم راجعه عمر، حتى تبين من المراجعة وبسط الحجج أن ذلك هو الصواب لنعلم أن الصحابة، رضوان الله عليهم، قد أقام الله بهم الدين، فاجتهدوا ليوافقوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كل شئ فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر بالقرآن فكتب مفرقاً في الرقاع والعسب وغيرهما، ولكن يمنع كتابته في مصحف واحد أنه ينزل منجماً، وأن النسخ يأتي على بعض آيات منه، فلا يصلح الجمع إلا بعد التمام بانقطاع الوحي، ولا يكون ذلك إلا بعد موته (صلى الله عليه وسلم).
ومن فضل الله أنه قد كان إلهام ذلك لعمر (رضى الله عنه) ولو كان الإلهام لأبي بكر لصار أمراً من الخليفة، فيطاع بغير حوار، فلا يظهر اجتهاد الصحابة وسعيهم لموافقة ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ذلك الاجتهاد الذي يجعل كل مسلم يشعر أن الصحابة اجتهدوا ليوافقوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كل شئ مهما كان ظهوره وجلائه.(/6)
وتدبر فإن جمع القرآن في مصحف واحد قد أشار القرآن والسنة إليه بذكره في قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2) ، (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (البقرة:89) ،( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة) (البقرة:129) ،(اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ )(البقرة:الآية176)، (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)(آل عمران:الآية3) وفي عشرات من الآيات، وجاء في الحديث( النهي عن السفر بالمصحف إلى بلاد العدو)، فهذه النصوص الكثيرة صارت كالأمر من الله للأمة لجمع القرآن في مصحف واحد ليصير كتاباً بالمعنى الكامل، فتأمل تلك النصوص يظهر لك أن الصحابة، رضوان الله عليهم اجتهدوا في فهمها ، والعمل بها، فحفظ الله بهم الإسلام، وحماهم من البدع والمحدثات، والحمد لله رب العالمين.
يقول القرطبي: ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان وعلي وتميم الداري وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ثم قال: وقد تظاهرت الآيات أن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن – أي حفظوه في صدورهم – على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) لأجل سبقهم إلى الإسلام وإعظم الرسول (صلى الله عليه وسلم) لهم. (انتهى) .
وفي حديث أنس إثبات جمع القرآن لأربعة من الأنصار هم، أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد – واسمه سعد بن عبيد- والمقصود أن حفاظ القرآن كثير، ولكن لأن بعض آياته حديثة عهد بالنزول فقد أتم حفظه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) الكثير؛ لأن بعض هذا لم يبلغهم؛ لأنه نزل قبيل وفاته، ولعله كلن في سفر أو شغل، فلما حضر أو فرغ، حفظ، ولكن المتيقن منه أن كل القرآن مع كل الأصحاب، كل آية منه مع جمع غفير في تواتر مستفيض، فضلاً عن كتابتها في الرقاع التي نقلت منها المصاحف، خاصة ما قبل العرضة الأخيرة، وما بعدها اجتهدوا في وضعه، فوضعوه في الموضع الذي رأى رسوا الله (صلى الله عليه وسلم) وضعه فيه، لذلك لم يكن يحدث خلاف بين الصحابة في ذلك، وكل خلاف سرعان ما اختفي لاقتناع أصحابه، بعد مشاورة ومراجعة ليوافقوا ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنما بقي ذكر ذلك وحكايته لبيان اجتهاد الصحابة في ذلك، ليثبت لنا بعد ذلك ان ترتيب القرآن وسوره توقيفي أطلع جبريل عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والأدلة على ذلك كثيرة جداً مبسوطة في مكانها من علوم القرآن، وفي عرضات جبريل خاصة العرضة الأخيرة الكفاية في ذلك والحمد لله رب العالمين .
فالقرآن الكريم جمع في خلافة أبي بكر الصديق (رضى الله عنه)، والصحابة متوافرون في مصحف واحد، ثم نسخ في خلافة عثمان (رضى الله عنه)، والصحابة يشهدون ذلك، فضلاً عن أن عثمان (رضى الله عنه) أرسل إلى حفصة أن أرسلي الينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك وإنما فعل ذلك عثمان؛ لأن الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان، ونقل القرآن عنهم فقرأ كل قوم بالحرف الذي سمعوه من الصحابي الذي علمهم، فلما التقوا في غزوة أرمينية قرأت كل طائفة بما روي لها وذلك لأن المسلمين رأوا حياتهم في القرآن ونصرهم في عبادة ربهم بالصلاة والتهجد، فكانوا بالليل رهباناً وفي النهار فرساناً، فلما ظهرت قراءاتهم للقرآن وقد تجمعوا من أمصار مختلفة كل تلقى من حرف الصحابي الذي أقرأهم، اختلفوا وتنازعوا فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فقدم المدينة ودخل على عثمان قبل أن يدخل بيته، فقال له: أدرك الأمة قبل أن تهلك، قال: فيما ذا؟ قال: في كتاب الله، ثم قال: أني حضرت هذه الغزوة، وقد جمعت ناس من الشام والعراق والحجاز، فوصف الحال التي كانوا عليها من التنازع في القراءة، ثم قال أني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتاب الله كما اختلف اليهود والنصارى.
وينبغي لنا أن نتدبر كيف أن الله أظهر هذا النزاع المبكر وألهم الصحابة ألا يسكتوا عليه حتى يجمعوا الناس على رسم واحد للمصحف ويقرءوا بكل حرف وافقه ويستمر الأمر معهم، فلا يبقى من الحرف إلا ما وافق ذلك الرسم، والحمد لله تعالى على ذلك الخير العميم. ... ...(/7)
جمع النهاية
في بداية الخير و الغاية
و هو
مختصر صحيح البخاري
لأبي محمد ، عبد الله بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة الأزدي ، الأندلسي ، المالكي ، المتوفى سنة 695 هـ
قابَله و ضَبَط أحاديثه و اعتنى به
أبو الهيثم الشهبائي
الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب
( الملقب بالشريف )
تقديم
الحمد لله على نعمائه و الصلاة و السلام على نبيه محمد و آله ، و بعد
فبينما كنت أعمل على طباعة شرح الشيخ علي الأجهوري على مختصر صحيح البخاري ، المسمى جمع النهاية في بداية الخير و الغاية ، لأبي محمد ، عبد الله بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي المالكي ، بدا لي أن من الأنفع للقارئ تمييز متن الكتاب ( و هو مختصر الصحيح ) عن حاشيته ( و هي شرح الشيخ الأجهوري على المختصر ) ، ففعلت ذلك و قمت بالفصل بين المتن و الحاشية .
ثم أشار عليَّ بعض الأحباب بالفصل بينهما عند الطباعة لإتاحة المتن لمن يريد حفظه من أحباب المصطفى صلى الله عليه و سلم الحريصين على حفظ سنته و العمل بها ، فرأيت الأمر وجيهاً ، و عزمت على إفراد المتن بالنشر أولاً ، ثم نشره مع حاشية الأجهوري عليه حينما أفرغ من تحقيقها و التعليق عليها بما يفيد إن شاء الله تعالى ، و أرجو أن لا يطول العهد بين نشر هذا و ذاك .
و ها أنا اليوم أبدأ بالمتن فأقدمه إلى المكتبة الإسلامية مضبوطاً مشكولاً مرقم الأحاديث ، إلى جانب ترقيم أحاديث الجامع الصحيح للإمام البخاري رحمه الله ، و ذكر الباب الذي روي فيه الحديث عند البخاري ، مع التزام ما ألزم ابن أبي جمرة نفسه به من الاقتصار على متون الأحاديث دون أسانيدها ، و الاكتفاء من الأسانيد بذكر من روى كل حديث من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، عن رسول رب العالمين ، صلى الله عليه و سلم .
و تحسن الإشارة هنا إلى أن المختصر الذي بين أيدينا وقع اسمه في كثير من النسخ ، إن لم يكن أكثرها : جمع النهاية في بداية الخير و غاية ، بتجريد كلمة ( غاية ) من ( الـ ) التعريف ، مع أن تعريفها أنسب للسياق و أبلغ في الدلالة ، و هو المثبت على النسخة التي أمتلكها ، و لذلك عرَّفتها ، و جعلت عنوانه :
جمع النهاية في بداية الخير و الغاية
و رحم الله ابن أبي جمرة الأزدي فإنه لم يشأ أن يقتصر على اختصار الصحيح إلى مئتين و ثمانية و سبعين حديثاً ( بحسب النسخة التي عندي ، و في غيرها أكثر من ذلك ببضعة أحاديث ) ، بل عمد بعد ذلك إلى شرحها ، و أفاض في ذلك في كتاب سماه ( بهجة النفوس و تحليها بمعرفة مالها و عليها ) ، و هو كتاب نفيس سارت به الركبان و انتشرت نسخه المخطوطة في شرق العالم و غربه ، و اعتمد عليه شراح البخاري بخاصة و شراح الحديث بعامة ، حتى صار من أبرز المراجع الحديثية عند أهل العلم .
و قد طُبعَت البَهجة مراراً ، أوَّلها بإشراف و تحقيق إسماعيل بن عبد الله المغربي الصاوي ، و نَشْر مطبعة الصدق الخيرية بالقاهرة سنة 1355 هـ .
و آخِرها بتحقيق الدكتور بكري شيخ أمين معتمداً على خمس نسخ خطية ، و قامت بنشر هذه الطبعة دار العلم للملايين ببيروت سنة 1997 م ، في مُجلَّدَين كبيرين بلغ عدد صفحاتهما ( 1778 ) صفحة ، تضم إلى جانب كتاب ( بهجة النفوس ) كتاب ( المرائي الحسان ) للمؤلف نفسِه ، و في هذا الكتاب يَذْكُر سبعين رؤيا رآها حين شرح الكتاب .
أما المؤلف فهو من أئمة الرواية ، و إن كان ذات هنات وهنّات في التصوف و السلوك ، و قد أطال العلماء النفس في الكلام عليها ، و ليس هذا مقام تعقبها أو بيانها .
و إني إذ أدفع بهذا المختصر المبارك إلى المكتبة الإسلامية ، خدمة لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم ، و رجاء أن نكون من أحبابه و أتباعه ، لأرجو من قارئه و حافظه ، و من أفاد منه أن يتذكرني بدعوة صادقة عند تأمله أو تصفحه ، أو نصيحة نافعة عند الوقوف على ما هو خطأ أو خلاف الأولى من عملي فيه ، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يقول : ( إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنةَ : صانِعَهُ يحتسب في صَنْعَتِه الخيرَ ، و الراميَ به ، و مُنَبِّلَهُ )
و في رواية : ( و المُمِدَّ بِهِ ) ، و في أُخرى : ( و الذي يُجَهِّزُ به في سبيل الله ) .
و الله من وراء القصد ، و عليه الاتكال ، و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين .
و كتب
أبو الهيثم الشهبائي ، أحمد بن عبد الكريم نجيب ، الملقب بالشريف
دبلِن ( إيرلندا )
في الحادي و العشرين من ربيع الأول ، سنة 1427 هـ
الموافق للتاسع عشر من نيسان ، سنة 2006 م
جمع النهاية
في بداية الخير و الغاية
و هو
مختصر صحيح البخاري
لأبي محمد ، عبد الله بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة الأزدي ، الأندلسي ، المالكي ، المتوفى سنة 695 هـ(/1)
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن سعد بن أبي جمرة الأزدي - رضي الله عنه - : الحمد لله حق حمده ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الخيرة من خلقه ، و على الصحابة السادة المختارين لصحبته ، و بعد
فلما كان الحديث و حفظه من أقرب الوسائل إلى الله عز و جل بما بمقتضى الآثار في ذلك ، فمنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( من أدى إلى أمتي حديثاً واحداً يقيم به سنة ، أو يرد به بدعة ، فله الجنة )) ، و منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( من حفظ على أمتي حديثاً واحداً كان له أجر أحدٍ و سبعين نبياً صديقاً )) ، و الأثر في ذلك كثيرٌ .
و رأيتُ الهمم قد قصرت عن حفظها مع كثرة كتبها من أجل أسانيدها فرأيتُ أن آخذ مِن أصح كتبه كتاباً أختصر منه أحاديث بحسب الحاجة إليها ، و أختصر أسانيدها ما عدا راوي الحديث ، فلا بد منه فيسهُل حفظها و تكثر الفائدة فيها إن شاء الله تعالى ، فوقع لي أن يكون كتاب البخاري لكونه من أصحها و لكونه رحمه الله تعالى كان من الصالحين و كان مجاب الدعوة و دعا لقارئه ، و قد قال لي من لقيته من القضاة الذين كانت لهم المعرفة و الرحلة عمَّن لقيَ من السادة المُقَرِّ لهم بالفضل : إنَّ كتابه ما قُرئَ في وقت شدة إلا فُرِّجَت ، و لا رُكِبَ به في مركب فغَرِقَت قط ، فرغبتُ مع بركة الحديث في تلك البركات ، لما في القلوب من الصدأ ؛ فلعلَّه بفضل الله أن يكشف عمَّا بها ، و أن يُفرِّجَ شديدَ الأهواء التي تراكمَت عليها ، و لعلَّ بِحَمْل تلك الأحاديث الجليلة تُعفى من الغرق في بحور البدع و الآثام .
فلما كمُلَت بحسب ما وفَّق الله إليه فإذا هي ثَلاثمائة حديث غير بضعٍ فكان أولها كيف كان بدء الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - و آخرها دخول أهل الجنة الجنةَ و إنعام الله عليهم بدوام رضاه فيها ؛ فسمَّيتُه بمقتضى وضعه :
جمع النهاية في بدء الخير و غاية
و لم أفرِّق بينها بتبويب ، رجاء أن يُتمِّمَ الله لي و لكل من قرأهُ أو سمعه بدء الخير بغايته ، فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلها لقلوبنا جلاءً ، و لداء ديننا شفاءً بمنِّه لا ربَّ سواه ، و صلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين ، و الحمد لله ربَّ العالمين .
[ باب : كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] .(/2)
[ 1 / 3 ] عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : (( أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ و هوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ و هوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ ? اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ? [القلم : 1 - 3 ] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِي اللَّه عَنْهَا فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ و أَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلا و الله مَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الأنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ و َسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ الله عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ و أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِالله الأنْصَارِيَّ قَالَ و هوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى ? يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ? [ المدثر : 1 ، 2 ] إِلَى قَوْلِهِ ? وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ? [ المدثر : 5 ] فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَ تَتَابَعَ تَابَعَهُ
[ باب : حلاوة الإيمان ]
[ 2 / 16 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الأيمَانِ أَنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا و أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ و أَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) .
[ باب : علامة الإيمان حب الأنصار ](/3)
[ 3 / 18 ] عَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا و هوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : (( بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئًا و َلا تَسْرِقُوا و َلا تَزْنُوا و َلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ و َلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ و أَرْجُلِكُمْ و َلا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله و َمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ و َمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ الله فَهُوَ إِلَى الله إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ و َإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك )) .
[ باب : ? وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ? [ الحجرات : 9]
[ 4 / 31 ] عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ )) .
[ باب : قيام ليلة القدر من الإيمان ]
[ 5 / 35 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) .
[ باب : الدين يسر ]
[ 6 / 39 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا و أَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ )) .
[ باب : أداء الخمس من الإيمان ]
[ 7 / 53 ] عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِالْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنِ الْقَوْمُ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ قَالُوا : رَبِيعَةُ قَالَ : مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى فَقَالُوا : يَا رَسُولَ الله إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنِ الأشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالأيمَانِ بِالله وَحْدَهُ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الأيمَانُ بِالله وَحْدَهُ قَالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله و أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله وَإِقَامُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ و أَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ و َنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنِ الْحَنْتَمِ و َالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ و َقَالَ احْفَظُوهُنَّ و أَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ )) .
[ باب : ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرىء ما نوى ]
[ 8 / 39 ] عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ )) .
[ باب : العلم قبل القول والعمل ]
[ 9 / 10 ] َقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ )) .
[ 10 / 10 ] َقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ الله لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ )) .
[ باب : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ](/4)
[ 11 / 71 ] عَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ " (( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَالله يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ الله لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله )) .
[ باب : من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس ]
[ 12 / 86 ] عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ : مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ فَقَالَتْ سُبْحَانَ الله قُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلانِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي الْمَاءَ فَحَمِدَ الله عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : (( مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي حَتَّى الْجَنَّةُ و َالنَّارُ فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ لا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ لا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ و َالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلاثًا فَيُقَالُ نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ و أَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ لا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ )) .
[ باب : الحرص على الحديث ]
[ 13 / 99 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ الله مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا الله خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ )) .
[ باب : كيف يقبض العلم ]
[ 14 / 100 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( إِنَّ الله لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ و َلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا و أَضَلُّوا ))
[ باب : من سمع شيئا فراجعه حتى يعرفه ]
[ 15 / 103 ] عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لا تَسْمَعُ شَيْئًا لا تَعْرِفُهُ إِلا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ و أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ الله تَعَالَى ? فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ? [ الانشقاق : 8] قَالَتْ : فَقَالَ : إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ و َلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ )) .
[ باب : من سأل ، و هو قائم ، عالما جالسا ]
[ 16 / 123 ] عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ الله فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ قَالَ : و َمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا فَقَالَ : (( مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ )) .
[ باب : لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن ]
[ 17 / 137 ] عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ فَقَالَ : (( لا يَنْفَتِلْ أَوْ لا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا )) .
[ باب : لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال ]
[ 18 / 153 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الأنَاءِ )) .
[ باب : الماء الذي يغسل به شعر الإنسان ](/5)
[ 19 / 171 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ فَشَكَرَ الله لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ ))
[ باب : الوضوء من النوم ، و من لم ير من النعسة و النعستين ، أو الخفقة وضوءا ]
[ 20 / 209 ] عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ و هوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى و هوَ نَاعِسٌ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ )) .
[ باب : إذا غسل الجنابة أو غيرها و لم يذهب أثره ]
[ 21 / 230 ] عَنْ عَائِشَةَ (( أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا )) .
[ باب : غسل دم المحيض ]
[ 22/ 302 ] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (( كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ )) .
[ باب : دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض
و كيف تغتسل ، و تأخذ فرصة ممسكة ، فتتبع أثر الدم ]
[ 23 / 309 ] عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ الْمَحِيضِ قَالَ : (( خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلاثًا ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ أَوْ قَالَ : تَوَضَّئِي بِهَا فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - )) .
[ باب : مخلقة و غير مخلقة ]
[ 24/ 312 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ وَالأجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ )) .
[ بَاب : الصَّلاةِ عَلَى الْحَصِيرِ ]
[ 25 / 19 ] وَصَلَّى جَابِرُ بْنُ عَبْدِالله و أَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا وَقَالَ الْحَسَنُ قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا وَإِلا فَقَاعِدًا *
[ باب : السجود على الثوب في شدة الحر ]
[ 26 / 378 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : (( كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ )) .
[ باب : حك البزاق باليد من المسجد ]
[ 27 / 397 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ : (( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا )) .
[ باب : التيمن في دخول المسجد و غيره ]
[ 28 / 416 ] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (( كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ )) .
[ بَاب : الصَّلاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ]
[ 29 / 426 ] َقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : (( كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ )) .
[ باب : الحدث في المسجد ]
[30 / 434 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهمَّ ارْحَمْهُ )) .
[ باب : تشبيك الأصابع في المسجد و غيره ](/6)
[ 31 / 468 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (( صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ و َلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا قَالَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَوَضَعَ خَدَّهُ الأيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى و َخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا قَصُرَتِ الصَّلاةُ و َفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ و َفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَ : يَا رَسُولَ الله أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ قَالَ : لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ فَقَالَ : أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا : نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ و َكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ و َسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَيَقُولُ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ )) .
[ باب : يرد المصلي من مر بين يديه ]
[32 / 487 ] عن أَبي سَعِيدٍ الخدري قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ )) .
[ باب : الصلاة كفارة ]
[ 33/ 502 ] عن حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ قُلْتُ : أَنَا كَمَا قَالَهُ قَالَ : إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لَجَرِيءٌ قُلْتُ : (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ و َمَالِهِ و َوَلَدِهِ و َجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ و َالصَّوْمُ و َالصَّدَقَةُ و َالأمْرُ وَ النَّهْيُ )) .
[ باب : فضل صلاة العصر ]
[ 34 / 530 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ و َمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ و َيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ و َصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ و هوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ و همْ يُصَلُّونَ و أَتَيْنَاهُمْ و همْ يُصَلُّونَ )) .
[ باب : من نسي الصلاة فليصل إذا ذكرها ، و لا يعيد إلا تلك الصلاة ]
[ 35 / 572 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ ? وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ? [ طه : 14 ] قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ و أَقِمِ الصَّلاةَ للذِّكْرَى قَالَ أَبو عَبْد الله وَقَالَ حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ )) .
[ باب : رفع الصوت بالنداء ]
[ 36 / 584 ] عن عَبْدِالله بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ : (( إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ و َالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَ لا إِنْسٌ و َلا شَيْءٌ إِلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - )) .
[ باب : الاستهام في الأذان ]
[ 37 / 590 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ و َالصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ و َالصُّبْحِ لاتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا )) .
[ باب : قول الرجل : فاتتنا الصلاة ](/7)
[ 38 / 609 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : (( مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاةِ قَالَ فَلا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا و َمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا )) .
[ باب : لا يسعى إلى الصلاة مستعجلا وليقم بالسكينة و الوقار ]
[ 39 / 612 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ )) .
[ باب : إذا قال الإمام : مكانكم ، حتى رجع فانتظروه ]
[ 40 / 614 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَتَقَدَّمَ و هوَ جُنُبٌ ثُمَّ قَالَ : (( عَلَى مَكَانِكُمْ فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ و َرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ )) .
[ باب : من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ، و فضل المساجد ]
[ 41 / 629 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ الأمَامُ الْعَادِلُ ، و َشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، و َرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَ رَجُلانِ تَحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، و َرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَ جَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ الله ، وَ رَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَ رَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) .
[ باب : إذا حضر الطعام و أقيمت الصلاة ]
[ 42 / 640 ] عن عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : (( إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ )) .
[ باب : من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ]
[ 43 / 676 ] عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : (( مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً وَ لا أَتَمَّ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَ إِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ )) .
[ باب : صلاة الليل ]
[ 35 / 698 ] عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً قَالَ : (( حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - )) .
[ باب : إذا ركع دون الصف]
[ 36/ 750 ] عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - و هوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : (( زَادَكَ الله حِرْصًا وَلا تَعُدْ )) .
[ باب : وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت ]
[ 37 / 724 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ وَقَالَ : (( ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاثًا ، فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا )) .
[ باب : فضل اللهم ربنا ولك الحمد ](/8)
[ 38 / 766 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا قَالَ الأمَامُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) .
[ باب : فضل السجود ]
[ 39 / 773 ] أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا : يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : (( هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا : لا يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا : لا ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ : هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ ، فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلا الرُّسُلُ وَكَلامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلا الله تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا أَرَادَ الله رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الله الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ الله عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ الله مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ و هوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا و أَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيَقُولُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لا وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي الله مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ الله لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَقُولُ فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ الله أَنْ يَسْكُتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ الله وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَضْحَكُ الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأمَانِيُّ قَالَ الله تَعَالَى : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ )) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (((/9)
قَالَ الله لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ )) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلا قَوْلَهُ : (( لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ )) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ .
[ باب : الدعاء قبل السلام ]
[ 40 / 799 ] عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي قَالَ : (( قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) .
[باب : الذكر بعد الصلاة ]
[ 41 / 805 ] أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ : (( أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ )) .
[ باب : الجمعة في القرى والمدن ]
[ 42 / 853 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : كُلُّكُمْ رَاعٍ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ و أَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ و أَنَا أَسْمَعُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَالله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الأمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ و هوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ))
[ باب : إذا اشتد الحر يوم الجمعة ]
[ 43 / 864 ] أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاةِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ ))
[ باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين ]
[ 44 / 888 ] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : (( أَصَلَّيْتَ يَا فُلانُ قَالَ : لا ، قَالَ : قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ))
[ باب : الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة ]
[ 42 / 891 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : (( يَا رَسُولَ الله هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ الله لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الأخْرَى وَقَامَ ذَلِكَ الأعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ الله لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللهمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلا انْفَرَجَتْ وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ ))
[ باب : الصلاة بعد الجمعة وقبلها ](/10)
[ 43 / 895 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (( كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ ، وَكَانَ لا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ))
[ باب : صلاة الطالب والمطلوب ، راكبا وإيماء ]
[ 44 / 904 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأحْزَابِ : (( لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ ))
[ باب : الأكل يوم الفطر قبل الخروج ]
[ 45/ 910 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ )) ، وَقَالَ مُرَجَّأُ ابْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُالله قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا ))
[ باب : فضل العمل في أيام التشريق ]
[ 46 / 926 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : (( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ ، قَالُوا : وَلا الْجِهَادُ ، قَالَ : وَلا الْجِهَادُ ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ ، وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ )) .
[ باب : التوجه نحو القبلة حيث كان ]
[ 47 / 955 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : (( كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ إِلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ )) .
[ باب : ما قيل في الزلازل والآيات ]
[ 48 / 989 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ و هوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ ))
[ باب : ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه ]
[ 49 / 1102 ] عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَالله بْنَ عَمْرٍو رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَار َ، قُلْتُ : إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ حَقًّا ، فَصُمْ و أَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ )) .
[ باب : ما جاء في التطوع مثنى مثنى ]
[ 50 / 1109 ] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ، يَقُولُ : إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ : اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ و أَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ و أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ و أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ اللهمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ))
[ باب : فضل ما بين القبر والمنبر ]
[ 51 / 1137 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي )) .
[ باب : يفكر الرجل الشيء في الصلاة ](/11)
[ 52 / 1163 ] عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ - رضي الله عنه - (( قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ ، وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ : ذَكَرْتُ و أَنَا فِي الصَّلاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا ، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا ، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ )) .
[ باب : إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع ]
[ 53 / 1176 ] عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممْ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا فَقَالُوا : (( اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ ، وَقُلْ لَهَا إِنَّا أُخْبِرْنَا عَنْكِ أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَكُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْهَا فَقَالَ كُرَيْبٌ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي فَقَالَتْ : سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهَا ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأنْصَارِ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ الله سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ و أَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِالْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ ))
[ باب : الأمر باتباع الجنائز ]
[ 54 / 1182 ] عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : (( أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ ، وَرَدِّ السَّلامِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ ، وَالْحَرِيرِ ، وَالدِّيبَاجِ ، وَالْقَسِّيِّ ، وَالأسْتَبْرَقِ ))
[ باب : الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه ](/12)
[ 55/ 1184 ] عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ : (( أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - و هوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ الله لا يَجْمَعُ الله عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - خَرَجَ وَعُمَرُ - رضي الله عنه - يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ : اجْلِسْ فَأَبَى فَقَالَ : اجْلِسْ فَأَبَى فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ ، فَقَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَاتَ وَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله فَإِنَّ الله حَيٌّ لا يَمُوتُ قَالَ الله تَعَالَى ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ? [ آل عمران : 144 ] إِلَى ? الشَّاكِرِينَ ? و الله لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الله أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلاهَا أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلا يَتْلُوهَا ))
[ باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه )) إذا كان النوح من سنته ]
[ 56 / 1224 ] عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا ، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلامَ وَيَقُولُ : (( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ الله مَا هَذَا فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا الله فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ الله مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ )) .
[ باب : ما قيل في أولاد المشركين ](/13)
[ 57 / 1320 ] عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى صَلاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : (( مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا ، قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ الله فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا ، قُلْنَا : لا قَالَ لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الأخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ قُلْتُ مَا هَذَا قَالا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلاهُ ضَيِّقٌ و أَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ قَالَ يَزِيدُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ و أَدْخَلانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ و أَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ قُلْتُ طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ قَالا نَعَمْ أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الأفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ الله الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلادُ النَّاسِ وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَالدَّارُ الأولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ و أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ و أَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ فَارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ قَالا ذَاكَ مَنْزِلُكَ قُلْتُ دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي قَالا إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ ))
[ باب : إنفاق المال في حقه ]
[ 58/ 1343 ] عَنْ عَبْدِالله قَالَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ ، رَجُلٌ آتَاهُ الله مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَآخَرُ آتَاهُ الله حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا الناس ))
[ باب : إذا تصدق على غني وهو لا يعلم ](/14)
[ 59 / 1355 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( قَالَ رَجُلٌ لاتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ ، فَقَالَ : اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ ، لاتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ ، فَقَالَ : اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ ، لاتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ ، فَقَالَ : اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ ، وَعَلَى زَانِيَةٍ ، وَعَلَى غَنِيٍّ ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ ، و أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا ، و أَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ الله ))
[ باب : من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه ]
[ 60 / 1359 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا ))
[ بَاب : لا صَدَقَةَ إِلا عَنْ ظَهْرِ غِنًى ]
[ 61 / 2257 ] وَمَنْ تَصَدَّقَ و هوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ و هوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ الله إِلا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الأنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ ، وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ )) .
[ باب : على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف ]
[ 62 / 1376 ] عن أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ ، فَقَالُوا : يَا نَبِيَّ الله فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ، قَالَ : يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ، وَيَتَصَدَّقُ ، قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ، قَالَ : يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ ، قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ، قَالَ : فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ ))
[ باب : الاستعفاف عن المسألة ]
[ 63 / 1403 ] عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ ابْنَ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ))
[ باب : من سأل الناس تكثرا ]
[ 64 / 1405 ] عن عَبْدَالله بْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ )) .
[ باب : وجوب الحج وفضله ]
[ 65 / 1442 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الأخَرِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ الله إِنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ : (( نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ )) .(/15)
[ باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( العقيق واد مبارك )) ]
[ 66 / 1461 ] ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ : (( أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ : صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ )) .
[ باب : ما لا يلبس المحرم من الثياب ]
[ 67 / 1442 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ الله مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ ، وَلا الْعَمَائِمَ ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ ، وَلا الْبَرَانِسَ ، وَلا الْخِفَافَ إِلا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ )) .
[ باب : سقاية الحاج ]
[ 68 / 1554 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (( جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا فَقَالَ : اسْقِنِي ، قَالَ يَا رَسُولَ الله إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ ، قَالَ : اسْقِنِي فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ و همْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَالَ اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ قَالَ لَوْلا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ و أَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ ))
[ باب : متى يصلي الفجر بجمع صلاة الفجر بالمزدلفة ]
[ 69 / 1598 ] عَنْ عَبْدِالله رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ : (( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلا صَلاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا ، وذلك في الحج )) .
[ باب : يتصدق بجلال البدن ]
[ 70 / 1631 ] ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِي اللَّهم عَنْهم حَدَّثَهُ قَالَ : (( أَهْدَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِائَةَ بَدَنَةٍ فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلالِهَا فَقَسَمْتُهَا ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا )) .
[ باب : حرم المدينة ]
[ 71 / 1769 ] عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - (( قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ و أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي ، فَقَالُوا : لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى الله ، فَأَمَرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ )) .
[ باب : لا يدخل الدجال المدينة ]
[ 72 / 6713 ] أَبَا سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ يَأْتِي الدَّجَّالُ و هوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ ، و هوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأمْرِ فَيَقُولُونَ لا فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ و الله مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ))
[ 73 / 1782 ] أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ الله كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ )) .
[ باب : الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة ](/16)
[ 74 / 1806 ] عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِالله رَضِي اللَّهم عَنْهم فَقَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : (( مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، و أَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )) .
[ باب : قدر كم بين السحور وصلاة الفجر ]
[ 75 / 1821 ] عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ (( تَسَحَّرْنَا : مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ ، قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأذَانِ وَالسَّحُورِ ، قَالَ : قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً )) .
[ بَاب : إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ ]
[ 76 / ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ : (( مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ )) وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ
[ باب : صيام أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ]
[ 77 / 1845 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : (( أَوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاثٍ : صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى ، و أَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ ))
[ باب : تفسير المشبهات ]
[ 78 / 5054 ] عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمِعْرَاضِ ، فَقَالَ : (( إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلا تَأْكُلْ فَقُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي ، قَالَ : إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ ، قُلْتُ : فَإِنْ أَكَلَ قَالَ : فَلا تَأْكُلْ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ ، قُلْتُ : أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ ، قَالَ : لا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ ))
[ باب : التجارة في البر ]
[ 79 / 1919 ] عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ : كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ - رضي الله عنه - فَقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ح و حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ ابْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ سَأَلْتُ الْبَرَاءَ ابْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ فَقَالا كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْنَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ : (( إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلا يَصْلُحُ ))
[ باب : كسب الرجل وعمله بيده ]
[ 80 / 1930 ] حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ الله دَاوُدَ - عليه السلام - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ *
[ باب : إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا ]
[ 81 / 1937 ] عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا )) .
[ باب : من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم : في البيوع والإجارة والمكيال والوزن، وسنتهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة ]
[ 82 / 2059 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا ، قَالَ : (( خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ )) .
[ باب : بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك ](/17)
[ 83 / 2073 ] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لا أُحَدِّثُكَ إِلا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (( مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ الله مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً ، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ )) قَالَ أَبو عَبْد الله سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنَ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الْوَاحِدَ .
[ بَاب : مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ]
[ 84 / ] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ الله )) ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : لا يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ إِلا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ ، وَقَالَ الْحَكَمُ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ و أَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا وَقَالَ كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ .
[ 85 / 2115 ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ : انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَعَمْ و الله إِنِّي لارْقِي وَلَكِنْ و الله لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمِ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمُ : اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ : (( وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ : قَدْ أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - )) قالَ أَبو عَبْد الله وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ بِهَذَا
[ باب : قبول هدية الصيد ]
[ 86 / 2790 ] عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : (( مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالأبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ هُمْ مِنْهُمْ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لا حِمَى إِلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - )) وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَالله عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُنَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُالله عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ قَالَ هُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عَمْرٌو هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ .
[ باب : أداء الديون ](/18)
[ 87 / 2213 ] عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : (( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أَبْصَرَ يَعْنِي أُحُدًا قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الأكْثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ إِلا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا و أَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَقَالَ مَكَانَكَ وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَسَمِعْتُ صَوْتًا فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله الَّذِي سَمِعْتُ أَوْ قَالَ الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ قَالَ وَهَلْ سَمِعْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَقَالَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ نَعَمْ ))
[ باب : أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات ]
[ 88 / 2285 ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَقَالُوا : مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا ، قَالُوا : وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ، قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأذَى وَرَدُّ السَّلامِ و أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ ))
[ باب : قسمة الغنم ]
[ 89 / 2308 ] عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : (( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إِبِلًا وَغَنَمًا قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ الله ثُمَّ قَالَ : إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا فَقَالَ جَدِّي إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ قَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ و أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ ))
[ باب : هل يقرع في القسمة والاستهام فيه ]
[ 90 / 2313 ] عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ الله وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ))
[ باب : الرهن مركوب ومحلوب ]
[ 91 / 2329 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ)) .
[ باب : ما يستحب من العتاقة في الكسوف والآيات ]
[ 92 / 2335 ] عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَتْ : (( أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ )) تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ .
[ بَاب : الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلاقِ وَنَحْوِهِ وَلا عَتَاقَةَ إِلا لِوَجْهِ الله ]
[ 93 / ] وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَلا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ ))
[ باب : إذ أتاه خادمه بطعامه ](/19)
[ 94 / 2370 ] عن هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَليُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلاجَهُ )) .
[ باب : القليل من الهبة ]
[ 95 / 2380 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لاجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ )) .
[ باب : من استسقى ]
[ 96 / 2383 ] عن أَنَس - رضي الله عنه - يَقُولُ : (( أَتَانَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي دَارِنَا هَذِهِ فَاسْتَسْقَى فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ فَأَعْطَيْتُهُ و أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ وَعُمَرُ تُجَاهَهُ و أَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَى الأعْرَابِيَّ فَضْلَهُ ثُمَّ قَالَ الأيْمَنُونَ الأيْمَنُونَ أَلا فَيَمِّنُوا قَالَ أَنَسٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ ثَلاثَ مَرَّاتٍ )) .
[ باب : المكافأة في الهبة ]
[ 97 / 2396 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ : (( كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا لَمْ يَذْكُرْ وَكِيعٌ وَمُحَاضِرٌ )) .
[ بَاب : إِذَا وَهَبَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ ]
[ 98 / 2460] قَالَ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ هُوَ جَائِزٌ وَوَهَبَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلام لِرَجُلٍ دَيْنَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيُعْطِهِ أَوْ لِيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ فَقَالَ جَابِرٌ : قُتِلَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غُرَمَاءَهُ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي )) .
[ بَاب إِذَا وَهَبَ بَعِيرًا لِرَجُلٍ و هوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ جَائِزٌ ]
[ 99 / 2009 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : (( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ وَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لِعُمَرَ بِعْنِيهِ فَابْتَاعَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : هُوَ لَكَ يَا عَبْدَالله )) .
[ باب : فضل المنيحة ]
[ 100 / 2115 ] عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : (( كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ )) .
[101 / ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ )) .
[ باب : إذا حمل رجل على فرس، فهو كالعمرى والصدقة ]
[ 102 / 2493 ] عن مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ زَيْدٌ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - (( حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - آشْتَرِيهِ فَقَالَ لا تَشْتَرِهِ وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ )) .
[ باب : شهادة المختبي ]
[ 103 / 2496 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا : (( جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ : كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلاقِي فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ و أَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلا تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - )) .
[ باب : الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم ]
[ 104 / 2502 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : (( قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لا تَحِلُّ لِي يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ))
[ باب : ما يكره من الإطناب في المدح، وليقل ما يعلم ](/20)
[ 105 / 2520 ] عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ : (( سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ فَقَالَ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهَرَ الرَّجُلِ )) .
[ باب : اليمين بعد العصر ]
[ 106 / 2527 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِلدُّنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلا لَمْ يَفِ لَهُ وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِالله لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا )) .
[ باب : تعديل النساء بعضهن بعضا ](/21)
[ 107 / 3910 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( حِينَ قَالَ لَهَاأَهْلُ الأفْكِ مَا قَالُوا وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ و أَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ قَالُوا : قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قَالَتْ و أَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ و همْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلا مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ ابْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَ و الله مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ و همْ نُزُولٌ قَالَتْ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الأفْكِ عَبْدُالله بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الأفْكِ أَيْضًا إِلا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي نَاسٍ آخَرِينَ لا عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى وَإِنَّ كِبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُالله بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ إِنَّهُ الَّذِي قَالَ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الأفْكِ لا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ و هوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لا نَخْرُجُ إِلا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ(/22)
الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا قَالَتْ و أَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا قَالَتْ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَتْ أَيْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ قَالَتْ وَقُلْتُ مَا قَالَ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الأفْكِ قَالَتْ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فَقُلْتُ لَهُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قَالَتْ وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا قَالَتْ فَأَذِنَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لِأُمِّي يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَو الله لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا قَالَتْ فَقُلْتُ سُبْحَانَ الله أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا قَالَتْ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي قَالَتْ وَدَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ أُسَامَةُ أَهْلَكَ وَلا نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا و أَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله لَمْ يُضَيِّقِ الله عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ فَقَالَ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ قَالَتْ فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِالله بْنِ أُبَيٍّ و هوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي و الله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِي قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِالأشْهَلِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ الله أَعْذِرُكَ فَإِنْ كَانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ و هوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ و هوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ قَالَتْ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لا تَقْتُلُهُ وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ و هوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ فَثَارَ الْحَيَّانِ الأوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَتْ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ قَالَتْ فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ قَالَتْ و أَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا(/23)
أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى إِنِّي لاظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي و أَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ قَالَتْ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي الله وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِّي فِيمَا قَالَ فَقَالَ أَبِي و الله مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَ قَالَتْ أُمِّي و الله مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ و أَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا إِنِّي و الله لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَالله يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي فَو الله لا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ ? فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَالله يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ و أَنَّ الله مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ و الله مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الله مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ الله فِيَّ بِأَمْرٍ وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي الله بِهَا فَو الله مَا رَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسَهُ وَلا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ و هوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - و هوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَمَّا الله فَقَدْ بَرَّأَكِ قَالَتْ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ و الله لا أَقُومُ إِلَيْهِ فَإِنِّي لا أَحْمَدُ إِلا الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ و أَنْزَلَ الله تَعَالَى ? إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ? [ النور : 11 ] الْعَشْرَ الأيَاتِ ثُمَّ أَنْزَلَ الله هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ و الله لا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ فَأَنْزَلَ الله ? وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ ? [ النور : 22 ] إِلَى قَوْلِهِ ? غَفُورٌ رَحِيمٌ ? قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَلَى و الله إِنِّي لاحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ و الله لا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ لِزَيْنَبَ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي و الله مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَصَمَهَا الله بِالْوَرَعِ )) .
[ باب : كلام الخصوم بعضهم في بعض ](/24)
[ 108 / 2285 ] عَنْ عَبْدِالله - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ و هوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله و هوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ قَالَ فَقَالَ الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِيَّ و الله كَانَ ذَلِكَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ قُلْتُ لا قَالَ فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ احْلِفْ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي قَالَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى ? إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ? [ آل عمران : 77 ] إِلَى آخِرِ الأيَةِ ))
[ بَاب : لا يُسْأَلُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا ]
[ 109 / 2539 ] َقَالَ الشَّعْبِيُّ لا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ? فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ? [ المائدة : 14 ] وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ وَ ? قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ ? [ البقرة : 136 ] ( قُولُوا آمَنَّا بِالله وَمَا أُنْزِلَ ) الأيَةَ ))
[ باب : ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس ]
[ 110 / 2546 ] عن أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا )) .
[بَاب : الصُّلْحِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ]
[ 111 / 2553 ] عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأصْفَرِ وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ و أَسْمَاءُ وَالْمِسْوَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : (( صَالَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلا يَدْخُلَهَا إِلا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجُلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَبمو عَبْد الله لَمْ يَذْكُرْ مُؤَمَّلٌ عَنْ سُفْيَانَ أَبَا جَنْدَلٍ وَقَالَ إِلا بِجُلُبِّ السِّلاحِ )) .
[باب : أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس ]
[ 112 / 2591 ] عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ : (( جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي و أَنَا بِمَكَّةَ و هوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا قَالَ يَرْحَمُ الله ابْنَ عَفْرَاءَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لا قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ لا قُلْتُ الثُّلُثُ قَالَ فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ وَعَسَى الله أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلا ابْنَةٌ ))
[ باب : هل يدخل النساء والولد في الأقارب ](/25)
[ 113 / 2602 ] عن أَبَي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : (( قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ ? وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ? [ الشعراء : 214 ] قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ الله لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ))
[ باب : هل ينتفع الواقف بوقفه ]
[ 114 / 1604 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - (( أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ يَا رَسُولَ الله إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ )) .
[ باب : أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز، وإن لم يبين لمن ذلك ]
[ 115 / 2605 ] أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا أَنَّ (( سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ و هوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ الله إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ و أَنَا غَائِبٌ عَنْهَا أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا ))
[ باب : استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له، ونظر الأم وزوجها لليتيم ]
[ 116 / 2616 ] عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : (( قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ الله إِنَّ أَنَسًا غُلامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ قَالَ فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا وَلا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا )) .
[ باب : فضل الجهاد والسير ]
[ 117 / 2630 ] قَالَ عَبْدُالله بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ يَا رَسُولَ الله : (( أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي )) .
[ باب : فضل الجهاد والسير ]
[ 118 / 2631 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا )) .
[ بَاب : مَنْ طَلَبَ الْوَلَدَ لِلْجِهَادِ ]
[ 119 / 2664 ] عن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلام لاطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنْ شَاءَ الله فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ الله فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ الله لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ )) .
[ باب : الشهادة سبع سوى القتل ]
[ 120 / 2675 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ )) .
[ باب : حفر الخندق ]
[ 121 /2682 ] عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ : (( رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ و هوَ يَقُولُ : لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا إِنَّ الألَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا )) .
[ باب : فضل الصوم في سبيل الله ](/26)
[ 122 / 2685 ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )) .
[ باب : فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير ]
[ 123 / 2688 ] زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ الله بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا )) .
[ باب : من احتبس فرسا ]
[ 124 / 2698 ] عن أَبَي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله إِيمَانًا بِالله وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
[ باب : اسم الفرس والحمار ]
[ 125 / 2701 ] عَنْ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - قَالَ : (( كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ الله عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله قُلْتُ الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ الله عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى الله أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَفَلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا )) .
[ باب : الخيل لثلاثة ]
[ 126 / 2705 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( الْخَيْلُ لِثَلاثَةٍ. لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ الله فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الأسْلامِ فَهِيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ )) .
[ باب : الدرق ]
[ 127 / 2750 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا (( دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ : مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا قَالَتْ وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ دُونَكُمْ بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي قَالَ أَبمو عَبْد الله قَالَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ فَلَمَّا غَفَلَ ))
[ بَاب : مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ ]
[ 128 / 2757 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي )) .
[ باب : الحرير في الحرب ]
[ 129 / 2762 ] عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (( رَخَّصَ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا )) .
[ باب : قتال الترك ]
[ 130 / 2770 ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الأنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ )) .
[ باب : دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله ](/27)
[ 131 / 2786 ] حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا الله فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا الله فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى الله )) رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
[ باب : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس ]
[ 132 / 2744 ] عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِالله وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُالله بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّهم عَنْهممَا فَقَرَأْتُهُ (( إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا الله الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللهمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ )) .
[ باب : من أخذ بالركاب ونحوه ]
[ 133 / 2560 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ )) .
[ باب : السير وحده ]
[ 135 / 2836 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ )) .
[ باب : الجهاد بإذن الأبوين ]
[ 136 / 2842 ] عن عَبْدَالله بْنَ عَمْرٍو رَضِي اللَّهم عَنْهممَا يَقُولُ : (( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ )) .
[ باب : من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة ، وكان له عذر ، هل يؤذن له ]
[ 137 / 2844 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ )) .
[ باب : فضل من أسلم من أهل الكتابين ]
[ 138 / 2849 ] حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَهُ أَجْرَانِ وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ الله وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ و أَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي أَهْوَنَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ )) .
[ باب : قتل الصبيان في الحرب ]
[ 139 / 2851 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : (( وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ )) .
[ باب : لا يعذب بعذاب الله ]
[ 140 / 2853 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ : (( بَعَثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ فَقَالَ إِنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا وَفُلانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلانًا وَفُلانًا وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلا الله فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا )) .
[ باب : قتل الأسير، وقتل الصبر ](/28)
[ 141 / 2879 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (( دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ اقْتُلُوهُ )) .
[ باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( أحلت لكم الغنائم )) ]
[ 142 / 2955 ] أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( تَكَفَّلَ الله لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ إِلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ )) .
[ باب : ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ]
[ 143 / 2964 ] عن أَبِي مُوسَى قال : (( إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ و الله لا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ وَأُتِيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ أَيْنَ النَّفَرُ الأشْعَرِيُّونَ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا مَا صَنَعْنَا لا يُبَارَكُ لَنَا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لا تَحْمِلَنَا أَفَنَسِيتَ قَالَ لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ الله حَمَلَكُمْ وَإِنِّي و الله إِنْ شَاءَ الله لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا )) .
[ باب : ما يصيب من الطعام في أرض الحرب ]
[ 144/ 2986 ] سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - يَقُولُ : (( أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا قَالَ عَبْدُالله فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ )) .
[ باب : الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب ](/29)
[ 145 / 2989 ] عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ : (( بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ فَقَالَ إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ قَالَ نَعَمْ مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلانِ فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الأخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلانِ وَالرَّأْسُ وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلانِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ فَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ وَالْجَنَاحُ الأخَرُ فَارِسُ فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى وَقَالَ بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ سَلْ عَمَّا شِئْتَ قَالَ مَا أَنْتُمْ قَالَ نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاءٍ شَدِيدٍ نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرَضِينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا الله وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ و أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ فَقَالَ النُّعْمَانُ رُبَّمَا أَشْهَدَكَ الله مِثْلَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنَدِّمْكَ وَلَمْ يُخْزِكَ وَلَكِنِّي شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ ))
[ باب : إثم من عاهد ثم غدر ]
[ 146 / 3012 ] عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ الله إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : (( نَعَمْ صِلِيهَا )) .
[ باب : ما جاء في قول الله تعالى: ? وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ? [ الروم : 27] .
[ 147 / 3022 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَمَّا قَضَى الله الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي ))
[ باب : ذكر الملائكة ](/30)
[ 148 / 3035 ] عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَذَكَرَ يَعْنِي رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقَالا مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قِيلَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ قِيلَ مَنْ هَذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى فَقِيلَ مَا أَبْكَاكَ قَالَ يَا رَبِّ هَذَا الْغُلامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلالُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ و أَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاةً فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قُلْتُ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاةً قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ وَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلاثِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْسًا فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قُلْتُ جَعَلَهَا خَمْسًا فَقَالَ مِثْلَهُ قُلْتُ سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ فَنُودِيَ إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي و أَجْزِي الْحَسَنَةَ )) .(/31)
[ 149 / 3036 ] عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ عَبْدُالله (( حَدَّثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - و هوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ الله مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ و أَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ))
[ 150 / 3038 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ و هوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )) .
[ 151 / 3043 ] عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ - رضي الله عنه - سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ و هوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ و أَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ))
[ باب : صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ]
[152 / 3361 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ )) .
[ باب : إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه ]
[ 153 / 3365 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ )) .
[ باب : ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة ]
[ 154 / 3068 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ )) .
[ باب : صفة إبليس وجنوده ]
[ 155 / 3096 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ الله انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ )) .
[ 156 / 3098 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ بِسْمِ الله اللهمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ )) .
[ 157 / 3099 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَغِيبَ وَلا تَحَيَّنُوا بِصَلاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلا غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوِ الشَّيْطَانِ )) لا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ .(/32)
[ 158 / 3102 ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِالله وَلْيَنْتَهِ ))
[ باب : ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة ]
[ 159 / 3069 ] عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ )) .
[ 160 / 3073 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وَعَشِيًّا )) .
[ 161 / 3079 ] عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لا يَقْطَعُهَا )) .
[ باب : صفة النار، وأنها مخلوقة ]
[ 162 / 3089 ] عَنْ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ )) .
[ 163 / 3092 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قَالَ نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قِيلَ يَا رَسُولَ الله إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا )) .
[ 164 / 3094 ] قَالَ - صلى الله عليه وسلم - : (( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ و أَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ )) .
[ باب : صفة إبليس وجنوده ]
[ 165 / 3106 ] عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ أَوْ قَالَ جُنْحُ اللَّيْلِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ و أَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ الله و أَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ الله و أَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ الله وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ الله وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا ))
[ 166 / 3103 ] عن أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ )) .
[ 167 / 3109 ] ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ )) .
[ 168 / 3111 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الأنْسَانِ وَقَلْبِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى لا يَدْرِيَ أَثَلاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ )) .
[ 169 / 3117 ] قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِي اللَّهم عَنْهَا سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاةِ فَقَالَ : (( هُوَ اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاةِ أَحَدِكُمْ )) .(/33)
[ 170 / 6118 ] عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الأنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفُرْسَانِهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( الرُّؤْيَا مِنَ الله وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمُ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِالله مِنْهُ فَلَنْ يَضُرَّهُ )) .
[ 171 / 3119 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ و هوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ )) .
[ باب : قول الله تعالى : ? وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ? [النساء : 163 ] .
[ 172 / 3236 ] عن عَبْدَالله بْنَ عَمْرٍو قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( أَنِّي أَقُولُ و الله لاصُومَنَّ النَّهَارَ وَلاقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ فَقُلْتُ لَهُ قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَصُمْ و أَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا و أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا و أَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام و هوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ فَقُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ))
[ باب : أحب الصلاة إلى اله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود : كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه ، وينام سدسه . ويصوم يوما ويفطر يوما ]
[ 173 / 3238 ] عَنْ عَبْدَالله بْنَ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى الله صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا و أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى الله صَلاةُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ))
[ باب : قول اله تعالى : ? وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ? [ص : 30] . الراجع المنيب
[ 174 / 3243 ] عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ قَالَ : (( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأقْصَى قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ ثُمَّ قَالَ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ وَالأرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ ))
[ باب : ? وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ? [ مريم : 16](/34)
[ 175 / 3253 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلا ثَلاثَةٌ عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتِ اللهمَّ لا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ و أَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لا إِلا مِنْ طِينٍ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتِ اللهمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا و أَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللهمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ اللهمَّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللهمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الأمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ ))
[ باب : ما ذكر عن بني إسرائيل ]
[ 176 / 3266 ] قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ : أَلا تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (( إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَوْ رَاحٍ فَجَمَعَهُ الله فَقَالَ لِمَ فَعَلْتَ قَالَ خَشْيَتَكَ فَغَفَرَ لَهُ )) .
[ 177 / 3268 ] عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الأوَّلِ فَالأوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ الله سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ))
[ 178 / 3269 ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ الله الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ )) .
[ باب : ? أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ? [الكهف : 9]
[ 179 / 3286 ] عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ أُسَامَةُ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ و أَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ لا يُخْرِجْكُمْ إِلا فِرَارًا مِنْهُ )) .
[ 180 / 3287 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي : (( أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ الله عَلَى مَنْ يَشَاءُ و أَنَّ الله جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ الله لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ ))(/35)
[ 181 / 3288 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )) .
[ 182 / 3279 ] عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) .
[ باب : صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ]
[ 183 / 3367 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : (( مَا خُيِّرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ )) .
[ باب : غزوة الخندق ، وهي الأحزاب ]
[ 184 / 3876 ] قَالَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِالله - رضي الله عنه - : (( لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ لا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَبِمَنْ مَعَهُ فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِهَلّكُمْ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ بِكَ وَبِكَ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلا تُنْزِلُوهَا و همْ أَلْفٌ فَأُقْسِمُ بِالله لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ )) .
[ باب : استعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل خيبر ]
[ 185 / 4001 ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ و أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا (( أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ : لا و الله يَا رَسُولَ الله إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاثَةِ فَقَالَ لا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا )) وَقَالَ عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِالْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ و أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الأنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا وَعَنْ عَبْدِالْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ و أَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ *
[ باب : عمرة القضاء ](/36)
[ 186 / 4011 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( مَيْمُونَةَ و هوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا و هوَ حَلالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ )) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم - (( مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ))
[ باب : سرية عبد الله بن حذافة السهمي ، وعلقمة بن مجزز المدلجي
ويقال : إنها سرية الأنصاري ]
[ 187 / 4085 ] عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ و أَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى ، قَالَ : فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا ، فَقَالَ : أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا ، فَقَالَ : ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ النَّارِ فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : (( لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ )) .
[ باب : تفسير سورة: عبس ]
[ 188 / 4653 ] عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ و هوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ و هوَ يَتَعَاهَدُهُ و هوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ )) .
[ باب : فضل سورة البقرة ]
[ 189 / 4722 ] عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( الأيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ )) قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ و هوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ .
[ باب : فضل المعوذات ]
[ 190 / 4729 ] عَنْ عَائِشَةَ (( أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا ? قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ? ? قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ? ? قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ? ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ )) .
[ باب : الترجيع ]
[ 191 / 4760 ] عن عَبْدَالله بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ : (( رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ و هوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَوْ جَمَلِهِ وَهِيَ تَسِيرُ بِهِ و هوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ قِرَاءَةً لَيِّنَةً يَقْرَأُ و هوَ يُرَجِّعُ )) .
[ باب : (( اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ))
[ 192 / 4672 ] بْنِ عَبْدِالله عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ )) .
[ باب : ما يكره من التبتل والخصاء ]
[ 193 / 4787 ] عَنْ قَيْسٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُالله : (( كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ فَقُلْنَا أَلا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا ? يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ? و عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ و أَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ وَلا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَر )) .
[ باب : الأكفاء في الدين ]
[ 194 / 4801 ] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : (( لَهَا لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ قَالَتْ و الله لا أَجِدُنِي إِلا وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللهمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ )) .(/37)
[ باب : لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة ، مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم ]
[ 195 / 4945 ] عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِالله رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ : (( كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا ))
[ باب : خيار الأمة تحت العبد ]
[ 196 / 4977 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعبَّاسٍ : (( يَا عَبَّاسُ أَلا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَوْ رَاجَعْتِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ الله تَأْمُرُنِي قَالَ إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ قَالَتْ لا حَاجَةَ لِي فِيهِ )) .
[ باب : حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله . و كيف نفقات العيال ]
[ 197 / 5042 ] عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - : (( أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ )) .
[ باب : خدمة الرجل في أهله ]
[ 198 / 5048 ] عَنِ الأسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا : (( مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ قَالَتْ : كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الأذَانَ خَرَجَ )) .
[ بَاب : الأكْلِ مِمَّا يَلِيهِ ]
[ 199 / 5061 ] َقَالَ أَنَسٌ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( اذْكُرُوا اسْمَ الله وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ ))
[ باب : العجوة ]
[ 200 / 5130 ] قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ )) .
[ باب : لعق الأصابع ومصِّها قبل أن تُمسح بالمنديل ]
[ 201 / 5140 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا )) .
[ باب : صيد القوس ]
[ 202 / 5161 ] عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ : قُلْتُ يَا نَبِيَّ الله إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ فَمَا يَصْلُحُ لِي ؟ قَالَ : (( أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ الله فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ الله فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ ))
[ باب : النحر والذبح ]
[ 203 / 5192 ] عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ : (( ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ فَأَكَلْنَاهُ )) .
[ باب : ما يُكْرَه من المُثْلَة والمَصْبُوَرة والمُجَثَّمَة ]
[ 204 / 5195 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلامِ مَعَهُ فَقَالَ : ازْجُرُوا غُلامَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (( نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ ))
[ باب : لحوم الخيل ]
[ 205 / 5201 ] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رَضِي اللَّهم عَنْهمْ قَالَ : (( نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ ))
[ باب : أكل كل ذي ناب من السباع ]
[ 206 / 5210 ] عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (( نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ )) تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْمَاجِشُونُ عَنِ الزُّهْرِيِّ *
[ باب : جلود الميتة ]
[ 207 / 5211 ] عن عَبْدَالله بْنَ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا أَخْبَرَهُ (( أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ هَلا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا قَالُوا إِنَّهَا مَيِّتَةٌ قَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا )) .
[ باب : إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب ](/38)
[ 208 / 5220 ] عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهممْ قَالَتْ : سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ ؟ فَقَالَ : (( أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ ))
[ باب : سنَّة الأضحية ]
[ 209 / 5225 ] عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ : (( إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ اجْعَلْهَا مَكَانَهَا أَوْ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ )) .
[ باب : الأضحية للمسافر والنساء ]
[ 210 / 5228 ] عن عَائِشَةَ تَقُولُ : خَرَجْنَا لا نَرَى إِلا الْحَجَّ فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - و أَنَا أَبْكِي قَالَ : (( مَا لَكِ أَنُفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ قَالَتْ وَضَحَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ ))
[ باب : حجة الوادع ]
[ 211 / 4144 ] عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ و أَمْوَالَكُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ و أَحْسِبُهُ قَالَ و أَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ صَدَقَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَلا هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ )) .
[ باب : الشرب قائماً ]
[ 212 / 5292 ] عَنِ النَّزَّالِ قَالَ أَتَى عَلِيٌّ - رضي الله عنه - عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ فَشَرِبَ قَائِمًا فَقَالَ : (( إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ و هوَ قَائِمٌ وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ )) .
[ باب : الشرب من فم السقاء ]
[ 213 / 5304 ] عن أَبُو هُرَيْرَةَ : (( نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوِ السِّقَاءِ و أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي دَارِه ِ )) .
[ باب : نهي تمنِّي المريض الموت ]
[ 214 / 5349 ] عَنِ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ الله قَالَ لا وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ )) .
[ باب : الشفاء في ثلاث ](/39)
[ 215 / 5356 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : (( الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ و أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ )) ورَفَعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الْقُمِّيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعَسَلِ وَالْحَجْمِ *
[ باب : الحبَّة السوداء ]
[ 216 / 5363 ] عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ و هوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا : عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلا مِنَ السَّامِ قُلْتُ وَمَا السَّامُ قَالَ الْمَوْتُ )) .
[ بَاب : الْجُذَامِ ]
[ 217 / 5380 ] عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ )) .
[ باب : التشمير في الثياب ]
[ 218 / 5449 ] عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : (( َرَأَيْتُ بِلالًا جَاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَهَا ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ فِي حُلَّةٍ مُشَمِّرًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْعَنَزَةِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْعَنَزَةِ )) .
