فاقبل اللهم منا صومنا
ثم زدنا من عطاياك الجسام
لا تعاقبنا فقد عاقبنا
قلق أيقظنا جنح الظلام
تواضع وانكسار
أيها الصاعد فوق القمم
أيها التائه بين الأمم
قف قليلا وتواضع للذي
أوجد الإنسان ذا من عدم
وتفكر أي اصل كنته
أي حي خارج من رحم
طاطىء الرأس وسر متئدا
واحذر الكبر؟ حليف النقم
رأيت أمريكا
رأيت أمريكا،رأيت أرضها وسماءها، وهواءها وماءها ، فإذا هي ليست كأرضنا وسمائنا وهوائنا ومائنا، لأن تلك لا تحمل الإيمان والحب والطموح.
ورأيت أمريكا: هدير مصانع، وضجة معامل، وحركة إنتاج، لكنه صخب بلا معنى، وأصوات بلا حياة، ليس فيها إيمان وحب وطموح.
ورأيت أمريكا: عيونا بلا إيمان، وآذانا بلا دعوة ، وقلوبا بلا يقين ، وجثثا بلا رسالة، لأنها لم تعرف الإيمان والحب والطموح.
ورأيت أمريكا: طائرة وسيارة وسخانة وبرادة وحديدا وآلات ، لكنها مسلوبة الطمأنينة والسكينة، لأنها فقدت الإيمان والحب والطموح.
ورأيت أمريكا ، فإذا الكلب مقدس، والقطة مبجلة، والخنزير محترم، أما العالم فكادح لغير مصير، والمهندس ساع لغير هدف، والطبيب يعمل بلا احتساب وثواب، لأنهم ضلوا عن الإيمان والحب والطموح.
ورأيت أمريكا: امرأة مسفوكة الكرامة، وبيتا مهدوم العفة، ومجتمعنا مهزوز المبادئ ، لأنها ما أجادت الإيمان والحب والطموح.
ورأيت أمريكا : قطيعا بلا راع، وركبا بلا قائد، وسفينة بلا ربان ، ظلمات بعضها فوق بعض، لأن أمريكا ما عاشت الإيمان والحب والطموح.
ما رأيت أمريكا ، فإذا الذي أعجب الناس أغضبني، وإذا الذي أسرهم أحزنني، وإذا الذي أفرحهم غمني، لأني ما رأيت الإيمان والحب والطموح.
ما رأيت الإيمان بالله وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم رسولا.
ما رأيت الإيمان بالفضيلة والإحسان والعدل والسلام.
وما رأيت الحب للأهداف الجميلة، والمبادئ الأصلية والأخلاق الجميلة.
وما رأيت الحب لمن يستحق الحب،للبارئ المصور، الخلاق الرزاق، ذي القوة المتين، وللمصطفي الهادي الرحمة للعالمين، السراج المنير، وللدين الخالد، والرسالة العالمية، والمحجة البيضاء.
وما رأيت الطموح لتزكية النفس، وطهارة الباطن، وغسل الجوارح وإنقاذ الناس.
أرجوزة أمريكا
يقول عائض هو القرني
أحمد ربي وهو لي ولي
مصليا علي رسول الله
مذكرا بالله كل لاهي
قد جئت من أبها صباحا باكرا
مشاركا لحفلكم وشاكرا
وحملتنا في السما طيارة
تطفح تارة وتهوى تارة
قائدها أظنه أمريكي
تراه في هيئته كالديك
يا سائل الأخبار هذه النشرة
أسمع رعاك الله من يفتيكا
وهذه أخبار هذي النشرة
مسافة السير ثلاث عشرة
من الرياض عفشنا ربطنا
وفي نيويورك ضحي هبطنا
أنزلنا في سرعة وحطنا
ثم قصدنا بعدها واشنطنا
ثم ركبنا بعدها سيارة
مستقبلين جهة السفارة
منزلنا في القصر أعني ردسن
يا كم لقينا من قبيح وحسن
في بلد أفكاره منكوسه
تثقله بصائر مطموسه
يقدسون الكلب والخنزيرا
ويبصرون غيرهم حقيرا
ما عرفوا الله بطرف ساعه
وما أعدوا لقيام الساعة
فهم قطيع كشويهات الغنم
جد وهزل وضياع ونغم
منهم أخذنا العود والسيجارة
وما عرفنا نصنع السيارة
استيقظوا بالجد يوم نمنا
وبلغوا الفضاء يوم قمنا
وبعد ذا زرنا مباني الكنجرس
فلم نجد من أحد إلا الحرس
فيها ملايين حوت من الكتب
في كل فن إنه من العجب
ومعنا في صحبنا العجلان
أكرم به مع العلا جذلان
وقد صبحت شيخنا السدحانا
قد صرت في صحبته فرحانا
وصالح المنصور من بريده
يشبه سعدا وأبا عبيده
وافقت فيهم فالح الصغيرا
آنسنا جدا وكان خيرا
ومعنا عبد العزيز الغامدي
ابن عزيز صاحب المحامد
والشهم عبد القادر بن طاش
ذو القلم السيال في انتعاش
فهو ابونا في مقام الترجمة
لأننا صرنا صخورا معجمة
ثم هبطنا في مطار دنفرا
جلودنا في البرد صارت كالفرا
أيضا وزرنا أهل تكسس في دلس
عند شباب كالنجوم في الغلس
بالمنقتن أخت ثراهوت التي
كانها باقة زهر جنة
ول كم حفظناها بمعني ويلكم
بليز أي أبليس قد جاء لكم
والحمد لله علي السلامة
جمدا يوافي دائما إنعامه
ثم صلاة الله ما هب الصبا
علي الرسول الهاشمي المجتبي
وبيته والآل والصحابة
والعذر إن لم أحسن الإصابة
نور من الغار
صوت من الغور أم نور من الغار
أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار
يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي
ويا محبة أعمار وأقطار
تطوي الدياجير قبل الصبح في ألق
تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت
ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة
يذوب في ساحها مليون جبار
شيدت فوق المعالي ألف مكرمة
تيجان مجد علي سعد وعمار
النصر يرنو في عينيه معجزة
وأنت ترنو له من بين أستار
فدولة الكفر حول الغار قد هزمت
بمعول الفتح ثان اثنين في الغار
وأم معبد في الصحراء ذاهلة
يروي الحليب لها ما أبدع الباري
فجملة منك تبني أمة عبثت
بها الليالي في عبس وذي قار
فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا
أصغوا لصيحات عربيد وخمار
شادوا الدنانير هالات مزخرفة
جماعات لا يساوي ربع دينار(/7)
يشيد مسكنه المزعوم من ذهب
والدين ينهار وفيه شفا هار
لو بيع في السوق ما حازوا له ثمنا
ولو روره لكان الغبن للشاري
أبو ذر في القرن الخامس عشر
دمعة الزهد فوق خذك خرسا
ووجيت الفؤاد يحدث جرسا
أنت من أنت يا محب وماذا
في حناياك هل تحملت مسا
ما لهذي الدموع مالك صب
حالكم مأتم وقد كان عرسا
شامة الزهد في محياك سارت
قصة تطمس الحكايات طمسا
قال: أزمعت هجرة بيقينى
قد مللت المقام وازددت بؤسا
وأمة الصحراء تروي حديثا
يتوالى يفيض روحا وأنسا
تشتكي بعده وتهدي إليه
زفرات الحنين جنا وأنسا
هجرت نومها وأسهرها الحب
فيا جندب تري أين أمسي
جاءها يقطع الرمال وحيدا
يركب الليل يصحب الذئب خمسا
كلما حل قفرة سار منها
يتوارى يحبس ممشاه حسا
قال: يا أرض يا رمال خذيني
كفينني إني عشقتك رمسا
دولتي جعبتي وكنزي يقيني
فإذا ما وصلت فالأكل ينسى
طاردتني الدنيا فطرت برجلي
واتخذت البلاد رحلا وحلسا
عشت فردا والناس مليون حولي
وأراها الذئاب غلسا وطلسا
خولوني هددتهم هددوني
بالمنايا لاطفت حتى أحسا
أركبوني نزلت أركب عزمي
أنزلوني ركبت في الحق نفسا
أطرد الموت مقدما فيولي
والمنايا اجتاحها وهي نعسا
قد بكت غربتي الرمال وقالت:
يا أبا ذر لا تخف وتأسا
قلت: لا خوف لم أزل في شباب
من يقيني ما مت حتى أوسا
أنا عاهدت صاحبي وخليلي
وتلقنت من أماليه درسا
لوحوا بالكنوز راموا محالا
وأروني تلك الدنانير ملسا
لا أريد المتاع قد صنت نفسي
فدعوا عرضكم فرأسي اقسي
كلها لا أريد فكوا عناني
أطلقوني أسير في الأرض شمسا
واتركوني أذوب في كل قلب
أغرس الحب في حناياه غرسا
أجتلي كل روضة بدموعي
وأبث للأزهار في الروض همسا
هذه خيمتي وهذا مكاني
ونشيدي الرياح لحنا وجرسا
خفت الصوت في التراب وماتت
عزمات كالفخر تنبس نبسا
واختفت سيرة طوتها الليالي
وتوارت ذؤابة الزهد حبسا
استرح يا فؤاد يا نفس قري
واكتبي قصتي بسبعين طرسا
أين ميراثه لينعم فيه
عاشق المال أين مالك أرسا
بردة أبلت الليالي سداها
وتركت العصا وخلفت ترسا
لنا ألف شاهد
العيون المراض بعض العذاب
وسكار الهوى رحيق الرضاب
والمنايا بين الجفون جوار
وجفان من الهوى كالجواب
وقتيل الهوى شهيد الصبابات
غزير الدما قاني الثياب
مهج في الغرام تقتل عمدا
من لحاظ سهماها في صواب
وقلوب محمومة بسهاد
طارحت بثها نجوم الأياب
قد رمتها تلك العيون فباتت
في حمى الخوف من سريع الحساب
سحب الحق تنطح المجد عزما
من يقين لا ناطحات السحاب
كلنا الحق نحن صغناه لحنا
خطب الفصل يوم فصل الخطاب
نحن من أوقف الزمان مليا
وجهه سافر بغير نقاب
ورهنا أقواسنا عند كسرى
ورمينا الإيوان بالنشاب
وخصبنا جبينة يوم ذي
قار بقار فيا له من خضاب
وزعنا جماجما تتلظى
بالمنايا هاجت لقطع الرقاب
يوم بعنا رؤوسنا في حنين
واشترينا الرضوان في الأحزاب
وأقمنا الصلاة في نهر جيحون
سجودا كالطهر في البنجاب
عمريون إن حكمنا ذاويات
بيقين من درة الخطاب
نهزم الليل بالبكاء سجودا
ونشق الدجى بأم الكتاب
قد خرجنا للدهر شعتا وغبرا
كالقضاء المحتوم في الأحقاب
ولنا ألف شاهد من معان
ساميات في دولة الأصحاب
وحديث في الغار يسرى عميقا
كالربيع المياد فوق الهضاب
أبجديات ديننا يشهد الله
علو الإنسان بالآداب
وصهيب تقاه ألبسه العز
وهانت نفوس ذي الأنساب
الجراحات ناطقات بآي
كدماء الفاروق في المحراب
أو كسعد في القادسية يملى
للمحبين ذكريات الشباب
من علي والزهد في كفه الغالي
كسيف القضاء في الجلباب
كالغدير الصافي نجم نمير
من كلام المعصوم عالي الجناب
هيه طوبى أبا تراب علوا
وأنوف تعيبكم في التراب
يا سميري والاي كأس سروري
ونديماي سنتي وكتابي
فرسي همة كطارق هبت
في بحار الفتوح في الأصلاب
في القلوب الكبار في كل روض
ممرع النبت طيب الإنجاب
كالثرى كالسناء كالبسمة الحرا
كومض الصباح كالأطياف
وسوانا على المعزف يلهو
تشتريه ربابة من رباب
كيس في الضياع في الخير نحس
سيفه في الخذلان كأس الشراب
هارف البهتان ما عاش يقفو
في المخازي مسيلم الكذاب
أدعياء الضلال سحار فرعون
وعندي العصا لحل الصعاب
بلسان كالعضب يفلق هاما
وبيان ملعلع كالشهاب(/8)
تاريخ الإرتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه
ودور العلماء في مقاومته
المؤلف : حامد بن عبدالله العلي ... ...
...
بسم الله الرحمن الرحيم
تاريخ الارتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه ودور العلماء في مقاومته
بقلم : حامد بن عبد الله العلي
(ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) آل عمران 139ــ142
( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) النساء72
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو وحده لاشريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
فهذا مقال خاص لموقع ( الإسلام اليوم ) الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ العلامة سلمان بن فهد العودة وفقه الله وجميع الاخوة القائمين على الموقع .
هدف المقال : إلقاء الضوء على تاريخ الارتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه ، وطبيعة المشهد الراهن ، والدور المتوقع من العلماء والحركة الإسلامية في ضوء ذلك كله .
ولنبدأ بنبذة نستذكر فيها التاريخ .
فجوة الانسحاب البريطاني من الخليج
بقيت بريطانيا طيلة 150 سنة متواصلة القوة السياسية والعسكرية الحاكمة التي تسير شؤون إقليم الخليج ، حتى انسحبت من إقليم الخليج كله عام 1971م ، واقترن بذلك ميلاد ثلاث دول جديدة هي البحرين والإمارات وقطر ، وحصول عمان على الاستقلال ، وهنا برز ما يسمى النظام الإقليمي الخليجي .
غير أن هذا الانسحاب البريطاني أدى إلى اهتمام القوتين العظميين بملء فراغ القوة الناتج عن الغياب البريطاني ، ولاسيما في ظل وجود الثروة النفطية التي جعلت النظام الخليجي عرضة للاحتواء والاختراق ، في وقت كانت دوله ما زالت في طور بناء نفسها ، بل لعل بعضها لم يبدأ بعد في تأسيس مؤسسات الدولة .
وقد نتج عن ذلك وقوع النظام الإقليمي الخليجي بين تأثير السيطرة من جانب القوى الدولية ، وانكفاء كل دولة على نفسها ساعية لتأسيس كياناتها الصغيرة ، وبناء مؤسساتها ، وظهرت مشاكل الحدود والخلافات الداخلية ، مما أضعف قدرتها على بناء أمنها الجماعي ذاتيا ، وأبقى هذا النظام الإقليمي عرضة للتدخلا ت الخارجية المستمرة ، إلى اليوم وفي المنظور القريب .
الولايات المتحدة تملأ الفراغ بمبدأ نيكسون :
كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول مرشح لمل ء الفراغ إثر الانسحاب البريطاني من الخليج ، لما بينها وبريطانيا من تحالف استراتيجي ، غير أن الولايات المتحدة آثرت أولا العمل بمبدأ نيكسون ، الذي أعلن في عام 1969م ، وقد أطلقه بعد أن عزمت بريطانيا على الانسحاب من الخليج قبل أن تنسحب فعليا ، وينطلق هذا المبدأ مما يسمى عملية ( الفتنمة ) أي تمكين الأنظمة الصديقة لتحمل على عاتقها دورا رئيسا في قمع المتمردين ، وتخفيف العبء على الولايات المتحدة الأمريكية ، كما انسحبت أمريكا من الحرب الفيتنامية لتدعم الحلفاء في سايغون وجعل الحرب بين طرفيها الفيتناميين في الشمال والجنوب دون تدخل عسكري أمريكي مباشر في تلك الحرب .
سياسة عدم التدخل المباشر :
وهكذا استقر الرأي الأمريكي على عدم الحلول كبديل مباشر لبريطانيا ، وارتكز هذا التوجه الجديد على مبدأ وضعه مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط (جوزيف سيسكو) واستند ذلك الإطار إلى بضعة مبادئ رئيسية أهمها :
1ـ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، وذلك للتخفيف من حساسية الرأي العام الأمريكي التي فجرتها الحرب الفيتنامية .
2ـ تقديم الدعم اللازم للدول الصديقة لتعزيز مجهوداتها في مجالات الأمن .
أول مواجهة مع الغرب :
غير أنه بعدما عايش هذا النظام الوليد ، أعني النظام الإقليمي للخليج ، الارتفاع المثير لاسعار النفط عام 1973م ، بعد أن اتخذت الدول العربية المصدرة للنفط ، قرارا بحظر النفط عن الدول الغربية التي ساندت ووقفت إلى جانب الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر 73م ، ثم اتخذت قرارا آخر بأن تخفض الدول العربية المصدرة للنفط إنتاجها بنسبة 5 بالمائة شهريا لتضغط أمريكا على الكيان الصهيوني ، لإجباره على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة .
ثم لما حدثت بعد ذلك عدة قفزات في أسعار النفط ، وأصبحت منظمة الدول الدول المصدرة للنفط أوبك هي الفاعل الرئيس في تسعير النفط ، مما أدخلها في صراع مع الشركات النفطية الاحتكارية الغربية ، ثم انتقل إلى صراع بين الدول المنتجة للنفط والدول الرأسمالية الغربية وعلى رأسها أمريكا .
دفع ذلك كله أمريكا إلى الانزعاج من هذه التطورات ، والنظر إلى الدول النفطية الصديقة في الخليج على أنها من مصادر تهديد مصالحها الحيوية النفطية .(/1)
تطورات عالمية تدفع الآلة العسكرية الامريكية إلى الخليج
ثم جاءت المرحلة التالية التي أعقبت قرارات الحظر النفطي ، وتمثلت في التطورات التي أخذت تضغط على صانع القرار الأمريكي للتخلي ولو جزئيا عن الحذر الأكثر من اللازم ـ كما وصف ـ بخصوص عدم التورط العسكري الأمريكي المباشر ، وضرورة التحرك لحماية المصالح الأمريكية النفطية التي تواجه تهديدات خطيرة إقليمية ومن الاتحاد السوفيتي .
فبعد سقوط نظام الشاه ، أصيبت أمريكا بخسائر جسيمة بفقدان نظام حليف ، والظهور في صورة عدم القدرة على حماية حلفاءها ، وكان ذلك في صالح الاتحاد السوفيتي الذي كان يأمل أن يؤدي سقوط نظام الشاه إلى إصابة أمريكا في مقتل ، بعد ذلك جاء التدخل السوفيتي في أفغانستان ، فضاعف من التخوف الأمريكي في الخليج .
إضافة إلى توالي تغيرات دولية صبت في مصلحة الاتحاد السوفيتي من باكستان إلى أثيوبيا ، حتى وصل الأمر إلى قيام نظام اليمن الجنوبي المؤيد للاتحاد السوفيتي ، وكذلك نظام منغستو هيلا مريام في أثيوبيا ، وامتلاك العراق زمام المبادرة للقيادة العربية والضغط على دول الخليج ضد مصر والسياسة الأمريكية عقب توقيع مصر اتفاقية مع الكيان الصهيوني ، وأيضا شهدت العلاقات العراقية السوفيتية تطورات إيجابية.
ولمواجهة هذه التطورات التي حدثت تباعا ، والتي تعدها الولايات المتحدة الأمريكية أخطارا جسيمة تهدد مصالحها الإستراتيجية بشكل مباشر ، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعدل من سياستها السابقة وأنماط علاقاتها الإقليمية وذلك بالعمل على جهتين :
الأولى : السعي لاعادة امتلاك السيطرة على القرار النفطي في السوق العالمية ، بل لقد تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع النفط العربي كملكية أمريكية مطلقة ، وقد عبر وليام سايمون وزير الخزانة الأمريكية آنذاك عن ذلك بقوله
Those people do not own oil thy only sit on it ، هؤلاء الناس لا يملكون النفط إنهم فقط يجلسون عليه ، كتاب (النفط والوحدة العربية ) عبدالفضيل ص 188
الثانية : التلويح بالتدخل العسكري المباشر لحماية أمن النفط ، ووصل الأمر إلى التهديد باحتلال آبار النفط العربية ، حتى قال الرئيس الأمريكي ( لايمكن السماح لاحد بإملاء القرارات ، وتقرير مصائر الدول من خلال استخدام النفط والتلاعب بأسعاره ) كتاب الدور الاستراتيجي لأمريكا في منطقة الخليج حتى منتصف الثمانينات ص 116 أحمد عبد الرزاق شكاره
وقال جيمس شليزنغر وزير الدفاع آنذاك ( إن الدول العربية تواجه مخاطر تنام في ضغوط الرأي العام الأمريكي باستخدام القوة ضدها إذا ما استمرت في حظر النفط ) أمن الخليج وتحديات الصراع الدولي ص 41
مبدأ كارتر
وقد أدت هذه التطورات إلى بلورة ما يسمى بمبدأ كارتر الذي ينص على : ( إن أية محاولة تقوم بها أية قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي ستعتبر عدوانا على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية وسوف تستخدم كل الوسائل الضرورية للرد عليها بما في ذلك القوة العسكرية ) قوة الانتشار السريع والتدخل العسكري الأمريكي في الخليج جيفري ريكورد ص 13 .
والمصالح الحيوية التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل العسكري لحمايتها من أي عدوان خارجي حددها وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون في خطاب له أمام مجلس العلاقات الخارجية بتاريخ 6/3/1980م ، بأنها تشمل ( تأمين الوصول إلى النفط ومقاومة التوسع السوفياتي ، وتدعيم الاستقرار في المنطقة ، ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط ، وضمان أمل إسرائيل ) الصراع على الخليج العربي ، النعيمي ص 71
في عهد بوش ، اوسع انتشار عسكري أمريكي في الخليج :
جاء بوش بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وبروز العراق قوة إقليمية ذات قدرات متطورة ، وتزامن مع انحسار الدور السوفيتي على مستوى دعم حركات التحرر في المنطقة ، فوضعت استراتيجية جديدة تبرر التدخل في الخليج تقوم على أمرين :
الأول : ضمان إمدادات النفط .
الثاني : مواجهة ما وصف بأية تهديدات إقليمية في المنطقة .
وأرسل بوش رسالة إلى مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في بغداد مايو 1990م ، وقد تضمنت تلك الرسالة المعالم التالية :
1ـ أن الولايات المتحدة الأمريكية لإنزال ملتزمة بالمحافظة على حرية الملاحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج
2ـ الولايات المتحدة تعمل أيضا على تأمين حرية تدفق النفط عبر مضيق هرمز وكذلك تأمين استقرار وأمن الدول الصديقة .
3ـ إننا نوى الاحتفاظ بوجودنا البحري في الخليج في المستقبل المنظور ، وهذا الوجود يلقى المساندة من أصدقائنا في المنطقة
4ـ أن وجودنا في الخليج لا يشكل تهديدا لأحد ويجب أن لايتنظر أي دولة من دول الخليج إلى هذا الوجود على أنه مصدر تهديد وسنشعر بالقلق إذا ما أدى أي قرار من قرارات قمة بغداد إلى تقليص وجودنا في الخليج أو تقليص المساندة التي نتلقاها لهذا الوجود جريدة القبس الكويتية 27/5/1990م(/2)
وفي عهد بوش استخدمت أمريكا لاول مرة القوة العسكرية ، ولكن تحت غطاء الأمم المتحدة ، لحماية مصالحها الاستراتيجية في الخليج ، وبذلك عززت وجودها العسكري ، وارتبط بمعاهدات أمنية ، وتكثف وانتشر بصورة كبيرة لم يسبق لها مثيل ، وقد كان ذلك فرصة تاريخية للولايات المتحدة الأمريكية للتفرد المطلق بالهيمنة على منطقة الخليج والاستفراد بها واستبعاد القوى العالمية عن التأثير ، وقد كان هذا يشكل هدفا استراتيجيا حيويا لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية ، ولم تزل تسعى لتحقيقه ، منذ انسحاب بريطانيا ، غير أنها لم تتوفر لها الفرصة المناسبة ، في ضوء الحرب الباردة ، وحقبة الصراع مع الاتحاد السوفيتي ، كما توفرت دراماتيكيا بعد انحسار قوة الاتحاد السوفيتي ، وقيام النظام العراقي بغزو الكويت.
عهد كلنتون والاحتواء المزدوج :
في عهد كلنتون ، وضعت إدارة الرئيس كلنتون مجموعة من السياسات المتكاملة فيما بينها للحفاظ على مصالح أمريكا الإستراتيجية في الخليج كما ذكرناها سابقا ، على ضوء فهم حديث لمصادر التهديد الجديدة في الخليج وتقوم على مبدأين :
1ـ إعطاء الأولوية لاستخدام القوة العسكرية .
2ـ الاحتواء المزدوج للعراق وإيران .
والهدف المباشر لهذه السياسة كما يوضحه عدد من الاستراتيجيين الأمريكيين هو أن للولايات المتحدة مصلحة كبرى في منع ظهور أية قوة تحمل نزعة سيطرة إقليمية في أي بقعة من العالم ، ولاسيما إذا كانت قوة قادرة على تهديد الاستقرار العالمي ـ أي خضوعة لزعامة أمريكا ـ عبر استخدام القوة .
وكان أول من استخدم هذا المصطلح ( الاحتواء المزدوج ) (مارتن إندك ) عندما كان يعمل مستشارا للأمن القومي لشؤون الشرق الأدنى في الولاية الأولى للرئيس كلنتون بجانب أنطوني ليك .
وقد اعتبر هذا المبدأ تغير حاسم عن سياسة توازن القوى التي سبق أن اعتمدت عليها واشنطن في عقدي السبعينات والثمانينات للحفاظ على المصالح الأمريكية ، وذلك بدعم الدولتين المتصارعتين تباعا ، أي دعم أحدهما لموازنة الأخرى مثل دعم إيران في عقد السبعينات ، ثم التحول إلى دعم الأخرى ضد الأولى مثل دعم العراق في سنوات الحرب العراقية الإيرانية ضد إيران .
عهد بوش الابن :
مما سبق يتبين أن الارتباط الغربي بالخليج مر بثلاث مراحل رئيسة :
المرحلة الأولى : الاحتلال البريطاني .
المرحلة الثانية : الانسحاب البريطاني ، واستبداله بالتدخل الأمريكي غير المباشر، دون أن تحظى أمريكا بالتفرد المطلق بالتأثير على الخليج .
المرحلة الثالثة : التفرد الأمريكي وتكثيف وجوده العسكري في الخليج .
وتبين أيضا أن اتجاه هذا الارتباط يتحول باضطراد إلى هيمنة شاملة ، وأن أمريكا غير عازمة على الانسحاب من المنطقة مطلقا ، بل إلى التطلع نحو تدخل أكثر في شؤون الخليج الداخلية ، ومما يعزز هذا الاستنتاج أن في عهد بوش الابن ، تبنت الإدارة الأمريكية لاول مرة المطالبة بل الضغط لتغيير المناهج التعليمية في الخليج ، والرقابة على أموال الجمعيات الخيرية ، وتقوم الإدارة الأمريكية بدور ثقافي مركز للتأثير على المجتمعات الخليجية ، ومن الأمثلة على ذلك إثارة موضوع حقوق المرأة الخليجية وحقوق الإنسان ، انطلاقا من النظرة الغربية ، وتكرار التلويح بضرورة التغيير نحو الديمقراطية الغربية في الخليج ... إلخ .
وتدعم الولايات المتحدة النخب الخليجية المتحمسة للثقافة الغربية ، وتسعى بوسائل متعددة للقيام بنفس الدور الثقافي الذي كانت بريطانيا تقوم به في مصر إبان الاحتلال البريطاني لمصر .
وقد استغلت تهديد النظام العراقي لدول الخليج بعد حرب الخليج الثانية ، كما تستغل الآن ما تطلق عليه (الحرب على الإرهاب الدولي ) بعد حوادث التفجير في 11سبتمبر ، لزيادة الاستلحاق السياسي بالغرب ، وذلك بهدف تحقيق أهداف الوجود الأمريكي في منطقة الخليج ، وهي :
1ـ ضمان أمن الكيان الصهيوني .
2 ـ السيطرة على حقول البترول ومنع تحويله إلى سلاح ضد الغرب .
3ـ إحداث أكبر قدر من التغريب الثقافي في المجتمعات الخليجية .
وتستعمل في سبيل تحقيق هذه الأهداف وسائل متعددة أهمها :
1ـ إبقاء النظام الإقليمي الخليجي في حاجة مستمرة إلى الحماية الغربية .
2ـ الحيلولة دون نجاح مشاريع الوحدة أو التقارب الخليجية .
3ـ تكثيف دور المؤثرات الإعلامية الثقافية الغربية على المجتمعات الخليجية .
4ـ تشجيع دور النخب الخليجية المتغربة للقيام بدور تحسين الأهداف الغربية و إلباسها لبوس المصالح المتبادلة ، والانفتاح الثقافي ، والتفاعل الحضاري .. إلخ .
دور العلماء و الحركة الاسلامية
وفي ظل هذه الأحوال العصيبة التي تمر بها منطقة الخليج ، فالواجب على العلماء والدعاة أن يرتبوا أولياتهم وفق المرحلة الراهنة بما يلي :
1ـ تشجيع عوامل التعاون بين مختلف فصائل الدعوة الإسلامية ورموزها وتوجيهها نحو التنسيق المستمر ، و تهميش الخلافات الجانبية ، لمواجهة الخطر المشترك .(/3)
2ـ التركيز على مواجهة الهجمة الإعلامية الغربية بهجمة مضادة شاملة تكشف عوارها وتلقي الضوء على مكامن الخطر فيها .
3ـ إشاعة مفاهيم الاعتزاز بالانتماء الإسلامي ، والتميز الثقافي المتمثل في تحكيم الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة ، والدفاع عن مفاهيم الولاء والبراء والجهاد والوحدة الإسلامية ، ومحاربة المفاهيم الغربية المضادة .
4ـ العمل على دفع مشاريع التقارب و الوحدة الخليجية باتجاه التنفيذ السريع بهدف تحقيق الاستقلال التام عن التبعية السياسية للأجنبي .
5ـ مد جسور التفاهم وبناء الثقة مع الأنظمة الحاكمة لمنع الصدام الداخلي الذي من شأنه أن يخدم أهداف الحملة الغربية ، مع المطالبة بتولي الأنظمة بالتعاون مع قيادات الحركة الإسلامية مسؤولية حماية الهوية والثقافة الإسلامية من محاولات الاستلاب الحضارية ، وذلك بوضع خطط شاملة لحماية التعليم الإسلامي ، والثقافة الإسلامية من أي تدخل أجنبي ، وزيادة مساحتها في المؤسسات الرسمية في دول الخليج .
6ـ المطالبة برفع الحظر عن حرية الكلمة الناقدة المسؤولة بل وتشجيعها ، وحماية الحقوق العامة ، ومنع الظلم والتعسف في استعمال السلطة
ولاريب أن جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء وقادة الحركة الإسلامية ورموزها ، تحتم عليهم التحرك السريع ، المنظم والمدروس لمقاومة خطط الهيمنة الغربية على الخليج ، والحيلولة دون بلوغها أهدافها .
قال الحق سبحانه ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أحمد وأبوداود من حديث أنس رضي الله عنه ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(/4)
تاريخ الارتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه ودور العلماء في مقاومته
بقلم : حامد بن عبد الله العلي
)ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) آل عمران 139ــ142
) يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) النساء72
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو وحده لاشريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
فهذا مقال خاص لموقع ( الإسلام اليوم ) الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ العلامة سلمان بن فهد العودة وفقه الله وجميع الاخوة القائمين على الموقع .
هدف المقال : إلقاء الضوء على تاريخ الارتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه ، وطبيعة المشهد الراهن ، والدور المتوقع من العلماء والحركة الإسلامية في ضوء ذلك كله .
ولنبدأ بنبذة نستذكر فيها التاريخ .
فجوة الانسحاب البريطاني من الخليج
بقيت بريطانيا طيلة 150 سنة متواصلة القوة السياسية والعسكرية الحاكمة التي تسير شؤون إقليم الخليج ، حتى انسحبت من إقليم الخليج كله عام 1971م ، واقترن بذلك ميلاد ثلاث دول جديدة هي البحرين والإمارات وقطر ، وحصول عمان على الاستقلال ، وهنا برز ما يسمى النظام الإقليمي الخليجي .
غير أن هذا الانسحاب البريطاني أدى إلى اهتمام القوتين العظميين بملء فراغ القوة الناتج عن الغياب البريطاني ، ولاسيما في ظل وجود الثروة النفطية التي جعلت النظام الخليجي عرضة للاحتواء والاختراق ، في وقت كانت دوله ما زالت في طور بناء نفسها ، بل لعل بعضها لم يبدأ بعد في تأسيس مؤسسات الدولة .
وقد نتج عن ذلك وقوع النظام الإقليمي الخليجي بين تأثير السيطرة من جانب القوى الدولية ، وانكفاء كل دولة على نفسها ساعية لتأسيس كياناتها الصغيرة ، وبناء مؤسساتها ، وظهرت مشاكل الحدود والخلافات الداخلية ، مما أضعف قدرتها على بناء أمنها الجماعي ذاتيا ، وأبقى هذا النظام الإقليمي عرضة للتدخلا ت الخارجية المستمرة ، إلى اليوم وفي المنظور القريب .
الولايات المتحدة تملأ الفراغ بمبدأ نيكسون :
كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول مرشح لمل ء الفراغ إثر الانسحاب البريطاني من الخليج ، لما بينها وبريطانيا من تحالف استراتيجي ، غير أن الولايات المتحدة آثرت أولا العمل بمبدأ نيكسون ، الذي أعلن في عام 1969م ، وقد أطلقه بعد أن عزمت بريطانيا على الانسحاب من الخليج قبل أن تنسحب فعليا ، وينطلق هذا المبدأ مما يسمى عملية ( الفتنمة ) أي تمكين الأنظمة الصديقة لتحمل على عاتقها دورا رئيسا في قمع المتمردين ، وتخفيف العبء على الولايات المتحدة الأمريكية ، كما انسحبت أمريكا من الحرب الفيتنامية لتدعم الحلفاء في سايغون وجعل الحرب بين طرفيها الفيتناميين في الشمال والجنوب دون تدخل عسكري أمريكي مباشر في تلك الحرب .
سياسة عدم التدخل المباشر :
وهكذا استقر الرأي الأمريكي على عدم الحلول كبديل مباشر لبريطانيا ، وارتكز هذا التوجه الجديد على مبدأ وضعه مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط (جوزيف سيسكو) واستند ذلك الإطار إلى بضعة مبادئ رئيسية أهمها :
1ـ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، وذلك للتخفيف من حساسية الرأي العام الأمريكي التي فجرتها الحرب الفيتنامية .
2ـ تقديم الدعم اللازم للدول الصديقة لتعزيز مجهوداتها في مجالات الأمن .
أول مواجهة مع الغرب :
غير أنه بعدما عايش هذا النظام الوليد ، أعني النظام الإقليمي للخليج ، الارتفاع المثير لاسعار النفط عام 1973م ، بعد أن اتخذت الدول العربية المصدرة للنفط ، قرارا بحظر النفط عن الدول الغربية التي ساندت ووقفت إلى جانب الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر 73م ، ثم اتخذت قرارا آخر بأن تخفض الدول العربية المصدرة للنفط إنتاجها بنسبة 5 بالمائة شهريا لتضغط أمريكا على الكيان الصهيوني ، لإجباره على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة .
ثم لما حدثت بعد ذلك عدة قفزات في أسعار النفط ، وأصبحت منظمة الدول الدول المصدرة للنفط أوبك هي الفاعل الرئيس في تسعير النفط ، مما أدخلها في صراع مع الشركات النفطية الاحتكارية الغربية ، ثم انتقل إلى صراع بين الدول المنتجة للنفط والدول الرأسمالية الغربية وعلى رأسها أمريكا .
دفع ذلك كله أمريكا إلى الانزعاج من هذه التطورات ، والنظر إلى الدول النفطية الصديقة في الخليج على أنها من مصادر تهديد مصالحها الحيوية النفطية .
تطورات عالمية تدفع الآلة العسكرية الامريكية إلى الخليج(/1)
ثم جاءت المرحلة التالية التي أعقبت قرارات الحظر النفطي ، وتمثلت في التطورات التي أخذت تضغط على صانع القرار الأمريكي للتخلي ولو جزئيا عن الحذر الأكثر من اللازم ـ كما وصف ـ بخصوص عدم التورط العسكري الأمريكي المباشر ، وضرورة التحرك لحماية المصالح الأمريكية النفطية التي تواجه تهديدات خطيرة إقليمية ومن الاتحاد السوفيتي .
فبعد سقوط نظام الشاه ، أصيبت أمريكا بخسائر جسيمة بفقدان نظام حليف ، والظهور في صورة عدم القدرة على حماية حلفاءها ، وكان ذلك في صالح الاتحاد السوفيتي الذي كان يأمل أن يؤدي سقوط نظام الشاه إلى إصابة أمريكا في مقتل ، بعد ذلك جاء التدخل السوفيتي في أفغانستان ، فضاعف من التخوف الأمريكي في الخليج .
إضافة إلى توالي تغيرات دولية صبت في مصلحة الاتحاد السوفيتي من باكستان إلى أثيوبيا ، حتى وصل الأمر إلى قيام نظام اليمن الجنوبي المؤيد للاتحاد السوفيتي ، وكذلك نظام منغستو هيلا مريام في أثيوبيا ، وامتلاك العراق زمام المبادرة للقيادة العربية والضغط على دول الخليج ضد مصر والسياسة الأمريكية عقب توقيع مصر اتفاقية مع الكيان الصهيوني ، وأيضا شهدت العلاقات العراقية السوفيتية تطورات إيجابية.
ولمواجهة هذه التطورات التي حدثت تباعا ، والتي تعدها الولايات المتحدة الأمريكية أخطارا جسيمة تهدد مصالحها الإستراتيجية بشكل مباشر ، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعدل من سياستها السابقة وأنماط علاقاتها الإقليمية وذلك بالعمل على جهتين :
الأولى : السعي لاعادة امتلاك السيطرة على القرار النفطي في السوق العالمية ، بل لقد تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع النفط العربي كملكية أمريكية مطلقة ، وقد عبر وليام سايمون وزير الخزانة الأمريكية آنذاك عن ذلك بقوله
Those people do not own oil thy only sit on it ، هؤلاء الناس لا يملكون النفط إنهم فقط يجلسون عليه ، كتاب (النفط والوحدة العربية ) عبدالفضيل ص 188
الثانية : التلويح بالتدخل العسكري المباشر لحماية أمن النفط ، ووصل الأمر إلى التهديد باحتلال آبار النفط العربية ، حتى قال الرئيس الأمريكي ( لايمكن السماح لاحد بإملاء القرارات ، وتقرير مصائر الدول من خلال استخدام النفط والتلاعب بأسعاره ) كتاب الدور الاستراتيجي لأمريكا في منطقة الخليج حتى منتصف الثمانينات ص 116 أحمد عبد الرزاق شكاره
وقال جيمس شليزنغر وزير الدفاع آنذاك ( إن الدول العربية تواجه مخاطر تنام في ضغوط الرأي العام الأمريكي باستخدام القوة ضدها إذا ما استمرت في حظر النفط ) أمن الخليج وتحديات الصراع الدولي ص 41
مبدأ كارتر
وقد أدت هذه التطورات إلى بلورة ما يسمى بمبدأ كارتر الذي ينص على : ( إن أية محاولة تقوم بها أية قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي ستعتبر عدوانا على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية وسوف تستخدم كل الوسائل الضرورية للرد عليها بما في ذلك القوة العسكرية ) قوة الانتشار السريع والتدخل العسكري الأمريكي في الخليج جيفري ريكورد ص 13 .
والمصالح الحيوية التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل العسكري لحمايتها من أي عدوان خارجي حددها وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون في خطاب له أمام مجلس العلاقات الخارجية بتاريخ 6/3/1980م ، بأنها تشمل ( تأمين الوصول إلى النفط ومقاومة التوسع السوفياتي ، وتدعيم الاستقرار في المنطقة ، ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط ، وضمان أمل إسرائيل ) الصراع على الخليج العربي ، النعيمي ص 71
في عهد بوش ، اوسع انتشار عسكري أمريكي في الخليج :
جاء بوش بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وبروز العراق قوة إقليمية ذات قدرات متطورة ، وتزامن مع انحسار الدور السوفيتي على مستوى دعم حركات التحرر في المنطقة ، فوضعت استراتيجية جديدة تبرر التدخل في الخليج تقوم على أمرين :
الأول : ضمان إمدادات النفط .
الثاني : مواجهة ما وصف بأية تهديدات إقليمية في المنطقة .
وأرسل بوش رسالة إلى مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في بغداد مايو 1990م ، وقد تضمنت تلك الرسالة المعالم التالية :
1ـ أن الولايات المتحدة الأمريكية لإنزال ملتزمة بالمحافظة على حرية الملاحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج
2ـ الولايات المتحدة تعمل أيضا على تأمين حرية تدفق النفط عبر مضيق هرمز وكذلك تأمين استقرار وأمن الدول الصديقة .
3ـ إننا نوى الاحتفاظ بوجودنا البحري في الخليج في المستقبل المنظور ، وهذا الوجود يلقى المساندة من أصدقائنا في المنطقة
4ـ أن وجودنا في الخليج لا يشكل تهديدا لأحد ويجب أن لايتنظر أي دولة من دول الخليج إلى هذا الوجود على أنه مصدر تهديد وسنشعر بالقلق إذا ما أدى أي قرار من قرارات قمة بغداد إلى تقليص وجودنا في الخليج أو تقليص المساندة التي نتلقاها لهذا الوجود جريدة القبس الكويتية 27/5/1990م(/2)
وفي عهد بوش استخدمت أمريكا لاول مرة القوة العسكرية ، ولكن تحت غطاء الأمم المتحدة ، لحماية مصالحها الاستراتيجية في الخليج ، وبذلك عززت وجودها العسكري ، وارتبط بمعاهدات أمنية ، وتكثف وانتشر بصورة كبيرة لم يسبق لها مثيل ، وقد كان ذلك فرصة تاريخية للولايات المتحدة الأمريكية للتفرد المطلق بالهيمنة على منطقة الخليج والاستفراد بها واستبعاد القوى العالمية عن التأثير ، وقد كان هذا يشكل هدفا استراتيجيا حيويا لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية ، ولم تزل تسعى لتحقيقه ، منذ انسحاب بريطانيا ، غير أنها لم تتوفر لها الفرصة المناسبة ، في ضوء الحرب الباردة ، وحقبة الصراع مع الاتحاد السوفيتي ، كما توفرت دراماتيكيا بعد انحسار قوة الاتحاد السوفيتي ، وقيام النظام العراقي بغزو الكويت.
عهد كلنتون والاحتواء المزدوج :
في عهد كلنتون ، وضعت إدارة الرئيس كلنتون مجموعة من السياسات المتكاملة فيما بينها للحفاظ على مصالح أمريكا الإستراتيجية في الخليج كما ذكرناها سابقا ، على ضوء فهم حديث لمصادر التهديد الجديدة في الخليج وتقوم على مبدأين :
1ـ إعطاء الأولوية لاستخدام القوة العسكرية .
2ـ الاحتواء المزدوج للعراق وإيران .
والهدف المباشر لهذه السياسة كما يوضحه عدد من الاستراتيجيين الأمريكيين هو أن للولايات المتحدة مصلحة كبرى في منع ظهور أية قوة تحمل نزعة سيطرة إقليمية في أي بقعة من العالم ، ولاسيما إذا كانت قوة قادرة على تهديد الاستقرار العالمي ـ أي خضوعة لزعامة أمريكا ـ عبر استخدام القوة .
وكان أول من استخدم هذا المصطلح ( الاحتواء المزدوج ) (مارتن إندك ) عندما كان يعمل مستشارا للأمن القومي لشؤون الشرق الأدنى في الولاية الأولى للرئيس كلنتون بجانب أنطوني ليك .
وقد اعتبر هذا المبدأ تغير حاسم عن سياسة توازن القوى التي سبق أن اعتمدت عليها واشنطن في عقدي السبعينات والثمانينات للحفاظ على المصالح الأمريكية ، وذلك بدعم الدولتين المتصارعتين تباعا ، أي دعم أحدهما لموازنة الأخرى مثل دعم إيران في عقد السبعينات ، ثم التحول إلى دعم الأخرى ضد الأولى مثل دعم العراق في سنوات الحرب العراقية الإيرانية ضد إيران .
عهد بوش الابن :
مما سبق يتبين أن الارتباط الغربي بالخليج مر بثلاث مراحل رئيسة :
المرحلة الأولى : الاحتلال البريطاني .
المرحلة الثانية : الانسحاب البريطاني ، واستبداله بالتدخل الأمريكي غير المباشر، دون أن تحظى أمريكا بالتفرد المطلق بالتأثير على الخليج .
المرحلة الثالثة : التفرد الأمريكي وتكثيف وجوده العسكري في الخليج .
وتبين أيضا أن اتجاه هذا الارتباط يتحول باضطراد إلى هيمنة شاملة ، وأن أمريكا غير عازمة على الانسحاب من المنطقة مطلقا ، بل إلى التطلع نحو تدخل أكثر في شؤون الخليج الداخلية ، ومما يعزز هذا الاستنتاج أن في عهد بوش الابن ، تبنت الإدارة الأمريكية لاول مرة المطالبة بل الضغط لتغيير المناهج التعليمية في الخليج ، والرقابة على أموال الجمعيات الخيرية ، وتقوم الإدارة الأمريكية بدور ثقافي مركز للتأثير على المجتمعات الخليجية ، ومن الأمثلة على ذلك إثارة موضوع حقوق المرأة الخليجية وحقوق الإنسان ، انطلاقا من النظرة الغربية ، وتكرار التلويح بضرورة التغيير نحو الديمقراطية الغربية في الخليج ... إلخ .
وتدعم الولايات المتحدة النخب الخليجية المتحمسة للثقافة الغربية ، وتسعى بوسائل متعددة للقيام بنفس الدور الثقافي الذي كانت بريطانيا تقوم به في مصر إبان الاحتلال البريطاني لمصر .
وقد استغلت تهديد النظام العراقي لدول الخليج بعد حرب الخليج الثانية ، كما تستغل الآن ما تطلق عليه (الحرب على الإرهاب الدولي ) بعد حوادث التفجير في 11سبتمبر ، لزيادة الاستلحاق السياسي بالغرب ، وذلك بهدف تحقيق أهداف الوجود الأمريكي في منطقة الخليج ، وهي :
1ـ ضمان أمن الكيان الصهيوني .
2 ـ السيطرة على حقول البترول ومنع تحويله إلى سلاح ضد الغرب .
3ـ إحداث أكبر قدر من التغريب الثقافي في المجتمعات الخليجية .
وتستعمل في سبيل تحقيق هذه الأهداف وسائل متعددة أهمها :
1ـ إبقاء النظام الإقليمي الخليجي في حاجة مستمرة إلى الحماية الغربية .
2ـ الحيلولة دون نجاح مشاريع الوحدة أو التقارب الخليجية .
3ـ تكثيف دور المؤثرات الإعلامية الثقافية الغربية على المجتمعات الخليجية .
4ـ تشجيع دور النخب الخليجية المتغربة للقيام بدور تحسين الأهداف الغربية و إلباسها لبوس المصالح المتبادلة ، والانفتاح الثقافي ، والتفاعل الحضاري .. إلخ .
دور العلماء و الحركة الاسلامية
وفي ظل هذه الأحوال العصيبة التي تمر بها منطقة الخليج ، فالواجب على العلماء والدعاة أن يرتبوا أولياتهم وفق المرحلة الراهنة بما يلي :
1ـ تشجيع عوامل التعاون بين مختلف فصائل الدعوة الإسلامية ورموزها وتوجيهها نحو التنسيق المستمر ، و تهميش الخلافات الجانبية ، لمواجهة الخطر المشترك .(/3)
2ـ التركيز على مواجهة الهجمة الإعلامية الغربية بهجمة مضادة شاملة تكشف عوارها وتلقي الضوء على مكامن الخطر فيها .
3ـ إشاعة مفاهيم الاعتزاز بالانتماء الإسلامي ، والتميز الثقافي المتمثل في تحكيم الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة ، والدفاع عن مفاهيم الولاء والبراء والجهاد والوحدة الإسلامية ، ومحاربة المفاهيم الغربية المضادة .
4ـ العمل على دفع مشاريع التقارب و الوحدة الخليجية باتجاه التنفيذ السريع بهدف تحقيق الاستقلال التام عن التبعية السياسية للأجنبي .
5ـ مد جسور التفاهم وبناء الثقة مع الأنظمة الحاكمة لمنع الصدام الداخلي الذي من شأنه أن يخدم أهداف الحملة الغربية ، مع المطالبة بتولي الأنظمة بالتعاون مع قيادات الحركة الإسلامية مسؤولية حماية الهوية والثقافة الإسلامية من محاولات الاستلاب الحضارية ، وذلك بوضع خطط شاملة لحماية التعليم الإسلامي ، والثقافة الإسلامية من أي تدخل أجنبي ، وزيادة مساحتها في المؤسسات الرسمية في دول الخليج .
6ـ المطالبة برفع الحظر عن حرية الكلمة الناقدة المسؤولة بل وتشجيعها ، وحماية الحقوق العامة ، ومنع الظلم والتعسف في استعمال السلطة
ولاريب أن جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء وقادة الحركة الإسلامية ورموزها ، تحتم عليهم التحرك السريع ، المنظم والمدروس لمقاومة خطط الهيمنة الغربية على الخليج ، والحيلولة دون بلوغها أهدافها .
قال الحق سبحانه ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أحمد وأبوداود من حديث أنس رضي الله عنه ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(/4)
تاريخ السنة
تعريف السنة و بيان أقسامها:
السنة في اللغة: هي السيرة المتبعة, و الطريقة المسلوكة, و هي الأنموذج الذي يحتذى و المثال الذي يقتدى. و تطلق هذه الكلمة أيضا بمعنى البيان حيث يقال سن الأمر أي بينه, و أيضا بمعنى ابتداء الأمر.
السنة في الاصطلاح: عند المحدثين: "كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير أو سيرة أو صفة خلقية أو خلقية, سواء أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها".
عند الأصوليين: "ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير".
عند الفقهاء: "ما دل عليه الشرع من غير افتراض و لا و جوب" أو "ما يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه".
عند علماء العقيدة: تطلق السنة عند علماء العقيدة على هدي النبي صلى الله عليه و سلم في أصول الدين, و ما كان عليه من العلم و العمل و الهدى, و ما شرعه أو أقره مقابل البدع و المحدثات في الدين. و قد تطلق السنة أيضا بمعنى الدين كله.
أقسام السنة من حيث الوحي بها: تنقسم السنة بهذا الاعتبار إلى قسمين مؤداهما واحد, و هو أن السنة وحي من الله تعالى يجب اتباعها كما يجب اتباع القرآن, و القسم الأول منها هو:
1) ما صدر عن النبي بقصد التبليغ عن الله عز و جل و هو نوعان:
أ – وحي باللفظ و هو القرآن
ب – وحي بالمعنى و هو السنة
2) ما صدر عن النبي بغير قصد التبليغ, و هو نوعان أيضا:
أ – إما أن يوافقه عليه الوحي فيلحق بالقسم الثاني و يأخذ حكمه و يكون بمنزلة الوحي.
ب – و إما أن لا يقره عليه الوحي فنعمل بالبديل الموحى به.
أما بالنسبة للقسم الأول, و هو ما قصد به التبليغ عن الله عز و جل, فهو وحي قطعا معصوم عن الخطأ و السهو فيه, سواء أكان وحي باللفظ و هو القرآن أو وحي بالمعنى و هي السنة المطهرة. و هذا القسم هو معظم السنة, و قد نزل به الوحي على النبي صلى الله عليه و سلم كما نزل القرآن, إلا أن القرآن نزل بلفظ معجز متعبد بتلاوته, و أما السنة فهي وحي بالمعنى دون اللفظ. و نذكر فيما يلي بعضا من الأدلة الكثيرة على أن السنة وحي كالقرآن الكريم:
فمن القرآن الكريم:
- قال تعالى: "و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" (النجم: 3-4), و قد نص أهل العلم على أن ذلك يشمل السنة أيضا.
- و قال: "إن أتبع إلا ما يوحى إلي" (يونس: 15), أي من القرآن و السنة.
- و قوله تعالى: "من يطع الرسول فقد أطاع الله" (النساء: 80), و ذلك لأن السنة وحي من الله عز و جل.
و من السنة:
- قوله صلى الله عليه و سلم: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني, و هو متكئ على أريكته فيقول بيننا و بينكم كتاب الله, فما وجدناه من حلال استحللناه و ما وجدنا فيه حراما حرمناه, و إن ما حرم رسول الله كما حرم الله" (سنن الترمذي, كتاب العلم, 5/38). فقد حذر النبي عليه الصلاة و السلام من ذلك, و قال أن ما يحرم رسول الله كما يحرم الله, و هذا يدل على أن السنة وحي من عند الله.
و غيرها الكثير من الأحاديث و أقوال العلماء.
و بالنسبة للقسم الثاني من السنة, و هو ما صدر عنه صلى الله عليه و سلم بغير قصد التبليغ, فيشمل هذا القسم اجتهاده صلى الله عليه و سلم و ما صدر عنه ابتداء من غير سابق وحي. و كما ذكرنا سابقا, ينقسم هذا القسم إلى نوعين. إما أن يوافقه عليه الوحي و يقره عليه فيصبح حينئذ بمنزلة الوحي و في حكمه من حيث الحجية و الاعتبار و وجوب العمل به. و تعرف الموافقة و الإقرار لهذا النوع من السنة بعدم تعقيب الوحي عليه بالمخالفة و عدم الإنكار عليه و عدم نزول حكم يناقضه. و ذلك لأنه إذا كان ما صدر مخالف لمراد الله عز و جل لما تركه الوحي بلا تعقيب. و نعلم ذلك لأن الوحي جاء بالتعقيب على ما كان خلاف الأولى, و نعلمه بيقيننا أنه لا يقر على ما لا يرضاه الله, كما قال تعالى: "و لو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين" (الحاقة: 44-48). و أما النوع الثاني, فهو أن لا يقره الوحي و أن ينبه إلى الأولى و يأمر باتباعه. و في هذه الحالة, وجب العمل بالبديل الموحى به. وبهذا يتبين أن جميع ما صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من السنة بقصد التبليغ فهو وحي من عند الله عز و جل, و أن ما صدر عنه عليه الصلاة و السلام بغير قصد التبليغ و أقره الوحي عليه فإنه بمنزلة الوحي و له حكمه. و بهذا يتبين أن السنة حجة على العباد يلزمهم العمل بمقتضاها.
أقسام السنة من حيث صدورها عن النبي صلى الله عليه و سلم:
1) السنة القولية: و هي كل كلام صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من لفظه. و تتضمن السنة القولية أيضا الأحاديث القدسية, و هي الأحاديث التي أسندها الرسول عليه الصلاة و السلام إلى الله عز و جل.
2) السنة الفعلية: و تشمل كل ما نقل إلينا من أفعال النبي صلى الله عليه و سلم في كل أحواله.(/1)
3) السنة التقريرية: و هي أن يحدث أمر أو يقال قول في زمن النبي عليه الصلاة و السلام في حضرته و مشاهدته أو في غيبته ثم ينقل إليه فيقره النبي صلى الله عليه و سلم إما بالسكوت و عدم الإنكار أو بالموافقة و الاستحسان.
4) السنة الوصفية: و هي تشمل نوعان: الصفات الخلقية: و هي ما جبله الله عليه من الأخلاق الحميدة و ما فطره عليه من الشمائل العالية المجيدة و ما حباه به من الشيم النبيلة. و أما النوع الثاني فهو الصفات الخلقية: و تشمل هيأته صلى الله عليه و سلم التي خلقه الله عليها و أوصافه الجسمية.
السنة في العهد النبوي:
1) شخصية الرسول صلى الله عليه و سلم: إن النبي صلى الله عليه و سلم كان الأنموذج الأعلى في التربية و التعليم, و ذلك بأنه عليه الصلاة و السلام كان يعلم بالرفق و اللين و يبتعد عن الشدة و التعنيف, و كان يعلم بالتيسير و التبشير و يتجنب التنفير و التعسير. و كان أيضا متجاوبا تجاوبا كاملا مع دعوته, فقد كان يعيش لدعوته و معها و لا يشغله شاغل غيرها, و كان يقضي كل وقته في خدمتها. و قد تحمل عليه الصلاة و السلام كل أنواع الأذى و المعاناة بكل صبر و شموخ و عزة. و كان صلى الله عليه و سلم يحض على طلب العلم, و من ذلك قوله "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (أخرجه ابن ماجة 1/80 ح 244).
و قد بين النبي صلى الله عليه و سلم منزلة المعلمين و المتعلمين, ذلك بأن العلم يحيي الله به القلوب و أنه يحرسك و يحميك بإذن الله. و قد أوصى صلى الله عليه و سلم بطالب العلم خيرا, و أمر بمساعدته على ما هو بصدده من الرغبة في التفقه في الدين. و أما منهجه صلى الله عليه و سلم في نشر سنته, فيمكن أن يلخص في الأمور التالية:
أ- اتخاذ مقر للدعوة و التعليم
ب – التدرج في الدعوة و تبليغ الشرع
ج – عدم المداومة على التعليم خشية الملل
د – مخاطبة الناس على قدر عقولهم
هـ - مخاطبة الناس بلهجاتهم
و – تكرار الحديث ليتأكد من بلوغه للسامع و فهمه له
ز – استخدام جواب الحكيم, و ذلك بالإجابة على السائل بأكثر من مرمى سؤاله لزيادة الفائدة
ح – توخي منهج التيسير و الرحمة و البعد عن التعسير و الشدة
ط – الرحمة و التواضع
ي – الحض على سماع حديثه
ك – تخصيص دروس للنساء
2) مادة السنة المطهرة: بعد أن كان الناس في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم يعيشون في ظلمة الجاهلية, جاء الإسلام و السنة المطهرة بما فيهما من العدل و الحق و الإحسان, فأدرك الناس حقيقة هذه النعمة و قدروها و تسابقوا في الالتزام بهذا الدين. و كانت مادة السنة المطهرة شاملة لكل جوانب الحياة, فأصبحت بديلا حقيقيا للصحابة في كل أمور حياتهم.
3) منهج الصحابة في تلقي السنة: نستطيع أن نلخص هذا المنهج في العناوين التالية:
أ – اعتقاد الصحابة أن السنة هي سبيل النجاة.
ب – ملازمة النبي صلى الله عليه و سلم في مجالسه العلمية و سائر أحواله.
ج – التكافل العلمي بين الصحابة.
د – مذاكرة الحديث لتثبيت حفظه.
هـ - الوفود على النبي صلى الله عليه و سلم بغرض التعلم.
و – الموازنة بين العلم و العمل.
ز – حفظ السنة عن طريق كتابتها.
4) عوامل انتشار السنة في العهد النبوي:
أ – التوفيق الإلهي و الإرادة الربانية.
ب – نشاط النبي صلى الله عليه و سلم في تشر سنته.
ج – طبيعة الإسلام من حيث هو نظام جديد, و بديل كامل لما كان عليه الناس في الجاهلية.
د – نشاط الصحابة في تشر السنة.
هـ - دور أمهات المؤمنين في نشر السنة.
و – رسل النبي صلى الله عليه و سلم و بعوثه و ولاته في الآفاق.
ز – فتح مكة.
ح – حجة الوداع.
ط – الوفود آخر حياة النبي صلى الله عليه و سلم.
السنة في عصر الصحابة و التابعين:
لقد كان الصحابة و التابعين متمسكين بالسنة, حيث كانوا المثل الأعلى في حسن الإقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم, و كان هذا الإقتداء في السراء و الضراء و في السلم و الحرب و في جميع أمور حياتهم. و أما بالنسبة للمنهج الذي اتبعه الصحابة و التابعين في رواية السنة و حمايتها, فيلخص في الأمور التالية:
أ – الاحتياط في رواية الحديث حرصا على صيانته.
ب – الإقلال من الرواية حماية للسنة.
ج – الإكثار من الرواية للمتقن المحتاج إلى علمه.
د – التثبت في قبول الحديث.
هـ - نقد المرويات.
و - الاحتياط في أداء الحديث بلفظه.
ز – و أما بالنسبة للتابعين, فقد اتبعوا منهج الصحابة في محبة السنة و طلبها و حمايتها و مذاكرتها, و وضعوا ضوابط لصيانة السنة عندما ظهرت الفتن.
منهج الصحابة و التابعين في التعليم:
1) العناية بالناشئة.
2) مراعاة أحوال المحدثين.
3) تحري أهلية السامع.
4) طلب القرآن أولا ثم السنة.
5) البعد عن الغريب و المنكر من الحديث.
6) التنويع و الاختصار دفعا للملل.
7) توقير الحديث بالاستعداد لمجالسه.
8) الانضباط في حضور مجالس التحديث.
9) مذاكرة الحديث.
انتشار السنة في هذا العصر:(/2)
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم, كان الصحابة هم قادة جيوش الفتح, و كانوا كلما دخلوا بلدا بنوا فيه المساجد, و أقام في ذلك البلد بعضهم لتعليم المسلمين و لنشر الدعوة لمن لم يسلم. و كان الخلفاء يبعثون العلماء إلى جميع البلاد لنشر الإسلام. كل هذه العوامل ساهمت في انتشار السنة في هذا العصر, و حولت مدن الإسلام الرئيسية إلى مراكز للعلم, و منها المدينة المنورة, و مكة المكرمة, و الكوفة, و البصرة, و الشام, و مصر, و الأندلس و غيرها من المدن و البلدان.
الرحلة في طلب الحديث:
كما ذكرنا سابقا, كان الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم قد انتشروا في مختلف البلاد لفتحها و لنشر الإسلام و للدعوة إلى الله. و لذلك, فكان السبيل الوحيد لتحصيل العلم من هؤلاء الصحابة, و لجمع الأحاديث المنتشرة في مختلف البلاد هو الرحلة في طلب الحديث. و كان الصحابة هم أول من سن الرحلة في طلب الحديث, ثم تبعهم في ذلك جيل التابعين, و أصبحت بعد ذلك أدبا ملازما للمحدثين على مر العصور.
ثمرات الرحلة في طلب الحديث:
1) تحصيل الحديث.
2) نشر الحديث و إشاعة روايته.
3) طلب علو الإسناد.
4) تعدد طرق الحديث.
5) انتشار المصنفات الحديثية في الأمصار.
6) البحث عن أحوال رواة الحديث.
7) معرفة معايير نقد الحديث.
8) معرفة فقه الحديث.
كتابة السنة:
لما جاء الإسلام, اقتضت طبيعة هذه الرسالة الجديدة أن يكثر عدد المتعلمون من بين العرب, و أصبحت المساجد و الكتاتيب أماكن لتعلم القراءة و الكتابة. و زاد عدد كتاب الرسول صلى الله عليه و سلم على ستين رجلا. و كان هؤلاء يكتبون الوحي و الرسائل و العهود و غيرها من الوثائق. و لذلك, فقد كتب بعض السنة, و هي معاهدات و مراسلات النبي صلى الله عليه و سلم بأمره عليه الصلاة و السلام, و كتب بعض السنة بجهود فردية من الصحابة و هي أحاديث الرسول الأخرى.
أحاديث النهي عن كتابة السنة:
صح في ذلك حديث واحد و هو قوله صلى الله عليه و سلم "لا تكتبوا عني, و من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه" و زاد في رواية: "و حدثوا عني و لا حرج, و من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار". (صحيح مسلم 8/229, تقييد العلم 29 – 32).
أحاديث الإذن و الأمر بكتابة السنة:
صحت أحاديث كثيرة في الإذن و الأمر بكتابة السنة, و منها:
1) قوله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع: "اكتبوا عني لأبي شاه" (البخاري من الفتح 1/279 ح 113). و كون هذا الأمر بالكتابة في حجة الوداع يؤكد أن آخر الأمرين كان الإذن بالكتابة.
2) قوله صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو مشيرا بإصبعه إلى فمه: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق" (أخرجه الإمام أحمد 2/205, و أبو داوود 3/318, و الدرامي 1/125, و هو صحيح الإسناد, و انظر تقييد العلم 82).
الجمع بين أحاديث النهي و أحاديث الأمر و الإذن بكتابة السنة:
للعلماء في الجمع بين أحاديث الأمر بكتابة السنة و أحاديث كراهة ذلك أقوال كثيرة, منها ما يلي:
1) أن أحاديث الأمر بكتابة السنة قد نسخت أحاديث النهي عن كتابتها, و ذلك لأن النهي كان في أول الإسلام خشية اختلاط الحديث بالقرآن.
2) أن النهي عن الكتابة كان لمن لم يخش عليه النسيان و كان حفظه قويا حتى لا يتكل على الكتابة و يترك الحفظ, و أما من كان حفظه ضعيفا و أمن ضبطه للكتابة, فقد أذن له أن يكتب.
3) أن النهي كان خاصا بكتابة القرآن و الحديث في صحيفة واحدة خشية اختلاطهما.
4) أن النهي كان خاصا لوقت نزول القرآن و كتابته, و أما في غير هذا الوقت فقد أذن بالكتابة.
5) أن النهي كان خاصا بمن لا يحسن الكتابة خشية أن يخطأ, و أما الإذن فكان لمن يتقن الكتابة.
6) أن النهي عن كتابة الأحاديث كان خاصا بكتبة القرآن الذين كلفهم بذلك الرسول صلى الله عليه و سلم, و الإذن بالكتابة لغيرهم من الناس.
و قد استقر الأمر في هذا الموضوع على إجماع أهل العلم على كتابة السنة, كما نقل ذلك الخطيب البغدادي و الحافظ ابن صلاح و غيرهما.(/3)
و من أهم ما كتب من السنة في العهد النبوي هي كتب النبي إلى الملوك و الحكام في عصره, و إلى القبائل داعيا إياهم إلى الإسلام, و إلى الولاة و القضاة و عمال الزكاة لتوجيههم في عملهم, و جملة من المعاهدات و المواثيق و الاتفاقيات, و العقود و غيرها و كانت كل هذه كتبت بأمر الرسول صلى الله عليه و سلم. و أما ما كتبه الصحابة في عهد النبي بغرض الحفظ أو الإفادة بها, فمها الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص و قد اشتملت على ألف حديث. و منها أيضا كتب سعد بن عبادة, و كتاب معاذ بن جبل, و كتاب أبي رافع, و صحيفة علي ابن أبي طالب, و صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري. و في كل هذه النماذج من السنة التي كتبت في عهد النبي صلى الله عليه و سلم رد على المستشرقين و أتباعهم في زعمهم أن السنة تأخرت كتابتها, خاصة أن كثيرا من هذه المدونات المبكرة محفوظة في أمهات كتب السنة, و كتب المغازي و السير و التاريخ.
تدوين السنة:
لم تكن السنة في عصر الصحابة و كبار التابعين مدونة في كتب مبوبة. فكان كل ما كتب من السنة قد كتب بجهود فردية من الصحابة و طلابهم, و كان كل ذلك منتشرا بين الصحابة و لم يكن مجموعا أو مرتبا. و من المعلوم أيضا أن الرواية الشفوية و حفظ الصدر كانت هي الطريقة الأكثر اعتمادا في القرن الأول للهجرة. و في تلك الفترة لم تكن هناك حاجة للتدوين العام للسنة, فقد كان الصحابة متوافرون و كان الحديث محفوظ بإتقان. ولما خيف على الحديث أن يندرس و يذهب بذهاب حفاظه, ظهرت الحاجة لتدوينه. و قد مر التدوين الرسمي للسنة بثلاثة مراحل و هي:
المرحلة الأولى:
طرحت فكرة التدوين في عهد عمر رضي الله عنه, و لكنه ترك هذه الفكرة بعد استخارة دامت شهرا. و كان موضوع جمع القرآن قد أخذ الأولوية و شغل الخلفاء الثلاثة حتى تم في عهد عثمان رضي الله عنه.
المرحلة الثانية:
تمثلت المرحلة الثانية من التدوين الرسمي للسنة فيما قام به أمير مصر عبد العزيز بن مروان. فقد كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي قائلا له أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحاديثهم, إلا حديث أبي هريرة لأنه كان مكتوبا عنده. و كان كثير بن مرة الحضرمي قد أدرك سبعين بدريا من الصحابة. و حصل هذا التدوين في العقد الثامن بعد الهجرة.
المرحلة الثالثة:
أما ثالث مرحلة للتدوين الرسمي, فقد كانت على يد عمر بن عبد العزيز, الخليفة الراشد الخامس. و قد امتازت هذه المرحلة بالخصائص التالية:
أ – استنفار علماء الأمة لنشر و تدوين السنة. فقد أرسل عمر بن عبد العزيز إلى جميع ولاته و أمرهم بأن يبعثوا إليه بأحاديث رسول الله لجمعها, و أيضا أرسل إلى أهل المدينة و إلى غيرهم بنفس الأمر.
ب – فحص المادة المدونة. فقد كلف عمر بن عبد العزيز كبار حفاظ التابعين لتدوين السنة, و كان يذكرهم بضرورة التمحيص و التحري و التثبت, و كان أيضا يجتمع بهم لمراجعة المادة المدونة و لمناقشتهم فيها للتأكد من سلامتها.
ج – تشر المادة المدونة في آفاق بلاد الإسلام. عندما دونت السنة و فحصت, أمر عمر بن عبد العزيز بنسخها و إرسالها إلى كافة البلاد الإسلامية.
و أما بعد التدوين الرسمي للسنة, فقد تتالت جهود العلماء في التدوين و في تصنيف و ترتيب السنة, فرتبوا الأحاديث على أبواب الفقه و جمعها في كتب و بدأ ظهور المصنفات في هذه الفترة.
و لكن رغم كل هذه الحقائق العلمية التي تثبت أن تدوين السنة جاء مبكرا قبل نهاية القرن الأول من الإسلام, فإن كثيرا من المستشرقين يحاولون التشكيك في هذه الحقائق. و من شبهات هؤلاء المستشرقين:
أ- أن تدوين السنة تأخر إلى القرن الثاني, أو حتى القرن الثالث و يهدفون من هذا القول إلى إضعاف الثقة في السنة. و بطلان هذا القول واضح من الأدلة التي ذكرت سابقا من أن السنة كانت تكتب حتى في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم.
ب – التهوين من شأن الحفظ و الرواية الشفوية. و لكن الصحيح أن الرواية الشفوية المنضبطة أحكم و أدق من الكتابة, فإنه من المعلوم أن الكتابة دون الحفظ من حيث القوة, و أننا نتقن ما نحفظه عن ظهر قلب أكثر مما نكتبه. و قد أجمع المحدثون على أن الرواية المأخوذة عن حفظ أقوى درجة من الرواية المكتوبة. و هذا يتأكد وضوحا بالنسبة للعرب لما اشتهروا به من قوة الحافظة.
أنواع التصنيف في السنة:
1) الكتب المصنفة على الأبواب:
في هذه الكتب تجمع الأحاديث في الموضوع الواحد تحت عنوان واحد يسمى "كتاب". و تحت كل كتاب تقسم الأحاديث إلى أبواب, و لهذه الأبواب عناوين تسمى "تراجم الأبواب". و هذه الطريقة في التصنيف تساعد القارئ على أن يجد الأحاديث المتعلقة بموضوع ما. و للتصنيف على الأبواب طرق متعددة, أهمها:(/4)
أ- الجوامع: و هو كتاب الحديث المرتب على أبواب مع شموله جميع موضوعات الدين الأساسية و هي: العقائد, و الأحكام, و السير, و الآداب, والتفسير, و الفتن, و أشراط الساعة, والمناقب. و من أشهر الجوامع: الجامع الصحيح للبخاري, و الجامع الصحيح لمسلم و غيرهما. و فيما يلي تعريف بصحيحي بخاري و مسلم.
صحيح البخاري:
عنوان الكتاب: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه و سلم و سننه و أيامه".
مؤلفه: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 – 256). بدأ حفظ الحديث دون سن العاشرة, و رحل في طلبه و هو ابن ستة عشر عاما, و تلقى الناس عنه و هو دون الثامنة عشر. دخل مكة و المدينة و العراق و الشام و مصر, و سمع من أكثر من ألف شيخ, و جمع نحو ستمائة ألف حديث.
التعريف بالجامع الصحيح: هو أول كتاب ألف في الصحيح المجرد. لبث في تصنيفه ستة عشر عاما. و بعد أن انتهى منه عرضه على علماء عصره فوافقوه على صحة أحاديثه عدا أربعة أحاديث اختلفت وجهات نظرهم فيها. و قال المحققون من أهل العلم أن الصواب في ذلك إلى جانب الإمام البخاري, فكل ما في كتابه صحيح. و كان البخاري يشترط في الصحيح على أن يكون كل راو في سند الحديث قد عاصر شيخه و ثبت أنه لقيه و لو مرة واحدة, بالإضافة إلى العدالة و الضبط و السلامة من الشذوذ و السلامة من العلة القادحة. و لم يستوعب هذا الكتاب كل الحديث الصحيح.
عدد أحاديثه: تعداد محمد فؤاد عبد الباقي كما في الطبعة السلفية: 7563 حديثا مسندا بالمكرر, و بغير المكرر 2607. أما المعلقات فقد بلغت 1341, كثير منها موصول في موضع آخر من الكتاب, و قد أورد البخاري المعلقات لفوائد إضافية, و هي ليست من غرض كتابه.
ترتيبه العام: يحتوى على 97 كتابا, و قد قسم كل كتاب إلى جملة من الأبواب بلغن في مجموعها 3405, و عنون لكل باب بترجمة دقيقة تلائم محتواه.
ما فيه من تكرار: كثيرا ما يكرر البخاري الحديث الواحد في عدة مواضع أو يقطعه إلى أجزاء حسب ما يتضمنه الحديث من أحكام في مواضيع مختلفة.
خدمة الكتاب: أهم شروحه: فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852).
صحيح مسلم:
عنوان الكتاب: "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم".
مؤلفه: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القرشي النيسابوري (204-261). بدأ سماع الحديث في الثانية عشر من عمره, و رحل في طلبه في الرابعة عشرة. سمع بمكة, و المدينة, و خراسان, و الري, و العراق, و الشام, و مصر و غيرها, و قد زاد عدد شيوخه على المائتين.
التعريف بالجامع الصحيح: هو ثاني كتاب ألف في الصحيح المجرد بعد صحيح البخاري, و بقي في تأليفه خمس عشرة سنة. و بعد أن أكمل تأليفه عرضه على أئمة الحديث في عصره, و لم يترك فيه إلا الأحاديث التي اجتمعت كلمتهم على صحتها. و قد اشترط مسلم في كتابه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل ثقة عن ثقة من أوله إلى منتهاه, سالما من الشذوذ و العلة. و شرط في العنعنة ثبوت المعاصرة مع ثقة الراوي و عدم تدليسه. و هو مثل البخاري لم يستوعب كل الصحيح في كتابه و لا ادعى ذلك.
عدد أحاديثه: تعداد محمد فؤاد عبد الباقي: 3033 دون المكرر.
ترتيبه العام: يحتوى على 54 كتابا, و لم يضع تراجم للأبواب مع أنه رتب الأحاديث بحسب موضوعاتها, و قد قام بذلك بعض العلماء باجتهادهم.
خدمة الكتاب: أهم شروحه: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج المعروف بشرح صحيح مسلم للإمام النووي.
ب - السنن: و هي الكتب الحديثية المرتبة على الأبواب الفقهية و لا تشتمل إلا على الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم غالبا. و منها: سنن أبي داوود, و سنن الترمذي, و سنن النسائي, و سنن ابن ماجة و غيرها.
ج – المصنفات: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية, مع اشتماله على المرفوع و الموقوف على الصحابة و المقطوع عن التابعين من أقوال و فتاوى, بل قد يتضمن بعض فتاوى أتباع التابعين أحيانا.
د – المستدركات: هو الكتاب الذي جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي استدركها على كتاب آخر مما فاته على شرطه, و أشهرها: المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405).
هـ - المستخرجات: هو أن يأتي المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديثه بأسانيد من غير طريق صاحب الكتاب الأصل, فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه و لو في الصحابي.
و – الموطآت: هو مثل الصنف و إن اختلفت التسمية, فهو الكتاب المصنف على الأبواب الفقهية مع اشتماله على المرفوع و الموقوف المقطوع. أهما: موطأ الإمام مالك (ت179).
2) الكتب المرتبة على أسماء الصحابة:
و هي الكتب التي تجمع أحاديث كل صحابي في موضع واحد يحمل اسم ذلك الصحابي. و هي نوعان:(/5)
أ – المسانيد: وهي الكتب التي تذكر فيها الأحاديث مرتبة تحت أسماء رواتها من الصحابة. و يتم ترتيب أسماء الصحابة إما على حروف المعجم, أو بحسب السبق إلى الإسلام, أو بحسب البلدان و نحو ذلك. و من أشهرها مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت241).
ب – كتب الأطراف: تقتصر هذه الكتب على ذكر طرف الحديث الدال عليه, ثم ذكر أسانيده في المصادر التي ترويه بالإسناد, فلا يلتزم في هذه الكتب بذكر كامل متن الحديث.
3) المعاجم:
و هي الكتب التي تذكر فيها الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان, و يغلب أن ترتب على حروف المعجم.
4) الكتب المرتبة على أوائل الحديث:
رتبت الأحاديث في هذه الكتب على حروف المعجم بحسب أول حرف من متن الحديث, و هي بذلك تيسر على الباحث العثور على الحديث فيها إذا تأكد من أول لفظه.
5) المجامع (المصنفات الجامعة):
هي مصنفات يعنى فيها بجمع أحاديث عدة كتب من مصادر الحديث و هي نوعان:
أ – المجامع المرتبة على الأبواب
ب – المجامع المرتبة على أوائل الحديث وفق حروف المعجم.
6) مصنفات الزوائد:
و هي الكتب التي يجمع فيها مؤلفوها ما زاد في بعض الكتب من الأحاديث عن أحاديث كتب أخرى, دون أيراد الأحاديث المشتركة بين المجموعتين.
7) كتب التخريج:
يعنى في هذه الكتب بعزو أحاديث مصنف معين إلى مصادره الأصلية من كتب السنة مع بيان درجاتها عند الحاجة.
8) الأجزاء الحديثية:
و هو الكتيب الذي يشتمل على أحد أمرين:
أ – جمع الأحاديث المروية عن واحد من الصحابة أو من بعدهم.
ب – جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد على سبيل البسط.
9) المشيخات:
و تسمى أيضا: الأثبات, و البرامج, و الفهارس, و هي كتب يجمع فيها المحدثون أسماء شيوخهم و ما رووه عنهم من الأحاديث أو تلقوه عنهم من الكتب.
10) كتب العلل:
يعنى فيها بجمع الأحاديث التي بها من الآفات ما يقدح في قبولها, مع بيان عللها بالكلام على متعلقاتها سندا و متنا.
جهود العلماء في مقاومة الوضع:
نشأة الوضع:
بعد أن كانت السنة صافية نقية في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدين, اندس في الأمة أهل المصالح و الأهواء و الزنادقة و الحاقدون على الإسلام. و بعد أن تسببوا في الفتنة الكبرى التي انتهت بمقتل عثمان رضي الله عنه و ما لحق ذلك من حروب فرقت وحدة الأمة, ظهرت الفرق و التحزبات, و سعى أهل كل فرقة لنصرة آراءهم, فوضعوا الأحاديث لتأييد آراءهم. و بهذا نشأ وضع الحديث, فوضعت الأحاديث في فضائل الأشخاص و البلدان و غيرها. و تجب الإشارة هنا إلى براءة الصحابة من جريمة وضع الحديث, و هذا الأمر يؤكد بمعرفة أن عدالة الصحابة نزل بها الوحي.
أسباب الوضع:
1) الخلافات السياسية و نصرة الفرق والأحزاب: و كانت فرقة الشيعة أسبق الفرق إلى الوضع و أكثرها جرأة عليه. و أما الخوارج, فهم أقل الفرق كذبا لاعتقادهم بكفر مرتكب الكبيرة. و من الفرق الأخرى التي وضعت الأحاديث لنصرة أفكارها: القدرية, و المرجئة و غيرهم.
2) الزندقة و معاداة الإسلام و قصد تشويهه: الزنادقة هم الذين يبطنون الكفر و يظهرون الإسلام, و أغلبهم ينتمون إلى أمم انتصر عليها المسلمون, فحقدوا على الإسلام و حاولوا محاربته من الداخل بوضع الحديث.
3) التعصب للجنس أو البلد أو المذهب: فقد حمل التعصب بعض الجهال و العوام إلى أن يضعوا الأحاديث في فضل ما ينتمون إليه (سواء أكان ذلك بلدا أو مذهبا أو غيره).
4) الترغيب في الخير و الترهيب من الشر: حمل الجهل الفادح بعض الناس أن يضعوا الأحاديث لحث الناس على الخير, و زجرهم عن الشر. و هذا أشد الأنواع خطرا, لأن واضعي هذه الأحاديث قد يخدعوا الناس بمظاهرهم فيأنسون لأقوالهم.
5) النفاق للحكام و طلب ودهم و صلاتهم: فقد قام بعض الناس بوضع الأحاديث لإرضاء الحكام.
جهود العلماء في مقاومة الوضع: بذل العلماء جهودا كبيرة في مقاومة وضع الحديث و في كشف الأحاديث الموضوعة, و يمكن تلخيص الأسس التي استعملوها في ذلك فيما يلي:
1) اشتراط الإسناد. كان المحدثون يشترطون ذكر الإسناد عند الرواية, و لا يقبلون أي حديث لم تذكر روايته. و لم يكن الصحابة يسألون عن الإسناد, ولكن عندما وقعت الفتنة أصبحوا يسألون عنه.
2) استخدام التاريخ لفضح الكاذبين: أتقن المحدثون علم تاريخ رواة الحديث, فحددوا بذلك أوقات ولادتهم, و وفاتهم, و البلاد التي دخلوها و غير ذلك, و استخدموا هذه المعلومات في فضح الواضعين و ضبط أكاذيبهم.
3) تتبع الكذابين و التحذير منهم: و ذلك بفضح الكذابين و الإعلان بكذبهم على رؤؤس الناس, و تحذير الناس من مجالستهم.
4) بيان أحوال الرواة: تتبع المحدثون أحوال الرواة لمعرفة الحافظ من سيء الحفظ, و العدل من الكاذب, و دونوا ذلك كله في مصنفات علم الرجال.(/6)
5) تقسيم الحديث إلى مراتب: قسم المحدثون الحديث إلى مراتب, فالمتواتر أعلى أنواعه ثم الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف ثم الموضوع. و استخدموا في هذا التقسيم شروط القبول الستة و هي: اتصال السند, و عدالة الرواة, و ضبط الرواة, و عدم الشذوذ, و عدم العلة القادحة, و وجود العاضد عند الاحتياج إليه.
6) التصنيف في الحديث الموضوع: خصص المحدثون مؤلفات مستقلة تضم الأحاديث الموضوعة.
7) تحديد علامات الحديث الموضوع: سيأتي الحديث عنها فيما بعد.
علامات الحديث الموضوع:
1) علامات الوضع في السند: يكون الحديث موضوعا إذا كان واحد أو أكثر من واحد من الرواة في سنده كذاب. و يعرف كذب الراوي أما بإقراره بأنه و ضع الحديث, أو بأن يحكم عليه علماء الجرح و التعديل بالكذب, أو بأن يروي الراوي عمن لم يثبت أنه لقيه.
2) علامات الوضع في المتن: من أهمها ما يلي:
أ – ركاكة لفظه و سماجة أسلوبه.
ب – فساد معنى الحديث و مخالفته لبدهيات العقول السليمة.
ج – أن يعرف الحفاظ المستوعبون للسنة أن هذا الحديث ليس من أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم.
د – أن يخالف صريح القرآن.
هـ - أن يخالف صحيح السنة.
و – مخالفته لإجماع الصحابة.
ز – مخالفته للمعلوم من الدين بالضرورة.
ح – أن يخالف حقائق التاريخ المعروفة في عصر النبي صلى الله عليه و سلم.
ط – الإفراط في الوعد و الوعيد لأفعال لا تستوجب ذلك.
ي – اشتمال الحديث على سخافات و سماجات.
المصنفات في الحديث الموضوع:
منها المصنفات التالية:
1) الموضوعات من الأحاديث المرفوعات, للحسين بن ابراهيم الجوزقاني (ت543).
2) الموضوعات, لأبي الفرج عبد الرحمن بي علي ابن الجوزي (ت597).(/7)
تاريخ الكتابة العربية وعلاقتها بالرسم العثماني
بقلم / طريق القرآن
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصلى الله ، عليه ، وعلى آله ، وصحبه وسلم .
وبعد
اعلم رحمك الله تعالى أن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أميه لا تكتب ولا تحسب ، ولا تعرف عن الخط والكتابة شيئا ،اللهم إلا نزراً يسيراً في جزيرة العرب كلها وبضعة رجال من قريش خاصة ، ونفرا قليلا من أهل المدينة ومجاوريهم من اليهود قد عرفوا الكتابة والخط قبل مبعث النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقليل ، ولقلة انتشارها في ربوع الجزيرة العربية انحصرت في أفراد قلائل من أهلها ، فصح التعبير عن الأمة العربية بأنها أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ، وقد جاء الإسلام وسجل عليها الأمية بقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}… (الجمعة:2)
والمشهور في دواوين التاريخ أن أول من علم القرشيين الكتابة والخط هو حرب بن أمية بن عبد شمس والد أبي سفيان الصحابي الجليل لأنه كان رجلا كثير الأسفار إلى البلاد بالتجارة فتعلم الكتابة والخط على يد أهل تلك البلاد وعلمها القرشيين .
واعلم رحمك الله أن الخط الذي تعلمه حرب بن أمية وعلمه القرشيين هو الخط الأنباري الخِبري المسمى بعد انتقاله إلى الحجاز بالحجازي وكان هذا الخط المتداول على أيدي الكاتبين يكتبون به رسائلهم وأشعارهم وغيرها إلى أن جاء الإسلام فكتبوا به الوحي ثم صحف أبي بكر التي جمع فيها القرآن ثم المصاحف العثمانية والتي سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى واستمر تداول هذا الخط بين الناس يكتبون به مصاحفهم وغيرها إلى أن فتح المسلمون الممالك ومصروا الأمصار ونزلت طائفة من الكتاب الكوفة فعنيت بتجويد الخط العربي وتحسينه حتى صار خط أهل الكوفة مميزاً بشكله عن الخط الحجازي فحينئذ سمي بالخط الكوفي وبه كانت تكتب المصاحف وغيرها ثم أخذ الخط العربي يسمو ويرتقي على يد هؤلاء المهرة الذين كانت لهم اليد الطولى في تجويده وتحسينه إلى أن اخترعوا من الخط الكوفي والحجازي خطاً آخر هو مزيج من الخطين السابقين ويعتبر هذا الخط أساس الخط الذي يكتب به الآن وفي العهد العباسي بدأ الخط العربي يساير سائر العلوم نمواً وتقدماً من تحويل الكتابة العربية من صورتها الكوفية إلى الصورة التي عليها الآن وقد اخترعت أشكالا كثيرة للخط العربي وفروعاً متعددة وصوراً شتى لسنا بصدد ذكرها في هذا الموضوع .(/1)
تاريخ المصاحف وتدوينها ... ... ...
... ...
... ...
28-03-2004
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
أعلم أرشدك الله أن جمع القرآن وتدوينه مر بثلاثة عصور:
1. الجمع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
وكان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورتها ولكن مع بعثرة الكتابة وتفرقها بين العُسُب والعظام والحجارة والرقاع ونحو ذلك حسبما تيسرت لهم أدوات الكتابة، وإن كان التعويل أيامئذ على الحفظ والإستظهار.
2. الجمع على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتباً الآيات أيضاً مقتصراً فيه على ما لم تنسخ تلاوته مستوثقاً له بالتوتر والإجماع، وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقيده بالكتابة مجموعاً مرتباً، خشية ذهاب شئ منه بموت حملته وحُفاظه .
3. الجمع على عهد عثمان رضي الله عنه:
لما اتسعت الفتوحات زمن عثمان واستبعد العمران وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة لدراسة القرآن وطال عهد الناس بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والوحي والتنزيل، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن، أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، بل كان هذا الشقاق أشد لبعد هؤلاء بالنبوة وعدم وجود الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهم، يطمئنون إلى حكمه ويصدرون جميعاً عن رأيه، واستفحل الداء وكادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير، وفي ذلك يروي البخاري في صحيحه بسنده عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه ( أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى! فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردُّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن تحرق ) انتهى.
منهاج عثمان في كتابة المصحف:
· أن لا يكتبوا في هذه المصاحف إلا ما تحققوا أنه قرآن، وعلموا أنه قد استقر في العرضة الأخيرة، وما أيقنوا صحته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما لم ينسخ، وتركوا ما سوى ذلك نحو قراءة : [ فامضوا إلى ذكر الله] بدل كلمة { فَاسَعَوْا}… (الجمعة: من الآية9) ونحو: [ وكان ورائهم ملك يأخد كل سفينة صالحة غصباً] بزيادة كلمة [ صالحة] … ( الكهف:79) إلى غير ذلك ……
· أن يكتبوا مصاحف متعددة قصد إرسال ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد المسلمين ،وهي الأخرى متعددة.
· وأن تكون متفاوتة في الإثبات والحذف والبدل وغيرها لأنه رضي الله عنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة، وجعلوها خالية من النقط والشكل تحقيقاً لهذا الاحتمال أيضاً، فكانت بعض الكلمات يقرأ رسمها بأكثر من وجه عند تجردها من النقط والشكل نحو: { نُنْشِزُهَا }من قوله تعالى: { وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا}…(البقرة: من الآية259) فإن تجردها من النقط والشكل يجعلها تُقرأ {ننشرها} و{ نُنْشِزُهَا} بالراء وبالزاي وبه وردة القراءة، ونحو { فَتَبَيَّنُوا } من قوله تعالى:{ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } … (الحجرات: من الآية6) فإنها تقرأ أيضاً { فتثبتوا} عند خلوها من النقط والشكل وهي قراءة أخرى.
· أما الكلمات التي تدل على أكثر من قراءة عند خُلُوِّها من النقط والشكل، مع ورودها بقراءة أخرى أيضاً فإنهم رسموها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وبعض آخر يدل على القراءة الثانية نحو { وصَّى} بتضعيف من قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } … (البقرة: من الآية132) { وأوصى } بالهمز في بعض المصاحف وهما قراءتان صحيحتان، ونحو قراءة { تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} …(التوبة: من الآية89) من قوله تعالى: { تجري تحتها الأنهار} بزيادة { مِنْ } قبل { الْأَنْهَارُ} وهما قراءتان أيضاً .
وخلاصة القول أن اللفظ الذي لا تختلف فيه وجوه القراءات، كانوا يرسمونه بصورة واحدة لا محالة، أما الذي تختلف فه وجوه القراءات فإنه كان لا يمكن رسمه في خط محتمل لتلك الوجوه كلها فأنهم يكتبونه برسم يُوافق بعض الوجوه في مصحف ثم يكتبونه برسم آخر يوافق الوجوه الأخرى في مصحف أخر.(/1)
· وكانوا يتحاشون أن يكتبوا بالرسمين في مصحف واحد خشية أن يتوهم أن اللفظ نزل مكرراً بالوجهين في قراءة واحدة، بل هما قراءتان نزل اللفظ في إحداهما بوجه واحد الثانية بوجه آخر من غير تكرار، وكانوا أيضاً يتحاشون أن يكتبوا هذا اللفظ في مصحف واحد برسمين أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية، لئلا يتوهم أن الثاني تصحيح للأول.
والذي دعا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم جميعاً إلى انتهاج هذه الخطة في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجميع وجوه قراءاته، وبكافة حروفه التي نزل عليها، وحتى لا يقال أنهم أسقطوا شئ من قراءاته، أو منعوا أحداً من القراءة بأي حرف شاء، على أنها كلها منقولة نقل متواتراً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول عليه السلام ( فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تُماروا) .
وكان منهاجه رضي الله عنه أنه قال لهؤلاء القرشيين: ( إذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ) ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق غلقاً لباب الفتنة.
وإنما فعل ذلك إلا بعد استشار الصحابة، واكتساب موافقتهم، روى أبو بكر الأنباري عن سويد بن غفلة، قال: ( سمعت علي بن أبي طالب ري الله عنه يقول : " يا معشر الناس أتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان وقولكم حَّرقُ مصاحف، فوالله ما حرقها إلا عن ملأٍ منا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ")، وعن عمر بن سعيد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( لو كنت الوالي وقت عثمان، لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان ) رضي الله عن الجميع، وجزاهم أحسن الجزاء على هذا الصنيع. ... ...(/2)
تاريخ الأطماع الإيرانيّة ..لم يتغيّر شيء!...
للشيخ حامد العلي حفظه الله
عنوان المقال : تاريخ الأطماع الإيرانية ..لم يتغير شيء!
الرابط الصوتي :
نظم البداية والنهاية الجزء الأول
للشيخ حامد العلي بإلقاءه
http://www.h-alali.info/npage/snd_open.php?id=59
تاريخ الأطماع الإيرانيّة ..لم يتغيّر شيء!
حامد بن عبدالله العلي
لاشيءقد تغيّر من جهة تهديد أمّتنا ، منذ عهد النظام الصفوي* في إيران ، ثم الغاجاري ، ثم البهلوي ، ثم الخميني ، فمنذ أنْ كان الصفيون ثمّ الغاجاريون ، العدوّيْن اللّدوديْن للخلافة الإسلامية ، إذْ لم يدّخرا أيّ إسهام في مؤامرة مع أعداء الإسلام لإسقاطها ، وقد كانت الخلافة الإسلامية تأتيها أشدّ الطعنات غدرا من هذا العدوّ، في أوْج فتوحاتها الإسلامية في أوربا.
منذ ذلك الحين إلى اليوم ، بقيت الروح العدائية التوسعية بحالها ، تتوارد على النظم الحاكمة في إيران
صحيحٌ أنّه عندما ظهر الخميني قائد الثورة الخمينية ، كان قد أعلن في باريس في نوفمبر 1979م منهج الثورة التي أسماها (إسلامية) ، وكشف عن أهدافها قائلا : رفع المظالم، و العودة بالعلاقات الإيرانية مع الشعوب ، و الدول الأخرى ، إلى علاقات طبيعيّة ، و حلّ المشاكل القائمة بين إيران ، و الدول الأخرى وفق (المفاهيم الإسلامية)! و في ردّه على سؤال حول احتلال قوّات الشاه للجزر العربيّة، و عزم الثورة الإيرانية على إعادتها لأصحابها... أكّد بأن الثورة قامت لتنصر الحقّ ، و لتسحق الباطل ،و لترفع المظالم التي ارتكبها الشاه ، كما كان كبار الساسة في بداية الثورة يطلقون على الخليج العربي ، بأنه الخليج الإسلامي !
غير أنّه قد تبيّن بعد ذلك أنّ هذا الكلام المعسول كان يخفي وراءه نوايا عدوانيّة ، لاتقل خطرا ًعن أيّ عدوّ آخر يُضمر شراً لهذه الأمّة ،
فسرعان ما أطلق الخميني مبدأ تصدير الثورة ، فتحوّل إلى جوهر العمل السياسي ، والمخابراتي ، والإقتصادي ، والديني ، للنظام الحاكم في إيران ، وبدأ بالتأكيد على فارسية الخليج ، في عنصرية مقيتة.
ثم لم تلبث الثورة أن كشفت عن أخبث طواياها ، عندما بدأت بالهجوم لإحتلال العراق ، بعدما أعلن الخميني أن الطريق إلى القدس يمر عبرها ، بل بعد تحرير الحرمين ، ومنذ ذلك الحين دأب هذا النظام على نشر الفوضى ، وإشاعة الفتنة في الجوار ، وحتّى حرَمِ الله تعالى الذي جعله مثابةً للناس وأمنا ، لم يسلم من فتنهم ، فلقي المسلمون في مواسم كثيرة أشدّ العنت من أحقادهم ، وصلت إلى إهراق الدماء ، وإرهاب الآمنين جوار بيت الله المعظّم .
ولما فشلت جميع مخططاتهم ، وانقلبوا خاسئين ، وجدوا فرصتهم السانحة ـ كعادتهم ـ في استغلال الحملة الصهيوصليبة على أفغانستان والعراق ، فكانوا فيها أخبث أعوانها ، وإخوان شياطينها.
ذلك أنّ المخطّطين الصليبييّن ، رأوْا أن تحييد إيران أثناء تنفيذ الجزء الأوّل من استراتيجية الهيمنة على المنطقة ، عبر إحتلال العراق ، سيحقق أهدافهم ، دون خسائر كبيرة ، ففتحوا الباب على مصراعيه ، لعائلة الحكيم ، وحزب الدعوة بزعامة الجعفري ، وبقية أولئك الأذناب المطبّلة وراء الحملة الصليبية ، كما أنهم استفادوا بذلك تهدئة شيعة العراق ، وتحوّل عبدالعزيز الحكيم نيابة عن أخيه ، إلى الرجل المفضّل لدى الخارجية الأمريكية ، والاستخبارات في واشنطن ، جنبا إلى جنب مع جلال طالباني ، واحمد الجلبي ، وإياد علاوي ، أثناء وضع الخطط لإحتلال العراق !
وكان لدى هؤلاء العلاقمة ، تحقيق حلم الخميني بتدمير العراق ، للسيطرة على مقدراته ، والإنتقام منه ، وإزالة ما فيه من كلّ ماضيه الذي يذكّر بعروبته وإسلامه ، ثمّ إلحاقه بالنظام العنصري في طهران ، كان أولى من كلّ حضارة أمتنا ، تاريخها ، ومستقبلها !
ولا أدري أَفَغشىَ الحقد على أبصارهم ، حتّى لم يروْا أنّ الإحتلال إنما يركبهم مطايا ، إلى أن يحين وقت إعادة التوازن ـ ولو بحرب تحرق كلّ شيء ـ بين القوى الإقليمية ، التي أشار إلى قرب وقتها ، ملك الأردن ، ورئيس مصر ، وغيرهما ، تباعا .. ثم يحيق بهم مكر السوء ، وتدور عليهم دائرته .
صاحب الأحقاد أعمى ** لايرى شيئا سواها
أم أنّهم ظنّوا أنّ الوقت سيكون قد فات على ممتطيهم ، بعد أن يتمكّنوا من العراق ، فيفرضوا الأمر الواقع ، ويحقّقوا أحلامهم الشيطانية بالتوسّع جنوبا وشرقا ، عبر الهلال الشيعي ، ثم يتحوّل إلى نار تحرق حضارتنا ، من الشرق ، كما هي نار الغرب الصهيوصليبي ؟!!(/1)
بلى.. أدرى ، إنهما معا قد دفعا بالصفويين إلى هذه الورطة ،وقبل ذلك والحقيقة التي تحركّه ، سنّة الله تعالى التي أقام عليها الكون ، فما من ظالم إلا سيُبلى بأظلم ، ومن سلّ سيف البغي قُتل له ، فقد فعلت أذرعة النظام الصفوي في العراق ومعها حزب حسن نصر فرع العراق ، في المسلمين ، ما ذكّرهم بجرائم المغول فيها ، فضلا عن جرائمهم في عرب الأحواز ، وسنة إيران ، التي لاتوصف بشاعة من ثلاثة عقود .
وهذا كلّه ليس غريبا على من يقرأ تاريخ الإسلام ، ويعرف حقيقة النظام الجاثم على مقدرات الشعب الإيراني الذي جنى عليه نظام الخميني قبل أن يجني على غيره .
غير أن الغريب ، تلك الجهالات التي يطلقها المحسوبون على الحركة الإسلامية من تأييد حزب حسن نصر ، وهم في عماية تامّة عن حقيقة إرتباطه بالخطر الصفوي الذي يخطّط لتدمير أمتنا ، والعبث بثقافتها ، واجتيال هويّتها .
وأنهم يُخدعون بعدما رأوا خيانة هذا العدو لأمّتنا مرّتين ،
أفي كلّ مرّة يُفتنون ، ثم لايتوبون ، ولاهُم يذّكرون ؟!
وتعالوا نتذكّر التاريخ ، وكيف يتلاعب الجهلُ بأهله ، فيقلبهم من النقيض إلى النقيض!
عندما قامت ثورة الخميني وأظهرت شعارات مخادعة تدّعي الإسلام ، وأغلقت سفارة الصهاينة ، وأعلنت الحرب على أميركا ، صفّق لها كثير من المخدوعين بشعاراتها .
وكم يؤلمني أن أتذكّر هذه الحادثة ، فقد قلت ذات مرة لفاضلٍ من منظّري حركة إسلامية ، بدا معجبا بثورة الخميني ، لعلكم ستكونون أنتم أوّل من يصطلي بنارها ، فألقى إليّ بنظرات الشفقة ، مستصغرا إياي ، فما لبثت تلك النظرات حتى وجدتها في عيني ،وأمامي ذلك المنظّر ، عندما وقف نظام الخميني داعما لمجازر حليفه في سوريا وجنازر الدبابات تطحن أهل حماة ، وبطون الحوامل تُبقر فيها ! فكان الرجل مذهولا كيف يؤيد نظام إسلاميّ ، نظاما علمانيا بعثيا قمعيا ، إلى هذه الدرجة ؟!
ثم بعدما صار هذا المسكين ، مؤيدا للنظام البعثي في العراق ، أثناء حربه مع النظام الصفوي الباطني في طهران ، عاد فانقلب ، فرأيته (يطبّل) مع حزب حسن نصر !!
ولو أنّي رأيته اليوم لقلت له : وكيف يكون حزب حسن نصر مواليا لنظام علماني بعثي جرائمه لاتُحصى ، وفصيلا في جيش الثورة الخمينية ، التي خانت الأمّة في أفغانستان والعراق ، يلغ معها في دماء المسلمين في بغداد ، ثم يكون مجاهدا مع أمّتنا في لبنان ؟!
وليت شعري إذا كانت عقول هؤلاء الذين يُطلقون على أنفسهم حركات إسلامية ، لاتتّسع أن يفهموا أنّه ليس كلّ من يتبنّى مأساة أهلنا في فلسطين ، يريد بنا الخير ، فليصمتوا خيرا لهم ، وإلاّ فلا معنى لأَنْ يعارضوا الأحزاب العلمانيّة القوميّة ، والإشتراكيّة ، والشيوعيّة ، التي تبنّت القضية نفسها ، وقدّمت لها التضحيات أيضا ، ثم يؤيدوا الثورات الباطنية كالخمينية ذات الرصيد الهائل من الخيانات ضد أمّتنا ، تلك الثورة التي لم يستطع الصليبيّون أصلا أن ينجحوا في تحويل العراق إلى مرتع للصهاينة إلاّ بها!! مع أنّ هؤلاء الباطنيين سيُلحقون بالقضية الفلسطينية دمارا هائلا ، قد بدؤوه بالفعل.
ثم إنّ فقهَ أولئك ، إذا لم يستبصر أنّ هذه الثورة الباطنية لو احتلّت فلسطين ، لوجب شرعا تحريرها منهم ، مثلما يجب تحريرها من الصهاينة ، كما حرر صلاح الدين مصر من الفاطمية ، ولهذا فهم أشدّ الناس بغضا لصلاح الدين ، فلم يشفع له عندهم تحريره للقدس !!
إذا لم يستبصروا هذه البصيرة ، فإنهم والله أسوء الناس فقها ، بل أعماهم بصيرة !
وبعد :
فإنّ هذا الصراع بين العدوّين اللدودين لأمّتنا : الشرقيّ ،والغربيّ ، وإنْ كان سيتّسع ويشيع الفوضى إلى حين ، غير أنّ عاقبته ستكون خيرا لأمّة الإسلام ،
وإنّه لمن الواجب اليوم تبصير المسلمين ، بحقيقة العدوّين ، من غير إنحياز ، ولا تجاهل لأحدهما ، ولاتهوين من خطرِه ، وبيانّ أنّ كليهما هدفٌ لجهادنا ، فليذهبا إلى الجحيم سويّا ، وليبقَ الإسلام وإن رغمت أنوفهم جميعاً .
**********
* الدولة الصفوية نسبة إلى مؤسسها إسماعيل الصفوي ، ظهر إسماعيل الصفوي في مطلع القرن العاشر الهجري، ونجح في إقامة دولة شيعية في إيران سنة (907هـ = 1502م) وأعلن نفسه ملكا، وأصدر السكة باسمه، وجعل المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي لإيران بعد أن كانت تتبع المذهب السني، وبدأ يتطلع إلى توسيع مساحة دولته، فاستولى على العراق، وأرسل دعاته لنشر المذهب الشيعي في الأناضول، مما أثار حفيظة الدولة العثمانية المجاورة لها، وبدأت المناوشات العسكرية بينهما في أواخر عهد السلطان بايزيد خان، ثم تحولت إلى صدام هائل بين الدولتين في عهد سليم الأول.(/2)
أعلن سليم الأول الحرب على الصفويين، وسار بجيوشه من أدرنة متجها إلى تبريز في (22 من المحرم 902هـ = 14 مارس 1514م) فتقهقرت الجيوش الفارسية أمامه بقصد إنهاك قواه حتى تسنح لها الفرصة للانقضاض عليه، والتقى الجيشان في وادي جالديران في (2 من رجب 920 هـ = 24 أغسطس 1514م) وكانت معركة هائلة حسمت فيها المدفعية العثمانية النصر للسلطان سليم الأول، وفر الشاه إسماعيل الصفوي، وتمزق جيشه، ودخل السلطان سليم تبريز حاضرة الصفويين، يحمل على رأسه أكاليل النصر في الرابع عشر من رجب، وأثمر هذا النصر عن ضم السلطان سليم كثيرا من بلاد أرمينية الغربية، وما بين النهرين، وتبليس، وديار بكر، والرقة والموصل، ثم عاد إلى بلاده .
منقول من موقع الشيخ حفظه الله :::
http://www.h-alali.info/npage/mqalat_open.php?id=341(/3)
تاهت الدنمارك ..بإمكاننا النهوض وتغيير وجه العالم
معتصم أبّكر محمود*
فجأة انقطع التيار الكهربي؛ فاستلقيت على سرير في فناء الدار.. أخذت أحملق في السماء.. أسرتني روعتها الساحرة وتغيرت أحاسيسي المهترئة.. فإذا بنور القمر يصافح مُقلتيّ، وإذا بالنجوم تزداد لمعاناً وعناقاً كأنها تخاطبني، وتُسِرّ إليّ بشيء.. وكلما توغل الليل ازدادت لمعاناً وعناقاً.. إنها لوحة بديعة لا تستطيع البومة أن تغير من ملامحها بصوتها المزعج..
وفي ليل واقعنا الراهن ثمة قمر منير، وثمة نجوم تتلألأ، وثمة شمس احتجبت لتشرق في الغد الآتي..
إن أحلامنا ليست مستحيلة.. باستطاعتنا أن نجعل ضالاَّتنا تعود.. باستطاعتنا أن نغير وجه العالم الشرير إلى وجه آخر يشعّ بالضياء.. فعلى من يريد التغيير أن يقول: سأسعى وأسعى من أجل التغير؛ حتى ولو انقطع أملي في العباد فلن ينقطع أملي في رب العباد، وحتى ولو فشلت في استمالة القلوب إلى منهج الله فلن أفقد الثقة في مقلب القلوب والأبصار، وسأمضي في طريقي رغم كيد النائبات، وسأبذل قصارى جهدي حتى يتحقق هذا الأمر أو أهلك دونه..
لا يعقل أن تفقد أمة شهيتها في العزة والنصر والخلاص والسعادة، وتفقد ذاكرتُها المقدرةَ على بثّ الصورة الجميلة للذكريات الموروثة، أو احتمالات مستقبلها المشرق
مثل هذه المشاعر، والتأكيدات الإيجابية لَجديرة أن تجد لها في قلوبنا منتجعات آمنة.. ولا بد للأمل أن يترسب في أعماق وعينا..