[ باب : القَبَاء وفَرُّوج حرير ]
[ 219 / 5465 ] عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ وَقَالَ : (( لا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ )) .
[ باب : المتشبهين بالنساء ، والمتشبهات بالرجال ]
[ 220 / 5546 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ )) تَابَعَهُ عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ *
[ باب : الوصل في الشعر ]
[ 221 / 5588 ] عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ و هوَ عَلَى الْمِنْبَرِ و هوَ يَقُولُ : وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (( يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ )) وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَعَنَ الله الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ )) *
[ باب : إرداف الرجل خلف الرجل ]
[ 222 / 5622 ] عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ : بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ : (( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الله عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ )) .
[ باب : لا يسب الرجل والديه ](/40)
[ 223 / 5628 ] عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قِيلَ يَا رَسُولَ الله وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ )) .
[ باب : من وصل وصله الله ]
[ 224 / 5641 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِنَّ الله خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ و أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَهُوَ لَكِ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ? فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ? [ محمد : 22 ] ))
[ باب : رحمة الولد و تقبيله و معانقته ]
[ 225 / 5649 ] عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُالله بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَتْهُ قَالَتْ : جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ : (( مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ )) .
[ 226 / 5653 ] عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا و أَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا )) .
[ باب : جعل الله الرحمة في مائة جزء ]
[ 227 / 5654 ] عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا و أَنْزَلَ فِي الأرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ )) .
[ باب : رحمة الناس والبهائم ]
[ 228 / 5665 ] عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ : قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )) .
[ 229 / 5666 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ))
[ 230 / 5667 ] عن عَبْدِالله عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ ))
[ باب : الوصاءة بالجار ]
[ 231 / 5669 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ )) .
[ باب : حق الجوار في قرب الأبواب ]
[ 232 / 5674 ] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي ؟ قَالَ : (( إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا )) .
[ باب : كل معروف صدقة ]
[ 233 / 5675 ] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رَضِي اللَّهم عَنْهممَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( قَالَ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ))
[ باب : ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر ، حتى يصده عن ذكر الله و العلم و القرآن ]
[ 234 / 5803 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لانْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا )) .
[ باب : ما يدعى الناس بآبائهم ](/41)
[ 235 / 5823 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ )) .
[ باب : لا يقل خبثت نفسي ]
[ 236 / 5825 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي )) .
[ باب : لا تسبوا الدهر ]
[ 237 / 5827 ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قَالَ الله يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ و أَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ))
[ باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إنما الكرم قلب المؤمن )) ]
[ 238 / 5829 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( وَيَقُولُونَ الْكَرْمُ إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ))
[ باب : من سمى بأسماء الأنبياء ]
[ 239 / 5844 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )) .
[ باب : أبغض الأسماء إلى الله ]
[ 240 / 5853 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ : (( أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ الله وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الأسْمَاءِ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأمْلاكِ قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ ))
[ باب : الحمد للعاطس ]
[ 241 / 5867 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : (( عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الأخَرَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ : هَذَا حَمِدَ الله وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ الله )) .
[ باب : السلام اسم من أسماء الله تعالى ]
[ 242 / 5876 ] عَنْ عَبْدِالله قَالَ : كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَا السَّلامُ عَلَى الله قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ السَّلامُ عَلَى مِيكَائِيلَ السَّلامُ عَلَى فُلانٍ وَفُلانٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : (( إِنَّ الله هُوَ السَّلامُ فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله و أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْكَلامِ مَا شَاءَ )) .
[ باب : زنا الجوارح دون الفرج ]
[ 243 / 5889 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( إِنَّ الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ )) .
[ باب : كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك ]
[ 244 / 5942 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لا إِلَهَ إِلا الله وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ ))
[ باب : أفضل الاستغفار ](/42)
[ 245 / 5947 ] عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي و أَنَا عَبْدُكَ و أَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ و أَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ و هوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ )) .
[ باب : التوبة ]
[ 246 / 5949 ] عَنْ عَبْدُالله بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالأخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ : (( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ )) فَقَالَ بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ : (( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ الله قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَجَرِيرٌ عَنِ الأعْمَشِ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأعْمَشُ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ سَمِعْتُ الْحَارِثَ وَقَالَ شُعْبَةُ و أَبُو مُسْلِمٍ اسْمُهُ عُبَيْدُالله كُوفِيٌّ قَائِدُ الأعْمَشِ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الأسْوَدِ عَنْ عَبْدِالله وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِالله *
[ باب : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ]
[ 247 / 6142 ] عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله أَحَبَّ الله لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ الله لِقَاءَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَيْسَ ذَاكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ الله وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ الله و أَحَبَّ الله لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ الله وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ الله وَكَرِهَ الله لِقَاءَهُ )) اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
[ باب : سكرات الموت ]
[ 248 / 6149 ] عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ ))
[ 249 / 6151 ] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ))
[ باب : يقبض الله الأرض يوم القيامة ]
[ 249 / 6156 ] عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ )) .
[ باب : كيف الحشر ]
[ 250 / 6159 ] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ الأمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ ))
[ باب : قول الله تعالى: ? أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ? [ المطففين : 4 – 6 ] .(/43)
[ 251 / 6167 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ )) .
[ باب : من نوقش الحساب عُذَّب ]
[ 252 / 6174 ] عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَسَيُكَلِّمُهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَ الله وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ثُمَّ يَنْظُرُ فَلا يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )) قَالَ الأعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرٌو عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ و أَشَاحَ ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ و أَشَاحَ ثَلاثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ )) .
[ باب : يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ]
[ 253 / 6179 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( يُقَالُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ وَلِأَهْلِ النَّارِ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ )) .
[ باب : صفة الجنة والنار ]
[ 254 / 6189 ] عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( يَقُولُ الله تَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا و أَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلا أَنْ تُشْرِكَ بِي )) .
[ باب : إلقاء العبد النَّذر إلى القدر ]
[ 255 / 6314 ] عن ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - َقال : أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِنَّ النَّذْرَ لا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلا يُؤَخِّرُ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْبَخِيلِ )) .
[ باب : إذا حنث ناسياً في الأيمان ]
[ 256 / 6292 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا و هوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ ))
[ باب : إن حلف أن لا يشرب نبيذاً ، فشرب طلاء أو سكراً أو عصيراً ]
[ 257 / 6308 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ : (( مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا )) .
[ باب : مولى القوم من أنفسهم ، وابن الأخت منهم ]
[ 258 / 6380 ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )) أَوْ كَمَا قَالَ .
[ باب : من ادَّعى إلى غير أبيه ]
[ 259 / 6385 ] عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ و هوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ )) فَذَكَرْتُهُ لِأَبِي بَكْرَةَ فَقَالَ و أَنَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - .
[ باب : المبشِّرات ]
[ 260 / 6589 ] بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ )) .
[ باب: من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام ]
[ 261 / 6592 ] عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي )) قَالَ أَبو عَبْد الله قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ .(/44)
[ 262 / 6593 ] عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَخَيَّلُ بِي وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ و أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ )) .
[ باب : اللبن ]
[ 263 / 6604 ] عَنِ عَبْدِالله بْنَ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لارَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي يَعْنِي عُمَرَ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ الله قَالَ الْعِلْمَ ))
[ باب : القميص في المنام ]
[ 264 / 6606 ] عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ : قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا مَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ الله قَالَ الدِّينَ ))
[ باب : القيد في المنام ]
[ 265 / 6614 ] عن أَبَي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (( إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ و أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لا يَكْذِبُ )) قَالَ مُحَمَّدٌ و أَنَا أَقُولُ هَذِهِ قَالَ وَكَانَ يُقَالُ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ حَدِيثُ النَّفْسِ وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ وَبُشْرَى مِنَ الله فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ قَالَ وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِي النَّوْمِ وَكَانَ يُعْجِبُهُمُ الْقَيْدُ وَيُقَالُ الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ وَرَوَى قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ و أَبُو هِلالٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - و أَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِي الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ وَقَالَ يُونُسُ لا أَحْسِبُهُ إِلا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقَيْدِ قَالَ أَبمو عَبْد الله لا تَكُونُ الأغْلالُ إِلا فِي الأعْنَاقِ .
[ باب : من كذب في حلمه ]
[ 266 / 6653 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ و همْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الأنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ )) قَالَ سُفْيَانُ وَصَلَهُ لَنا أَيُّوبُ وَقَالَ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً وَمَنْ تَحَلَّمَ وَمَنِ اسْتَمَعَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَنِ اسْتَمَعَ وَمَنْ تَحَلَّمَ وَمَنْ صَوَّرَ نَحْوَهُ تَابَعَهُ هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ .
[ باب : إذا رأى ما يكره، فلا يخبر بها و لا يذكرها ]
[ 267 / 6637 ] عَنْ عَبْدِرَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ و أَنَا كُنْتُ لارَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الله فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحِبُّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِالله مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلاثًا وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ))
[ باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( سترون بعدي أموراً تنكرونها )) ]
[ 268 / 6646 ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ))
[ باب : ظهور الفتن ](/45)
[ 269 / 6652 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا يَا رَسُولَ الله أَيُّمَ هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ )) وَقَالَ شُعَيْبٌ وَيُونُسُ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
[ باب : كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ]
[ 270 / 6673 ] عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قال كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ : (( يَا رَسُولَ الله إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا الله بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ الله صِفْهُمْ لَنَا قَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ و أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ )) .
[ باب : إذا أنزل الله بقوم عذاباً ]
[ 271 / 6691 ] عَنِ عَبْدِالله بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ : قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أَنْزَلَ الله بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ )) .
[ باب : ما كان يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأمراء والرسل واحداً بعد واحد ]
[ 272 / 6837 ] عَنْ سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ : (( أَذِّنْ فِي قَوْمِكَ أَوْ فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ ))
[ باب : قوله تعالى : ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ? [ البقرة : 143] . وما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزوم الجماعة ، وهم أهل العلم ]
[ 273 / 6917 ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ شُهُودُكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا? قَالَ عَدْلًا )) وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا *
[ باب : قول الله تعالى : ? عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ? [ الجن : 26 ] . و ? إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ? [ لقمان : 34] . و ? أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ? [ النساء : 166]
? وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ? [ فاطر : 11] . ? إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ? [ فصلت : 47 ]
[ 274 / 6944 ] عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهَا إِلا الله لا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأرْحَامُ إِلا الله وَلا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلا الله وَلا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلا الله وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلا الله وَلا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا الله )) .
[ باب : قول الله تعالى : ? وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ? [ آل عمران : 28] .(/46)
[ 275 / 6970 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (( يَقُولُ الله تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي و أَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلا ذَكَرْتُهُ فِي مَلا خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )) .
[ باب : في المشيئة و الإرادة . ? وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ? [الإنسان : 30 ]
[ 276 / 6915 ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلام أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ (( أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً فَقَالَ لَهُمْ : أَلا تُصَلُّونَ ؟ قَالَ عَلِيٌّ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ الله فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ و هوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ ? وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ? )) *
[ باب : كلام الرب مع جبريل ، و نداء الله الملائكة ]
[ 277 / 7047 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ الله قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ إِنَّ الله قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأرْضِ ))
[ باب : قول الله تعالى : ? يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ? [ الفتح : 15]
[ 278 / 7062 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( يَقُولُ الله إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ))
[ باب : كلام الرب مع أهل الجنة ]
[ 279 / 7080 ] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( إِنَّ الله يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَلا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ و أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا )) .(/47)
جنازة في حي شعبي
مفكرة الإسلام : هل رأيت جنازة في حي شعبي؟ إن لم تكن رأيتها فاسمح لي أن أصفها لك فقد حضرت الكثير منها وهي مشهد فريد من نوعه له طعم ومذاق خاص عند تأمله، فالموت يختلف طعمه في دنيانا باختلاف طبقة المتوفى وتختلف مظاهره تبعًا لمستوى الثقافة والتدين في مجتمع المتوفى.
لماذا؟
عزيزي الشاب ليست هذه وصلة حديث الغرض منها بث الرعب في نفسك أو البحث عن مظاهر الضيق والنكد نحييها في حياتنا كلا بل هي رؤية موضوعية وتأملية لموقف لا أظن أن أحدًا لم يتعرض له ولو من بعيد أو من قريب بموت أحد معارفه أو أقاربه أو بوفاة صديق عزيز أو رفيق حبيب إنها وقفة معك أسعى من خلالها إلى أن أدفعك وأدفع نفسي من باب أولى إلى إطالة الفكر وزيادة التأمل في مشهد متكرر لنخرج معًا بما فيه من إشارات قبل أن نكون بداخله وحينها لن تكون لهذه الإشارات والعلامات فائدة تذكر.
نحن والموت:
إن موقف الموت موقف لا يحسن أغلبنا التعامل معه بالطريقة السليمة ربما لبعد ذكر الموت عنا أو لأننا لا نرى الموت إلا فجأة عند فقد أحد ما وحتى لو رأيناه قريبًا فنحن نبذل قصارى جهدنا في الابتعاد عنه، ربما لما يجلبه لنا من خوف أو حزن أو تيه، وربما لأسباب أخرى تختلف من واحد لآخر إلا أن ما أعرفه جيدًا، وأنا على يقين منه أننا دومًا في هذا الموقف ما تخذلنا قوانا ونلتزم الصمت ونترقب بأعيننا الكثير مما يفعله المحيطون بالجنازة وتعتمل الأسئلة والاستفسارات في أذهاننا وندور حولنا نبحث عمن يجيب إلا إن كنا بالطبع ممن يدعون العلم بالأمور كلها, ونرى أمامنا من المواقف ما نثبت أمامه متأملين ومستغربين وأحيانًا مندهشين بل وقد نصبح متعجبين من عجائب الأقدار وآيات رب العالمين والأسرار كيف أن هذا الذي أتى موعده قد كانت له قبل وفاته مباشرة أماني ورغبات ومواقف ومشاهد وغيرها من أسباب التعجب مثل أواخر الكلمات التي قالها والعبارات التي نطق بها, لذا فلا بد لنا من وقفة مع هذا المشهد نتأمل ونفهم ونستوعب ونشارك. وكان اختيار الجنازة في الحي الشعبي باعتباره يصلح كمشهد يستحق التأمل لأن تلك الأحياء ما زالت تحترم هيبة الموت وأنت لا بد ستلمح في سلوك أهل تلك الأحياء وتعاملهم مع الجنائز مدى فهمهم لمعنى الحياة والموت واحترامهم للأخير.
سير وهيبة:
إن أشد ما يلفت الانتباه في هذا النوع من الجنازات هو ما يحدث حال بدء موكب سيرها فإن أول ما يسترعي انتباهك ذلك الحرص من المعزين على السير على أقدامهم وراء الجنازة ولو كان موقع الدفن بعيدًا بعض الشيء, ثم القليل منهم من يؤدي واجب العزاء بعد الصلاة ويترك الجنازة فلا يتبعها إلى المقابر بل الأغلبية العظمى تنطلق في الموكب تابعة الجنازة حتى مثواها قبل الأخير 'فالأخير إما الجنة رزقنا الله إياها أو النار عافانا الله وإياكم منها'.
المشهد الأعجب الذي لفت انتباهي بشدة هو ما تراه لو صاحبت جنازتنا هذه عبر الشوارع والأزقة, إنك ترى إصبع السبابة في أيدي المارين كلهم ترتفع وهي تتشهد بشهادة التوحيد, يقوم الجالسون, وتختفي البسمات التي كانت تعلو الوجوه والضحكات التي كانت منذ قليل تملأ الأسماع, ويحل مكان هذا كله صمت وسكون, إنني أشعر كأن ما يسير معي كائن له هيبة عظيمة في قلوب كل من يراه أو يرى ظله, حتى أنني في كثير من الأحيان ما أتلفت حولي وخلفي أنظر, أبحث عمن ينظرون إليه لعلي ألمح ظله أحاول بذلك تعظيم قدر هذا المخلوق العظيم من مخلوقات الله تعالى في جنبات قلبي لعله يتعظ أو يحيا.
عندما سرت في الجنازة كنت حريصًا على المشي أمامها فقد جاءت سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم تخبرنا بأنه كان يسير أمام الجنازة وكذا كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وإن كان لا بأس بالمشي خلفها أما بالنسبة للركوب فيسير الراكب خلف الجنازة لا أمامها وفي هذا المشهد ما فيه من تعجيل السير وكأننا نتسابق بالمحمول على أكتافنا إلى مقره المؤقت نسرع في ذلك بل ونكاد نسبقه.
ودخلنا:
وخطت أقدامي خطوات عبر بوابات المدافن, إنني أنتقل من عالم حي متحرك مشاغب لا يتوقف عن التدافع والصراع إلى عالم يلفه في الظاهر قدر من السكون كبير, إنها لا تعدو أن تكون بضع خطوات ولكنها كانت كافية للانتقال بالمشاعر والوجدان إلى عالم مختلف تمامًا, الأماني غير الأماني, والغالي هناك رخيص هنا, إنهم هنا تحت الأرض اختلفت آراؤهم عن سابقتها لما كانوا فوق هذه الأرض نفسها, يا الله كم يتبدل حال الإنسان من حال لآخر, المتأمل من الخارج لا يكاد يشعر بشيء, أما أهل اليقين فهم وحدهم الذين يعلمون ما الذي يجري هناك بالأسفل فقد أخبرهم نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم تفصيل ذلك إنهم هناك بالأسفل أحياء يشعرون ويسمعون يودون لو يتكلمون لو ينبهون زوارهم لو ينصحونهم لو...لو...لو....ولكن هيهات.
منذ ثلاثين:(/1)
تمر عيناي وأنا في الطريق لإيصال صاحب جنازتنا على شواهد القبور وأقرأ: المأسوف على شبابه, والبالغ من العمر أرذله, والطفل الرضيع كلهم هنا, هل جربت مرة أن تمر بعينيك على التواريخ؟ لقد رأيت أناسا بقوا هناك تحت منذ أكثر من ثلاثين سنة بالتأكيد هناك أكثر من ذلك بكثير فما رأيك فيمن بقوا بالأسفل منذ قرون لكن هذا الشخص أعرف اسمه وتاريخ وفاته بل وموقع دفنه, منذ أكثر من ثلاثين سنة وهو هنا في هذه الحفرة الضيقة متر عرضًا ومتران طولاً ومتران عمقًا فقط ولا ضوء ولا هواء فقط هذا كل شيء, إن تأمل هذا المشهد بمفرده كاف لفقد العقل وتوهانه, وهو بالأحرى كاف للاستعداد للنزول في هذه الحفرة, أريدها واسعة بلا حد, مضيئة لا تظلم قط, أريد مؤنسًا لي من الصحبة, أريد أريد … ولكن كيف؟
وقمنا بدفنه:
ووصلنا إلى القبر وأنزلناه بأيدينا وأنمناه على جانبه الأيمن باتجاه القبلة وبدأنا بإلقاء الرمال بعد إغلاق شفير القبر وتعاون الحضور في ذلك ووقفنا دقائق ندعو ثم ما لبث الجمع أن انفض وانسحب الحضور واحد تلو الآخر 'يتبع الميت ثلاثة ماله وأهله وعمله فأما ماله فيتركه عند باب بيته ويقول هذا آخر عهدي بك وأما أهله فيتركونه عند باب القبر وهذا آخر عهدهم به وأما عمله فيدخل معه فيكون جليسه' وهكذا انصرف الحضور فيا من تبكيني أين أنت الآن لمن تتركني بمفردي؟
حقيقة غائبة:
إننا ننسى أو نتناسى, نتناسى هذا المشهد وسرعان ما نريد مغادرة المدفن بعد أن انتهينا من دفن ميتنا نحن لا نحب البقاء في المقابر, إنه مكان موحش غريب, أقدامنا تسرع بالعدو إلى الخارج, هل جربت أن تكون جارًا للمقابر. حدثني أحد الشباب ممن انتقلوا بسكنهم إلى جوار مقبرة أنه كان يرى ذلك في البدء أمرًا مستهجنًا مستقبحًا ولكنه ما لبث أن شعر بعظيم نعمة الله تعالى عليه. ولكني لا أظن الكثير يوافقونه في الرأي أتعرف لماذا؟ إنها علاقتك بالموت أأنت صديقه أم هو عدوك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه قالت عائشة رضي الله عنها: ومن يحب الموت يا رسول الله؟ قال: ليس ذاك يا عائشة ولكن المؤمن إذا رأى ما أعد الله تعالى له من النعيم أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه والعبد الفاجر أو الكافر إذا رأى ما أعده الله له من العذاب كره لقاء الله فكره الله لقاءه'
فهل أنت ممن يحب لقاء الله اللهم اجعلنا منهم اللهم آمين، جمعني الله بك وبمن نحب في ظل عرشه يوم القيامة وبصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى.
كانت هذه لقطات من جنازة في حي شعبي وتأملات جال حولها ذهني أحببت مشاركتك لي فيها
بارك الله لنا فيك أخي الحبيب وحفظك من كل سوء وشر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(/2)
جناية الإعلام العولمي
د. عمار الصفدي
إن تضاؤل قدرتنا على تغيير الواقع اليومي، قد يحدو بنا إلى الإهتمام بشكل أكبر بالقضايا العالمية، عملية تفريغ ستسفر عن قدرة مستمرة التضاؤل إلى حد العجز عن إحداث أي تغيير في قضايانا القريبة.
كثيراً ما تتبدى هذه الحقيقة في خلفيات هروبنا من المشاكل الأقرب إلينا إلى مشاكل أخرى، تحوز على جلّ الإهتمام و هي بعيدة، بعد أن قربت بتسليط أضواء الإعلام عليها. قد تنسحب شروحات مالك بن نبي للصراع الفكري على هذه القضية، فسنجد تفسيراً لها حيث تنتج معامل الكيمياءالسياسية "مركب الهمّ العولمي"، الذي يكترث لقضايا العالم الكبيرة بنفس القدرالذي يوليه لقضاياه الخاصة القريبة، أو لربما بقدر أكبر، وفق عملية شبيهة بترانسفير شامل، يستهدف مراكز الهمة في جسد المجتمع، و ترعاه قوى إعلامية متنفذة، و دعاية متذرعة بتعابير عريضة عن مفهوم الوعي.
إن "مركب الهم العولمي" يمثل وجه العملة الآخر للإعلام العولمي، الذي لم يعد يخبرنا عن أحداث العالم فحسب، بل إنه يوصل حرارتها إلينا محاولاً أن يصهرنا فيها. أصبح يحشرنا في أحداث يومية، و يطعمنا منها إلى حد التخمة، و يعود بنا إلى أبعادها التاريخية، و يغرقنا في دلالاتها العميقة.. حتى صرنا نضيع في جزئياتها، بل و لربما أسفرت رحلة الضياع عن خلخلة ذاكرتنا القريبة تحت ضغط عمليات الإحلال و الإستبدال لأحداث قديمة نسبياً بأخرى أحدث، و لا يكاد القديم أن يضيع حتى يدخل الحديث في طور التحلل لإفراغ المكان لحدث جد، ناهيك عن خلخلة المفاهيم التي يدخلها إعلام اليوم في خضم نقله للأحداث، حيث تنسخ: الحروب إلى معارك متفرقة، و المواقف إلى ردود أفعال، و الأفكار إلى انطباعات، والثورات إلى فتن، و الإحتلال إلى عمليات تحرير و إصلاح!.
عندما تتساوى القضايا المتناولة، أو تقترب من بعضها فتلحق عمليات تمايزها بالشبهات، فإن الفرد سيصبح عاجزاً عن أن يحس الإحساسات التي يفترض به أن يحس بها حيال قضية قريبة، و ستغيب المشاعر التي كان يستشعرها، و قد لا يرد بردود الأفعال المتوقعة منه.. فكأنه فقد الصواب حيال ما يجب أن يقال و ما لا يقال؟ ما يفعل و ما لا يفعل؟ و هل ما إذا كان الوقت مناسباً أم لا؟ بل هل يستحق الحدث أي شيء من هذا؟ إلى سلسلة لا تنتهي من الأسئلة، التي أرادها له الإعلام العولمي ملهاة، ستشغله عن إدراك مكانه و هو يتساءل، حيث يقف خارج الحدود الإقليمية لقضيته الخاصة مرتهناً للواقعية، التي بدأت تطغى عنده على العاطفة التي كان من شأنها في السابق أن تجتذبه لقضاياه القريبة، و أن تحدث لديه الإحساسات و المشاعر و ردات الفعل المتوقعة، سيما و هي تتعلق بمسراق ديني، لطالما عملت وشائج الإخوة الإسلامية لديه دور المقياس الذي يقدر به كل أموره.
ربما تكون مقاومة العولمة في هذا الشأن، أولى الخطوات في سبيل تحقيق الإصلاحات التنموية و الفكرية في الأقطار العربية، و هي خطوة يبدو أن أقداماً كثيرة لم قدم عليها بعد(/1)
جنة الله
الشاعر : قصي أحمد محمد / بغداد
العراق المحتل
هِيَ بَدْرٌ بَلْ فَاقَتِ الْبَدْرَ حُسْنًا
أيْنَ لِلْبَدْرِ مِنْ نُوْرِ ضِيَاهَا
هِيَ جَنَّةٌ وَ أَيْنَ لِلْوَصْفِ قَوْلٌ
هِيَ تُرْقِصُ الْقُلُوْبَ لِمَمْشَاهَا
عَجَبًا مِنْكَ إِذْ تَمِيْلُ لِمَعْصِيَةٍ
وَصَوْتُ أَحْمدَ يُدَوِّيْ فِي سَمَاهَا
اِحْمَلِ الْكَأْسَ وَاشْرَبْ مِنْ نَعِيْمِهَا
مَاءَهَا عَذْبًا وَنَسِيْمَهَا هَوَاهَا
إِنَّنِيْ أَبْكِيْ الْيَوْمَ زَمَنًا
لَمْ أَكُنْ حَافِظَ عُهُوْدِ هَوَاهَا
أَوَ تَدْرِيْ ؟ فَلَيْتَ أَنَّكَ تَدْرِيْ
مُهْجَتِيْ بِهَا وَاللهِ بَنَاهَا
قَذَفَتْنِي يَدُ التَّقْوَى فَاسْتَحَالَتْ
أَدْمُعِي كَالْعَقِيْقِ مِمَّا اعْتَرَاهَا
رَفَضَ الْقَلْبُ بَعْدَ ذِكْرِ اللهِ إِنْسًا
وَجَفَتْ أَعْيُنِي طَلَبًا فِي رِضَاهَا
فَطَأْطَأَ الشَّيْطَانُ رَأْسَه وَتَوَلَّى
سَاحِبَ الذَّيْلِ عَاثِرًا بِخُطَاهَا
قُرْآنُ أَتَى كَالطَّبِيْبِ يَشْفِيْ قُلُوبًا
لِمَنِ الدَّاءُ فِي صَمِيْمِ حَشَاهَا
أَحْمَدُ قَدْ جَاءَ مُنْذِرًا مَنْ تَمَادَى
وَبَشِيْرًا لِمَنْ أَطَاعَ الالها
إِنْ يَصْعُبِ الْوَصْفُ مَعْذِرَةً
جَنَّةُ الرَّحْمانِ قَدْ بَنَاهَا
فَانْزَعِ الْغِلَّ مِنْ قُلُوبٍ تَجَافَتْ
عَنْ هَدْيِ الرَّحْمانِ وَاسْتَحَبَّتْ عَمَاهَا
أَ نَتْرُكُ مَا جَاءَ بِه أَحْمَدُ
وَنَطْلُبُ مِنَ السَّرَابِ مِيَاهَا
وَيْحَنَا إِذْ نَكُوْنُ مِثْلُ غُرَابٍ
رَامَ مَشْيَ الْقَطَا وَتَاهَا
* * *
* *(/1)
جنود الله تعالى
أولاً: تعريف وبيان.
ثانياً: من جنود الله تعالى.
1- الملائكة.
2- المجاهدون الصادقون.
3- الريح.
4- الصَّيحة.
5- الحجارة.
6- الطير.
7- المطر.
8- الغرق.
9- الرُعب والخوف.
10- النُّعاس.
11- الآيات التي أرسلها الله على قوم فرعون:
أ- الطوفان.
ب- الجراد.
ج- القُمَّلُ.
د- الضفادع.
هـ- الدم.
12- البعوض.
13- الكلمة القويّة المؤثّرة.
أولاً: تعريف وبيان:
قال الخليل بن أحمد: "جند: كُلُّ صِنْفٍ من الخَلْق يقال لهم: جُنْدٌ على حِدَةٍ".
وقال ابن منظور: "جند: الجُنْد: معروف. والجُنْد الأعوان والأنصار. والجُنْد: العسكر".
وقال ابن عاشور: "والجنودُ: جمع جند، وهو: اسم لجماعة الجيش، واستعير هنا للمخلوقات التي جعلها الله لتنفيذ أمره لمشابهتها الجنود في تنفيذ المراد".
العين (6/86).
لسان العرب (3/132).
تفسير التحرير والتنوير (14/319).
ثانياً: من أصناف جنود الله:
1- الملائكة:
قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر:31].
قال عطاء: "يعني: من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله".
وقال القرطبي: "أي: وما يدري عدد ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار {إِلاَّ هُوَ} أي: إلا الله جل ثناؤه".
وقال السّعدي: "فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم {إِلاَّ هُوَ}، فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب".
وقد مدّ الله المؤمنين بجنوده من الملائكة عند قتالهم للكفار في ثلاث غزوات:
الأولى: غزوة بدر:
ومن الأمور التي قاموا بها:
أ- مساعدة المؤمنين في قتال الكفار:
1- قال الله جل وعلا: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9].
عن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض))، فما زال يهتف بربه ماداً يديه مُستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ}، فأمده الله بالملائكة.
قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجلٍ من المُشركين أمامه إذ سمع ضربةً بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزُوم، فنظر إلى المُشرك أمامه فخر مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خُطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط، فاخضرَّ ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة))، فقتلوا يومئذ سبعين. وأسروا سبعين.
قال ابن جرير الطبري: "ومعنى قوله: {تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} تستجيرون به من عدوكم، وتدعونه للنصر عليهم، {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} يقول: فأجاب دعاءكم بأنيِّ ممدّكم بألف من الملائكة يُرْدِف بعضهم بعضاً، ويتلو بعضهم بعضاً".
وقال القرطبي: "الناس الذين قاتلوا يوم بدر أُردِفوا بألفٍ من الملائكة، أي: أُنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار".
وقال السعدي: "أي: اذكروا نعمة الله عليكم، لما قارب التقاؤكم بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم، {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، وأغاثكم بعدة أمور، منها أن الله أمدكم {بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ}، أي: يردف بعضهم بعضاً".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال سبحانه في قصة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ...}، فوعدهم بالإمداد بألف وعداً مطلقاً، وأخبر أنه جعل إمداد الألف بشرى ولم يقيده... فإن البشرى بها عامة، فيكون هذا كالدليل على ما روي من أن ألف بدرٍ باقية في الأمة، فإنه أطلق الإمداد والبشرى وقدم (به) على (لكم) عناية بالألف".
2- وعن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقيِّ، عن أبيه، وكان أبوه من أهل بدرٍ، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدرٍ فيكم؟ قال: ((من أفضل المسلمين)) أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة.
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: ((هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب)).
ب- بُشْرى للمؤمنين وتطمين وتثبيت لقلوبهم:
1- قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:10].(/1)
قال ابن كثير: "أي: وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إيَّاكم بهم {إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}، وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم، {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} أي: بدون ذلك".
وقال الشوكاني: "والضمير في {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ} راجع إلى الإمداد، المدلول عليه بقوله: {أَنّي مُمِدُّكُمْ}. وقولة: {إِلاَّ بُشْرَى} أي: إلاَّ بشارةً لكم بنصره. {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} أي: بالإمداد".
وقال السعدي: "{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ} أي: إنزال الملائكة، {إِلاَّ بُشْرَى} أي: لتستبشر بذلك نفوسكم، {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}، وإلاَّ فالنصر بيد الله، ليس بكثرة عدد ولا عُددٍ".
2- وقال الله تعالى: {إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ} [الأنفال:12].
قال البغوي: "{إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ}، الذين أمدَّ بهم المؤمنين، {أَنّي مَعَكُمْ}، بالعون والنصر، {فَثَبّتُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: قوُّوا قلوبهم. قيل: ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم، أي: ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين. وقال مقاتل: أي بشروهم بالنصر، وكان الملك يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول: أبشروا فإن الله ناصركم".
وقال ابن كثير: "هذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ليشكروه عليها، وهو أنه تعالى وتقدس وتبارك وتمجد أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المؤمنين، يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبتوا الذين آمنوا".
وقال السعدي: "وأغاثكم بعدة أمور، ومن ذلك أن الله أوحى إلى الملائكة {أَنّي مَعَكُمْ} بالعون والنصر والتأييد، {فَثَبّتُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: ألقوا في قلوبهم وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله".
الثانية: غزوة أحد:
ومن الأمور التي قاموا بها:
أ- بشارةٌ للمؤمنين وتطمين قلوبهم:
قال الله جل وعلا: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران:126].
قال الطبري: "يعني تعالى ذكره: وما جعل الله وعده إياكم ما وعدكم من إمداده إياكم بالملائكة الذين ذكر عددهم {إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ}، يعني: بشرى يبشركم بها، {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ}، يقول: وكي تطمئن بوعده الذي وعدكم من ذلك قلوبكم، فتسكن إليه، ولا تجزع من كثرة عدد عدوكم وقلة عددكم. {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} يعني: وما ظفركم إن ظفرتم بعدوكم إلا بعون الله، لا من قبل المدد الذي يأتيكم من الملائكة، يقول: فعلى الله فتوكلوا، وبه فاستعينوا، لا بالجموع وكثرة العدد، فإنَّ نصركم إن كان إنما يكون بالله وبعونه ومعكم من ملائكته خمسة آلاف، فإنه إلى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم على عدوكم وإن كان معكم من البشر جموع كثيرة أخرى. فاتقوا الله، واصبروا على جهاد عدوكم، فإن الله ناصركم عليهم".
وقال القرطبي: "نزول الملائكة سبب من أسباب النصر لا يحتاج إليه الرب تعالى، وإنما يحتاج إليه المخلوق فَلْيعلق القلب بالله وليثق به، فهو الناصر بسبب وبغير سبب".
وقال ابن كثير: "أي: وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً، وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم".
ب- قتالهم عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين، عليهما ثيابٌ بيضٌ، يقاتلان عنه كأشدّ القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد. يعني: جبريل وميكائيل عليهما السلام.
قال القاضي عياض: "فيه كرامة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وكرامة الأولياء بذلك، واستحسان الناس البياض، وتقوية قلوب المؤمنين بما أراهم الله من ذلك، ورعب لقلوب المشركين".
وقال النووي: "فيه بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافاً لمن زعم اختصاصه، فهذا صريح في الرد عليه".
الثالثة: غزوة الأحزاب:
قال الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9].
قال مجاهد: "وقوله: {وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا}، قال: الملائكة ولم تقاتل يومئذ".
وقال قتادة: "{وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} يعني: الملائكة".(/2)
وقال المفسرون: "بعث الله تعالى عليهم الملائكة، فقلَّعت الأوتاد، وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وأرسل الله عليهم الرُّعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر، حتى كان سيّدُ كل خباء يقول: يا بني فلان هُلُمّ إليَّ، فإذا اجتمعوا قال لهم: النجاء النجاء؛ لما بعث الله تعالى عليهم من الرعب".
وقال ابن القيم: "وجند الله من الملائكة يزلزلونهم، ويُلقون في قلوبهم الرُّعب والخوف، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحال، وقد تهيّؤوا للرحيل، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره برحيل القوم".
وقال ابن كثير: "قوله: {وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} هم الملائكة، زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف".
2- المجاهدون الصادقون:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173].
قال ابن جرير: "قوله: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} يقول: وإن حزبنا وأهل ولايتنا لهم الغالبون، يقول: لهم الظفر والفلاح على أهل الكفر بنا والخلاف علينا".
أسلم أبو سفيان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحضر العباس رضي الله عنه، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عباس، حبِّسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمرّ به جنود الله فيراها)). قال العباس: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه. قال: ومرّت به القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء؟ فأقول: سُليم، فيقول: ما لي ولسليم؟ قال: ثم تمر القبيلة، قال: من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل؛ لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان، فيقول: ما لي ولبني فلان؟ حتى مرّ رسول الله في كتيبته الخضراء فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان الله! من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قِبل ولا طاقة، والله ـ يا أبا الفضل ـ لقد أصبح مُلك ابن أخيك الغداة عظيما، قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم إذا، قلت: النجاء إلى قومك. قال: فخرج حتى إذا جاءهم؛ صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قِبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الدسم الأحمش قبح من طليعة قوم، قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاء ما لا قِبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: ويلك وما تغني دارك؟! قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
وعن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق)). قال ابن حوالة: خِر لي ـ يا رسول الله ـ إن أدركت ذلك؟ فقال: ((عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله)).
3- الريح:
1- قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ X تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِين} [الأحقاف:24، 25].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه، فرأوه سحاباً عارضاً في ناحية من نواحي السماء {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}، والعرب تسمي السحاب الذي يُرى في بعض أقطار السماء عشيا ثم يصبح من الغد قد استوى وحبا بعضه إلى بعض عارضاً، وذلك لعرضه في بعض أرجاء السماء حين نشأ... {قَالُواْ هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}، ظناً منهم برؤيتهم إياه أنَّ غيثاً قد أتاهم يَحيون به، فقالوا: هذا الذي كان هودٌ يعدنا، وهو الغيث. وقوله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ}، يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل نبيه صلى الله عليه وسلم هود لقومه ـ لما قالوا له عند رؤيتهم عارض العذاب قد عرض لهم في السماء: هذا عارض ممطرنا نحيا به ـ: ما هو عارض غيث، ولكنه عارض عذاب لكم، {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ} أي: هو العذاب الذي استعجلتم به، فقلتم: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.(/3)
{رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} والريح مكرَّرة على ما في قوله: {هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ}، كأنه قيل: بل هو ريح فيها عذاب أليم. وقوله: {تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا} يقول تعالى ذكره: تخرّب كل شيءٍ، وترى بعضه على بعض فتهلكه. وإنما عنى بقول: {تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا} مما أرسلت بهلاكه؛ لأنها لم تدمر هوداً ومن كان آمن به.
قوله: {فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} يقول: فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا، فلا يُرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها.
قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} يقول تعالى ذكره: كما جزينا عاداً بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا، فأهلكناهم بعذابنا، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا، إذ تمادوا في غيهِّم وطغوا على ربهم".
وقال المفسرون: "كان المطر قد حُبس عن عاد، فساق الله إليهم سحابةً سوداء، فلما رأوها فرحوا و{قَالُواْ هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}، فقال لهم هود: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ}، ثم بيَّن ما هو فقال: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فنشأت الريح من تلك السحابة، {تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء}، أي: تُهْلك كل شيءٍ مرت به من الناس والدواب والأموال".
وقال القرطبي: "والريح التي عُذِّبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه".
وقال السعدي: "أرسل الله عليهم العذاب العظيم، وهي الريح التي دمرتهم وأهلكتهم، ولهذا قال: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} أي: العذاب، {عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}، أي: معترضاً كالسحاب، قد أقبل على أوديتهم التي تسيل فتسقي نوابتهم، ويشربون من آبارها وغُدْرانها، {قَالُواْ} مستبشرين: {هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} أي: هذا السحاب سيمطرنا، قال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ} أي: هذا الذي جنيتم به على أنفسكم حيث قلتم: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
قوله: {تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء} تمر عليه من شدتها ونحسها. فسلطها الله عليهم {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}.
قوله: {بِأَمْرِ رَبّهَا} أي: بإذنه ومشيئته. {فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}، قد تلفت مواشيهم وأموالهم وأنفسهم. {كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} بسبب جرمهم وظلمهم".
2- وقال الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} [الأحزاب:9].
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: ((نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا)). قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله عز وجل بالريح.
وقال مجاهد: "قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً}، قال: ريح الصبا أُرسلت على الأحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم".
وقال الطبري: "يقول تعالى ذكره: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} التي أنعمها على جماعتكم، وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق، {إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ} يعني: جنود الأحزاب قريش وغطفان ويهود بني النضير، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً}، وهي فيما ذكر: ريح الصبَّا".
وقال القرطبي: "وكانت هذه الريح معجزةً للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا قريباً منها، لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق، وكانوا في عافيةٍ منها، ولا خبر عندهم بها".
وقال ابن تيمية: "وكان عام الخندق برد شديد، وريح شديدة منكرة، بها صرف الله الأحزاب عن المدينة، كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا}".
وقال ابن القيم: "وأرسل الله على المشركين جُنداً من الريح، فجعلت تُقوِّض خيامهم، ولا تدعُ لهم قِدراً إلا كفأتها، ولا طُنُباً إلا قَلَعتْه، ولا يقرُّ لهم قرار".
3- عن عائشة رضي الله عنه الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مُستجمعاً ضاحكاً حتَّى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم. قالت: وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف ذلك في وجهه، فقالت: يا رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عَرَفْتُ في وجهك الكراهية، قالت: فقال: ((يا عائشة، ما يؤقِّنني أن يكون فيه عذابٌ، قد عُذّب قومٌ بالرِّيح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا})).
قال الكرماني: "و((عذب قوم)) أي: عاد، حيث أُهْلِكوا بريح صرصر".(/4)
وقال أبو الطيب آبادي: "هم عاد قوم هود، حيث أُهلِكوا بريح صرصرٍ".
4- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نُصرتُ بالصَّبا، وأهْلكِتْ عادٌ بالدَّبُور)).
قال ابن بطال: "وفيه الإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها".
وقال المظهر: "الصَّبا: الريح التي تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة. والدَّبُور: هي التي تجيء من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضاً. روي أن الأحزاب لما حاصروا المدينة يوم الخندق هبت ريح الصَّبَا، وكانت شديدة، فقلَّعت خيامهم، وألقى الله تعالى في قلوبهم الخوف، فهربوا، وكان ذلك فضلاً من الله تعالى، ومعجزةً لرسوله صلى الله عليه وسلم. وأما الدَّبُور: فأهلكت قوم عاد، وقصتهم مشهورة".
وقال الحافظ ابن حجر: "ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يُسلموا سَلَّط عليهم الصَّبا، فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة، ومع ذلك فلم تهلك منهم أحداً، ولم تستأصلهم".
وقال أيضاً: "قوله: ((نصرت بالصبا)) يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى في قصة الأحزاب: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا}".
4- الصَّيحة:
قال الله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: وأصاب الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله، من عقر ناقة الله وكفرهم به، {الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، قد جَثَّمتهم المنايا، وتركتهم خموداً بأفنيتهم".
وقال القرطبي: "أي: في اليوم الرابع صِيح بهم فماتوا، وذُكِّر لأن الصيحة والصِّياح واحد. قيل: صحية جبريل، وقيل: صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شيء في الأرض، فتقطعت قلوبهم وماتوا".
وقال ابن كثير: "جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس في ساعة واحدة، {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، أي: صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحد، لا صغير ولا كبير، لا ذكر ولا أنثى".
5- الحجارة:
قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ وَمَا هِى مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82، 83].
قال مجاهد: "أخذ جبريل عليه السلام قوم لوط من سَرْحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم أكفأهم. قال: فلم يصب قوماً ما أصابهم، إن الله طمس على أعينهم، ثم قلب قريتهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل".
وقال قتادة: "بلغنا أن جبريل عليه السلام، أخذ بعُروة القرية الوسطى، ثم ألوى بها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم، ثم دمَّر بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعهم الحجارة".
وقال ابن جرير الطبري: "يقول تعالى ذكره: ولما جاء أمرنا بالعذاب، وقضاؤنا فيهم بالهلاك، {جَعَلْنَا عَالِيَهَا} يعني: عالي قريتهم {سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} يقول: وأرسلنا عليها {حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ}، حجارة من طين، صفة ذلك الطين أنه نُضد بعضه إلى بعض، فَصُيِّر حجارةً، ولم يُمْطروا الطين".
وقال الشوكاني: "{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: الوقت المضروب لوقوع العذاب فيه {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أي: عالي قرى قوم لوط سافلها، والمعنى: أنه قلبها على هذه الهيئة، وهي كون عاليها صار سافلها، وسافلها صار عاليها، وذلك لأن جبريل أدخل جناحه تحتها فرفعها من تخوم الأرض، حتى أدناها من السماء، ثم قلبها عليهم، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ}".
وقال السعدي: "{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} بنزول العذاب وإحلاله فيهم، {جَعَلْنَا} ديارهم {عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أي: قلبناها عليهم، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} أي: من حجارة النار الشديدة الحرارة، {مَّنْضُودٍ} أي: متتابعة تتبع من شذّ عن القرية، {مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ} أي: معلمة عليها علامة العذاب والغضب، {وَمَا هِي مِنَ الظَّالِمِينَ} الذين يشابهون لفعل قوم لوط {بِبَعِيدٍ}، فليحذر العباد أن يفعلوا كفعلهم لئلا يصيبهم ما أصابهم".
6- الطير:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} [الفيل:1-5].(/5)
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى بها {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة، ورئيسهم أبرهة الحبشي الأشرم، {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ} يقول: ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة {فِي تَضْلِيلٍ} يعني: في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها.
وقوله: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} يقول تعالى ذكره: وأرسل عليهم ربك طيراً متفرّقة يتبع بعضها بعضاً من نواح شتى، وهي جماع لا واحد لها.
وقوله: {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ} يقول تعالى ذكره: ترمي هذه الطير الأبابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل بحجارةٍ من سجيل.
وقوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ}، يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدوابُّ فراثته، فيبس وتفرَّقت أجزاؤه، شبَّه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم وتفرّق آراب أبدانهم بها بتفرّق أجزاء الروث الذي حدث عن أكل الزرع".
وقال الشوكاني: "{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ} أي: ألم يجعل مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة واستباحة أهلها في تضليل عما قصدوا إليه، حتى لم يصلوا إلى البيت، ولا إلى ما أرادوه بكيدهم. والهمزة للتقرير، كأنه قيل: قد جعل كيدهم في تضليل. والكيد: هو إرادة المضرة بالغير، لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشاً بالقتل والسبي، ويكيدوا البيت الحرام بالتخريب والهدم".
وقال السعدي: "أي: أما رأيت من قدرة الله وعظيم شأنه، ورحمته بعباده، وأدلة توحيده، وصدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ما فعله الله بأصحاب الفيل، الذين كادوا بيته الحرام وأرادوا إخرابه، فتجهزوا لأجل ذلك، واستصحبوا معهم الفيلة لهدمه، وجاؤوا بجمع لا قبل للعرب به، من الحبشة واليمن، فلما انتهوا إلى قرب مكة، ولم يكن بالعرب مدافعة، وخرج أهل مكة من مكة خوفاً على أنفسهم منهم، أرسل الله عليهم طيراً أبابيل أي: متفرقة، تحمل حجارة محماة من سجيل، فرمتهم بها، وتتبعت قاصيهم ودانيهم، فخمدوا وهمدوا، وصاروا كعصف مأكول، وكفى الله شرهم، ورد كيدهم في نحورهم".
7- المطر:
1- أنزله الله لإهلاك قوم:
قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11-12].
قال سفيان: فجرنا الأرض الماءَ وجاء من السماء، {فَالْتَقَى المَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}، قال: ماء السماء والأرض، وإنما قيل: فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر، والالتقاء لا يكون من واحد، وإنما يكون من اثنين فصاعداً؛ لأن الماء قد يكون جمعاً وواحداً، وأريد به في هذا الموضع مياه السماء ومياه الأرض، فخرج بلفظ الواحد، ومعناه الجمع. وقيل: التقى الماء على أمرٍ قد قُدر، لأن ذلك كان أمراً قد قضاه الله في اللوح المحفوظ.
وقال البغوي: "مُنْصَبّ انصباباً شديداً".
وقال القاسمي: "أي: متدفق، تدفق المطر من السحاب، فانصاب أنهار، انفتحت لها أبواب السماء، وشق لها أديم الخضراء. {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً} أي: وجعلنا الأرض كلها عيونا تتفجر. {فَالْتَقَى المَاء} أي: ماء السماء وماء الأرض {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي: على حالٍ قدَّره الله وقضاه، وهو هلاك قوم نوح".
وقال السعدي: "{فَفَتَحْنَا أَبْوابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} أي: كثيرٍ جداً متتابع، {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً}، فجعلت السماء ينزل منها من الماء شيء خارق للعادة، وتفجرت الأرض كلها، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلاً عن كونه منبعاً للماء؛ لأنه موضع النار، {فَالْتَقَى المَاء} أي: ماء السماء والأرض {عَلَى أَمْرٍ} من الله له بذلك، {قَدْ قُدِرَ} أي: قد كتبه الله في الأزل وقضاه، عقوبةً لهؤلاء الظالمين الطاغين".
2- أنزله الله تطهيراً وتثبيتاً للمؤمنين:
قال الله تعالى: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السَّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَامَ} [الأنفال:11].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (غلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمئ المسلمون وصلَّوا مجنبين محدثين، وكان بينهم رمال، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن، فقال: تزعمون أن فيكم نبياً، وأنكم أولياء الله، وقد غُلبتم على الماء، وتُصلون مجنبين محدثين! قال: فأنزل الله عز وجل ماءً من السماء، فسال كل وادٍ، فشرب المسلمون وتطهروا، وثبتت أقدامهم، وذهبت وسوسة الشيطان".
وقال مجاهد في قوله: {مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ}: "المطر، أنزله عليهم قبل النعاس. {رِجْزَ الشَّيْطَانِ}، قال: وسوسته، قال: فأطفأ بالمطر الغبار، والتبدت به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم".(/6)
وقال الطبري: "وأما قوله عز وجل: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السَّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ}، فإن ذلك مطرٌ أنزله الله من السماء يوم بدر ليطهر به المؤمنين لصلاتهم، لأنهم كانوا أصبحوا يومئذ مجنبين على غير ماء. فلما أنزل الله عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا، وكان الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء، فأذهب الله ذلك من قلوبهم بالمطر. فذلك ربطه على قلوبهم، وتقويته أسبابهم، وتثبيته بذلك المطر أقدامهم؛ لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة ميثاء، فلبَّدها المطر، حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها، توطئةً من الله عز وجل لنبيه عليه السلام وأوليائه أسباب التمكن من عدوهم والظفر بهم".
وقال ابن القيم: "فأنزل الله عز وجل في تلك الليلة مطراً واحداً، فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلاً طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض، وصلَّب به الرمل، وثبت الأقدام، ومهَّد به المنزل، وربط به على قلوبهم".
8- الغرق:
1- الله تعالى: {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء:76، 77].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد نوحاً إذ نادى ربه من قبلك، ومن قبل إبراهيم ولوط، وسألنا أن نهلك قومه الذين كذبوا الله فيما توعدهم به من وعيده، وكذبوا نوحاً فيما أتاهم به من الحقّ من عند ربه، {وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً}، فاستجبنا له دعاءه، ونجيناه وأهله، يعني بأهله أهل الإيمان من ولده وحلائلهم، {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات:76]، يعني بالكرب العظيم العذاب الذي أحل بالمكذبين من الطوفان والغرق والكرب شدّة الغم... وقوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا} [الأنبياء:75]، يقول: ونصرنا نوحاً على القوم الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا، فأنجيناه منهم، فأغرقناهم أجمعين".
2- ل تعالى: {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} [الشعراء:65، 66].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: وأنجينا موسى مما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق في البحر، ومن مع موسى من بني إسرائيل أجمعين، وقوله: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} يقول: ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط في البحر، بعد أن أنجينا موسى منه ومن معه".
وقال ابن كثير: "أي: أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم، فلم يهلك منهم أحد. وأغرق فرعون وجنوده، فلم يبعد منهم رجل إلا هلك".
9- الرُعب والخوف:
1- قال الله تعالى: {سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: سأرعبُ قلوب الذين كفروا بي ـ أيها المؤمنون ـ منكم، وأملؤها فرَقاً حتى ينهزموا عنكم، {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأعْنَاقِ}".
وقال القاسمي: "{سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} أي: الخوف".
وقال السعدي: "{سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} الذي هو أعظم جند لكم عليهم، فإن الله إذا ثبّت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين لم يقدر الكافرون على الثبات لهم، ومنحهم الله أكتافهم".
2- وقال تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر:2].
قال ابن كثير: " أي: الخوف والهلع والجزع، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نصر بالرعب مسيرة شهر صلوات الله وسلامه عليه؟!".
وقال القاسمي: "{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} أي: أنزله إنزالاً شديداً فيها، لدلالة مادة (القذف) عليه، كأنه مقذوف الحجارة".
وقال السعدي: "وهو الخوف الشديد، الذين هو جند الله الأكبر، الذي لا ينفع معه عدد ولا عدة، ولا قوة ولا شدة، فالأمر الذي يحسبونه ويظنون أن الخلل يدخل عليهم منه إن دخل هو الحصون التي تحصنوا بها، واطمأنت نفوسهم إليها، ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال، فأتاهم أمر سماوي نزل على قلوبهم التي هي محل الثبات والصبر أو الخور والضعف، فأزال الله قوتها وشدتها، وأورثها ضعفاً وخوراً وجبناً، لا حيلة لهم ولا منعة معه، فصار ذلك عوناً عليهم".
3- وقال تعالى: {سَنُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ} [آل عمران:151].(/7)
قال السدي: "لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق، ثم إنهم ندموا فقالوا: بئس ما صنعتم، إنكم قتلتموهم، حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم، ارجعوا فاستأصلوهم، فقذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب فانهزموا. فلقوا أعرابياً، فجعلوا له جُعلاً وقالوا له: إن لقيت محمداً فأخبره بما قد جمعنا لهم. فأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد، فأنزل الله عز وجل في ذلك، فذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما قُذف في قلبه من الرعب فقال: {سَنُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ}".
وقال الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: سيلقى الله ـ أيها المؤمنون ـ {فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ} بربهم وجحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ممن حاربكم بأحد {الرُّعْبَ}، وهو الجزع والهلع {بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ}، يعني: بشركهم بالله وعبادتهم الأصنام، وطاعتهم الشيطان التي لم أجعل لهم بها حجة، وهي السلطان التي أخبر عن وجل أنه لم ينزله بكفرهم وشركهم. وهذا وعدٌ من الله جل ثناؤه أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر على أعدئهم، والفلج عليهم، ما استقاموا على عهده، وتمسكوا بطاعته".
4- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أُعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نُصرت بالرُّعب مسيرة شهرٍ...)).
قال ابن حجر: "قوله: ((نصرت بالرعب)) مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، والظاهر اختصاصه به مطلقاً، وإنما جعل الغاية شهراً، لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق، حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده فيه احتمال".
وقال المناوي: "((نصرت بالرعب)) أي: بخوف العدو مني، يعني بسببه، وهو الذي قطَّع قلوب أعدائه، وأخمد شوكتهم، وبدد جموعهم".
10- النُّعاس:
1- قال الله تعالى عن يوم بدر: {إِذْ يُغَشّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ} [الأنفال:11].
قال الطبري: "يعني بقوله: {يُغَشّيكُمُ النُّعَاسَ}، يلقي عليكم النعاس، {أَمَنَةً} يقول: أماناً من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم، وكذلك النعاس في الحرب أمنة من الله عز وجل".
وقال ابن كثير: "يُذكِّرهم الله تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم، أماناً أمَّنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم".
وقال السعدي: "ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنزل عليكم نعاساً، {يُغَشّيكُمُ} أي: فيُذْهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون {أَمَنَةً} لكم، وعلامةً على النصر والطمأنينة".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُصلي تحت شجرةٍ، ويبكي حتى أصبح.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (النُّعاس في القتال أمنةٌ من الله عز وجل، وفي الصلاة من الشيطان).
2- وقال تعالى عن يوم أحد: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مّنْكُمْ} [آل عمران:154].
قال الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: ثم أنزل الله ـ أيها المؤمنون ـ من بعد الغم الذي أثابكم ربكم بعد غم تقدمه قبله، {أَمَنَةً} وهي الأمان على أهل الإخلاص منكم واليقين، دون أهل النفاق والشك".
وقال ابن كثير: "يقول تعالى ممتناً على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة، وهو النعاس الذي غشيهم، وهم مشتملون السلاح في حال همِّهم وغمِّهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان".
وقال السعدي: "{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الْغَمّ} الذي أصابكم، {أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مّنْكُمْ}، ولا شك أن هذا رحمة بهم، وإحسان وتثبيت لقلوبهم، وزيادة طمأنينة؛ لأن الخائف لا يأتيه النعاس، لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس. وهذه الطائفة التي أنعم الله بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم همٌّ إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين".
وقال أبو طلحة رضي الله عنه: غشينا النُّعاس، ونحن في مصافِّنا يوم أُحدٍ. قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه.
وقال المسور بن مخرمة رضي الله عنه: سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله عز وجل: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً}، قال: أُلقي علينا النوم يوم أحد.
11- الآيات التي أرسلها الله على قوم فرعون:
قال الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءايَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} [الأعراف:133].(/8)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أُرسل على قوم فرعون الآيات: الجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات).
وقال محمد بن إسحاق: "فرجع عدو الله، يعني: فرعون، حين آمنت السحرة، مغلوباً مفلولاً، ثم أبى إلا الإقامة عل الكفر والتمادي في الشر، فتابع الله عليه بالآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، آيات مفصلات".
أ- الطوفان:
قال الطبري: "اختلف أهل التأويل في معنى {الطُّوفَانَ}:
فقال ابن عباس والضحاك ومجاهد وأبو مالك: الماء.
وقال عطاء وعائشة ومجاهد وعبد الله بن كثير: الموت.
وقال ابن عباس على ما رواه عنه أبو ظبيان: إنه أمرٌ من الله طاف بهم.
والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله ابن عباس على مارواه عنه أبو ظبيان أنه أمر من الله طاف بهم، وأنه مصدر من قول القائل: طاف بهم أمر الله يطوف طُوفاناً، وإذا كان ذلك كذلك، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد، وجاز أن يكون الموت الذَّريع".
وقال القرطبي: "قوله تعالى: {الطُّوفَانَ} أي: المطر الشديد، حتى عامُوا فيه".
وقال القاسمي: "{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} أي: على آل فرعون. والطوفان لغةً: هو المطر الغالب، ويُطلق على كل حادثة تطيف بالإنسان وتحيط به. فعمَّ الطوفان الصحراء، وأتلف عُشبها، وكسر شجرها، وتواصلت الرعود والبروق، ونيران الصواعق في جميع أرض مصر".
وقال السعدي: "{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} أي: الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم، وأضرَّ بهم ضرراً كثيراً".
ب- الجراد:
قال الألوسي: "{وَالْجَرَادَ} هو المعروف، واحده جرادة، سمي به لجرده ما على الأرض، وهو جندٌ من جنود الله تعالى يسلطه على من يشاء من عباده".
وقال القاسمي: "فأكل جميع عشب أرض مصر والثمر، مما تركه الطوفان، حتى لم يبق شيء من ثمره ولا خضره في الشجر، ولا عشبٌ في الصحراء".
وقال السعدي: "فأكل ثمارهم وزروعهم ونباتهم".
وعن أبي زهير النمري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقتلوا الجراد؛ فإنه جند من جنود الله الأعظم)).
قال الملا علي القاري: "قوله: ((أكثر جنود الله)) أي: هو أكثر جنوده تعالى من الطيور، فإذا غضب على قومٍ أرسل عليهم الجراد ليأكل زرعهم وأشجارهم، ويُظهر فيهم القحط، إلى أن يأكل بعضهم بعضاً فيفنى الكل، وإلا فالملائكة أكثر الخلائق على ما ثبت في الأحاديث، وقد قال عز وجل في حقهم: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر:31]".
ج- القُمَّلُ:
قال السدي: "فبعث الله عليهم الدَّبى وهو القمل، فلحس الأرض كلها، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضُّه، وكان لأحدهم الطعام فيمتلئ دَبىً، حتى إن أحدهم ليبني الأسطوانة بالجصّ، فيزلِّقُها حتى لا يرتقي فوقها شيء، يرفع فوقها الطعام، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دَبىً، فلم يُصابوا ببلاء كان أشدَّ عليهم من الدبى".
وقال القاسمي: "فعمَّ أرض مصر، وكان على الناس والبهائم".
د- الضفادع:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأ بيوتهم منها، ولقُوا منها أذىً شديداً لم يلقوا مثله فيما كان قبله، أنها كان تثبت في قدورهم، فتفسد عليهم طعامهم، وتطفي نيرانهم".
وقال القاسمي: "فصعدت من الأنهار والخليج والمناقع، وغطَّت أرض مصر".
وقال السعدي: "فملأت أوعيتهم، وأقلقتهم، وآذتهم أذيةً شديدة".
هـ- الدم:
قال مجاهد: "الجراد يأكل زروعهم ونباتهم، والضفادع تسقط على فروشهم وأطعمتهم، والدم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم".
وقال محمد بن إسحاق: "فأرسل الله عليهم الدم، فصارت مياه آل فرعون دماً، لا يسقون من بئرٍ ولا نهرٍ، ولا يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً".
وقال القاسمي: "فصارت مياه مصر جميعها دماً عبيطاً، ومات السمك فيها، وأنتنت الأنهار، ولم يستطع المصريون أن يشربوا منها شيئاً، {ءايَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ} أي: لا يُشكل على عاقل أنها آيات الله تعالى ونقمته".
وقال السعدي: "والدم إما أن يكون الرعاف، أو كما قال كثير من المفسرين: إن ماءهم الذي يشربون انقلب دماً، فكانوا لا يشربون إلا دماً، ولا يطبخون إلا بدم، {ءايَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ} أي: أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين".
12- البعوض:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِى رِبّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ رَبّيَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].(/9)
قال زيد بن أسلم: "أول جبار كان في الأرض نمرود، فكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار، فإذا مر به ناس قال: من ربكم؟ قالوا: أنت، حتى مرّ إبراهيم قال: من ربك؟ قال: الذي يُحيي ويميت؟ قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبُهت الذي كفر. قال: فرده بغير طعام. قال: فرجع إبراهيم إلى أهله، فمر على كثيب أعفر، فقال: ألا آخذ من هذا، فآتي به أهلي، فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم؟! فأخذ منه فأتى أهله. قال: فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته، فإذا هي بأجود طعام رآه أحد، فصنعت له منه فقربته إليه، وكان عهد أهله ليس عندهم طعام، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئت به، فعلم أن الله رزقه، فحمد الله.
ثم بعث الله إلى الجبار ملكاً: أن آمن بي وأتركك على ملكك، قال: وهل ربٌ غيري؟! فجاءه الثانية فقال له ذلك، فأبى عليه. ثم أتاه الثالثة فأبى عليه، فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام، فجمع الجبار جموعه، فأمر الله الملك ففتح عليه باباً من البعوض، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم وشربت دماءهم، فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره، فمكث أربعمائة سنة يُضرب رأسه بالمطارق، وأرحمُ الناس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه، وكان جباراً أربعمائة عام، فعذبه الله أربعمائة سنة كمُلكه، وأماته الله. وهو الذي بنى صرحاً إلى السماء، فأتى الله بنيانه من القواعد، وهو الذي قال الله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مّنَ الْقَوَاعِدِ}".
13- الكلمة القوية المؤثرة:
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اهجوا قريشا، فإنه أشد عليها من رشق بالنبل))، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: ((اهجهم))، فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسِلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينّهم بلساني فريَ الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تعجل فإنّ أبا بكر أعلمُ قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا حتى يلخّص لك نسبي))، فأتاه حسّان ثم رجع فقال: يا رسول الله، قد لخّص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنّك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: ((إن روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن الله ورسوله)) وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هجاهم حسان فشفى واشتفى))، قال حسان:
هجوتَ محمدا فأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاء
هجوتَ محمدا بَرّا حنيفا رسول الله شيمتُه الوفاء
فإنّ أبي ووالدَه وعِرضي لعرض محمّد منكم وِقاء
ثكلت بنيّتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنّة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء
تظلّ جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم يعزّ الله فيأه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد يسرت جندا هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معدّ سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء
قال محمد بن تمام: "الكلام جند من جنود الله، ومثله مثل الطين، تضرب به الحائط فإن استمسك نفع، وإن وقع أثّر".
وصلى الله على محمد وآله وسلم،،،
الوسيط في تفسير القرآن المجيد (4/385)، معالم التنزيل (8/271)، فتح القدير (5/463).
الجامع لأحكام القرآن (19/82).
تيسير الكريم الرحمن (ص 897).
أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم (1763).
جامع البيان (13/409).
الجامع لأحكام القرآن (7/370-371).
تيسير الكريم الرحمن (ص 316).
الفتاوى (15/37-38).
أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: شهود الملائكة بدراً (3992).
أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: شهود الملائكة بدراً (3995).
تفسير القرآن العظيم (2/302).
فتح القدير (2/422).
تيسير الكريم الرحمن (ص 316).
معالم التنزيل (3/334).
تفسير القرآن العظيم (2/304).
تيسير الكريم الرحمن (ص 316).
جامع البيان (7/190-191).
الجامع لأحكام القرآن (4/195).
تفسير القرآن العظيم (1/411). وانظر: تيسير الكريم الرحمن (ص 146).
أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: {إذ همَّتْ طائفتان منكم أن تفشلا..} (4054)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب: في قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد (2306) واللفظ له.
إكمال المعلم (7/270).
شرح صحيح مسلم (15/66).
أخرجه الطبري في جامع البيان (20/216).
أخرجه الطبري في جامع البيان (20/216).(/10)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن (14/144).
زاد المعاد (3/274).
تفسير القرآن العظيم (3/479).
جامع البيان (23/114).
أخرجه ابن اسحاق في السيرة (4/17)، والطبراني في الكبير (8/10) واللفظ له، والطبري في تاريخه (3/114) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3341)، وأصل القصة في البخاري كتاب المغاري (4280).
أخرجه أحمد (4/110)، وأبو داود في الجهاد، باب: في سكنى الشام (2483)، والطبراني في مسند الشاميين (1172)، وصححه الضياء المقدسي في المختارة (9/272)، وابن القيم في إعلام الموقعين (4/408)، والألباني في فضائل الشام (2).
جامع البيان (22/127) وما بعدها، بتصرف. وانظر: معالم التنزيل (7/263).
ينظر: زاد المسير (7/140)، وفتح القدير (5/24).
الجامع لأحكام القرآن (16/206). وانظر: تفسير القرآن العظيم (4/173).
تيسير الكريم الرحمن (ص 782) بتصرف.
أخرجه أحمد (313) واللفظ له، وابن جرير الطبري (20/214)، قال الهيثمي في المجمع (10/136): "رواه أحمد والبزار، وإسناد البزار متصل، ورجاله ثقات، وكذلك رجال أحمد، إلا أن في نسختي من المسند عن ربيع بن أبي سعيد، عن أبيه وهو في البزار، عن أبيه، عن جده". وحسنه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه على المسند (22/10)، والألباني في مشكاة المصابيح (2390).
أخرجه الطبري في جامع البيان (20/216).
جامع البيان (20/214).
الجامع لأحكام القرآن (14/144).
مجموع الفتاوى (28/445).
زاد المعاد (3/274).
أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: قوله: {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم} (4829)، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب: التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح (899) واللفظ له.
شرح البخاري (9/91).
عون المعبود (14/4).
قال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/328): "الصَّبَا مقصور: الريح الشرقية، والدَّبُور بفتح الدال: الغربية".
أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نصرت)) (1035) واللفظ له، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب: في ريح الصَّبَا والدَّبُور (900).
شرح البخاري (3/25).
ينظر: شرح الطيبي (3/280).
فتح الباري (2/605).
فتح الباري (2/348).
جامع البيان (15/380).
الجامع لأحكام القرآن (9/61).
تفسير القرآن العظيم (2/239). وانظر: فتح القدير (2/735)، وتيسير الكريم الرحمن (ص 385).
جامع البيان (15/440، 441).
جامع البيان (15/441).
جامع البيان (15/432، 435)، وانظر: تفسير القرآن العظيم (2/471).
فتح القدير (2/744).
تيسير الكريم الرحمن (ص 386-387).
جامع البيان (24/605) وما بعدها. وانظر: معالم التنزيل (8/535-541)، والجامع لأحكام القرآن (187-198).
فتح القدير (5/705). وانظر: تفسير القرآن العظيم (4/587-591).
تيسير الكريم الرحمن (ص 934-935).
جامع البيان (22/578).
معالم التنزيل (7/428). وانظر: زاد المسير (7/245)، تفسير القرآن العظيم (4/282-283).
محاسن التأويل (15/266-267). وانظر: فتح القدير (5/174).
تيسير الكريم الرحمن (ص 825).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/425).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/425).
جامع البيان (13/421).
زاد المعاد (3/175).
جامع البيان (18/473-474) بتصرف. وانظر: تفسير القرآن العظيم (3/194)، وتيسير الكريم الرحمن (ص 527-528).
جامع البيان (19/360).
تفسير القرآن العظيم (3/349).
جامع البيان (13/429).
محاسن التأويل (8/21).
تيسير الكريم الرحمن (ص 316).
تفسير القرآن العظيم (4/355).
محاسن التأويل (16/94-95).
تيسير الكريم الرحمن (ص 849).
أخرجه الطبري في جامع البيان (7/280).
جامع البيان (7/279). وانظر: الجامع لأحكام القرآن (4/232)، وفتح القدير (1/586)، وتيسير الكريم الرحمن (ص 151).
جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب التيمم، باب: وقول الله تعالى: {فلم تجدوا ماء..}، (335) واللفظ له، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (521).
فتح الباري (1/437) بتصرف يسير.
فيض القدير (1/564).
جامع البيان (13/419).
تفسير القرآن العظيم (2/303).
تيسير الكريم الرحمن (ص 316). وانظر: أضواء البيان (2/310).
أخرجه أحمد (1/125، 138)، وأبو يعلى (1/242) واللفظ له، وصححه ابن خزيمة (899)، والألباني في صحيح الترغيب والترهيب (545).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/419).
جامع البيان (7/315).
تفسير القرآن العظيم (1/427).
تيسير الكريم الرحمن (ص 153).
أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: قوله: {أمنة نعاساً} (4562).
أخرجه الطبري في جامع البيان (7/318).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/62).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/63).
جامع البيان (13/49) وما بعدها بتصرف يسير. وانظر: معالم التنزيل (3/269)، وتفسير القرآن العظيم (2/250).
الجامع لأحكام القرآن (7/267).
محاسن التأويل (7/237).
تيسير الكريم الرحمن (ص 301).
روح المعاني (9/34).
محاسن التأويل (7/237).(/11)
تيسير الكريم الرحمن (ص 301).
أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (6804)، والطبراني في الأوسط (9273)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2428).
مرقاة المفاتيح (7/724).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/59).
محاسن التأويل (7/237).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/61).
محاسن التأويل (7/238).
تيسير الكريم الرحمن (ص 301).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/65).
أخرجه الطبري في جامع البيان (13/65).
محاسن التأويل (7/238).
تيسير الكريم الرحمن (ص 301).
أخرجه الطبري في جامع البيان (5/433-434)، وفي تاريخه (1/173، 325). وانظر: الجامع لأحكام القرآن (3/285)، وتفسير القرآن العظيم (1/321).
أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2490).
حلية الأولياء (10/11).(/12)
جهاد الاستشهاديين الأطهار ومنزلته في الفقه والآثار (1)
ما كنت أظن يوماً أني سأمسك القلم لأدافع عن رجال أطهار عظماء، هم من أشرف رجال هذه الأمة وأعظمهم، ولهم في الجهاد قدم صدق، رفعوا رأس الأمة عالياً في زمان ألفت الأمة فيه تنكيس الرؤوس وتوالي النكبات، ولم نعد نسمع من الأخبار السارة إلا أخبارهم، ولا نفرح إلا ببطولاتهم، ولا نفخر إلا بأعمالهم، وعاش جنرالات اليهود إلى اليوم الذي صاروا يسمعون فيه ويرون من يذيقهم سوء العذاب، ويحطم آمالهم في بقاء دولتهم المسخ، وينقض نظرية أمنهم المطلق وجيشهم الذي لا يقهر.
والعجب العجاب أن هؤلاء الأطهارَ المجاهدين الذين قلب الله تعالى بهم الأوضاع يتعرضون اليوم للوم بل التأثيم والإنكار بدعوى أن صنيعهم يخالف الشرع المطهر، ويضاد مدلول الأدلة الشريفة، فأين يُذهب بهذه الأمة؟ وكيف يكون هذا؟! وقد اطلعت على فتاوى المنكرين فوجدتها مبنية على أدلة عامة لا تدل في الحقيقة على ما ذهبوا إليه، وهم محجوجون بجملة من الأدلة منها عمل طائفة من الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح وهم أولى مَن فهم هذه الأدلة وعلم ما يُراد منها وبها، ولكني لما رأيت طائفة من الأمة تعلقت بهذه الفتاوى وصار القاعدون ينكرون على المجاهدين!! ويسفهون ما يقومون به من جميل الفعال، ولما رأيت أن اليهود أخذوا يقرعون الشباب الفلسطيني بمضمون هذه الفتاوى، لما رأيت هذا كله غرت والله على هذا الدين وعلى عبادة الجهاد التي هي ذروة السنام منه، وأحببت أن أكتب في هذا الموضوع ما أرى أنه حق، والله تعالى أعلم، ألا وهو أن هذه العمليات الاستشهادية الجهادية من أعظم القربات وأحسن أنواع الجهاد ضد هذا العدو الضال الوحشي الذي لا يرقب فينا إلاًّ ولا ذمة، وقسمت الموضوع قسمين: القسم الأول في الأدلة والآثار التي تدل بوضوح على جواز مثل هذا العمل، وقرنت بها كلام الفقهاء العظام رحمهم الله تعالى والقسم الآخر عمل طائفة من السلف ومَن تبعهم في هذا الباب المبارك.
واعتمدت في موضوعي هذا بعد الاستعانة بالله عز وجل على كتابين نفيسين أحدهما أجود وأنفس من الآخر، أما الكتاب الأجود فهو "مصارع العشاق ومشارع الأشواق"، لابن البنا الدمياطي المتوفى شهيداً سنة 814، والكتاب النفيس الآخر رسالة للعلامة شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية بعنوان: "قاعدة في الانغماس في العدو، وهل يباح؟"، وهما كتابان جديران بالقراءة والتدبر خاصة الكتاب الأول، وهما مما يشرح صدر المؤمن للحق إن شاء الله تعالى.
أما الأدلة والآثار فهي:
1 قول الله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد (207) (البقرة).
ووجه الدلالة فيها ما جاء في سبب نزولها أن صهيباً رضي الله عنه لما هاجر إلى المدينة المنورة النبوية اتبعه نفر من قريش وهو وحده فأراد قتالهم بمفرده، ثم صالحهم بعد ذلك على ماله يعطيهم إياه، فلما قدم على النبي ص قال له: ربح البيع أبا يحيى، وأثنى على صنيعة الله تبارك وتعالى في كتابه، فلو لم يكن قتاله العدو وهو منفرد وحيد، ويغلب على الظن هلاكه، أقول: لو لم يكن هذا جائزاً لما أثنى الله تعالى عليه. والله أعلم.
وقد استدل عمر رضي الله تعالى عنه بهذه الآية في حادثة مهمة جرت زمان خلافته، ورد فيها على من يقول: إن الانغماس في العدو هو تعريض النفس للهلاك وأنه لا يجوز، وهو ما يتمسك به بعض من أفتى بحرمة العمليات الاستشهادية في فلسطين، فقد روى ابن المبارك وابن أبي شيبة عن مدرك بن عوف الأحمسي واختلف في صحبته قال: كنت عند عمر رضي الله عنه إذ جاءه رسول النعمان بن مقرن الصحابي المشهور رضي الله عنه فسأله عمر عن الناس، فقال: أصيب فلان وفلان وآخرون لا أعرفهم. فقال عمر رضي الله عنه: لكن الله يعرفهم. فقال يا أمير المؤمنين، ورجل شرى نفسه، فقال مدرك بن عوف: ذاك والله خالي يا أمير المؤمنين، زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه ممن اشترى الآخرة بالدنيا.
وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى هذا بيده إلى التهلكة، فكُتب فيه إلى عمر رضي الله عنه فكَتب عمر: ليس كما قالوا، هو من الذين قال الله فيهم: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، (البقرة: 207) ففي هذا الأثر والذي قبله بيان لجواز صنيع مَن حمل على الكفار بمفرده.
وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال: جاءت كتيبة من قبل المشرق من كتائب الكفار فلقيهم رجل من الأنصار فحمل عليهم فخرق الصف حتى خرج، ثم كر راجعاً فصنع مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فإذا سعد بن هاشم يذكر ذلك لأبي هريرة رضي الله قائلاً هذه الآية: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، (البقرة: 207).(/1)
2 ذكر الله تعالى قصة طالوت وأصحابه في معرض الثناء عليهم، وقد حملوا وحدهم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً عدة أصحاب بدر وقابلوا جيشاً مؤلفاً من عشرات الآلاف، قيل: كانوا تسعين ألفاً، وقيل أكثر من ذلك، وفي ذلك هلكة بيِّنة.
3 وهذا معاذ بن عفراء رضي الله عنه يسأل النبيص: يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسراً، قال: فألقى درعاً كانت عليه وقاتل حتى قتل رضي الله عنه وغمس الرجل يده في العدو حاسراً فيه تعريض نفسه للموت المحقق، وهو يشبه ما يصنعه أبطال الجهاد في فلسطين في عملياتهم الاستشهادية.
جهاد الاستشهاديين الأطهار ومنزلته في الفقه والآثار (2) ومازلنا نستعرض الأدلة والآثار الواردة بشأن قاعدة "الانغماس في العدو":
1 فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير بإسناد عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيص قال: "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه، فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه، والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء لرقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام في السحر في ضراء وسراء"، وموضع الشاهد من هذا الدليل قوله ص: "قاتل وراءها بنفسه"، وهذا مظنة الهلكة ولكن الله تعالى يحب هذا الصنيع ويرتضيه.
2 وأخرج الإمام أحمد بسنده إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ص قال: "عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحيه إلى صلاته فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حيه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه وعلم ما عليه من الانهزام وما له في الرجوع فرجع حتى يهرق دمه، فيقول الله: انظروا إلى عبدي، رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهرق دمه".
قال ابن النحاس الدمياطي رحمه الله تعالى: ولو لم يكن في هذا الباب إلا هذا الحديث الصحيح لكفانا في الاستدلال على فضل الانغماس.(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: فهذا رجل انهزم هو وأصحابه، ثم رجع وحده فقاتل حتى قُتل، وقد أخبر النبي ص أن الله يعجب منه، وعجب الله من الشيء يدل على عظم قدره، وأنه لخروجه عن نظائره يعظم درجته ومنزلته، وهذا يدل على أن مثل هذا العمل محبوب لله مرضي، لايكتفى فيه بمجرد الإباحة والجواز حتى يقال: وإن جاز مقاتلة الرجل حتى يغلب على ظنه أن يُقتل فترك ذلك أفضل، بل الحديث يدل على أن ما فعله هذا يحبه الله ويرضاه، ومعلوم أن مثل هذا الفعل يُقتل فيه الرجل كثيراً أو غالباً.(2)
3 وروى ابن أبي شيبة والحاكم بسند صحيح إلى أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي ص: "ثلاثة يحبهم الله، فذكر أحدهم: "رجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له".
ومن أحسن ما يُردّ به على من يقول: إن العمليات الاستشهادية إلقاء بالنفس في التهلكة ما رواه أبو داود والترمذي والحاكم وغيرهم عن أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم وأكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بين عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح الناس: وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس: إنكم لتؤولون هذا التأويل، وإنما نزلت فينا الآية معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقد قال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله ص: "إن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلما أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، أنزل الله تعالى ما يرد علينا ما قلنا: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (البقرة: 195)، وكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فمازال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
فأي تفسير أحسن من هذا التفسير الذي فسر به أبو أيوب رضي الله عنه هذه الآية؟!! وهل يملك أحد بعده أن يؤول الآية خلاف تأويله؟!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وقد أنكر أبو أيوب على من جعل المنغمس في العدو ملقياً بيده إلى التهلكة دون المجاهدين في سبيل الله، ضد ما يتوهمه هؤلاء الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه فإنهم يتأولون الآية على ما فيه ترك الجهاد في سبيل الله، والآية إنما هي أمرٌ بالجهاد في سبيل الله ونهي عما يصد عنه.(3)
فإن قيل: قد قال الله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (البقرة: 195)، وإذا قاتل الرجل في موضع فغلب على ظنه أنه يُقتل فقد ألقى بيده إلى التهلكة، قيل: تأويل الآية على هذا غلط، ولهذا مازال الصحابة والأئمة ينكرون على من يتأول الآية على ذلك كما ذكرنا.(4)(/2)
وقال أيضاً رحمه الله تعالى بعد أن ذكر مزايا الشهيد وفضائله، وأن الله نهى عن تسميته ميتاً، قال: إذا كان الله نهى عن تسميته ميتاً واعتقاده ميتاً لئلا يكون منفراً عن الجهاد، فكيف يسمى الشهادة تهلكة، واسم الهلاك أعظم تنفيراً من اسم الموت، فمن قال: قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (البقرة: 195)، يُراد به الشهادة في سبيل الله، فقد افترى على الله بهتاناً عظيماً.(5).
وعن القاسم بن مخيمرة أحد أئمة التابعين وأعلامهم أنه قال في قوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (البقرة: 195) قال: التهلكة: ترك النفقة في سبيل الله، ولو حمل الرجل على عشرة آلاف لم يكن بذلك بأس.(6)
أما الفقهاء رحمهم الله تعالى فقد تكلموا عن هذه المسألة كلاماً حسناً جداً، فمن ذلك الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى حين قال: لا خلاف في أن المسلم الأحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل... لكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز، فذلك حرام، وداخل تحت عموم آية التهلكة، وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه لا يُقتل حتى يقتل، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جرأته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله، فتُكسر بذلك شوكتهم (7).
الهوامش
(1) مشارع الأشواق 1-532.
(2) قاعدة في الانغماس 54 55.
(3) المصدر السابق: 61.
(4) المصدر السابق: 59.
(5) المصدر السابق: 66.
(6) مشارع الأشواق: 1-528.
(7) المصدر السابق: 1-557.
جهاد الاستشهاديين الأطهار ومنزلته في الفقه والآثار (3) ونواصل استعراض الأدلة والآثار الواردة بشأن الهجوم على الكفار فقد قال الرافعي والنووي وغيرهما: التغرير بالنفس في الجهاد جائز.(1)
وقال ابن خويز منداد من المالكية:
فأما أن يحمل على مائة أو على جملة من العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أنه يُقتل ولكن سيُنكي نكاية أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً.(2)
وقال محمد بن الحسن وهو من الأحناف: لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن لم يكن كذلك، فهو مكروه لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه لأن فيه نفعاً للمسلمين على بعض الوجوه، فإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين، فلا يبعد جوازه، وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت النفس لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله تعالى: إن الله اشترى" من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ، (التوبة:111) إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه.(3)
وسئل الإمام أحمد رحمه الله : الأسير يجد السيف والسلاح فيحمل عليهم وهو يعلم أنه لا ينجو، أعان الله نفسه؟ قال: أما سمعت قول عمر حين سأله الرجل فقال: إن أبي أو خالي ألقى بيده إلى التهلكة؟ فقال عمر: ذاك اشترى الآخرة بالدنيا(4).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: لا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً أو يبادر الرجل وإن كان الأغلب أنه مقتول، لأنه قد بودر بين يدي رسول الله ص وحمل رجل من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي ص بما في ذلك من الخير فقتل.(5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وقد روى مسلم في "صحيحه": عن النبي ص قصة أصحاب الأخدود وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا جوَّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر.
فإن كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يُقتل به لأجل مصلحة الجهاد مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا، الذي لا يندفع إلا بذلك أولى(6).
ونخلص من ذلك إلى أن العمليات الاستشهادية التي تجري في فلسطين من أعظم القربات وأحسن أنواع الجهاد، خاصة إذا اقترنت بها عدة أمور منها:
1 إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ومنفعة لهم.
2 الإنكاء في العدو وإيذاؤه.
3 أو تجرئة المسلمين على العدو.
4 أو إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين وإقدامهم على الموت.
5 كسر قلوب الكفار لكسر شوكتهم.(/3)
وإذا نظرنا إلى أثر العمليات الاستشهادية في فلسطين، فإننا نجد أنها حققت كل الأهداف السابقة، فقد آذت العدو إيذاءً لم يؤذه إياه جيوش عربية مجتمعة منذ أن وُجدوا في فلسطين، وجرأت الشباب المسلم على اليهود، بعد أن كانوا أسيرين لنظرية جيش العدو الذي لا يقهر، وأرهبت العدو إرهاباً عظيماً وكسرت قلوبهم حتى صاروا يغادرون مستوطناتهم خوفاً من أبطال المسلمين، وهذا ما كنا نحلم بأنه كائن يوماً ما، هذا إضافة الى الأثر الاقتصادي العظيم على دولة العدو وازدياد عجزها، وهرب السياح وعشرات من الآثار السلبية، فهل بعد هذا كله يقال إن هذه العمليات حرام؟ خاصة أننا لا نكاد نرى وسيلة أخرى لإيذاء العدو غير هذه الوسيلة، فالقول بتحريمها قد يفضي إلى إغلاق باب الجهاد وإفراح العدو.
وهناك شبهة يتعلق بها بعض الناس وهي استهداف هذه العمليات الطاهرة لمدنيين، وأنا أقول: حرروا هذه اللفظة، فهل هناك مدنيون في فلسطين السليبة؟! والرجال والنساء غير العسكريين هم جنود احتياط ومدربون على السلاح ومحرضون علينا، وقد قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم: 7-324: "كل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك"(7).
ففي الحقيقة لا يوجد من يستحق أن يوصف بأنه مدني في فلسطين من اليهود، ومن غصب أرضنا جاز لنا أن نخرجه منها بكل وسيلة.
أما قضية مقتل الأطفال من اليهود وهم غير مكلفين، فالجواب عنها بما جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن الصعب بن جثَّامة قال: سئل النبي ص عن المشركين يُبيَّتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؟ فقال: هم منهم، وقال ابن حجر في قوله ص "هم منهم"، أي من الحكم في تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم"(8)، وهذا واضح في قضية الجهاد في فلسطين اليوم، هذا على أن ما يصاب من أطفال العدو قلة قليلة جداً.
وهناك نقطة مهمة وهي أن أفراد حماس وغيرهم من المجاهدين لم يقدموا على هذه العمليات إلا بفتوى علماء لا عن هوى ولا تشهي، وعلماؤهم أعلم بواقع الحال، ألم يقل سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: إذا اختلفتم في مسألة فأسألوا أهل الثغور فإن الحق معهم، مستدلاً بقوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . (العنكبوت:69).
الهوامش
(1) المصدر السابق: 1-558.
(2) المصدر السابق: 1-559.
(3) المصدر السابق: 1-560.
(4) (5) قاعدة في الانغماس، هامش ص25.
(6) المصدر السابق: هامش ص 24.
(7) نقلاً عن الجهاد والقتال في السياسة الشرعية د.محمد خير هيلك 2-1264 1265.
(8) المصدر السابق: 2-1264.
جهاد الاستشهاديين الأطهار ومنزلته في الفقه والآثار (4) أخبار سلفنا الصالح وقصصهم تزيد صدر المسلم انشراحاً واطمئناناً إلى أن هذه العمليات الاستشهادية من أحسن أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى، فقد أخرج ابن عساكر بسنده عن عقبة بن قيس الكلابيّ أن رجلاً قال لأبي عبيدة بن الجراح يوم اليرموك: إني قد أجمعت أمري أن أشد عليهم فهل توصوني إلى نبيكم ص بشيء؟ فقال: تقرئه السلام وتخبره أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً. فقد أقر أبو عبيدة رضي الله عنه الرجل على أن يشد عليهم وحده، وفي ذلك هلاكٌ بيِّنٌ لكنه من أعظم القربات، كما بينت قبل ذلك.
وروى الحافظ المزي وغير واحد بأسانيدهم عن العلاء بن سفيان الحضرمي قال: غزا بُسر بن أرطأة الروم فجعلت ساقته(1) لا تزال تصاب فيكمن لهم الكمين فيصاب الكمين، فلما رأى ذلك تخلف في مائة من جيشه، فانفرد يوماً في بعض أودية الروم فإذا براذين(2) مربوطة نحو ثلاثين، والكنيسة إلى جانبهم فيها فرسان تلك البراذين الذين كانوا يعقبونه في ساقته، فنزل عن فرسه فربطه، ثم دخل الكنيسة فأغلق عليه وعليهم بابها، فجعلت الروم تعجب من إغلاقه، فما استقلوا إلى رماحهم حتى صرع منهم ثلاثة، وفقده أصحابه، فأتوا فعرفوا فرسه، وسمعوا الجلبة في الكنيسة، فأتوها فإذا بابها مغلق، فقلعوا بعض السقف ونزلوا عليهم وبسر ممسك طائفة من أمعائه بيده، والسيف بيده اليمنى، فلما تمكن أصحابه في الكنيسة سقط بسر مغشياً عليه، فأقبلوا على أولئك فأسروا وقتلوا فأقبلت عليهم الأسارى.
فقالوا: ننشدكم الله من هذا؟ قالوا: بُسر بن أرطأة، فقالوا: والله ما ولدت النساء مثله، فعمدوا إلى أمعائه فردوه في جوفه ولم ينخرق منه شيء، ثم عصبوه بعمائمهم وحملوه ثم خاطوه فسلم وعوفي، وقد اختلف في صحبته، وكان من شجعان الأمة وأبطالها.(3).(/4)
وهذا البراء بن مالك رضي الله عنه يوم اليمامة حمله أصحابه في ترس ورفعوه على الرماح وألقوه على العدو، فقاتل وحده وقتل منهم عشرة وفتح الباب، وجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم وروى هذا البيهقي في السنن(4)، وقد كان في الحديقة آلاف من بني تميم معتصمون بها وهم مقاتلون أشداء.
وحمل أبو حدرد الأسلمي رضي الله عنه وصاحباه على عسكر عظيم ليس معهم رابع، ونصرهم الله على المشركين، واستاقوا غنيمة عظيمة.(5).
وذكر الطرطوشي في "سراح الملوك" وغيره أن عمرو بن معدي كرب نزل يوم القادسية على النهر فقال لأصحابه: إني عابر على الجسر فإن أسرعتم مقدار جزر الجزور(6) وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل تلقاء وجهي، وقد غفرني القوم(7) وأنا قائم بينهم، وإن أبطأتم وجدتموني قتيلاً بينهم، ثم انغمس فحمل على القوم، فقال بعضهم لبعض: يا بني زبيد: علام تدعون صاحبكم؟ والله ما أرى أن تدركوه حياً، فحملوا فانتهوا إليه، وقد صرع عن فرسه، وقد أخذ برجلي فرس رجل من العجم فأمسكها، وإن الفارس ليضربه فما يقدر الفرس أن يتحرك فلما غشيناه رمى الرجل بنفسه وخلى فرسه فركبه عمرو، وقال: أنا أبو ثور، كدتم والله أن تفقدوني(8)
وهذا عبدالعزيز بن زرارة يتعرض للشهادة في غزوة القسطينطينية سنة خمسين، وقد التحمت الحرب يوماً، واشتدت المقارعة فشد على من يليه يقتل وانغمس في جمهورهم فشجرته العلوج برماحها(9) فاستشهد رحمه الله.(10)
وهذا علي بن أسد، مر ليلة بالكوفة، فمر برجل يقرأ في جوف الليل: قل يا عبادي الذين أسرفوا على" أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم (53) ، (الزمر) فقال علي: أعد فأعاد، ثم قال: أعد فأعاد، فعمد فاغتسل ثم غسل ثيابه، فتعبد حتى عمشت عيناه من البكاء وصارت ركبتاه كركبتي البعير، فغزا البحر فلقي الروم، فقرنوا مراكبهم بمراكب العدو، قال علي: لا أطلب الجنة بعد اليوم أبداً، فاقتحم بنفسه في سفائنهم، فمازال يضربهم وينحازون، ويضربهم وينحازون حتى مالوا في شق واحد فانكفأت عليهم السفينة فغرق وعليه درع الحديد.(11).
وأخلص من هذا السرد القصصي الجهادي إلى أن اقضية الانغماس في العدو والتعرض للشهادة وابتغاء مظان القتل قضية كانت معروفة زمان سلفنا بلا نكير، تساندها الأدلة التي سقت بعضها، وفتاوى الفقهاء العظام، فكيف يُعترض اليوم على إخواننا المجاهدين الاستشهاديين ويذمون ويلامون إذا تابعوا أسلافهم وأخذوا بقول فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم؟!.
اللهم إن هذا لشيء عجيب!! وقرة عين للعدو، فليتق الله تعالى كل من يفتي بحرمة هذه العمليات الاستشهادية الرائعة التي أفقدت اليهود رباطة جأشهم، وكدرت عليهم عيشهم، وأذهبت أحلامهم وأحلام من يعاونهم أدراج الرياح، والله المستعان.
الهوامش
(1) الساقة: من الجيش مؤخرته: انظر المعجم الوسيط، س. و. ق.
(2) البرذون يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، انظر المصدر السابق: ب ر ذ ن.
(3) "مشارع الأشواق" 1-39 5 540.
(4) المصدر السابق: 1-540.
(5) المصدر السابق: 1-545 546.
(6) أي مقدار نحر الواحد من الإبل.
(7) أي غطوني.
(8) "مشارع الأشواق" 1-548.
(9) أي شبكته برماحها من كثرتها واختلافها في جساره.
(10) المصدر السابق: 1-553.
(11) مشارع الأشواق: 1-554 555.(/5)
جهاد الدفع وجهاد الطلب
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ...
التاريخ ... 04/04/1427هـ
السؤال
نحن في العراق أهل السنة والجماعة والملتزمين بمنهج سلف الأمة نعاني من المضايقات ما نعاني ونشكو أمرنا إلى الله ولكن يا شيخ لقلة أهل العلم عندنا فنجد الكثير من شبابنا مندفعين بنص أو بحديث دون النظر إلى نصوص أخرى وفهم سلف الأمة فتجده قد يقوم بالتفجير أو القتل.
شيخنا أنا أحاول أن أطلب العلم من خلال متابعة الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وسماع محاضرات شرح لبعض أمهات الكتب للشيخ محمد صالح بن عثيمين رحمة الله عليه فوجدت أنه في قضية الجهاد يقسم الجهاد إلى نوعين جهاد طلب وجهاد دفاع ويوجب الشيخ على من احتلت بلاده الجهاد على أن يكون لنصرة دين الإسلام في ذلك البلد أو للحفاظ على الإسلام في ذلك البلد لكن لا نقاتل من أجل أن هذه الأرض المحتلة هي بلدنا يعني لا نقاتل من أجل وطنيتنا.
أرجو أن توضح لنا منهجا نسير عليه الآن في العراق فهل نجاهد؟ وهل يجوز قتل من نجده فيه ضرراً على المسلمين من المسؤولين، لأن الشباب هنا متخبطون فلتكن رسالة كالتي بعثها ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لأهل واسط وسميت بالعقيدة الواسطية، والآن أصبحت منهجا يدرسها كل من طلب العلم وأصبحت مستندا يستند إليها، وقد أكون أطلت عليك ولكن اعلم يا شيخ ما هو حالنا وإنا حيارى. وجزاكم الله خير الجزاء وأثابكم وجمعنا وإياكم مع سيد المرسلين في جنات النعيم.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأسأل الله أن يثبتني وإياكم على الحق المبين والصراط المستقيم وأن يجنبنا جميعاً طريق المغضوب عليهم المعاندين وطريق الضالين الجاهلين. آمين.
واعلموا أن قتال الكفار والمعتدين على بلاد المسلمين وحرماتهم –أمر واجب ومتعين على القادرين من أهل ذلك البلد المحتل خاصة، ونظراً لقيمة الوطن في الإسلام أمر الله بقتال كل معتدٍ يريد إخراجنا منه وإفساد ديننا وأخلاقنا وامتصاص خيراتنا، وسماه فتنة وجعلها أكبر من القتل فقال: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" [البقرة:190-191]. وفي الوقت ذاته حرّم قتال من لم يقاتلنا ونهانا عن ما يعرف اليوم بالحرب الأهلية فقال: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُم مِن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ" [البقرة:84]. وهذا القتال يجب أن يكون لإعلاء كلمة الله وفي سبيل نصرة المظلومين المضطهدين وكسراً لشوكة الكافرين المعاندين، وإذا كان من قتل دون نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه فهو شهيد، فإن هذه الأمور كلها توجد داخل الوطن فالمحاماة عنها محاماة عن الوطن والدفاع عن الوطن هو دفاع عنها، وحكم الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب وجهاد الدفع باقٍ لم ينسخ، وإنما هو حسب حال الأمة من القوة والضعف، فإذا كانت الأمة قوية في عددها وعدتها فهي مطالبة بالأخذ بنصوص القتل والقتال وغزو المشركين والقعود لهم في كل مرصد؛ ليؤمنوا بالله أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإن كانت الأمة ضعيفة مستضعفة كحال المسلمين اليوم فالواجب الأخذ بآيات الصبر والمصابرة وعدم محارشة الكفار وإثارة حميتهم، قال –تعالى-: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" [الأنعام:108].
وفي هذا العصر الذي لا يكاد يوجد فيه للمسلم ركن يركن إليه، فعليه اللجوء إلى الله وأداء شعائر دينه، والصبر على الأذى فيه، لا سيما إذا كان فرداً وخصمه جماعة، أو دولة، أو قوبل رأيه بفتوى شرعية مستندة إلى الكتاب والسنة وجب عليه قبولها.
وتقدير جهاد الدفع وتحديده وإعلانه يخضع للاجتهاد الجماعي من أهل العلم الشرعي –في كل بلد بحسبه- إلا إذا اعتدي على المرء في نفسه أو ماله أو عرضه فيجوز له أن يدفع ذلك عنه ما استطاع، والأفضل أن يستشير قبل ذلك من هو أعلم منه وأكثر خبرة وتجربة.
وليس هناك علامات ينتفي بها جهاد الدفع بل هو باق إلى يوم القيامة ما دامت الأمة ضعيفة مستضعفة، واختيار أي نوع من نوعي الجهاد يخضع لتقرير أهل العلم والفكر والشوكة في كل بلد من بلاد المسلمين، وكل أهل بلد أدرى بشؤونهم من غيرهم.
ومن أوجه الشبه بين المسلمين اليوم والمسلمين في العهد المكي: الضعف وقلة العدد والعُدد، وتكالب الأعداء على المسلمين من اليهود وأذنابهم، والمشركين وإخوانهم، والمنافقين وأتباعهم.(/1)
ومن أوجه الاختلاف بين الحاضر والماضي –في العهد المكي خاصة-: وجود الرسول –صلى الله عليه وسلم- بين ظهراني المسلمين في مكة، ينزل عليه الوحي ويصحح لهم أخطاءهم ويسدد آراءهم، وكانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن يتلونها حتى يعملوا بها، أما نحن اليوم فقد يحفظ الواحد منا القرآن كاملاً أو يختمه أكثر من مرة، ولكنه لا يكاد يعرف شيئاً من حلاله وحرامه، وكانوا عرباً خلصاً على صفات حميدة من الصدق والشجاعة والكرم والشهامة والرجولة، أما نحن فعلى خلاف ذلك –إلا ما شاء الله-.
وإذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل ذلك البلد –المواطن منهم والمقيم- عينا الدفاع عن ذلك البلد، بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فإن لم يستطع أهل هذا البلد المغزو وجب على أقرب البلاد إليهم إعانتهم والدفاع معهم ونصرتهم، وجوباً عينياً أيضاً، ولو كان أهل ذلك البلد أو من جاورهم ليس عندهم عدة ولا عتاد يساويان أو يقاربان عدد وعدة العدو لأن قتالهم هذا قتال دفع لا طلب، وجهاد الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب، بل الواجب عليهم في مثل هذه الحال أن يقاتلوا العدو بأي حال؛ لقوله –تعالى-: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39].
ولعموم حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم" رواه أبو داود (2504) والنسائي (3096) من حديث أنس –رضي الله عنه-.
فجهاد الدفع لا يشترط فيه اجتماع عدد معلوم، ولا يلزم أن يكون للمسلمين المغزوين إمام يستأذن كما لا يستأذن الأب ولا الأم، ونحو ذلك، وإن كان المسلمون المعتدى عليهم خليطاً من المؤمنين والكفار، لا يشترط لهم حينئذ أن تكون لهم راية واحدة يقاتلون تحتها، وإن أمكن ذلك فحسن، وإن لم يمكن تعاون المسلمون مع الكفار الذين يسكنون معهم على العدو الذي غزاهم في عقر دارهم، ولكن يجب على المسلمين –فرادى كانوا أو جماعة- حينئذ أن يعلنوا أن جهادهم إنما هو لإعلاء كلمة الله وفي سبيله لا غير، (والراية العِمِّيَّة) التي يحرم القتال تحتها ولو مات فيها مات ميتة جاهلية، هي التي دل عليها حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- في صحيح مسلم (1848): "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية".
وجاء في حديث سعيد بن زيد –رضي الله عنه- عند الترمذي (142)، وأبي داود (4772)، والنسائي (4094)، وابن ماجه (2580): "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" والعدو المعتدي -مسلماً كان أو كافراً- إنما يريد هذه الأمور الأربعة مجتمعة أو بعضها، ومن لازم ذلك القتال للدفاع عن بلاد المسلمين إذا غزيت من قبل العدو الكافر؛ لأن هذه الأمور داخلة في بلاد المسلم أو وطنه.
أما القول بوجوب اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله فلا أعرف أحداً من أهل العلم المقتدى بهم اشترطه، بل الواجب خلافه، وهو أن الإمام لا يكون إماماً إلا أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (34/176). والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، .... فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت، إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها" انتهى. وعمل أبي بصير –رضي الله عنه- في قصة الحديبية ومن معه من المهاجرين الذين قاموا بقطع الطريق على قافلة قريش أظهر دليل على عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه للجهاد في سبيل الله، بل قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أبي بصير لما بلغه فعله في قريش: "ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد" انظر صحيح البخاري (2731-2732)، يؤكد عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله، بل نجد أئمة الدعوة في نجد منعوا وأنكروا مثل هذا الاشتراط، فيقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1258): (بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر...)، انظر الدرر السنية (5/97-99). والله أعلم.(/2)
جهاد الدفع ودخول العدو بلاد المسلمين
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ ... 20/3/1424هـ
السؤال
هل يجوز لنا إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وليس عندهم قدرة إعدادية، ولا جماعة، أو إمام أن نبقى بدون جهاد دفع؟.
الجواب
إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل ذلك البلد -المواطن منهم والمقيم- وجوباً عينياً الدفاع عن هذا البلد، بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فإن لم يستطع أهل هذا البلد المغزو وجب على أقرب البلاد إليهم إعانتهم والدفاع معهم ونصرتهم، وجوباً عينياً أيضاً، ولو كان أهل ذلك البلد أو من جاورهم ليس عند هؤلاء وهؤلاء عدة ولا عتاد يساويان أو يقاربان عدد وعدة العدو لأن قتالهم هذا قتال دفع لا طلب، وجهاد (قتال) الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب، بل الواجب عليهم في مثل هذه الحال أن يقاتلوا العدو؛ لقوله –تعالى-: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39]، بكل ما يستطيعونه ولو قل، ولعموم حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم" رواه أبو داود (2504)، والنسائي (3096) من حديث أنس – رضي الله عنه-، فجهاد الدفع لا يشترط فيه اجتماع عدد معلوم، ولا يلزم أن يكون للمسلمين المغزوين إمام يستأذن كما لا يستأذن الأب ولا الأم ولا الزوج، ونحو ذلك، وإن كان المسلمون المعتدى عليهم خليطاً من المؤمنين والكفار، لا يشترط لهم حينئذ أن تكون لهم راية واحدة يقاتلون تحتها، وإن أمكن ذلك فحسن، وإن لم يمكن تعاون المسلمون مع الكفار الذين يسكنون معهم على العدو الذي غزاهم في عقر دارهم، ولكن يجب على المسلمين -فرادى كانوا أو جماعة- حينئذ أن يعلنوا أن جهادهم إنما هو لإعلاء كلمة الله وفي سبيله لا غير، (والراية العُمِّية التي يحرم القتال تحتها ولو مات فيها مات ميتة جاهلية)، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- في صحيح مسلم: (1848) "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتةً جاهليةً، ومن قاتل تحت رايةٍ عِمِّيَّةٍ، يغضب لعصبةٍ، أو يدعو إلى عَصَبَةٍ، أو ينصر عصبةً، فَقُتِل، فقتلةٌُ جاهليةٌُ..." الحديث، ففسرها رسول الله –عليه الصلاة والسلام- بأنها مفارقة جماعة المسلمين، ويقاتل المرء فيها لعصبية أو يدعو لعصبية أو ينصر عصبية، أي كأن يقاتل من أجل القومية، أو الحزبية أو القبلية، كما يقول الشاعر الجاهلي: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.
وجاء في حديث سعيد بن زيد – رضي الله عنه- عند الترمذي (142)، وأبي داود (4772)، والنسائي (4094)، وابن ماجة (2580): "من قتل دون ماله فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون دينه فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون دمه فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون أهله فهو شهيدٌُ" والعدو المعتدي مسلماً كان أو كافراً إنما يريد هذه الأمور الأربعة مجتمعة أو بعضها، ومن لازم ذلك القتال للدفاع عن بلاد المسلمين إذا غزيت من العدو الكافر؛ لأن هذه الأمور داخلة في بلاد المسلم أو وطنه. أما القول في وجوب اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله فلا أعرف أحداً من أهل العلم المقتدى بهم اشترط ذلك، بل الواجب خلافه، وهو أن الإمام لا يكون إماماً إلا أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام، ويقول شيخ الإسلام بن تيمية في مجموع الفتاوى (34/176)، والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، وإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد من غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها"، وعمل أبي بصير – رضي الله عنه- في قصة الحديبية ومن معه من المهاجرين الذين قاموا بقطع الطريق على قافلة قريش أظهر دليل على عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه للجهاد في سبيل الله، بل قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في أبي بصير لما بلغه فعله في قريش "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد" انظر في صحيح البخاري (2731-2732) يؤكد عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله، بل نجد أئمة الدعوة في نجد منعوا وأنكروا على مثل هذا الاشتراط، فيقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت 1258هـ) :(بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر..)، انظر الدرر السنية5/97-99. والله أعلم.(/1)
جهاد الطلب وجهاد الدفع
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ ... 26/5/1423
السؤال
أمر الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين بالكف وعدم الرد على الكفار في أذاهم للمؤمنين في العهد المكي، وكان الجهاد -إن صحت التسمية له بالجهاد- أو العبادة المفروضة في هذا المقام هي عبادة الصبر لا الدفع، مع أن المسلم لو قاتل ودافع لنال الأجر العظيم، لكن للمصلحة العليا كان هذا الحكم.
السؤال: هل صحيح نسخ هذا الحكم أم لا؟ وما الظروف التي يشرع من خلالها للمسلم في هذا العصر -الذي لا يوجد فيه ركن يأوي إليه المسلم- من الأسباب المادية؟ وهل الأمر في تطبيق هذا الأمر خاضع للاجتهاد الفردي أم لابد من أن يكون جماعياً؟ وما الشروط التي يجب توافرها حتى نلزم المؤمن في هذا العصر بالصبر؟ ما العلامات التي يعرف بها انقضاء هذا الحكم أو بموجبها يحكم بأن الدفع هو الأمثل؟ وهل بحكم تأثر العالم كله -ومنه المسلمون- بما يحدث في أي قطر إسلامي يكون هذا الحكم عاماً أم أنه يختلف باختلاف البلدان والأزمان والقضايا؟ وإن كان بالإمكان ذكر أوجه الشبه بين العهد المكي، وهذا العصر، وذكر أوجه الاختلاف.
وجزاكم الله خيراً
الجواب
حكم الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب وجهاد الدفع باقٍ لم ينسخ، وإنما هو حسب حال الأمة من القوة والضعف، فإذا كانت الأمة قوية في عددها وعُددها فهي مطالبة بالأخذ بنصوص القتل والقتال وغزو المشركين والقعود لهم في كل مرصد؛ ليؤمنوا بالله أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإن كانت الأمة ضعيفة مستضعفة كحال المسلمين اليوم فالواجب الأخذ بآيات الصبر والمصابرة وعدم محارشة الكفار وإثارة حميتهم، قال –تعالى-:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام:108]، وفي هذا العصر الذي لا يكاد يوجد فيه للمسلم ركن يركن إليه فعليه اللجوء إلى الله وأداء شعائر دينه، والصبر على الأذى فيه، لا سيما إذا كان فرداً وخصمه جماعة، أو دولة، أو قوبل رأيه بفتوى شرعية مستندة إلى الكتاب والسنة وجب عليه قبولها.
وتقدير جهاد الدفع وتحديده وإعلانه يخضع للاجتهاد الجماعي من أهل العلم الشرعي –في كل بلد بحسبه- إلا إذا اعتدي على المرء بنفسه أو ماله أو عرضه جاز له أن يدفع ذلك عنه ما استطاع، والأفضل أن يستشير قبل ذلك من هو أعلم منه وأكثر خبرة وتجربة.
وليس هناك علامات ينتفي بها جهاد الدفع بل هو باقٍ إلى يوم القيامة ما دامت الأمة ضعيفة مستضعفة، واختيار أي نوع من نوعي الجهاد يخضع لتقرير أهل العلم والفكر والشوكة في كل بلد من بلاد المسلمين وكل أهل بلد أدرى بشؤونهم من غيرهم.
ومن أوجه الشبه بين المسلمين اليوم والمسلمين في العهد المكي: الضعف وقلة العدد والعُدد، وتكالب الأعداء على المسلمين من اليهود وأذنابهم، والمشركين وإخوانهم والمنافقين وأتباعهم، ومن أوجه الاختلاف بين الحاضر والماضي –العهد المكي خاصة-: وجود الرسول –صلى الله عليه وسلم- بين ظهراني المسلمين في مكة، ينزل عليه الوحي ويصحح لهم أخطاءهم ويسدد آراءهم، وكانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن يتلونها حتى يعملوا بها، أما نحن اليوم فقد يحفظ الواحد منا القرآن كاملاً أو يختمه أكثر من مرة، ولكنه لا يكاد يعرف شيئاً من حلاله وحرامه، وكانوا عرباً خلصاً على صفات حميدة من الصدق والشجاعة والكرم والشهامة والرجولة، أما نحن فعلى خلاف ذلك –إلا ما شاء الله-.(/1)
جواز العمليات الإستشهادية وأنها ليست بقتل للنفس ...
إن مما يبتلي الله عباده المؤمنين أن يصيبهم بالضراء، ووقوع الضراء بالمؤمنين لسببين:
أولاهما: فتنة وابتلاء، كما قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموار والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
وثانيهما: تكفير لذنوب المؤمن أو لرفع درجته، كما روى الإمام الترمذي من حديث أبي هريرة بسند صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله ونفسه حتى يلقى الله وما عليه خطيئة »(حديث رقم 2399).
فإذا وقع البلاء بالمؤمن فعليه أن يصبر له، ولا يعجل بنفسه إلى الله هرباً من الضراء، وجزعاً وقلة صبر، فإن عجل بنفسه إلى الله بقتلها هرباً من البلاء فهو آثم عاص، وهو يدل على قلة إيمان وضعف يقين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني بنفسه، فحرمت عليه الجنة»(رواه البخاري ومسلم من حديث جندب بن عبد الله).
وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم الترهيب من قتل المرء نفسه هرباً وجزعاً من الحياة ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار»، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ترك الصلاة على من قتل نفسه، كما روى الإمام أبو داود في سننه (2 رقم3180)، ولم يفقه الأئمة الأعلام من حديث ترك الصلاة على قاتل نفسه إلا أن هذا الترك هو بسبب تنفير الناس من فعله، كما قال إبراهيم بن راهويه (عون المعبود8/473)، ونقل الخطابي عن أكثر الفقهاء أنه يُصلى عليه، وهذا هو الصواب في المسألة (معالم السنن)، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا دعاء حسنا لمن قتل نفسه (2 رقم 116) وهذا يدل على دحوله (أي قاتل نفسه) في المشيئة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.
ثم تبين لنا أن علة التحريم هي عدم الصبر، والجزع، واستعجال الموت للتخلص من الآلام ومصائب الحياة. ويظهر هذا واضحاً في نهي الشارع عن تمني المسلم الموت لضر أصابه، فقد روى الشيخان في صحيحهما من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي»، وهي تختلف عن تمني المسلم الشهادة، وأن يُقتل بيد كافر.
باب جواز إلقاء المرء نفسه في التهلكة لمقاصد شرعية
مما نص عليه الأئمة في كتب الفقه عن جواز انغماس الرجل في صف الكفار وإن تيقن التهلكة إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين:
أ) قال محمد بن الحسن الشيباني -صاحب أي حنيفة- في كتاب السير الكبير: "لو حمل واحد على ألف من المشركين، وهو وحده، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في عدو، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم، حتى يصنعوا مثل صنيعه، فلا يبعد جوازه، لأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه، وإن كان قصده إرهاب العدو، وليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه، وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لاعزاز دين الله، وتوهين الكقر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم... إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه"(تفسير القرطبي2/364، 365).
ب) قال ابن خويز منداد (من فقهاء المالكي): "فأما أن يحمل الرجل على مائة أو جملة من العسكر، أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج، فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يُقتل، ولكن سينكى نكاية أو سيبلي أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً"(القرطبي2/363).
ج) قال ابن حجر العسقلاني: "وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو، فصرح الجمهور بأنه إذا كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع، ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين"(الفتح 8/185 -186).
د) قال ابن تيمية: «جوز الأئمة الأربعة أن بنغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنه يقتلونه، إذا كان ذلك مصلحة للمسلمين» (فتاوي ابن تيمية 28/540).
وأما الأدلة التي احتج بها الأئمة على جواز القاء النفس إلى الموت لهذه المقاصد الشرعية فكثيرة، ونشير إلى بعضها:(/1)
1) روى مسلم في صحيحه(ح رقم1902) عن أبي بكر بن موسى قال: «سمعت أبي هريرة وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف، فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاها، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قُتل».
2) روى مسلم في صحيحه(ح رقم1901) من حديث أنس بن مالك وذكر فيه قصة بدر قال: فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله: جنة عرضها السموات والأرض؟ قال نعم، قال بخ بخ يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قول بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فقال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل".
وأحاديث أخرى غيرها...
باب حقيقة الأعمال الإستشهادية المعاصرة
الأعمال الإستشهادية (الإنتحارية) هذه الأيام لهذه عدة مفاهيم وصور منها:
1) قيام المجاهد بحمل المتفجرات والسلام وإلقاء نفسه في وسط مكان يكثر فيه العدو، وهو موقن بالموت، ولكنه يُقتل بيد العدو، لا بسلاحه ومتفجراته التي يحملها. وهذه الصورة هي نفس ما تكلم عنه الأئمة في الباب الثاني.
2) قيام المجاهد بنفجير نفسه، أو سيارته في وسط الأعداء لإحداث النكاية بهم. وهذه الصورة وإن كانت لم توجد في الزمن السابق لعدم وجود أدواتها، فهي حادثة في هذه العصور، إلا أنها تجتمع مع الصورة السابقة في حالتين، وتفترق في حالة:
فهي تجتمع مع الصورة الثانية في:
تيقن حدوث الهلكة للمجاهد، أو غلبة الظن، وذلك بجامع أن كليهما يبذل نفسه متيقناً أو غالباً على ظنه بعدم نجاته.
وتلتقي معها بأن مقاصدها هي نفس المقاصد التي تكلم عنها الأئمة في جواز الصورة الثانية، وذلك إما بإحداث النكاية بأعداء الله أو بتقوية نفوس أصحابه(راجع كلام محمد بن الحسن المتقدم).
وتفترق مع الصورة الثانية، وتلتقي مع صورة قتل النفس المحرم أن المجاهد في هذه الحالة لا يقتل بيد الأعداء ولكن يُقتل بيده، أو بالمادة التي سيقتل لها الخصوم والأعداء، فهي تلتقي مع صورة قتل النفس في هذا الباب.
فهل تلتحق بالصورة الثانية الممدوحة أم بصورة قتل النفس الممنوعة؟
إذا علمنا أن علة تحريم قتل النفس هو الجزع وقلة الصبر، وهي حالة تدل على قلة إيمان، وصعف يقين، وعدم توكل، لا لمجرد حدوث القتل باليد، علما أن إلحاقها بالصورة الثانية (قتل النفس) بعيد جداً، ولا تلتقي معها، وسبب هذا البعد: أنه لو أعطى أحدهم سلاحاً لآخر وأمره باستعماله لقتله، كسم أمره بوضعه في طعامه، أو سلاح ناري أمره بأن يطلقه عليه، كان قاتلاً لنفسه، لا يفترق في شيء عن قلته بيد نفسه، فليست المسألة تعود إلى الصورة الظاهرة، ولكنها تعود إلى مقصدها ومراد صاحبها منها.
ومما يوضح هذا الأمر هي قصة الغلام في قضية أصحاب الأخدود، فإن الفتى قال للملك: «إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما امرك به، فقال وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله، رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا قلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه موضع السهم، فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام»(رواه مسلم ح 3005).
فانظر إلى هذا الفتى كيف دل المشرك على قتله، بل دله على الطريقة الوحيدة التي لا يُقتل إلا بها، وسبب فعلته هذه من أجل مصلحة ظهور الدين وانتشاره. فإلحاق هذه الصورة بالصورة الثانية (الممدوحة المرغوبة) هو الأولى والأصوب من إلحاقها بصورة القتل المحرم. وليست هذه من شرع من قبلنا الذي لا يُحتج به. بل احتج به أئمة الإسلام من غير نكير (انظر الفتاوي لابن تيمية 28/540).
ثم يُقال كذلك: إنه من المعلوم أن قتل المسلم لغيره من المسلمين أعظم إثماً وجرماً من قتل المرء نفسه، لأن من تعدى على غيره وظلمه أشد إثماً من ظلم المرء لنفسه كما قال ابن حجر في شرح قول البخاري (باب ما جاء في قتل النفس) قال: «أراد (أي البخاري) أن يلحق بقاتل نفسه قاتل غيره من باب أولى، لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يعتد ظلم نفسه ثبت فيه الوعيد الشديد فأولى من ظلم غيره بإفاتة نفسه» (فتح الباري 3/227).
ومما أجاز فيه جمهور العلماء قتل المسلم لأخيه المسلم وهو معصوم الدم جواز قتله في حالة الترس.(/2)
وصورة المسألة أنه: إذا تترس المشركون بأسارى المسلمين، فهل يجوز للمسلمين قتل التُرس (اسارى المسلمين) حتى لا ينتصر الكفار على المسلمين؟
قال جمهور أهل العلم بجواز قتل التُرس لوجود المقصد الشرعي، والمصلحة المعتبرة، وهي تحقق النكاية في العدو، وعدم تفويت الفرصة بهزيمتهم، ونصر المسلمين، وهي صورة تبين جواز قتل المرء نفسه إذا تحققت هذه المقاصد.
صورة لعمليات استشهادية ممدوحة:
1) قال القرطبي: "بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس، نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلاً من طين، وأنس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذي كان يقدمها، فقيل له إنه قاتلك، فقال: لا ضير أن أُقتل ويفتح للمسلمين" (تفسير القرطبي 2/364).
2) روى البيهقي في سننه أن عكرمة بن أبي جهل ترجل يوم اليرموك، فقال له خالد: لا تفعل، فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال خل عني يا خالد، فإنه قد كانت لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى حتى قُتل" (9/44).
والله الموفق(/3)
جورج والعيد الأضحى ..
جورج رجل أمريكي بدين الجسم عريض المنكبين ، تجاوز الخمسين من عمره ويتمتع بصحة جيدة وحيوية ونشاط، يعيش في بلدة صغيرة شمال مدينة واشنطن، ورغم المغريات المادية في المناطق الأخرى إلا أنه أحب بلدته المطلة على النهر وأصر على العيش فيها حيث يقضي نهاره في عمله التجاري متنقلاً بين أطراف المدينة وإذا أمسى النهار عاد إلى دوحته الصغيرة مستمتعاً بالهدوء والراحة مع زوجته وابنتيه وابن شاب تجاوز مرحلة الدراسة الثانوية وبدأ يخطط للالتحاق بالجامعة .
لما أقبل شهر ذي الحجة بدأ جورج وزوجته وأبناؤه يتابعون الإذاعات الإسلامية لمعرفة يوم دخول شهر ذي الحجة، وتمنوا أن يكون لديهم رقم هاتف سفارة إسلامية للاتصال بها لمعرفة يوم عرفة ويوم العيد فلقد أهمهم الأمر وأصبح شغلهم الشاغل، فتوازعو أمر المتابعة، فالزوج يستمع للإذاعة والزوجة تتابع القنوات الفضائية والابن يجري وارء المواقع الإسلامية في الإنترنت .
فرح جورج وهو يستمع الإذاعة لمتابعة إعلان دخول شهر ذي الحجة وقال : الإذاعة مسموعة بوضوح خاصة في الليل . ولما حدد يوم الوقفة ويوم العيد وتردد في الكون تكبير المسلمين في أرجاء المعمورة شمر جورج عن ساعده وأحضر مبلغاً كان يدخره طوال عام كامل، وبعد الظهيرة من التالي قال : على أن أذهب الآن لأجل الخروف الحي الذي لا يتوفر سوى في السوق الكبير شرق المدينة . ساوم جورج على كبش متوسط بمبلغ عال جداً ولما رأى أن المبلغ الذي في جيبه لا يكفي بحث عن أقرب صراف بنكي وسحب ما يكفي لشراء هذا الكبش . فهو يريد أن يذبح بيده ويطبق الشعائر الإسلامية في الأضحية . مسح جورج على الكبش وحمله بمعاونة أبناءه إلى سيارته الخاصة وبدأ ثغاء الخروف يرتفع وأخذت البنت الصغيرة ذات الخمس سنوات تردد معه الثغاء بصوتها العذب الجميل، وقالت لوالدها: يا أبي ما أجمل عيد الأضحى حيث ألعب مع الفتيات دون الأولاد ونضرب الدف وننشد الأناشيد، سوف أصلي معكم العيد وألبس فستاني الجديد وأضع عباءتي على رأسي، يا أبي : في هذا العيد سوف أغطي وجهي كاملاً فلقد كبرت .. آه ما أجمل عيد الأضحى سنقطع لحم الخروف بأيدينا ونطعم جيراننا ونصل رحمنا ونزور عمتي وبناتها ! يا أبي ليت كل أيام السنة مثل يوم العيد : ظهرت السعادة على الجميع وهم يستمعون للعصفورة كما يسمونها ..