ولكن من المؤسف حقاً أن يبلغ ببعضنا اليأس إلى الحد الذي يعتقدون فيه أن استحالة تغيّر العالم الإسلامي من المسلّمات التي لا تنتطح فيها عنزتان.. وأن إمكانية التغيير هي الوجه الآخر المعجزة.. وأن فكرة النهوض أسطورة لا تجد لها مرتعاً إلا في أفلام الكرتون.. وإن الحديث عن مجتمع إسلامي موحّد - تسوده المبادئ الإسلامية السامية، والقيم الإنسانية الفاضلة - هو حلم يقظة يوتيبياوي ليس إلا..
والفاجعة الكبرى هي أن هذه المعتقدات المنتنة، السالبة قد اصطبغت في عقولهم بأصباغ دوجماطيقية عالية السُمِّيَّة..
لا يعقل أن تفقد أمة شهيتها في العزة والنصر والخلاص والسعادة، وتفقد ذاكرتُها المقدرةَ على بثّ الصورة الجميلة للذكريات الموروثة، أو احتمالات مستقبلها المشرق!!.. كل ما تتذكره هو عجزها عن فعل شيء!!.. إنها أعراض إكلينيكية لما أُسَمِّيه بـ (مرض الاكتئاب الجمعي)..
إنهم بهذا يضربون بكل سنة كزموزية عرض الحائط.. لقد نسوا أن كل الحضارات تبدأ من ضعف وتتجه إلى القوة؛ مثل الإنسان تماماً..
إن أمريكا - التي يقول البعض عنها بلا حياء (إنها سيدة العالم) - لم تكن في العهد القريب شيئاً مذكوراً.. كانت نطفة من جهل الهنود، ونيرانهم..
ثمة أسئلة تدور في خاطري.. ألأَِننا لم نحس بالخطر حتى الآن؟، أم لأننا نستشعره ولكننا سلّمنا بأن الكوارث واقعة لا محالة؛ وأن التحور لمواكبة هذه الحقيقة الماثلة ضرورة حتمية؟.. لماذا لا نبحث عن طريق يخرجنا من هذه المتاهة؟!..
إن أعداءنا لن يعطوا هؤلاء الغافلين بطاقات تكريمية، ولن يفرقوا في قتلهم بين الذي يقضي ليله ساجداً لله تعالى وبين الذي ورث الدين عن أبويه واتخذه لعباً ولهواً وهو أهون عليه من ثوبه القديم
إنني متأكد بدرجة لا تدع احتمالاً للشك أن بعضاً منا ليس لهم إرادة في التغيير!!.. وأشك شكا يقارب اليقين في أن لهم مجرد الرغبة في ذلك.. وأعرف أن إخواناً لنا – هداهم الله – لا يهمهم أمر هذا الدين.. ومن تشريف الله للدين، ولسنة التغيير قد اختار للقيام بأمرهما الأخيار..
إن أعداءنا لن يعطوا هؤلاء الغافلين بطاقات تكريمية، ولن يفرقوا في قتلهم بين الذي يقضي ليله ساجداً لله تعالى وبين الذي ورث الدين عن أبويه واتخذه لعباً ولهواً وهو أهون عليه من ثوبه القديم.. كم من المستهترين بالدين، والمنتسبين للدين لا صلة لهم بالإسلام سوى قولهم (إننا مسلمون) وهم قد قتلوا في بلاد المواجهة، وقد كانوا يعجبون بالعدو، ويقدسون نجومه المعتمة..
هنالك الكثير من أنواع القتل في كل الأقطار الإسلامية تقريباً غير قتل النفس؛ فهنالك قتل الهوية، وقتل الإرادة، وقتل الكرامة، وقتل العزة، وقتل الاستقلالية، وقتل الأمل!!.. كل هذا أخطر بكثير من الموت إثر رصاصة حاقدة.
إن الشعور بوحدة العقيدة، ووحدة الحياة، ووحدة المصير من أهم مقوّمات الجماعة الناجحة؛ وعلينا أن نُعمّق هذا في نفوسنا..
إننا شئنا أو أبينا أمة واحدة تحت سقف الخريطة، والأهم أن الآخرين يصنفوننا كذلك؛ فما الذي يمنعنا أن نكون كتلة حقيقية، وجسداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى؟!، وما لم يحدث هذا فلن نجني من نزاعاتنا الفردية سوى عبثية الفرد، وغثائية الجماعة الزائفة!!..(/1)
إننا لا نستطيع أن نكوّن ائتلافاً بشرياً ذا تأثير فعال إلا حول عقيدة، أو فكرة النهضة، وأن نجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.. ولماذا لا نتفق حول فكرة تؤمن بضرورة خروجنا من هذا التيه الذي دخلنا فيه بعد سقوط الخلافة؟!..
إنني أسمع صوتاً يقول: (نعم، نريد أن نتّحد، ولكن بيننا بعض الاختلاف).. ولكن ثمة قراءة منطقية للحياة تقول: (لو لم نختلف أبداً لوجب علينا أن نختلف؛ لأن جوهر الإنسانية لا يُرى إلا عبر مجهر الاختلاف)!!..
بالطبع ليس المقصود ذلك الاختلاف السفسطي الذي لا مبرر له؛ ولكن المقصود ذلك الذي يصنع فرقاً في الجهد؛ ليسري في الأمة تيار الحياة..
إننا في هذه المرحلة نحتاج على الأقل إلى وحدة عاطفية، وستقودنا العاطفة الصادقة إلى فعل مشترك؛ فإن كانت الجماعة متحدة عاطفياً فقط؛ وليس للفرد دور إيجابي في التعبير عن عاطفته بصورة عملية تُصْلِح مُعْوَجًّا، أو تُضِيف إلى بناء فليس لهذه الوحدة معنى!!..
أخي! إن كنت تعتقد أن الوحدة مهمة لكنها مستحيلة فاعلم أنك حائل دونها!!.. وإن كنت لا تعتقد أنها ضرورية فليس ثمة فرق بين إعلانك عداوة المسلمين وهذا الاعتقاد!!..(/2)
تاهت الدنمارك؛ فمتى سنخرج من تيهنا؟
معتصم أبّكر محمود*
إنك لتجد آلاف الكلمات التي تعبر بها عن فرحك، ولكن عندما تحزن تعجز عن قول عبارة واحدة، فتتراقص حولك كلمات الآخرين.
وأنا في غرفتي أتمرّغ في حزني، فكأن هؤلاء العقلاء من الغرب جاءوا لعزائي، وكأن (اتيين دينييه) يربت على كتفي، ويقول: إن صورة نبينا الجليلة التي خلّفها المنقول الإسلامي تبدو أجل وأسمى إذا قيست بهذه الصور المصطنعة الضئيلة التي صبغت في ظلال المكاتب بجهد جهيد.. ونرجو أن يعرف العلماء ضلالهم؛ فيعدلوا عن النيل من هذه الصروح المعجزة التي رفعها التاريخ؛ إقراراً بفضل أنبياء العرب، وأنبياء بني إسرائيل على الإنسانية؛ فإن هذه الصروح أصلب من أن تخدشها تلك المعاول).
وكأني أقول له: (شكراً لك؛ لقد كنت فناناً رائعاً دافعت بريشتك وقلمك عن الإسلام).. وكنت أريد من الناس أن يعرفوا حقيقية الأشرار الذين يحاربون الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحاربون الإسلام، وكأن الكونت هنري دي كاسترو يقلل من شأنهم، ويمسح دمعة كانت على خدي؛ إذ يقول: (وكان سلاحهم الوحيد في التأييد سواقط حججهم أن يشبعوا خصمهم سباً وشتماً، وأن يحرفوا في النقل ما استطاعوا، وكنت أريد أن أقول شيئاً للغربيين الذين يتدثرون بذلك التحدي الأحمق؛ فقال الكاتب الإنجليزي كالارين: (من العار أن يصغي كل إنسان متمدين من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين إن دين الإسلام كذب، وإن محمداً لم يكن على حق.. لقد آن الأوان أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة؛ فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلّت سراجاً منيراً أربعة عشر قرناً من الزمان لملايين الناس)).
وكل هذا لم يثلج صدري؛ فكنت أريد أن أقول شيئاً للعالم أجمع، وأذكّر به المسلمين؛ فقال اللورد هيدلي نيابة عني: (محمد المثل الكامل.. نحن نعتبر أن نبي بلاد العرب الكريم ذا أخلاق متينة، وشخصية حقيقية وزنت واختيرت في كل خطوة من خطا حياته، ولم ير فيها أي نقص، وبما أننا في احتياج إلى نموذج كامل يفي بحاجاتنا قي خطوات الحياة فحياة هذا النبي المقدس تفي بهذه الحاجة).
لم تكن الدنمارك تعلم أنها بفعلتها تلك قد أهدت المسلمين حبوباً منشطة أبطلت مفعول المنوّم الذي أخذته قبل سنوات.. لقد خرجت إلينا بثوب يعكس ما بداخلهم جليّاً؛ فذلك الرسم ربما أبلغ من كل ما كتبه القسيس لامانس، وات، بروكلمان، مرجليوت، إسكندر دريون، فلهاوزن وغيرهم من الذين شوّهوا صورة الإسلام الواضحة المعالم.
حينما نتطرّق إلى موضوع كهذا يجب ألا نتحدث عنه لمجرّد أنه حديث الساحة، يجب علينا أن نبعد عن أذهاننا هذه النزعة اللحظوية التي لا تولّد سوى حماسة عظيمة لكنها وقتية ولا تفيد في معركة كبرى كهذه، يجب علينا أن نتوغّل إلى أعماق أكثر جوهرية، فليست معاناتنا الراهنة سوى تراكمات لنظراتنا السطحية للأمور.
حدث كهذا كان جديراً بأن يتوقف كل منا عنده قليلاً، كان لنا أن نبحث عن ماضينا ونعيد شريط الذكريات؛ فنرى الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، والغزوات الاستعمارية، وتوطين اليهود، وآلاف الموتى والذين بذلوا دماءهم؛ وكان لنا أن نتوقف عند حاضرنا، وأنفسنا ودورها في ما يحدث من استعمار جديد بدعوى الإرهاب، أو تحرير الشعوب، وكان لنا أن نسأل ماذا يريد الغرب منا؟ وما هو مستقبل وجودنا؟ إلى أي صحراء ستقودنا القافلة؟.
إن هذه الدعاية المجانية للإسلام ربما تثير نفوس العقلاء من الغرب ليبحثوا عن الحقيقة مثلما فعل الفيلسوف رينيه جينو الذي كان إسلامه سبباً في إسلام الكثيرين.
لقد كان إسلام حمزة أسد الله نتيجة لسب أبي جهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (لا تسبه فأنا على دينه؛ أقول ما يقول).. وكانت الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً سبباً في حدوث مشهد بطولي قام به صبيان من الأنصار في غزوة بدر؛ سأل أحدهما عبد الرحمن بن عوف؛ فقال: (يا عم! أرني أبا جهل)؛، فقال له: (يا ابن أخي! فما تصنع به؟)؛ قال: (أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا)، وقال الآخر مثل ما قال الأول.. وقتلاه.. فتعلّمنا منهما كيف يمكن لصبيين أن يُنهيا جبروت رأس الكفر.. وهذه النماذج قد تتكرر.. من الواجب علينا أن نغضب لما حدث، ولكن يجب أن نتصف بالعقلانية، فنبدأ بمعاقبة أنفسنا على التقصير أولاً قبل أن نشرع في القيام بردود الأفعال..(/1)
من المؤسف جداً أن نقصر نصرة النبي صلى الله عليه وسلم - بشكل عام - على الهتافات، والمقاطعة بضائع الأعداء.. إن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها أن نحكم فينا شرع الله، وأن يحس كل منا بمسؤوليته تجاه الأم.. إننا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لشخصه فقط؛ وإنما أيضاً لمنهجه، ولدينه، وللنور الذي جاء به.. إننا نقلّل من شأنه عليه الصلاة والسلام عندما نعتبره فقط رمزا من الرموز التي يجب ألاَّ تمس بسوء.. إن رمزية الرسول صلى الله عليه وسلم تأتي من صميم الرسالة التي جاء بها..
إن نصرة الأخ الذي ينطق بالشهادتين نصرة للرسول عليه الصلاة والسلام، وإن الاهتمام بأمور المسلمين نصرة للنبي عليه الصلاة والسلام، وإن الدفاع عن الأراضي الإسلامية نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وعندما ينتصر الخير فهو انتصار لنبي الخير والرحمة عليه الصلاة والسلام.
إن أشياء كثيرة في عالمنا الإسلامي قد حدثت، وهي كانت تحتاج ما إلى وقفات.. إن لسان حالنا يقول: (الآن فقط حدث شيء).
إن المسافة بيننا وبين قدوتنا مسافة ما بين القطبين، وحول ماضينا الجميل نُسجت خيوط العنكبوت، وذلك البدر المنير صار يكسوه الغبار، أي عار – إخوتي – أي عار؟!.
فإذا أردنا ألاَّ يسيئ إلينا أحد؛ فيجب أن يكون لنا كيان، ولنبحث عن جذورنا حتى يجسد كل فرد منا أحلام أمته في ذاته؛ فإصلاح الفرد أولى من مواجهة الآخر، كما يجب أن تتلاشى هالة الإجلال التي نحيط بها الغرب.. (هل رأى الغرب حيارى مثلنا)؛ يتبعونهم في عشق مثل زهرات دوّار الشمس، ويرقصون حول كل ما يصدر عنهم كالفراشات حول النور.
علينا أن نفكّر في هدوء دون حماسة خدّاعة.. لننظر كيف نخرج من هذا التيه، وكيف يكون التغيير.. إننا نريد تغييراً يحدث تلقائياً لا نتكبّد فيه العناء، ولا نفقد فيه قطرة دم، ودون أن نسير بوصة إلى الأمام.. إننا بهذا نجعل من النصر أسطورة، ونطلب من حكامنا أن يستعينوا بالتنّين، والغول ليحققوه لنا.. لنجلس أمام التلفاز، ونشاهد في هدوء انتصارات جيوشنا الباسلة.(/2)
تباريح ...
شعر: داود معلا
أنا أهواك والجداول iiتوحي
أيما موقف أناديك ... iiكفى
أينا ينتمي إلى الخلد إنا ...
لو تسلقت كل هدب إلى البعد
عشقتني السفوح قبل iiابتسام
فوق صدر المسير iiالتحف
أنا مثلي الشجاع .. لو حمل السيف
كيف تبكي خيوطها الشمس
حزناً والغلام شب عن iiالطوق
عجنتنا السنين .. iiوانتفض
إنما الصبر ساعة ويصيح ii..
حسبنا أننا نسير .. iiوهذا ... كيف توحي إلى السفين iiالريح
أنا وحدي ... والوهم لا iiيستريح
نطف .. نصف راحة .. وجموح
ففي القرب .. راحة iiوطموح
الفجر .. والدرب يغتدي ويروح
الغيم .. مقيم كما يقيم iiالجريح
ونادى .. فقد يكون iiالفتوح
حتى .. أنت تبكين والدموع iiتبوح
وزند .. كما السلاح iiيلوح
الدرب .. وغطا سماءنا iiالتبريح
الديك .. والفجر بسمة iiووضوح
جسد بيننا .. وهذا روح(/1)
تبديد الأوهام الطنطاوية في البنوك الربوية
إذا كان الشيخ قد امتد بفتاواه المردودة أخيرا إلى الوضع الدستوري للبلاد التي يسكنها مسلمون .وبارك فيها العلمانية وخذل صحوة المسلمات في أوربا وغيرها أو أصابها في مقتل في وقت ينتظرن فيه نصرته بكلمة الحق والشرع متناسيا قوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء بسنن أبي داود بسنده عن إسماعيل بن بشير يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاري يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته ) متجاهلا أين هو بين هذين
وإذا كان الشيخ لم يكتف بمواقفه المتخاذلة المتذبذبة من القضية الفلسطينية والعراقية وقضايا الشعوب والتحرير والتعليم
وإذا كان الشيخ بتخليه عن المرأة المسلمة في فرنسا قد أخل إخلالا جسيما بواجباته القانونية التي تفرضها المادة الثانية من الباب الأول من القانون رقم 103 لسنة 1961 التي جاء فيها أن ( الأزهر هو الهيئة العلمية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب ) والمادة رقم 6 التي تنص على أن شيخ الأزهر هو الذي يمثل الأزهر
وإذا كان الشيخ بفتواه الجديدة عن حجاب المرأة المسلمة في فرنسا قد أضاف إلى أمجاده التاريخية قتلى جددا من بينهم دور الأزهر في العالم الإسلامي
فإن الشيء من معدنه لا يستغرب .. إذ هو إنما يواصل فتاواه التي اصطُلح أخيرا على تسميتها بالليبرالية مما يشي بطابعها التغريبي ، مواصلا ما بدأه منذ أربعة عشر عاما بضرب الاقتصاد الإسلامي في مقتل بفتواه بحل فوائد البنوك الموصومة بالربوية وهي المعركة التي نراها من أهم المعارك العصرية التي تعني مشكلة الذاتية الإسلامية في الصميم ، إذ يحاول البعض – وعلى رأسهم الشيخ محمد سيد طنطاوي - تهجين فوائد هذه البنوك الموصومة بالربوية وإعطاءها عناوين عصرية – بعضها مضحك - من مثل كلمات " الفائدة " و " الربح " و " الجائزة " و " العائد " الخ .
يتعرض الأستاذ الدكتور حسين حامد لظاهرة التلاعب في ألفاظ الربا والفائدة والربح إلخ في بحثه المنشور في 15\12\2002فيقول : ( تنص المادة الرابعة من القانون رقم 37 لسنة 1992 على أن تُستبدَل بكلمة "الفائدة" أينما وردت في القانون رقم 163 لسنة 1957 أو القانون رقم 120 لسنة 1975 كلمة "العائد"، وهو لا يغير من الحكم الشرعي، وهو حرمة كل زيادة عن مبلغ القرض؛ ذلك أن الحكم الشرعي مرتبط بكلمة "النفع" بكل صوره وجميع أشكاله، بصرف النظر عن التسمية التي تُطلق عليه، ربحًا كانت أو عائدًا أو هدية أو منحة أو مكافأة أو جائزة ) يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، وان تبتم فلكم رءوس أموالكم ، لا تظلمون ولا تظلمون )279 البقرة .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة في سننه بسنده : ( الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ) ورواه الحاكم وصححه .وروى الإمام مسلم بسنده عن جابر رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه ، وشاهديه ، وقال : هم سواء ) .
أما الذين يحاولون التخلص من حكم الربا في فوائد البنوك - وقد أصبح الشيخ الطنطاوي رمزا لهم وإن لم يكن أولهم - فلهم أوهام يحاولون أن يصنعوا منها مخارج . وسوف نتعرض هنا لأوهام الشيخ بالتفصيل مشيرين لما عداها على وجه الإيجاز
ففي الوهم الأول : يحاول بعض المروجين لتغريب المجتمع الإسلامي وخلعه من قواعده اقتصاديا .. ادعاء أن الربا المحرم هو ما يكون أضعافا مضاعفة ، فإذا لم يكن كذلك لم يكن محرما .
والحقيقة التي غفل عنها هؤلاء : أن الربا في جميع أحواله مضاعفة مستمرة سنويا لمقدار ما يسمى الفائدة ، مهما قلت النسبة .
يقول العلامة الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز : ( إن قواعد اللغة تجعل كلمة أضعافا الواردة في قوله تعالى " لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " حالا من الربا نفسه ، ولو كان الأمر كما يزعمون - أي حالا من رأس المال - لكان القرآن لا يحرم الربا إلا ما بلغ ثلاثة أمثال رأس المال على الأقل ) [1] .
ويكفي أن نتذكر الربا الذي أعفيت منه مصر في ديونها العسكرية ، طبقا لما ذكره رئيس الجمهورية في تصريح سابق حول حرب الخليج الثانية : إن مصر أعفيت من ديونها لأمريكا بمبلغ سبعة مليارات ، كانت ستدفعها ثلاثة وعشرين .
ويقول الشيخ عبد الوهاب خلاف في مقالته بمجلة لواء الإسلام السنة الرابعة بالعدد الحادي عشر والثاني عشر 1370 هـ 1951 م : ( فالتقييد بالأضعاف المضاعفة ليس للتخصيص والاحتراز عما عداه ) [2](/1)
وقد نص المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر على أن ( كثير الربا وقليله حرام كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " ) [3]
ومهما يكن فان الرد يؤخذ من صريح قوله تعالى : ( وان تبتم فلكم رءوس أموالكم ) وهو يعني رأس المال بغير أية زيادة
ولا يخالف الشيخ طنطاوي في هذه النقطة شيوخنا الأجلاء كما يفهم من تلخيصه لما ذكره الإمام الرازي في تفسيره للآية ( والتقييد بقوله سبحانه أضعافا مضاعفة " ليس المقصود منه النهي عن أكل الربا في حال المضاعفة خاصة وإباحته في غيرها ، فالربا قليله وكثيره حرام وإنما المقصود منه توبيخهم على ما كان متفشيا فيهم ) [4] .
أما الوهم الثاني ففي قولهم :
إن الربا لا يكون إلا في الأصناف الستة وهي الأصناف الواردة في الحديث الشريف الذي ورد في الصحيحين بقوله صلى الله عليه وسلم ، في رواية مسلم بسنده عن عباة بن الصامت : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُر بالبُر ،والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد ، فإذا اختلف هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد )
وهنا يحلو للبعض أن يتوهم أن النقد المعاصر ليس فيه ربا على أساس أن الربا لا يكون إلا في هذه الأصناف الستة الواردة في الحديث، ومنها الذهب والفضة معتبرا أن الذهب والفضة لم يكن يتم التعامل بهما باعتبار الثمنية النقدية المتمثلة فيهما كما هو الحال في النقد ، وإنما كان يتم التعامل بهما باعتبارهما سلعة من السلع التي تطرح في السوق تماما كما يطرح القمح والشعير والتمر والملح ، وبناء عليه ينحصر الربا في التعامل فيهما كسلعة ولا يقاس عليهما النقد الحديث من الجنيه والدولار والفرنك وما ماثل ذلك ، فهذا النقد لا يجري عليه الربا بأي حال ، لأنه لم يرد ذكره في الأصناف الستة المذكورة في الحديث .
ولا أظن أن الشيخ يذهب هذا المذهب
ومن الواضح أن هذا الرأي مبني على تجاهل لحديثه صلى الله عليه وسلم ( ألا إنما الربا في النسيئة ) – في صحيح مسلم - وعلى مكابرة في إنكار تعامل العرب في الجاهلية وفي عصر الرسول وفي العصور التالية بالذهب والفضة باعتبارهما نقدا أيضا ، بدليل تسميتهما في تلك العصور باسمين من أسماء النقد لا من أسماء المثاقيل والموازين ، وهما اسما الدينار والدرهم كما هو معروف ومشهور ، تماما كما كان التعامل يجري – إلى وقت قريب - في الجنيه الإسترليني ، وهو من الذهب بوزن خاص . يقول الإمام مالك : نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الذهب والفضة إلى ما يتخذ ثمنا أي تقوم به الأشياء في المبادلات ويقول الإمام الشافعي : نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب والفضة إلى النقود والأثمان .[5]
أما الوهم الثالث فهو حول الصورة التي كان عليها الربا في الجاهلية
وأصحاب هذا الوهم يتصورون أن الربا المحرم ينحصر فيما يكون على نفس الصورة البيئية التي كان عليها في الجاهلية ، وقد يتوهمون ذلك مما ذكره الشيخ طنطاوي ، إذ يقول ( يتبين أن ربا الجاهلية يتمثل - مجموعه إن لم يكن جميعه – في أن يكون لإنسان دين ، فإذا حل موعد السداد وعجز المدين عن الوفاء ، قال له الدائن : أزيدك في الأجل وتزيدني مبلغا معينا على أصل الدين ، ويتفقان على ذلك ، وهكذا يكون الشأن كلما حل السداد ولم يستطع قضاء ما عليه من ديون ) [6]
يحلو للبعض أن يتوهم من ذلك أن المراد في الربا المحرم أن يقوم على ما جاء في صورته تلك من المفاجأة في طلب الربا عند حلول الأجل ، وهذا فضلا عن كونه لم يكن من لوازم ربا الجاهلية ، فهو غير مقصود وغير معقول ، إذ يكون معناه : أن الشيء لا يكون محرما إذا تم الاتفاق عليه مقدما . مع أن التحريم ورد لإلغاء ما هو موضع الاتفاق ، مثل بقية المحرمات : من الخمر والميسر والزنا والشرك الخ
ومن ناحية أخرى فقد عرفت الجاهلية الزيادة المشروطة في ابتداء القرض وتعاملت بها ، وبالتالي فهي مشمولة بالتحريم نصا ، وليس قياسا على الزيادة التي تشترط عند حلول الأجل ، بجامع الزيادة نظير الأجل
جاء في تفسير الرازي : ( أما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهورا مقارفا في الجاهلية ، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا ، ويكون رأس المال باقيا ، ثم إذا حل الأجل طالبوا المدين برأس المال ، فإذا تعذر عليه الأداء زادوا عليه في الحق والأجل ، فهذا هو الربا الذي كانوا يتعاملون به في الجاهلية ) [7](/2)
كذلك فإنه ليس من المتصور أن يكون المراد ما كان يلابس ربا الجاهلية من مظاهر محلية هي من لوازم المجتمع الأمي ، كأن يتم العقد بأسلوب كلامي ساذج ، أما عند ما يتطور الأمر إلى أسلوب البنوك الحديثة فإن الحكم يختلف ، بنفس القدر الذي لا يمكن أن نتصور فيه أن يكون الشرك المحرم هو ما كان في صيغة " هبل " فإذا تطور إلى صيغة بوذا اختلف حكمه ، أو أن يكون الخمر المحرم هو ما كان في صيغة النبيذ المعتق في الجاهلية فإذا تطور إلى الفودكا اختلف حكمه !! أو أن يكون القمار المحرم هو ما كان يجري في الجاهلية ، فإذا تطور إلى قمار الفنادق العصرية والبيوت الراقية والإشراف الإداري عالي المستوى ولأغراض تنموية كالسياحة لم يكن معروفا في الجاهلية لم يكن محرما .
إن النظر من خلال هذه الوجهة ليس إلا وقوعا في مستنقع مذهب النسبية التاريخية الذي يمكنه أن يسوق هذا المنهج إلى جميع ثوابت الإسلام بما في ذلك الألوهية والنبوة والعقيدة والأخلاق والشريعة جميعا ، وهو - في نهاية النفق - يعني الخروج من الإسلام جملة وتفصيلا
ومن البديهي إذن أن نقول إن الربا المحرم يكون كذلك سواء تم الاتفاق عليه مقدما ، أو ظهر الاتفاق عليه عند حلول أجل السداد .
وحول هذا يقرر الشيخ طنطاوي : أربع صور محرمة لربا النسيئة :
الصورة الأولى : ( الربا الجلي الصريح وهو الذي تتجدد فيه الزيادة على المدين بتجدد الأجل ، ) ثم يقول ( وهذه الصورة وما يشبهها هي التي يسميها الفقهاء ربا النسيئة ، أي التأخير )
ثم يقول ( وهناك صورة ثانية لا تقل في شناعتها وقبحها عن الصورة السابقة وهي أن يطلب إنسان محتاج من آخر مبلغ مائة جنيه فيشترط عليه هذا الآخر مقدما أن يرد له هذا المبلغ بعد مدة قلت أو كثرت ، بزيادة معينة قد تكون عشرة أو عشرين )
ثم يقول : ( وهناك صورة ثالثة من صور الربا المحرم وتتمثل فيما تفعله بعض المؤسسات من بيعها مسكنا من المساكن بعشرة آلاف جنيه مثلا على أن يدفع المشتري ألف جنيه مقدما ويدفع الباقي بفائدة سنوية ، فهذه الفائدة من باب الربا ) [8]
ثم يقول ( والصورة الرابعة من صور الربا المحرم تتمثل فيما تفعله الدول الغنية مع الدول الفقيرة من إقراضها مبالغ من المال ، تحتاج إليها الدول الفقيرة لسد مطالب الحياة الضرورية ثم تفرض الدول الغنية على الفقيرة فوائد باهظة ، صارت بسببها هذه الدول الفقيرة عاجزة عن سداد الفوائد المركبة فضلا عن الديون الأصلية ) [9]
وبقيت الصورة الأخيرة التي لم يذكرها الشيخ في هذا الموضع من كتابه وهي صورة الفوائد البنكية التي سيجري النقاش حولها ، تحت عنوان : الوهم الخامس .
الوهم الرابع : حصر الربا في القروض الاستهلاكية
يرى الواهمون هنا أن الربا لا يكون إلا في القروض الاستهلاكية للمأكل والمشرب وما شابه ذلك ، أما ما يسمى استثمارا فليس محرما ، وفوائد البنوك الحديثة إنما تجري في العمليات الاستثمارية فخرجت بذلك من الربا ..وإلى هذا تشير الصورة الثانية من صور الشيخ طنطاوي المذكورة آنفا
وهذا أساس غير صحيح ، بدليل ما جاء في صحيح مسلم : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء ) إذ لو كان الربا الذي يحرمه الإسلام هو هذا النوع الاستهلاكي فقط لما وقع الإثم على المقترض … الذي هو في وضع المعذور المحتاج أو المضطر . ولانصب اللعن على المقرض وحده .
وهو غير صحيح أيضا لما هو معروف من أن أول ما ألغاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الربا حين نزلت آية التحريم هو ربا عمه العباس ، وقد كان ربا استثماريا - بلغة العصر- إذ كان العباس تاجرا كشأن غيره من التجار يجمع من قريش أموالا يستثمرها في تجارته بالشام ، ولم يكن يجمع أموالا لحاجة استهلاكية من طعام وشراب .
ومن المعروف تاريخيا أن مكة كانت تعيش اقتصاديا على رحلتي الشتاء والصيف ، أولاهما إلى اليمن وجنوب الجزيرة ، وثانيتهما إلى الشام ، وكان يتم تمويل هذه الرحلات عن طريق القروض الموصومة بالربوية: أولا من اليهود الذين كانوا يقيمون بالطائف بعد طردهم من اليمن ، ولم تكن لهم صناعة إلا الإقراض بالربا ، وثانيا من أغنياء قريش في مكة ، وقد كان منهم بعض من أسلموا كالعباس ، وخالد بن الوليد ،وعثمان بن عفان ، ومن ذلك كانت قافلة أبي سفيان التي كانت سببا في غزوة بدر .
وكان التجار يعتمدون في سداد الربا على الأرباح التي تدرها التجارة عليهم .
أي كانوا يقومون - كما يقول الدكتور محمد عبد الله العربي في بحثه أمام المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية - بنفس الدور الذي تقوم به البنوك الآن .(/3)
يروي الإمام الطبري تفسيره في أسباب نزول قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) أنها نزلت في العباس بن عبد المطلب ، ورجل من بني المغيرة ، كانا شريكين في الجاهلية سلفا بالربا إلى أناس من ثقيف ، وهم بنو عمرو بن عمير ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا .
وروى أيضا أن بني عمرو بن عمير هؤلاء كانوا يعملون بالربا مع بني المغيرة ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير ، فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية .
وروى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح ثقيفا على أن ما كان لهم من ربا على الناس ، أو ما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع .
وصريح هذه النصوص - كما يقول الدكتور حسن صالح عناني [10]- أن العباس وشريكه كانا يقرضان بني عمرو بن عمير من مال الشركة ، وفي الوقت ذاته كان بنو عمير يقرضون بني المغيرة ، كما كانت ثقيف تقترض ثم تقرض بالربا .
ومعنى ذلك أن هؤلاء كانوا يقومون بنفس الدور الذي يقوم به البنك اليوم في تحريك رأس المال في التجارة الاستثمارية .
وأن إقراض الأموال في الجاهلية كان بقصد استثمارها ربويا .
وأن المقرضين كانوا يستغلون القرض : إما في التجارة - مباشرة - للربح وسداد الربا ، وإما بإعادة تدويره وإقراضه لآخرين بالربا . وهي خبرة مستفادة من تجار المال من جيرانهم اليهود
ونضيف إلى ذلك : أن ما يسمى مشروعا استثماريا - تجارة وصناعة مثلا - فإنه يؤول بالقطع إلى حالة استهلاكية يدفع فيها المستهلكون جميع التكاليف عندما يشترون إنتاج هذا المشروع ، فيتحملون في ثمن الشراء كل تكاليف أقساط الربا ، فالذين يدفعون الفوائد الموصومة بالربوية هم في نهاية الأمر المستهلكون .
إن وصف الربا بأنه إنتاجي أو استهلاكي هو مسألة اعتبارية محضة ، فكل ما هو إنتاجي من ناحية استهلاكي من ناحية أخرى ، والعكس صحيح .
إن الفوائد التي تؤخذ على قرض لمشروع لإنتاج حديد التسليح مثلا يدفعها في نهاية الأمر ذلك الذي يشتري المنزل أو يستأجر الشقة .
وقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر منذ الستينات - في المؤتمر الثاني - قراره بان الفائدة حرام ، وهي ربا ، سواء فما يسمى مشروعا إنتاجيا ، أو استثماريا ، أو استهلاكيا . كله سواء .ونص القرار ما يأتي (الفائدة على أنواع القروض كلها محرم ، لافرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي ، لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين )
أما الوهم الخامس وهو الوهم الطنطاوي الأكبر ففي القول بأن ما تقوم به البنوك هو المضاربة المقررة شرعا
حيث ذهب الشيخ طنطاوي في فتواه المعروفة والصادرة عنه منذ كان مفتيا للديار المصرية إلى أن ما تقوم به البنوك في عملية جمع المدخرات ودفعها لأصحاب الحاجات والمشروعات هو المضاربة المشروعة ، غاية ما في الأمر أنها عند البنوك محددة الربح سلفا ، بخلاف المضاربة المعهودة ، وهذا التحديد للربح سلفا لا يغير من الوضع الأساسي لكون المضاربة مضاربة ، والخلاف حوله مسألة اجتهادية ، لاتجر إلى الربا سلبا أو إيجابا ، وهو وضع جديد له دواعيه من حيث قطع الخلاف بين طرفي المضاربة حول الربح مستقبلا ، ومن حيث إن المؤسسات البنكية لا تخسر وإن خسرت عوَّضت ما خسرت.
ولكي نبين خطأ هذا الرأي نبدأ أولا بإزالة الخلط الذي يقع بين مال القرض والوديعة والمضاربة ، وكما يقول الشيخ بإسهاب :( من المتفق عليه بين العقلاء أن فهم الأمور فهما سليما يؤدي إلى الحكم الصحيح عليها ) [11].
وسنبين هنا أن أعمال البنوك التي تقوم فيها بجمع أموال المدخرين وإعطائها للطالبين لها حسب شروطها ليست من أعمال المضاربة كما تصور الشيخ ، ولكنها من القروض التي قال فيها بوضوح : ( والقرض إذا جر نفعا يكون من باب الربا المحرم إذا اشترط المقرض على المقترض زيادة معينة) [12].
ومن هنا نقول بشيء من التفصيل : إن المال الذي يقدمه المدخرون للبنك ، أو يقدمه البنك للمستثمرين :
أولا : لا ينطبق عليه وصف الوديعة شرعا لأنها - أي الوديعة - لاضمان فيها على المودَع لديه إلا في حالة الإتلاف عمدا ، وهي أمانة يجب إرجاعها عند الطلب بغير زيادة أو نقصان [13]ولا هكذا البنك .
ثانيا : وهي ليست من المرابحة – بداهة – تلك التي يقول فيها الشيخ طنطاوي ( قد عرفها بعض الفقهاء بأنها بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح ) .(/4)
ثالثا : وهي ليست من المضاربة التي هي كما يقول الشيخ طنطاوي في فتواه : ( المضاربة : معناها بإيجاز أن يقدم إنسان يملك المال ولا يحسن العمل ، مبلغا من المال إلى إنسان آخر يحسن العمل ولا يملك المال ، لكي يستثمره له على أن يكون الربح بينهما مناصفة أو اكثر أو اقل) [14] ، فالمضاربة عقد شركة في الربح ، بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر . وفي المضاربة يكون المال المدفوع إلى العامل أمانة في يده ، لأنه قبضه بأمر مالكه ، لا على وجه البدل كما في البيع ، ولا يختص بنفعه كما في الإجارة ، فكان العامل أمينا ، ووكيلا في التصرف ، وبناء عليه لا يضمن التلف أو الخسارة إلا أن تكون متعمدة ، أو بتعد منه . وذلك موضع الإجماع كما يقول الإمام ابن رشد [15]
فإذا شرط رب المال الضمان على العامل ؛ فالمضاربة فاسدة عند مالك والشافعي أو هي جائزة والشرط باطل كما هو عند أبي حنيفة وأصحابه ، واتفقوا على أن حكم القراض الفاسد فسخه ورد المال إلى صاحبه ما لم يفت بالعمل [16].
وإذن فالذي يقوم به البنك ليس من باب المضاربة ، كما أنه ليس من باب الوديعة ، وإنما هو من باب القرض الذي يرد بزيادة مشروطة وهي ربا باتفاق . وهو هو القرض الذي عرفه الشيخ طنطاوي بإسهاب ، لغة وشرعا [17]
والقرض إذا جر نفعا يكون من الربا المحرم كما يقول الشيخ طنطاوي نفسه [18]
ونقطة البحث هنا : حول ما وقع فيه الشيخ طنطاوي من حِل فوائد البنوك المعاصرة الموصومة بالربوية ، على أساس عقد المضاربة ، ثم ما يقوم به من سحب المناقشة بعد هذا الافتراض إلى البحث حول صحة أو عدم صحة تحديد الربح مقدما بنسبة من رأس المال .
والخطأ الكبير الذي وقع فيه الشيخ هو ما أراد لنا أن نتوهمه من أن البنوك تقوم بأعمال المضاربة
إن معاملات البنك في المدخرات التي يجمعها ثم يدفعها للطالبين لها حسب شروطه لا تدخل في عقد المضاربة أصلا - لا لأن الربح محدد سلفا مما يدور حوله الجدل - ولكن لأن هذا هو واقع أعمال البنك .
البنك لا يقوم بمشروعات استثمارية - سواء بخبرة العمل أو بقوة المال - ولا يشارك فيها -إلا بنسبة ضئيلة محكومة بنسبة محددة من نشاطه العام كما سنبين بالتفصيل فيما بعد - البنك يتحرك ضمن نطاق القرض ، وهو يتعامل في هذه القروض بالزيادة ، له أو عليه ، فهو يتعامل بالربا الصريح ، وهو عبارة عن مكتب مراباة ، يتوسط بين المرابي الأول - الذي يدفع إليه المال - وبين صاحب المشروع الاستثماري ، ويقوم هو - أي البنك - بدوره بين الاثنين مرابيا ثانيا .
ولزيادة الشرح لهذه الحقيقة الواقعة نقول :
في أعمال البنك توجد ثلاثة أطراف :
المرابي الأول ( من يسمونه المودِع ) وهذا يأخذ فائدة10 % مثلا
المرابي الثاني - وهو البنك - يأخذ فائدة 20 % مثلا
والثالث صاحب المشروع ، ذلك الذي يؤسس مصنعا أو مزرعة أو عمارة ، وهذا يدفع مجموع الربوين !!
فأين هذا من المضاربة ؟ المضاربة مشاركة من جانب بمال ، ومن جانب بعمل أو خبرة ، والبنك لا يشارك بأي من الأمرين .
البنك ليس له سهم ملكية في المشروع الاستثماري كما هو شان المضارب بالمال -- إلا نادرا كما سنبين -- ونناقش فيما بعد - - فهو ليس شريكا بالمال فهو ليس مضاربا بالمال .
والبنك لا يقوم بعمل في المشروع الاستثماري ، فهو من ثم ليس مضاربا بجانب العمل .
البنك واقف بين الطرفين : ينحصر دوره في أنه يقترض من صاحب المال ، ثم يقرض صاحب العمل ، وهو بالرغم من أنه لا عمل له ولا مال يحصل على ربح ، بل على ما يكون اسمه شرعا : الربا .
وصاحب المشروع الذي هو الطرف الثالث يخسر - إذا خسر - فتصادر أصوله الثابتة ، كما تصادر أمواله الأخرى الضامنة والتي تقع تحت طائلة القانون حامي البنك .
إنه – أي البنك - مضخة مالية : تجمع المال من المقرضين الأوائل ، ثم تقوم هي بدور المقرض الثاني ، فتضخه إلى المقترضين العاملين في المشروع الاستثماري .
إن البنك - لا يشارك صاحب المشروع الاستثماري - فانفصل عن الاستثمار أو المضاربة من بداية الأمر ، فأصبح الحديث عن اجتهاد جديد في تحديد الربح أو عدم تحديده من رأس المال .. اجتهادا في غير الموضوع وهروبا من المشكلة إلى الأمام .
البنوك نشاط مالي بحت ، والآلة الاقتصادية الحديثة الضخمة المعقدة تحتاج إلى هذا الجهاز في صورته تلك : أن يكون جهازا ماليا بحتا ، لا يقوم بمشروعات غالبا ، ولا يشترك فيها ، وإن كان يقرض أصحابها . wb
هذا بحكم احتياجات الحركة الاقتصادية المعاصرة .
هذا بحكم التخصص بين المؤسسات والأجهزة ، وهذه حاجة معاصرة أيضا .
البنك أشبه ما يكون بالطلمبة في المزرعة : يجمع المال ثم يضخه ،كما تجمع الطلمبة الماء ثم تضخه .(/5)
والذين يتوقعون من البنك أن يقوم بمشروعات يشارك فيها يطلبون منه ما ليس له ، يطلبون منه ما هو خارج عن طبيعته واختصاصه ، كما لو طلبنا من الطلمبة أن تكون محراثا ، أو كما لو طلبنا من مهندس الميكانيكا أن يكون مهندسا زراعيا ، أو كما لو طلبنا من الصيدلي أن يكون بقالا .
من حق البنك - بل من طبيعته - أن ينزعج ويرفض .
واسألوا هذه البنوك نفسها ، : نعم إنها تسخر منا عندما نلصق بها أنها تقوم بالمضاربة ، ولكنها تلوذ بالصمت - في هذه النقطة لكي تحصل على التبرئة من تهمة الربا .
لكن اسألوها : هل تقبل أو يمكنها فعلا أن تقوم بمشروعات في أكثر من النسبة الضئيلة التي يحددها البنك المركزي والتي سنذكرها بعد ؟ ، اسألوها هل تقبل أن تكون شركات توظيف أموال كالشريف وما أشبه ؟ الإجابة – من واقع وظيفتها الاقتصادية القانونية المتخصصة - : لا . وهي إجابة تكشف عن مكنون هذه البنوك : وأنها لا تعدو أن تقوم بدور مقترض من المدخرين الذين هم الطرف الأول ، وتُقرض أصحاب الحاجات الذين هم الطرف الثالث . تقوم بوظيفة عمرو بن عمير : مضخة تجمع المال ثم تضخه . إنها لاتقبل ولا يمكن أن تقبل أن تكون محراثا .
ثم اسألوها ثانية : هل تقبل أو يمكنها أن تجعل أموالها التي أقرضتها لأصحاب المشاريع مملوكة لها ضمن المشروع ؛ بأن تصبح مالكة أو شريكة في ملكية المشروع لا تخرج عنه إلا ببيع وشراء ؟
أم هي أموال واجبة الرد في آجال محددة ، لابد من ردها على دفعة واحدة أو على أقساط ، وفق العقد الذي بينها وبين صاحب المشروع ، فهي أموال قرض ، وليست أموال مشاركة ؟
الجواب واضح شديد الوضوح : وهو أن ذلك يعني تغييرا له من شركة بنكية ، إلى شركة استثمارية .
إن ذلك يعني بوضوح أيضا أن المركز القانوني لهذه البنوك مع أصحاب الأموال من ناحية وأصحاب المشروع من ناحية ثانية هو مركز الطرف المتوسط الذي يقترض ثم يقرض ، الأمر الذي لا يترك مجالا لإلحاقه بمركز المضارب ، وبالتالي يقفل الباب ابتداء أمام الاجتهاد في كونها مضاربة صحيحة أو فاسدة ، وفيما إذا كان يجوز تصحيحها بوجه من وجوه الاجتهاد في تصحيح المضاربة ؛:
سواء من جهة البحث في جواز تحديد الربح مقدما ، أو عدم تحديده .
أو من جهة اعتبار الزيادة الثابتة على رأس المال من باب أجر المثل الذي يجيزه الفقه في المضاربة الفاسدة لتصحيحها ، لأن أجر المثل يعطى لصاحب العمل نظير عمله ، لا لصاحب المال ، ومن ثم لا يصح قياس البنك عليه ، لأنه ليس صاحب عمل ، ولكنه صاحب مال ، فإذا أخذ الأجر على المال فذلك هو الربا بعينه ، ولا شأن إذن للمضاربة الصحيحة أو الفاسدة بذلك . .
ولابد من التعرض هنا لقول الشيخ طنطاوي وأمثاله أن البنك يقوم بمشروعات ، ومن ثم فهو يقوم بدور المضارب ، والرد على ذلك يأتي أولا بتأكيد دور البنك في الاقتراض والإقراض ، وأنه قد يقرض من يقومون بمشروعات ، ولكنه يظل بمنأى عن المشاركة فيها ، وتحمل مسئولية المكسب والخسارة .
وقد تقوم البنوك بدراسات جدوى للمشروع ، ولكنها إنما تفعل ذلك للاطمئنان على مصير قرضها الذي قدمته لأصحاب المشروع لا أكثر ولا أقل .
نعم ؛ قد تقوم بعض البنوك ببعض المشروعات ، ولكنها لا تفعل ذلك إلا في نطاق نسبة ضئيلة محدودة من رأس المال المودع لديها خضوعا لنظريتها الاقتصادية التي تقوم عليها .
وكما يقول الأستاذ الدكتور حسين حامد في بحثه المنشور على موقع إسلام أون لاين 25\12\2002 ( إن البنوك التجارية والمتخصصة لا تملك استثمار الودائع بنفسها استثمارًا مباشرًا؛ بمعنى الاتجار فيه، بل تملك إقراضه للغير بفائدة. وذلك بحكم القانون المصري رقم 163 لسنة 1957 والقوانين المعدلة له في المواد : المادة رقم 26 والمادة رقم 38 من نفس القانون ، والمادة رقم 39 من نفس القانون أيضا والمادة رقم 45 فهذه النصوص تقطع بأنه يحظر على البنوك التجارية وغير التجارية العاملة في مصر الاستثمار عن طريق الاتجار بالشراء والبيع بصفة مطلقة، إلا إذا كان التملك وفاء لدين، وبشرط التصرف في العقار أو المنقول خلال مدة محددة، أو كان العقار مستخدمًا لإدارة البنك أو لأماكن ترفية موظفيه. وحتى في حالة المشاركة في تأسيس الشركات وشراء أسهم، يحظر على البنك أن يمس الودائع مطلقًا، بل إن له أن يتصرف في حدود حقوق المساهمين
فافتراض الفتوى أن البنوك تقوم باستثمار الودائع بالاتجار فيها بالبيع والشراء بصفة مباشرة، أو حتى شراء أسهم الشركات افتراض غير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل. وإذا كنا نتكلم عن أمر واقع.. فأين هو؟ وأي بنك يقوم باستثمار الودائع بنفسه استثمارًا مباشرًا؟ وأين يعمل؟ أيعمل في مصر أم في الخارج؟؟ ) اهـ
وعلى سبيل المثال : نذكر ما نشرته الأهرام في 20\8\1988 من تعليمات البنك المركزي بالقاهرة في تحديد أنشطة البنوك في مصر ، وقد جاءت على النحو التالي :
60 % من إجمالي الودائع للإقراض .(/6)
25 % رصيدا احتياطيا لدى البنك المركزي للاستعانة بها عند الضرورة
15 % لشراء أوراق مالية ومواجهة صرف شيكات للعملاء
ومن هذا يتبين أن ما يسمح به للبنوك للمساهمة في الشركات كمساهمين لا يصح أن يزيد على سهم من ثلاثة أسهم من الخمسة عشرة في المائة ، التي خصصت لأغراض ثلاثة : هي شراء الأسهم ، وشراء السندات ( أوراق مالية ) وسحب العملاء . ؟ !
وفتوى الشيخ طنطاوي لا تواجه هذه الحقيقة ولكنها تسوق لنا خبر مشاركة البنوك بنسبة كبيرة من الأسهم في عدد من الشركات ، ووثيقة مشاركتها بنسبة كبيرة في بعض المشروعات ( شركة السويس للأسمنت ) [19] كمثال ، ولا نزاع في ذلك ، ولكن النزاع هو في الحقيقة التي كان من اللازم إعلانها : وهي أن هذه المشاركات مهما بلغت فإنه لا يسمح لها بأن تزيد عن النسبة الضئيلة من أعمال البنوك والتي لابد وأن تدور في نطاق القانون والسياسة العليا للبنوك التي لا تسمح بالمشاركة في أكثر مما يحدده لها البنك المركزي وفقا للإحصائية السابقة تقريبا .
وقد سمعت بعض المغالطين ممن يأخذون الفائدة من البنك يقول : سأفترض أن حصتي من المال الذي أقدمه للبنك قد استثمره البنك في هذا الجزء الضئيل الذي يوجهه للمضاربة أو المشاركة ، وفضلا عما في هذا القول من هزل لا ندري معه من الذي وقع نصيبه في هذا النشاط الذي لا يتعدى عشرة في المائة من أموال البنك فيكون ما يأخذه من فائدة حلالا ، ومن الذي لا تقع حصته فيه فيكون ما يأخذه ربا ، اللهم إلا أن نطبق هنا ما يشبه قسمة الغرماء فيكون كل من المودعين واقعا في الحلال بنسبة 10 % وواقعا في الحرام بنسبة 90% …. فضلا عن ذلك كله فهو لا ينقذ البنك من وقوعه في الربا المحرم بنسبة تسعين في المائة على الأقل من مجموع أمواله المتداولة في نطاق التعامل بما يسمى الفائدة .
والخطأ الذي وقعت فيه فتوى الشيخ طنطاوي هو في تصوره أن البنك يمكن أن يترك وظيفته الأصلية ليتحول إلى المضاربة ومن ثم وقع في خطأ آخر في فهم ما ذهب إليه الشيخ محمد عبده من جواز تحديد الربح مقدما – فيما تستثمره الدولة من أموال المدخرين – سواء في صندوق التوفير الذي انتشر التعامل فيه في النصف الأول من هذا القرن وما يزال ، أو غيره - لأن صورة ما تكلم عنه الشيخ محمد عبده يمكن أن يتصور فيها قيام الحكومة التي تضع يدها على هذه الأموال بدور المضارب في مشروعاتها الاستثمارية أو الخدمية على السواء [20]
كذلك وقعت الفتوى في خطأ فهم ما ذهب إليه الشيخ عبد الوهاب خلاَّف من جواز تحديد الربح مقدما في الصورة التي تحدث عنها في مقاله بمجلة لواء الإسلام لأنه –أي الشيخ عبد الوهاب خلاف - إنما كان يتحدث عن حالة مضاربة صريحة يقوم فيها أحد الطرفين بتقديم المال ، والآخر بتقديم العمل المضاربة : أعم من أن تكون مضاربة صحيحة أو فاسدة ، وما تكلم الشيخ بصدده من أعمال البنوك في جمعها لأموال المدخرين وإعطائها لأصحاب الحاجات بفوائد ليس من المضاربة في شيء .
ومن ثم يصبح ما ذكره الشيخ من دفاع مستفيض عن صحة تحديد الربح مقدما في المضاربة في تسع نقاط من صفحة 127-135 من كتابه معاملات البنوك وأحكامها الشرعية من باب الجدل المفتعل للتغطية على أصل القضية ، ومن ثم فهو لغو خارج الموضوع .
ومن هنا جاء توريط مجلس المجمع في تمرير فتوى الشيخ إذ عرض عليه- عام 2002 - سؤال عن الاستثمار ، ثم عمم على أساس أنه عدول عن فتواه السابقة عام 1965 ، وموافقة على فتوى الشيخ .
أما الوهم السادس ففي القول بأن البنوك لا تخسر ؟
وهو الوهم الساذج الذي يبني عليه الشيخ طنطاوي تبريره لصحة تحديد الربح مقدما في فوائد البنوك بناء على أن البنك لم يحدد الربح مقدما إلا بعد دراسة مستفيضة ودقيقة لأحوال الأسواق العالمية والمحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط أرباحها … إلخ
ونظر ا لما هو واضح من أن هذا محض كلام نظري ، فإنه – أي الشيخ - يحتاط لما يظهر فعلا من خسارة تقع بالبنك أو بغيره في هذه الأعمال فيفترض افتراضا نظريا آخر وهو على حد قوله ( إن الأعمال التجارية المتنوعة إن خسر صاحبها في جانب ربح في جانب آخر ، وبذلك تغطي الأرباح الخسائر وتزيد الأرباح على الخسائر في معظم الأحيان ) هكذا بدعوة منه مفتوحة على التفاؤل !![21]
نقول ردا على ذلك : الصحيح أن المشروعات التي تقرضها البنوك معرضة للخسارة ، وهذا هو الأساس في نظرية البنك التي تقوم على أن الفائدة التي تأخذها البنوك عند الإقراض ، هي ثمن ما يسمى ( المخاطرة ) .
وإذن فالقول باستبعاد الخسارة في المشروعات التي تقرضها البنوك ابتداء قول لا يستقيم مع نظرية الفائدة أصلا .(/7)
وفضلا عن ذلك فان البنوك معرضة للخسارة بما لا يمكن - ولا يصح - تغطيته من الفوائد التي تتقاضاها من أصحاب المشروعات الاستثمارية ، بدليل أنها في هذه الأحوال تلجأ إلى تقاضي هذه الخسارة من الأصول الثابتة المرهونة التي يملكها الطرف الثالث المقترض من البنك القائم بالمشروع الاستثماري .
فإذا لم تكن هذه كافية تخلص البنك منها - لجوءا إلى سلطة الدولة أو آليات السوق - برفع أسعار المنتجات فيتحمل المستهلك عندئذ الخسارة .
فإذا لم تكن هذه كافية تدخلت الدولة بإصدار بنكنوت جديد عن طريق التمويل بالعجز، أو ما يسمى التضخم ، أو بتخفيض القيمة الشرائية للعملة المحلية ، بما يتحمله جميع المتعاملين بهذه العملة في الداخل أو في الخارج .
وفي جميع هذه الأحوال : هناك الخسارة ، لكن أساليب الاقتصاد الربوي الحديث تتمكن بآليتها من تحويل هذه الخسارة إلى أضعف الأطراف ، وهو المستهلك الذي لم يدخل طرفا في هذه العملية في أي دور من أدوارها .
فإذا لم تتمكن هذه الآليات من الإجراءات السابقة فإن تاريخ انهيار البنوك وإفلاسها تاريخ شهير ، حافل ، حيث تتحول هذه الخسارة إلى أضعف الأطراف : مسئولة أو غير مسئولة ، من مالكي البنك والمودعين والمستهلكين والثروة القومية والدولة على السواء .
وعلى سبيل المثال نذكر ما نشرته جريدة الأخبار المصرية في 16\8\ 1988 في الصفحة الثالثة : من أن البنك المركزي أصدر تقريرا سريا عن عملاء البنوك المصرية المتوقفين عن سداد القروض ، وقد بلغت ديون الكبار منهم الذين اقترض الواحد منهم أكثر من عشرة ملايين جنيه : بلغت 832 مليونا من الجنيهات ، أما الصغار الذين اقترض الواحد منهم أقل من عشرة ملايين فقد بلغت مديونيتهم عدة مئات أخرى ، وما نشرته الوفد في 6\8\1991 من أن البنوك المصرية تدين شركات القطاع العام المتعثرة بثمانية وثلاثين مليارا من الجنيهات .
وعلى المستوى العالمي فان تاريخ انهيار البنوك تاريخ حافل ، نذكر كمثال أخير ما نشرته جريدة الخليج بعددها الصادر في 30\8\1995 بعنوان ( إفلاس مصرفين عملاقين في اليابان ، والحكومة تعوم أحدهما وتجمد الآخر ، حيث أعلن وزير المالية ما سا يوشي تاكيمورا عن خطة لإنقاذ بنك هيوجو المحدود الذي كان له حتى 31\3\1995 قروض قيمتها 2.77 تريليون ين ( 28.2 مليار دولار ) وودائع 2.53 تريليون ين ( 25.8 مليار دولار ) وهو يرضخ تحت وطأة ديون متعثرة أدت بوزير المالية إلى إنشاء بنك جديد يتولى أعمال هيوجو ويتخلص من ديونه خلال العشر سنوات المقبلة .
ومما يذكر في هذا الصدد ما تناقلته الأخبار من أن الحكومة الأمريكية تقترض 41.1 مليون دولار كل ساعة و مديونيتها وصلت حجما خرافيا يستعصي على الحل حيث بلغت فاتورة اقتراضاتها حوالي 4 تريليون دولار بكلفة 200 مليار دولار سنويا كفوائد وأنه من المتوقع أن يصل العجز في الموازنة المالية السنوية إلى حدود 400 مليار دولار في عام 1992 [22].
ويبقى الإشارة إلى انهيار الاقتصاد الماليزي والإندونيسي والكوري والآسيوي بصفة عامة بعد تقدم كبير وصفت فيه هذه الدول بالنمور الآسيوية وذلك تحت وطأة المضاربات في البورصة وفق مؤامرة ربوية كبرى قام بها اليهودي الرأسمالي العالمي المدعو جورج سوروس فقدت فيها عملة ماليزيا فجأة في يوليو 1997 30 % من قيمتها [23].
( وقد ورد في بيان لصندوق النقد الدولي صدر في نوفمبر 1997 أنه في خلال الخمس عشرة سنة الماضية تعرض ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي - أكثر من مائة دولة - لأزمات في القطاع المصرفي ، فمنذ عام 1980 مثلا بلغت تكلفة المصاعب المالية بالقطاع المصرفي في الدول النامية فقط 250 مليار دولار أمريكي ، فبالإضافة إلى انهيار بنك بيرنجز البريطاني تعرض أحد أكبر البنوك الفرنسية واسمه كريدي ليوني لكارثة مالية كلفت مساهميه ما لا يقل عن 35 مليار دولار ، وعليه فإن طبيعة نشاط المؤسسات المالية يجعلها عرضة لأنواع من الأزمات تتعلق في كثير من الأحيان بعنصر الإشراف والتنظيم )[24] ، وهما عنصران دائمان باحتمالاتهما الإيجابية والسلبية في كل نشاط مصرفي .
وبهذا يتبين أن القول بان البنوك غير معرضة للخسارة وإن تعرضت فإنها تملك احتواء الموقف قول غير صحيح على إطلاقه ، وفي فشلها في ذلك تأتي الكوارث المالية والاقتصادية والسياسية الكبرى مما هو معروف ، ونحن في غنى عن تسجيله الآن .(/8)
يقول الشيخ طنطاوي [25] : إن البنوك إذا خسرت في عملية تربح في أخرى ، فيغطي الربح الخسارة . وهنا نقول : بالرغم من محدودية هذه الآلية ضمن ظروف محدودة ، فإن على الشيخ أن ينظر في مسألة الخسارة هذه إلى الطرف الثالث ؛ الذي هو صاحب المشروع المقترض من البنك الذي يخسر مشروعه لبوار السلعة التي ينتجها المصنع ، أو اجتياح آفة لمحصوله الزراعي ، أو انهيار عمارته ، أو زيادة التكاليف على الدخل ، أو لأسباب عالمية ، أو لأسباب أخرى ، وهو الذي يدفع للبنك فائدة يذهب جزء منها إلى خزينة المرابي الأول ( المودع ) ويذهب الجزء الثاني إلى خزينة المرابي الثاني ( البنك ) ؟! فأي ظلم ؟؟
ويرى الشيخ طنطاوي [26]: أنه في حالة التضرر من الخسارة ينبغي أن يسمح باللجوء إلى القضاء . ونقول : فضلا عن أن ذلك يتعارض مع مقتضى قانونية أوضاع البنوك ، ولا يمكن السماح به ، فان فيه إقرارا بأن العلاقة بين صاحب المال ، ( المودع والبنك معا ) وصاحب المشروع يجب أن تقوم على نسبة من واقع المكسب والخسارة - رفعا للظلم عن كاهل أصحاب المشروعات - وليس على تحديد سابق لمبلغ الفائدة ، فإذا كان ذلك كذلك … أليس هذا ما يقول به الفقهاء من أن المضاربة يجب أن تقوم على نسبة من المكسب والخسارة ، دون تحديد لمبلغ معين من الربح سلفا ؟
هذا ومن المعروف أن مثل هذه الخسارة والتضرر لا يحدث نادرا ، بحيث يغفل أمره في بداية الأمر ، ثم يرفع أمره إلى القضاء عندما يفاجئ بالحدوث ، ولكنه هاجس البنك الذي يحتاط له بالرهن ، وفرض الامتياز على أصول المشروع . والأضابير مملوءة بأمثلة تفوق الحصر لأصحاب الطرف الثالث - أصحاب المشروعات - التي انصبت الخسارة على رءوسهم ، وخربت بيوتهم أو اصطنعوها وأعلنوا الإفلاس ؟!
ويكفي أن نتذكر الآن الخسارة التي وقعت على رأس مصر – كدولة - في ديونها مرتين في قرن واحد : مرة في أواخر القرن التاسع عشر أدت إلى مجيء الجيوش الأجنبية ، ومرة في أواخر القرن العشرين أدت إلى مجيء صندوق النقد الدولي !.
أما الوهم السابع من كبار الأوهام الطنطاوية فهو ما ذهب إليه في مناقشة القاعدة الفقهية في عدم تحديد الربح مقدما في المضاربة
وإذا كنا قد كشفنا ما تقدم من الأوهام دون الاضطرار إلى الدخول في موضوع تحديد الربح أو عدم تحديده مقدما فإن موضوع تحديد الربح أو عدم تحديده يصبح خارج الموضوع .
ومع ذلك فقد كان يجب على الشيخ أن يحسن الظن بالفقهاء عندما اشترطوا عدم تحديد مبلغ الربح سلفا في المضاربة ، وأنهم عندما أجمعوا على ذلك كانوا متوافقين مع العقل والنقل معا [27] .
أما من ناحية العقل فلأن الإخلال بهذا الشرط يخرج المضاربة من كونها مضاربة إلى عقد آخر قائم بذاته : إذ يتحول رب المال من شريك بماله للمضارب الشريك بعمله ..يتحول إلى دائن ذي دين مضمون - وهذا حق له - وذي ربح مضمون ، وهذا ليس حقا له من الناحية الشرعية لأنه هو الربا .
وأما النقل فهو ما جاء في أحاديث المزارعة التي نص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا يجوز أن يكون نصيب مالك الأرض أو العامل فيها هو ما يتحدد في بقعة معينة من الأرض .
فقد أخرج البخاري بسنده عن رافع بن خديج ( كنا أكثر أهل الأرض مزدرعا ، كنا نكري الأرض بالناحية – أي بما يخرج من ناحية منها - منها مسمى لسيد الأرض ، قال فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض ، ومما – وفي رواية فمهما في الموضعين - تصاب الأرض ويسلم ذلك ، فنهينا عنه فما الذهب والورق – أي الفضة – فلم يكن يومئذ )
وفي رواية أخرى للبخاري بسنده عن رافع أيضا قال : ( وكان أحدنا يكري أرضه فيقول : هذه القطعة – أي ما يخرج منها – لي ، وهذه لك ، فربما أخرجت ذه ، ولم تخرج ذه ، فنهاهم النبي صلى الله عليه عن ذلك )
ورواه مسلم وأبو داود والنسائي عن رافع أيضا قال : " إنما كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات – مسايل المياه – وأقبال الجداول – أوائل المساقي والأنهار الصغيرة – وأشياء من الزرع ، فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما شيء معلوم مضمون فلا باس به )
ورواه البخاري وأحمد والنسائي عن رافع قال : حدثني عماي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء – جمع ربيع وهو النهر الصغير – وبشيء يستثنيه صاحب الأرض فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
وروى أحمد عن رافع أن الناس كانوا يكرون المزارع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم بالماذيانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنه )
يقول فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر الأسبق في بحثه حول الموضوع الذي قدمه للمؤتمر السابع لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :(/9)
( ومن هذا يتبين أن اشتراط جزء معين من الخارج لصاحب الأرض في المزارعة لا يجوز ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه ، لما يترتب عليه من الظلم بين الشريكين صاحب الأرض والعامل فيها لجواز ألا تخرج الأرض غير ما اشترطه الأول لنفسه ، فيضيع عمل العامل وجهده ، على حين ينتفع الشريك الآخر وحده
، فأما كراء الأرض بالذهب أو الفضة أو بشيء غيرهما معلوم ومضمون في الذمة فلا شيء فيه .
هذا هو ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورواه أئمة الحديث : البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنائي بألفاظ متحدة أو متقاربة ، ولا يسع الفقهاء من مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد إلا أن يتبعوه ويقولوا به في المزارعة والمساقاة والمضاربة وسائر الشركات ، فإن اشتراط جزء معين من ربح ذلك وثمراته لأحد المتعاقدين قد يؤدي إلى المعنى الذي من اجله ورد النهي ، فإنه يخل بالمقصود من العقد وهو الاشترك في النتائج والثمرات )
إن العلة الجامعة – كما يقول الدكتور محمد صلاح محمد الصاوي – بين المضاربة وبين المزارعة أن كلا منهما شركة بمال من جانب ، وعمل من جانب ، والحكمة في اشتراط الشيوع تحقيق العدل بين الطرفين ، لأنه إن اشترط ربحا معينا كمائة جنيه مثلا فقد يقل الربح حتى لا يصل إلى المائة ، وحينئذ تنقطع الشركة ولا يكون للعامل أو رب المال أو رب الأرض شيء ، بل قد لا يربح المال بالمرة ، والمعاملات المالية قائمة على العدل .
ويقول الإمام الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج ( وإذا كان اشتراط جزء معين من الخارج – لصاحب الأرض في المزارعة قد حظرته الشريعة ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلام لما فيه من الغبن والظلم بأحد الشريكين المتعاقدين على الاشتراك في الربح والخسارة فلماذا يرد في وجه الأئمة الفقهاء قولهم بلزوم خلو العقد من ذلك الاشتراط الجائر الظالم ؟ وهم لم يقولوه إلا تطبيقا للسنة الصحيحة وعملا بنا تدل عليه نصوصها الصريحة ؟ وكيف يسوغ من مطلع على نصوص الشريعة ومواردها أن يقول في اشتراط ربح محدد لرب المال في المضاربة إنه جائز غير مخالف لكتاب ولا سنة وإن كان فيه مخالفة لأقوال الفقهاء ؟ أو لا يكفي النص على حظر ذلك الاشتراط ومنعه في المزارعة فيعلم أنه محظور وممنوع في المضاربة والمساقاة وغيرهما من فروع الشركات ؟ وهل من حسن الظن بالشريعة العادلة أن يقال : إنها تمنع من الظلم والجور في شركة المزارعة وتبيح ذلك في شركة القراض ؟
هذا إلى أن الإمام مالك بن أنس رحمه الله قد اثبت في الموطأ انعقاد الإجماع على انه لا يجوز : اشتراط جزء معين غير نسبي لصاحب المال في القراض نفسه ، فإنه قال في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واشترط عليه فيه شيئا من الربح خالصا دون صاحبه : إن ذلك لا يصلح وإن كان درهما واحدا إلا أن يشترط نصف الربح له ونصفه لصاحبه أو ثلثه أو أقل من ذلك أو أكثر ، فإذا سمى شيئا من ذلك قليلا أو كثيرا فإن كل شيء سمي من ذلك حلال ، وهو قراض المسلمين . قال : : ولكن اشتراط أن له من الربح درهما واحدا فما فوقه خالصا له دون صاحبه وما بقي من الربح فهو بيتهما نصفين ، فإن ذلك لا يصلح وليس ذلك على قراض المسلمين ) اهـ
ويقول الإمام الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج في بحثه في المؤتمر المذكور عام 1972 في لهجة عتاب على أسلاف الشيخ طنطاوي الذين رسموا له قبل عقود طريق التطاول على أئمة الفقه والاجتهاد : ( ونظن أنه كان ينبغي التريث في الحكم ، فلا يهجم بغير بينة على الأئمة الفقهاء بما يمس مكانتهم في البحث والاجتهاد حتى على فرض أنه لم يعثر بادئ ذي بدء على تلك الأحاديث الصحيحة التي قدمناها
كان يجب قبل هذا الحكم الجريء – والكلام موجه للشيخ طنطاوي من شيخ شيوخه من ظهر الغيب - أن تدرس المسائل درسا مستوعبا كما كان يفعل أولئك الفقهاء الأعلام فيبحث في نصوص الشريعة عن كل ما يتصل بهذه المسائل ، وما ورد فيها من أمر أو نهي ، وقبول أو رد ، ويفهم ذلك منه فهما واحدا ، بجمع اطرافها وتستخلص به النتائج الفقهية الصحيحة ، ثم لا يكون على الباحث المستوعب من حرج بعد ذلك إذا هو خط ـأ فقيها من الفقهاء أو خطاهم جميعا برمية واحدة ، وهذا فيما نرى هو أول واجب لحربة الرأي وحرية البحث والنقد ، وهو أهم أركان الاجتهاد لمن يراه أنه أهل للاجتهاد ) !!!
نعم كان يجب على الشيخ طنطاوي أن يحسن الخطى على درج الاجتهاد ، وكان عليه قبل ذلك أن يحسن الظن بالشريعة والفقهاء جميعا عندما اشترطوا عدم تحديد مبلغ الربح سلفا في المضاربة ، وأنهم عندما أجمعوا على ذلك كانوا متوافقين مع العقل والنقل معا [28] .(/10)
ولكن الشيخ انخدع – مع الأسف - فيما ذهب إليه من صحة تحديد الربح مقدما في المضاربة ببعض الآراء الشاذة التي ألقيت في المؤتمر السابع لمجمع البحوث الإسلامية( 1972) من كون القاعدة الفقهية القائلة بعدم تحديدها مجرد اجتهاد فقهي يصح الخروج عليه ، وقلدها ، وروجها باسمه ، واعتبرها إنجازا عصريا مستجيبا فيها لدعوة الحداثة والتغريب ، والليبرالية !! غير ملتفت إلى ما جاء في هذا المؤتمر نفسه ببحث فضيلة الإمام الأكبر الأسبق الاستاذ الدكتور عبد الرحمن تاج من الرد على هذه الآراء والقضاء عليها في مهدها ، قبل أن يبعثها الشيخ طنطاوي من أكفانها .
ومن هنا فلا يصح إطلاق القول بأن شروط المضاربة جميعها شروط اجتهادية من وضع الفقهاء لا سند لها من كتاب أو سنة ، كما يزعم الشيخ طنطاوي : لأن اتفاق الفقهاء على هذه الشروط لم يحدث عرضا أو اعتباطا ، بل لأنهم رأوا إقرارَ الرسول صلى الله عليه وسلم للمضاربة ، وعملَ أصحابه بها .. رأوا ذلك الإقرار وذلك العمل واردا على معاملة خاصة ، من مقوماتها أن يكون الربح بين صاحب المال وبين العامل مشاعا ، فاعتبروا ذلك وقيدوا به هذه المعاملة ، وبينوا أنه إذا لم يتحقق لم تتحقق ماهية المضاربة التي تعامل بها السابقون وأقرها صاحب الشريعة [29]
إن محاولة التخلص من هذا الشرط - شرط عدم تحديد مبلغ الربح في المضاربة الصحيحة- بدعوى أنه شرط اجتهادي لم يرد به نص في كتاب أو سنة هي محاولة مبنية على زعم باطل
كما أنها لا تتفق مع نص القانون المدني في المادة الخامسة والخمسين التي تنص على أنه ( إذا اتفق على أن أحد الشركاء لا يساهم في أرباح الشركة وخسائرها كان عقد الشركة باطلا ) .
وبعد فإذا كنا قد تعرضنا في هذا المقال لمجموعة من الأوهام
وهم حصر الربا فيما يكون أضعافا مضاعفة
وهم حصر الربا في الأصناف الستة
وهم حصر الربا في الصورة البيئية في الجاهلية
وبخصوص الأوهام الطنطاوية :
وهم حصر الربا في القروض الاستهلاكية
وهم القول بأن البنوك الموصومة بالربا تقوم بعمليات استثمارية
وهم القول بأن البنوك لا تخسر وإذا خسرت عوضت ما خسرته
وهم القول بأن اشتراط عدم تحديد الربح مقدما في المضاربة اجتهاد محض يمكن تجاوزه
فقد بقي فيها وهمان رئيسيان :
وهم وجود توكيل من المدخر للبنك بالاستثمار ، أو من البنك للمستثمر ، فإذا قلنا فأين هو هذا التوكيل ؟ قالوا : يكفي النية ؛ فدخلنا في وهم آخر :
وهم كفاية النية ، كفاية نية التوكيل وإن لم يصرح به الطرفان أو أحدهما . ومع أنه لم يعد هناك موضوع لرد هذين الوهمين لقيامهما على وهم الاستثمار وقد أسقطناه ، إلا أن فتوى الشيخ تتمادى في سلسلة الأوهام ، وتدفع بها إلى مجلس المجمع ليصدر فتوى عام 2002 التي أوهمت بدورها أنه يساند الشيخ وما هو من ذلك في شيء ، غير المشاركة في صنع أوهام يقتات بها الجمهور الربا في نهاية المطاف ، ولهذا مقال قادم
والله أعلم
[1] \ أنظر كتابه ( الربا في نظر القانون الإسلامي ) ص 12
[2] أنظر كتابه " معاملات البنوك وأحكامها الشرعية ) ط 15 ص 98
[3] أنظر قرارات المؤتمر في كتاب المؤتمر الصادر عن الأزهر لعام 1385 \ 1965 ص 401
[4] \ أنظر كتابه " معاملات البنوك وأحكامها الشرعية" ط 15 ص 79
[5] أنظر بحث الشيخ عبد الوهاب خلاف المشار إليه في صلب البحث أعلاه
[6] كتابه المشار إليه سابقا ط15 ص 88
[7] أنظر ( مشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية وكيف عالجها الإسلام ) للدكتور محمد صلاح محمد الصاوي ، رسالة دكتوراة بالأزهر نشر دار الوفاء ط1 ص 535
[8] في هذه الصورة يخالف الشيخ طنطاوي بحق أستاذه الشيخ عبد الوهاب خلاف في تجويزه إياها بتأويلها على أنها من باب بيع السلعة بثمن مؤجل يزيد على ثمنها في حالة البيع بثمن حال ، كما جاء في مقالته بمجلة لواء الإسلام السنة الرابعة العدد الحادي عشر والثاني عشر 1370 ، 1951
[9] كتابه السابق الإشارة إليه ص 91
[10] \ أنظر كتابه ( معجزة الإسلام في موقفه من الربا )
[11] كتاب معاملات البنوك وأحكامها الشرعية 107
[12] المصدر السابق ص 86
[13] أنظر كتاب معاملات البنوك وأحكامها الشرعية للشيخ طنطاوي ط 15 ص 116
[14] المصدر السابق 126
[15] بداية المجتهد جـ 2 صـ 236
[16] \ المصدر السابق .
[17] كتاب معاملات البنوك وأحكامها الشرعية ط 15 ص 108
[18] \ كتابه السابق الإشارة إليه ط 15 ص 86
[19] كتاب معاملات البنوك وأحكامها الشرعية ط 15 ص125
[20] أنظر كتاب الشيخ طنطاوي ص 95
[21] كتاب المعاملات المصرفية والأحكام الشرعية ص 130- 131
[22] \ الخليج 12 \ 1 \1992
[23] \ الخليج 17\1 \1997
[24] \ الخليج 1\ 4 \1998
[25] المعاملات المصرفية والأحكام الشرعية ط 15 ص 130 - 131
[26] المصدر السابق ص 131
[27] \ أنظر بداية المجتهد .
[28] \ أنظر بداية المجتهد .(/11)
[29] كتاب مشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية للدكتور محمد صلاح محمد الصاوي ، رسالة دكتوراه في الأزهر ص 541-(/12)
تبرعات الكفار لبناء المساجد!
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ المعاملات/مسائل متفرقة
التاريخ ... 09/03/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم أخذ تبرعات من الكفار لصالح مشاريع إسلامية، مثل بناء المساجد أو دور العلم؟ هل يجوز لنا أخذ المال النقدي أو أي نوع من التبرعات؟ قد بدأنا في مشروع ولكن إمكانياتنا محدودة. وما مدى تأثير طلب الدعم من أفراد من الكفار في المجتمع الكافر على سمعة وكرامة الإسلام في عيون الكفار؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بناء المسجد وعمارته نوعان: حسية ومعنوية، وهو ما يشمله لفظ العمارة في قوله تعالى: "ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين"[التوبة:18،17]، فالعمارة الحسية والمعنوية في حق المؤمن جارية ومقبولة، وهي في حق الكافر جارية ممنوعة غير مقبولة، وأقصد (جارية) أنها قد تقع ولا أجر له في الاثنتين، بدليل قوله تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً"[الفرقان:23]، فالكافر قد يعمل أعمال البر والخير والنفع العام، ولكن لا أجر له على فعله، وعمارة المسجد المذكورة في الآية فسرت بالعبادة الشرعية التي هي العبادة المعنوية.
وبعض السلف قصر لفظ (المساجد) في الآية على المسجد الحرام خاصة لأنه قبلة المسلمين، ولذا عبر عنه بالجمع، وعلى كل يجوز لكم قبول التبرعات من الكفار لبناء المساجد أو دور العلم ومراكز الدعوة؛ لأن هذا من الكافر بمثابة الهدية للمسلم، وقبول هدية الكافر جائزة، فقد قبل الرسول –صلى الله عليه وسلم- هدية المقوقس النصراني ملك مصر. انظر الآحاد والمثاني (3124) والطبراني في الأوسط (7305)، وقبل الهدية من ملك الروم. انظر سنن أبي داود (4047)، وكان إذا قبل الهدية جازى عليها بمثلها وأحسن منها انظر صحيح البخاري (2585)، والممنوع أن يكون للكافر ولاية أي (مسؤولية) في المسجد، كأن يكون ناظراً في المسجد أو متصرفاً في أوقافه.
أما استئجاره واستخدامه لنحت حجارة المسجد أو البناء والحدادة والنجارة ونحو ذلك فجائز شرعاً ولا شيء فيه.
وإذا جاز قبول الهدية أو التبرع من الكافر لبناء المسجد وخدماته فلا ينظر بعد ذلك إلى حساسية شخصية عند بعض الناس، ولا ينقص ذلك من كرامة المسلم ودينه عند غير المسلمين، بل سترفعه في أعين العقلاء؛ لأنه لا يسعى في طلب التبرع لشخصه، وإنما لمصلحة عامة لدينه، لاسيما إذا كان المسجد أو المشروع الخيري سيقام في ديار الغربة بين ظهراني الكفار. والله أعلم.(/1)
تبشير الكفار بالنار
السؤال :
ما مدى مشروعيّة قول المسلم ( أبشروا بالنار يا كُفّار ) عند مروره بقبر كافر ، أو مقبرة للكافرين ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
لا يشك مسلمٌ في أنّ النّارَ مصيرُ الكافرين على تعدد مللهم ، و اختلاف عقائدهم ، و أنّ من مات على غير الإسلام خُلِّد فيها ، و الأدلّة على ذلك من الكتاب و السنّة و الإجماع كثيرةٌ مشهورة ، و هذا الحُكم معلوم من الدين بالضرورة ، فلا داعي للاسترسال في تقريره .
و ربّما قصد السائل ما روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَكَانَ وَكَانَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ : « فِى النَّارِ » . قَالَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ » . قَالَ فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِىُّ بَعْدُ وَقَالَ : لَقَدْ كَلَّفَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَباً ، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلاَّ بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ .
و هذا الحديث صحيح في إسناده ، صريح في دلالته على القطع بدخول الكافر النار ، و لكن لا يصلح دليلاً على وجوب التلفّظ بعبارة ِ ( أبشروا بالنار يا كفّار ) على وجه التحديد كلّما مرّ بقبورهم ، و ذلك لما يلي :
إن التبشير لا يستوجب التلفّظ بالبشارة ، فليس المقصود منها القول للكافر الميّت أنّه من أهل النار ، بمقدار ما يستفاد من الحديث الاعتقاد و الحكم على الكافر بسوء مآله و العياذ بالله .
إنّ قوله ( حيثُما ) من ظروف المكان لا الزمان ، و عليه فالمعنى المتبادر من هذا الحديث هو تبشير الكفار بالنار أينما مرّ بهم المسلم ، و ليس كلّما مرّ بهم ، و هذا فَرقٌ لطيف فليتنبّه إليه .
لم يفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، من الحديث وجوب التلفّظ بالصيغة المذكورة في السؤال عند المرور بقبور الكافرين ، و لو كان ذلك سنّة لفعله النبيّ صلّى الله عليه و سلم أو الصحابة و التابعون في خير القُرون .
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة ، و ما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت و إليه أنيب(/1)
تبصرة بني الإنسان بفضائح الأمريكان
محمد حسن يوسف
</TD
تناولنا في مقال سابق زيف الادعاءات بهزيمة الإسلام، لأن الله تكفل بحفظه. وخلصنا إلى أن من الواجب علينا في هذه المرحلة التي يشمر كل أعداء الإسلام أيديهم للقضاء عليه، يجب علينا أن ندرس جيدا تاريخ هؤلاء الأعداء، وأهمهم الولايات المتحدة باعتبارها أكبر عدو يواجه الإسلام في المرحلة الراهنة. ولكن لماذا نلجأ لمقال مثل هذا؟ بمعنى لماذا نلجأ لمقال نحلل فيه فضائح أعمال عدونا؟!! إن هذا النوع من المقالات في غاية الأهمية، خاصة في وقتنا الراهن، لعدة أسباب:
· مواجهة ادعاءات الأعداء:
فمثلا صرح رئيس الوزراء ( سلفيو بيرلسكوني ) بعد إعلان إحدى جماعات المقاومة العراقية عن إعدام الإيطالي ( إزو بالدوني ) بقوله: " ما من كلام يستطيع وصف هذا العمل اللاإنساني، الذي بضربة واحدة محا قرونا من الحضارة، ليعيدنا إلى عصور الهمجية الغابرة ".[1] وقد تناسى رئيس الوزراء الإيطالي تاريخ بلاده الدموي في ليبيا قبل عشرات السنين فقط وليس القرون، حيث كان الرجال يُقذفون أحياء من الطائرات المحلقة إلى الصحراء، بينما تدهس النساء والأطفال تحت جنازير المدرعات. فأية حضارة تلك التي تقوم على هذه الأعمال؟
· دحر الهزيمة النفسية من داخلنا:
فمن ينظر إلى المكانة التي وصل إليها أعداؤنا، والتي يضيفون عليها الهالات الرهيبة من الادعاءات والأكاذيب بكونهم وصلوا إليها عن علم لا يمكن أن يصل إليه المتخلفون أمثالنا، يشعر بإحباط شديد ويشعر أنه لا يمكنه عمل أي شيء للخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلناه!! ولكن قراءة ممارساتهم ومعرفة تاريخهم تكشف عن زيف هذه الادعاءات وبطلانها، وأن حضارتهم التي يدعونها هي مجرد أوهام، بل أنها ليست بحضارة على الإطلاق، لأنها تقوم على الباطل ومساوئ الأخلاق. حقيقة تحققت ثورة علمية تقنية رهيبة لديهم، ولكن القارئ لتاريخهم، والمقارن في أسباب صعود الأمم وهبوطها، يدرك على الفور أن هذه الحضارة في طريقها للزوال سريعا.
في ظل الجهل بهذا التاريخ، يصبح حق الفريسة في الدفاع عن نفسها حين تساق إلى الموت إرهابا، لأنها لم تستسلم طواعية لجلاديها!! وفي ظل الجهل بهذا التاريخ، يصبح من هم ليسوا على نفس نهجك في التفكير يصبحون ضدك وأعداء لك. ومن هنا تصبح منظمة حماس الفلسطينية هي أكثر منظمة في العالم دموية وإرهابا، لأنها ترد على ممارسات إسرائيل داخل أراضي فلسطين المحتلة. ويصبح الإسلام أخطر الديانات في الكرة الأرضية لأنه يدعو معتنقيه إلى الرد بالمثل على من اعتدى عليهم.
· كشف زيف مظاهر الحياة الدنيا:
وهذا الأمر مستفاد من القرآن الكريم. فقد أخبرنا تعالى عن قصة قارون، أحد الأغنياء في قوم نبي الله موسى عليه السلام. فقد أغرته ثروته الباهظة بعصيان الله تعالى وعدم الاستجابة لنبيه عليه السلام. فلما ظهر لقومه ورأوا ما هو عليه من ثراء وتقدم، تمنى ضعاف النفوس، الذين لا يدركون حقائق الأمور، أن يكون لهم مثل ما لدى قارون، وأن يحرزوا نفس درجة التقدم المادي الذي أحرزه. قال تعالى: ] فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [ [ القصص: 79 ] . وأما العلماء فقالوا لهم لا تغتروا بهذه الزينة، لأنها ليست في مرضاة الله. فمآلها قطعا إلى الزوال. قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إَِّلا الصَّابِرُونَ } [ القصص: 80 ] . فما كان من الله إلا أن خسف به الأرض بعد طول إمهاله له، واستمراره في طغيانه وتجبره. قال تعالى: ] فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ اْلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ [ [ القصص: 81 ] . فعلم الذين كانوا يتمنون أن يصبحوا مثله حقيقة الأمر، وحمدوا الله كثيرا على نعمه أن منعهم أن يكونوا مثله. قال تعالى: ] وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِاْلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ َلا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [ [ القصص: 82 ] .
وسوف أتناول فيما يلي فضائح الأمريكان من منظورين، الأول يشمل الإرهاب الأمريكي في التعامل مع البشرية، والثاني: يتناول الإرهاب النووي الأمريكي.
الملف الأول: إرهاب أمريكا مع بني البشر:(/1)
تبدأ القصة مبكرا، وتحديدا في عام 1513، فقد بدأ المهاجرون الأوربيون البيض في مطاردة الشعب الهندي الأصلي الذي كان يقطن أراضي الولايات المتحدة قبل أن يكتشفها الأوربيون. وأسفرت تلك المطاردات عن تقليص عدد السكان الأصليين من 112 مليون هندي " متوحش " و"همجي " إلى ربع مليون فقط حسبما ورد في إحصاء عام 1900!!!![2]
في هذا السياق، فحينما كشف الصحفي الأمريكي البارز سيمور هيرش في محاضرة ألقاها أمام اتحاد الحريات المدنية الأمريكي عن وجود أشرطة فيديو تصور الجنود الأمريكيين يغتصبون أطفالا ذكورا عراقيين كانوا يصرخون فزعا وألما، بينما تتعالى ضحكات مغتصبيهم وزملائهم الذين كانوا يستمتعون بمشاهدة تلك الفظائع،[3] يصبح من الممكن تصور ذلك، وأنه يتم وفق منظومة تاريخية لبلد لا يرى سوى الإرهاب والاستهتار في التعامل مع من يعتبرهم أعداء له!!
وهذا هو المعنى الذي يفصح عنه توماس باورز، في كتاب حروب الاستخبارات، حيث يقول: " التاريخ السري الأمريكي يقدم دليلا شاملا على أننا نفتقر إلى الصبر، كما أننا نميل إلى الاعتقاد بأن لكل مشكلة حلا تكنولوجيا، وأن أي شيء يمكن إنجازه بأداة ملائمة الضخامة، وأن احترامنا لأفكار البشر هو مجرد أمر وقتي ".[4]
ونعود للتاريخ، حيث كانت مستعمرة جيمس تاون، وهي أول مستعمرة إنجليزية دائمة في شمال أمريكا، قد رسمت الملامح الأساسية لهذه السياسة في عام 1610، أي بعد أقل من ثلاث سنوات من تأسيسها عند مصب النهر الذي سُمي باسم جلالة الملك جيمس. فتحت عنوان " حق الحرب " أعلنت هذه السياسة - كما نشر بيانها بعد ذلك في لندن عام 1622 - عن حق الإنجليزي باعتباره من " الشعب المختار " المتفوق بالوراثة في أن يجتاح البلاد ويدمر أهلها ... حيثما تحلو لنا مواطنهم الخصبة ... وأراضيهم التي سنستوطنها بعد تطهيرها من سكانها. إنها مجرد " أضرار هامشية " ترافق انتشار الحضارة وطريقة حياتها. فتحقيق هذه السياسة التوسعية يحتاج بالتأكيد إلي موجات متلاحقة من الترحيل القسري والمذابح الجماعية وما صار يعرف لاحقا بعقيدة " القدر المتجلي " التي تقول بحتمية وقدرية التوسع الأمريكي والزحف مع دوران الشمس حيثما تدور من الشرق إلي الغرب، وهي العقيدة التي استعارها هتلر بعد حوالي نصف قرن بكثير من التواضع والحذر وسماها " سياسة المجال الحيوي ".[5]
ألا ترى أن هذه هي نفس العقيدة التي يتعامل بها اليهود مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؟! إنها العقيدة التي تعطيهم الحق في ذبح الضحية، ثم التعجب منها إذا أظهرت ملامح للمقاومة، أو أبدت اعتراضا على طريقة الذبح!!!
وبدءا من وتزل صار قطع رأس الهندي وسلخ فروة رأسه من الرياضات المحببة في أمريكا، بل إن كثيرا منهم يتباهى بأن ملابسه وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود. وكانت تنظم رحلات خاصة يدعى إليها علية القوم لمشاهدة هذا العمل المثير ( سلخ فروة رأس الهندي ). حتى أن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة أقامها لسلخ فروة رأس 16 هندي طلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء وأن يعطوا كل تفصيل تشريحي حقه لتستمع الحامية بالمشاهدة. وما يزال كلارك إلى الآن رمزا وطنيا أمريكيا وبطلا تاريخيا، وما يزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش الأمريكي.[6]
ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدا مؤسساتيا رسميا. فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون " الرئيس الأمريكي لاحقا "، بعد انتصار عام 1811 علي الهنود، تم التمثيل ببعض الضحايا. ثم جاء دور الزعيم تيكومسه. وهنا تهافت صيادو التذكارات علي انتهاب ما يستطيعون من جلد هذا الزعيم التاريخي أو فروة رأسه. ويروي جون سغدن في كتابه عن تيكومسه كيف شرط الجنود المنتشون جلد الزعيم من ظهره إلي فخذه، وكيف أن أحدهم قص قطعة من الجلد شرائط رفيعة لربط موسي الحلاقة، وكيف اقتتل الآخرون علي اقتسام فروة رأسه حتى إن بعضهم لم يحصل علي قطعة أكبر من السنت - قطعة نقد معدنية لا يتجاوز قطرها السنتيمتر - مزينة بخصلة من شعر تيكومسه. وعندما أجريت مقابلة مع أحد هؤلاء المحظوظين في عام 1886 - أي بعد 75 سنة - تحدث عن تلك المناسبة التاريخية بافتخار وهو يحمل بين إصبعيه تذكاره البطولي.
وكان الرئيس أندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولارا من عشاق التمثيل بالجثث، وكان يأمر بحساب عدد قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة أو آذانهم المقطوعة، وقد رعي بنفسه حفل تمثيل بجثث 800 هندي يتقدمهم زعيمهم. ففي 27 آذار / مارس 1814، كما يروي دافيد ستانارد، احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره علي هنود الكريك وتولي جنوده التمثيل بجثث الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، فقطعوا أنوفهم لإحصاء عددهم وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول.[7](/2)
ويعتقد كلاوس كنور أن الإنجليز أكثر القوي الاستعمارية الأوروبية ممارسة وتعمدا للإبادة، وأن هدفهم النهائي في العالم الجديد كما في استراليا ونيوزيلندة وكثير من المناطق التي يجتاحونها، هو إفراغ الأرض من أهلها وتملكها ووضع اليد علي ثرواتها. خلال هذه المسيرة التي بدأت بايرلندا ولم تنته بعد، تحكمت عقدة الاختيار والتفوق بسلوكهم وبنادقهم، واستحوذت علي أخلاقهم وعقولهم، ثم استعمرتهم بنظام متكامل ... انتهي بهم إلي تأليه الذات. وهذا ما أوهمهم بأنهم يملكون حق تقرير الحياة والموت لكل من عداهم، وأنهم أيضا في حل من أي التزام إنساني أو قانوني تجاه الشعوب التي يستعمرونها، لا باعتبار أنها أعراق منحطة وحسب، بل لأنها في الغالب مخلوقات متوحشة لا تنتمي للنوع الإنساني أيضا.[8]
لذلك فقد كتب الدكتور أولمان مذكرة بعنوان: " الصدمة والرعب " ( shock and awe ) وُضعت أمام بوش الصغير ونشرتها الصحافة الأمريكية ( وبينها نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز )، وفيها يقول بالنص: على الولايات المتحدة أن تستعمل أقوى شحنة من القوة المكثفة، والمركزة، والكاسحة، بحيث تنهار أعصاب أي عدو يقف أمامها، وتخور عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من أول ثانية في الحرب إلى آخر ثانية، ويتم تقطيع أوصاله، وتكسير عظمه، وتمزيق لحمه، دون فرصة يستوعب فيها ما يجري له.[9]
إن حضارة بهذا السجل الإجرامي تتوقع منها القيام بأي فعل لا يستند إلى الأخلاق في سبيل إعلاء باطلها والتعالي على كل الأمم التي تعيش بجوارها. وهكذا فيجب عليك عدم التعجب مهما سمعت من ممارسات شاذة مع ضحايا الحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة. ومن هذا القبيل: كشف أحد السجناء العراقيين الذين أُطلق سراحهم أن القوات الأمريكية التي احتجزته لشهور طويلة في سجن أبو غريب ( 40 كم غرب بغداد ) عذبته في ما يسمى " غرفة الديسكو "، وقال: " يدخل السجين إلى هذه الغرفة ويطلب منه الرقص 8 ساعات متواصلة على إيقاعات الأغاني الصاخبة، وإذا توقف فإنهم يضربونه. وأكد السجين العراقي أن كل عمليات الاستجواب كانت تتم معه بعد إتمام رقصته، مشيرا إلى أن " الموضوع لا يحمل أي فكاهة، فهذه الغرفة شكلت أحد أهم أساليب التعامل مع سجناء المقاومة "!!![10]
وفي أسلوب ينم عن همجية لم يعرفها التاريخ من قبل قامت القوات الأمريكية باستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية لحمايتهم ... فيما كان يُسمع صراخ الأطفال واستغاثة النساء من فوق رتل الدبابات، وذلك أثناء " حرب الشوارع " بالفلوجة.[11]
ما هي الحضارة التي يتكلمون عنها إذن؟!! وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى الداخل أيضا. فيتناول الصحفي المخضرم من وكالة رويترز ( آلان إيلسنر ) موضوع سجون أمريكا غير المعروفة في كتاب جديد اسمه " بوابات الظلم ". ويرسم الكتاب صورة مروعة عن الوضع الذي لا يعرف عنه معظم الأمريكيين إلا القليل القليل. الإحصائيات التي يقدمها ( إيلسنر ) مدهشة، فهو يقول: إن هناك 2.2 مليون شخص موجودون حاليا داخل السجون الأمريكية، مما يجعل الولايات المتحدة تحوي أكبر عدد سجناء بالنسبة لعدد السكان في العالم الصناعي. فعلى سبيل المثال، هناك 702 من السجناء بين كل مائة ألف من سكان أمريكا، ويليها في ذلك روسيا حيث يوجد 628 سجينا من بين كل مائة ألف مواطن روسي. الأرقام بالنسبة لبريطانيا وفرنسا هي 138 و90 بالتوالي.[12]
هذا يكشف لك عن زيف ادعاءات الديمقراطية والعدالة وغيرها من المصطلحات الرنانة التي تستخدمها واشنطن كثيرا في التعامل مع خصومها، والذين ما إن يسمعونها حتى يهرولوا في محاولات إصلاح سرعان ما تفشل لأنها لا تنبع من احتياجاتهم، وبدون أن يشيروا من قريب أو بعيد إلى ما تفعله واشنطن نفسها من نقض لهذه المصطلحات التي ترددها!! وتكشف لنا تجربة العراق الأخيرة، أن واشنطن تستهدف من إزاحة صدام حسين ونظامه عن سدة الحكم برغم استجابته لكل متطلبات التركيع والترويض، لكي يكون هذا النظام أمثولة تحمل في طياتها رسالة لمن تريد واشنطن أن تبعث لهم برسائل محددة داخل المنطقة وخارجها![13]
إن تعامل الولايات المتحدة مع من تعتبره أحد أعدائها لابد أن يمر أولا بحملة دعائية ضخمة يُصور فيها العدو المفترض على أنه أحد الوحوش الكاسرة أو الهمجية الذي لابد من القضاء عليه حتى لا يعرقل سير الحضارة على الكرة الأرضية. ثم يأتي الدين لخدمة هذه المعركة، فيصور هذا الوحش الكاسر الهمجي على أنه أحد الشياطين الماردة أيضا، الأمر الذي يحتم على الرب من الدخول في المعركة بجانب الأمريكان ضد هذا الوحش. وهكذا تصبح المعركة على هذا العدو مبررة أخلاقيا وعقديا.(/3)
إن الثقافة وأسلوب الحياة الأمريكية ليس إلا القتل والدموية، وهذا ما أكد عليه المؤرخ تشارلز بيرد بقوله: " منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية وتحقق انتصارنا على اليابان ونحن في دوامة العدو الشهري، وتعني أننا في كل شهر نواجه عدوا مرعبا يجب علينا أن نضربه قبل أن يقضي علينا ".[14]
الملف الثاني: الإرهاب النووي الأمريكي:
الملف الثاني الأكثر خطورة في هذا الشأن، هو استخدام الولايات المتحدة لكل ترسانتها النووية في حروبها، دون أن يردعها رادع في هذا المجال. ففي حرب الخليج الثانية، استخدم الحلفاء 300 طن متري من اليورانيوم المنضب في أسلحتهم، الأمر الذي أدى إلى كوارث في أوساط العراقيين، وإصابة أطفالهم بأمراض سرطانية غير مألوفة. وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة استخدمت كمية أكبر بخمس مرات من اليوارنيوم المنضب، أي 1500 طن متري، في حربها على العراق. هذا يعني أن الجيلين العراقيين المقبلين سيهلكان تقريبا، وسيكونان فريسة المرض والضعف. فما هي فائدة الديمقراطية إذا كانت تأتي إلى شعب خسر مئات الآلاف من أبنائه تحت ( القصف السجادي ) لحرب ( التحرير ) الأمريكية، وسيهلك أجياله المقبلة بفعل الأمراض السرطانية؟![15]
ولكن القصة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى سنوات بعيدة من التاريخ. فقد كان وليم برادفورد حاكم مستعمرة بليموث يري أن نشر الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة علي قلب الله، " فمما يرضي الله ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت ". هكذا يموت 950 من كل ألف منهم، وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد من يدفنه. إن علي المؤمنين أن يشكروا الله علي فضله هذا ونعمته.
كانت هذه " المعجزات " الإلهية صورة عن رغبات المستوطنين وطموحاتهم. فلطالما توحدت القدرة الإلهية مع الشعب المختار كما يري كوتون ماذر، أحد أبرز أنبياء الاستعمار، " فبعد أن ظن هؤلاء الشياطين " أن بعدهم عن العالم سينقذهم من الانتقام، استطاع الله أن يحدد مكانهم ويكتشفه، وأرسل قديسيه الأبطال من إنجلترا، وأرسل معهم بعض الأوبئة السماوية القاتلة التي طهرت الأرض منهم. إن الله يفسح مكانا لشعبه في هذه المجاهل إذ هو يقتل الهنود بأوبئة من أنواع مدمرة لا يعرف لها البشر مثيلا إلا ما تحدثت عنه التوراة.[16]
ويستمر السجل الإجرامي غير المسبوق. ففي عام 1952 وجهت الصين الشعبية وكوريا الشمالية الاتهامات إلى الولايات المتحدة بأنها استخدمت الذخائر البيولوجية في أثناء الحرب الكورية. وشُكلت لجنة علمية لتقصي الحقائق، حيث كانت الغارات الجوية الأمريكية على كوريا تسقط قنابل تحوي رائحة كريهة تشبه رائحة الجلد المحروق أو القرون المحترقة. كما ألقت أنواع غير معروفة من الحشرات. كما ألقت براغيث ملوثة وفئران الحقول المصابة بالطاعون والريش الحامل لجراثيم الجمرة الخبيثة ( الانثراكس ) والمحار الملوث بالبكتريا المسببة لأمراض الكوليرا تجاه خزانات المياه.[17]
وفي الحرب العراقية، بث موقع " مفكرة الإسلام " على الانترنت ونقلا عن شاهد عيان أن الطائرات الأمريكية ألقت قنبلة تحتوي على اليورانيوم المخصب على أرض مطار بغداد أثناء اقتحام العاصمة العراقية. وقد صاحب ذلك هطول رذاذ وحمم من نار مصحوبة بارتفاع في درجات الحرارة، وأضاءت سماء المطار بوميض لا مثيل له، وقد رافقه رائحة تشبه رائحة التفاح، وهو أقوى أنواع المواد المشعة والمحرمة دوليا ... فكنا نرى أجساد المتطوعين العرب وفدائيي صدام بالعين المجردة وهي تنصهر وتذوب حتى العظام.[18]
يقول " كيم يونغ إيل ": " إن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة الذرية أثناء الحرب، وهي تتحمل اليوم المسئولية كاملة عن انتشار الأسلحة النووية. أما بقية الدول الأخرى الساعية للحصول على السلاح النووي، فهي تحاول فقط حماية نفسها ". [19] وهكذا يشهد شاهد من أهلها على حقيقة الوضع الراهن!!
***
إن كل هذا ليس إلا مثالا لما يكون عليه الحال إذا تغطرست القوة ولم تجد ما يهذبها أو يردعها من الدين. وكل ما حدث من قبل، وما يحدث الآن ليس إلا بسبب تخلف المسلمون عن دورهم المنوط بهم أدائه في قيادة البشرية على الكرة الأرضية. فهل يعود المسلمون إلى ربهم، ويتمسكون بتعاليم دينهم؟ وهل يعرف المسلمون زيف الحضارة القائمة من حولهم، والتي لا تعرف إلا الغدر والخيانة؟!! آمل أن يكون ذلك سريعا.
9 من ربيع الأول عام 1426 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 18 من أبريل عام 2005 ).
----------------------------------
[1] مجلة البيان، العدد 205، رمضان 1425، نقلا عن: نيوزويك، العدد (221).
[2] مقتبس بتصرف من: أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (1/3)، منير العكش، موقع النهى الالكتروني.
[3] مجلة البيان، العدد 203، رجب 1425، نقلا عن: الخليج، 25/7/2004.
[4] مجلة البيان، العدد 190، جمادى الآخرة 1424.(/4)
[5] أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (1/3).
[6] خالد يوسف، الإمبراطورية الأمريكية: التاريخ الأسود والعقيدة الفاسدة. سلسلة استراتيجيات، العدد الثالث والرابع، يناير – ابريل 2005.
[7] حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية، منير العكش، دار رياض الريس، بيروت، 2002.
[8] أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (2/3).
[9] مجلة البيان، العدد 187، ربيع الأول 1424، نقلا عن مجلة "وجهات نظر " العدد: (51).
[10] مجلة البيان، العدد 199، ربيع الأول 1425.
[11] مجلة المختار الإسلامي، العدد (267)، ذو القعدة 1425هـ.
[12] مجلة البيان، العدد 204، شعبان 1425، نقلا عن: الوطن السعودية، العدد (1407).
[13] مجلة البيان، العدد 187، ربيع الأول 1424.
[14] مجلة البيان، العدد 200، ربيع الثاني 1425.
[15] مجلة البيان، العدد 186، صفر 1424، نقلا عن: القدس العربي، العدد (4295).
[16] أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (1/3).
[17] طلعت رميح، ثلاث قضايا استراتيجية في العدوان الأمريكي على العراق ونتائجه. سلسلة استراتيجيات، العدد الثاني، أكتوبر 2004.
[18] مجلة المختار الإسلامي، العدد (263)، رجب 1425هـ.
[19] مجلة البيان، العدد 185، المحرم 1424، نقلا عن: مجلة " المجلة "، العدد (1198).(/5)
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الكتاب
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المؤلف
د. علي محمد الصلابي
الناشر
دار الفجر للتراث- القاهرة
الطبعة
الطبعة الأولى: 1424هـ - 2003م
الصفحات
584
يتحدث الكاتب في الباب الأول عن أنواع التمكين في القرآن الكريم، وينقسم هذا الباب إلى أربعة فصول:
الأول: تبليغ الرسالة وأداء الأمانة.
والثاني: هلاك الكفار ونجاة المؤمنين أو نصرهم في المعارك.
والثالث: المشاركة في الحكم؛ إذ إن تولي أهل الإيمان أعباء الحكم لدولة غير مؤمنة نوع من أنواع التمكين، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا النوع من التمكين في قوله تعالى:(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). [يوسف:55]. والرابع: إقامة الدولة، وقد تحدث القرآن الكريم عمّن قادوا دولاً، وساسوا شعوباً بشرع الله، من أمثال داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، والقائد العادل ذي القرنين، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين.
وفي الباب الثاني الذي ينقسم إلى فصلين:
أولها: شروط التمكين، والمتمثلة في الإيمان بالله والعمل الصالح، وتحقيق العبادة، ومحاربة الشرك، معتبراً أنه على الجماعة المسلمة، والتي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى أن تعرف حقيقة الشرك وخطره وأسبابه وأدلة بطلانه وأنواعه، وأن تنقي صفها منه بجميع الأساليب الشرعية، ولا يمكن للإنسان أن يحذر من الشرك، وأن يحذّر غيره إلا إذا عرفه، وعرف خطره، و عرف تقوى الله عز وجل، مبيناً أن للتقوى ثمرات، منها: المخرج من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب العبد، والسهولة واليسر في كل أمر، وتيسير العلم النافع، وإطلاق نور البصيرة، ومحبة الله وملائكته والقبول في الأرض.
وفي الفصل الثاني: يتحدث الكاتب عن أسباب التمكين، وأول سبب من هذه الأسباب هو: سنة الأخذ بالأسباب وإرشاد القرآن للإعداد، مبيناً أن التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب؛ إذ إن ذلك من صميم تحقيق العبودية لله، وهو الأمر الذي خُلق له العبيد، وأُرسلت به الرسل، وأُنزلت لأجله الكتب، موضحاً أنه على المسلم أن يتقي في باب الأسباب أمرين:
1- الاعتماد عليها، والتوكل عليها، والثقة بها ورجاؤها وخوفها.
2- ترك ما أمر الله به من الأسباب.
وفيما يتعلق بإرشاد القرآن للإعداد، فقد قال تعالى في كتابه الكريم:(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ). [الأنفال:60].
ويذكر الكاتب تفسير ابن كثير -رضي الله عنه- لقول الله تعالى: "ما استطعتم" أي مهما أمكنكم، وهذا التعبير القرآني يشير إلى أقصى حدود الطاقة، بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها.
والسبب الثاني للتمكين يتمثل في الأسباب المعنوية: والذي يشمل إعداد الأفراد الربانيين، والقيادة الربانية، ومحاربة أسباب الفرقة.
أما السبب الثالث فهو الأسباب المادية، وأول هذه الأسباب التفرغ والتخصص ومراكز البحوث؛ إذ لابد أن تهتم الحركات الإسلامية على المستوى القطري والإقليمي والدولي بمبدأ التفرغ لأصحاب القدرات المتميزة في المواقع المهمة، وخصوصاً في مجال العلم والفكر والتربية والتكوين والدعوة والإعلام والسياسة والتخطيط والاقتصاد والمال والأمن والاستخبارات، وكافة مجالات الحياة اللازمة لتحكيم شرع الله على كافة أفراد الشعب ومؤسسات الدولة.