انفرجت أسارير الأب وهو يلقي نظرة سريعة إلى الخلف ليرى أن مواصفات الكبش مطابقة لمواصفات الأضحية الشرعية فليست عوراء ولا عرجاء ولا عجفاء . ولما قرب من المنزل وتوقفت السيارة هتفت الزوجة . يا زوجي .. يا جورج علمت أن من شعائر الأضحية أن يقسم الخروف ثلاثة أثلاث: ثلث نتصدق به على الفقراء والمساكين، وثلث نهديه إلى جيراننا ديفيد، واليزابيث، ومونيكا، والثلث الآخر نأكله لحماً طرياً ونجعله لطعامنا في أسابيع قادمة !
ولما قرب الكبش إلى الذبح احتار جورج وزوجته أين اتجاه القبلة! وخمنوا أن القبلة في اتجاه السعودية وهذا يكفي! أخذ جورج شفرته ووجه الخروف إلى حيث اتجاه القبلة وأراح ذبيحته، بعدها بدأت الزوجة في تجهيز الأضحية ثلاثة أثلاث حسب السنة ! وكنت تعمل بعجل وسرعة فزوجها قد رفع صوته وبدا عليه الغضب وانتفخت أوداجه : هيا لنذهب إلى الكنيسة اليوم يوم الأحد ! وكان جورج لا يدع الذهاب إلى الكنيسة بل ويحرص أن يصطحب زوجته وأبناءه معه .
انتهى حديث المتحدث وهو يرى هذه القصة عن جورج وسأله أحد الحضور : لقد حيرتنا بهذه القصة هل ورج مسلم أم ماذا ! قال المتحدث : بل جورج وزوجته وابنه كلهم نصارى كفار . لا يؤمنون بالله وحده ولا برسوله، ويزعمون بأن الله ثالث ثلاثة (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) ويكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويحادون الله ورسوله ! كثر الهرج في المجلس وارتفعت الأصوات وأساء البعض الأدب وقال أحدهم : لا تكذب علينا يا أحمد، فمن يصدق أن جورج وعائلته يفعلون ذلك ! كانت العيون مصوبة والألسن حادة الضحكات متتابعة ! حتى قال أعقلهم : إن ما ذكرت يا أحمد غير صحيح ولا نعتقد أن كافراً يقوم بشعائر الإسلام ! ويتابع الإذاعة ويحرص على معرفة يوم العيد ويدفع من ماله، ويقسم الأضحية .. و .. !
بدأ المتحدث يدافع عن نفسه ويرد التهم الموجهة إليه ! وقال بتعجب : يا إخواني وأحبابي .. لماذا لا يتصدقون قصتي ؟ ! لماذا لا تعتقدون بوجود مثل هذا الفعل من كافر ؟! أليس هنا عبد الله وعبد الرحمن وخديجة وعائشة ويحتفلون بأعياد الكفار ! فلماذا لا يحتفل الكفار بأعيادنا ! لم العجب ؟ الواقع يثبت أن ذلك ممكناً بل وواقعناً نلمسه . أليس البعض يجمع الورود لعيد الحب ويحتفل الآخرون هنا برأس السنة وبعيد الميلاد وعيد .. وعيد .. وكلها أعياد كفار ! لماذا يستكثر على جورج هذا التصرف ولا يستكثر على أبناءنا وبناتنا مثل هذا ؟!(/1)
إذا كنتم تتعجبون من فعل جورج فأنا أتعجب من فعل أبناء وبنات التوحيد كيف تكون حال التبعية والانهزام لديهم ! ولما ارتفعت الأصوات وتسابقت السهام نحو أحمد قال : انصتوا إلى هذه المرة لأروي لكم قصة لا تكذبوني فيها : هذه عائشة ابنه هذا البلد ممن أسماها والدها باسم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما علمت بعيد إسمه عيد الحب وهو عيد من أعياد الرومان والوثنيين . يحتفل به الكفار كل عام ويتبادلون فيه الورود وهو يوم فساد وموطن إباحيه ! سارعت عائشة إلى محلات الورود واشترت باقة ورد حمراء باهظة الثمن وهي طالبة جامعية لا دخل لها ومع هذا دفعت مبلغاً لهذه الورود ! وعلقت وردة على صدرها، ولبست في ذلك اليوم فستاناً أحمراً، وحملت حقيبة حمراء، وانتعلت حذاء أحمراً و .. !
هذه عائشة فعلت أتصدقون ! قالوا بتعجب وألم : نعم فعل بعض بناتنا ذلك بل وانتشرت الظاهرة بشكل ملفت !
هز أحمد يده ورفعها وقال : عشت في أمريكا أكثر من عشر سنوات، والله ما رأيت أحداً من الكفار احتفل بأعيادنا، ولا رأيت أحداً سأل عن مناسباتنا ولا أفراحنا ! حتى عيدي الصغير بعد رمضان أقمته ف يشقتي المتواضعة لم يجب أحد دعوتي عندما علموا أن ما احتفل به عيداً إسلامياً ! لقد أقمت في الغرب ورأيت بأم عيني كل ذلك ولما عدت فإذا بنا نحتفل بأعيادهم وهي رجس وفسق !
والبعض من أهل الإسلام عطل الكثير من شعائر أعيادنا ولم يلق لها بالاً ولم يرفع بها رأساً . العام الماضي بعض من الشباب المسلم لم يصلوا صلاة العيد ! أما أعياد الأم فكم اشتريت فيه الهدايا حتى أحب الصغار عيد الأم وفضلوه على عيد الإسلام !
والأعياد من شعائر الإسلام الظاهرة ومن خصائص هذه الأمة . لقد هجرنا عبادة نتقرب فيها إلى الله عز وجل وأغرقنا في الانهزامية والتبعية وملاحقة أعياد الكفار أعداء الملة والدين، قال ابن تيمية – رحمه الله – ((لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم (أي الكفار) في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك . ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع يما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة، وبالجملة ليس لهم أن يختصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام)) .
وقال ابن القيم رحمه الله : ((وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول : عيد مبارك عليك، أو تهنئا بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو يمن المحرمات، وهو بمنزله أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير من لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما يفعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر تعرض لمقت الله وسخطه)) .
وقال أحمد في صمت من الجميع : أربأ بمسلم ومسلمة أن يسمعوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يقع في قلوبهم : ((من تشبه بقوم فهو منهم)) قال ابن تيمية معلقاً على هذا الحديث : هذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كن ظاهرة يقتضي كفر المتشبه بهم ككما في قوله تعالى ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم)) .
عاد أحمد ليقول بمرارة وحزن : أجيبوا هل ضحى جورج بذبيحته وقسمها ثلاثة أثلاث ؟! أم أن ذلك محض خيال لا نرى له واقع إطلاقاً !(/2)
جولة مسلم في رحاب القرآن–بناء الأسرة المسلمة
مستقاة من كتاب (عقول هادئة وقلوب دافئة)
دراسة الدكتور بشير الجابري
ما الذي يصلح الأسرة المسلمة ؟ ما الذي يجعل البيت واحة طمأنينة ، و جنة أنس ، و محضن هناء ؟
ما الذي يحقق مراد الآية الكريمة : ( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) ، ( الأعراف: من الآية189 ) ، كيف خرجت هذه النفس من هذه النفس و كيف تعود إليها إذا أستوى الزواج و أكتمل و راق و أينع ؟ و كيف ترتد هذه النفس و تتطاير إذا أكتوى كل بصاحبه ؟ كيف يؤدي اللقاء إلى بقاء و نعيم ، و كيف يتحول الفراق إلى شقاء و جحيم ؟
ما هو السر في هذا كله ؟ أهو التوفيق قدر لبعض و الفشل قدر لآخرين ؟ ، و إذا كنا لا نعرف ما قدر لنا و جبلنا على المجاهدة لتحقيق آمالنا و يُسر لنا الشرع و العقل للتعلم و الإعتبار ، فهل يغنينا هذا في عالم الأرواح و الأنفس و القلوب ؟ ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) ، ( الاسراء: من الآية85 ) إني أقترب من هذا الأمر على وجل ، فالزاد قليل و الأمر جليل .
ثم أسأل نفسي ما الذي يتوقعه الزوجان من بعضهما ؟ ما الذي يأمله الرجل في زوجه ؟ و ما الذي تطلبه المرأة من زوجها ؟
و هل كل رجل ككل رجل ؟ و هل كل إمرأة ككل إمرأة ؟ و من ذا الذي يزعم أنه يستطيع أن يؤكد هذا !
إننا إذا اعتبرنا أن المسلم تصوغه قيم الإسلام و أنه يبتعد و يأنف مما ذُم من الشهوات ، نفهم دعوة النبي صلى الله عليه و سلم للمسلم أن يحظى بذات الدين . لأن مجاهيل النفس الإنسانية لا تنقضي سُبلها ، و لا يعرف أبوابها إلا خالقها ، و هو العليم الخبير ألا يعلم من خلق ؟
فإذا وُجهت لذات الدين ، و إذا دعاك ربك إلى معاشرتهن بالمعروف فعسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً ، بحيث تعلو على حركة النفس و ميولها و ترى بعيون العقل أبواب الخير المفتحة و التي يُعمي عنها وسواس النفس .
و إذا ذكّرك المصطفى أن المرأة إنما خلقت من ضلع أعوج فتتعامل مع هذا الضلع بما بصلحه لا بما يقومه ، وجدت نفسك تطوف حول هذه المتلازمات:
كيف تجعل القوة مع اللين لا التنفير
و الحب مع الوفاء لا التذلل
و الزهد مع الإكرام لا التقتير
و اليسر مع الحزم لا التنفير
كيف تجعل خشية الله لَبوس سلوكك في بيتك مع أهلك و ولدك ؟
كيف تكون جاداً دون تكلف ، و سهلاً دون تردد .
كيف ترى فيك زوجك الرجولة التي تحميها ، و النخوة التي تعصمها ، و النبل الذي يأسرها ؟ إذا كنت جنة أهلك و نارها في الدنيا فهل تكون باباً لها إلى جنة الخلد و حرزاً لها من نار جهنم ؟
كيف تجعلها تأخذ من الدنيا بكفها لا بقلبها فأقل أهل الجنة من النساء شغلهن الأحمران ( الذهب و الزعفران ) أي الطمع في الغنى و العمل له ؟
و كيف تجمع بين الود و التأليف دون الطاعة العمياء ؟
كيف تعطيها المدى الكافي في القرار في بيتها و شؤونه و تحفظ موقعك و مقامك ؟
كل هذه الأسئلة تجول ببالي و أنا أتفيؤ ظلال القرآن باحثاً عن الطمأنينة ، لي ، و لأسرتي و لكل أسرة .
فأسأل نفسي :
ما مستقبل الزواج ؟
قالت :
خير ونماء بركة وعطاء
تعارف وتآلف
زرع وبناء
سكن ورحمة
عليه قامت الحياة وبه تتوازن
سالب وموجب، ذكر وأنثى، بروتون والكترون
(( ومن كل شيْْء خلقنا زوجين اثنين ))
لامستقبل للحياة إذا ضُيعت سنة الزواج
ولااطمئنان في الزواج إذا اختل الميزان
ولااستقامة للميزان في زمن التغيير السريع إلا بالاعتصام بحبل الله
زمان تُدفع فيه الأسرة إلى عوالم الشذوذ والعقوق فلا الأسرة هي الأسرة، ولا الأخلاق هي الأخلاق، ولا المعارف مستقرة ، ولا الأمن مأمون، ولاالتخطيط مضمون :
الأيام قصار، والتنافس نار، والحياة سعار .
و يأتيني الجواب من القرآن ، فالعاصم:
(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ))
(( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة" في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ))
وعود دنيا ووعود قصوى ، وعود دنيا تعطي العاجل: (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة)) ووعود قصوى لعاشق الآخرة (( وفي الآخرة حسنة ))((ذلك هو الفوز العظيم )) .
كل النظريات سخية بالوعود الدنيا فإذا تحققت هذه الوعود، وبدأت جوعة الروح، ولامشبع لها، و انغمس النَهم في الملذات والملهيات وغطست النفس في عالم الآلام .
أما الاسلام فوعوده الأخروية دليل ملهم ومحرك باعث وأمل مشوق .
هكذا وبكل لطف (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ))
الولاية : التعاضد، التعاون، الشفقة، الود، والميل و الشوق .
ما أحلى هذا الوصف، وكم يستحث من معالم الخير والألفة .
((يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) هذا عمل القلب واللسان .
(( ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة )) وهذا عمل البناء والتأسيس(/1)
((ويطيعون الله ورسوله)) وهذا عمل الاستخلاف والتمكين .
فإذا حققوا ذلك، فالوعود أحلى (( أولئك سيرحمهم الله ))
هل هناك ألطف من رحمة الله وادعى للرضى؟
رحمة هي ظلال الأمن والاطمئنان .
رحمة هي جنة الأرض في رضا الرحمن .
فإذا تحقق هذا الجو الرائع بولاية المؤمنين والمؤمنات ، بولاية الزوج والزوجة والأب والأم والأخ والأخت والابن والابنة00 فالوعد الأخروي اللامتناهي واللامحدود :
مالاعين رأت! ولا أذن سمعت ! ولاخطر على بال بشر!
((جنات تجري من تحتها الأنهار))
((ومساكن طيبة في جنات عدن))
وفوقها ومعها، تظلها، وتورثها أقصى ما يحتمله العقل من تصور (( ورضوان من الله أكبر)) الله أكبر ولله الحمد .
ولله أفراح المحبين عندما يخاطبهم من فوقهم ويسلم
ولله أبصار ترى الله جهرة فلا الضيم يغشاها ولاهي تسأم
ولله كم من خَيِّرة إن تبسمت أضاء لها نور من الفجر أعظم
تُذكر بالرحمن من هو ناظر فينطق بالتسبيح لا يتلعثم
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
و الهادي إلى ذلك :
(( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )) .
إن الزواج أمر عظيم ، يجدد به الله الحياة لأمر يعلمه و نجهله ، قضاه بحكمته و تعجبت منه ملائكته ، و أول خطوة فيه هي تصحيح النية .
فانظر ما نيتك في هذا الأمر ؟
أهو طاعة الله و رسوله صلى الله عليه و سلم : فوفقت و هديت ، أم هو غير ذلك فأصلح نيتك ، كفيت و عوفيت . و انظر ما هو الدور الذي تريده لنفسك ؟ أهو الإنفاق و التنعم فقط أم هو مع ذلك و قبله ، مقام الراعي المسؤول عن رعيته ، يعطي من نفسه و يرى الحياة واجبات لا حقوقاً .
أهو الخائف من الوقوف بين يدي الله فيسأله عمن يعيل أحصّنهم أم أضاعهم ؟
أهو الذي يريد أن يعمر الأرض بذرية يذكرون الله و يرفعون رايته ، يباهي بهم ملائكته و يحقق بهم مراده ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) ، ( آل عمران: من الآية34 ) .
أهو الداعي ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَك ) ، ( البقرة: من الآية128 )
( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ) ، ( الفرقان:74 ) .
يا أخي ، أنت ترعرت في بيت نعمة فإن شكرت زادك الله من فضله ، و النعمة مبطرة إلا لمن جعل الله بين عينيه . و من مظاهر البطر إحساس المرء أنه أرقى أو أسمى أو أقدر أو أكرم من عامة المسلمين فيزهو عليهم و يترفع أو يسمعهم في أصلهم و فصلهم ما يسوؤهم . فإذا خطر للمؤمن هذا الخاطر استغفر و استرجع و علم أن الشيطان داخل عليه فأخزاه و أهانه .
ثم إنك ولدت في زمان يتنافس فيه الناس في الجاه و المال و الحسب و النسب ، و الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، فانظر ماذا يساوي ما عند الناس من هذا الجناح .
( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ
غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) ، ( الحديد:20 )
و اعلم أن المسلم يحظى عند أهله بحسن التبعل و الكرم و الشجاعة . أنظر إلى سيرة خديجة رضي الله عنها و أرضاها كيف ترى في خصال زوجها صفات الكمال التي تبعد عنه سلطان الشيطان و تؤهله للرسالة إذ تقول له و قد عاد من غار حراء يقص عليها ما يرى :
" إنك لتصل الرحم ، و تَصدُق الحديث ، و تحمل الكَلّ، و تُكسب المعدوم ، و تُقري الضعيف ، و تعين على نوائب الحق " .
إنها تقول له أنت رجل حقيقي ، فيه مظاهر الرجولة التي تحمي الضعيف ، و النخوة التي تعين المنكوب و النبل الذي يأسر القلوب و يطوعها .
و اعلم أن المرء في هذه الحياة يحب أموراً جبل عليها و يكره أخرى يعافها ، و لا يستوي البشر فيما يحبون و يكرهون ، إنما يستوي الصالحون إذا كان هواهم تبعاً لما يحبه الله و رسوله ( صلى الله عليه و سلم ) . أما في الأمور المعفي عنها فتختلف المشارب ، و وجب فيها التغاضي و التراضي . و في الأخبار أن خالداً بن صفوان قال لإمرأة تدل على النساء : أبغني إمرأة .
قالت : صفها لي .
قال : أريدها بكراً كثيب أو ثيباً كبكر ، حلوة من قريب ، فخمة من بعيد ، كانت في نعمة فأصابتها فاقة فمعها أدب النعمة و ذل الحاجة ، فإذا أجتمعنا كنا أهل دنيا و إذا أفترقنا كنا أهل آخرة .
قالت : لقد أصبتها لك .
قال : و أين هي ؟(/2)
قالت : في الرفيق الأعلى من الجنة فاعمل لها . ( أنتهى )
ألا لو كنت شاعرا" لقرضت قصيدا" ملهما" يمجد الأسرة المسلمة .
ولو كنت صاحب صوت شذي لأنشدت القوافي في إعلاء شأنها .
ولو كنت عطارا" لمزجت المسك الطري والعنبر القوي وضمختها بها .
ولو كنت مربيا" لقضيت الوقت أوطد دعائمها .
ولو كنت صاحب دعوة مستجابة لدعوته سبحانه أن يجعل الأسرة المسلمة قرة عين لأمة الاسلام .
لو كنت كل هذا وذاك ما أتيت بمثل : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا" لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) .
َأجِل فكرك وجُل بقلبك ، وتلمس أسرار الوجود، غُص في أعماق النفس واسبح في الآفاق .. وانظر ماذا ترى ؟
ترى الوجود معمورا" بالمخلوقات يجمع بينها ذكر وأنثى – زوجين اثنين- و الشارد الفرد لابقاء له ولا استقرار .
ترى الحياة تعج بالأنواع والألوان والأشكال . تتمازج كلها لتخرج خلقا" سويا" – فإذا شذ اعتل وطرد .
ترى الإنسان السوي يفيء إلى زوجه ويسكن إليها ليحققا غاية علوية وسر الوجود .
وترى من يفسد في الأرض ويسفك الدماء مكروها" من الملائكة والانس والجن تنبذه الفطرة السوية .
وترى الفراشة غاية وجودها ومنتهاه أن تضع بيضها ثم ترحل0
أليس في هذا آيات لقوم يتفكرون ؟
أليس في عوالج القلب وميوله آيات لقوم يتفكرون ؟
أليس في تشابه مكونات الأرض ومكونات الجسد من ذرات وما دونها آيات لقوم يتفكرون ؟
مودة ورحمة : وجعل بينكم مودة ورحمة
المودة هي الحب الذي يؤدي إلى الإيثار والذي ينقطع معه البحث في الحقوق ، وتتوالى سلسلة الخير فيتبادل الطرفان مظاهر المودة ومعانيها ، ويرى كل منهما مافي الآخر من حسنات ، ويتعالى على المنغصات فلا يعطيها أكبر من حجمها ، ولايسمح لمسائل بسيطة أن تكبر بفعل الأوهام ونفخ إبليس .
إن كلمة إطراء مستحق ، ونظرة شكر من القلب ، و إحساناً بتواضع - يجعل الطرف الآخر يحس بإنسانيته وبخيريته ويفجر ينابيع الخير فيه ، فتسيل على من حوله لتملأ سواقي الحب .
وإذا جاءت المودة من الأضعف استحثت معاني الرحمة عند الأقوى . انظر إلى ولدك الصغير يقبلك ، ألا يمتلئ قلبك بالحنان والرحمة و العطف فترد له قبلته ؟
وتصدح مع عمر الأميري في قصيدته حُب * :
في تناجي القلوب بالحب روحٌ
فيه للروح والحشا خير قوت
فيه صفوٌ ونشوةٌ وهناء
وانطلاق من الأسى المكبوت
حين تُصغي بعض القلوب لبعضٍ
في الحديث النقي أو في السكوت
يُشرق الله بالصفاء عليها
ويُنادي أعماقها : هل رضيت
في تناجي القلوب بالحب سرٌ
يتسامى بها إلى الملكوت
إن من علامات هذه المودة وهذه الرحمة
سكينة البيت
والعواطف الجياشة
وتقدير شريك الحياة
والتسامح معه
والاستماع إليه بإصغاء
والترفع عن الصغائر
وتقبلُ اختلاف الرأي
والتخفيف من الجدال
وتقبلُ أفعال من تحب بصدر رحب
وبعض هذه الأمور تشير إليها سورة النساء :
(( وعاشروهن بالمعروف )) التي فهم منها صاحب تفسير المنار ألا تضييق في النفقة و لا إيذاء بالقول أو الفعل ، و لا كثرة عبوس وجه وتقطيب عند اللقاء ، وتزين كل طرف للآخر ، وأن يكون كل منهما مدعاة سرور الآخر وسببَ هنائه في معيشته .
إلا أن الأمور لاتستقيم دائماً على هذا ، والشرع يحيط بكل جوانب الحياة لذا توجه الآية في الحال الآخر (( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً )) .
(( فإن كرهتموهن )) لعيب في الخَلق أو الخُلق مما لا يعد ذنباً لهن لأن الأمر ليس في أيديهن فاصبروا ولاتعجلوا بمضارتهن ولا بمفارقتهن لأجل ذلك (( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً )) :
من أولاد نجباء
أو صلاح حالها بصبره وحسن معاشرته
أو تغير حاله واحتياجه إليها **
إن أكثر ما ينغص حياة الانسان أفكاراً خاطئة يحملها ، تجعله غير قادر على رؤية الخير الذي يعُمه والكرم الذي يحف به ، فتراه متململًا يتهم الدهر والحظ العاثر ، بينما سعادته بيده ، فسعادته حال يعيشها في قلبه و فكره ، حال من الرضا والقناعة ، وتسليم بقضاء الله مع إجتهاد لرقي معارج رضاه .
إن العادات المستحكمة والرغبات المتعارضة والخلافات والمسؤوليات يمكن أن تسهم في إيجاد بيئة عائلية متوترة ، بينما تأجيج العاطفة وتقدير شريك الحياة والتسامح والإصغاء وعدم الغضب وتقبل الاختلاف تسهم في إيجاد بيئة عائلية حميمة . و الأمر في يد الانسان ليختار ! فليحسن الأختيار .
طمأنينة *
لو أخذ الإنسان في يومه
لغده ، العبرة من أمسه
وأنفذ النظرة عبر النُهى
تقرأُ سر الغيب في طرسهِ
وأرهف السمع وراء الِحجا
يصغى إلى المقدور في جرسه
لاستشعر الروع طمأنينة
وشام وجه الأنس في بؤسه
وسلم الأمر إلى رحمةٍ
يكتبها الله على نفسه(/3)
و إذا كانت الأهداف العليا للزواج في الإسلام هي : التعارف – التكاثر – السكن – الإسختلاف ، فدعونا نقف عند أحد أهداف الزواج بينته الآية الكريمة إذ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ( الحجرات:13 ) .
إذاً أحد أهداف الخلق أن يتعارف الذكر و الأنثى بالزواج – زواجاً يعين على التقوى – فكيف يتعارف الزوجان ؟
إن كل زواج هو تجربة قائمة بذاتها لها بصماتها و لها عناصرها ، هو بوتقة يتفاعل فيها طرفان رئيسيان ينتجان ذرية بأمر الله تعالى و إلى قيام الساعة . و على مر السنين تتكرر التجربة و تنتج عملاً صالحاً و آخر سيئاً .
الفطرة معدة و الدين يرُشد و التجارب تتوالى . و مازلنا نجد حولنا تجارب ناجحة و أخرى فاشلة و بينهما أمور متشابهات ، و كل منا يجد نفسه مبتدءاً في هذا المجال ، و أن تجاربه لم تفتح له مغاليق النفس البشرية ، فما ينفع في الموقع الفلاني أو الواقعة الفلانية غير ناجح في غيرها حتى أصبحنا ندعوا إلى القيادة الموقفية أو الظرفية ، أي أن يتخلى الإنسان – الزوج هنا أو الزوجة – عن أسلوبه النمطي في التعامل مع الآخر ، و يعتبر كل موقف موقفاً جديداً يحتاج إلى تعامل خاص بحسب حاجة الطرف الثاني و إستعداده . هل هو جاهل في هذا الأمر فيحتاج إلى تعليم ، أم متعلم يحتاج إلى توجيه ، أم ملم يحتاج إلى تشجيع أم خبير يحتاج إلى تفويض .
فإذا كان يحتاج إلى تعليم و كان يتقبل ذلك ، قدمنا له ماعندنا من علم في هذا الأمر بالأسلوب المقبول منه ، و إذا كان في طور التعلم قد بدأ يحبو في هذا الأمر أعطيناه فرصة التجريب مع التوجيه ، و إذا كان ملماً بهذا العلم إلا أنه يجد صعوبات شجعناه ليتابع الطريق ، أما إذا أصبح خبيراً فلن يحتمل كل ماسبق و سيتوقع تفويضه بالكامل .
هذا الأمر ينطبق على الزوج أو الزوجة ثم الأولاد ، فإذا كانت الزوجة هي الخبيرة في أمر ما و كان الزوج هو المتعلم وجب عليها – إن استطاعت – معاملته بهذا الأسلوب و العكس صحيح .
ثم إذا أستطاع الزوجان الحصول على الخبرة اللازمة لمعرفة صفات الطرف الآخر الإجتماعية :
هل الطرف الآخر يندرج تحت مواصفات الفعال أم القوال أم الإجتماعي أم المحلل ، و لكل منهم أسلوبه في التعامل مع الوقائع و الأحداث ، و لكل منهم موقف قبول أو رفض لأساليب في التعامل معه ، فإذا علم الطرف الآخر ذلك ساعده على إختيار أساليب التعامل المقبولة .
خذ مثلاً : لو أن الزوج كان فعالاً أي يؤثر العمل و الإنجاز على الكلام ، و يقيِّم الآخر على أساس إنجازه و ليس أقواله ، و لا يحتمل الكلام الكثير ، و تصور أن الزوجة من النوع التحليلي يهمها الموضوع أكثر من العمل أوتيت جدلاً و نقداً لكل ما يحيط بها ، لا بد أن الطرفين سيحتاجان إلى مهارات عالية جداً في التعامل أو يلجآن إلى أبغض الحلال .
أيها الحفل الكريم :
القرآن يبني الأسرة المسلمة و الأسرة المسلمة تحفظ القرآن و كلما صَعَّدت في معارج الإرتقاء أظلتها أسراره و حفتها نفحاته و سكبت الطمأنينة عليها آياته .
القرآن و الأسرة حصن الإسلام ، تتكسر على جنباته هجمات المغرضين و ترتد زحوفهم و أمواجهم .
فاللهم احفظ أسرنا
و أجعلها حصناً لدينك
و موئلاً لكتابك
و شاهداً بالحق على خلقك
و صلى اللهم على محمد و آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .(/4)
جوهر المسؤولية الفردية والأسس التي تقوم عليها
يتناول الدرس بيان أن جميع مسئوليات الإنسان تنطلق من قاعدة واحدة , وهي أن الإنسان يحمل أمانة في هذه الحياة الدنيا، والأسس التي تحدد بها مسئوليات المسلم واجباته وحقوقه .
أولاً : الأمانة التي حملها الإنسان هي محور المسؤولية والحقوق والواجبات :
إن جميع مسؤوليات الإنسان تنطلق من قاعدة واحدة , وهي أن الإنسان يحمل أمانة في هذه الحياة الدنيا ]: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[72] [ سورة الأحزاب ، فهذه الأمانة هي ممارسة منهاج الله في واقع حياة الإنسان على الأرض؛ لذلك وهب الله الإنسان كل ما يلزمه لحمل هذه الأمانة , فتميز ببعض ذلك عن سائر المخلوقات، ومن أهم ذلك السمع والبصر والفؤاد ؛ لتكون المنافذ التي يستقبل بها آيات الله المبثوثة في الكون، ويستقبل بلاغ الأنبياء والرسل؛ فيعي الإنسان حقيقة الأمانة التي يحملها , فيؤمن بها , ويمضي للوفاء بها: ] قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ[23] [ سورة الملك .
وحين تتعطل هذه القوى عن أداء مهمتها يهبط الإنسان إلى درك الأنعام ؛ بل إلى أضل من ذلك : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ[179] [ سورة الأعراف.
ثانياً : حقوق الإنسان منحة من الله ونعمة منه، وليست منّة من البشر
إن حقوق الإنسان نعمة من الله عليه؛ شرعها الله للناس جميعًا على مختلف المستويات والقدرات والمواهب ؛ حتى لا يتمايز الناس في ميزان الله بالأنساب والدم وأشباه ذلك، ولكن يتمايزون بالوسع والموهبة والقدرات , بالكفاءة والبذل والعطاء والتنافس في ميدان الحق والصلاح في سبيل الله حين يضم ذلك كله التقوى الجامعة في ميادين الحياة كلها : ] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ...[13] [ سورة الحجرات .
ثالثاً : الحق الأول للإنسان حماية فطرته وهو الحق الذي أهملته النظم البشرية
لقد كان من أهم ما عالجته رسالة الإسلام أخطر قضية في حقوق الإنسان، وأول حق من حقوقه؛ إنه ذلك الحق الذي أهملته شرائع الناس، وأهملته لجان حقوق الإنسان وجمعياتها وهيئاتها, إن هذا الحق هو حماية فطرته التي فطره الله عليها، والتي أودعها برحمته الإيمان والتوحيد وسائر الطاقات والميول ؛ لتعمل هذه الطاقات متصلة بالإيمان والتوحيد ؛ ليكون عمل الإنسان بعد ذلك عملاً متصلاً صالحًا، أما إذا انعزل العمل عن هذا النبع , أو جف النبع فلم يروه ؛ فيكون العمل فتنة وفسادًا.
رابعاً : الأسس التي تحدد بها مسؤوليات المسلم واجباته وحقوقه
تتحدد مسؤولية المسلم في واقع الحياة الدنيا على أسس أربعة , تتوازن من خلالها الحقوق والواجبات:
1-المنهاج الرباني: فالمنهاج الرباني يحدد التكاليف الربانية من تفكير وتدبر وإيمان وتوحيد وغير ذلك من تكاليف مفصلة.
2-الوسع: إن التكاليف الربانية هي في حدود وسع الإنسان عامة : ] وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[62] [ سورة المؤمنون, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [إذا أمرتكم بأمر فأتوا فيه ما استطعتم وإذا نهيتكم عنه فاجتنبوه] [رواه الشيخان].
والوسع وسعان :
أ- وسع صادق؛ فالوسع الصادق هو الوسع الذي وهبه الله للإنسان , والذي سيحاسبه عليه.
ب- وسع كاذب , وهو الذي يدعيه الإنسان لنفسه ؛ ليسوغ تقصيره وعدم قيامه ببعض التكاليف الربانية دون عذر شرعي مقبول.
3-النظام الإداري والخطة والنهج: يجب أن تحدد بشكل واضح صلاحيات كل مستوى ومسؤولياته , وأن تحدد أشكال المراقبة والإشراف والتوجيه والمتابعة، ويدخل في ذلك التكاليف أو التعليمات الصادرة في أي مستوى من مستويات النظام الإداري.
4-الواقع: وهو يؤثر كثيرًا في مفهوم الوسع ، وفي النظام الإداري والخطة والنهج والتعليمات والتكاليف الصادرة عن ذلك، ويستطيع هذا الدور تحديد المسؤوليات والحقوق والواجبات بصورة متوازنة عندما يدرس الواقع , ويفهم من خلال المنهاج الرباني. انتهى
اسم الكتاب : المسؤولية الفردية في الإسلام …. تأليف الدكتور/ عدنان على رضا النحوي(/1)
جويف وتحريف مصطلح (الوسطية والاعتدال)
محمد السيد
saif_el_haq@hotmail.com
1- مكانة المصطلح في الثقافة الإسلامية (1من6)
قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) البقرة 143
وقال جل من قائل: ((وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)) الشعراء 84
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) متفق عليه.
1- مقدمة:
ليسمح لي القارئ أن أقتبس مع بعض التصرف فقرة من مقالٍ كنت قد كتبته منذ سنوات طويلة ونشرته –وقتها- في مجلة "البيان" الإخوانية السورية. فقد قلت يومها: ((على ضوء وسطية من فهم الآخر، صدّق البعض منا مقولة رجعية ديننا وثقافتنا وهم يضحكون، ولا ندري: هل يضحكون من بلادتهم، أم من بكاء يرفعون فوقه لافتة الفرح؟ أم لأن مجموعة الهيمنة العولمية قد جمعت لنا بلهاء العالم الآخرين، يصفقون لانهيارنا المتهدل على كتفي وسطية يريدون بها سيرورة تصل بنا كي نكون خرافاً، يهشون بعصيّهم علينا، فنسمع ونطيع ونتنازل مقابل نظرة.. أياً كانت تلك النظرة..؟
آه.. مثل قطيع متعب يجوب سهوباً ناضبة أضحينا، وقد راح الجزّار يُلوِّح له بالقدوم إلى النطع، وكأنه يدعونا إلى بساتين برتقال تتفلت منها خضرة الديار وزهو الرجال، وذلك لنردِّد مع أهزوجتهم الخرقاء بوسطية غابت عنها كل معاني الوسطية والاعتدال، لأنها تريدنا أن نستسلم لانسلال أوطان الإسلام من بين أيدينا قطعة قطعة، مع إنشادنا: نحن الوسطيون لا نملك من الأمر إلا تقديم الخبز للضائعين اللاجئين الذين ديست أوطانهم ونهبت وسرقت. هذه هي الوسطية التي يريدونها، إنها منظومة على مزاج الغزاة لا شوكة لها، ولا هيبة في أرجائها، ولا عهد لمن نسج خيوطها)) انتهى الاقتباس.
واليوم يركب مصطلحَ الوسطية كتّابٌ جعلوا من أنفسهم فقهاء العصر، في حين أنهم أعملوا فيه معاولهم، يتسوقون بها في أسواق معظم الأنظمة الخاوية من أي مشروع جدي لصالح الأمة. لقد كان فالح القوم يدعو ربه بقوله: ((وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ))، لكن كتّابنا اليوم –هم كثر- يقولون: نريد لسان تملّق عند الرسميين لنحظى بشيءٍ من لَمَمِ الموائد ونظرة رضىً نستمرُّ بها في عين وبؤرة الصحائف والشاشات الصغيرة، لذلك تجد هؤلاء لا يرعوون عن القول بكلِّ اتجاه إلا اتجاه الخير الذي يوجِّه إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه، فيرشدنا إلى أنه: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) فمنذ الدعوة الأحمدية في الهند لإلغاء الجهاد ضد الإنجليز تملقاً لهم، وحتى وسم الجهاد بالعنف والإرهاب على يد بعض توابع الكتاب عندنا، ومروراً بإلغاء الجهاد في مؤتمر داكار في السنغال الذي سُمِّي إسلامي فقد ظلَّ هذا الخط في تصاعدٍ مستمر لا يقول خيراً ولا يصمت.
ولإنصاف القضية التي في متناول الساحة الآن.. نتوجه جميعاً إلى مصطلح الوسطية والاعتدال، لنرى مكانه وأبعاده في الثقافة الإسلامية.
2- مكانة مصطلح "الوسطية والاعتدال" في الثقافة الإسلامية:
أ - الوسطية في اللغة: جاء في القاموس المحيط: ((الوَسَطُ)) محركة: من كل شيء أعدله،((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) أي عَدْلاً خياراً.
وجاء في المعجم الوسيط: تَوَسَّطَ، أخذ الوسط، وَوَسَطَ الشيء ما بين طرفيه والوسط المعتدل من كل شيء، والوسط العدل والخير وفي التنزيل ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)): عدولاً وأخياراً. وهو من وسط قومه: من أخيارهم.
ب- الوسطية في الثقافة الإسلامية: إذا رجعنا إلى تفسير ابن كثير لآية هذا المقال نجد أنَّ المصطلح يحمل المعاني التالية، (وهي مأخوذة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفهم الفقهاء لها): أمة وسطاً: خيار الأمم، شهداء على كل الأمم يوم القيامة، والأجود من بين الأمم.. ولذا قيل: قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها، كما قيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه: أي أشرفهم نسباً، ومن ثم سميت صلاة العصر الصلاة الوسطى أي أفضل الصلوات.. كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ويضيف قول ابن كثير: ((ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً، خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب. وفي الحديث عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته، قال فذلك قوله: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً))، قال: والوسط العدل، فَتُدْعَوْنَ فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم)) رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة من طرق عن الأعمش.( من تفسير بن كثير ص335 طبعة أولى دار الأندلس- بيروت 1966).(/1)
ولم أجد معنىً أفضل للوسطية في الثقافة الإسلامية من معنىً جاء في ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله.. لذا لا بأس من اقتباس بعض ما سطره ذلك الرجل المبدع من فكرٍ متميز في ظلاله. فقد قال في المجلد الأول من الظلال الصفحة (131) طبعة دار الشروق التاسعة 1980: ((وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه الحسي)) فأمتنا بهذه المعاني: ((أمة وسطاً في التصور والاعتقاد، لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي)). ((وهي أمة وسطاً في التفكير والشعور لا تجمد على ما عملت فتغلق منافذ التجربة والمعرفة، ولا تتبع كذلك كل ناعق)). ويضيف سيد قطب القول: ((أمة وسطاً في التنظيم والتنسيق، لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر، ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب، إنما ترفع ضمائر البشرية بالتوجيه والتهذيب، وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب وتزاوج بين هذه وتلك)) وفي موضوع العلاقات والارتباطات يقول المبدع سيد قطب: ((أمة وسطاً.. لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة والدولة، ولا تطلقه كذلك فرداً أَثِراً جشعاً لا همَّ له إلا ذاته.. أمة وسطاً في المكان في سرة الأرض، وفي أوسط بقاعها، وما تزال كذلك إلى هذه اللحظة)).
وبناءً على كل ما سبق أستطيع الجزم أن الوسطية كمصطلح إسلامي هي الثقافة العدل، التي تعطي لكل شيء حقه، ولكلِّ موقفٍ ما يناسبه من اللين أو الحزم أو الجزم والقوة، فالوسطية في الثقافة الإسلامية ليست أن تلين حتى تذوب، فيما المناسبات تحتاج إلى قوة وحزم وجزم، ولا أن تهدر وتغضب وتزمجر في المناسبات التي تحتاج إلى الرفق واللين، إن الوسطية هي الخيار العدل المعتدل المبتغي الخير والحق لصاحبه وللناس، لا يفتئت على أحد، ولا يذل لأحد، لا يرق حتى يُكسر، ولا يشتد حتى يَظلم.. ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً..)).. لتكونوا الحكم العدل بين الناس بما حباكم الله من مناهج وشرائع وأخلاق وآداب هي قمة العدل والخير للإنسانية في دنياها وآخرتها.. وذلك من دون إفراطٍ ولا تفري(/2)
جيش الإنجيليين بالمغرب لتنصير المسلمين
أ.
د/إبراهيم عوض
ibrahim_awad9@yahoo.com
(مهداة إلى أ. حسن السرات الكاتب المغربى المعروف)
(قامت الجهات الحكومية المغربية المسؤولة بإجراء تحرياتها وتحقيقاتها حول "المبشرين" الإنجيليين الأمريكيين، واستطاعت إحصاءهم وتدقيق أماكنهم وضبط تحركاتهم وعلاقاتهم، وفيما يلى تحقيق حول هذا الموضوع قامت بإجرائه الصحيفة الأسبوعية المغربية الناطقة بالفرنسية "لا جازيت دى ماروك"، وهى صحيفة مقربة من وزارة الداخلية وبعض الأجهزة الأمنية. وللعلم، فإن المهرجان الذي نُظِّم بمراكش قد تعرض لتعديل كبير بسبب الضغط الإعلامى والسياسى، إذ تخلى المنظمون عن الندوات والملتقيات الحِوَارِيّة وطعَّموا مهرجانهم بفرق موسيقية مغربية شهيرة مثل "جيل جيلالة" و"ناس الغيوان" حتى لا يبقى المهرجان أمريكيا إنجيليا صرفا. ومع ذلك فإن المدير الأمريكى الذي أشرف على المهرجان هو نفسه أحد "المبشرين". كما حرص المنظمون على توسيع دائرة المدعوّين إلى أقصى حد ممكن، حتى لقد وُجِّهت الدعوات إلى أطفال الصفوف الأولى فى المدارس الابتدائية)
السعى إلى تنصير المغاربة:
الموضوع حساس ومقلق جدا على أكثر من صعيد، وأصبح بما يثيره من جدلٍ ملتهبٍ مادةً شهيّةً للصحافة الوطنية والعالمية. وهناك تخوف من النمو الصاعق للمذهب الإنجيلى المتمثل فى تنصير المغاربة، وهو النمو الذى يراه الناس مهددا لوجود المغرب. لقد أصبح الإنجيليون داخل بيوتنا وبين أظْهُرنا، وإن كانوا يعملون فى سرية تامة خوفا من الترحيل أو من تحويلهم للعدالة بناءً على اتهامات خطيرة كالتنصير مثلا.
وسوف يكون نشاطهم من الآن فصاعدا جزءا من المشهد: فمن كتيبات صغيرة وعصابات للرأس تحكى حياة المسيح، إلى أناجيل باللهجة المحلية واستمارات بأعداد وفيرة يملؤها من يريد التحول إلى النصرانية وعناوين "منازل صغيرة" حُوِّلَتْ كنائس، وفوق ذلك كله بِيَعٌ معروفة بأنها أماكن لكسب إنجيليين جُدُد. والواقع أن تكرّر الظاهرة على هذا النحو يدفع إلى الافتراض بأننا إزاء هجوم حقيقى للتبشير الإنجيلى فى المغرب.
وقد قطعت خطة الإنجيليين الأمريكان المعروفة منذ وقت طويل شوطا بعيدا، بل أبعد مما ينبغى، فى إقناع الحكومة المغربية بوجوب توفير الحماية للقُدّاس الذى سيقام فى مراكش تحت ستار مهرجان بعنوان "قافلة الصداقة" ينتظر انعقاده فى المدة من 6 إلى 8 مايو القادم. وسوف يضم هذا المهرجان، حسبما يقول منظموه، حوالى 100000مشارك قادمين من بعيد للتحاور حول الإسلام والنصرانية.
ويبدو أن المهرجان سوف يتخذ موقعه داخل البلاد على يد هؤلاء "المبشرين" الجُدُد الذين لم يعودوا يترددون، كما كانوا يفعلون من قبل، فى انتهاج سبلٍ أكثرَ مجازفةً بُغْيَة نشر الكلمة الطيبة، كلمة المسيح. وتدل شواهد الحال على أن التنصير فى سبيله إلى أن يتم باللهجة المحلية فى شوارع مدننا الرئيسية: الدار البيضاء ومراكش وفاس وأصيلة والرباط وأغادير وطنجة...من خلال شرائط التسجيل وأقراص المشباك التى تدور حول حياة المسيح وشرائط الفيديو التى تُظْهِر النصارى ناسًا طيبين، والمسلمين أشرارًا سيئين.
وإذا كانت الظاهرة قد استنفرت اهتمام الصحافة فقد أدت أيضا إلى إثارة الحكومة ذاتها رغم أن الدستور المغربى ينص على حرية العقيدة. وتقوم الإدارات الحكومية المختلفة، بما فيها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، منذ عدة أسابيع بألوان من التحريات "لمعرفة مدى اتساع" الظاهرة وتحديد أهدافها ومراقبة مواردها المالية والكشف عن أعضاء الشبكات الناشطة الذين يزداد تحمسهم اشتعالا هذه الأيام. ثم لم تُعَتِّم نتائج التحريات أن ظهرت.
جمعيات مشبوهة وتجسس:
والواقع أن الصورة التى توصلنا إليها فى النهاية لا تبشر بخير، إذ جاء فى تقرير سرى مكتوب فى شهر مارس 2005م أن الإنجيليين الأجانب الذين كانوا وراء حالات التنصير هذه (ويبلغ عددهم 800 مبشِّر تقريبا) موجودون فعلا، وأنهم أكثر عددا مما كان يُظَنّ، وأنهم يتخذون من بعض الجمعيات دريئةً لإخفاء أنشطتهم السرية الحقيقية، وأنهم بارعون براعة فائقة فى ممارسة الأنشطة الخفية والقيام بأعمال التبشير بغية تعليم محاسن النصرانية للشباب المغربى. وحسبما روى أحد قساوسة الدار البيضاء أخيرا فقد قام بعض المبشرين الإنجيليين فى وضح النهار فى حى المعاريف بالدار البيضاء بتوزيع نشرات وكتب نصرانية تحوى صورا مثيرة للعواطف تحكى حياة المسيح.(/1)
وهذه الكتب المطبوعة فى الولايات المتحدة باللغة الفرنسية قد وُضِعَتْ خِصِّيصًا لمخاطبة الشباب واعدة إياهم بـ"حياة أفضل وعالم كامل يتوفر فيه كل شىء". والملاحظ أن هؤلاء الإنجيليين الذين يعملون لصالح منظمات غير حكومية ومؤسسات مثل مؤسسة "خدمة الكتاب المقدس فى المغرب"، التى سرعان ما أصبح اسمها: "جمعية الكتاب المقدس الموحدة"، والموجودة فى 180 دولة، ويقع فرعها المغربى فى حى "لو وازيس" من مدينة الدار البيضاء تحت قيادة أمريكى يدعى جاك روزينكو، الملاحظ أن هؤلاء الإنجيليين يضاعفون جهدهم ويستخدمون حججا مسلحة لإقناع الشباب بارتداء الصليب، وتحت أيديهم موارد مالية هائلة تسمح لهم بتوزيع الأطعمة والأدوية مجانا على المواطنين. وطبقا لما ورد فى التقرير فإنهم يلجأون دائما فى اجتذاب الشباب إلى نفس الأسلوب، ألا وهو إغراء المراد تنصيرهم بـ"حياة أفضل" وتقديم حلول إعجازية لمشاكل الحياة اليومية.
التبشير والتنصير:
كثيرا ما يقال إنه لا بد من بذل الجهد البشرى على الأرض قبل التطلع إلى السماء. وفى ضوء هذه الفكرة يمثل الشباب والأشخاص الذين يعانون من ضائقة مادية أو روحية فريسة سهلة. ودائما ما يعمل الإنجيليون على تطوير أنفسهم فى هذا المجال بسرعة عن طريق المدارس التى يتلقى فيها المتعلمون مقررات دراسية لا تعرفها وزارة التعليم الوطنية والتى يحتك فيها الطلاب المغاربة بنظرائهم الأجانب. وترى السلطاتُ فى جماعة الإنجيليين الموجودين فى البلاد مبشِّرين من الطراز الأول. إنهم الحصان المجلِّى فى ميدان التنصير. إنهم ينظرون إلى كل شخص على أنه نصرانى يجهل نفسه، نصرانى بالقوة يمكن إغراؤه بالدخول فى دين يجسد الحياة العصرية. وفى جميع أنحاء البلاد يبذل الإنجيليون، الذين يعملون على جذب أكبر عدد من المشترين لبضاعتهم، كثيرا من الجهود من أجل تعلم اللسان المحلى والعربية الفصحى، وكذلك الأمازيغية والريفية أيضا، فى مدارسَ مغربيةٍ أو دورات دراسية خاصة بغية تأمين وسيلةٍ أفضلَ لدعوة من يريدون إدخالهم فى النصرانية. ومما يزيد الطينَ بِلَّةً ما جاء فى التقرير من أن بعض الإنجيليين يقومون بنشاطات إضافية من بينها التجسس مثلا لحساب دول معينة كإسرائيل، مصطادين بهذه الطريقة عصفورين بحجر واحد.
وفى المدن حيث يعيش الإنجيليون نراهم يشنون حملة تبشيرية مكشوفة تهدف إلى غزو النفوس بطريقة منهجية. كما أن هؤلاء الأصوليين، ولْنُسَمِّهم هكذا، هم فى ذات الوقت تكامليون: إنهم يعملون على أن يكون بإمكانهم ممارسة عقيدتهم فى حرية تامة وأن يتقاسموها مع إخوانهم المغاربة المتنصرين، مستفيدين بهذه الطريقة من بعض الثغرات الدستورية والنصوص القانونية التى تنص بعبارة صريحة واضحة على حرية ممارسة الشعائر بالنسبة لكل مواطن مغربى. ومع ذلك فما يرتكبه المنصِّرون من مخالفات كثيرا ما يُتَّخَذ حجةً من قِبَل السلطات لتسويغ بعض القيود التى تستهدف حرية إقامة الشعائر. وفى هذا الجو المشحون فإن المبشرين لا يترددون عن انتهاج ألوان من المخاطرات من أجل الحصول على أكبر عدد من النصارى الذين يتم تنظيمهم وتمويلهم بناء على مخطَّطٍ دولى يستهدف تنصير الشعوب الإسلامية.
أماكن عبادة سرية:
ولا تنقص المبشرين الوسائلُ التى تساعدهم على إعداد المغاربة المتنصرين بحيث يصبحون بدورهم رسلا للمسيح، وهذا الأمر يتم فى كنائس منزلية ورسمية أيضا منتشرة بأعداد وفيرة فى عاصمة المملكة. ويذكر التقرير السرى المشار إليه عددا من الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية الموجودة فى الرباط بعناوينها وأرقام هواتفها على أساس أن لها صلة بالنشاط التبشيرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر كنيسة القديس بطرس الكاثويكية ، والكنيسة الأنجليكانية البروتستانتية، وكنيسة القديس فرانسيس النصرانية، والكنيسة الأرثوذكسية النصرانية.(/2)
ومن بين الأسماء التى وردت فى التقرير الحكومى الذى نحن بصدده هناك عدد من المبشرين الأجانب (من ذوى الجنسية الأمريكية) والمتنصرين المغاربة فى الدار البيضاء والرباط وأصيلة وفاس. ومنهم أسر مغربية كاملة وموظفون وعاطلون ومدرسون...وهلم جرا، وإن لم تُذْكَر أعدادهم، وهذا أمر طبيعى فى ظل السرية التى يتم فيها النشاط التبشيرى. وحتى لو أخذنا بأشد التقديرات تفاؤلا وقلنا إنهم يبلغون سبعة آلاف فلا شك أننا بإزاء مجموعات أو خلايا متعارفة فيما بينها وتتلقى توجيهاتها من المبشرين حيث تجتمع فى بيتِ واحدٍ من أعضائها كل أحد فى هدوء لقراءة الكتاب المقدس وأداء الصلوات. وحرصًا منهم على عدم لفت الانتباه نراهم يحتالون فى استخدام اللغة بطريقة مضللة مستعينين بتعبيرات مأخوذة من الثقافة المحلية بغية خداع السلطات المغربية التى تعمل على مراقبتهم. ومن ناحية أخرى فإن الحكومة تتابع عن كثبٍ هذه الظاهرة، وتضع تحت المراقبة الأشخاص الذين يترددون على عدد من الكنائس حيث يلاحَظ الوجود المكثف للشرطة حسب رواية قسيس الدار البيضاء.
كل هذا، ولم نتطرق للكلام عن الأساليب الحديثة التى ينتهجها المبشرون فى بث دعوتهم، مثل المواقع المشباكية النصرانية (موقع الحوار المغربى مثلا)، والإذاعة والتلفزة عن طريق الأقمار الصناعية، والأشرطة المسموعة والمرئية، وترجمات الكتاب المقدس التى توزَّع بكميات هائلة فى مكتبات مثل "أوكارفور الكتاب" بالدار البيضاء، و"هاشير" بمراكش، و "كليلة ودمنة" بالرباط وغيرها، وهو ما عرّضهم للهجوم العنيف من جانب الفريق الاستقلالى فى البرلمان، الذى وجَّه إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد توفيق، النقد الشديد على ما تنتهجه الدولة من صمت فى مواجهة التنامى الملحوظ للإنجيليين فى البلاد، أولئك الذين يستغلون العمل الإنسانى فى نشاطهم التبشيرى، مركِّزين فى اختيار ضحاياهم على الأشخاص المُعْدِمين.
ملمحٌ طائفىٌّ أكيد:
ومما كشف عنه التحقيق أن الإنسان قد يتنصَّر لقاء مبلغ من المال ووعود بألوان الرعاية الصحية المختلفة أو تأشيرة دخول بالنسبة للأجنبى. ويقول التقرير إن بعض القنصليات الأوربية تغدق بسهولة كبيرة تأشيرات الدخول إلى بلادها على من يقدِّم نفسه إليها من المغاربة على أنه نصرانى "مضطهَد". وهذا الكنز الثمين الذى يحصل عليه هؤلاء المتنصرون يعد بالنسبة للمواطن العادى حُلْمًا مستحيلا.
ومع هذا فلا بد هنا من بعض التوضيح، فرغم أن الأب جان لوك بلان لا ينفى وجود الإنجيليين نراه يؤكد فى ذات الوقت أنه ما من مبشر أو "طائفة" تعمل تحت مظلة "الكنيسة الإنجيلية المغربية" أو "الكنيسة الأنجليكانية"، وهما كنيستا المغرب البروتستانتيتان التاريخيتان. ويقول الأب المذكور إنه إذا كان هناك مبشرون من هذا النوع فإنهم يعملون تحت إمرة منظمات لا علاقة لكنيستنا بها ولا نعرفها. ثم لا تنس أن الكنائس ليست هى التى تمنح تأشيرات الإقامة. ومهما تكن حقيقة ما يدور خلف الستار فإن الكنائس الإنجيلية الفيدرالية لا يمكن أن يُنْظَر إليها على أنها طوائف بأى حال. إن هذا غير ممكن، فدورها ينحصر فى استقبال النصارى البروتستانت الموجودين بالمغرب والأخذ بأيديهم فى مسعاهم الروحى وتوفير مكان يؤدون فيه صلواتهم. أما الآخرون الذين يعملون فى الظلام، كما هو الحال مع التكامليين عندنا، فهؤلاء هم الذين يزعجون السلطات ورجال السياسة ويثيرون الجدل. لكن هل يشكلون مع ذلك خطرا على الوطن وديانته؟ يقول الأب جان لوك لوبان راعى الكنيسة الإنجيلية بالمغرب إنه لا يظن ذلك، إذ لا تمثل هذه الأقلية الضئيلة فى نظره أحدا آخر سوى نفسها.
ومع ذلك فإننا نسمع الخطباء فى هذه الأثناء يصرخون من فوق منابرهم أيام الجمع محذرين من الخطر الذى يمثله هؤلاء الإنجيليون الوافدون من الخارج. إن هؤلاء العساكر الجدد الذين تبعث بهم الكنيسة بانتظام لتنصير الناس هنا لأكبر دليل على وجود هذه الظاهرة. وهذا مُعْطًى جديدٌ يرى فيه الإِخْصائيّون ملمحا طائفيا أكيدا.
(صحيفة "ل اجازيت دى ماروك" المغربية الأسبوعية/ العدد 416/ الاثنين 18 أبريل 2005/ ص 22- 24)
ملاحظة: يرجع الفضل إلى الأستاذ حسن السرّات فى إمدادى بهذا المقال وفى مراجعته بعد ترجمتى إياه وتنبيهى إلى الصواب فيما يخص بعض أسماء الأعلام المغربية، وكذلك فى كتابة المقدمة التى كنت أنوى إضافتها فيما بعد، وهى الفقرة الأولى الموضوعة بين قوسين، لكنه سبقنى وأضافها مشكورا، فأبقيتها كما هى ما عدا تغيير بعض الكلمات التى لا تقدم ولا تؤخر كثيرا. والآن إلى النص الفرنسى كما ورد فى الصحيفة المغربية المذكورة(/3)
جيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء الإسلام
أنور الجندي
دار الاعتصام
###3###
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل إلى البحث
إن من طبيعة الفكر الإسلامي أن يعقد مقارنة بين جيل وجيل لتقييم ما طرحه الجيل السابق ووزنه بميزان الأصالة والتقدير الحقيقي الحر البعيد عن الأهواء المتحرر من الولاء والخضوع لما خضع له الجيل السابق، وقد تتابعت في تاريخ الفكر الإسلامي عملية (إعادة النظر) وإعادة تقييم المراحل هذه، حتى غدت مسألة طبيعية بل وضرورية لمواكبة سير الإنسانية على الطريق الصحيح إلى الغاية الأصيلة وتصفية الفكر الإسلامي في كل مرحلة من الدخائل.
ومنذ ظهرت طلائع حركة اليقظة الإسلامية بمفاهيم المنهج القرآني الأصيلة بدأت عملية إعادة النظر في كل ما كتب في مرحلة النفوذ الأجنبي والاحتواء والسيطرة الأجنبية والتبعية للفكر الغربي المسيطر من خلال معاهد الإرساليات والابتعاث إلى البلاد الأجنبية وما حمله هؤلاء العائدون من مذاهب ونظريات وما حاولوا من خلاله إخضاع الفكر الإسلامي وتاريخ الإسلام والتراث إليه من نظريات تقوم على أساس الفلسفة المادية والانشطارية التي عرف بها الفكر الغربي وتلك قضية كبرى معروفة تحت اسم: حركة التغريب والغزو الثقافي.
واليوم ترتفع صيحة في معسكر التغريب والغزو الثقافي تعارض هذه المراجعة وتصد هذا التقييم الذي يقوم به رواد حركة اليقظة بمفاهيم الإسلام للفكر المعاصر الذي خضع فترة للنفوذ الأجنبي وجرت محاولة احتوائه وتدميره وتغريبه.
وهذه الصيحة اليوم تحمل رمزًا لامعًا خطيرًا هو التساؤل عن الخطأ الذي يجري في مواجهة جيل العمالقة والقمم الشوامخ، هؤلاء الذين قدموا للأمة ذلك الفيض الدافق من البطاقات والآراء والنظريات التي تقوم عليها الآن الدراسات العربية والأدب والشعر والفن وفي مختلف مجالات الفكر.
###4### والحقيقة أن ما قدمته هذه المدرسة التي يسمونها تارة باسم الرواد وتارة باسم جيل العمالقة والقمم الشوامخ، ليس إلا عصارات من الفكر الغربي انتزعت من هنا أو هناك، وخلاصات ومترجمات لمضامين ذلك الفكر الذي سيطر على الغرب تحت اسم الفلسفة المادية ومدرسة العلوم الاجتماعية والتحليل النفسي، وهو خلاصة ما كتب دارون ودوركايم وفرويد وسارتر وماركس وانجلز ومترجمات للقصص الجنسي والإباحي من الأدب الفرنسي وكان الصراع في أول الأمر قائمًا بين اللاتينيون والسكسون هؤلاء مع المدرسة الإنجليزية (العقاد والمازني وشكري) وأولئك مع المدرسة الفرنسية (خليل مطران وطه حسين وهيكل).
ثم جاء الصراع الثاني بين المدرسة الليبرالية (لطفي السيد – طه حسين، وحسين فوزي وزكي نجيب محمود) ومن المدرسة الكلاسيكية (سلامة موسى وحسين فوزي ومندور) ثم جاءت المدرسة الإنسانية الماسونية (الهومنيزم) وعلى رأسها لويس عوض.
وكل ما قدم في هذه المرحلة منذ بدأت هذه المدرسة على يد أستاذ الجيل (لطفي السيد) وحتى اليوم هو فتات موائد الغرب بشقيه، ولم يكن هؤلاء الأدباء والكتاب من أصحاب الأسماء اللامعة إلا قناطر بين الساحلين، ولم يكن ما نقل خلال هذه الفترة سواء على لسان من قدموه على أنه فكرهم الخالص أو ما ترجموه، لم يكن فكرًا حرًا خالصًا أريد به خدمة هذه الأمة، ولم يكن مقصودًا به ترسيخ الوجود الفكري الثقافي لأمة تملك مفهومًا أساسيًا جامعًا للفكر والحياة والمجتمع، وإنما كان فكرًا متحيزًا مقصود به تسميم قنوات الفكر الإسلامي وإفسادها وتحويل وجهة هذه الأمة وتغيير ملامحها والقضاء على ذاتيتها وأعرافها الإسلامية والعربية الأصيلة، كان هذا واضحًا في كل ما نقل وما ترجم حتى فيما وصى به من إحياء التراث الإسلامي العربي، كان هدف ذلك كله الدعوة إلى إخراج هذه الأمة من مقوماتها الأصيلة وصهرها في بوتقة الفكر الغربي المادي اللحد الوثني ربيب الفكر الإغريقي القائم على علم الأصنام ودفع هذه الأمة بعيدًا عن طريقها الأصيل بوصفها صاحبة المنهج التجريبي الذي صنع الحضارة المعاصرة، وصاحبة منهج المعرفة ذي الجناحين (الروح والمادة) والقائم على منهج الثوابت والمتغيرات إلى منهج انشطاري مادي خالص، وحق في هذا ما قال البعض بأنهم أخذوا المنهج العلمي ###5### التجريبي مع المسلمين وأوردوا المسلمين إلى منهج أرسطو الذي رفضه المسلمون قديمًا وهاجمته الحضارة المعاصرة في عصر النهضة.(/1)
إذن فالحملة المثارة تحت عنوان خطير: (هدم الشوامخ من أجل من) هي محاولة جديدة لمحاولة تثبيت دعائم هذه المؤامرة القديمة التي تكشف مخططها، ومغالطة واضحة تقوم على التعميم يهدم الشوامخ فمن هؤلاء الشوامخ الذي جرى هدمهم، وهل من أجل أمثال طه حسين ولويس عوض وحسين فوزي وتوفيق الحكيم وزكي نجيب محمود يطلق اسم الشوامخ بينما حقيقة الأمر أن الشوامخ هم غير هؤلاء، إنهم أولئك المجاهدون الصادقون الذين لا يذكرهم أحد ولا يتحدث عنهم أحد، الذين وضعوا في الظن وأقيمت حولهم مؤامرة الصمت، لأنهم قدموا لأمتهم معطيات وافرة ودلوا أمتهم على طريق الأصالة والنهضة الحقيقية.
والحقيقة التي يتجاهلها أتباع التغريب والغزو الثقافي أن الشوامخ والعمالقة الحقيقيون ليسوا هؤلاء، وإنما أولئك الذين نسيهم الناس وتجاهلتهم الصحافة وحجبهم الإعلام، وإذا أيد أمر واحد منهم بتأليف كتاب عنه وقفت أمثال الدكتورة سهير القلماوي لتقول: من هذا، من هو (عبد العزيز جاويش) ذلك لأن جاويش ليس من مدرسة لطفي السيد وكان خصمًا لخصوم الإسلام والعربية ومدافعًا عن اللغة العربية أمام المستشرقين الذين حاولوا اغتيالها في مؤتمر الجزائر سنة 1905.
وكثيرون هم الشوامخ الحقيقيون، ولكن طه حسين وهؤلاء ليسوا إلا أقزام من التغريبيين غلمان المستشرقين الذين أعطاهم النفوذ الأجنبي هذه الشهرة والمكانة وظل يدافع عنهم حتى اليوم، حماية لوجودهم من خلالهم وإلا فقل لي بربك من غير طه حسين يقام له حفل سنوي يدعى إليه المستشرقون من كل مكان في أوروبا، ولماذا لا يقام هذا التقدير لمصطفى صادق الرافعي أو رشيد رضا أو شكيب أرسلان.
الحقيقة أن هذه الحملة تحت اسم هدم الشوامخ هي حملة باطلة وإلا فمن الذي هدم جمال الدين الأفغاني والمتنبي وابن خلدون في العصر الحديث، أليسوا هم أولئك الشوامخ في تقدير التغريبيين.
###6### 2- تقييم المحصول الذي قدمه جيل الرواد بميزان الإسلام
إننا إذا أعدنا النظر في تقسيم هذا المحصول الذي قدمه جيل الرواد وجدنا فيه الشيء القليل النافع الإيجابي ووجدنا أغلبه مما قذفتنا به رياح السموم، هذه الأطروحات التي كتبها الأعلام الذين تصدروا الحياة الأدبية: ما وزنها في مجال البحث العلمي: لقد تبين أن رسالة الدكتور طه للدكتوراه في السربون عن ابن خلدون هي ترديد لأفكار اليهودي الحاقد على الإسلام وأعلامه (دوركايم) وأنها تنتقص هذا الرجل انتقاصًا شديدًا، ونجد أطروحة منصور فهمي عن (المرأة في التقاليد الإسلامية) وهي ترديد صارخ لأكاذيب المستشرقين واتهامهم للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه استثنى نفسه من قانون الزواج وهي أفكار دهاقنة اليهود، وإذا نظرنا في رسالة زكي مبارك عن (الأخلاق عند الغزالي) نجدها ترديدًا لأكاذيب المستشرقين عن الغزالي واتهامه بأنه متأثر بالمسيحية، فإذا راجعنا كتاب (مع المتنبي) لطه حسين وجدناه مأخوذًا من أحقاد المستشرقين وفي مقدمتهم (بلاشير).
فإذا راجعنا كتاب علي عبد الرازق عن (الإسلام وأصول الحكم) وجدناه مأخوذًا بكامله من رسالة لمرجليوث، وإذا نظرنا في كتاب (الشعر الجاهلي) وجدناه مرددًا لنظرية قدمها مرجليوث أيضًا عن انتحال الشعر يرمي بها القرآن نفسه، أما آراء سلامة موسى فقد كانت منقولة نقلا مباشرًا من كتابات: داروين وفرويد وماركس ودوركايم.
أما العقاد فقد تأثر تأثرًا واضحًا بنظريات مقارنات الأديان في كتابه عن (الله) وتأثر بنظريات الوراثة في كتاباته عن الصحابة.
كان الهدف هو إخضاع الفكر الإسلامي في مختلف جوانبه للنظرية المادية الغربية، بدأ ذلك جرجي زيدان في كتاباته عن الأدب العربي والتمدن الإسلامي والروايات الإسلامية، ومضى على الطريق كل من جاء بعد ذلك، فكتاب ###7### (حياة محمد) على ما به من دفاع عن الإسلام خرج من عباءة المستشرقين وكتاب التغريب وتبنى نظريات الكاثوليكي الفرنسي (دوركايم) وأنكر ما سوى القرآن من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ورفض مفهوم الإسراء بالروح والجسم وتبنى عديدًا من مفاهيم الفكر المسيحي الغربي.
أما الذين قدموا مفاهيم الإسلام الأصيلة فقد أبقاهم النفوذ الغربي المسيطر على الحياة الثقافية في مصر والبلاد العربية – إبقاءهم في الظل فقد سبقت ولحقت كتابات هيكل عن الرسول صلى الله عليه وسلم كتابات كثيرة: (محمد أحمد جاد المولى، محمد مصطفى نجيب).
ومن بعد جاء محمد الغزالي, محمد سعيد البوطي, أبو الحسن الندوي, وكثيرون ولكن هناك تركيز في دائرة الضوء على كتاب معين أو كتب بعينها وفي مختلف الميادين الفكرية والثقافية تجد التعتيم نحو الأسماء الكريمة الأصيلة وهناك مؤامرة الصمت قائمة إزاءها وإزاء كتاباتها:(/2)
أي الفريقين أحق بأن يوصف بالشموخ والريادة وجيل العمالقة: هؤلاء أتباع التغريب وغلمان المستشرقين والذين حملوا لواء تزييف الفكر في كل مجال من مجالاته حيث سيطر لطفي السيد على الدعوى العامية أو قاسم أمين لإخراج المرأة من بيئتها أم سعد زغلول لدعوة تعليم اللغة الإنجليزية أم طه حسين للدعوة للأدب الفرنسي أم سلامة موسى للدعوة على دارون وفرويد وماركس، أم حسين فوزي للدعوة إلى الموسيقى الصاخبة أم لويس عوض للدعوة إلى الفرعونية أم ساطع الحصري للدعوة على القومية الغربية أم على عبد الرازق للدعوة إلى العلمانية... هؤلاء أحق بأن يوصفوا بأنهم الشوامخ وتقوم الأقلام لحمايتهم من كشف زيفهم ومن تعرية خبثهم ومن وضعهم في مكانهم الصحيح فلا تخدع بهم الأمة، أم هؤلاء الأبرار:
جمال الدين، محمد عبده، مصطفى صادق الرافعي، رشيد رضا، شكيب أرسلان، محب الدين الخطيب، أحمد زكي باشا، طاهر الجزائري، أحمد تيمور، المويلحي، الكواكبي، علال الفاسي، عبد العزيز جاويش، البكري، المنفلوطي، الزيات، ###8### الثعالبي، عبد الرحمن عزام، عبد الوهاب عزام، عبد الحميد بن إدريس، حسن البنا، حسن حسني عبد الوهاب، فريد وجدي، الغلابيني، طنطاوي جوهري، عبد الوهاب خلاف وآخرون.
هؤلاء في الحقيقة هم الذين صنعوا نهضة مصر والشرق والإسلام وخاصة في مجال النضال الوطني والتحرر من النفوذ الأجنبي هؤلاء هم الذين وضعوا قواعد البناء الفكري الإسلامي الحديث.
ولقد ادعى لطفي السيد وسعد زغلول وطه حسين أنهم أولياء جمال الدين أو محمد عبده، ولكن طريقتهم وأسلوبهم كذب هذه الدعوة وكشف زيفها، بل أن طه حسين نفسه أعلن خروجه على محمد عبده، وأحمد زكي باشا، والشيخ الخضري، أساتذته وهاجمهم.
إن الحقيقة التي لا يختلف فيها الآن بعد أن ظهرت عشرات الدراسات مصححة للوقائع، في ضوء مفهوم اليقظة الإسلامية، أن هذه الأسماء اللامعة التي ما تزال تتردد، إنما يراد بها أن تحجب تلك الأضواء الساطعة، وهي في الحقيقة لم تصنع تلك النهضة، وإنما صنعها أولئك الأبرار ووضعوا لها القواعد، هذه الأسماء المجهلة في ميزان الشهرة المعاصرة الكاذبة التي يوقد نارها التغريب والاستشراق، أولئك المخلصون الصادقون فإن أحدًا لم يذكرهم اليوم، أما هؤلاء الذين خدعوا الناس بأن حملوا لواء قيادة الفكر فإنهم لا يمكن وصفهم بالريادة ولا بالبطولة ولا بالقيادة لأن عوامل ذلك كله تنقصهم وأبرز عوامل قبول الأمة لهم وإيمانها بصدقهم وثقتها فيهم، أنهم لم يكسبوا شهرتهم نتيجة خصوبة فكرهم أو صدق إيمانهم وإنما لأنهم عملوا في مجال السياسة والحزبية والصحافة يومًا بعد يوم، في ذلك الركام المضطرب العاصف من الصراع الحزبي والجدل السياسي والهجاء المرير فأعطاهم هذا كله: ذلك البريق وتلك الشهرة، واستطاعوا أن يركبوا كل موجة فلما جاءت موجة الإسلام ركبوها ظنًا منهم أن يسيطروا عليها ودفعًا من سادتهم لكي يحولوا وجهتها.
هذا ما أعطاهم الشهرة (وهي ليست مقياسًا حقيقيًا للبطولة) أما جهدهم الحقيقي في مجال بناء النهضة فهو قليل بل هم المعوقين لها الذين شقوا جبهتها الموحدة، ###9### وأمثال هؤلاء اللامعين لم تكن كتاباتهم في الأدب والفكر تساوي واحدًا من مائة من كتاباتهم السياسية والحزبية المنسية بأدنى ألوان الجدل والهجاء، ولم تكن تساوي واحدًا من ألف من كتابات ذوي الأصالة والثقافة والنتاج الجيد وأصحاب الأقلام الموجهة لخدمة كلمة الله الداعية لأن تكون كلمة الله هي العليا.
ولكن السياسة والحزبية والنفوذ التغريبي هو الذي أعطاهم لمعان الاسم حتى جاء اليوم الذي يسمون فيه بالقمم الشوامخ.
إن أسماء كثيرة هي التي أعطت النهضة الإسلامية دفعتها القوية من علماء ومن كتاب يمثلون الأصالة الحقة وليس أولئك المغربون هم الذين قاموا بهذا الدور، ونحن لا ننكر عنهم أنهم شاركوا فيه بجهد ضئيل (ولكن ما قدموه وصف يومًا بأنه أشبه بالخروب: خشب كثير وسكر قليل) وكانت لهم أخطاء وانحرافات وقليل منهم من صدق الله النية في العودة إلى الحق، ذلك أنهم كانوا غربيين بحكم الثقافة الأولى التي كونتهم ولذلك كان دخولهم إلى فهم الإسلام ليس نقيًا النقاء الكامل بل كانت تختلط به تشوهات الفكر المادي وتراكمات المفاهيم الإغريقية والرومانية والمسيحية المسيطرة عن نتاج الفكر الغربي كله. ولأنهم بدأوا كتاباتهم الإسلامية بمناهج الغرب – كانوا كالمستشرقين – أعجز عن فهم مناهج الإسلام فتخبطوا وأخطأوا، ونقلوا عن كتب التبشير وكتب الاستشراق وعجزوا عن الأصالة الحقة.(/3)
يقول الدكتور محمد محمد حسين: إن طه حسين والعقاد لا ينتميان أصلا إلى المدرسة الإسلامية من الناحية الفكرية، ولكنهما ينتميان منذ نشأتهما الأولى إلى (المدرسة الليبرالية) المتحررة التي تعتبر (لطفي السيد) أستاذها الأول في جيلها، والمدرسة الليبرالية تحكم العقل المجرد والمتحرر من كل المواريث الفكرية والسلوكية، في كل شيء، ولا نبالي أن تلتقي مع الدين في كل وجهات النظر أو بعضها أو تتعارض معه وتخالفه، ولكن طه حسين كان أكثر عنفًا وأكثر جرأة في معارضة الدين، وفي المجاهرة بما يثير الناس ليلفت إلى نفسه الأنظار، لقد هاجم طه حسين أباه فما كان يتلوه من أوراد في أعقاب الصلاة وفي الليل (في كتاب الأيام) غير أن طه حسين والعقاد قد اكتسحتهما الوجهة الإسلامية العارمة فتتابعت كتبهما بعد ###10### أصبح ذلك هو البدع الشائع الذي يغمر الأسواق، ولم يعد التشدق بالكفر ونظرياته المستوردة سمة من سمات المفكرين، تستهوي الإغراء من الثبات كما كان في العشرينات. ويرجع هذا الانقلاب الفكري إلى عدة عوامل عدلت بالناس وبكثير من المفكرين عن طريق احتذاء الحضارة الغربية والفكر الغربي وردتهم إلى طريق الإسلام منها، موجة التنصر وهجرة اليهود إلى فلسطين وسقوط الخلافة على يد الكماليين، وظهور جمعيات إسلامية عظيمة.
إن هناك قاعدة أساسية ينبغي أن توضع في الحسبان حين يوزن الأدباء والمفكرون من وجهة النظر الإسلامية، وهي أن الإسلام نظرية في السلوك بمثل ما أنه نظرية في المعرفة ولذلك كان من المهم أن لا يقبل فكر إسلامي أو أدب إسلامي من مفكر أو أدب لا يمار الإسلام ولا يلتزم به ومعروف أن طه حسين والعقاد لم يكونا ممارسين الإسلام في أصوله الأصيلة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن كتاب مصر هؤلاء: الشوامخ الرواد، لم يحاربوا الاستعمار ولا الاستبداد،(/4)
جيل صلاح الدين
الحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ?يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً، واتَّقُوا اللَّهَ الذي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً?[ النساء:1]. ?يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُون? [آل عمران:102]. ? يا أيُّهَا الَّذين آمَنوا اتَّقُوا اللَّه وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمالَكُمْ، ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً? [الأحزاب:71].
في كل عام وفي مثل هذه الأيام يتحدث المتحدثون ويخطب الخطباء ويحاضر المحاضرون عن القضية والحدث، القضية هي قضية الأمة الإسلامية قضية ضياع فلسطين واغتصابها من قبل أعداء الله اليهود والصليبين الذين يمدونهم في الغي والضلال ثم لا يقصرون. أما الحدث والمناسبة فهي مناسبة الإسراء والمعراج تلك الحادثة العظمى التي أكرم الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ولست بصدد ذكر وقائعها وتفصيلاتها، فقد ذكرها الله عز وجل في كتابه وفصلت السنة والسيرة النبوية أحداث ووقائع تلك الآية الكبرى والمعجزة العظمى ونحن نقرأها في كل وقت وحين. إن معظم الذين يتحدثون عن مأساة فلسطين وضياعها ويتباكون عليها يتعاملون مع الأحداث مجردة عن أسبابها ونتائجها ، إن البعض ينادي بقائد رباني كصلاح الدين ليحرر بيت المقدس من دنس اليهود الحاقدين.
والبعض يختزل التاريخ والأحداث ويخلص من ذلك إلى أن ما تحتاجه الأمة الإسلامية في معاركها الداخلية والخارجية اليوم، هو وجود قائد مسلم يستلهم روح الجهاد، ويعبئ الصفوف ويعلن المعركة، ومع إيماننا بما للقيادة من أثر في تقويم الأمور وإصلاحها إلا أن آيات القرآن الكريم تقرر حقيقة ثابتة هي أن التغيير إلى الأفضل أو الأسوأ لا يحدث إلا إذا سبقه تغيير جماعي يقوم به القوم لا الأفراد ، تغيير لما بالأنفس من مفاهيم واتجاهات تنعكس على أحوالهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية كما قال تعالى: ? ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ...?[ الأنفال:53]. وقال: ? ...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...?[الرعد:11].
إن حصر الانتصار بشخص أو ربط الهزيمة بفرد دون النظر إلى الأمراض الحقيقية التي تنخر في جسم الأمة من داخلها هو حماقة ، وخداع للنفس وتضليل لها.
وإذا ما نظرنا إلى جيل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله والذين قادوا عملية التغيير وحققوا للأمة النصر على الأعداء الداخليين والخارجيين سنجد أنهم بدؤوا أول ما بدؤوا بتحقيق هذه السنة والأخذ بها، إنها سنة التغيير الشامل لما في النفوس وإن المتأمل في الحقبة التاريخية التي مهدت للصليبيين الاستيلاء على بيت المقدس سيجد أن سلبيات كثيرة قد وقعت فيها الأمة الإسلامية ، ومن تلك العوامل التعصب المذهبي البغيض الذي مزق الأمة وفرق كلمتها وأجج فيها روح العداء والتشاحن والخصام ، لقد انشغل علماء الأمة ومفكروها بأنفسهم، وابتعدوا عن وظيفتهم الأساسية في تعليم الناس وتربيتهم على قيم الدين وأخلاق الإيمان وحين انشغل أهل العلم والفتوى بخلافاتهم، وتركوا فراغاً ملأه المتطفلون من أنصاف العلماء والمتعلمين والبلداء فضلوا وأضلوا، وكان هذا من أعظم التحديات التي واجهت الأمة لقد طمسوا معالم الدين وحرفوا مفاهيمه ، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله . ومن السلبيات التي ظهرت في ذلك العصر ظهور فرق الباطنية بما تحمله من أفكار ومعتقدات مناهضة للإسلام والمسلمين فقد انتشر دعاة هذه الفرق الضالة في غرب العالم الإسلامي وشرقه، ناشرين للفساد مثيرين للفتن والقلاقل. كما قاموا باغتيال الشخصيات التي تفضحهم وتبين كفرهم فقد قتلوا مئات القادة والعلماء والسلاطين، ونشروا الرعب في كل مكان.
لقد انفتح المجال للعقائد الفكرية والاتجاهات الإلحادية التي كان يقف وراءها المجوس واليهود والصليبيون الذين تهاوت حضاراتهم وفلسفاتهم أمام الفتح الإسلامي، وحينها عجزوا عن مقاومة الإسلام، فقد أظهره الله رغم أنوفهم فناصبوه العداء وأرادوا أن يكيدوا له من الداخل ويغيروا دين الله، فكانت تلك الفرق صورة من صور كيدهم ومكرهم.(/1)
ومن سلبيات ذلك العصر ـ ما قبل صلاح الدين ـ فساد الحياة الاجتماعية والاقتصادية ومن الأمثلة على ذلك الفساد في مجال الاقتصاد أن الدولة تفننت في أنواع من الضرائب والابتزاز، حتى أن الحجاج كانوا يدفعون الكثير للبلد الذي يمرون فيه، واقتفى الجند الآثار للأمراء والوزراء في النهب والسلب، فكانوا يستغلون الاهتزازات الأمنية التي تحدث نتيجة للفتن والحروب، وينهبون المدن والمحال التجارية والبيوت ويأتون على الأخضر واليابس وتفنن التجار في الاحتكار ورفع الأسعار خاصة خلال الأزمات والمجاعات.
ومن سلبيات تلك الحقبة ظهور اللهو والفساد الخلقي فقد انتشرت المنكرات والموبقات. من شرب الخمور وشيوع الزنا والفجور.
ومن سلبيات تلك المرحلة، الانقسام السياسي بين المسلمين، إذ ظهرت دويلات في الشام والعراق وغيرهما، وكانت العلاقة بين تلك الدويلات علاقة صراعات وحروب، وانعكس ذلك على الجماهير الذين كانوا يعانون من حكامهم الويل، وحصل التنافر بين الجماهير الإسلامية وحكامها الذين طالما أذاقوها العذاب والذل والهوان، واشتغل الصليبيون حالة الوهن والضعف فأغاروا على البلاد ، وفتكوا بالعباد وكان أمراء بعض البلاد أكثر شراً من الصليبيين، وكان هؤلاء من الظلمة والطغاة والباطنيين الذين ارتكبوا في حق الأمة أقبح الجرائم التي تقشعر منها الأبدان.
لتلك السلبيات التي وقع فيها المسلمون وغيرها فقد كانوا مهيئين للاحتلال ولم يصمدوا أما الهجمات الصليبية بل سارع بعض زعماء تلك الدويلات إلى الدخول في طاعة الصليبيين ودفع الأموال إليهم مقابل البقاء في مناصبهم.
وسقطت المدن والقرى وسقط بيت المقدس بأيدي الصليبيين عام 492هـ واقترف الصليبيون أبشع المذابح والمجازر ضد المسلمين في كل مدينة أو قرية دخلوها، وخاضت خيولهم في دماء الضحايا من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ فيما كانت القيادات والزعامات مشغولة بشؤونها الصغيرة الحقيرة وقضاياها التافهة. لم تحركهم دماء أكثر من سبعين ألف شهيد من المجاورين لبيت المقدس من العلماء والعباد والزهاد الذين فتك بهم الصليبيون في ساحة المسجد الأقصى. إنها أوضاع مؤلمة مرت بها الأمة وهي شبيهة بأوضاعنا الراهنة اليوم. إن الأسباب التي أدت إلى سقوط المسجد الأقصى سنة 492هـ في يد الصليبيين هي ذات الأسباب التي أدت إلى سقوط فلسطين في يد اليهود سنة 1948م.
لقد اشتدت الحاجة إلى تغيير الاتجاهات التي كانت قائمة في المجتمع، ومواجهة التحديات وصار العالم الإسلامي أمام مصيرين لا ثالث لهما: فإما أن يغير من أوضاعه تغييراً جذرياً من داخله، أو أن يستسلم للتحديات التي تنذر بتدميره والإجهاز عليه. ولقد مرت عملية التغيير بمرحلتين:
الأولى: تمثلت في إصلاح سياسي قاده السلاجقة، ووجههم العلماء الربانيون مما أثمر حشد طاقات الأمة وحماية بيضتها من الأخطار الخارجية بجهاد الأعداء ومقاومتهم.
والمرحلة الثانية: تمثلت في تربية الأمة وتعليمها وتصحيح مفاهيمها ومعتقداتها وإشاعة القيم الدينية والأخلاقية، وقام العلماء الربانيون والأمراء الصالحون بحملة إيمانية تصحيحية لأوضاع المجتمع واستمرت حتى بلغت مداها المطلوب في دحر الصليبيين وإخراجهم والقضاء على الباطنيين وتحرير المقدسات.(/2)
لقد تبلورت هذه الأمور في دولة آل زنكي وتحديداً في زمن الملك العالم المجاهد العادل نور الدين محمود بن زنكي التي فتحت أبوابها لكل المخلصين الراغبين في العمل في سبيل الله وتوجهوا جميعاً إلى إعداد الشعب إعداداً إسلامياً وتطهير الحياة مما لحق بها من منكرات في مختلف المجالات وعملوا على القضاء على التيارات الفكرية المنحرفة، مع شيوع العدل والتكامل الاجتماعي، وقامت حركة جادة لإقامة المنشئات والمرافق وبناء القوة العسكرية وتحقيق الوحدة الإسلامية والقضاء على الدويلات المتناثرة في بلاد الشام. وبعد هذا الإعداد شرع نور الدين ينازل الصليبيين ويسترجع مقدسات المسلمين حتى استطاع أن يسترجع أكثر من خمسين مدينة من المدن التي كان يحتلها الصليبيون. ثم عزم نور الدين على فتح بيت المقدس، وأعد منبراً جديداً للمسجد الأقصى ولكن المنية وافته وهو في غمرة الاستعداد سنة 569 هـ فآل الأمر من بعده إلى كبير رجاله وقادته وواليه على مصر صلاح الدين الأيوبي الذي مضى على طريق نور الدين لتحقيق الأهداف وأخذ ينازل الصليبيين هنا وهناك ومضى يقود الجيل المسلم نحو الأقصى في جيش ضم الأمراء والعلماء والفقهاء والعباد وسواهم من خُلَّصِ المسلمين والتحم هؤلاء بالمحتلين الصليبيين يتدافعون لطلب الشهادة والجنة التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا. فكانت النتيجة بأن أنزل الله النصر عليهم وتم طرد الصليبيين ودخل المسلمون المدينة المقدسة مهللين مكبرين وتوجهوا بجموعهم إلى المسجد الأقصى وقاموا بحملة تنظيفية من أوساخ المحتلين ، وفي أول جمعة امتلأ المسجد الأقصى ورفع الأذان وعلت كلمة التوحيد وخطب الخطيب الجمعة وافتتح خطبته بقول الله تعالى: ? فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ?[الأنعام:45].
لقد رأينا النتائج التي خلص إليها جيل صلاح الدين حينما أخذ بسنن الله في البناء والتغيير، لقد وضع نور الدين زنكي وخلفه صلاح الدين استراتيجية استمرت لمدة نصف قرن ، وضعوا الخطط والبرامج لتغيير ما ران على القلوب والعقول من أفكار وتصورات وقيم وعادات وتقاليد ، فتغيرت نتيجة لذلك الاتجاهات والتصورات والممارسات، وانتهى ذلك إلى إحلال الوحدة والوئام محل الفرقة والخصام. وإلى القوة محل الضعف والاستقرار بدل الاضطراب، والشعور بالمسئولية بدل الأنانية، والانتصارات بدل الهزائم. وما كان ذلك ليحصل بمجرد الأماني والكلام. ولكنه نتيجة لأعمال جادة متواصلة ، مع فقه الواقع ومع الإدراك لسنن الله تعالى .
إن الذين يفقهون أسباب النصر يتفوقون في ميادينها ، إن هذا يعني أن الأمة التي يرأس أمورها ويقود زمامها لابد أن يكون عالماً بسنن التغيير فقيهاً بقوانين بناء المجتمعات وانهيارها وأن يحسن تطبيق هذه القوانين ومن يكون كذلك فإنه سيقود أمته إلى التقدم والعزة والنصر.
أما حين يلي زمام الأمة ويقودها بلداء يحسنون الكلام ويسيئون العمل، يحسنون التلاعب بمشاعر الناس وعواطفهم، هذا النوع من القيادات التي بليت بها الأمة تظل تتلهى بالأماني الكاذبة والوعود الفارغة التي يصورها الزعماء في خطاباتهم ومؤتمراتهم، حتى إذا جابهت التحديات ، خرس الزعماء ولم يفقهوا ما يصنعون وآل أمرهم إلى الفشل وأحلوا قومهم دار البوار.
وإذا ما ضربنا أمثلة بمن يفقهون سنة الله ومن لا يفقهون الأخذ بالسنن في بناء الأمم. في معركة بدر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائد الأعلى للمسلمين يفقه سنن الله ويأخذ بها فكانت نتيجة المعركة أن نصر الله نبيه والمؤمنين على خطابة أبي جهل النارية وعلى غروره وكبريائه. إن أبا جهل وصحبه المشركون لم يفقهوا قوانين وسنن الله في تكوين الأمم وتعبئة القدرات والنصر والتفوق ، فيما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعي ويفقه ذلك كله.
وإذا ما أخذنا هزيمة حزيران 1967م سنجد أن اليهود أخذوا بالأسباب، أوجدوا لشعبهم مثلاً أعلى يضحون من أجله ووحدوا صفوفهم، وأحسنوا الإعداد والانتفاع بالقدرات واستفادوا من جغرافية المعركة وقوانين التعبئة واستطاعوا من خلالها إلحاق الهزيمة النكراء بأعدائهم العرب، في حين أن العرب ساروا على طريقة أبي جهل الارتجالية في مواجهة المعركة، لقد ألقوا خطباً نارية حماسية، مع إهمال الأخذ بأسباب النصر الحقيقية فكانت النتيجة المرة والهزيمة النكراء.
وها هي الهزائم والنكسات تتوالى على أمتنا ولن نستطيع الخروج منها إلا بأن نحدث تغييراً جذرياً في نفوسنا وواقعنا ، ومفتاح التغيير هو بالعودة الصادقة إلى دينها الذي أكرمها الله به تطبقه في حياتها الخاصة والعامة وتجعل ولاءها وحبها لدينها لا للأفكار ولا للأشخاص ولا للمصالح الذاتية.(/3)
لن تنتصر هذه الأمة إلا بالصدق مع الله والتقلل من متع الحياة الدنيا وشهواتها. والإقبال على الآخرة والتشمير لها، أما إذا ظلت الأمة على ما هي عليه حيث يسود معظم أبنائها ثقافة الترف والاستهلاك معظم همّ الواحد منهم لا يتعدى بطنه وفرجه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه.
وحين تصل أمة أو مجتمع إلى هذا المستوى يكون قاب قوسين أو أدنى من لفظ أنفاسه وتأتي من قوى المجتمع البشري لتعلن نبأ الوفاة وتقوم بمراسم الدفن. هذا المشهد نراه يتكرر ولقد حذر الله المؤمنين من الوقوع في هذه النتائج البائسة حين يرتبطون بدنياهم وينشغلون بها عن الإيمان والجهاد قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ?[التوبة:23-24].(/4)
جيوش الكفار في بلاد المسلمين هل هم أهل الذمة؟
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ ... 18/7/1424هـ
السؤال
هل يجوز للمسلم الذي يعيش في بلاد الإسلام أن يدفع الجزية للكافر؟ وهل جيوش الكفار في بلاد المسلمين تعتبر من أهل الذمة؟
الجواب
الجزية هي ما يدفعه الكافر إلى المسلمين لقاء حمايتهم ودفع الأذى عنهم ماداموا تحت ولاية المسلمين وفي دارهم، ولا يجوز للمسلم أن يدفع جزية للكافر مطلقاً، وجيوش الكفار التي احتلت واستعمرت بلاد المسلمين كما هي الحال في العراق اليوم بعد سقوط نظام صدام ليس جنودها من أهل الذمة، بل هم محاربون معتدون على الأنفس والأموال والنساء والأطفال، يتعين قتالهم، ولا يجوز إعانتهم بأي نوع من الإعانة قليلة كانت أو كثيرة. أعانكم الله ونصركم على أعدائكم الغزاة والكفرة.(/1)
جَحَدُوهُ و عَرَفَهُ الكَوْنُ كُلُهُ
الحمد لله ، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة وبعد:
أيها القارئ الكريم:
تطاول الأقزام على سادتهم وسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم و جحدوا ما أرسله الله به من الهدى ودين الحق وهم يعلمون انه رسول الله،وأن ما جاء به الحق. بل ويعلمون أن الرسول صلى اله عليه وسلم مرسل إليهم فهو ليس رسولا للعرب فقط وإنما هو رسول الله للناس جميعا.
روى البيهقي بسنده عن المغيرة بن شعبة قال : إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل : ( يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله ) . فقال أبو جهل : يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا ؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت ؟ فنحن نشهد أن قد بلغت فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك . فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي فقال : والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن يمنعني شيء. إن بني قصي قالوا : فينا الحجابة . فقلنا : نعم . ثم قالوا : فينا السقاية . فقلنا : نعم . ثم قالوا : فينا الندوة . فقلنا : نعم . ثم قالوا : فينا اللواء . فقلنا : نعم . ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا : منا نبي والله لا أفعل . وهذا القول منه - لعنه الله - كما قال تعالى مخبرا عنه وعن أضرابه :(وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً. إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان : 41 :42)( 1)
تأمل أخى القارئ ... منعه حسده وكبره من الإيمان بالنبي علية الصلاة والسلام والإقرار بنبوته كما قال سبحانه(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل:14) ومما يدل على ذلك مارواه ابن إسحاق عن سلمة بن سلامة بن وقش - وكان من أهل بدر - قال : كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل - قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي فروة لي مضطجع فيها بفناء أهلي - فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار . قال : فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت . فقالوا له : ويحك يا فلان أو ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم والذي يحلف به ويود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدا . قالوا له : ويحك يا فلان فما آية ذلك ؟ قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد . وأشار بيده إلى نحو ( مكة ) واليمن . قالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله [ محمدا ] رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا . قال : فقلنا له : ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ؟( 2)
بل سبوا الذى خلقهم من عدم وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ... نسبوا له سبحانه الولد قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30) وقالوا ( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ المائدة: من الآية64) ، وقالوا(إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)(آل عمران: من الآية181) وشتموه أشد الشتم قال النبى صلى الله عليه وسلم :قال الله تعالى: شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فقوله إن لي ولدا وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته . (3 )
/>
جحدوه وعرفه الكون كله!!
سبحان الله عرفته الحجارة والجبال والأشجار والدواب وجحده كثير من الثقلين كما قال سبحانه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18) فهذا الكون كله يؤمن بالله ويعرف رسوله صلى الله عليهم وسلم(/1)
الحجارة تعرفه وتطيعه وتميز المؤمن من الكافر!!
وعن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن( 4) . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود( 5) .
بل وتطيعه الأشجار فعن يعلى بن مرة عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد أن يقضى حاجته فقال لي: ائت تلك الأشاءتين- قال وكيع: يعنى النخل الصغار فقل - لهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا فاجتمعتا فاستتر بهما فقضى حاجته ثم قال لي: ائتهما فقل لهما لترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فقلت لهما فرجعتا( 6). .
والجبال تعرفه!
وذلك لان الله جبلها كما سبق على توحيده وإنكار الشرك حتى إنها لتكاد تنهدّ على الناس الذين يشركون به قال تعالى:(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً.أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً) (مريم: 90: 91) فسبحان الله ثم تأمل معى أيها القارئ الكريم هذا الحديث الذى
رواه البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال : السلام عليك يا رسول الله وفي رواية : لقد رأيتني أدخل معه الوادي فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال : السلام عليكم يا رسول الله وأنا أسمعه .ومضى قريبا حديث مسلم :( إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ( 7)
والدواب تعرفه!
حتى الدواب التى خلقها اله تعالى تعرف محمدا وتعرف أصحابه وتعرف النبيين وتميزهم عن غيرهم فرسالته رحمة للدواب فعن أبى أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة(8 ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك . قيل إن لنا في البهائم أجرا ؟ قال في كل ذات كبد رطبة أجر( 9).
عن شداد بن أوس قال :خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا قال غير مسلم يقول فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته( 10)
عن ابن عمر الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار قال الله لا أنت أطعمتيها ولا سقيتيها حين حبستيها ولا أنت أرسلتيها فأكلت من خشاش الأرض( 11).
ثم تأمل معى أخى الكريم كيف عرفته الدواب روى أحمد أيضا في حديث طويل عن يحيى بن مرة قال فيه وكنت معه يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا ذات يوم إذ جاء جمل يخب حتى ضرب بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال ما شأن جملك هذا ؟ فقال: وما شأنه؟ لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال فلا تفعل هبه لي أو بعنيه قال بل هو لك يا رسول الله قال فوسمه بميسم الصدقة ثم بعث به وإسناده جيد وفي رواية له نحوه إلا أنه قال فيه إنه قال لصاحب البعير ما لبعيرك يشكوك زعم أنك سنأته حتى كبر تريد أن تنحره قال صدقت والذي بعثك بالحق لا أفعل( 12)
بل والأعجب أنها تتعرف على أصحابه وتميزهم فعن ابن المنكدر أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر فانطلق هاربا يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد . فقال يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أمري كيت وكيت فأقبل الأسد له بصبصة حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى بلغ الجيش ثم رجع الأسد(13 ) .
كل الدواب كانت تطفئ النار عن إبراهيم .
اجتمعت الدواب من كل حدب وصوب تنفخ النار عن إبراهيم الخليل لما ألقى فى النار الا هذه الوزغة الخبيثة(البرص) كانت تنفخ النار على إبراهيم فأمر النبي بقتله ، فعن سائبة مولاة الفاكة بن المغيرة أنها دخلت على عائشة فرأت في بيتها رمحا موضوعا فقالت يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا قالت نقتل به هذه الأوزاغ فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقى في النار لم تكن في الأرض دابة إلا أطفأت النار غير الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.(/2)
(13 )و روى مسلم وأبو داود عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا.
والنمل وحيتان البحر تعرف الأنبياء و الذين يأمرون الناس بالقسط!
والله إنه لأمر عجب سبحان الله!!!النمل فى جحورها والحيتان فى البحر يعرفون الأنبياء والصالحين وقد ورد ذلك فى الكتاب والسنة قال تعالى:(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:18) فقد نادت أخواتها وحذرت بنى جنسها من قدوم جيش سليمان فقد عرفته وعرفت اسمه فسبحان الله!!وعن أبي أمامة الباهلي قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير( 15) .
بل عظم الشاة بعد شيِِّه وطبخه يعرفه
فعن أبي هريرة قالرضى الله عنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة وعن أبي سلمة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة وزاد: فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية ما حملك على الذي صنعت؟ قالت إن كنت نبيا لم يضرك الذي صنعت وإن كنت ملكا أرحت الناس منك فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر فهذا أوان قطعت أبهري(16 )
اللهم أحينا على سنته وتوفنا على ملته.
تأمل كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام يتمسك بدين الله تعالى وبالحق الذي أرسله الله به رغم مابذل صناديد الكفر من وقتهم ورغم المساومات رفض النبى عليه الصلاة والسلام حتى أن يلتقى معهم فى منتصف الطريق بالتعبير العصري لكنه ما زاده ذلك إلا تمسكا بالذى أرسله الله به فلو أنهم وصلوا إلى الشمس فيشتعلوا منها شعلة أقرب إليهم من أن يترك محمد صلى الله عليه وسلم ما أرسله الله به.
جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا:إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا . فقال:يا عقيل انطلق فأتني بمحمد . فانطلقت فاستخرجته من كنس أو خنس- يقول:بيت صغير - فجاء به في الظهيرة في شدة الحر فلما أتاهم قال:إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن أذاهم . فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فقال:( ترون هذه الشمس؟).قالوا:نعم.قال:( فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منها بشعلة ).فقال أبو طالب:والله ما كذب ابن أخي قط فارجعوا(17 ) .
فالمهم أن يثبت المسلم فى المحن والشدائد ولا يهتز أمام التهديدات والمساومات... نعم ربما يتاثر المؤمن بالبلاء لكن هذا البلاء يزيد من نقائه صلابته فى الحق ويرفع منزلته فعن ابن عمرو رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :مثل المؤمن مثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها احمرت وإن وزنت لم تنقص.(18 )
عندما يشتد الخطب ويعظم البلاء ابشر يا رسوالله فالدنيا كلها معك .
يقولون: الضربة التى لا تقتلنى تقوينى.... فلا يزيد البلاء المؤمن إلا صلابة وقوة وتمسكا بدينه وعقيدته مهما انتفش الكفر وصال وجال فإن العاقبة للمؤمنين قال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (لأنفال:36) وقال (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)(المجادلة: 21) عن أنس قال جاء جبريل عليه السلام ذات يوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء قد ضربه بعض أهل مكة فقال: مالك فقال: فعل بي هؤلاء وفعلوا قال: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم أرني فنظر إلى شجرة من وراء الوادي قال ادع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه قال قل لها فلترجع فقال لها فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبي( 19)(/3)
فالرجل الكافر باله العظيم كان يلقى محمدا على حماره فينكره الرجل وحماره يعرف النبى صلى الله عليه وسلم ولا ينكره لانه يؤمن بالله تعالى(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء:44) فالدواب تعرف الغاية التى من أجلها خلقت , ، وكثير من بنى آدم لا يعرفون ذلك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت إني لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلبه حتى استنقذها منه فقال له الذئب هنا استنقذتها مني فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر( 20)
أسأل الله العظيم أن يحيينا على سنته وأن يتوفانا على ملته.
1- صحيح السيرة النبوية للألبانى ص/162
2- صحيح السيرة/58
3- رواه أحمد والبخاري والنسائي) عن أبي هريرة. (صحيح) انظر حديث رقم: 4323 في صحيح الجامع
4- رواه مسلم
5- رواه مسلم
6- صحيح ابن ماجة1للألباني 1/122 حديث رقم 339
7- صحيح السيرة للألباني/ 95
8- رواه الطبراني فى الضياء وغيره. قال الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 6261 في صحيح الجامع.
9- متفق عليه
10- صحيح سنن أبى داود 2/100 حديث 2815
11- متفق عليه
12- صحيح الترغيب والترهيب ج/2)
13- صحيح الترغيب والترهيب، ومشكاة المصابيح 3/حديث 5949
14- صحيح سنن ابن ماجة 2/1079حديث 3231
15- رواه الترمذي والطبراني فى الضياء (صحيح) انظر حديث رقم: 1838 في صحيح الجامع
وجامع الترمذي حديث/2685
16 قال الشيخ الألباني : صحيح سنن أبى داود حديث 4513
17- حسن السلسلة الصحيحة 1/194 حديث رقم 92 صحيح السيرة /144، وأما حديث يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته . فليس له إسناد ثابت وقد ورد في الضعيفة 913
18- رواه البيهقى وحسنه الألباني فى صحيح الجامع /5846
-19صحيح سنن ابن ماجة 2/1336حديث رقم4028
-20 متفق عليه
كتبه أبو طارق /عادل مختار أبو السعود(/4)
جُرأة
شعر : أحمد مطر
قلتُ للحاكمِ : هلْْ أنتَ الذي أنجبتنا ؟
قال : لا .. لستُ أنا
قلتُ : هلْ صيَّركَ اللهُ إلهاً فوقنا ؟
قال : حاشا ربنا
قلتُ : هلْ نحنُ طلبنا منكَ أنْ تحكمنا ؟
قال : كلا
قلت : هلْ كانت لنا عشرة أوطانٍ
وفيها وطنٌ مُستعملٌ زادَ عنْ حاجتنا
فوهبنا لكَ هذا الوطنا ؟
قال : لم يحدثْ ، ولا أحسبُ هذا مُمكنا
قلتُ : هل أقرضتنا شيئاً
على أن تخسفَ الأرضَ بنا
إنْ لمْ نُسدد دَينَنَا ؟
قال : كلا
قلتُ : مادمتَ إذن لستَ إلهاً أو أبا
أو حاكماً مُنتخبا
أو مالكاً أو دائناً
فلماذا لمْ تَزلْ يا ابنَ الكذا تركبنا ؟؟
… وانتهى الحُلمُ هنا
أيقظتني طرقاتٌ فوقَ بابي :
افتحِ البابَ لنا يا ابنَ الزنى
افتحِ البابَ لنا
إنَّ في بيتكَ حُلماً خائنا !!!!(/1)
جُعِلت قُرَّة عيني في الصلاة
للشيخ / عبد الهادي بن حسن وهبي
أمين وقف البخاري الخيري في عكار - شمال لبنان
المقدمة
أسرار الصلاة
أَسْرَارُ الفَاتِحَة
التَشَهُّدُ
الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآَلِه
كَوْنُ السَّلاَم فِي خَاتِمَةِ الصَّلاَةِ
من كنوز السنة
الخاتمة
الحواشي
إنَّ الحمد لله نحمدهونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله منشرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدهالله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هاديله، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحدهلا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدهورسوله.
أما بعد : فإنّ الله تعالى قد عظَّمخطرَ الصلاةِ في القرآن ، وعظَّمأمرها وشرَّفها ، وشرَّف أهلها ،وخصَّها بالذِّكر من بين الطاعاتكلِّها في مواضع من القرآنِ كثيرة ،وأوصى بها خاصَّة .
والصَّلاة : آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليهوسلم أمتهعند خروجه من الدنيا . وهي آخر ما يذهبمن الإسلام . وهي أول مايسأل عنهالعبد يوم القيامة من عمله .
إنّ الصَّلاةَ صلةٌ ولقاءٌ بين العبدوالرب . صلةٌ يستمد منها القلب قوةً ،وتحسُّ فيها الروح صلةً ، وتجد فيهاالنفس زاداً أنفس من أعراض الدنيا .فهي المعين الذي لا ينضب ، والزادالذي لا ينفد . المعين الذي يجددالطاقة ، والزاد الذي يزود القلب ،ومفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض، والروح والنّدى والظلال في الهاجرة.
ولقد " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حزبه أمر فزعإلى الصلاة)" 1 وما يزال هذاالينبوعُ الدافقُ في متناولِ كلِّمؤمنٍ يريدُ زاداً للطّريقِ ، وريّاًفي الهجيرِ، ومدداً حين ينقطع المددُ، ورصيداً حين ينفد الرصيدُ .
وإنَّ المقصودَ الأعْظمَ منالصَّلاة وروحها الخشوعُ ، وهو :حضورُ القلبِ فيها بين يدي اللهتعالى محبَّةً له وإجْلالاً وخوفاًمنْ عقابهِ ، ورغبةً في ثوابهِ ،مسْتحْضراً لقرْبهِ ، فيسكن لذلكقلبه ، وتطْمئنُ نفسهُ ، وتسْكنُحركاته ، متأدباً بين يديربّه،مستحْضراً جميعَ ما يقولهُويفْعَلُهُ في صلاتِهِ ، منْ أولهاإلى آخرها ، فتزولُ بذلك الوساوسوالأفْكار .
ولمَّا كنَّا في غفلةٍ عنْ هذاالأمْرِ العظيمِ ، جمعتُ هذه القطوفالدانية تذْكيراً بالخشوع وحثاً علىطلبه والقيام بحقّهِ ، راجياً منالله تعالى أنْ ينْفعني بها أولاً ،وأنْ ينفعَ بها منْ يقرأها منالمسْلمين.
أسأل الله الحيَّ القيُّومَ ذاالجلالِ والإكْرام أنْ يتقبلهابقبولٍ حسنٍ ، وأنْ يُنْبِتَهَانباتاً حسناً . إنّه سميعٌ مجيبٌ .
الراجي عفو ربه
عبد الهادي بن حسن وهبي
أسرار الصلاة
قال تعالى:(وَأَقِيمُواالصَّلاَةَ)[ البقرة : 43 ]وقال :(فَأَقِيمُواالصَّلاَةَ)[ النساء : 103 ] .
أمرنا الله تعالى بإقامةِ الصَّلاةِ، وهو الإتيانُ بها قائمةً تامَّةَالقيامِ والرُّكوع والسُّجودوالأذكار ، وقدْ علّق الله سبحانهالفَلاحَ بخشوع المصَلِّي في صلاته ،فَمَنْ فاته خشوعُ الصَّلاةِ ، لميكنْ من أهل الفلاح ، ويستحيلُ حصولُالخُشوعِ مع العَجَلَةِ والنَّقرِقطعاً ؛ بلْ لا يَحصلُ الخشوعُ قطُّإلاَّ مع الطمأنينة ، وكلّما زادطمأنينةً ازداد خشوعاً ، وكلّما قلَّخشوعُهُ اشتدَّتْ عجلتُهُ حَتىتصيرَ حركةُ يَدَيْهِ بمنْزِلَةِالعَبَثِ الذي لا يصحبُهُ خشوعٌ ؛ولا إقبالٌ على العبودية ، ولامعرفةُ حقيقة العبودية ، واللهسبحانه قد قال : (وَالْمُقِيمِينَالصَّلاَةَ)[ النساء : 162 ] وقالإبراهيم عليه السلام : (رَبِّاجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ)[ إبراهيم:40 ]وقاللموسى:(فَاعْبُدْنِيوَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي)[ طه:14 ] فلنْتكادَ تجدُ ذكرَ الصَّلاةِ في موضعمن التنزيلِ إلا مقروناً بإقامتها .
فالمصلُّونَ في النَّاس قليلٌ ،ومقيم الصَّلاةِ منهم أقلُّ مِنَالقليل ، كما قال عمرُ :(الحجُّقليلٌ ، والرَّكْبُ كثيرٌ) .
وليس مَنْ كانَتِ الصَّلاةُ رَبيعاًلقَلْبِهِ ، وحياةً له وراحةً ،وقُرّةً لعَيْنِهِ ، ولذةً لنفسهِ ،وراحةً لجوارحه، وجلاءً لحُزْنِهِ ،وذَهاباً لهمِّه وغَمّه ، ومفْزَعاًإليه في نوائبه ونوازِلِهِ ؛ كمَنْهي سجنٌ لقلبه ، وقَيْدٌ لجوارحِهِ ،وتكليفٌ له ، وثقْلٌ عَليْهِ ؛ فهيكَبِيرَةٌ على هذا ، وقرَّةُ عينوراحَةٌ لذلك .
قَالَ الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوابِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِوَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَىالْخَاشِعِينَ * الَّذِينَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُورَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِرَاجِعُونَ) [ البقرة : 45 ـ 46 ]فإنَّما كبرَتْ على غَيْرِ هؤلاء ،لخلوّ قلوبِهِم من محبَّةِ اللهِتعالى ، وتكبيرِهِ ، وتعْظيمِهِ ،والخشوع له ، وقلَّةِ رغبَتِهِم فيه .فإنّ حُضورَ العَبْدِ في الصّلاةِ ،وخشوعَهُ فيها ، وتكميلَهُ لها ،واستفراغَهُ وسْعه في إقامَتِهاوإتمامها ، على قَدْرِ رغْبتِهِ فيالله .(/1)
قال الإمام أحمد رحمه الله : (إنَّماحظُّهُمْ من الإسلامِ على قَدْرِحَظِّهم من الصلاة ، ورغبتُهم فيالإسلام على قدر رغبتِهِم فيالصَّلاة . فاعرف نفْسَكَ يا عبدَاللَّه ! واحْذَرْ أن تَلْقَى اللَّهولا قَدْر للإسلامِ عنْدَك . فإنَّقَدْرَ الإسلامِ في قَلْبِكَكقَدْرِ الصلاة في قلْبِكَ) 2.
وليس حظُّ القلْبِالعامِرِ بمحبَّةِ الله ،وخشْيَتِهِ ، والرغبَةِ فيه ،وإجلالِهِ وتعظيمِهِ من الصَّلاة ،كحَظِّ القلبِ الخالي الخراب من ذلك، فإذَا وَقَفَ الإثنان بين يَدَيالله في الصَّلاة ؛ وقَفَ هذا بقَلبٍمُخْبِتٍ خاشِعٍ له ، قريبٍ منْهُ ،سليمٍ من معارضات السُّوء ، قدامتلأتْ أرجَاؤه بالهَيْبَةِ ،وسَطَعَ فيه نُورُ الإيمان ، وكَشَفَعنْهُ حجاب النفس ودُخان الشَّهوات ،فيَرْتَعُ في رياضِ معاني القرآن ،وخالَطَ قلْبُهُ بشَاشَةَ الإيمانِبحقائِق الأسْماء والصِّفات ،وعلوِّها وجمالِها ، وكمالِهاالأعْظم ، وتفرُّدِ الربِّ سبحانهبنعوتِ جلالِهِ ، وصفاتِ كمالِهِ ؛فاجْتَمَعَ همُّهُ على الله ،وقرَّتْ عينُهُ بِهِ ، وأحسَّبقُرْبِهِ منَ اللهِ قُرْباً لانظيرَ له ؛ فَفَرَّغَ قَلْبَهُ له ،وأَقْبَلَ عَلَيْهِ بكُلِّيَّتِهِوهذا الإقبالُ منه بين إقبالَيْن منرَبّهِ ، فإنَّهُ سُبْحَانَهُأقْبَلَ عليه أوَّلاً ، فانْجَذَبَقَلْبُهُ إليه بإقْبالِهِ ، فلمَّاأقْبَلَ على رَبِّهِ ، حظي منْهُبإقبالٍ آخَرَ أتمّ من الأَوَّل.
وهَهُنا عجيبةٌ من عَجَائِب الأسماءوالصِّفات تحصلُ لِمَنْ تفقَّهَقلبُهُ في معاني القرآنِ ، وخالَطَبشاشَةَ الإيمانِ بها قلبه ،بحيثُيرى لكلِّ اسمٍ وصِفَةٍ موضِعاً منصلاته ، ومحلاًّ منها .
فإنّه إذا انْتَصَبَ قائِماً بينيديّ الربِّ تبارك وتعالى ، شاهدَبقَلْبِه قيُّوميَّتَهُ . فيقومبقلبه الوقوفُ بين يدي عظيمٍ جليلٍكبيرٍ ، أكبرُ منْ كلِّ شيء ، وأجلّمن كلّ شيء ، وأعظمُ منْ كلِّ شيء ،تلاشتْ في كبريائه السماواتُ وماأظلّتْ ، والأرضُ وما أقلّت ،والعوالمُ كلُّها ؛ عَنَتْ لهالوجوهُ ، وخضعتْ له الرقابُ ،وذلّتْ له الجبابرةُ .
وَهَذَا المَشهَدُ إنَّمَا يَنشَأُمِن كَمَالِ الإيمَانِ بِاللهِوَأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، حَتَّىكَأَنَّهُ يَرَى الله سُبْحاَنَهُفَوقَ سَمَوَاتِهِ 3، مُستَوِيًا عَلَىعَرْشِهِ ، يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِهِوَنَهيِهِ ، وَيُدَبِّرُ أَمْرَالخَلِيقَةِ ، فَيَنْزِلُ الأَمْرُمِنْ عِنْدِهِ وَيَصْعَدُ إلَيهِ ،وَتُعْرَضُ أَعْمَالُ العِبَادِوَأَرْوَاحُهُم عِنْدَالمُوَافَاةِ عَلَيهِ . فَيَشهَدُذَلِكَ كُلَّهُ بِقَلبِهِ ،وَيَشْهَدُ أَسمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَيَشهَدُ قَيُّومًا ، حَيًّا ،سَمِيعاً ، بَصِيراً ، عَزِيزاً ،حَكِيماً ، آمِراً ، نَاِهِيًا ،يُحِبُّ وَيُبغِضُ ، وَيَرضَىوَيَغضَبُ ، وَيَفعَلُ مَا يَشَاءُ ،وَيَحكُمُ مَا يُرِيدُ وَهُوَ فَوقَعَرشِهِ لا يَخفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنأَعمَالِ العِبَادِ ولا أَقوَالِهِموَلا بَوَاطِنِهِم ، بَلْ يَعلَمُخَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفيالصُّدُورُ .
وَمَشهَدُ الإحسَانِ أَصلُ أَعمَالِالقُلُوبِ كُلِّهَا ، فَإنَّهُيُوجِبُ الحَيَاءَ ، وَالإجْلالَ ،وَالتَّعْظيِمَ ، وَالخَشْيَةَ ،وَالمَحَبَّةَ ، وَالإنَابَةَ ، وَالتَّوَكُّلَ ، وَالخُضُوعَ للهِسُبْحَانَهُ ، وَالذُّلَ لَهُ ؛وَيَقطَعُ الوَسَاوِسَ وَحَدِيثَالنَّفْسِ ، وَيَجمَعُ القَلبَوَالهَمَّ عَلَى اللهِ .
فَحَظُّ العَبدِ مِن القُربِ مِناللهِ عَلَى قَدرِ حَظِّهِ مِنمَقَامِ الإحسَانِ ، وَبِحَسَبِهِتَتَفَاوَتُ الصَّلاةُ ، حَتَّىيَكُونَ بَينَ صَلاةِ الرَّجُلَينِمِن الفَضْلِ كَمَا بَينَالسَّمَاءِ وَالأَرضِ ،وَقِيَامُهُمَا وَرُكُوعُهُمَاوسُجُودُهُمَا وَاحِدٌ .فسبحان منفاضل بين النفوس وفاوت بينها هذاالتفاوت العظيم .
عن عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول:( إنالرجل لينْصرفُ ، وما يكتَب له إلاعُشْرُ صلاته ، تُسْعُها ، ثُمُنُها، سُبُعُها ، سُدُسُها ، خمسها ،ربعها ، ثلثها ، نصفها)4.
وإذا قالَ: الله أكبر ، شاهَدَكبرياءَهُ وعظمتهُ ، واستشعرَ بقلبه: أنَّ الله أكبرُ منْ كلِّ ما يخطرُبالبال . وقبيحٌ بالعبدِ أنْ يقولَبلسانهِ : ( اللهُ أكبرُ ) وقد امتلأَقلبُه بغير الله فهو قبلة قلبه فيالصلاة ، ولعله لا يحضر بين يدي ربّهفي شيء منها . فلو قضى حقَّ ( اللهُأكبرُ ) ، لدخل وانصرف بأنواعالتُّحَف والخيرات .(/2)
وإذا قالَ : " سبحانك اللهّمبِحَمْدِكَ ، وتبارَك اسْمُكَ ،وتعالى جدّك ، ولا إله غيرُك " 5. شاهد بقلبه رباًمنزَّهاً عنْ كلِّ عيبٍ ، سالماً منْكلِّ نقصٍ ، محموداً بكلِّ حمدٍ ،فحمْدُه يتضمّنُ وصفهُ بكلِّ كمالٍ ،وذلكَ يستلزمُ براءَته منْ كلِّ نقصٍ، تباركَ اسمه ؛ فلا يُذكرُ على قليلٍإلاّ كثَّره ، و على خيرٍ إلاّ أنماهوبارك فيه ، ولا على آفةٍ إلاّ أذهبها، ولا على شيطانٍ إلاّ ردّه خاسئاًداحراً . وكمالُ الاسمِ منْ كمالِمسمّاه ، فإذا كان هذا شأنُ اسمهِالذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا فيالسماء ، فشأن المسمّى أعلى وأجلّ .
"وتعالى جدّه " أي : ارتفعت عظمته ،وجلّت فوق كلِّ عظمةٍ ، وعلا شأْنهعلى كلّ شأن ، وقهر سلطانُه على كلّسلطان ، فتعالى جدّه أن يكون معهشريكُ في ملكه وربوبيته ، أو فيإلهيته ، أو في أفعاله ، أو في صفاتهكما قال مؤمنو الجن :( وَأَنَّهُتَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَااتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا ) [ الجن : 3 ] فكم فيهذه الكلمات مِنْ تجلٍّ لحقائقالأسماء والصفات على قلب العارف بها، غير المعطِّل لحقائقها .
فإذا شرعَ في القراءةِ قدّم أمامَهاالاستعاذةَ بالله من الشيطانِ ،فإنَّهُ أحرصُ ما يكونُ على العبدِفي مثلِ هذا المقامِ الذي هو أشرفُمقاماته وأنفعها له في دنياه وآخرته، فهو أحرصُ شيء على صرفهِ عنهواقتطاعِهِ دونه بالبدن والقلب ، فإنعجز عن اقتطاعه وتعطيله عنه بالبدناقتطع قلبَه وعطله عن القيام بين يديالرَّبّ تعالى ، فأُمِرَ العبدُبالاستعاذةِ بالله منه ليسْلَمَ لهمقامه بين يدي ربّه ، وليحيى قلبُهويستنير بما يتدبره ويتفهمه من كلامسيده الذي هو سبب حياته ونعيمهوفلاحه ، فالشيطان أحرصُ على اقتطاعقلبِه عن مقصودِ التلاوة .
ولمّا علمَ سبحانه جِدَّ العدوِّوتفرُّغَه للعبد ، وعجْزَ العبدِ عنه، أمره بأن يستعيذَ به سبحانهويلتجىءَ إليه في صرفه عنه ، فيكفىبالاستعاذة مؤنةَ محاربته ومقاومته، فكأنه قيل له : لا طاقةَ لكَ بهذاالعدو فاستعذ بي واستجر بي أكْفِكَهُ، وأمنعك منه .
فإذا استعاذَ بالله منَ الشَّيْطانِبَعُدَ منهُ ، فأفضى القلب إلى معانيالقرآن ، ووقع في رياضه المونِقَةِ ،وشاهد عجائبه التي تُبْهِرُ العقول ،واستخرج من كنوزِهِ وذخائرِهِ مالاعين رأت ، ولا أذن سمعت .
أَسْرَارُالفَاتِحَة
فإذاقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [ الفاتحة : 2 ] وقفهنيهة يسيرة ، ينتظر جواب ربّه لهبقوله : "حَمِدَنِي عبدي" فإذاقال : (الرَّحْمَنِالرَّحِيمِ) [ الفاتحة : 3 ] انتظرالجواب بقوله : " أثنى عليَّ عبدي" فإذاقال : (مَالِكِ يَوْمِالدِّينِ)[ الفاتحة : 4] انتظر جوابه : "مجدني عبدي " . فيا لذة قلبه ، وقرّةعينه ، وسرور نفسه بقول ربّه : "عبدي "ثلاث مرات! ثم يكون لقلبه مجال منشهود هذه الأسماء الثلاثة ، التي هيأصول الأسماء الحسنى ، وهي : الله ،والرب ، والرحمن . فشاهَدَ قلبُهُ منذكر اسم الله تبارك وتعالى إلهاًمعبوداً موجوداً مخوفاً ، لا يستحقالعبادةَ غيرُه ، ولا تنبغي إلاّ له ،قد عَنَت له الوجوه ، وخضعت لهالموجودات ، وخشعت له الأصوات (تُسَبِّحُلَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُوَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْمِنْ شَيْءٍ إلاَّيُسَبِّحُبِحَمْدِهِ ) [ الإسراء : 44 ] (وَلَهُمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِكُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) [ الروم : 26 ].
وشاهد من ذكر اسمه (رَبِّالْعَالَمِينَ) [ الفاتحة : 2 ] قيوماًقام بنفسه ، وقام به كلّ شيء ، فهوقائم على كلِّ نفس بخيرها وشرها ؛ قداستوى على عرشه ، وتفرد بتدبير ملكه ،فالتدبير كلّه بيديه ، ومصير الأموركلّها إليه ، فمراسيم التدبيراتنازلة من عنده على أيدي ملائكتهبالعَطاءِ والمَنْعِ ، والخَفْضِوالرَّفْعِ ، والإحياءِ والإماتَةِ، والتَّوبةِ والعَزْلِ ، والقَبْضِوالبسْطِ ، وكَشْفِ الكروب ،وإغاثَةِ الملْهُوفين ، وإجابَةِالمضْطَرِّين (يَسْأَلُهُ مَنْ فِيالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّيَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [ الرحمن : 29 ] لامانِعَ لما أعطى ، ولا مُعْطِيَ لمامَنَعَ ، ولا مُعَقِّبَ لحكْمِهِ ،ولا رادّلأمرِهِ ، ولا مبدِّلَلكلماتِهِ ، تعْرُجُ الملائكةُوالروحُ إلَيْهِ ، وتعرضُ الأعمالُأوّلَ النهار وآخره عليه ، فيقدِّرُالمقادير ، ويوقِّت المواقيت ، ثميسوقُ المقادِير إلى مَواقيِتِها ،قائماً بتدبِير ذلك كلِّه وحفْظِهِومصالِحِهِ .