وثاني هذه الأسباب التخطيط والإدارة: مبيناً أن التخطيط في المفهوم القرآني هو الاستعداد في الحاضر لما يواجه الإنسان في عمله أو حياته في المستقبل، وعلى هذا فإن الإداري المسلم يكون قد عرف التخطيط؛ لأن الله تبارك وتعالى قد وجّه إلى ذلك في آيات كثيرة.
قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). [القصص:77].
وثالثها الإعداد الاقتصادي: فالقوة الاقتصادية هي عصب الحياة الدنيا وقوامها، والضعيف فيها يُقهر ولا يُحسب له حساب إلا في ظل شرع الله حين يحكم، ولذلك ينبغي -كما يقول الكاتب- على الحركات الإسلامية أن تعتمد على الذات في موارد ثابتة، وهذا من النفرة التي أمرنا الله -عز وجل- بإعدادها لمواجهة الأعداء ونشر الدين، مما يوفر للدعوة والدعاة حرية التحرك، واتخاذ القرار دون ضغوط .
أما رابعها فهو الإعداد الإعلامي: ولقد أرشد القرآن الأمة إلى الأخذ بأسلوبي بأسلوب الإعلام في دعوة الخلق، ونهج نهجاً متميزاً في إيصال الحقائق إلى الناس.(/1)
وخامس هذه الأسباب الإعداد الأمني: يوضح المؤلف ضرورة أن ينشأ الحس الأمني للأفراد العاملين منذ دخولهم في العمل الجماعي، وأن تُشكّل لجان ومكاتب، وتتحول مع توسع الحركة إلى مؤسسات، ثم إلى وزارة بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم، وقد قال تعالى: (ما كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). (التوبة:120).
وفي الباب الثالث والأخير يتحدث الكاتب عن مراحل التمكين وأهدافه، مبيناً أن مراحل التمكين هي: مرحلة الدعوة والتعريف بالإسلام، واختيار العناصر التي تحمل الدعوة، والمغالبة، والتمكين، أما عن أهداف التمكين فتتمثل في: إقامة المجتمع المسلم، والدعوة إلى الله.(/2)
تبكي عليكَ ظهور الجِيادْ
" إلى إسماعيل أبو شنب"
د.أسامة الأحمد
" نحن أمّة الشهادتين: شهادةِ التوحيد، والشهادةِ في سبيل الله . فلا عجب ، في أن يقتل إسماعيل أبوشنب، وأن تُرفع صحيفته إلى السماء.. معطَّرة حمراء " ..
رحلتَ سريعاً أميرَ الجهادْ وخلّفتَ "غزّةَ" ثكلى الفؤادْ
رحلتَ لتبكي عليكَ "حماسُ" و"فتح"،ويبكي رجالُ "الجهادْ"
وتبكيكَ حيفا.. وتبكيك يافا وتبكي جِنينُ ،وقدسُ البلادْ
وتبكي المنابرُ.. تبكي المحابرُ تبكي عليك ظهورُ الجِيادْ
وتبكي حروفي بدمعِ المدادْ ويبكي لدمعي رضيعُ المِهادْ!
ولكنْ فرِحْنا لأنكَ طِرتَ إلى الخُلد تبغي الشهادةَ زادْ
قضيتَ شهيداً ،بإذن الإلهِ تموتُ لتُرضيَ ربَّ العبادْ
فأصبحتَ عِطراً وأصبحت فجراً وجمراً سيشعلُ كلَّ الرّمادْ
تلّقتْكَ حورٌ بصدرٍ طهورٍ ولحنٍ يُقال: تُرى هل يُعادْ؟!
وأكبرُ مِن ذاكَ، قُربُ حبيبي ورحمةُ ربّكَ ،ربِّ العبادْ
وأكبرُ مِن ذا وذاك ، رضاهُ وهلْ بعد ذلك شيءٌ يُرادْ ؟!(/1)
تبينوا.. تثبتوا
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
إن خطورة الشائعات وموضوع الإشاعة، وما يحكى من أقوال ليس لها خطام أو زمام موضوع طويل، ولكنني أقف ههنا عندها قليلاً منبهاً لسبب رئيس، فقد كثرت الإشاعة هذه الأيام، بل في الحقيقة كثر الكذب، وبخاصة على الدعاة إلى الله -جل وعلا- يكذب علانية على بعض الدعاة، وبغير حياء! و والله قد استمعت إلى بعض الكذب نقل إليّ، وما كنت لأتصور أنه كذب، حتى التقيت بالداعية الذي كذب عليه فعندما حدثته فإذا هو يقسم لي بالله الذي لا إله إلا هو ما رأى من نقل عنه.
خذوا مثالاً -وهذا كلام سمعته من سنوات- رجل معروف عند قومه بالدعوة، أو هكذا يحسبه بعض الناس يظنون أنه داعية، أو طالب علم.
فبدأ يتكلم على داعية آخر، وكان فيما قال: لقيته في المكان الفلاني، وسمى المحل، في مدينة معينة، ثم قال لنا -أي قال لهم ذلك الداعية الآخر- : اجلس بنا نغتب ساعة، في مقابل اجلس بنا نؤمن ساعة.
آلمني هذا الكلام، ثم قدر الله فلقيت هذا الداعية المتكلم فيه، فقلت له: هل بلغك ما قاله فلان أنك لقيته، وقلت له: اجلس بنا نغتب ساعة، قال: نعم بلغني، وقلت: ماذا قلت؟
قال: والله إنني لم أره في حياتي!
فانظر إلى ذلك الداعية العجيب! لم ير هذا الرجل في حياته، فضلاً عن أن يكون تكلم معه، ثم ينسج قصة كاملة!
وقد لا يكون الرجل تعمد محض الكذب، ولكنها شائعة تنوقلت فصدقها فاعتقدها فقام داعياً لها منتصراً، فانظر إلى أي شيء أفضت به؟
ومنذ سنوات بلغني أن رجلا يقول: ذهبت إلى الشيخ فلان، وزرته في مدينته، وطرقت عليه الباب، وقال: كذا وكذا وكذا. فسألنا الشيخ فأقسم بالله إنه لم يره!
وشخص ثالث يتكلم في مجلس عام يقول: إنني ذهبت للشيخ فلان فحدثني بحديث كذا وكذا، فقال له بعضهم: هل ذكر في كتاب؟ قال: لعله في كتاب كذا، فجئنا بالكتاب الفلاني فلم نجده، يقول: فقلت له: لعله بالكتاب الفلاني، يقول: فجئنا بالكتاب الفلاني فلم نجده، ثم اتضح أنه يكذب، ثم سئل عن هذا الشيخ المذكور –وكنت في المجلس حاضراً- : هل فعلاً لقيك فلان؟ وهذه الحادثة جرت معك؟ قال: والله لم أره، بل عندي ما يثبت بخط يده أنه لم يرني إلا بعد هذه القصة التي حدث بها!
مع أنه قال آنفاً: قد طلبت العلم على يديه، وجلست عنده ثلاثة أشهر، وذهبت إليه، وقلت له: كذا وكذا. فإذا بالشيخ عنده ما يثبت بخط يده رسالة يقول فيها: إنني أحبك.. أنا أتمنى أن ألتقي معك.. وأتمنى أن أزورك، كذب صريح يا إخوة.
والآن يكذب كذباً صريحاً على بعض طلاب العالم، فانتبهوا يا إخوة لخطورة الكذب، وخطورة الإشاعة، واعلموا أن التثبت قبل رمي الناس من غير بينة واجب.
وكم من الإشاعات الآن نسمعها على بعض العلماء، وعلى بعض الدعاة، أناس يبدوا أنهم تفننوا في هذا الأمر، وهبوا أنفسهم لهذه القضية؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا أطلقوا كلمة على عالم من كبار العلماء يتناقلها الناس، فكونوا على حذر، واستجيبوا لأمر الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات:6] .
فالله الله -أيها الإخوة- في التثبت، فإن خطورة قبول الكلام على عواهنه كبيرة، وأذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا جريرة وأي جريرة "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً" [الأحزاب:58].(/1)
تتمة سورة العلق(4)
الجمعة 1 شعبان 1395هـ -8 آب 1975
تتمة سورة العلق
(4)
العلامة محمود مشّوح
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون. فاليوم نقف إن شاء الله تعالى مع أوائل الوحي مستنطقين ومستلهمين. ولقد أوجزت لكم في الجمعة الماضية ما أرنو إليه من هذه الخطّة الوعرة التي ألزمت بها نفسي؛ فقد ينبغي أن أكرر بدون ملل أن هذه الأمة التي تتوزع في شتى أقطار المعمورة أضاعت صوابها منذ زمن بعيد وضلت طريقها منذ زمن بعيد.
ومن المؤسف أنه بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من أجل التعرف على بدايات الطريق. تعرفاً عقلانياً صحيحاً، غير متأثر بالعواطف ولا خاضع للاندفاعات أقول إنه مع الأسف ما تزال أمتنا في شتى أقطارها بحاجة إلى إعادة نظر، ولقد يجب أن يكون معلوماً أن الإنسان من حيث هو إنسان يعقل ويدرك مطالب بإعادة النظرة هذه في شأنه الخاص وبالِشأن العام لأن بحث الخطى والتعرف على ما مضى هو وحده الكفيل بإعادة التوازن إلى مسيرة الأمة.
وتعلمون دون ريب أن الله جل وعلا اختار محمداً صلى الله عليه وسلم على عينه واصطنعه لنفسه واختصه بأعظم رسالة وطوقه بأشرف مهمة، ثم اختار له خير الكلام قرآن الله المنزل على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم وكما فصلته منذ البداية عناية الاصطفاء والاختيار فإن ربنا تبارك وتعالى قد اختار له من مناهج العمل هذه أقلها كلفة وأيسرها زمناً وأعودها فائدة بإذن الله القدير، وأحسب أن الأمة لا يمكن أن تستقيم خطواتها على الطريق السليم إلا إذا استلهمت تلك الخطى المباركة التي خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أجل سلامة الفحص ولكي يكون الكلام كلاماً علمياً متسماً بالرصانة والاتزان رأينا أن نعود من البداية، ولقد كانت بين أيدينا أحداث السيرة وأن أقول لكم كلاماً حول هذه القضية. أوثق النصوص التي بين أيدينا سيرة ابن هشام وهي تلخيص لمغازي ابن اسحق والمغازي ضاعت في جملة ما ضاع من تراث هذه الأمة. وما بقي بين أيدينا من حوادث السيرة يشكل أربعة مجلدات هي أوثق النصوص لو جرت غربلتها على طريقة المحدثين، لا نقلة الأخبار لما بقي بين أيدينا مما يمكن الركون إليه والثقة به إلا القليل.
ولكنا مع ذلك نملك النص الذي لا أوثق منه ولا أصح؛ كتاب الله في حياة استمرت على الأرض، تحمل أعباء الدعوة وتكاليف الجهاد في سبيل الله ثلاثاً وعشرين سنة لا يعقل أن تكون تصرفاتها محصورة بين هذه القدر القليل من الأخبار التي تحصلت بين أيدينا لكنا على ضوء القرآن نستطيع أن نستبين الوقائع ونستطيع أن نتعرف على الحركة التي كانت موجودة في ذلك الحين من أجل ذلك طلبت إليكم في الأسبوع الماضي أن تقرءوا أوائل ما نزل: سورة العلق وسورة القلم وسورة المزمل وسورة المدثر وإنما وقفت عند سورة المدثر لغرض لأن سورة المدثر تشكل بداية البلاغ العام وظهور الدعوة بمظهرها المعروف عندنا الآن، والله جل وعلا يخاطب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: (يا أيها المدثر قم فأنذر) وقلت لكم إننا نريد أن نتعرف من خلال آيات هذه السور على نوعية المهمات والمصاعب الذاتية والخارجية التي كلف بها المسلمون من جهة وكلف المجتمع الجاهلي بها من جهة أخرى، وأننا نريد من وراء ذلك أن نقيس حجم رد الفعل الذي حدث في المجتمع الجاهلي وأن نتعرف أيضاً في ضوء القرآن على بواعث رد الفعل هذا.. فلنبدأ الآن.
أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع يكاد يكون تاماً هي صدر سورة العلق وقد مر معنا في حديث عائشة الذي تلوناه منذ عدة جمع قولها: إن جبريل جاء النبي صلى الله عليه وسلم بصدر هذه السورة:
}اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم{.
صدر السورة إلى هنا يكاد الإجماع ينعقد على أنه أول كلام إلهي صافح آذان البشرية حين تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذهبت السورة تحكي أموراً أخرى:
}كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع نادية سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب{.
آيات قليلة بناؤها واضح ولكنه معجز، القضايا التي أثارتها، المهمات التي طرحتها، ما هي..؟ هل فكرتم بها؟ تعالوا نشترك بالتفكير.
افتتاح السورة بقول الله جل اسمه خطاباً للنبي الكريم عليه السلام (اقرأ) مع أن النبي صلى الله عليه وآله أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يحسب.. شيء يلفت النظر ما معنى أن تقول للأمي اقرأ؟ ألست تكلفه محالاً؟ وتكليف المحال عبث لا يليق بالعقلاء.(/1)
ما معنى تكليفك لأمي بالقراءة ولو اجتهد مجهوده كله ما أطاق ذلك لكن في الآخر لطيفة. قول الله للنبي اقرأ لا يعني فقط أن الإنسان يجب أن يقرأ من الكتاب لأن القراءة لا تتوقف على الكتاب فقط ما معنى القراءة: القراءة مأخوذة من الفعل قرأ: القاف والراء والهمزة في لغة العرب التي نزل بها القرآن وخوطبت بها الأمة هذا البناء هذه الحروف الثلاثة تدل على الجمع والاحتواء نقول قرأ الماء في الحوض إذا اجتمع فمعنى القراءة جمع المعلومات كأنك إذا قرأت من كتاب جملة وجملتين وأكثر تختزن وتجمع وتحوي هذه المعلومات في ذهنك وحافظتك وذاكرتك عملية الجمع هذه لا تتوقف على القدرة على القراءة المعتادة إذ يمكن أن تتحصل بالتلقين والجاهل الذي لا يعرف القراءة والكتابة يستطيع أن يستوعب ويستطيع أن يحفظ في ذهنه الكلام الذي يقال له أو معظم الكلام الذي يقال له، ماذا يعني هذا؟ يعني هذا أن الإنسان إذا كان لا يحسن أن يقرأ ويكتب فهذا لا يعفيه من عملية المتابعة وجمع المعلومات مشافهة، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يكن يقرأ ولم يكن يكتب ولم يخط بيمينه كتاباً كما أخبر الله في القرآن فقد استطاع بعون الله وعنايته أن يجمع في صدره الشريف الوحي المكرم بسماعه وبحروفه والصحابة رضي الله عنهم الذين تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن كانت غالبيتهم العظمى الساحقة لا تقرأ كتاباً, ولا تخط بيمينها شيئاً ومع ذلك كان النبي عليه السلام يخبر بالآي من كتاب الله فيجمعه الصحابة رضي الله عنهم في صدورهم وبذلك كانوا قارئين.
(اقرأ باسم ربك الذي خلق).
أية قضية وضعتها بين أيدينا هذه الكلمة قضية الحرص على استجماع المعلومات احفظوها واعقدوا على أصابعكم واحدة واحدة..
ثم قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق ماذا يعني هذا القول: نحن نسمع في المحافل وفي المراسيم والقرارات باسم الشعب الفلاني باسم الأمة نحن رئيس الجمهورية أو نحن القاضي فلان أو نحن الوزير الفلاني نقرر ما هو آت. فالتقرير ليس باسم شخص معين وإنما هو باسم الأمة وفقاً أو اعتباراً بأن الأمة هي مصدر السلطات على النحو المفهوم في العصر الحاضر.
أريد أن أقول لكم إن هذا الكلام ليس جديداً فمنذ دولة المدينة في اليونان ومنذ المفكرين الأوائل في الفقه السياسي كان هذا المفهوم معروفاً ومقرراً. وجاء الإسلام وهذا المفهوم موجود يعرفه العرب عن طريق اتصالاتهم بدولة الروم في الشام ويعرف مثله عن طريق اتصالاتهم بدولة فارس في العراق وما والاها ويعرفونه في الحبشة وغيرها من البلاد، لكن مفهوماً آخر كان أضيق من هذا سابقاً كان سائداً مفهوم القبيلة ومفهوم العشيرة ومفهوم شيخ القبيلة والزعيم كانت فراسته هي المعبرة عن القانون والتي يشكل رفضها وخرقها وعدم الإيضاح لها جرماً كبيراً قد يستوجب في كثير من الأحيان النفي والطرد والخلع من القبيلة.
ودارسو الأخبار والمطلعون على الأدب يعرفون أن ظاهرة الخلعاء في قبائل العرب ظاهرة معروفة جاء الإسلام وهي موجودة. فقول الله جل وعلا اقرأ باسم ربك الذي خلق يشكل مفترقاً للطريق بين الإسلام وبين كل ركام الجاهلية وغثائها الذي كان معروفاً زمن النبي عليه السلام والذي سيظل معروفاً ما دامت الدنيا دنيا. وما دام الناس في شرورهم.. هذا الذي نرى.
القراءة والعلم، الحركة والانتباه. القيام والقعود، أي تصرف من التصرفات لا ينبغي أن يكون باسم فرد ولا ينبغي أن يكون باسم أمة وإنما ينبغي أن يكون باسم الله، الله جل وعلا هو المالك وهو المتصرف وهو الخالق وهو الرازق فالاشتراك معه في الأمر، في التقرير والتقدير والنهي، محاولة للاعتداء على سلطان الله جل وعلا في كونه.... كل ما يفعله الإنسان ينبغي أن يكون باسم الله على وفق مناهج شرعه، وعلى وصف خطى نبيه صلى الله عليه وسلم والأفراد والأمم والشعوب لا حَقَّ لها في أن تأمر وفي أن تنهى. وتأتي بقية لهذا بعد قليل.
}اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق{.
العلق العلقة في كلام العرب نقطة الدم اللزجة المتجمعة، حينما يشير القرآن من أوليات الوحي إلى هذه الحقيقة. يترك للذهن أن ينسرح فيلاحظ هذه القطرة من الدم التي وقعت في الرحم كيف نشأت وكيف تطورت وكيف تخلقت جنيناً في البطن ثم كيف خرجت إلى عالم الدنيا طفلاً لا يكاد يستقل بنفسه ولا يحصل لنفسه على نفع ولا يدفع عنها أذى. ثم ما زالت عناية الله تحفُّ بهذا المخلوق العاجز حتى كان طفلاً يدرج ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً إذا هو بشرٌ سويٌ، هذا الإنسان الذي يتحرك ويأتي بالمعجزات. ويقدم المنجزات ويفتح في العلم فتوحاً تذهل العقول وتأسر الألباب هذه بدايته نقطة دم علقة فحين يناديك ربك بالعلم وبالقراءة وأنت لا تعلم ولا تقرأ؛ لا تغفل أيها الإنسان عن أن وقوف الشيء، ووقوف المخلوق عند مرحلةٍ واحدة أمرٌ محالٌ فكل شيء إلى تطور، وكل شيء إلى ترقٍّ، وكل شيء إلى اندفاع نحو الأحسن ونحو الأفضل.(/2)
وكما تخلقت هذه العلقة فكان منها الإنسان المدرك المحس الفعال المريد المفكر المقدر كذلك أنت لا تستقلَّ نفسك ولا تستهن بها أنت اليوم لا تعلم لكنك لو حاولت أن تقرأ وأن تجمع علماً إلى علم وكلاماً إلى كلام وقضية إلى قضية فلن يمضي كبير زمن حتى تكون عالماً مع العالمين فإذا قعدت عاجزاً لا تقرأ ولا تتعلم ولا تغشى مجالس العلم ولا تسأل فحتى متى تكون عالماً ودينك دين العلم؟ متى تكون عالماً وفي الإسلام لا مكان لجهلاء؟ متى تكون عالماً وأنت اليوم تعيش في عصر ينبذ الجهلاء والجاهلين؟ كذلك يجب عليك أن تكون...
(اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم).
ما أطيب الكلام الذي يمكن أن يقال في هذا الموضوع!. هذه الأداة التي هي القلم لا يكلف شراؤها إلا مبلغاً زهيداً. لكن قيمتها الذاتية لا تقدر بثمن، بهذا القلم عرفنا أخبار الأولين واطلعنا على تجارب الماضي، ونقلت إلينا حقائق العلوم وكل ما تنعم به الإنسانية من تراث حضاري فالفضل فيه يعود إلى القلم، الماضون كتبوا وقرأنا وتعلمنا ونحن نكتب ونضيف إلى هذا التراث ما أعاننا الله عليه وأولادنا يفعلون ذلك.. بمَ كل هذا الشيء؟ بهذه الأداة وأولادنا يفعلون ذلك بهذا الذي لا يكاد أحد يلقي إليه بالاً وهو القلم.
من الذي علمك أيها الإنسان أن تكتب بالقلم الله، الله الذي لا إله إلا هو علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم.
هذا الكون الذي تعيش فيه أيها الإنسان أأنت الوحيد فيه أم هذا الكون يعج بعوالم لا تقع تحت حصر ولا عد.
من الذي أخذ لك ضمان أنك وحدك الذي تطيق التعلم وغيرك من الكائنات لا يطيق ذلك ما الذي يحول دون قدرة الله أن تخلق في هذا الجماد قدرة على الكلام والقراءة والكتابة؟
ما الذي يحول دون ذلك؟
لا شيء وإنه محض التفضل من الله اختار هذا الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم.. قبل أن يختصه الله بهذا الفضل العظيم كان شيئاً كسائر الأشياء المبثوثة في كون الله العريض وحين حلَّ عليه فضل الله اصطفى بتعليمه ما لم يعلم اسمعوا ماذا تقول مطالع سورة البقرة:
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة). ثم (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).
الله جل وعلا اختص أبانا آدم بهذه الكرامة وسحب الكرامة على أبنائه جميعاً لغاية أرادها الله وهو أعلم بها وهي غاية الخلافة في الأرض والقوامة على كلمات الله والحراسة لشريعة الله تبارك وتعالى.
)علم الإنسان ما لم يعلم(.
كلا هذه السورة ترددت فيها ثلاث مرات كلا وأنت تقرأ السورة تشعر أنك حين تقول كلا كأنما أنت تقود سيارتك في الطريق وإذا بك فجأة أمام النور الأحمر. فتجد نفسك مضطراً إلى الوقوف لأنك لو تجاوزت لعرضت نفسك لخطر محقق لا تتجاوز كلا. بعد كلا. كلام عظيم ينبغي عليك أن تدركه وأن تفكر فيه طويلاً:
)كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى(.
فكرتم في هذا؟ ظني أن لا.
مفتاح القضية كلها في هاتين الكلمتين:
)إن الإنسان ليطغى أن رآه استغن(.
ما الذي يحول بين الإنسان وبين الاهتداء لكلمات الله؟
ما الذي يحول بين الإنسان وبين قراءة آيات الله في الأنفس والآفاق.
حقيقة واحدة، نظر واحد، نبّهت عليه هذه السورة.
)إن الإنسان ليطغى أن رآه استغن(.
ما معنى الطغيان؟
تقول ملأت الكأس ماء فطغى الماء يعني أن الماء تجاوز حافة الكأس والإنسان حين يتجاوز حده نقول عنه طغى فلان فالطغيان مجاوزة الحد المقدور للإنسان.
ما أنت أيها الإنسان؟ أنت عبد لم تكن إلهاً ولن تكون وما ينبغي لك أن تنازع الله رداء الألوهية أنت عبد حين تحاول أن تتعدى طورك وتجاوز مقدارك، فأنت طاغ، الطغيان مجاوزة الحد، (كلا إن الإنسان ليطغى) فيُصرف عن الحق ويُعرض عن الهدى، ويضرب بكلمات الله عرض الحائط بسبب طغيانه، بسبب نسيانه لنفسه، نسيانه لحقيقة ذاته ما سبب ذلك أيضاً (أن رآه استغنى)، أنْ هنا تفسر المراد؛ سبب ذلك أن الإنسان يشعر بأنه قد استغنى عن أية قوة خارج ذاته فمن أجل ذلك هو يطغى ويتجاوز حده، ومن أجل ذلك ينسى حقيقة العبودية التي ينبغي ألا ينساها ومن أجل ذلك ينصرف ويعرض عن الحق، ما معنى استغناء الإنسان؟ معناه: شعوره بأنه غير محتاج إلى غيره تعززه بالولد تعززه بالمال تعززه بالجاه والسلطان تلكم هي الأدواء نسيان الإنسان يسبب استغناءه لحقيقة مكانه في هذه الدنيا سبب واضح من أسباب الانصراف عن الحق.(/3)
ولكن الإنسان حينما يضع نصب عينيه أنه أبداً ودائماً عبد لله جل وعلا ليس رباً ولا قريباً من الرب فإنه حينئذ يسمع كلمات الله حين تتلى عليه بأذن صاغية وقلب متفتح بماذا ينسى هذا الإنسان. بسيطرة هذه العوامل عليه. صاحب الأولاد يرى أنه عزيز بأولاده وراءه جيش لجب من الأولاد وأولاد الأولاد فهو بغير حاجة إلى سند يأتيه من خارج ذاته، والله جل وعلا قد شرح ذلك ألم تقرأوا ما قال ربكم تبارك وتعالى في سورة مريم:
)أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً أطّلعَ الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا. كلا. سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرث ما يقول ويأتينا فردا(.
ويلك يا مخلوق، ويلك يا تائه من أنت حتى تستكثر بأولادك وأولاد أولادك وترى أنك غني عن العزيز الجبار يوم تقف بين يدي المنتقم القاهر لن يكون بين يديك ولد ولا عبيد (ويأتينا فرداً) كذلك الإنسان يشعر أنه حين يملك المال في غنى عن الناس وفي غنى عن رب الناس. ألم تحفّ به العناية حتى وضعت بين يديه المال والنسب محنة واختباراً. وإنما يراه أنه بجهده حصل على هذا المال ليس هذا فقط، ولكن شعوراً خبيثاً آثماً مجرماً يتحكم في الإنسان حين يملك المال والثراء: أنا أستطيع أن أشتري اللذات فأمرح ما شاء لي المرح، أنا أستطيع أن أشتري الأعوان والأتباع من الإمعات والتافهين فيسيرون من خلفي وتصطفق النعال ورائي أستطيع كذا وأستطيع كذا.
ويحك.. فالذي يعلمك أن هذا المال سيبقى بين يديك لا شيء ألم تقرأ ما قال الله جل وعلا في سورة القصص:
)إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة(.
المفاتيح لا تحملها إلا عصبة أولو قوة، ومع ذلك بعض التافهين من الأغنياء الذين يملكون نشباً قليلاً يظنون أن الدنيا دامت لهم وأنهم يستطيعون أن يتخذوا الآخرين خولاً وعبيداً، لا:
)إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة. إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا. وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين(؟
قال اسمعوا ماذا قال المعتز بماله:
(إنما أوتيته على علم عندي).
أي بفهمي وبدرايتي وبصبري وخبرتي.
(أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر منه جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وخرج على قومه في زينته).
لاحظوا الفتنة.
(قال الذين يريدون الحياة الدنيا. يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم).
قال الذين يريدون ثواب الله:
(قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فلم يكن له من فئة ينصرونه من دون الله).
أين المال! أين الأعوان! أين النسب! أين الغرور! حق الحق وذهب الباطل:
(فلم تكن له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون وي كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن منَّ اللهُ علينا لخسف بنا وي كأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين).
السلطان.
مالك أيها الإنسان أنت اليوم في ذمة الحكم وغداً إنسان طريد لا تعرف أين تأوي، تسير خائفاً تترقب فعلام الغرور بالسلطان؟ أبين يديك من الله صك أنك لا تنزل عن هذا الكرسي؟ لئن لم تنزلك قوى الناس، لتنزلنك قوة الله التي لا تغلب ولا تغالب، حينما أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه. وكلفه بالرسالة إليهم:
)قال موسى رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً( أي معيناً (يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون فلما جاءهم موسى بآياتنا قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.
وقال فرعون – انتبهوا إلى قولة الفراعين دائماً وأبداً – وقال فرعون يا أيها الملأ – يعني يا أيها الأشراف - ما علمت لكم من إله غيري. أترون قولة الآلهة الجدد؛ جديدة على سمع الدنيا لقد قالها فرعون من قبل:
يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين. واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين.(/4)
هذا الغرور هذا الاستعلاء الذي يأتي من تخويل الإنسان بعض مظاهر الدنيا من مال وأولاد وجاه ونسب ونقد. هذه الأشياء هي التي تصرف الإنسان عن الهدى، هذه الأشياء هي التي تضع بين أيدينا مفتاح السرور الذي يسر به الناس ولقد قص الله علينا نبأ هذا الإنسان فقال في سورة النور حينما ذكر أنه إذا مس الإنسان ضر دعا ربه فإذا كشف عنه الضر قال لئن أنجيتنا من هذه لنكون من الشاكرين فلما أنجاه الله إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا، هذا الداء الوبيل وضعه الله تحت ناظري محمد صلى الله عليه وسلم من بداية الطريق ليعرف الرسول الكريم أين مكامن الداء وماذا يجب أن يعمل وكيف ينبغي أن يتلقى من نفس الناس إلى حقيقة كرم الله ونعمته السابقة بهذه الرسالة ... وتعليمه إياهم الوسائل التي تهذبهم وترقيهم وتكشف لهم عن مكامن الأدواء التي تحول بينهم وبين الإصغاء إلى كلمات الله حتى يستدركوا أنفسهم ويشعروا دائماً مقام العبودية.
هذا القرآن لا ينتفع به جبار عنيد، هذا القرآن لا ينتفع به من سد الذهب والفضة أذنيه. وجعل على قلبه غلافاً سميكاً، هذا القرآن لا ينتفع به العشائريون وأشباه العشائريين هذا القرآن دواء نافع للإنسان الذي لا يطغى، للإنسان الذي يعرف أنه لله عبد فإذا عرف ذلك وعرف مقام الألوهية. وأن لها وحدها حق الأمر والنهي أصغى بأذنيه وأصاخ بقلبه وفتح جوارحه جميعاً للفهم عن الله والعمل بمقتضى ما أراد الله تعالى.
أريد أن أقف عند هذا الحد لأتابع من بعدُ الكلامَ على هذه الآيات. ولقد كنت وعدتكم من قبل وعداً أجدني مضطراً إلى الإخلاف فيه. وعدتكم أن أبسط الأمور جداً وأن أحاول أن أعطي في كل جمعة قضية واحدة مشروحة ومبسطة وعذري أن بين يَديَّ كلام الله وأنني خلال تعرفي على قضايا السور الأربعة لا أملك إلا أن أبسط الأمر أكثر مما وعدتكم به.(/5)
تتمة سورة المزمل
الحلقة (13) 13 من شوال 1395هـ -17 تشرين الأول 1975م
العلامة محمود مشّوح
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون فلقد طالت رحلتنا مع أوائل سورة المزمل، وعمداً أطلت الشوط فقد ينبغي أن يكون أكثر تدقيقاً، وأعمق تأملاً ونحن بصدد التعرف على الخطوات الأولى من مسيرة الدعوة الإسلامية، ولقد كنت قادراً على أن أجتاز هذه الرحلة بحديث واحد. ولكن قدرت -ومن واقع التجربة- قدرت أن كثيراً من الخلل والارتباك في مسيرة الدعوة الإسلامية المعاصرة يرد إلى عدم إتقان الخطوات الأولى وإيلائها ما ينبغي لها من عناية واهتمام سواء كان ذلك بالكشف عنها أو بوضعها موضع التطبيق.
كنا في الأسبوع الفائت نتحدث إليكم عن بعض ما يوحيه قول الله تبارك وتعالى خطاباً لنبيه عليه الصلاة والسلام:
)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً(.
وما بالنية أن أزيد على الذي قلت شيئاً وإنما نمر مع الآيات.
يقول الله تعالى بَعْدُ؛ خطاباً لنبيه عليه الصلاة والسلام:
)واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً إن أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً فكيف تتقون إن كفرتم يوم يجعل الولدان شيباً السماء منفطر به كان وعده مفعولاً إن هذه تذكر فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً(.
ذرونا ننظر بما ينبغي من الأناة في هؤلاء الآيات؛ يقول الله تعالى موجهاً رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة المثلى التي يجب أن يعامل بها المخالفين:
)واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً(.
والصبر على ما يقول المخالفون واجب لظاهرة يعرفها الخاص والعام؛ وهي أنك في كل الأحوال لا تستطيع أن تضع قفلاً على أفواه الناس، فالناس إذا لم يكن لهم عاصم من التقوى فهم يتكلمون بما شاؤوا بالحق والباطل هذا شأن، وشأن آخر يتعلق بالنبي والمؤمنين وبالدعاة عموماً إن كلام المخالفين يجب أن لا يشكل عقبة تحول دون اطراد السير؛ فالصبر عليه هنا واجب إن لم يكن واجباً في شريعة الأخلاق فهو واجب وفقاً لقوانين الحركة والسير. والله جل وعلا في مواطن عدة من كتابه المُنْزَلِ على نبيه صلى الله عليه وآله ينبه إلى ما سيكون من تفنيد وتكذيب وأذىً في مواجهة الدعوة يقول الله تعالى:
)لتبلوُنَّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور(.
أي إن عزائم الرجال ينبغي أن لا تحول دون مضيها، أقَاويلُ المخالفين، فالمخالف من شأنه أن يتحدث كيف شاء وفي الوقت الذي يشاء دعه فالكلام لا يزال يشكل تشميتاً ويشكل أذى هذا أمر واقع من الممكن أن يستمر هذا التشميت وقتاً طويلاً لأنه ليس من شأن بسطاء الناس وعامة الناس أن تعرض كل ما تسمع على قضية العقل فهي تأخذ غالباً بهذا الذي تسمع بقطع النظر عن إمكان معقوليته.
وعدم إمكانيتها وبقطع النظر عن نوعية القائل أهو إنسان يوثق بما يقول أو هو إنسان لا يبالي بما يقول بل يلقي الكلام على عواهنه وكيفما اتفق من هنا لا يجوز أن نُهَوِّنَ من قيمة الشائعات ولكن عدم التهوين من هذه القيمة ليس بالتقوقع وليس بإيلاء هذا الأمر أكثر مما يستحق كيف الزيف يتحقق بمجرد عرض الحقيقة حينما تعرض الحقيقة عارية من أي لبوس فإن الزيف يبدو هناك زيفاً لا يقوم على ساق صحيحة ولا على ساق عرجاء فالواجب إذاً هذا الاستمرار والسير أبداً مع الصبر على ما يقول المخالفون، (واصبر على ما يقولون) ثم ليس فقط (واصبر على ما يقولون) دائماً بل.. (واهجرهم هجراً جميلاً) هذه النقطة يجب أن ننتبه لها ماذا تعني:
الهجر في لغة العرب هو الترك هذا شيء يعرفه الخاص والعام؛ والجميل هو الأنيق المحب، غير المؤذي، الأنيق المحب غير المؤذي؛ واضح أن الجملة (واهجرهم هجراً جميلاً) حوت معنيين يكادان في الظاهر أن يتناصرا وأن يتدافعا فكيف يكون الترك جميلاً ومحبباً إلى الأنفس وغير مؤذ؟ كيف يكون.. هنا موضع الإعجاز في الأداء الرباني في الكلام الإلهي بهذا اللفظ الوجيز أوجز الله جل وعلا أرفع نماذج السلوك التي تحقق الانسجام والتأثير مع المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، في الوقت الذي تستند فيه قضية الحقيقة دون أن تتلوث بأوشاب هذا المجتمع. كيف، الغفلة عن هذه المسألة سبب أحد أمرين في واقع السلوك الإسلامي:
الأمر الأول: هم الذين أخذوا الهجر بمعناه العام والأولى والبسيط وعندهم أنه لمجرد أن تسلم لله وجهك وتسير معه في الطريق الذي اختطه لك فعليك أن تقطع العلائق بينك وبين الآخرين ضربة لازب.(/1)
والأمر الثاني الذي تبلور في السلوك: الغفلة عن كل شيء والاندماج المطلق في المجتمع وقبوله على ما فيه من خير ومن شر وكلا السلوكين خطأ، الهجر الجميل يعني أن لا تلابس من حولك في ما يغضب الله تبارك وتعالى، وأن لا تعين من حولك على ما يغضب الله تبارك وتعالى وأن لا تساعد هذا المجتمع في شيء يتنافى مع أهدافك ومع قضايا دعوتك التي تحملها، ولكن مع الحفاظ على الرابطة الإنسانية التي تشد الناس جميعاً بعضهم إلى بعض مسلمهم وكافرهم على سواء لأية غاية؟ هل إلى غاية المداراة والمجاملة والمصانعة؟ لا.. سلوك المسلم أبعد ما يمكن عن هذه الرجرجة الموقوتة ولكن لإبقاء النافذة الوحيدة التي يمكن أن تنفذ منها إلى قلوب الناس وإلى عقول الناس وإلى مشاعر الناس أي الإبقاء على الوسيلة التي لا غيرها والتي يمكن أن تكون في مجتمعك بواسطتها عنصراً فعالاً ومؤثراً.
الهجر الجميل هو أن لا تعين غيرك ممن يخالفك في الاتجاه والمعتقد في شيء مما يغضب الله ولكن مع الإبقاء على علائق المودة وعلائق المحبة وعلائق التضامن القائم بين أعضاء المجتمع أن لا تلقى الناس بهذه النفسية المظلمة العابسة ولا تلقاهم بهذا القلب الأسود الذي يتنزَّى حقداً ويأكله هذا الحقد من جميع جوانبه بل تتقدم لإصلاح هذا المجتمع بالقلب المغمور بالمودة والمحبة والرغبة في إيصال الخير إلى الناس وتحفظ كل العلائق التي يمكن حفظها دون مساس بجوهر رسالتك وأسس عقيدتك أن تكون مسلماً هذا لا يعني بتاتاً أن تكون سيئ الطبع شرس الخلق هذا شيء وذاك شيء آخر وهجرك للمخالفين مع إبدائهم للتسويف المستمر وأخذهم بهذا النهج غير الأخلاقي لا يعني كذلك تقطيع العلائق بينك وبينهم.
أرأيتم كيف كان سلوك النبي صلى الله عليه وسلم مع المخالفين؟ جهر بالدعوة دون مداورة ودون لجلجة ودون خوف وعلناً وتحت وهج الشمس وإبقاء على كل العلاقات التي يمكن أن تبقى كان يغشى مجالس الناس، وكان يزور الناس، وكان يلقاهم بالبشر، وكان يلقاهم بالمودة، ذات يوم مر النبي صلى الله عليه وسلم طائفاً بالكعبة وهذا في أوليات الدعوة فلما مر تغامز القوم وسخروا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمعوه قارص القول فأعرض فطاف فسمع مثل ذلك عدداً من المرات ثم التفت إليهم وقال:
"يا معشر قريش تسمعون والله لقد جئتك بالذبح"
وأشار إلى حلقه فكان أشد الناس عداوة له صلى الله عليه وسلم، يحاول أن يرفأه بأحسن ما يجد من القول، قاموا إليه يهدئونه ويقولون له:
"يا محمد والله ما كنتَ جهولاً".
كلمة واحدة: (لقد جئتكم بالذبح) ذلك أقصى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فكانت غريبة غريبة هذه اللفظة القاسية من إنسان عُرف كُلَّ حياته بأنه على غاية ما يمكن أن يكون الإنسان من السماحة والطيب والتهيين فالنبي عليه الصلاة والسلام عنوان الهاجرين للمجتمع ولكن بالهجر الجميل والهجر الجميل هو أن تبدي ما عندك وأن تدعو إلى هذا الشيء الذي أنت مكلف بالدعوة إليه دون تحطيم كل علاقة بينك وبين الناس.
انظر إليها في ضوء القانون الأخلاقي تجد أن العنف والشراسة وبذاءة القول وسوء الطوية شيء يتنافى مع أوليات القانون الأخلاقي، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لعائشة رضي الله عنها إثر كلام سمعته من بعض الناس.. يقول لها:
"يا عائشة لو كان العنف رجلاً لكان رجل سوء".
فالنبي عليه الصلاة والسلام ما خُيرَ بين أمرين، وما وقف في مفترق طريقين إلا اختار أيسرهما وأرفقهما ما لم يكن فيه إثم أو مغضبة لله تبارك وتعالى فإن يكن ذلك كان أبعد الناس منه.
هذا هو معنى الهجر الجميل أن لا تلابس المبطلين في باطلهم ولكن هذا لا يمنع من أن يبقى بينك وبينهم حبل الود موصولاً فلو أنك وضعت الأمر تحت قانون الحركة والسير لوجدت أن العنف والعنفوان يعطلان الحركة ويقضيان على السير من أول الطريق فالرجل الذي تلقاه وأنت غاضب وأنت مشمئز، وأنت تحمل له في صدرك الضغينة التي لا تنتهي لا يمكن أن تتفتح لك مغاليق قلبه بحال من الأحوال، فحين نسمع الله جل علا يوجه نبيه صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه الحكيم:
)واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً(.
نلحظ أمرين:
نلحظ أن الله جل وعلا يقيم نبيه عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه على القاعدة الأخلاقية المثلى ويوجههم نحو الطريق التي تضمن انفتاح الأسماع والأبصار والعقول والقلوب لهذه الدعوة فهي توجيه حكيم (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً) لكن الكلام هنا في عمومه يبقى ناقصاً إن نحن حذفنا النظر فيما يأتي من الآية الأخرى يقول: (وذرني والمكذِّبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً).(/2)
تصوروا لو تصورنا أن الله تعالى قال: (وذرني والمكذبين) ماذا يكون الأمر؟ نكون قد وقعنا في شيء من الخلف في الكلام، التناقض في القول عدم انسجام أجزاء الحقيقة التي نعرضها.. هناك؛ قلنا إننا لا نلابس المجتمع المبطل الجاهلي في باطله وفي جاهليته ولكننا نحمل للناس من حيث هم ناس المودة والمحبة ونرغب في أن نشترك وإياهم في حمل أعباء الدعوة، من أجل أن تبقى قلوبهم معنا.
وهنا يقول الله: (وذرني والمكذبين) لو وقفنا عند هذا الحد المكذبون كما تعلمون كانوا عامة قريش بل عامة العرب بل عامة الدنيا فحين يقول الله (وذرني والمكذبين) أي اتركني وهؤلاء المكذبين أنا أدبر شؤونهم وأنا أنتقم منهم وأنا أذيقهم العذاب والأنكال فأين ذهب جمال الخلق وأين ذهبت هذه العلاقة التي ركزنا على ضرورة المحافظة عليها ينحل الأشكال حين نلحظ القلب الذي جاء في الكلام المكذبون في الكلام كذبوا لأنهم أولو النعمة وأولو النعمة هم المتنعمون.
هنا انسحبوا من ذلك الجو التاريخي البعيد وتعالوا إلى أي جو معاصر وانظروا في المجتمع المعاصر وفي كل مجتمع المكذبون أولاً ليسوا بسطاء الناس وليسوا حتى أوساطهم وإنما هم القمة في المجتمع هم المنعمون هم المترفون هم كبار أصحاب الامتيازات التي تهدد الدعوة مراكزهم وامتيازاتهم هؤلاء دائماً قلة في المجتمعات، هؤلاء لا يمكن أن ينقادوا إلى الحق، ولا يمكن أن ينصاعوا للحجة إلا بعد أن تفلس كل امتيازاتهم وتذهب أدراج الرياح.
نحن لا نستطيع بالنسبة لمسار الدعوة الإسلامية وليكن هذا مفهوماً وواضحاً لا نستطيع وفقاً لقوانين الدعوة أبداً أن نحفظ للجاهلين امتيازاتهم، هذا غير معقول فالدعوة الإسلامية بما هي دعوة عامة وشاملة تنسجم مع كل الحياة البشرية لتؤثر فيها وتغيرها ولا يمكن أن تبقي على الأوضاع على النحو الذي هي عليه؛ سوف تنظم المجتمعات البشرية في ضوء قوانينها وفي ضوء شرائعها وتوجيهاتها وآدابها.
ومن المعقول بل من الحق في مجتمع كهذا أن يكون العالي نازلاً والنازل عالياً، أي أن تغييراً جوهرياً لا بد أن يدخل في المجتمع من جراء تطبيق شرائع الإسلام، هؤلاء الناس الذين لهم امتيازات سابقة نشأت في ظل مجتمعات جاهلية وأوضاع جاهلية ينبغي أن يكون مقرراً أن الإسلام لا يدغدغ غرائزهم ولا يشتري ولاءهم بالحفاظ على امتيازات تصطدم مبدئياً وأساسياً مع قوانين المجتمع المسلم.
هؤلاء إذاً سيظلون مكذبين لو جئتهم بالحجج صباح مساء فسوف يردون عليك حججك كائنة ما كانت، وصدق الله العظيم:
)ولو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعتَ أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير(.
إذاً فالقلة التي تعيش على مأساة البشرية فقط هي التي يتهددها الله جل وعلا:
)وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً(.
دع الدعوة تسير بإذن الله جل وعلا وانتظر ماذا سيحل بهم، وبالفعل مضت الدعوة في طريقها غير آبهة بهرير الكلاب التي كانت تنبح من حواليها حتى إذا كان يوم بدر ألقي أولو النعمة مجرورين بأرجلهم في القليب، قليب بدر ووقعت الواقعة في صف المشركين وتساءل المتسائلون أفلان وفلان يقتلون ويلقون في القليب شيء يفوق التصديق، ولكن الله جل وعلا حقق لنبيه عليه الصلاة والسلام موعوده وألقى هؤلاء في القليب وفقاً لمصارعهم التي صرعوا عليها بتكذيبهم وبعنادهم وبتأبيهم على دعوة الحق النازلة من عند الله تعالى.
هذا كان في الدنيا وذلك قانون محفوظ كما تشرق الشمس من المشرق لتسقط في المغرب، كذلك فإن الباطل مصيره إلى التدمير لأنه في نسيجه يحمل جراثيم الفناء والموت، كذلك فالله جل وعلا موقع هذا بالمبطلين بلا ريب.
أما في الآخرة فالله جل وعلا يقول:
)إن لدينا أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً(.
في الآخرة الأنكال جمع نكل وهو ما يربط به الإنسان قيداً أو ما يشبه القيد، والجحيم هي النار الجاحمة الشديدة التلهب والوهج والمحرقة (وطعاماً ذا غصة) الطعام هو عصارة أهل النار، وما يشبه ذلك وذو الغصة هو الذي يعلق في أصل الحلق لا يتزحزح لا يخرج فيريح ولا يبتلع فيريح، (وعذاباً أليماً) ذلك في الآخرة وعد غير مكذوب ينال المجرمين من الله تبارك وتعالى.(/3)
متى يكون ذلك، يقول الله (يوم ترجف الأرض والجبال) (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) متى ذلك؟ يوم القيامة، (يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً) هذا يكون يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً، انظر إلى هذا الحائط انظر إلى الجبل الأصمّ، انظر إلى الصخر الأصم ألست تجده قاسياً شديد القساوة بلى ماذا يكون شأنه يوم القيامة (كثيباً مهيلاً...) هو الصخر الذي فتت حتى أصبح كذرات الرمل وأزيل بعضه (أُهِيْل) على بعض هذه الأعلام الشوامخ هذه الجبال المنصوبة، إذا جاء وعد ربك جعلها الله تعالى كرمال، كالرمال تتفتت وتصبح ككثبان الرمال في ذلك الوقت ينال المكذبين ما ينالهم يقول الله:
)إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً(.
لاحظوا أيها الإخوة وأنتم تقرؤون القرآن جاء في القرآن من قصص الماضين الشيء الكثير قصص الأنبياء قصص الأمم التي كذبت الأنبياء، العبر المستقاة والمستفادة من سياق هذه القصص؛ جاء الشيء الكثير لكن الناظر في القرآن يلاحظ أن قصة موسى وفرعون ترددت في القرآن عدداً أكبر من المرات، لا بد من سبب ومن علة، لماذا يردد الله باستمرار ما حصل من فرعون تجاه موسى؟
لاحظوا مواقف فرعون مع موسى تجدوها تتشابه إلى حد بعيد مع مواقف المشركين بل زعماء المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فرعون أعرض ونأى بجانبه جاءته الدعوة فَمَنَّ على موسى:
)ألم نرِّبك فينا وليداً ولبثتَ فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت(.
مِنَّةٌ على موسى عليه السلام بأنْ رُبِّيَ في بيت فرعون وكذلك مُنَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم عُيِّرَ بأنه اليتيم الذي آذته قريش وعيشته قريش، وأطعمته قريش، كذلك فرعون يتأبى ويرى أنه خير من موسى:
)أم أنا خير أم هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين(.
كذلك فأبو جهل وأضراب أبي جهل من عتاة قريش ومن صناديد المشركين كانوا يرون أنفسهم خيراً، من محمد صلى الله عليه وسلم بل يصرحون بهذا بلا تحرج وبلا حياء، وكذلك فِرْعونُ يرى أن موسى لا مجال لأن يسمع له أليس هو، أي فرعون الحاكم والمتصرف، والذي يملك كل الخيرات والذي يملك أن يعطي ويمنع وأن يفيد:
)يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون(.
كذلك قالت قريش، رأت محمداً عليه الصلاة والسلام رجلاً فقيراً قليل ذات اليد وهم هم الذين يملكون الثروة ويجوبون أطراف البلاد بالتجارة ويسوقون العير إلى كل مكان ومحمد لا يملك من هذا شروى نقير.
وكذلك الغيرة ففرعون كان يغار من موسى كيف يختصه الله جل وعلا بهذا الخير الذي فتح له من الله ويترك فرعون كذلك ما كان يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون ألم يجد الله رجلاً يرسله غيرك:
)وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمه ربك(
هم كانوا يتصورون أن يتنزل القرآن على زعيم من زعماء مكة أو على زعيم من زعماء الطائف، ناسين أن القيمة للمعنى الإنساني أولاً وللاختصاص الإلهي أولاً وآخراً، والغيرة ذاتها هي التي دفعت أبا جهل إلى أن يتمسك بهذا الموقف العنيد الذي أورده مورد الهلاك.
ذات يوم جاءه رجل من خلصائه قال له: يا أبا الحكم - وكذلك كان اسمه، قبل أن يسميه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل ثم تلبسته هذا التسمية إلى آخر الدهر، قال له: يا أبا الحكم ألا تسمع ما يقول محمد إنه والله لقول جميل وطريقة مستقيمة ثم هو ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك فلماذا هذه الخصومة؟
ماذا تتصورون كان جواب الرجل الأرعن؟ قال:
"إنا تزاحمنا نحن وبني هاشم فأطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا وحملوا وحملنا حتى قالوا منا نبي يوحى إليه من السماء فمن أين نأتي بمثل ذلك".
الغيرة إذاً هي التي كانت تحمل أبا جهل وكثيراً من المعاندين من العرب على أن يقفوا المواقف السيئة من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التشابه الملحوظ والذي لا تخطئه عين الدارس للقرآن الكريم بين موقف المشركين من محمد صلى الله عليه وسلم وموقف فرعون وقومه من موسى عليه السلام هو الذي سوغ أن تردد قصة موسى مع فرعون على أسماع العرب.
ماذا كانت عاقبة فرعون بعد كل العناد مع ما هو عليه من العظمة والجبروت والملك والثروة، نبذه الله جل وعلا في اليم فأغرقه وجعله نكال الآخرة والأولى، كذلك كانت عاقبة أبي جهل نبذه الله تبارك وتعالى في القليب قليب بدر وجعله الله جل وعلا نكال الآخرة والأولى هناك قانون واحد في مجال الدعوات يتحكم في مسارها في القديم وفي الحديث على سواء إن الله جل وعلا لا يجامل المكذبين ولا يحابيهم ثم هم أولاً وآخراً بعض خلق الله جل وعلا وخلق الله يتفاضلون عنده بالتقوى بالعافية..... ثرواتهم أموالهم أولادهم لا تغني عنهم شيئاً.
)وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن(.(/4)
فالإيمان هو الذي يحدد مجال النجاة فقط أما الذين يصرون على العناد ويركبون رؤوسهم في طريق خطأ ومعاندة الحقيقة فمصيرهم في القديم وفي زمن النبي عليه الصلاة والسلام وإلى أن تقوم الساعة مقرر ومحتوم سوف يدمرون لكن تحت شرط ينبغي أن لا يغفل لكي يدمَرَ الباطل لا بد أن تكون جبهة الحق سليمة فإذا كانت جبهة الحق سليمة فمصير الباطل محتوم، أما حين تكون جبهة الحق غائمة الرؤيا مشوشة الأهداف سيئة الانضباط في السلوك، فلا يمكن للباطل أن يدمر إلا على المدى البعيد وبعد أن يوجد الله جل وعلا جبهة للحق هي خير وأهدى سبيلاً من هؤلاء المتخاذلين الذين يدعون ذلك زوراً وبهتاناً.
وإذاً فالباطل مصيره مقرر وفقاً لقوانين الله التي لا تتخلف لكن ذلك مرتبط بمدى استقامة المؤمنين على الجادة التي وضعهم عليها ربهم تبارك وتعالى. هذا ما يوحيه قول الله:
إننا أرسلنا إليكم رسولاً كما -وهنا أداة المشابهة- كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً -فما كان من فرعون- فعصى فرعون الرسول -وما كان من الله- فأخذناه أخذاً وبيلاً.
تمت المشابهة وينبغي ولا شك أن ذهن العربي في ذلك الزمان وعى معنى الكلام وأن فحواه، أنكم يا معاشر قريش، يا معاشر العرب المكذبين لمحمد إن بقيتم على ضلالكم فسوف تلقون مثل الذي لقي فرعون. ثم يخاطبهم الله:
( فكيف تتقون ) .
أي كيف تخشون من الله وترعوون إن كفرتكم؟ بماذا كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً، كيف يمكن لك أن تتقيه وهنا قضية ذات أهمية بالغة، بالنسبة لدعوة الإسلام، كيف يستقيم سلوك سالك؟ كيف يستقيم السير لسائر؟ إذا هو أعرض عن الإيمان بمصيره إلى الله تبارك وتعالى، دعوة الإسلام من أولها إلى آخرها، مرتبطة بماذا..؟ باليقين المستكن في القلب، بأن الإنسان صائر إلى الله سبحانه وتعالى، فمحاسب على ما قدمت يداه، فمجزي على الإحسان إحساناً، وعلى السوء سوءاً، الإيمان بالرجعة إلى الله هو الذي يعصم الإنسان غالباً، وفي غالب الأحيان من الوقوع في الخطأ، وهؤلاء العرب كانوا لا يرجون لله وقاراً، ولا ينتظرون معاداً إلى الله فكيف يتقون الله، هذا معنى قوله:
)فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً، السماء منفطر به، كان وعده مفعولاً(.
أي قيام الساعة ووقوفكم جميعاً بين يدي الله، إن هذه تذكره، كل هذا الذي قصصناه عليكم تذكرة، ما هي وظيفة هذا الكلام، أن يقرع الأسماع، وأن يقرع القلوب، وأن يوقظ النيام، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، ما عندنا سوط إرهاب نسوق الناس به إلى طريق الإيمان، نحن لا نفتتح السجون والمعتقلات لنضع الناس في السجون والمعتقلات حتى يؤمنوا بالله العزيز الحميد، قطعاً لا..
الإنسانية استوت على ساقها، والإنسانية بلغت رشدها، والإنسان بما هو إنسان رُكب له عقل، وأوتي القدرة على أن يميز بين الخير والشرّ، ولا يمكن أن يقبل في قانون الإيمان، إيمان المكره على ما لا يعتقد، تذكرة وحسب.. من شاء بعد؛ اتخذ إلى ربه سبيلاً، أنت واختيارك، وهديناه النجدين، إن كتب الله لك النجاة أخذت في طريق السعادة، وإن كان غير ذلك فالله جلَّ وعلا، سيجزيك بما تستحق، أما نحن –المسلمين-فثق أننا لا نمسّ ظهرك بعذاب، ولا نقبل منك إيمان تقليد، ولا نقبل منك إيمان إكراه؛ وإنما هي الحجة فقط، إن اقتنعت وآمنت بمحض اختيارك وامتلاء قلبك فأنت من المؤمنين لك ما لهم وعليك ما عليهم، وإن كنت مكرهاً في هذا الإيمان، جئتنا فحكمنا بأن إيمانك باطل، وأنك بهذا الإكراه خارج نطاق جماعة المسلمين، فنحن، هذا قانون مقرر بالنسبة لنا، في ظل الإسلام يتفيأ الناس جميعاً ظلال الحرية، ما عندنا مال نشتري به إيمان الناس، وما عندنا عذاب نمس به الناس. إن لم يؤمنوا، وما عندنا مطامع، طريقنا مليء بالدماء والدموع. ما عندنا درهم ولا دينار. عندنا قلب الإنسان. وعندنا إرادة الإنسان؛ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، وأظن أن كل عاقل حصيف الرأي، يدرك تماماً، أن هذا غاية التكريم للإنسان بما هو إنسان وأن كل إكراه، أو إغراء، أو تدخل في إرادة الإنسان، هو امتحان لكرامة هذا الإنسان.
وهنا يقف الشريط –بكل أسف- ويصمت الشيخ رحمه الله، ولعله أنهى السورة بهذا المعنى البديع.(/5)
تتمة سورة المزمل
الحلقة (12) الجمعة 6 شوال 1395 – 10 تشرين الأول 1975
العلامة محمود مشّوح
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون.
فلقد سبق لنا أن نظرنا في مطالع سورة المزمل ثالثة السور التي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطالع الدعوة، وتكلمنا عن هذه المطالع جمعتين أو أكثر لا أذكر، وأحسب أننا بحاجة إلى أن نعيد استذكار بعضه الحقائق التي تتعلق بأوائل هذه السورة لكي يأخذ الكلام بعض برقاب بعض، ولكي تنسجم وتتناغم حلقاته كي يكون الغرض العام من السورة الكريمة واضحاً في أذهاننا جميعاً.
إن السورة الكريمة تبدأ بقول الله تبارك وتعالى خطاباً لرسوله عليه السلام:
)يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا(
ومضى الكلام على هذا بما لا أطمع بزيادة عليه، ثم يقول الله تعالى:
)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا(
ومضى الكلام على هذه الآية بالذات بما لم أكن راضياً عنه لأنني في حينها كنت منحرف الصحة سيء المزاج ولكني لا أنتوي بتاتاً أن أعيد الكلام حول ظاهرة ثقل القرآن إلا بالإشارة التي تهيئ لفهم ما بعد ذلك بل وما قبله أيضاً.
فهذا القرآن وصف بأنه ثقيل؛ وصف بذلك في الآيات، ووصف بذلك في الأحاديث المشتهرة عن الصحابة الذين نقلوا إلينا كلام نبينا صلى الله عليه وسلم وأحواله العامة والخاصة، ومن جملة هذه الأحوال ما كان يعتريه عليه السلام أثناء نزول الوحي قلنا: إن هذا الثقل ظاهرة من ظواهر القرآن ونضيف إنها ظاهرة يشعر بها الإنسان المكلف فقط، وأظن أنني استشهدت سابقاً بقول الله جل وعلا:
)لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله(
ثم أعقب الله جل وعلا ذلك؛ بأن قال:
)وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون(
فدلّ عجز الآية على ضرورة الاستبصار والتفكر بما سبقها، وقلنا إن هذا الذي وصف القرآن به ليس مراداً به ظاهر الكلام لأننا نرى بالمشاهدة أننا نضع القرآن على جبل فلا ينصدع ولا يتفكك ولا يتبعثر، وفي هذا ما يلزم بالقول أن ظاهر الكلام غير مراد وأن المراد معنى آخر، ورجعنا معكم في تحليل هذا الكلام إلى أصل الخلق، فوجدنا بالمضاهاة وبالمقارنة أن الإنسان هو المخلوق الوحيد من بين خلق الله عز وجل الذي هو مكلف، والذي نتج عن تكليفه تمتعه بالإرادة وبحرية الاختيار، فيصبح معنى الكلام أننا لو فرضنا في الجبال حسّاً وعقلاً وإرادة ثم كلفناها بالقرآن لتفتتتْ وما أطاقت حمل هذا القرآن؛ من الذي أطاقه؟ الإنسان بما هو مكلف، وبما هو حر، ومريد ومختار..
وهذا يمنحنا الحق في أن نقرر أن الإنسان أقوى مخلوقات الله عز وجل؛ من حيث هو قادر على تحقيق الحرية والإرادة والاختيار وأنه أضعف مخلوقات الله عزوجل حين يعطل عمل هذه المواهب التي أعطاه الله جل وعلا إياها.
هذا الثقل إذاً يحس به الإنسان من المعالجة بين الأمر الإلهي، وبين الرغبة والاختيار هذا الألم الدائم، القلق الذي يصحب الإنسان، الثقل الذي يعيش معه ما عاش هو الذي أراد القرآن أن يشير إليه بقوله:
)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا(
وضربت لكم مثلاً قلت لكم فكروا بأنكم أخذتم لائحة بمجموعة الواجبات والأوامر والنواهي التي جاءت في هذا القرآن وحاولتم أن تطبقوها في ذات نفوسكم على صعيد العقل والإحساس والشعور وفي عقائدكم ومسالك تفكيركم وفي السلوك الشخصي الذاتي، وفيما يتعلق بصميم وظائفكم من حيث إنكم مسؤولون عن أسركم وعن جيرانكم وعن بلدكم وعن أوطانكم وعن الإنسانية جميعاً ثم ارجعوا بعد ذلك إلى أنفسكم كم يكلف القيام بأداء هذه الواجبات من مشقات ومجهودات كبيرة.
فالقرآن إذاً ثقيل بذاته، ثقيل بواجباته، ثقيل بتكاليفه، ولا يقوم لهذا الثقل ولا يستقل به إلا هذا الإنسان الذي رشحه الله جل وعلا للخلافة في الأرض، فلا يحقرن أحد الطاقة التي وهبه الله إياها فإنما هو كائن عظيم وكبير استخلفه الله جل وعلا على أمانة عظيمة وكبيرة كلما أحس الإنسان وأيقن بقيمته الحقة استطاع أن يهيئ الأجواء الصالحة للبلوغ بهذه الأمانة والرسالة إلى قرارها وإلى مبلغها، وإذا حقر نفسه وأزال من إمكانياته، وقلل من قيمته قضى على مبرر وجوده باعتباره مسلماً بل قضى على أخص خصائصه الإنسانية وهي العقل والإرادة والحرية. فالله جل وعلا يقول:
)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا(
ثقل القول كما شرحت لكم الآن في إيجاز وباختصار وكما شرحت لكم سابقاً بإسهاب وتفصيل مما لم أكن راضياً عنه ومما أرجو الله جل وعلا أن يعين على بيانه في مناسبة أخرى.
نسير الآن مع الآيات سيراً هيناً يقول الله جل وعلا:
)إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا((/1)
وشرحنا لكم أن ناشئة الليل على القول الذي نختاره هي ساعاته المتجددة لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة، وقوله جل وعلا (أشد وطئاً) أي أكثر موافقة وملاءمة لما يريد الإنسان أن يفعله في تلك الساعات من طاعة وتقرب وزلفى إلى الله جل وعلا، (وأقوم قيلا) يحتمل معنيين الأول هو الذي نرجحه إن شاء الله (أقوم قيلا) أي أن أولى هذه الساعات أدعى إلى أن يكون ذكر الإنسان وقراءة الإنسان ودعاء الإنسان وتفكر الإنسان أصوب وأقوم لفراغ الذهن من الشواغل ولسكون الدنيا من حول الإنسان.
والقول الثاني: أن الله جل وعلا أقرب إلى أن يتقبل دعاء الداعين وقراءة القارئين واستغفار المستغفرين في تلك الساعات الليلية وعليه يحمل ما جاء من قول يعقوب لبنيه:
)سوف أستغفر لكم ربي(
أي أنه كان ينتظر إذا حل السحر الثلث الأخير من الليل أن يستغفر لأبنائه الخاطئين لأن الله جل وعلا قريب من الداعين في تلك الساعات.
ثم يقول الله جل وعلا:
)إن لك في النهار سبحاً طويلاً(
وقلنا إن السبح هو الحركة والاضطراب المتصرف في شؤون المعاش أو التصرف في واجبات الدعوة ورجحنا هذا من قبل، لأن الخطاب خطاب إلى النبي، والنبي في تلك الساعات التي تنزل عليها الخطاب لم يكن مشغولاً بتجارة ولا بزراعة ولا بصناعة ولا معنياً بأي شأن من شؤون الحياة ، فقد كفاه الله مؤونته بعد أن تزوج بخديجة رضي الله عنها، واستكفى بمالها بل أنفق مالها من أجل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فحين يُخَاطَبُ بقول الله (إن لك في النهار سبحاً طويلاً) يوحي ذلك إلى الذهن المستبصر المستنير أن الله قسم أوقات نبيه قسمين: قسماً يسلخه في الليل بالتعبد والقيام الطويل بين يدي الرحمن والقراءة والتفكر في آيات الله والتبصر في آلائه وعظمته جل وعلا.
وقسم آخر هو ما يكون في النهار من اتصال بالناس ودعوة لهم إلى الخير الذي أنزله الله تعالى إليه ومحاولته صلى الله عليه وسلم أن يقود الناس إلى هذا الهدى الذي أنزله الله تعالى إليه ثم يقول الله جل وعلا بعد ذلك.
)واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا(
ذكر اسم الله معروف لكن ما معنى تبتل إليه تبتيلا.
معنى البتل الباء والتاء واللام في لغة العرب القصد، وأظن أنكم ما زلتم تقولون في العامية "قطعة بتلة" يعني شيء مبتول ومقطوع والبتل معناه في لغة العرب القطع والمتبتل هو المنقطع، المتبتل إلى الشيء هو المنقطع إلى هذا الشيء، سميت مريم عليها السلام بتولاً لأنها انقطعت عن الرجال، والمتبتل إلى الله هو المنقطع عن الخلق إلى الخالق والله جل وعلا يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبتل إليه أي أن ينقطع إليه.
أصبحت لدينا الآن جملة حقائق نستطيع الآن أن ننظر إليها بتناسق:
أولاً نداء من الرحمن إلى رسوله صلى الله عليه وسلم )يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً(
واحد. كان النبي عليه السلام قبل ذلك يأخذ لنفسه حظها من النوم والراحة وكان يتدثر بثيابه أو بفراشه التماساً للهدوء والراحة، فلما جاءه الأمر أخرجه مما كان فيه. قال له (يا أيها المزمل قم الليل) ذكر الليل كله ثم استل منه شيئاً قليلاً هذا القليل خذ حظك فسه من النوم فقط؛ أما بقية الليل معظم الليل أكثر الليل فليس لك؛ وإنما هو لله تبارك وتعالى؛ قُمْهُ قائماً خاشعاً متعبداً متبتلاً، ثم قال له بعد ذلك:
)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً(
لماذا طلب القيام إن لم يكن وراء هذا الطلب الجازم والطلب المقلق الثقيل وقد مر معنا في الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان حينما يتعب وينصب تقول له زوجه الوفية خديجة رضي الله عنها
"ألا تنام قليلاً يا رسول الله".
فيقول:
"مضى عهد النوم يا خديجة".
خرجنا من حالة الجاهلية الأولى ودعنا حالة التسيب الماضية، رُسمتْ لنا أهداف، حُدِّدَتْ لها مفاهيم وضعت أمامنا غايات، يجب أن يتخلى الإنسان عن الراحة ويجب بعد أن ينصرف الإنسان عن حياة اللاوعي وحياة اللامسؤولية ويأخذ نفسه بحياة واعية منظمة مشدودة إلى هدف بعيد مكشوف، وقد مر معنا في الأحاديث أن النبي عليه السلام ومعه صحبه الكرام رضي الله عنهم الرعيل الأول الذين استجابوا لربهم، وفهموا عنه معنى ما أراد. قاموا الليل، قاموه حولاً كاملاً لا يذوقون النوم إلا حسو الطائر، قاموه حتى انتفخت أقدامهم، وتقرحت أرجلهم. قاموه حتى إن أحدهم ليضع الحبل أو يأخذ بيده العصا يستعين بها كي لا يسقط من الإعياء والتعب والإجهاد.(/2)
كل ذلك في ذات الله وفي مرضاة الله إن لم يكن هذا لغاية فهو طلب عابث والله جل وعلا منزّه عن العبث حين يقول له (قم الليل إلا قليلاً) وبطبيعة الحال فما كان مطلوباً من رسول الله صلوات الله عليه وآله فمطلوب من المؤمنين معه أيضاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح هو يتحرك بالقرآن ولكنه أيضاً يتحرك بجماعة المؤمنين الذين هم معه فلذلك كانت الوجائب والتكاليف والمهمات المطلوبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوبة من الذين آمنوا مع رسول الله وستظل مطلوبة من الذين يؤمنون بالله إلى آخر الزمان.
إذاً هناك وراء هذا الطلب غاية، وراء هذا الإيقاظ حكمة ما وراءها. قال له الله:
)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً(
جرب أن تأتي بإنسان يستطيع أن يحمل على ظهره مئة كيلو ضع على ظهره مئة كيلو وعشرة سوف يبرك لا يستطيع أن يستقل بذلك ولا يقوم بالثقل ولا يمكن أن تطيقه إلا عزائم دربت على تحمله، والإنسان كما نعلم يخلق مولوداً صغيراً ضعيفاً ما يزال أبواه يدرجانه ويدربانه على الوقوف وعلى الحركة حتى تصلب سيقانه، وحتى يستطيع أن يتحرك ثم يخلق الله فيه داعية الحركة فبالحركة الدائبة وبالاضطراب إلى أمام وإلى الخلف، وبالتحرك إلى شمال وإلى يمين تكتسب عضلاته القوة التي تساعده على تحمل ما يريد وما يراد منه، فإذا استوى فهو إنسان وسط عادي من أوساط الناس لكن العاديين وأوساط الناس ليسوا رجال الدعوات وليسوا رجال الصعاب، وليسوا الذين يخوضون المشقات.
حينما ينهض الشاب منكم إلى الجندية يتعرض لتدريبات شاقة يحرم من النوم، يطلب إليه أن يركض مسافات طويلة يحمل ما لا يطيقه في الحالة العادية أذلك عبث لا، وإنما هو تدريب على الحصول على القوة، وتدريب على الطاعة والانضباط والنظام.
الإنسان حينما نريد أن نضعه في وجه غاية كبيرة من العبث أن نقول للناس قوموا هذا كلام يلجأ إليه المتاجرون في السياسة والاقتصاد والاجتماع وفي مستقبل الأمم ومصائر الشعوب يقول للناس قوموا تحركوا يقودونهم من أي مكان لا من مكامن القوة، ولكن من مواطن الضعف من الشهوة من الغرائز، من الأحقاد، من الأطماع، من سائر هذه الدوافع التي لا يمكن أن تعد عناوين على القوة في الذات الإنسانية، يقادون من هنا في صعيد الباطل ومعسكر الضلال لكن في صعيد الحق الأمر يختلف أنا حينما أكون في طريق الحق أراك وأكرهك لسبب ما ولكني مطالب بالحق الذي أحمله أن أقيم معك معدلة.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال له: والله لا أحبك عمر يقول لذلك الرجل: لا أحبك. لماذا لأن هذا الرجل قتل ضرار بن الخطاب أخا عمر رضي الله عنه.
قال له: يا أمير المؤمنين: أينقص ذلك من حقي شيئاً إن لم تحبني؟ أتظلمني وتجور علي؟
قال: لا.
قال: إذاً لا أبالي إنما يأسى -يعني يحزن- على الحب النساء أما الرجال فلا يحزنون على الحب، لا تحب.
عمر يكره هذا الإنسان لأنه قتل أخاه ولكن عمر مطالب بالحق الذي يحمله والذي طلب إليه أن يقوم عليه وأن ينفذه في الناس، في الصغير والكبير، وفي العدو والصديق، وفي القريب والبعيد، أن يقيم المعدلة في مواجهة ماذا في مواجهة دوافعه وفي مواجهة غرائزه وفي مواجهة حوافز الإنسان العادي.
أوساط الناس أحد رجلين إما رجل أرعن يجابهك في هذه الحالة بالصد والإبعاد وبالعداء، وإما رجل اكتسب شيئاً من الكياسة وحسن التصرف فيبتسم في وجهك ويقول لك لا عليك سأفعل لك كذا وسأقضي لك كذا، ثم إذا انصرفت عنه فعل ضد ما وعدك به؛ هؤلاء هم الناس العاديون، وهم الأوساط لكن الرجال المدربون الرجال أرباب الحق طلاب الحقيقة ماذا يفعلون إنهم يرون رقابة الله، فالله من وراء كل شيء يرونها أولاً ويرونها آخراً ويعلمون إن أطاعوا حوافزهم ومشوا وراء دوافعهم فاستجابوا وفعلوا ضد ما طلبه الشارع الحكيم منهم فقد يمضي يوم ويومان وعام وعامان تستر فيها هذه المسألة وتروج هذه البضاعة لكن الله تكفل بفضيحة المتمردين. لم يخرج فاسق من هذه الدنيا إلا وهو مهتوك الستر فضحه الله جل وعلا في الدنيا ويوم القيامة يفضحه على رؤوس الأشهاد.
هذا الإنسان المستقيم المؤمن يعلم هذا حق العلم من أجل ذلك لا تخفى عنه ولا تغيب مراقبة الله تبارك وتعالى إياه فيقيم ما يريد الله جل وعلا منه على النحو الذي أراده الله تعالى من الذي يستطيع؟ ذلك الرجل المدرب، كما ندرب أنفسنا على الشيء، كما ندرب أنفسنا على الكلام، كما ندرب أنفسنا على حمل الأثقال، كذلك ندرب أنفسنا على اكتساب عزيمة الصبر، ليس موضوع الصبر شيئاً يشترى من السوق ويوضع في الجيب إنما هو رهق النهار وسهر الليل والتعرض للصعوبات ومواجهة الملمات ثم هو قبل ذلك وفي أثناء ذلك، وبعد ذلك قمع لكل رغبة تبدر في داخل النفس تحاول أن تقود الإنسان في غير الطريق الذي أراده الله تعالى.(/3)
إذاً فقول الله عز وجل (قم الليل إلا قليلاً) قول يراد منه كما لا يخفى على اللبيب الفطن تدريب الرسول صلى الله عليه وسلم وتدريب الأصحاب معه ثم تدريب المؤمنين جميعاً إلى آخر الدهر على أن يأخذوا بحظهم ونصيبهم من هذه الأسباب التي تعود وتضمن اكتساب عزيمة الصبر، بغير الصبر لا شيء يمكن أن ينتج في هذه الحياة، بغير الصبر لا يمكن للفرد أن ينجح، ولا يمكن للأمة أن تنجح، ولا يمكن للرسالة أن تسود وقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم صبر على العبادة طويلاً، وظل يصبر عليها إلى آخر عمره، والله جل وعلا يخاطبه ويقول:
)وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها(
لاحظوا لم يقل وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليهم، لكي لا ينصرف الصبر إلى الأهل مع نسيان حظ النفس وإنما خصه بأمر الأهل بالصلاة وحضّه على أن يصبر على هذه الصلاة، لاحظوا الدقيقة التي يجب أن لا تغيب عن البال الأمر لمن؟ موجّه للنبي عليه الصلاة والسلام؛ النبي ماذا؟ إنسان يعايش الملأ الأعلى ينزل عليه الأمر من السماء في الصباح والمساء وفي الليل وفي النهار هو طبعاً ذخيرته من الإيمان، حصيلته من اليقين أكبر وأكثر وأعلى وأعظم من أي إنسان آخر؛ بل نحن نقرأ الأحاديث الواردة بالطريق الصحيح جداً أن الملائكة الذين جاؤوا ليزنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وزنوه بعشرة من أمته فرجحهم. وزنوه بألف فرجحهم قال أحدهم للآخر دعه فلو وزن بأمته جميعاً لرجحهم.
النبي عليه الصلاة والسلام من حيث حقيقة التقوى والورع والمعرفة بالله تبارك اسمه، في حالة لا نستطيع تصورها مع ذلك جاءه الخطاب يقول: (واصطبر عليها) أي اصبر على الصلاة فإذا كان محمد سيد الخلق وخاتم النبيين والمخاطب من السماء يقال له اصبر على الصلاة فما هو مقدار ثقل هذه الصلاة؟
إذا أردنا أن نعرف الأمر حقيقة يجب أن لا نتصور صلاتنا نحن الخلائق التي تعيش اليوم يجب أن نتصور الصلاة التي يدخلها الإنسان المسلم، فإذا أحرم وقال الله أكبر خرج من الدنيا، عروة بن الزبير رضي الله عنه أصابته الأكلة في رجله.. نوع من المرض الذي يسري في العظام، وأجمع الأطباء على أنه لا فائدة من المعالجة في حال من الأحوال وأنه لابد من تدخل مبضع الجراح، ولابد من قطع رجله؛ في ذلك الزمان لم تكن مخدرات ولم تكن مسكنات وكان الجراح يعمل على الطبيعة في الجسم الحي مهما كلف ذلك من آلام، قال لهم عروة لا بأس عليكم إذا أنا دخلت في الصلاة فشأنكم برجلي؛ فلما أحرم وكبّر أخذ الجراحون المناشير ونشروا رجله وهو لا يدري إن كانت رجله تقطع، أين كان يعيش هذا المخلوق؟ مع الله تبارك وتعالى لو كان يصلي كما نصلي نحن لضج وسمع من في السماوات والأرض ضجيجه من الألم، فالصلاة التي تراد والتي هي ثقيلة وشاقة فعلاً، هي هذه الصلاة التي تنقل المؤمن مع تكبيرة الإحرام من كل أشياء الدنيا ومن جميع أحياء الدنيا لتضعه مباشرة بين يدي الخالق العليم الحكيم.
هذه الصلاة ليس فقط في تكبيرة الإحرام، وإنما هي استدامة لهذه الحالة الواعية والحالة الموصولة بالله إلى آخرها ولهذا نسمع نبينا عليه الصلاة والسلام يقول:
للعبد من صلاته ما وعى منها.
فما لم يعِ من الصلاة فليس لهذا العبد بل ربما كان عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر ويقول:
إن العبد إذا صلى الصلاة فأحسن قراءتها وتكبيرها وقيامها وخشوعها عرجت إلى الله جل وعلا بيضاء مسفرة كما يسفر الصبح تقول: حفظك الله كما حفظتني، وإذا صلى الصلاة فلم يحفظها على هذا الشكل الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجت إلى السماء سوداء مظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، ثم تلف في ثوب خلق أي قديم بالٍ فإذا كان يوم القيامة ضرب بها وجهه.
فالصلاة غير المتقنة إذاً قد تكون بلاءً على صاحبها، هذا في الصلاة حين يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الصلاة يقال له: أأمر أهلك بالصلاة وينتهي الأمر ثم يقال له اصطبر عليها أنت لا تنسَ أنك مطالب مع أمر غيرك بأن تصطبر على الصلاة، لا تنس ولا يغب عن بالك أن أمرك للغير يلغي حظ نفسك من وجوب تحصيل عزيمة الصبر على هذه الصلاة، إذا كان رسول الله يخاطب بهذا فاسألوا أنفسكم أي صبر يجب أن تكتسبه لكي تحقق هذه الحالة الرائعة العجيبة التي تتحصل من الصلاة ثم سلسلوا الأمر بعد للصيام والزكاة والجهاد والحج والصدق والعفاف وسائر الخلائق العالية التي ندب إليها الإسلام.
إذاً فحين يقول ربنا:
)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً((/4)
يكون قبل ذلك قد هيأ نبيه والمؤمنين معه لاحتمال تكاليف وثقل هذا القول؛ هيأهم بماذا؟ بالكلام؟ لا.. بالشعارات؟ لا.. بالتنفج والكذب؟ لا.. وإنما بعمل حقيقي مباشر؛ هذه النقطة سلوني لماذا أقف عندها؟ أقف عندها تذكرة وتبصرة للذين يريدون أن يتذكروا ويتبصروا أولاً هذا بصورة عامة لكني من حيث الأساس وللأمانة أقف عندها لغرض آخر أقف عندها لأقرر أن الإسلام ليست هو بالأعمال التي يكون لها الضجيج ويحمد عليها الإنسان بين الناس فقد ينبغي أن نعلم أن حمد الناس ربما كان مقتلة للإنسان المسلم، وأن هذه الدعوة ليس باقتحام المخاطر قبل فحص النوايا والدوافع فقد تكون المخاطر بلاءً على أصحابها وعلى آخرين وإنما هو بالدرجة الأولى اهتمام بالأمور المباشرة اليومية لم يقل الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم قم فاخترط سيفك ثم اجر في طرقات مكة وأزقتها وفي الشِّعاب التي حولها وأينما وجدت مشركاً فاقطع رأسه ما قال له:
)هذا قال له قم الليل إلا قليلا(.
فقال له:)إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً(.
وقال له: )وتبتل إليه تبتيلا(.
ومن عجب أن هذا يكون في أول الدعوة ولا نشم رائحة الدعوة إلى المقاومة لماذا؟ لأن الذي يقاوم ينبغي أن تتحقق فيه صفتان انتبهوا صفتان.
أولى الصفتين: قدرة لا تنتهي على الصمود في وجه الصعاب من مغريات ومن مرهبات وصعوبات.
وثانية الصفتين: إسقاط حظ النفس فالإنسان الذي يكون جلداً صبوراً شجاعاً لا يعني ذلك إلا عند أصحاب النظر السطحي أنه حتماً سوف يرضي الله بجلده وبشجاعته، كلكم أظن أو معظمكم على الأقل سمع حكاية "قُزمان: قُزمان حليف للأنصار خرج الناس إلى غزوة أحد وانخذل المنافقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلت الواقعة وابتلي المسلمون البلاء الشديد وظهر الشجعان وكان الناس يأتون في الآن بعد الآن يقولون لرسول الله يا رسول الله ألا ترى إلى ما فعل قزمان فيقول قزمان من أهل النار. يقولون له يا رسول الله قد قتل فلاناً وفلاناً من المشركين فيقول قزمان من أهل النار، وهكذا حتى قتل سبعة أو ثمانية من صناديد قريش وأبطالها ورؤوسها كل ذلك والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: قزمان من أهل النار.
وجرح الرجل فحمل إلى محل يمرّض فيه المرضى وتردد عليه الناس فقالوا له هنيئاً لك الجنة فتربد وجه الرجل وأظلم ولم يطق الصبر على ألم الجراحة فأخذ حديدة فقطع بها رواهشه وهي الأوردة الموجودة في الرسغ ونزف حتى مات. ومعلوم أن المنتحر عندنا في الإسلام من أهل النار فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال قزمان من أهل النار لا إله إلا الله أشهد أني رسول الله.
إذاً فالقوة والجلد لا يكفي تحصيلهما وإنما ينبغي أن يكون صاحب القوة قادراً على وقف نفسه مع حدود المنهج الذي يقف معه، بماذا يتحصل ذلك بتنفيذ أوامر الله، بتنفيذ الأشياء المباشرة التي قلت لكم عنها الوجائب اليومية التي لا ينتج عنها ضجيج ولا تبهر الناظرين والسامعين فيأتيك اليوم الذي تجد نفسك فيه تقوم لله، وتقعد لله، وتتكلم لله وتسكت لله وتفعل كل شيء لله.
في نظرنا نحن المسلمين ووفقاً لشريعة الإسلام ومنهجه في الحركة والعمل أن الرواد الذين ينشئون المجتمعات ليسوا هم الرعناء، وليسوا هم المندفعين، ولكنهم الذين يأخذون لأنفسهم حظها من التربية والتهذيب وتحصيل عزيمة الصبر بالقيام الطويل في الليل، بالارتباط المطلق مع الله، بالتفكر الطويل في آلاء الله جل وعلا، وفي آياته المبثوثة في الأنفس وفي الآفاق، بالصلاة الموصولة، بالصوم المتصل، بإتقان ما لدى الإنسان، بتهذيب النفس وتطهيرها من شوائب الأخلاق ورذيل العادات، بكل ذلك يصل الإنسان المسلم إلى المرحلة التي وصل إليها عباد الله المتقون الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد قطع مرحلة التهذيب والتصفية هذه خرجوا إلى الدنيا يوم خرجوا وهم أناس أقوياء فعلاً ومع ذلك في نفس الوقت الذي يحكمون ويسيطرون فيه هم أمناء على الإنسانية الصديق عندهم آمن والعدو عندهم آمن والقريب عندهم موفور الكرامة والبعيد عندهم موفور الكرامة لا يتمايز الناس عندهم أبداً وإنما يتساوون أمامهم بالحقوق وفي الوجائب هذا الشيء هو الذي أراد ربنا جل وعلا أن يلفت نظر رسوله صلى الله عليه وسلم إليه(/5)
تثبيت الله تعالى لعباده المؤمنين
يقول الله تبارك وتعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم/27 .
قال ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا ... الآية ) هو لا إله إلا الله . وروى النسائي عن البراء قال : قال ( يثبت الله الذين آمنوا ... الآية ) نزلت في عذاب القبر ، يقال : ربي الله وديني دين محمد ، فذلك قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا ... الآية ) .
المعنى الإجمالي للآية الكريمة : يتصل المعنى الإجمالي للآية الكريمة بتثبيت الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الحياة اللآخرة ، على الطريق المستقيم ، وعلى عقيدة التوحيد ، كما يتصل هذا المعنى بنفي ذلك التثبيت عن الظالمين الكافرين ، بسبب ظلمهم وكفرهم ، وبعدهم عن الحق وجريهم وراء شهوات النفس ووساوس الشيطان ، وصدهم عن السبيل القويم ، ومعاداتهم لأصحاب الصراط المستقيم .
تثبيت الله تعالى لعباده المؤمنين في الدنيا :
التثبيت في الحياة الدنيا له معنيان :
المعنى الأول : التثبيت في القبر عند سؤال الملكين ، أخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب أن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أُقعد المؤمن في قبره أتاه آت ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فذلك قوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) . وقد قال القفال وجماعته : في الحياة الدنيا ، أي في القبر ، لأن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا ، وحكاه الماوردي عن البراء قال : المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر ، وبالآخرة المساءلة في القيامة . ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 9/238 ) .
والمعنى الثاني : يتصل هذا المعنى بالتثبيت على الإيمان والإسلام والتقوى والاستقامة وفعل الخير والصلاح والمعروف ، ويتصل كذلك بتوفيق الله تعالى لعباده الصالحين وتأييدهم ، ونصرتهم وإعزازهم ، وتقويتهم على القول الثابت والإيمان الراسخ والاعتقاد الجازم والتسليم المطلق لأحكام الله تعالى وأوامره وتوجيهاته . وقد أورد القرطبي في كتابه ( الجامع لأحكام القرآن ) بأن معنى ( يثبت الله ) يديمهم الله على القول الثابت ، ومنه قول عبد الله بن رواحة :
يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نُصرا
وهذا المعنى له ما يؤيده ويعضده من نصوص الكتاب العزيز : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) ، وقوله تعالى : ( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ) وقوله تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
وقوله تعالى : ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .
تثبيت الله تعالى لعباده المؤمنين في الآخرة :
عن البراء بن عازب قال : المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر ، وبالآخرة المساءلة في القيامة .
فالتثبيت في الدنيا كما ذكرت ذلك قبل قليل هو التثبيت عند سؤال الملكين في القبر ، والتثبيت على الحق والتقوى والصلاح في حياة المؤمن في دنياه . أما التثبيت في الآخرة فهو تثبيت المؤمن يوم القيامة عندما يسأل عن أعماله وأفعاله ، وعن شبابه وعمره ، وعن ماله وممتلكاته ، وعن واجباته نحو نفسه ونحو غيره ومحيطه ، وعن مختلف تصرفاته وأحواله وشؤونه التي تعلق بها التكليف الشرعي الإسلامي ، أمراً ونهياً ، فعلاً وتركاً ، فالمؤمن يثبت ويصمد - بتوفيق الله تعالى ومشيئته - يوم القيامة وفي القبر ، وفي حياة البرزخ كلها ، ويبعث الله تعالى فيه الطمأنينة والأمن والثبات ، وذلك لما قدم في حياته من عمل الصالحات ، ومن ملازمة الاعتقاد الراسخ الصحيح ، ومن فعل للأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة ، ومن اقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وسننه الصحيحة ، بلا زيادة ولا ابتداع ، وبلا تنقيص ولا تحريف ، وإنما باتباع منهج السلف الصالح ، وعمل أهل السنة والجماعة .
انتفاء الثبات عن الظالمين :
المراد بالظالمين هنا الكفار ، لأنهم ظلموا أنفسهم ، وكفروا بآيات الله تعالى ، وبدلوا القول الثابت والإيمان الصحيح بما أملته عليهم عقولهم المنحرفة ، وشهواتهم الفاسدة .(/1)
فالظالمون أو الكافرون لا يثبتون على الطريق الجاد ، ولا يطمئنون في الدنيا والآخرة ، وإنما يدركون العذاب الأليم والحسرة والندامة في الآخرة وفي القبر ، كما يعيشون حياة الشقاوة والحيرة والاضطراب في الدنيا ، وذلك بسبب غيهم وفسادهم وبعدهم عن طريق الهداية والصلاح . أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن الكافر إذا حضره الموت تنزل عليه الملائكة عليهم السلام يضربون وجهه ودبره ، فإذا دخل قبره أقعد فقيل له : من ربك ؟ لم يُرجع إليهم شيئاً وأنساه الله تعالى ذكر ذلك ، وإذا قيل له من الرسول الذي بعث إليك ؟ لم يهتد له ولم يُرجع إليهم شيئاً ، فذلك قوله تعالى : ( ويضل الله الظالمين ) .
جميع الأمور بيد الله تعالى : كل الأمور والأحوال بيد الله تعالى : ( ويفعل الله ما يشاء ) ، من عذاب قوم وإضلال قوم ، فالله تبارك وتعالى بيده الهداية والإضلال ، بيده الخير والشر ، بيده النفع والضر ، بحسب سننه وآياته ، وبحسب استعداد النفوس وقبولها لكل من فعل الخير والشر .
نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على الطريق المستقيم والمنهج القويم في عاجل الأمر وآجله ، في الدنيا والآخرة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
بقلم نور الدين مختار الخادمي
مجلة الدعوة العدد 1774 ، صفحة 74.(/2)
تثوير القرآن
لابد للقارئ - للوهلة الأولى - أن يستغرب بعض الشيء عنوان هذا المقال، بل أحسب فوق هذا، أن يثيره ويشد انتباهه للتعرف على مضمونه، وما يحتويه من معان وأفكار، ترتبط بكيفية التعامل مع كتاب الله - عز وجل -.
والحق فإن الحديث عن تثوير القرآن، حديث ليس بالهزل، وإنما هو الفيصل والفصل، بل هو الأصل...وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نسعى من خلال هذا المقال إلى لفت انتباه من يعنيه الأمر، للقراءة والتأمل في هذه السطور...
وأبادر فأقول: إن مادة ثار يثور ثورة، من حيث اللغة، تفيد الهياج وحدَّة الغضب؛ تقول: ثار الدخان والغبار وغيرهما، يثور ثورًا وثورانًا: ظهر وسطع... وفي التنزيل قوله - تعالى -: {وأثاروا الأرض... }(الروم: 9) أي قلبوها للزراعة والحرث؛ وفي الحديث - كما في الصحيحين - جاءه رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسأله الإيمان؛ أي منتشر شعر الرأس؛ وكل ما استخرجته أو هجته، فقد أثرته. وثوَّرتُ الأمر: بحثته؛ وثوَّر القرآن: بحث عن معانيه وعن علمه ومقاصده...
وجاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: (من أراد خير الأولين والآخرين فليثوِّر القرآن، فإن فيه خير الأولين والآخرين). وفي لفظ: (علم الأولين والآخرين) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" وفي رواية: (من أراد العلم فليثوِّر القرآن).
قال بعض أهل العلم: تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء في تفسيره ومعانيه.
إذا تبين أصل الكلمة ومعناها لغة، وما جاء من آثار فيما نحن بصدد بيانه، ننتقل خطوة أخرى، لنقول: إن الثورة التي - نحن المسلمين - بحاجة إليها اليوم، هي ثورة القراءة والعلم والفهم، ومن ثَمَّ العمل والتطبيق؛ إنها ثورة "تثوير القرآن" وتفعيله بعد أن أصبح مهجورًا بكثير من أنواع الهجران: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا}(الفرقان: 30).
- لقد هجرنا القرآن أولاً بهجر قراءتنا له؛ وهذا أبسط أنواع الهجران.
- ثم هجرناه ثانيًا بهجر التفكر والتفاكر في معانيه ومقاصده ومراميه، فشغلتنا الحروف والألفاظ، عن المعاني والأهداف.
- ثم هجرناه ثالثًا بالاشتغال والاهتمام بآيات الأحكام فحسب، وتركنا - وربما أعرضنا - عن الاشتغال بآيات الأنفس والآفاق، ونحوهما.
- ثم هجرناه رابعًا بتطويعه لأغراض عارضة، وإسقاط معانيه الأصلية الواسعة الشاملة، على قضايا ظرفية آنية فانية.
ويُلَخِّصُ أنواع الهجران هذه، العمل ببعض آيات الكتاب وترك العمل بالبعض الآخر؛ ولا نقول هنا في حق بعض المسلمين الغافلين، ما قاله - سبحانه - في حق اليهود الظالمين: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} لأن حسن الظن بالمسلمين واجب شرعًا، لكنه التنبيه والتذكير والنصح.
لقد آن للمسلم المعاصر - وقد بلغ الإنسان من العلم ما بلغ، وامتلك من أدوات البحث ووسائله ما امتلك - أن يثوِّر القرآن، ليستخرج منه معانيه الكلية، وأهدافه السامية، ليضبط بها سير وجهته، ويحدد من خلالها وجهة مقصده؛ وهذا على مستوى الفرد، والأمر على مستوى الأمة آكد وأوجب.
ثم إن المسلمين اليوم، بقدر ما هم بحاجة إلى تثوير القرآن، ليفهموا آيات الله المسطورة، فهم بحاجة أيضًا - لا تقل عن الحاجة الأولى - إلى تثوير البصائر، ليروا آيات الله المنشورة، ليكون ذلك تصديقًا لما هو مسطور، وتفعيلاً لما هو مقروء؛ وليتحقق فيهم قول الله - سبحانه -: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت: 53).
نسأل الله أن يجعلنا ممن {ألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليمًا} (الفتح: 26) والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على من أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا.
17/08/2003
http://www.islamweb.net المصدر:(/1)
تجارة العملات
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ المعاملات/ الصرف وبيع العملات/بيع وشراء العملات
التاريخ ... 12/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: أنا أتاجر بالعملات عن طريق وسيط لشركه أجنبية، وهذا نظام التداول عن طريق الشركة، ومن خلال نظام الوسيط : تفتح حساباً لدى الشركة بحد أدنى تحدده الشركة، فلنقل 2000 دولار مثلاً، تدخل بهذا الحساب السوق وتشتري وتبيع بعقد قيمته مئة ألف دولار، وذلك بتسهيل من الشركة، وربما تكون أنت لا تملك سوى 2000 دولار أو أقل، ولكن بإقراض وتسهيل من الشركة تدخل هذه القيمة الكبيرة مقابل تأمين يكون لديك بالحساب لدى الشركة، فالشركة لا تتحمل الخسارة ولا تأخذ من الربح، وعندما تنتهي من الصفقة أو العقد - سواء بربح أو خسارة - تنتهي العملية وتأخذ الشركة عمولة تداول، والفارق بين سعر البيع والشراء التي تحددها الشركة كأجور للتداول وفي كل الحالات - سواء البيع أو الشراء - تسجّل العملية بحسابك في الحال، بل وترى العقد المفتوح أمامك وهو يأخذ الخسارة أو يعطي الربح، وبدقة من حسابك في الحال وعند إغلاق العقد كذلك تسجل العملية بحسابك في الحال دون تأخير، علاوة على ذلك فهو يتم إزالة أي علاقة للحساب بالفوائد البنكية - سواء المقبوضة أو المدفوعة - تدخل الفائدة بالنسبة للتعاملات الأخرى: فيما لو قام المتداول بتبييت العقد إلى اليوم التالي فإنه هنا عليه دفع فائدة القرض، أو يأخذ فائدة الإقراض، ويتم إما إضافة أو طرح فرق الفائدة من حساب العميل، وهذا مستبعد مع الشركة التي أتعامل معها، هذا كلام عام، صحيح أنهم استبعدوا الفوائد، ولكن هناك تفاصيل لا تذكر عند سؤال المشايخ عن هذا السوق المجهول: الشراء والبيع يتمان عن طريق بنك التصفية بمعنى أن الشركة الأجنبية تتعامل مع بنك تصفية، وتضع به رصيداً لحظة الشراء أو البيع، وتتم تصفية الصفقة عن طريق البنك، ولكن أنت كمتداول بمجرد ضغطك على زر الشراء أو البيع تتم العملية في أقل من 30 ثانية ويخصم منك في الحال التأمين، ولك أن تبيع حتى لو بعد دقيقه أو ثوانٍ. ولكن الملاحظ يا شيخ - حفظك الله - أن التداول إلكتروني والسوق يعمل 24 ساعة، ولم يحصل مرة أن طلبت بيعاً أو شراءً ويقولون لم نحصِّل بايعاً أو شارياً بل بعد30 ثانية تتم العملية، ولما سألت الشركة يقولون إن هذا سوق التعامل اليومي، به أكثر من ترليون من الدولارات، وهذه عملات دول، والسوق خليط من المضاربين والبنوك والصرافة، فمستحيل ألا تحصِّل شارياً أو بايعاً كذلك لو أردت البيع بعد ثوانٍ من فتح العقد تجد أن التأمين رجع ووضع في حسابك في اللحظة نفسها الربح أو الخسارة، هل في هذه العملية تحقق شرط التقابض كيف شريت وبعت في ثوانٍ نعم نحن في زمن السرعة وأكثر البورصات اليوم تتم إلكترونياً ولكن الله رزقنا العقل فهل يعقل أن تشتري وتذهب الصفقة لبنك التصفية، وتبيع بعد ذلك عن طريق بنك التصفية، وكل هذا في ثوانٍ؟ علما أنك لا تعلم من الشاري منك أو البائع لك، كل هذه المسألة عن طريق بنك التصفية، أفتونا مأجورين؛ لأن كل شركات التجارة في العملات بهذا النظام، حتى التي لا تتعامل إلكترونياً وتعاملها عن طريق التلكس أو الهاتف تتم بالعملية نفسها، وهذا من واقع تجربة ولكم الشكر.
الجواب
متاجرتك بالعملات كوسيط مع شركة أجنبية، وما ذكرته شرحاً في سؤالك يتعين عليك أن تتمعن في جوابي لك فأقول:(/1)
إقراض الشركة لك مبلغاً من المال - كبيراً أو صغيراً - مقابل أن تفتح عندها حساباً وأن تؤمن عندها ما يضمن لها حقها لو لحقتك خسارة، هذا العمل حرام لا يجوز التعامل به بين الطرفين لأنه قرض جرّ نفعا. والقاعدة الشرعية "كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا" ولو لم يلحق الشركة ربح أو خسارة من العملية المنفذة باسمك أو فائدة بنكية (ربا) مدفوعة أو مقبوضة على الحساب. وهذا الربا هو ربا الفضل، أما إذا قامت الشركة بأخذ فائدة - بطرح أو إضافة إلى حساب العميل – مقابل تبييت العقد (تأجيله) إلى اليوم التالي، ليوم التداول فهذا العمل حرام لا يجوز فهو ربا النسيئة، وكون هذه الشركة تتعامل مع بنك يقوم بالتصفية لعمليات التداول مع العملاء والوسطاء لا دخل له في التحريم في هذا العقد؛ لأن عقدك كوسيط تجاري هو مع الشركة لا مع البنك، ولا يلزم في البيع أن تعرف عين البائع أو المشتري، إنما يشترط فيها أن يكونا جائزين للتصرف فقط، وكون عملية البيع أو الشراء تتم بسرعة خلال ثوانٍ أو دقائق معدودة، لا يؤثر على العقد صحة أو لزوماً - إذا توفرت أركان البيع وشروطه، حيث إن قبض السلعة يختلف حسب العرف والعادة، فإذا كان بمجرد ضغطة زر في جهاز الإنترنت يتحول المبلغ من حسابك أو إليه بثوانٍ معدودة، فقد تم البيع وتم قبض الثمن أو السلعة (العملة)، ونظراً للتطور السريع في التقنية اليوم، فمن الطبيعي أن تتطور وسائل البيوع تبعاً لذلك، والخلاصة: أن عمل مثل هذه الشركة حرام؛ لاشتماله على نوعي الربا (الفضل والنسيئة)، ومعاملتك معها فيها ربا الفضل - لا محالة - فعليك اجتنابها وإذا أردت المتاجرة في مثل هذا العمل ليكن بمالك الخاص أو خذ من غيرك مالاً مشاركة تضارب به، وتتفقان على نسبة الربح بينكما. وفقنا الله وإياك بما علمنا وأغنانا بحلاله عن حرامه.(/2)
تجديد الحياة في عشر ذي الحجة
مواقع أخرى*
تحتاج حياتنا بين الحين والحين إلى تجديد يعيد لها قوة الإيمان، ويحيي فيها نبض العقيدة، ويُنمّي فيها إحساس العبودية لله -تعالى-، ويدفع بها نحو ربها -عز وجل- وهي نادمة على معصيته, مجتهدة في طاعته.
تجديد يعيد إلى القلب رقته، فيخشع لآيات القرآن الكريم، ويتدبر في معانيها، وينقاد لحديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ويهتدي بسنّته. تجديد ينتقل بالنفس من رتابة الأداء في العبادة إلى حضور القلب فيها، والإحساس بجمالها ومبانيها، ويقف بها عن المعاصي والمحرمات، ويبعث فيها الأمل بسعة الرحمة، وقبول التوبة، وغفران الذنوب ومحو السيئات. تجديد يتحول بحياتنا لتكون أكثر قرباً من الله -تعالى-، في فكرنا وأعمالنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا.
وأعظم فرصة لتجديد الحياة، وزيادة الإيمان، هي أفضل الأزمنة وأشرف الأوقات، حين يدنو الله -تعالى- من عباده، ويفتح لهم أبواب المغفرة، ويجزل لهم العطاء، ويكون العمل أرجى للقبول، والدعاء أقرب للإجابة. والنفس بحاجة في كثير من الأحيان إلى ما يحفز فيها النشاط، ويشوّقها إلى التغيير، وهاهي ذي أيام العشر الأول من ذي الحجة، وما يتبعها من أيام التشريق، جاءت بما أودع الله -تعالى- فيها من فضائل، لتوقظ الهمم، وتُنشط النفوس، فليس هناك أيام جمعت من خصائص الفضل، وأسباب السعادة، كهذه الأيام، وتأمّل كم جمعت من ميزات، وحازت من فضائل:
فهي أيام عظيمة الحرمة لكونها في ذي الحجة، وهو من الأشهر الحرم، التي جعل الله -تعالى- تحريمها من الدين المستقيم، حيث قال -سبحانه-: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" [التوبة : 36]، وتذكير النفس بذلك يكبح جماح شهواتها، ويذكرها بأن الذنب يعْظم كلما كانت حرمة الزمن أعظم، ولهذا حذّر الله -تعالى- عباده من تعدي الحدود فيها، فقال بعد بيان حرمتها: "فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ"، وذكّر الرسول -عليه الصلاة والسلام- الناس بذلك في شهر ذي الحجة، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس يوم النحر فقال: "يا أيها الناس أي يوم هذا". قالوا: يوم حرام. قال: "فأي بلد هذا". قالوا: بلد حرام، قال: "فأي شهر هذا". قالوا: شهر حرام. قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا". فأعادها مراراً، ثم رفع رأسه، فقال: "اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت". قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته: "فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"(1).
وهي أيام عظيمة؛ لأنها نالت شرف قيام ركن الإسلام الخامس في زمانها، حين يأتي الناس أفواجاً من كل فج عميق، ليبدؤوا فيها مناسكهم وشعائر حجهم، والتي تمضي بنا، لو تأمّلت، في ذكريات زمان عميق، لتحكي لنا مواقف مهيبة، وعبراً عديدة، من تاريخ بيت الله العتيق، سطّرها لنا بإيمانهم وصبرهم إبراهيم وآله -عليهم السلام-، فكان انقيادهم لأمر الله -تعالى- معالم هداية، ومواطن قدوة، في الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، والتوكل عليه وعبادته، يستن بها الموحِّدون في حجهم في كل زمان.
ويا لها من عبرةٍ تُحيي القلوب، وتشرح الصدور، وتشوّقها للإقبال على الله -عز وجل-، حين ترى خير الناس من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، يأتون الحج وهم يلبون، يجأرون إلى الله ويستغيثون، مع ما في زمنهم من صعوبة في السفر، ووعورة في الطريق، قال -عليه الصلاة والسلام-: "صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً، منهم موسى صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان وهو مُحْرم، على بعير من إبل شنوءة مخطوم بخطام ليف, له ضفيرتان"(2), وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كنّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين مكة والمدينة فمررنا بواد، فقال: أي واد هذا؟ قالوا: وادي الأزرق. قال: كأني أنظر إلى موسى -صلى الله عليه وسلم-... واضعاً إصبعه في أذنه له جؤار إلى الله بالتلبية [الجؤار: رَفْع الصَّوت والاسْتِغاثة]، مارّاً بهذا الوادي. قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: ثنية هَرْشى أو لَِفت. قال: كأني أنظر إلى يونس -صلى الله عليه وسلم- على ناقة حمراء عليه جبة صوف، وخطام [حبل] ناقته خُلبة [ليف]، مارّاً بهذا الوادي ملبياً"(3).(/1)
حازت هذه الأيام العشر خير يومين في العام، وهما يوم عرفة ويوم النحر، ففي يوم عرفة يدنو الله -عز وجل- ثم يباهي ملائكة السماء بأهل الموقف، فما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة(4)، وجعل الله -تعالى- لغير الحجيج فيه نصيباً، فمنحهم على صومه تكفير الذنوب لسنتين، سنة ماضية وسنة قابلة(5)، وهو اليوم الذي أكمل الله -تعالى- فيه الدين، فأتم النعمة على المسلمين، ونزل فيه قول الله -تعالى-: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً" [المائدة : 3].
وهو يوم الميثاق، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم -عليه السلام- بنعمان يوم عرفة، فخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنشرها بين يديه، ثم كلمهم قبلاً، قال: "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا" [الأعراف: 172] إلى قوله: "أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" [الأعراف : 173]")(6).
وهو اليوم المشهود الذي أقسم الله -تعالى- به في سورة البروج، "وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ" [البروج: 3]، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة"(7). وهو خير أوقات الدعاء، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"(8).
ويوم النحر من أيام العشر، وهو يوم الحج الأكبر، كما قال فريق من العلماء، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "والصوابُ أن يومَ الحج الأكبر هو يومُ النَّحر؛ لقوله -تعالى-: "وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ" [التوبة : 3]، وثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعلياً -رضي اللّه عنهما- أَذَّنَا بِذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ لاَ يَومَ عَرَفَةَ. وفي سنن أبي داود بأصح إسناد أن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم الْحَجِّ الأكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ"... ويومُ عرفة مقدِّمة ليوم النَّحر بين يديه، فإن فيه يكونُ الوقوفُ، والتضرعُ، والتوبةُ، والابتهالُ، والاستقالةُ، ثم يومَ النَّحر تكون الوفادةُ والزيارة، ولهذا سُمّي طوافُه طوافَ الزيارة؛ لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم ربُّهم يوم النَّحر في زيارته، والدخولِ عليه إلى بيته، ولهذا كان فيه ذبحُ القرابين، وحلقُ الرؤوس، ورميُ الجمار، ومعظمُ أفعال الحج. وعملُ يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم"(9).