ثم يشهدُ عنْدَ ذِكْرِ اسم (الرَّحْمَنِ ) [ الفاتحة : 3 ] جلّجلاله رَبًّا محسِناً إلى خَلْقِهِبأنواعِ الإحسانِ ، متحبّباً إليهمْبصنوفِ النِّعَم ، وسِعَ كلَّ شيءٍرَحْمَةً وعلماً ، وأوْسَعَ كلَّمخْلوقٍ نِعمةً وفَضْلاً ، فوسعتْرحمتُهُ كلَّ شَيْءٍ ، ووسعَتْنعمتُهُ كلَّ حيٍّ .(/3)
فتأمَّل ما في أمْرِهِ ونهْيِهِووصاياه ومواعِظه من الرحمةالبالِغَة ، والنِّعمة السَّابغة ،وما في حشوِها من الرَّحمةوالنِّعمَةِ ؛ فالرحمةُ هيالسَّبَبُ المتَّصِلُ منه بعبادِهِ، كما أنَّ العبودِيَّة هي السببالمتَّصِل منهم به ، فمنْهُم إليهالعبودية ، ومنْهُ إليهم الرَّحمة .ومن أخصِّ مشاهِدِ هذا الاسم ، شهودُالمصلِّي نصيبَهُ من الرحمة الذيأقامَه بها بَيْنَ يدي ربِّهوأهَّلَهُ لعبودِيّتِهِ ومناجاتِهِ، وأعطاه ومنعَ غَيْرَهُ ، وأقبلَبقلْبِهِ وأعْرَضَ بقَلْبِ غيرهِ ،وذلك من رَحْمَتِهِ به .
فإذا قال : (مَالِكِ يَوْمِالدِّينِ)[ الفاتحة : 4 ] فهنا شَهِدَ المجدَالذي لا يليقُ بسوى المَلِكِ الحقِّالمُبين ، فيشْهَدُ مَلِكاً قاهراً ،قد دانَتْ له الخليقة ، وعَنتْ لهالوجوهُ ، وذَلَّتْ لعظَمَتِهِالجبابرة ، وخَضَع لعزَّتِهِ كلُّعزيز ، فيشْهَدُ بقَلْبِهِ مَلِكَاًعلى عَرْشِ السَّماء مُهَيْمِناً ،لعزَّتِه تعنو الوجوه وتَسْجُدُ ،حيّاً ، قَيّوماً سَمِيعاً بصيراًمدبِّراً قادِراً مُتَكَلِّماًآمِراً ناهِياً ، مسْتَوِياً علىسَرِيرِ مَمْلَكَتِهِ ، يرسلُ إلىأقاصِي مَمْلكَتِهِ بأوامِرِهِ ،فيرضى على من يستحق لرِّضَا ،ويثيبُهُ ويكْرِمُهُ ويُدْنِيه ،ويغضبُ على مَنْ يستحقّ الغَضَبَ ،ويعاقِبُهُ ويُهِينُهُ ويقْصِيه ؛فيعذِّبُ من يشاءُ ، ويَرحَمُ منيشاءُ ، ويُعْطِي من يَشاءُ ،ويقرِّبُ من يشاء ، ويُقْصِي منيشاءُ ، لَهُ دارُ عَذاب ، وهيالناَّر ؛ وله دارُ سعادةٍ عظيمةٍ ،وهي الجنة ؛ فيشهدُ المصلِّي مجْدَالرَّبِّ تعالى في قولِهِ :(مَالِكِيَوْمِ الدِّينِ ) [ الفاتحة : 4 ] .
فإذاقَالَ : (إِيَّاكَ نَعْبُدُوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [ الفاتحة : 5 ] انتظرجواب ربه له " هذا بيني وبينعبدي ولعبدي ما سأل " ، وتأمَّل عبوديةهاتين الكلمتين : ففيها سِرُّالخَلْقِ والأمْر ، والدُّنياوالآخرة ، وهي متضمِّنةٌ لأجلِّالغاياتِ وأفْضَلِ الوسائل ؛فأجَلُّ الغاَياتِ عبوديتُهُ ،وأفْضَلُ الوسائِل إعانَتُهُ ، فلامعبودَ يستحقُّ العبادَة إلاّ هو ،ولا مُعينَ على عبادَتِهِ غيرُه ؛فعبادَتُه أعلى الغايات ، وإعانَتُهأجلُّ الوسائل وأفضل المواهب .
وقد اشتملتْ هذه الكلمة على نوعيالتوحيد ، وهما توحيدُ الرُّبوبيّة ،وتوحيدُ الإلهية . وتضَمّنَتِالتعبُّد باسم الربّ واسمِ اللهِ ،فهو يُعبَدُ بألوهيته ، ويُسْتعانبربوبيته ، ويهدي إلى الصِّرَاطِالمستقيم برَحْمَتِهِ ، فكانَ أولالسورة ذِكْرَ اسْمِه : الله والربُّوالرحمن ، تطابُقاً لأجْلِ الطالِبمن عبادَتِهِ وإعانَتِهِ وهدايَتِهِ، وهو المنْفَرِدُ بإعطاءِ ذلك كلِّه، لا يعين على عبادَتِهِ سِوَاه ، ولايهدي سِوَاه .
ثمّ يشهد الداعي بقوله : (اهْدِنَاالصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [ الفاتحة : 6 ] شدةفاقته وضرورتَهُ إلى هذه المسألة ،التي لَيْس هو إلى شيءٍ أشدّ فاقةًوحاجةً منه إليها أَلْبَتَّةَ ،فإنَّهُ محتاجٌ إليه في كل نَفَسٍوطرفَةِ عَيْنٍ ، وهذا المطلوبُ منهذا الدُّعاء ، لا يتمّ إلاّبالهداية إلى الطَّريقِ الموصلِإلَيْهِ سُبحانَهُ ، والهداية فيه ،وهي هداية التَّفْصيل ، وخلق القدرةعلى الفِعْل ، وإرادَتِه ، وتكوينِهِ، وتوفيقِهِ لإيقاعِهِ له علىالوجْهِ المرْضيّ المحبوبِ للرَّبِّسبحانه وتعالى ، وحِفْظِهِ عليه منمُفْسِداتِهِ حال فِعْلِهِ وبعدفِعْلِهِ .
ولما كانَ العَبْدُ مفْتَقِراً فيكلِّ حالٍ إلى هذه الهِدَايَةِ ، فيجميع ما يأتيه ويذرُهُ من أمورٍ ، قدأتاها على غير الهدايةِ ، فهويَحتاجُ إلى التَّوبَةِ منها ؛ وأمورهُدِيَ إلى أصْلِها دون تفصيلها ، أوهُدِيَ إليها من وَجهٍ دون وَجْهٍ ،فهو يحتاجُ إلى إتمامِ الهدايةفِيهَا ليزْداد هُدى ؛ وأمور هويحتاجُ إلى أن يحصل لهُ من الهدايةفيها بالمُسْتَقْبل ، مثل ما حَصَلله في الماضي ؛ وأمور هو خالٍ عناعتقادٍ فيها ، فهو يحتاج إلىالهداية فيها ؛ وأمورلم يفْعلْها ،فهو يحتاج إلى فِعْلِهَا على وجْهِالهِداية ؛ وأمور قد هُدِيَ إلىالإعتقاد الحقّ والعَمَلِ الصوابفيها ، فهو محتاج إلى الثبات عليها ؛إلى غير ذلك من أنواع الهدايات ، فرضَالله سبحانه عليه أن يسألَهُ هذهالهداية في أفْضَلِ أحوالِهِمرَّاتٍ متعدِّدة في اليوم والليلة .
وهذا أجلُّ مطلوبٍ وأعظمُ مسؤولٍ،ولو عَرَفَ الداعي قَدْرَ هذاالسؤال لجعله هجِّيراه 6 ، وقَرنَهبأنفاسه ، فإنّه لم يَدَع شَيئاً منخير الدنيا والآخرة إلا تَضَمَّنَهُ.فنسأل الله أن يَهدِيَنَا الصراطَالمستقيمَ ، وأن يثَبِّتَ قلوبَنَاعلى دينه ...7
ثم بيَّن أن سبيل أهل هذه الهدايةمغايرٌ لسبيل أهل الغضب وأهل الضلال، فانقسم الخلق إذن ثلاثة أقسامبالنسبة إلى هذه الهداية :
مُنْعَمٌ عليه بحصولها واستمرارحظّه من النعم بحسب حظّه من تفاصيلهاوأقسامها .
وضالٌّ لم يعط هذه الهداية ولم يوفقلها .
ومغضوبٌ عليه ، عرفها ولم يوفَّقْللعمل بموجبها .(/4)
فالعالم بالحقِّ العامل به : هوالمنْعَمُ عليه . وهو الذي زكَّىنفسَهُ بالعلمِ النافع ، والعملِالصَّالحِ ، وهو المفلح : ( قَدْأَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [ الشمس : 9 ] .
والعالمُ به المتبع هواه : هو المغضوبعليه ، لضلاله عن العمل .
والجاهل بالحقّ : هو الضال ، لضلالهعن العلم الموجب للعمل .
وكان السَّلَفُ يقولون : "منْفسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ،ومن فسد من عبادنا ففيه شبه منالنصَارى" .
فعلى المسلم أن يبعدَ من هذينالشِّبْهين غايةَ البعد ، ومنْتصوَّرَ الشِّبْهينِ والوصفينِ وعلمأحوال الخلقِ علمَ ضرورتَهُ وفاقتهإلى هذا الدعاء ، الذي ليس للعبددعاءٌ أنفعَ منه ولا أوجبَ منه عليه ،وأنّ حاجَتَهُ إليه أعظمُ من حاجتهإلى الحياة والنّفَس ، لأنّ غايةَ مايقدر بفوتهما موتُهُ ، وهذَا يحصل لهبفَوْته شقاوةُ الأبدِ . فنسألُاللهَ أنْ يهدِيَنا الصراطَالمستقيم ( صِرَاطَ الَّذِينَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَالضَّالِّينَ ).
فلما فَرَغ من هذا الثَّناء والدُعاءوالتَّوحيد ، شَرَعَ له أن يطبعَ علىذلك بطابِع من التَّأمِين ، يكونكالخاتَمِ له، وافَقَ فيه ملائِكَةَالسَّماء، تفاؤلاً بإجابته وحصوله،وهذا التأمين من زِينَةِ الصَّلاةِ .
ثمَّ يأخذُ بعدَ ذلكَ في تلاوةِربيعِ القلوبِ ، وشفاءِ الصدورِ ،ونورِ البصائرِ ، وحياةِ الأرواحِ ،ولذّةِ النفوسِ ، ورياضِ القلوبِ ،وحادي الأرواحِ إلى بلادِ الأفراحِ ،والمنادي بالمساء والصباحِ : يا أهلَالفلاحِ ، حيّ على الفلاحِ ، وهوكلامُ ربِّ العالمين ، فيحلّ به في ماشاء من روضاتٍ مونقاتٍ ، وحدائقَمعجباتٍ ، زاهية أزهارها ، مونقةثمارها ، قد ذللتْ قطوفها تذليلاً ،وسُهلت لمتناولها تسهيلاً ، فهويجتني من تلك الثمار خيراً يُؤمر به ،وشراً يُنهى عنه ، وحكمةً وموعظةً ،وتبصرةً وتذكرةً وعبرةً،وتقريراًلحق،ودحضاً لباطل ، وإزالةً لشبهةٍ ،وجواباً عن مسألةٍ ، وإيضاحاً لمشكلٍ، وترغيباً في أسباب فلاحٍ وسعادةٍ ،وتحذيراً من أسباب خسران وشقاوة ،ودعوةً إلى هدى ، فتنزل على القلوبنزولَ الغيثِ على الأرضِ التي لاحياة لها بدونه ، ويحل منها محلالأرواح من أبدانها .
فأيّ نعيمٍ وقرة عينٍ ولذة قلبٍوابتهاج وسرور ، لا يحصل له في هذهالمناجاة ، والربّ تعالى مستمعلكلامه .(/5)
ثمّ يعود إلى تكبيرربّه عز وجل فيجدد عهد التذكرة ، كونهأكبر من كلّ شيء بحق عبوديته ، وماينبغي أن يعامل به . ثمّ شرع له رفعاليدينِ عند الركوع تعظيماً لأمرِالله وزينةً للصلاة وعبودِيَّةخاصَّةً لليدين ، كعبودية باقيالجوارح ، واتباعاً لسنة رسول الله )فهو حِلْيَةُ الصلاة ، وزينتها ،وتعظيمٌ لشعائرها . ثمّ شرع لهالتكبير الذي هو في انتقالات الصلاةمن رُكنٍ إلى ركن ، كالتلبية فيانتقالات الحاجِّ من مشعر إلى مشعر ،فهو شعار الصلاة ، كما أنَّ التلبيةشعار الحج ؛ ليعلم العبدُ أنَّ سرَّالصلاةِ هو تعظيمُ الرَّبِّ تعالىوتكبيره بعبادته وحده . الْرُّكُوُعُثم يركع حانياً له ظهره خضوعاًلعظمته ، وتذللاً لعزّته ، واستكانةًلجبروته ، مسبِّحاً له بذكر اسمهالعظيم ، فَنَزَّه عظمته عن حالالعبد وذلّه وخضوعه ، وقابل تلكالعظمة بهذا الذلّ والانحناءوالخضوع ، قد طأطأ رأسه ، وطوى ظهره ،وربّه فوقه يشاهده ، ويرى خضوعهوذلّه ، ويسمع كلامه ، فهو رُكنُتعظيمٍ وإجلالٍ كما قال :( أمّاالرّكوع فعظّموا فيه الربّ) . وتمامُ عبوديةالركوع أن يتصاغرَ العبدُ ويتضاءلبحيث يمحو تصاغُرُه كلَّ تعظيم منهلنفسه ، ويثْبت مكانه تعظيمه لربهوكلما استولى على قلبه تعظيمُ الربازدادَ تصاغُرُه هو عند نفسه ،فالركوع للقلب بالذاتِ والقصدِ ،وللجوارح بالتَّبَعِ والتَّكْمُلة .الرَّفْعُ مِنَ الرُّكُوعِ ثميرفَعُ رأسَهُ عائِداً إلى أَكْمَلحديثِهِ ، وجعلَ شِعارَ هذا الركْنِحمدَ الله والثَّناءَ عليهوتحميدَهُ ، فافتتحَ هذا الشِّعاربقولِ المُصَلِّي : "سَمِعَ اللهُلِمَنْ حَمِدَه " أي : سَمِعَ سَمْعَقَبولٍ وإجابَةٍ ، ثُمَّ شَفَعَبقَوْلِهِ : " رَبَّنَا وَلَكَالحَمْدُ ، مِلْءَ السَّمَواتِوَمِلْءَ الأَرضِ ، وَمِلْءَ مَابَيْنَهُما ، ومِلْءَ مَا شِئْتَمِنْ شَيْءٍ بعد" ثم أخْبَرَ عن شأْنِهذا الحَمْدِ وعظمَتِهِ قَدْراًوصِفَةً ، فقالَ :" ملْءَالسَّمَوَاتِ ، وَمِلْءَ الأَرْضِ ،وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَمَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بعد" أي : قَدْرَمِلْءِ العالم العلويِّ والسفليِّ ،والفضاء الذي بَيْنَهما ؛ فهذاالحَمْدُ قَدْ مَلأَ الخَلْقَالموجود ، وهو يملأُ ما يخلقُهالربُّ تبارَكَ وتعالى بعد ذلك مايشاؤه ، فَحَمْدُهُ قد مَلأَ كلَّمَوْجودٍ ، وملأ ما سَيوُجَدُ ، فهذاأَحْسن التقديرَيْن . ثم أتْبَع ذلكبقَوْلِه : " أهْلَ الثَّنَاءِوَالمَجْدِ " . فعادَ الأمْرُ بعدالركْعَةِ إلى ما افْتَتَحَ بهالصَّلاة قَبْلَ الركْعَةِ ، منالحَمْدِ والثَّنَاءِ والمَجْدِ ،ثم أَتْبَعَ ذلك بقَوْلِهِ : "أحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ " تقريراًلحَمْدِهِ وتمجِيدِهِ والثناءِ عليه، وأنَّ ذَلِكَ أحقّ ما نَطَقَ بهالعَبْدُ ، ثم أتْبَعَ ذلك بالاعترافبالعُبودِيّة ، وأنَّ ذَلِكَ حكْمٌعامٌّ لجميع العَبِيد ، ثم عقَّبَذَلِكَ بقَوْلِهِ : " لاَ مَانِعَلِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَلِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَاالجَدّ ، مِنْكَ الْجَدّ " اعترافاًبتَوْحيدِهِ ، وأن النِّعَمَ كلَّهامنه ، وهذا يتضمَّنُ أموراً : أحدها :أنّه المنْفَرد بالعَطاءِ والمَنْعِ. الثاني: أنَّه إذا أعْطىلم يطقْأحدٌ مَنْعَ مَنْ أعْطاه ، وَإِذامَنَعَ لم يطقْ أحَدٌ إعطاء منمَنَعَهُ . الثالث : أنه لا يَنْفَعُعنْدَهُ ، ولا يخلصُ من عَذابِهِ ،ولا يُدْني من كَرامَتِه ، جدودُ بنيآدم وحظوظهم من المُلْكِوالرِّئاسَةِ والغِنى وطِيبِالعَيْش وغير ذلك ، إنَّما ينفعهمعنده التقرب إلَيْه بطاعَتِه ،وإيثار مَرضاتِهِ . السُّجُودُ ثميكبِّر وَيَخِرُّ للهِ ساجداًواضعاً يديه قبْلَ رُكْبَتيه 8، وشرع السجودعلى أكْمَلِ الهَيْئَةِ ، وأبلَغِهافي العُبودِيَّة ، وأعمّها لسائرالأعْضاء ، بحيث يأخُذُ كلُّ جزْءٍمن البَدَنِ بحظِّهِ منالعبودِيَّةِ. والسجودُ سِرُّالصَّلاةِ ، وركْنُها الأعْظم ،وخاتِمَةُ الرَّكْعَةِ ، وماقَبْلَهُ من الأركان كالمقدِّمات له. فهو شِبْهُ طَوافِ الزِّيَارَةِ فيالحجِّ ، فإنَّهُ مقصودُ الحجِّ ،ومحلُّ الدُّخول على اللهِوزيارَتِه ، وما قبله كالمقدِّماتِله . وأَفْضَلُ الأحْوالِ للعبد حالٌيكونُ فيها أقربَ إلى اللهِ ، ولهذاكانَ الدُّعاء في هذا المحل أقرب إلىالإجابةِ ، كما قال النبي صلى الله عليهوسلم:(أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُمِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ) 9. ولما خلقَ اللهُسبحانَه العبدَ من الأرْض ، كانَجَدِيراً بأن لا يخرج عن أصْلِه ، بليرجعُ إلَيْهِ إذا تقاضَاهُالطَّبْعُ والنفس بالخُروج عَنْه ،فإنَّ العَبْدَ لو تُرِكَ لطَبْعِهِ، ودواعي نفسِهِ ، لَتكَبَّرَ وأَشرَوخرجَ عن أصْلِهِ الذي خُلِقِ منْهُ، ولوثبَ على حَقِّ رَبِّهِ منالكبرياء والعظمة ، فنازَعَهُإيّاهُما ، وأُمِرَ بالسُّجودِخضوعاً لعظمَةِ رَبِّهِ وفاطِرِهِ،وخشوعاً لَه وتذلّلاً بين يَدَيْهِ، وانْكِساراً له ؛ فيكونُ هذاالخشوعُ والخضوعُ والتذلّل رداً لهإلى(/6)
حكْمِ العبوديّة ، ويتدارَكُ ماحَصلَ له من الهَفْوَةِ والغَفْلَةِوالإعراضِ الذي خرج به عن أصْلِهِ ،فتمثَّل له حقيقة التراب الذي خُلِقَمنْهُ ، وهو يضعُ أشرفَ شيءٍ منْهُوأعلاهُ وهو الوجْه ، وقد صارَ أعلاهأسفله خُضوعاً بين يَديّ ربِّهِالأعلى ، وخشوعاً له وتذلّلاًلعَظَمَتِهِ واستكانَةًلِعِزَّتِهِ ، وهذا غَايَةُ خشوعِالظَّاهر . فإنَّ الله سُبْحَانَهُخَلَقَهُ من الأرْضِ التي هي مذلّلةللوَطْء بالأقْدام ، واستعملَهُفيها ، وردّه إلَيها ، ووعدهبالإخْراجِ مِنْها ، فهي أمُّهُوأبوه وأصْلُه وفَصلُه ، فضمَّتْهُحَيّاً على ظَهْرِها ، ومَيْتاً فيبَطْنِها ، وجُعِلَتْ له طُهْراًومَسْجداً ، فأُمرَ بالسجودِ ، إذْهو غايَةُ خُشوعِ الظَّاهِرِ ،وأَجمعُ العبودية لسائر الأعضاء ،فيُعَفِّرُ وجهَهُ في التراب ،استكانَةً وتواضُعاً وخُضُوعاًوإلقاءً باليَدَيْن .(/7)
وقال مسروق لسَعيدِ بنجُبَيْر: ما بقيَ شَيْءٌ يرغبُفيه إلاّ أنْ نُعفِّرَ وجوهنا فيالتُّرابِ لَهُ . وكانَ النبي صلى الله عليهوسلم ( لا يَتَّقِي الأرضبوجْهِهِ قَصْداً ، بل إذا اتَّفَقَله ذلك فَعَلهُ ، ولذلك سَجَدَ فيالماء والطِّين) 10 . ولهذا كانَ من كمالِالسجود الواجِبِ ، أنَّهُ يُسجدُ علىالأعْضَاءِ السَّبْعَةِ : الوجْهِواليَدَيْن والرُّكْبَتَيْنوأطرافِ القَدَمَيْن . فهذا فرْضٌأمَرَ اللهُ به رسولَهُ ، وبلَّغَهُالرسولُ لأُمَّتِهِ . ومن كمالِهِالواجب أو المستحبّ : مباشرة مصلاهبأديمِ وجْهِهِ ، واعتماده علىالأرْضِ ، بحيث ينالُها ثقَلُ رأسِهِ، وارتفاعُ أسافِلِهِ على أعالِيهِ ،فهذا من تمام السجود . ومن كمالِهِ أنيكونَ على هَيْئَةٍ يأخذُ فيها كلُّعضو من البَدَنِ بحظِّهِ من الخُضوعِ، فيُقِلُّ بطْنَه عَن فَخِذَيْه ،وفَخِذَيْه عن ساقَيْهِ ، ويجافيعَضُدَيْه عن جَنْبَيْه ، ولايفرشهما على الأرض ، ليستقل كُلُّعُضْوٍ منه بالعبودية تكميلاً ،للخضوع والتذلل لمن له العزّ كلّهوالعظمة كلّها ، وهذا لأيسرُ اليسيرِمن حقّه على عبده ، فلو دام كذلك منحين خلق إلى أن يموت لما أدى حقّ ربه ،ولذلك (إذا رأى الشيطانُابْنَ آدم ساجداً للهِ ، اعتزلَناحِيةً يَبْكِي ، ويقولُ : يَاوَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَبالسُجُّودِ فسَجَدَ ، فَلَهُالْجَنَّةُ ، وَأُمِرتُ بالسُّجودِفَعَصَيتُ ، فَلي النَّارُ) 11. ولِذَلِك أثنىاللهُ سبحانَهُ على الذَّينيخرُّونَ سُجَّداً عند سماعِكلامِهِ ، وذمّ من لا يَقَعُ ساجِداًعنْده . ولذلك كان قولُ مَنْأَوْجَبَهُ قَوِيّاً في الدّلِيل12 ، ولما علمتِالسّحرةُ صدْقَ مُوسى وكذبَ فِرْعون، خَرّوا سُجَّداً لِرَبِّهِم ،فكانَتْ تلك السَّجدة أول سعادتهم ،وغفران ما أَفْنوا فيه أعمارهم منالسِّحر ، ولذلِكَ أَخْبَرَ سبحانهعن سُجود جميع المخلوقاتِ لَهُ ،فقالَ تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيالأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍوَالْملاَئِكَةُ وَهُمْلاَيَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَرَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْوَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [ النحل : 49 ـ 50 ]فأخْبَرَ عن إيمانِهِم بعلُوِّهوفوقِيَّتِهِ ، وخضوعِهِمْ لهبالسُّجودِ تعظيماً وإجلالاً ، وقالتعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّاللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِيالسَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِوَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُوَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُوَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّوَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌحَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْيُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْمُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُمَا يَشَاءُ) [ الحج : 18 ] فالذيحَقَّ عليه العذابُ هو الَّذي لايسجُدُ له سبحانَهُ ، وهو الذيأهانَهُ بتَرْكِ السُّجودِ له ،وأخْبَرَ أنَّهُ لا مكرم لَه ، وقدهاَن على رَبِّه حيثُ لم يسجُد له .وقال تعالى : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِطَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلاَلُهُمْبِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [ الرعد : 15 ] . ولماكانَتِ العبوديَّةُ غايةَ كمالِالإنسان ، وقُرْبُهُ مِنَ اللهِ بحسبنصيبه من عبودِيَّتِهِ ، وكانَتِالصلاةُ جامعةً لمتفَرِّقِالعبوديَّة ، متضمِّنةً لأقسامِها ،كانتْ أفضَلَ أعمال العبْد ،ومَنزِلَتُها من الإسْلامِبِمَنْزِلَةِ عمودِ الفسطاطِ منه ،وكانَ السُّجودُ أفْضَلَ أركانهاالفِعْليَّة ، وسِرَّها الذيشُرِعَتْ لأجْلِهِ ، وكان تكرُّره فيالصَّلاةِ أكثر من تكرُّر سائرالأرْكان ، وجَعَلَهُ خاتِمَةالركْعَةِ وغايتها ، وَشُرِعَفعلُهُ بعد الرُّكوعِ ، فإنَّالرُّكوعَ تَوْطِئَةٌ له ومقدِّمَةٌبين يَدَيْهِ ، وشرعَ فيه منالثَّناء على اللهِ ما يناسِبُه ،وهو قولُ العبد : " سُبْحانَرَبِّيَ الأَعْلَى " . فَهَذَا أفْضَل مايُقَالُ فِيهِ ، ومن تَرَكَهُعَمْداً ، فصلاتُهُ باطِلَةٌ عنْدَكثيرٍ من العُلَماء ، منْهم الإمامأحمد وغيرُهُ ، لأنَّهُ لم يفْعَل ماأُمِرَ به ؛ وكانَ وصفُ الرَّبِّبالعُلُوِّ في هذه الحال في غايَةِالمُناسَبَةِ لحاِل السَّاجِدِ ،الذي قد انحطَّ إلى السّفْل علىوجْهِهِ ، فذكر علوَّ رَبِّهِ فيحالِ سفوله هو ، ونزهه عن مثل هذهالحال ، وأنّ مَنْ هو فوق كلّ شيء ،وعالٍ على كلّ شيء ، ينزّه عن السفولبكل معنى ، بل هو الأعلى بكل معنى منمعاني العلو . وهو كما ذكر عظمته فيحالِ خضوعِهِ في ركوعِهِ ، ونزَّهَربَّهُ عما لا يليقُ به ، مما يضادعظمتَه وعلوّه . ثمّ شرع له أن يرفعرأسه ويعتدل جالساً ، ولما كان هذاالاعتدال محفوفاً بسجودين ، سجودقبله وسجود بعده ، فينتقل من السجودإليه ثمّ منه إلى السجود الآخركان لهشأن ، فكان رسول الله (يطيله بقدرالسجود يتضرع فيه إلى ربه ، ويستغفرهويسأله رحمته وهدايته ورزقه وعافيته) 13وله ذوق خاص ، وحالللقلب غير ذوق السجود وحاله ، فالعبدفي هذا القعود قد تمثَّلَ جاثياً بينيدي ربّه ملقياً نفسه بين يديه ،معتذراً إليه(/8)
مما جناه ، راغباً إليهأن يغفر له ويرحمه . وكان النبي صلى الله عليهوسلم ( يكرر الاستغفار) 14 في هذهالقعدة ، ويكثر رغبته إلى الله فيها .
وشرع له أن يعودساجداً كما كان ، ولا يُكْتَفى منهبسجدة واحدة في الركعة كما اكْتَفَىمنه بركوع واحد ، لفضل السجود وشرفهوموقعه من الله ، ولهذا جُعِلَ خاتمةالركعة ، وما قبله كالمقدمة بين يديه، فمحِلُّه من الصلاة محل طوافِالزيارة ، وما قبله من التعريف* وتوابعه مقدماتبين يديه ، وكما أنَّه أقرب ما يكونهالعبد من ربه وهو ساجد فكذلك ، أقربما يكون منه في المناسك وهو طائفٌ ،ولهذا قال بعض الصحابة لمن كلَّمَهُفي طوافه بأمر من الدنيا : "أتقول هذا ونحن نتراءى لله في طوافنا" ؟! 15 ولهذا والله أعلمجُعِلَ الركوع قبل السجود تدريجاًوانتقالاً من الشيء إلى ما هو أعلىمنه .
ثم شرع له تكرار هذه الركعة مرة بعدمرة ، كما شرع تكرار الأذكاروالدعوات مرة بعد مرة ، ليستعدبالأول لتكميل ما بعده ، ويجبر بمابعده ما قبله ، وليشبع القلب من هذاالغذاء ، وليأخذ زاده ونصيبه وافراًمن الدواء ليقاومه ، فإنَّ منزلةالصلاة من القلب منزلة الغذاءوالدواء ، فإذا تناول الجائع الشديدالجوع من الغذاء لقمة و لقمتين ،كانغناؤها عنه وسدّها من جوعه يسيراًجداً ، وكذلك المرض الذي يحتاج إلىقدرٍ معينٍ من الدواءِ ، إذا أخذَ منهالمريضُ قيراطاً من ذلك لم يزل مرضهبالكلية ، وأزال بحسبه . فما حصلالغذاء أو الشفاء للقلب بمثل الصلاة، وهي لصحته ودوائه بمنزلة غذاءالبدن ودوائه .
التَشَهُّدُ
ثمَّ لمَّا أكْمَلَالمصلي هذه العبودية ، وانتهتْحركاته ، خُتِمَتْ بالجلوسِ بين يديالرَّبِّ تعالى جلوسَ تذلُلٍوانكسارٍ وخضوعٍ لعظمته ، كمايجْلِسُ العبدُ الذليلُ بينَ يديسيِّدهِ ، وكانَ جلوسُ الصلاةِ أخشعَما يكونُ من الجلوسِ وأعظَمَهُخضوعاً وتذللاً ، فأذنَ للعبدِ فيهذه الحالِ بالثناءِ على الله تباركوتعالى بأبلغ أنواع الثناءِ وهو :التحياتُ لله والصلواتُ والطيباتُ ،وعادتهمْ إذا دخلوا على ملوكهمْ أنْيحيّوهم بما يليقُ بهمْ ، وتلكَالتحية تعظيمٌ لهمْ وثناءٌ عليهم ،فبعضهمْ يقولُ : أنعمْ صباحاً ،وبعضُهم يقول : لك البقاءُ والنعمةُ ،وبعضهم يقول : أطالَ اللهُ بقاءكَ ،وبعضهم يقولُ : تعيشُ ألفَ عامٍ ،وبعضُهم يسجدُ للملوكِ ، وبعضُهميسلِّم ، فتحياتُهم بينهم تتضمنُ مايحبّه المحيَّى من الأقوالِوالأفعالِ ، والمشركون يحيَّونأصنامهم .
قال الحسن : كان أهلُ الجاهليةيتمسحون بأصنامهم ، ويقولون : لكِالحياةُ الدائمةُ ، فلمّا جاءَالإسلامُ ، أمروا أن يجعلوا تلكالتحيات وأزكاها وأفضلها لله .
فالتحية هي : تحية مِن العبدِ للحيِّالذي لا يموت ، والله أحقُّ بالتعظيموالثناء من كلِّ أحدٍ من خلقه ، وهوسبحانه أولى بتلك التحياتِ من كلِّما سواه ، فإنّها تتضمنُ الحياةَوالبقاءَ والدوامَ ، ولا يستحقُ أحدٌهذه التحيات إلا الحيّ الباقي ، الذيلا يموتُ ولا يزولُ ملكُه .
وكذلك قوله :(والصّلوات) فإنّه لا يستحقُأحدٌ الصّلاة إلا الله ، والصلاةلغيره من أعظم الكفرِ والشركِ به .
وكذلك قوله :(والطّيبات) أي : الطّيبات منالكلماتِ والأفعالِ والصّفاتِوالأسماءِ لله وحده . فهو طيّب ،وأفعاله طيّبة ، وصفاته أطْيب شيء ،وأسماؤه أطْيب الأسماء ، واسْمهالطيب ، ولا يصدر عنه إلا طيِّب ، ولايصْعد إليه إلا طيّبْ ، ولا يقرب منهإلا طَيّب ، وإليه يصْعدُ الكلمُالطيِّب ، وفعله طيِّب ، والعملالطيِّب يعرج إليه ، فالطّيِّباتكلّها له ، ومضافة إليه ، وصادرة عنهُ، ومنتهيةٌ إليه ، ولا يجاورُهُ منعبادهِ إلا الطَّيِّبون كما يقاللأهل الجنة : ( سَلاَمٌ عَلَيْكُمْطِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[ الزمر : 73] .وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنّ الله طيّبٌ *لا يقبلُ إلا طيّباً) 16 .
فإذا كان هو سبحانه الطيّب علىالإطلاق ، فالكلماتُ الطيباتُ ،والأفعالُ الطيّباتُ ، والصّفاتُالطيّبات ، والأسماءُ الطيباتُ ،كلُّها له سبحانه ، لا يستحقُّهاأحدٌ سواه ، بل ما طابَ شيء قطّ إلابطيبته سبحانه ، فطيبُ كلّ ما سواه منآثار طيبته .
وأيضاً فمعاني الكلماتِ الطَّيباتلله وحدَه ؛ فإنّ الكلماتِالطَّيباتِ تتضمَّنُ تسبيحَهُوتحميدَهُ وتكبيرَهُ وتمجيدَهُوالثناءَ عليه بآلائه وأوصافِهِ ،فهذهِ الكلماتُ الطيباتُ التييُثْنَى عليه بها ومعانيها لهُوحدَهُ لا يَشْرَكُهُ فيها غيره ، كـ "سبحانَالله والحمدُ لله ولا إله إلا اللهوالله أكبر" .
فتأمّل هذه الكلمات التي هي أطيبالكلمات بعد القرآن كيف لا تنبغي إلالله ، فإنّ " سبحان الله " تتضمّنُ تنزيهَهعن كلّ نقصٍ ، وعيبٍ ،وسوءٍ ، وعنخصائصِ المخلوقين وشَبَهِهِمْ ،(/9)
و " الحمد لله " تتضمَّن إثباتكلّ كمال له قولاً وفعلاً ووصفاًعلَى أتم الوجوه وأكملها أزلاًوأبداً ، و " لا إله إلا الله" تتضمنانفراده بالإلهية ، وأن كلّ معبودسواه فباطل ، وأنه وحده الإله الحقوأنه من تأله غيرَهُ فهو بمنزلة مناتَّخذ بيتاً من بيوت العنكبوت يأويإليه ويسكنه من الحرّ والبرد ، فهليغني عنه ذلك شيئاً ؟ " والله أكبر" تتضمنأنه أكبر من كلّ شيء وأجلّ وأعظموأعزُّ وأقوى وأقدر وأعلم وأحكم ،فهذه الكلمات الطيبات لا تصلح هيومعانيها إلا لله وحده .
ولمّا كانت الصلاةُمشتملةً على عملٍ صالحٍ ، وكلمٍ طيبٍ، والكلمُ الطيّبُ إليه يصعد ،والعملُ الصالحُ يرفعه ، ناسب ذكرُهذا عند انتهاءِ الصلاةِ وقت رفعهاإلى الله تعالى .
فلمّا أتى بهذا الثناء على الرَّبِّتعالى ، التفتَ إلى شانِ الرسولِالذي حصلَ هذا الخير على يديه ، فسلّمعليه أتمّ سلام معرّفٍ باللام التيللاستغراقِ مقروناً بالرحمةِوالبركة . ثمَّ انتقلَ إلى السّلامعلى نفسهِ وعلى سائرِ عبادِ اللهِالصالحين ، وبَدأ بنفسهِ لأنّه أهمُّوالإنسانُ يبدأ بنفسه ثمّ بمنْ يعول، ثم ختم هذا المقام بعقد الإسلام وهوالتشهد بشهادة الحقِّ التي هي أولُالأمر وآخره ، وعندها كلّ الثناءوالتشهد .
الصَّلاةُعَلَى النَّبِيِّ وَآَلِه
والتحيَّاتِ في آخِرالصّلاة جعِلَتْ، بمنزِلَةِخُطْبَةِ الحاجَةِ أمامها ، فإنَّالمصلِّي إذا فرغَ من صلاتِهِ ،جَلَس جِلْسةَ الرَّاغِب الرَّاهِب، يسْتَعْطي من رَبِّه ما لا غِنَى بهعَنْه ، فشُرِعَ له أمامَاسْتِعطائِهِ كلمات التحيّات ،مقدّمة بين يدي سؤالِهِ ، ثميُتْبِعُها بالصلاة على من نالَتأمَّتُهُ هذه النعمة على يَدهِوسعادَتِه ـ وهي من أجلّ أدعية العبدوأنفعها له في دنياه وآخرته ـ فكأنَّالمُصَلّي توسَّلَ إلى اللهِسُبْحانَهُ بعبوديّتهِ ، ثمبالثناءِ عليه ، والشهادَة لهبالوحدانِية ، ولرَسوله بالرِّسالة، ثم الصلاة على رسوله ، ثم قيل لَه :تخيَّر من الدُّعاء أحبّه إليك ،فذاك الحقّ الذي عَلَيْكَ ، وهذاالحق الذي لَكَ .
وشُرِعَتِ الصَّلاة على آله معالصَّلاةِ عليه ، تكميلاً لِقُرَّةِعَيْنِه بإكرام آله والصَّلاةِعَلَيْهِم ، وأن يُصَلَّى عليه وعلىآله ، كما صُلِّي على أبِيهِ إبراهيموآلِهِ ، والأنبياءُ كلُّهم بعدإبراهيم من آلِهِ ، ولذلك كانالمطلوبُ لِرَسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً مثل الصلاةعلى إبراهيمَ ، وعلى جميع الأنبياءبعدَهُ وآلِهِ المؤمنين ، فَلِهذاكانتْ هذه الصلاة أكْمل ما يُصَلّىعلى رسولِ اللهِ بها وأفْضَلَ .
فإذا أتى بها المصلِّي ، أُمِرَ أنيَسْتَعِيذَ باللهِ من مجامِعالشَّرِّ كلِّه ، فإنَّ الشَّرَّإمَّا عذابُ الآخِرَةِ ، وإماسَببُهُ،فليس الشَّرُّ إلا العذابوأسبابه .والعذابُ نَوْعان : عذابٌ فيالبَرْزَخِ ، وعذابٌ في الآخِرَة .وأسبابُهُ الفِتْنَةُ ، وهو نَوْعان: كُبرى ، وصُغْرى .فالكبرى : فتنةالدجال وفتنة الممات ؛ والصُّغرى :فتنة الحياة التي يُمْكِنُ تداركُهابالتَّوبَة ، بخلافِ فِتْنَةِالمَمَاتِ وفِتْنَةِ الدَّجَالِ ،فإنَّ المفْتُونَ فيهِما لايتداركُها .
ثُمَّ شَرعَ له منالدُّعاءِ ما يختارُهُ من مصالحِدُنياه وآخِرَتِه ، والدُّعاءُ فيهذا المحلِّ قَبْلَ السَّلامِأفْضَلُ من الدُّعاء بعد السَّلامِوأنْفَعُ للدَّاعي ، وذَلِكَ أنَّالمُصَلِّي قِبْلَ سَلامِهِ فيمحلِّ المُناجاة والقُرْبَة بينيَدَيّ رَبِّهِ ، فسؤالُهُ في هذاالحالِ أقربُ إلى الإجابَةِ منسؤالِهِ بعد انصرافِهِ من بَيْنَيَدَيْهِ .
كَوْنُالسَّلاَم فِي خَاتِمَةِ الصَّلاَةِ
وأمّاالسلام من الصلاة : فإنّما هو علمٌعلى التحليلِ منها والانْفصالِعنْها ، وقدْ أخبرَ رسول الله عن ذلكفقال:(تحريمها التكبيروتحليلها التسليم).
والسلام اسم من أسْماء الله تباركوتعالى 17 ، وهذا دليلٌ على شرفِالصلاة وجليلِ شأنها ورفيع مكانها ؛لأنَّ المصلي افتتحها باسمه تباركوتعالى ، وختمها باسمه ، فيكونذاكراً لاسم ربّه أول الصلاة وآخرها، فأولها باسمه وآخرها باسمه ، فدخلَفيها باسمه ، وخرج منها باسمه ، مع مافي اسم السلام من الخاصية والحكمةالمناسبة لانصراف المُصَلّي من بينيدي الله تعالى ، فإن المصلِّي ما دامفي صلاته بين يدي ربه فهو في حماهالذي لا يستطيعُ أحدٌ أن يخفِرَهُ ،بل هو في حِمىً من جميع الآفاتوالشرور ، فإذا انصرف من بين يديهتبارك وتعالى ابتدرتْهُ الآفاتوالبلايا والمحن ، وتعرضَت له من كلجانب ، وجاءه الشيطان بمصائده وجنده، فهو متعرِّضٌ لأنواع البلاياوالمحن ، فإذا انصرف من بين يدي اللهمصحوباً بالسَّلام ،لم يزل عليهحافظٌ من الله إلى وقت الصلاة الأخرى. وكان من تمام النعمة عليه أن يكونانصرافُهُ من بين يدي ربِّه بسلاميستصحُبُه ، ويدومُ له ، ويبقى معه .
فَتَدَّبر هذا السِّرَّ الذي لو لميكن في هذا التعليق غيره لكان كافياً.
فكيف وفيه من الأسرار والفوائد ما لايوجدُ عندَ أبناء الزمان .(/10)
الإقْبالُ علىالله في الصَّلاة
الصَّلاةُ قرَّةُعيونِ المحبين ، ولذَّةُ أرواحالموَحِّدين ،وبستان العابدين ،وثمرة الخاشعين ، وَمِحَكُّ أحوالِالصادقين ، وميزانُ أحوالِالسّالكين . وهي من أعظمِ نعم اللهعليهم ، وأفضل هداياه التي ساقهاإليهم ، فهيَ بستَانُ قلوبهم ،ولذَّةُ نفوسهم ، ورياضُ جوارحهم .فيها يتقلبون في النعيم ، وتوجب لهمالقرب والمنزلة من الله .
وسرُّ الصلاة وروحها ولبُّها هوإقبالُ العبد فيها على الله وحضورهبكُلِّيَّتِهِ بين يديه 18، فكما أنّه لاينبغي له أنْ يصرفَ وجهه عن قِبْلَةِالله يميناً وشمالاً ، فكذلك لاينبغي له أن يصرفَ قلبه عن ربّه إلىغيره .
فالكعبةُ التي هي بيتُ الله قِبْلَةُوجهه وبدنه ، وربُّ البيت تباركوتعالى هو قِبْلَةُ قلبه وروحه ،وعلى حسب إقبالِ العبد على الله فيصلاته يكون إقبال الله عليه ، وإذاأعْرَضَ أعْرَضَ الله عنه ؛ وكماتَدينُ تُدانُ .
وللإقبال في الصلاة ثلاثُ منازل :
إقبالعلى قلبه فيحفظه من الشهوات والوساوسوالخطرات المبطِلَةِ لثواب صلاته ،أو المنقصة له .
وإقبال على الله بمراقبته حتى كأنّهيراه .
وإقبال على معاني كلامه وتفاصيلعبودية الصلاة ليعطيها حقّها منالخشوع والطمأنينة وغير ذلك .
فباستكمال هذه المراتب الثلاث تكونإقامة الصلاة حقاً ، ويكون إقبالالله على عبده بحسب ذلك .
ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أوبقلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان ،فأوقفه بين يديه ، وأقبل يناديهويخاطبه ، وهو في خلال ذلك يلتفت عنالسلطان يميناً وشمالاً ، وقد انصرفقلبه عن السلطان ، فلا يفهم ما يخاطبهبه ؛ لأن قلبه ليس حاضراً معه ، فماظنّ هذا الرجل أن يفعل به السلطان ،أفليس أقلُّ المراتب في حقّه أنينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قدسقط من عينيه ؟ ! فما الظنّ بالملكالحق المبين الذي هو ربّ العالمينوقيوم السموات والأرض .
فهذا المصلي لا يستوي والحاضرَ القلب، المقبلَ على الله تعالى في صلاته ،الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقفبين يديه ، فامتلأ قلبه من هيبته ،وذلت عنقه له ، واستحيى من ربه تعالىأن يقبل على غيره ، أويلتفت عنه ،وبين صلاتيهما في الفضل ؛ كما بينالسماء والأرض .
وذلك : أن أحدهما مقبل بقلبه على الله، قرير العين به ، والآخر ساهٍ غافل ،فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله ،وبينه وبينه حجاب ؛ لم يكن إقبالاًولا تقريباً ، فما الظن بالخالق ؟!
وإذا أقبل على الخالق ، وبينه وبينهحجاب الشهوات والوساوس ، والنفسمشغوفة بها ، ملأى منها ، فكيف يكونذلك إقبالاً وقد ألهته الوساوسوالأفكار ، وذهبت به كل مذهب ؟!
والعبدُ إذا قام في الصلاة ؛ غارَالشيطان منه ، فإنه قام في أعز مقام ،وأقربه ، وأغيظه للشيطان ، وأشدهعليه ، فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهادأن يخطر بينه وبين نفسه ، ويحول بينهوبين قلبه ، فيذكِّره في الصلاة ما لميكن يذكر قبل دخوله فيها ، حتى ربماكان قد نسي الشيء والحاجة ، وأيس منها، فيذكره إياها في الصلاة 19؛ ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله ، فيقوم فيها بلاقلب ، فلا ينال من إقبال الله تعالىوكرامته وقربه ما يناله المقبل علىربه عز وجل ، الحاضر بقلبه في صلاته ،فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيهابخطاياه وذنوبه ، وأثقاله لم تخفَّعنه بالصلاة ، فإن الصلاة إنماتكفِّر سيئات من أدى حقها ، وأكملخشوعها ، ووقف بين يدي الله تعالىبقلبه وقالبه .
فهذا إذا انصرف منها ؛ وجد خفة مننفسه ، وأحس بأثقال قد وضعت عنه ،فوجد نشاطاً وراحة وروحاً ، حتىيتمنى أنه لم يكن خرج منها ؛ لأنهاقرَّةُ عينه ، ونعيم روحه ، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا ، فلا يزال كأنهفي سجن ضيق حتى يدخل فيها ، فيستريحبها ، لا منها ، فالمحبُّون يقولون :نصلي فنستريح بصلاتنا ؛ كما قالإمامهم وقدوتهم ونبيهم :(يابلالُأقم الصلاة، أرحنا بها) 20 أي: أقمها لنستريح بهامن مقاساة الشواغل ، كما يستريحالتعبان إذا وصل إلى منزله وقرّ فيهوسكن ، ولم يقل : أرحنا منها ؛ كمايقول المبطلون الغافلون .
وقال النبي: (حُبِّبَ إليّ :النِّسَاءُ ، والطِّيبُ ، وجعلتْقرَّةُ عيني في الصَّلاة) 21 .(/11)
فقرَّةُ العينِ فوقالمحبَّة ، فجعلَ النساءَ والطّيبَمّما يحبّه ، وأخبر أنَّ قرّة العينِالتي يطمئن القلب بالوصول إليها ومحضلذته وفرحه وسروره وبهجته : إنّما هوفي الصّلاة التي هي صلةٌ بالله ،وحضورٌ بين يديه ، ومناجاةٌ له ،واقترابٌ منه . فكيف لا تكون قرةالعين ، وكيف تقر عين المحب بسواها ؟!وكيف يطيق الصبر عنها ؟! فَالمُحِبُّرَاحَتُهُ وَقُرَّةُ عَينِهِ فِيالصَّلاةِ ، وَالغَافِلُ المُعرِضُلَيسَ لَهُ نَصِيبٌ مِن ذَلِكَ ، بَلالصَّلاةُ كَبِيِرَةٌ شَاقَّةٌعَلَيهِ ، إذَا قَامَ فِيهَاكَأَنَّهُ عَلَى الجَمرِ حِتَّىيَتَخَلَّصَ مِنهَا ، وَأَحَبُّالصَّلاةِ إلَيهِ أَعجَلُهَاوَأَسرَعُهَا ، فَإنَّهُ لَيسَ لَهُقُرَّةُ عَينٍ فِيهَا ، وَلالِقَلبِهِ رَاحَةٌ بِهَا ،وَالعَبدُ إذَا قَرَّتْ عَينُهُبِشَيءٍ وَاستَرَاحَ قَلبُهُ بِهِفَأَشَقُّ مَاعَلَيهِمُفاَرَقَتُهُ ، وَالمُتَكَلِّفُالفَارغُ القَلبِ مِن اللهِوَالدَّارِ الآخِرَةِ المُبتَلَىبِمَحَبَّةِ الدُّنيَا أَشَقُّ مَاعَلَيهِ الصَّلاةُ ، وَأَكرَهُ مَاإلَيهِ طُولُهَا ، مَعَ تَفَرُّغِهِوَصِحَّتِهِ وَعَدَمِ اشتِغَالِهِ !وإنما يقوى العبد على حضوره فيالصلاة واشتغاله فيها بربه إذا قهرشهوته وهواه ، وإلا فقلب قد قهرتهالشهوة ، وأسره الهوى ، ووجد الشيطانفيه مقعداً تمكن فيه ؛ كيف يَخْلُصُمن الوساوس والأفكار ؟! والقلوبثلاثة : القلب الأول : قلب خالٍ منالإيمان وجميع الخير ، فذلك قلب مظلم، قد استراح الشيطان من إلقاءالوساوس إليه ؛ لأنه قد اتخذه بيتاًووطناً ، وتحكَّم فيه بما يريد ،وتمكَّن منه غاية التمكن . القلبالثاني :قلب قد استنار بنور الإيمان ، وأوقدفيه مصباحه ، لكن عليه ظلمة الشهواتوعواصف الأهوية ، فللشيطان هنالكإقبال وإدبار ، ومجالات ومطامع ،فالحرب دول وسجال . وتختلف أحوال هذاالصنف بالقلة والكثرة ، فمنهم مَنأوقات غلبته لعدوه أكثر ، ومنهم منأوقات غلبة عدوه له أكثر، ومنهم من هوتارة وتارة . القلب الثالث : قلب محشوبالإيمان ، قد استنار بنور الإيمان ،وانقشعت عنه حجب الشهوات ، وأقلعتعنه تلك الظلمات ، فلنوره في صدرهإشراق ، ولذلك الإشراق إيقاد ، لو دنامنه الوسواس ؛ احترق به ، فهو كالسماءالتي حُرِست بالنجوم فلو دنا منهاالشيطان يتخطاها ؛ رُجِم فاحترق ،وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن ؛وحراسة الله تعالى له أتمّ من حراسةالسماء ، والسماء متعبِّد الملائكة ،ومستقرُّ الوحي ، وفيها أنوارالطاعات ، وقلب المؤمن مستقر التوحيد، والمحبة ، والمعرفة ، والإيمان ،وفيه أنوارها ، فهو حقيق أن يُحْرَسويحفظ من كيد العدو ، فلا ينال منهشيئاً إلا خطفة . وقد مثَّل ذلك بمثالحسن ، وهو ثلاثة بيوت : بيت للملك : فيهكنوزه ، وذخائره ، وجواهره . وبيتللعبد : فيه كنوز العبد ، وذخائره،وجواهره ،وليس جواهر الملك وذخائره .وبيت خال صفر : لا شيء فيه . فجاء اللصيسرق من أحد البيوت ، فمن أيِّها يسرق؟ فإن قلت : من البيت الخالي ؛ كانمحالاً ؛ لأن البيت الخالي ليس فيهشيء يُسْرق ، ولهذا قيل لابنعباس رضي الله عنهما : إن اليهود تزعمأنها لا تُوَسْوس22 في صلاتها . فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب ؟! وإن قلت : يسرق منبيت الملك ؛ كان ذلكَ كالمستحيلِالممتنع ، فإنَّ عليه من الحرسِواليَزك 23ما لايستطيعُ اللصُّالدنوَّ منهُ ، كيف وحارسه الملكبنفسه ؟! وكيف يستطيع اللص الدنوَّمنه وحوله من الحرس والجند ما حوله ؟!فلم يبق للصِّ إلا البيت الثالث ، فهوالذي يشنُّ عليهِ الغاراتِ .فليتأمَّل اللبيبُ هذا المثال حقَّالتأمُّلِ ، ولينزله على القلوبِ ؛فإنَّها على منواله . فقلب خلا منالخير كلّه ، وهو قلب الكافروالمنافق ، فذلك بيت الشيطان ؛ قدأحرزه لنفسه ، واستوطنه ، واتخذهسكناً ومستقراً ، فأيُّ شيء يسرق منهوفيه خزائنه ، وذخائره ، وشكوكه ،وخيالاته ووساوسه ؟! وقلب قد امتلأ منجلال الله عز وجل، وعظمته ، ومحبته ،ومراقبته ، والحياء منه ، فأيُّشيطان يجترىء على هذا القلب ؟! وإنأراد سرقة شيء منه ؛ فماذا يسرق ؟!وغايتهأن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب ،يحصل له على غِرَّة من العبد وغفلة لابدّ له منها ، إذ هو بشر ، وأحكامالبشرية جارية عليه ؛ من الغفلة ،والسهو ، والذهول ، وغلبة الطبع .وقلب فيه توحيد الله تعالى ، ومعرفته، ومحبته ، والإيمان به ، والتصديقبوعده ، وفيه شهوات النفس وأخلاقها ،ودواعي الهوى والطبع . فمرة يميلبقلبه داعي الإيمان ، والمعرفة ،والمحبة لله تعالى ، وإرادته وحده ،ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان ،والهوى ، والطباع . فهذا القلبللشيطان فيه مطمع ، وله منه منازلاتووقائع ، ويعطي الله النصر من يشاء . ( وَمَاالنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [ آل عمران : 126 ] .(/12)
وهذا لا يتمكنُالشيطانُ منهُ إلا بما عندهُ منسلاحه ، فيدخل إليه الشيطان ، فيجدسلاحه عنده ، فيأخذه ويقاتله به ،فإنّ أسلحته هي الشهوات ، والشبهات ،والخيالات ، والأماني الكاذبة ، وهيفي القلب ، فيدخل الشيطان ، فيجدهاعتيدة ، فيأخذها ، ويصول بها علىالقلب ، فإنْ كان عند العبد عدة عتيدةمن الإيمان تقاوم تلك العدة ، وتزيدعليها ؛ انتصف من الشيطان ، وإلافالدولة لعدوه عليه ، ولا حول ولا قوةإلا بالله . فإذا أذن العبد لعدوه ،وفتح له باب بيته ، وأدخله عليه ،ومكنه من السلاح يقاتله ؛ فهو الملوم.
فنَفْسَكَ لُمْ ولا تَلُمِ المَطايا ... ومُتْ كَمَداً فَلَيْسَ لكَ اعْتِذارُ
من كنوز السنة
1 ـ عن عَمْرُو بنعَبَسَةَ قَالَ : قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَامِنْكُمْ رَجُلٌ يَقُرِّبُ وُضوءَهُفَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُفَيَنْتَثِرُ إِلاَّ خَرَّتْخَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِوَخَيَاشِيمِهِ. ثُمَّ إِذَا غَسَلَوَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهإِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِمِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَالْمَاءِ. ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلاَّخَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْأَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمَّيَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلاَّ خَرَّتْخَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِشَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمَّيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَىالْكَعْبَيْنِ إِلاَّ خَرَّتْخَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْأَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. فَإِنْهُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهوَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُبِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ،وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لله، إِلاَّانْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِكَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُأُمُّهُ »24.
2 ـ ِ عَنْ عُثمَانَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليهوسلم : «مَنْتَوَضَّأْ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا.ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَيُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ،غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْذَنْبِهِ»25.
3 ـ عن عُثْمَانَ قالَ :قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَامِنِ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُصَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ ، فَيُحْسِنُوُضُوءَها وَخُشَوعَهَاوَرُكُوعَهَا، إِلاَّ كَانَتْكَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَالذُّنُوبِ ، مَا لَمْ يؤتِكَبِيرَةً ، وَذلِكَ الدَّهْرَكُلَّهُ» 26. قال الحافظ ابن حجررحمه الله في معنى هذا الحديث:
أحسن التطهير واخشع قانتاً ... مطمئناً في جميع الركعات
فهو كفّارة ما قدّمته27 ... من صغير الذنب والسيئات
4 ـ عن عَبْدِ الله بنِالصُّنَابِحيِّ قال: سَمِعْتُ رسولَالله صلىالله عليه وسلم يقول : « خَمْسُصَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ الله ،مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءهُنَّوَصَلاَّهُنَّ لِوَقْتِهِنَّوَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّوَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَىالله عَهْدُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ،وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُعَلَى الله عَهْدٌ، إِنْ شَاءَغَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَعَذَّبَهُ»28.
5 ـ عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَامِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُفَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ. ثُمَّيَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبهوَوَجْهِهِ. إلاَّ وَجَبَتْ لَهُالْجَنَّةُ « 29 .
6 ـ عن أبي هريرة قال :صلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلما سلّم نادىرجلاً كان في آخر الصُّفوفِ فقال : » يافلان ، ألا تتقي اللهَ ، ألا تَنظركيف تصلِّي ؟ إنَّ أحدكم إذا قاميُصلِّي إنما يقوم يناجي ربَّهفلينظر كيف يناجيه « 30. وَقوله صلى الله عليه وسلم : » إنمايناجِي ربَّه « إشارةٌ إلى أنَّهينبغي له أن يستحيي من نظرِ اللهِإليه واطّلاعِهِ عليه وقربه منه وهوقائمٌ بين يديه يناجيه ، فلو استشعرَهذا لأحسنَ صلاتَه غايةَ الإحسانِوأتقنها غايةَ الإتقانِ كما قال صلى الله عليهوسلم : » اعبدِالله كأنَّك تراه « وفي القرآنِ الإشارةُإلى هذا بقولِه (وَمَا تكُونُ فِيشَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْقُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْعَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْشُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ )[ يونس : 61 ] 31 .(/13)
7 ـ عَنِالْبَيَاضِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليهوسلم خَرَجَ عَلَىالنَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ ،وَقَدْ علتْ أَصْوَاتُهُمبِالْقِرَاءَة ، فَقَالَ : » إنَّالمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُفلينظر بِمَا يُنَاجِيهِ «رواه مالك بسندصحيح . قال الحافظ عبد الحق الإشبيليرحمه الله : "اعلم أنَّ المناجيلا يكونُ مناجياً حتى يعلم من يناجي ،ويحضر قلبه عند المناجاة ، وقد علمتكيف يكون العبد منَّا إذا ناجى سيدّهمن أهل الدنيا ، أو الحرُّ إذا ناجىعظيم قريته أو أمير بلدته ، كيف يكونإصغاؤهُ إليهِ ، وتذلله بين يديه ،وخشوعُ بدنهِ ، وسكونُ جوارِحِه ،وحضورُ قلبهِ لسماعِ كلامِهِ وتلقيحديثهِ ، بل الصاحبُ مع من يُوقِّر منأصحابه ، ويعظِّمُ منْ إخوانِهِ .فأقلّدرجتِكَ يا هذا ، وأحطّ مرْتبتك أنتكون كذلكَ مع ربّكَ تبارك وتعالى ،وكما يجب ألا تصرف وجهك عن قبلتك فيصلاتك ، فكذلك لا تصرف قلبك عن ربّك".
8 ـ عَنْ عَبْدِ اللّهِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّرَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَىبُصَاقاً فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِفَحَكَّهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَىالنَّاسِ فَقَالَ: « إِذَا كَانَأَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَبْصُقْقِبَلَ وَجْهِه . فَإِنَّ اللهقِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى » 32. وقولُهُ صلى الله عليه وسلم : » فإنَّالله قِبَلَ وجهه « يدلُّ على قربِ اللهِتعالى من المصلِّي في حالِ صلاتِه ،وقد تكاثرتِ النّصوصُ بذلكَ ، قالتعالى: (وَاسْجُدْوَاقْتَرِبْ) [ العلق : 19 ] ، وعن أبيهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ : » أقربُما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجدٌفأكثروا من الدُّعاء « 33 . وكان مقصودُ النبيِّصلى اللهعليه وسلمبذكر هذا أن يستشعرَ المصلِّي فيصلاتِه قربَ اللهِ منه ، وأنَّهبمرأى منه ومسمعٍ وأنه مناجٍ له ،وأنَّه يسمعُ كلامَه ويردُّ عليهجوابَ مناجاتِه له . عن أبي هريرة عنالنبيِّ صلىالله عليه وسلمقال: » إنَّالعبدَ إذا قالَ : الحمدُ للهِ ربِّالعالمين قالَ اللهُ : حمدني عبدي « ...
فمن استشعرَ هذا فيصلاتِه أوجبَ له ذلك حضورَ قلبِهبينَ يدي ربِّه وخشوعَه له وتأدُّبَهفي وقوفِه بينَ يديهِ ، فلا يلتفتُإلى غيرهِ بقلبِهِ ولا ببدنِهِ ولايعبثُ وهو واقفٌ بينَ يديه ولا يبصقُأمامَه فيصير في عبادتِه في مقامِالإحسانِ يعبدُ اللهَ كأنَّه يراهكما فسَّر النبيُّ الإحسان بذلك . وقدأخبرَ اللهُ تعالى بقربِهِ مَمَّندعاه وإجابته له تعالى فقالَ : (وَإِذَاسَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّيقَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِإِذَا دَعَانِ)[ البقرة : 186 ] ...
وهذا كلُّه يدلُّ علىأنَّ قربَ اللهِ من خلقِه شاملٌ لهم ،وقربَه من أهلِ طاعتِه فيه مزيدُخصوصيةٍ كما أنَّ معيتَه مع عبادِهعامة حتَّى ممَّنْ عصاه ، قال تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلاَيَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَمَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَيَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ) [ النساء : 108] ومعيتُهمع أهلِ طاعتِه خاصةٌ لهم فهوسبحَانه مع الذين اتَّقوا ومعَ الذينهُمْ محسنونَ ، وقال لموسى وهارونَ : (إِنَّنِيمَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه : 46 ] وقال موسى: (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [ الشعراء : 62 ]وقَالَ في حقِّ محمدٍ وصاحبِه : ( إِذْيَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْإِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [ التوبة : 40 ] ولهذاقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ فيالغارِ : » ما ظنُّك باثنينِاللهُ ثالثُهما «؟ 34. فهذه معيةٌ خاصةٌ غيرقولِهِ : ( مَا يَكُونُ مِنْنَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَرَابِعُهُمْ ) [ المجادلة : 7 ] .فالمعيةُ العامةُ تقتضي التَّحذيرَمن علمِهِ ، واطَّلاعِهِ ، وقدرتِهِ، وبطشِهِ ، وانتقامِهِ . والمعيةُالخاصةُ تقتضي حسنَ الظنِّبإجابتِهِ ، ورضاه ، وحفظِه ،وصيانتِه ، فكذلك القربُ ، وليس هذاالقربُ كقربِ الخلقِ المعهودِ منهم ،كما ظنَّه من ظنَّه من أهلِالضَّلالِ ؛ وإنَّما هو قربٌ ليسَيشبهُ قربَ المخلوقينَ،كما أنَّالموصوفَ به ( لَيْسَ كَمِثْلِهِشَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [ الشورى: 11 ] .
9 ـ عَنْ أَبِي أَيُّوبرضي اللهعنه قَالَ : جَاءَرَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليهوسلم فَقَالَ: يَارَسُولَ اللَّهِ ! عَلِّمْنِيوَأَوْجِزْ قَالَ: « إِذَا قُمْتَفِي صَلاَتِكَ ، فَصَلِّ صَلاَةَمُوَدِّعٍ »35
يعني : يستشعر أنّهيصلي صلاةً لا يصلّي بعدها صلاة أخرىفيحمله ذلك على إتقانها وتكميلهاوإحسانها 36 إنها صلاة الوداع ،ووداع الصلاة ، وهو بذلك يودّع الأهلوالوالدين والإخوة والأحبابوالأقارب ، بل الدنيا كلّها . مودّعلنفسه ، مودّع لهواه ، مودّع لعمرهسائر إلى مولاه .(/14)
10 ـ عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسولالله صلىالله عليه وسلم: » اذْكُر الموتَ فيصلاتك ، فإنّ الرجلَ إذا ذكرَ الموتَفي صلاته ،لحَرِيٌّ أنْ يُحسنَصلاتَه، وصلِّ صلاة رجلٍ لا يظنُّأنّه يصلّي صلاةً غيرها ... « صحيح الجامع (849) .
انظروا ـ يرحمني اللهوإيّاكم ـ إلى صلاتنا ، أهي حسنة أملا ؟ ليس من العجبِ ألاَّ ترى الحُسنَوالإتقانَ فيها ؛ ذلك لأنَّ ذِكْرَالموت فيها ميِّت أو شبه ميِّت !لاينبغي لنا أبداً أن ننسى قوله صلى الله عليهوسلم: » فإنّالرّجل إذا ذكر الموت في صلاته ،لحريٌّ أنْ يُحْسِنَ صلاتَه « .ألاّ نفهم منذلك أنّ الرجلَ إذا لم يذكر الموتَ فيصلاتِه لجديرٌ ألاَّ يحسنها ؟! . لقدأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمَ أنْيذكرَ الموتَ في صلاته ؛ ذلكَ لأنّهسببٌ في تحسينِ الصّلاة ، فإنّللموتِ رهبةً في النّفوس ، وبهخواتيمُ الأعمالِ ، وما بعدَهُ أشدُّرهبةً وأكثرُ تخويفاً ، فأينَالمفرُّ من ضغطةِ القبر ؟ وماذاسيكون جوابنا حينَ نسألُ في القبرِ ؟ثم إنّنا لا نعرفُ أين مصيرنا ، أإلىجنّةٍ عرضها السمواتُ والأرضُ ، أمإلى نارٍ وقودها النّاسُ والحجارة ؟وهكذا يستعرض الإنسان صُوَراًوصُوَراً في الموت وما بعده ، فيصلّيصلاةَ رجلٍ لا يظنّ أنّه يصلي صلاةًغيرها ، فيُحْسِنُ الصلاة ، ويصْدُقُالتوبةَ ، ويعد نفسَهُ بينَ الأمواتِ، يجهّز الكفنَ ، ويكتبُ الوصية ،ويعيدُ الحقوق لأصحابها ، فإذا أصبحَلم ينتظر المساء ، وإذا أمسى لم ينتظرالصباح . وهكذا يأتي ليؤدي الصلاةخاشعاً باكياً ، بين خوفٍ ورجاءٍيستقبل الآخرة ، ويودّع الدنيا .
12 ـ عن الحارثالأشعريّ رضيالله عنهقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » ... وإنّ اللهأمركم بالصَّلاةِ فإذا صليتُمْ فلاتلتفتوا ؛ فإنّ الله ينصب وجهه لوجهعبده في صلاته مالم يلتفتْ «37 .
قال ابن القيم رحمهالله : (الالتفات المنهي عنهفي الصلاة قسمان : أحدهما : التفاتالقلب عن الله -عز وجل- إلى غير اللهتعالى . والثاني : التفات البصر .وكلاهما منهي عنه . ولا يزال اللهمقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاًعلى صلاته ، فإذا التفت بقلبه أو بصره؛ أعرض الله تعالى عنه) .
13 ـ عن عائشة رضي اللهعنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليهوسلم عن التفات الرجلفي صلاته ، فقال : » اخْتلاسٌيَخْتَلِسُهُ الشيطانُ مِن صَلاةِالعَبْدِ « 38 .
قال ابن القيم رحمهالله : (فإذا كان هذا التفاتطرفه أو لحظه . فكيف التفات قلبه إلىما سوى الله ؟ هذا أعظم نصيب الشيطانمن العبودية) .
الحمد لله الذي هدانالهذا وما كنا لنهتدي لولا أنْ هداناالله ، والصلاة والسلام على خاتمالأنبياء والمرسلين . رحمَ اللهُ منأقبلَ على صلاتِهِ خاشعاً خاضعاً ،ذليلاً لله عز وجل خائفاً داعياًراغباً ، وَجِلاً مُشْفِقاً راجياً .وجعلَ أكبَر همِّه في صلاته لربِّهتعالى ، ومناجاته إيّاه ، وانتصابهقائماً وقاعداً ، وراكعاً وساجداً ،وفرَّغ لذلك قلبَهُ وثمرةَ فؤادِه .واجتَهَد في أداءِ فرائضهِ . فإنّه لايدري : هلْ يصلّي صلاةً بعد التي هوفيها ، أو يعاجل قبلَ ذلك ؟ فقامَ بينيدي ربَّه عز وجل محزوناً مشفقاً ،يرجو قبولها ، ويخاف ردَّها .فإنقبلها سَعِدَ وإنْ ردَّها شقِيَ . فماأعظم خطرك يا أخي في هذه الصلاَّة ،وفي غيرها من عملك ، وما أولاك بالهمّوالحزن ، والخوفِ والوَجَلِ فيها ،وفيما سواها مّما افترض اللهُ عليكَ .إنّكَ لا تدْري : هَلْ يقبل منك صلاةقطّ ، أم لا ؟ ولا تدري : هل يقبل منكحسنة قط ، أم لا ؟ وهل غفر لك سيئة قط ،أم لا ؟ ثم أنت ـ مع هذا ـ تضحك وتغفُل، وقد جاءك اليقين : أنك وارد النار،ولم يأتك اليقين أنك صادرٌ عنها.فمنأحقُّ بطولِ البكاءِ وطولِ الحزنِمنكَ ، حتى يتقبلُ اللهُ منك ؟ ثمَّ ـمع هذا ـ لا تدري لعلَّكَ لاَ تصبحُإذا أمسيتَ ، ولا تمسي إذا أصبحت ،فمبشَّرٌ بالجنَّة ، أو مبشَّرٌبالنَّار .
يسَّرنا اللهوإيَّاكمْ لليسْرى ، وجعلنا ممَّنْذكِّر فانْتَفعَ بالذِّكْرى.
وآخر دعْوانا أن الحمدلله ربِّ العالمين .
الحواشي
1رواه أبو داود وصححهالألباني لقاه الله رضوانه وأسكنهفسيح جنانه في " صحيح الجامع " (4703) .
2طبقات الحنابلة (1/354) .
3 أخي المسلم : قدّرْأنَّ رجلاً صالحاً من وجوه أهلِبيتِكَ ينظرُ إليكَ ليعلم كيفَ صلاتك، فعندَ ذلكَ يحضر قلبك وتسكنُجوارحكَ خيفة أنْ ينسبك ذلك العاجزُالمسكينُ إلى قلّة الخشوع ، ثم ارجعْإلى نفسِكَ وقلْ لها : يا نفسي ألاتستحين من خالقك ومولاك ، إذ قدرتاطلاعَ عبدٍ ذليلٍ من عباده عليك ،وليسَ بيده ضرّك ولا نفعُك ، خشعتجوارحك وحسَّنْت صلاتك ، ثم إنَّكتعلمين أنّه مطّلعٌ عليك ، ولاتخشعين لعظمته ، أهو تعالى عندك أقلّمن عباده ؟! فما أشدّ طغيانك وجهلك !وما أعظم عدوانك لنفسك ! وقد قال رسولالله صلىالله عليه وسلم:( أوصيك أن تستحي منالله كما تستحي من الرجل الصالح منقومك).(/15)
عالجْقلبكَ بهذا فعسى أن يحضر معكَ فيصلاتك ؛ فإنّه ليسَ لكَ منْ صلاتك إلاما عقلت منها ، وأماّ ما أتيت معالغفلةِ والسّهو فهو إلى الإستغفاروالتكفير أحوج.
4 صحيح سنن أبي داود (714 ).
5 عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أحب الكلام إلىالله أن يقول العبد : سبحانك اللهموبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ،ولا إله غيرك) . أخرجه النسائي في" عمل اليوم والليلة " (849) بسندصحيح .
6 أي : دأبَه وشأنه.
7 بدائع الفوائد (2/54 ـ 55) .
8 لقوله: ( إذاسجد أحدكم ؛ فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) رواه أبو داود (840)بسند صحيح . واعلم أن وجه مخالفةالبعير بوضع اليدين قبل الركبتين ؛هو أن البعير يضع أول ما يضع ركبتيه ،وهما في يديه ؛ كما في " لسان العرب" .
9 رواه مسلم (482) .
10 رواه البخاري (813 )ومسلم (1167).
11 رواه مسلم (81) .
12 قال شيخ الإسلام في" المجموع"(23/15) تعليقاً على حديثأَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: ( إِذَاقَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَفَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُيَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلِيأُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِفَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ،وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَعصَيْتُفَلِيَ النَّارُ ) والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا ترغيباًفِي هذا السجود، فدلّ عَلَى أنّ هذاالسجود مأمور به، كَمَا كان السجودلآدم، لأن كلاهما أمر، وقد سن السجودعقبه، فمن سجد كان متشبّهاًبالملائكة، ومن أبى تشبّه بإبليس، بلهذا سجود لله، فهو أعظم من السجودلآدم. وهذا الحديث كاف فِي الدلالةعَلَى الوجوب.
13 إشارة إلى حديث ابنعباس : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بينالسجدتين :( اللهم اغفر ليوارحمني وعافني واهدني وارزقني) صحيح سنن أبيداود (756) .
14 إشارة إلى حديث حذيفة:أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بينالسجدتين :( رب اغفر لي رب اغفر لي) صحيح سنن ابنماجه (731).
* التعريف : الوقوفبعرفة في الحج .
15 قائل هذا القول عبدالله بن عمر . الطبقات الكبرى لابنسعد (4/167) .
* قال ابنرجب رحمه الله : والمعنى : أنّه تعالىمقدَّسٌ منزَّهٌ عن النقائص والعيوبكلّها ، وهذا كما في قوله :(وَالطَّيِّبَاتُلِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَلِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَمُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) [ النور : 26 ] ،والمراد : المنزهون من أدناس الفواحشوأوضارها . لايقبل من الأعمال إلا ماكان طيباً طاهراً من المفسدات كلّهاكالرياء والعجب ، ولا من الأموال إلاما كان طيباً حلالا ، فإنّ الطيبّتوصفُ به الأعمال والأحوالوالاعتقادات ، فكلّ هذه تنقسم إلىطيب وخبيث .
16 رواه مسلم (1015)
17قال ابن القيّم :
وهو السلام على الحقيقة سالم ... من كل نقص وتمثيل
واستواؤه وعلوّه علىعرشه سلام من أن يكون محتاجاً إلى مايحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاجإليه، وحملته محتاجون إليه. فهوالغنيّ عن العرش وعن حملته وعن كلّ ماسواه.فهو استواء وعلوّ لا يشوبه حصرولا حاجة إلى عرش ولا غيره، ولا إحاطةشيء به سبحانه وتعالى ، بل كان سبحانهولا عرش، ولم يكن به حاجة إليه، وهوالغني الحميد، بل استواؤه على عرشهواستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكهوقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيرهبوجه ما. ونزوله كلّ ليلة إلى السماءالدنيا سلام مما يضاد علوّه، وسلاممما يضاد غناه وكماله، سلام من كلّ مايتوهم معطّل أو مشبّه،وسلام من أنيصير تحت شيء أو محصوراً في شيء .تعالىالله ربنا عن كلّ ما يضادّ كماله.
18 اعلم أنّ حضور القلبسببه الهمّة ، فإنّه متى أهمّكَ أمرٌحضر قلبك ضرورةً ، فلا علاجَ لإحضارهإلا صرف الهمّة إلى الصلاة ، وانصرافالهمّة يقوى ويضعف بسب قوة الإيمان ،فمتى رأيت قلبك لا يحضر في الصلاة ،فاعلم أنّ سببه ضعف الإيمان فاجتهدالآن في تقويته . والأسباب المقويةللإيمان كثيرة . انظرها في كتاب "التوضيح والبيان لشجرة الإيمان "للعلامة السعدي رحمه الله .
19 كما في قوله: ( إِذانُودِيَ للصَّلاةِ أدبرَ الشيطانُوله ضُراطٌ حتى لا يَسمعَالتَّأْذينَ، فإذا قُضِيَ النِّداءُأقبلَ، حتّى إِذا ثُوِّبَ بالصلاةِأدبرَ، حتّى إذا قُضِي التثويبِأَقبلَ حتى يَخْطُرَ بينَ المرءِونفسهِ يقول: اذكُرْ كذا، اذكر كذا ـلما لم يَكنْ يَذكرُ ـ حتّى يَظلَّالرجلُ لا يَدرِي كم صلَّى) رواه البخاريومسلم .
20 صحيح سنن أبيداود (4171) .
21 صحيح سننالنسائي (3681).(/16)
22قال شيخ الإسلام رحمهالله في " المجموع " ( 22/ 608 ) : والوسواسيعرض لكلِّ من توجه إلى الله تعالىبذكر أو غيره ، لا بدّ لهُ من ذلكَ ،فينبغي للعبدِ أنْ يثبتَ ويصبرَ ،ويلازمَ ما هو فيه من الذكر والصلاة ،ولا يضجر ، فإنّه بملازمة ذلك ينصرفُعنه كيدُ الشيطان ( إِنَّ كَيْدَالشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [ النساء : 76 ] . وكلماأراد العبد توجهاً إلى الله تعالىبقلبه جاء من الوسواس أمور أخرى ،فإنّ الشيطان بمنزلة قاطع الطريق،كلما أراد العبد أن يسيرَ إلى اللهتعالى أراد قطعَ الطريق عليه .
23كلمة فارسية معناها :طليعة الجيش .
24رواه مسلم ( 2 / 209 ) .
25 رواه البخاري ( 159 )ومسلم ( 226 ) .
26 رواه مسلم ( 228 ) .
27 الإمتاع (79 ـ 80) .
28 صحيح سنن أبي داود ( 1410) .
29 أخرجه مسلم ( 2 / 30 ) .
30 أخرجه ابن خزيمة (474)بسند حسن .
31 فتح الباري (3/149) لابنرجب الحنبلي .
32 رواه مسلم (1175) .
فائدة : الحديث حقّ علىظاهره، وهو سبحانه فوق العرش وهوقِبَلَ وجه المصلّي، بل هذا الوصفيثبت للمخلوقات.فإنّ الإنسان لو أنّهيناجي السّماء أو يناجي الشمس والقمرلكانت السّماء والشمس والقمر فوقه،وكانت أيضاً قبل وجهه ؛ مع أن الشمسقد تشرق وقد تغرب ، فتنحرف عن سمتالرأس ، فكيف بمن هو فوق كلّ شيءدائماً لا يأفل ولا يغيب ( !!. وقد ضربالنبي ( المثل بذلك -ولله المثلالأعلى، ولكن المقصود بالتمثيل بيانجواز هذا وإمكانه، لا تشبيه الخالقبالمخلوق- فقال النبي : ( مامنكم من أحد إلا سيرى ربه مخلياً به) فقال له أبو رزينالعقيلي: كيف يا رسول الله وهو واحدونحن جميع؟ فقال النبي : ( سأنبئكبمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمركلكم يراه مخلياً به، وهو آية من آياتالله، فالله أكبر ،وقال: ( إِنَّكُمْسَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَاتَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) فشبّه الرؤيةبالرؤية، وإن لم يكنْ المرئي مشابهاًللمرئي؛ فالمؤمنون إذا رأوا ربهم يومالقيامة وناجوه كل يراه فوقه قبلوجهه، كما يرى الشمس والقمر، ولامنافاة أصلاً. ومن كان له نصيب منالمعرفة بالله، والرسوخ في العلمبالله: يكون إقراره للكتاب والسنّةعلى ما هما عليه أوكد .
33 رواه مسلم (482) .
34 أخرجه البخاري (3653)ومسلم (2381) .
35 صحيح سنن ابن ماجه (3363).
36شرح حديث : " شدّادبن أوس " (ص 36 ـ 37) لابن رجب الحنبلي .
37 صحيح سنن الترمذي (2298).
38 أخرجه البخاري (2/234و6/338)، وغيره .
فائدة : الاختلاس:الاختطاف بسرعة على غفلة . قالالعلامة الطيبي طيب الله ثراه : سمياختلاساً تصويراً لقبيح تلك الفعلة بالمختلس ؛ لأن المصلي يقبل عليهالرب سبحانه وتعالى والشيطان مترصدله ينتظر فوات ذلك عليه ، فإذا التفتاغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلكالحالة . والله أعلم .(/17)
جِرَاحٌ على طريق الدعوة
تأليف:
د. ياسر بُرهامي
إعداد وتنسيق:
براحة الدورات الشرعية والبحوث العلمية
بمنتدى البراحة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران:102]. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [النساء:1]. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب:70، 71].
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.. ثم أما بعد..
فاعلموا عباد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بُعث بين يدي الساعة.. بعث هو والساعة كهاتين, وإن كادت لتسبقه.. اعلموا أنه قد { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ } .. اعلموا أنه قد { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } .. واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم), واعلموا أنه بين يدي الساعة من أنواع الفتن والملاحم والبلابل أنواعاً أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم تظل تتكاثر وتزداد حتى تتصل بالفتن الكبرى التي فيها ما هو أعظم من كل ما سبق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن فتنة الدجال: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال) يعني ليس هناك فتنة أكبر من الدجال.
وتلك الفتن إذا تكاثرت وامتلأت الأرض منها ظلماً وعدواناً وجوراً وطغياناً فإن الله سبحانه وتعالى يملأها بعد ذلك عدلاً وإحساناً كما بين صلى الله عليه وسلم في أحاديث المهدي فقال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من عترتي اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً).(/1)
وبعد ذلك تكون فتن أشد؛ فإن ظهوره إنما يكون في أهل الإسلام وفي بلاد الإسلام، ثم بعد ذلك تقع الملاحم الكبرى مع النصارى من الروم في أرض الشام يقتلون فيها مقتلة عظيمة بعد غدرهم وإتيانهم تحت ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً.. أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يأتون في تسعمائة وستين ألف مقاتل يغزون بلاد الإسلام ويخرج إليهم جيش من المدينة يقتلهم الله بثلث هذا الجيش إذ يُقتل ثلثه شهداء، ويفر ثلثه لا يتوب الله- عز وجل - عليهم، ويفتح الله- عز وجل - على الثلث، ثم يفتحون بعد ذلك قسطنطينية ويظهر أيضاً أنهم يفتحون رومية وهي عاصمة بلاد النصارى في الكفر والتثليث -والعياذ بالله- فعندما يفتحون هذه البلاد فإن الله يبعث الدجال فتنة للعباد.. فإذا كثرت الفتن وجب على المؤمن أن ينتبه ويحذر، ووجب عليه أن يزداد بصيرة في الحق، وإرادة له، وثباتاً عليه، وصبراً ويقيناً بوعد الله سبحانه وتعالى, ويعلم أن وجوده وسط الفتن امتحان له ودلالة على قوة إيمانه إذا ثبت ليرتفع درجات عند الله, وليس ذلك بشرٍّ للمؤمنين، بل هو خير لهم كما قال- عز وجل -: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [النور: من الآية11] مع ما كان لهم فيه من الألم الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولزوجه الطاهرة المبرأة من فوق سبع سماوات أم المؤمنين عائشة، ولأفاضل المؤمنين- رضي الله عنهم - وفيهم أفضلهم أبو بكر الصديق- رضي الله عنه -.. كم كان الألم شديداً والفتنة عظيمة في أوساط المسلمين.. كانت فتنة أشد من فتنة الأعداء القادمين من خارج البلاد, وكذلك كانت فتنة هؤلاء المنافقين أشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من الفتن الأخرى, وكان ذلك خيراً؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى إنما أوجد البشر -هذه النوعية العجيبة من المخلوقات التي يجتمع في قلوب أفرادها أنواع الإرادات والشهوات والرغبات من الخير والشر حتى في قلوب صفوة هؤلاء البشر- إنما أوجد الله هذا الجنس الإنساني من أجل هذه الصفوة, من أجل وجود هذه الأنواع من العبودية في مقاومة الشر, فالله- عز وجل - كان قادراً ولم يزل قادراً على أن يخلق من يعبده لا يشرك به شيئاً طرفة عين، وعلى أن يخلق من يسبح بحمده، ويقدس له، ولا يسفك دماً، ولا يظلم أنملة، ولا يظلم ذرة كما خلق الملائكة { لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .
وتلك عبودية.. ولكن هناك ما هو عند الله- عز وجل - أفضل منها وأحب إليه سبحانه.. من أجل ذلك خلق الشر الذي يكرهه سبحانه وتعالى ونهى عنه وحرمه، ومع ذلك خلقه، وقدره بعلمه وحكمته، وما خرج عن قدرته ولا قضائه وقدره، بل كان ذلك منه سبحانه خلقاً وإيجاداً، وإن كان من أهل الشر فعلاً وتكسباً.. خلق الله- عز وجل - الأشرار من الجنة ومن الناس, خلق شياطين الإنس والجن, خلقهم ليوجد في عباده المؤمنين من أنواع العبودية ما لا يوجد إلا بوجود أضدادها.
تعجب الملائكة من أن يخلق الله- عز وجل - في الأرض من يسفك الدماء ويفسد فيها { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ذلك أنهم قاسوا على القاعدة الأصلية وهي أن الله خلق الخلق ليعبدوه، فهذا هو الأصل، وهذه هي الحكمة الشرعية من خلق الجن والإنس، بل من خلق سائر المخلوقات { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } ، خلق الله الكائنات كلها تسبح له كما قال سبحانه وتعالى: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [الجمعة:1].
وقد أعلم الله سبحانه ملائكتَه أنه سيوجد في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء فتعجبوا من خلق الله هذا النوع أيضاً مع قدرته على خلق الملائكة –وقد خُلقوا- وعلى خلق أمثالهم.
قال تعالى: { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } [البقرة: من الآية30] يعلم سبحانه وتعالى وجود الأنبياء، ووجود الأولياء، ووجود المجاهدين، ووجود الصابرين.. يعلم أنه سيوجد من هذا النوع البشري خير الخليقة على الإطلاق { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة } ِ يجعلهم الله سبحانه وتعالى في مآلهم وحالهم الثاني خيراً من الملائكة يسلم عليهم الملائكة كما قال: { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد:23، 24] أي شرف أعظم من أن يستأذن ملك على المؤمن في قصره ويستفتح الأبواب ليدخل للسلام فيقول الخدام للمؤمن: "ملَك بالباب" يستأذن فيدخل فيسلم على المؤمن ويقول له: { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } ؟.(/2)
{ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ } فبالصبر نالوا هذا الأجر العظيم, والملائكة ليس في مجتمعهم ولا في طائفتهم من يعصي الله طرفة عين، وليس في إراداتهم إرادة شر أو فساد، ولا تنازعهم أنفسهم إلى المعصية، ولا تميل إلى شهوة، ولا تخاف من فوات مأرب، بل هم مُسخرون لعبادة الله ليل نهار بقوة وقدرة جعلها الله لا تتجه إلا للخير، ولكنه سبحانه وتعالى يحب الصابرين ويحب المجاهدين ويحب من يبذل ويضحي في سبيله سبحانه، فكيف يوجد هذا إذا لم يوجد شر وفساد، وإذا لم يوجد صراع، وإذا لم توجد مقاومة، وإذا لم يوجد هذا النوع من الجهاد الذي افترضه الله بأنواعه المختلفة؟.
فرضه الله سبحانه وتعالى بالقلب واللسان والنفس والمال لأنواع المخالفات لشرعه: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [آل عمران:142] فالله يحب الصبر والجهاد، ولذلك أوجد الشر والفساد.. يحب سبحانه وتعالى أن تنازع نفسَك إلى الله- عز وجل -, وأن تخاصمها في الله- عز وجل -.. هي تريدك إلى الشهوة وأنت تجرها بعيداً عن هذا الفساد, تريدك إلى الدعة والكسل وأنت تجرها إلى الطاعة، وإذا جررتها إلى الطاعة سارت معك بعد ذلك محبة للخير مريدة له تتلذذ به بعدما كانت تتألم منه.
تنازعك نفسك إلى موافقة أهل الأرض إذ أنك فقيرٌ فيما يبدو إليهم فقير إلى موافقتهم، وأنت تنازعها إلى مفارقتهم في الله- عز وجل - تخالفهم لأجل طاعتك وتفارقهم وأنت مفتقر إلى موافقتهم لتقول يوم القيامة مع المؤمنين: "ربنا فارقنا الناس أفقر ما كنا إليهم", إذا جمع الله الناس وقال: "لتتبع كل أمة ما كانت تعبد", فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس, ويتبع من كان يعبد القمر القمر, ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت, ويبقى اليهود والنصارى وهذه الأمة فيؤتى اليهود فيقال: "ماذا كنتم تعبدون؟" فيقولون: "كنا نعبد عزير ابن الله", فيقال: "كذبتم، ما اتخذ الله صاحبة ولا ولداً" فيقال: "ماذا تريدون؟" فيقولون: "عطشنا يا ربنا فاسقنا", فيقال: "ألا تردون؟" (أي ألا تذهبون إلى الشرب) فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون فيها, ويؤتى النصارى فيقال: "ماذا كنتم تعبدون؟" فيقولون: "كنا نعبد المسيح ابن الله", فيقال: "كذبتم ما اتخذ الله صاحبة ولا ولداً", فيقال: "ماذا تريدون؟"، فيقولون: "عطشنا يا ربنا فاسقنا", فيقال: "ألا تردون؟" فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون فيها, ثم تبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم ربهم في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: "ماذا تنتظرون؟، لتتبع كل أمة ما كانت تعبد" فيقولون: "ربنا، فارقنا الناس أفقر ما كنا إليهم", فيقولون: "إننا ننتظر ربنا حتى يأتينا هذا مقامنا فإذا جاء ربنا عرفناه".. لهم رب يعبدونه ليس كما يعبد الناس الآلهة والطواغيت، هم فارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم وأفقر ما كانوا إليهم، فكيف يوافقونهم الآن وقد استغنوا عنهم؟, كيف يوافقونهم وهم يحشرون إلى جهنم طائفة بعد طائفة؟, وعندما يقول لهم ربهم: "أنا ربكم"، فيقولون: "نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا", فيقول: "هل لكم بينكم وبينه علامة تعرفونه بها؟" فيكشف عن ساقه، فإذا كشف عن ساقه سجد لله من كان يسجد لله من تلقاء نفسه, ومن كان يسجد رياء وسمعة صار ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه.. تميز المنافقون عندئذ، وخدعوا إذ ظنوا أنهم على الإيمان ثم فصلوا عنهم, وتميز المجرمون أعداء الدين بعيداً عن المؤمنين, وصارت علامتهم واضحة جلية.(/3)
لذلك أوجد الله تعالى هذه الشرور وهذا الفساد في الأرض ليظهر من أهل الإيمان هذه الأنواع من العبودية المحبوبة له سبحانه وتعالى, أوجد الله- عز وجل - المحن لتنازعك نفسك كي تترك المشكلة بأسرها وتنشغل بدنياك وترضى بها عما تعد للقاء الله سبحانه وتعالى، فأنت تنازعها وتخاصمها وتجرها إلى طريق الآخرة وتقول: "لا والله، لا أترك طريق الالتزام مهما رأيت من انصراف الناس عنه، ومهما رأيت من خسائر -فيما يبدو للناس- تحل بمن سار فيه", حتى لو رأيت نفسك وحدك فإنك لا ترتبط بشخص ولا مكان، وأي مكان أشرف من مكة المكرمة هذه أشرف بقاع الأرض وأحب بلاد الله إلى الله، ومع ذلك ما ارتبطت بها دعوة الإسلام عندما رفض أهلها الإسلام وأبوا أن يتابعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد خرج إلى قبائل العرب يقول: (من يحملني إلى قومه فأبلغ رسالة ربي؟) صلى الله عليه وسلم ، حتى منَّ الله عليه بالأنصار, وفتح الله قلوبهم للإيمان، وفتح المدينة المنورة بهذا الإيمان، وانتشر النور، ومنها خرج إلى أرجاء الأرض كلها حتى مكَّن الله- عز وجل - لرسوله بمكة المكرمة، لكن حرَّم على المهاجرين أن يقيموا بمكة وأن يرجعوا إليها؛ لأن ثواب الهجرة أعظم من عبودية المسجد الحرام الذي الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، فسبحان الله.. ومع كون المسجد النبوي الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلا أن الصحابة الذين فقهوا حقيقة هذا الدين، وما أُمروا به انطلقوا في المشارق والمغارب، ولم يؤثروا أن يسكنوا المدينة، وآثروا الجهاد، وعندما فتحت الأمصار آثروا تعليم الناس أمور دينهم، ومكثوا في البلاد يعلمون الناس ويفقهونهم، فعبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - يعلم أهل الكوفة وأهل العراق، وكذلك أبو موسى ومعاذ وحذيفة ومعاوية- رضي الله عنهم - في الشام، وآخرون كانوا بمصر، وفي المشارق والمغارب في الأرض ينشرون الدين ويعلمون الناس الخير، فما ارتبطوا بمكان مع فضله وشرفه، وما آثروا المكث بأرض تتضاعف فيها العبادة على أن يخرجوا إلى البلاد لينشروا دين الله سبحانه وتعالى؛ لأن دعوتهم ليست ترتبط بمكان معين.
بل وأعظم من ذلك فدعوة الإسلام لا ترتبط بشخص معين، وأي الناس أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ خير الخلق، وسيد ولد آدم، وخاتم النبيين، وإمام المرسلين، الشافع المشفَّع، خليل الرحمن، صاحب المقام المحمود.. لا أحد أرفع منزلة ولا أعظم درجة منه صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك عتب الله على الصحابة- رضي الله عنهم - أن ترتبط دعوتهم والتزامهم بشخصه صلى الله عليه وسلم حين أُشيع في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فترك بعض الصحابة القتال, وبعضهم كان أفقه وأعلم فقال: "قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فمنهم من قاتل وفي ظنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ومع ذلك ظل يقاتل؛ لأنه يريد أن ينشر هذا الدين وأن ينصره، مع أن الموازين الأرضية تقضي بحصول الهزيمة، فقد فرَّ الرماة، وقُتل مَن قُتل، وأرجف المرجفون، ومع ذلك ثبتوا وقاتلوا، ومنهم من قُتل على ذلك وهو يشم رائحة الجنة: أنس بن النضر- رضي الله عنه -.. وجد سعد بن معاذ- رضي الله عنه - وقد جلس وترك القتال فقال: "واه يا سعد، إني والله لأجد ريح الجنة دون أحد".. يشم رائحتها فعلاً كرامة من الله- عز وجل -، جعل الله سبحانه رائحة الجنة تصل إليه عبر هذه السموات السبع وعبر هذه المسافات الهائلة، فقال سعد: "فوالله يا رسول الله ما استطعت ما صنع", وجد فيه ما بين بضع وثمانين ضربة بسيف ورمية بسهم وطعنة برمح، وما عرفتْه أختُه إلا ببنانه.. لم يعرفوه من كثرة الجراح.. ظل يقاتل وقد جرح قبل الجراحة القاتلة بضعاً وثمانين جرحاً، ثم جاءته المتمة التي قضت عليه، وقضى بها نحبه وعهده الذي عاهد الله- عز وجل - عليه: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } [الأحزاب:23].
كان منهم أنس بن النضر- رضي الله عنه - وجماعات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأنزل الله فيما حدث من ذلك: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144].(/4)
هكذا علمهم القرآن, علمهم ربهم سبحانه في كتابه ألا ترتبط دعوتهم حتى بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ترتبط بما جاء به: بدينه، بكتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم دعوة مرتبطة بحبل الله المتصل { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } ، هكذا اعتصموا بحبل الله الواصل بينهم وبين ربهم- عز وجل -، لا يرتبطون بشخص يجعلون التزامهم بالدين بناءً عليه, علَّمهم سبحانه ماذا يصنعون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وعقلها أبو بكر- رضي الله عنه - تمام العقل، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية بنحو ثمان سنين وجاء أبو بكر ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مات فقبَّل بين عينيه وهو أحب الناس إليه وكان أبو بكر أحب الناس إليه, وقال: "طبت يا رسول الله حياً وميتاً"، ثم خرج على الناس فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت", ثم تلا قول الله- عز وجل -: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144], فكانت التي أيقظت في الصحابة- رضي الله عنهم - أنواع الهمم العالية والإرادات الجازمة والعلوم الكاشفة التي عرفوا بها طبيعة جهادهم وما يجب عليهم نحو مصابهم, فانطلق الناس يتلون هذه الآية فتحملوا هذه الصدمة الهائلة بفقدان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحيله عن الأرض إلى الرفيق الأعلى, وصاروا يدافعون عن الدين ويقاتلون المرتدين, وسبحان الله ما أسرع أن حدثت الردة وبالآلاف، ولم يبق يسجد لله- عز وجل - في الأرض إلا في مسجد رسول الله وفي المسجد الحرام وفي حواثى في بني عبد قيس بالبحرين، ومع ذلك يقف أبو بكر الصديق- رضي الله عنه - تلك الوقفة الهائلة تلك الوقفة التي حفظ الله بها الدين من الانحراف والتي مَنَّ الله بها علينا حتى وصل الإسلام إلينا نقياً صافياً بلا تبديل ولا تحريف.
وارتد بعض الناس عن الدين كله، وارتد بعض الناس عن بعض أركانه كمن منع الزكاة، فقاتل أبو بكر الجميع وعزم على أن يقاتل من منع عقالاً كان يؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانشرح صدره للقتال، فعلم عمر والصحابة أنه الحق؛ لأن انشراح صدر أبي بكر- رضي الله عنه - نجم يُهتدى به فانشراح صدر المؤمن للشيء من الحق يجعله نوراً يهتدي به غيره.
وبالفعل قاتل هؤلاء الصحابة- رضي الله عنهم - هؤلاء المرتدين وردُّوهم إلى الإسلام, وأشرقت الأرض بنور دين الله- عز وجل - في جزيرة العرب كلها، وقتل الله مسيلمة الكذاب وطلحة، وانفضت الجموع من حول مدعيي النبوة، وهُدمت مرة ثانية في القلوب عبادة الأوثان، ورجع الناس إلى الإسلام, وأدَّى الناس الزكاة، واستقرت دعائم الملة, فانطلق الصحابة وقد عرفوا وجهتهم, قد عرفوا أنهم خُلقوا للجهاد كما كانوا يقولون في حفرهم الخندق:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما لقينا أبداً
صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي الله عنهم ما بقينا أبداً.. يعلمون أنهم خُلقوا ليقاوموا الشر والفساد في الأرض, وليعلنوا كلمة الحق, وليخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد كما قال ربعي بن عامر لرستم: "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
فمهما ضاقت الأمور توشك أن تتسع, بل ضيقها علامة اتساعها, وطغيان أهل الفساد علامة قرب هلاكهم كما أخبر- عز وجل -: { وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [الأعراف:127- 129].(/5)
وعسى من الله- عز وجل - واجبة, وهي من أنبيائه خبر عنه سبحانه وتعالى: { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } ؛ لأنهم أوذوا { قَالُوا أُوذِينَا } ، نعم فإن إرادة الله في كسر الجبارين الطغاة, وفي جبر المنكسرين المستضعفين سنة ماضية نافذة في خلقه سبحانه وتعالى { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } [القصص:4- 6].
ما بلغ أحد من درجة الاستضعاف ما بلغه فرعون من بني اسرائيل فيما استضعفهم فيه، يقتل الأبناء.. يحصرهم ليس بعد وجودهم على وجه الأرض ولا وهم أطفال ولا وهم بالغون قد التزموا بدين الله، بل يحصرهم قبل ولادتهم.. أي استضعاف أشد من ذلك؟.. يحصر كل امرأة تحمل من بني إسرائيل ويضع لها قيداً ويعرف وقت ولادتها ويأتي الذباحون ليذبحوا ذكور بني إسرائيل، ثم لما كثر القتل فيهم حتى كادوا أن يفنوا جعلوا يقتلونهم عاماً ويتركونهم عاماً، ويولد موسى- عليه السلام - وقت الذبح والتقتيل.. فانظر إلى أي درجة من درجات الاستضعاف وصل حال بني إسرائيل, ولكن إرادة الله سابقة: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } .
وقد كان الصحابة- رضي الله عنهم - يعقلون هذه المعاني، ويحيون بها، وخاصة تلك التي كانت ببني إسرائيل زمان فرعون.
وقد كان عمر- رضي الله عنه - ولَّى عمار بن ياسر- رضي الله عنه - إمارة بالعراق، ثم بعد ذلك عزله فلما سُئل عن ذلك قال: "أردت أن يتحقق قول الله- عز وجل -: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } ، وذلك أن عماراً كان يلقى من الأذى ما لم يلقه غيره واستضعف أشد الاستضعاف حتى اضطر أن ينطق بكلمة الكفر.. وأي أسباب أضعف من أسباب بني إسرائيل؟ بل ما كان عندهم أسباب يواجهون بها شر فرعون وقومه، ومع ذلك فإن إرادة الله هي النافذة، وحذر فرعون وهامان وجنودهما لم يغنِ عنهم شيئاً؛ فإن الله مقلب القلوب ومدبر الأمر, فانظر إلى قدرته سبحانه وحكمته أن يجعل فرعون هو الذي يربي موسى, وهو الذي يحفظه ويرعاه إلى أن ينفذ قضاء الله سبحانه وتعالى وأمره, واستوعب جيداً هذا الموقف من موسى- عليه السلام - في قوله: { اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا } , وفي تأكيده أن الأرض لله, ليست لمن زعم أنه قاهر جبار, وأنه إن شاء فعل وفعل: { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } .
وتأمل فهمه الدقيق لأهمية التقوى, وأن العاقبة للتقوى, وأن العاقبة للمتقين, وأن كثرة الطغيان سبب لقرب الهلاك وقرب نزول البلاء الذي ما كانوا يحتسبونه، فأتاهم الله من حيث ما لم يكونوا يحتسبون وهم في أوج قوتهم وجبروت طغيانهم.
فتأمل هذا جيداً وقارن بينه وبين ما كان من موسى- عليه السلام - في شبابه وهو في أول دعوته وقد كانت له شيعة ووجد صراعاً غير متكافئ القوة وغير محسوب العاقبة بين رجل من شيعته ورجل من عدوه، { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } ، وذلك لوجود حمية وعاطفة في نصرة المستضعف وكراهية التحمل لمثل هذا الاستضعاف وإرادة الانفجار، ولكن كان هذا في الحقيقة من عمل الشيطان.. تأمل هذا الموقف جيداً مع أن التهديد الأشد كان في المرحلة التي بعد ذلك كان التهديد: { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } تهديد شديد مع أن موسى في شبابه كان له شيعة وأعوان، ومع ذلك لم يتحمل أن يرى من يصرع ويقتل ويضرب، واندفع فقتل ذلك الفرعوني، وكان ذلك منه- عليه السلام - خطيئة مع أنه لم يرد قتله، إنما قتله خطأً، إنما أراد أن يدفع عن ذلك الإسرائيلي الظلم ومع ذلك فعدَّها من عمل الشيطان، وعدَّها يوم القيامة خطيئته التي أصاب، يقول: "إني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها"، مع أنها نفس كافر حقير لا وزن له عند الله- عز وجل -، وقد قتله لنصرة مظلوم، وقد كان في الحقيقة مع كونه مظلوماً غوياً مبيناً.(/6)
وقال موسى: { هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ } رغم أن ظاهر الأمر أنه كان في نصرة الدين وعون المظلوم، ولكن ترتب على ذلك من أنواع المفاسد والفتن ما الله- عز وجل - به عليم، وبالفعل فقد كان هذا الرجل يشاد كل يوم من لا يقدر عليه، ويضرب كل يوم، ويؤذى كل يوم، ويستغيث كل يوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم وجده موسى يصارع رجلاً آخر فسرعان ما أراد بفطرته المتحمسة لنصرة المظلوم وإباء ترك معاونة الضعيف، مع أنه في الحقيقة لا يقدر أن ينصره نصراً فليس هذا طريق النصر، إنما طريق النصر طريق آخر، طريق: { اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ، طريق: { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } ، طريق: { أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } ، طريق الدعاء: { رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } .
ويقول الله- عز وجل - في بيان موقف موسى- عليه السلام -: { فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ } [القصص:18، 19].
عجيب شأن هذا الإسرائيلي هو الذي يفضح موسى، وهو الذي يعترف عليه ويجعل مع ذلك من نفسه بطلاً، كل يوم يخاصم ويلقى من الأذى ما يلقى ويعجز عن نصرة نفسه فيستغيث ويصرخ فيقول له موسى: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ } ، ومع ذلك أراد أن ينصره، وأراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما، فيفضحه الرجل وقد توهم أنه يريد قتله فيخبر أنه الذي قتل الرجل بالأمس، وقد كانوا يبحثون عن هذا القاتل، فكأن الفرعوني وجد غايته فتركهما وانصرف، وأخبر قومه بما سمع وما حدث فأتمروا على موسى فتوقفت الدعوة بناءً على ذلك عشر سنوات.
فسبحان الله، عندما خرج موسى خائفاً يترقب تعلَّم وتربَّى تربية جيدة بتربية الله- عز وجل - له، فرفعه الله وأجازه إلى مرحلة جديدة ليرجع بعدها أقوى وأعلم وأفهم وأقرب إلى الله- عز وجل -، فصار كليم الرحمن، وتغيرت كثير من صفاته- عليه السلام - إلى الأكمل والأفضل.
فلنتأمل هذه المواقف لنتعظ بها، وندرك ما يلزمنا في أيام الفتن والمحن حتى لا يغرنا غرور وحتى لا نجهل طريقنا وما يلزمنا لنصرة ديننا، والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد قضى الله تعالى بعدله وحكمته أن يجعل الفرج مع الكرب، والنصر مع الصبر، ويجعل مع العسر يسراً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الله- عز وجل - يجعل في اليقين أرفع المراتب، والصبر معه وصول الإنسان للإمامة في الدين فقال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة:24].
ومن أعظم اليقين أهمية في حياة المؤمن أن يوقن بظهور الإسلام، وعز هذا الدين، وأن الله- عز وجل - يدخله كل مكان وصل إليه ضوء الشمس وبلغه الليل والنهار، كما قال صلى الله عليه وسلم : (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر).
وقال الله- عز وجل -: { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة:20، 21]، وصفاته سبحانه وتعالى لا يمكن أن تتغير أو تتبدل، فهو القوي العزيز، وهو الرحيم بعباده المؤمنين: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } .
بعزته أعز المؤمنين بأن وفقهم للقول الطيب، والعمل الصالح كما قال تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر:10].
أيقنوا أيها المؤمنين بهذه الوعود من الله سبحانه وتعالى بأن الباطل يزهق ويضمحل، وأن الحق يبقى ويزدهر ويعلو بإذن الله.(/7)
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة:33].
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً } [الفتح:28].
سنة ماضية مهما كانت العقبات، ومهما كانت نوعية المواجهات، ومهما كان ضعف أهل الإيمان فيما يبدو للناس، ومهما كانت ذلتهم فيما يعده الناس، ومهما كانت قوة المتجبرين الطغاة، ومهما كان من ظلم وعدوان، فإن النتيجة الحقيقية لهذا الصراع محسومة مُسبّقاً في قدر الله, لا تبديل ولا تغيير في اللوح المحفوظ { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ، فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ، وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الصافات:171- 182].
فهذا القرآن ذكر للعالمين، وسوف يعلمون، وقد علموا نبأه بعد حين، وسيعلمون النبأ العظيم بظهور الإسلام في كل مكان، سيعلمونه بعد حين كما كان من ذلك ما شاء الله أن يكون.
وقد علم المشركون ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه سيهزم الجمع ويولون الدبر.
وهكذا تكون العزة، ويكون النصر باليقين بوعد الله، والصبر على طريق الحق، والثبات عليه دون ارتباط بشخص أو مكان أو عمل معين إلا طاعة الله- عز وجل - التي لا ينفك عنها المؤمن في كل حال من الأحوال { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } كما كان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما يفعل أعدائي بي أنا جنتي معي، وبستاني في صدري، إن قتلي شهادة، ونفيي سياحة، وسجني خلوة، وتعذيبي جهاد في سبيل الله".
ونسأل الله العافية، ولا نتمنى لقاء العدو، ونسأله سبحانه أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، وأن يدمر اليهود والنصارى والمنافقين وسائر الكفرة والملحدين أعداء الدين.
وكتبه
ياسر برهامي
الإعداد والتنسيق:
براحة الدورات الشرعية والبحوث العلمية
بمنتدى البراحة
www.albraha.com
تحت إشراف مشرف القسم الإسلامي بالمنتدى
أبو الفرج المصري
Abou_elfarag@yahoo.com(/8)
جِراحٌ و جِراح
( نُظِمَت في الدوحة لثلاث أيامٍ مِن رَجَب عام 1418 للهجرة الموافق للثالث من نوفمبر عام 1997 للميلاد )
يا رُبَّ راميَةٍ سَهماً بِلا وَتَرِ *** أَدْمَتْ فُؤاديَ لَم تَرحِم و لَم تُجِرِ
نادَمْتُها زَمَناً و البَدْرُ ثالِثُنا *** يَحْدُو مَرَاكِبَنا ليلاً إلى السحَرِ
لو غابَ في فَلَكٍ عن ناظِري و سَرى *** فَهِلالُها أبَداً ما غابَ عن نَظَري
قد كُنتُ مُلتَمِساً في وَصلِها أمَلي *** أسعى لأُحْرِزَهُ في مَطلَعِ العُمُرِ
حتَّى ذُهِلتُ عن الأحبابِ أذْهَلَني *** ما بات يُحدِقُ بالأعرابِ مِن خَطَرِ
دارَتْ عليهِم مِنَ الأحداثِ دائِرةٌ *** جَعَلَتْ مآثِرَهُم في النَّاسِ كالعِبَرِ
و الكونَ مُستهجِناً أمسى يُسائلُنا *** ما بالُ أُمَّتِكُم تمشي على عَثَرِ ؟
ألليهودِ كيانٌ باتَ يَدْهَمُكُم *** و العُربُ من حولهِ حِلفٌ بِلا أَثَرِ؟
وَأَدوا قضيَّتّهُم إذ سالَموا هُوداً *** سَلْ أهْلَ مَدريدٍ يأتوكَ بالخَبَر
و للصليبِ أيادٍ كّمْ تُسيِّرُنا *** مِنْ خَلفِ طاغيةٍ بالوُدِّ مُستَتِر
باعَ المِبادِئَ و استوفى مُقابِلَها *** عَرْشاً تَكلَّلَ بالياقوتِ و الدُرَرِ
أهوَ التعاوُن و التنسيقُ ما زَعموا؟ *** أم الصداقةُ بينَ الخَبِّ و الغُرَرِ؟
وَيحَ العُروبةِ هل تحظى بسُؤْدَدِها *** بقَرار مَحْكَمةٍ و بيانِ مُؤتَمَرِ
أيْنَ القضيَّةُ قد كانتْ تُجَمِّعُنا *** و الحَقُّ يحفِزُنا كَيْ نَحظَ بالظَفَرِ ؟
أينَ المَبَادئُ قد كنَّا نُردِّدُها ؟ *** يوماً و نُلقِمُ من يأباها بالحَجَرِ ؟
بالسيف نسطُرُها و دِماؤُنا مَدَدٌ *** و الجَمعُ مؤتَلِفٌ صفوٌ مِنَ الكَدَرِ
في الكَوْنِ نَنْثُرُها و الأرضِ نَبذُرُها *** فتعُودُ مُترَعةً بالزَهرِ و الثَمَرِ
إنَّ المبَادِئَ لا تهوي و إن سقطتْ *** أُمَمٌ فدَعكَ مِن الأوْهامِ و ادَّكِرِ
يا صاحِ و التمسَنْ بَعثاً لأمَّتِنا *** إنْ كُنتَ مِن عُجمٍ أو كُنتَ من مُضَرِ
بالفَجْرِ فألاً فما خانَتْكَ طائفةٌ *** في عَيْنِها أنتَ ! أنتَ البأسُ فلتَثُرِ
حيثُ البُطُولةُ قد باتَتْ تُسطِّرُها *** شُوسُ الأماجِِدِ بالمِقلاعِ و الحَجَرِ
لا تَخدَعنِّي بتصريحٍ يُنمِّقُهُ *** عِلْجٌ تَسلَّطَ فوقَ الخَلقِ و البَشَرِ
يُلهي الشعُوبَ عنِ العَليا بِبَرْقِيَةٍ *** فيها يُنّدِّدُ بالعُدْوان في خَوَرِ
لله أزمِنةٌ ذُقْنَا مَرَارَتَها *** نشكو ،و كم نشكو في ساعةِ الضَجَرِ
ما عادَ يُؤرقُني شوقٌ إلى لَيْلى *** أو عادَ يُؤنِسُني وَصلٌ من البَشَرِ
فَجِراحُ أمَّتِنا أمضى مِنَ المُقَلِ *** في رَمْيِها كَبِدي سهماً بِلا وَتَرِ(/1)
جِناية إسرائيل على نفسها..النهاية
د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة 5/1/1426
14/02/2005
صاحب كتاب (إسرائيل ..إلى أين ؟) (ناحوم جولدمان) من أعلام اليهود، مؤسس ورئيس المؤتمر الصهيوني لسنوات، ذكر في كتابه المشار إليه "أن دولة إسرائيل سوف تختفي من الوجود إن هي ظلت تمارس الإرهاب اليومي، ولا تعترف بوجود دولة فلسطينية" معلّلا استنتاجه ذاك بقوله: "إذ إنها ستضيع مستقبلاً في بحر العرب الواسع والهادر"، ثم بيّن أنه بالإمكان تجنب هذه النهاية المأساوية بالنسبة لكيانها الصهيوني بطبيعة الحال، بحالة واحدة ،فقال: "عليها أن تعترف بحق الشعب الفلسطيني في الوجود، وأن تنصهر معه في علاقات اقتصادية؛ لأنّ لا أحد يعرف المستقبل، وما إذا ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تمد إسرائيل بمساعداتها الاقتصادية والعسكرية"!!
كان طبيعياً لرجل متمرس مثل (جولدمان )أن يدرك بقانون الطبيعة الإنسانية أن الإمداد الأمريكي لا بد أن يضمحلّ، وأن المواطن الأمريكي دافع الضرائب لا بد أن يثور على جهده الذي حرم أطفاله منه، لا لشيء إلا لينام الكيان الصهيوني قرير العين مرفّه البدن.
إن هذه النهاية أكّدها (اري شميش) الذي يفتخر بيهوديّته وصهيونيّته ، في كتابه( سقوط إسرائيل ) والذي نشر عام 1992م، إذ قال فيه: " أن ملايين الأمريكيين يكرهون إلقاء أموالهم في ثقوب سوداء لن تعود من خلالها ثانية"، كما قال: " إن لأمريكا ديْنها الخاص الذي يجب عليها الاعتناء به، والذي يجب أن يأتي قبل الدّيْن الإسرائيلي .. فكلما ساء وضعهم الاقتصادي سوف يديرون وجوههم لإسرائيل مطالبين بأموال ضرائبهم".
أما البروفيسور اليهودي ( إسرائيل شاحاك) وهو كما نعلم جميعا أستاذ جامعي، ولد في العهد النازي في بولندة، فيقول في هذا الشأن: "إني متأكد أن الصهيونية ستندثر في المستقبل ..فهي تعمل بعكس الآراء المشتركة لمعظم شعوب العالم ..ولأنها - وفي الشرق الأوسط بالذات – ستجلب كارثة على المنطقة، وقبل كل شيء على اليهود أنفسهم، فالاضطهاد والتفرقة التي تنتهجها الصهيونية في إسرائيل – فلسطين المحتلة –أصبحت واضحة ومفهومة لدى أوساط واسعة في العالم، وبسببها ينتهج قسم كبير من الصهاينة طريق عدم الاعتراف بأي من حقوق الفلسطينيين، أو حتى بالحقوق الإنسانية الخاصة".
نعم كان حرياً بهؤلاء إدراك أنه من المحال القضاء على أكثر من مليار مسلم، يملكون قلباً واحداً ينبض بالإيمان ..!!
إن موطن ضعف الكيان الصهيوني المادي ليس من السهولة بمكان حتى يمكن لهم الاستهانة به بل هي مواطن أدركها مفكروهم كما أدركها مفكرونا منذ الأيام الأولى للاحتلال الصهيوني، فالمساعدات التي تستلمها على عظمها عاجزة تماماً عن التعامل مع وضعها الاقتصادي على المدى البعيد، وضع يمكن تحديده بالآتي:
1. قلة الموارد المائية؛ فهي تتطلع بشغف للموارد المائيّة اللبنانيّة وروافد نهر الأردن، وموارد سوريا ومصر والسودان.
2. افتقادها للنفط ومنتجاته، في حين تمتلك دول الخليج أهم مصادر النفط العالميّة.
3. الأيدي العاملة، يفتقد الكيان الصهيوني الأيدي العاملة الفنية، هذه القضية محسومة لهذا الكيان قبل غيره، في حين تكتظ الأراضي المجاورة لفلسطين المحتلة بهذه النوعية من العمالة.
4. الموارد المالية، كان طبيعياً افتقادها للمال، مع تطابق كل ما قيل عن أحوالها، وهي إلى اليوم عاجزة تماماً عن الحياة، دون المساعدات الخارجية، خاصة مع رفض الأسواق العربية لمنتجاتها، المنتجات التي تدخّلت حليفتها الأولى أمريكا مؤخراً لفرضها على بعض الدول العربية مع الأسف..!!
هذه بعض الأسباب التي جعلت الصلح أمل صهيون، حقيقة علينا أن نؤمن بها، ونتعامل معهم من خلالها، فهذا الكيان هو المستفيد الأول من السلام، وبالتالي فنحن العنصر الأقوى في هذه المعادلة، وبمعنى آخر الكيان الصهيوني هو العنصر الأضعف، فلنملِ شروطنا ونراعي مصالحنا.
إن الكيان الصهيوني لا يمكن له الحياة في ظل الظروف المحيطة به، فلا الناحية الأمنية تساعده، ولا الناحية الاقتصادية تحميه.
ولم يكن غريباً تبنّي كتّاب صهاينة لأيّ خُطة مهما حملت في طياتها من إرهاب لتحقيق الصلح مع الدول العربية، غير آبهين البتّة لما تحمله من خداع وإفساد، فتحت عنوان (سياسة القصاص الإسرائيلية) كتب (موشى برليانت) قائلاً: "إن حوادث الحدود الدموية قلّما تكون عرضية ..وإنما هي من بعض جوانبها قصاص وأخذ بالثأر، ومن الجانب الآخر خُطة مدبرة لسوْق العرب كرها إلى مائدة الصلح، ومن الناس من يصفها بالواقعيّة، ومنهم من يصفها بالخبث، ولكنها تؤذن بأن تنجح وتفيد" ثم عمد الكاتب لتبيان الفائدة التي نالها هذا الكيان من سياسة القصاص هذه، فأشار إلى أن الموقف الأول هو إكراه العرب على وقف القتال، والثاني إكراههم على الهدنة ، ثم قال: "إن هذه الخطة بعينها ستكرههم على الموقف الأخير، وهو قبول الصلح مرغمين"!!(/1)
والغريب أنه لم يتردّد في توضيح سياستها التي اعتمدتها في هذا التطبيق مع ما تحمله من معايير تتناقض والقانون الدولي، وحقوق الإنسان فقال: "إن إسرائيل تختلق المعاذير والتعليلات لقتل من تقتلهم باسم الثأر على سنة العين بالعين". هذا العبارات سُطّرت منذ ما يزيد عن نصف قرن، وما زالت كما يبدو حية في أذهان هؤلاء، وما زالوا يختلقون الأعذار لا لقتل البشر بل للقيام بعمليات إبادة أغمضت أعين الإعلام عنها مكرهة.
وكما قال عباس محمود العقاد -رحمة الله-: "إسرائيل هالكة لا محالة فهي عاجزة عن الحياة إن لم تتمكن من اثنين:
• ... الصلح مع العرب.
• ... استبقاء نفوذها في البلاد الأمريكية.
إن الصلح الورقة الرابحة بأيدينا؛ فنحن العنصر الأقوى فلنتعامل من هذا المنطلق مع عدو خاوي الوفاض إلا من الخوف والفقر والضعف(/2)
جِنْسِيّة المُسْلِم عَقِيدَتُه
رئيسي :فكر :الخميس 30ذو القعدة 1424هـ - 22 يناير 2004م
جاء الإسلام إلى هذه البشرية بتصور جديد لحقيقة الروابط والوشائج ، يوم جاءها بتصور جديد لحقيقة القيم والاعتبارات ، جاء ليرد الإنسان إلى ربه ، وليجعل هذه السلطة هي السلطة الوحيدة التي يتلقى منها موازينه وقيمه ، كما تلقى منها وجوده وحياته ، والتي يرجع إليها بروابطه ووشائجه.
جاء ليقرر:أن هناك وشيجة واحدة تربط الناس في الله فإذا انبتَّت هذه الوشيجة فلا صلة ولا مودة :{ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ[22]}[سورة المجادلة]
وأن هناك حزباً واحداً لله لا يتعدد ، وأحزاباً أخرى كلها للشيطان وللطاغوت:{ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً[76]}[سورة النساء] .
وأن هناك طريقاً واحداً يصل إلى الله وكل طريق آخر لا يؤدي إليه:{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ[135]}[سورة الأنعام] .
وأن هناك نظاماً واحداً هو النظام الإسلامي وما عداه من النظم فهو جاهلية:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[50]}[سورة المائدة] .
وأن هناك شريعة واحدة هي شريعة الله وما عداها فهو هوى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[18]}[سورة الجاثية].
وأن هناك حقاً واحداً لا يتعدد ، وما عداه فهو الضلال:{...فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [32]}[سورة يونس] .
بهذه النصاعة والجزم القاطع جاء الإسلام ليرفع الإنسان، ويخلصه من وشائج الأرض والطين ، فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله ، فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط في الله ، ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضواً في ' الأمة المسلمة '، ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله ، فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله .
فإذا انعقدت آصرة العقيدة؛ فالمؤمنون كلهم إخوة ، ولو لم يجمعهم نسب ولا صهر: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...[10]}[سورة الحجرات]. { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ...[72]}[سورة الأنفال].
وهي ولاية تتجاوز الجيل الواحد إلى الأجيال المتعاقبة ، وتربط أول هذه الأمة بآخرها ، وآخرها بأولها: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ[10]}[سورة الحشر].
ويضرب الله الأمثال للمسلمين بالرهط الكريم من الأنبياء الذين سبقوهم في موكب الإيمان الضارب في شعاب الزمان : {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ[45] قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ[46] قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[47]}[سورة هود].
ويعتزل إبراهيم أباه وأهله حين يرى منهم الإصرار على الضلال:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً[48]}[سورة مريم].