وهو يوم التقرب إلى الله -تعالى- وتوحيده بالنسك العظيم، في أكبر مشهد لتوحيد الله -تعالى- بهذه العبادة، التي ضل فيها كثير من الناس فقدموها لغيره -سبحانه- من الأصنام والأوثان والقبور، ومن ثم جاء التنبيه على توحيد الله -تعالى- فيها في آيات عديدة، كما في قوله -تعالى-: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" [الكوثر : 2]، أي: وانحر لربك ذبيحتك له وعلى اسمه وحده، وأمر عز وجل بذكر اسم الله -تعالى- وحده لا شريك له على الهدايا والأضاحي، فقال: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" [الحج : 28]، "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ" [الحج : 34]، "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ..." [الحج : 36].(/2)
عشر ذي الحجة "هي الأيامُ العشر التي أقسم اللّه بها في كتابه بقوله: "وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ" [الفجر : 1-2] "(10)، بل ورد أنها هي العشر التي أتمها الله -تعالى- لموسى -عليه السلام-، والتي جاء ذكرها في قوله -تعالى-: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" [الأعراف : 142]، قال في تفسير الجلالين: ("وواعدنا" بألِف ودونها "موسى ثلاثين ليلةً" نكلّمه عند انتهائها بأن يصومها، وهي ذو القعدة، فصامها، فلما تمت أنكر خلوف فمه [رائحة فمه من الصوم] فاستاك، فأمره الله بعشرة أخرى ليكلّمه بخلوف فمه، كما قال -تعالى-: "وأتممناها بعشر" من ذي الحجة)(11)، وقال ابن كثير: (وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى -عليه السلام-, وفيه أكمل الله الدين لمحمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال -تعالى-: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً")(12).
ولكثرة ما في هذه الأيام وفي غيرها من فضائل، تنوعت أقوال العلماء، واختلفت آراؤهم في الموازنة بينها، أيّ الأيام أفضل عند الله: أيام عشر ذي الحجة لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة"(13)، أم الليالي العشر الأخيرة من رمضان؟ يوم عرفة أم يوم النحر؟ قال في (تحفة الأحوذي): "اختلف العلماء في هذه العشر، والعشر الأخير من رمضان، فقال بعضهم: هذه العشر أفضل لهذا الحديث، وقال بعضهم: عشر رمضان أفضل للصوم والقدر، والمختار أن أيام هذه العشر أفضل ليوم عرفة وليالي عشر رمضان أفضل لليلة القدر؛ لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة، وليلة القدر أفضل ليالي السنة، ولذا قال: "ما من أيام" ولم يقل من ليال)(14)، وفي الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية: "وعشر ذي الحجة أفضل من غيره لياليه وأيامه، وقد يقال ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل وأيام تلك أفضل. قال أبو العباس: والأول أظهر"(15).
أما يوم عرفة ويوم النحر، فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن يوم النحر أفضل أيام السنة على الإطلاق، حتى من يوم عرفة، قال ابن القيم: "خير الأيام عند اللّه يومُ النحر، وهو يومُ الحج الأكبر، كما في السنن عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَفْضَلُ الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر"(16), وقيل: يومُ عرفة أفضلُ منه... والصواب القول الأول"(17).
لقد لاحت للمحبين في هذه الأيام الفاضلة من الله -تعالى- آية، وأقيمت لهم علامة، ليثبت من أراد حقيقة محبته لله -عز وجل-، فهذه الأيام العشر هي أحب أوقات العمل عند الله -سبحانه-، والمحب الصادق هو الذي يبحث عن أوقات رضا من يحب ليسرع إليه بما يدل على صدق محبته, ويقبل عليه بما يرضيه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما العمل الصالح في أيام أفضل من هذه العشر"، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء"(18) ، جاء في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية: (واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلاً ونهاراً أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله، والعبادة في غيره تعدل الجهاد؛ للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد وغيره)(19).
ومن رحمة الله -تعالى- بعباده أنه لم يحرم أحداً من فضل هذه الأيام، فلم يقصر ثوابها وأجرها على عبادة معينة واحدة، قد لا يستطيع القيام بها إلا بعض الناس، بل فضلها وثوابها شامل لكل بر وخير، ما دام مصحوباً بنية وإخلاص، من صلاة وقيام وصوم(20) وحج وتضحية وذكر، ولا سيما التهليل والتكبير والتحميد، حتى تبسمك في وجه أخيك، وإماطة الأذى عن الطريق، والإصلاح بين المتخاصمين، والتفريج عن المكروبين، ومساعدة المحتاجين، قال -عليه الصلاة والسلام-: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأعلاها قول: لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان". وجاء في رواية لحديث عشر ذي الحجة، لفظ "خير" بدلاً من "العمل الصالح"، ففي رواية القاسم بن أبي أيوب: "ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى"(21). مما يدل على سعة معنى العمل الصالح، قال أبو شامة: "ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضّلاً فيه جميع أعمال البر؛ كعشر ذي الحجة... فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر"(22).(/3)
فأسرع بتوبة صادقة، تراجع فيها ماضيك، وتصلح حاضرك، وتخطط لمستقبلك، وذكّر نفسك بهذا الفضل العظيم، والأجر كبير، ليكون معيناً لك لتنطلق نحو تجديد الحياة، وزيادة الإيمان، والإقبال على الله -تعالى- بالعبادة والطاعة والعمل، "كان سعيد بن جبير -رحمه الله- إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه"(23).
______________
(1) صحيح البخاري، رقم 1652.
(2) رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. صحيح الترغيب والترهيب, ج 2, 1127 (حسن لغيره). القَطَوانِيَّة: عَباءةٌ بيضاءُ قصيرة الخَمْل"، خِطَام البعير: حَبْل من ليف أو شَعر أو كَتَّان. انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الاثير، (قطا) ، (خطم).
(3) صحيح سنن ابن ماجه، رقم 2891. الخُلْب: اللِّيف، انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الاثير، (خلب).
(4) رواه مسلم، رقم 1348 .
(5) في الحديث: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده" صحيح سنن ابن ماجه، رقم 1730.
(6) رواه أحمد والنسائي وغيرهما، انظر صحيح الجامع، ج 1, رقم 1701, وشرح العقيدة الطحاوية.
(7) صحيح سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البروج، (حسن).
(8) صحيح سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة. قال الألباني: (حسن).
(9) زاد المعاد، لابن القيم، ج 1، المقدمة.
(10) زاد المعاد، لابن القيم، ج 1، المقدمة.
(11) تفسير الجلالين، سورة الأعراف، آية 142.
(12) تفسير ابن كثير، سورة الأعراف، آية 142.
(13) فتح الباري، كتاب العيدين، باب العمل في أيام التشريق.
(14) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، أبواب الصوم، باب في العمل في أيام العشر، ح 506.
(15) الأخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية، لأبي الحسن البعلي، ص 112.
(16) صحيح سنن أبي داود، كتاب المناسك، قال الألباني: (صحيح)، رقم 1765.
(17) زاد المعاد، لابن القيم، ج 1، المقدمة. ويوم القر هو يوم الاستقرار بمنى وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة.
(18) رواه البخاري وغيره، ( (يخاطر) أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه)... (فلم يرجع بشيء) أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساوياً له) انظر فتح الباري، كتاب العيدين، باب العمل في أيام التشريق.
(19) الأخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية، لأبي الحسن البعلي، ص 62.
(20) الصوم في الأيام التسعة الأولى من عشر ذي الحجة مستحب، لا سيما يوم عرفة لخصوص ما ورد فيه، كما قرره كثير من العلماء، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "واستُدل به [أي حديث ما من أيام ...] على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل" فتح الباري، كتاب العيدين، باب العمل أيام التشريق.
(21) فتح الباري، كتاب العيدين، باب العمل في أيام التشريق.
(22) الباعث على إنكار البدع والحوادث، ص 34.
(23) رواه الدارمي، رقم 1774.
-----------------------
** بقلم محمد سعد الشعيرة نقلا عن موقع المسلم(/4)
تجديد العلوم الإسلاميّة.. تكميل للمسيرة أم تبديل للشريعة؟
د. مسفر بن علي القحطاني 2/8/1426
06/09/2005
"التجديد" من المصطلحات التي حظيت بالكثير من الاهتمام وتسليط الضوء لأكثر من عدة عقود من الزمن ظهر خلالها صراع الأجيال نحو إرادة التغيير أو إلف القديم, كما استُغلت مناهج التجديد في القرن الماضي للخوض بها في معارك الإصلاح السياسي كأداة لتطوير فكر المجتمع ومؤسّساته الدينيّة المسيطرة على الرأي العام في كثير من البلاد الإسلامية من أجل تسييسها وتهميشها ضمن مسارات الدولة الحديثة، كما حصل في تركيا بعد أتاتورك وانقلابه على الخلافة عام 1924م، وما حدث في الأزهر بعد ثورة يوليو 1953م، وما فعله ساطع الحصري في سوريا والعراق إبان توليه وزارة المعارف في العشرينيّات الميلادية، وما يحصل هذه الأيام من إغلاقٍ للمدارس والمعاهد الدينية في كثير من دول المنطقة ولكنه في هذه المرة يجري من غير انقلاب أو ثورة!.. هذا التاريخ الذي لا يزال يحكي صراع التجديد وتحدياته وتجاربه وتخيلاته بين أدعيائه وأعدائه هو ما نحتاج أن نقف معه، ونعيد النظر فيه بشكل جادّ ومستمر حول مفاهيم وآليات التجديد، وبخاصة في العلوم الشرعيّة, هذه العلوم التي كانت فخر الأمة ومصدر عزتها وحضارتها لا يمكن أن تكون هي ذاتها سبب تخلفها وضعفها كما يتذرع منتقدوها, والواقع المعاصر يؤكد أن علوم الشريعة قد أصبحت ملجأً للضعفاء وموئلاً للكسالى ووصمة تخلف وسمة انتقاص لطلاب الشريعة وفقهائها في بعض المجتمعات الإسلامية. إن هذه النظرة الدونيّة لتلك العلوم ليست دائماً تآمراً من الأعداء ومكائد ضد الإسلام -كما يتصور البعض- بل أعتقد أن تفريطنا في المحافظة على علومنا، وتنقية تراثنا، وإصلاح مناهجنا، ثم إهمال تطويرها لمواكبة المستجدات المعاصرة، وإيجاد الحلول لمشكلاتنا الفكرية والحياتية المختلفة سوف يُغيّب هذه العلوم عن الحياة المعاصرة، وينمي الرغبة للحلول المستوردة، وبالتالي تصبح مؤسّساتنا وجامعاتنا الشرعيّة مصنعاً لإنتاج الكتب والمدونات لمجتمعات ماضية ولظروف مختلفة.
إننا في حاجة ماسّة لتفعيل دور تلك العلوم لتفي باحتياجاتنا وتواكب متغيرات مجتمعنا المعقّدة, ونقوم فعلاً لا لفظاً بالدور التجديدي لها من غير أن نلغي أو نبدّل في سمتها العام وأصولها التي قامت عليها.
فالمعارف البشرية إذا توقّفت عن الإبداع والتجديد تأسنت في عقول أصحابها وشاخت أفكار روادها، وأرغمتهم نحو التبعيّة والانسياق في ركب الأمم المتقدمة، وتصبح علومهم مهما كانت نفاسَتها كالنقود التي ولّى زمانها وذهبت قيمتها.
ومن المؤسف أن دعوات التجديد ارتبطت في ذهن البعض بأنموذج خاطئ أراد محو الماضي، وإبدال الوحي المعصوم بآراء بشرية تحكمها مصالح آنية، وهم كما قال فيهم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: "إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة والشمس والقمر!!", فهذا التطرف في دعوى التجديد لا ينبغي أن يقابله تطرّف في الانغلاق والتقليد, وأحسب أن أهل العلم والبصيرة من حملة العلوم الشرعية على عاتقهم مهمة كبرى تلزمهم المبادرة في وضع مناهج ورؤى جديدة في تصنيف وتدريس وتنزيل العلوم الشرعية على معاش الناس واحتياج مجتمعاتهم الحاليّة والمستقبليّة دون الغفلة عن تكوين الطالب والمعلم التكوين الذي يؤهله للتعايش الايجابي مع واقعه وتعميق وعيه بمجريات الأحداث التي حوله وهذا ما جعل علماءنا يزيدون دوماً من الشروط المؤهلة للمجتهد والناظر في الأحكام تبعاً للمتغيرات الحادثة والوقائع المتشابكة مما ألزمهم في عصرنا الحاضر أن ينادوا بجماعية الاجتهاد سداً لنقص التصور للواقع من الآحاد, وهذا على سبيل المثال و إلا فحالات النهوض والتجديد في تاريخ علومنا الشرعية تعدّ منارات عطاء وهداية للأجيال اللاحقة، أضاءها الشافعي في رسالته والغزالي في مصنفاته الفقهية وابن تيمية في فتاواه واختياراته والشاطبي في موافقاته، وغيرهم من رواد التجديد الديني في مسيرتهم الصادقة والمتتابعة كما أخبر عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا" رواه أبو داود.
إن العلوم الشرعية هي النافذة التي يطلّ منها العالم على الإسلام، وطلاب هذه العلوم قد وضعوا أنفسهم نماذج حيّة تحكي مبادئ وقيم هذا الدين، وبقدر مدخلات المعارف الصحيحة والتربية القويمة لهؤلاء الأفراد تكون المخرجات المتوقعة القادرة على حمل المشروع النهضوي للأمة في رهانها الحضاري الكبير على البقاء أو الفناء.(/1)
تجديد الفكر الإسلامي
أ.د. محمد أحمد الصالح (*) 29/5/1426
06/07/2005
الفكر الإسلامي محصلة حضارية بنيت على أركان العقيدة الإسلامية التي جعلها الله دينه الخاتم وبعث خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، ونريد أن نقنع المسلم بأنه يعتنق أكمل الأديان وأعدلها، وأن مبادئ هذا الدين وأحكامه ومثله ومقاييسه هي المبادئ السليمة الكفيلة بإسعاد الفرد والمجتمع، كما نعمل على إقناع غير المسلم بهذا المعنى حتى لا يتصور الإسلام دعوة عصبية أو قاصرة عما يكفل الحياة السعيدة للناس، وأن يعرف أن ما جاء به الإسلام إنما هو برنامج عملي إصلاحي للبشرية كافة، قال تعالى:"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء:107]، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها" وإذا كانت العبادات قد استقرت وأصبحت توقيفية لا يدخلها التبديل ولا التغيير، فإن أمور المعاملات قابلة للتجديد والتطوير، الذي يعتمد على الاجتهاد الجماعي الذي يقوم على ركنين: اعتماد على الأصول، واتصال بالعصر، أما الاعتماد على الأصل فنحن نعتمد على الشرعية التي تقوم على الثوابت الكبرى، وهي حفظ الضروريات الست: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ العرض، وحفظ العقل، وحفظ المال، والمحافظة على قطعيات الشريعة وأحكامها، وعلى الفرائض وعلى القيم الأخلاقية.
وشريعة الإسلام قد اتسعت في كل عصر ومصر عبر آلية الاجتهاد والتجديد، ولهذا قال فقهاؤنا: إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأعراف، فهذا أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي الإمام أبو حنيفة قد خالفوا إمامهم في كم هائل من مسائل الفقه، وقالا: لو رأى إمامنا ما رأينا لغير رأيه بناء على ما طرأ من تغير الزمان والمكان وتطور في مسيرة الحياة.
وهذا الإمام محمد بن إدريس الشافعي أثر عنه المذهب القديم لما كان في العراق، ولما تحول إلى مصر دون مذهبه الجديد بناء على تغير الأحوال والأعراف، وهذا الإمام أحمد رضي الله عنهم جميعاً يؤثر عنه في المسألة أكثر من رواية إما من باب التيسير أو الاعتماد على نص علمه.
إذن فأعمال الاجتهاد والتجديد ضرورة ملحة لاستيعاب قضايا العصر ومتطلبات الحياة، من خلال الثبات على مقاصد الشريعة وقواعدها العامة ومبادئها الكلية مع المرونة في الوسائل ودقة الفهم وإدراك المصلحة.
والتغيير في الأحكام يعني: تعظيم الأصول وتيسير الفروع؛ لأن تعظيم الأصول يندرج تحت قوله تعالى:"بسم الله الرحمن الرحيم*ألم*ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين*الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون*والذين يؤمنون بما أنزل إليك وبما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون*أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون"، وقال عليه الصلاة والسلام:"بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت".
وهذا يقتضي أن من يتصدى للفتوى في قضية الأحكام أن يكون لديه الأهلية في العلم والفهم والإدراك، قال تعالى:"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب" [الزمر:9]، وقال تعالى:"يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، وقال تعالى:"شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم" [آل عمران:18].
ولكن -ويا للأسف- نعيش اليوم في عصرنا مع شباب حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، لم يأخذوا العلم عن الثقات ولا عن مصادر العلم الأصيلة، ولم يستمعوا لقول الله تعالى:"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، كما أن هؤلاء لم يرجعوا إلى الراسخين في العلم، وإنما قرأوا جملة من الآيات أو جملة من الأحاديث ثم نصبوا أنفسهم للإفتاء بآراء شاذة ومنحرفة، فأخذوا يكفِّرون الأمة ويفسِّقونها ويجهلون العلماء ويسفهونهم ويخوضون في أعراضهم، ويسعى هؤلاء الشباب في تضليل الناس ووصفهم بالابتداع، ويصدرون من الفتاوى ما يؤدي إلى الفتنة والبلبلة والاضطراب، ويخوضون في القضايا الكبرى للأمة ومصالحها العليا، وهذا من الفتن العظيمة ومن الشر المستطير، فيجب على العلماء وأولي الأمر والرأي أن يتصدوا لهؤلاء ويبعدونهم عن الساحة؛ ليسلم الناس من هذا الهراء ولا يتصدى للفتوى إلا الراسخون في العلم، ومن وهبهم الله فهما دقيقاً وفقهاً عميقاً، ولهذا نرى أن الصيغة المثلى في علاج قضايا الأمة وحل مشكلاتها إنما تتحقق بالاجتهاد الجماعي الذي يجمع بين فقهاء الشرع وخبراء العصر؛ لأن الفقهاء يعلمون النصوص ومدلولاتها ومقاصدها والخبراء يعرفون الواقع ومآلاته وتحدياته، والحكم الشرعي مركب من العلم بالنصوص والعلم بالواقع، فالاجتهاد الجماعي أقرب إلى السداد وأبعد عن الخلاف في مثل هذه القضايا.
ونحن نعتز بديننا ونفاخر بتراثنا المستخلص من كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.(/1)
وإذاً فلا بد أن نستفيد من الماضي ونعيش الحاضر ونستشرف المستقبل، ونعمل على علاج قضايا الناس وحل مشكلاتهم، معتمدين على النص الشرعي مع الاستنارة بالعقل، والنظر في المصالح والعمل على تكثيرها، والقضاء على المفاسد وتقليلها في كل مجالات الحياة، فالأمر بالمعروف هو من الصفات الخيرة في هذه الأمة، قال تعالى:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" [آل عمران:110]، وقال تعالى:"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [آل عمران:104].
ولكن لا بد من الحكمة عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنظر في مجريات الأمور، وما ينشأ عن هذا الأمر من تحقيق المصالح ودفع المفاسد، ولا بد من الموازنة بين الخير والشر، وما يترتب على هذا التصرف من المآل والآثار، فليس كل منكر نراه نحمل عليه سيف التغيير والتبديل إلا بعد ما ننظر إلى ما يترتب عليه من أثر، فإذا كانت المفاسد المترتبة على التغير أكثر فلا يجوز الإنكار، وإذا كانت المصالح أكبر وأرجح فلا بد من الإنكار فهذا يدركه أهل النظر والوعي وأهل الحكمة وأولو الأمر الذين يقدرون المفاسد ويدركون المصالح.
وهذا يتمثل فيما قاله الإمام سفيان الثوري رحمه الله:"لا بد لمن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر أن يتحقق فيه ثلاث: أن يكون عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه.
وقد أثر عن الإمام الجليل شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه، أنه مر مع أصحابه على أناس من التتار الذين غزوا بلاد الشام وكانوا سكارى، فأراد من كان مع الإمام التغيير عليهم فنهاهم الإمام؛ لأن أمامه مفسدتان: مفسدة شرب الخمر، وهي منكر، غير أنها جريمة قاصرة، والمفسدة الثانية قتل المسلمين وإزهاق أرواحهم وسفك دمائهم، ولهذا قال الإمام الجليل دعوهم، إنما نهى الله عن الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء إنما تصدهم الخمر عن قتل المسلمين وإراقة دمائهم، ولزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من إراقة دم مسلم بغير حق.
ولقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة أن يعيد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال لعائشة:"لولا أن قومك حدثا عهد بالكفر لهدمت الكعبة وأعدتها على قواعد إبراهيم عليه السلام، ومما يؤيد فقه الموازنات بين التصرف وعدمه ما قاله الله تعالى:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام:108]، فسب الأصنام أمر مباح ولكن لما كان يؤدي إلى التعرض للذات العلية صار أمراً ممنوعاً.
ونحن أمة نعيش ضمن قرية كونية زالت فيها حواجز الزمان والمكان، وليس لنا من سبيل أن ننكفي على أنفسنا أو نتوقع على ذاتنا، حيث لا بد من تبادل المنافع ورعاية المصالح ومد الجسور مع الآخرين والتفاعل الإيجابي من غير أن تذوب شخصيتنا وخصوصية حضارتنا من غير انطواء، أي أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها وممن جاء بها.
والحضارات تتقاسم أقداراً من القيم، ولهذا لا بد أن نأخذ بالنافع المفيد من اللباب والجوهر، ونعرض عن القشور وما يتنافى مع أخلاقنا وقيمنا، فقد اتصل المسلمون في صدر الإسلام وفي القرون الأولى بالدول المجاورة، وفتحوا نوافذهم على الأمم من حولهم، واستقبلوا الكتب وقاموا بالترجمة ونشر المسلمون علومهم في شتى المعارف والثقافات حتى وصلوا بهذا عن طريق الأندلس إلى بلاد أوربا كفرنسا وغيرها، ولهذا حدث التفاعل الإيجابي بين المسلمين وغيرهم من اليونان والروم وفارس.
فأمة الإسلام -وهي تعيش في هذا المنتدى البشري الذي نبحث فيه عن شراكة إنسانية- يتجلى فيها التفاعل وحوار الحضارات والأخذ بالجديد المفيد الذي يقوم على الأخوة الإنسانية والكرامة الآدمية وعلى التبادل العادل للمصالح وعلى الحق والعدل، ولقد قال الخليفة الراشد علي –رضي الله عنه- لواليه على مصر:"الناس صنفان إما أخ لك في الإسلام وإما نظير لك في الخلق أخوك في الإنسانية يفرط منه الخطأ والزلل وتغلب عليهم العلل ويؤتي على أيديهم من العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثلما تحب أن يعطيك الله من العفو والصفح فإنك فوقهم ووالي الأمر فوقك والله فوق من ولاَّك".(/2)
إذاً فهذه قاعدة التفاعل الحضاري نرعى المنافع ونتبادل المصالح لتحقيق السلم والأمن بين الشعوب في ظل موازين لا تختل فيها قيم العدالة أو الكيل بمكيالين إنما نلتزم العدل، كما قال تعالى:"وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم الله به لعلكم تذكرون" [الأنعام:152]، وقال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة:8]، وقال تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8].
ونحن نحتاج إلى معرفة الخلاف، فالله وحَّد الأمة على مصدر الكتاب الذي هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ويقوم توحيد الأمة واجتماع كلمتها على ما صح من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى وحدة القبلة وعلى وحدة المصير والجزاء المشترك، ولقد كان من رحمة الله أن يجري الخلاف في الأمة في فروع الشريعة، فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، ونزل على سبعة أحرف، تيسيراً على الناس ومراعاة للهجاتهم واختلاف ألسنتهم واشتمل على العام والخاص، وعلى المطلق والمقيد، والمجمل والمفصل، والمبهم والمبين، والناسخ والمنسوخ، وفيه الحقيقة والمجاز على أن القرآن لم تنزل آياته كلها محكمة بل فيها المحكم والمتشابه، قال تعالى:"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" [آل عمران:7].
فالمتشابهات هي التي تحتمل أكثر من وجه في التفسير، وهذا يعني أن الوحدة التي ندعو أمتنا إليها هي وحدة في الأصول وحدة في المقاصد، وحدة في الكليات، وحدة في المصالح، وإن وقع اختلاف في الفروع فهذا لا ينبغي أن يؤدي إلى الهجر والقطيعة أو تدابر أو تشاحن إنما ينبغي أن يؤدي إلى الرحمة.
فلا ريب أن في الاختلاف في الفروع سعة ورحمة، وقد قال بهذا الصدد أحد الفقهاء السبعة وهو القاسم بن محمد: ما يسرني أن يتفق أصحاب رسول الله لأنهم لو اتفقوا صار في هذا ضيق وحرج وفي اختلافهم يسر وسعة ورحمة.
والإمام محمد بن إدريس الشافعي تلقى علومه عن الإمام مالك بن أنس وقد اختلف التلميذ مع أستاذه، ولكن الشافعي يحمل الود والإجلال والاحترام والتقدير للإمام مالك ويقول: ما تحت أديم السماء أعلم من الإمام مالك ولا أصح بعد القرآن الكريم من كتاب الموطأ، ويقول: إذا ذكر العلماء فالإمام مالك النجم بينهم، ويقول: مالك حجة الله على خلقه، وكان الإمام مالك يرعى تلميذه الشافعي ويقول له: يا شافعي أرى أن الله قد ألقى عليك نور العلم فلا تطفئه بظلمة المعاصي، ولما رحل الإمام الشافعي إلى بغداد تتلمذ على يده الإمام أحمد بن حنبل وقد جرى خلاف بين هذين الإمامين الجليلين في مسائل عدة، ولكن انظروا إلى أدب الخلاف الذي نحتاج إليه بين أهل العلم، قال الإمام أحمد لولده عبدالله: منذ ثلاثين عاماً وأنا أدعو للإمام الشافعي فقال الابن لأبيه: لقد سمعتك تدعو للشافعي كثيراً فمن هو هذا الشافعي؟ فقال: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، وبالمقابل فإن الإمام الشافعي لما رحل إلى مصر قال: ما تركت في بغداد أعلم ولا أروع ولا أهدى من أحمد بن حنبل: ثم قال:
قالوا يزورك أحمد وتزروه *** قلت المكارم لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله *** فالفضل في الحالين له
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (*) أستاذ الدراسات العليا وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية(/3)
تجربة العمل الجهادي في فلسطين
د. محمد صيام*
قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِيْنَ يُقَاتِلُوْنَ فِي سَبِيْلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوْصٌ) [سورة الصف: 4].
* * *
وأخرج الإمامان، الترمذيُّ في سننه في كتاب الفتن، وأحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، كلاهما عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد)).
* * *
وقال الشاعر: (من أبيات للباحث في هذا الموضوع ).
المقدمة
إن العمل الجماعي مضمون النجاح بإذن الله، وذلك لتوافر الآراء السديدة، وتضافر الجهود المفيدة، في الوقت الذي لا يحظى العمل الفردي بمثل ذلك.
قال الشاعر:
وكان نور الدين زنكي قد مهَّد الطريق لصلاح الدين، بتوحيد عدد من الممالك الإسلامية تحت رايته، وإشاعة العدل بين أهلها وتهيئتهم للتخلص من الصليبيين، واحتلال بعض القلاع التي يتحصنون فيها، كما فعل بقلعة (تل حارم) التي "اقتلعها من أيدي الفرنج، وكانت من أحصن القلاع، وأمنع البقاع"([22]).
وفي عين جالوت، وعندما التقى الجمعان، وحمي وطيس المعركة، كانت الصيحة المباركة المشهورة التي رفعها قطز ــ سلطان المسلمين، وقائد جيشهم ــ وا إسلاماه. فأرعدت صفوف المسلمين بصواعق الموت، وانقضوا على التتار، فلم ينج ناجٍ من تلك الحشود، سواء أكان من القادة أو من الجنود.
ومن هنا كان للغرب مواقفه المعادية للإسلام والمسلمين، وحرص ساسته على غسل أدمغة أبناء الإسلام، وتسميمها بثقافة الغرب، حتى لا يظهر من جديد قطز أو صلاح الدين. يقول الرئيس الأمريكي نيكسون: "إن المشكلة الأساسية هي الإسلام، ولمواجهة هذه المشكلة علينا أن نواصل استقدام أبناء المسلمين، ثم نعيد إرسالهم إلى بلدانهم، بعد أن نحقنهم بثقافتنا وأفكارنا وطرقنا. وعلى الدول الأوروبية وروسيا، أن تتحد مع أمريكا لمنع قيام حكم الإسلام"([23]).
فإذا كانت هذه هي نوايا الطامعين في هذه الأمة، وهذه هي مخططات أعدائها، فما المطلوب من قادتها وأبنائها ؟! وكيف يستبدلون بالإسلام أسلحة أخرى، وهو أقوى أسلحتهم وأمضاها؟! إن التاريخ يشهد أن الإسلام هو المحور الأساس في كل عمل جهادي يقوم لتحرير أيٍّ من بلاد المسلمين، وعلى الأخص فلسطين.
* * *
المبحث الخامس
أمثلة تاريخية لتجارب جهادية جرت على أرض فلسطين
لقد بدأ تسلل اليهود إلى فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث تمكنوا من تأسيس أول مستوطنة لهم في شمالي فلسطين، بسرِّية تامة، وبهدوء شديد. وذلك سنة 1886م([24]). وكان السلطان عبد الحميد رحمه الله هو الذي يقف حاجزاً في وجه أطماع اليهود بالتدفق إلى فلسطين؛ ولذلك فقد حاكوا المؤامرات مع الدول الكبرى لإسقاط الخلافة، ونجحوا في ذلك سنة 1924م([25]).
ولأن العرب والفلسطينيين كانوا يثقون في وعود بريطانيا لم تقم قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين، عمليات جهادية بالمعنى الصحيح، إلا ما كانت تقوم به الصحف والنوادي الثقافية من نداءات وتحذيرات، للأمة العربية والدولة العثمانية، من تزايد الخطر بالهجرة اليهودية. وحدث أول صدام مسلح سنة 1886م، بين المستوطنين اليهود، وبين الفلاحين الفلسطينيين، الذين طُردُوا من أراضيهم التي قامت عليها أوائل المستوطنات([26]).
غير أن مشروع المقاومة بدأ عملياً، بعد أن بسطت بريطانيا سيطرتها على فلسطين. ففي أوائل عام 1919م أنشأ الفلسطينيون جمعية "الفدائية"، وتكونت لها فروع في أكثر المدن الفلسطينية، وكان لها نشاط ملموس سياسياً وعسكرياً. وفي أبريل 1920م هبَّ الفلسطينيون في انتفاضة عارمة، ضد اليهود والإنجليز، وسقط فيها الكثير من القتلى والجرحى، من الأطراف الثلاثة([27]).
ثم كانت انتفاضة يافا في مايو 1920م، وتبعتها ثورة البراق في أغسطس 1929م، ثم ثورة الكف الأخضر (1929 ــ 1930م)، ثم انتفاضة أكتوبر 1933م، ثم ثورة الشيخ عز الدين القسام في نوفمبر 1935م، والتي استشهد قائدها في بدايتها، واستمرت جماعته "الجهادية" في الثورة، حتى هيأت لأطول إضراب في التاريخ وهو إضراب الأشهر الستة، واستمر الفلسطينيون في ثورتهم بين مدٍّ وجزر حتى سنة 1939م([28]).
"وقد اتخذت هذه الثورة طابعاً إسلامياً جهادياً عاماً، من خلال الدور العظيم لجماعة القسام في شمال فلسطين ووسطها، وحركة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، في مناطق القدس والخليل، ومن خلال القيادة السياسية لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني"([29]).(/1)
إن هذه التجارب الجهادية التاريخية على أرض فلسطين، ستظل محفورة في الأذهان، ومسطورة في القلوب، وإن لم تحظ بالنجاح المطلوب. فهي تجارب جهادية إسلامية، كما ذكر المؤرخون، وليس أدل على ذلك من أن القائمين عليها كانوا من العلماء المجاهدين. ولا زالت كتائب عز الدين القسام ــ الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ــ في فلسطين، تتمثل بمقالة الشيخ عز الدين القسام قائد ثورة 1935م، والذي طلب منه البريطانيون الاستسلام "فرفض وقال لهم عبارته المشهورة: هذا جهاد، نصرٌ أو استشهاد"([30]).
ومن أهم أسباب فشل تلك التجارب الجهادية، وعدم تحقيقها لأهدافها التحررية والوطنية، تفرق الكلمة، واختلاف الآراء، في الوقت الذي كانت تواجه فيه صفًّا متراصاً من الأعداء. أضف إلى ذلك ما كان يمارس عليها من ضغوط عربية، ليوقفوا ثوراتهم، وستُجاب مطالبهم، اعتماداً على حسن نوايا (الصديقة) بريطانيا.
فهل يتكرر هذا الاختلاف، وهذه الضغوط على المجاهدين في هذه الأيام؟ نضرع إلى الله ألاَّ يكون ذلك.
المبحث السادس
أمثلة من الواقع الحاضر للتجارب الجهادية التي تجري على أرض فلسطين
استيقظ الجيل الحالي من أبناء فلسطين ــ وأكثرهم ولد في أثناء الاحتلال ــ استيقظوا على مأساة بعيدة الأغوار، متعددة الجوانب، التي منها:
$ ضاع أكثر فلسطين منذ سنة 1948م، وقام عليه كيانٌ دخيل، أطلقوا عليه اسم (إسرائيل)، وبقيت قطعتان صغيرتان، هما الضفة والقطاع، وهما أيضاً معرَّضتان للضياع.
$أُُخرج الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه ومضاربه ومزارعه بقوة السلاح، لتقوم عليه مدن وقرى ومستوطنات للكيان المذكور.
$ حُشر حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون من أبناء الشعب الفلسطيني، في الضفة والقطاع، في مخيمات للاجئين، لا تصلح ــ أكثرها ــ لسكنى البشر([31]).
$ وطُرد إلى المهاجر والشتات خارج فلسطين، حوالي أربعة ملايين أخرى([32])، ولا يقل حال هؤلاء سوءاً عن حال إخوانهم داخل فلسطين.
$ يتحدث التاريخ عن هزائم مريرة، مُنيت بها الجيوش العربية سنة 1948م، وكانت تسيطر على أكثر الأراضي الفلسطينية.
$ وظل كيان الصهاينة ــ فيما تلا ذلك من الأيام ــ يستغل في بناء قوته الثواني والدقائق، كما ظل الإعلام العربي يُشغل الأمة بتزييف الحقائق.
$ فجأة! وإذا الحرب سنة 1967م تقوم، ويحتل الصهاينة ما كان قد بقي في فلسطين من تُخوم. وسقطت مع ذلك بقية القدس الغالية، ومن ضمنها المسجد الأقصى المبارك.
$ ملأ الحديث عن قضية فلسطين سجلات الجامعة العربية، كما امتلأت ملفات الأمم المتحدة، بقرارات لحلِّها ولكن مع وقف التنفيذ.
$ انطلقت في الأفق مقولات مختصرة، تتحدث عن الصراع مع الصهاينة، وقد أغنت هذه المقولات، الفكر العربي، دونما أي عمل إيجابي"مثل مقولة: إن الصراع العربي الصهيوني صراع وجود، وليس صراع حدود ومثل مقولة: ما أُخذ بالقوة، لا يُستردُّ بغير القوة"([33]).
$ نفضت الدول العربية يدها من القضية ــ وهي التي كانت السبب في ضياع فلسطين ــ وتُرك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحده.
$ أخذ العدوُّ الصهيونيُّ المحتل، يضيِّق الخناق على الفلسطينيين، في الضفة والقطاع، ويضع في طريق حياتهم، وممارسة معايشهم كل العراقيل، بهدف حملهم على الرحيل.
* * *
استيقظ الجيل على هذه الحقائق الدامية، فقرر أن يخوض الصراع بنفسه، وصمَّم على اتخاذ المقاومة طريقاً للتحرير، غير عابئ باختلال موازين القوى، وبالدعم غير المحدود الذي يتلقاه المحتلون من الغرب والشرق. ومن هذا المنطلق تشكلت مجموعات كثيرة لمقاومة الاحتلال، سنتحدث عن أهم ثلاثٍ منها، وهي: حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحركة الجهاد الإسلامي. ونتجاوز عشرات الحركات الأخرى، التي ليس لها ــ على أرض الواقع ــ وجودٌ ملموس، أو جهد محسوس.
أولاً: حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح):
هي تنظيم فلسطيني نشأ في الكويت، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1957م([34])، وظل التنظيم يعمل سرًّا، حتى سنة 1965م حين أذيع أن (ياسر عرفات) هو الناطق الإعلامي للحركة. وكان لفتح جناح عسكري (باسم العاصفة)، وقد أعلن عن بدء نشاطه في اليوم الأول من شهر يناير سنة 1965م([35]).
وبسبب الجوانب المأساوية للقضية الفلسطينية، والتي سبق ذكر بعضٍ منها، فقد تسابق الشباب الفلسطيني في الانضمام لحركة (فتح)، حتى أصبحت أكبر الفصائل عدداً في الساحة الفلسطينية. خاصة وأنه كان للحركة شرف تفجير الثورة الفلسطينية في ليلة الأول من يناير 1965م([36]).(/2)
أضف إلى ذلك ما تحلَّى به البيان الأول للحركة، من روح وطنية إسلامية، مما كان له وقع عميق وأثر بالغ على شباب فلسطين، ومما جاء في ديباجة البيان: "اتِّكالاً منا على الله، وإيماناً منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس، وإيماناً منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيماناً منا بمؤازرة شرفاء العالم، فقد تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة.." ([37]).
وقد قدمت حركة (فتح) قوافل كريمة من الشهداء، كان على رأسهم (خليل الوزير ــ أبو جهاد) أحد أبرز قادتها ومؤسسيها، كما قدمت الحركة آلافاً من المعتقلين في سجون الاحتلال، وفي مقدمتهم مروان البرغوثي ــ أمين سر الحركة في الضفة الغربية.
وظلت حركة (فتح) تخوض ميادين الجهاد في فلسطين أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ثم داخلها ما يُداخل الحركات التي تعمل للمصالح الدنيوية، فحدث فيها انشقاقات، وحدث فيها تراجعات، وحدث فيها تغيير للمسارات. وأخذ قادتها يلهثون وراء سراب الحلول السلمية، ولكنهم لم يجنوا منها سوى (سلطة ذاتية) منزوعة الصلاحيات.
وكما يقول الباحثون: "استمر تراجع الموقف الفتحاوي من الحلول السلمية حتى أصبحت (فتح) طرفاً في التفاوض مع (إسرائيل)، ثم في قيادة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، حسب اتفاق (أوسلو)، القائم على الاعتراف بشرعية (إسرائيل)، وتولي منظمة التحرير إدارة شئون السكان الفلسطينيين المدنية، وحفظ الأمن الداخلي فيما بينهم، في ظل السيطرة الأمنية والعسكرية والاقتصادية الإسرائيلية الشاملة على الضفة والقطاع"([38]).
ولكن الكثيرين من شباب الحركة، ظلوا يحتفظون بروحهم الوطنية الإسلامية، فتداعوا فيما بينهم لتشكيل كتائب مقاتلة هي (كتائب شهداء الأقصى)، وهي تتألف "من مجموعات مسلحة مستقلة، تجند أعضاءها من صفوف حركة (فتح)، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات)، وقد ولدت كتائب شهداء الأقصى، مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية، التي اندلعت شرارتها إثر جولة (شارون) في المسجد الأقصى، يوم الخميس في 28 أيلول (سبتمبر) 2000م... وباتت مجموعات كتائب شهداء الأقصى، المؤلفة من عناصر تعمل في مجموعات متفرقة، في مختلف أنحاء المناطق الفلسطينية مصدر قلق كبير، يؤرق مضاجع القادة الإسرائيليين، ويبث الرعب بين جنودهم ومستوطنيهم، في مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة"([39]).
* * *
ثانياً: حركة المقاومة الإسلامية (حماس):
لم تكن حركة (حماس) جديدة على الساحة، فهي منبثقة عن الاتجاه الإسلامي في فلسطين، وهو اتجاهٌ عميق الجذور. وقد أبرز هذا الاتجاه نيته العمل المسلح، بالإعلان عن ميلاد حركة (حماس)، التي تزامن انطلاقها مع انطلاق الانتفاضة الأولى في 8/12/1987م، وقد صدر البيان الأول للحركة في 14/12/1987م([40])، ذلك البيان الذي عبَّر عن مجمل سياسات الحركة وتوجهاتها([41]).
"وقد عمل اتساع الانتشار الجماهيري لحركة (حماس)، وامتداد كوادرها في كل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى امتلاكها لشبكة من المؤسسات الفاعلة في أوساط الشعب الفلسطيني عمل على جعلها الحركة الإسلامية الأبرز والأقوى في الأرض المحتلة.
وأدى قيامها (حركة حماس) بجملة من العمليات العسكرية النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإيقاع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوفه، وبخاصة بعد تشكيلها لجناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام) عام 1992م، فضلاً عن تقديم (حماس) لقائمة طويلة من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمبعدين أدى إلى جعل الحركة الأكثر استهدافاً من جانب الاحتلال الإسرائيلي"([42]).
ولحركة (حماس) أهداف استراتيجية هي:
(1) تحرير فلسطين ــ كل فلسطين ــ من البحر إلى النهر.
(2) إقامة الدولة الإسلامية عليها.
كما أن للحركة أهدافاً مرحلية أهمها:
(1) تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة، أي الأرض التي احتلت سنة 1967م.
(2) تفكيك المستوطنات الصهيونية التي أقيمت على أرض الضفة والقطاع.
(3) الحفاظ على الأقصى المبارك، والتصدي لمحاولات الاعتداء عليه أو تدنيسه.
(4) أسلمة المجتمع الفلسطيني، ونشر الأخلاق الفاضلة والمثل الإسلامية، والوعي والالتزام الإسلاميين بين أبنائه، باعتبار هذه وتلك أدوات أساسية لصمود الشعب وبدء مشروع التحرير.
(5) الحفاظ على جذوة الجهاد وحب الاستشهاد، وخيار الكفاح المسلح في وجه مشروع التسوية والتصفية.
(6) تفعيل العمق العربي والإسلامي باتجاه دعم قضية فلسطين.
(7) محاربة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإيقاف مشروع الاختراق الصهيوني للمنطقة.
(8) إنهاك الكيان الصهيوني أمنياً واقتصادياً، وفضح ممارساته التعسفية، وكشف الظلم الذي يحيق بالشعب الفلسطيني.
(9) تحقيق وحدة وطنية فلسطينية تجتمع على برنامج المقاومة والتحرير.
(10) إفراز قيادة جماعية منتخبة للشعب الفلسطيني.(/3)
(11) تحييد ما يمكن تحييده من دول العالم، أو كسب تأييدها للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة([43]).
هذا، وقد أصدرت (حماس) ميثاقها في 18/8/1988م، وبدأت عملياتها الجهادية في 3/2/1989م باختطاف أحد الجنود الصهاينة وقتله. ثم توالت عملياتها بعد ذلك.
ويتكون ميثاق (حماس) من ستٍّ وثلاثين مادة مركَّزة، فيها تعريفٌ بالحركة، وبيانٌ لأهدافها، ووسائلُها لتحقيق تلك الأهداف، وعلاقاتها وصلاتها المحلية والقطرية والدولية، وغير ذلك. ومن أهم تلك المواد، المادة الحادية عشرة، وهذا نصها:
" تعتقد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن أرض فلسطين، أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة. لا يصح التفريط بها أو بجزء منا، أو التنازل عنها أو عن جزء منها. ولا تملك ذلك دولةٌ عربية أو كل الدول العربية، ولا يملك ذلك ملكٌ أو رئيس، ولا كل الملوك والرؤساء، ولا تملك ذلك منظمةٌ أو كل المنظمات، سواء كانت فلسطينية أو عربية، لأن فلسطين أرضُ وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، ومن يملك النيابة الحقة عن الأجيال الإسلامية إلى يوم القيامة؟!".
والحقيقة أن حركة (حماس) وفيَّةٌ لميثاقها، فقد ظلت منذ أعلنته ملتزمة بموادِّه، محافظة عليها، غير متجاوزة لها. كما ظلت وفيَّةً لقيادتها التاريخية، التي كان على رأسها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله. ولم يحصل فيها ما حصل في غيرها من تجاوزات أو اختراقات أو انشقاقات.
وظلت الحركة كذلك رقماً صعباً في معادلة القضية الفلسطينية، وكما خاض جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام) معارك شرسة مع الصهاينة المحتلين، الجنود منهم والمستوطنين، خاض جناحها السياسي معارك ضاريةً ــ كذلك ــ مع المخذِّلين والمتخاذلين، ومع فرق التسوية السلمية، وأصحاب المبادرات لتصفية القضية، كانوا من الفلسطينيين، أو كانوا من العرب الآخرين.
وقد قام أبناء الحركة الأبطال، بعشرات العمليات الاستشهادية، التي أثخنت جراح الصهاينة المحتلين، بإسقاط عشرات المئات من القتلى والجرحى في صفوفهم. بل لقد تطور الحال بدخول العنصر النسائي في العمليات الاستشهادية للحركة. ودليل ذلك ما قامت به الاستشهادية (الحماسية) ريم صالح الرياشي، حين فجَّرت نفسها في مجموعة من جنود الاحتلال، فأثخنت فيهم قتلاً وجرحاً، وذلك بتاريخ 14 يناير 2004م.
وفيها يقول الباحث:
والحقيقة أن كتائب شهداء الأقصى (حركة فتح)، وسرايا القدس (حركة الجهاد الإسلامي)، كانوا أسبق من ( حماس ) في إدخال العنصر النسائي في العمليات الاستشهادية، وقدمت الحركتان أكثر من ست فتيات في عمليات استشهادية، أرعبت الصهاينة، وقضَّت مضاجعهم. وإدخال (حماس) للعنصر النسائي، يعتبر تطوراً بارزاً في سياستها العسكرية.
وقد قدمت حماس في هذه المسيرة ــ ولا تزال تقدم ــ قوافل كريمة من الشهداء الأبرار، الذين كانوا ضراغم في مواجهة الاحتلال، وكانوا أثقل عليه من الجبال. ومن أبرز هؤلاء الشهداء من قادة الجناح العسكري: عماد عقل (أحد القادة البارزين في كتائب عز الدين القسام) وقد استشهد بتاريخ 24/11/1993م، والقائد كمال كحيل، وقد استشهد بتاريخ 2/4/1995م، والمهندس يحيى عياش (قائد كتائب عز الدين القسام) وقد استشهد بتاريخ 5/1/1996م، والمهندس محيي الدين الشريف (قائد كتائب عز الدين القسام) وقد استشهد بتاريخ 29/2/1998م، والقائد محمود أبو هنود، وقد استشهد بتاريخ 22/11/2001م، والقائد مهند الطاهر، وقد استشهد بتاريخ 1/7/2002م، والشيخ صلاح شحادة (القائد العام لكتائب عز الدين القسام)، وقد استشهد بتاريخ 22/7/2002م، رحمة الله عليهم أجمعين.
ومن أبرز الشهداء من القادة السياسيين: الشيخ جمال منصور، وقد استشهد بتاريخ 21/7/2001م، والشيخ جمال سليم وقد استشهد بتاريخ 21/7/2001م، والدكتور إبراهيم المقادمة وقد استشهد بتاريخ 8/2/2002م، والشيخ عبد الله القواسمة وقد استشهد بتاريخ 21/6/2002م، والمهندس إسماعيل أبو شنب وقد استشهد بتاريخ 21/8/2002م. رحمة الله عليهم أجمعين.
وتُوِّجت قوافل الشهداء في حركة (حماس) بالأب الروحي، والقائد المؤسس، الشيخ أحمد ياسين، وقد استشهد بتاريخ 22/3/2004م، وتبعه ــ بعد أقل من شهر ــ نائبه ورفيق دربه وخليفته، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وقد استشهد بتاريخ 17/4/2004م، رحمهما الله، وعوَّض المسلمين عنهما خيراً([44]).
وقد حاول الصهاينة ــ عبر جهاز مخابراتهم ــ اغتيال الأستاذ خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) وذلك بتاريخ 25/9/1997م، ولكن المحاولة باءت بالفشل والحمد لله. كما حاول الطيران الصهيوني اغتيال عدد من القادة السياسيين للحركة، من مثل الأستاذ إسماعيل هنية، والدكتور محمود الزهار، ولكن الله ردَّ كيد الصهاينة إلى نحورهم، ونَجَّى أولئك المجاهدين من شرورهم.(/4)
أما سجون الاحتلال فهي تضيق عن الآلاف من أبناء حركة (حماس) القادة منهم والجنود. وكلما كان فريق منهم يغادر السجون، في عمليات تبادل الأسرى، أو بعد انتهاء محكومياتهم الظالمة، كان الاحتلال يعيد اعتقالهم من جديد، لأوهى الذرائع وأتفه الأسباب.
وهكذا، فإن حركة (حماس)، هي تجربة جهادية إسلامية رفيعة المستوى، وهي محطُّ آمال الشعب الفلسطيني، بل والأمة العربية، في الردِّ على عربدة الصهاينة المحتلين، والوقوف سدًّا منيعاً أمام أطماع المعتدين، وبذل كل غالٍ وثمين في الدفاع عن القدس والأقصى وفلسطين.
* * *
ثالثاً: حركة الجهاد الإسلامي:
تعد حركة الجهاد الإسلامي ــ فلسطين، أهم الحركات الجهادية الإسلامية ــ بعد حركة (حماس) ــ من حيث التأييد الشعبي، والفاعلية العسكرية([45])، مع أنها كانت الأسبق في النشأة. فقد بدأ تشكيل نواتها الأولى على يد الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله الأمين العام الأول لها في بداية سنة 1980م، وكان الدكتور الشقاقي لا يزال طالباً في جامعة الزقازيق بمصر([46]).
بينما لم يُعلن عن ميلاد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلاَّ في منتصف شهر ديسمبر سنة 1987م أي بعد تأسيس حركة الجهاد بعدة سنوات، مارست فيها حركة الجهاد انتشاراً في الشارع الإسلامي، وخاصة في أوساط الطلاب، وفي قطاع غزة بشكل خاص.
"وقد برز اسم الحركة في أعقاب العملية الفدائية التي نفذتها مجموعة تابعة لها يوم 15/10/1986م، في ساحة حائط البراق([47]). وواصلت الحركة عملياتها الجهادية، كما واصلت سلطات الاحتلال اعتقال كوادرها وقياداتها، إلى أن قامت بإبعاد أمينها العام إلى خارج فلسطين سنة 1988م([48]).
ولكن الانقسامات والاختلافات في وجهات النظر داخل الحركة، كانت من الأسباب المهمة التي قلَّلت من فعاليتها، وخفَّضت من شعبيتها. فهناك في الحركة جماعات عدة مثل:
(1) حركة الجهاد الإسلامي ــ بيت المقدس.
(2) وحركة الجهاد الإسلامي ــ كتائب الأقصى.
(3) وسرايا الجهاد الإسلامي .
بيد أن الجماعة التي تزعمها الدكتور فتحي الشقاقي قبل اغتياله، واختير من بعده الدكتور رمضان عبد الله أميناً عاماً لها، هي الفصيل الرئيس والأهم في حركة الجهاد الإسلامي([49]).
هذا، ومن أهم العمليات المميَّزة التي قامت بها الحركة، عملية (بيت ليد) بتاريخ 22/1/1995م، فقد هزَّت الكيان الصهيوني، وأوقعت في صفوفه واحداً وعشرين قتيلاً، وستةً وستين جريحاً([50]). كما شاركت الحركة ــ ولا تزال تشارك ــ في فعاليات الانتفاضات الشعبية الفلسطينية.
وقد خفتت أصوات المجموعات الأخرى في الحركة، وبقي صوت عام باسم (حركة الجهاد الإسلامي). ويعبِّر عن نشاطها العسكري اليوم سرايا القدس، التي يشكل وجودها على الساحة، دعماً لكتائب شهداء الأقصى (الفتحاوية)، وكتائب عز الدين القسام (الحماسية).
وقد قدمت حركة الجهاد الإسلامي من الشهداء الأبرار، كواكب متعددة، كان على رأسها أمينها العام الدكتور فتحي الشقاقي، الذي اغتاله جهاز المخابرات الصهيوني في مالطا بتاريخ 26/10/1995م([51]). كما أن للحركة مئات من المعتقلين في سجون المحتلين.
تلك هي أهم التجارب الجهادية القائمة اليوم على أرض فلسطين، وبالرغم من اختلال موازين القوى لصالح الاحتلال الصهيوني، إلاَّ أنَّ للمجموعات الجهادية من العمليات الموجعة، في صفوفه وبين جنوده ما يجعلها تجارب ناجحة، في الحفاظ على الهوية الإسلامية للقضية الفلسطينية، واستعصائها على الحلول التصفوية.
ومما لاشك فيه، أن استمرار نجاح تلك التجارب، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاتفاق بين مجموعاتها، حيث تقوى أواصرُها، وتنجح في المواجهة عناصرُها.
* * *
المبحث السابع
السياسة في فلسطين تُفرِّق، والجهاد يوحِّد
عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية ــ بقيادة حركة فتح ــ تنتهج الكفاح المسلح طريقاً لتحرير فلسطين كان الاتفاق بين الفلسطينيين أقرب من الافتراق، وكانت الخلافات تدور على أمور ليست جوهرية، فالأمر الجوهري الأهم ــ وهو الكفاح المسلح لتحرير فلسطين ــ متفق عليه.
وعندما قررت منظمة التحرير بقيادة فتح أيضاً، انتهاج المفاوضات طريقاً للوصول إلى حل سلمي للقضية، برز الافتراق بروزاً واضحاً بين تيار التسوية وتيار المقاومة، ففريق التسوية يعترف بشرعية الكيان المغتصب وسيطرته على القدس وامتلاكه لأكثر من 80 % من أرض فلسطين، بينما فريق المقاومة يرفض ذلك جملة وتفصيلاً. وانقسمت الجماهير الفلسطينية إلى فريقين متناحرين، وشهدت الساحة صراعاً إعلامياً خطيراً بين الفريقين.
أما المقاومة المسلحة مع العدو المحتل، فكانت ترتق ما انفتق، وترأب ما انصدع، وتجمع بين القلوب شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت المجموعات المجاهدة قريبة من بعضها البعض، بل إن فتيانها صاروا يقومون بمواجهات مشتركة مع الغاصبين، وينفذون عمليات استشهادية مشتركة ضد المحتلين.(/5)
فهل رأيت ألاعيب السياسة وهي توغر الصدور وتفسد الأمور؟! وهل رأيت الجهاد وهو يوحد صف المجاهدين، فيجعلهم يداً واحدة في مختلف الميادين؟!
المبحث الثامن
أمثلة من أرض الواقع على اتفاق أطياف الجهاد في فلسطين
برز الاتفاق بين أطياف الجهاد في الآونة الأخيرة من هذه المسيرة، وكأن المجاهدين في الميدان يرفضون سياسات القادة الذين ارتضوا مفاوضات الذل والهوان، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر سنة 2000م، بدأ التطبيق العملي لذلك "حيث قامت قيادات فتح الميدانية (أمثال مروان البرغوثي) بالمشاركة بالانتفاضة، وقامت بالتنسيق مع (حماس) وغيرها لتفعيل الانتفاضة وتطويرها، كما قامت عناصرها بالعديد من العمليات الفدائية، رغم أن الموقف الرسمي لقيادة السلطة (التي هي قيادة فتح)، يرفض هذه العمليات، بل وعادة ما يدينها"([52]).
وهناك أدلة كثيرة على اتفاق أطياف الجهاد الفلسطيني في الميدان، أبرزها العملية الاستشهادية الرائعة التي جرت في مرفأ (أسدود) مساء يوم الأحد 14/3/2004م وخلفت عشرة من القتلى من الجنود المحتلين، كما خلفت عشرين جريحاً آخرين.
بيد أن أهمية تلك العملية، لا تكمن في عدد القتلى والجرحى الصهاينة، ولا حتى في كونها اختراقاً بعيد المدى لأمن المحتلين، حيث جرت في ثاني موانئ الكيان الصهيوني أهمية، وأكثرها اتخاذاً للاحتياطات الأمنية، ولكن أهمية العملية تكمن في أن الفتيين اللذين نفذاها، كان أحدهما من كتائب عز الدين القسام (الحماسية)، وكان الآخر من كتائب شهداء الأقصى (الفتحاوية).
وهذا يؤكد صدق مقولة الشيخ الشهيد أحمد ياسين ذات يوم، بعد أن رأى صدق هؤلاء الفتيان، واندفاعهم إلى الميدان، والمشاركة في العمليات الاستشهادية، غير عابئين بلهاث قادتهم وراء سراب الحلول السلمية قال الشيخ رحمه الله: "حاولوا أن يجُرُّونا للمساومة، فجررناهم للمقاومة".
* * *
المبحث التاسع
الرؤى المستقبلية، للاتفاق أو الافتراق، بين المجاهدين في فلسطين
إن مقومات الاتفاق بين فصائل المقاومة، كثيرة للغاية، مما يبشر باستمرار الاتفاق إلى النهاية، ومن أهمها:
(1) التزامُ الإسلام عاملٌ مشتركٌ بين تلك الفصائل، فالحماسيون والجهاديون قاموا على أساس الالتزام الإسلامي في الاعتقاد وفي السلوك، وفي تطبيق الفرض السادس وهو الجهاد في سبيل الله. وكتائب شهداء الأقصى، هم الفتية الذين انسلخوا عن العلمانيين والقوميين في حركتهم، والتزموا الإسلام، وهو الذي يحركهم للجهاد.
(2) فلسطين هي أرض الجميع، وتحريرها فرضٌ على الجميع، والاحتلال عدو الجميع، وطرده من فلسطين مسئولية الجميع. فلمَ لا يكون اتفاق المجاهدين، ما دام الهدف هو تحرير فلسطين، وطرد المحتلين؟!
(3) التآمر المحلي والقطري والدولي يستهدف جميع تلك الفصائل، بهدف استئصالها، ووقوفها مع بعضها يجعل تلك المهمة مستحيلة.
(4) التجارب التاريخية ماثلة أمام أعين جميع هذه الفصائل، فعندما كانت الأمة تتفرق كلمتها، كان العدو يفتض بيضتها، وعندما كان الله يأذن لها بالالتقاء، فيقيض لها أمثال صلاح الدين وقطز وغيرهما من العظماء، كانت تستردُّ أرضها المسلوبة، وخيراتها المنهوبة، ومقدساتها المنكوبة.
وأما مقومات الافتراق، فما هي إلاَّ نَزْغُ الشياطين، وأطماعُ الطَّامعين، نستجير بالله منها أجمعين.
المبحث العاشر
خاتمة المطاف بالدعوة إلى رصِّ الصُّفُوف وتوحيد العمل
وبعد هذه الجولة في ميدان التجارب الجهادية على أرض فلسطين، وكيف أن الإسلام هو المحرك الأساس لها، وكيف أن الاتفاق في العمل الجهادي هو الذي يكتب الله به استمرار النجاح، بعد هذا كله، أجد من واجبي دعوة جميع أطياف الجهاد في الوطن السليب، أن يوحدوا كلمتهم، يعز الله رايتهم، وأن يرصوا صفوفهم، يحقق الله غايتهم، فإنه سبحانه وتعالى يقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وَلاَ تَفَرَّقُوْا) [سورة آل عمران: 103]، ويقول جل شأنه أيضاً: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِيْنَ يُقَاتِلُوْنَ فِي سَبِيْلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوْصٌ) [سورة الصف: 4].
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: ((إنَّ اللهَ لا يجمعُ أمَّتِي على ضَلالَة، ويَدُ اللهِ معَ الجماعة، ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النَّار))([53])، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما روى النعمان بن بشير: ((الجماعة رحمة، والفُرقة عذابٌ))([54]). ويقول فيما روى الحارث الأشعري: ((أنا آمُرُكم بخمسٍ، الله أمرني بهنَّ: بالجماعة، وبالسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله))([55]).
وقد رأينا أن مقومات الاتفاق كثيرة، وأن الله كفيلٌ بأن يُثريها على مرِّ العهود، بينما مقومات الافتراق هزيلة، واللهُ حريٌّ بأن يزيل آثارها من الوجود. فاللهمَّ ربَّ الأرض والسماوات، يا من بنعمته تتمُّ الصالحات، اجمع للمجاهدين في فلسطين كلمتهم، وأظهر حجتهم، وعلِّ رايتهم، وحقق غايتهم.(/6)
اللهمَّ واقبل عملنا وارض عنا أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* * *
مصادر هذه الورقة ومراجعها
(1) القرآن الكريم.
(2) الحديث الشريف.
(3) البداية والنهاية، لابن كثير، (700ــ 774هـ)، مكتبة المعارف، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة، 1404هـ،1983م.
(4) التطبيع ومقاومته، تأليف أحمد شرف، منشورات ملتقى الحوار العربي، طرابلس، ليبيا، 1996م.
(5) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، (700ــ774هـ)، دار طيبة للنشر والتوزيع، بالرياض، الطبعة الثانية،1420هـ، 1999م.
(6) دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تأليف عدد من الباحثين، منشورات مركز دراسات الشرق الأوسط، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 1997م.
(7) فلسطين.. التاريخ المصور، للدكتور طارق سويدان، شركة الإبداع الفكري بالكويت، الطبعة الأولى، محرم 1425هـ، مارس 2004م.
(8) فلسطين.. دراسات منهجية في القضية الفلسطينية، للدكتور محسن محمد صالح، مركز الإعلام العربي بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1924هـ، 2002م.
(9) مجلة (فلسطين المسلمة)، العدد 4، السنة 22، صفر 1425هـ، أبريل 2004م.
(10) المدخل إلى القضية الفلسطينية، تأليف عدد من المؤرخين، تحرير جواد الحمد، مركز دراسات الشرق الأوسط، عمان، الأردن، الطبعة الخامسة،1999م.
(11) معركتنا مع اليهود، بقلم صالح اليافعي، صنعاء، الطبعة الأولى، 1421هـ، 2000م.
(12) نداء من الأقصى ومدينة القدس، إعداد لجنة فلسطين الخيرية، بالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، الكويت، 1420هـ، 1999م.
(13) وثائق مكتب الإحصاء الفلسطيني، بدمشق.
* * * *
* * *
* *
*
([1]) انظر تفسير ابن كثير للآية الأولى سورة الإسراء، ج5 ص5.
([2]) فلسطين.. التاريخ المصور ص16.
([3])المصدر السابق ص16 أيضاً.
([4])انظر تفسير ابن كثير للآية 21 من سورة المائدة،ج3 ص75.
([5]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، وأحمد في مسنده، مسند الكوفيين.
([6]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، وأحمد في مسنده، مسند الأنصار، واللفظ لمسلم.
([7]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج عن أبي هريرة، وأحمد في مسنده، مسند الأنصار عن أبي بَصْرَةَ الغِفَارِي، كما أخرجه عدد من أصحاب السنن، واللفظ لأحمد.
([8]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص61ــ62.
([9]) انظر المصدر السابق ص62.
([10]) انظر المصدر السابق ص66.
([11]) انظر المصدر السابق ص67ــ 68.
([12]) المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص27.
([13]) انظر في ذلك: فلسطين.. التاريخ المصور، ص46ــ47.
([14]) البداية والنهاية، لابن كثير، 12/156.
([15]) انظر: المصدر السابق 2/320 و323.
([16]) انظر: المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص67.
([17]) انظر البداية والنهاية، لابن كثير، 13/220.
([18]) معركتنا مع اليهود، ص67.
([19]) المصدر السابق، ص68.
([20]) المصدر السابق، ص68.
([21]) نداء من الأقصى، ص63.
([22]) البداية والنهاية، لابن كثير، 12/234.
([23]) معركتنا مع اليهود، ص70.
([24]) فلسطين، دراسات منهجية، ص268.
([25]) المدخل للقضية الفلسطينية، ص162ــ163.
([26]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص268، وفلسطين.. التاريخ المصور، ص210.
([27]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص270.
([28]) انظر المصدر السابق، ص271ــ284.
([29]) المصدر السابق، ص285.
([30]) فلسطين.. التاريخ المصور، ص245.
([31]) انظر في أعداد الفلسطينيين في الضفة والقطاع: فلسطين.. دراسات منهجية، ص119.
([32]) انظر في أعداد الفلسطينيين في الخارج وتوزيعهم على المهاجر والشتات: المصدر السابق، ص125.
([33]) التطبيع ومقاومته، ص347.
([34]) انظر: فلسطين.. دراسات منهجية، ص383، ووثائق مكتب الإحصاء الفلسطيني في دمشق، ص17.
([35]) وثائق مكتب الإحصاء الفلسطيني في دمشق، ص17.
([36]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص389.
([37]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص389.
([38]) المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص353.
([39]) وثائق مكتب الإحصاء الفلسطيني بدمشق، ص18.
([40]) المدخل للقضية الفلسطينية، ص386.
([41]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص410.
([42]) المدخل للقضية الفلسطينية، ص386.
([43]) انظر في أهداف حركة (حماس) كلاً من: فلسطين.. دراسات منهجية، ص412ــ413، ودراسة في الفكر السياسي لحركة (حماس)، ص55 وما بعدها.
([44]) لمعرفة المزيد من القادة الشهداء من حركة (حماس) انظر: مجلة (فلسطين المسلمة)، العدد الرابع، من السنة الثانية والعشرين، صفر 1425هـ، أبريل 2004م، ص56ــ57.
([45]) المدخل للقضية الفلسطينية، ص398.
([46]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص421.
([47]) المدخل للقضية الفلسطينية، ص398.
([48]) انظر فلسطين.. دراسات منهجية، ص421.
([49]) انظر المدخل للقضية الفلسطينية، ص398.
([50]) انظر فلسطين.. دراسات منهجية، ص422.
([51]) انظر المصدر السابق، ص423.
([52]) فلسطين.. دراسات منهجية، ص394.
([53]) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الفتن.(/7)
([54])أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين.
([55])أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأمثال، وأحمد في مسنده، مسند الشاميين، واللفظ لأحمد.
* خطيب المسجد الأقصى المبعد(/8)
"تجربة في الخطابة"
د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه 24/7/1425
09/09/2004
مضى على انتظامي في الخطابة أربعة عشر عاما، وهي فترة كافية لتسجيل ما لدي من خبرة في هذه التجربة.
مهما تعلم المرء ودرس كيفية إعداد الخطبة، فلن يكون مثله مثل من نالها عن: خبرة، ومكابدة، ومعالجة طويلة. وليس المعنى غلق باب الاستفادة من السابقين، كلا، لكن الفائدة لا تكمل، ولا تحسن، ولا تتعمق إلا بالمكابدة، وحسب المستفيد من تجارب الآخرين أنه تقدم خطوات.
كيف تعد خطبة؟.
سؤال مهم لأمرين:
الأول: كونه يتعلق بأمر شرعي، فقد أمر الله المؤمنين بإقامة خطبة الجمعة، وأوجبها وفرضها.
الثاني: كونه يتعلق بعملية لها تأثير كبير في صياغة التوجهات والعقول.
أولاً: مشروعية الخطبة.
شرع الله سبحانه وتعالى للمسلمين عيدا كل أسبوع، يجتمعون فيه للصلاة وسماع الذكر، وهم في أحسن هيئة، متطهرين، متطيبين، خاشعين، كافين أيديهم وألسنتهم، سامعين، منصتين، كما جاء الأمر بذلك في نصوص معروفة، فاستماع الخطبة غاية، فإن الصلاة يجتمع لها كل يوم خمس مرات، لكن الجمعة امتازت بالخطبة، ومن هنا أمر الشارع وحث على حضور الخطبة، ورتب أجور كبيرة على التبكير، فقد روى أبو داود عن بسنده عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها) [في الطهارة، باب: الغسل يوم الجمعة]
وحرم من تأخر، فأتى بعد الشروع في الخطبة، من أن يكتب في صحيفة المسارعين.
فإذا تأملنا حرص الشارع على: تهيئة الناس، وإعدادهم لسماع الخطبة. أدركنا أهمية العناية بأمرها، وإتقانها، وأدائها على أحسن وجه ممكن. فقوم جاءوا متطهرين، متطيبين، خاشعين، في أدب وإنصات، لا يتحقق مثله في غير هذا الموطن، من حقهم أن يحترموا، ويقدروا، ولا يتحقق تقديرهم إلا بإسماعهم المفيد الجيد الحسن من الذكر والعلم. فقد أتوا طائعين، ولو شاءوا لكانوا من المتأخرين، فليس من المروءة والكرم مقابلتهم بكلام غير مفيد، أو كلام ممل، غير مرتب، لم يبذل فيه مجهود، وربما كتب قبل الجمعة بساعة !!..، فما أمر الله تعالى به يجب أن يتقن، فهو من القربات، وإتقان القربات يزيد في الحسنات.
ثانيا: أثر الخطبة في تقويم الناس.
أستطيع أن أقول وبثقة: إن المنابر هي المؤثر الأول في توجيه الناس.
ربما كان هناك من يرى وسائل الإعلام أشد أثرا، وأنا أوافقه على ذلك، بقيد:
- ما إذا كان ما يعرض فيها من جنس ما يطرح في المنابر.
نعم حينذاك يكون لوسائل الإعلام أثرا كأثر المنابر، لكن إذا كان المعروض في وسائل الإعلام فاسد الفكر والخلق، فلا، بل الغلبة للمنابر بلا ريب، وذلك: أن كل باطل فمصيره إلى الزوال، ولا بد، ولا يبقى إلا الحق، قال تعالى:
- "فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
- "قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب * قل جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد".
"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق".
فالمنابر ليس فيها إلا الحق والإيمان، وهو الباقي، وأما غيرها فما فيها من باطل فلن يبقى، ولو اتبعه الناس فإلى حين.
أما ترى الناس إذا أرادوا الخير والنجاح والنجاة لأنفسهم، في: تفريج كربة، أو جواب سؤال، أو حل مشكلة. توجهوا إلى المساجد، وتركوا وسائل الإعلام وما فيها، إذا كان باطلا، وراءهم ظهريا؟.
فهذا حال الناس، يبحثون عن اللهو واللعب في وسائل الإعلام، أما الجد والانطلاقة الصحيحة والإيمان، فإنهم إنما يبحثون عنها في بيوت الله تعالى، حيث: المحاريب، والمنابر، وكراسي العلم. وهذه حقيقة ساطعة يجب أن نلتفت إليها لندرك حقيقة: أثر المنبر. فإنه المؤثر الأشد على قلوب الناس.
ولا أدل على هذه الحقيقة من: نجاح هذه المنابر في توعية الناس، واستنقاذ قطاع عريض منهم، من فساد كثير من وسائل الإعلام، حتى باتت مصدر قلق لكل من يعادي الإسلام، ولقد تمنى كبار النصارى أن يكون لهم منبر يجتمع الناس إليه كل أسبوع، كما للمسلمين.
إن الأثر الكبير للمنبر ينبع من: كون ما يلقى فيه، ويتلى عليه، إنما هو كلام الله تعالى، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كلام يدور حول ذلك.
ومعلوم أن خطاب الشارع يلمس الفطر مباشرة بلا واسطة، ومن دون حجاب، ويخاطب العقل بحجة واضحة، فإذا كان الكلام يمس الفطر مباشرة، ويحج العقل بأدلته، فلا ريب أنه سيكون المؤثر الأقوى على النفوس، وهذا سر تأثير الخطب أكثر من غيرها:
- إن فيها الصدق، وليس فيها الكذب.
- فيها الأمانة، وليس فيها خيانة.
- فيها حرارة الإيمان، وليس برودة الكفر.
- فيها المحبة، وليس فيها الكراهية.
- فيها الإرشاد إلى الخير، والتحذير والتبصير بحقيقة الشر.
- فيها الفضيلة، وليس فيها رذيلة.
- وكل ذلك يخترق الآذان، ويصل القلوب، ويخاطب النفوس بحساسية وشفافية.
* * *(/1)
ها قد عرفنا طرفا من أهمية الخطبة، من حيث الشرع، ومن حيث أثرها، فإذا بان ذلك، فإن السؤال السابق يعود مرة أخرى ليطلب جوابه: كيف تعد خطبة؟.
نعم كيف تعد خطبة؟..
طريقة إعداد الخطبة.
أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرح هذا السؤال: الطريقة التقليدية السائدة وهي:
- تحديد الموضوع المراد، ثم حصر أدلته من الكتاب، ثم من السنة، ثم تتبع أقوال أهل العلم، ثم ترتيبه على هذا النحو، ثم بيان حقيقته، وصوره، وأهميته، وفوائد الامتثال لما جاء فيه، وسلبيات إهماله، مع مقدمة وخاتمة.
لو ضربنا مثلا بموضوع الربا، فإن الطريقة المتبعة في الإعداد هي: إيراد أدلة تحريم الربا من القرآن، ثم من السنة، ثم أقوال أهل العلم، ثم بيان حقيقته وصوره، ثم الحكمة من تحريمه، وفائدة اجتنابه، وخطر التعامل به.
وهكذا في كل موضوع.. قد تختلف بعض النقاط، وقد تزيد وقد تنقص، ويقدم هذا ويؤخر هذا، بحسب الموضوع، لكن البنية الأساسية في جميعها واحد.
ووصف هذه الطريقة أنها تقليدية لا يعني بالضرورة ضعفها أو عدم جدواها، كلا، فقد تكون مفيدة، وقد لا يتيسر غيرها، وقد تكون في غاية التأثير، وذلك بحسب جودة الإعداد، ودقة العبارة، وحسن العرض، لكن هي على كل حال: طريقة منطقية، تقليدية، وترتيب سائد معروف عند أهل العلم وغيرهم. وهي أحسن الطرق في استيفاء نقاط الموضوع، وإعطاء كل نقطة حقها من الكلام والعرض. لكن:
هل الخطبة مختصة بهذه الطريقة ضرورة؟.. وهل يجب أن يكون ما يطرح فيها مستوفى النقاط غير ناقص؟.
الجواب: يبدو أن ذلك ليس واجبا. وليست الخطبة مختصة بتلك الطريقة، بل هي طريقة من الطرق، ومن الجائز اتخاذ طرق أخرى غيرها، ما دامت خالية من أي محذور شرعي، والعلة في ذلك:
أن الخطبة لا يشترط فيها أن تكون درسا علميا، يجب فيه الشرح والتفصيل والاستيفاء، بل قد تكون موعظة وتذكرة لا يشترط فيها إلا صحة الكلمة، وتحريك القلوب، لا يلزم فيها الاستيفاء والشرح، كما هو معلوم، فبالكلمة الواحدة والجملة والجملتين، قد تتحقق الموعظة ذات الأثر البالغ، ويحصل المقصود، وهذا مجرب معروف، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ في خطبه، كما كان يعلم، في كلمات معدودة، قصيرة لا تتجاوز بضعة دقائق، لكنها مؤثرة، محركة للقلوب، مقومة للسلوك، يلقيها النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مسموع مرتفع، يشتد، وتحمر عيناه، كأنه منذر جيش، يقول: (صبحكم، ومساكم). [مسلم، الجمعة، باب: تخفيف الصلاة]
فنحن الآن بين نوعين من الخطب: الخطب العلمية، والخطب الوعظية.
وكلاهما مهم، والناس بحاجة إليهما، الخطب العلمية لها طريقتها الموصوفة بالتقليدية، كما بينا آنفا، والوعظية لا يشترط فيها ما يشترط في العلمية..
وبكلا النوعين كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وكانت خطبه تمتاز بالقصر، والكلمة الجامعة، ولم يكن يحرص على استيفاء نقاط ما يريد الكلام فيه، ولا اتباع طريقة الشرح والتحليل، بل كلمات معدودة جامعة.
إذن، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتبع في خطبه طريقة الاستيفاء والشرح المفصل، فهذا دليل على عدم اشتراط تلك الطريقة، وهذا هو المطلوب.
لكن ههنا سؤال وهو:
- أليست تلك الخطب التقليدية خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه؟.
- وأليس من السنة قصر الخطبة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (قصر خطبة الرجل، وطول صلاته: مئنة من فقهه) [رواه مسلم، في الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة]، ومعنى مئنة: أي دالة على فقهه؟.
فالجواب:
أولاً: قصر الخطبة من المستحبات، بمعنى أن التطويل ليس محرما، وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم بسورة ق~.
ثانياً: المقصود بالخطبة هو الذكر والموعظة والتعليم، فإن حصل ذلك بخطبة قصيرة، وبكلمات معدودة، جامعة، يفهمها الناس، فهو الأولى والأحرى والأفضل، لموافقة الهدي النبوي، لكن:
ماذا لو أن الخطيب لا يملك الفصاحة والبلاغة، والقدرة على حصر المعاني واختصار ألفاظها؟.
وماذا لو أن أذواق الناس وأفهامهم قد فسدت وتعطلت، حتى ما عادوا يفهمون إلا بالشرح والتبسيط؟..
يبدو أنه حينئذ لا مناص من الشرح والتفصيل والتبسيط، حيث إن المقصود من الخطبة هو حصول الموعظة والعلم، فإن كانت لا تحصل إلا بهذه الطريقة، فما حيلة المضطر إلا ركوبها، وعندئذ لا يبدو أن المطيل في خطبته، بالمقارنة بخطب النبي صلى الله عليه وسلم، مخالفا للهدي النبوي، وذلك لأن الغاية والمقصود لا يتحقق إلا بها، وقد كانت الوسيلة في عهد النبوة الاختصار والقصر، لكون الناس على فهم صحيح، وخطيبهم أوتي جوامع الكلم، أما وقد تغير ذلك، فامتنع حصول المقصود من الخطبة إلا بالشرح والتفصيل، فلا أظن من الصواب تخطئة هذه الطريقة، خاصة إذا عرفنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب بسورة ق~، والخطبة بها فيها شيء من الطول.(/2)
وتسويغ تطويل الخطبة عن الحد النبوي لا يعني التوسع في ذلك، بل ينبغي على الخطيب أن يجتهد في الاختصار قدر ما يمكنه، ويتخلص من داء التكرار المزعج، والشرح الممل حتى لما هو واضح.
ذلك من حيث قصر الخطبة وطولها، أما من حيث طريقتها، فإن الطريقة النبوية تقوم على طرح جزء من الموضوع والقضية المراد الحديث عنها، دون تقصٍ أو استيفاء، وهذا بخلاف الطريقة التقليدية القائمة على التقصي والاستيفاء.
- فهل هذه الطريقة كذلك تعد مخالفة للسنة؟.
الجواب أن يقال: الشارع لم يأمر باتخاذ طريقة معينة في إعداد الخطبة، لم يأمر بطريقة الاستيفاء، وكذا لم ينه عنه، ولم يأمر بطريقة طرح جزء من الموضوع، هو الأهم والمناسب للمقام والحال، ولم ينه عنه، بل أمر بإقامة الخطبة، وترك تحديد الطريقة، بحسب حال الخطيب، وحال السامعين، وقد كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم قصيرة، ومن ثم لم يكن من الممكن بحال استيفاء الموضوع، وقد عرفنا أنه أوتي جوامع الكلم، والسامعون على قدر كبير من الفهم والإيمان والعلم، لكن الحال اليوم مختلف، الناس في قلة من العلم والإيمان، والناس محتاجون إلى معرفة كل ما يتعلق بالموضوع المطروح، لجهالتهم بكثير من أساسيات الدين، والمنبر كما أنه للوعظ كذلك هو للتعليم، فما الذي يمنع حينئذ من اتخاذ طريقة الاستيفاء؟.
يبدو أنه لا مانع، خاصة وأنه ليس ثمة دليل يمنع من ذلك، غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، لظروف الحال في زمانه، حيث السلامة في الفهم والعلم والإيمان، فكان يكفيهم أن يذكرهم بأهم جزء في الموضوع بحسب المقام، لكن الناس اليوم بحاجة إلى طريقة الاستيفاء، كي يتعلموا ويتفقهوا، وبحاجة كذلك إلى طريقة العرض الجزئي لكيلا يملوا، فنحن إذن بحاجة إلى الطريقتين: طريقة الاستيفاء للتعلم، وطريقة العرض الجزئي للتذكرة ولفت الانتباه.
إذن الأمر واسع، وليس من السنة التضييق في شيء وسعه الله على العباد، ولم يأمر فيه بشيء.
* * *
قد عرفنا بما سبق أن الإعداد إما أن يكون بطريقة الاستيفاء، وإما بطريقة العرض الجزئي، وكل ذلك باعتبار أن الخطبة ذات موضوع واحد، لكن كيف لو كانت الخطبة أكثر من موضوع؟..
ذلك جائز وممكن، ولا يمكن فيها توفية كل موضوع حقه، ولا نستطيع أن نفاضل بين الخطبة ذات الموضوع الواحد وذات الموضوعات المتعددة، فنحن نحتاج إلى النوعين جميعا، بحسب الأحوال والمقتضيات، فمرة قد يكون هذا أفضل، ومرة الآخر.
* * *
هذه الطريقة طريقة الإعداد: الاستيفاء، أو العرض جزئي. يحسن أن نسميها الطريقة العامة، وذلك لنفسح المجال لبيان الطريقة الخاصة للإعداد، وهي التي تصور شروط وأدوات إعداد الخطبة، كيف تكون؟.
وأهم نقطة فيها هو:
- أن نفهم أن الإعداد الصحيح الجيد المؤثر المثمر، لا بد له من دافع يدفع إليه، ويغري به، ويعين عليه، بدونه تفقد الخطبة أثرها وتأثيرها، وتكون جسدا بلا روح.
هذا الدافع يقوم على فكرة: المعاناة.
ويفسرها المثل القائل: "ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة". [مجمع الأمثال لأحمد الميداني النيسابوري 2/200، المستطرف في كل فن مستظرف 69]
وأداتها: الملاحظة، والتأمل بعمق وتحليل، في الأخبار والحوادث والأحوال التي تمر بالخطيب، في كل مكان.
وشرح هذه الفكرة ما يلي:
إن الغرض من الخطبة هو: التأثير في القلوب والعقول، فمقصودها تحريك العاطفة وإعمال العقل.
والخطيب لا يمكن له أن ينجح في ذلك، ما لم ينفعل قبل بالأمر الذي يريد الحديث عنه.. لذا كان من الواجب عليه ألا يخطب إلا في أمر يشغل : قلبه، وعقله، ونفسه. حتى إنه ليتمثله في كل شيء يمر به، فيكون حديث نفسه، ونطق لسانه، فإذا كان ذلك فقد وضع قدمه على الطريق، وسهل عليه ما بعده.
قد يكون الخطيب مجيدا في اختيار الموضوع واستيفاء عناصره، لكن قد لا يكون لكلامه الأثر ما لم يعان موضوعه، ويعيش همومه وأحداثه، حتى ليمتنع لأجله من التمتع بالمباحات، لاشتغال الخاطر والذهن.
- لم كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات تأثير فريد على القلوب والعقل؟.
لأنه كان على يقين بما يقول، وعلى قناعة تامة بالدعوة التي عليها، وهمّ دائم لتحقيق هدف معين.
والإنسان إذا كان راسخ الإيمان بفكرة وعقيدة ما، فكل ما يصدر منه من كلام يشرح فيه فكرته وعقيدته، سيحمل معه سلطانه على القلوب، فيطرق أبوابها. لا، بل هي مفتحة تدخلها الكلمات بلا استئذان.
إن كلمات الواثق تزلزل قلوب الغافلين..
فليست العبرة بتنميق العبارات، إنما العبرة بالصدق والثقة، وذلك لا يكون إلا من قلب جرحته الحقائق، حتى تركت أثرها فيه مدى الدهر..
إن الجرح الغائر إذا كان في البدن لم يمكن إخفاؤه، فإن قدر على ستره، لم يقدر على كتم ألمه، فيبدو في وجهه وفي عينيه.. وكذلك القلب إذا جرح لم يمكن التكتم على ما فيه، ويستوي في هذا العامي والعالم، فهي ميزة تميز بها الإنسان خاصة، دون النظر إلى موقعه، ومنزلته، وشأنه..(/3)
ويستوي في أصله المجروح بحقائق الدنيا والمجروح بحقائق الآخرة، إنما يتميز المجروح بحقائق الآخرة بشرف ما جرح به، كالفرق بين من قاتل للمغنم، ومن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فكلاهما مسّه القرح، لكن فاز المخلص لله بالثواب، فلم يذهب ألمه سدى، بخلاف المبتغي للدنيا، فلا دنيا نالها، ولا آخرة حصل ثوابها، والخطيب بمنزلة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وليس بمنزلة من قاتل للمغنم، فهو أولى بالمعاناة، لشرف ما يحمل، ولأنه يعلم من الحقائق ما لا يعلمه غيره من عامة الناس، روى الترمذي بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته، ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات، تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة ). [في الزهد، باب: لو تعلمون ما أعلم]
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل النوع من المعاناة، فقد تركت أثرها فيه، فبدت في كلماته، وحركاته، يقول الله تعالى يصف حاله مع المعاناة الإصلاحية:
{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون* ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين* وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين* إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون}.
ليست النائحة الثكلى، كالنائحة المستأجرة، وليس الخطيب الثكلان، كالخطيب المستأجر..
فمن أراد لكلماته الأثر في قلوب الناس، فليكن في كل ما يتكلم به:
- كالنائحة الثكلى..
- واليتيم الذي فقد أبويه..
- والمظلوم المهضوم..
- والمريض المتألم.
كل هؤلاء يشكون بمرارة، ويصفون حالهم بحرارة، حتى يغرق السامع معهم، فيعيش مأساتهم بنفسه، ويراها رأي العين، فكذلك يراد من الخطيب أن يكون، حتى يعيش الناس كلماته وموضوعاته، كأنهم يرونها رأي العين.
* * *
- قد يقول القائل: علمنا أهمية المعاناة لنجاح الخطبة، فكيف نولدها في نفوسنا؟.
وهذا سؤال مهم، وجوابه: مختصر، ومفصل:
فأما المختصر فيقال فيه: إن الهم والمعاناة في القلب يتولد من اليقين بأمرين:
الأول: اليقين بأمر الآخرة، من الموت، وما يتبعه من أهوال القيامة، والنعيم للمتقين، والجحيم للمجرمين.
الثاني: اليقين بأمر الدعوة، بالعمل على استنقاذ الناس من عذاب الآخرة، شفقة، ورحمة، وخوفا عليهم.
فإذا تمكنا من القلب حضر الهم، وتحرك القلب، فنطق اللسان، وكتب القلم، وحصل الأثر.
وأما الجواب المفصل فيقال فيه:
لا يخلو الإنسان من الهموم، والهم همان: هم الدنيا، وهم الآخرة. فمن سلم من أحدهما لم يسلم من الآخرة، والغافل من كانت همه الدنيا، أما العاقل فهو من كانت همه الآخرة، فالإنسان بين هذين الهمين ولا ثالث.
فإذا ثبت حصول الهم ولزومه للإنسان كان من العقل والحكمة أن يكون للآخرة، إذ هو المطلوب وصاحبه محمود مثاب، روى الإمام أحمد وابن ماجة بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من كانت همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له).
وعن همّ الآخرة يتولد ويتفرع هم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الناس، إذ من شغلته آخرته بالرغبة في الجنة والرهبة من النار، وتعلم من دينه محبة الخير، وجد ميلا إلى وصية الناس ونصحهم، حيث إن يقينه بالآخرة يشخصه في صورة النذير العريان، وفي صورة منذر الجيش، يقول: (صبحكم، ومساكم).
وحتما لا بد أن يجد من يهمل وصيته، ومن يعرض عنه، ومن يجادله، ومن يعاديه، بجهل، وهذا حال البشر، لكن عنه يتولد ألم وهمّ في القلب، كالألم والهمّ يكون في قلب الأب من ضلال ولده وغوايته، فإذا صار كذلك، تكبد القلب المعاناة والحرقة، فحصل الأثر.
إذن، لمن أراد التأثير في الآخرين فعليه: أن يحمل هم دينه وآخرته، ويحمل كذلك تبعا هم إصلاح الناس وإرشادهم، فإذا حصل له ذلك، تفقت له آفاق الكلمة، واقتدر على الإبداع، بلا تكلف، فحصل التأثير المطلوب.
* * *
ذلك هو لب الموضوع، وأسّ الفكرة، ثم ما بعده إنما هي توجيهات يستكمل بها الموضوع، فمن ذلك:
(1) دوام القراءة في القرآن، فإنه ينير القلب، ويزكي النفس، ويخرج الكلمات تحمل النور والزكاء.(/4)
(2) متابعة أحوال المسلمين في العالم، ودوام الاطلاع على ما يستجد من الحوادث والأخبار، فهذه العناية لها أثر حسن على إعداد الخطبة، فمن المهم أن يكون الخطيب في دائرة الحدث…ومثله معرفته لأحوال المجتمع والحي الذي يقطن فيه، ومد الصلات بينه وبين السكان، والتعرف على مشكلاتهم، فإن هذا التعايش له أثر كبير في حسن إعداد الخطبة، خاصة إذا كانت تتعلق بمشكلة تتعلق بالحي، فليس الخبر كالمعاينة، ومن يتغلغل في أوساط الناس، فحديثه عنهم ليس كحديث المنعزل.
(3) القراءة في تراجم الصالحين، من أنبياء وصحابة وتابعين ومن تبعهم بإحسان، فإن لها أثر كبير في خشوع النفس ورقة القلب وزيادة الإيمان، وهي قوت الأفكار والمعاني المؤثرة في القلوب.
(4) ملك الخطيب أدوات الخطابة، من لغة سليمة، وعلم أصيل، فسلامة اللغة وصدق المعلومة أصل في إعداد الخطب، فاللغة السليمة لها جرس في الآذان، والمعلومة الصادقة تستقر في النفوس، وتزرع الثقة في القلوب.
(5) القراءة في كتب الأدب القديمة والحديثة، القديمة مثل: عيون الأخبار وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري، والبيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والأمالي لأبي علي القالي، ومؤلفات الأدباء المعاصرين، كالرافعي والمنفلوطي والطنطاوي، وكذا الدعاة البارزين الذين لهم كلمات عميقة المعنى في باب الدعوة مثل: الأستاذ سيد قطب، والأستاذ محمد قطب، والشيخ محمد الغزالي، وغيرهم.
(6) اجتناب الكتب الصعبة في ألفاظها وأسلوبها، فإن تعابير الإنسان بنات قراءاته، فإذا كانت قراءته في الكتب السهلة في أسلوبها، البليغة في عباراتها، كانت تعابيره كذلك، وإذا كانت قراءاته في الكتب الصعبة في أسلوبها، الغامضة في عباراتها، كانت تعابيره كذلك، والواجب أن تكون الخطبة سهلة العبارة، مفهومة قريبة المعنى.
(7) أن تكون فكرة الخطبة واضحة كالنهار، وكذا التعبير عنها.
(8) عرض الخطبة قبل إلقائها على المختصين للتأكد من سلامتها وسهولتها.
(9) مراعاة التسلسل المنطقي للفكرة المطروحة، وميزانه: أن لا تنفذ فكرة إلى أخرى إلا بوساطة وجسر صحيح، ومن الخطأ القفز من فكرة إلى فكرة بدون تلك الوساطة، فإن ذلك مما يغمض الكلام، ويبهم المعنى.
(10) عدم التكرار في الأفكار، فإن كان ولا بد فمرتان، وضبط الجمل والبحث عن أخصر التعابير، والبعد عن الشرح الممل الطويل.
(11) الخطبة تتألف من مقدمة وموضوع وخاتمة، وللمقدمة أهمية كبرى، وكذا الخاتمة، إذ هي المفتاح للدخول إلى الموضوع، فإذا أحسن كان الموضوع محل عناية الحاضرين واهتمامهم، وهنا نحن بحاجة إلى الإثارة الإعلامية، التي تجذب السامع، وطرق الجذب متعددة، مثل البدء بقصة، أو سؤال، أو التقاط أهم جملة في الموضوع والبدء به، وربما يكون بآية أو حديث أو قول لعالم، كل ذلك بحسب الأحوال، وعلى الخطيب أن يحسن اختيار مادة البدء.. وكذا الخاتمة، فإنها مهمة، ولعله من المناسب أن تكون بإعادة ذكر أهم جملة أو فكرة في الموضوع، أو بذكر ملخص شديد لما ورد في الخطبة، يستخدم فيها الحكم والأمثال أو الجمل عميقة المعنى.
* * *
وللخطبة بعد كتابتها كتابة أولية عدة مراجعات:
- فمراجعة أولى: ينظر في: جملها، وعباراتها، وصياغتها. فيعدل ويصلح ويحذف إن شاء، فهي لإعادة النظر في الصياغة.. وهي مراجعة لازمة، لكل كاتب.
- ومراجعة ثانية: يكون فيها التصحيح الإملائي والنحوي، وينصح الخطيب بالتشكيل، كي يجتنب نسيان القاعدة النحوية، ومن ثم اللحن.
- ومراجعة ثالثة: لوضع الفواصل والنقاط، ولمعرفة الوقفات، وعلامات الاستفهام والتعجب، وهذا الإعداد مهم في تيسير فهم الخطبة، فالإلقاء لا بد أن يكون محكوما بهذه القواعد، ليحصل بها الغرض، من: فهم الكلام، واستيعابه، وتصوره، ومن الخطأ إلقاء الخطب بدونها.
- ومراجعة رابعة: يعد فيها الخطيب نفسه ويدربها على طريقة الإلقاء، يلقي الخطبة عدة مرات، والأفضل أن يحفظها، ويتدرب على إلقائها مرتجلا، ليس لأنه يلزم أن يلقيها من على المنبر كذلك، كلا، بل ليكون مدركا لما يأتي من الجمل التي يقرأها، فيفهم ما يقول قبل أن يقول، فذلك أدعى للتفاعل مع الخطبة.
تلك هي طائفة من الوصايا لإنتاج خطبة ناجحة، ولا أزعم أني أحط بالموضوع، ولم يكن ذلك همي، وإنما همي فتح الطريق أمام راغب في: تعلم كيفية إعداد خطبة ناجحة.. والله الموفق.(/5)
تحاكم المسلم على القانون البريطاني
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ ... 24/09/1425هـ
السؤال
إخوتي الكرام: أفيدكم بأنني أعمل في إحدى الشركات، وقد بدأنا التفاوض مع إحدى الشركات العالمية الكبرى لتقديم خدمات فنية لنا لمدة سنتين تقريبا، وبمبلغ مليون ونصف، وعند المراجعة أصرُّوا على أن يكون التحاكم عند الاختلاف إلى القانون البريطاني، ووقعت هذه الاتفاقية، ولقد تم العمل بالاتفاقية الآن، ولكني سمعت أحد المشايخ يقول إن هذا من مبدأ التحاكم إلى غير الله، والله لقد أثرت علي كثيرًا، وأنا مهموم لذلك، وأنا الآن أريد منكم أن تدلوني على حكم ما قمت به، وكيف التعامل مع مثله في المستقبل؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب
التحاكم ابتداء إلى القوانين الوضعية الكافرة لا يجوز للمسلم الإقدام عليه بحال، لأنه حكم بغير ما أنزل أو رضا به والله يقول: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[المائدة: من الآية45]. (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[المائدة: من الآية44]. (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[المائدة: من الآية47]. ويقول سبحانه: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65]. فالتنازع عند الاختلاف لا يجوز أن يكون إلا إلى شرع الله سبحانه، وإذا كنت أبرمت العقد مع الشركة الأجنبية جهلاً منك بالحكم الشرعي فعليك التوبة من ذلك وعفا الله عما سلف، ولا يجوز لك أن تعود إلى مثله أبدًا، سواء في الشركة التي تعمل بها أو في شركات أخرى كسابك أو غيرها، ويلزمكم الوفاء بالعقد مدة سريانه لوجود الجهل بالحكم عند العقد وتحقق الضرر لو نقض، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة: من الآية1]. ويقول: (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[التوبة: من الآية4]. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إن مَقاطِعَ الحقوقِ عندَ الشروطِ. رواه البخاري تعليقًا (كتاب الشروط، باب: الشروط في المهر عند عقد النكاح). فالوفاء بالشروط والعقود يشمل ما كان بين المسلمين بعضهم مع بعض، أو مع الكفار، ثم إن التحاكم إلى القانون البريطاني في هذه المسألة، أمر مظنون وغير مؤكد، حيث من المحتمل ألا يقع خلاف بين الشركتين، وإذا كان لم يحصل تحاكم أصلاً، وهذه جمل مبررات بقاء العقد إلى مدته وعدم نقضه، أما مبدأ التحاكم إلى القانون الوضعي وقبوله والرضا به فقد سبق بيانه. والله أعلم.(/1)
تحاكم المسلمين إلى المحاكم الوضعية
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/الحكم بغير ما أنزل الله
التاريخ ... 05/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أنا إمام مسجد في إحدى البلاد الغربية، وقد سألني بعض الإخوة عن حكم رفع الخصومات إلى محاكم الكفار الطاغوتية، فنقلت الفتوى بجواز ذلك إذ لا يمكن استرجاع الحق إلا به، مما أدى إلى إثارة الفتنة؛ لأن البعض هنا يرى أنه لا يجوز ويخرج من الملة على كل حال، أفيدونا جزاكم الله خيراً بأدلة و تفصيل، وإشارة إلى المراجع والمصادر حتى نطفئ نيران الفتنة. والسلام عليكم.
الجواب
إذا كانت الخصومة والخلاف بين المسلمين في بلاد لا تحكم إلا بالطاغوت، (الحكم بغير ما أنزل الله)، فلا يجوز للمتخاصمين أن يتقدما بقضيتهما ابتداء إلى قضاء ذلك البلد، بل يتعين عليهما أن يتصالحا أو يحكِّما بينهما طرفاً ثالثاً مسلماً يرتضيانه ونحو ذلك، أما إذا كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، ويتعذَّر حصول المسلم على حق إلا بالرفع إلى قاضٍ غير مسلم فلا بأس للمسلم حينئذ بالترافع إلى القضاء الوضعي، لا من باب الرضاء بقضاء الكفار ولا ما يحكمون به، وإنما لاستخلاص الحق لصاحبه، ويدل على جواز ذلك أمور منها:
(1) وجوب حفظ المال والعرض وسائر الحقوق، والذي دلت عليه نصوص القرآن والسنة مما هو معلوم لكل مسلم، والتفريط بهذه الحقوق إثم.
(2) لما كان المسلمون في العهد المكي مستضعفين كانوا يتعاملون ويتحاكمون في حفظ حقوقهم المالية وغيرها وفق الأعراف والتقاليد العربية الجاهلية مما لم ينزل فيه حكم شرعي، ويدل على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم، كالجمع بين الأختين قبل التحريم "وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ"[النساء: من الآية23]، وفي أكل الربا: "فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ"[البقرة: من الآية275].
ولا شك أن العلة في جواز ذلك في هذه المسائل ونحوها هو ضعف المسلمين وقلتهم أمام الكفار، فالله قادر على أن ينزل أحكامه التفصيلية مبكرة في عهد الاستضعاف، ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك رحمة بعباده، ولحكمة يعلمها "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ"[القصص:5-6].
(3) إن الحكم بشرع الله تحت ولاية الكفار اضطراراً جائز شرعاً لاستخلاص الحق ورفع الظلم عن المظلوم وإنما المحرم عكسه، وهو أن يتحاكم الناس إلى الطاغوت وهم يستطيعون أن يتحاكموا إلى شرع الله، فقد قال الله في اليهود والنصارى في قوله: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً" [النساء:50]، ويقول عن المنافقين: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً" [النساء:60].
وقد كان فضيلة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب (أضواء البيان)، يتعامل مع الحاكم الفرنسي في بلاده في الحكم في الدماء على وفق الشريعة، فقد كان الفرنسي في موريتانيا يحكم بالقصاص في القتل، وبعد محاكمة ومرافعة طويلتين يصدر الحكم، ولا ينفذ حتى يقره عالمان من علماء البلد، كان الشيخ الشنقيطي – رحمه الله- أحدهما، وخلاصة القول أن ما فعله السائل جائز، ما دام لا يمكن التصالح ولا تحكيم مسلم بين الخصمين المتنازعين، ولا يمكن استرجاع الحق إلا بالذهاب إلى المحكمة التي تحكم بالقانون الوضعي، فهذا من باب الاضطرار والضرورة الشرعية، ولا يجوز التنازع والاختلاف بعد بذل الأسباب الممكنة، لا سيما وأنكم تعيشون بين ظهراني الكفار، والله يقول: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"[الأنفال: من الآية46]. والله أعلم، وصلى على نبينا محمد.(/1)
تحجبت فهددها زوجها بالطلاق
السؤال :
ما نصيحتكم لامرأة تحجبت فهددها زوجها بالطلاق و أصبح يخرج من البيت كثيراً و يقاطعها ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى : لا شك أن الدنيا دار ابتلاء و اختبار ، و العاقبة لمن اتقى ، و من سلك سبيل الجنة فليعلم أنه ( مَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ، و ذلك لأنَّ ( سلعة الله غالية ، ألا إنَّ سلعة الله الجنّة ) .
و من أصعب صنوف الابتلاء التي يتعرض لها العباد في الحياة ؛ ما يلحقهم بسبب إقبالهم على ربهم و التزامهم بدينهم ؛ و من هذا القبيل ما ورد في السؤال من تعرض المرأة للظلم و الجور و التطاول بالظلم و العدوان عليها من قبل من ولاه الله أمرها ، و جعله أقرب الناس إليها ؛ و هو الزوج ، و في هذه الحال لا بد من التأكيد على ثلاثة أمور تجب مراعاتها مجتمعة على من ابتليت بالصد عن سبيل الله من قبل أقرب الناس إليها :
الأمر الأول : وجوب طاعة الزوج على زوجته ، و مراعاة حقة في القوامة ، و حفظ حقوقه من الضياع أو التفريط أو التفويت .
روى أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حفظت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها : ادخلي من أي أبواب الجنة شئت ) . و روى نحوه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
و معنى هذا الحديث كما بينه الإمام المناوي في فيض القدير : ( إذا صلت المرأة خمسها ) المكتوبات الخمس ( و صامت شهرها ) رمضان غير أيام الحيض إن كان ( و حفظت ) و في رواية أحصنت ( فرجها ) عن الجماع المحرم و السحاق ( و أطاعت زوجها ) في غير معصية ( دخلت ) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول ( الجنة ) إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحاً أو عُفي عنها .اهـ.
الأمر الثاني : أن حقوق الله أولى بالأداء ، و الالتزام بشرعه واجب متعين على من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً ، و بمحمّدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ، لا يسع أحد الخروج عنه ، و لا التفريط فيه ، و ليس لأحدٍ أن يمنعه من ذلك ، و من منعه فله حظ من الوعيد الشديد لمن يصدون عن سبيل الله ، و مثله كمثل ( الذي ينهى عبداً إذا صلى ) .
و من منع عبداً من عباد الله من القيام بما افترضه عليه مولاه ، فالمانع متعدٍ لحدّه ، محادٍّ لله و رسوله ، و لا حق له في الطاعة و لا المتابعة فيما أراد من فعل المحظور أو ترك المأمور ، بل تجب مخالفته ، و يحرم اتباع هواه ، أو طاعته فيما أمر به أو أملاه ؛ إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق ، و لكنّ الطاعة في المعروف .
روى الشيخان و أبو داود و النسائي و أحمد عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ) .
الأمر الثالث : أن على من أقبل على الله تائباً أن يتيقن من أن طريق الجنة لن يكون مفروشاً بالورود و الرياحين ، بل هو على العكس من ذلك ؛ ملؤه الشدائد و البلايا و المِحَن ، فقد روى الشيخان و أحمد و الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( حُفَّت الجنة بالمَكَارِه ، و حُفَّت النار بالشهوات ) ، و في رواية عند البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ ( حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَ حُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ) .
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم : معناه : لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره . و لا يوصل إلى النار إلا بالشهوات ، و كذلك هما محجوبتان بهما – أي بالمكاره و الشهوات ؛ فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره . و هتك حجاب النار بارتكاب الشهوات .اهـ .(/1)
و روى النسائي و الترمذي بإسناد قال عنه : حسن صحيح ، عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : ( لَمّا خَلَقَ الله الْجَنّةَ وَ النّارَ أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الجَنّةِ ، فَقَالَ : انْظُرْ إِلَيْهَا وَ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا ، قَالَ فَجَاءَهَا وَ نَظَرَ إِلَيْهَا وَ إِلَى مَا أَعَدّ الله لأَهْلِهَا فِيهَا ، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، قالَ فَوَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ بِالمَكَارِه ِ، فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا ، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفّتْ بِالمَكَارِهِ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ . فَقَالَ : وَ عِزّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ . قالَ : اذْهَبْ إِلَى النّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأِهْلِهَا فِيهَا ، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: وَ عِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ بِالشّهَوَاتِ ، فَقَالَ : ارْجَعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : وَ عِزّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنّ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاّ دَخَلَهَا ) .
فإذا علم المُقبِل على الله بالتوبة ، و المتقرب إليه بالمستحبات ، أن ما يعترضه من بلاء في سبيله أمر مقدر محتوم ، لا محيص عنه ، و لا ملاذ منه ، استحلى في سبيله المرارات ، و استعذب الشدائد و المصائب و المُلِمَّات ، و مضى على السبيل بثبات ، حتى يلقَ الله و هو عنه راضٍ في غُرَف الجنات .
هذا ؛ و بعد التمهيد بما تقدم أقول للأخت السائلة : اثبتي على ما وفقك الله و هداك إليه من الخير و الهدى و الرشاد ، و لا ترتدِّي على عقبيك فتكوني من الخاسرين ، و التمسي رضا زوجك في رضا الله ، و لا تلتمسي رضا الله في رضا زوجك .
و اعلمي أنك قد تتعرضين لصنوف البلاء من الزوج و الأقربين و المجتمع ، فاسألي الله الثبات ، و حاولي التودد إلى من أساء إليك ، و خاصة الزوج ، بما أوتيت من قدرة على تلطيف موقفه ، و إقناعه بالالتزام بشرائع الإسلام و أحكام الدين ، و لا تيأسي فإن اليأس لا يأتِ بخير ، و ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُون ) .
فإن وفقت إلى الجمع بين الحسنيين ؛ إرضاء الله تعالى و عدم إسخاط الزوج أو استعداء المجتمع ، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، و الله ذو الفضل العظيم .
و إن عجزت عن التوفيق بين الأمرين فقدمي مرضاة الله على ما سواها ، و إن أوذيت في الله فإن في ذلك – إن صبرت عليه – رفعاً لدرجاتك ، و تكفيراً لسيئاتك ، و ما عند الله خيرٌ و أبقى ، و من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه .
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و بالله التوفيق .(/2)
...
تحديات الأسرة المسلمة
رئيسي :الأسرة والمجتمع :
يتناول الدرس التحديات المفروضة على الأسرة المسلمة لتفكيكها حتى لا تؤدي دورها كما أمرها الله عزوجل . وهذه التحديات إما أنها من داخل الأسرة أو من خارجها ثم إنها أنواع مختلفة تتطلب معرفة ودراية بها ومن هنا كان هذا الدرس شارحا لهذه التحديات ومبيناً كيفية التغلب عليها والصمود في وجهها حتى تؤدي الأسرة دورها .
مقدمة :
عرش إبليس : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ] رواه مسلم وأحمد . هذا الحديث يدل على أن من أهم أهداف الشيطان هو تفريق الأسرة بشكل عام، والأسرة المسلمة بشكل خاص .
يوسف عليه السلام يدرك هدف إبليس: لقد أدرك يوسف عليه السلام هدف الشيطان في تحطيم الأسرة المسلمة في نهاية المطاف، فقال لأبيه بعد أن رفع أبويه على العرش:} هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[100] {'سورة يوسف'.
فيوسف عليه السلام هنا يدرك أن الشيطان هو الذي كان سببًا في النزاع الذي حدث بينه وبين إخوته من إلقائه في الجب، ومن تسبب في غربته في بلد بعيد عن بلده، يباع فيه بيع العبيد، ويتهم فيه بتهمة هو برئ منها ويسجن على أثرها ظلمًا .. فيوسف في نهاية المطاف يدرك كيف نزغ الشيطان وفرق بينهم، ويحمد ربه على جمع الأسرة مرة ثانية، أبويه مع إخوته وقد غفر لهم .
نتائج التحدي السلبية : أي النتائج لما تعانيه الأسرة المسلمة من تحديات الباطل لها، وهي خمسة نتائج رئيسة :
1 ـ تهتك الصلة بين الأب والأبناء.
2 ـ تهتك الصلة بين الأم والأبناء.
3 ـ تهتك الصلة بين الأب والأم.
4 ـ تهتك الصلة بين الأبناء أنفسهم .
5 ـ تهتك الصلة بين الأبناء والأبوين معًا .
تعريفات لابد منها:
أولاً : معنى التحدي: هو الشعور بالإمكانات البشرية، أو المادية، أو الفكرية، والتي تدفع صاحبها لمنازلة خصمه إما بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة؛ لإثبات قوته على خصمه.
ثانيًا: الأسرة: الأسرة هي التي تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة هي: الأب والأم والأبناء .
ثالثًا: الأسرة المسلمة: فهناك فرق بين الأسرة المسلمة وغيرها، فالأسرة المسلمة تحاول بكل ما تستطيع أن تصبغ حياتها بالصبغة الإسلامية، وأن تعيش حياة إسلامية كاملة، خالية من تأثيرات الجاهلية الداخلية والخارجية.
تلك الأسرة التي قررت أن تسلك الطريق الصحيح مهما يعقب هذا القرار من نتائج، تواجه تحديات؛ لأن الثبات على هذا الطريق لابد له من نتائج أو عواقب، ذلك لأن هذا الطريق ليس مفروشًا بالورد، إنما هو طريق صعب، ولكن نهايته السعادة الخالدة التي لا تفنى أبدًا، كما في قول رسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:'... أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ' رواه الترمذي. ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:'حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ' رواه مسلم والترمذي والدارمي وأحمد .
فمن طلب الجنة فلابد له من التعب في أثناء الطريق إليها، والصبر والثبات لكي يستحق نيل هذه السلعة الغالية، أما أولئك الذين لا يملكون الاستعداد لهذا التعب ولا الصبر والثبات عليه، فهؤلاء بعيدون كل البعد عن الجنة إلا أن يشاء الله . وإن أهم هذه التحديات التي تواجهها الأسرة المسلمة:
التحدي الأول:الخلافات الزوجية: منشؤها عدة أمور منها:
1 ـ عدم إعطاء أي من الاثنين حقوق الآخر: مثال ذلك: عدم طاعة المرأة لزوجها، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:' لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا' رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد .
2 ـ الإكثار من المطالبة بالنفقة بأكثر من حقها: فترهق بذلك الزوج، لأنها تريد أن تكون مثل الأخريات، حيث المال والذهب والملابس الكثيرة والتنزه المستمر وغيرها من الأمور، وهذا يشكل إرهاقًا للزوج يجعله ربما يبلغ به الغضب فيقول الكلمة المكروهة، والتي تكرهها كل زوجة تريد أن تستر على نفسها، وتعيش حياة فاضلة.(/1)
3 ـ عدم حُسن العشرة : فكثير من الأزواج لا يحسنون العشرة مع زوجاتهم، يتصرف أحدهم بها كيف يشاء، وهذا مفهوم مغلوط يخالف ما قاله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ' خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي' رواه الترمذي وابن ماجه.
فبين في هذا الحديث أن أفضل الرجال هم أفضلهم لنسائهم، ولكن عندما تطلب المرأة من الرجل قضاء الحاجات والتنزه وغيره على حساب طاعة الله، والدعوة لدينه، فتكون امرأة يصفها الله بأنها عدوة بقوله تعالى:} إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [14] { 'سورة التغابن' .
فعندما تحاول المرأة ثني زوجها عن عظائم الأمور التي ترضي الله فإنها تكون بذلك في صف الأعداء الذين يطلب الحذر منهم؛ لأنها تصده عن الوصول إلى الجنة، وتوقف الأجر والرضى من الله أن يتنزل على بيتها.
4 ـ عدم إدراك كل منهما لدوره: فالمرأة ملكة في بيتها، والرجل ملك في بيته، وإنما أعطيت الإمارة للرجل لكي يتم النظام والاستقرار، ويخلو الجو من الفوضى، والإسلام أعطى للرجل هذه الإمارة ليس تفضيلاً له على المرأة، إنما لكي تسير الأمور، لما يملك الرجل من صفات تؤهله لهذه القيادة، فالرجل هو الأمير وواجب الزوجة الطاعة له، وهناك أحاديث كثيرة تدل على أن المرأة إذا أطاعت زوجها وصلت فرضها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت، وأحاديث تدل على أن المرأة إذا مات زوجها وهو راضٍ عنها دخلت الجنة.وكذلك الرجل عندما لا يدرك دور المرأة، يسبب ذلك نشوء الخلافات.
5 ـ تدخل الأطراف الأخرى : سواء الوالدان من ناحية الزوج أو الزوجة، أو تدخل الأصدقاء أو الصديقات، لذلك كان من أكبر المعاصي عند الله أن تذكر المرأة أو الرجل ما يحدث بينهما على الفراش.
6 ـ عدم وجود منهجية في تربية الأبناء : ونعني بالمنهجية: وضع منهج محدد واضح لكل من الزوج والزوجة، يسيران بموجبه في تربية أبنائهما، فيجب أن يتم الاتفاق بين الزوجين قبل أن يأتي الأطفال على هذه المنهجية، ومثال على ذلك: إذا قامت الأم بضرب الولد وهرب لأبيه ليحتمي به، فيجب في هذه الحالة أن يكون واضحًا لدى كل من الطرفين ألا يعنف ويخطئ ويلوم الأب الأم أمام الولد بسبب ضربها له، حتى ولو ضربته بغير حق؛ لأن هذا يحدث في نفسه انقلابًا للصورة، فيحسب أن أمه على خطأ فما يقوم باحترامها بعد ذلك، أو الخوف منها، بل يجب على الأب في هذه الحالة أن يقول له بأن أمك ما ضربتك إلا بسبب الخطأ الفلاني؛ وذلك حتى يشعر الابن أنه ما ضرب ظلمًا، بل بسبب خطأ اقترفه، وكذلك العكس إذا ضرب الوالد الابن .
ومن المنهجية: أن لا يُرى الطرفان أبناءهما أي خلاف بينهما، بل دائمًا يريانهم الاتفاق والسعادة التراضي، حتى ينشأ الأبناء نشأة طبيعية خالية من ردود الفعل النفسية، والتي تؤثر على نشأة الطفل وربما تتسبب في انحرافه.
ومن المنهجية: ألا يكون التهديد كلامًا فقط، بل يجب أن يعقبه أحيانًا تنفيذ لهذا التهديد، حتى يأخذ الأبناء تلك التهديدات بجدية، ويمتثلون للعملية التربوية المبتغاة إذا ما انحرفوا أو أخطأوا.
ومن المنهجية: أن لا يكون الضرب هو العلاج دائمًا، ولا يكون التعنيف هو العلاج دائمًا، ولا يكون الترغيب هو العلاج دائمًا، إنما يكون ذلك بحسب الموقف.
ومن المنهجية: وضع الحوافز لزيادة عملية التشجيع، صحيح أننا يجب علينا كمسلمين أن نعلقهم بالآخرة، ولكن يجب علينا أيضًا بسبب طفولة عقول الأبناء، أن نضع بعض الحوافز مثل الهدايا، أو المال، أو الحلويات إذا قاموا مثلاً بحفظ كذا من القرآن، أوالحديث، أو الأدعية حتى إذا ما ميزوا وبلغوا، أصلنا فيهم قضية الأجر الأخروي وعملية الإخلاص.
ومن المنهجية: أن يكون الوالدان قدوة أمام أبنائهما، فعندما يأمر الأب ولده بالصلاة في المسجد يجب أن يرى ذلك الولد أن أباه يسبق إلى المسجد دائمًا، وعندما يمنعه من الكذب،على ذلك الأب أن يلتزم بالصدق دائمًا، وهكذا في باقي الأوامر يجب أن يكون الوالدان قدوة في كل أمر ونهي.
ومن المنهجية: أن نعطيهم الحب، فالحب قضية مهمة يجب أن يشعر الأبناء بحب والديهم لهم، فإذا ما فقدوا ذلك الحب؛ فإنهم سيطلبونه في مكان آخر، وقد يكون هذا المكان الآخر شابًا منحرفًا، أو شلة منحرفة.
ومن أهم الوسائل التي تغرس المحبة في الأبناء:
1 ـ الإصغاء إلى شكواهم، حتى، وإظهار الاهتمام بمشاكلهم .
2 ـ اللعب معهم ومداعبتهم ومشاركتهم في ألعابهم .
3 ـ التحدث معهم بأسلوب الكبار حتى يتغرس فيهم النبوغ المبكر، والقدوة المبكرة لمعرفة الكثير من الأمور.
4 ـ الإجابة على جميع أسئلتهم، وعدم التهرب من أي منها وذلك بما يناسب أعمارهم.
5 ـ عدم كبت طاقة اللعب فيهم، وإلا فإن ذلك سيكون له ردة فعل في ضرب بعضهم البعض، أو تكسير أي شيء في البيت .
6 ـ التقبيل والضم والحمل: كل ذلك يغرس المحبة فيهم .
7 ـ إخبارهم بمشاعر الحب نحوهم .(/2)
ومن المنهجية التربوية: تهيئة الجو العلمي، وتحبيب القراءة لهم، وذلك بالتالي:
أ ـ إدخالهم المكتبة المنزلية إن وجدت، أو زيارة المكتبات الإسلامية .
ب ـ إعطاء الحرية لهم ليفتحوا من الكتب ما يريدون، وذلك لكسر حاجز الرهبة من المجلدات، وباقي الكتب .
جـ ـ شراء مكتبة صغيرة لهم، ووضعها في غرفتهم، وترك حرية تصفيف وتصنيف الكتب لهم.
د ـ التكليف ببعض القراءات، وإجراء مسابقة في بعض ما يقرءون.
ومن المنهجية: تعويده على فعل الخيرات، كأن تشرح له ما يحدث للمسلمين من ظلم، وتشريد، وقتل في أنحاء الأرض، وأن تحبب إليه دفع التبرعات لهم في الصناديق الموجودة في المساجد، والمراكز التجارية وغيرها، أو تجعله يقود أحد المصابين بالعمى ليدخله إلى المسجد مثلاً .
7 ـ الغيرة الزائدة : فللغيرة حد معين، فإذا ما زاد عن الحد المعقول؛ فإنه يسبب ارتباكًا في العلاقة الزوجية قد تؤدي إلى الطلاق، أو غيره من النتائج السلبية، والأصل أن تثق الزوجة الصالحة في زوجها الصالح، وكذلك العكس، إلا أن يرى أحد الطرفين بعينه ما لا يحتمل التأويل، فهذا أمر لا يجوز .
8 ـ الغضب : وهو سمة العصر الحديث، بسبب المادية التي غرقنا بها، وقد يصل الغضب ببعض الأزواج لتصرف معين من زوجته، إلى ضربها، وهذا أمر لا يجوز، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:' خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي' رواه الترمذي وابن ماجه. وليس من الرجولة ضرب النساء، فهذا له أسبابه وشروطه وظروفه، والحياة الزوجية عندما يتخللها الضرب، فإنه من الصعب أن تكون حياة ناجحة. إن هذا التهور من كلا الطرفين يجب أن تحكمه قواعد وضّحها الإسلام، والتي من أبرزها: عدم الغضب لغير الله، أما للدنيا فهي أحقر من أن نغضب من أجلها، ونخرب هذه العلاقة الزوجية لنتيح للشيطان فرصة الفرح لهدم هذه الرابطة .
9 ـ عدم إدراك طبيعة المرأة: معظم الرجال لا يعرف طبيعة المرأة، مما يسبب بعض الإشكال الذي قد يزيد في بعض الأحيان ليشكل عقدة غامضة وراء الطلاق . ومن بين هذه الأمور التي لا يعرفها كثير من الرجال:'حالة التوحم' وهي حالة نفسية تمر بها الحامل في الشهور الأولى من الحمل، إذ قد تؤدي بها إلى تصرفات يستغربها الزوج الجديد أشد الاستغراب، والتي منها على سبيل المثال :
كراهية بعض الروائح، وربما رائحة الزوج نفسه، فتصبح لا تطيق الجلوس بقربه.
كراهية بعض أنواع الطعام .
اشتهاء بعض أنواع الطعام التي قد تكن غير متوفرة آنذاك .
ومن بين هذه الأمور التي تصيب المرأة: التوتر العصبي، وآلام الظهر والصداع أثناء الدورة الشهرية لبعض النساء . ومن بين هذه الأمور حب المرأة للزينة، وترتيب المنزل، هذه بعض طبائع المرأة والتي قد يستغربها البعض إلى درجة اتهام زوجاتهم بالدلع، أو الكذب، مما يؤدي إلى توتر العلاقة .
10 ـ إرهاق كل طرف للآخر بأكثر مما يستطيع : ما أجمل ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به النساء عندما أطلق عليهن صفة القوارير فقال موصيًا بهن:'ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ'رواه البخاري ومسلم وأحمد . وكما أن للقوارير صفة الضعف وسرعة الانكسار إذا وقعت، كذلك يريد النبي صلى الله عليه وسلم المبالغة بمراعاة ضعفهن، خوفًا عليهن من الكسر، ومع ضعف القوارير فإن لها صفة ثانية وهي النعومة والشفافية وكذلك هن النساء. إدراك هذه الصفات للمرأة ضروري للزوج حتى لا يكلفها بأكثر مما تطيق، فيقع في الظلم المنهي عنه.
11 ـ عدم التثبت بعد سماع الأخبار : أخبار كثيرة يسمعها الزوج أو الزوجة تتعلق بأحدهما، فيقوم أحد الطرفين باتخاذ موقف ضد الآخر دونما تثبت، وتتغير طبيعته أو طبيعتها معه دون أن يقوم أحد الطرفين بمصارحة الآخر، مما يسبب التفكك الذي لا يحمد عقباه.
التحدي الثاني: التحدي الإعلامي : من المؤكد أن من أكبر الفتن التي غزت كل بيت هي الموجة الإعلامية، من تليفزيون، وصحيف،ة وشريط فيديو، وشريط سماع، وما يتصل بها، وكل هذه الوسائل الإعلامية ليست حرامًا بذاتها، فهي أجهزة صالحة للاستخدام في الخير أو الشر، وبسبب أن معظم من يتحكم بهذه الأجهزة هم من أصحاب الأهواء، والأغراض الخبيثة في تدمير أخلاق وقيم المجتمع الإسلامي، وبخاصة الأسرة المسلمة فإن معظم ما يعرض في هذه الوسائل سموم يراد منها تحطيم القيم التي جاء بها الإسلام، ونشر قيم جاهلية لا تتصل بواقع الأمة الإسلامية، بل هي الغثاء الذي يعيش فيه المجتمع الغربي، ولا شك أن التحدي الإعلامي والذي يسيطر على الكثير من أجهزته أعداء الله في كل مكان، هو من أكبر التحديات إذا لم يكن هو الأكبر للأسرة المسلمة، فالأب أو الأم كلما أعطيا قيمة من القيم، أو خلق من الأخلاق إلا وحطمه ألف معول إعلامي يراه ويحتك به ويسمعه الطفل كل يوم من خلال التلفزيون والمذياع والصحف، حتى في البرامج التي تخص الأطفال فإنها لا تخلو من تحطيم تلك القيم الإسلامية.(/3)
فلابد للآباء والأمهات أن ينتبهوا لهذه التحدي العظيم، ويحاولوا مجابهة هذا التحدي بتحد آخر على شكل برامج ترفيهية وثقافية ورياضية، تعوض تلك البرامج الهابطة التي يعرضها الإعلام الجاهلي، وهي مسئولية الحركة الإسلامية بشكل خاص. ومسئولية كل أب وأم في الأسرة الإسلامية بشكل عام، والأفضل هو المحاولة الجادة لعزل الأطفال عن هذه الأجهزة بالحكمة، حتى يكون غياب تلك الأجهزة واقعًا يتعود عليه الأطفال دون إحداث ردة فعل .
التحدي الثالث: الواقع المعيشي: عندما تسير الأسرة المسلمة بهذه الخطوات الثابتة نحو طريق الحق، فإنها تفتن بفتن كثيرة، ومن هذه الفتن:قلة الرزق، أو هو الفقر الذي كان يقول عنه عمر رضي الله عنه:'لو كان الفقر رجلاً لقتلته' . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، ويقرنه بالكفر فيقول:'اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ'رواه أبوداود والنسائي وأحمد . ومع أن الرزق من أول ما يكتب على الإنسان إلا أن أكثر ما يجزع عليه الإنسان هو الفقر ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: 'إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ...' رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد . يجب أن ندرك بأن الرزق مكتوب، فلا يقلق أحد من نقص الرزق وقلة المعيشة، بل يجب عليه حمد الله، وعدم الشكوى لأحد، كما يقول الإمام ابن القيم:'الذي يشكو للآخرين فكأنما يشكو الله للمخلوق'. وهذا هو تقدير الله سبحانه ليرى مدى صبر المسلم على البلاء، فإن نجح في الاختبار؛ وسع عليه الرزق، ورفعه درجات عالية، قال تعالى:} الم[1]أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ[2]وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[3]{ 'سورة العنكبوت' ومن إفرازات هذا التحدي المعيشي اضطرار المرأة للعمل خارج المنزل، مما يسبب انعكاسات سلبية كبيرة، منها: عدم رعاية الأطفال رعاية كاملة، مما يؤدي إلى نقص عنصر المحبة الذي يحتاجه الأطفال من الأم والأب، وهذا قد يؤدي إلى انحراف الأبناء، وربما أدى العمل في الخارج إلى اختلاف الزوجة مع زوجها لعدم استطاعها تلبية جميع ما يريده منها لانشغالها، وربما يؤدي ذلك إلى انحراف المرأة لاحتكاكها بالرجال، وسقوط الكلفة بينها وبينهم بسبب سقوط الحياء.
التحدي الرابع : عادات المجتمع وأعرافه الجاهلية : كغلاء المهور، ومن هذه العادات الجاهلية إصرار الوالد في بعض البلاد العربية على معرفة تفاصيل ما حدث في ليلة الدخلة من ابنه، ومنها دخول الأم غرفة الزوجية لرؤية الدم، وغيرها من هذه العادات الجاهلية، والتي بمجموعها تسبب تحديًا للأسرة المسلمة.
التحدي الخامس: التحدي المباشر : الإخراج من البلد، السجون، التعذيب، الإهانات .
التحدي السادس:التحدي التعليمي : نظرية داروين وغيرها التي تقدم في الجامعات، وتاريخ الثورة الفرنسية، النظريات الفلسفية الكافرة التي ألزم بها الأبناء، وهذه كلها ضغوطات تتحدى الأسرة المسلمة .
كيف نقف أمام هذا التحدي ؟
1 ـ إدراك هدف الشيطان .
2 ـ معرفة حقوق الزوج.
3 ـ عدم السماح بتدخل طرف ثالث، إلا إذا كان للإصلاح والخير، وزيادة الرابطة الأسرية.
4 ـ التثبت عند سماع الغير .
5 ـ وجود منهجية في التربية .
6 ـ الغضب لله وليس للدنيا، وللنفس، وللعشيرة، أو غيرها من الأمور.
7 ـ السيطرة على التليفزيون وباقي الوسائل الإعلامية.
8 ـ الوقوف بحزم أمام عادات المجتمع الجاهلية، وإدخال الفهم الإعلامي المعاكس لهذه العادات.
9 ـ إعطاء القيم للأطفال.
10 ـ إعطاء الحب والانتباه لهم.
11 ـ تحقير الفاسقين والفاسقات في نظر أبنائنا.
12 ـ الإكثار من إعطاء صور من قدواتنا في الماضي والحاضر .
13 ـ غرس الحياء بين الأبناء.
14 ـ منع الصحافة الفاسدة من دخول البيت .
15 ـ إشغال الأبناء بحب القراءة، والبحوث، وأدعية اليوم والليلة.
16 ـ الصبر على البلاء وهو ما أمرنا به في الأول والآخر، قال تعالى :} وَالْعَصْرِ[1]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]{ 'سورة العصر'.
الخاتمة:(/4)
هذه بعض التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، وهي بذلك أمام أمرين، إما الخوف والاستسلام لهذه التحديات، ثم الرضوخ لما تفرضه هذه التحديات من قيم جديدة على الأمة، وإما الانتفاضة أمام هذه التحديات، ورفض الاستسلام لها، والعمل على صدها بكل ما أوتيت من طاقة عاملة؛ بنشر النور ودحر الظلال، والله غالب على أمره:} إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[7]{ 'سورة محمد'.
من رسالة:'تحديات الأسرة المسلمة' للشيخ عبد الحميد البلالي(/5)
(7)
تحديات في وجه المجتمع الإسلامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد؛ فمنذ كانت البشرية والفكر الرباني في صراع مع الفكر البشري وعلى مدى التاريخ ولما جاء القرآن نسف هذا الفكر كله وصيره ركاماً وكشف زيفه وضلاله وفساده ودعا البشرية من جديد إلى التوحيد بوصفه المنطلق الوحيد إلى إقامة المجتمع الرباني الأمثل. فهزم الإسلام العبودية البشرية في حضارات اليونان والفرس والهند والفراعنة وأقام حرية الإنسان متطلعاً إلى الإخاء البشري وجعل عبوديته لربه وحده دون الخلق جميعاً .. ثم هزم العبودية الوثنية لغير الله وحرر العقل البشري وأطلقه ليجد طريقه إلى معرفة سنن الله في الكون، ومن هذه النقطة أنشأ المسلمون المنهج التجريبي الذي هو قاعدة الحضارة المعاصرة.
غير أن محاولات الهدم لم تتوقف وتجددت مرة أخرى وأخذت تصوغ من ذلك الركام القديم مذاهب جديدة عرفت في العصور السابقة بأسماء كثيرة منها الغنوصية والتناسخ والدهرية وإخوان الصفا والسبئية والحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وظهرت فرق متعددة تحمل لواء هذه الدعوات.
ولقد واجه علماء المسلمين الأبرار هذه المذاهب الهدامة بقوة وحطمت أعمال الشافعي وابن حنبل والأشعري والغزالي ثم ابن تيمية وابن القيم هذه الأعمال الزائفة التي كان لهما زخرف ولمعان يخطف الأبصار الساذجة.
حتى جاء عصرنا فتجددت هذه الدعوات مرة أخرى عن طريق القوى الثلاث التي تواجه عالم الإسلام اليوم: الاستعمار والصهيونية والماركسية والتي تحمل لواءها دعوات: التبشير والاستشراق والتغريب والغزو الثقافي. ومنذ جاء الاستعمار وهو يعمل على هدم ثلاث قيم أساسية:
التعليم – الشريعة – اللغة.
وهي التحديات الحقيقية التي تواجه مجتمعنا اليوم وما زالت قائمة بالرغم من التحرر السياسي والعسكري الذي قضى على النفوذ الاستعماري. ذلك أن الاستعمار كان يعد قبل خروجه محاولة لبقائه واستمراره تمثل في هذا السلطان الفكري والاجتماعي الذي مازال يحول بيننا وبين امتلاك إرادتنا الحقة. ومن هنا فإننا مطالبون أن نواجه هذا المخطط بقوة ليس على مستوى المفكرين المسلمين فحسب؛ بل على مستوى كافة المسلمين.
ومنطلق هذه المواجهة هي أن نعرف خلفيات ما يُعرض لنا مما هو مكتوب ومذاع ومنشور. سواء أكان صحيفة أو كتاباً، أو مسرحية أو فلماً سينمائياً. ذلك هو العمل الحقيقي الذي يمكننا من معرفة الأصالة من الزيف، والحق من الباطل، والخير من الشر.
ولذلك فقد أردت أن أطلق اسم "قبل أن تقرأ" عليك أن تكون واعياً لمِا تقرأ: مَن الذي يقدمه لك، ما مدى سلامته، ما مدى صلته بأمتنا وديننا وعقيدتنا، إننا يجب ألا نضع ثقتنا إلا في الفكر الأصيل. إن هناك اليوم قوى كثيرة تطرح فكرها وتنفث سمومها، وشبابنا في حاجة إلى ضوء كاشف يهديه، إنه ينظر فيرى هذه الكتب مكدسة في كل مكان، مترجمة أو مؤلفة، كُتابها مسلمون أو عرب أو أجانب فيقرؤها دون أن يلتفت إلى الغاية أو الخلفية ويظن أن كل ما يقرأ صحيح أو حق، فيأخذ به، وهذا هو مصدر الخطر.
لذلك أردت أن ألقي بعض الأضواء الكاشفة حتى لا تنخدع بالأسماء اللامعة أو الكتب الأنيقة أو العبارات الخلابة، لقد دخل إلى فكرنا زيف كثير، وفُرضت مسلمات كثيرة، في حاجة إلى أن نعيد النظر فيها.
نحن نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال، وهذا الحكم قانون يضئ لنا الطريق.
إن علينا أن نعرف أن أمتنا تقع في مكان الصدارة من العالم كله، ولذلك فهي مطمع الغزاة من قديم، ونحن نعيش الآن الغزوة الصهيونية بعد غزوة الاستعمار الفرنسي الإنجليزي الإيطالي الهولندي.
ومن قبل جاءت موجة الحروب الصليبية وحروب الفرنجة.
كل هذا يقنعنا بصدق الوصية التي دعانا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "ستفتح عليكم بعدي مصر فاتخذوا منها جنداً كثيفاً؛ فإنهم خير أجناد الأرض، وهم في رباط إلى يوم القيامة".
وهكذا نرى من عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة" وأن المواجهة لن تتوقف بين أهل الإسلام وبين خصومه أبداً، وان علينا أن نكون مرابطين إلى يوم القيامة ندافع عن أرضنا وقيمنا وعقيدتنا.
ولقد خدعنا الاستعمار حين دعانا إلى مناهجه وهجر مناهجنا حين حجب الشريعة الإسلامية والتربية الإسلامية واللغة العربية، ودعانا إلى مفاهيمه وخدعنا رجاله ورجال مِنا أمثال طه حسين وغيره، حين قالوا لنا أن أسلوب الغرب هو الأسلوب القادر على إعطاء صفة التقدم.
وكذبوا؛ فإن الغرب لم يكن ليسيطر على بلادنا ويدعو إلى تغريب فكرنا ثم يسمح لنا بأن نصل إلى وسائل التقدم وامتلاك الإرادة.(/1)
لقد خدعنا بأسلوب الغرب في الحكم والتربية والاجتماع وجرينا وراء التجربة الغربية حتى نهايتها التي كانت سقوط فلسطين في يد الصهيونية، ثم جرينا وراء التجربة الماركسية حتى كانت نهايتها سقوط القدس في يد الصهيونية وتعرية المجتمع العربي تعرية كاملة، حتى تعرف أن الهزيمة والنكبة والنكسة التي توالت منذ 1948 حتى 1967 إنما كان مصدرها التماس أسلوب الغرب وحجب أسلوب الإسلام.
وعندما حطمنا هذا القيد والتمسنا أسلوب الإسلام لمن تمضِ إلا سنوات قليلة حتى كان نصر رمضان المؤزر الباذخ الذي هو علامة على الطريق الجديد الذي يجب أن يسلكه المسلمون والعرب: طريق الأصالة، طريق الجهاد والقوة، طريقة الشريعة الإسلامية والتربية الإسلامية، طريق (الله أكبر)، ذلك السلام الكوني الذي تدرسه الآن الأكاديميات العسكرية؛ لترى أنه كان أشد خطراً من القنبلة الذرية والهيدروجينية معاً.
لقد اعتدل الطريق بنا وكان حقاً علينا أن نحطم قيود التغريب والغزو الثقافي التي تتكاتف الآن؛ محاولة أن تردنا مرة أخرى إلى الاحتواء والسيطرة.
يجب أن نقف موقف الحذر من كل ما تقليه إلينا هذه المصادر الغربية الوافدة، ولقد واجه المسلمون مثل هذه التجربة وانتصروا فيها وعلينا نحن أيضاً أن ننتصر. نحن المسلمين، لا يمكن أن تؤكل ولا أن تحتوينا المذاهب، إن مذهبنا هو مذهب القرآن الجامع الذي لا يحرف، ليس هو مذهب الفلسفة ولا العقلانية الخالصة، ولا الجبرية الصوفية ولا الحدس الوجداني، كل ذلك ركام باطل جددته الباطنية والمجوسية والشعوبية، وأعادت صياغته من جديد لتضرب به مفهوم التوحيد الخالص.
إن أخطر ما يتحدى المثقف المسلم هو النظرة الجزئية، أو الرؤية المحدودة، التي تقف عند حادث من الأحداث، أو خبر من الأخبار، أو موقف من المواقف، فتنظر إليه وتحاول أن تحلله أو تحكم عليه دون أن تبحث عن خلفياته أو أبعاده أو أرضيته، ومن هنا تكون تلك النظرة ناقصة، أو جزئية أو غائمة، وليس كذلك يفعل الناصحون الذين رباهم القرآن وعلمهم الإسلام، وإنما تكون النظرة فاحصة ويكون الحكم سليماً إذا ما استوفى شرائط التقدير والبحث عما يتصل بالحدث أو الخبر أو الموقف مِما سبق في الزمن، ومِما جرى وأوشك أن يغيب وراء الأفق؛ ذلك لأن الأمور لا تجري منفصلة عن سوابقها ولواحقها، خاصة فيما يتعلق بتحديات الغزو الفكري والتغريب.
أضواء كاشفة لأبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب
وهذه أضواء كاشفة وخيوط عامة لنا جميعاً، ولكننا ننظر إليها مع الأسف مفرقة وموزعة، ولا نستحضرها عند النظر أو البحث في حادث ما أو خبر ما أو موقف ما، ولذلك يفقد الأمر خطره، ولقد عرف خصومنا فينا هذه النظرة الجزئية فباعدوا بين الأحداث اعتماداً على أننا لن نربطها بعضها ببعض أو ننظر إليها نظرة كلية، هذه الجزئيات المبعثرة للنظر السريع هي في حقيقتها عناصر كاملة لخطة عامة وخطيرة، فلننظر.
ثلاث قوى
(أولاً): هناك ثلاث قوى لها أثرها البعيد في أزمة المسلمين:
"التعليم – الثقافة – الصحافة".
وما تزال مؤسسات التبشير والاستشراق تعمل من خلالها.
وهناك خطة واضحة للغزو الفكري وخطة للتغريب وخطة للشعوبية.
وهناك أساليب متعددة لإثارة الشبهات حول الإسلام: (القرآن – الرسول – تاريخ الإسلام).
وهناك دعوة إلى إخراج المسلمين من "ذاتيتهم" باسم "المعاصرة". ودعوة إلى إخراج المسلمين من "قيمهم" باسم "التحرر". فيجب ألا تخدعنا الأسماء البراقة فنسلم بكل ما تقول؛ لأن في ما تقوله زيفاً كثيراً وحقاً قليلاً. ويجب ألا نخاف عبارات الرجعية والجمود والتخلف؛ فنها كلمات فقدت معناها وهي تطلق دائماً على أهل الأصالة والحق.
علينا ألا تخدعنا الأسماء البراقة؛ لأنها ليست أصيلة، ولا نصد عن الأسماء الزائفة؛ لأن الدعوى المُدعاة لها ليست صحيحة.
نحن طلاب (أصالة) تكون منا بمثابة (الإطار الثابت) والحجاب الحاجز نتحرك من داخله إلى المعاصرة والتقدم والتحرر.
إن قيمنا القرآنية الإسلامية الربانية هي الأعمدة الثابتة التي يقوم عليها البناء، ثبات في الأسس وحركة من فوقه أو من حوله. ثبات (القطب) وحركة كحركة الأرض حول محورها.
إن كل المؤامرات قد أثبتت حقيقة واحدة: أن الإسلام هو الهدف الذي تعمل القوى الخفية لضربه: (الصهيونية والليبرالية والماركسية).
الهدف: هو أن يظل الإسلام بعيداً عن دائرة العمل والتنفيذ وألا يمتلك المسلمون إرادتهم القادرة على الانتقال من الدائرة الضيقة التي حبسهم فيها الغزو الثقافي والتغريب إلى الدائرة المرنة التي أنشأها لهم الإسلام.
إن هدفنا اليوم هو تحطيم هذه الدائرة الضيقة والتماس دائرتنا ومنهاجنا ومصادرنا ومنابعنا الثرة الخالدة.
والأمل هو أن يعرف المسلمون أنه ليس ثمة طريق آخر.(/2)
لقد جربوا: مختلف الأساليب والسبل والمناهج التي راوحت بينهم وبين الفكر الغربي والفكر الماركسي: ودخلوا البوتقة وفشلت التجربة وتأكد لهم بعد سبعين عاماً وهم تائهون بين الشرق والغرب، حائرون بين الأيدلوجيات الوافدة – أنه لا سبيل لهم غير منهجهم الأصيل. لقد عجزت هذه المذاهب والمناهج جميعاً أن تعطيهم التقدم أو التحرر أو امتلاك الإرادة وأعطتهم بدلاً من ذلك: الهزيمة والنكسة والنكبة، وعرضتهم للفناء، ومن ثم تبينوا أنه ليس غير الإسلام "سبيل ونصير ونور".
حقائق
(ثانياً) إن بين أيدينا حقائق طازجة يجب أن تكون موضع نظركن وتقديركم وأنتم بسبيل دراساتكم:
أولى هذه الحقائق ما أعلن منذ وقت قصير من "إلغاء" الاستشراق. فقد اجتمع المستشرقون في مؤتمرهم السنوي بعد أكثر من سبعين عاماً ليعلنوا انهم قد ألغوا الاستشراق وإن الاجتماعات القادمة ستكون تحت اسم "مؤتمر العلوم الإنسانية".
ومعنى هذا في نظر أصحاب اليقظة: أن الاستشراق يغير جلده، كما سبق أن غير التبشير جلده، الهدف واحد والأساليب تتغير مع الأزمة والظروف، وإذا كانت سمعة الاستشراق قد ساءت فإن على أهله أن يغيروا أسلوبهم وإن لم يغيروا هدفهم.
ونحن نذكر الآن: كيف يتحرك "الاستشراق اليهودي" بعد أن تقدم للسيطرة خلفاً أو شريكاً للاستشراق الغربي المسيحي، وتعرف المخططات التي يقوم بها في سبيل "احتواء" الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي.
ومن ذلك ما نجده من بروز أسماء لامعة خطيرة في مجالاته المتعددة:
"جولد زيهر" في الشريعة الإسلامية.
"مرجليوث" في التاريخ الإسلامي.
"برنارد لويس" في مفاهيم الأمم والقوميات؛ مستهدفاً إيجاد صراع بين العروبة والإسلام.
وفي العام الماضي أنعمت (إسرائيل) على "برنار لويس" بلقب الدكتوراه؛ تحية له عن محاولاته لهدم المفاهيم العربية الإسلامية.
وعلينا أن نذكر في هذا المجال أن معظم كراسي الأدب العربي والدراسات الإسلامية في أغلب جامعا تالغرب يسيطر عليها مستشرقون يهود.
ويتصل بهذا محاولات السيطرة على دوائر المعارف العالمية، وخاصة دائرة المعارف الإسلامية، والسموم التي حملتها مادة "عرب" ومادة "إبراهيم" ومادة "إسماعيل"؛ في محاولة لتزييف الروابط الأساسية بين سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل وبين سيدنا إسحق، وفصل إسماعيل عن ميراث إبراهيم لجعله كله في نسل إسحاق.
وتلك مؤامرة ضخمة في حاجة إلى عناية شديدة.
كذلك فإن الأمر يتصل بمؤامرات تحريف التاريخ الإسلامي، وفي مقدمتها (مؤتمر بلتيمور) الذي عقد عام 1948 والذي حضره لفيف منقادة الصهيونية، وفي مقدمتهم بن جوريون؛ لوضع خطة تستهدف تنظيم ومضاعفة عمليات تزييف تاريخ العرب وإخراج دراسات جديدة تحمل الشبهات التي تتصل بمؤامرة القرامطة والزنج والباطنية، وإعادة طرح أفكارها وتاريخها في أفق الفكر الإسلامي بوصفها حركات تهدف إلى العدالة الاجتماعية. وقد ظهرت مؤلفات كثيرة بعد ذلك المؤتمر تحاول أن تطبق ما استهدفته هذه التوصيات.
ويتصل بهذا مؤتمر البهائيين العالمي الذي عقد في القدس المحتلة عام 1968 وما كشف عنه من صلة جذرية بين تاريخ البهائية وبين الحركة الصهيونية. كل هذا يجب أن نكون على وعي به ونحن نقرأ وندرس ونتابع.
دلالات خطيرة
(ثالثاً) يجب أن يكون أمامنا ونحن نطالع تاريخ المسلمين والإسلام في العصر الحديث عدة حقائق من شأنها أن تشكل قاعدة أساسية للبحث:
هذه الحقائق لا توردها كتب التاريخ التي بين أيدينا إلا لماماً، وربما أوردت ما يخالفها من شبهات ظلت تتردد حتى أصبحت في منزلة المسلمات.
أولى هذه الحقائق ما طرحه (غلادستون) رئيس وزراء بريطانيا على مجلس العموم البريطاني عام 1883 حين حمل المصحف وقال: "مادام هذا الكتاب باقياً في الأرض فلا أمل لنا في إخضاع المسلمين، بل ونحن على خطر في أوطاننا".
وعلينا أن نفهم معنى هذا ومداه.
يُضاف إلى هذا قول اللورد اللنبي حين دخل القدس عام 1917 حين قال:
"اليوم انتهت الحروب الصليبية".
فإذا ذكرنا أن الحروب الصليبية كانت قد انتهت قبل ثمانمائة عام، عرفنا ماذا كان يريد أن يقول اللورد اللنبي متابعة مع خطة لويس التاسع بعد هزيمته في "المنصورة" حين دعا في وثيقة رسمية معروفة إلى بدء حرب الكلمة على المسلمين بعد فشل حرب السلام، وأن ما أشار إليه اللورد اللنبي إنما يعني نجاح هذه الخطة، فهذا قول خطير له أبعاده ومداه ولم يدرس بعد الدراسة الكافية.
فإذا ذكرنا كيف أن وزير خارجية بريطانيا (بترمان) تقدم عام 1907 بوثيقته المعروفة التي كانت خلاصة خبرة المفكرين والسياسيين من أجل دعم وحماية الاستعمار الغربي والتي تقول:
"لكي يظل الاستعمار قادراً في السيطرة على المسلمين والحيلولة دون توحدهم ونهوضهم، لابد من إقامة حاجز بشري معادِ للمسلمين في مكان ما بين أفريقيا وآسيا، على أن يكون هذا الحاجز من جنس غريب عنهم. ومن شأن هذا الحاجز أن يحول دون وحدة المسلمين".(/3)
وقد كان الجواب حاضراً؛ فقد تقدم اليهود وقالوا: "نحن الحاجز الغريب".
كل هذه الخطوط مجتمعة ترسم صورة وتخلق تحدياً وتكشف عن خلفيات لا توردها كثيراً كتب التاريخ التي بين أيدنا أو التي تُدرس في مدارسنا، ولكن هذه التحديات ذات دلالات خطيرة، ويجب أن تكون واضحة أمامنا ونحن نقرأ وندرس ونستوعب، وهي تعطينا فكرة واضحة وهي:
أن هناك تعصباً وحقداً وخصومة ورغبة في ألا يستعيد المسلمون حقهم ولا يستكملون إرادتهم.
مناهج تخريبية
(رابعاً) يجب أن تكون أمامنا نظرة واضحة لعلاقة الفكر الإسلامي مع الفكر الغربي:
الفكر الغربي يعمل في محاولة دائبة منذ بدأ الاستعمار من أجل "احتواء" الفكر الإسلامي والحيلولة دون سيطرته على المجتمع الإسلامي، ويبدو ذلك في عدة مواقع:
1- التعليم: وهو خاضع للمناهج الغربية وهو الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون.
2- الجهاد: جربت المحاولات لتأويله وإقصائه عن حياة المسلمين.
3- الشريعة الإسلامية: سواء في مجال القانون أو الاقتصاد، وقفت الحوائل دون تحقيقها.
4- اللغة العربية: جرت المحاولات المتصلة للهجوم عليها وانتقاصها؛ محاربةً للقرآن الكريم.
ثم جاءت الموجة التالية وتتمثل في الغزو الثقافي والتغريب:
1- محاولة السيطرة على البلاد الإسلامية بالنظم الديمقراطية والقومية والماركسية.
2- محاولة سيطرة مفاهيم النفس والاجتماع والأخلاق على أسلوب العيش الإسلامي.
وقد جاء هذا مرحلة تالية لسيطرة الصهيونية العالمية على الفكر الغربي سيطرة كاملة. فقد برز زعماء اليهود كمفكرين مسيطرين على جميع مجالات الفكر الغربي؛ حيث حولوا المفاهيم التلمودية اليهودية إلى نظريات حديثة لها طابع علمي زائف ولكنه براق.
وسيطر اليهود الأربعة: هرتزل وماركس وفرويد ودوركايم، وجاء بعدهم سارتر وهو يهودي الأم.
الأهداف:
1- تحويل الفكر البشري ناحية الطعام والمادة.
2- تدمير النفس الإنسانية عن طريق الجنس.
3- إعلاء العنصرية والقوميات والدماء.
4- تأكيد الانشطارية بين الروح والمادة مع إعلاء المادة.
وبرزت الفرويدية والماركسية ومدرسة العلوم الاجتماعية (دور كايم وليفي بريل) ومدارس مقارنات الأديان وعلم اللغة وعلم الأنتثروبولوجيا، وكلها علوم تستهدف إعلاء الفكر التلمودي الوثني المادي الإباحي وبعث تراث التلمود والغنوصية والفكر البابلي القديم.
أما بالنسبة للمسلمين فقد وقعوا تحت تأثير الاحتواء فترة ثم بدأوا يستفيقون، ونحن نرجو أن يكون "عصر التبعية" قد انتهى، وبدأ "عصر الترشيد"، ويمكن القول بأننا الآن في مرحلة الفهم والعلم والوعي بالخطر الذي يراد بنا ويجب علينا الانتقال بقوة وفوراً: إلى مرحلة الإرادة والتغيير.
كذلك يجب أن تكون نظرتنا إلى الغرب واقعية.
العالم الغربي الآن يمر بمرحلة "الأزمة" وبدور "النهاية"؛ فقد عجزت الحضارة عن أن تعطيه سكينة النفس أو طمأنينة القلب بعد أن فصل بين الروح والمادة، ومن ثم كانت أبرز مظاهر حياته الآن:
التمزق والضياع والعبث:
فهل المسلمون في حاجة إلى فتات الموائد وحثالات الأطباق !
البروتوكلات
(خامساً) إن الأخطار التي تواجهنا الآن هي بمثابة مؤسسات ظاهرة ومنظمات خفية، فلا نغفلن أبداً عن ذلك.
أمامنا: الماركسية والاستعمار والصهيونية مؤسسات ظاهرة، ولكن هناك منظمات خفية، هي الماسونية والروتاري والليونز.
وهناك أخطار فكر فرويد وساتر ودور كايم، تبدو واضحة الأثر في نفسيات الشباب وفي مفاهيمهم. وفي مفاهيم المرأة وقضاياها، وكلاهما تتمثل في أخطر قضيتين:
1- إيجاد الصراع بين الآباء والأبناء وتغذية روح الكراهية بينهما.
2- إثارة الشبهات حول قوامة الرجل على المرأة وخلق روح الكراهية بينهما.
وهما قضيتان بالغتا الخطورة، فيجب أن تدرسا بدقة وأن تعرف أبعادهما وخلفيات الخطر القائم وراءهما، وهو يتمثل في (بروتوكلات صهيون) وما كشفت عنه من هدف الاستيلاء على العالم وتدميره أخلاقياً قبل السيطرة عليه.
وبعد: فهذه خلفيات وأبعاد أرجو أن تكون في تقدير مثقفينا وهم يناقشون ويدرسون، وهي تحديات حقيقية؛ فإنها إذا ما استحضرت سوف تعطيهم فهماً أعمق وقدرة أوسع على الإحاطة بالأزمة وعلى إيجاد الحلو الناجعة.
لقد تبين تماماً أن التجربة التي قام بها المسلمون والعرب للنظم الغربية، سواء الليبرالية أو الماركسية، قد فشلت تماماً في تحقيق المطمح الأسمى لأمة القرآن، وبذلك أصبح الطريق أمامهم مفتوحاً نحو خط واحد لم يجربوه وهو خطهم الأصيل وهو ملاذهم الوحيد الذي لن يجدوا دونه محيصاً الذي صاحبهم أربعة عشر قرناً وحماهم وأكد وجودهم ودافع عنهم، وسيظل يحميهم من عاديات الزمن وأحداث الأيام ما استمسكوا به.
نقاط هامة
(سادساً) في التاريخ الإسلامي الحديث "نقاط" ما تزال في حاجة إلى توضيح وبيان:
وأبرزها العلاقة بين المسلمين والعرب، وبين الدولة العلمانية والعرب، وبين العروبة والإسلام في مواجهة دعوات القومية والعنصرية والإقليمية وغيرها.(/4)
أما السلطان عبد الحميد فقد رد إليه اعتباره الآن بعد أكثر من ستين عاماً كان فيها في نظر المؤرخين مستبداً وسلطاناً أحمر، مع أنه كان من أشرف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وملكهم في سبيل دفع جائحة الصهيونية العالمية عن السيطرة على فلسطين. ومذكرات هرتزل تثبت ذلك وتكشف عن مدى الدور الذي ظل خافياً عن العرب والمسلمين سنوات طويلة وإن كانت القضية ما زالت في حاجة إلى نصوص أوفى ووثائق أخرى لتحرير تاريخ السلطان تماماً من كل ما علق به.
أما الخلاف بين العرب والدولة العثمانية: فهو في الحقيقة خلاف مع الاتحاديين الذين حكموا من عام 1909 إلى عام 1918، وورثوا مصطفى كمال نظامهم التلمودي الماسوني الصهيوني، هؤلاء هم رجال "الاتحاد والترقي" الذين تشكلوا في أحضان المحافل الماسونية والذين عملوا لخدمة الصهيونية العالمية، فأسقطوا عبد الحميد ومهدوا لإلغاء الخلافة وسلموا طرابلس الغرب لإيطاليا، وفتحوا الطريق أمام اليهود إلى فلسطين وكانوا حاضرين في ضمير اللورد اللنبي عندما قال بعدد سيطرة الإنجليز على القدس: "الآن انتهت الحروب الصليبية".
ثم جاءت المؤرخة اليهودية فقالت: "إن وصول الإنجليز إلى القدس عام 1917 كان يعني أنها صبحت في قبضة اليهود، وقد تم ذلك فعلاً عام 1967 ...".
فالخلاف إنما كان مع الاتحاديين وليس مع الدولة العثمانية نفسها.
ومن هنا يجري الحديث عن القوميات وعن تمزق "وحدة العالم الإسلامي" إلى كيانات بادئة بالطورانية في تركيا ومقابلها القومية العربية ..
وما اتصل بعد ذلك بمفاهيم الغرب وبسيطرة النظرية الغربية في القوميات على النحو الذي عرف في كثير من الدراسات، وقد فشلت هذه المفاهيم تماماً في ضوء الوحدة الإسلامية التي تبين أنها الطريق الصحيح والأوحد وذلك بعد التجربة المريرة وبعد هزيمة 1967.
هذه مجموعة من الحقائق لا أعتقد باحثاً أو مثقفاً يستطيع أن يستغني عنها في مواجهة قراءاته ودراساته سواء في تاريخ الإسلام أو التاريخ الحديث. وفي مواجهة الاستعمار والمذاهب السياسية والنظريات العربية بشطريها، ولهذه الأضواء الكاشفة والنقاط السريعة تفصيل واسع وأبعاد هامة يجب أن تتابع، ومن هذه الخيوط المجمعة الآن في كلمة واحدة نستطيع أن نستكشف الآفاق البعيدة ونعرف الخلفيات الظاهرة والخفية ونتابع الأحداث والأخبار في وضوح وفهم.
وهذا ما أعددته وأردت أن أقوله لشبابنا المثقف حين دُعيت لإلقاء كلمة في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.
أنور الجندي(/5)
(7)
تحديات في وجه المجتمع الإسلامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد؛ فمنذ كانت البشرية والفكر الرباني في صراع مع الفكر البشري وعلى مدى التاريخ ولما جاء القرآن نسف هذا الفكر كله وصيره ركاماً وكشف زيفه وضلاله وفساده ودعا البشرية من جديد إلى التوحيد بوصفه المنطلق الوحيد إلى إقامة المجتمع الرباني الأمثل. فهزم الإسلام العبودية البشرية في حضارات اليونان والفرس والهند والفراعنة وأقام حرية الإنسان متطلعاً إلى الإخاء البشري وجعل عبوديته لربه وحده دون الخلق جميعاً .. ثم هزم العبودية الوثنية لغير الله وحرر العقل البشري وأطلقه ليجد طريقه إلى معرفة سنن الله في الكون، ومن هذه النقطة أنشأ المسلمون المنهج التجريبي الذي هو قاعدة الحضارة المعاصرة.
غير أن محاولات الهدم لم تتوقف وتجددت مرة أخرى وأخذت تصوغ من ذلك الركام القديم مذاهب جديدة عرفت في العصور السابقة بأسماء كثيرة منها الغنوصية والتناسخ والدهرية وإخوان الصفا والسبئية والحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وظهرت فرق متعددة تحمل لواء هذه الدعوات.
ولقد واجه علماء المسلمين الأبرار هذه المذاهب الهدامة بقوة وحطمت أعمال الشافعي وابن حنبل والأشعري والغزالي ثم ابن تيمية وابن القيم هذه الأعمال الزائفة التي كان لهما زخرف ولمعان يخطف الأبصار الساذجة.
حتى جاء عصرنا فتجددت هذه الدعوات مرة أخرى عن طريق القوى الثلاث التي تواجه عالم الإسلام اليوم: الاستعمار والصهيونية والماركسية والتي تحمل لواءها دعوات: التبشير والاستشراق والتغريب والغزو الثقافي. ومنذ جاء الاستعمار وهو يعمل على هدم ثلاث قيم أساسية:
التعليم – الشريعة – اللغة.
وهي التحديات الحقيقية التي تواجه مجتمعنا اليوم وما زالت قائمة بالرغم من التحرر السياسي والعسكري الذي قضى على النفوذ الاستعماري. ذلك أن الاستعمار كان يعد قبل خروجه محاولة لبقائه واستمراره تمثل في هذا السلطان الفكري والاجتماعي الذي مازال يحول بيننا وبين امتلاك إرادتنا الحقة. ومن هنا فإننا مطالبون أن نواجه هذا المخطط بقوة ليس على مستوى المفكرين المسلمين فحسب؛ بل على مستوى كافة المسلمين.
ومنطلق هذه المواجهة هي أن نعرف خلفيات ما يُعرض لنا مما هو مكتوب ومذاع ومنشور. سواء أكان صحيفة أو كتاباً، أو مسرحية أو فلماً سينمائياً. ذلك هو العمل الحقيقي الذي يمكننا من معرفة الأصالة من الزيف، والحق من الباطل، والخير من الشر.
ولذلك فقد أردت أن أطلق اسم "قبل أن تقرأ" عليك أن تكون واعياً لمِا تقرأ: مَن الذي يقدمه لك، ما مدى سلامته، ما مدى صلته بأمتنا وديننا وعقيدتنا، إننا يجب ألا نضع ثقتنا إلا في الفكر الأصيل. إن هناك اليوم قوى كثيرة تطرح فكرها وتنفث سمومها، وشبابنا في حاجة إلى ضوء كاشف يهديه، إنه ينظر فيرى هذه الكتب مكدسة في كل مكان، مترجمة أو مؤلفة، كُتابها مسلمون أو عرب أو أجانب فيقرؤها دون أن يلتفت إلى الغاية أو الخلفية ويظن أن كل ما يقرأ صحيح أو حق، فيأخذ به، وهذا هو مصدر الخطر.
لذلك أردت أن ألقي بعض الأضواء الكاشفة حتى لا تنخدع بالأسماء اللامعة أو الكتب الأنيقة أو العبارات الخلابة، لقد دخل إلى فكرنا زيف كثير، وفُرضت مسلمات كثيرة، في حاجة إلى أن نعيد النظر فيها.
نحن نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال، وهذا الحكم قانون يضئ لنا الطريق.
إن علينا أن نعرف أن أمتنا تقع في مكان الصدارة من العالم كله، ولذلك فهي مطمع الغزاة من قديم، ونحن نعيش الآن الغزوة الصهيونية بعد غزوة الاستعمار الفرنسي الإنجليزي الإيطالي الهولندي.
ومن قبل جاءت موجة الحروب الصليبية وحروب الفرنجة.
كل هذا يقنعنا بصدق الوصية التي دعانا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "ستفتح عليكم بعدي مصر فاتخذوا منها جنداً كثيفاً؛ فإنهم خير أجناد الأرض، وهم في رباط إلى يوم القيامة".
وهكذا نرى من عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة" وأن المواجهة لن تتوقف بين أهل الإسلام وبين خصومه أبداً، وان علينا أن نكون مرابطين إلى يوم القيامة ندافع عن أرضنا وقيمنا وعقيدتنا.
ولقد خدعنا الاستعمار حين دعانا إلى مناهجه وهجر مناهجنا حين حجب الشريعة الإسلامية والتربية الإسلامية واللغة العربية، ودعانا إلى مفاهيمه وخدعنا رجاله ورجال مِنا أمثال طه حسين وغيره، حين قالوا لنا أن أسلوب الغرب هو الأسلوب القادر على إعطاء صفة التقدم.
وكذبوا؛ فإن الغرب لم يكن ليسيطر على بلادنا ويدعو إلى تغريب فكرنا ثم يسمح لنا بأن نصل إلى وسائل التقدم وامتلاك الإرادة.(/1)
لقد خدعنا بأسلوب الغرب في الحكم والتربية والاجتماع وجرينا وراء التجربة الغربية حتى نهايتها التي كانت سقوط فلسطين في يد الصهيونية، ثم جرينا وراء التجربة الماركسية حتى كانت نهايتها سقوط القدس في يد الصهيونية وتعرية المجتمع العربي تعرية كاملة، حتى تعرف أن الهزيمة والنكبة والنكسة التي توالت منذ 1948 حتى 1967 إنما كان مصدرها التماس أسلوب الغرب وحجب أسلوب الإسلام.
وعندما حطمنا هذا القيد والتمسنا أسلوب الإسلام لمن تمضِ إلا سنوات قليلة حتى كان نصر رمضان المؤزر الباذخ الذي هو علامة على الطريق الجديد الذي يجب أن يسلكه المسلمون والعرب: طريق الأصالة، طريق الجهاد والقوة، طريقة الشريعة الإسلامية والتربية الإسلامية، طريق (الله أكبر)، ذلك السلام الكوني الذي تدرسه الآن الأكاديميات العسكرية؛ لترى أنه كان أشد خطراً من القنبلة الذرية والهيدروجينية معاً.
لقد اعتدل الطريق بنا وكان حقاً علينا أن نحطم قيود التغريب والغزو الثقافي التي تتكاتف الآن؛ محاولة أن تردنا مرة أخرى إلى الاحتواء والسيطرة.
يجب أن نقف موقف الحذر من كل ما تقليه إلينا هذه المصادر الغربية الوافدة، ولقد واجه المسلمون مثل هذه التجربة وانتصروا فيها وعلينا نحن أيضاً أن ننتصر. نحن المسلمين، لا يمكن أن تؤكل ولا أن تحتوينا المذاهب، إن مذهبنا هو مذهب القرآن الجامع الذي لا يحرف، ليس هو مذهب الفلسفة ولا العقلانية الخالصة، ولا الجبرية الصوفية ولا الحدس الوجداني، كل ذلك ركام باطل جددته الباطنية والمجوسية والشعوبية، وأعادت صياغته من جديد لتضرب به مفهوم التوحيد الخالص.
إن أخطر ما يتحدى المثقف المسلم هو النظرة الجزئية، أو الرؤية المحدودة، التي تقف عند حادث من الأحداث، أو خبر من الأخبار، أو موقف من المواقف، فتنظر إليه وتحاول أن تحلله أو تحكم عليه دون أن تبحث عن خلفياته أو أبعاده أو أرضيته، ومن هنا تكون تلك النظرة ناقصة، أو جزئية أو غائمة، وليس كذلك يفعل الناصحون الذين رباهم القرآن وعلمهم الإسلام، وإنما تكون النظرة فاحصة ويكون الحكم سليماً إذا ما استوفى شرائط التقدير والبحث عما يتصل بالحدث أو الخبر أو الموقف مِما سبق في الزمن، ومِما جرى وأوشك أن يغيب وراء الأفق؛ ذلك لأن الأمور لا تجري منفصلة عن سوابقها ولواحقها، خاصة فيما يتعلق بتحديات الغزو الفكري والتغريب.
أضواء كاشفة لأبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب
وهذه أضواء كاشفة وخيوط عامة لنا جميعاً، ولكننا ننظر إليها مع الأسف مفرقة وموزعة، ولا نستحضرها عند النظر أو البحث في حادث ما أو خبر ما أو موقف ما، ولذلك يفقد الأمر خطره، ولقد عرف خصومنا فينا هذه النظرة الجزئية فباعدوا بين الأحداث اعتماداً على أننا لن نربطها بعضها ببعض أو ننظر إليها نظرة كلية، هذه الجزئيات المبعثرة للنظر السريع هي في حقيقتها عناصر كاملة لخطة عامة وخطيرة، فلننظر.
ثلاث قوى
(أولاً): هناك ثلاث قوى لها أثرها البعيد في أزمة المسلمين:
"التعليم – الثقافة – الصحافة".
وما تزال مؤسسات التبشير والاستشراق تعمل من خلالها.
وهناك خطة واضحة للغزو الفكري وخطة للتغريب وخطة للشعوبية.
وهناك أساليب متعددة لإثارة الشبهات حول الإسلام: (القرآن – الرسول – تاريخ الإسلام).
وهناك دعوة إلى إخراج المسلمين من "ذاتيتهم" باسم "المعاصرة". ودعوة إلى إخراج المسلمين من "قيمهم" باسم "التحرر". فيجب ألا تخدعنا الأسماء البراقة فنسلم بكل ما تقول؛ لأن في ما تقوله زيفاً كثيراً وحقاً قليلاً. ويجب ألا نخاف عبارات الرجعية والجمود والتخلف؛ فنها كلمات فقدت معناها وهي تطلق دائماً على أهل الأصالة والحق.
علينا ألا تخدعنا الأسماء البراقة؛ لأنها ليست أصيلة، ولا نصد عن الأسماء الزائفة؛ لأن الدعوى المُدعاة لها ليست صحيحة.
نحن طلاب (أصالة) تكون منا بمثابة (الإطار الثابت) والحجاب الحاجز نتحرك من داخله إلى المعاصرة والتقدم والتحرر.
إن قيمنا القرآنية الإسلامية الربانية هي الأعمدة الثابتة التي يقوم عليها البناء، ثبات في الأسس وحركة من فوقه أو من حوله. ثبات (القطب) وحركة كحركة الأرض حول محورها.
إن كل المؤامرات قد أثبتت حقيقة واحدة: أن الإسلام هو الهدف الذي تعمل القوى الخفية لضربه: (الصهيونية والليبرالية والماركسية).
الهدف: هو أن يظل الإسلام بعيداً عن دائرة العمل والتنفيذ وألا يمتلك المسلمون إرادتهم القادرة على الانتقال من الدائرة الضيقة التي حبسهم فيها الغزو الثقافي والتغريب إلى الدائرة المرنة التي أنشأها لهم الإسلام.
إن هدفنا اليوم هو تحطيم هذه الدائرة الضيقة والتماس دائرتنا ومنهاجنا ومصادرنا ومنابعنا الثرة الخالدة.
والأمل هو أن يعرف المسلمون أنه ليس ثمة طريق آخر.(/2)
لقد جربوا: مختلف الأساليب والسبل والمناهج التي راوحت بينهم وبين الفكر الغربي والفكر الماركسي: ودخلوا البوتقة وفشلت التجربة وتأكد لهم بعد سبعين عاماً وهم تائهون بين الشرق والغرب، حائرون بين الأيدلوجيات الوافدة – أنه لا سبيل لهم غير منهجهم الأصيل. لقد عجزت هذه المذاهب والمناهج جميعاً أن تعطيهم التقدم أو التحرر أو امتلاك الإرادة وأعطتهم بدلاً من ذلك: الهزيمة والنكسة والنكبة، وعرضتهم للفناء، ومن ثم تبينوا أنه ليس غير الإسلام "سبيل ونصير ونور".
حقائق
(ثانياً) إن بين أيدينا حقائق طازجة يجب أن تكون موضع نظركن وتقديركم وأنتم بسبيل دراساتكم:
أولى هذه الحقائق ما أعلن منذ وقت قصير من "إلغاء" الاستشراق. فقد اجتمع المستشرقون في مؤتمرهم السنوي بعد أكثر من سبعين عاماً ليعلنوا انهم قد ألغوا الاستشراق وإن الاجتماعات القادمة ستكون تحت اسم "مؤتمر العلوم الإنسانية".
ومعنى هذا في نظر أصحاب اليقظة: أن الاستشراق يغير جلده، كما سبق أن غير التبشير جلده، الهدف واحد والأساليب تتغير مع الأزمة والظروف، وإذا كانت سمعة الاستشراق قد ساءت فإن على أهله أن يغيروا أسلوبهم وإن لم يغيروا هدفهم.
ونحن نذكر الآن: كيف يتحرك "الاستشراق اليهودي" بعد أن تقدم للسيطرة خلفاً أو شريكاً للاستشراق الغربي المسيحي، وتعرف المخططات التي يقوم بها في سبيل "احتواء" الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي.
ومن ذلك ما نجده من بروز أسماء لامعة خطيرة في مجالاته المتعددة:
"جولد زيهر" في الشريعة الإسلامية.
"مرجليوث" في التاريخ الإسلامي.
"برنارد لويس" في مفاهيم الأمم والقوميات؛ مستهدفاً إيجاد صراع بين العروبة والإسلام.
وفي العام الماضي أنعمت (إسرائيل) على "برنار لويس" بلقب الدكتوراه؛ تحية له عن محاولاته لهدم المفاهيم العربية الإسلامية.
وعلينا أن نذكر في هذا المجال أن معظم كراسي الأدب العربي والدراسات الإسلامية في أغلب جامعا تالغرب يسيطر عليها مستشرقون يهود.
ويتصل بهذا محاولات السيطرة على دوائر المعارف العالمية، وخاصة دائرة المعارف الإسلامية، والسموم التي حملتها مادة "عرب" ومادة "إبراهيم" ومادة "إسماعيل"؛ في محاولة لتزييف الروابط الأساسية بين سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل وبين سيدنا إسحق، وفصل إسماعيل عن ميراث إبراهيم لجعله كله في نسل إسحاق.
وتلك مؤامرة ضخمة في حاجة إلى عناية شديدة.
كذلك فإن الأمر يتصل بمؤامرات تحريف التاريخ الإسلامي، وفي مقدمتها (مؤتمر بلتيمور) الذي عقد عام 1948 والذي حضره لفيف منقادة الصهيونية، وفي مقدمتهم بن جوريون؛ لوضع خطة تستهدف تنظيم ومضاعفة عمليات تزييف تاريخ العرب وإخراج دراسات جديدة تحمل الشبهات التي تتصل بمؤامرة القرامطة والزنج والباطنية، وإعادة طرح أفكارها وتاريخها في أفق الفكر الإسلامي بوصفها حركات تهدف إلى العدالة الاجتماعية. وقد ظهرت مؤلفات كثيرة بعد ذلك المؤتمر تحاول أن تطبق ما استهدفته هذه التوصيات.
ويتصل بهذا مؤتمر البهائيين العالمي الذي عقد في القدس المحتلة عام 1968 وما كشف عنه من صلة جذرية بين تاريخ البهائية وبين الحركة الصهيونية. كل هذا يجب أن نكون على وعي به ونحن نقرأ وندرس ونتابع.
دلالات خطيرة
(ثالثاً) يجب أن يكون أمامنا ونحن نطالع تاريخ المسلمين والإسلام في العصر الحديث عدة حقائق من شأنها أن تشكل قاعدة أساسية للبحث:
هذه الحقائق لا توردها كتب التاريخ التي بين أيدينا إلا لماماً، وربما أوردت ما يخالفها من شبهات ظلت تتردد حتى أصبحت في منزلة المسلمات.
أولى هذه الحقائق ما طرحه (غلادستون) رئيس وزراء بريطانيا على مجلس العموم البريطاني عام 1883 حين حمل المصحف وقال: "مادام هذا الكتاب باقياً في الأرض فلا أمل لنا في إخضاع المسلمين، بل ونحن على خطر في أوطاننا".
وعلينا أن نفهم معنى هذا ومداه.
يُضاف إلى هذا قول اللورد اللنبي حين دخل القدس عام 1917 حين قال:
"اليوم انتهت الحروب الصليبية".
فإذا ذكرنا أن الحروب الصليبية كانت قد انتهت قبل ثمانمائة عام، عرفنا ماذا كان يريد أن يقول اللورد اللنبي متابعة مع خطة لويس التاسع بعد هزيمته في "المنصورة" حين دعا في وثيقة رسمية معروفة إلى بدء حرب الكلمة على المسلمين بعد فشل حرب السلام، وأن ما أشار إليه اللورد اللنبي إنما يعني نجاح هذه الخطة، فهذا قول خطير له أبعاده ومداه ولم يدرس بعد الدراسة الكافية.
فإذا ذكرنا كيف أن وزير خارجية بريطانيا (بترمان) تقدم عام 1907 بوثيقته المعروفة التي كانت خلاصة خبرة المفكرين والسياسيين من أجل دعم وحماية الاستعمار الغربي والتي تقول:
"لكي يظل الاستعمار قادراً في السيطرة على المسلمين والحيلولة دون توحدهم ونهوضهم، لابد من إقامة حاجز بشري معادِ للمسلمين في مكان ما بين أفريقيا وآسيا، على أن يكون هذا الحاجز من جنس غريب عنهم. ومن شأن هذا الحاجز أن يحول دون وحدة المسلمين".(/3)
وقد كان الجواب حاضراً؛ فقد تقدم اليهود وقالوا: "نحن الحاجز الغريب".
كل هذه الخطوط مجتمعة ترسم صورة وتخلق تحدياً وتكشف عن خلفيات لا توردها كثيراً كتب التاريخ التي بين أيدنا أو التي تُدرس في مدارسنا، ولكن هذه التحديات ذات دلالات خطيرة، ويجب أن تكون واضحة أمامنا ونحن نقرأ وندرس ونستوعب، وهي تعطينا فكرة واضحة وهي:
أن هناك تعصباً وحقداً وخصومة ورغبة في ألا يستعيد المسلمون حقهم ولا يستكملون إرادتهم.
مناهج تخريبية
(رابعاً) يجب أن تكون أمامنا نظرة واضحة لعلاقة الفكر الإسلامي مع الفكر الغربي:
الفكر الغربي يعمل في محاولة دائبة منذ بدأ الاستعمار من أجل "احتواء" الفكر الإسلامي والحيلولة دون سيطرته على المجتمع الإسلامي، ويبدو ذلك في عدة مواقع:
1- التعليم: وهو خاضع للمناهج الغربية وهو الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون.
2- الجهاد: جربت المحاولات لتأويله وإقصائه عن حياة المسلمين.
3- الشريعة الإسلامية: سواء في مجال القانون أو الاقتصاد، وقفت الحوائل دون تحقيقها.
4- اللغة العربية: جرت المحاولات المتصلة للهجوم عليها وانتقاصها؛ محاربةً للقرآن الكريم.
ثم جاءت الموجة التالية وتتمثل في الغزو الثقافي والتغريب:
1- محاولة السيطرة على البلاد الإسلامية بالنظم الديمقراطية والقومية والماركسية.
2- محاولة سيطرة مفاهيم النفس والاجتماع والأخلاق على أسلوب العيش الإسلامي.
وقد جاء هذا مرحلة تالية لسيطرة الصهيونية العالمية على الفكر الغربي سيطرة كاملة. فقد برز زعماء اليهود كمفكرين مسيطرين على جميع مجالات الفكر الغربي؛ حيث حولوا المفاهيم التلمودية اليهودية إلى نظريات حديثة لها طابع علمي زائف ولكنه براق.
وسيطر اليهود الأربعة: هرتزل وماركس وفرويد ودوركايم، وجاء بعدهم سارتر وهو يهودي الأم.
الأهداف:
1- تحويل الفكر البشري ناحية الطعام والمادة.
2- تدمير النفس الإنسانية عن طريق الجنس.
3- إعلاء العنصرية والقوميات والدماء.
4- تأكيد الانشطارية بين الروح والمادة مع إعلاء المادة.
وبرزت الفرويدية والماركسية ومدرسة العلوم الاجتماعية (دور كايم وليفي بريل) ومدارس مقارنات الأديان وعلم اللغة وعلم الأنتثروبولوجيا، وكلها علوم تستهدف إعلاء الفكر التلمودي الوثني المادي الإباحي وبعث تراث التلمود والغنوصية والفكر البابلي القديم.
أما بالنسبة للمسلمين فقد وقعوا تحت تأثير الاحتواء فترة ثم بدأوا يستفيقون، ونحن نرجو أن يكون "عصر التبعية" قد انتهى، وبدأ "عصر الترشيد"، ويمكن القول بأننا الآن في مرحلة الفهم والعلم والوعي بالخطر الذي يراد بنا ويجب علينا الانتقال بقوة وفوراً: إلى مرحلة الإرادة والتغيير.
كذلك يجب أن تكون نظرتنا إلى الغرب واقعية.
العالم الغربي الآن يمر بمرحلة "الأزمة" وبدور "النهاية"؛ فقد عجزت الحضارة عن أن تعطيه سكينة النفس أو طمأنينة القلب بعد أن فصل بين الروح والمادة، ومن ثم كانت أبرز مظاهر حياته الآن:
التمزق والضياع والعبث:
فهل المسلمون في حاجة إلى فتات الموائد وحثالات الأطباق !
البروتوكلات
(خامساً) إن الأخطار التي تواجهنا الآن هي بمثابة مؤسسات ظاهرة ومنظمات خفية، فلا نغفلن أبداً عن ذلك.
أمامنا: الماركسية والاستعمار والصهيونية مؤسسات ظاهرة، ولكن هناك منظمات خفية، هي الماسونية والروتاري والليونز.
وهناك أخطار فكر فرويد وساتر ودور كايم، تبدو واضحة الأثر في نفسيات الشباب وفي مفاهيمهم. وفي مفاهيم المرأة وقضاياها، وكلاهما تتمثل في أخطر قضيتين:
1- إيجاد الصراع بين الآباء والأبناء وتغذية روح الكراهية بينهما.
2- إثارة الشبهات حول قوامة الرجل على المرأة وخلق روح الكراهية بينهما.
وهما قضيتان بالغتا الخطورة، فيجب أن تدرسا بدقة وأن تعرف أبعادهما وخلفيات الخطر القائم وراءهما، وهو يتمثل في (بروتوكلات صهيون) وما كشفت عنه من هدف الاستيلاء على العالم وتدميره أخلاقياً قبل السيطرة عليه.
وبعد: فهذه خلفيات وأبعاد أرجو أن تكون في تقدير مثقفينا وهم يناقشون ويدرسون، وهي تحديات حقيقية؛ فإنها إذا ما استحضرت سوف تعطيهم فهماً أعمق وقدرة أوسع على الإحاطة بالأزمة وعلى إيجاد الحلو الناجعة.
لقد تبين تماماً أن التجربة التي قام بها المسلمون والعرب للنظم الغربية، سواء الليبرالية أو الماركسية، قد فشلت تماماً في تحقيق المطمح الأسمى لأمة القرآن، وبذلك أصبح الطريق أمامهم مفتوحاً نحو خط واحد لم يجربوه وهو خطهم الأصيل وهو ملاذهم الوحيد الذي لن يجدوا دونه محيصاً الذي صاحبهم أربعة عشر قرناً وحماهم وأكد وجودهم ودافع عنهم، وسيظل يحميهم من عاديات الزمن وأحداث الأيام ما استمسكوا به.
نقاط هامة
(سادساً) في التاريخ الإسلامي الحديث "نقاط" ما تزال في حاجة إلى توضيح وبيان:
وأبرزها العلاقة بين المسلمين والعرب، وبين الدولة العلمانية والعرب، وبين العروبة والإسلام في مواجهة دعوات القومية والعنصرية والإقليمية وغيرها.(/4)
أما السلطان عبد الحميد فقد رد إليه اعتباره الآن بعد أكثر من ستين عاماً كان فيها في نظر المؤرخين مستبداً وسلطاناً أحمر، مع أنه كان من أشرف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وملكهم في سبيل دفع جائحة الصهيونية العالمية عن السيطرة على فلسطين. ومذكرات هرتزل تثبت ذلك وتكشف عن مدى الدور الذي ظل خافياً عن العرب والمسلمين سنوات طويلة وإن كانت القضية ما زالت في حاجة إلى نصوص أوفى ووثائق أخرى لتحرير تاريخ السلطان تماماً من كل ما علق به.
أما الخلاف بين العرب والدولة العثمانية: فهو في الحقيقة خلاف مع الاتحاديين الذين حكموا من عام 1909 إلى عام 1918، وورثوا مصطفى كمال نظامهم التلمودي الماسوني الصهيوني، هؤلاء هم رجال "الاتحاد والترقي" الذين تشكلوا في أحضان المحافل الماسونية والذين عملوا لخدمة الصهيونية العالمية، فأسقطوا عبد الحميد ومهدوا لإلغاء الخلافة وسلموا طرابلس الغرب لإيطاليا، وفتحوا الطريق أمام اليهود إلى فلسطين وكانوا حاضرين في ضمير اللورد اللنبي عندما قال بعدد سيطرة الإنجليز على القدس: "الآن انتهت الحروب الصليبية".
ثم جاءت المؤرخة اليهودية فقالت: "إن وصول الإنجليز إلى القدس عام 1917 كان يعني أنها صبحت في قبضة اليهود، وقد تم ذلك فعلاً عام 1967 ...".
فالخلاف إنما كان مع الاتحاديين وليس مع الدولة العثمانية نفسها.
ومن هنا يجري الحديث عن القوميات وعن تمزق "وحدة العالم الإسلامي" إلى كيانات بادئة بالطورانية في تركيا ومقابلها القومية العربية ..
وما اتصل بعد ذلك بمفاهيم الغرب وبسيطرة النظرية الغربية في القوميات على النحو الذي عرف في كثير من الدراسات، وقد فشلت هذه المفاهيم تماماً في ضوء الوحدة الإسلامية التي تبين أنها الطريق الصحيح والأوحد وذلك بعد التجربة المريرة وبعد هزيمة 1967.
هذه مجموعة من الحقائق لا أعتقد باحثاً أو مثقفاً يستطيع أن يستغني عنها في مواجهة قراءاته ودراساته سواء في تاريخ الإسلام أو التاريخ الحديث. وفي مواجهة الاستعمار والمذاهب السياسية والنظريات العربية بشطريها، ولهذه الأضواء الكاشفة والنقاط السريعة تفصيل واسع وأبعاد هامة يجب أن تتابع، ومن هذه الخيوط المجمعة الآن في كلمة واحدة نستطيع أن نستكشف الآفاق البعيدة ونعرف الخلفيات الظاهرة والخفية ونتابع الأحداث والأخبار في وضوح وفهم.
وهذا ما أعددته وأردت أن أقوله لشبابنا المثقف حين دُعيت لإلقاء كلمة في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.
أنور الجندي(/5)
تحديث الخطاب الديني
والأخطار المحدقة بذاتية الحضارة الإسلامية
إذا كانت العودة إلى ذاتية الإسلام هي شرط عودته كما بشرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الحرب الاستباقية الثقافية ضده – وقد أدركت بحسها الحضاري صدق هذا الشرط - بادرت من جهتها إلى محاولة تدمير هذه الذاتية قبل أن تأتيها فرصة العودة
وقد بدأت هذه المحاولات منذ أكثر من قرن في تقرير علمانية الدولة واقعا وثقافة ، ومن حلقاتها الأخيرة تجريم الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ،أو الجهاد ، وتزوير الفتاوى حول الربا ، وأو ضاع الأسرة والمرأة ، إلخ .. ، ومن حلقاتها الخطيرة تدمير ذاتية التعليم بالأزهر ، ومن آخرها كشف" سوأة الاختلاط " بين الجنسين بجامعته ، وإذا سألت قيل لك نحن لا " يلخبطنا " أحد !!
ومن آخر هذه الحلقات ، ما يسمى " تجديد الخطاب الديني بالمساجد "
وتفنيدا لهذه الأطروحة نعتز ونكتفي هنا بما يقوله الدكتور رفيق حبيب في حديث له بمجلة آفاق عربية بتاريخ 1\10\2003 لا فض فوه : ( إن التجديد عملية ابتكارية، مبنية علي ملاحظات تتحسس التغيرات التي طرأت علي الحياة ، ومن ثم نشرع في التعامل مع هذه المتغيرات بالتغيير الفكري والفقهي والسياسي.
ولكن ما هي شروط التجديد? أولا : إنها عملية تنتمي للأصول، لأن التجديد أصالة. ثانيًا: أنها تنبع من احتياجاتك الواقعية، حتى يتسنى لك أن تعالج مشكلاتك الحقيقية
أما ما يحدث الآن فهو تجديد للخطاب الديني ولكن علي مسطرة العصر، فهناك شروط ومعايير تسمي العصر، والمطلوب أن يكون خطابك الديني والسياسي متوافقًا مع هذا العصر
وبالطبع يجب أن ننتبه إلي أن العصر ليس هو الزمن بمعناه العام، إنما هو الأفكار الغربية.
ولذلك صار التجديد في جوهره هو تحقيق تواؤم مع أفكار أخري غريبة علينا، وهذا ليس تجديدًا، إنما افتراق، لأنه عندما يطلب مني أن أجدد خطابي الديني لكي يتوافق مع الديمقراطية، فهذه موافقة علي الديمقراطية أن تكون القيمة الأعلى
ومعروف أن سبب هذا الأمر هو شعور الأمريكان بأن هناك أمرًا خارج السيطرة، وأن فكرة الجهاد ضد أمريكا لن تزول بالقضاء علي بن لادن ، وتنظيم القاعدة ، فالفكرة قابلة أن توجد مرة أخري ، وبالتالي اتجهوا إلي التحليل الثقافي حيث وجدوا أن قرآننا وإنجيلنا أسباب تؤدي إلي ذلك، لذا وجب أن يزالوا
وهذا أمر وصلوا فيه إلي حد البوح به من شدة الغطرسة والفجور.
وهو الأمر الذي انعكس علي بعض نخبنا المهزومة فصارت تردد: "يجب أن نجدد خطابنا الديني قبل أن نجبر علي تجديده »، بمعني آخر " يجب أن نستعمر قبل أن نجبر علي الاستعمار " وندخل فيه كرهًا.. فهل هذا يعقل )
هكذا منطق التجديد الديني " الإسلامي " الأمريكاني : يجب أن نضل قبل أن نجبر على الضلال ، يجب أن نذل قبل أن نجبر على الذل ، يجب أن نزول قبل أن نجبر على الزوال !!!
لا فض فوك يا دكتور رفيق
إنهم في زعم التجديد في حلقتهم الأخيرة : يواصلون تدمير الذاتية الإسلامية قبل أن تأتيها فرصة العودة إلى قمة العالم
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله زوي لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها و إن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" رواة الامام مسلم
نعمم ولكن بالذاتية يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ) رواه مسلم في صحيحه .
وفي مسند الإمام أحمد بسنده عن عبد الرحمن بن سنة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :(بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء . قيل يا رسول الله : ومن الغرباء؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس )
صميم المعركة المحتدمة الآن هو في الدائرة الأولى لصنع ذات الإنسان المسلم ؛ في الفكر والثقافة ؛ في المسجد والجامعة ، في البيت والشارع ، في الأسرة والدولة : صنع الذات ، تلك الدائرة التي توشك أن تنهار.
لقد تهاوت بالفعل دوائر خارجية ، تم صناعتها وتهاويها تاريخيا ، دائرة بعد الأخرى .تهاوت دائرة الدعوة بالجهاد . وتهاوت دائرة الدولة الإسلامية . وتهاوت دائرة التشريع .وبقي قلب البناء : الدائرة الثقافية الذاتية . يقول محمد إقبال :
كل من أهمل ذاتيته . فهو أولى الناس طرا بالفنا
لن يرى في الدهر شخصيته . كل من قلد عيش الغربا
تلك هي الدائرة التي توشك أن تنهار ، ولكنها توشك بعد ذلك أن تعود(/1)
صميم المعركة الدائرة الآن ليس في ظواهرها السياسية أو العسكرية ، ولكنه في أعماق مشكلة الذات الثقافية هنا لم يتركنا الله ورسوله حيارى أمام الحل المطلوب . وهو حل ثقافي في المقام الأول ، وبخاصة بعد أن ذابت قلاع المقاومة المتقدمة . إنه حل المحافظة على الذات. حل المحافظة على التميز . حل المحافظة على الخصوصية . حل الغربة .( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ) . ببساطة لكي نكون ((نحن )) . ولكي نتهيأ لنصر موعود ؛ ليس لغير الذات الإسلامية . ولكي نقدم للعالم شيئا غير ما هو فيه مما بدت عوراته ، وانحلت قوائمه ، وأصبح على شفا جرف هار من انهيار مرصود .
ولقد أطلت مشكلة الذاتية منذ وقت مبكر ولقد عني الإسلام بتأكيد هذه الذاتية
في صحيح مسلم بسنده عَنْ إِسْحَقَ (وَهُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ) أَنّ أَبَا قَتَادَةَ حَدّثَ ، قَالَ : ( كُنّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنّا. وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ . فَحَدّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئٍذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلّهُ» قَالَ أَوْ قَالَ : «الْحَيَاءُ كُلّهُ خَيْرٌ» فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ : إِنّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارا لله ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ ، قَالَ : فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتّى احْمَرّتَا عَيْنَاهُ . وَقَالَ : أَلاَ أُرَانِي أُحَدّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُعَارِضُ فِيهِ ؟ قَالَ فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ . قَالَ فَأَعَادَ بُشَيْرٌ . فَغَضِبَ عِمْرَانُ . قَالَ : فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ : إِنّهُ مِنّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.)
أقول : ولعله اختلط عليه الحياء والخجل . ومع ذلك فمن الحق أن نرصد هنا شاهدا مبكرا جدا على بداية ظهور مشكلة الذاتية إذ أخذت تطل برأسها فعند الأول نجد نقاءها المطلق ، وعند الثاني نجد بداية التحول نحو التفاعل مع الآخر دون أن تظهر – بعد – جدية هذا التهديد ، وما ذاك إلا لأن الذاتية هي في مرحلتها القصوى من النقاء والصدق والإيمان .
ولكي نتعرف على ذاتية الوجود الإسلامي يجب أن نقرر مبدئيا أن الإسلام نسق عضوي متكامل . والنسق العضوي لا يقبل التفكيك . تماما كما هو الحال في أي كيان متكامل . كنظام الذرة . والخلية .. والفلك . والكائنات العضوية الحية
وإذا قبلنا تفكيك نسق ما فإن هذا يعني أننا قبلنا تدميره : للقضاء عليه يقينا ، ولحساب غيره غالبا . الأنساق لا تفكك ، وإذا فككت دمرت .
وإن بعض المفكرين في الدائرة الإسلامية - في القرن العشرين بالذات – قاموا ومازالوا يقومون بدور تفكيك الإسلام ، ظنا منهم أنه من الممكن أن يعودوا إلى تركيبه بعد ذلك تركيبا عصريا :
فيأخذون منه " إفراد الله بالعبودية " ليروجوا للحرية "الليبرالية " الديموقراطية : مع أن إفراد الله بالعبودية جزء من النسق الإسلامي العام ، والديموقراطية الليبرالية جزء من النسق العلماني العام ؛ فهيهات . ويأخذون منه تكريم الله " للإنسان " عبدا لله ، ليروجوا لما يسمونه حقوق الإنسان : مع أن تكريم الله لعبده الإنسان جزء من النسق الإسلامي ، وحقوق الإنسان جزء من النسق العلماني الذي تقوم عليه (عصبة !) الأمم . ويأخذون منه رعاية الإسلام للفقراء ليروجوا للاشتراكية : مع أن رعاية الفقراء جزء من النسق الإسلامي . وإفقار الأغنياء جزء من النسق الشيوعي . ويأخذون منه شرعية " البيع " و " الربح " ليروجوا للربا : مع أن الربح جزء من النسق الإسلامي في الاقتصاد ، والربا جزء من النسق العلماني….وهكذا …يروجون ما يروجون باسم التدرج والاكتفاء بالجزء عندما لا يكون الكل ممكنا ، وما ذلك من التدرج في شيء ، إذ التدرج أخذ بالجزء ضمن نسق الكل ، أما الاكتفاء بالجزء ضمن نسق كلي غريب عنه فتبديد للكل والجزء جميعا
قالوا : تلك الحضارة ( المسيحية اليهودية الإلحادية !! ) هي العلم ، والإسلام دين العلم . وتغافلوا عن وضعية العلم في البناء الإسلامي ، وهي وضعية الأداة التنفيذية ، لا الفيلسوف ، ولا المشرع ، ولا المنظر، ولا المقوم !!
قالوا : هي العقل ، والإسلام دين العقل . وتغافلوا عن وضعية العقل في الإسلام ، وهي وضعية المخلوق الساجد لأمر الله .
قالوا :هي القوة والإسلام دين القوة . وتغافلوا عن وضعية القوة في البناء الإسلامي ، وأنها مطلقة في جانب الله ، مقهورة بشرع الله في جانب المخلوق .
قالوا هي إعمار هذه الحياة الدنيا ، والإسلام كذلك ، وتغافلوا عن الفرق بين وضعيتين : الدنيا من أجل الدنيا في هذه الحضارة ، والدنيا من أجل الآخرة في الحضارة الإسلامية .(/2)
قالوا : هي الرفاهية والغنى والجمال والمتعة ، والإسلام دين الغنى والزينة والجمال وهو لا يحرم المتعة ، وتناسوا الفرق بين المتعة كهدف للوجود الإنساني ، والمتعة الحلال كترويح من أجل معاودة العمل والكفاح في سبيل الله .
قالوا : هي الحرية ، والإسلام يقررها لكل إنسان منذ يولد ، وتناسوا الفرق بين نداء الحرية المتمردة على كل القيم ، وبين نداء العبودية لله التي تحقق الحرية بغير نداء .
وهكذا …
صنعوا ملامح القربى والتشابه مع الحضارة الغربيه ليمحقوا تميز الإسلام ، وليمحقوا ذاتيته ، ولتظل القبلة الحضارية هناك . صنعوا للحضارة الإسلامية ملامح القرب والتشابه ، وأعلنوها بغير خصوصية لتنزلق في مزالق التبعية .
طمسوا ملامح الخصوصية ، فأفقدوا الأمة شرط النصر من الله الذي إنما يأتي لمن ينصرون الله .. طمسوا ملامح الغربة ، فأفقدوا الأمة شرط عودتها إلى الإسلام ، أو شرط عودة الإسلام إليها " … ويعود غريبا كما بدأ " حديث صحيح
أسقطوا الخصوصية ، فأسقطوا الملامح ، فأسقطوا الشخصية وأهدروا الذاتية .
لمصلحة من ؟؟ "المعاصرة "كما يقولون !! وأولى بهم أن يسموا ذلك "اعتصارا " . لمصلحة التجديد " كما يقولون ، وأولى بهم أن يسموه التبديد .
إن الذي يقوم به هؤلاء المفكرون السماسرة ، أو السماسرة المفكرون : لن يعود على الإسلام بالمعاصرة ؛ وإنما يعود عليه بالتفكيك ومن ثم التبديد . إن للإسلام شخصيته الحضارية . والشخصية كائن عضوي يؤخذ ككل . أو على الأقل تجري المحاولة في هذا الأخذ على هذا الأساس .
التفكيك قد لا يضر بالمادة أو الجماد . قطعة الحجر عندما تقسم إلى عشرة قطع فإن كل قطعة منها تظل منتسبة بالفعل إلى " الحجر" ولا تصبح شيئا آخر . أما الشخصية - ككائن عضوي - فإنها إذا فككت لا تصبح هي هي . وكذلك لا تصبح هي هي إذا أعيد تركيبها وفقا لمنظومة أخرى .
إن فقدان الخصوصية الشخصية ليس بعثا ولكنه اقتبار .
لا يبعث الإسلام وهو أشلاء مختلطة بالمسيحية ، أو باليهودية ، بالاشتراكية أو بالشيوعية ، بالرأسمالية أو الربوية ، بالديموقراطية أو الليبرالية ، بالدكتاتورية أو الأوتوقراطية أو الثيوقراطية ، بالتقدمية أو التطورية أو الرجعية ، بالوسطية أو الثورية ، بالراديكالية أو الأصولية ، بالعقلانية أو العلمانية أوالعلموية ، بالقومية أو البعثية أو الماركسية ، بالعصرنة أو الإنسانية أو الحداثة ، أو عالم القرية الواحدة المحكومة بمجلس الأمن .
لقد ذهب - أو يجب أن يذهب - إلى مزبلة المكتبات - قول بعضهم : ( علينا أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ، ولنكون لهم شركاء في الحضارة : خيرها وحلوها ومرها ،وما يحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب ) .
لقد ذهبت ـ أو يجب أن تذهب ـ إلى مزبلة الحاضر القريب بلايين الكلمات التى كتبها الاتباعيون للحضارة ( المسيحية اليهودية الإلحادية ) يروجون بها لها ، ليجعلوها هي القبلة ، ويسجدون عندها : بزعم أنها هي العصر ، وأنها هي العلم .
ولقد كذبوا ، فهذه الحضارة ليست هي العصر ، وإنما هي المستبد بالعصر ، وهذه نزعة إلى استعمار الزمان ، بعد استعمار المكان ، نزعة إلى استعمار التاريخ بعد استعمار الجغرافيا .
أما العصر الحقيقي فهو عصر الله الذي أقسم به { والعصر إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر . }
وهذه الحضارة ليست هي العلم ، وإنما هي المحتكر للعلم ، باسم القوة . العلم والعلم التجريبي نفسه منهج بشرى قديم . – وللإسلام فيه دور رائد أصيل - . وهو مع ذلك ليس روح هذه الحضارة ، ولا روح عصر هذه الحضارة.
روح هذه الحضارة ، وروح عصر هذه الحضارة نعثر عليه في الدنيوية أو العلمانية . نعثر عليه في الصراعية أو التطورية . نعثر عليه في الأصولية المسيحية والأصولية اليهودية . نعثر عليه في التخليط بين هذا كله مع الإلحادية . نعثر عليه في مسحة السفسطة اليونانية القديمة ، التي حاصرها الفكر الإسلامي في سجن " العندية " ثم انبعثت على يد الفلسفة المعاصرة في مذاهب " التطورية " و " النسبية " و " التاريخية " ..
ليست تلك إذن هي حضارة " العصر" أو حضارة " العلم " . ذلكم تزييف لهذه الحضارة يراد به بعد ذلك تزييف للإسلام ، فلا يعود الإسلام بذاته ، أو بشخصيته . فلا يعود الإسلام غريباً . ولا يعود الإسلام إسلاماً . ولا يعود الإسلام .
ولا تظهر ذاتية الإسلام بالتفكيك .إنما تظهر بإدراك خصوصيته التركيبية . وهي تظهر في النظر إلى قضاياه الأساسية مقارنة بنظرة الغرب إليها :
ففي العلاقة بالله نجد المحور في الإسلام هو إسلام الوجه لله ، وفي الغرب العصري نجد أرقى شكل من أشكال النفاق الفكري : إذ يعلن الحياد إزاء المسألة. !
وفي العلاقة بالزمن نجد المحور في الإسلام هو الأخروية . وفي الغرب نجد المحور هو الدنيوية .(/3)
وفي العلاقة بالآخر نجد المحور في الإسلام هو التعدد وصولا إلى التدافع ومن ثم التوازن ، وفي الغرب نجد المحور هو الصراع وصولا إلى الإبادة .
وفي العلاقة بالبيئة نجد المحور في الإسلام هو في الاستفادة بها مسخرة من الله مكفولة بشريعته . وفي الغرب نجد المحور هو المغالبة حتى وهم السيطرة .
وفي العمل من أجل الترقي نجد المحور في الإسلام هو الجهاد في سبيل الله ، بينما نجد المحور في الغرب هو دعوى جبرية التقدم .
وفي قضية الحقوق نجد المحور في الإسلام يدور حول حقوق الله المنعم بحقوق الإنسان ، بينما نجد المحور في الغرب هو حقوق الإنسان المنتهبة بأيدي قوانين البقاء .
وفي قضية الضعفاء نجد المحور في الإسلام هو النصرة من الله بواسطة الضعفاء { ... فإنما تنصرون بضعفائكم . } بينما نجد المحور في الغرب هو النصرة على الضعفاء بواسطة السوبرمان .
وفي قضية الحرية نجد المحور في الإسلام هو " إفراد العبودبة لله ، بينما نجد المحور في الغرب متسقا مع تاريخهم فيما أبدعوه من " الديموقراطية " و " الليبرالية " .
وفي قضية التشريع نجد المفارقة التي لا تستبين إلا بالتسليم لله ـ الذي هو أساس الإسلام ـ هذا التسليم الذي لا يكون إلا بتطبيق الشريعة تطبيقاً كاملاً قد يعذر فيه تقصير المستضعفين ، ولا يعذر فيه إنكار الجاحدين . الشريعة : أهدافاً ، وأحكاماً ، عامة ، وجزئية . بشرط فهم الواقع من ناحية وفقه الحكم الشرعي من ناحية وفهم كيفية تنزيل الحكم عليه من ناحية ثالثة ، وإن يكن مع النزول على أحكام الواقع في التدرج والانتقال والتيسير . مع الأخذ بوسائل التنفيذ الحديثة المتجددة .
وقد يتعالم بعضهم فيقول : إن الوسائل الحديثة تجر معها قيما خاصة بها . ونقول : نعم ، لكن في التشريع الإسلامي العلاج لذلك . إذ نأخذ من هذه الوسائل تحت قواعد التشريع الإسلامي : الضرر يزال ـ ارتكاب أخف الضررين ـ سد الذرائع ـ رد المفاسد مقدم على جلب المصالح بعد حساب الموازنة بينهما .. إلخ . وهنا ينبغي أن نأخذ في الحسبان استبعاد ما جرته ولا تزال تجره " التكنولوجيا الحديثة " في بعض جوانبها التدميرية أو اللاأخلاقية ، ليس من أجل تطهير النموذج الحضاري الإسلامي في مشروعه الجديد ، فحسب ، ولكن من أجل محاولة إنقاذ الإنسانية من جوانب التدمير التي تحملها التكنولوجيا الغربية المحمولة بقيم وحشية تجعلها جديرة بأن تسمى بدائية أو رجعية أو منفلتة .
نعم لقد درج الفكر " السمساري " ـ في المجال الإسلامي ـ المعاصر على اصطياد جهات التشابه بين الإسلام وبين غيره من الأديان والمذاهب والأنظمة ، وجرى التركيز على ذلك ، حتى كدنا نرى كل دين أو مذهب أو نظام ـ قائماً بذاته هناك ، يعلن تفرده وكينونته وشخصانيته ماعدا الإسلام .
فككنا الإسلام . قلنا : في الفلسفة اليونانية " العقل " وفي الإسلام " العقل " ، ثم أخذنا بالفلسفة اليونانية . في الفلسفة المعاصرة " العلم " وفي الإسلام " العلم " ثم أخذنا بالعلموية . في الفلسفة " النيتشوية " " القوة ، وفي الإسلام " القوة " ، ثم أخذنا بالنيتشوية . في النظام العلماني " الدنيوية " وفي الإسلام " الدنيوية " ثم أخذنا بالعلمانية . في النزعة الحضارية " المتعة " وفي الإسلام " المتعة " ثم أخذنا بالمتعوية . في اليهودية " التوحيد " وفي الإسلام " التوحيد " وفتحنا الباب لليهودية . في المسيحية " المحبة " وفي الإسلام " المحبة والرحمة " وفتحنا الباب للتنصير .في الصوفية الهندية " النرفانا " وفي الإسلام " ابن عربي " وفتحنا الباب للنرفانا ....... وهكذا .
صار الإسلام مزقا وأشلاء ...وفي ركام المزق والأشلاء تضيع الشخصية كما يضيع الوجود . إذا كان " س " من الناس له أنف ففي كل واحد من الناس أنف . وإذا كان له " أمعاء " فلكل حيوان أمعاء ...أين " س " إذن ؟ من هو " س " ؟ مزقناه . قتلناه . إذن فنحن أمام جريمة.
وأسلوب ثان في محاولات محو الذاتية : الذي اتبعه المستشرقون وأذيالهم منذ وقت غير قصير ، وتابعناهم فيه إلى حد كبير . وهو أن تمزق حقائق الإسلام وتوزع على أكياس " جانبية " يسهل التخلي عنها : فهذا كيس عنوانه " الصوفية " توضع فيه " المحبة " . وهذا كيس عنوانه “ السلفية " يوضع فيه " الاتباع " . وهذا كيس اسمه " المعتزلة " يوضع فيه " التنزيه " . وهذا كيس اسمه " المعاصرة " يوضع فيه " العقل أو العلم " . وهذا كيس اسمه " الأصولية " يوضع فيه " الالتزام " وهذا كيس اسمه الوسطية يوضع فيه " التيسير " وهذا كيس اسمه " المعاصرة " يوضع فيه " العقل " ، وهذا كيس اسمه " الحداثة " يوضع فيه " العلم ". فإذا بما هو " الإسلام " أصبح الغريب المجهول بين الأقرباء " المعروفين "
فإذا بما هو " الإسلام " أصبح " لاشيء " ، وعندئذ تتصدى العلمانية لملئه فتصبح العلمانية إسلاماً أو الإسلام علمانية .ذلكم هو أسلوب التوزيع المقيت لميراث الإسلام !!(/4)
أما الأسلوب الثالث فهو ما رسمته المنطقية الوضعية أو المذهب التحليلي من منهج دقيق في التعامل مع الإسلام ، وهو أن تؤخذ العناوين من تراث الحضارة الإسلامية وتفرغ من مضمونها الإسلامي ، وتحقن بمضامين جديدة واقعية ؛ وكما يقول الدكتور زكي نجيب محمود أستاذ الوضعية المنطقية ( أن نملأ الصور المفرغة لتلك المبادئ بمضمونات جديدة ) ؛ وعلى هذا الأساس يعاد تفسير مفاهيم الإسلام وعقائده ، فيكون " الله " جل جلاله ماذا؟ صفات ، وتكون الصفات ماذا؟ " العلم" مثلاً ؛ وهات " العلم " أفرغه من مضمونه القديم واملأه بالمضمون الحديث ، فيصبح هو " العلم التجريبي ".. و " يا دار ما دخلك شر " . وهكذا ….وتحول القضية برمتها إلى باطنية عصرية ، أو إلى وجهة نظر لغوية !!! أنظر كتابه " تجديد الفكر العربي " ومقالاته العريضة بالأهرام . والمدهش أن بعض المفكرين الإسلاميين اعتبروا ذلك ردة منه إلى الإسلام ،
هذه هي أساليب العصر الثلاثة :التفكيك بحثاً عن التشابه ، والتوزيع من أجل التمزيق . والتفريغ من أجل التزييف . هذه هي أساليب العصر في تدمير الحضارة الذاتية الإسلامية
ولقد أسرف هؤلاء إسرافا كبيرا في محو الذاتية الإسلامية حتى أسلمونا أخيرا ليد الأمريكان يتدخلون في تعديل مناهجنا التعليمية والدينية وما يسمونه أخيرا تجديد الخطاب الديني ... وهكذا ترتكب الجريمة الكبرى !
والمسلم في " مستقر " الذاتية " ليس أمامه إلا أن يرفض هذه الأساليب جميعاً ويلزم بيته الذي هو : " الإسلام " . الإسلام هو " ما يميزه " . وهو فيما يميزه ليس تلك الشطائر أو المزق أو " العرائس " التي تقدم من هذا الجانب أو ذاك .
المسلم يرفض الانسياق إلى تناول الإسلام من خلال رؤية يونانية ، أو لاتينية ، أو ماركسية أو براجماتية ، أو تاريخانية أو فردية ، أو حزبية ..
المسلم يرفض الانسياق إلى تناول " عرائس " في مسرح كاذب مغشوش تقدم إليه بعناوين من تراث قديم ..
المسلم يرفض الانسياق إلى مسارب التيه بتسمية ما هو من الإسلام بأسماء الفرق والمذاهب ..
الإسلام هو كلمة " الإسلام " لفظاً ومعنى . وما يميزه هو معنى كلمته . " إسلام الوجه لله " وسيطرة الآخرة على تصرفاته تحقيقاً لهذا " الإسلام " .
إن الإبقاء على الذاتية إنما يكون بإبراز نقاط المفارقة والاختلاف : تلك بديهية لا يمكن أن تكون محل خلاف وإن غابت عنا طويلاً .
ففي الحضارة الغربية سيطرة الدنيوية ، أما في الذاتية الإسلامية فسيطرة الأخروية .
في الحضارة الغربية التسليم " للإنسان " أما في الذاتية الإسلامية فالتسليم " لله " .
ذلكم جوهر الذاتية الذي في ضوئه يعاد النظر في كل ما يبدو من مظاهر التشابه بين الإسلام وبين الحضارة الغربية ، فإذا لكل شيء من هذا التشابه معنى مختلف .
ولا يعنى هذا رفض الحضارة الغربية جملة ، إذ مع كون ذلك انعزالاً قاتلاً وانتحاراً جماعياً ، فإن فيه افتئاتا على الله : لأنه لا تخلو هذه الحضارة من خير فيكون نكران هذا الخير نكراناً لنعم الله ، وحرماناً من فضله .
وإذا كان لابد من الانتقاء واختيار ما يصلح فإن السؤال يظل قائماً : ما مقياس ذلك ، ما مقياس ما يصلح وما لا يصلح ؟ " لنا " ؟
في أحسن الأقوال ذهب بعض الكاتبين إلى " أخذ التكنولوجيا " كما هي ، وانتقاء بعض القيم النافعة .
وهو رأى يحتاج إلى مراجعة وتمحيص . إذ لابد من مقياس .
والمقياس هو في قلعة الذاتية الإسلامية القائمة على التسليم لله ، والسيادة للآخرة واستعمال العلم العملي .
عندئذ لابد من أن نعلن رفض استيراد ما يأتي من تلك الحضارة في باب القيم ، والأهداف ، والأحكام التشريعية العليا لأنها جميعاً جاءت تحت "سيطرة الدنيوية .
ثم نعلن الأخذ بما عندهم من " الوسائل " التي يمكن أن نستعملها لقيمنا وأهدافنا وشريعتنا أو بعبارة أشمل وأدق لتأكيد ذاتنا .
حتى التكنولوجيا لابد فيها من المراجعة. على أن يتم ذلك على أسس من أصول شريعتنا
في تحقيق "المصلحة " من المنظور الإسلامي " وسد الذريعة " من المنظور الإسلامي " وارتكاب أخف الضررين " من المنظور الإسلامي " أيضاً .
وماعدا ذلك فمصيره الفشل المؤكد .ذلك أن ضمائر ذواتنا ممغنطة بما لا يتفق مع أقطاب هذه الحضارة الغربية .
إن المغناطيس الذي صنعت به الذاتية الإسلامية تكون أقطابه من : جبريل ، ومحمد ، والقرآن ..فكيف ينجح في داخله مغناطيس معاد : تكونت أقطابه من وليم جيمس ، وجون ديوي والقديس بولس ، و كارل ماركس ؟!(/5)
كيف ينجح مجال مغناطيسي كهذا معاد لمغناطيس عقيدة "الملك" الذي هو بيد الله ، ومغناطيس "الملكوت" الذي هو بيد الله كذلك ؟{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } تبارك 1 .{ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون } 83 يونس .يقول تعالى { أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين} … تلك هي صفات الحضارة المسيحية اليهودية الإلحادية المعاصرة : " يدع اليتيم " .. نعم "موضوعيا " في غير احتفالات الشاشة التليفزيونية ، والدعايات النفاقية . وانظر في ذلك دع النسل ؛ وطرده من عرشه فوق صدر الأمومة المقهورة بدعوى التحرير ، وبيعه أشلاء في أسواق اللذة ، أوالطب الحديث بدعاوى المتعة أو العلم . " ولا يحض على طعام المسكين " ، في غير الاحتفالات الدعائية ، وإجراءات التخلص من الاستحقاقات الضرائبية . وانظر في ذلك : شراهة الرأسمالية الوحشية ، وصناعة المجاعات في العالم الثالث ، وتفسيرها الذي لا يتم بغير النهب الاستعماري الاقتصادي . ثم تلتفت الآيات إلينا ( فويل للمصلين ) نحن !! لماذا ؟ لأننا لا نعمل بما يتفق مع هذه الصلاة ، وهو أن نهجر " ثقافيا " هؤلاء الذين يكذبون بالدين . (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) 68 الأنعام . أن نزيحهم من ثقافتنا . تقتضي صلاتنا منا أن نجعل قبلتنا هي القبلة الإسلامية . لا أن نجعل قبلتنا هناك في الغرب ، وإلا كنا نصلي غير مصلين . وإلا كنا مسلمين غير مسلمين . وإلا كنا مرائين .(الذين هم يراءون ) ( ويمنعون الماعون )، يمنعون العون عن الآخرين ،ولكنهم يمنعون عن أنفسهم العون من الله . يمنعون عن أنفسهم العون الذي من شأنه أن تمدهم به الصلاة لو أنهم يصلون : أي لو أنهم يصلون غير مرائين ، لو انهم يصلون إلى قبلتهم ، وليس إلى قبلة الحضارة المسيحية اليهودية الإلحادية .
فيا أيها البشر : ادخلوا مساكنكم .{ قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } .
ملك الله … ونحن ! ملك سليمان والنمل ! في قوانين ملك الله أين الصراط المستقيم ؟ في قوانين ملك سليمان أين الأمان ؟
ادخلوا مساكنكم .تلكم هي الذاتية الإسلامية : وكل طرح عدا ذلك فإنما يحسب في عمليات التزييف القائمة على قدم وساق .