ويحكي الله عن إبراهيم وقومه ما فيه أسوة وقدوة:{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...[4]}[سورة الممتحنة].(/1)
والفتية أصحاب الكهف يعتزلون أهلهم وقومهم وأرضهم ليخلصوا لله بدينهم، ويفرُّوا إلى ربهم بعقيدتهم، حين عز عليهم أن يجدوا لها مكاناً في الوطن والأهل والعشيرة: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً[13] وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً[14] هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً[15] وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً[16]}[سورة الكهف].
وامرأة نوح وامرأة لوط يفرق بينهما وبين زوجيهما حين تفترق العقيدة:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ[10]}[سورة التحريم].
وامرأة فرعون على الضفة الأخرى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[11]}[سورة التحريم].
وهكذا تتعدد الأمثال في جميع الوشائج والروابط: وشيجة الأبوة في قصة نوح ، ووشيجة البنوة والوطن في قصة إبراهيم ، ووشيجة الأهل والعشيرة والوطن جميعاً في قصة أصحاب الكهف ، ورابطة الزوجية في قصص امرأتي نوح ولوط وامرأة فرعون .
وهكذا يمضي الموكب الكريم في تصوره لحقيقة الروابط والوشائج .. حتى تجيء الأمة الوسط ، فتجد هذا الرصيد، فتمضي على النهج الرباني للأمة المؤمنة ، وتفترق العشيرة الواحدة ، ويفترق البيت الواحد ، حين تفترق العقيدة ، وحيث تنبت الوشيجة الأولى ، ويقول الله سبحانه في صفة المؤمنين قوله الكريم:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[22]}[سورة المجادلة].
وحين انبتَّت وشيجة القرابة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين عمه أبي لهب ، وابن عمه عمرو بن هشام [ أبو جهل ] وحين قاتل المهاجرون أهلهم وأقرباءهم وقتلوهم يوم بدر .. حينئذ اتصلت وشيجة العقيدة بين المهاجرين والأنصار ، فإذا هم أهل وإخوة ، واتصلت الوشيجة بين المسلمين العرب وإخوانهم: صهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، وسلمان الفارسي .
وتوارت عصبية القبيلة ، وعصبية الجنس ، وعصبية الأرض . وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: [دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ]رواه البخاري ومسلم. وقال لهم: [لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ]رواه أبوداود.
فانتهى أمر هذا النتن، وماتت نعرة الجنس ، واختفت لوثة القوم ، منذ ذلك اليوم لم يعد وطن المسلم هو الأرض ، إنما عاد وطنه هو ' دار الإسلام ' التي تسيطر عليها عقيدته، وتحكم فيها شريعة الله وحدها ، التي يأوي إليها ويدافع عنها ، ويستشهد لحمايتها ومد رقعتها .
هذا هو الإسلام .. لقد أطلق الإسلام البشر من اللصوق بالطين ليتطلعوا إلى السماء ، وأطلقهم من قيد الدم .. قيد البهيمة .. ليرتفعوا في عليين .
وطن المسلم الذي يحن إليه ويدافع عنه ليس قطعة أرض ، وجنسية المسلم التي يعرف بها ليست جنسية حكم ، وعشيرة المسلم التي يأوي إليها ويدفع عنها ليست قرابة دم ، وراية المسلم التي يعتز بها ويستشهد تحتها ليست راية قوم ، وانتصار المسلم الذي يهفوا إليه، ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش .(/2)
إنما هو كما قال الله عنه : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ[1] وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً[2] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً[3]}[سورة النصر] . إنه النصر تحت راية العقيدة دون سائر الرايات .. والجهاد لنصرة دين الله وشريعته لا لأي هدف من الأهداف ، والذياد عن ' دار الإسلام '، والتجرد بعد هذا كله لله ، لا لمغنم ولا لسمعة ، ولا حمية لأرض أو قوم: عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: [مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا وحده تكون الشهادة لا في أية حرب لأي هدف غير هذا الهدف الواحد .. لله ..
والوطن: دار تحكمها عقيدة ومنهاج حياة، وشريعة من الله .. هذا هو معنى الوطن اللائق ' بالإنسان ' . والجنسية: عقيدة ومنهاج حياة . وهذه هي الآصرة اللائقة بالآدميين .
إن عصبية العشيرة والقبيلة والقوم والجنس واللون والأرض عصبية صغيرة متخلفة .. عصبية جاهلية عرفتها البشرية في فترات انحطاطها الروحي ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: [...مُنْتِنَةٌ]رواه البخاري ومسلم.. بهذا الوصف الذي يفوح منه التقزز والاشمئزاز .
ولما ادعى اليهود أنهم شعب الله المختار بجنسهم وقومهم؛ ردَّ الله عليهم هذه الدعوى ، ورد ميزان القيم إلى الإيمان وحده على توالي الأجيال ، وتغاير الأقوام والأجناس والأوطان : { وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[135] قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[136] فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[137] صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ[138]}[سورة البقرة] .
فأما شعب الله المختار حقاً فهو الأمة المسلمة التي تستظل براية الله على اختلاف ما بينها من الأجناس والأقوام والألوان والأوطان:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[110]}[سورة آل عمران] .
الأمة التي يكون من الرعيل الأول فيها أبو بكر العربي ، وبلال الحبشي ، وصهيب الرومي ، وسلمان الفارسي ، وإخوانهم الكرام . والتي تتوالى أجيالها على هذا النسق الرائع .. الجنسية فيها العقيدة ، والوطن فيها هو دار الإسلام ، والحاكم فيها هو الله ، والدستور فيها هو القرآن .
هذا التصور الرفيع للدار وللجنسية وللقرابة هو الذي ينبغي أن يسيطر على قلوب أصحاب الدعوة إلى الله ، والذي ينبغي أن يكون من الوضوح بحيث لا تختلط به أوشاب التصورات الجاهلية الدخيلة ، ولا تتسرب إليه صور الشرك الخفية : الشرك بالأرض ، والشرك بالجنس ، والشرك بالقوم ، والشرك بالنسب ، والشرك بالمنافع الصغيرة القريبة ، تلك التي يجمعها الله سبحانه في آية واحدة فيضعها في كفة ، ويضع الإيمان ومقتضياته في كفة أخرى ، ويدع للناس الخيار :{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[24]}[سورة التوبة] .
كذلك لا ينبغي أن تقوم في نفوس أصحاب الدعوة إلى الله تلك الشكوك السطحية في حقيقة الجاهلية وحقيقة الإسلام ، فليس وراء الإيمان إلا الكفر ، وليس دون الإسلام إلا الجاهلية .. وليس بعد الحق إلا الضلال .
من كتاب:'معالم في الطريق' للأستاذ/سيد قطب(/3)
حائية ابن أبي داوود
تمسك بحبل الله واتبع الهدى *** ولا تك بدعيا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي *** أتت عن رسول الله تنجو وتربح
وقل غير مخلوق كلام مليكنا *** بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ولا تك في القرآن بالوقف قائلا *** كما قال أتباع لجهم وأسجحوا
ولا تقل القرآن خلق قرانه *** فإن كلام الله باللفظ يوضح
وقل يتجلى الله للخلق جهرة *** كما البدر لا يخفى وربك أوضح
وليس بمولود وليس بوالد *** وليس له شبه - تعالى -المسبح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا *** بمصداق ما قلنا حديث مصرح
رواه جرير عن مقال محمد *** فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح
وقد ينكر الجهمي أيضا يمينه *** وكلتا يديه بالفواضل تنفح
وقل ينزل الجبار في كل ليلة *** بلا كيف جل الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله *** فتفرج أبواب السماء وتفتح
يقول ألا مستغفر يلق غافرا *** ومستمنح خيرا ورزقا فيمنح
روى ذاك قوم لا يرد حديثهم *** ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا
وقل إن خير الناس بعد محمد *** وزيراه قدما ثم عثمان الأرجح
ورابعهم خير البرية بعدهم *** علي حليف الخير بالخير منجح
وإنهم الرهط لا ريب فيهم *** على نجب الفردوس في الخلد تسرح
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة *** وعامر فهر والزبير الممدح
وسبطي رسول الله وابني خديجة *** وفاطمة ذات النقاء تبحبحوا
وعائشة أم المؤمنين وخالنا *** معاوية أكرم به ثم امنح
وأنصاره والمهاجرون ديارهم *** بنصرتهم عن كية النار زحزحوا
ومن بعدهم فالتابعون لحسن مآخذ *** وأفعالهم قولا وفعلا فأفلحوا
ومالك والثوري ثم أخوهم *** أبو عمرو الأوزاعي ذاك المسبح
ومن بعدهم فالشافعي وأحمد *** إماما هدى من يتبع الحق ينصح
أولئك قوم قد عفا الله عنهم *** فاحببهم فإنك تفرح
وقل خير قول في الصحابة كلهم *** ولاتك طعانا تعيب وتجرح
فقد نطق الوحي المبين بفضلهم *** وفي الفتح آي للصحابة تمدح
وبالقدر المقدور أيقن فإنه*** دعامة عقد الدين والدين أفيح
ولا تنكرن جهلا نكيرا ومنكرا *** ولا الحوض والميزان إنك تنصح
وقل يخرج الله العظيم بفضله *** من النار أجسادا من الفحم تطرح
على النهر في الفردوس تحيى بمائه *** كحبة حمل السيل إذا جاء يطفح
وإن رسول الله للخلق شافع *** وقل في عذاب القبر حق موضح
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا *** فكلهم يعصى وذو العرش يصفح
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه *** مقال لمن يهواه يردي ويفضح
ولاتك مرجيا لعوبا بدينه *** ألا إنما المرجي بالدين يمزح
وقل إنما الإيمان قول ونية *** وفعل على قول النبي مصبح
وينقص طورا بالمعاصي وتارة *** بطاعته ينمى وفي الوزن يرجح
ودع عنك آراء الرجال وقولهم *** فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولاتك من قوم تلهو بدينهم *** فتطعن في أهل الحديث وتقدح
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه *** فأنت على خير تبيت وتصبح
http://trutheye.com المصدر:(/1)
حاجة البشرية جمعاء إلَى الإسلام
عرضت الولايات المتحدة على مجموع الدول الصناعية الثماني مشروع «الشرق الأوسط الكبير» لدرسه، وبلورة موقف موحد منه خلال قمة الدول الثماني، التي ستعقد في حزيران المقبل في "سي أيلاند"، في ولاية جورجيا الأميركية، وتعمل واشنطن للحصول على تأييد كل من هذه الدول لمبادرتها. وقد تلقت هذه الدول المشروع الأميركي من غير أن تشترك في صناعته. أما حكام المسلمين، فقد فاجأهم هذا المشروع، وتملكهم خوف كبير منه لأنه يطال رؤوسهم.
لقد استند المشروع الأميركي على تقرير التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002م و2003م الذي تصدره الأمم المتحدة والذي يصف الوضع الحالي، في منطقة الشرق الأوسط، بأنه سيء في المجال الاقتصادي، والثقافي، والإعلامي، والسياسي وأنه «إذا استمر على المسار ذاته، فإن المشكلة ستتفاقم، وسيشكل ذلك تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني».
ويمثل هذا المشروع رؤية الولايات المتحدة لاستعمار منطقة الشرق الأوسط الذي وسّعته في مشروعها ليشمل إلى جانب الدول العربية كلاً من (إسرائيل)، وتركيا، وإيران، وباكستان، وأفغانستان وهي الدول التي تحصر فيها أميركا الخطر الإسلامي. وهي طرحته من أجل الحفاظ على مصالحها الأمنية باعتبار أن وضع المسلمين «المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية سيشهد مزيداً من التطرف، والإرهاب، والجريمة الدولية، والهجرة غير المشروعة». هذا وقد أرادت من الحلف الأطلسي أن يكون الذراع العسكرية الأمنية لتنفيذ هذا المشروع، وصرحت بأن النموذج الإسلامي_التركي أي نموذج اليهودي مصطفى كمال هو المثال.
إن الحل الذي خلصت إليه أميركا، في مشروعها هذا، هو الإصلاح. ولكن أي إصلاح؟ إنه الإصلاح الذي يرمي إلى ضرب الإسلام، تحت حجة ضرب الإرهاب ومنع التطرف الذي ترى أميركا أنهما إسلاميا الهوية والانتماء. نعم إنه الإسلام الذي يتحرك الجميع من أجل ضربه: أميركا و(إسرائيل) وأوروبا، وحكام المسلمين.
أما أميركا فإنها تعتبر الإسلام عدوها الاستراتيجي الأول، وتضع الخطط لمحاصرته، وتشويه صورته، وإبعاده عن ساحة الصراع، وتجمع الدول حولها من أجل قيادتها في هذا الصراع، وتريد بالمقابل من المسلمين أن يواجهوها بالحوار.
ويقف إلى يمينها، ويسارها، وأمامَها، ووراءها، ومن فوقها، ومن تحتها، شياطين اليهود، ينفثون فيها روح الحقد والكراهية ويوقدون نار الحروب ضد الإسلام والمسلمين.
أما أوروبا فإنها تعتبر نفسها في حالة من الصراع الحضاري مع الإسلام ولكنها تحاول أن تجعله مقنَّعاً وتعمل على إظهار نفسها بعيدة عن الموقف الأميركي السافر. وهي تلتقي مع أميركا في توصيف المشكلة وأسبابها من غير أن تلتقي معها في المعالجة، وهي لها مشروع استعماري يختلف عن المشروع الأميركي، تسميه «الشراكة الأوروبية المتوسطية». وليس أدل على دخولها الصراع الحضاري مع المسلمين من مسألة منع الحجاب الذي بدأ في فرنسا ثم في بلجيكا، وألمانيا، والحبل على الجرار.
أما الحكام المفروضون على المسلمين، الذين يختلفون على كل شيء، فإنهم اتفقوا على أن وضع المنطقة يحتاج إلى إصلاح، ولكن ليس من الخارج، لأنه سيطيح بهم. إن هؤلاء الحكام ليسوا ضد المبادرة الأميركية، ولا ضد ما جاء فيها من حرب على الإسلام والمسلمين، فهم قد سبقوا أميركا في ذلك، ولا ضد ما تمثله من استعمار يتجدد على مختلف الصعد،... إنهم كانوا وسيقنعون أميركا أنهم ما زالوا خير أداة لها لتنفيذ كل ما تريده، إنهم ضد أمر واحد فقط، هو أن يأتي الموس على ذقونهم، إنهم لا يهمهم سوى شيء واحد: الكرسي. لذلك تراهم يتحركون بحركات ظاهرها الإصلاح، وحقيقتها البقاء على الكرسي.
إن ما وصل إليه المسلمون من سوء حال يشهد به الجميع إنما هو من صنع أيدي من يريد الإصلاح: الغرب وصنائعهم من الحكام. إن النظام الرأسمالي، الظالم، الجشع، المفروض على المسلمين، وعلى العالم، هو الذي أفقر المسلمين، بل العالم كله.. فالعالم كله مدين للدول الرأسمالية عن طريق مؤسساتها الربوية من مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ما يقضي على كل أمل بالتنمية التي يدّعي الجميع، نفاقاً، أنهم يسعون إليها، ومثله نظام التجارة العالمية، والدعوةُ إلى الخصخصة والعولمة وإدماج الشركات الرأسمالية الكبرى مع بعضها حتى تصبح كل واحدة منها كالغول يبتلع كل الخيرات، ولا يبقي للآخرين إلا الفتات. إن أميركا وأوروبا بنظامهم الرأسمالي هم أساس المشكلة ولُبُّها، وما هؤلاء الحكام الرخيصون إلا أدوات بيد الغرب ضد أمتهم، وليس لهم في هذا الصراع إلا هم واحد، وهو أن يرضى عنهم الغرب ليبقيهم في نادي الرؤساء كما يقول أحدهم.(/1)
نعم إن المسلمين يحتاجون إلى حل، وإن أوضاعهم السيئة التي وضعهم الآخرون فيها تحتاج إلى تغيير، وليس إلى إصلاح، وهذا التغيير لا يمكن أن يأتي من الغرب، ولا من المبدأ الرأسمالي الجشع، بل إن المبدأ هذا هو نفسه بحاجة إلى تغيير... إن الحل لا يأتي إلا من الإسلام وحده، الذي يحرّم الاحتكار والربا، ويمنع المغامرة بأموال الناس عن طريق البورصات واللعب بأسعار العملات بعد ربطها بالدولار أو باليورو، ويمنع تلك التجمعات الضخمة من الشركات التي تشكل حالة من استغلال الشعوب وخيراتها.
إن الإسلام هو الحل الصحيح للمسلمين، ولغيرهم، وليس من حل صحيح غيره. ولكن كيف يحقق المسلمون ذلك؟
إن السبيل إلى إيصال الإسلام إلى العالم كله، ليكون رحمة لهم، لا يكون إلا باتباع سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تحقيق ذلك، فهو - صلى الله عليه وسلم - أقام المجتمع الإسلامي أولاً، ولم يخرج بدعوته وبجهاده إلى دول العالم إلا من خلال دولة أقامها في المدينة، وأقام أنظمتها، وأعد القوة، ومن ثم أطل إلى العالم ليس بالسيف فقط، بل بالحق، والسيف لم يكن إلا من أجل إزالة الحواجز التي تقف في وجهه وتمنع إيصاله للآخرين. فإذا وصل إلى الآخرين واستناروا بنوره وعاشوا في ظله، فإنه لا يُكرِههم على اعتناقه.
إننا ندعو المسلمين أن يسيروا على طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهل من المسلمين من يجرؤ على قول غير ذلك... إن الجهاد في سبيل الله، وإقامة الأنظمة الإسلامية المتعلقة بجميع شؤون الحياة، وإقامة الحدود... كل ذلك مطلوب وفرض ولكنه لا يتحقق من غير دولة. هذا ما يريده الله تعالى، وهذا ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال تعالى: { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } قرآن كريم(/2)
حاجة الجهات الخيريّة لمصرف وفي سبيل الله)
د. مسفر بن علي القحطاني (*) 14/9/1425
28/10/2004
المُراد بهذه المسألة :
تحتاج الجهات الخيرية ووجوه البر والدعوة إلى الله -عز وجل- إلى دعم مالي يحقق لها مقاصدها النافعة وأهدافها السامية في خدمة هذا الدين. وصدقات وتبرعات المحسنين قد لا تفي بسد الحاجات اللازمة لهم، ولا تكفي لتحقيق أهدافهم النبيلة، ومن هنا كثرت استفتاءات العاملين في هذه المجالات عن جواز دخولهم في مصرف (( وفي سبيل الله )) مع أن جمهور العلماء قصروه على الغزاة في سبيل الله عز وجل. فهل يجوز لهم أخذ الزكاة؛ نظراً لظروف عصرنا الحاضر التي ازدادت الحاجة إلى إقامة المشاريع الخيرية من مساجد وأربطة ودور للعلم مع قلة الموارد الداعمة لها في أكثر البلاد الإسلامية؟
الحكم الفقهي لهذه المسألة:
وهذه المسألة وإن كانت قد بحثت قديماً ولكن الحاجة إليها جعلتها من نوازل العصر التي تتطلب اجتهاداً جديداً لا يخرج عن مفهوم النص، ويتوافق مع مقاصد الشرع الحنيف. ولذلك قام المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بدراسة الموضوع ومناقشته، وظهر للعلماء المجتمعين في المسألة قولان:
(( أحدهما : قصر معنى (( وفي سبيل الله )) في الآية على الغزاة في سبيل الله عز وجل.
وهذا رأي جمهور العلماء، وأصحاب هذا القول يريدون قصر نصيب(( وفي سبيل الله )) على المجاهدين الغزاة في سبيل الله عز وجل.
القول الثاني : إن سبيل الله شامل عام لكل طرق الخير، والمرافق العامة للمسلمين من بناء المساجد وصيانتها وبناء المدارس والرّبط، وفتح الطرق وبناء الجسور، وإعداد المؤن الحربية، وبث الدعاة، وغير ذلك من المرافق العامة مما ينفع الدين وينفع المسلمين.
وهذا قول قلة من المتقدمين، وقد ارتضاه واختاره كثير من المتأخرين.
وبعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
1- نظراً إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين، وأن له حظاً من النظر في بعض الآيات الكريمة، مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى) (1).
ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في سنن أبي داود : أن رجلاً جعل ناقة في سبيل الله، فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :(( اركبيها فإن الحج في سبيل الله )) (2).
2- ونظراً إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن إعلاء كلمة الله تعالى مما يكون بالقتال يكون ـ أيضاً ـ بالدعوة إلى الله ونشر دينه؛ بإعداد الدعاة، ودعمهم، ومساعدتهم على أداء مهمتهم فيكون كلا الأمرين جهاداً لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم )) (3) .
3- ونظراً إلى أن الإسلام محارب ـ بالغزو الفكري والعقدي ـ من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام، وبما هو أنكى منه.
4- ونظراً إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون.
لذلك كله فإن المجلس يقرر ـ بالأكثرية المطلقة ـ دخول الدعوة إلى الله تعالى، وما يعين عليها في معنى ( وفي سبيل الله ) في الآية الكريمة. هذا وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين )) (4).
وهذا الرأي الذي ذهب إليه المجمع الفقهي هو اختيار بعض الصحابة والتابعين وفقهاء المذاهب وكثير من المعاصرين(5) .
- تقرير الاستدلال على حكم هذه المسألة :
إن منشأ الخلاف في تخصيص مصرف (( وفي سبيل الله )) في الغزو والجهاد أو تعميمه في وجوه الخير وأنواع البر مبني على الخلاف في قاعدتين من قواعد الخلاف عند الأصوليين:
القاعدة الأولى :
( الفرد المضاف إلى معرفة هل يعتبر من صيغ العموم أم لا؟ ) (6) لقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (7) فالنعمة لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم كل النعم، ومثله (( وفي سبيل الله )) في آية الصدقة فهو لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم كل سبل الخير، وهذه الصيغة من صيغ العموم.
قال بعمومها الإمام مالك وأحمد وأصحابه ـ رحمهم الله ـ تبعاً لعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- كقولك : أدب ولدك وامرأتك يشمل جميع أولادك ونسائك. وذهب الحنفية وبعض الشافعية إلى عدم عموم هذه الصيغة.
القاعدة الثانية :
(هل يخص العام بمقصوده أو يحمل على عموم لفظه ) ؟ (8).(/1)
ذهب الجمهور إلى أن العام لا يخص بمقصوده بل يحمل على عموم لفظه، وقال المالكية يقصر العام على مقصوده، كقوله تعالى : "أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ "(9)فالملامسة تشمل اللمس بشهوة وبدون شهوة، ومن خص العام بمقصوده قال: إن المتبادر من لمس النساء وما يقصد منهن غالباً من الشهوة، ومن لم يخصه به عممه في الاثنين . ومثله (( وفي سبيل الله )) في آية الصدقة فمن قال يخص العام بمقصوده كالمالكية قصره على الغزو فقط وألحق به الحج والعمرة ، ومن قال لا يخص بعمومه وهم الجمهور خرج على مذهبهم هذا أن (( وفي سبيل الله )) عام يشمل كل أمور الخير من الغزو و الحج و الدعوة إلى الله ومتعلقاتها ومرافقها.
وعلى هذا يمكن أن يكون اختلاف بعض الفقهاء في اعتبار تلك القواعد سبباً في نشوء الخلاف في توسيع مصرف (( وفي سبيل الله )) أو تضييقه.
(*) رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية-جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
(1) سورة البقرة :آية 262 .
(2) رواه أبو داود في سننه في كتاب الحج ، باب العمرة رقمه (1982) 2 / 517 ، ورواه الحاكم في المستدرك وصححه برقم (1774) 1 / 656 ، ووافقه الذهبي ، رواه ابن حجر في المطالب العالية 1 / 320 وقد وثق البوصيري رجاله .
(3) رواه النسائي في السنن في كتاب الجهاد ، باب وجوب الجهاد رقمه (3096)6 /314 ،ورواه أبو داود في السنن ، كتاب الجهاد باب كراهية ترك الغزو ، رقمه ( 2496) 3 / 214 ، ورواه الدارمي في سننه في كتاب الجهاد ، باب جهاد المشركين باللسان واليد رقمه ( 2431) 2 / 280 وصححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي رقمه(2427) 2 / 91 .
(4) قرار المجمع الفقهي بدورته الثامنة المنعقدة بمكة المكرمة في 27 ربيع الآخر 1405هـ .
(5) انظر : المغني 4 / 125 ، وقد حكي هذا القول عن أنس بن مالك والحسن البصري؛ بدائع الصنائع 2 / 46 ؛ الأموال للقاسم بن سلام ص 758 رقم ( 2819) ؛ تفسير القاسمي 8 / 154 ؛ نيل المآرب 1 / 405 ؛ فقه السنة لسيد سابق 1 / 333 ؛ فتاوى شرعية لحسنين مخلوف 1 / 255 ؛ فتاوى محمد بن إبراهيم 4 / 142 ؛ فقه الزكاة للقرضاوي 1 / 657 ؛ الاقتصاد الإسلامي والقضايا المعاصرة 2 / 701 ؛ الإسلام عقيدة وشرعية لمحمود شلتوت ص 105 ؛ مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد ( 40 ) بحث د . سعود الفنيسان ( مصرف "وفي سبيل الله "بين العموم والخصوص ) ص 77-145 .
(6) انظر : شرح الكوكب المنير 3 / 136 ؛ المحلى على جمع الجوامع 1 / 413 ؛ نهاية السول 2 / 326 ؛ روضة الناظر 2 / 666 ؛ المستصفى 2 / 37 ؛ شرح تنقيح الفصول ص 180 ؛ البحر المحيط 3 / 108 .
(7) سورة النحل : آية : 18 .
(8) انظر : المسودة ص 132 ؛ شرح الكوكب المنير 3 / 389 ؛ القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 193 ؛ بحث د . سعود الفنيسان ( مصرف وفي "سبيل الله "بين العموم والخصوص ) ص135 .
(9) سورة النساء : آية : 43 .(/2)
حاجتنا للعلم
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
إن حاجتنا إلى العلم لا تقل عن حاجتنا إلى المأكل والمشرب، إذ به قوام الدين والدنيا قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، وقال الإمام الشافعي: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم"، وما احتل المستعمر بلاد المسلمين إلا لأسباب من أهمها جهل المسلمين، وانتشار المذاهب الهدامة، ولم يكن ذلك إلا لخواء عقول كثير من المسلمين، ومما يؤسف له انتشار الجهل بين حملة مشاعل الخير في كثير من البلدان الإسلامية، ولأمة أول ما نزل في كتابها: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"، فسبق العلم الدعوة وقد بوب البخاري في صحيحه باب: العلم قبل القول والعمل، مستنداً على قوله _تعالى_: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ".
وإن من أعظم أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر، قلة العلماء العاملين الذين نذروا أنفسهم لبذل العلم ونشره، فإن أصغر بلد من بلاد المسلمين يحتاج إلى أعداد غفيرة من الأطباء المتخصصين في معالجة الأمراض الجسدية، ولكن حاجة هذه الأقطار إلى أطباء القلوب أشد وأعظم، وهل أطباء القلوب إلا علماء الشريعة!
فإن كان الأطباء يجلي الله بسببهم الأبصار، فهو _تعالى_ يذهب يجلي بعلماء الشريعة البصائر، ويحيي بهم القلوب كما يحيي الأرض الجدباء بوابل المطر، وينتفع بهم كل شيء، ولذلك استحقوا أن يستغفر لهم كل شيء، كما قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء"، أما في الآخرة فيالفوز العلماء قال _تعالى_: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" بل ونصيب طلبة العلم من السعد في ذلك اليوم عظيم قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة".
ومن مصائبنا التي أقعدت مجتمعنا المسلم سوء خطط التعليم في مراحل الدراسة المختلفة، فكثير من دول المسلمين خطط برامجها التعليمية العلمانيون واليساريون وغيرهم من أصحاب الأفكار المستوردة، فكانوا عونا لأعداء الأمة عليها، وثقل في ميزان خصومها وعونا لهم غزوهم الثقافي لأبناء المسلمين، وكذا نجد من العوامل الداخلية ضعف الهمم والعزائم، فتجد الشيخ يبدأ الدرس العلمي ومعه جمع غفير من الطلاب، ثم لايستمر معه إلا قليل منهم، وينفض من حوله الناس، وكذلك انفتاح الدنيا والانشغال بملذاتها وحطامها عن طلب العلم الذي به النجاة في الآخرة والفوز والنجاح في الدنيا، وقد كان سلف هذه الأمة لا يصرفهم عن طلب العلم صارف، رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر ليسمع حديثا واحدا، ورحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة لعقبة بن عامر بمصر ليسمع حديثا واحدا، وهو: "من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"، ورجع بعد أن سمعه مباشرة، وقال بسر بن عبيد الله إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في حديث واحد، وقال أبو العالية: كنا نسمع الحديث من الصحابة فلا نرضى حتى نرحل إليهم فنسمعه منهم.
وكذلك كثرة وسائل الترفيه واللهو والتخصصات الجزئية التي أضعفت العلوم الشرعية فتجد العالم يحصر نفسه في تخصص واحد من تخصصات الشريعة مثل أصول الفقه مثلاً، وقد كان العلماء سابقا يجمع أحدهم التفسير والفقه والحديث وأغلب العلوم الشرعية، وكذلك الانهزام النفسي أمام العلوم المادية والنظرة إلى العلوم الشرعية نظرة دونيه.
فكل هذه أسباب أضعفت التوجه نحو العلم في زمن الناس أحوج ما يكونون فيه العلم، فهل تكون لأجيالنا عودة إلى ما كان عليه سلفهم وسابقيهم إلى العلم والعمل؟
أرجو أن يكون ذلك.(/1)
حادثة الإفك
يقول الحق تبارك وتعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)
إن كثيرا ممن قل حظهم من مراقبة الله وخشيته والخوف منه ونسوا حظاً مما ذكروا به لا تحلو لهم مجالسهم ولا ينبسطون في جلساتهم حتى يتناولوا أعراض عباد الله من علماء الأمة أو طلبة العلم أو دعاة الملة، من الذين بذلوا أوقاتهم وأنفسهم لله عز وجل، وجاهدوا في وقت ركن فيه كثير من الناس إلى الدعة والسكون وأخلدوا إلى الحياة الدنيا وملذاتها.
دعاة لا يبتغون إلا إعلاء كلمة الله ودحر الباطل وأهله. تجد بعض الفسقة بل كثير منهم يسارع إلى تناول أعراض الدعاة وتتبع عوراتهم والتلذذ بالحديث عنهم في المجالس يلمز هذا ويتكلم في عرض هذا ويردد ما أشيع عن هذا لم تتورع ألسنة بعض هؤلاء من اختلاق الأكاذيب وإلصاق التهم بهم وترديد بعض الأباطيل التي تلصق بهم.
لكن لا ضير ولا ريب هذه هي سنة الدعوة إلى الله عز وجل، فقد أوذي صلى الله عليه وسلم قيل عنه ساحر وقيل كاهن و قيل مجنون. ورمي في عرضه صلى الله عليه وسلم ورغم ذلك أتم الله النور وأكمل الدين رغم أنف الكفار والمشركين والمنافقين.
خرجت فئة المنافقين يوم عز الإسلام تدعي الإسلام وهي منه براء تريد ضرب الإسلام ودعاته فاتخذت النفاق طريقاً وياله من طريق موحش مظلم إنه مرض عضال ومقت ووبال من تلبس به فقد أغضب الله الواحد القهار واسكن نفسه الدرك الأسفل من النار لا إله إلا الله ماذا فعل المنافقون والمغرضون والحاقدون؟ كادوا لرسول الأنام عليه الصلاة والسلام هم في كل عصر يعيشون يعشعشون ويبيضون ويفرخون همهم إطفاء كل نور يدعي له المسلمون (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)ً يستهزئون بأهل الاستقامة والصلاح ومن دعوتهم إلى الله يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون فالله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
هم في كل عصر يعيشون يرمون بالتهم يرمون بالأكاذيب دعاة الإسلام رموا نبي الله موسى قبل نبينا عليهم الصلاة والسلام فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً ورموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وهم أصحاب الإفك، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
تالله كم في حديث الإفك من دروس وعبر لمن له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد. ها هي عائشة رضى الله عنها وأرضاها، طعنوا في شرفها، وهي من هي:
إنها عائشة بنت الصديق، أم المؤمنين، أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبه وأكثرهن تلقيا للعلم عنه فقد كانت- رضي الله عنها- من أعلم الناس بتعاليم الإسلام. قال الزهري: (لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل . وكانت- رضي الله عنها- زاهدة في الدنيا، فقد أخرج ابن سعد من طريق أم درة قالت: (أتيت عائشة بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة فقلت لها أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه فقالت: لو كنت أذكرتيني لفعلت).
وعن هشام بن عروة بن القاسم بن محمد: سمعت ابن الزبير يقول: (ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه ..)
وفي فضل عائشة- رضي الله عنها- قال صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) .
وعندما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع، وشعر بأنه قد آن الأوان للرحيل. وكان يقول وهو يطوف عند نسائه سائلا أين أنا غدا؟ أين أنا بعد غد استدعاء ليوم عائشة فطاب نفوس بقية أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن جميعا. بأن يمرض حيث أحب فوهبن أيامهن لعائشة. فسهرت عليه تمرضه وحانت لحظة الرحيل ورأسه صلى الله عليه وسلم في حجرها. قالت عائشة تصف هذه اللحظة(إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وبين سحري ونحري) ودفن صلى الله عليه وسلم حيث قبض في بيتها وقامت عائشة بعده تنشر العلم إلى أن وافتها المنية في السادسة والستين من عمرها.
طعن المجرمون فيها، وعلم الله إنها أطهر من حمام الحرم وأنقى من ماء الغمام
حور حرائر ما هممن بريبة *** كظباء مكة صيدهن حرام
متحجبات في الخدور أوانس *** ويصدهن عن الخنى الإسلام(/1)
تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه، فلما كان غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه، كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهن معه، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق، لم يهجهن اللحم فيثقلن، وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين كانوا يرحلون لي، ويحملونني فيأخذون بأسفل الهودج، فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير، فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به. قالت: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك، وجه قافلا، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا، فبات به بعض الليل، ثم أذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس، وخرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي، فلما فرغت انسل من عنقي، ولا أدري فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي، فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته، وجاء القوم خلافي، الذين كانوا يرحلون لي البعير، وقد كانوا فرغوا من رحلته، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه، كما كنت أصنع، فاحتملوه فشدوه على البعير ولم يشكوا أني فيه، فانطلقوا به، فرجعت إلى العسكر، وما فيه داع ولا مجيب، قد انطلق الناس. قالت: فتلففت بجلبابي، ثم اضطجعت في مكاني. قالت: فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي، وقد كان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف عليّ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب، فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأنا متلففة في ثيابي. قال: ما خلّفك، يرحمك الله؟ قالت: فما كلمته. ثم قرب إلي البعير، فقال: اركبي. واستأخر عني. قالت: فركبت، وأخذ برأس البعير، فانطلق سريعا يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس، وما افتقدت حتى أصبحت، ونزل الناس، فقال أهل الإفك ما قالوا، وارتج العسكر، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك، ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة، لا يبلغني من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي، لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني، ولطف بي، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك، فأنكرت ذلك منه، كان إذا دخل عليّ وعندي أمي تمرضني قال: كيف تِيكم؟ لا يزيد على ذلك. قالت: حتى وجدت في نفسي فقلت: يا رسول الله - حين رأيت ما رأيت من جفائه لي - لو أذنت لي فانتقلت إلى أمي فمرضتني؟ قال: "لا عليك". قالت: فانتقلت إلى أمي، ولا علم لي بشيء مما كان، حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة، وكنا قوما عربا، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنما كنا نخرج في فسح المدينة وإنما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن، فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، ابنة خالة أبي بكر الصديق. قالت: فوالله إنها لتمشي معي، إذ عثرت في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت: بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين، وقد شهد بدرا. قالت: أوَ ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟! قالت: قلت: وما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك. قلت: أوَقد كان هذا؟! قالت: نعم والله لقد كان. قالت: فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، ورجعت، فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي. قالت: وقلت: لأمي: يغفر الله لك، تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئا؟! إنها تشكو لأمها
فلابد من شكوى إلى ذي قرابة *** يواسيك أو يسليك أو يتوجعوا
قالت: أي بنية، خفضي عليك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها، لها ضرائر، إلا كثرن، وكثر الناس عليها. قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم، ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل؛ والله ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي".( إنه يا إخوة الإسلام [صفوان بن المعطل] رضي الله عنه هذا المجاهد الذي يقول عن نفسه بعد أن رمي بالفاحشة والذي نفسي بيدي ما كشفت خمار أنثي لا تحل لي في جاهلية ولا إسلام)(/2)
قالت: وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول، في رجال من الخزرج، مع الذي قال مسطح، وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت، تضادني لأختها، فشقيت بذلك، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير: يا رسول الله، إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج، فمرنا أمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم. قالت: فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا، فقال: كذبت، لعمر الله، لا تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد بن حضير: كذبت لعمر الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين، قالت: وتساور الناس، حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليّ. قالت: فدعا علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيرا وقاله، ثم قال: يا رسول الله أهلك وما نعلم منهم إلا خيرا، وهذا الكذب والباطل. وأما علي فإنه قال: يا رسول الله، إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية فإنها ستصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ليسألها. قالت: والله ما أعلم إلا خيرا، وما كنت أعيب على عائشة شيئا، إلا أني كنت أعجن عجيني، فآمرها أن تحفظه، فتنام عنه، فتأتي الشاة فتأكله. قالت: ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا عائشة، إنه قد كان ما بلغك من قول الناس، فاتقي الله، وإن كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس، فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده. قالت: فوالله إن هو إلا أن قال لي ذلك، فقلص دمعي، حتى ما أحس منه شيئا، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يتكلما. قالت: وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي، وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا يقرأ به ويصلى به، ولكني كنت أرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني؛ لما يعلم من براءتي، أو يخبر خبرا، وأما قرآنا ينزل فيّ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك. قالت: فلما لم أر أبوي يتكلمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالا: والله ما ندري بماذا نجيبه. قالت: ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام. قالت: فلما استعجما عليّ، استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أني منه بريئة، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون، لا تصدقونني، قالت: ثم التمست اسم يعقوب، فما أذكره، فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: فصبر جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قالت: فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجي بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت، قد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده، ما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننت لتخرجن أنفسهما؛ فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس. قالت: ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس وإنه ليتحدر من وجهه مثل الجمان في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، قد أنزل الله عز وجل براءتك. قالت: قلت: الحمد لله. ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدهم . وهذا الحديث مخرج في "الصحيحين" ورواه أبو داود في "سننه
ها هم المنافقون يشهرون ويلصقون هذه التهمة البشعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبفراشه الطاهر. لقد ضربوا في صميم قلبه، في قواعد دعوته، في صميم رسالته الخالدة، في شرفه. وطعنوا في عرض المجاهد الأول بعد رسول الهدي صلى الله عليه وسلم. ا وتنتشر الفرية في المدينة، وتسري سريان النار في الهشيم
ولكن أبى الله إلا أن ينصر أولياءه، لابد أن ينتصر الحق، مهما انتفش الباطل. كان لابد لعائشة من براءة من الله ولطف من الله ورحمة من الله يوم أن توصد الأبواب فلا يوجد إلا باب الله يوم أن تسدل الحجب فلا يأتي إلا عطف الله وحنان الله
فلرب نازلة يضيق بها الفتي *** ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج(/3)
يدخل صلى الله عليه وسلم بعدها المسجد منتصراً على أعداء الرسالة الذين ألصقوا به التهمة في عرضه وشرفه يجمع الناس ويقف على المنبر يتلو آيات الله البينات تنزل من على المنبر كأنها القذائف يسمعها المؤمن والمنافق والذكر والأنثى وتقرؤها الأمة إلى قيام الساعة قال تعالى (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين) إلى أن قال تعالى (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب أليم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم)
العاقبة للمتقين والإسلام منتصر في كل مكان (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ألا فليخسأ الذين يريدون هدم هذا الدين من الذين يلصقون التهم بدعاته وعلمائه العاملين، زهرة الدنيا ونور الدنيا وهم حاملو ميراث الأنبياء والداعون إلى صراط الله العزيز الحميد. والله ما يريدون بتشويه العلماء سوى ضرب ميراث الأنبياء يريدون إطفاء نور الله فلتكن على وعي وإدراك أخي المسلم، واعلم أنهم إن نجحوا فالنجاح مؤقت والعاقبة للمتقين نسأل الذي بيده مقاليد الأمور أن يفضح من أراد علماء الإسلام من اليهود والمنافقين وأذنابهم على رؤوس الأشهاد
فهذا هو طريق الدعوة. إن الحافظ الله إن الولي هو الله إن المسدد هو الله مهما علا الباطل وزمجر وارتفع هديره فإن الله سيجعله زبداً ويبقى ما ينفع الناس لا خوف فالله ناصر دينه شاء من شاء وأبى من أبى أما كيد البشر فكيد ضعيف مهما عظم ووالله لا تستطيع أي قوة في الأرض أن تصل إلى قلب مؤمن صادق في إيمانه ويقينه
ومن هذه الحادثة نستفيد أن دعاة الإسلام مستهدفون وعلى رأسهم قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم أشيعت عنه الشائعات وإشاعة الشائعات أمر عظيم ومرض خطير.
ومن الدروس أيضاً أن قذف المحصنات المؤمنات الغافلات كبيرة من الكبائر وموبقة من الموبقات استوجب صاحبها اللعنة من رب الأرض والسماوات وكذلك قذف المؤمنين (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون)
ومن الدروس أن المؤمن مبتلى وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وبالصبر واليقين يكون التمكين. قال الله: ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).
اللهم انصر دينك وكتابك اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم انصر من نصر الدين اللهم أخذل من خذل الدين اللهم أخذل من خذل الدين اللهم أخذل من خذل الدين(/4)
حارس المرمى
...
المرأة المسلمه في عالم الكرة ــ التي أصبحت الآن لغة مشتركة لمعظم شعوب العالم ــ هناك حارس وفريق، والحارس ضمن الفريق لكن له مهماته الخاصة التي لا يمكن لفرد آخر من أفراد الطاقم القيام بها ، وهو يرتدي زيا مخالفا لفريقه ولم نسمع أن ذلك تمييز عنصري ضده ، ولم يتدخل أحد لإنقاذه من هذه العزلة بحجة دمج الفريق والقضاء على التمييز ،كما أن هذا الحارس ملتزم بحدود منطقة الجزاء يحق له ممارسة بعض الامتيازات التي لا تتوفر لغيره داخلها كما لا تتوفر له نفسه عندما يغادرها .. وهو من حقه مغادرتها، ومن حقه مقارعة المهاجمين من زملائه فذلك كله غير مخالف للقانون ،لكنه نادرا ما يفعل ذلك لأن العواقب وخيمة ، وحتى عندما يقرر المغامرة فإن أعضاء الفريق إذا لم يمنعوه من المجازفة فإن الفريق غالبا سيمنى بهزيمة ساحقة . والآن يمكنكم أن تطبقوا ذلك كله على المرأة فهي تلبس زيا مخالفا للرجال وذلك لا يعيبها ، بل هو مطلب يحافظ المجتمع على توازنه ، ولتحتفظ الحياة برونقها ومتعتها ، ثم إنها ملتزمة بمنطقة محددة تمارس فيها من الصلاحيات مالا يمكن لمخلوق غيرها أن يمارسه في جو من الحرية الشرعية لكنها تفقد هذه الصلاحيات بمجرد استسلامها لإغراءات الخروج ورغبتها في مزاحمة الرجال في تحقيق أمجاد وإنجازات غير مطلوبة منها في الأصل والمجتمع مطالب حينما تخرج المرأة عن هذا الإطار أن يعيدها لموقعها بالإقناع والمساعدة والتعويض ،لأنه سيكون خاسراً أيضاً في حال استمرارها في الخروج عن النص .
وهي ربما حققت إنجازا أو مجداً خاطفاً كما قد يحرز الحارس هدفا ًنادراً أو مفاجئاً لكن ذلك لن يكون على امتداد الطريق بل استثناء، فنادراً، ونادراً ما تجد امرأة بارزة في مجال ذكوري بالسليقة أو بالعادة أو العرف،ثم تكون بعد ذلك محافظة على أسرتها كزوجة وأم وأتحدى أي امرأة في العالم أن تقول أنها تفضل النجاح في مجالها كعالمة ذرة أو رائدة فضاء أو رئيسة وزراء أو لاعبة كرة على تمتعها بمشاعر الأمومة ، وقبل ذلك مشاعر المودة والرحمة المتبادلة مع الزوج .
فلماذا القفز على الحقائق ، ولماذا الحرص على ابتكار مشاكل أو تضخيمها وتهويلها وغض الطرف عن مصائب ظاهرة للعيان لا تجد من يتفانى في إبرازها وطرح حلولها؟ ! فالنقاشات الحارة تدور هذه الأيام حول هذا المخلوق القضية ـالمرأة ـ والمعركة تستمد وقودها من حطب : الحجاب وقيادة السيارة والحوار يدخل ويخرج عن دائرة الحوار متجاوزا الخطوط الحمراء حينا ،وملتزمًا بها حينا آخر والمرأة ــ كعادتها ــ ترقب الوضع عن بعد دون أن تعبر عن رأيها الفصيح ،تاركة الأمر برمته للرجل ليؤيد ،ويعارض ،ثم تدعي بعد ذلك أنها تبحث بهذين الأمرين ـ كشف الوجه والقيادة ـ عن حريتها التي أهدرها الرجل ، وحقوقها التي حرمها منها !! والآن يا سادة بصفتي امرأة فسوف أطرح رأيي في موضوعي : كشف الوجه بحجة اختلاف العلماء ،وقيادة السيارة بحجة عدم وجود نص شرعي يحرم ذلك على المرأة ، والهدف المعلن والغاية النبيلة من كل ذلك إعطاء المرأة حريتها المسلوبة وحقوقها المهدرة ،وإذا كان الأمر كذلك ،فإنني امرأة من هذا البلد الكريم ،لم أتخيل نفسي ولا أسمح لها ولا أتمنى أن تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب ، وأجدني سعيدة غاية السعادة بذلك، وأكتشف كل يوم حكمة جديدة لهذا التشريع الحكيم ،ولست أحصي عدد المرات التي حدثت فيها مشاكل من نوع ما، فيكون تعليقي عليها : ولذلك سن الشرع الحكيم تغطية الوجه وأرجو أن تتاح لي الفرصة لأذكرها للقراء في مقال آخر وحتى لو سمح لي زوجي ووالدي بكشف وجهي فلن أسمح أنا لنفسي بذلك حبا ًفي ذاتي واعتزاز بها وخوفاً عليها وحرصا على مكتسبات حققتها بحجابي وغير مستعدة لفقدانها بفقدانه وإذ اكان المؤيدون لكشف الوجه يجوبون بطون الكتب بحثاً عن الأدلة التي تدعم رأيهم ،فإن آية من كتاب الله تكفيني لأتشبت بغطاء وجهي للأبد مطمئنة لسلامة رأيي ومنهجي(/1)
وأما قيادة السيارة فقد حسم أمرها شرعياً عندما أفتى العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله والعلماء الكبار بعدم شرعية ذلك ، أما وقد فتح الموضوع من جديد، فاختلطت الآراء والفتاوى فإن المنطق والعقل على الأقل يقولون إن قيادة المرأة السعودية للسيارة قد يكون له بعض الإيجابيات لكن مصائبه وسلبياته ستكون أكبر من أن تحصى ، وليس هناك أمر يخلو من السلب والإيجاب ، لكن المؤمن يتفكر في المصلحة العامة ،وفي النتيجة الأخيرة ، فإن غلبت السيئات فلتذبح الحسنات القليلة على درب السيئات الكثيرة غير مأسوف عليها كما فعل المسلمون بالخمر في بداية الإسلام عندما أريق في الأزقة والشوارع،رغم أن الله سبحانه أوضح أن له بعض الفوائد .. أما تجربتي التي أود طرحها فهي أنني أعيش في مجتمع محافظ حتى النخاع .. ومع ذلك فلم يمنعني ذلك من نيل كافة حقوقي .. فدرست بلا سيارة وبحجاب سابغ، وتخرجت في معهد للمعلمات،ثم درست، ومارست كافة الحقوق في مرتبي،ثم كان لي أن أكمل دراستي في الجامعة وهي تبعد عن بلدتي حوالي 500 كلم، ثم صقلت موهبتي في الكتابة بالكتابة في مجلة متخصصة،والآن أكملت الدراسة في الجامعة ـبحمد الله ـبحجابي وبدون قيادة السيارة وأكملت ست سنوات وأنا أكتب بكامل حريتي،وتزوجت وأنجبت ،وحققت العديد من أهدافي على صعيد العمل والمنزل والحمد لله ، دون أن أحتاج لخلع حجابي أو امتطاء مقود السيارة . صحيح واجهتني بعض الصعوبات لكنها ستواجه أي شخص آخر حتى لو كان رجلاً كاشفاً وجهه وممتطياً سيارته ..!!(/2)
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
دار الوطن
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:
أخي المسلم الحبيب: هل خلوت بنفسك يوماً فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟ وهل حاولت يوماً أن تعد سيئاتك كما تعد حسناتك؟ بل هل تأملت يوماً طاعاتك التي تفتخر بذكرها؟! فإن وجدت أن كثيراً منها مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس فكيف تصبر على هذه الحال، وطريقك محفوف بالمكارة والأخطار؟! وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار؟ قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم [الحشر:18-19]. وقال تعالى: وأنيبوا إلى بكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون [الزمر:54].
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).
عبادة وخشية
وقد مدح الله تعالى أهل طاعته بقوله: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون [المؤمنون:57-61].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { سألت رسول الله عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون، ويتصدقون، ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات" } [الترمذي وابن ماجه واحمد].
أخي المسلم: هكذا كان سلفنا الكرام، يتقربون إلى الله بالطاعات، ويسارعون إليه بأنواع القربات، ويحاسبون أنفسهم على الزلات، ثم يخافون ألا يتقبل الله أعمالهم.
فهذا الصديق رضي الله عنه: كان يبكي كثيراً، ويقول: ابكوا، فإن لم تبكروا فتباكوا، وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى: إن عذاب ربك لواقع [الطور:7]. فبكى واشتد في بكاؤه حتى مرض وعادوه. وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياماً يعاد، يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء!!.
وقال له ابن عباس رضي الله عنهما: مصر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح وفعل، فقال عمر: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر!!.
وهذا عثمان بن عفان ـ ذو النورين ـ رضي الله عنه: كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبلل لحيته، وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير!!.
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه. وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
واعظ الله في القلب
عن النواس بن سمعان عن النبي قال: { ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيها أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى الصراط داع يدعو يقول: يا أيها الناس!! اسلكوا الصراط جمييعاً ولا تعوجوا، وداع يدعو على الصراط، فإذا أراد أحدكم فتح شيء من تلك الأبواب قال: ويلك! لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه. فالصراط: الإسلام. والستور: حدود الله. والأبواب المفتحة: محارم الله. والداعي من فوق: واعظ الله يذكر في قلب كل مسلم } [أحمد والحاكم وصححه الألباني].
فهلا استجبت ـ أخي المسلم ـ لواعظ الله في قلبك؟ وهلا حفظت حدود الله ومحارمه؟ وهلا انتصرت على عدو الله وعدوك، قال تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونا من أصحاب السعير [فاطر:6].
عن خالد بن معدان قال: ما من من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيراً، فتح عينيه اللتين في قلبه، فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب، وإذا أراد به غير ذلك، تركه على ما فيه ثم قرأ: أم على قلوب أقفالها [محمد:24].
أقوال في محاسبة النفس
1- كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله: (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة).
2- وقال الحسن: لا تلقي المؤمن إلا بحساب نفسه: ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه.
3- وقال قتادة في قوله تعالى: وكان أمره فرطاً [الكهف:28] أضاع نفسه وغبن، مع ذلك تراه حافظاً لماله، مضيعاً لدينه.
4- وقال الحسن: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته.(/1)
5- وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.
6- وذكر الإمام أحمد عن وهب قال: مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلوا فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجعل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب.
7- وكان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح، فيضع إصبعه فيه ثم يقول: حس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟
8- وقال الحسن: المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.
إن المؤمن يفجأه الشيء ويعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا؟ مالي ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا أبداً.
إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم.
إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله.
9- وقال مالك بن دينار: رحمه الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ألزمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائداً.
10- وقال ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل!!
أخي المسلم الموفق:
قال الإمام ابن الجوزي: أعجب العجاب أن النقاد يخافون دخول البهرج في أموالهم، والمبهرج آمن!! هذا الصديق يمسك لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وهذا عمر يقول: يا حذيفة هل أنا منهم ـ يعني من المنافقين ـ والمخلط على بساط الأمن!!
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير، بل التفريط والأمن).
هكذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن نفسه وعصره، فماذا نقول نحن عن أنفسنا وعصرنا؟!
فيا أخي الحبيب:
لا تضيع أيامك، فإنها رأس مالك، فإنك ما دمت قادراً على رأس مالك قدرت على الريح، وإن بضاعة الآخرة كاسدة في يومك هذا، فاجتهد حتى تجمع بضاعة الآخرة في وقت الكساد، فإنه يجئ يوم تصير هذه البضاعة فيه عزيزة، فاستكثر منها في يوم الكساد ليوم العز، فإنك لا تقدر على طلبها في ذلك اليوم.
أقسام محاسبة النفس
محاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل ونوع بعده.
النوع الأول: محاسبة النفس قبل العمل فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه. قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر.
النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل.
وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق الله تعالى، قلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.
وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور وهي:
1- الإخلاص في العمل.
2- النصيحة لله فيه.
3- متابعة الرسول فيه.
4- شهود مشهد الإحسان فيه.
5- شهود منة الله عليه فيه.
6- شهود تقصيره فيه.
فيحاسب العبد نفسه هل وفى هذه المقامات حقها؟
وهل أتى بها جميعاً في هذه الطاعة؟
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.
الأسباب المعينة على محاسبة النفس
هناك أسباب تعين الإنسان على محاسبة نفسه وتسهل عليه ذلك منها:
1- معرفته أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استرح من ذلك غداً، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً.
2- معرفته أن ربح محاسبة النفس ومراقبتها هو سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، ومجاورة الأنبياء والصالحين وأهل الفضل.
3- النظر فيما يؤول إليه ترك محاسبة النفس من الهلاك والدمار، ودخول النار والحجاب عن الرب تعالى ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث.
4- صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ويطلعونه على عيوب نفسه، وترك صحبة من عداهم.
5- النظر في أخبار أهل المحاسبة والمراقبة من سلفنا الصالح.
6- زيارة القبور والتأمل في أحوال الموتى الذين لا يستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدرك ما فاتهم.
7- حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير فإنها تدعو إلى محاسبة النفس.
8- قيام الليل وقراءة القرآن والتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات.(/2)
9- البعد عن أماكن اللهو والغفلة فإنها تنسي الإنسان محاسبة نفسه.
10- ذكر الله تعالى ودعاؤه بأن يجعله من أهل المحاسبة والمراقبة، وأن يوفقه لكل خير.
11- سوء الظن بالنفس،فإن حسن الظن بالنفس ينسي محاسبة النفس، وربما رأى الإنسان ـ بسب حسن ظنه بنفسه ـ عيوبه ومساوئه كمالاً.
أخي الحبيب:
حق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة يمكن أن يشتري بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد. فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها ما يجلب هلاكه خسران عظيم، لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلاً، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمد بعيداً [آل عمران:30].
أخي الكريم:
كان توبة بن الصمة من المحاسبين لأنفسهم فحسب يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتي! ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب؟ كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟ ثم خر مغشياً عليه، فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول: (يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى).
كيفية محاسبة النفس
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن محاسبة النفس تكون كالتالي:
أولاً: البدء بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصاً تداركه.
ثانياً: ثم المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.
ثالثاً: محاسبة النفس على الغفلة ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله.
رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح، كلام اللسان، ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته.
فوائد محاسبة النفس
ولمحاسبة النفس فوائد جمة منها:
1- الإطلاع على عيوب النفس، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته.
2- التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.
3- معرفة حق الله تعالى فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى.
4- انكسار العبد وزلته بين يدي ربه تبارك وتعالى.
5- معرفة كرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يعجل عقوبتهم مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.
6- مقت النفس والإزراء عليها، والتخلص من العجب ورؤية العمل.
7- الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد.
8- رد الحقوق إلى أهلها، وسل السخائم، وحسن الخلق، وهذه من أعظم ثمرات محاسبة النفس.
قطار العمر
أخي المسلم:
قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تصل!!
وقال أبو الدرداء: إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك.
فيا أبناء العشرين ! كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟!
ويا أبناء الثلاثين! أصبتم بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم؟
ويا أبناء الأربعين! ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم!!
ويا أبناء الخمسين ! تنصفتم المائة وما أنصفتم!!
ويا أبناء الستين ! أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون؟ لقد أسرفتهم!!
وفي صحيح البخاري عن النبي قال: { أعذر الله إلى من بلغه ستين سنة }.
أخي الحبيب:
كم صلاة أضعتها؟.. كم جمعة تهاونت بها؟.. كم صيام تركته؟.. كم زكاة بخلت بها؟.. كم حج فوته؟.. كم معروف تكاسلت عنه؟.. كم منكر سكت عليه؟.. كم نظرة محرمة أصبتها؟.. كم كلمة فاحشة تكلمت بها؟.. كم أغضبت والديك ولم ترضهما؟.. كم قسوت على ضعيف ولم ترحمه؟.. كم من الناس ظلمته؟.. كم من الناس أخذت ماله؟..
عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؟ فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار } [مسلم].
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(/3)
حال الإنسان عند حلول المصيبة
أبو معاذ ظافر بن حسن آل جبعان
</TD
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن العبد في هذه الدنيا معرض لصنوف من البلاء، والاختبار، وما ذلك إلا ليعلم الله ـ تعالى ـ من العبد صبره ورضاه؛ وحسن قبوله لحكم الله وأمره، قال الله تعالى:{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }(1).
والإنسان عندما يصاب بمصيبة، فإن له أحوالاً في تقبل تلك المصيبة، إما بالعجز والجزع، وإما بالصبر وحبس النفس عن الجزع، وإما بالرضا، وإما بالشكر.
قال ابن القيم (ت751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( والمصائب التي تحل بالعبد، وليس له حيلة في دفعها، كموت من يعزُّ عليه، وسرقة ماله، ومرضه، ونحو ذلك، فإن للعبد فيها أربع مقامات:
أحدها: مقام العجز، وهو مقام الجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناً ومروءة.
المقام الثاني: مقام الصبر إما لله، وإما للمروءة الإنسانية.
المقام الثالث: مقام الرضى وهو أعلى من مقام الصبر، وفي وجوبه نزاع، والصبر متفق على وجوبه.
المقام الرابع: مقام الشكر، وهو أعلى من مقام الرضى؛ فإنه يشهدُ البليةَ نعمة، فيشكر المُبْتَلي عليها)(2).
وقد علق على هذه المقامات الأربع الشيخ محمد بن عثيمين(3) ـ رحمه الله تعالى ـ فقال: للإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:
الحال الأول: أن يتسخط.
الحال الثاني: أن يصبر.
الحال الثالث: أن يرضى.
الحال الرابع : أن يشكر.
هذه أربع حالات للإنسان عندما يصاب بالمصيبة:
أما الحال الأول: أن يتسخط إما بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه.
ـ فتسخط القلب أن يكون في قلبه شيء على ربه عز وجل من السُّخط والشره على الله ـ تعالى ـ والعياذ بالله وما أشبهه، ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.
ـ وأما باللسان فأن يدعو بالويل والثبور، يا ويلاه! يا ثبوراه! وأن يسب الدهر فيؤذي الله عز وجل وما أشبهه.
ـ وأما التسخط بالجوارح مثل: أن يلطم خده، أو يصفع رأسه، أو ينتف شعره، أو يشق ثوبه، وما أشبهه ذلك.
هذا حال السخط حال الهلعين الذين حرموا من الثواب، ولم ينجوا من المصيبة بل الذين اكتسبوا الإثم؛ فصار عندهم مصيبتان: مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا لما أتاهم ممَّا يؤلمهم.
أما الحال الثانية: فالصبر على المصيبة بأن يحبس نفسه؛ هو يكره المصيبة ولا يحبها، ولا يحب إن وقعت، لكن يصبّر نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يغضب الله تعالى، ولا يكون في قلبه على الله شيءٌ أبداً؛ صابر لكنه كاره لها.
والحال الثالثة: الرِّضى بأن يكون الإنسان منشرحاً صدره بهذه المصيبة ويرضى بها رضاءً تاماً، وكأنه لم يصب بها.
والحال الرابعة: الشُكر فيشكر الله ـ تعالى ـ عليها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال:"الحمد لله على كل حال"(4).
فيشكر الله من أجل أن يُرتب له من الثواب على هذه المصيبة أكثر مما أصابه.
مسألة: ما ينبغي لمن بلغته المصيبة أن يفعل.
ينبغي لمن بلغته مصيبة، أيَّاً كانت هذه المصيبة أمور:
أ- الصبر؛ فيسن الصبر على المصيبة، ويجب منه ما يمنعه عن المحرم(5).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(728هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ :( والصبر واجب باتفاق العلماء)(6).
قال ابن القيم (ت751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( والصبر واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر)(7).
والصبر هو: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش(8).
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (9).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال:"اتقي الله واصبري" قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه! فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال:"إنما الصبر عند الصدمة الأولى"(10).(/1)