ولا يتوهمن واهم أننا ونحن نتحدث عن ذاتية النسق الإسلامي نعنى حصيلة التراث التي تكونت عبر القرون . كلا . فما هكذا يكون موقف الإسلام من تراث أمة وشعب ، وهو أصلاً صاحب الموقف الفاحص الناقد الرافض لمنطق " إنا وجدنا آباءنا على أمة ." ولكن الذاتية الإسلامية تعنى ما هو إسلام خالص ، نطق به " الوحي ": قرآنا ، وسنة وتراثا بمقدار اقترابه من القرآن والسنة : إن هذه الذاتية تتلخص في :
(1) الإيمان بجناحيه :الإسلامية : إسلام الذات وخضوعها لله .الأخروية : ربط مصالح الدنيا بمصالح الآخرة .
(2-3) : العلمعملية : ربط العلم بالعمل " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع " والله أعلم
أد : يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
المقالة الثانية
تدهور
" مستوى الطاقة الحيوية للمسلمين "
المعاصرين
أد : يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
من اشد الأخطار المحدقة بذاتية الحضارة الإسلامية : تدهور " مستوى الطاقة الحيوية للمسلمين " المعاصرين ، هذا التدهور الذي أصاب فيما أصاب عصب " الإرادة " فيهم ، وشل فيما شل عضلة " الفعل" ، عندهم ، ورشحهم فيما رشح لمقبرة الزوال ، ومن ثم انقلب بهم الحال من مسلمين إلى مستسلمين ، من مسلمين لله إلى مستسلمين لخلق الله
بخ بخ للمستسلمين من مسلمي اليوم :
من هم بالنسبة إلى هذا المأزق الحضاري ؟
نتساءل عن المجموع لا عن الجميع ، المجموع الذي إن رجح اليأس منه ، فإنه لا ينبغي أن يطمس باب الأمل عن الجميع ، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون
المجموع الذي أنذره الله بقوله تعالى " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " والذي أنذره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كما جاء في جامع الترمذي" بسنده عن حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمانِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنّ عَنِ المُنْكَرِ أو لَيُوشِكَنّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» .(/6)
وبما جاء فيما رواه الإمام أحمد بمسنده عن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء- يعني من الوحي - ، فتوضأ ثم خرج فلم يكلم أحداً، فدنوت من الحجرات فسمعته يقول: «يا أَيّها النّاسُ إنّ الله ـ عَزّ وَجَلّ ـ يقولُ: مُرُوا بالمعروفِ وَانْهُوا عَنِ المُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُوني فلا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْأَلُوني فلا أَعْطِيكُمْ وَتَسْتَنْصِرُوني فلا أَنْصُرُكُمْ».وروى ابن ماجة مثله بسننه بسنده عن عائشة .
وما رواه أبو داود بسننه بسنده عن الْعُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ في الأرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فكَرِهَهَا،- وقالَ مَرّةً أنْكَرَهَا- كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا».
هذا المجموع : هل بنى لحضارة الله بيتا ؟ أو جاهد أو قاوم في حضارة العصر بيت الشيطان ؟ أو أنكر باليد أو أنكر بالكلمة أو أنكر باللسان ؟
هذا المجموع : أليس يدو رما بين مروج أو مستفيد أو ساكت ؟ وأغلبهم عاجزون ؟
فليكن ! لكن : هؤلاء العاجزون ما حكمهم : ؟
ما الحكم في قوم – هم مسلمو اليوم - كلما وجه إليهم أمر للتنفيذ مصمصوا شفاههم قائلين : عفواً نحن غير قادرين ؟ أليس من قوانين الله ــ منطقياً ــ أن يتم الاستغناء عنهم ؟
ما الحكم في قوم كلما واجههم تكليف إلهي مصمصوا شفاههم قائلين : نحن غير قادرين ؟
إذا دُعُوا إلى التخلص من الربا قالوا : إن كان حراماً فنحن غير قادرين ؟ إذا دُعُوا إلى الجهاد قالوا : إن كان واجباً فنحن غير قادرين . إذا دُعُوا إلى الوحدة قالوا : خير ، لكن نحن غير قادرين ؟ إذا دُعُوا إلى الأخوة الإسلامية : قالوا : جميل ، ولكن نحن غير قادرين ؟ وإذا دُعُوا إلى تصحيح في سياسة التعليم يربط فيه بين العلم والعمل والإيمان قالوا : تحيرنا بين النظريات والبرامج ، وما نحن بقادرين . وإذا قيل لهم : صححوا علاقتكم بالدنيا واجعلوها في أيديكم لا في قلوبكم قالوا : تلك صوفية ، وما نحن بقادرين . وإذا قيل لهم : احرصوا على الحرية ، واسلكوا إليها من باب العبودية لله وحده .. قالوا : تلك مثل عليا وما نحن بقادرين . وإذا دُعُوا إلى شئ من الاقتصاد يبتعدون فيه عن الإسراف والتبذير وتمويل رأسمالية العدو ، قالوا عادات ، وما نحن بقادرين . وإذا دُعُوا إلى قلب المعادلة السائدة بينهم بين اللهو والجد ، خذوا أنفسكم بالجد ، واجعلوا اللهو هامشاً محدوداً قالوا : تلكم دعوة إلى الكآبة وما نحن بقادرين .
وإذا دُعُوا إلى تحرى الحل في مأكلهم ومشربهم والبعد عن الحرام والمشتبهات ، قالوا : وكيف نعيش ؟ نحن غير قادرين .
وإذا دُعُوا إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قالوا : وما شأننا ؟ نحن غير قادرين ؟
وإذا دُعُوا إلى الأخذ على يد الظالم قالوا : صعب ، ونحن غير قادرين . وإذا دُعُوا إلى مخاصمة الفسق في الفن وفي الإعلام .. قالوا : إزاى؟ نحن غير قادرين . وإذا دُعُوا إلى إلزام نسائهم بالحجاب ، قلبوا شفاههم ، وقالوا : نحن غير قادرين . وإذا دُعُوا إلى تربية أولادهم على طاعة الله .. قالوا نحاول ، ولكن نحن غير قادرين . وإذا دُعُوا إلى العفة وما يوصل إليها من الكف عن إثارة الشهوات ، نظروا بجانب من عيونهم إلى نظريات في علم النفس ، وعلم الجمال ، وقالوا: نحن غير قادرين . وإذا دُعي علماؤهم إلى الجهر بكلمة الحق ، قالوا : نحن غير قادرين.وإذا دُعي حكامهم إلى عدم موالاة الكافرين .. قالوا : حسناً ، ولكنا غير قادرين . وإذا دُعُوا إلى التكافل المعيشي مع الذين يموتون جوعاً بالآلاف ، قالوا : نحن غير قادرين . وإذا دُعُوا إلى التضامن مع المستضعفين من إخوانهم الذين يذبحون بالآلاف ، قالوا : نحن غير قادرين .
بماذا شهد هؤلاء على أنفسهم ؟
هل ينطبق عليهم رفع التكليف في قوله تعالى .. { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .} 286 البقرة .
أليس معنى الآية ابتداء أن الله لا يكلف إلا بالوسع ؟ فهم ماداموا قد كلفوا فمعنى هذا أنه في وسعهم ؟ وعلى هذا الأساس يكون قولهم نحن غير قادرين محض كذب وتهرب ؟ !
وهل ينطبق عليهم رفع التكليف إذا كانوا هم أنفسهم مساهمين بدرجة أو بأخرى في صنع الخطأ أو الخطيئة ؟ أو مستفيدين بدرجة أو بأخرى ــ باستمرار هذا الخطأ أو الخطيئة ؟ أليست الأغلبية اليوم دائرة بين هذا وذاك .. بين صانع ، أو مستفيد ؟
قد يقال : المشكلة ترجع إلى تضارب الأفكار ، واختلاطها ، وعلى سبيل المثال:
يقول بعضنا : العلمانية ، كلها شر ، ولكن آخرين يرفعون إمكانية التضامن معها ، والتصالح مع بعض فصائلها . هكذا فإن الرؤية قد أصيبت بالاختلاط . حسناً ، فمتى يكشف الحق ؟ هنا : لابد من الابتلاء .(/7)
قد يقال : المشكلة ترجع إلى اختلاط في البشر ، حيث لا يظهر فيهم مؤمن خالص ، من منافق خالص ، من كافر خالص . ويقول بعض هؤلاء : تحتاج الحركة الإسلامية إلى فصل هذه الفصائل ، وإلا وقعت الحركة في شر النتائج ، شر الفشل . حسناً : فمتى ينفصل هؤلاء من هؤلاء ؟ هنا : لابد من عذاب ينزل للتمييز ، فالمؤمن ينجلى كما ينجلى الذهب في النار ، وغيره يتساقط كما يتساقط التراب ، أو كما يتساقط الغبار . هنا لابد من سريان قانون التمييز . { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } 179 آل عمران .{ ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم ، أولئك هم الخاسرون . } 37 الأنفال .{ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكداً، كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون . } 58 الأعراف
قد يقال : التمييز موجود ، فنحن نعرف الطريق ، ونعرف من هم أربابه ، ولكنا غير قادرين . غير قادرين على فعل شئ . والله لا يكلف نفساً إلا وسعها . فعندئذ يقال : وإذا كنتم قد خرجتم من إطار المكلفين فما معنى وجودكم ؟ إنكم بذلك قدمتم شهادة الإزالة . هنا : لابد من عذاب ينزل ــ لا لمحض الابتلاء ، ولا لمحض التمييز ولكن لغرض المحق ، والإزالة كما تمت إزالة أقوام من قبل .
منطقياً : ماذا ينتظر لقوم كلما واجههم تكليف إلهي مصمصوا شفاههم قائلين : لا حول ولا قوة إلا بالله ، نحن غير قادرين ؟؟ وهم قد أخرجوا إلى الوجود أصلاً من أجل القيام بهذه التكاليف ؟ أليس المعقول أن ينتظروا الإزالة ؟ أما حسابهم يوم القيامة فشئ آخر . أليست الإزالة هي الحل الوحيد في شأنهم ؟ ليأتي قوم غيرهم . { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم }38 محمد
إن هؤلاء ــ نحن المجموع ــ أكثر الأجناس على وجه هذه الأرض ترشيحاً للإزالة ، لعدة أمور:
أولاً : لأننا إنما خرجنا على ظهرها وارتفع ذكرنا فيها لمهمة خاصة هي القيام برسالة الإسلام .
{ كنتم خير أمة أُخرجت للناس .. تأمرون بالمعروف وتنهوٌن عن المنكر وتؤمنون بالله }110 آل عمران فعندما نتخلى عن هذه الرسالة ــ ونحن نكاد نفعل ــ يزول سبب وجودنا ، ونذهب شراذم بددا ، في طرائق قددا .
ثانياً : لأننا لو بقينا وانتصرنا على أعدائنا بنصر الله لكان في ذلك نصر للزيف الذي نحن فيه ، وإعلاء لشأنه ، وهذا لا يمكن أن يدور بخاطرنا ، لأنه لا يجوز في حق كماله تعالى .
ثالثاً : لأننا بخلاف أعدائنا ، لا نحن عملنا من أجل الدنيا كما يعملون ، فننال وعد الله كما ينالون { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون } 15 هود.
ولا نحن عملنا من أجل الآخرة ، كما عمل بناة الأمة الإسلامية ، فننال وعد الله كما نالوا { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بى شيئاً . } 55النور .
إننا أولى الناس بالإزالة لولا ...
لولا أمل في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه بسنده عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله ( مثل امتى مثل المطر لا يدرى أوله خير أو آخره ) تمثل فيما نشهده من إقبال على بيوت الله
ولولا ضمان من وعد الله لبقية تبقى أو تعود : مع الإسلام تعود ، مع الإسلام الذي سيعود غريبا كما بدأ .
ولولا ضمان في رواية لمسلم في صحيحه بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانئ حدثه قال سمعت معاوية على المنبر يقول سمعت رسول الله يقول ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس )
و في رواية لمسلم بسنده عن ثوبان قال قال رسول الله r : " إني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة – أي كارثة عامة -.. وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم – أي جماعتهم - وإن ربى قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك : ألا أهلكهم بسنة عامة ، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم ، يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ، ويسبى بعضهم بعضاً . )(/8)
وهذا هو الذي حدث في " بيضتنا " : على مستوى التاريخ ، وعلى مستوى الحاضر، ، في دخول الصليبين القدس قديما ، في دخول الصليصهيونية القدس حديثا ، في ضرب قادة المقاومة كأنما على رأس كل فدائي خائن يدل عليه ، في أفغانستان جاء كارازاي ، في سقوط بغداد أمام هولاكو التتري جاء نور الدين الطوسي ، ، ثم في سقوطها أمام هولاكو الأمريكي جاء ما يسمونه " مجلس الحكم "، ومجلس الحكم العراقي هذا هو الذي يفتح مصراعي البوابة العراقية التي كانت منيعة.. ليدخل منها الصهاينة.. ليس فقط للتجارة.. بل لشراء أراضي النفط في المنطقة الخاضعة للأكراد.. كما بينت تركيا.. التي حذرت من ذلك وسمته احتلالا ثانيا.. رغم تحالفها مع الصهاينة.. ولكنها لم تتخذ إلا المواقف الدبلوماسية التي لم توقف العمليات المستمرة لشراء اراضي النفط في شمال العراق.. كما نشر في يديعوت احرونوت وصحيفة أشكام التركية وغيرهما من الصحف. ( أنظر مقال الأستاذ علي حتر بعنوان من النيل إلى الفرات في جريدة الشعب الألكترونية في 21\11\2003
في فلسطين : حصل اليهود قبل سقوطها عام 1938 على 2 مليون دونم بغير قتال ، بعضها بالشراء من عرب ، قليل منهم فلسطينيون ، كما جاء بمقال الدكتور خالد الخالدي رئيس قسم التاريخ والآثار بالجامعة الإسلامية بغزة ، في مقاله بجريدة الشعب الألكترونية في 21\11\2003 ، إذ يقول " يتبين مما سبق أن الـ 8.8% من مساحة فلسطين أو الـ 2 مليون دونم التي وقعت في أيدي اليهود حتى سنة 1948م، لم يحصل عليها اليهود عن طريق شرائها من فلسطينيين كما يتصور حتى الكثير من مثقفينا، بل وصل معظمها إلى اليهود عن طريق الولاة الأتراك الماسونيين والمنح والهدايا من الحكومة البريطانية، والشراء من عائلات سورية ولبنانية، وأنَّ 300.000 دونماً فقط اشتريت من فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً من السياسات الاقتصادية الظالمة والضغوط والمحاولات والإغراءات، أي أنَّ 1/8 (ثُمن) الأراضي التي حازها اليهود حتى سنة 1948م، كان مصدرها فلسطينيون، وقد رأينا كيف باعت عائلة لبنانية واحدة 400.000 دونماً في لحظة واحدة ، وهو أكبر مما باعه فلسطينيون خلال ثلاثين عاماً. وأنَّ هؤلاء قلة شاذة عوقبوا بالنبذ والقتل.)
بعضنا يهلك بعضا ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وللبعض المغلوب شهادة قد لا تكون مع النصر في الدنيا .
إن الحضارة الغربية في أيلولتها للسقوط – وفقا لما كتبنا سابقا - سوف تأخذ معها المستسلمين من مسلمي اليوم ، إنه سقوط حضارة تأخذ معها كل الذين هم على مائدتها يتغذون ، والذين هم على فتاتها يتقاتلون ، أو هم بأذيالها يتعلقون ، أو بمفاسدها يتفننون ، أو عن قبحها هم يسكتون ، فانظر بربك في أي فئة نحن المسلمين اليوم لائذون ، إنها " فتنة لا تصيبن الذين ظلموا " وحدهم - صدق الله العظيم - وانظر بربك هل أنت مع القطيع المجموع المسوق لحتفه ، أم أنت من بين الجميع تقبض بيدك على جمرة الدين لتظل منارة الأمل مشعة على حافة الأفق(/9)
تحذير الأمّة المرحومة المهديّة ، من خطر الجيوب المندسّة الصفويّة
حامد بن عبدالله العلي
لعلّ أصدق وصف لما أفضت إليه ساحة الصراع الصفوي الصهيوصليبي ، في المسرح اللبناني ، أنَّ الطرفين تورطا في مأزق ، سيؤدّي إلى مزيد من الفوضى ، ولن تنجلي المعركة حتى تتوسّع إقليميا ، وتصطدم بكلِّ مخزونها .
ولا ريب في أنّ تكوينها القدري الإلهي ماضٍ لامحالة إلى حيث يكيد الله به للإسلام وأهله ، إنّما الذي يهمّنا فيه ، حماية الأمّة من الانجرار بسذاجة إلى المشروع الصفوي ، بما يحمله من خطر بالغ على العقيدة ، وشأنها أعظم .
ودعنا نضع الأحداث في سياقها التاريخي ، إلى واقعنا ، ثم نُلقي الضوء على الواجب الشرعي .
أولا : تسلسل الخلفيّة التاريخيّة إلى الساعة الراهنة :
عام 1399هـ ، 1979 ميلادي : اندلاع الثورة الصفوية بعودة الخميني على الخطوط الجويّة الفرنسية من باريس إلى طهران ، ونجاح الثورة في السيطرة على الدولة بعد سقوط نظام الشاه .
وضع نظريّة تصدير الثورة موضع التنفيذ، بدءاً من دول الجوار ، متبنيّة هدف إسقاط النظم الحاكمة في الدول العربية ، وإقامة نظم أخرى موالية ، تأخذ بتوجيهات الثورة الصفوية .
هلع دول الجوار وهي ترى أمريكا ، حليفة الشاه حامي الأمن في الخليج ، تقف عاجزة غير قادرة على إنقاذ من كان يحمي مصالحها في الخليج ، ولكن للأسف لايعتبرون ، وعن غفلتهم لا يصحون ، نسوا الله فأنساهم أنفسهم !
اغتنام الإتحاد السوفيتي الفرصة ، في هذا التوقيت لاحتلال أفغانستان ، مقتربا من الحقول النفطيّة العملاقة في الخليج .
توقيع الرئيس المصري السادات اتفاقيه السلام مع الصهاينة ، ممزِّقا الصف العربي ، ومنهيا كلّ مخاوف الصهاينة منه ، ومُؤذِنا ببدء انهيار كلّ مشاريع الخلاص القومية التي كانت أوهاما أصلا !
إزاحة صدام حسين للرئيس العراقي أحمد حسن البكر ، متطلِّعا إلى زعامة العرب ، راميا بطموحه إلى السيطرة على دول الخليج ، فالوطن العربي بأسره .
1980م ، الهجوم الصفوي لاحتلال العراق واندلاع حرب الخليج الأولى.
1981ـ تشكّل مجلس التعاون الخليجي بهدف تكوين قوة إقليمية ، ليكوّن النظام الإقليمي الخليجي من ثلاث قوى رئيسة : العراق ، إيران ، مجلس التعاون الخليجي .
نهاية الأطماع الصفوية في احتلال العراق ، والتوسع لابتلاع الخليج ، بالفشل إثر حرب استمرت 8 سنوات .
هزيمة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان على يد المجاهدين ، فميلاد قاعدة الجهاد العالمي.
فشل مجلس التعاون الخليجي على جميع الأصعدة ، وخروجه من معادلة النظام الإقليمي للقوى ، وتحوله إلى مناسبات احتفالية ، واستعراض سياسي باهت .
احتلال النظام العراقي البعثي للكويت ، موفِّرا فرصة تاريخية لواشنطن ، لتوسيع قواعدها العسكرية في الخليج واحتلاله .
الهزائم الثلاث : هزيمة النظام العراقي ، والإتحاد السوفيتي ، والنظام الصفوي ، وفّرت للغرب الصليبي فرصة تحويل الجزيرة العربية إلى مقر دائم لجيوشهم ، لاحتلال منابع النفط ،وحماية الكيان الصهيوني ، وفرض ثقافته.
تهاوي الشعارات النهضوية اللادينية في البلاد العربية ، وتجريد الأنظمة العربية من أي رسالة حضارية ، ودخولها في مرحلة العفن السياسي ، والفساد المالي والإداري ، وتنامي السخط لدى الشعوب العربية .
انتشار الخطاب الإسلامي في الشعوب الإسلامية ، وتربّعه على عرش التوجيه الفكري والتعبوي.
تحوّل النظام الصفوي إلى الاهتمام ببناء الأحزاب الثوريّة السريّة داخل البلاد العربية ، وتوسيع قدراتها ، وتحويلها إلى بؤر مؤامرات تخطط لتنفيذ المخطط الصفوي التوسّعي ، مستغلاّ خلوّ المنطقة من مشاريع التغيّير النهضويّة ، ومتلبّسا زورا بالخطاب الإسلامي
الهجوم التاريخي الأسطوري لمجاهدي القاعدة في الحادي عشر من أيلول على نيويورك وواشنطن ، مخلِّفا دمارا ماديا ، ومعنويا ، هائلا هو الأكبر في تاريخ أمريكا .
فقدان مركز قيادة الغرب الصليبي أمريكا لتوازنه بسبب هذا الهجوم ، متزامنا مع تربعّ الأحمق المطاع بوش على سدة الحكم ، وحوله عصابة من الصليبين المتصهينين.
اتخاذ إدارة بوش القرار الأشد حمقا في تاريخ أمريكا باحتلال العراق ،
استغلال الصفويين هذا القرار لاحتلال وسط العراق وجنوبه ، بغية تكوين نموذج دولة للثورة الخمينيّة فيه ، وضمّها إلى إيران ، في أكبر مشروع توسعي فارسي منذ عهد كسرى ، في تحالف خيانة هش مع الصليبيين.
تنامي التيار الجهادي الإسلامي العالمي ، وتوسّعه ، وانتشاره ، وتحقيقه قفزة نوعيّة ، وفرضه نفسه على معادلة الصراع في المشهد العالمي ، وعودته على مستوى السيطرة الفعلية في وزيرستان وأجزاء من أفغانستان ، وصعوده في الصومال ، وانتشاره على نطاق واسع على مستوى الفكر ، والتجنيد في العراق ، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية .(/1)
تسريع الصفويين برنامجهم النووي، بغية الوصول إلى مستوى الدولة النووية ، لإجبار القوى الكبرى على القبول بمشاركتها مكاسب الهيمنة في المنطقة .
توجّه الغرب الصليبي إلى إعادة التوازن الإقليمي ، بعد نهاية زواج المتعة مع الصفويين ـ التحالف الهش ـ ومواصلة الضغط على إيران ، لمنعها من الوصول إلى السلاح النووي ، والإسراع بخطط تغيير نظام الحكم فيها وفي سوريا .
تفجير النظام الصفوي لقبّة سامراء لتوفير الذريعة للإسراع في خطط تهجير السنة وإبادتهم لتشيّيع بغداد والجنوب ، وتمهيدها لتكون ساحة معركة مع الأمريكيين .
استغلال النظام الصفوي للقضية الفلسطينية لحشد التأييد الإسلامي في صراع الهيمنة مع الغرب ، واستكمالا لسعيه في تكوين الهلال الصفوي .
تحريك النظام الصفوي لجيبه في جنوب لبنان ـ حزب حسن نصر ـ في هذا الإطار ولتعزيز موقع حزبه في لبنان ، لعملية عسكرية صغيرة ، تحت شعار المقاومة الإسلامية ، متوقّعا أن يبقى في دائرة دعائية محدودة ، تخدم سياسته المرحلية فحسب ، في ضمن قواعد اللعبة المحدّدة مع الصهاينة.
حدوث ردّ فعل دراماتيكي مفاجئ في الأحداث ، كان التحالف الصهيوصليبي قد أعدَّه مسبقا ، لإسقاط أو أضعاف ورقة الجيب الصفوي اللبناني ، من اليد الإيرانية في معادلة الصراع .
فانتهى إلى قرار (مجلس التآمر الدولي) ، الذي يلزم لبنان بحماية حدود الصهاينة ، ومنع استغلال إيران لها عبر حزب حسن نصر في صراعها مع الغرب .
ثانيا : المتوقع :
استمرار الصراع بين المشروعين الصفوي ، والصهيوصليبي ، وإفضاء ذلك إلى مواجهات أخرى تأخذ عدة أشكال ، حتى تنتهي بالصدام المباشر .
ثالثا : الموقف من الأحداث :
المحور الصفوي يكافح للخروج من مأزق الجيب الصفوي في لبنان ، بأيّ مكسب سياسي ، بعد فشل خطّته .
على مستوى الأنظمة العربية ـ كالعادة ـ مواقف مخزية ، ونقاط جديدة إلى رصيد العار ، ومطايا للمشاريع الأجنبيةّ ، أو متفرجين يكتفون بمراقبة شعوبهم لتبقى في حظيرة الذل!
على مستوى مشروع الجهاد : استمرار راية الجهاد على بصيرة ، لإعلاء كلمة الله تعالى ، وتحريض الأمّة على النهضة ، ورد العدوان الصهوصليبي ، لا يضرّهم من خذلهم ، ولا من خالفهم .
وعلى مستوى المفكِّرين الإسلاميين :
انقسم المفكَّرون في العالم الإسلامي إلى ثلاثة أقسام :
أحدها : قسم يقرّون أنّ ثمّةَ فرق بين التشيّع من حيث هو فكر وعقيدة ، وبين المشروع الصفوي فهو مناقض لمشروع الأمّة ، وخطر عليها ، ولكنّهم يظنون أنّ الأولويّة للصراع مع العدوّ الصهيوصليبي ، ولهذا فليس هذا وقت حشد التحريض ضد المشروع الصفوي ، فبقاؤه قويا في معادلة الصراع ، خيرٌ للإسلام !
وهؤلاء قد يكون لرؤيتهم وجه ، لو كان للعالم الإسلامي رقم مؤثر وقويّ في معادلة الصراع ، بحيث يمكنه الاستفادة من تجاذب الهيمنة بين المشروعين العدوّين ، وعقد صفقات أو تحالفات ، تجمع بين مصلحة المسلمين ، ودرء الخطر عنهم ، وحماية الإسلام من خطرهما ، على المستوين : الثقافي ، والسياسي .
أما في حالة الضعف على المستويين الثقافي ، والسياسي ، والفراغ الهائل على الصعيد النهضوي ، فإن هذا التوجّه ، ضربٌ من الغفلة ، فهو يقدم خدمات مجانية لمشروع معاد يتربص بشعوب إسلاميّة مكشوفة ، وهذا يعني السماح بأن يملأ المشروع الصفوي المعادي ، الفراغ الذي في الأمّة بما يقودها إلى مهلكها ، بسبب التقاعس عن كشف حقيقته ، وتوضيح أهدافه ، وحماية الأمّة من مخططه .
والثاني : قسم يرون المشروع الصفوي في ضمن مشروع الأمّة ، ورصيد لها ، وأنّ نصره واجب ، وانتصاره انتصار للأمّة ، والعجيب أنَّ غالب هؤلاء كان صوتهم خافتا ، إن لم يكن معدوما ، عندما احتاج المشروع الجهادي السنّي إلى دعم وتأييد !!
وهذا القسم في غاية الخطورة على الأمّة ، ويشكِّل جهلُهم ، أو إمكانُ استغلالهم ، جسرا لهذا المشروع الخطر على أمتنا ، وهم وقود رخيص الثمن ، أو مجاني ، للمشروع الصفوي ، يحرقه في طريقه إلى الوصول إلى أهدافه الخبيثة ، التي لن تنتهي دون مسخ تراث الأمّة ، والقضاء على دينها ، وإعمال السيف في رقاب أبناءها .
ولهذا فالواجب الشرعي متعيّن ، للرد على هؤلاء ، والحذر والتحذير منهم ،والأخذ على أيديهم ، فإنّهم يعبثون بمصير الأمة ، ويعرِّضون قوام هويّتها للخطر ، وشعوبها لتسلّط أشدّ الأعداء خطورة .
وإن كانوا يجهلون أنّ المسخ الثقافي الذي يحمله مشروع النظام الصفوي في إيران ، أبعد ما يكون حتّى عن التشيّع ، إلى دين باطني ، يحمل بين طيّاته ، أصناف الزندقة ، فضلا عن أنّه يجمع بدع الجهمية ، والقدرية ، والمرجئة ، والخوارج أيضا من جهة الغلوّ في التكفير ، حتى يكفِّرون كل منكر للإمامة ، وهم كلّ العالم الإسلامي السني ،ممزوجا ذلك كلّه بتعصب بغيض ، وأحقاد شعوبيّة مقيته ، وطغيان سياسي ، وإفلاس حضاري ، وقد لاقي الشعب الإيراني النبيل نفسه ، ويلات هذا النظام قبل غيره .(/2)
وأن هذا المشروع الخبيث ، لو تسلَّط على رقاب المسلمين ، فربما سيترحمّون على أيّام الاحتلال الصليبي في القرن الماضي ! كما تتنفّس ـ مثلا ـ الأسر العراقيةّ الصُعداء إن علمُوا أنَّ أسيرهم بيد الاحتلال الصليبي على بشاعته ، وليس عند فيلق الغدر ( بدر ) !!
إنْ كانوا يجهلون ذلك كلَّه ، فشفاء العيّ السؤال ، فإن أصرُّوا بعد ذلك على الوقوف مع مشروع النظام الصفوي ، فهم أهل النفاق الذين قد عُرف خطرُهم على الأمّة ، وإن تزيّنوا بالعمائم ، وتوشَّحوا بالألقاب الشرعيّة !
والثالث : قسم عرفوا حقيقة هذا المشروع الصفوي ، وتبيّن لهم خبثه ، وعظيم خطره ، فهم يرون أنّ المشروع الصفوي لا يقل خطورة عن المشروع الصهيوصليبي ، بل قد يكون أشد خطراً ، وأنَّ مواجهته واجب شرعي ، وفضح مخططاته فرضٌ على من يتولّى أمر الفكر ، وتبصير المسلمين بأبعاد مؤامرته على أمّتنا من الجهاد الذي لا يجوز التخلِّي عنه ، وهو ثغر تاركه من أشدّ الناس جرما في المسلمين .
فهذا هو الحقّ الذي يجب أن يتمسَّك به من يبتغي الهدى ، ويجب على حملة هذه الشعلة الهادية ، أن يتقدَّموا على ثقة من أمرهم ، ولايهولنّهم صياح المخدوعين بسحر الإعلام ، المبهورين بقرع الطبول الصفوية الفارغة .
ففي الخلاص من النظام الصفوي الجاثم على مقدرات الشعب الإيراني ، فرجٌ على ذلك الشعب ، وشعوب المنطقة ، وحماية لتراث الأمّة مما هو من أعظم الأخطار .
والفتنة الصفويّة ـ و الله أعلم وكلّ شيء بمشيئته وتقديره ـ قادمة قد ضُرب لها الأجل، وسيفهم على المسلمين يستعد ليُسَل ، وقرن ثورتهم سيطل ، وستظهر بوادر ذلك عاجلا علينا ، وسهامهم ستُوجَّه وشيكا إلينا .
فنهيب بأهل الإسلام أن يكشفوا المندسِّين من الجيوب الصفويّة المتربّصة بالمسلمين شراً في بلاد الإسلام ،
وأن لا ينخدعوا بشعاراتهم الزائفة ، ولا يلتفتُوا للمخدوعين بها .
وأن يأخذوا حذرهم ، وأسلحتهم ، ويستعدُّوا لوأْد فتنتهم ، وردِّهم عن مخططهم خائبين ، وحماية المسلمين من طغيانهم ، والإسلام من إفكهم، وكفرهم ، وضلالهم .
وأن يكونوا مع المجاهدين الصادقين ، فإنّ الله تعالى قال ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) وهم الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله تعالى ،
أما المنافقون الذين يظهرون الإسلام ،ويبطنون الكيد به وبأهله ، فهم الذين قال الله تعالى عنهم ( هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) .
وقد أمرنا الله تعالى بجهادهم ، مستعينين بالله تعالى، وعليه متوكلين ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، حسبنا الله على جميع أعداءه من الصهاينة ، والصليبين ، والرافضة المنافقين ، والله نعم المولى ، ونعم النصير.
لفضيلة الشيخ المجاهد حامد بن عبدالله العلي حفظه الله
المصدر
http://www.h-alali.net/npage/mqalat_open.php?id=346(/3)
تحذير الجالية من المنكرات السارية (1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتنَّ إلا و أنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ] .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثَّ منهما رجالاً كثيراً و نساء ، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } [ النساء : 1 ] .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم - و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } } [ الأحزاب :70،71 ] .
أمّا بعد فيا أمّة الإسلام :
كُتب علينا أن نعيش بين ظهرانيْ المشركين و هو كُرهٌ لنا ، لما جاء من التحذير منه ، و النكيرِ على من أَلِفه ، فقد روى أبو داود و الترمذي بإسناد صحيح عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجلي رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قَالَ : « أَنَا بريء مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ » . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ؟ قَالَ : « لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا » .
و ما ظنّكم بمن برئت منه ذمّة رسول الله ، كيف يكون في الحياة حالُه ، و إلام يَصير في الآخرة مآله .
ما لم يكن في الهديِ هديِ محمّدٍ *** ما يَعصِمُ العَبدَ الضعيفَ من الردى
أَرْدَتهُ أهواء النفوسِ و لم يَحُر *** بين الردى و الران غَيرَ تردّدا
ما ظنّكم بالعَبدِ منه تبرّأت *** ذِممٌ أيُفلِتُ منْ هلاكٍ إن عَدا
فكم من اخوةٍ لنا ضاعوا في غربتهم ، و أضاعوا ما ائتمنوا عليه من الأهلين و البنين ، فعاشوا غرباءَ قد ماتت الغيرة في نفوسهم ، و تبلّدت تجاه المنكرات أحاسيسهم ، فترى الواحد منهم كالكافر في ظاهره ، و قد خبا نور الإيمان في باطنه ، فلم يرفع به رأساً ، و لم يَغرس له غَرساً .
فلنحذر أن تزلّ أقدامنا ، و ننحرف عن الجادّة في مسيرنا ، فَنَقَع في حبائل الشيطان و ما أكثَرها ، و نصيرَ إلى سفاسفَ استشرفها ، فحسّنها في أعيننا و جمّلها .
قال بعض السلف : ( إنّ الشيطان يعطي العبد تسعاً و تسعين ليوقعه في واحدةٍ ) ، فإذا وقع فيها نال عقابه ، و لقي هلاكه .(/1)
و كان مَثله كَمَثَلِ الشَّيْطَان إِذْ يُسَوّلُ للإنسان الْكُفْر فَإِذَا دَخَلَ فِيمَا سَوَّلَهُ لَهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَ تَنَصَّلَ وَ قَالَ : ( إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) . وَ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الرواة من قصص بني إسرائيل ما يصلح مثالاً لما نحن بصدده فروى اِبْن جَرِير في تفسيره عن عَبْد اللَّه بْن نَهِيك قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : إِنَّ رَاهِبًا تَعَبَّدَ سِتِّينَ سَنَة وَ إِنَّ الشَّيْطَان أَرَادَهُ فَأَعْيَاهُ فَعَمَدَ إِلَى اِمْرَأَة فَأَجَنَّهَا وَ لَهَا أخوة فَقَالَ لإخوَتِهَا : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقَسّ فَيُدَاوِيهَا قَالَ : فَجَاءُوا بِهَا إِلَيْهِ فَدَاوَاهَا ، وَ كَانَتْ عِنْده فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا عِنْدهَا إِذْ أَعْجَبَتْهُ فَأَتَاهَا فَحَمَلَتْ فَعَمَدَ إِلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَجَاءَ إخوتها ، فَقَالَ الشَّيْطَان لِلرَّاهِبِ : أَنَا صَاحِبك ، و إِنَّك أَعْيَيْتنِي ، أَنَا صَنَعْت هَذَا بِك فَأَطِعْنِي أُنْجِك مِمَّا صَنَعْتُ بِك فَاسْجُدْ لِي سَجْدَة فَسَجَدَ ، فَلَمَّا سَجَدَ لَهُ ، قَالَ : ( إِنِّي بَرِيء مِنْك إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) فَذَلِكَ قَوْله تعالى : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإنسان اُكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْك إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) . وَ روى اِبْن جَرِيرٍ أنّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رضي الله عنه قال فِي هَذِهِ الآية : كَانَتْ اِمْرَأَة تَرْعَى الْغَنَم وَكَانَ لَهَا أَرْبَعَة إخوة وَكَانَتْ تَأْوِي بِاللَّيْلِ إِلَى صَوْمَعَة رَاهِب قَالَ فَنَزَلَ الرَّاهِب فَفَجَرَ بِهَا فَحَمَلَتْ فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ لَهُ اُقْتُلْهَا ثُمَّ اِدْفِنْهَا فَإِنَّك رَجُل مُصَدَّق يُسْمَع قَوْلك فَقَتَلَهَا ثُمَّ دَفَنَهَا قَالَ فَأَتَى الشَّيْطَان إخوتها فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ الرَّاهِب صَاحِب الصَّوْمَعَة فَجَرَ بِأُخْتِكُمْ فَلَمَّا أَحْبَلَهَا قَتَلَهَا ثُمَّ دَفَنَهَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ رَجُل مِنْهُمْ وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت الْبَارِحَة رُؤْيَا مَا أَدْرِي أَقُصّهَا عَلَيْكُمْ أَمْ أَتْرُك ؟ قَالُوا لا بَلْ قُصَّهَا عَلَيْنَا قَالَ فَقَصَّهَا فَقَالَ الآخر وَأَنَا وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ فَقَالَ الآخر وَأَنَا وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ قَالُوا فَوَ اَللَّهِ مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ قَالَ فَانْطَلَقُوا فَاسْتَعْدَوْا مَلِكهمْ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِب فَأَتَوْهُ فَأَنْزَلُوهُ ثُمَّ اِنْطَلَقُوا بِهِ فَلَقِيَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ إِنِّي أَنَا الَّذِي أَوْقَعْتُك فِي هَذَا وَلَنْ يُنْجِيك مِنْهُ غَيْرِي فَاسْجُدْ لِي سَجْدَة وَاحِدَة وَأُنْجِيك مِمَّا أَوْقَعْتُك فِيهِ قَالَ فَسَجَدَ لَهُ فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ مَلِكهمْ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَأُخِذَ فَقُتِلَ .
إنّها حبائل إبليس ، و تلبيسات الخسيس ، فالحذارِ الحذار ، و إلا فالنّار و العار و الشنار و الدمار .
و من تلبيس إبليس على العباد تزيين الباطل لهم ، و تقريب الذرائع ليوقعهم ، حتى يتوسّعوا في الرخص ، فيصيروا إلى الحِيَل ، و يقعدوا عن النوافل ، فيصيروا إلى ترك ما وجب من العمَل .
و إذا اجتمعت على المرء غربة الدين و غربة الدار ، صار إلى حالٍ ليس لها من دون الله كاشفة ، ما لم يُقيَّض له من يُمسك بيده ، أو يأخذ عن النار بحُجَزه ، فيقف بالنصيحة إلى جانبه ، يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر ، يعينه إن ادّكر ، و يواسيه إن صَبَر .
و من هذا الباب تأتي موعظتنا الساعةَ ، حبّاً في الخير للغير ، فقد روى الستة و أحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أنّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) ، و دعوةً إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، رجاء أن نكون من المصلحين ، كي لا يعمّنا الله بعذاب من عنده ، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون َ [هود:117] .
و روى أحمد و أبو داود و الترمذي ، و اللفظ له عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قَالَ : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .(/2)
فمن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فقد أدى ما أمره الله به في هذا الباب ، و وجب عليه برّ من استجاب لدعوته و الإحسانُ إليه و من أصرّ على ما وقع فيه من المنكرات ، و أعرض عمّا أقيم عليه من الحجج البيّنات ، و جب زجرُه بهجرِه ، لما رواه أبو داود بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهِ وَ دَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ » .
و ممّا شاع بين المسلمين في زماننا و مُقامنا هذا طلبُ المال من غير حلّه ، و من ذلك الحصول عليه بوسائل غير مشروعة ، قائمةٍ على التحايل و التطاول تارةً ، و على التذلّل و الانكسار للكفّار ، و امتهان النفس أمامهم تارة أخرى ، فضلاً عن مباشرة العمل المحرّم ، و منه الأعمال التابعة للكنائس ، و إن بدا أنّها أعمال برٍّ و إنسانيّة ، و كذا العمل في المطاعم و المقاهي و النوادي ، التي تقدّم المحرّمات و تسوّقها ، فهل ضاقت الأرزاق على المسلم حتى يمتهن نفسه ، و يعمل نادلاً يقدم الخمرة للسكارى ، أو يُعلّب أو يطهو أو يقدّم للنزلاء لحوم الميْتَةِ و الكلاب و الخنازير ، طلباً لدُريهمات لا بركة فيها ، و لا يحلّ اكتسابها أصلاً ، فإنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّمه ثمنه و الإعانة عليه ، و من ذلك تحريم ثمن الكلب ، و مهر البغيّ ، و حلوان الكاهن ، الثابت في سنن أبي داود و النسائي و مسند أحمد بإسنادٍ صحيح .
و مثل ذلك لعنُ عشرةٍ بسبب الخمرة ، فقد روى الترمذي و ابن ماجة و أحمد عن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : « لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِىَ لَهَا وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ » .
و ممّا ابتليت به الأقليّة الإسلاميّة في ديار الغرب ، الوقوع في الربا بصورة أو أخرى ، و أبواب الربا كأبواب الشرك ، بضعٌ و سبعون باباً ، كما صح بذلك الخبر ، الذي رواه الحافظ المنذري في ( الترغيب و الترهيب ) .
فليحذر المتعاملون مع المصارف الربويّة من الوقوع تحت طائلة حرب لا هوادة فيها ، أعلنها الله تعالى عليهم ما لم يبادروا بالتوبة ، فقد قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ البقرة ] .
روى ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين قول ابْن عَبَّاس فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ أَيْ اِسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَرَسُوله ، و قَولَه : فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الرِّبَا لا يَنْزِع عَنْهُ كَانَ حَقًّا عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبهُ فَإِنْ نَزَعَ وَإِلا ضَرَبَ عُنُقه ، وَ روى ابن أَبِي حَاتِم عَنْ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالا : وَ اَللَّه إِنَّ هَؤُلاءِ الصَّيَارِفَة لأكَلَة الرِّبَا وَ إِنَّهُمْ قَدْ أَذِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَ رَسُوله وَ لَوْ كَانَ عَلَى النَّاس إِمَام عَادِل لاسْتَتَابَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَ إِلا وَضَعَ فِيهِمْ السِّلاح . وَ قَالَ قَتَادَة : إِيَّاكُمْ وَ مُخَالَطَة هَذِهِ الْبُيُوع مِنْ الرِّبَا فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَوْسَعَ الْحَلال وَ أَطَابَهُ فَلا تُلْجِئْنَكُمْ إِلَى مَعْصِيَتِهِ فَاقَةٌ .
و ممّا لا ريب فيه أن جلَّ التعاملات المصرفيّة المعاصرة ذاتُ شائبةٍ ربويّةٍ ، ما لم تكن من الربا المحض ، باستثناء تعاملات المصارف الإسلاميّة التي لا وجود لها في هذه الديار .
و من المعاملات المحرّمة في هذا الباب إيداع الأموال في المصارف و الاقتراض منها من غير ضرورة ، أو تجاوز الضرورات إلى الكماليّات ، كالتوسع في شراء المساكن و المراكب و الأثاث ، و تسديد قيمتها بزيادةٍ ربويّة عليها ، فليحذر الذين تورّطوا في شيء من ذلك ، و ليتقوا الله ، فلا يَطْعَموا حراماً ، أو يُطعموه من يعولون من الأهلين و البنين .(/3)
و لا يظن أحدٌ منهم أنّ تنازله عن الزيادة الربويّة لصالح المصرف أو إخراجَها في وجه من وجوه البر و الصلة بدون توبةٍ ، يخرجه من المحظور ، و يبيح له متابعة تعامله مع ذلك المصرف ، لأنّ التعامل بالربا أو المساعدة عليه أو المساهمة فيه سواءٌ في الحرمة ، فقد روى مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه ، قَال : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : ( هُمْ سَوَاءٌ ) ، فتوبوا إلى الله جميعاً أيّها المؤمنون لعلّكم تُفلحون .
إنّ الحرامَ إذا أطعَمتَهُ وَلَدا
شبَّ الصغيرُ على استمرائِهِ و غَدا
يَسعَى لِيُحرِزَه ما عاشَ مجتهِدا
و يُشيحُ مُعتَرِضاً عمّا سواهُ غدا
فاتقوا الله ياعباد الله ، و طهّروا أنفسكم و أموالكم ممّا يوقع في سخط الله ، و اعلموا أنّ الحرام للبركة مُمحِقة ، و أن المعاصي لأسباب السعادة مُسحقة ، و الندامة بمقترفها لاحقة .
وفّقني الله و إيّاكم لخيرَيْ القول و العمَل ، و عصمنا من الضلالة و الزلل
و صلّى الله و سلّم و بارك على نبيّّّه محمّد و آله و صحبه أجمعين
الخطبة الثانية
أمّةَ الإسلام !
اتقوا الله ، و طهّروا أنفسكم و أموالكم ممّا يوقع في سخط الله ، و اعلموا أنّ الحرام للبركة مُمحِقة ، و أن المعاصي لأسباب السعادة مُسحقة ، و أنّ الندامة بمقترفها لاحقة .
و من الخُسران المُبين ، أن يُصاب المرء في عَقِبِه ، فيفسد أبناؤه ، و يُحرم الانتفاع بدُعائهم بعد وفاته ، و ما الإقامة بين ظهرانَي الكافرين إلا مظنّة لذلك ، فكم من أبٍ مسلم تنصّر أبناؤه ، أو انحرفوا خُلُقيّاً بعد أن فرّط في شبابه ، و لم يُفِق إلا بعد وقوع الفأس في الرأس ، حين لم يَعُد يقوى على التدارك بعد التهالك .
ماذا أقول و قد استفتاني رجلٌ في حُكم الإجهاض ، بعد أن تحرّك بين أحشاء ابنته ذاتِ الأربعةِ عشرَ خريفاً جنين من أب كاثوليكي .
أأفتيه فيما سأل ، و أغفلُ بيانَ السبب ، و هو تفريط الأب في زمن الشباب ، حيث لم يُحسن اختيار الأمّ ، و لا تربية الأبناء ، و زجّ بهم في مدارس النصارى ، و غَمَسَهُم في مستنقع آسن بالمنكرات ، ينهلون من منابع الانحلال ، و يجارون الكفرة في الزي و الأخلاق .
و ماذا أقول لمن فرّت ابنته القاصر مع عشيقها إلى بلَدٍ مجاور ، و حَظَرت الشُرَطُ عليه الاقتراب من منزلها ، و إلا غُلّت يداه بالقيود ، و زُجّ به خلف قضبان الحديد .
ماذا أقول ، و ما ذا أقول ، و قلبي يتفطّر ألماً حينما تُعرض عليّ أحوال المسلمين ، و قد تردّت ، و تفشّت في كثيرٍ منها مظاهر الخذلان و الذوبان في مجتمعٍ لا يعرف قِيَماً ، و لا يرعى حُرَماً .
ماذا أقول و قد أودى بيَ الألمُ *** و الدمعٌ منهملٌ و الخَطبُ يَحتَدِمُ
أبكي على الجيل قد تاهت مواكبُهُ *** فبات لا خُلُقٌ يراهُ أو قِيَمُ
في الطيشِ مُنغَمِساً للغرب مُتّبِعاً *** لم يَرعَََ مُعتَقداً صينَتْ به الحُرَمُ
و من الأمراض السارية في جسد الجاليات المسلمة خارج ديار الإسلام – يا عباد الله - ضعفُ التأثّر بما يجري للمسلمين في أنحاء العالم من مصائب و نكبات ، و عدَم التفاعل مع قضاياهم ، أو مشاركتهم آلامهم و آمالهم ، مع أنّ الاهتمام بأمر المسلمين من واجباتهم على التعيين .
و من المؤسف المؤلم أن يُدافع العالم عن حفنة من اليهود ، و يدافع مليار وثنيٍّ عن بقرة تنحر في كشمير ، بينما يغفو العالم ، و نغفوا معه عندما تمتهن كرامة المسلمين ، و تُدنّس حُرُماتهم و مقدّساتهم .
قد هَمَست في أُذُني أمّي
في زَمَن الحربِ المستعرة
لو أنّ بساحتنا بَقَرة
قد وَخَزَتها يوماً إبرة
أو نَزَفت من دَمها قَطرة
أو فقدت من ذَيلٍ شعرة
لرأيتَ الهندوس جميعاً
يأتون إليها بالنُصرة
لو أنّ بساحتنا نِفطٌ
أو مِنجَم فحمٍ أو دُرّة
لرأيتَ القاصيَ و الداني
يُطفون النار المستعرة
لو أنّ هنا نجمة داوود
أو حفنةُ حقّادٍ و يهود
لرأيتَ العالَم يا وَلدي
يتفانى في نصر التِلمود
أمّا الإسلام فوا أَسَفاً
قد رُميَ على حين الغُرّة
إذ ليس له من ينصُرُه
أو يَرفعُ في الدنيا أمره
ألا و صلّوا و سلّّموا على نبيكم الأمين ، فقد أُمرتم بذلك في الذكر الحكيم ، فقال ربّ العالمين : ( إنّ الله و ملائكته يصلُّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ) و على آله و صحبه أجمعين .
==========
(1)( خطبة الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب في مسجد دَبلِن بإيرلندا في السابع من صفر الخير عام 1423 للهجرة ، الموافق للتاسع عَشَر من نيسان 02 20 للميلاد )
كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com(/4)
تحذير المسلمين ممن يشتمون رب العالمين
د.وسيم فتح الله
</TD
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله: "كذَّبني بن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفؤاً أحد"[صحيح البخاري].
وقال الله تعالى :" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم"[سورة المائدة - 72]، وقال تعالى:" لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"[سورة المائدة - 73]، وقال الله تعالى:" وقالوا اتخذ الرحمن ولداً. لقد جئتم شيئاً إدّاً. تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً. أن دَعَوا للرحمن ولداً. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً. إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً"[سورة مريم- 88-93].
وقال الله تعالى:" وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً"[سورة النساء - 140]، وقال تعالى:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإمَا يُنسينَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"[سورة الأنعام - 68]، وقال الله تعالى في وصف عباد الرحمن:" والذين لا يشهدون الزور وإذا مرَوا باللغو مرَوا كراماً"[سورة الفرقان - 72]، قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:" فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال: والذين لا يشهدون شيئاً من الباطل؛ لا شِركاً، ولا غناء، ولا كذباً، ولا غيره، وكل ما لزمه اسم الزور"[تفسير الطبري- 19/49]، قلت: وأي شرك أعظم من نسبة الولد لله تعالى، وأي غناء أفجر من معازف وترانيم تمجد الآلهة المخترعة، وأي كذب أسوأ ممن كذب على الله تعالى كما تقدم في قوله تعالى في الحديث القدسي :" كذبني ابن آدم"؟
إن إقامة الأعياد والاحتفالات التي تدور على مناسبة شركية، هو إقرار على هذا المناسبة واعتراف بها، وإن المشاركة في مثل هذه الاحتفالات بتهنئة أو حضور أو هدية أو طعام أو شراب يعتبر من شهود الزور والكذب، ولو أن أحدنا دعاه شاتم أبيه أو شاتم أخيه أو شاتم أهله وعشيرته لما أجاب دعوته ولنفر منها أشد ما بكون النفور، أفيكون حظ الله تعالى منا أقل من حظ أنفسنا لدينا! إن ما يسمى "عيد الكريسماس" احتفال بمولد من يزعمون أنه ابن الله وأنه الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ثم لا يغرنك أنهم يقدمون الاحتفال يوماً أو يؤخرونه يوماً استدراجاً للمسلم وتأليفاً لقلبه حتى لا يتحرج من حضور مشهد الكذب على الله ومشهد شتم الله عز وجل.
ولا يخدعنك أيها الغيور على توحيد الله عز وجل دعاوى المغرضين أن هذه التهنئة هي نوع من التعايش والتسامح، فإن التعايش والتسامح لا يستلزم حضور زورهم وكذبهم، وليس في ترك حضور مناسبة دينية لغير المسلمين أي عدوان عليهم، بل العدوان هو على حق الله تعالى في صيانة جناب التوحيد وطمس معالم الشرك في العلن، فاحفظ الله يحفظك، واعلم أن تمسكك بالتوحيد وهجرانك للباطل هو أفضل ما تقدمه لهؤلاء إن كنت حريصاً على نفعهم والإحسان إليهم إحساناً عاماً، فإن كلمة التوحيد أغلى ما نملك وأغلى ما نهدي وأغلى ما نغار عليه.
محبكم في الله / د.وسيم فتح الله(/1)
تحرير الأرض أم تحرير الإنسان؟
تناول الدرس الإنسان باعتباره حجر الأساس في قضية التحرير فالأساس هو تحرير الإنسان من العبودية لغير الله وهي أنواع عديدة فصلها وذكر مايدل عليها من القرآن والسنة .
يجب أن نعلم أن حجر الأساس هو الإنسان، فإذا وجد الإنسان الصادق، المؤمن؛ فهذا يعني أننا سرنا في خطوات صحيحة لتحرير الأرض، إذاً لابد أن نتكلم عن تحرير الإنسان قبل أن نتكلم عن تحرير الأرض، أما عن تحرير الأرض، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده.وموسى عليه الصلاة والسلام يقول لقومه عندما قالوا له:
}قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[129] {[سورة الأعراف] وقال تعالى}وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[105]{ [سورة الأنبياء] فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، ويجب أن تخضع لحكم الإسلام، فالنظام الدولي الممكن الصحيح الذي يقبل به الإسلام هو النظام التالي:
الوحدة الإنسانية: باعتبار الناس كلهم من آدم، وآدم من تراب ولافضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على عجمي إلا بالتقوى.. لا يميز جنس عن جنس، ولا لون عن لون.
الوحدة الإيمانية: وهي وحدة الاختيار، فالإنسان لا يختار اللون، أو العرق، وإنما يختار الدين فالوحدة الإيمانية هي أساس الوحدة العالمية، وعلى هذا الأساس يقوم النظام الدولي الوحيد الذي يعترف به الإسلام، وهذا النظام في الوقت نفسه هو النظام العادل.
والهدف الأكبر هو تحرير الإنسان من العبودية لغير الله تعالى، وهذا الإنسان يمكن أن يصنع الفتوح، ويصنع الاقتصاد والسياسة، يقول الله تعالى:} وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[56] {[سورة الذاريات] وهناك أوثان كثيرة تخضع الإنسان للطاغوت، الذي أصبح يملك اليوم كل شيء عكس ما كان بالأمس، مثلًا: إذا قارنت بين الحياة اليوم والحياة بالأمس؛ لوجدت أن الحياة في القرون السابقة كان يسيطر الطغاة على جانب واحد فقط، ففرعون- مثلاً - يسيطر على المال والقوة، ولكن بعد ذلك قد يكون للناس فرص كثيرة جداً أن يتصرفوا فيها بخاصة أنفسهم، ولكن في هذا العصر لم تعد القضية السيطرة على المال، أو القوة فحسب، بل أصبحت كما يقول بعض الكتاب: هيمنة من شهادة الميلاد الى شهادة الوفاة، كل شئون الحياة أصبحت محكومة مضبوطة.
أما إذا كان الحكم صالحاً فهنا حدث ولا حرج، فإن كل هذه الأشياء ستوظف لصالح الإنسان: تصحيح عقله، وقلبه، ومشاعره.. تمكينه من العبودية لله وحده . وهو بالمقابل إذا كان فاسداً فإن هذه الأشياء كلها تتحول الى وسائل؛ لتعظيم فلان وغير ذلك، فمثلا:
الإعلام: يسخر لتحرير الإنسان إذا كان صالحاً، أما إذا كان فاسداً، فيقتصر على تمجيد الحاكم، والثناء عليه، ويتستر على أخطائه.
الاقتصاد: فإنهم يأخذون الأموال بحجة أنها ملك الدولة، ولكنها تنصب في جيبه، أو جيب ابنه؛ فتضيع مصانع الدولة، ومزارعها، وأراضيها
الأمن: إنما وضع لحفظ ممتلكات الناس، وحقوقهم، ولكن بحكم الطغاة يتحول إلى التمهيد للسلطان في الأرض.
أنواع العبودية:
العبودية لله : وهي تستغرق كل الحياة:} قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[162]لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[163]{ “سورة الأنعام” فالصلاة والنسك، والحياة والممات لله تعالى فى حس المسلم.. الأمر كله لله؛ فالإسلام دين يهيمن على كل حياة الأمة، وكل حياة الفرد .
العبودية للطاغوت : ومقابل العبودية لله هناك منهج الطاغوت الذي يجعل العبودية لا تقتنع باليسير بل تستغرق كل حياته، حتى الأنصاب والتماثيل في الشوارع؛ فالطاغوت لا يعف عن شيء، وهناك أمثلة منها :
أن سارة لما جاءت مع إبراهيم عليه السلام، ودخلا مصر [ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ...] ومع أنه عنده الكثير من الجميلات، وهذه امرأة واحدة، ولكن أحب أن يستأثر بها[...فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ ...]رواه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد . فهو لم يعف عنها مع كثرة نسائه.(/1)
عبودية الإنسان لنفسه : وقد أشار الله في القرآن إلى مواضيع عبودية الإنسان لنفسه:} أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ...[23]{ [سورة الجاثية] فعبودية الإنسان لنفسه تأخذ أشكالاً عدة، فمنها:
تعظيم النفس: الكبر والغرور الذي تمكن في إبليس نفسه، فقال:} أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[12]{ [سورة الأعراف] أبى واستكبر، وتعاظم في عين نفسه . وعبودية الإنسان لنفسه وصلت إلى حد ادعاء الألوهية، حيث قال فرعون:} أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[24]{ [سورة النازعات].
عبوديته لشهوة:كشهوة الجسد، والركض وراء المرأة، وعبودية الإنسان لشهوة تجعله رقيقاً لها.
عبوديته للجاه، والسلطة، والمنصب: بأن يفقد الإنسان كرامته في سبيل الوصول إلى ذلك،و يجاهد للمحافظة على ما وصل إليه عن طريق التذلل، والمجاملة التي لا تنتهي.
عبوديته للمال: [ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْقَطِيفَةِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ...]رواه البخاري وابن ماجه . وهل رأيت أكثر سهراً من عبد المال؟! فما الذي أخضع أعناق الرجال إلا عبوديتهم للمال؟! وقد نسوا قول الله تعالى:} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[58] {[سورة الذاريات] .
العبودية للعادة والوضع الراهن : وهذه من أكبر العبوديات التي ووجهت بها دعوة الإسلام، وإن كثيراً من الناس ليحافظ على عاداته أكثر من حفظهم لدينهم!
العبودية للأرض والوطن : فيجعلون الوطن قسيماً لله تعالى، وأحياناً يجعلونه قسيماً للدين، وهكذا يقاتلون من أجل الوطن . والتربية عندهم هي إعداد المواطن.
ومن العبودية أيضاً ضيق النظرة : فلا يرى الإنسان إلا ماحوله، ولا يحس بحاجة الآخرين، ويتصور أن الدنيا كلها من حوله، ولا يدرك حاجة المسلمين من حوله.
عبودية الإنسان للحياة : قال تعالى:} وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ...[96]{ [سورة البقرة] أَيُّ حياة، وإن كانت حياة الذل، والهوان. وإنما يريدون الحياة بأي ثمن؛ لأنهم أصبحوا عبيداً لها.
إذاً لابد من تحرير الإنسان من العبودية لغير الله تعالى؛ بحيث يكون عبداً لله تعالى، فالمسلم إذا بدأ الصلاة قال:' الله أكبر ' كل شيء يسقط، فيبقى الله وحده وهو}الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ[9]{ [سورة الرعد] ثم تقول بعد ذلك:' وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين' وبذلك أقررت أنك التزمت بالمنهج الذي يجعل العبودية لله وحده، وتركع لله، وتسبحه، ثم تسجد لله، وتجلس لله، وتدعو الله، وتذكر الله.. وإن الحياة لا تقاس بعدد السنوات إنما تقاس بالإنجازات، فكم إنسان كان عمره 40 سنة، أو 30 سنة، ومع ذلك خلّد الله تعالى ذكره في الدنيا، وعظم أجره في الآخرة. وكم من الناس يعيش الآن وعمره 70 سنة، ولا يكترث به أحد؛ لأنهم عاشوا لأنفسهم فقط، فلنتحرر من العبودية لغير الله، ولنتحرر من المخاوف والأوهام .. وأسأل الله تعالى أن يرزقنا، وإياكم العبودية له وحده، وأن يخرج من قلوبنا العبودية لغيره، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
من محاضرة: تحرير الأرض أم تحرير الإنسان؟ للشيخ/سلمان العودة(/2)
تحرير الإنسان وتأسيس الوعي العلمي
بقلم /عمر مناصرية
سورة الكهف من السور المكية التي يتفاعل معها المسلمون بشدة ، فهم يقرأونها كل أسبوع مرة ، وفي الحديث الشريف أن من قرأها مرة كل أسبوع كانت له نورا طوال ذلك الأسبوع ، وعندما نتأملها سرعان ما ندرك أن أهم ما تتميز به ، هي القصص : قصة أصحاب الكهف ، ومثل الرجلين والجنتين ، وقصة موسى مع العبد الصالح التي لم تذكر إلا في هذه السورة ، وقصة ذو القرنين التي لم تذكر أيضا إلا في هذه السورة . غير أن ما يلفت الانتباه إليها ، هو أنها تتناول موضوعا واحدا ، وهو تحرير الإنسان من رضوخه لسلطان الأشياء والظواهر والقيم التي يقع سجينا لها ، فتذهب بأعماله كلها ، ولا يلقى منها غير العذاب والنار.
________________________________________
ففي قصة أصحاب الكهف .نجد أن تجربتهم كلها قامت على هدف واحد ، هو تحريرهم من الزمن ، وتخليصهم من الأسر الذي يمثله على الإنسان ، حتى إذا تحرروا رأوا الحقيقة التي كافحوا لأجلها كاملة ، وهي وجود عالم غيبي ، فيه الجزاء والعذاب والنار والحساب .
________________________________________
ففي قصة أصحاب الكهف (من الآية 9 إلى الآية 26 ) .نجد أن تجربتهم كلها قامت على هدف واحد ، هو تحريرهم من الزمن ، وتخليصهم من الأسر الذي يمثله على الإنسان ، حتى إذا تحرروا منه رأوا الحقيقة التي كافحوا لأجلها قد انتصرت ، كما أصبحوا هم أنفسهم دليلا عليها ، حيث بعثوا ثانية بعد فترة زمنية طويلة ، لا يمكن للإنسان وفق مفاهيم الزمن الدنيوي أن يقاومها، وبالتالي فإن هناك زمنا آخر، فيه الجزاء والعذاب والنار والحساب ، وهي نفس المفاهيم التي كانت تثار حولها التساؤلات في مجتمع ذلك الزمان ، فالحقيقة إذن لا تموت ، سواء من جهة انتصارها عبر الزمن ، أو من حيث موضوعها الذي قامت للتأكيد عليه ، وهو هنا وجود زمن أخروي غيبي في مقابل الزمن الدنيوي، يؤول إليه الإنسان ، وتؤول إليه كل أعماله ، والزمن فقط هو الذي يمنع الإنسان من رؤية ذلك ، فيركن إلى ما حوله من الأشياء والشهوات والدنيا، ولا يستطيع النفاذ إلى ما وراءها من حكمة ومن حقائق أخرى تقلب حياته كلها .
إن بطء الزمن الدنيوي بالنسبة للإنسان يجعل من إمكان التحرر منه أمرا عسيرا وصعبا ، إلا إذا استطاع الإنسان على هدى من الله أن يدرك هذه الحقيقة ويؤمن بها ، ليس بصورة تقريرية ، ولكن بصورة يرتقي بها عن الزمن نفسه ، فتتحول أفعاله نتيجة ذلك إلى الغاية الحقيقية منها.لذلك بعد هذه التجربة مباشرة ، تذكر الآيات العالم الأخروي المستقبلي والجزاء الذي يكون فيه من حساب و من جنة أو نار ، كزمن حقيقي يجب على الإنسان أن تكون أفعاله كلها وحياته مستندة إليه .
________________________________________
ثم ثم في نفس السياق يضرب الله مثلا آخر عن الرضوخ الإنساني ، في مثل الرجلين الذين كان لأحدهما جنتين ، من الآية 32 إلى 44 ، فالجنتين تمثلان عملا دنيويا صرفا ، يسجن صاحبه ، ويضعه في أسره ، فيكف عن رؤية الحقيقة التي يريها له صاحبه ، فتصبح الجنتان تغطيان عينيه وتعميانها عن إدراك الحقيقة قراءة في سورة الكهف :تحرير الإنسان وتجاوز العقل اللاعلمي
________________________________________(/1)
ثم في نفس السياق يضرب الله مثلا آخر عن الرضوخ الإنساني ، في مثل الرجلين الذين كان لأحدهما جنتين ، من الآية 32 إلى 44 ، فالجنتين تمثلان عملا دنيويا صرفا ، يسجن صاحبه ، ويضعه في أسره ، فيكف عن رؤية الحقيقة التي يريها له مرارا صاحبه ، فتصبح الجنتان تغطيان عينيه وتعميانها عن إدراك الحقيقة : { وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا 36} فالمكان هنا هو الذي أسره ، ببهرجه وزينته وثمره ، فلم يعد يؤمن بالحقيقة ، لأن كل جهده انصرف إليه ، فلما هلكت :{ وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا 42 ..} فانهار ذلك العمل كله ، وأصبح حطاما، لا فائدة منه . ويخلص القرآن إلى نفس النتيجة ، ويعتبرها قانونا ، إذ يقول بعد ذلك : {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا 45 } وهذا المثل كثيرا ما يضربه الله في القرآن عن الحياة بصورة عامة، أو العمل الذي لا يقوم على قاعدة الإيمان ، وهنا يضربه مثلا للحياة ، لتوضيح النتيجة التي سيؤول إليها العمل الإنساني الذي لا يقوم على قاعدة التحرر ، إذ يصور الله الدنيا في شكل فاقد لقيمته ، (هشيما تذروه الرياح )، بعد أن كان سجنا للنفوس ، يمارس عليها سلطته ، ولهذا تمضي الآيات بعد هذا المثل مؤكدة على أهمية تجاوز السجن الدنيوي ، وما فيه من شهوات وملذات .إلى العالم الآخر الذي يمثل مستقر كل الأعمال وهذا من الآية 46 التي تقول : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } إلى الآية 59 { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا} . ذاكرة الساعة والحساب والملائكة وخلق السماء والأرض ، ثم تذكر الصلف الإنساني وتعنته الذي يمنعه من الإيمان ، متمثلا في الجدل : { ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا 54 } .
ثم تنتقل الآيات للحديث عن قصة موسى مع العبد الصالح ، الذي آتاه الله علما ورحمة ، فتذكر في نفس السياق ، ضرورة أن يتحرر الإنسان من سلطان الرؤية الذاتية للأفعال والتصرفات التي تقوم أمامه أيضا كسجن يأسره ، فلا يرى الحكمة والغاية منها ،من الآية 60 :{ وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا } إلى الآية 82 ، والقصة معروفة ومشهورة . حيث نجد موسى يتفاعل مع تلك الحوادث بانفعال واضح ، للتدليل على أن هذه الذاتية تمنع الإنسان من رؤية الحكمة ، وبالتالي، فهي مسجونة بنظرتها الجزئية الظرفية التي لا تستطيع الإدراك الكلي للأفعال والحوادث التي تجري في حياة الإنسان . فكما أن رجل الجنتين وقوم أصحاب الكهف، لم يستطيعوا أن يتحرروا ليروا ما خلف أوضاعهم من حقائق غيبية، وهو مثل عن الإنسان بشكل عام ، لم يستطع موسى أن يتحرر من سلطان نفسه لينفذ إلى ما وراء الفعل الإلهي من غايات وحكمة حاضرة ، فجاءت الاستجابات جميعا على نحو واحد ، وهو الخطأ المستمر والفشل الذريع في إدراك الحكمة من وراء الأفعال والأشياء والوجود بصفة عامة.
فالخطاب في هذه القصص والأمثال، يتجه إلى الحديث عن القدرة الإنسانية في تجاوز حالات الأسر التي تجد نفسها موضوعة فيها لأسباب كثيرة ، سواء نتيجة الزمن ، مثلما يقول الله تعالى في آيات أخرى كثيرة : {فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }. أو نتيجة ثمرات الأفعال الإنسانية وعائداتها الدنيوية، التي تكرس منطق الرضوخ والركون إلى ما تجده أمامها ، فتقنع بها ، ولا تلتفت إلى الحقيقة التي تستتر وراء ذلك ، أو نتيجة الرغبة الإنسانية العارمة ، في تفسير الحوادث وفق أهوائها وما تراه حاضرا ، وليس وفق ما سيتحقق مستقبلا ، أي الذاتية .
________________________________________
وهنا تأكيد على أن إدراك هذه الحقيقة المهمة في حياة الإنسان ، أي التحرر من الزمن ، وفي نفس الوقت التحرر من الذاتية التي تفرضها النفس بنمطيتها الجاهزة ، يؤسس للوعي العلمي ، ويقود الفعل الإنساني في اتجاهاته الصحيحة نحو التمكين .
________________________________________(/2)
فالسورة تتحدث عن هذه السجون ، وضرورة التحرر منها ، لتعطي للفعل الإنساني كامل أبعاده وشروطه التي يستطيع على أساسها أن يكون فعلا صحيحا وذا جزاء أخروي ودنيوي معتبر ، ولهذا تبرز السورة تحقق ذلك في قصة ذي القرنين ، الذي ينجح فعلا في تأسيس تلك الحرية وذلك الوعي ، عبر اتخاذه الأسباب المنطقية في حركته كلها ، وينجح فيما فشل فيه رجل الجنتين ،من الآية 83 إلى الآية 97 ، فرغم أنه كان ذا ملك ممتد من المغرب إلى المشرق، إلا أنه كان مؤمنا ، فلم يسجنه ملكه، وكانت قدرته التقنية والعقلية هي طريقه إلى ذلك ، حيث استطاع أن يبني الردم . قال: { ما مكني فيه ربي خير ، فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما 95 } فهو قد تمكن بالفعل بطريقة تفكيره ومنهجيته من الحصول على نتيجة أفعاله . لذا يستطيع أن يجد للمشكلات حلا ، ويتصرف فيها على النحو الذي يريده ، ولذلك ، مكنه الله في الأرض ، وخاطبه قائلا : { ...قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا 86 }. فيجيب بما يدل على إدراكه لحقيقة الزمن الدنيوي ، وأن هناك مآلا للأعمال يوم القيامة. قال : {أما من ظلم فسوف نعذبه ، ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا 87 وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا 88 } .وعندما يصل إلى القوم الذين طلبوا منه بناء سد ، يفعل تلك العقلية السببية ، ويبحث عن حل علمي للمشكلة ، ويجده ويطبقه ، ويكون حلا نهائيا لها .
وهنا تأكيد على أن إدراك هذه الحقيقة المهمة في حياة الإنسان ، أي التحرر من الزمن ، وفي نفس الوقت التحرر من الذاتية التي تفرضها النفس بنمطيتها الجاهزة ، يؤسس للوعي العلمي ، ويقود الفعل الإنساني في اتجاهاته الصحيحة نحو التمكين .
ولتوضيح هذا لا بد من عقد مقارنة بين أصحاب الكهف وموسى وذو القرنين .
________________________________________
وفي نفس الوقت كان ذو القرنين متحررا من ذاتيته إذ أوتي مفهوم السبب والارتباط بين العلاقات و النتائج ، ولهذا تمكن من بناء الردم بصورة تقنية صرفة ، مازجا بين المعادن ، ومشكلا منها حلا للمشكلة ، والبناء والمزج تعبير عن إدراك الارتباط بين الأشياء وعلاقتها ببعضها
________________________________________
فأصحاب الكهف كانوا آية عن التحرر من الزمن الدنيوي ، لذلك دخلوا في تجربة ضد الزمن ، وأن الإنسان سيبعث ثانية ، وأن هناك ساعة وحسابا : { وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم ، فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم ، قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا21 } . أما موسى في تجربته ، فإنه كان يمتلك القدرة على التحرر من الزمن إذ كان نبيا ، غير أن وقوعه في ربقة النتيجة الآنية للفعل ،أي تفسيره الذاتي للأفعال وفق قيمه ، ونفاذ صبره بسبب عدم مقدرته على الإحاطة خبرا بالفعل أو الظاهرة { قال وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا 68 } ،حرمه من إدراك الحكمة والغاية من الفعل، والقصة كلها تدور حول التحرر من معايير الحاضر وقيمه ، رغم أنها قد تبدو قيما صحيحة في كثير من الأحيان ، بهدف رؤية المستقبل والتفاعل معه ، فلو أن موسى صبر كما أوصاه العبد الصالح ، لتمكن من تجاوز الرؤية الراهنة للفعل ، ومن ثم تجاوزه والاستمرار في التجربة لتأسيس الوعي بالمستقبل ، وهذا بعكس ذو القرنين الذي امتلك الخاصيتين والحريتين معا ، فقد كان متحررا من الزمن الدنيوي ، عبر إيمانه ، وذلك ما تشهد عليه الآية عندما قال جوابا عن استخلاف الله له { أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا } وفي نفس الوقت كان متحررا من ذاتيته إذ أوتي مفهوم السبب والارتباط بين العلاقات و النتائج ، ولهذا تمكن من بناء الردم بصورة تقنية صرفة ، مازجا بين المعادن ، ومشكلا منها حلا للمشكلة ، والبناء والمزج تعبير عن إدراك الارتباط بين الأشياء وعلاقتها ببعضها ، لإنجاز شيء ذي قيمة ، فهو لم يكن يمتلك الشيء ، لأنه وجده هناك لدى القوم ، ولكنهم لم يكونوا بقادرين على استخدامه إذ كانوا لا يفقهون قولا . ولكنه كان يمتلك العقلية التي تستطيع الربط والاستنتاج ، لما رأى السدين فأدرك أن السد ليس حلا ، ولكن الردم هو الحل .
وهنا يمكن أن نخلص إلى ثلاث أنماط من التجارب ، هي :
1 - تجربة أصحاب الكهف التي تأسست لتحرر الإنسان من عامل الزمن ، ولتربطه بمآله الأخروي ، ليستقيم العمل الإنساني في صورته الشاملة ، وهو ما نجده أيضا في مثل الرجلين ، والتجربة فيه تتجه للحديث عن الزمن الآخر الحقيقي ، فالحياة الإنسانية ، يجب أن تتأسس كلها على هذه الحرية ، والمشكلة تكمن في صعوبة إدراك هذه الحقيقة ، لأن الزمن يتحول إلى سجن حقيقي ، مالم يأت الغيب بآياته ، يدلل عليها ويوضحها .(/3)
2- تجربة موسى التي تأسست لتحرر الفعل الإنساني من أسره النفسي الذاتي، الذي يمنعه من رؤية الحكمة في الفعل المستقبلي .بتسلط الفعل الحاضر باتجاهاته وقيمه ومعاييره على النفس ،نظرا لاعتيادها عليها وألفتها لها ، حيث تصبح سلطة صارمة ، تقف في وجه التمكن من الرؤية المستقبلية الصحيحة، فموسى كان يريد أن يحاكم أفعال العبد الصالح وفق قيمه ومعاييره التي تنشأ عليها ، إلا أن تلك القيم في هذه الحالة وقفت حاجزا أمام موسى لإدراك الحكمة من وراء ذلك .
3- تجربة ذو القرنين ، التي تأسست لتحرير الإنسان من الأسر الطبيعي ، عبر تحقيق الربط بين الأسباب والظواهر وكشف العلائق الموجودة بينها ، للتغلب عليها وتوظيفها ، متجهة إلى الجزاء الدنيوي ، وإلى النجاح والفوز والتمكين ، وهو ما يعني التأثير الإنساني والفعل المبدع والحرية وإتباع الأسباب .والمشكلة التي تعترض هذا الفهم ، تكمن في صعوبة فهم العلاقات بين الظواهر ، أي تخلف العقل العلمي، كما حدث للأقوام الذين لا يفقهون قولا ، رغم أن كل المتطلبات لبناء الردم كانت متوفرة لديهم ، حتى جاء ذو القرنين الذي امتلك عقلية الربط والسببية ، فقام بتصنيع الردم .
وهنا نجد أن القصص تتحدث عن ثلاث أنواع من الحرية ، يجب أن يحوزها الفعل الإنساني ، حتى يأتي مستقيما ، وهي :
- الحرية الزمنية التي تتيح رؤية الزمن الأخروي ، والتي بدونها يرضخ الفعل الإنساني للخرافات كما في تعدد الآلهة ، أو للشهوات كما لدى رجل الجنتين.
- الحرية النفسية التي تتيح رؤية الحكمة المستقبلية في الفعل الحاضر، وبدونها يرضخ الفعل الإنساني إلى النتائج غير المنطقية التي يحدثها فعله ، أو من الممكن أن تأتي عليها الأفعال بصورة لا يريدها هو ، رغم أن في ذلك تحقق للرحمة .
- الحرية الطبيعية التي تتيح الاستفادة من الطبيعة واستثمارها ، عبر إدراك القوانين المتنفذة فيها ، والعلاقات التي تكون بينها ، وبدونها يرضخ الفعل الإنساني للطبيعة والخرافة، ويكون في أسرهما ، غير قادر على التغلب عليهما ، رغم أن كل شيء متوفر لتحقيق غاية التمكين .
إن كل حرية تؤسس للحرية التي بعدها ، فالتحرر من الزمن يقود مباشرة للتحرر من النفس ومن رؤيتها الضيقة للأشياء ، والتحرر من النفس هو الذي يمكن من التحرر الطبيعي ، وبدون التحرر الأول ، لا يستطيع الإنسان أن ينجز أي تحرر آخر ، وما حدث للغرب هو نكوص من التحرر الأول ، حيث بالوصول إلى التحرر العلمي ، تم الانقلاب على كل ما أنجز من تحرر آخر ، نفسي ، وزمني ، فأصبح متحررا طبيعيا ، غير أنه واقع في أسر الزمن ، فلم يعد يرى ما وراء الحياة والزمن الدنيوي من حكمة وغاية ،ولهذا يسعى جاهدا لتأسيس الحرية الأولى ، بالاستعاضة عنها بالفلسفات التي يبدعها ، والتي لا تستند إلى التحرر من الزمن ، ولكن إلى مقولات تحاول أن تأخذ مكانه وتصادره، وعندما يعجز عن ذلك ، يكف عن البحث عنه ، ويعود إلى الطبيعة يمارس عليها عنفه .
فالقصص كلها ذات هدف واحد ،وهي تريد التأسيس للحرية الإنسانية ، وتختتم بآيات عن الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا ، بحسبانهم أنهم يحسنون صنعا ، وبكفرهم بآيات الله ولقائه ، فلم يستطيعوا تجاوز الزمن الدنيوي ، ولا أسرهم النفسي باعتقاد الحسنى في أعمالهم ، فلذلك لا وزن لهم في الآخرة : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا104 . أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم وزنا 105 } وكذلك : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ، فمن كان يرجو لقاء ربه ، فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا110 } .
هذه محاولة لقراءة سورة من القرآن وإعطائها وحدة ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.(/4)
تحريف الكلم عن مواضعه سبب العذاب والهوان
يقول مولانا الحق: {وإذ قلنا ادخُلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا البابَ سجداً وقولوا حِطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقُون}.
هذه آيات عظيمةٌ تحكي قصّة بني إسرائيل ونكولهم عن الجهاد وعدم دخولهم الأرضَ المقدسة لما قَدِموا من بلاد مصر في صحبة موسى - عليه الصلاة والسلام -(1)، ذماً لهم، وتبكيتاً لصنائعهم.
...وكان هذا الأمرُ منهم بعد خروجهم التيه بعد أربعين سنة مع يوشع ابن نون - عليه الصلاة والسلام -، وفتحها الله عليهم عشية جمعة، وقد حُسَت لهم الشمس(2) يومئذ حتى تمّ الفتح.
ولما فتحوها أُمروا أن يدخلوا الباب (باب البلد) سجداً (أي: ركعاً). ولكن اليهود كعادتهم لا يطيعون أمراً، ولا يلتزمون عهداً، فدخلوا زحفاً على أدبارهم، وقيل لهم: قولوا: حطة (أي: احطط عنا خطايانا فقد أقررنا بذنبنا، ولكنهم بدلوا ما قيل لهم أقبح تبديل سخرية منهم واستهزاءاً وعلوّاً واستكباراً.
فبدّلوا الفعل والقول؛ بدّلوا الفعل بدخولهم زحفاً على أدبارهم، وبدّلوا القول بقولهم: حَبَّة في شعرة، أو حنطة في شعيرة.
فذلك قول الله - تعالى -: {فبدَّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيلَ لهم}.
فوصفهم الله بالظلم؛ بسبب تبديل ما أُمروا به، وكل من بدّل ما أُمر به فقد ظلم نفسه، لأنَّ المخالفة عن أمر الله وأمر رسوله سبب اللعنة والعذاب.
أرأيت كيف لعن اللهُ إبليسَ وطرده من رحمته لما رفض السجود لآدم وفسق عن أمر ربّه؟! قال - تعالى -: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدمَ فَسَجدوا إلاّ إبليس أبى واستَكبَر وكانَ مِنَ الكافرين}، وقال: {وإنَّ عليكَ لَعنتي إلى يوم الدّين}.
واليهود إخوان القردة والخنازير قوم بهت، تاريخهم أسود، بل أظلم من الليل البهيم، يتعمَّدون مخالفة ربهم ومعبودهم، كيف لا وهم قتلة الأنبياء {فريق كذبوا وفريق كذبتم وفريقاً تقتلون}؟!
والذي حكاه الله عنهم من التبديل غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة؛ لذلك أنزل الله بهم بأسه، وسلط عليهم جنده يسومونهم سوء العذاب إلى يوم القيامة {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}.
فهؤلاءِ يهود من أعرق الناس نسباً، أبناء أنبياء خلفاً عن سلف، ولكنهم لما بدّلوا وحرّفوا وغيّروا وقدّموا وأخروا: أخرّهم الله، وضرب عليهم الذلّة والمسكنة، ومسخ طائفة منهم قردة وخنازير، فالله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب أو واسطة، والتفاضل لا يكونُ إلاّ بالتقوى.
وأمة الإسلام إذا اتبعت سنن اليهود في التحريف والتبديل أصابها ما أصابهم، فاليهود بالأمس بدّلوا حِطة بحنطة، فزادوا النون، وبعض أفراد هذه الأمة ممن اتبعوا خطوات الشيطان بدّلوا من ضمن ما بدّلوا " استوى " بـ " استولى " فأيّ فرق بين نون اليهود ولام الجهمية وإخوانهم؟!
ولله در ابن القيم حيث يقول:
أُمِرَ اليهودُ بأن يقولوا: حطَّةٌ ** فَأبَواْ وقالوا: حِنطةٌ، لِهَوانِ
وكذلك الجهميّ قيل له: استوى ** فأبى وزادَ الحَرفَ للنقصانِ
نون اليهود ولا جهميٍّ هما ** في وَحيِ ربَّ العرشِ زائدتانِ
وإنْ تعجب فعجبُ أن تسمع بعض الدعاة يقول: إذا قال أحدنا: استوى، أو: استولى لا فرق! ولا يترتب على هذا القول زيادة إيمان أو نقصان!!
ليتَ شعري أفلا يتدبرون قول الله: {فبدَّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم}؟!
وليسَ مثلُ هذا التبديل والتحريف مقصوراً على مثل هذا الصنيع، بل إنه في الأُمََّة اليوم على صُورٍ شتَّى، وألوانٍ متعدِّدة، لا يُستطاعُ حصرها، ولا يُقدر على سَردِها!!
إنَّ تحريف الكلم عن مواضعه وتبديل حقائق كلمات الله ظلم وفسق وعذاب وهوان، وقد يُؤدي بأصحابه إلى الكُفر والمُروقِ، عياذاً باللهِ.
فاللهم سلَّم سلّم.
وإنًّ واقع أمتنا الإسلامية لأَكبَرُ شاهد على ذلك، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلّط الله عليكم ذُلاًّ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ".
________________
(1) انظر " تفسير القرآن العظيم " (1 / 98) للحافظ ابن كثير - رحمه الله -.
(2) انظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (رقم 202) لشيخنا ناصر السنة الإمام محمد ناصر الدين الألباني.
http://www.m-alnaser.com المصدر:(/1)
تحريم الأنفس المعصومة
أولاً: تعريف وبيان:
1- معنى النفس:
قال الخليل بن أحمد رحمه الله: "النَّفسُ وجمعها النُّفُوس لها معان:
النَّفْسُ: الروح الذي به حياة الجسد، وكل إنسانٍ نَفْسٌ، حتى آدم عليه السلام، الذكر والأنثى سواء, وكلُّ شيءٍ بعينه نَفْسٌ, ورجلٌ له نَفْسٌ، أي: خُلُق وجَلادة وسَخاء".
ويشيع استعمال هذه اللفظة في جملة من المصطلحات منها:
النَّفْسُ: العقل الذي يكون التمييز به.
النَّفْسُ: الذات.
النَّفْسُ: الروح، ومنه: خرجت نفسُه، إذا مات (واللفظ بهذا الإطلاق مؤنثة).
النَّفْسُ: شخص الإنسان، ومنه: أسرتُه أحد عشر نَفْساً (واللفظ بهذا الإطلاق مذكر).
النَّفْسُ: نفس الأمر، ذات الشيء وعينه.
النَّفْسُ: النفس السائلة: الدَّم السائل.
2- معنى العصمة:
العصمة لغة:
قال ابن فارس رحمه الله: "العين والصاد والميم أصل واحد صحيح يدلّ على إمساكٍ ومنع وملازمة, والمعنى في ذلك كلِّه معنًى واحد, من ذلك العصمة: أن يعصم الله تعالى عبده من سوءٍ يقع فيه".
وقال ابن منظور رحمه الله: "العصمة في كلام العرب: المنع. وعصمة الله عبده: أن يعصمه مما يُوبقه. عَصَمَه يَعْصِمُه عَصْماً: منعه ووقاه".
العصمة اصطلاحاً:
قال الجرجاني رحمه الله: "العِصْمة: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكين منها, والعصمة المُقَوِّمَةُ: هي التي يثبت بها للإنسان قيمة بحيث من هتكها فعليه القصاص أو الدية, والعصمة المؤثِّمة: هي التي يُجعل من هتكها آثماً".
3- المقصود بالأنفس المعصومة:
المقصود بالأنفس المعصومة الأنفس التي عُنيت الشريعة الإسلامية بحفظها بسبب الإسلام أو الجزية أو العهد أو الأمان.
وأما غير ذلك من الأنفس كنفس المحارب, أو من وجبت عليه عقوبة شرعية من قصاص أو رجم أو تعزير فليست من الأنفس المعصومة.
العين، مادة: نفس.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص484)، التعريفات (ص312)، القاموس الفقهي (ص357).
مقاييس اللغة، مادة: عصم.
لسان العرب، مادة: عصم، وينظر: القاموس المحيط، مادة: عصم.
التعريفات (ص195)، ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف (ص516)، معجم لغة الفقهاء (ص314).
انظر: روضة الطالبين (9/148).
ثانيًا: الرحمة في الإسلام:
كانت البشرية قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ضلالة عمياء وجاهلية جهلاء، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، أحسنُهم حالا من كان على دين محرّفٍ مبدّل، التبس فيه الحقّ بالباطل، واختلط فيه الصدق بالكذب، فبعث الله سبحانه نبيّه ومصطفاه محمّدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وكانت الرحمة المطلقة العامّة هي المقصد من بعثته صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:7]، فحصر سبحانه وتعالى المقصد من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق الرحمة للعالمين، والعالمون جميع الخلق. ولقد كان أسّ هذه الرحمة وقطبها هو الفرقان بين الحق والباطل وبين الضلالة والهدى.
فهو صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: ((أنا محمد وأحمد والمقفّي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة)).
وقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة للناس في أحلك الظروف وأقساها وأشدّها، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: ((لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)).(/1)
بل كان أيضا رحمة للبهائم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمّرة فجعلت تُفرِّش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من فجع هذه بولدها؟ رُدّوا ولدها إليها))، ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: ((من حرق هذه؟)) قلنا: نحن، قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار))، وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذِفراه فسكت، فقال: ((من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟)) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: ((أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكك الله إياها؟! فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه)).
كما كان صلى الله عليه وسلم رحمة حتى للجمادات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر حنّ الجذع حتى أتاه فالتزمه فسكن.
قيل: هو بمعنى العاقب، أي: الذي ليس بعده نبي. وقيل: هو الذي يقتفي أي: يتبع الأنبياء الذين قبله. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (15/106).
أخرجه مسلم في الفضائل (2355).
أخرجه البخاري في بدء الخلق (3231) واللفظ له، ومسلم في الجهاد (1795).
الحُمَّرة بضم الحاء وتشديد الميم وقد تخفف: طائر صغير كالعصفور. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/439).
تفرِّش أي: ترفرف بجناحيها وتقرُب من الأرض. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/430).
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (382)، وأبو داود في الجهاد (2675)، وصححه الحاكم (4/239)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2268). وأخرجه أحمد (1/404) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود مرسلاً.
ذِفرى البعير أصل أذنه، ومثناه ذفريان. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/161).
تُدئِبه بضم التاء، ودال مهملة ساكنة، بعدها همزة مكسورة وباء موحدة، أي: تتعبه بكثرة العمل. قاله المنذري في الترغيب والترهيب (3/146).
أخرجه أحمد (1/204)، وأبو داود في الجهاد (2549)، وصححه الحاكم (2/109)، ووافقه الذهبي، وصححه الضياء في المختارة (9/158)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (20).
أخرجه البخاري في المناقب (3583)، والترمذي في الجمعة (505) واللفظ له.
ثالثًا: مقصد حفظ النفس:
أرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم بدينٍ كلُّه رحمة وخير وسعادة لمن اعتنقه وتمسّك به، قال الله تعالى: {ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57، 58]، وتتجلّى رحمة الإسلام في مقاصده العظيمة وقواعده الجليلة ونُظمه الفريدة وأخلاقه النبيلة، فهو رحمة في السلم والحرب، ورحمة في الشدة والرخاء، ورحمة في الوسع والضيق، ورحمة في الإثابة والعقوبة، ورحمة في الحكم والتنفيذ، ورحمة في كل الأحوال.
ولتحقيق هذه الرحمة جاء الإسلام بحفظ الضروريات الخمس التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج واضطراب وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.
وهذه الضروريات الخمس هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وأعظمها بعد مقصد حفظ الدين مقصدُ حفظ النفس، فقد عُنيت الشريعة الإسلامية بالنفس عناية فائقة، فشرعت من الأحكام ما يحقّق لها المصالح ويدرأ عنها المفاسد، وذلك مبالغة في حفظها وصيانتها ودرء الاعتداء عليها.
والمقصود بالأنفس التي عنيت الشريعة بحفظها الأنفس المعصومة بالإسلام أو الجزية أو العهد أو الأمان، وأما غير ذلك كنفس المحارب فليست مما عنيت الشريعة بحفظه، لكون عدائه للإسلام ومحاربته له أعظم في ميزان الشريعة من إزهاق نفسه، بل وقد تكون النفس معصومة بالإسلام أو الجزية أو العهد أو الأمان ومع ذلك يجيز الشرع للحاكم إزهاقها بالقصاص أو الرجم أو التعزير، ولا يقال: هذا مناف لمقصد حفظ النفس؛ لكون مصلحة حفظها والحالة هذه عورضت بمصلحة أعظم، فأخِذ بأعظم المصلحتين.
وقد وضعت الشريعة الإسلامية تدابير عديدة كفيلة بإذن الله بحفظ النفس من التلف والتعدي عليها, بل سدّت الطرقَ المفضية إلى إزهاقها أو إتلافها أو الاعتداء عليها, وذلك
بسدّ الذرائع المؤدّية إلى القتل.
فممّا جاءت به الشريعة لتحقيق هذا المقصد:
1- تحريم الانتحار والوعيد الشديد لمن قتل نفسه:(/2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلّدا فيها أبدا, ومن شرب سُمّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلّدا فيها أبدا, ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)).
قال السندي: "((تردى)) أي: سقط، ((يتردى)) أي: من جبال النار إلى أوديتها، ((خالدا مخلدا)) ظاهره يوافق قوله تعالى: {وَمَن يَّقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية لعموم المؤمن نفسَ القاتل أيضا, لكن قال الترمذي: قد جاءت الرواية بلا ذكر خالدا مخلّدا أبدا, وهي أصح؛ لما ثبت من خروج أهل التوحيد من النار, قلت: إن صحّ فهو محمول على من يستحلّ ذلك, أو على أنه يستحقّ ذلك الجزاء, وقيل: هو محمول على الامتداد وطول المكث, كما ذكروا في الآية والله تعالى أعلم. ((ومن تحسى)) آخره ألف, أي: شرب وتجرّع, والسمّ بفتح السين وضمّها وقيل: مثلّثة السين: دواء قاتل يطرح في طعام أو ماء, فينبغي أن يحمل ((تحسى)) على معنى أدخل في باطنه ليعمّ الأكل والشرب جميعا, ((يجأ)) بهمزة في آخره, مضارع: وجأته بالسكين إذا ضربته بها".
2- النهي عن القتال في الفتنة:
عن الأحنف بن قيس قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل, فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصر ابنَ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني عليًّا ـ قال: فقال لي: يا أحنف, ارجِع, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار))، قال: فقلت أو قيل: يا رسول الله, هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((إنه قد أراد قتل صاحبه)).
قال النووي: "معنى ((تواجها)): ضرب كلّ واحد وجه صاحبه, أي: ذاته وجملته, وأمّا كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له, ويكون قتالهما عصبية ونحوها, ثم كونه في النار معناه: مستحقّ لها, وقد يجازى بذلك, وقد يعفو الله تعالى عنه, هذا مذهب أهل الحق".
3- النهي عن الإشارة بالسلاح ونحوه من حديدة وغيرها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه, وإن كان أخاه لأبيه وأمه)).
قال النووي: "فيه تأكيد حرمة المسلم, والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه, وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد, سواء من يتّهم فيه ومن لا يتّهم, وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال؛ ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرّح به في الرواية الأخرى, ولعن الملائكة له يدلّ على أنه حرام".
4- النهي عن السبّ والشتم المفضي للعداوة ثم التقاتل:
قال تعالى: {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّا مُّبِينًا} [الإسراء53].
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل ـ يا محمد ـ لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن؛ من المحاورة والمخاطبة, وقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} يقول: إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا {يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} يقول: يفسد بينهم, يهيج بينهم الشر، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّا مُّبِينًا} يقول: إن الشيطان كان لآدم وذريته عدوّا قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة".
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).
قال المناوي: "((سِباب)) بكسر السين والتخفيف ((المسلم)) أي: سبّه وشتمه, يعني التكلّم في عرضه بما يعيبه, ((فسوق)) أي: خروج عن طاعة الله ورسوله, ولفظه يقتضي كونه من اثنين, قال النووي: فيحرم سبّ المسلم بغير سبب شرعي, وقتاله أي: محاربته لأجل الإسلام كفر حقيقة, أو ذكره للتهديد وتعظيم الوعيد, أو المراد الكفر اللغوي وهو الجحد, أو هضم أخوة الإيمان".
انظر: روضة الطالبين (9/148).
أخرجه البخاري في الطب, باب: شرب السم والدواء (5333), ومسلم في الإيمان (158) واللفظ له.
حاشية السندي (4/67) باختصار.
أخرجه البخاري في الإيمان, باب: {وإن طائفتان من المؤمنين} (30), ومسلم في الفتن وأشراط الساعة (5139) واللفظ له.
شرح صحيح مسلم (18/11).
أخرجه مسلم في الإيمان (158).
شرح صحيح مسلم (16/170).
جامع البيان (15/102) باختصار.
أخرجه البخاري في الإيمان, باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله (46), ومسلم في الإيمان (97) .
فيض القدير (4/84) باختصار.
رابعًا: عظم جرم قتل النفس بغير حق:(/3)
جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريم الاعتداء على النفس وعدّ ذلك من كبائر الذنوب؛ إذ ليس بعد الإشراك بالله ذنب أعظم من قتل النفس المعصومة.
وقد توعّد الله سبحانه قاتلَ النفس بالعقاب العظيم في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.
1- قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ مّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام:151].
قال البغوي: "حرّم الله تعالى قتلَ المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما يبيح قتله من ردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم".
وقال القرطبي: "وهذه الآية نهيٌ عن قتل النفس المحرّمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها".
2- وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33].
3- وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً P يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:68، 69].
4- وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْراءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [المائدة 32].
قال الطبري رحمه الله بعد أن حكى الخلاف في تفسير الآية: "وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: تأويل ذلك أنه من قتل نفسا مؤمنة بغير نفس قتلَتْها فاستحقّت القوَد بها والقتلَ قصاصا, أو بغير فساد في الأرض بحرب الله ورسوله وحرب المؤمنين فيها, فكأنما قتل الناس جميعا فيما استوجب من الله جلّ ثناؤه, كما أوعده رَبُّه بقوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}. وأما قوله: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} فأولى التأويلات به قول من قال: مَنْ حرّم قتل مَنْ حرّم الله عز ذكره قتله على نفسه فلم يتقدّم على قتله فقد حيي الناس منه بسلامتهم منه, وذلك إحياؤه إياها, وذلك نظير خبر الله عز ذكره عمن حاج إبراهيم في ربّه, إذ قال له إبراهيم: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِى وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِى وَأُمِيتُ} فكان معنى الكافر في قوله: (أنا أحيي) أنا أترك من قدرتُ على قتله, وفي قوله: (وأميت) قتله من قتله, فكذلك ينعقد الإحياء في قوله: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} من سلِم الناس من قتله إياهم إلا فيما أذن الله في قتله منهم فكأنما أحيا الناس جميعا".
5- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور)).
6- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)).
قال ابن حجر: "قوله: ((من دِينه)) كذا للأكثر بكسر المهملة من الدين، وفي رواية الكشميهني: ((من ذَنبه)). فمفهوم الأول: أن يضيق عليه دينه، ففيه إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمداً بما يتوعّد به الكافر. ومفهوم الثاني: أنه يصير في ضيق بسبب ذنبه، ففيه إشارة إلى استبعاد العفو عنه لاستمراره في الضيق المذكور. وقال ابن العربي: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول".
7- وعن عبد الله بن مسعود: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوّل ما يقضى بين الناس في الدماء)).
قال النووي: "فيه تغليظ أمر الدماء, وأنها أوّل ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة, وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها, وليس هذا الحديث مخالفًا للحديث المشهور في السنن: ((أول ما يحاسب به العبد صلاته)) لأنّ هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى, وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد, والله أعلم بالصواب".(/4)
وقال ابن حجر: "وفي الحديث عظم أمر الدّم, فإن البداءة إنما تكون بالأهمّ, والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة, وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك".
8- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة, ناصيته ورأسه بيده, وأوداجه تشخب دما, يقول: يا ربّ, هذا قتلني, حتى يدنيه من العرش)).
قال المباركفوري: "قوله: ((يجيء المقتول بالقاتل)) الباء للتعدية, أي: يحضره ويأتي به, ((ناصيته)) أي: شعر مقدّم رأس القاتل, ((ورأسه)) أي: بقيته بيده, أي: بيد المقتول, ((وأوداجه)) هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودَج بالتحريك, ((تشخب)) بضم الخاء المعجمة وبفتحها أي: تسيل دما, ((يقول: يا رب، قتلني هذا)) أي: ويكرّره, ((حتى يدنيه من العرش)) من الإدناء, أي: يقرب المقتولُ القاتلَ من العرش, وكأنه كناية عن استقصاء المقتول في طلب ثأره, وعن المبالغة في إرضاء الله إياه بعدله".
9- وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكِّلت اليوم بثلاثة: بكلّ جبار, وبمن جعل مع الله إلها آخر, وبمن قتل نفسا بغير نفس, فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم)).
10- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسَه فيها سفكَ الدم الحرام بغير حلّه).
قال ابن حجر: "قوله: (إن من ورطات) جمع ورطة بسكون الراء وهي الهلاك، يقال: وقع فلان في ورطة أي: في شيء لا ينجو منه، وقد فسرها في الخبر بقوله: (التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها)، (سفك الدم) أي: إراقته، والمراد به القتل بأيّ صفة كان، لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبَّر به".
11- وعن إبراهيم النخعي قال: "من مات من أهل الإسلام ولم يصب دماً فارجُ له".
معالم التنزيل (3/203).
الجامع لأحكام القرآن (7/133).
جامع البيان (6/202) باختصار.
أخرجه البخاري في الديات (6871) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (88).
أخرجه البخاري في الديات (6862).
فتح الباري (12/195).
أخرجه البخاري في الديات, باب قوله تعالى: ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا)) (6357), ومسلم في القسامة والمحاربين (3178).
شرح صحيح مسلم (11/167).
فتح الباري (11/397).
أخرجه الإمام أحمد (2551), والنسائي في تحريم الدم, باب: تعظيم الدم (3934), والترمذي في تفسير القرآن, باب: ومن سورة النساء (2955) وحسنه, وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2697).
تحفة الأحوذي (8/305) باختصار.
أخرجه الإمام أحمد (11372) واللفظ له, وابن أبي شيبة (7/51), والطبراني في الأوسط (4/203), وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2699).
أخرجه البخاري في الديات (6863).
فتح الباري (12/196).
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، باب: من قتل نفسه ومن قتل نفساً (10/462).
خامسا: حرمة دم المسلم:
1- قال الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
قال ابن كثير: "هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله تعالى في غير ما آية في كتاب الله... والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً".
2- وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:29-30].(/5)
قال الطبري: "يعني بقوله جل ثناؤه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} ولا يقتل بعضكم بعضا وأنتم أهل ملّة واحدة ودعوة واحدة ودين واحد, فجعل جل ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضهم من بعض, وجعل القاتل منهم قتيلا في قتله إياه منهم بمنزلة قتله نفسه, إذ كان القاتل والمقتول أهل يدٍ واحدة على من خالف ملَّتَهما, وأما قوله جل ثناؤه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فإنه يعني أن الله تبارك وتعالى لم يزل رحيما بخلقه, ومن رحمته بكم كفّ بعضكم عن قتل بعض أيها المؤمنون, بتحريم دماء بعضكم على بعض إلا بحقها, وحظر أكل مال بعضكم على بعض بالباطل إلا عن تجارة يملك بها عليه برضاه وطيب نفسه, لولا ذلك هلكتم وأهلك بعضكم بعضا قتلا وسلبا وغصبا, وأما قوله: {عُدْواناً} فإنه يعني به تجاوزا لما أباح الله له إلى ما حرمه عليه, {وَظُلْماً} يعني فعلا منه ذلك بغير ما أذن الله به وركوبا منه ما قد نهاه الله عنه, وقوله: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً} يقول: فسوف نورده نارا يصلى بها فيحترق فيها, {وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} يعني: وكان إصلاء فاعل ذلك النار وإحراقه بها على الله سهلا يسيرا؛ لأنه لا يقدر على الامتناع على ربه مما أراد به من سوء, وإنما يصعب الوفاء بالوعيد لمن توعده على من كان إذا حاول الوفاء به قدر المتوعّد من الامتناع منه, فأما من كان في قبضة مُوعِدِه فيسيرٌ عليه إمضاء حكمه فيه والوفاء له, عسير عليه أمر أراده به".
3- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة)).
4- وقال صلى الله عليه وسلم في أكبر اجتماع للناس في عصره: ((ألا إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد ـ ثلاثا ـ ويلكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)).
قال القاضي عياض: "قوله: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)) كلّ هذا تأكيد لحرمة الدماء والأموال والأعراض، وتحريم لمظالم العباد، كتأكيد حرمة يوم النحر من شهر الحج في حرم مكة".
وقال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كرحمة يومكم هذا في شهركم هذا)) معناه: متأكدة التحريم شديدته".
5- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا. من قتل مؤمنا فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. لا يزال المؤمن مُعنِقا صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلَّح)). قال خالد بن دهقان وهو من رواة الحديث: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: ((اعتبط بقتله)) قال: الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله يعني من ذلك.
6- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)).
قال الطيبي: "الدنيا عبارة عن الدار القربى التي هي معبر الدار الأخرى، وهي مزرعة لها، وما خلقت السموات والأرض إلا لتكون مسارح أنظار المتبصرين ومعتبرات المطيعين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} [آل عمران:191] أي: بغير حكمة، بل خلقتَها لأن تَجعلها مساكن للمكلفين، وأدلة لهم على معرفتك، فمن حاول قتل من خُلقت الدنيا لأجله فقد حاول زوال الدنيا".
7- وعن المقداد بن عمرو الكندي أنه قال: يا رسول الله، إن لقيت كافراً فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة وقال: أسلمت لله أأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقتله))، قال: يا رسول الله، فإنه طرح إحدى يديّ ثم قال ذلك بعدما قطعها أأقتله؟ قال: ((لا، فإن قتلتَه فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)).
قال الخطّابيّ: "معناه أنّ الكافر مباح الدّم بحكم الدّين قبل أن يسلم, فإذا أسلم صار مصان الدّم كالمسلم, فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحًا بحقّ القصاص كالكافر بحقّ الدّين, وليس المراد إلحاقه في الكفر كما تقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة".
8- وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أنّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)).
وقال ابن العربي: "ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حقّ والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟! فكيف بالمسلم؟! فكيف بالتقي الصالح؟!".(/6)
9- وعن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ((ما أطيبك وأطيبَ ريحك, ما أعظمَك وأعظمَ حرمتك, والذي نفس محمد بيده, لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك: ماله ودمه, وأن نظن به إلا خيرا)).
قال السندي: "أي: حرمة مال المؤمن ودمه وحرمة الظنّ به سوى الخير أعظم حرمة منك".
10- وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدا أو الرجل يموت كافرا)).
قال السندي: "قوله: ((إلا الرّجل)) أي: ذنب الرّجل, وكأنّ المراد كلّ ذنب ترجى مغفرته ابتداء إلا قتل المؤمن, فإنّه لا يغفر بلا سبق عقوبة, وإلا الكفر, فإنّه لا يغفر أصلا, ولو حمل على القتل مستحلاّ لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر, ثمّ لا بدّ من حمله على ما إذا لم يتب, وإلا فالتّائب من الذّنب كمن لا ذنب له, كيف وقد يدخل القاتل والمقتول الجنّة معًا, كما إذا قتله وهو كافر ثمّ آمن وقتل, ولعلّ هذا بعد ذكره على وجه التّغليظ، والله تعالى أعلم".
تفسير القرآن العظيم (1/548-550).
جامع البيان (5/30-36) باختصار.
أخرجه البخاري في الديات (6878)، ومسلم في القسامة (1676).
أخرجه البخاري في المغازي (4403) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (66) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وجاء عن غيره من الصحابة.
إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/483).
شرح صحيح مسلم (8/182).
مُعنِقا من العَنَق في السير، والمراد خفيف الظهر سريع السير. انظر: غريب الحديث للخطابي (1/204)، وغريب الحديث لابن الجوزي (2/131).
بلّح الرجل إذا انقطع من الإعياء فلم يقدر أن يتحرّك، يريد به وقوعه في الهلاك بإصابة الدم الحرام، وقد تخفف اللام. قاله ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/151).
أخرجه أبو داود في الفتن (4270)، وصححه الألباني في صحيح السنن (3590)، والسلسلة الصحيحة (511)، وصحيح الترغيب (2450).
أخرجه ابن ماجه في الديات (2619) وصححه الألباني في صحيح السنن (2121).
انظر: تحفة الأحوذي (4/652-654).
أخرجه البخاري في الديات (6865).
انظر: فتح الباري (12/189).
أخرجه الترمذي في الديات، باب: الحكم في الدماء (1398)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1128).
فتح الباري (13/196).
أخرجه ابن ماجه في الفتن, باب: حرمة دم المؤمن (3922), والترمذي في البر والصلة، باب: تعظيم المؤمن (1955) موقوفاً على ابن عمر، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب (2441).
شرح سنن ابن ماجه (1/282).
أخرجه الإمام أحمد (16302), والنسائي في تحريم الدم (3919), وأخرجه أبوداود من حديث أبي الدرداء في الفتن والملاحم, باب: تعظيم قتل المؤمن (3724), وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (511).
حاشية السندي على سنن النسائي (7/81).
سادسا: حرمة دم الذميّ والمعاهد:
قد يخفى على كثير ممن قلَّ نصيبه من العلم حرمة دم المعاهد، ولذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير الشديد من قتل المعاهد, وهو كلّ من له عهد مع المسلمين بعقد جزية أو هدنة من حاكم أو أمان من مسلم، إلا أن ينقض العهد فيكون حلال الدم.
1- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)).
2- وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما)).
وعن رفاعة بن شدّاد قال: كنتُ أقوم على رأس المختار بن أبي عبيد الكذّاب مدَّعي النبوّة، فلمّا تبيّنتُ كذبَه هممتُ ـ والله ـ أن أسلّ سيفي فأضرب به عنقَه، فأمشي بين رأسه وجسده، حتّى ذكرتُ حديثًا حدّثنا به عمرو ابن الحمِق رضي الله عنه قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أمَّن رَجلاً على نفسه فقتله أُعطيَ لواءَ الغدر يوم القيامة))، وفي لفظ: ((من ائتمَنه رجلٌ على دمِه فقتله فأنا منه بريء وإن كان المقتول كافرًا))، وفي لفظ: ((أيّما رجل أمّن رجلاً على دمه فقتله فقد برِئت من القاتل ذمّة الله وإن كان المقتول كافرًا)).
انظر: فتح الباري (12/259).
أخرجه البخاري في الجزية (3166).
أخرجه الإمام أحمد (17378), والنسائي في القسامة, باب: تعظيم قتل المعاهد (4668) واللفظ له, وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2453).
هو رفاعة بن شداد بن عبد الله القتباني أبو عاصم الكوفي، من كبار التابعين، وثّقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، قتل سنة 66هـ، قيل: قتله المختار بن أبي عبيد. انظر: تهذيب التهذيب (3/251).(/7)
المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، يكنى: أبا إسحاق، ولم يكن بالمختار، كان أبوه من جِلّة الصحابة. ولد المختار عام الهجرة، وليست له صحبة ولا رؤية، وأخباره غير مرضية، يقال: إنه كان في أول أمره خارجيا ثم صار زيديا ثم صار رافضيا. انظر: الإصابة لابن حجر (6/349-351).
هو عمرو بن الحمق بن كاهل بن حبيب الخزاعي الكعبي، هاجر بعد الحديبية، سكن الشام ثم الكوفة ثم قدِم مصر، شهد مع علي حروبه، وقتل بالحرَّة سنة 63هـ، وقيل: سنة 50 هـ، وقيل: سنة 51 هـ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (2/532، 532)، وتهذيب التهذيب (8/21).
أخرجه أحمد (5/223، 224، 436)، والنسائي في الكبرى (5/225)، وابن ماجه في الديات (2688)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2345)، والبزار (2306)، والطحاوي في شرح المشكل (1/77)، وقال البوصيري في الزوائد (3/136): "إسناده صحيح، رجاله ثقات"، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (440).
أخرجه أحمد (5/224، 437)، والبزار (2308)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/202)، والطبراني في الأوسط (4252، 6655، 7781)، وأبو نعيم في الحلية (9/24)، والقضاعي في مسنده (164)، قال العقيلي في الضعفاء (2/215): "أسانيده صالحة"، وقال الهيثمي في المجمع (6/285): "رواه الطبراني بأسانيد كثيرة، وأحدها رجاله ثقات"، وهو في صحيح الجامع (6103).
مصنف عبد الرزاق (9679).
سابعًا: تحريم الغدر والخيانة:
1- قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} [النساء:107].
قال الطبري رحمه الله: "يقول: إن الله لا يحب من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرمه الله عليه".
وقال القرطبي: "روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويغتال ويغدر ويحتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {كَفُورٍ}، فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصحَ نهي عن الخيانة والغدر. وقد مضى في الأنفال التشديد في الغدر، وأنه ينصب للغادر لواء عند استه بقدر غدرته يقال: هذه غدرة فلان".
2- وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34].
قال ابن كثير رحمه الله: "قوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} أي: الذي تعاهدون عليه الناس، والعقود التي تعاملونهم بها؛ فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه، {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} أي: عنه".
3- وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِين} [يوسف:52].
قال القرطبي رحمه الله: "معناه أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم".
وقال ابن سعدي رحمه الله: "فإنّ كلّ خائن لا بدّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بدّ أن يتبين أمره".
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة)).
قال المناوي رحمه الله: "((فإنها بئست البِطانة)) بالكسر، أي: بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة. قال في المغرب: بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب. وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله. والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع، وغير ذلك".
5- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)).
قال النووي رحمه الله: "الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلّق بأخلاقهم؛ فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار".
6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره)).
قال ابن تيمية رحمه الله: "فذمّ الغادر، وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر".
7- وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا...)).(/8)
قال النووي رحمه الله: "وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي: تحريم الغدر، وتحريم الغلول...".
8- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكلّ غادر لواء, فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان)).
9- وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة)).
قال النووي رحمه الله: " معنى: ((لكل غادر لواء)) أي: علامة يشهَر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة. وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر، لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثيرين. وقيل: لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء".
وقال ابن حجر رحمه الله: "أي: علامة غدرته، والمراد بذلك شهرته وأن يفتضح بذلك على رؤوس الأشهاد، وفيه تعظيم الغدر سواء كان من قبل الآمر أو المأمور".
10- وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)).
قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته".
وقال ابن حجر رحمه الله: " قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده".
قال ابن تيمية رحمه الله: "جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، و النهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك".
11- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)).
قال المناوي: "أي: لا تعامله بمعاملته, ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله, وليس منها ما يأخذه من مال من جحده حقّه إذ لا تعدّي فيه, أو المراد إذا خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا, بل قابله بالأحسن الذي هو العفو, وادفع بالتي هي أحسن".
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
جامع البيان في تأويل القرآن (5/270).
الجامع لأحكام القرآن (12/67).
تفسير القرآن العظيم (3/40).
الجامع لأحكام القرآن (9/209).
تيسير الكريم الرحمن (ص400).
أخرجه أبو داود في الصلاة، باب: في الاستعاذة (1547)، والنسائي في الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الجوع (5468)، وابن ماجه في الأطعمة، باب: الاستعاذة من الجوع (3354)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1368).
فيض القدير (2/124).
أخرجه البخاري في الإيمان، باب: علامة النفاق (34)، ومسلم في الإيمان (58)، بنحوه.
شرح صحيح مسلم (2/47).
أخرجه البخاري في البيوع، باب: إثم من باع حر (2227).
مجموع الفتاوى (29/145).
أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1731).
شرح صحيح مسلم (12/37).
أخرجه البخاري في الأدب، باب: ما يدعى الناس بآبائهم (6177)، ومسلم في الجهاد والسير (1735) واللفظ له.
أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1738).
شرح صحيح مسلم (12/43-44) بتصرف يسير.
فتح الباري (13/71).
أخرجه البخاري في الحج، باب: حرم المدينة (1870) واللفظ له، ومسلم في الحج (1370).
شرح صحيح مسلم (9/144-145).
فتح الباري (4/86).
مجموع الفتاوى (29/145-146).
أخرجه أبو داود في البيوع (3535)، والترمذي في البيوع (1264)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (423).
فيض القدير (1/223).(/9)
تحريم التبرج والسفور
القسم : إملاءات > مقالات
مسائل متفرقة > أحكام
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده هي نعمة الإسلام ، والهداية لاتباع شريعة خير الأنام ، وذلك لما تضمنته هذه الشريعة من الخير والسعادة في الدنيا والفوز والفلاح والنجاة يوم القيامة لمن تمسك بها وسار على نهجها القويم .
ولقد جاء الإسلام بالمحافظة على كرامة المرأة وصيانتها ، ووضعها في المقام اللائق بها وحث على إبعادها عما يشينها أو يخدش كرامتها ، لذلك حرم عليها الخلوة بالأجنبي ونهاها عن السفر بدون محرم ، ونهاها عن التبرج الذي ذم الله به الجاهلية لكونه من أسباب الفتنة بالنساء وظهور الفواحش ، كما قال عز وجل : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[1] والتبرج إظهار المحاسن والمفاتن ، ونهاها عن الاختلاط بالرجال الأجانب عنها ، والخضوع بالقول عند مخاطبتهم حسما لأسباب الفتنة والطمع في فعل الفاحشة كما في قوله سبحانه : {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[2] والمرض هنا هو مرض الشهوة .
كما أمرها بالحشمة في لباسها وفرض عليها الحجاب لما في ذلك من الصيانة لهن ، وطهارة قلوب الجميع فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[3] وقال سبحانه : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[4] الآية .
وقد امتثلن رضي الله عنهن لأمر الله ورسوله فبادرن إلى الحجاب والتستر عن الرجال الأجانب ، فقد روى أبو داود بسند حسن عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية وعليهن أكسية سود يلبسنها ) ، وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه ) . وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي أكمل النساء دينا وعلما وخلقا وأدبا ، قال في حقها المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )) والثريد هو : اللحم والخبز . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله : إحدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لتلبسها أختها من جلبابها )) رواه البخاري ومسلم ، فيؤخذ من هذا الحديث أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب فلم يأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب درءا للفتنة وحماية لهن من أسباب الفساد ، وتطهيرا لقلوب الجميع ، مع أنهن يعشن في خير القرون ورجاله ونساؤه من أهل الإيمان من أبعد الناس عن التهم والريب ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس)) ، فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل وأعلاها أخلاقا وآدابا وأكملها إيمانا وأصلحها عملا ، فهم القدوة الصالحة في سلوكهم وأعمالهم لغيرهم ممن يأتي بعدهم .
إذا علم هذا تبين أن ما يفعله بعض نساء هذا الزمان من التبرج بالزينة والتساهل في أمر الحجاب وإبراز محاسنهن للأجانب وخروجهن للأسواق متجملات متعطرات أمر مخالف للأدلة الشرعية ولما عليه السلف الصالح ، وأنه منكر يجب على ولاة الأمر من الأمراء والعلماء ورجال الحسبة تغييره وعدم إقراره كل على حسب طاقته ومقدرته وما يملكه من الوسائل والأسباب التي تؤدي إلى منع هذا المنكر ، وحمل النساء على التحجب والتستر ، وأن يلبسن لباس الحشمة والوقار ، وأن لا يزاحمن الرجال في الأسواق .(/1)
ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات وربما حضر معه غيره من أقاربه أو أقاربها من الرجال ، ولا يخفى على ذوي الفطر السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات ، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة ، فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسما لأسباب الفتنة وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر .
وإني أنصح جميع إخواني المسلمين في هذه البلاد وغيرها بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها التماسا لرضا الله سبحانه وتعالى وتجنبا لأسباب سخطه وعقابه .
وأسأل الله الكريم أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين باتباع كتابه الكريم ، والتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يعصمنا من مضلات الفتن واتباع شهوات النفوس ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، إنه خير مسئول . وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .
________________________________________
[1] - سورة الأحزاب الآية 33.
[2] - سورة الأحزاب الآية 32.
[3]- سورة الأحزاب الآية 59.
[4]- سورة الأحزاب الآية 53.(/2)
تحريم العينة وجواز التورق بلا قيد ولا شرط
سليمان بن ناصر العلوان 26/3/1424
27/05/2003
كتب هذا البحث جواباً على سؤال ورد لفضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حول صورة التورق والعينة ، وحكمهما، ويسر الموقع أن ينشر البحث الذي خص فضيلة الشيخ سليمان العلوان الموقع به.
العينة : في اللغة السلف 0
وصورتها في الشرع : أن يبيع من رجل سلعة بحوزته بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعه به ، ومن ذلك أن يبيع سلعة بنقد ثم يشتريها منه بأكثر منها نسيئة 0
وهي محرمة في قول أكثر العلماء ، وهي وسيلة إلى الربا ، وموصلة إليه ، خلافاً للشافعي وأبي يوسف رحمها الله تعالى حيث أجازاها 0
قال النووي في روضة الطالبين (3/416) فصل : ليس من المناهي بيع العينة بكسر العين المهملة وبعد الياء نون ، وهو أن يبيع غيره شيئاً بثمن مؤجل ويسلمه إليه ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقداً 0
وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقداً ويشتري بأكثر منه إلى أجل ، سواء قبض الثمن الأول أم لا . وسواء صارت العينة عادة له غالبة في البلد أم لا . هذا هو الصحيح المعروف في كتب الأصحاب ، وأفتى الأستاذ أبو إسحق الاسفراييني ، والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة له صار البيع الثاني كالمشروط في الأول فيبطلان جميعاً 0
ونقل أيضاً في المجموع (9/261) عن الرافعي قوله - بعد كلام له سبق - لأن الاعتبار عندنا بظاهر العقود ، لا بما ينويه العاقدان ، ولهذا يصح بيع العينة ، ونكاح من قصد التحليل ونظائره 0
وجاء في حاشية ابن عابدين (5/273) وعن أبي يوسف العينة جائزة مأجور من عمل بها ، كذا في مختار الفتاوى الهندية .. ) 0
والصواب منع ذلك ، وتأثيم مَنْ فعلها ، وذلك لوجوه :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين في بيعة) أخرجه الإمام أحمد (2/432) والشافعي (532) والنسائي (7/295) والترمذي (1231) كلهم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
وقال الترمذي حديث حسن صحيح 0
والعينة هي المقصودة في هذا الخبر 0
2- أن الوسيلة إلى الربا حرام ، ولا يختلف العلماء في تحريم الربا ، والعينة وسيلة إليه ، وحين سئل ابن عباس عن حريرة بيعت إلى أجل ، ثم اشتريت بأقل . فقال : دراهم بدراهم ، دخلت بينهما حريرة . رواه سعيد وغيره ، وجاء نحوه عند عبد الرزاق في مصنفه . وسئل أنس عن العينة ، فقال : إن الله لا يُخْدَع هذا مما حرم الله ، ورسوله . عزاه ابن القيم لمطين في كتاب البيوع 0
3- ما جاء عند الإمام أحمد في مسنده ، من طريق الأعمش ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ، وتبايعوا بالعينة ، واتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد في سبيل الله ، أنزل الله بهم بلاء ، فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم) 0
وهذا خبر ضعيف ، وقد جاء من غير وجه ، ولا يصح ، وذهب شيخ الإسلام ، وابن القيم ، إلى تقويته بمجموع طرقه 0
4- ما رواه علي بن الجعد في مسنده (80) ومن طريقه البيهقي في سننه (5/330) عن شعبة عن أبي إسحاق قال دخلت امرأتي على عائشة ، وأم ولد لزيد بن أرقم ، فقالت لها أم ولد زيد : إني بعت من زيد عبداً بثمانمائة نسيئة واشتريته منه بستمائة نقداً ، فقالت عائشة رضي الله عنها (أبلغي زيداً أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تتوب بئسما شريت وبئس ما اشتريت) 0
قال البيهقي رحمه الله تعالى : كذا جاء به شعبة عن طريق الإرسال 0
وهذا الخبر : طُعِن فيه بعلتين :
1- جهالة العالية ، وقد رد حديثها الشافعي في الأم ، والدارقطني ، وابن حزم في المحلى 0
ورُد هذا ، بأن العالية معروفة ، فقد دخلت على عائشة ، وسمعت منها 0
قال ابن الجوزي في التحقيق – العالية - جليلة القدر ، معروفة 0
وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/558) هذا إسناد جيد ، وإن كان الشافعي قد قال : إنا لا نثبت مثله على عائشة رضي الله عنها ، وكذلك قول الدارقطني في العالية إنها مجهولة لا يحتج بها ، فيه نظر . وقد خالفه غيره ) 0
2- وعلة أخرى ، الاختلاف فيه ، فقد رواه الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن امرأة أبي السفر : أنها باعت من زيد بن أرقم .
ورواه عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن امرأته قالت : سمعت امرأة أبي السفر تقول : سألت عائشة 0
تابعه عبد الله بن الوليد ، عن الثوري 0(/1)
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلى (7/550) قد صح أنه مدلس – يعني : أبا إسحاق - وأن امرأة أبي إسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين ، وذلك أنه لم يذكر عنها زوجها ، ولا ولدها : أنها سمعت سؤال المرأة لأم المؤمنين ، ولا جواب أم المؤمنين لها ، إنما في حديثها : دخلت على أم المؤمنين ، أنا ، وأم ولد لزيد بن أرقم ، فسألتها أم ولد زيد ابن أرقم – وهذا يمكن أن يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس ، ويمكن أن يكون في غيره ثم روى أبو محمد بسنده إلى محمد بن يوسف الفريابي ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق عن امرأة أبي السفر : أنها باعت من زيد بن أرقم خادماً لها بثمانمائة درهم إلى العطاء ...... فذكره 0
قال : وبما رويناها من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق عن امرأته ، قالت : سمعت امرأة أبي السفر تقول : سألت عائشة ..... فذكره . قال أبو محمد : فبين سفيان وجه الدفينة التي في هذا الحديث ، وأنها لم تسمعه امرأة أبي إسحاق من أم المؤمنين ، وإنما روته عن امرأة أبي السفر ، وهي التي باعت من زيد ، وهي أم ولد لزيد ، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق ، فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة ، فبطل جملة ، ولله تعالى الحمد ، وليس بين يونس ، وبين سفيان نسبة في الثقة والحفظ ، فالرواية ما روى سفيان 0
وقيل إن هذا الاختلاف غير مؤثر ، وقد جزم ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين بصحته ، ورد على المخالفين في ذلك ، ولم أر لأحد من أهل الحديث المتقدمين تصحيحاً له ، وقد جزم الشافعي وغيره بضعفه ، والله أعلم 0
وفي الباب غير ذلك ، فقد جاءت آثار كثيرة في تحريم العينة ، والقياس ، والنظر الصحيح يقتضي ذلك 0
وقد قال مسروق : العينة حرام . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/282) 0
وجاء عن الحسن وابن سيرين ، أنهما كرها العينة ، وما دخل الناس فيه منها . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/283) 0
وقال طاووس : من اشترى سلعة بنظرة من رجل فلا يبيعها إياه ، ومن اشترى بنقد فلا يبيعها إياه بنظرة . رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/186) 0
وقال معمر سألت حماداً عن رجل اشترى من رجل سلعة ، هل يبيعها منه قبل أن ينقده بوضيعة ؟ قال: لا، وكرهه حتى ينقذه. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/186) 0
وقال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى في الكافي (3/325) وأما بيع العينة فمعناه أنه تحيل في بيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة ، وهو أيضاً من باب بيع ما ليس عندك ، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن كانت السلعة المبيعة في ذلك طعاماً دخله أيضاً مع ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى ، مثال ذلك أن يطلب رجل من آخر سلعة ليبيعها منه بنسيئة ، وهو يعلم أنها ليست عنده ويقول له اشترها من مالكها هذا بعشرة ، وهي علي باثني عشر أو القدرة عشر إلى أجل كذا فهذا لا يجوز لما ذكرنا ، واختلف أصحاب مالك في فسخ البيع المذكور بالعينة إذا وقع على ذلك ، فمنهم من رأى فسخه قبل الفوات ، وبعده يصلحه بالقيمة على حكم البيوع الفاسدة 0
وقال أبو محمد ابن حزم في المحلى (7/549) فإن ابتاع سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى ، فإنه لا يجوز له أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أقل من ذلك الثمن، أو بسلعة تساوي أقل من ذلك الثمن نقداً ، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله : لم يجز شيء من ذلك ، وله أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقداً ، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله ، وليس له أن يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل ، ولا بسلعة تساوي أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل 0
وقال ابن قدامة في المغني (4/256) وجملة ذلك أن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقداً لم يجز في قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي ، وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي ، وأجازه الشافعي لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها كما لو باعها بمثل ثمنها . ونقل عن الإمام أحمد أنه قال : العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة ، فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس . وقال : أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد ، وقال ابن عقيل إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل ، ويجوز أن تكون العينة اسما لهذه المسألة ، وللبيع بنسيئة جميعاً ، لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقاً ، ولا يكره إلا أن يكون له تجارة غيره 0
وقال في الإنصاف (4/335) ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقداً ، إلا أن تكون قد تغيرت صفتها 0(/2)
قال : هذه مسألة العينة ، فعلها محرم . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وعليه الأصحاب ، وعند أبي الخطاب يحرم استحساناً ، ويجوز قياساً . وكذا قال في الترغيب : لم يجز استحساناً . وفي كلام القاضي وأصحابه : القياس صحة البيع 0
قال في الفروع : ومرادهم أن القياس خولف لدليل راجح ، فلا خلاف إذاً في المسألة . وحكى الزركشي بالصحة قولاً ، وذكر الشيخ تقي الدين أيضاً : أنه يصح البيع الأول ، إذا كان بياناً ، بلا مواطأة ، وإلا بطلا ، وأنه قول أحمد 0
وجاء في السؤال : ما صورة التورق 0
والتورق هو : شراء سلعة بثمن مؤجل بقصد بيعها على غير البائع 0
وحكم ذلك : الجواز في أصح قولي العلماء ، وهو قول إياس بن معاوية ، والإمام أحمد في إحدى الروايتين ، وهي المشهورة عند الحنابلة 0
قال في كشاف القناع (3/186) ولو احتاج إنسان إلى نقد ، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين ، فلا بأس بذلك . نص عليه ، وهي مسألة التورق ) 0
ودليل الجواز :
(1) أن الأصل في العقود والمعاملات الحل حتى يقوم الدليل على تحريمها 0
(2) وبدليل العموم المستفاد من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) 0
فمن اشترى سلعة قرضاً ، سواء قصد ذاتها أو ثمنها فالآية مفيدة بجواز هذا البيع ويتأكد هذا بالأصل في حكم العقود والمعاملات ، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل 0
ولا أعلم دليلاً شرعياً يمنع هذه المعاملة ، وأما تعليل من منعها بكون المقصود منها الدراهم ، أو التحايل على الربا ، فليس فيه تحيل على الربا بوجه من الوجوه ، مع مسيس الحاجة إليها ، لأنه ليس كل أحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا ، وما دعت إليه الحاجة ، وليس فيه محذور شرعي ، لم يجز تحريمه على العباد 0
• وذهب عمر بن عبد العزيز ، وطائفة من أهل المدينة ، والإمام أحمد في رواية إلى التحريم ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم0
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الفتاوى (29/303) إن كان المشتري محتاجاً إلى الدراهم ، فاشتراها ليبيعها ، ويأخذ ثمنها ، فهذا يسمى التورق وإن كان المشتري غرضه أخذ الورق ، فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء ، كما قال عمر بن عبد العزيز : التورق أخية الربا . وقال ابن عباس : إذا قومت بنقد ، ثم بعت بنسيئة : فتلك دراهم بدراهم ، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد 0
ومعنى قول عمر بن عبد العزيز أخية الربا ، يعني : أصل الربا قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، كما في الفتاوى (29/431)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أيضاً ، في بيان الدليل في إبطال التحليل (119) ولهذا كره العلماء أن يكون أكثر بيع الرجل أو عامته بنسيئة لئلا يدخل في اسم العينة ، وبيع المضطر ، فإن أعاد السلعة إلى البائع فهو الذي لا يشك في تحريمه ، وأما إن باعها لغيره بيعاً بتاتاً ، ولم تعد إلى الأول بحال فقد اختلف السلف في كراهيته ويسمونه التورق لأن مقصوده الورق ، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه ، وقال التورق أخية الربا وإياس بن معاوية يرخص فيه ، وعن الإمام أحمد فيه روايتان منصوصتان ، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر 0
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين (3/370) وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة وإن باعها لغيره فهو التورق وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون وأخفها التورق ، وقد كرهه عمر ابن عبد العزيز وقال هو أخية الربا ، وعن أحمد فيه روايتان وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر ، وهذا من فقهه رضي الله عنه قال فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر ، وكان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مراراً وأنا حاضر فلم يرخص فيها وقال المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها ؛ فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه 0
وقال أيضاً في تهذيب السنن (9/249-250 المطبوع ضمن عون المعبود) فإن قيل فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث هل تسمون ذلك عينة ؟
قيل هذه مسألة (التورق) لأن المقصود منها الورق ، وقد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة ، وأطلق عليها اسمها 0
وقد اختلف السلف في كراهيتها ، فكان عمر بن عبدالعزيز يكرهها ، وكان يقول (التورق أخية الربا) ورخص فيها إياس بن معاوية 0(/3)
وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان ، وعلل الكراهة في إحداهما بأنه بيع مضطر وقد روى أبو داود عن علي أن النبي نهى عن المضطر ، وفي المسند عن علي قال سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك ، قال تعالى (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ويبايع المضطرون ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر ... ) وذكر الحديث 0
فأحمد رحمه الله تعالى أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة ، وإن باعها من غيره فهي (التورق) ومقصوده في الموضعين : الثمن فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه ، ولا معنى للربا إلا هذا لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة ، ولو لم يقصده كان ربا بسهولة 0
وقال ابن مفلح في الفروع (4/126) ولو احتاج إلى نقد فاشترى ما ساوى مائة بمائتين فلا بأس ، نص عليه ، هي التورق ، وعنه : يكره . وحرمه شيخنا ، نقل أبو داود إن كان لا يريد بيع المتاع الذي يشتريه منك هو أهون ؛ فإن كان يريد بيعه فهو العينة وإن باعه منه لم يجز ، وهي العينة نص عليه 0
وفيه أدلة أخرى للذين يجيزون التورق ، والذين يحرمون ذلك0
والصواب من قولي العلماء جواز التورق ، وهذا مذهب الجمهور ، فإن الأصل في البيوع والمعاملات الحل ، ولم يأت دليل يقضي بأن التورق ربا ، أو فيه شبهة ربا ، فقد بيعت السلعة على غير المشترى منه ، فانتفت شبهة الربا الموجودة في بيع العينة ، والعجيب في المسألة أن بعض الفقهاء يجيز العينة إذا لم يكن فيه تواطأ بين البائع والمشتري ويمنع التورق ، وهذا تناقض ، وتفريق بين المتماثلين ، والله أعلم 0
هذا ونحث المسلمين ، ممن آتاهم الله بسطة في المال ، وثروة في الاقتصاد ، مواساة ومساعدة إخوانهم المعسرين ، والقيام معهم في معيشتهم ، والنظر في شؤنهم ، فالمسلمون بعضهم لبعض كالعضو الواحد ، وقد جاء الإسلام بالتكافل الاجتماعي ، وجاء الركن الثالث من أركان الإسلام ، الزكاة ، ومما رغب فيه الصدقة ، ومما حث عليه إنظار المعسر والتعاون مع المعوزين ، والتوسيع على المعسرين مما يعزز عمق الأخوة الصادقة ، وينشر المودة الخالصة ، ويبث روح الرحمة بين أفراد المجتمع ، يحسن فيها القوي على الضعيف والغني على الفقير 0
إن الإسلام ضرب القدح المعلى ، وصور المثل العليا في التكافل الاجتماعي والتضامن الإسلامي ، فجاء في الإنفاق على المحتاجين ، والبذل للمعوزين ، والعطف على الفقراء والمدينين ، ورتب على ذلك تجاوز الله تعالى عن الذنوب والآثام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم ، قالوا : أعملت من الخير شيئاً ؟ قال : كنت آمر فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن المعسر ، قال : قال : فتجاوزوا عنه) متفق عليه من طريق زهير ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة رضي الله عنه 0
وإنظار المعسر ، من أسباب تنفيس كرب يوم القيامة،كما جاء في صحيح مسلم (1563) من طريق أيوب ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، أن أبا قتادة طلب غريماً له فتوارى عنه ، ثم وجده ، فقال : إني معسر ، فقال : آلله؟ ، قال : آلله قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر ، أو يضع عنه) 0
وإنظار المعسر ، من أسباب الاستظلال بظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، روى مسلم في صحيحه (3006) من طريق يعقوب بن مجاهد أبي حزرة ، عن عبادة بن الوليد ابن عبادة بن الصامت قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار ، قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبا اليسر ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له ، معه ضمامة من صحف ، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري ، وعلى غلامه بردة ومعافري ، فقال له أبي : يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب ، قال : أجل كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال ، فأتيت أهله فسلمت ، فقلت ثم هو ؟ قالوا لا فخرج عليَّ ابن له جفر ، فقلت له أين أبوك ؟ قال سمع صوتك فدخل أريكة أمي ، فقلت اخرج إلي فقد علمت أين أنت ، فخرج ، فقلت : ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال أنا والله أحدثك ، ثم لا أكذبك خشيت ، والله أن أحدثك فأكذبك ، وأن أعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت والله معسراً ، قال قلت آلله ، قال الله ، قلت آلله ، قال الله ، قلت آلله ، قال الله، قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده ، فقال إن وجدت قضاء فاقضني ، و إلا أنت في حل ، فأشهد بصر عيني هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذني هاتين ، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول (من أنظر معسراً ، أو وضع عنه ، أظله الله في ظله) 0(/4)
إن النفوس الكريمة ، مجبولة على حب من أحسن إليها ، وصنائع المعروف ساترة لعيوب صاحبه ، غافرة لزلته ، متجاوزة عن هفوته
ويُظهرُ عيبَ المرءِ في الناس بخلُه ... ...
ويَسترُه عنهم جميعاً سخاؤُه
تَغطَّ بأثوابِ السخاءِ فإنني ... ...
أرى كلَّ عيبٍ والسخاءُ غطاؤُه
إن صاحب المعروف يستعبد قلوب الأحرار ، ويعطف قلوبهم إليه ، ويحبب الناس إليه ولو لم ينل الناس من إحسانه
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ ... ...
فطالما استعبد الإنسان إحسانُ
من جاد بالمال مال الناس قاطبة ... ...
إليه والمال للإنسان فتانُ
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة ... ...
فلن يدوم على الأنسان إمكانُ
إن البذل والسخاء خلق كريم ، من أشرف القيم العالية ، والأخلاق الفاضلة به يتبؤ صاحبه الرتب العلية ، وينال الشرف الرفيع ، ذلك لأن الجود من أشرف المكارم وأخص الفضائل ، وأهله هم المكرمون عند الله تعالى
الجود مكرمةٌ والبخل مبغضةٌ ... ...
لا يستوي البخل عند الله والجودُ(/5)
تحريم الوطء في الحيض
المقدمة:
قال تعالى: ?وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ? [البقرة: 222].هذه الآية يفهم من قرأها بأنه يحرم قربان الزوجة في حالة الحيض، ولكن قد يخطر بالبال أنه قد يحرم حتى الأكل معها أو مشاربتها أو حتى الدخول معها في بيت واحد لما في الآية من المشابهة بآية تحريم الخمر، ويرد هذا ما جاء هنا وفي نفس الآية في قوله تعالى: ? فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ? فالمحرم إذن هو غشيانهن دون سائر الأمور الأخرى لأن ما أباحه الله للزوج في الآية بعد التطهر هو الإتيان فيكون هو بذاته محرماً قبله، كما اتفقت كلمة أهل العلم على أن شريعة الإسلام مبناها وأساسها مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأنها عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها، كما ذكر ابن القيم رحمه الله .واستناداً إلى ما اتفق عليه أهل العلم وقرروه فإن كل حكم شرعي جاءت به الشريعة لابد أن يكون إما جالباً لمصلحة أو دارئاً لمفسدة، وأن وراءه حكمة تشريعية سواء ظهرت لنا أم لم تظهر، وسواء علمها البعض أم جهلها البعض الآخر. وإذا تقرر ما ذكرنا فإن تحريم قربان النساء فترة المحيض هو من هذا القبيل ، ونزيد على ما تقدم ما أثبته العلم الحديث من حقائق في هذا المجال.
ما هو المحيض:
المحيض: الحيض وهو مصدر يقال: حاضت المرأة حيضاً ومحاضاً ومحيضاً فهي حائض وحائضة أيضاً عن الفراء وأنشد :
كحائضة يزني بها غير طاهر
ونساء حيض وحوائض والحيضة: المرة الواحدة ( بالكسر ) الاسم والجمع الحيض الحيضة أيضا الخرقة التي تستفر بها المرأة قالت عائشة رضي الله عنها : ليتني كنت حيضة ملقاة وكذلك المحيضة والجمع المحائض وقيل : المحيض عبارة عن الزمان والمكان وعن الحيض نفسه وأصله في الزمان والمكان مجاز في الحيض وقال الطبري : المحيض اسم للحيض ومثله قول رؤبة في العيش :
إليك أشكو شدة المعيش ... ... ومر أعوام نتفن ريشي
...(/1)
وأصل الكلمة من السيلان والانفجار يقال: حاض السيل وفاض وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ومنه الحيض أي الحوض لأن الماء يحيض إليه أي يسيل والعرب تدخل الواو على الياء والياء على الواو لأنهما من حيز واحد قال ابن عرفة: المحيض والحيض اجتماع الدم إلى ذلك الموضع وبه سمي الحوض لاجتماع الماء فيه يقال: حاضت المرأة وتحيضت ودرست وعركت وطمثت تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضاً إذا سال الدم منها في أوقات معلومة فإذا سال في غير أيام معلومة ومن غير عرق المحيض يقال: استحيضت فهي مستحاضة، ولها ثمانية أسماء الأول: حائض والثاني: عارك والثالث: فارك والرابع: طامس والخامس: دارس والسادس: كابر والسابع: ضاحك والثامن: طامث. وقد ذكر الطبري عن السدي أن السائل عن الحيض هو:ثابت بن الدحاح وقيل: أسيد بن حضير وعباد بن بشر وهو قول الأكثرين وسبب السؤال فيما قال قتادة وغيره إن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد أستنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها فنزلت هذه الآية وقال مجاهد: كانوا يتجنبون النساء في الحيض ويأتونهن في أدبارهن مدة زمن الحيض فنزلت وفي صحيح مسلم عن أنس: إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى: ?وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ?[البقرة: 222] إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «اصنعوا كل شيء إلا النكاح » فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما(1) وقال القرطبي: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض وكانت النصارى يجامعون الحيض فأمر الله بالقصد بين هذين.(2) وهو ظاهرة تأتي المرأة بعد سن البلوغ وتنتهي عند سن اليأس، ابتلى الله بها كل من الرجل والمرأة على حد سواء، فالمرأة تعاني منه كل شهر تقريباً في حالة عدم الحمل وما يرافقه من آلام وأعراض سيأتي ذكرها في مبحث مستقل، أما إذا كانت حامل فإن الحيض يتوقف بإذن الله إلا في حالات نادرة، أما الرجل فقد ابتلي هو الآخر لما في الأمر من وجوب الابتعاد عن الزوجة عند الحيض وتحريم غشيانها حتى تطهر منه ولما في هذا من المشقة التي لا تخفى والتي تتطلب منه شيئاً من الصبر، ولعل هذا من حكمة الشرع في تعدد الزوجات ليعف به نفسه لمن خشي العنت خاصة وإن النفوس تختلف باختلاف البيئات والأمزجة والقدرات التي وهبها الله عز وجل عباده, أما الزوجة فمن حكمة الله تعالى أن جعلها على عكس الرجل في حاجتها للزوج عند الحيض فإنها تقل شهوتها في تلك الحالة إلى الحد الذي تكره فيه قربان زوجها أحياناً وهذا مما لا تنكره النساء بالجملة, ولعل هذا من رحمة الله تعالى بهن، فسبحان الله تعالى كيف خلق الخلق وقدر لكل شيء حاجته تقديراً دقيقاً تندهش منه العقول وتسجد له الجباه إجلالاً ومهابة وعبودية.
?قُلْ هُوَ أَذًى?(/2)
جاء الجواب الذي سأله السائل بقل هو أذى وهي كلمة موجزة حوت معان كثيرة، ودل هذا الإيجاز على أهمية ترك كل متعلقات الأذى ومقدماته وما يؤدي إلى ذلك الأذى، وهو شيء تتأذى به المرأة وغيرها أي برائحة دم الحيض والأذى كناية عن القذر على الجملة ويطلق على القول المكروه ومنه قوله تعالى: ?لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى?[البقرة : 264] أي بما تسمعه من المكروه ومنه قوله تعالى: ?وَدَعْ أَذَاهُمْ?[الأحزاب : 48] أي دع أذى المنافقين لا تجازهم إلا أن تؤمر فيهم وفي الحديث: «وأميطوا عنه الأذى»(3)يعني بـ ( الأذى ) الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد يحلق عنه يوم أسبوعه وهي العقيقة وفي حديث الإيمان: «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»(4) أي تنحيته يعني الشوك والحجر وما أشبه ذلك مما يتأذى به المار وقوله تعالى:?وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَر?[ النساء : 102 ] (5) وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أتعرق العرق (عرق اللحم وتعرقه واعتراقه تناوله بفمه من العظم) وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه (6). وقال آخرون: إنما تحل له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار كما ثبت في الصحيحين عن ميمونة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض(7). ولأبي داود عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال: « ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل»(8) فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها وهو أحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله ورجحه كثير من العراقيين وغيرهم ومأخذهم أن تحريم الفرج لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله عز وجل الذي أجمع العلماء على تحريمه وهو المباشرة في الفرج ثم من فعل ذلك فقد أثم فيستغفر الله ويتوب إليه. فقوله تعالى: ?ولا تقربوهن حتى يطهرن? تفسيرلقوله: ?فاعتزلوا النساء في المحيض?ونهى عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجوداً ومفهومه حله إذا انقطع(9)
التفسير العلمي لأذى المحيض :
الحيض هو دم طبيعي يأتي المرأة البالغة عادة كل شهر مرة، يخرج منها لفترة تتراوح بين اليومين وسبعة أيام على الأغلب، وتختلف كمية الدم الذي يخرج من امرأة لأخرى، وَفْقَ الحالة الجسدية والنفسية. وسيلان دم المحيض يرجع إلى التغيرات المهمة التي تحصل للغشاء المبطن للرحم، التي تؤدي بدورها إلى تمزق العروق الدموية، فيسيل الدم منه، وما يلبث الغشاء المخاطي للرحم أن يسقط مصحوباً بالدماء، مشكِّلاً سيلان الحيض. بيد أن أكثر تأثيرات المحيض شدة وعمقاً، ما يُصيب المرأة وينتابها من حالة نفسية وجسدية، فقُبَيْلَ بدء الحيض ينخفض لدى المرأة تركيز حمرة الدم، وتعداد الكريات الحمراء، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض مقاومة جسم المرأة للأمراض أثناء فترة الحيض، وزيادة القابلية للالتهابات والإصابات الجسمية، مع تزايد أعراض الاضطراب والارتعاش والتوتر العصبي، وتبدل المزاج، وسرعة الاستثارة، ويُرافق كل ذلك تغيُّر في القدرة على الحكم على الأشياء .
وإضافة لما تقدم من تغيُّرات تحدث للمرأة فترة المحيض، فقد دلت الدراسات على أن نسبة الإنتاج لدى المرأة تنخفض وقت المحيض، وتزداد نسبة الانتحار وجرائم النساء في بعض المجتمعات بشكل ملحوظ في تلك الفترة (10).
يقذف الغشاء المبطن للرحم أثناء الحيض وبفحص دم الحيض تحت المجهر نجد بالإضافة إلى كرات الدم الحمراء والبيضاء قطعاً من الغشاء المبطن للرحم . ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك.فهو معرض للعدوى البكتيرية. ومن المعلوم طبياً أن الدم هو خير بيئة لتكاثر الميكروبات ونموها، وتقل مقاومة الرحم للميكروبات الغازية نتيجة لذلك ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهماً على الرحم .. و مما يزيد الطين بلة إن مقاومة المهبل لغزو البكتيريا تكون في أدنى مستواها أثناء الحيض .. إذ يقل إفراز المهبل للحامض الذي يقتل الميكروبات ويصبح الإفراز أقل حموضة إن لم يكن قلوي التفاعل، كما تقل المواد المطهرة الموجودة بالمهبل أثناء الحيض إلى أدنى مستوى لها ... ليس ذلك فحسب بل جدار المهبل الذي يتألف من عدة طبقات يقل أثناء الحيض إلى أدنى مستوى له.
أعراض مصاحبة
يذكر الأطباء المتخصصون جملة من الأمراض أو الأعراض التي تصيب المرأة عند مجيء الحيض أو ما يسمى الدورة الشهرية لها وهذه الأعراض بعضها مشاهد تجده المرأة بنفسها وتشعر به وبعضها غير مشاهد ولا تشعر به على المدى القريب بل تظهر نتائجه بعد فترة من الزمن، وهذا التأخر في ظهور النتائج قد يكون بسبب وجود مناعة قوية ذاتية عندها أو قد يكون بسبب تناول بعض العقاقير الطبية. ومن هذه الأعراض ما يأتي:(/3)
ـ يمتد الالتهاب إلى قناة الحيض على أدنى مستوى لها .
ـ يمتد الالتهاب إلى قناة مجرى البول فالكلى.
ـ يصاحب الحيض آلام شديدة .
ـ تصاب كثير من النساء أثناء الحيض بحالة كآبة وضيق كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى درجاتها أثناء الحيض لذلك نهى رسول الله عن تطليق النساء أثناء الحيض.
ـ تصاب بعض النساء بصداع نصفي (الشقيقة) قرب بداية الحيض وآلام مبرحة .
ـ تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة أثناء الحيض.
ـ يسبب الحيض فقر دم للمرأة.
ـ تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض درجة مؤوية واحدة.
ـ تزيد شراسة الميكروبات أثناء الحيض في دم الحيض وخاصة ميكروبات السيلان
ـ تصاب الغدد بالتغير فتقل أفرازاتها .
ـ يبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل .
ـ لا يتم الحمل أثناء الحيض .
ـ لا يقتصر الأذى على الحائض بل ينتقل الأذى إلى الرجل الذي وطأها أيضاً .
وقد خرج مؤخراً بحث حديث قدمه البروفسور عبد الله با سلامة إلى المؤتمر الطبي السعودي جاء فيه أن الجماع أثناء الحيض قد يكون أحد أسباب سرطان عنق الرحم ويحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسة.
وتنتقل الميكروبات من قناة الرحم إلى مجرى البول البروستات والمثانة .والتهاب البروستات سرعان ما يصبح مزمناً لكثرة قنواتها الضيقة الملتفة والتي نادراً ما يتمكن الدواء من قتل الميكروبات المختفية في تلافيفها ...فإذا ما أزمن التهاب البروستات فإن الميكروبات سرعان ما تغزو بقية الجهاز البولي التناسلي فتنتقل إلى الحالبين ثم إلى الكلى ... وهو العذاب المستمر ...حتى نهاية الأجل ....وقد ينتقل الميكروب من البروستات إلى الحويصلات المنوية فالحبل المنوي فالبربخ فالخصيتين ... وقد يسبب ذلك عقماً بسبب انسداد قناة المني (11).
الاستحاضة عرق:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أُستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، إنما ذلك عرقٌ وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي»(12). وزاد في رواية : «ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت»(13). دل الحديث الشريف أن دم الحيض لا يأتي مباشرةً من العروق الدموية بل هو كما يقول الأطباء المختصون نسيجٌ محتقن منتخر، فحين تنمو بطانة الرحم تنمو معها شرايين وتتحلزن ، ولا أحد يعرف كيف يحصل هذا التحلزن العجيب، فإذا انكمشت بطانة الرحم في آخر الدورة لانحسار الهرمونات فإن سماكتها تقل وتضغط على شرايينها الحلزونية، وهذا يؤدي إلى انضغاط التحلزنات على بعضها بعضاً وانقطاع الدم، ويؤدي بدوره إلى تنخُّر البطانة وانطراحها على شكل دم الحيض، بخلاف دم الاستحاضة الذي هو نزف غير طبيعي يأتي مباشرة من العروق(14) .
ولا شك أن كل دمٍ يخرج من عرق، ولم يبين الحديث الشريف مكان هذا العرق؛ هل هو في داخل الرحم أم في خارج الرحم ؟ والفقهاء يقولون: إن مصدر دم الاستحاضة ليس من الرحم بل من عرق خارج الرحم يسمى العازل. لكن الطب الحديث يقول: إنّ دم الاستحاضة مصدره الرحم أيضاً كالحيض والنفاس، فهو بهذا يخالف الفقهاء، أما الحديث فلم يتطرق إلى مكان العرق لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجيب على السؤال دون تنطع وذكر ما ليس له به علم وهذا يؤكد إنه ما كان ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى ولو علم الله أن في ذكر موقع ذلك العرق فائدة لأخبر به نبيه، أما الفقهاء فإنهم لما لم يعلموا علم ما علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكونوا من أصحاب الاختصاص في هذه المسألة رأينا كيف أخطئوا وخالفوا علماء التخصص في هذه المسألة والمصير إلى الحقيقة العلمية هو الأولى ما دام الحديث الشريف لم يحدد مكان خروج الدم ولم يصرح بذلك.(15)
وجه الإعجاز
من قوله تعالى: ?وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ? [البقرة: 222] نلحظ أمران:
الأول: نستشف من قوله: ?هُوَ أَذًى? المعاني التي تدل عليها لفظة أذى وهي التي ذكرناها في بداية هذا المبحث وبالجملة ما كان مستقذراً أو ما يسبب المرض ومقدماته من الالتهابات والآلام العضوية والنفسية وغيرها.
الثاني: ومن قوله تعالى: ?فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ? نستفيد الأمر بتحريم جواز المضاجعة في أيام الحيض.(/4)
وتأسيسًا على ما أثبته العلم من تغيرات وتبدلات ترافق المرأة قُبيل وأثناء فترة الحيض يمكننا إدراك وجه الإعجاز التشريعي للقرآن حين عبَّر عن كل ذلك بلفظ واحد هو لفظ "الأذى" قال تعالى: ?قُلْ هُوَ أَذًى? [البقرة:222] .ويقال أيضًا: إنه يُمكن لكل من حباه الله قدراً من الحس والآدمية، أن يدرك بوضوح أن الرغبة في إتيان المرأة وقت حيضها - والحالة على ما ذكرنا - إنما هي رغبة بهيمية شاذة، بل هي أدنى وأحط، إذ قد ثبت أن ذكور الحيوانات تتخير المواسم الفطرية الملائمة لقربان الأنثى، وعُلِمَ أيضاً أن الوطء فترة الحيض لا يمكن مطلقاً أن يُنتج حملاً؛ لأن عملية التبويض لا تكون إلا قبل الحيض بأسبوعين كاملين تقريبًا . وفوق هذا وذاك، فإن الوطء أثناء الحيض هو في الحقيقة إدخال للجراثيم إلى الرحم في وقت تكون فيه الأجهزة الدفاعية لدى المرأة في حالة ضعف وخمول، بحيث لا تستطيع المقاومة المطلوبة، وإذا أضفنا إلى ما سبق أن وجود الدم في تلك الفترة يُعد عاملاً مساعدًا ومنشطًا لتكاثر الجراثيم ونموها، أدركنا وجه الإعجاز القرآني في تحريمه لقربان المرأة وقت المحيض .ولا يخفاك - أخي الكريم - بعد كل ما تقدم أن إتيان المرأة في المحيض، لا يمثل مخالفة لما شرعه العليم الخبير فحسب، ولا يمثّلُ منافاة لما تقتضيه قواعد الذوق السليم والفطرة النقية كذلك، وإنما يُعَدُّ ارتكاسًا في حمأة موبوءة بالغة الإيذاء والضرر بالمرأة صحيًا ونفسيًا، ويعد كذلك إصرارًا على التردي في متاهات الجهالة والبدائية، وخاصة بعد أن قال العلم كلمته الصريحة في هذا الشأن، فهل من معتبر ؟!وصدق الله القائل: ? سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ?[فصلت:53] والقائل: ?فماذا بعد الحق إلا الضلال? [يونس:32].
إعداد / قسطاس إبراهيم النعيمي
2006:6:13
مراجعة/ عبد الحميد أحمد مرشد
(1) - صحيح مسلم 1/246برقم:302.
(2) - تفسير القرطبي3/78.
(3) - صحيح البخاري5/2082 برقم: 5154.
(4) - صحيح مسلم1/63 برقم: 35.
(5) - تفسير القرطبي3/78.
(6) - صحيح مسلم1/245 برقم: 300.
(7) - صحيح البخاري1/115 برقم: 297.
(8) - سنن أبي داود1/104 برقم: 213.
(9) - مختصر تفسير ابن كثير1/155 بتصرف.
(10) - لتفاصيل أكثر إرجع إلى موقع الشبكة الإسلامية.
(11) - خلق الإنسان بين الطب و القرآن د . محمد على البار
(12) - صحيح البخاري1/91 برقم: 226 كتاب الوضوء، باب غسل الدم.
(13) - صحيح البخاري1/91 برقم: 226 كتاب الوضوء، باب غسل الدم.
- (14)القرار المكين ، ص 43
(15) - انظر : إرشاد الناس إلى أحكام الحيض والنفاس(/5)
تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم
إن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرم بنص الكتاب العزيز
و هو ما تعتقده و تدين به الفرقة الناجية من هذه الأمة.
دلالة القرآن على تحريم سبهم - رضي الله عنهم:-
لقد جاءت الإشارات إلى تحريم سبهم في غير ما آية من كتاب الله - تعالى -، من ذلك: -
1 - قوله - تعالى -{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - و رضوا عنه}.
وجه الدلالة: أن الله - تعالى - رضي الله عنهم رضى مطلقاً، فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان و لم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان، والرضى من الله صفة قديمة فلا يرضى عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات الرضى، و من - رضي الله عنه - لم يسخط عليه أبداً.
2 - قوله - تعالى -{إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً} الأحزاب/57.
وجه الدلالة: إن إيذاء الرسول يشمل كل أذية قولية أو فعلية من سب و شتم أو تنقص له أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى، و مما يؤذيه - صلى الله عليه وسلم - سب أصحابه و قد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن إيذاءهم إيذاء له، و من آذاه فقد آذى الله. المسند (4/87) و تيسير الكريم الرحمن (6/121).
3 - قوله - تعالى -{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} الأحزاب/58.
وجه الدلالة: أن النهي عن سب المؤمنين والمؤمنات بما ينسب إليهم مما هم منه براء لم يعملوه، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - في صدارة المؤمنين، فإنهم المواجهون بالخطاب في كل آية مفتتحة بقوله {يا أيها الذين آمنوا}. إلى غيرها من الآيات الكثيرة.
دلالة السنة على تحريم سب الصحابة: -
لقد دلت السنة النبوية المطهرة على تحريم سب الصحابة والتعرض لهم بما فيه نقص و حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوقوع في ذلك، لأن الله - تعالى -اختارهم لصحبة نبيه و نشر دينه وإعلاء كلمته، فبلغوا الذروة في محبته - صلى الله عليه وسلم - فكانوا له وزراء وأنصاراً يذبون عنه و سعوا جاهدين منافحين لتمكين الذين في أرض الله حتى بلغ الأقطار المختلفة و وصل إلى الأجيال المتابعة كاملاً غير منقوص، فمن الأحاديث التي دلت على تحريم سبهم:-
1 – ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
فهذا الحديث اشتمل على النهي والتحذير من سب الصحابة - رضي الله عنهم -، و فيه التصريح بتحريم سبهم، و قد عد بعض أهل العلم سبهم من المعاصي والكبائر. شرح مسلم (16/93).
2 روى الحافظ الطبراني بإسناده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسبوا أصحابي لعن الله من سب أصحابي. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/21) و رجاله رجال الصحيح.
3 - وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: م سب أصحابي فعليه لعنة الله و الملائكة والناس أجمعين. أورده السيوطي في الجامع الصغير، و حسن إسناده الألباني في صحيح الجامع.
4 - روى الطبراني من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا. مجمع الزوائد (7/202). و صحح الألباني سنده في صحيح الجامع.
إلى غيرها من الأحاديث الصرحية التي تنهى عن سب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلى المسلم أن يحذر من سبهم أو يعترض لهم بما يشينهم - رضي الله عنهم -، و قد جمع الإمام الذهبي الذنوب التي هي من الكبائر في كتابه الكبائر (ص 233-237) وعد سب الصحابة منها.
والحاصل مما تقدم أن السنة دلت على أن سب الصحابة من أكبر الكبائر وأفجر الفجور، وأن من ابتلي بذلك فهو من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
من كلام السلف في تحريم سب الصحابة:-
إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة و من جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان التي تقضي بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم كثيرة جداً، و متنوعة في ذم وعقوبة من أطلق لسانه على أولئك البررة الأخيار، فمن ذلك:-
1 - ذكر ابن الأثير في جامع الأصول (9/408-409) عن رزين من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أبا بكر وعمر، فقالت: و ما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر.
2 - روى ابن بطة في شرح الإبانة (ص 119) بإسناد صحيح إلى ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لا تسبوا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلمقام أحدهم ساعة يعني مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خير من عمل أحدكم أربعين سنة.(/1)
3 روى أبو يعلى والطبراني عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي: يا أبا عبد الله أيسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكم، قلت: أنى يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: أليس يسب علي و من يحبه، و قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبه. مجمع الزوائد (9/130) بسند صحيح.
4 - روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى سعيد بن عبد الرحمن بن أبي أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل يسب أبا بكر؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يقتل. تهذيب التهذيب (6/132-133).
5 قال مالك بن أنس - رحمه الله -: الذي يشتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس له سهم أو قال نصيب في الإسلام. شرح الإبانة لابن بطة (ص 162).
6 - قال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: من شتم أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقد ارتد عن دينه وأباح دمه. نفس المصدر. إلى غيرها من الأقوال الكثيرة.
حكم ساب الصحابة وعقوبته:-
اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو جرحهم، هل يكفر بذلك و تكون عقوبته القتل، أو أنه يفسق بذلك و يعاقب بالتعزير.
1 - ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة - رضي الله عنهم - أو انتقصهم و طعن في عدالتهم و صرح ببغضهم وأن من كان هذه صفته فقد أباح دم نفسه و حل قتله، إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم.
و ممن ذهب إلى هذا القول من السلف:-
1 - الصحابي عبد الرحمن بن أبزى، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 23).
2 – عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، في شرح الإبانة لابن بطة (ص 162).
3 - أبو بكر بن عياش، كما في شرح الإبانة (ص 160).
4 - سفيان بن عيينة، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 24-25).
5 - محمد بن يوسف الفريابي، كما في شرح الإبانة (ص 160).
6 - بشر بن الحارث المروزي، كما في شرح الإبانة (ص 162).
7 - محمد بن بشار العبدي، كما في شرح الإبانة (ص 160).
و غيرهم كثير، فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة و بعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية و الحنابلة والظاهرية.
2 و ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق و يضلل و لا يعاقب بالقتل بل يكفي بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يردعه و يزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب و فواحش المحرمات، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة، و ممن يرى بذلك من الأئمة: -
1 - عمر بن عبد العزيز، كما في الصارم المسلول (ص 569).
2 - عاصم الأحول، كما ذكره ابن تيمية في الصارم المسلول (ص 569).
3 - الإمام مالك، كما في الشفاء (2/267).
4 - إسحاق بن راهوية، كما في الصارم المسلول (ص 568)
و جمع غفير من الأئمة، فهذه النقول توضح أن طائفة من أهل العلم ذهبوا إلى أن ساب الصحابة فاسق و مبتدع ليس كافراً، يجب على السلطان تأديبه تأديباً شديداً لا يبلغ به القتل.
و الذي يترجح أن ساب الصحابة لا يكفر، لكن هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو مشروط بعدم مصادمة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة الصحيحة، و عدم إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق القول بعدم التكفير. والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
و ختاماً أتمنى أن أكون قد وفقت في بيان المنهج الصحيح الذي يجب أن يعتقده المسلم في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و معنى العدالة التي يتمتع بها الصحابة رضوان الله عليهم.
http://www.du3at.com المصدر:(/2)
تحزيب القرآن وهدي السلف في ذلك
02-05-2004
إن القلوب تصدأ وتقسو، والنفس تضعف وتهبط بها دواعي الشهوات وهواتف الدنيا، والإنسان يعيش في هذه الدار في معركة مع النفس والهوى والشيطان. ولئن كان المقاتل يحتاج للسلاح المعنوي والمادي؛ فالذي يخوض في معركة المصير أولى بأن يعتني بإصلاح نفسه.
والذي يحمل لواء الدعوة وراية الإصلاح أولى الناس بأن يهتم بنفسه وتربيتها ، وصلتها بالله-عز وجل- ، وأولاهم بأن يأخذ الزاد في سفره إلى الله والدار الآخرة.
وما تقرب إلى الله بأفضل من تلاوة كتابه والوقوف عند معانيه وحدوده ؛ فحريٌّ بنا أن نضرب من ذلك بسهم وافر ، ومن رحمة الله بعباده وفضله عليهم :أن شرع لهم ما يتعبدون به إليه سبحانه.
ولما كان تحزيب القرآن من السنن المهجورة -بل المجهولة -عند كثير من طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس. في حين كان الأمر متواتراً ومعلوماً عند السلف ، فقلما تقرأ في ترجمة أحدهم إلا وتجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا. لذا رأيت أن أجمع بعض ما ورد في ذلك لعل الله -عز وجل- ينفع به.
تمهيد: قال ابن فارس (2/55):
"الحاء والزاي والباء أصل واحد وهو: تجمع الشيء ، فمن ذلك "الحزب" وهو الجماعة من الناس، قال تعالى((كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)). والطائفة من كل شيء حزب. يقال: قرأ حزبه من القرآن"
وقال في "النهاية" (1/376) :"الحزب ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالوِرد ، والحزب النوبة في ورد الماء. ومنه حديث أوس بن حذيفة :(سألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كيف تحزبون القرآن؟) .
ومعنى ذلك: أن يجعل الإنسان لنفسه نصيباً يومياً يقرؤه ويتعاهد نفسه عليه ، بحيث يختم القرآن في كل شهر، أو عشرين، أو خمسة عشر، أو عشر، أو سبع، أو غير ذلك.
1- وقد ورد في السنة النبوية استعمال ذلك المصطلح في قوله-صلى الله عليه وسلم- :"من نام عن حزبه""، وقوله:"إنه طرأ على حزبي من القرآن"".
وقد بوب غير واحد من الأئمة بتحزيب القرآن. وقال عقبة بن عامر: (ما تركت حزب سورة من القرآن). وقال نافع:(لا تقل: ما أحزبه). وسوف يأتي تخريج هذه النصوص إن شاء الله- عز وجل-.
2- واستعمل عند السلف بلفظ الجزء ، فقد ورد في كلامه-صلى الله عليه وسلم-:"قرأت جزءاً من القرآن"". وقال عبد الله بن عمرو:(هذا جزئي الذي أقرأ به الليلة). وعن عائشة:(إني لأقرأ جزئي). وعن ابن عباس وابن عمر :(أنهما كانا يقرآن أجزاءهما بعدما يخرجان من الخلاء).
3- واستعمل بلفظ الوِرد ، فعن ابن عمر قال:(كنت في قضاء وِردي) ، وعن الحسن:(أنه كان يقرأ ورده من أوَّل الليل).
المسألة الأولى:بعض فضائل تلاوة القرآن:
إن النصوص الدالة على فضل القرآن أشهر من أن تورد ، إنما نورد هنا بعض فضائل تلاوته ؛ قال تعالى:((إنَّ الَذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ وأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ))، وقال -عز وجل-:((لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ *ومَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)).
أما من السنة :فالأدلة على فضله كثيرة ، ومن فضائله :
1- أن الماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يتتعتع فيه له أجران ؛ كما في حديث عائشة عند الشيخين والترمذي وأبي داود.
2- أنه يقال له يوم القيامة:(اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)؛ كما أخرجه أحمد وأهل السنن إلا النسائي من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً.
3- أن له بكل حرف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها كما أخرجه الترمذي والدارمي من حديث ابن مسعود.
4- أن الآية منه خير من الخلفة السمينة ، كما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
5- أن مثل المؤمن الذي يقرؤه مثل الأترجة ، كما رواه الستة إلا ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري.
6- أنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة ، كما رواه مسلم عن أبي أمامة.
7- تنزل السكينة لقراءته ، كما رواه الشيخان من حديث البراء.
8- أنه يقود قارئه يوم القيامة لتاج الكرامة ورضا الله-عز وجل- ، كما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
المسألة الثانية : مشروعية تحزيب القرآن:(/1)
1- حديث عبد الله بن عمرو ، وهو حديث طويل مشهور ، رواه جمعٌ من الأئمة بينهم الأئمة الستة. ولفظه عند مسلم :(كنت أصوم الدهر ، وأقرأ القرآن كل ليلة ، قال: فإما ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإما أرسل لي ، فأتيته ، فقال : "ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة ؟" فقلت: بلى يا نبي الله؛ ولم أرد إلا الخير، قال:" فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام... ، ثم قال : "واقرأ القرآن في كل شهر" ، قال: قلت: يا نبي الله: إني أطيق أفضل من ذلك ، قال :"فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك ، فإن لزوجك عليك حقاً ، ولزورك عليك حقاً ، ولجسدك عليك حقاً"، قال : فشددت ؛ فشدد علي ، قال: وقال لي النبي-صلى الله عليه وسلم- :"لعلك يطول بك العمر" ، فصرتُ إلى الذي قال لي النبي-صلى الله عليه وسلم- ، فلما كبرت وددت أني قبلت رخصة النبي-صلى الله عليه وسلم-.
2- حديث:"من نام عن حزبه"" وقد أخرجه مسلم (747) ، وأبو داود (1313)، والنسائي (1790) ، والترمذي (581) ، وابن ماجه (1343) ، ومالك في "الموطأ "(1/ 200) ، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (285)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (4747)، وابن حبان في "صحيحه" كما في الإحسان (2634).
ولفظه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن حزبه أو عن شيء منه ؛ فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر: \كتب له كأنما قرأه من الليل".
3- ما رواه أبو داود (1396) والمرزوي في "قيام الليل" كما في "المختصر" (157) عن ابن الهاد قال:"سألني نافع بن جبير بن مطعم فقال لي : في كم تقرأ القرآن ؟ ، فقلت: ما أحزبه، قال لي نافع : لا تقل "ما أحزبه" ؛ فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "قرأت جزءاً من القرآن"، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
4- حديث أوس بن حذيفة الثقفي ولفظه:(قدمنا على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في وفد ثقيف ، فنزَّلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، وأنزل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بني مالك في قبة له ، فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء ؛ فيحدثنا قائماً على رجليه حتى يُراوح بين رجليه، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ويقول :(ولا سواء، كنا مستضعفين مستذلين ، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم،ندالّ عليهم ويدالُّون علينا)، فلما كان - ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: يا رسول الله: لقد أبطأت علينا الليلة؟ ، قال :"إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أخرج حتى أتمه"، قال أوس : فسألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل".
والحديث قال فيه أحمد شاكر فيما نقله في "تهذيب السنن"(2/113) عن ابن عبد البر:أن ابن معين قال:"حديثه عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في تحزيب القرآن ليس بالقائم". وضعفه الألباني في دفاع عن الحديث ، كما في "ضعيف ابن ماجه" (283). لكن حسنه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/276) والحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات" لابن علان (3/229). وأورده الحافظ ابن كثير في "تفسيره" محتجاً به على أن المفصل يبتدئ من سورة (ق). واحتج به شيخ الإسلام ابن تيميه في حديثه عن التحزيب بالسور والأجزاء كما سيأتي.
وتد تواتر ذلك عن السلف -رضوان الله عليهم - ؛ فعندما تقرأ في ترجمة أحدهم تجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا ، وسيأتي بعض هذه الآثار.
المسألة الثالثة: هدي السلف في تحزيب القرآن:
أولاً: ذكر من روي عنه الختم في سبع :
أخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" (291) بإسناده عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"إني لأقرأ جزئي - أو قالت: سبعي - وأنا جالسة على فراشي أو على سريري".
وأخرج الطبراني كما في "المجمع" (2/269) وقال: رجاله ثقات ، عن الأحوص قال: قال عبدالله."لا يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث ، اقرأوه في سبع ، ويحافظ الرجل على حزبه" . وكذا أخرجه ابن أبي شيبة (502/2) دون قوله:"وليحافظ"..
وأخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" (263) ، والبيهقي في "السنن" (2/296) عن ابن مسعود -رضي الله عنه- :"أنه كان يختم في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة".
وقال الحافظ: أخرج ابن أبي داود :عن عثمان وابن مسعود وتميم الداري:" أنهم كانوا يختمون في سبع" بأسانيد صحيحة.
وأخرج أبو عبيد (266) عن إبراهيم:" أنه كان يقرأ القرآن في كل سبع" ، و كذا رواه ابن أبي شيبة (2/501).
وأخرج ابن أبي شيبة (2/501) ، والفريابي (138) :عن هشام بن عروة قال:" كان عروة يقرأ القرآن في كل سبع".
وأخرج أيضاً (2/501) عن أبي مجلز:" أنه كان يؤم الحي في رمضان ، وكان يختم في سبع".
وأخرج ابن أبي شيبة بإسناده (2/501) :عن إبراهيم قال:" كان عبد الرحمن بن يزيد يقرأ القرآن في كل سبع ، وكان علقمة والأسود يقرؤه أحدهما في خمس والآخر في ست ، وكان إبراهيم يقرأه في سبع".(/2)
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/611) :"قال عبد الله بن أحمد كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة، يقرأ كل يوم سبعاً ، لا يكاد يتركه نظراً ، وقال حنبل :كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة". وقال إسحاق بن هانىء في "مسائله" (506) : "وسئل : في كم يقرأ القرآن ؟ قال :أقل ما يقرأ في سبع".
ثانياً: ذكر من روي عنه الختم من الثلاث إلى السبع :
سبق عن علقمة والأسود:" أنهما يقرآن في خمس وست ".
قال ابن علان (3/230) :"قال الحافظ: أخرج ابن أبي داود من طريق مغيث بن سمي قال: كان أبو الدرداء يقرأ القرآن في كل أربع. ومن طريق بلال بن يحيى: لقد كنت أقرأ بهم ربع القرآن في كل ليلة ، فإذا أصبحت قال بعضهم: لقد خففتَ بنا الليلة".
ثالثاً: ذكر من روي عنه الختم في أقل من ثلاث :
وذكر ابن علان (231/2) :عن ابن أبي داود أنه روى عن الأسود بن يزيد:" أنه كان يختم القرآن في رمضان كل ليلتين" وقال: سنده صحيح ، وأخرج الحافظ من طريق الدارمي عن سعيد بن جبير:" أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين". قال: وأخرجه ابن أبي داود، قال: وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أنه كان يفعل ذلك. ومن طريق واصل بن سليمان قال:"صحبت عطاء بن السائب فكان يختم القرآن في كل ليلتين".
وروى أبو عبيد (277) وابن أبي شيبة (2/502) عن السائب بن يزيد أن رجلاً سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن صلاة طلحة بن عبد الله فقال إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان قال نعم قال قلت لأغلبن الليلة على الحِجْر - يعني المقام - فقمت فلما قمت إذا أنا برجل متقمع يزحمني فنظرت فإذا عثمان بن عفان فتأخرت عنه فصلى فإذا هو سجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادي الفجر أوتر بركعة لم يصلِّ غيرها ثم انطلق ، ولابن أبي شيبة (2/503) فتنحيت وتقدم فقرأ القرآن كله في ركعة ثم انصرف. وصححه ابن كثير في فضائل القرآن (50) .
وأخرج أبو عبيد (278) وابن أبي شيبة (1/367،2/503) عن نائلة بنت الفرافصة الكلبية حين دخلوا على عثمان ليقتلوه فقالت : "إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيي الليل بركعة يجمع فيها القرآن" وحسنه ابن كثير في فضائل القرآن (50).
وأخرج أبو عبيد أيضاً (279) وابن أبي شيبة (2/502) عن تميم الداري أنه قرأ القرآن في ركعة. وكذا أخرجا عن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت وصححهما ابن كثير (50).
وأخرج أبو عبيد (281) والفريابي (140) عن علقمة أنه قرأ القرآن في ليلة طاف بالبيت أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى عنده بالمِئِين،ثم طاف أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى عنده بالمئين، ثم طاف أسبوعاً ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بقية القرآن. وصححه ابن كثير (50) ورواه ابن أبي شيبة (2/503) مختصراً بلفظ أنه قرأ القرآن في ليلة بمكة.
وأخرج أبو عبيد (282) وابن أبي شيبة (3/502) عن سليم بن عتر التجيبي أنه كان يختم القرآن في الليلة ثلاث مرات.
ونقل النووي في التبيان والأذكار جملة من ذلك فقال في التبيان (46) "ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سليم بن عمر - رضي الله عنه - قاضي مصر في خلافة معاوية - رضي الله عنه - . وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات. قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي - رضي الله عنه - : "سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول : كان ابتن الكاتب - رضي الله عنه - يختم بالنهار أربع ختمات ، وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة . وروى السيد الجليل أحمد الدروقي بإسناده عن منصور بن زادان من عُباد التابعين - رضي الله عنه - أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين ، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل ، وروى أبو داود بإسناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء وعن منصور قال كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان ، وعن إبراهيم بن سعد قال كان أبي يحتبي فيما يحل حبوته حتى يختم القرآن ، وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم..." . (1)
المسألة الخامسة : أقل ما يُختم فيه القرآن :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفقه مَن قرأ القرآن في أقل من ثلاث" . أخرجه أبو داود (1394) والترمذي (2950) والنسائي وابن ماجه (1347) وأحمد (2/164،165) وأبو عبيد وقال الترمذي : حسن صحيح . وصححه النووي في التبيان (ص48).
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والمروزي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه كان يكره "أن يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث" وصححه الحافظ ابن كثير .(/3)
وأخرج ابن أبي شيبة (2/502) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : "اقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه في ثلاث" وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود - كما في الفتوحات (231/3) - عنه (رضي الله عنه) أنه قال : "لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث" .وأخرج ابن أبي شيبة وأبو عبيد والطبراني في الكبير كما في المجمع (2/269) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز". وقال أبو عبيد: "إلا أن الذي أختار من ذلك أن لا نقرأ القرآن في أقل من ثلاث للأحاديث التي ذكرناها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الكراهة لذلك".
وقال النووي في التبيان (ص48): "وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" وقال الحافظ ابن كثير : "وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث" كما هو مذهب أبي عبيدة وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الخلف أيضاً".
وقال شيخ الإسلام : "فالصحيح عندهم أنه أمره - عبد الله بن عمرو - ابتداءً بقراءته في الشهر، فجعل الحد ما بين الشهر إلى الأسبوع ..ولا يلزم إذا شرع فعل ذلك أحياناً - التثليث - لبعض الناس أن تكون المداومة على ذلك مستحبة، ولهذا لم يُعلم من الصحابة على عهده مَن دوام على ذلك ؛ أعني على قراءته دائماً فيما دون السبع ؛ ولهذا كان الإمام أحمد - رحمه الله - يقرؤه في كل سبع" .
أما ما نقل عن السلف مما ذكرنا طرفاً منه فقد اختلفت مسالك العلماء في الإجابة عليه ، فمنهم من حمل ذلك على أنه لم يبلغهم النهي ومنهم مَن رأى أنهم لم يحملوا الحديث على المنع من ذلك ، ومنهم مَن رأى أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص.
وها هنا أمور لعل بها يتضح وجه المسألة :
أولاً : أن ورود ذلك عن السلف والصحابة بوجه أخص لا يعني المداومة عليه ؛ خاصة أن الكثير ممن روي عنه ذلك - كعثمان وتميم وغيرهم - رُوي عنه أنه كان يختم في سبع ، بل قد نفى ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله - وهو من أعلم الناس في مثل ذلك فقال : "ولهذا لم يعلم في الصحابة على عهده من دوام على ذلك أعني قراءته دائماً فيما دون السبع".
ثانياً : علل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بعلتين الأولى عدم الفقه ، والثانية قوله لعبد الله "فإن لزوجك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً" . فالرجل عليه مسؤولية تجاه أسرته ومنزله وضيفه وكذلك عليه الرفق بنفسه . وختم القرآن في أقل من ثلاث على حساب ذلك غالباً .
ثالثاً : يجب أن يربط ذلك بالنصوص الأخرى التي تحث على القصد والمقاربة "إن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة واعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله" . وفي رواية الإمام أحمد لحديث عبد الله بن عمرو (6477) :"فإن كل عابد شرّة ولكل شرة فترة ، فإما إلى سُنة وإما إلى بدعة، فمَن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" .
رابعاً : أن خير الهدْي هديه - صلى الله عليه وسلم - وهو أعبد الناس وأخشاهم لله وقد غضب على الذين تقالُّوا عبادته ، وفي رواية أحمد لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال له : "لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام ، وأمس النساء فمَن رغب عن سنتي فليس مني" وروى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : "ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح ، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان" ونحن متعبدون باتباع سُنته وهديه . مع ما نكنّه في نفوسنا من تقدير وإكبار وإجلال لسلف الأمة . ولذلك قالت عائشة - رضي الله عنها - لما قيل لها إن رجالاً يقوم أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثاً - "قرأوا أو لم يقرأوا كنت أقوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء ، فلا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا ورغب ولا بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ" والحديث ذكره في الفتوحات (2/231) ونُسب للحافظ أنه قال : "والحديث حسن أخرجه ابن أبي داود وأخرج أحمد المرفوع منه فقط" .
خامساً : هناك وظائف شرعية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإصلاح الناس، والتي هي من فروض الكفاية ومن أفضل الأعمال الصالحة والأمة لا تستغني عن جهود أبنائها في ذلك . ففي التفرغ لتلاوة القرآن على هذا النحو تعطيل لهذه الوظائف خاصة في هذا العصر، وقد أشار النووي - رحمه الله - إلى شيء من ذلك حين قال في التبيان (ص48) : "وكذا مَن كان مشغولاً بنشر العلم وغيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له" .(/4)
سادساً : في مقابل هؤلاء الذين نقل عنهم الإكثار من ختم القرآن نقل عن غيرهم بل أكثر السلف التسبيع، فَلِمَ يكون رأي أولئك أَوْلى بالقبول من هؤلاء وهم أكثر وفعلهم يتأيد بالسنة الصحيحة عنه - صلى الله عليه وسلم - .
المسألة السادسة : هل يكون التحزب بالسور أو الأجزاء ؟
عقد شيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة فصلاً في الجزء الثالث عشر من مجموع الفتاوى ورأى أن التحزيب المشروع هو أن يكون بالسور للأمور الآتية :
1- أن المنقول عن الصحابة هو التحزيب بالسور لا بالأجزاء وذكر حديث أوس بن حذيفة، وقد سبق في أول البحث .
2- أن الأجزاء والأحزاب محدثة وفيه حديث أوس أنهم حزّبوه بالسور، وهذا معلوم بالتواتر فإنه قد علم أن أول ما جُزئ القرآن بالحروف تجزئة ثمانية وعشرين ، وثلاثين ، وستين هذه الأجزاء التي تكون في أثناء السورة، وأثناء القصة ونحو ذلك كان في زمن الحجاج وما بعده وروي أن الحجاج أمر بذلك. ومن العراق فشا ذلك ولم يكن أهل المدينة يعرفون ذلك (13/409) .
3- أن هذه التحزيبات تتضمن دائماً الوقوف على بعض الكلام المتصل بما بعده حتى يتضمن الوقوف على المعطوف دون المعطوف عليه ، فيحصل القارئ في اليوم الثاني مبتدئاً بمعطوف كقوله - تعالى - : ((والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))[النساء:24] وقوله ((ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ))[الأحزاب:31] وأمثال ذلك ، ويتضمن الوقف على بعض القصة دون بعض - حتى كلام المتخاطبين - حتى يحصل الابتداء في اليوم الثاني بكلام المجيب كقوله - تعالى -:((قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً))[الكهف:72] ومثل هذا الوقوف لا يسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي ، ولهذا لو ألحق بالكلام عطف أو استثناء ، أو شرط ونحو ذلك بعد طول الفصل بأجنبي لم يسغ ذلك بلا نزاع.
4- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عادته الغالبة وعادة أصحابه أن يقرأ في الصلاة بسورة كـ ( ق ) ونحوها وكما كان عمر - رضي الله عنه - يقرأ بيونس ويوسف والنحل .. وأما القراءة بأواخر السور وأواسطها فلم يكن غالباً عليهم .
وقال: "وإذا كان تحزيبه بالحروف إنما هو تقريب لا تحديد، كان ذلك من جنس تجزئته بالسور هو أيضاً تقريب،فإن بعض الأسباع قد يكون أكثر من بعض في الحروف وفي ذلك من المصلحة العظيمة بقراءة الكلام المتصل بعضه ببعض ، والافتتاح بما فتح الله به السورة، والاختتام بما ختم به ، وتكميل المقصود من كل سورة ما ليس في ذلك التحزب. وفيه أيضاً من زوال المفاسد الذي في ذلك التحزيب ما تقدم التنبيه على بعضها".
وبعد هذه الوقفات السريعة أرى أنه لا يليق بشاب مسلم طالب للعلم ، يحمل بين كاهليه هم الإصلاح والتغيير ودعوة الناس - لا يليق به أن لا يكون له حزب من كتاب الله قل أو كثر . ومهما ادعى الإنسان المشاغل فهذه الدعوى تحتاج للبينة ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى أقوام دماء أناس وأموالهم . وهذا دليل على قلة اهتمامه ، ومتى كانت تلاوة كتاب الله وإصلاح النفس وعبادة الله - عز وجل - مما لا يفعل إلا في وقت الفراغ .
ففي التحزيب تأسٍ بالسلف - رضوان الله عليهم - وفيه علاوة على ذلك تحقيق لهديه - صلى الله عليه وسلم- في المداومة على العمل الصالح فقد كان عمله دائماً، وكان يقول: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" . وفيه أن الإنسان يُكتب له حزبه إذا شغله عنه مرض أو سفر.
وفيه أيضاً تعاهد القرآن كما أمر بذلك - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها" .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقّلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت".
الهوامش :
1- لا شك أن في ذلك مبالغة وتساهلاً في التصحيح لعلة منطلق من باب التساهل في تصحيح أو تحسين الأحاديث في فضائل الأعمال وفي الترغيب والترهيب وراجع التعليلات بعد ذلك .
محمد عبد الله الدويش(/5)
تحقيق مصلحة الأمة ونجاتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
• في كل مجتمع يبزغ منه طائفة مؤمنة مخلصة تحمل على عاتقها مهمة الإصلاح ، ذلك الإصلاح العظيم الذي يتناول جميع جوانب الحياة العلمية والعملية ، فهناك الإصلاح الفكري ، وهناك الإصلاح الاقتصادي ، وهناك الإصلاح الأسري والاجتماعي ، وعلى رأس كل هذا الإصلاح يأتي الإصلاح الديني والأخلاقي ، ذلك الإصلاح الذي يعد الثمن الغالي لتحقيق الوعد الإلهي بالبقاء والتمكين، قال الله تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) ، وقال الحق عز وجل : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ..
• إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة فرضها الله عز وجل في محكم التنزيل ، لأنه بهذه الفريضة يبقى المجتمع المسلم مصونا ومحفوظا من الفواحش والمنكرات، قال الحبيب صلى الله عليه وسلم ؛ في الحديث الصحيح : ( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم ) ..
• أي مجتمع حضاري بحاجة ماسة إلى أنظمة إصلاحية في كافة مجالاته ، وعلى رأس هذه الأنظمة النظام الخاص برعاية الآداب والأخلاق، ولا يخلو مجتمع من المجتمعات من أنظمة أمنية تحميه من الأخطار ، كذلك الأنظمة الرقابية سواء كانت تجارية أو إدارية أو أخلاقية، ومن أهم المميزات للمجتمعات الإسلامية - وخاصة مجتمعنا ولله الحمد - وجود نظام الحسبة وإقامة فريضة الاحتساب ، ولو ذهبنا نعدد الفوائد والمميزات والثمرات العظيمة للحسبة لطال بنا المقام ، وأقل ما يوصف به هذا النظام أنه " صمام الأمان " و " ضمير المجتمع " و " مرآته الصافية "، ولأن كانت التكتلات العلمانية والليبرالية تعادي أو تظهر العداء لهذا النظام ولهذه الفريضة ، فإن من الإنصاف أن لا نعمم ذلك ، فهناك من يسميهم البعض - علمانيين - يحسون بخطورة وأهمية هذا النظام بعد تحسسهم للواقع وهذه - في نظري - خطوة إيجابية من هؤلاء ومنصفة لهذا النظام الخطير، أما بقية من يحمل العداء والكراهية والحقد لهذا النظام لأسباب أخلاقية أو عقائدية أو مرضية ، فإن أقل ما يقال في حقه أنه شخص حطمت الهيئة - وفقها الله - آماله في الوصول إلى أعراض وحرمات المؤمنين فكان الحقد يغلي في قلبه تجاه نظام الحسبة، وقد كشف أحد رموز العلمانية وأقطابها الكبار حقيقة دعاوى هؤلاء الذين يزعمون أنهم أنصار المرأة والحرية ، فشهد على نفسه وعلى حزبه بأنهم كاذبون مخادعون يتربصون بالمرأة كي ينهشوا لحمها ويمزقوا شرفها ..
• يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- حول أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثره الاجتماعي على الفرد والمجتمع : " إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم جدير بالعناية لأن فيه تحقيق مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير واختفاء الفضائل وظهور الرذائل"..
• أيها المؤمنون : لقد قص الله لنا في كتابه سيرَ الصالحين ونصائحَ الحكماءِ من عباده المؤمنين حتى تكون نبراساً ومنهجاً في حياة الناس ، ليسلكوا الطريق المستقيم ، ويعرفوا الطريق الموصلَ إلى رب العالمين ، فتسلمَ لهم أمورُ دينِهم ودنياهم ، ومما قصَّهُ الله في كتابه تلكم الوصايا التي أوصاها لقمان الحكيم لابنه ، وأقف معكم اليوم مع وصية من وصياه نحن في أمس الحاجة إلى التذكير بها وهي ما جاء في قوله سبحانه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ).
ولنا مع هذه الوصية العظيمة عدة وقفات :(/1)
• الوقفة الأولى : أيها المؤمنون لنكن على علم ويقين أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرٌ افترضه الله على هذه الأمة وجعلَ شعارَها الذي تعرف به ووسامَها الذي تفخر به (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ، بل هو أخص صفات المؤمنين وشعارهم الذي به يعرفون ، وإلى الله به يتقربون (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ) ، بل إنه هذه الصفة العظيمة والعبادَة الرفيعة هي مما مُدح به سيد الخلق وعُرف حتى في الديانات السابقة المبشرة به (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ) فأمة هذا شعارها وهذه صفة أفرادها ، وهذا الوسام الذي عرف به نبيها فأكرم بها من أمة وأكرم به من مجتمع ، فيا عباد الله لا خيار لنا فإن الله أختار لنا هذا الطريق فلا منة لنا أن عملنا به ولا راد لعقوبة الله عنا إن نحن تخلينا عنه .
• الوقفة الثانية : ليعلم أيها المسلمون أن الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على الأمة إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإذا رأى الإنسان منكراً أو علم عنه ولم ينكره فإنه آثم ومخالف لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )
وتأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم ) لم يقل جهاز الهيئة أو جهاز الأمن بل هي مسؤولية كل واحد من فاتق الله الله يا عبد الله هذا امر مولاك وهذه وصية رسولك وحبيبك فلا تفرط في أي مكان فالمدير في إدارته والمسؤول في عمله والوزير في وزارته والإمام في مسجده والمعلم في فصله وكل فرد في حيه ومسكنه وسوقه والأب في بيته ومع أبناءه وأهله فلا تبخلوا على أنفسكم بالتقرب إلى الله بإحياء هذه الشعيرة .
• الوقفة الثالثة : أيها المسلمون : إن من نعم الله على هذه الامة أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فبالأمر والنهي تدفع العقوبات وتستجلب الرحمات ، بالأمر والنهي تنعم الأمة وتكثر خيراتها ، وإن تركته لا تسل عنها في أي واد هلكت ، فأمم أهلكت لما قصرت في هذا الأمر بل لعنت وطردت من رحمة الله ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيلُه وشريبُه وخليطُه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض )،ورسولنا قد حذرنا فقال بصريح العبارة صلى الله عليه وسلم: ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب) وقال أيضاً : ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم ) ، ولا تدفع العقوبة إلا بالأمر والنهي والإصلاح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش : ( ويل للعرب من شر قد اقترب ...) فلما قالت : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث ) ، وكان عمر بن عبدالعزيز يقول : ( إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلَّهم ).(/2)
• الوقفة الرابعة : يا علماء الأمة يا طلاب العلم أيها المربون أيها الآباء إلى كل مسلم يغار على أمته ويريد لها العز والتمكين إجعلوا الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر من أولويات مناهجِكم التربوية ودروسِكم العلمية وتطبيقاتِكم العملية ، ربو الأمة صغارَها وكبارها رجالَها ونساءها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعلموا أن الفضل كلَّ الفضل والخير كلَّ الخير في نشر وترسيخ هذه العبادة العظيمة ، كيف لا وربكم دعاكم لذلك فقال (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) فاسعوا إلي إيجاد هذه الأمة وتلكم الفئة التي بها تدفع العقوبات وتنزل الرحمات، واحذروا -وأنتم أعلم بذلك من دعوات المخذلين وإرجاف المرجفين واربأوا بأنفسكم عن تلكم الصفة المشينة التي لا تليق بعلمكم ولا حلمكم وهي التقاعس عن الأمر والنهي والصدع بكلمة الحق واعلموا أنه قد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ أَلَا وَأَكْبَرُ الْغَدْرِ غَدْرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا مَهَابَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ) وجاء في الحديث الآخر أنه سئل أي الجهاد أفضل فقال : ( كلمة عدل عند سلطان جائر ) ولعلي أسوق لكم كلاماً يكتب بماء الذهب لابن القيم رحمه الله إذ يقول : "وأي دين وأي خير فيمن يرى محارمَ الله تنتهك وحدودَه تضاع ودينَه يترك وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ، ساكت اللسان ، شيطانٌ أخرس ، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق ، وهل بليَّة الدين إلا من هؤلاء الذين إن سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين وخيارهم المتحزِّن المتلمِّظ لو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذَّل وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة حسب وسعه وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقتِ الله لهم قد بلوا في هذه الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلب فإن القلبَ كلما كانت حياته أتم كان غضبُه لله ورسوله أقوى وانتصارُه للدين أكمل "أ.هـ
• الوقفة الخامسة : إليكم ياشامة الزمن وياقرة العين أيها الأبطال المجهولون والمجاهدون الصامدون أيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر إنني أقف خجلاً منكم نحن نتكلم وأنتم تعملون ، ونحن ننام وأنتم تسهرون ، تتعرضون للأذى ونحن في أتم العافية ، نصركم الله وسدد خطاكم ، اعلموا أن أجركم على الله وليس عند الناس ، ولئن فاتكم شيءٌ من الدنيا فما عند الله خير لكم وأبقى ، وأذكركم بوصية لقمان لابنه ( واصبر على ما أصابك) هي وصية لكم ولكل داعية إن هذا الطريق ليس مفروشاً بالورود كما يظنه من لافقه عنده بحقيقة هذا الدين وعظمته إن تكاليف الطريق إلى الله ونصر المسلمين كبيرة ولا يستطيعها كل أحد ، وهذه التكاليف هي التي تنقي صف المسلمين من المتخاذلين والذين يعيشون ليأكلوا ويشربوا ويناموا ويتناكحوا وأنتم حزتم قصب السبق والدرجات الرفيعة عند الله وعند خلقه ، إن مثل هذه التكاليف لا يستطيعها إلا العظماء والقادة الذين يؤهلون لقيادة الأمة إلى بر الأمان أما الجبناء والكسالى فليسوا أهلاً للسيادة ولا للريادة فالله يحفظكم ويرعاكم ويكبت عدوكم .
• الوقفة السادسة : إليكم يا أيها الإعلاميون ، لقد آلمنا تلكم الأقلام الجائرة التي قدحت في أنقى وأطهر فئات المجتمع التي قدحت في الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ونقول لهم تذكروا قول الله سبحانه( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) وتذكروا قول نبيكم الكريم صلى الله عليه وسلم : ( من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) فكفوا أقلامكم وقبلها ألسنتكم ولا تلفقوا الأكاذيب عليهم ستكتب شهادتكم وتسألون ، واعلموا أنكم إن أردتم إرضاء المخلوقين أو كسب شيء من لعاعة الدنيا فإن الدائرة سوف تدور عليكم فمن أرضى الناس بسخط الله سخط الله وأسخط عليه الناس ، أيها الإعلاميون : إن من الواجب عليكم تجاه إخوانكم شدُّ أزرهم ونشرُ فضائلهم وتقريبُ جهودهم والتعريفُ بها في الوسائل الإعلامية المختلفة فهذا حقهم عليكم ، لكي تنالوا رضاء ربكم.(/3)
وليعلم المنافقون الذين يتربصون بالمؤمنين أن الأمة كلَّها أدركت وعلمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة وهو خيارها الذي اختاره الله لها، واعلموا أن هذه الدعوة المباركة التي شرقتم بها قد شبت عن الطوق وعمت السهل والوعر والبر والبحر بل عمت أرجاء الدنيا كلِّها ولن تتراجع بإذن الله لأنها عرفت طريق الخلاص وجربت كل المناهج فلا نجاة ولا عز لها إلا بمنهج ربها ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو اعن المنكر ولله عاقبة الأمور )
• الوقفة السابعة والأخيرة: إلى عموم الأمة علينا واجب عظيم تجاه إخواننا الذين بذلوا أنفسهم واحتسبوا أجرهم على الله ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، بل علينا واجبات كثيرة منها :
أولاً : الكفُّ عن أعراضهم وتجنب قدحهم ،وعدم إعانة أعداء الله من المنافقين وأصحاب الشهوات عليهم ، بل يجب علينا الدفاعَ عن أعراضهم إذا ذكروا في مجلس أو قدح فيهم في أي مكان معلن أو مسر ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من امريء يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من أمرءٍ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته ) رواه أحمد وأبوداود ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ) رواه أحمد
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من نصر أخاه بالغيب وهو يستطيع نصره الله في الدنيا والآخرة ) رواه البزار
ثانياً : الوقوف معهم عند الأزمات وتلمس حاجاتهم المادية ودعمهم ورفع معنوياتهم والدعاء لهم والوقوف معهم بالمال والنفس والجاه وبكل ما نستطيع فاللهم انصرهم ووفقهم وثبتهم ..
عذرا أيها الأحبة فقد أطلت عليكم والمقام والله يستحق فقد عده بعض أهل العلم الركن السادس من أركان الإسلام هذا من جهة, ومن جهة اخرى فأغلبكم قد لاحظ الهجمة الشرسة التي شنها ومايزال يشنها أصحاب الأقلام المنتة المأجورة من ليبراليين وعلمانيين ومن لف لفهم من أهل العصرنة إتخذوا مايجري من احداث مطية للوقوع في ديننا الحنيف وأهله في صحافتهم الصفراء، وهؤلاء القوم من دنائتهم لم يخافوا الله -سبحانه وتعالى- في علاه إنما يخشونك, نعم يخشونك انت أخي/ أختي الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر, فشمر عن ساعديك فهذه أبواب المحاكم قد فُتحت لك, دافع عن دينك فخصمك حقير وإن تنصروا الله ينصركم ..
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهيء للأمة أمر رُشد يُعز فيه اهل طاعته ويُهدى فيه أهل معصيته ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم آمين .
المراجع:
كتاب الله ،سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقوال بعض اهل العلم, وإقتباسات من مقالات بعض الفضلاء .
ابن رواحه(/4)
تحكيم العقل في مسائل الشرع
د. علي بن عمر با دحدح(*) 16/3/1425
05/05/2004
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ...
العقل في اللغة : مصدر عقل يعقل عقلاً، وأصل معنى العقل المنع، يقال: عقل الدواء بطنه أي أمسكه، وعقل البعير: إذا ثنى وظيفه إلى ذراعه وشدهما جميعاً بحبل لمنعه من الهرب .
وفي الإصطلاح : يقع بالاستعمال على أربعة معاني:
(1) الغريزة المدركة.
(2) العلوم الضرورية.
(3) العلوم النظرية.
(4) العمل بمقتضى العلم .
منزلة العقل في الإسلام:
الإسلام جعل للعقل مكانة كبيرة في مجال التدبر والتفكر ومجال الاستنباط وعمران الأرض، ووردت الآيات القرآنية بذلك بوجوه مختلفة ومنها :
1- خص الله أصحاب العقول بالمعرفة التامة لمقاصد العبادة: "واتقون يا أولي الألباب" (البقرة 197).
2- قصر الله الانتفاع بالذكر والموعظة على أصحاب العقول "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" [يوسف:111]، "ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون" [العنكبوت: 35].
3- كرم الله العقل وجعله مناط التكليف فعَنْ عَلِيٍّ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قال:"رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يعقل" رواه الترمذي (1423)، وابن ماجة (2042) من حديث عليّ – رضي الله عنه -.
4- ذم الله المقلدين لآبائهم، وذلك حين ألغوا عقولهم وتنكروا لأحكامها :"وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون" [البقرة 170].
5- حرّم الإسلام الاعتداء على العقل؛ فحرّم المسكر والمفتر، "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" [المائدة 90]، وعن أم سلمة –رضي الله عنها- قالت: نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم-عن كل مسكر ومفتر " رواه أحمد (26634)، وأبو داود (3686).
6- شدد الإسلام في النهي عن تعاطي ما تنكره العقول وتنفر منه كالتطير والتشاؤم والاعتماد على الكهنة والعرافين والمنجمين، وكذلك النهي عن الرمل والودع والخرافات والأوهام بكل صورها وأشكالها .
وقد اعتمد الإسلام في الوصول إلى المعرفة على طريقين اثنين:
(1) طريق الوحي: وهو الخبر الصادق عن الله الذي بلغنا عن طريق النبوة والأنبياء .
(2) طريق التجربة التي تجمع بين الحس والعقل، وهنا تظهر وسطية الإسلام في الجمع بين النقل والعقل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية يصور مذهب أهل السنة والجماعة :" العقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلاً بذلك لكنه غريزة في النفس، وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار، وإذا انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها، وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أموراً حيوانية قد يكون فيها محبة ووجد وذوق كما يحصل للبهيمة فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة والأقوال المخالفة بالعقل باطلة " مجموع الفتاوى (3/338).
وليس للعقل دور في كل العلوم على سواء، فالعلوم ثلاثة أقسام:
(1) العلوم الضرورية وهي التي لا يمكن التشكيك فيها، إذ أنها تلزم جميع العقلاء ولا تنفك عنهم كعلم الإنسان بوجوده وأن اثنين أكثر من الواحد، وكسماء فوقنا والأرض تحتنا إلى غير ذلك مما يسمى بقوانين العقل الضرورية.
(2) العلوم النظرية: وهي التي تكتسب بالنظر والاستدلال، وهذا النظر لابد في تحصيله من علم ضروري يستند إليه حتى يعرف وجه الصواب فيه، ويدخل في هذا القسم كثير من العلوم كالطبيعيات والطب والصناعات، فهذه العقل له مجال رحب في معرفتها وإدراكها والتوسع فيها .
(3) العلوم الغيبية: وهذه لا تعلم بواسطة العقل المجرد وحده، بل لابد للعقل إذا أراد أن يعلمها أن يكون له طريق آخر للعلم به؛ كعلمه بما يكون في البلد القاصي عنه، وعلمه بما في اليوم الآخر من بعث وحساب وجزاء، وهذا لا يعلم إلا عن طريق الخبر، ويدخل في هذا القسم كثير من مسائل الاعتقاد لا سيما التفصيلية منها، فهذه لا يستقل العقل بمعرفتها؛ بل لابد من اعتماده على الوحي . انظر ( الاعتصام للشاطبي 2/318-322).
هذا الموقف الوسط بخلاف ما عليه أصحاب الفرق الضالة، فمنهم من اعتمد على العقل وأعرض عن الوحي بالكلية كالفلاسفة، أو أسقط حكم الوحي عند التعارض المفترض كما هو حال أكثر المتكلمين، ومنهم من جعل الحق والصواب فيما تشرق به نفسه وتفيض به روحه وإن خالف هذا أحكام العقل الصريحة أو نصوص الوحي الصحيحة كما هو حال بعض المتصوفة . انظر ( منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (169).(/1)
ولمعرفة حقيقة مجال العقل ومحدوديته؛ فإنني أقول: إن الحواس كلها لها طاقة محدودة مقدرة معينة لا تستطيع تجاوزها فكل حاسة تتجاوز مجال قدرتها لا تصل إلى المراد ويلحقها الضرر، فعلى سبيل المثال: العين تبصر وترى الأشياء لكنها رغم سلامتها لا تستطيع أن ترى الميكروبات الدقيقة رغم أنها موجودة، ولا تستطيع الأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية وهكذا، فإنها لها مجال وقدرة محددة، وإذا أرادت أن تخرج عن هذا أصابها الضرر ولم تحقق المقصود، فلو أن إنساناً أصرّ على أن يعرف حقيقة الشمس بعينه وحدّق فيها في وقت الظهيرة؛ فإنه لن يصل إلى مبتغاه وسوف يضر عينه، وهكذا بقية الحواس كالأذن وغيرها .
والعقل كذلك له طاقة وقدرة محددة ولا يستطيع أن يخضع كل المعارف وحقائقها لقدرته، فإن الناس يؤمنون ويسلمون بأمور لا تدركها حواسهم ولا تحيط بها عقولهم، فعلى سبيل المثال الجاذبية الأرضية تقبلها العقول وإن كانت لا تستطيع معرفة حقيقتها، والكهرباء عبارة عن انتقال الإلكترونات من القطب السالب للموجب لكن تعجز العقول عن معرفة كنه ذلك، وكذلك العقل يرى السراب وتعطيه الحواس أن ما تراه ماءً؛ ولكنه من واقع التجربة ينكر دلالة الحواس، ومثل ذلك القلم إذا وضع في الماء بدا منكسراً ومتعرجاً وهو ليس كذلك.
ومن هنا فإن العقل له دائرة لا يستطيع أن يخضعها لمجال عمله ومن ذلك أمور الغيب، ويمكننا أن نقول: إن ما دخل في دائرة الغيب خرج من دائرة العقل؛ فعلى سبيل: المثال الميت إذا وضع في قبره ردت إليه روحه وجاءه الملكان فيجلسانه ويسألانه كما هو معروف في نص الحديث الصحيح، فكيف هي عودة الروح؟، ولماذا لا يصيح الميت ويطلب الخروج؟ وكيف يفسح له في قبره مدّ بصره إذا كان من أهل النعيم؟ كل ذلك لا يمكن تفسيره ومعرفته بالعقل، فالعقل مجال عمله دائرة الشهادة وأما الغيب فلا، ومثل ذلك يمكن أن يقال في مثال أقرب؛ وهو مثال الرؤى التي يراها النائم، وكيف نستطيع أن نفسر أن النائم إذا رأى في المنام أنه يجري استيقظ وهو يلهث ؟ ما صلة الرؤية بعالم الشهادة ؟، وإذاً المطلوب في أمور الغيب مادامت جاءت من طريق الوحي أن يقبلها العقل ويسلم بها ولا يخوض في معرفة كنهها، ولو فعل ذلك لما وصل إلى نتيجة ولأضر ذلك بعقله، كما قلنا بشأن العين عندما تحدق في الشمس، وهذا الذي للفلاسفة وغيرهم ممن أرادوا أن يعرفوا بعقولهم ما وراء عالم الشهادة.
وفي ضوء هذا نفهم قوله سبحانه وتعالى: "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر إلا أولو الألباب" [آل عمران:7]، وعلى هذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم، وقفوا بعقولهم عند حدها ولم يخوضوا بها في ميادين الغيب الفسيحة، حيث لم يدخلوا في التفكير في ذات الله، ولا في كنه وكيفية صفاته، وزجروا عن ذلك ومنعوا منه؛ فسلموا من الشكوك والشبهات واطمأنت قلوبهم بالإيمان واليقين.
سئل الإمام ابن خزيمة عن الكلام في الأسماء والصفات، فقال: ولم يكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب أئمة الدين، (مثل: مالك، وسفيان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ويحيى بن يحيى، وابن المبارك، وأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف) يتكلمون في ذلك وينهون أصحابهم عن الخوض فيه،ويدلونهم على الكتاب والسنة.
وسمع الإمام أحمد شخصاً يروي حديث النزول، ويقول: ينزل بغير حركة ولا انتقال، ولا تغير حال، فأنكر أحمد ذلك وقال: قل كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-فهو أغير على ربه منك .
وقال الأوزاعي لما سئل عن حديث النزول: يفعل الله ما يشاء.
وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه؛ فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء .(أقاويل الثقات ص62،63).
وقال صاحب الطحاوية: "فإنه ما سلم في دينه إلا من سلّم لله -عز وجل- ولرسوله – صلى الله عليه وسلم- ورد علم مشتبه عليه إلى عالمه" قال الشارح أي :"سلّم لنصوص الكتاب والسنة، ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات الفاسدة...." فالواجب كمال التسليم للرسول – صلى الله عليه وسلم- والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولاً، أو نحمله شبهة أو شكًّا، أو نقدم آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحد بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما نوحد المرسِل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.
وقال الطحاوي: "ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام" قال الشارح: "أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين، وينقاد إليها، ولا يعترض عليها، ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه".
روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري -رحمه الله- أنه قال: "من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم"، وهذا كلام جامع نافع "(شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص216-217-219).(/2)
والذين يقولون بتحكيم العقل نحاجهم بالعقل نفسه؛ فنقول: إن العقول تقر وتسلم بأن بينها تفاوتاً واختلافاً، في قوتها وقدرتها، فأي عقل هو الذي سيكون المرجع الذي يحتكم إليه عند معارضته للنص؟، ولماذا يسلم لعقل إنسان من البشر ؟، ثم إن العقل نفسه يغير في نظره وحكمه بحسب ما يجدّ له من معرفة أو ما يتوصل إليه بعد المراجعة والتأمل، ومعنى ذلك أننا سنأخذ اليوم قولاً وربما في الغد يأتينا العقل بقول آخر، وهناك أيضاً من خلال تفاوت العقول ستكون لدينا آراء وأقوال كثيرة وهذا يفضي إلى الاضطراب والحيرة، ثم أحياناً يكون بين آراء تلك العقول متناقضات لا يمكن الجمع بينها، والتجربة تشهد أن الذين خاضوا في تحكيم العقل وتحكّمه في النص ضلوا وبعضاً منهم رجعوا وأقروا بخطأ هذا المنهج ولزوم التسليم للشرع المعصوم .
وأخيراً فإنه لابد من اليقين بأن ماجاء به الشرع المعصوم هو الكمال المطلق الذي تتحقق به المصالح وتندفع به المفاسد ويتفق مع الفطر السليمة والعقول الرشيدة، وأنه يحق لنا أن نحمد الله -عز وجل- على نعمة الدين والعقل معاً إذا كان عقلنا على منهج الصواب في ديننا، فكل ما حرمه الإسلام شهدت العقول بمضرته وتقدم العلوم يكشف المزيد لكل ذي عقل حصيف، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ومنها تحريم الخمر ولحم الخنزير والربا والسفور والاختلاط، ولا بد أن نسلم ونقتنع بعقولنا أن مخالفة الشرع تحصل بها المفاسد وتتكدر بها الحياة كما قال تعالى :"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً" [طه:124].
ومن نعمة الله على أهل الإسلام أنه كفاهم أمر الغيب، فأنزل عليهم القرآن وتكفل بحفظه وأرسل إليهم الرسول – صلى الله عليه وسلم- وحفظ سنته فكفاهم أمر الغيب والدين والعبادة حتى لا ترهق عقولهم بالبحث فيما لا تستطيع وحتى تفرغ عقولهم للتفكير في شؤون دنياهم واستخراج خيرات الأرض، قال سيد قطب -رحمه الله- "وما من دين احتفل بالإدراك البشري وإيقاظه وتقويم منهجه في النظر واستجاشته للعمل وإطلاقه من قيود الوهم والخرافة وتحريره من قيود الكهانة والأسرار المحظورة، وصيانته في الوقت ذاته من التبدد في غير مجاله، ومن الخبط في التيه بلا دليل، ما من دين فعل ذلك كما فعله الإسلام". وقال أيضاً: "إن التصور الإسلامي يدع للعقل البشري وللعلم البشري ميدانه واسعاً كاملاً فيما وراء أصل التصور ومقوماته ولا يقف دون العقل يصده عن البحث في الكون، بل يدعوه إلى هذا البحث ويدفعه دفعاً". (خصائص التصور إسلامي ص 49، 71)، ومن لطائف ما ذكره الغزالي المتأخر -رحمه الله- أنه ذكر أن الله كفى المسلمين أمر الدين وأمرهم فيه بالاتباع، وفتح لهم أمر الدنيا وأمرهم فيها بالابتداع، لكن بعض المسلمين مضوا في الدين بالابتداع والاختراع، وفي شأن الدنيا اكتفوا بالاتباع لأمم الشرق والغرب دون تطور وإبداع واختراع .
ولذا ينبغي البعد عن خوض العقول في هذه المتاهات الغيبية، بل ينبغي الترفع عن إشغال العقول في المسائل الجدلية التي لا طائل من ورائها، قال البنا -رحمه الله-: "وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعاً ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع"، (رسائل الإمام حسن البنا ص9).
قال ابن حجر في هذا السياق: "ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جداً، فيصرف فيها زماناً كان صرفه في غيرها أولى ... وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها... وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة" (فتح الباري 13/267)، والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(/3)
تحليل نوعي وكمّي لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم
بلغ عدد العمليات الحربية في عصر النبوة أكثر من ستين عملية ما بين غزوة وسرية، وقاد الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بنفسه من هذه العمليات ثماني وعشرين غزوة..
وإذا تناولنا هذه الغزوات بالتحليل الإحصائي، من حيث النوع والكمية والتوزيع الزمني، فسوف تتكشف لنا عدة مبادئ في القيادة الحربية في غاية الفائدة للأمة الإسلامية، وتعد من أبرز خصائص العسكرية الإسلامية..
أولاً- تحليل التوزيع الزمني والكمي:
ولعل أول ما يسترعي الانتباه، التوزيع الزمني للغزوات خلال الفترة التي دار فيها الصراع المسلح بين المسلمين وأعدائهم في عصر النبوة، والتي امتدت سبع سنوات تقريباً من السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة (من صفر سنة 2 هـ، إلى رجب سنة 9 هـ) حيث يتضح التوزيع كما يلي:
عدد الغزوات في السنة الثانية للهجرة: 8
عدد الغزوات في السنة الثالثة للهجرة: 4
عدد الغزوات في السنة الرابعة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة الخامسة للهجرة: 4
عدد الغزوات في السنة السادسة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة السابعة للهجرة: 2
عدد الغزوات في السنة الثامنة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة التاسعة للهجرة: 1
ومن ذلك نلاحظ ما يلي:
(1) أن الرسول القائد صلى الله عليه وسلم حرص على مباشرة القيادة بنفسه طوال فترة الصراع كلها. (من السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة) وفي كل سنة من سنواتها بلا استثناء، مع إتاحة الفرصة –في الوقت نفسه- لأصحابه أن يتولوا قيادة الأعمال الحربية المختلفة تحت إشرافه وتوجيهه بصفته القائد الأعلى، وهذه العمليات تسمى بالسرايا التي بلغ عددها خلال نفس الفترة أكثر من ثلاثين سرية.
(2) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاد في السنة الثانية للهجرة –وهي أول سنوات الصراع- أكبر عدد من العلميات الحربية، وهو ثماني غزوات بينما لم يزد عدد العمليات التي قادها في كل سنة بعد ذلك عن ثلاث أو أربع عمليات في المتوسط. هذا التركيز في قيادة عمليات أولى سنوات الصراع له دلالاته التي لا تفوت القائد المحنك الخبير بفن الحرب، ويعد في نظر العلم العسكري والاستراتيجية الحربية من علامات القيادة الحربية الفذة.
فهو يتيح للقائد –في بداية الصراع وقبل تصاعده- الفرصة لدراسة مسرح العلميات دراسة شخصية من الناحية "الطبوغرافية" (مثل طبيعة الأرض والطرق وموارد المياه والتضاريس.. الخ) ومن الناحية "الديموغرافية" (وهي الأهداف التي تسبب للعدو من الأضرار ما يؤدي إلى إحداث تغييرات حادة في الموقفين العسكري والسياسي ويؤثر تأثيراً بالغاً على تطور الصراع المسلح عامة).
ويتيح للقائد كذلك الفرصة لدراسة عدوه عن طريق الاحتكاك المباشر، وتقييم كفاءته القتالية مادياً ومعنوياً، ودراسة أساليبه في القتال، وأسلحته التي يستخدمها، وكل ذلك يكسب القائد ما يسمى "بالخبرة القتالية".
هذه الدراسة الشخصية الشاملة تمكن القائد من التخطيط السليم لجميع العمليات الحربية المقبلة، كما تمكنه من إدارة المعارك بكفاية تامة، ومن توجيه المقاتلين إلى ما يحقق لهم النصر على أعدائهم.
ونتيجة لذلك تنمو لدى القائد ثقته بنفسه وبكفاءاته وقدراته، كما تنمو لدى سائر أفراد الجيش ثقتهم بأنفسهم وقائدهم، فيواجهون تحديات الصراع المقبلة واثقين من النصر.
ونلاحظ أيضاً من تحليلنا لهذا التوزيع الكمي والزمني للغزوات: أنه يكشف عن مبدأ من أهم مبادئ إعداد القادة العسكريين لتولي القيادة، وهو أن يتولى قادة المستقبل قيادة الوحدات الفرعية للجيش تحت قيادة القائد العام، وهذا الأسلوب يفيد القدة من عدة نواح نذكر منها:
? مباشرة القيادة عملياً تحت إشراف القائد الأكبر، والإفادة من ملاحظاته وتوجيهاته.
? إتاحة الفرصة لهم لملاحظة أسلوب القائد "المعلم" في القيادة الحربية من حيث التخطيط للمعركة وإدارتها، وتصرفه في مواقفها المختلفة، وهي فرصة ممتازة للتعليم على الطبيعة واكتساب الخبرة القتالية في الوقت نفسه.(/1)
? تدريب قادة المستقبل على فن التفكير واستخدام العقل والتعبير عن الرأي وذلك من خلال اشتراكهم مع القائد الأكبر في مرحلة التخطيط للمعارك، ويدخل ذلك في نطاق مبدأ الشورى الذي أمر به الإسلام وطبّقه القئاد صلى الله عليه وسلم خير ما يكون التطبيق حتى قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في كافة غزواته، ففي غزوة بدر مثلاً استشارهم في مبدأ دخول المعركة ضد قريش، واستقر الرأي على قبول المعركة، وعندما وصل جيش المسلمين إلى مكان المعركة نزل الرسول عليه الصلاة والسلام على رأي الحباب بن المنذر الذي أشار بأن ينتقل الجيش إلى مكان آخر أفضل من الأول، لأنه قريب من ماء بدر ويتحكم فيها. وفي غزوة أحد استشار عليه الصلاة والسلام أصحابه في مبدأ البقاء في المدينة ولقاء قريش فيها، أو لقائهم خارجها، فاستقر الرأي على الخروج، واستجاب صلى الله عليه وسلم لذلك الرأي وقال لهم: "لكم النصر ما صبرتم".
? ثم إن هذا الأسلوب بقيد قادة المستقبل من حديث أنه يكسبهم القدرة على إصدار القرارات السليمة، وفي وقتها المناسب، مما يعد من أهم خصائص القيادة الناجحة، ذلك لأن مشاركتهم في مرحلة التخطيط تتيح لهم معرفة واسعة بفكر القائد ونواياه وأهدافه، وإحاطة وافية بجوانب الموضوعات، والقضايا تمكنهم من اتخاذ القرارات السليمة في المواقف التي يواجهونها في المستقبل بهدي تفكيرهم وحده، ودون حاجة إلى الرجوع إلى القيادة العليا، وخاصة في المواقف المفاجئة أو التي لا تحتمل التأخير.
ثانياً: التحليل النوعي للغزوات:
وإذا تناولنا الغزوات بالتحليل من حيث النوع أو الطابع، فسوف تتكشف لنا جوانب أخرى في القيادة الحربية، وفي إعداد القادة وتدريبهم.
فقد احتوت الغزوات على شتى صور وأشكال العمليات الحربية كما يلي:
عمليات الإغارة ودوريات القتال والردع والتأثير المعنوي مثل:
ü غزوة ودان
ü بواط
ü العشيرة
ü بدر الأولى
ü بني سليم
ü ذي أمر
ü بحران
ü ذات الرقاع
ü بدر الآخرة
ü دومة الجندل
ü بني المصطلق
ü بني لحيان
ü الحديبية
ü عمرة القضاء.
v العمليات الدفاعية مثل: غزوة بدر الكبرى – أحد – الخندق.
v العمليات الهجومية مثل: غزوة فتح مكة – غزوة حنين – تبوك.
v عمليات المطاردة مثل: غزوة السويق – حمراء الأسد – ذي قرد.
v عمليات الحصار والقتال في القرى الحصينة مثل: غزوة بني قينقاع – بني النضير – بني قريظة – خيبر – الطائف.
ومن هذا التحليل نستخلص أن جيش الإسلام الأول (قادة وجنداً) قد تعلموا ومارسوا عملياً كل أشكال العمليات الحربية تحت قيادة القائد المعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم اكتسبوا بذلك خبرة قتالية فائقة.
كما نستخلص أنهم اكتسبوا خبرة حربية في مواجهة التنظيمات الحربية والنظريات القتالية المختلفة، فهم قد حاربوا المشركين من العرب الذي كانوا يقاتلون بأسلوب الكر والفر، وحاربوا اليهود الذين كانوا يحاربون "من وراء جدر" ومن داخل حصونهم وقراهم المحصنة.
فإذا ما أضفنا إلى ذلك المعارك التي دارت في مواجهة الروم في عصر النبوة "مؤتة وتبوك" يكون جيش الإسلام قد اكتسب الخبرة القتالية في مواجهة الجيوش المنظمة، بالإضافة إلى خبرته في قتال الجيوش غير المنظمة (قريش والقبائل العربية الأخرى).
وبعد، فإنه يبقى لنا من هذا التحليل درس عظيم، وهو أن نمط "القائد المعلم" هو النمط الذي يدعو إليه الإسلام والذي لا يرتضي عنه القائد المسلم بديلاً، وأن القائد في الإسلام "صاحب مدرسة ورسالة" يدرك تماماً أن قيامه بإعداد أجيال من القادة من أسمى واجباته لها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، قال تعالى: )لقد كانَ لكم في رسولِ الله أسوة حسنة( صدق الله العظيم.
اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ(/2)
تحليل نوعي وكمّي
لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم
اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ
________________________________________
بلغ عدد العمليات الحربية في عصر النبوة أكثر من ستين عملية ما بين غزوة وسرية، وقاد الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بنفسه من هذه العمليات ثماني وعشرين غزوة..
وإذا تناولنا هذه الغزوات بالتحليل الإحصائي، من حيث النوع والكمية والتوزيع الزمني، فسوف تتكشف لنا عدة مبادئ في القيادة الحربية في غاية الفائدة للأمة الإسلامية، وتعد من أبرز خصائص العسكرية الإسلامية..
أولاً- تحليل التوزيع الزمني والكمي:
ولعل أول ما يسترعي الانتباه، التوزيع الزمني للغزوات خلال الفترة التي دار فيها الصراع المسلح بين المسلمين وأعدائهم في عصر النبوة، والتي امتدت سبع سنوات تقريباً من السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة (من صفر سنة 2 هـ، إلى رجب سنة 9 هـ) حيث يتضح التوزيع كما يلي:
عدد الغزوات في السنة الثانية للهجرة: 8
عدد الغزوات في السنة الثالثة للهجرة: 4
عدد الغزوات في السنة الرابعة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة الخامسة للهجرة: 4
عدد الغزوات في السنة السادسة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة السابعة للهجرة: 2
عدد الغزوات في السنة الثامنة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة التاسعة للهجرة: 1
ومن ذلك نلاحظ ما يلي:
1- أن الرسول القائد صلى الله عليه وسلم حرص على مباشرة القيادة بنفسه طوال فترة الصراع كلها. (من السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة) وفي كل سنة من سنواتها بلا استثناء، مع إتاحة الفرصة –في الوقت نفسه- لأصحابه أن يتولوا قيادة الأعمال الحربية المختلفة تحت إشرافه وتوجيهه بصفته القائد الأعلى، وهذه العمليات تسمى بالسرايا التي بلغ عددها خلال نفس الفترة أكثر من ثلاثين سرية.
2- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاد في السنة الثانية للهجرة –وهي أول سنوات الصراع- أكبر عدد من العلميات الحربية، وهو ثماني غزوات بينما لم يزد عدد العمليات التي قادها في كل سنة بعد ذلك عن ثلاث أو أربع عمليات في المتوسط. هذا التركيز في قيادة عمليات أولى سنوات الصراع له دلالاته التي لا تفوت القائد المحنك الخبير بفن الحرب، ويعد في نظر العلم العسكري والاستراتيجية الحربية من علامات القيادة الحربية الفذة.
• فهو يتيح للقائد –في بداية الصراع وقبل تصاعده- الفرصة لدراسة مسرح العلميات دراسة شخصية من الناحية "الطبوغرافية" (مثل طبيعة الأرض والطرق وموارد المياه والتضاريس.. الخ) ومن الناحية "الديموغرافية" (وهي الأهداف التي تسبب للعدو من الأضرار ما يؤدي إلى إحداث تغييرات حادة في الموقفين العسكري والسياسي ويؤثر تأثيراً بالغاً على تطور الصراع المسلح عامة).
• ويتيح للقائد كذلك الفرصة لدراسة عدوه عن طريق الاحتكاك المباشر، وتقييم كفاءته القتالية مادياً ومعنوياً، ودراسة أساليبه في القتال، وأسلحته التي يستخدمها، وكل ذلك يكسب القائد ما يسمى "بالخبرة القتالية".
• هذه الدراسة الشخصية الشاملة تمكن القائد من التخطيط السليم لجميع العمليات الحربية المقبلة، كما تمكنه من إدارة المعارك بكفاية تامة، ومن توجيه المقاتلين إلى ما يحقق لهم النصر على أعدائهم.
• ونتيجة لذلك تنمو لدى القائد ثقته بنفسه وبكفاءاته وقدراته، كما تنمو لدى سائر أفراد الجيش ثقتهم بأنفسهم وقائدهم، فيواجهون تحديات الصراع المقبلة واثقين من النصر.
3- ونلاحظ أيضاً من تحليلنا لهذا التوزيع الكمي والزمني للغزوات: أنه يكشف عن مبدأ من أهم مبادئ إعداد القادة العسكريين لتولي القيادة، وهو أن يتولى قادة المستقبل قيادة الوحدات الفرعية للجيش تحت قيادة القائد العام، وهذا الأسلوب يفيد القدة من عدة نواح نذكر منها:
• مباشرة القيادة عملياً تحت إشراف القائد الأكبر، والإفادة من ملاحظاته وتوجيهاته.
• إتاحة الفرصة لهم لملاحظة أسلوب القائد "المعلم" في القيادة الحربية من حيث التخطيط للمعركة وإدارتها، وتصرفه في مواقفها المختلفة، وهي فرصة ممتازة للتعليم على الطبيعة واكتساب الخبرة القتالية في الوقت نفسه.(/1)
• تدريب قادة المستقبل على فن التفكير واستخدام العقل والتعبير عن الرأي وذلك من خلال اشتراكهم مع القائد الأكبر في مرحلة التخطيط للمعارك، ويدخل ذلك في نطاق مبدأ الشورى الذي أمر به الإسلام وطبّقه القئاد صلى الله عليه وسلم خير ما يكون التطبيق حتى قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في كافة غزواته، ففي غزوة بدر مثلاً استشارهم في مبدأ دخول المعركة ضد قريش، واستقر الرأي على قبول المعركة، وعندما وصل جيش المسلمين إلى مكان المعركة نزل الرسول عليه الصلاة والسلام على رأي الحباب بن المنذر الذي أشار بأن ينتقل الجيش إلى مكان آخر أفضل من الأول، لأنه قريب من ماء بدر ويتحكم فيها. وفي غزوة أحد استشار عليه الصلاة والسلام أصحابه في مبدأ البقاء في المدينة ولقاء قريش فيها، أو لقائهم خارجها، فاستقر الرأي على الخروج، واستجاب صلى الله عليه وسلم لذلك الرأي وقال لهم: "لكم النصر ما صبرتم".
• ثم إن هذا الأسلوب بقيد قادة المستقبل من حديث أنه يكسبهم القدرة على إصدار القرارات السليمة، وفي وقتها المناسب، مما يعد من أهم خصائص القيادة الناجحة، ذلك لأن مشاركتهم في مرحلة التخطيط تتيح لهم معرفة واسعة بفكر القائد ونواياه وأهدافه، وإحاطة وافية بجوانب الموضوعات، والقضايا تمكنهم من اتخاذ القرارات السليمة في المواقف التي يواجهونها في المستقبل بهدي تفكيرهم وحده، ودون حاجة إلى الرجوع إلى القيادة العليا، وخاصة في المواقف المفاجئة أو التي لا تحتمل التأخير.
ثانياً: التحليل النوعي للغزوات:
وإذا تناولنا الغزوات بالتحليل من حيث النوع أو الطابع، فسوف تتكشف لنا جوانب أخرى في القيادة الحربية، وفي إعداد القادة وتدريبهم.
فقد احتوت الغزوات على شتى صور وأشكال العمليات الحربية كما يلي:
• ... عمليات الإغارة ودوريات القتال والردع والتأثير المعنوي مثل:
غزوة ودان – بواط – العشيرة – بدر الأولى – بني سليم – ذي أمر – بحران – ذات الرقاع – بدر الآخرة – دومة الجندل – بني المصطلق – بني لحيان – الحديبية – عمرة القضاء.
• ... العمليات الدفاعية مثل: غزوة بدر الكبرى – أحد – الخندق.
• ... العمليات الهجومية مثل: غزوة فتح مكة – غزوة حنين – تبوك.
• ... عمليات المطاردة مثل: غزوة السويق – حمراء الأسد – ذي قرد.
• ... عمليات الحصار والقتال في القرى الحصينة مثل: غزوة بني قينقاع – بني النضير – بني قريظة – خيبر – الطائف.
ومن هذا التحليل نستخلص أن جيش الإسلام الأول (قادة وجنداً) قد تعلموا ومارسوا عملياً كل أشكال العمليات الحربية تحت قيادة القائد المعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم اكتسبوا بذلك خبرة قتالية فائقة.
كما نستخلص أنهم اكتسبوا خبرة حربية في مواجهة التنظيمات الحربية والنظريات القتالية المختلفة، فهم قد حاربوا المشركين من العرب الذي كانوا يقاتلون بأسلوب الكر والفر، وحاربوا اليهود الذين كانوا يحاربون "من وراء جدر" ومن داخل حصونهم وقراهم المحصنة.
فإذا ما أضفنا إلى ذلك المعارك التي دارت في مواجهة الروم في عصر النبوة "مؤتة وتبوك" يكون جيش الإسلام قد اكتسب الخبرة القتالية في مواجهة الجيوش المنظمة، بالإضافة إلى خبرته في قتال الجيوش غير المنظمة (قريش والقبائل العربية الأخرى).
وبعد، فإنه يبقى لنا من هذا التحليل درس عظيم، وهو أن نمط "القائد المعلم" هو النمط الذي يدعو إليه الإسلام والذي لا يرتضي عنه القائد المسلم بديلاً، وأن القائد في الإسلام "صاحب مدرسة ورسالة" يدرك تماماً أن قيامه بإعداد أجيال من القادة من أسمى واجباته لها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، قال تعالى: { لقد كانَ لكم في رسولِ الله أسوة حسنة } صدق الله العظيم.
________________________________________
مجلة الأمة، العدد 6، جمادى الأولى 1401 هـ(/2)
تحية أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها
شعر: د. حسن هويدي
تحية قلب صادق الود iiللأم
لخير نساء الدهر في الفضل والعلم
حبيبة خير الخلق بنت حبيبه
وصدّيقة العصر الفريدة في iiالقوم
حباها إله العرش نور iiنبيه
فحازت لُبابَ العلم والأدب iiالجم
فقيهة أحكامٍ ومنبر iiسُنّةٍ
زكيةُ أخلاق، كريمةُ iiمحتد
فخارُ نساء الدهر مختارةُ iiالورى
كفاها من التقدير حبُّ iiمحمدٍ
ذرينيَ يا أماه في بَحر iiنشوةٍ
ولستُ بمدحي مدركاً منك iiشأوه
سموتِ على الأزواج بالوحْي iiأنه
تنزَّل من ذي العرش جبريلُ iiبالهُدى
وفي الحادث (الفاني) تعاليتِ رفعة
تنزلت الآيات فيك iiبراءةً
ويُخزى أولو الإفك المبين iiورأسُهم
ويُقرأ قرآنٌ مدى الدهر iiمعلناً
فداؤُك نفسي من رؤومٍ كريمةٍ
حنانُك وافاني وقد كنت iiغافلاً
وقد ثرتِ (تبغين الصواب) iiغضوبة
كلبوة أشبال تحامي iiعرينها
حنانك يا أماه يثلج iiخاطري
ويوغل في الأعضاء حساً فما iiترى
وذلك في جنب العزيزة iiهينٌ
وفاءً وإخلاصاً وحباً iiوقُربة
تمنيتُ أن الله قدّم iiمولدي
لعلِّي –وما يَجزي اليراع iiجزاءهم-
وأنعم في قرب الرسول iiوآله
وأحظى من الأم الحنون iiبدعوةٍ
وأخفض عن حب جناح iiمذلّة ... ومرجع أصحاب النبي أولي iiالفهم
سليلةُ صِدّيق الأنام بلا iiلوْم
لذا ناسبتْ قدْر المفضّل iiبالعزم
فأعظمْ به قدراً يجلُّ عن الوهم
أواليكِ من مدْحي فما مُخطئٌ iiسهمي
فربّي الذي يرمي ولستُ الذي iiأرمي
تجنّب وِرْد الأمهات سوى iiالأم
يؤمّ فراشَ الطهرِ والقُدس iiوالحلم
عشية جاءت عصبة الإفك بالإثم
لتُتلى على الأجيال فاصلة iiالحكم
غداة تولّى كِبْرَهُ معدنُ iiاللؤم
سموَّك في جهر الصَّلاة على iiالقوم
يفوق حنوٌ فيك آصرة iiالرحم
وقد غاب عن ظني وأُخفي عن علمي
فيخسر من يدنو محاولة iiالغُرم
أسود الشّرى خوفاً، فيا جلَّ ما تحمي
ويخفق في قلبي ويدركه جسمي
سوى أذن تصغي ومبصرة iiتهمي
وحقَّ لعين البَر بالأم أن iiتدمي
كقربة عبد بالصلاة iiوبالصوم
لأبذل عن حبّ بخدمتكم همَّي
أعبّر عن حبي وأفصح عن iiعزمي
وأغنم من عمري بهم غاية iiالغنم
أفوز بها يوم الحساب من iiالغم
وأهتف من قلبي فديتك يا iiأمي(/1)
تحية لمجاهدي فلسطين
2/2/1423
أ.د ناصر بن سليمان العمر-المشرف العام على موقع المسلم
* الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأكتب هذه الكلمات تبرئة للذمة، فقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيّننّه، ولئن لم يبين العلماء وطلاب العلم عند نزول الملمة، فمن الذي ينصح الأمة؟ ومن الذي يوجه العامة؟ ومن الذي يواسي الشعوب المكلومة؟ أينطق بقضاياها كل رويبضة؟ أيقودها لحتفها كل منافق؟ أيواسيها كل عدوٍ مُمَازق؟ لا والله (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون).
إن ما يعيشه إخوتنا في بيت المقدس وما حوله من أراضٍ بارك الله فيها أمر تتفطّر له القلوبُ والأكباد
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
إخواننا هناك مابين قتيلٍ وأسير، ونساؤهم مابين أرملةٍ وثكلى، وأبناؤهم مابين يتيم ٍومفجوع بوالدة، وفي كل بيت بكاء أو دماء أو أشلاء، يسومهم أخابث الناس وأراذل القوم سوء العذاب:
ولو أني بليت بهاشمي
خؤولته بنو عبدالمدان
صبرت على عداوته ولكن
تعالي وانظري بمن ابتلاني
بمَنْ ضربتْ عليهم الذلة والمسكنة إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس، وباءوا بغضب من الله.
فسبحان من جعل الأيام دولاً، بالأمس الغابر يسوم فراعنةُ العصر الأول اليهودَ سوء العذاب، واليوم يسوم اليهودُ إخواننا كل خطة خسف، فرحماك ربي رحماك. وبالرغم من عظم المصاب إلاّ أن في ذلك إشارة لبشارة (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين ~ وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ~ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)، لا والله فالابتلاء سنة قائمة لعباد الله المؤمنين(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ~ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، في عصر النبوة وفي أرض المدينة (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً)حتى قال بعض المنافقين: كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا أن يقضي حاجته؟ (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً)ويقول منافقوا اليوم ما قاله الأولون: كيف ينطق الحجر والشجر، كونوا واقعيين، لابد من التطبيع فلا قبل لكم بيهود وحِلفها أمريكا (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون).
- إخوة الإسلام: إن من فوائد هذه الأزمة معرفة حال الأمة وما يمكن أن يعول عليه لحل قضيتها، كما أنها عرّتْ من تستّر بالشعارات والعبارات رغم فصول التمثيل والتدليس التي يمارسها الإعلام.
- يا أهل أرض الإسراء، لقد غدا قول ربنا: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)آية عيانية مرئية، فلم يرضَ اليهودُ عن قوميةٍ عربية، ولا اشتراكية بعثية أو شيوعية، فاحسموا خياركم الذي من أجله تقاتلون، ولتنحّوا الرايات العُمِّية والعلمانية فلطالما خذلتكم "ومن قاتل تحت راية عميةّ يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل، فقِتْلَةٌ جاهلية" [صحيح مسلم]، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل غضباً ويقاتل حمية ويقاتل للمغنم ويقاتل للذكر ويقاتل ليرى مكانه ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله، قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" [صحيح البخاري]. وقد بدا أن من أهل العلمنة عملاء ما فتئوا يسلمون المجاهدين من أبنائكم لعدوكم، وأن دعاة القومية والاشتراكية حَدُّ دعواهم الفرجة والتنديد أما وظيفتهم فحماية اليهود وحراسة الحدود، وأمثال هؤلاء (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم والله عليم بالظالمين)وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
- إخوة الدين والعقيدة اعلموا أن الكفر ملة واحدة، وصدق الله (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون)، فهاهو ذا الغرب النصراني ينظر ويتفرج، وربما استنكرت ألوف تضيع في خضم الملايين من المتفرجين، وقد علمنا أن تلك الدول تنزل على رغبات شعوبها، فلا تصيبنكم الكلمات والبيانات بالتخدير، فما أُريدَ بها إلاّ التخذيلُ أو ليلهث الناس خلف سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، ومما يدل على ذلك أن أقل القليل ألا وهو التلويح بسلاح المقاطعة الاقتصادي خيار بعيد عند الغربيين، وهل عزَّ اليهودُ إلاّ بحبل من هؤلاء وأعوانهم؟(/1)
- يا أهل فلسطين لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، واعلموا أنّ "مَنْ قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد"، وإنما النصر مع الصبر (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم لعلكم تفلحون)وإن يمسسكم قرحٌ فإن عمليات المجاهدين الفدائية أصابت القومَ بقروح، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، وإن ما يقذفه جهادُكم من رعب في قلوب اليهود يدل على أنكم ماضون في الطريق الصحيح الذي أشار إليه الصادق المصدوق بقوله: "تقاتلون" أو "تقاتلكم يهود فتسلطون عليهم".
والشر إن تلقه بالشر ضقت به
ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم
فامضوا على درب الجهاد فإن الله ناصركم، والله يكلؤكم، وما أصابكم:
فذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
- يا أهل الأرض المقدسة التي كتب الله لكم كما قال: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)ثقوا في موعود الله لكم "تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله"[صحيح البخاري]، ولا تستبطئوا النصر فقد كان من كان قبلكم يجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف، (وكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ~ وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ~ فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ~ سيهديهم ويصلح بالهم ~ ويدخلهم الجنة عرّفها لهم)
* أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يا من حيل بينكم وبين ما تشتهون، لئِنْ سُدَّ بابٌ لنصرةِ إخوانكم فقد شُرِّعت أبواب، فقد بدا المخلصون وانكشف العملاء والبطّالون، فاعملوا على دعم الطيبين من أبناء ذلك البلد في كافة المجالات المادية والتقنية العسكرية، فهم أعرف الناس بها، وأهل مكة أدرى بشعابها، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلّة.
* إخوةَ الإسلام لن تعدم الأمّةُ أمَةٌ من إماء الله الصالحات و عبد من عبيد الله الطيبين تجاب دعوتهم لأمّة مستضعفة مظلومة، فاجتهدوا في الدعاء لإخوانكم، وضجّوا به في الصلوات، وأيقنوا بأن نصر الله آت.
* أيها المسلمون اعلموا أنه لا عهد لمن ينقض العهد في كل يوم مرات، (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ~ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين)وفي صنع اليهود هذا ردٌّ على كل من قدّم مبادرة استسلام وجواب بليغ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كما أن التطبيع مع اليهود إقرارٌ لهم على احتلالهم الأرض والمقدسات، ووضعٌ للجهاد، وبونٌ واسع وفرقٌ شاسع بين صلحٍ يضع الحربَ إلى أجل أو غاية، وبين التنازل عن أرض الإسلام، وأي أرض! إرضاءً للغرب، وفراراً من أرض المعركة، وخذلاناً للمجاهدين.
* معاشرَ المسلمين هيئوا أنفسكم بالعلم والعمل، وأعدوا ما استطعتم من قوة، فإن دعى داعي الجهاد كنتم رجاله، وإن دُهمتم كنتم أجبرَ الناس عند مصيبة وأحلمهم عند فتنة، واعلموا أن من واجبكم أن توحدوا صفوفكم على كلمة سواء ليرتفع وصف الغثاء، (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).
وختاماً: أذكّر قادة الدول الإسلامية بأنّ نصرةَ إخواننا في فلسطين واجب شرعي (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)واعلموا أن أطماع اليهود بعيدة، يجب ألا يغفلَ عنها عاقلٌ يرقب ما يفعلونه بإخواننا:
أتهويمَةٌ في ظلِّ أمنٍ وغبطة
وعيشٍ كنوار الخميلةِ ناعمِ!
و إخوانكم بالشام يُضْحِي مَقِيلهم
ظهور المَذَاكِي أو بطون القَشَاعِمِ
وكيف تنامُ العينُ ملئَ جُفُونها
على هفواتٍ أيقظت كلَّ نائمِ؟
وتلك حُروبٌ من يَغب عن غِمَارِها
ليسلم يقرعُ بَعدها سِنَّ نادمِ
سُلِلْنَ بأيدي المشركين قواضباً
ستغمدُ منهم في الكُلى والجَمَاجِمِ
أسأل الله أن يصلح حال المسلمين وأن ينصر إخواننا المجاهدين، وأن يعلي راية الدين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين(ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،(/2)
--------------------------------------------------------------------------------
*نشر هذا المقال في الإسلام اليوم بتاريخ 2/2/1423(/3)
تحية إلى سراييفو
بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي
أَطِلِّي " سَرَاييفو " عَلَيْنَا بِدَفْقَة
مِنَ النُّور أَو دَفْقٍ مِنَ العِطْرِ والدَّمِ
أَطِلِّي " سراييفو " عَلَينا بِصَيْحةٍ
تُدَوِّي وهُزِّي مِن غُفَاةٍ ونُوَّمِ
أَطِلَّي عَلى الدُّنيا سَنَا الفجْر دُونَهُ
دياجيرُ مَاجَتْ فَوقَ ساحٍ ومَعْلَمِ
طَلَعْتِ على الدُّنيا ووَجْهُكِ مُشْرِقٌ
وعَهْدُكِ ميثاقُ الكميِّ المُصَمِّمِ
فَتُنْمي غِراسَ الحَقِّ بَيْنَ مَجَازِرٍ
وتُحْيِي مِنَ الأَعْراسِ في كُلّ مأتَم
وتُعطي إلى الإنْسَانِ جَوْهَرَ عِزِّهِ
إِباءً وإِيماناً وجَوْلةَ مُسْلِمِ
* *
* *
رَمَاكِ عَدُوُّ الله فانْتَفَضَتْ له
عَزَائِمُ خَطَّارٍ وَوَثْبَةُ ضَيِغُمِ
أَرادُوكِ للموتِ الذّلِيل فَلَمْ يَهُنْ
إِباؤُك ! وَاهتَزَّتْ رُبَاكِ فأَقْدِمي
فأَرْضُك مِيلادُ الحَياة تَفتَّحَتْ
وُرُوداً تُرَوَّى مِنْ كُبودٍ وعَنْدَمِ
يَصُبُّ بِهَا التّاريخُ حُرَّ دِمائِه
وفاءً لدِينٍ صَادق العَهْدِ مُلْزِمِ
فَتَعْبِقُ أَزْمَانُ بِطيبِ أَريجِها
وتعبِقُ سَاحَاتٌ بِجَولةِ مُعْلَمِ
تُعِيدُ عَلَى السّاحَاتِ زَهْوَ جِهادِه
وتَرْوي مَعَ الأَيّام قِصَّة مُجْرِمِ
* *
* *
أغارَتْ وُحُوشُ الأَرْضِ ! يالِزحُوفها
ويَالِهلاكٍ بَيْنْ ذِئبٍ وأَرْقَمِ
تَدَفَعُ أَرتالُ الجَحيمِ تَدُكُّها
جُنُونَ لهيبِ قاصِفٍ ومُدَمْدِمِ (1)
تَزَاحَمُ في عَرْضِ السّماءِ قذائِفٌ
مِنَ الموتِ تَهْوِي بالفَناء المُحتَّمِ
كَأَنَّ فضَاءَ الله يَهْوِي عَلى الثَّرى
ويُطْبِق ، يَاوَيحي ، على كُلِّ مَعْلَمِ
تَطَايَرُ أَشلاءٌ وتُلقَى جَمَاجِمُ
وِتُطلَقُ أَنْهَارٌ تَدَفّقُ بِالدَّمِ
فَكَمْ مِنْ صِبيٍّ في نَضَارَة عُمْره
تَمزَّقَ ! لم يأثَمْ ولمْ يَتَنَعَّمِ
وكم من عَجوزٍ لم تَرُعْهْ هَمُومُهُ
فَرَاعَتْهُ أَهوالُ العَدوِّ المُلطِّمِ (2)
وكم كاعِب ردَّتْ عَلَى الطهْر خِدرَها
تُناشُ بِوَحْشٍ مُجْرِم الطبع مُرْغِمِ
تَلَفَّتُ الآفَاقِ عَلَّ حُمَاتَها
يُطِلُّونَ مِنْ أُفْقٍ هُنَالِك مُظْلِمِ
تَلَفَّتُ ! أَيْنَ المُسْلمِونَ وأَيْنَ ما
دَعَوا مِنْ شِعارات الوَفَاءِ المُرَجّمِ
فَرَدَّتْ على الذُلِّ المروِّع طرْفَها
وطوَّتْ عَلَى الأَحْنَاء غُصَّة أَيِّمِ
وأَهْوَتْ عَلى وَحْلٍ ! وأَطبق فوْقَها
ذِئابٌ ! ودَارَتْ قِصَّةٌ لمْ تُتَمَّم
* *
* *
1413هـ
1993م ... ... ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· ملحمة البوسنة والهرسك
(1) مُدَمْدِم : الذي ينَصبُّ بغضبِ ، المهلك .
(2) الملطَّم : اللئيم .(/1)
تخريج حديث الطواف بالبيت صلاة
خالد بن صالح بن إبراهيم الغصن 18/12/1424
09/02/2004
إنَّ الحمد لله نحمده ، ونستعينه ،ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أمَّا بعد :
فقد سبق لي أنْ كتبت شيئاً في تخريج بعض الأحاديث المهمَّة ، ودرستها دراسة حديثيِّة مفصَّلة ، على ضوء قواعد ، ومناهج متقدمي علماء الحديث ، الذين لهم المرجع في معرفة هذا العلم الشريف .
وقد أشار إليَّ بعض الإخوة الفضلاء بنشرها ، فراودت نفسي بذلك مراراً حتى اطمأنَّتْ بإخراج ولو جزء منها ، حتى يَعُمَّ نفعُها ، ولعلَّها أيضاً تلقى استحسان المتخصِّصين بهذا الفن ، أو تعقَّبهم بما يرونه من ملحوظات بنَّاءة فيرسلون بها إليَّ ، فحينئذٍ أشكرهم ، وأثني عليهم ، ولهم مني دعوة صالحة بظهر الغيب إنْ شاء الله تعالى .
وقد وقع الاختيار في هذا الجزء على حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( الطواف بالبيت صلاة …) الذي طالما اختلفت آراء الفقهاء في أحكامه ، ومعناه ، وتباينت اجتهادات المحدِّثين والنُّقاد ( المتقدمين منهم والمعاصرين ) في تصحيحه ، أو تضعيفه .
وإنما اخترت هذا الحديث خاصة ؛ لأنه حديث يهمُّ الفقيهَ والمحدِّثَ ، ولمناسبته موسم الحج، ولأنه أصلٌّ - عند الفقهاء - في أكثر من مسألة فقهية، فدعاني ذلك إلى تحقيق القول فيه، ودراسته دراسة حديثيِّة موسَّعة، بالنظر في أوجه الاختلافات والطرق لهذا الحديث ، ومراعاة أحوال رجال أسانيدها ، لأنَّ الحديث ربما لا تعرف صحَّته من ضعفه حتى تجمع طرقه وأسانيده فتعرض بعضها على بعض ، وفي ذلك يقول عبد الله بن المبارك : ( إذا أردتَ أنْ يصحَّ لك الحديث ، فاضربْ بعضه ببعض ) وقال علي بن المديني : ( الباب إذا لم تجتمع طرقه ، لم يتبيِّن خطؤه ) وقال الخطيب البغدادي : ( والسبيل إلى معرفة علة الحديث : أنْ يُجمع بين طرقه ، ويُنظر في اختلاف رواته ، ويُعتبر بمكانهم من الحفظ ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط ) [ انظر الجامع للخطيب 2/212 ، 295، 296 ] .
وبادئ ذي بدء سأتناول حديثنا هذا بعرضه بسنده ومتنه من جامع الترمذي ، ثم سأقوم بتخريجه ، ثم دراسته والحكم عليه ، ثم أذكر خلاصة الحكم عليه .
والله أسأل جلا وعلا أنْ يوفقني للهدى والصواب ، وأنْ يهدني للسداد والرشاد ، إنه وليُّ ذلك سبحانه والقادر عليه .
الحديث
قال الإمام الترمذي : حدثنا قتيبة: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (الطواف حول البيت مثلُ الصلاة ، إلا أنَّكم تتكلَّمون فيه ، فمن تكلَّم فيه فلا يتكلَّمنَّ إلا بخير).
تخريج الحديث :
هذا الحديث رُوِي من وجهين اثنين ، أحدهما: مرفوع ، والآخر : موقوف :
الوجه الأول : (المرفوع):
أخرجه الترمذي (960) وأبو يعلى (2599) وابن خزيمة (2739) والحاكم (4/222) والبيهقي (5/87) من طريق جرير بن عبد الحميد، والدارمي (1847) عن الحميدي ، وابن حبان (9/143 ح 3836) من طريق محمد بن المتوكل بن أبي السري، وابن الجارود (461) والطحاوي في شرح المعاني (2/ 178) والبيهقي (5/85) من طريق سعيد بن منصور، وابن الجارود (461) والطحاوي في شرح المعاني (2/178) من طريق أسد بن موسى، والحاكم (2/293) من طريق عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة عن الحميدي، أربعتهم – الحميدي، وابن المتوكل، وسعيد، وأسد – عن الفضيل بن عياض، والدارمي (1848) من طريق علي بن معبد، وابن عدي (5/364) والبيهقي (5/87) من طريق أبي جعفر النفيلي، كلاهما – علي، وأبو جعفر – عن موسى بن أعين، والحاكم (1/630) من طريق عبد الصمد بن حسان، عن الثوري، والحاكم (1/630) وعنه البيهقي (5/87) من طريق الحميدي، عن ابن عيينة، والحاكم (2/266، 267) وعنه البيهقي في المعرفة (2957) من طريق القاسم بن أبي أيوب،
ستتهم – جرير، والفضيل، وموسى، والثوري، وابن عيينة، والقاسم – عن عطاء بن السائب،
وعبد الرزاق (9788) وعنه أحمد (4/64) وأحمد (3 /414، و4/64و5/ 377) عن روح بن عبادة، وعلَّقه البيهقي (5/87) عن عثمان بن عمر، وحجاج بن محمد ، أربعتهم عن الحسن بن مسلم بن يناق المكي،
والطبراني (11/29) والبيهقي (5/87) من طريق معن بن عيسى، عن موسى بن أعين، عن ليث بن أبي سليم،
والطبراني (11/34) من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، والبيهقي (5/87) تعليقاً عن الباغندي عن عبد الله بن عمر بن أبان عن ابن عيينة، كلاهما – محمد بن عبد الله، وابن عيينة – عن إبراهيم بن ميسرة،
والطبراني في الأوسط (7370) من طريق أحمد بن ثابت، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود، عن سفيان (وهو الثوري)، عن حنظلة بن أبي سفيان،(/1)
خمستهم – عطاء ، والحسن ، وليث ، وابن ميسرة، وحنظلة – عن طاوس عن ابن عباس بنحوه، إلا أنه في رواية القاسم بن أبي أيوب، وكذا في رواية الفضيل، عن عطاء ، فيما رواه ابن أبي مسرة عن الحميدي عنه قالا : عن سعيد عن ابن عباس، وفي رواية حنظلة قال: عن طاوس، عن ابن عمر، وأما في رواية الحسن بن مسلم فقال: عن طاوس ، عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم . وفي رواية القاسم زيادة في أوله من قول ابن عباس" قال: قال الله لنبيِّه {طهِّر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } فالطواف قبل الصلاة".
الوجه الثاني : (الموقوف):
أخرجه عبد الرزاق (9791) عن جعفر بن سليمان، وابن أبي شيبة (3/134) عن محمد بن فضيل ، وعلَّقه البيهقي (5/85) عن حماد بن سلمة، وشجاع بن الوليد،
أربعتهم عن عطاء بن السائب،
وعبد الرزاق (9789)عن معمر، وابن أبي شيبة (3/134) عن ابن عيينة، والبيهقي (5/87) من طريق الحارث بن منصور عن الثوري، ثلاثتهم – معمر، وابن عيينة، والثوري – عن عبد الله بن طاوس،
والنسائي (2922) وفي الكبرى (2/ 406) من طريق حجاج بن محمد، وابن وهب، وأحمد (3/ 414و4/64و5/377) عن محمد بن بكر البرساني، ثلاثتهم عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم المكي،
والنسائي في الكبرى (2/406) من طريق أبي عوانة، وعبد الرزاق (9790) عن ابن جريج، والبيهقي (5/87) من طريق عمر بن أحمد بن يزيد، عن عبد الله بن عمر بن أبان، عن ابن عيينة، ثلاثتهم – أبو عوانة، وابن جريج، وابن عيينة – عن إبراهيم بن ميسرة،
والنسائي (2923) من طريق الشيباني وهو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز، والشافعي في مسنده ص127 ومن طريقه البيهقي (5/87) وفي المعرفة (4/ 68) ح 2956 عن سعيد بن سالم، كلاهما _ الشيباني، وسعيد _ عن حنظلة بن أبي سفيان،
خمستهم – عطاء ، وابن طاوس، والحسن بن مسلم، وابن ميسرة، وحنظلة _ عن طاوس عن ابن عباس بنحوه، إلا أنه في رواية الحسن قال: عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية حنظلة قال: عن طاوس عن ابن عمر. وفي رواية جعفر بن سليمان قال: عن عطاء عن طاوس أو عكرمة أو كليهما. وفي رواية محمد بن بكر ذكره أحمد ولم يسق لفظه وإنما قال بعد روايته: "لم يرفعه محمد بن بكر".
دراسة الحديث والحكم عليه :
يتبين من خلال التخريج السابق أنَّ الحديث له أسانيد عديدة، وفيها اختلاف كثير، وهي تعود في واقع أمرها إلى رجلين اثنين، هما طاوس بن كيسان، وسعيد بن جبير.
أما الأول وهو طاوس بن كيسان، فقد وقع الاختلاف عليه من جهتين اثنتين:
الأولى : من جهة تسمية صحابيِّه ، والثانية: من جهة رفع الحديث ووقفه.
أما الجهة الأُولى ، (وهي الاختلاف في تسمية صحابيِّ الحديث) فقد اختلف على طاوس فيه على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: جعله عن طاوس عن ابن عمر، وقد رواه عنه حنظلة بن أبي سفيان.
الوجه الثاني: جعله عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عنه الحسن بن مسلم بن ينَّاق المكي.
الوجه الثالث: جعله عن طاوس عن ابن عباس، وقد رواه عنه الجماعة من أصحابه _ على اختلاف روايتهم في رفع الحديث ووقفه كما سيأتي _ وهم أربعة: (ابنه عبد الله، وإبراهيم بن ميسرة، وليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب).
ولا شك أنَّ أرجح هذه الأوجه الثلاثة هو الوجه الثالث الذي رواه الجماعة، ويؤيِّده أنَّه هو الوجه المشهور عند أهل العلم كما سيأتي، إلا أن يقال: إنَّ الرجل المبهم في الوجه الثاني هو ابن عباس كما استظهره الحافظ في التلخيص (1/130) وهذا مجرد احتمال لا يمكن الجزم به؛ لأنَّنا لانستطيع إلحاقه بأحد هذين الوجهين إلا بقرينة واضحة جليِّة وهي غير موجودة هنا فيما يظهر.
وعلى كلٍّ؛ فقد أشار الإمام النسائي إلى تعليل رواية الحسن بن مسلم بمخالفة حنظلة بن أبي سفيان له {انظر السنن ح 2923} ومع ذلك فرواية حنظلة معلولة برواية الجماعة من أصحاب طاوس كما سبق، والله أعلم.
وأما الجهة الثانية ، (وهي الاختلاف في رفع الحديث ووقفه ) فـ بعدما تبيَّن لنا أنَّ الصواب في حديث طاوس هو ما رواه الجماعة عنه بجعله من مسند ابن عباس، نجد أنَّ الاختلاف عليه في رفع الحديث ووقفه سوف ينحصر حينئذٍ على وجهين فقط هما:
الوجه الأول: طاوس عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً)، وهذا الوجه رواه عنه كلٌّ من:
1. عطاء بن السائب فيما رواه عنه خمسة وهم : جرير ، والفضيل ، وموسى بن أعين في رواية علي بن معبد وأبي جعفر النفيلي عنه ، والثوري في رواية عبد الصمد بن حسان عنه ، وابن عيينة في رواية الحميدي عنه .
2. ليث بن أبي سليم فيما رواه معن بن عيسى عن موسى بن أعين عنه.
3. إبراهيم بن ميسرة في رواية محمد بن عبد الله بن عبيد عنه، وكذا رواية ابن عيينة فيما رواه الباغندي عن عبدالله بن عمر بن أبان عنه.
الوجه الثاني: طاوس عن ابن عباس (موقوفاً)، وهذا الوجه رواه عنه كلٌّ من:(/2)
1- عطاء بن السائب فيما رواه عنه محمد بن فضيل، وكذا حماد بن سلمة وشجاع بن الوليد كما علَّقه عنهما البيهقي.
2- عبد الله بن طاوس، وابن عيينة في رواية ابن أبي شيبة عنه، والثوري في رواية الحارث بن منصور عنه.
3- إبراهيم بن ميسرة فيما رواه عنه ثلاثة، وهم: أبو عوانة، وابن جريج، وابن عيينة في رواية عمر بن أحمد بن يزيد عن عبد الله بن عمر بن أبان عنه.
وهنا يتبين أنه قد تعدَّدت بعض الأوجه على من دون طاوس أيضاً من الرواة – وبعضها يُعَدُّ اختلافاً على الراوي في رفع الحديث ووقفه – وهم: (الثوري، وابن عيينة، وعبد الله بن عمر بن أبان، وإبراهيم بن ميسرة، وعطاء بن السائب).
فالأول: (وهو سفيان الثوري) قد روي عنه وجهان:
أحدهما: عنه عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً)، وهذا الوجه رواه عنه عبد الصمد بن حسان.
والآخر: عنه عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (موقوفاً)، وهذا الوجه رواه عنه الحارث بن منصور.
وعند التأمل في هذين الوجهين، فقد يقال بتقديم الوجه الأول لكون عبد الصمد – وأقل أحوله أنه صدوق – أثبت من الحارث بن منصور، والحارث نسبه أبو نعيم إلى كثرة الوهم ، وقال ابن عدي: "في حديثه اضطراب" وذكره ابن حبّان في الثقات وقال يُغْرِب، بينما قال الحافظ في التقريب: "صد وق يهم" [انظر الكامل 2/ 195 والتهذيب 2/ 158 والتقريب 1057]
وقد يقال بتقديم رواية الحارث هنا لكون روايته قد وافقت رواية الثقات من أصحاب طاوس بوقفه على ابن عباس، وهذا ما رجَّحه الحافظ في التلخيص (1/130) حيث قال : ((…والحق أنه من رواية سفيان موقوف ووهم عليه من رفعه)).
والأشبه أنْ يقال: إنَّ كلا الوجهين لم يروه عن الثوري أصحابه المعروفون كـ وكيع، وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي، وأبي نعيم، وغيرهم. فأين هؤلاء من هذين الطريقين لو كانا صحيحين؟!!
ثم إنَّ الحافظ ابن رجب قد ذكر عبد الصمد بن حسان من ضمن الثقات الذين لهم كتاب صحيح، وفي حفظهم بعض شيء، ونقل عن البخاري قوله فيه: "يهم من حفظه، وأصله صحيح" [شرح العلل ص328].
والثاني: وهو (سفيان بن عيينة) قد تعددت الأوجه عنه على ثلاثة:
أحدها: الحميدي عن ابن عيينة عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً).
والثاني: ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبدالله بن طاوس عن أبيه (موقوفاً).
والثالث: عبد الله بن عمر بن أبان عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (موقوفاً).
ولعلَّ هذا لا يُعَدُّ اختلافاً على سفيان، بل الظاهر صحة هذه الأوجه عنه عدا الثالث، فإنَّني متوقِّف فيه لحال الراوي عن عبدالله بن عمر وهو عمر بن أحمد بن يزيد، فإني لم أقف له على ترجمة، ولم أجد له إلا حديثاً واحداً وهو هذا الحديث.
ولو قيل بقبول الوجه الثالث أيضاً لكون ابن عيينة قد وافق فيه الثقات كأبي عوانة، وابن جريج، في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة لكان سائغاً.
والثالث: وهو (عبد الله بن عمر بن أبان)، قد اختلف عليه فيه على وجهين:
الأول: عنه عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (موقوفاً). وهذا الوجه رواه عنه عمر بن أحمد بن يزيد.
الثاني: عنه عن ابن عيينة به (مرفوعاً). وهذا الوجه رواه عنه الباغندي.
والوجه الثاني ضعيفٌ؛ لأنَّ الباغندي كثير التدليس والخطأ كما قال الدارقطني، وأحمد بن عبدان [انظر تذكرة الحفاظ 2/736] .
وقد ضعَّف البيهقي رواية الباغندي هذه بقوله : ((رواه الباغندي مرفوعاً فلم يصنع شيئاً، فقد رواه ابن جريج وأبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة موقوفاً)).
وأما الوجه الأول فقد سبق التوقف فيه لأجل عمر بن أحمد بن يزيد، إلا أنْ يقال بقبوله لكون ابن عيينة قد وافق الثقات في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة كما تقدَّم.
والرابع: وهو (إبراهيم بن ميسرة)، قد اختلف عليه في رفعه ووقفه على وجهين:
الأول: عنه عن طاوس عن ابن عباس (موقوفاً)، وهذا الوجه قد رواه عنه الجماعة وهم: ابن جريج، وأبو عوانة، وابن عيينة في رواية عمر بن أحمد بن يزيد عن عبدالله بن عمر بن أبان عنه.
الثاني : عنه عن طاوس به (مرفوعاً)، وهذا الوجه تفرد به عنه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف كما في الجرح والتعديل (7/300)
فالراجح من هذين الوجهين هو رواية الجماعة كما لا يخفى، ولذا قال الحافظ في التلخيص (1/130) : ((رفعه عن إبراهيم محمدُ بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف)).
والخامس: (وهو عطاء بن السائب)، قد اختلف عليه فيه على ثلاثة أوجه:
أحدها: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم -( مرفوعاً) وهذا الوجه رواه عنه جرير، والفضيل، وابن عيينة، وموسى بن أعين.
الثاني : عطاء عن طاوس عن ابن عباس (موقوفاً). وهذا الوجه رواه عنه محمد بن فضيل، وحماد بن سلمة، وشجاع بن الوليد.(/3)
الثالث: عطاء عن طاوس أو عكرمة أو كلاهما عن ابن عباس (موقوفاً).وهذا الوجه رواه عنه جعفر بن سليمان فتفرد به.
وهنا يلاحظ أنَّ موسى بن أعين قد رُوي عنه في هذا الحديث وجهان:
أحدهما: عنه عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً). وقد رواه عنه علي بن معبد الرقي، وأبو جعفر النفيلي "وكلاهما ثقة".
والثاني: عنه عن ليث عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - (مرفوعاً). وقد رواه عنه معن بن عيسى "وهو ثقة".
والوجه الأول أصحُّ؛ لأنَّ رواية الثقتين أقوى من رواية الثقة الواحد، ولأنَّ هذه الرواية هي المشهورة عند أهل العلم، والله أعلم.
ثم إنه لو قيل بصحة الوجه الثاني عن موسى أيضاً؛ فهو معلول بشيخه وهو ليث بن أبي سليم ، لأنه ضعيفٌ كما في التقريب (ص5721).
وأما ما تقدَّم ذكره من الاختلاف على عطاء بن السائب؛ فلعلَّ أصح هذه الأوجه الثلاثة عنه هو الوجه الأول المرفوع، فإنه رواية الجماعة كما سبق، وهي المشهورة عند أهل العلم كما قال الترمذي رحمه الله: ((لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء)).
وأما رواية حماد بن سلمة ، وشجاع بن الوليد؛ فإنَّ البيهقي رواه عنهما تعليقاً، ولم نقف على الإسناد إليهما؛ والله أعلم.
ونحن إذا صححنا رواية الجماعة عن عطاء فلا يعني أن يكون حديثه هنا صحيحاً مطلقاً؛ لأنَّ عطاء بن السائب – وهو صدوق – قد اختلط بأخرة، فينبغي التفريق بين رواية من روى عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعده.
وقد نصَّ الحفَّاظ على أنَّ من سمع منه قديماً كسفيان الثوري، وشعبة فسماعه صحيح، ومن سمع منه بأخرة فسماعه لا شيء [انظر تهذيب الكمال20/86].
واستثنى بعضهم أيضاً سفيان بن عيينة، فنقل أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: ((سماع ابن عيينة مقارب ، يعني عن عطاء بن السائب، سمع بالكوفة)) [انظر شرح العلل ص309].
وقال ابن الكيَّال: روى الحميدي عنه قال: ((كنت سمعت من عطاء بن السائب قديماً، ثمّ قدم علينا قدمة فسمعته يحدِّث ببعض ما كنت سمعت فخلط فيه، فاتقيته واعتزلته)) ثم قال ابن الكيال: ينبغي أن يكون روايته عنه صحيحة [الكواكب النيِّرات ص327]
وبالجملة؛ فإنَّ الصواب في حديث عطاء هو رواية من رفعه عنه، وهم: جرير، والفضيل، وموسى بن أعين، وابن عيينة. وهؤلاء رووا عنه بعد الاختلاط لا محالة؛ غير ابن عيينة، فإنه محتمل لما ذكره الإمام أحمد وابن الكيال كما سبق، والله أعلم.
وبعد هذه الدراسة الموجزة لطرق حديث طاوس يمكن تلخيص الأوجه عنه حينئذٍ كالتالي:
الوجه الأول: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرفوعاً. وهذا الوجه رواه عنه جرير، والفضيل، وموسى بن أعين، وابن عيينة.
الوجه الثاني: عبد الله بن طاوس وإبراهيم بن ميسرة كلاهما عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً. وهذا في الوجه الصحيح عن إبراهيم بن ميسرة، أما عبد الله بن طاوس فلم يُختلفْ عليه فيه كما سبق.
وعند النظر والتأمل في أصحاب طاوس هؤلاء نجدهم يختلفون في الضبط والإتقان لحديثه خاصة، فأما إبراهيم بن ميسرة فقد كان أثبت هؤلاء، وقد يدانيه عبد الله بن طاوس في الضبط لحديث أبيه، قال سفيان بن عيينة: ((كان إبراهيم بن ميسرة من أصدق الناس وأوثقهم)) وقال أيضاً: ((كان - أي ابن ميسرة – يحدِّث على اللفظ)).
وقال علي بن المديني: قلت لسفيان -يعني ابن عيينة-: أين كان حفظ إبراهيم بن ميسرة عن طاوس من حفظ ابن طاوس؟ قال: لو شئت قلت لك إني أُقدِّم إبراهيم عليه في الحفظ فعلت. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أحبُّ إليك أو ابن طاوس؟ قال: كلاهما. قال ابن أبي حاتم: يعني أنهما نظيران في الرواية عن طاوس [انظر التاريخ الكبير 1/ 328 والجرح والتعديل 2/ 133].
وأما عطاء بن السائب فإنه لم يكن من المتميِّزين لحفظ حديث طاوس، الضابطين عنه كهذين الاثنين. على أنَّ رواية جرير، والفضيل، وموسى بن أعين عنه كانت في حال الاختلاط كما سبق. فلم يبقَ حينئذٍ إلا رواية ابن عيينة عنه وهي محتملة أنْ تكون قبل الاختلاط لما ذكره الإمام أحمد وابن الكيال، إلا أن عدم شهرة هذا الوجه عند الأئمة يجعل في الأمر ريبة!! ولذا قال ابن عدي في الكامل (5/364): ((لا أعلم روى هذا الحديث عن عطاء غير هؤلاء الَّذين ذكرتهم : موسى بن أعين، وفضيل، وجرير)) ونقل الحافظ عن البزَّار قوله: ((لا أعلم أحداً رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن عباس ، ولا نعلم أسند عطاء بن السائب عن طاوس غير هذا - يعني الثوري -، ورواه غير واحد عن عطاء موقوفاً)) [التلخيص1/130](/4)
ومن المرجِّحات أيضاً لتقديم رواية الوقف على رواية الرفع، أنَّ عبد الله بن طاوس كان يمانياً كأبيه بخلاف ابن ميسرة، وعطاء، فإنهما كانا مكَّيِّينِ. فعلى هذا يكون الراوي أعرف برواية بلديِّه من غيره – لاسيما إ ذا كان أباه – ويكون إبراهيم بن ميسرة، وهو أوثق أصحاب طاوس هؤلاء، قد تابعه على هذا الوجه، والله أعلم.
وبالجملة؛ فإنَّ الراجح في حديث طاوس هو رواية الوقف، وقد رجَّحها جمعٌ من الأئمة كالنسائي، وابن الصلاح، والمنذري [انظر التلخيص 1/129]، وقال البيهقي في المعرفة (ح 2956): ((وروي موقوفاً، والموقوف أصح))، وقال النووي في المجموع (8/14): ((روي هذا الحديث عن ابن عباس مرفوعاً بإسناد ضعيف. والصحيح أنه موقوف على ابن عباس، كذا ذكره البيهقي وغيره من الحفاظ)) وقال أيضاً في (21/ 274): ((يروى موقوفاً ومرفوعاً، وأهل المعرفة بالحديث لا يصححونه إلا موقوفاً ويجعلونه من كلام ابن عباس)) . وممَّن رجَّح وقفه أيضاً الحافظ ابن عبد الهادي في المحرر في الحديث (1/ 123).
وأشار الترمذي عقب الحديث إلى ترجيح وقفه كما هو المفهوم من سياقه حيث قال: ((وقد رُوي هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن السائب)).
وأما الثاني: وهو سعيد بن جبير، فقد جاء عنه من طريقين اثنين:
الطريق الأول : رواه الفضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً بنحو حديث الباب.
وقد رواه عن الفضيل أبو بكر الحميدي في رواية عبدالله بن أحمد بن أبي مسرة عنه. وهو ممَّا تفرَّد به ابن أبي مسرة عن الحميدي، والصحيح في رواية الحميدي ما رواه الدارمي – وهو ثقةٌ ثبت، إمامُ أهل زمانه – عنه عن الفضيل عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً ((لا ذكر لسعيد بن جبير فيه)).
وابن أبي مسرة غير مشهور بالرواية عن الحميدي؛ فالدارمي أكثر منه رواية عنه، كما أنَّ هذا الوجه هو الموافق لرواية الجماعة من أصحاب الفضيل، فيُقدَّم حينئذٍ ويكون هو الوجه الصحيح عن الحميدي؛ والله أعلم.
الطريق الثاني: رواه القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن ابن عباس قال: قال الله لنبيِّه {طهِّر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} فالطواف قبل الصلاة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطواف بمنزلة الصلاة إلا أنَّ الله قد أحلَّ فيه المنطق ، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير)).
قال الحاكم بعد روايته: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وإنما يُعرف هذا الحديث عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير" وقال الذهبي في تلخيصه: ((إنما المشهور لحماد بن سلمة عن عطاء)).
قلت: مُراد الذهبي هنا ما أخرجه الحاكم عقبه (2/267) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال الله لنبيّه {طهِّر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} فالطواف قبل الصلاة.
وحماد قد اختلف في سماعه من عطاء، أهو قبل الاختلاط أم بعده؟
فنصَّ بعضهم بصحة سماعه منه قبل الاختلاط كابن معين في رواية الدوري عنه، وأبي داود، وابن الجارود، والطحاوي، وحمزة الكتاني وغيرهم (التهذيب 7 / 204 والكواكب النيرات ص325).
وذهب آخرون منهم العقيلي ونقله عن يحيى القطان (الضعفاء 3/339 وانظر التهذيب أيضاً) وابن معين في رواية أخرى عنه أن جميع من روى عنه كان في حال الاختلاط إلا شعبة والثوري (الكامل 5/362) ومنهم أيضاً عبدالحق الأشبيلي ذكره عنه في الكواكب النيرات.
والأشبه الجمع بين القولين بأنَّ حماد بن سلمة قد سمع من عطاء في الحالين، ولكن لم يتميِّز هذا عن هذا، وهو لا يتنافى مع نصوص أولئك الأئمة - إنْ صحت الرواية عنهم - وإلى هذا مال الحافظ في التهذيب (7/207) وكان قد رجح في التلخيص (1/248) القول الأول.
وعلى كلٍ؛ فإنَّ حماد بن سلمة قد تفرد به عن سائر أصحاب عطاء؛ والله أعلم.
أمَّا الحافظ في التلخيص فإنه قال (1/130): ((صحح الحاكم إسناده، وهو كما قال، فإنهم ثقات)) ثم قال بعد ذلك: ((إنها سالمة من الاضطراب إلا أني أظنَّ أنَّ فيها إدراجاً، والله أعلم)).
وهذا الإدراج يعني به قوله: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
خلاصة الحكم على الحديث :
يتلخص مما سبق أنَّ الحديث قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق طاوس بن كيسان، وسعيد بن جبير.
أما طاوس بن كيسان فقد اختلف عليه فيه على أوجه، وأصحُّها رواية ابنه عبد الله بن طاوس، وإبراهيم بن ميسرة كلاهما عنه به موقوفاً، وهي التي صحَّحها الأئمة كما تقدَّم.
وأما سعيد بن جبير، فقد جاء عنه من طريقين اثنين، وفي كلا الطريقين كلام.
وتقدَّم أيضاً أنَّ من جعله من مسند عبد الله بن عمر فقد أخطأ، وخالف الجماعة الذين جعلوه من مسند ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.(/5)
وفي الختام؛ اسأل الله جلا وعلا أنْ يجعل ما كتبته في هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، كما أسأله سبحانه وتعالى أنْ ينفع به كلَّ من قرأه، وأعان على نشره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.(/6)
تخيّلْ نفسك ميّتاً
د. صالح بن سليمان الرشيد 13/9/1426
16/10/2005
أكثر ما نخشاه في حياتنا الدنيا هو الموت؛ فهو هادم اللذات ومفرّق الجماعات، وتذكّر الموت ربما يعني بالنسبة لبعضنا الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة، وأن التسليم بهذه الحقيقة والاستعداد الجيد لمواجهتها هو أنسب وسيلة للتأقلم والتكيف معها، وفي هذه الحالة تجد أن الإيمان التام بهذه الحقيقة، وتذكّرها بصفة مستمرة يجعل الإنسان أكثر سعياً نحو إرضاء الخالق -عز وجل- في حياته الدنيا طلباً للسعادة في مرحلة ما بعد الموت. بينما قد يعني الموت للبعض الآخر منغّصاً لسعادة الإنسان ومقلقاً لراحته ومهدّداً لطموحاته وآماله في هذه الحياة، ومن ثم فإن الوسيلة الملائمة لمواجهته من وجهة نظر هؤلاء الناس هو تجاهله وعدم التفكير فيه وسرعة الخلاص من أية أفكار أو وساوس أو مواقف تُذكّر بالموت، بالطبع هؤلاء البعض يخسرون كثيراً بتبنيهم هذا النهج في التفكير؛ لأنهم في الواقع يهربون من المصير المحتوم، ومن ثم يفقدون فرصة تعديل سلوكيّاتهم وأخلاقهم ونظرتهم للحياة بما يدعم موقفهم في مواجهة هذا المصير. إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب العبد ذكّره بالموت، وكل إنسان منا ربما يقبل على الطاعة والعبادة وفعل الخيرات بكل حماس عندما يتذكر الموت أو يعيش موقفاً يصنعه الموت. دعونا نفكّرْ في هذا الأمر من زاوية معينة بالتحديد، تلك الزاوية ترتبط بعلاقاتنا الإنسانية والاجتماعية في هذه الحياة. بمعنى أدق كيف تؤثر فكرة تخيّل الموت على علاقات الإنسان بمن حوله في هذه الحياة؟ تخيلْ نفسك وقد متّ بالفعل، ماذا ستكون مشاعر الناس نحوك؟ هل سيفرحون لموتك؟ هل سيحزنون؟ هل سيلتزمون الحياد في مشاعرهم، هل سيتذكرونك بالخير؟ هل سيتذكّرونك بالشر؟ هل سيدعون لك؟ هل سيدعون عليك؟ هل سيتذكّرونك طويلاً؟ هل سينسونك سريعاً؟ هل سيصلون أهلك من بعدك؟ هل سيفتقدهم أهلك من بعدك؟ وأهلك هل سيتذكّرونك دائماً بصالح الدعاء أم سيذكُرونك بأخطائك في حقهم وتقصيرك معهم؟
عزيزي القارئ التفكير بهذا المنطق في حد ذاته ربما يثير عاصفة التغيير في حياة الإنسان وطريقة إدارته لعلاقته الأسرية والاجتماعية. فالإنسان عندما يحبه الله فإنه يحبب فيه خلقه، وحب الناس أمر لا ينبغي أبداً تجاهله أو التقليل من شأنه؛ لأنه يعكس إلى حد كبير سلوك الإنسان وطباعه في هذه الحياة. فأنت عندما ترجو أن يدعو لك الناس بعد وفاتك ستبادر بفعل كل ما يعود عليهم وعليك بالخير والثواب. وعندما تريد أن يتذكرك الناس بطيبة قلبك ووجهك البشوش ستحرص على تنقية قلبك بصفة مستمرة، وستحرص على الابتسام في وجه كل من تتعامل معه ولهذا كان تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وعندما ترغب في أن يدعو لك أولادك بالخير ستفعل معهم كل ما من شأنه يعود عليهم بخير الدنيا والآخرة، وعندما ترغب في أن يكون لديك ولد صالح يدعو لك في موتك ستبذل أقصى ما في وسعك كي يكون أبناؤك جميعاً من الصالحين. وعندما ترغب في أن يتواصل أحباؤك وأقرباؤك وأصدقاؤك مع أهلك وأبنائك ستحرص على أن تصلهم في حياتك. أما إذا كان كل هذا لا يعنيك، وتنظر فقط تحت قدميك وتعيش بمبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان" بالتأكيد في هذه الحالة أنت لست بحاجة إلى تخيّل أنك ميت، فأنت ميّت بالفعل؛ لأن قلبك في الواقع لا ينبض بحبّ مَن حولك.(/1)
تدبر القرآن لماذا وكيف؟
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
القرآن هادي البشرية ومرشدها ونور الحياة ودستورها، ما من شيء يحتاجه البشر إلا وبيَّنه الله فيه نصاً أو إشارة أو إيماءاً، عَلِمه مَنْ عَلِمه، وجهله من جهله.
ولذا اعتنى به صَحْبُ الرسول صلى الله عليه وسلم وتابعوهم تلاوة وحفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً. وعلى ذلك سار سائر السلف. ومع ضعف الأمة في عصورها المتأخرة تراجع الاهتمام بالقرآن وانحسر حتى اقتصر الأمر عند غالب المسلمين على حفظه وتجويده وتلاوته فقط بلا تدبر ولا فهم لمعانيه ومراداته، وترتب على ذلك ترك العمل به أو التقصير في ذلك، "وقد أنزل الله القرآن وأمرنا بتدبره، وتكفل لنا بحفظه، فانشغلنا بحفظه وتركنا تدبره"(1).
وليس المقصود الدعوة لترك حفظه وتلاوته وتجويده؛ ففي ذلك أجر كبير؛ لكن المراد التوازن بين الحفظ والتلاوة والتجويد من جهة وبين الفهم والتدبر. ومن ثم العمل به من جهة أخرى كما كان عليه سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى -.
ولذا فهذه بعض الإشارات الدالة على أهمية التدبر في ضوء الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح.
أما التدبر فهو كما قال ابن القيم: "تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله"(2).
وقيل في معناه: "هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة"(3).
أولاً: منزلة التدبر في القرآن الكريم:
1- قال الله - تعالى -( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب)) [ص: 29] في هذه الآية بين الله - تعالى - أن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر لا مجرد التلاوة على عظم أجرها.
قال الحسن البصري: "والله! ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، ما يُرى له القرآنُ في خُلُق ولا عمل"(4).
2- قال - تعالى -( أفلا يتدبرون القرآن ...)) [النساء: 82].
قال ابن كثير: " يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة: أفلا يتدبرون القرآن"(5)، فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب.
3- قال - تعالى -( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به)) [البقرة: 121].
روى ابن كثير عن ابن مسعود قال: "والذي نفسي بيده! إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله"(6).
وقال الشوكاني: "يتلونه: يعملون بما فيه"(7) ولا يكون العمل به إلا بعد العلم والتدبر.
4 - قال - تعالى -( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون)) [البقرة: 78].
قال الشوكاني: "وقيل: (الأماني: التلاوة) أي: لا علم لهم إلا مجرد التلاوة دون تفهم وتدبر"(8)، وقال ابن القيم: "ذم الله المحرفين لكتابه والأميين الذين لا يعلمون منه إلا مجرد التلاوة وهي الأماني"(9).
5 - قال الله - تعالى -( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)) [الفرقان: 30].
قال ابن كثير: "وترك تدبره وتفهمه من هجرانه"(10).
وقال ابن القيم: "هجر القرآن أنواع... الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه"(11).
ثانياً: ما ورد في السنة في مسألة التدبر:
1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"(12).
فالسكينة والرحمة والذكر مقابل التلاوة المقرونة بالدراسة والتدبر.
أما واقعنا فهو تطبيق جزء من الحديث وهو التلاوة أما الدراسة والتدبر فهي - في نظر بعضنا - تؤخر الحفظ وتقلل من عدد الحروف المقروءة فلا داعي لها.
2 - روى حذيفة - رضي الله عنه -: "أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكان يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ"(13).
فهذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ.
3 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)) [المائدة: 118] (14).
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم التدبر على كثرة التلاوة، فيقرأ آية واحدة فقط في ليلة كاملة.
4 - عن ابن مسعود قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"(15).
فهكذا كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم الصحابة القرآن: تلازم العلم والمعنى والعمل؛ فلا علم جديد إلا بعد فهم السابق والعمل به.
5 - لما راجع عبد الله بن عمرو بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن لم يأذن له في أقل من ثلاث ليالٍ وقال: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"(16).(/1)
فدل على أن فقه القرآن وفهمه هو المقصود بتلاوته لا مجرد التلاوة.
6 - وفي الموطأ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة يجهر فيها فأسقط آية فقال: يا فلان! هل أسقطت في هذه السورة من شيء؟ قال: لا أدري. ثم سأل آخر واثنين وثلاثة كلهم يقول: لا أدري، حتى قال: ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فما يدرون ما تلي منه مما ترك؟ هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل فشهدت أبدانهم وغابت قلوبهم؛ ولا يقبل الله من عبد حتى يشهد بقلبه مع بدنه".
ثالثاً: ما ورد عن السلف في مسألة التدبر:
1 - روى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: "تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً"(17).
وطول المدة ليس عجزاً من عمر ولا انشغالاً عن القرآن؛ فما بقي إلا أنه التدبر.
2 - عن ابن عباس قال: "قدم على عمر رجل فجعل عمر يسأل عن الناس فقال: يا أمير المؤمنين! قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا، فقلت: والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قال: فزبرني عمر، ثم قال: مه! فانطلقت لمنزلي حزيناً فجاءني، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفاً؟ قلت: متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتقوا - يختصموا: كلٌ يقول الحق عندي - ومتى يحتقوا يختصموا، ومتى اختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، فقال عمر: لله أبوك! لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها(18)"، وقد وقع ما خشي منه عمر وابن عباس - رضي الله عنهما - فخرجت الخوارج الذين يقرؤون القرآن؛ لكنه لا يجاوز تراقيهم.
3 - عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة ونحوها ورزقوا العمل بالقرآن، وإن آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن، منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به. وفي هذا المعنى قال ابن مسعود: إنا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسهل علينا العمل به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به"(19).
4 - قال الحسن البصري: "إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، وما تدبُّر آياته إلا باتباعه، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفاً وقد - والله! - أسقطه كله ما يُرى القرآن له في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نَفَسٍ! والله! ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الوَرَعة متى كانت القراء مثل هذا؟ لا كثَّر الله في الناس أمثالهم"(20).
5 - وقال الحسن أيضاً: "نزل القرآن ليُتَدَبَّر ويعمل به؛ فاتخذوا تلاوته عملاً (21). أي أن عمل الناس أصبح تلاوة القرآن فقط بلا تدبر ولا عمل به".
6 - كان شعبة بن الحجاج بن الورد يقول لأصحاب الحديث: "يا قوم! إنكم كلما تقدمتم في الحديث تأخرتم في القرآن"(22). وفي هذا تنبيه لمن شغلته دراسة أسانيد الحديث ومسائل الفقه عن القرآن وتدبره أنه قد فقد توازنه واختل ميزانه.
7 - عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ (إذا زلزلت) و (القارعة) لا أزيد عليهما أحب إليَّ من أن أهذَّ القرآن ليلتي هذّاً. أو قال: أنثره نثراً"(23).
8 - قال ابن القيم: "ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها وعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصل إليه وقواطيع الطريق وآفاته، وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة.
فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها، وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها، وتميز له بين الحق والباطل في كل ما يختلف فيه العالم، وتعطيه فرقاناً ونوراً يفرق به بين الهدى والضلال، وتعطيه قوة في قلبه وحياة واسعة وانشراحاً وبهجة وسروراً فيصير في شأن والناس في شأن آخر؛ فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها؛ لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتناديه كلما فترت عزماته: تقدمَ الركبُ، وفاتك الدليل، فاللحاقَ اللحاقَ، والرحيلَ الرحيلَ.
فاعتصم بالله واستعن به وقل: "حسبي الله ونعم الوكيل"(24).
وحتى نتدبر القرآن فعلينا:(/2)
1- مراعاة آداب التلاوة من طهارة ومكان وزمان مناسبين وحال مناسبة وإخلاص واستعاذة وبسملة وتفريغ للنفس من شواغلها وحصر الفكر مع القرآن والخشوع والتأثر والشعور بأن القرآن يخاطبه.
2- التلاوة بتأنٍ وتدبر وانفعال وخشوع، وألا يكون همه نهاية السورة.
3- الوقوف أمام الآية التي يقرؤها وقفة متأنية فاحصة مكررة.
4- النظرة التفصيلية في سياق الآية: تركيبها - معناها - نزولها - غريبها - دلالاتها.
5- ملاحظة البعد الواقعي للآية؛ بحيث يجعل من الآية منطلقاً لعلاج حياته وواقعه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به.
6- العودة إلى فهم السلف للآية وتدبرهم لها وتعاملهم معها.
7- الاطلاع على آراء بعض المفسرين في الآية.
8- النظرة الكلية الشاملة للقرآن.
9- الالتفات للأهداف الأساسية للقرآن.
10- الثقة المطلقة بالنص القرآني وإخضاع الواقع المخالف له.
11- معايشة إيحاءات النص وظلاله ولطائفه.
12- الاستعانة بالمعارف والثقافات الحديثة.
13- العودة المتجددة للآيات، وعدم الاقتصار على التدبر مرة واحدة؛ فالمعاني تتجدد.
14- ملاحظة الشخصية المستقلة للسورة.
15- التمكن من أساسيات علوم التفسير.
16- القراءة في الكتب المتخصصة في هذا الموضوع مثل كتاب: (القواعد الحسان لتفسير القرآن) للسعدي، وكتاب (مفاتيح للتعامل مع القرآن) للخالدي، وكتاب (قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله - عز وجل) لعبد الرحمن حبنكة الميداني، وكتاب (دراسات قرآنية) لمحمد قطب(25).
وبعد: فما درجة أهمية تدبر القرآن في عقولنا؟ وما نسبة التدبر في واقعنا العملي فيما نقرأه في المسجد قبل الصلوات؟ وهل نحن نربي أبناءنا وطلابنا على التدبر في حِلَق القرآن؟ أم أن الأهم الحفظ وكفى بلا تدبر ولا فهم؛ لأن التدبر يؤخر الحفظ؟
ما مقدار التدبر في دروس العلوم الشرعية في المدارس، خاصة دروس التفسير؟ وهل يربي المعلم طلابه على التدبر، أم على حفظ معاني الكلمات فقط؟
تُرى: ما مرتبة دروس التفسير في حِلَق العلم في المساجد: هل هي في رأس القائمة، أم في آخرها - هذا إن وجدت أصلاً؟
ما مدى اهتمامنا بالقراءة في كتب التفسير من بين ما نقرأ؟
لماذا يكون همُّ أحدنا آخر السورة، وقد نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟
ومتى نقتنع أن فوائد التدبر وأجره أعظم من التلاوة كهذ الشعر؟ أسئلة تبحث عن إجابة؛ فهل نجدها لديك؟
الهوامش:
(1) حول التربية والتعليم ،د. عبد الكريم بكار ، ص 226.
(2) نضرة النعيم ، ص 909.
(3) قواعد التدبر الأمثل للميداني ، ص 10.
(4) تفسير ابن كثير ، 7/64 ، ط : طيبة .
(5) تفسير ابن كثير ، 3/364 ،ط: طيبة
(6) تفسير ابن كثير ، 1/403.
(7) فتح القدير ، 1/135.
(8) فتح القدير ، 1/104.
(9) بدائع التفسير ، 1/300.
(10) تفسير ابن كثير 6/108.
(11) بدائع التفسير 2/292.
(12) رواه مسلم ، ح/2699.
(13) رواه مسلم ، ح /772.
(14) رواه أحمد ، ح /20365.
(15) رواه الطبري في تفسيره ، 1/80.
(16) رواه الدارمي والترمذي برقم 2870 ، وصححه ورواه أحمد وأبو داود بلفظ : لم يفقه.
(17) نزهة الفضلاء ، تهذيب سير أعلام النبلاء ، 1/35/أ.
(18) نزهة الفضلاء ، تهذيب سير أعلام النبلاء ، 1/279.
(19) الجامع لأحكام القرآن ، 1/39-40 وانظر مجلة المجتمع عدد 1216.
(20) الزهد 276 وانظر مفاتيح للتعامل مع القرآن للخالدي ، ص 46.
(21) مدارج السالكين ، 1/485.
(22) نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء ، 2/582.
(23) الزهد لابن المبارك ، 97 ، وانظر نضرة النعيم ، 913.
(24) مدارج السالكين ، ج1 ، ص 485 ، 486.
(25) انظر كتاب مفاتيح للتعامل مع القرآن للخالدي ، ص 66.(/3)
تدبر القرآن حوارات الدار الآخرة ...
لابد لنا أن نسأل أنفسنا: ما الذي استفدناه من القرآن؟ لقد قرأنا القرآن وختمناه مرات عديدة، وفي رمضان قمنا بذلك عشرات المرات، فما الذي تغير في حياتنا؟ وما هو انعكاس ذلك على نفوسنا؟!!
قال تعالى: { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء: 10 ] .
قال القرطبي: وقيل: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي ذكر أمر دينكم; وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب وعقاب ... وقيل: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي حديثكم. وقيل: مكارم أخلاقكم, ومحاسن أعمالكم. وقيل: العمل بما فيه حياتكم. قلت: وهذه الأقوال بمعنى والأول يعمها; إذ هي شرف كلها, والكتاب شرف لنبينا عليه السلام; لأنه معجزته, وهو شرف لنا إن عملنا بما فيه.
وقال عز من قائل: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } { الزخرف: 44 } . قال القرطبي: يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش, إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب; فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بك فصاروا عيالا عليهم; لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء, فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا ... والأقوى أن يكون المراد بقوله: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } يعني القرآن; فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير, والله أعلم. قال الماوردي: "ولقومك" فيهم قولان: أحدهما: من اتبعك من أمتك ... قلت: والصحيح أنه شرف لمن عمل به, كان من قريش أو من غيرهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، في الحديث الذي رواه عنه أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: " وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ "[1]. قال النووي: فمعناه ظاهر، أي: تنتفع به إن تلوته وعملت به, وإلا فهو حجة عليك [2]. وقال السندي: " أو عليك ": إن قرأته بلا عمل به [3]. وقال القرطبي: يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تُسأل منه عنه، كمساءلة الملكين في القبر والمساءلة عند الميزان وفي عقاب الصراط. وإن لم يمتثل ذلك، احتج به عليك. ويحتمل أن يراد به أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحكمية، فبه تستدل على صحة دعواك، وبه يستدل عليك خصمك[4].
لقد أنزل الله القرآن ليكون كتابا لتغيير النفوس بما يؤدي لتغيير الواقع. فما الذي حدث؟ لماذا أصبح القرآن بلا تأثير في حياتنا؟ إن الأسباب التي تقف وراء ذلك كثيرة ومتعددة. لعل من أهمها: عدم فهم معانيه. ذلك أن ما لا تفهمه لا تتفاعل معه. والسبب وراء عدم فهمه هو انتشار اللغة العامية على حساب الفصحى. ومن أسباب ذلك أيضا عدم الالتزام بتنفيذ أوامره ونواهيه.
لقد حاول الأعداء أن يلقوا في روعنا أن القرآن مجرد كتاب للتاريخ. وما دام الأمر كذلك، فلا طائل من ورائه. ولكن هل القرآن مجرد كتاب للتاريخ فعلا؟!! إن القرآن يتكلم بالفعل عن التاريخ، ولكن لأخذ العبرة. فانظر مثلا إلى قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون التي تكررت في القرآن كثيرا، وانظر إلى فرعون وهو يحسم القضية مع قومه قائلا: { مَا أُرِيكُمْ إَِّلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إَِّلا سَبِيلَ الرَّشَادِ } [ غافر: 29 ] . إنها قصة كل طاغية في كل عصر. وعلى سبيل المثال، فهذه القصة تتكرر معنا الآن، فنجد طاغية أمريكا الأكبر يجرجر العالم وراءه في حروب لدول الإسلام قائلا نفس المقالة التي قالها سلفه من قبل: " ما أريكم إلا ما أرى، فلابد من ضرب المسلمين الإرهابيين "!! وحتى إذا اعترضت عليه إحدى الدول، مثل فرنسا أو ألمانيا، فيكون رده عليها هو: " ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ".
ولكن بالإضافة إلى القصص التاريخي الذي يحفل به القرآن، فإن القرآن يحفل بحوارات لا نظير لها في أي كتاب آخر، ولا توجد في أي مكان سواه. تلك الحوارات التي تدور بين الناس - سواء المهتدين أو المجرمين - مع الملائكة منذ لحظة الموت وحتى ما بعد البعث والنشور والاستقرار في الجنة أو النار. تلك المشاهد التي لا يستطيع أي كتاب آخر أن يخبرنا عنها أو عن كيفيتها، إلا القرآن، لأنه جاء من عند الخبير بما سيحدث في تلك المواقف. وقد جعل الله تلك الحوارات غيبا، لا يُطلع عليها أحدا، إلا من شاء سبحانه. ولو حاول أهل الأرض معرفة ما يحدث في القبر مثلا لفشلوا، ولو استخدموا في سبيل ذلك آخر ما وصلت إليه علومهم ومعارفهم. ولن يجدوا أمامهم إلا القرآن هو الذي يخبرهم بذلك.(/1)
كذلك فمن المواقف التي بالغ القرآن في وصفها تلك المشاهد التي ستحدث بين الناس وبعضهم، أو بينهم وبين الملائكة في عُرصات يوم القيامة. وانظر إلى هذا الحوار المدهش المعجز المبهر الذي يدور بين الحكام الطواغيت وبين الشعوب التي كانت مقهورة في الحياة الدنيا. وسوف أقصر الحديث في ذلك على ما جاءت به هذه الصورة في سورة الصافات. قال تعالى: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } [ الصافات: 27 ] . فماذا كان رد المستضعفين؟ { قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ } } الصافات: 28 { . أي قال الضعفاء للطغاة: إنكم كنتم تأتوننا عن الناحية التي كان منها الحق، فتصرفوننا عنها. فرد عليهم الطغاة قائلين: { قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [ الصافات: 29 ] . أي: بل لم تكونوا مؤمنين أساسا بقوانين الله في الكون، وبوعوده لعباده بما سيكون لهم عند الصبر، وتبشيرهم بالنصر والتمكين حين يتحلوا بالعبادة. واستطرد الطغاة في سرد الحقيقة كاملة: { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ } [ الصافات: 30 ] . وهذا القول غريب! ولابد من الوقوف عنده والتأمل فيه. يقول الطغاة للضعفاء: وما كان لنا عليكم من سلطان! أي: ماذا كنتم تخافون؟ أكنتم تخافون من الشرطة أو من القوات الخاصة أو من تشكيلات الجيش؟ أم كنتم تخافون من نصوص القوانين الوضعية؟ أم كنتم تخافون من الأعراف المتبعة في العمل للوصول إلى الترقيات والعلاوات؟ هل كانت كلمة الحق ستمنع عنكم الترقية أو العلاوة؟ أم كانت ستؤدي لطردكم من الوظيفة؟ لقد فعلتم ما فعلتم بمحض إرادتكم الدنيئة! ولو كانت نفوسكم خيّرة زكية ما قبلتم أبدا بحدوث ذلك!!!
ثم لماذا يقول الطغاة للمستضعفين: " بل كنتم قوما طاغين "؟ فكيف يصفونهم بذلك، وهم الذين كانوا مستذلين في الحياة الدنيا، والطغاة هم أعلم الناس بذلك؟!! نعم لقد كان المستضعفين طغاة في أنفسهم، يحبون فعل المعاصي ويركنون إليها ويستلذون بها. ألم تكن المتبرجة تعلم أن الله يأمرها بالحجاب، فآثرت في نفسها حب التبرج والسفور على الالتزام بطاعة الله؟! ألم ترجح أحلام الغواة على وعود الله؟!! ألم يكن يعلم الذين يضعون أموالهم في البنوك الربوية أنهم يتقاضون عليها فوائد هي الربا بعينه، فآثروا الأرباح الطائلة على الاستجابة لأوامر ربهم؟!! ألم يكن المرؤوسون يعلمون أن إعلاء كلمة الحق من خلال أمرهم لرؤسائهم بالمعروف ونهيهم لهم عن المنكر هي من صميم إيمانهم بالله، ولكنهم آثروا حياة الطاعة العمياء واستكانوا للدعة والذلة على الصدح بكلمة الحق؟!! والأمثلة على ذلك عديدة وأكثر من أن تحصى.
واعترف الطغاة بحرج موقفهم الآن: { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ } [ الصافات: 31 ] . ثم انظر إلى كلمة الحق تخرج الآن من أفواههم ولأول مرة: { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } [ الصافات: 32 ] . فأغويناكم!!! هكذا تسقط الأقنعة وتبدو الحقيقة عارية!! ألم تكن هذه الكلمة في الدنيا تزيين للمنكر بشتى الأشكال! لقد كانوا يقولون: إننا نفعل ذلك من أجل القضاء على الإرهاب! إننا نفعل هذا من أجل إرساء روح المحبة والتسامح بيننا! إننا نقوم بذلك بهدف تحقيق الرخاء! إننا نريد إطراد التقدم والتنمية! يفعلون كل الموبقات، ويزيفونها بشتى الوسائل! ويسمون الأشياء بغير مسمياتها: يطلقون على الربا اسم فائدة، وعلى الزنا والخنا اسم فنون جميلة وفنون راقية!! ولكن الآن تظهر الحقيقة ناصعة!!
ويعقب الله تعالى على ذلك بالقول: { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [ الصافات: 33 ] . أي الطغاة والمستضعفين. لا يظنن الضعيف أنه عبدا للمأمور، وأن عليه أن يفعل كل ما يُملى عليه ممن هو فوقه. فيوم القيامة لن يتحمل أحد عن أحد مغبة أي تصرف خاطئ. وليتدبر المستضعفون قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اْلأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ النساء: 97 ] . وكذلك قوله تعالى: { قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر: 10 ] . قال ابن كثير: وقوله { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال مجاهد: فهاجروا فيها وجاهدوا واعتزلوا الأوثان، وقال شريك عن منصور عن عطاء في قوله تبارك وتعالى: { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال: إذا دعيتم إلى معصيته فاهربوا، ثم قرأ: { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا }.(/2)
ولكن هل ينفع الطغاة والمستضعفين في ذلك اليوم اشتراكهم في العذاب؟ اسمع قول الله تعالى في سورة الزخرف: { وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [ الزخرف: 39 ] . قال القرطبي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب; لأن لكل واحد نصيبه الأوفر منه. أعلم الله تعالى أنه منع أهل النار التأسي كما يتأسى أهل المصائب في الدنيا, وذلك أن التأسي يستروحه أهل الدنيا، فيقول أحدهم: لي في البلاء والمصيبة أسوة; فيسكن ذلك من حزنه; كما قالت الخنساء:
فلولا كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتأسي
فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي شيئا لشغلهم بالعذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم; لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر.
هذا كان أحد المشاهد التي حكى عنها القرآن، والتي تفيد القراءة المتدبرة للوقوف عليه. ولذا فحاول أخي الكريم أن تتدبر القرآن وأنت تقرأه، حتى تستشعر معانيه، ومن ثم تستطيع الوصول للعمل به، فيتحقق بذلك الهدف الذي من أجله نزل.
-----------------
[1] صحيح. رواه مسلم (223/1)، والترمذي (3517)، والنسائي (2436)، وابن ماجه (281).
[2] صحيح مسلم بشرح النووي: 2/103.
[3] حاشية السندي على سنن النسائي: 5/10.
[4] شرح السيوطي على سنن النسائي: 5/10. ... ...
آخر تحديث ( 05-01-2005 ) ... ...
... ...(/3)
تدبر القرآن حوارات الدار الآخرة
محمد حسن يوسف
لابد لنا أن نسأل أنفسنا: ما الذي استفدناه من القرآن؟ لقد قرأنا القرآن وختمناه مرات عديدة، وفي رمضان قمنا بذلك عشرات المرات، فما الذي تغير في حياتنا؟ وما هو انعكاس ذلك على نفوسنا؟!!
قال تعالى: { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء: 10 ] . قال القرطبي: وقيل: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي ذكر أمر دينكم; وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب وعقاب ... وقيل: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي حديثكم. وقيل: مكارم أخلاقكم, ومحاسن أعمالكم. وقيل: العمل بما فيه حياتكم. قلت: وهذه الأقوال بمعنى والأول يعمها; إذ هي شرف كلها, والكتاب شرف لنبينا عليه السلام; لأنه معجزته, وهو شرف لنا إن عملنا بما فيه.
وقال عز من قائل: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } { الزخرف: 44 } . قال القرطبي: يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش, إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب; فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بك فصاروا عيالا عليهم; لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء, فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا ... والأقوى أن يكون المراد بقوله: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } يعني القرآن; فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير, والله أعلم. قال الماوردي: "ولقومك" فيهم قولان: أحدهما: من اتبعك من أمتك ... قلت: والصحيح أنه شرف لمن عمل به, كان من قريش أو من غيرهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، في الحديث الذي رواه عنه أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: " وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ "[1]. قال النووي: فمعناه ظاهر، أي: تنتفع به إن تلوته وعملت به, وإلا فهو حجة عليك [2]. وقال السندي: " أو عليك ": إن قرأته بلا عمل به [3]. وقال القرطبي: يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تُسأل منه عنه، كمساءلة الملكين في القبر والمساءلة عند الميزان وفي عقاب الصراط. وإن لم يمتثل ذلك، احتج به عليك. ويحتمل أن يراد به أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحكمية، فبه تستدل على صحة دعواك، وبه يستدل عليك خصمك[4].
لقد أنزل الله القرآن ليكون كتابا لتغيير النفوس بما يؤدي لتغيير الواقع. فما الذي حدث؟ لماذا أصبح القرآن بلا تأثير في حياتنا؟ إن الأسباب التي تقف وراء ذلك كثيرة ومتعددة. لعل من أهمها: عدم فهم معانيه. ذلك أن ما لا تفهمه لا تتفاعل معه. والسبب وراء عدم فهمه هو انتشار اللغة العامية على حساب الفصحى. ومن أسباب ذلك أيضا عدم الالتزام بتنفيذ أوامره ونواهيه.
لقد حاول الأعداء أن يلقوا في روعنا أن القرآن مجرد كتاب للتاريخ. وما دام الأمر كذلك، فلا طائل من ورائه. ولكن هل القرآن مجرد كتاب للتاريخ فعلا؟!! إن القرآن يتكلم بالفعل عن التاريخ، ولكن لأخذ العبرة. فانظر مثلا إلى قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون التي تكررت في القرآن كثيرا، وانظر إلى فرعون وهو يحسم القضية مع قومه قائلا: { مَا أُرِيكُمْ إَِّلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إَِّلا سَبِيلَ الرَّشَادِ } [ غافر: 29 ] . إنها قصة كل طاغية في كل عصر. وعلى سبيل المثال، فهذه القصة تتكرر معنا الآن، فنجد طاغية أمريكا الأكبر يجرجر العالم وراءه في حروب لدول الإسلام قائلا نفس المقالة التي قالها سلفه من قبل: " ما أريكم إلا ما أرى، فلابد من ضرب المسلمين الإرهابيين "!! وحتى إذا اعترضت عليه إحدى الدول، مثل فرنسا أو ألمانيا، فيكون رده عليها هو: " ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ".
ولكن بالإضافة إلى القصص التاريخي الذي يحفل به القرآن، فإن القرآن يحفل بحوارات لا نظير لها في أي كتاب آخر، ولا توجد في أي مكان سواه. تلك الحوارات التي تدور بين الناس - سواء المهتدين أو المجرمين - مع الملائكة منذ لحظة الموت وحتى ما بعد البعث والنشور والاستقرار في الجنة أو النار. تلك المشاهد التي لا يستطيع أي كتاب آخر أن يخبرنا عنها أو عن كيفيتها، إلا القرآن، لأنه جاء من عند الخبير بما سيحدث في تلك المواقف. وقد جعل الله تلك الحوارات غيبا، لا يُطلع عليها أحدا، إلا من شاء سبحانه. ولو حاول أهل الأرض معرفة ما يحدث في القبر مثلا لفشلوا، ولو استخدموا في سبيل ذلك آخر ما وصلت إليه علومهم ومعارفهم. ولن يجدوا أمامهم إلا القرآن هو الذي يخبرهم بذلك.(/1)
كذلك فمن المواقف التي بالغ القرآن في وصفها تلك المشاهد التي ستحدث بين الناس وبعضهم، أو بينهم وبين الملائكة في عُرصات يوم القيامة. وانظر إلى هذا الحوار المدهش المعجز المبهر الذي يدور بين الحكام الطواغيت وبين الشعوب التي كانت مقهورة في الحياة الدنيا. وسوف أقصر الحديث في ذلك على ما جاءت به هذه الصورة في سورة الصافات. قال تعالى: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } [ الصافات: 27 ] . فماذا كان رد المستضعفين؟ { قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ } } الصافات: 28 { . أي قال الضعفاء للطغاة: إنكم كنتم تأتوننا عن الناحية التي كان منها الحق، فتصرفوننا عنها. فرد عليهم الطغاة قائلين: { قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [ الصافات: 29 ] . أي: بل لم تكونوا مؤمنين أساسا بقوانين الله في الكون، وبوعوده لعباده بما سيكون لهم عند الصبر، وتبشيرهم بالنصر والتمكين حين يتحلوا بالعبادة. واستطرد الطغاة في سرد الحقيقة كاملة: { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ } [ الصافات: 30 ] . وهذا القول غريب! ولابد من الوقوف عنده والتأمل فيه. يقول الطغاة للضعفاء: وما كان لنا عليكم من سلطان! أي: ماذا كنتم تخافون؟ أكنتم تخافون من الشرطة أو من القوات الخاصة أو من تشكيلات الجيش؟ أم كنتم تخافون من نصوص القوانين الوضعية؟ أم كنتم تخافون من الأعراف المتبعة في العمل للوصول إلى الترقيات والعلاوات؟ هل كانت كلمة الحق ستمنع عنكم الترقية أو العلاوة؟ أم كانت ستؤدي لطردكم من الوظيفة؟ لقد فعلتم ما فعلتم بمحض إرادتكم الدنيئة! ولو كانت نفوسكم خيّرة زكية ما قبلتم أبدا بحدوث ذلك!!!
ثم لماذا يقول الطغاة للمستضعفين: " بل كنتم قوما طاغين "؟ فكيف يصفونهم بذلك، وهم الذين كانوا مستذلين في الحياة الدنيا، والطغاة هم أعلم الناس بذلك؟!! نعم لقد كان المستضعفين طغاة في أنفسهم، يحبون فعل المعاصي ويركنون إليها ويستلذون بها. ألم تكن المتبرجة تعلم أن الله يأمرها بالحجاب، فآثرت في نفسها حب التبرج والسفور على الالتزام بطاعة الله؟! ألم ترجح أحلام الغواة على وعود الله؟!! ألم يكن يعلم الذين يضعون أموالهم في البنوك الربوية أنهم يتقاضون عليها فوائد هي الربا بعينه، فآثروا الأرباح الطائلة على الاستجابة لأوامر ربهم؟!! ألم يكن المرؤوسون يعلمون أن إعلاء كلمة الحق من خلال أمرهم لرؤسائهم بالمعروف ونهيهم لهم عن المنكر هي من صميم إيمانهم بالله، ولكنهم آثروا حياة الطاعة العمياء واستكانوا للدعة والذلة على الصدح بكلمة الحق؟!! والأمثلة على ذلك عديدة وأكثر من أن تحصى.
واعترف الطغاة بحرج موقفهم الآن: { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ } [ الصافات: 31 ] . ثم انظر إلى كلمة الحق تخرج الآن من أفواههم ولأول مرة: { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } [ الصافات: 32 ] . فأغويناكم!!! هكذا تسقط الأقنعة وتبدو الحقيقة عارية!! ألم تكن هذه الكلمة في الدنيا تزيين للمنكر بشتى الأشكال! لقد كانوا يقولون: إننا نفعل ذلك من أجل القضاء على الإرهاب! إننا نفعل هذا من أجل إرساء روح المحبة والتسامح بيننا! إننا نقوم بذلك بهدف تحقيق الرخاء! إننا نريد إطراد التقدم والتنمية! يفعلون كل الموبقات، ويزيفونها بشتى الوسائل! ويسمون الأشياء بغير مسمياتها: يطلقون على الربا اسم فائدة، وعلى الزنا والخنا اسم فنون جميلة وفنون راقية!! ولكن الآن تظهر الحقيقة ناصعة!!
ويعقب الله تعالى على ذلك بالقول: { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [ الصافات: 33 ] . أي الطغاة والمستضعفين. لا يظنن الضعيف أنه عبدا للمأمور، وأن عليه أن يفعل كل ما يُملى عليه ممن هو فوقه. فيوم القيامة لن يتحمل أحد عن أحد مغبة أي تصرف خاطئ. وليتدبر المستضعفون قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اْلأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ النساء: 97 ] . وكذلك قوله تعالى: { قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر: 10 ] . قال ابن كثير: وقوله { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال مجاهد: فهاجروا فيها وجاهدوا واعتزلوا الأوثان، وقال شريك عن منصور عن عطاء في قوله تبارك وتعالى: { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال: إذا دعيتم إلى معصيته فاهربوا، ثم قرأ: { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا }.(/2)
ولكن هل ينفع الطغاة والمستضعفين في ذلك اليوم اشتراكهم في العذاب؟ اسمع قول الله تعالى في سورة الزخرف: { وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [ الزخرف: 39 ] . قال القرطبي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب; لأن لكل واحد نصيبه الأوفر منه. أعلم الله تعالى أنه منع أهل النار التأسي كما يتأسى أهل المصائب في الدنيا, وذلك أن التأسي يستروحه أهل الدنيا، فيقول أحدهم: لي في البلاء والمصيبة أسوة; فيسكن ذلك من حزنه; كما قالت الخنساء:
فلولا كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتأسي
فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي شيئا لشغلهم بالعذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم; لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر.
هذا كان أحد المشاهد التي حكى عنها القرآن، والتي تفيد القراءة المتدبرة للوقوف عليه. ولذا فحاول أخي الكريم أن تتدبر القرآن وأنت تقرأه، حتى تستشعر معانيه، ومن ثم تستطيع الوصول للعمل به، فيتحقق بذلك الهدف الذي من أجله نزل.
22 من شوال عام 1425 ( الموافق في تقويم النصارى 5 ديسمبر عام 2004 ).
-----------------
[1] صحيح. رواه مسلم (223/1)، والترمذي (3517)، والنسائي (2436)، وابن ماجه (281).
[2] صحيح مسلم بشرح النووي: 2/103.
[3] حاشية السندي على سنن النسائي: 5/10.
[4] شرح السيوطي على سنن النسائي: 5/10.(/3)
تدبر القرآن وتعقله وتأمله
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
إن كتاب الله فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولاتنفد عبره، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: "إنا سمعنا قرآنا عجباً، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا"، قال الله _تعالى_: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم"، كتاب ربنا من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن خاصم به فلج، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.
نورٌ على مَرِّ الزمان تألقا ... ... وأضاءَ للدنيا طريقاً مُشرقا
وهدى من الرحمن يهدينا به ... ... للصالحات وللمكارم والتقى
هذا كتاب الله زاد قلوبنا ... ... وشفاؤنا من كل داء أرهقا
هذا هو القرآن مصدر عزنا ... ... فبه تبوأنا المكان الأسمقا
ياحافظ القرآن لست بحافظ! ... ... حتى تكون لما حفظت مطبقاً
ماذا يفيدك أن تسمى حافظاً ... ... وكتاب ربك في الفؤاد تمزقا
يا أُمَّتي القرآن حبلُ نجاتنا ... ... فتمَسَّكِي بِعُرَاه كي لانغرقا
ولتجمعي حول الكتاب شتاتنا ... ... حتى نزيل تناحراً و تفرقا
ولتجعليه محكما في أمرنا ... ... وثقي بوعد الله أن يتحققا
ولعل سبيل الخلوص إلى تلك المعاني وعظم تأثر المرء بها منوط بتدبر القرآن، ولهذا قال الله _تعالى_: "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً" [النساء:82]، "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" [محمد:24]، فدل هذا على أن ترك التدبر حال أقوام عن الانتفاع به على الرغم من خصائصه التي أودعها الله فيه.
وهنا يعرض السؤال ماهو التدبر الذي تربط به كل تلك المعاني العظام، أقول هذا لأني وجدت كثيراً من الناس يتحدث عن تدبر القرآن وعن أهميته، مع أنه لم يحرر تلك المعاني، ويترتب على هذا معرفة أسباب التدبر وطرقه.
وفي هذه العجالة أحببت أن أبين الفرق بين مفهوم التأمل والتعقل والتدبر؟ فالذي يظهر أن هناك فروق بين هذه الثلاثة.
الفرق بين التأمل والتدبر والتعقل ومعرفة المعنى:
فإن تأمل القرآن هو كما قال ابن القيم: "تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله"(1) . فهو إذن يشتمل على ثلاثة أمور:
1- رؤية معانيه ومراميه بجلاء ومعرفتها بوضوح.
2- جمع الفكر على تدبره.
3- جمع الفكر على تعقله.
فابن القيم جعل مطالعة المعاني أمر، والتفكر أمر ثان، والتعقل شيء ثالث، وهي معان متقاربة إذا اجتمعت حصل التأمل.
أما التدبر فقد قيل في معناه: "هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة (2)" .
ويقول بعضهم في تعريف التدبر: "وهو عند أهل العلم بكتاب الله _جل وعلا_: العمل على تحقيق وتحديق النظر في ما يبلغه المعنى القرآني المَدِيدُ من درجات الهداية إلى الصراط المستقيم . وهذا نظر لا يتناهَى ، فإن المعنى القرآني له أصل يبدأ منه ولكن منتهاه لا يكاد يبلغه أحدٌ من العباد، فصاحب القرآن الكريم في سفر دائم طلبًا للمزيد من المعنى القرآني .
وكلّ تَعَقُلٍ وتَفَكُّرٍ وتَفَقُّهٍ وتَفَهُّمٍ للبيان القرآني لا يحقق العلم بدرجة من درجات الهداية إلى الصراط المستقيم لا يكون من تدبر القرآن الكريم في شيْءٍ".
والذي يظهر هو أن التدبر معنى أخص من المعرفة التفصيلة لمعاني الآيات، فالتدبر يقتضي النظر إلى ما تصير إليه عاقبة الكلام في الجملة، وهذا يدفع للعمل بما تم تدبره لاستحضار العاقبة، وفي هذا تعلق واضح بأصل المعنى اللغوي للتدبر الدال على نظر في ما يؤول إليه آخر أمره، ولهذا أثر عن الحسن قوله: "إن هذا القران قرأه عبيد وصبيان لم يأخذوه من أوله، ولا علم لهم بتأويله، إن أحق الناس بهذا القران من رئي في عمله قال الله _تبارك وتعالى_: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" وإنما تدبر آياته إتباعه بعمله، يقول أحدهم لصاحبه: تعال أقارئك والله ما كانت القراء تفعل هذا والله ما هم بالقراء ولا الورعة لا كثر الله في الناس أمثالهم لا كثر الله في الناس أمثالهم(3)" . فجعل تدبره إتباعه بعمل لأنه الأمر الذي تدعو إليه عاقبته عند من تأمله.
أما التعقل ففيه معنى يقضي بإدراك المعاني المجملة التي تعقل الإنسان وتمنعه من مخالفته.(/1)
وكل من التدبر والتعقل لا يتم إلاّ بعلم مجمل المعاني ومراميها.
ولكن ليس من شرط هذا العلم أن يكون تفصيلياً لكل كلمة وكل حرف، بل قد يكون التدبر بإدارك المعنى الإجمالي، وعقل الكليات المرادة بالآية، ولاشك أن التدبر يكمل كلما كان العلم بالمعاني أكمل، وإن لم يكن شرط المعرفة التفصيلية للمعاني وأوجهها لازم لمطلق التدبر.
فمن قرأ (ألم) ولم يعلم حقيقة معناها أو علم أنها أحرف لا معنى لها في ذاتها مجردة، ولكن فهم مرمها، والمقصد من إيرادها، وهو الإشارة إلى إعجاز القرآن اللغوي، حصل له نوع من التدبر المحمود لتلك الأحرف رغم أنه لا معنى لها مجردة في حد ذاتها.
هذا والله أسأل أن يجعلنا من التالين لكتابه الكريم، المتدبرين لآيات القرآن العظيم، المنتفعين بما نقول ونسمع، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.(/2)
تدبر القرآن: حوارات الدار الآخرة
محمد حسن يوسف
</TD
لابد لنا أن نسأل أنفسنا: ما الذي استفدناه من القرآن؟ لقد قرأنا القرآن وختمناه مرات عديدة، وفي رمضان قمنا بذلك عشرات المرات، فما الذي تغير في حياتنا؟ وما هو انعكاس ذلك على نفوسنا؟!!
قال تعالى: { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء: 10 ] . قال القرطبي: وقيل: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي ذكر أمر دينكم; وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب وعقاب ... وقيل: { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي حديثكم. وقيل: مكارم أخلاقكم, ومحاسن أعمالكم. وقيل: العمل بما فيه حياتكم. قلت: وهذه الأقوال بمعنى والأول يعمها; إذ هي شرف كلها, والكتاب شرف لنبينا عليه السلام; لأنه معجزته, وهو شرف لنا إن عملنا بما فيه.
وقال عز من قائل: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } { الزخرف: 44 } . قال القرطبي: يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش, إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب; فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بك فصاروا عيالا عليهم; لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء, فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا ... والأقوى أن يكون المراد بقوله: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } يعني القرآن; فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير, والله أعلم. قال الماوردي: "ولقومك" فيهم قولان: أحدهما: من اتبعك من أمتك ... قلت: والصحيح أنه شرف لمن عمل به, كان من قريش أو من غيرهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، في الحديث الذي رواه عنه أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: " وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ "[1]. قال النووي: فمعناه ظاهر، أي: تنتفع به إن تلوته وعملت به, وإلا فهو حجة عليك [2]. وقال السندي: " أو عليك ": إن قرأته بلا عمل به [3]. وقال القرطبي: يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تُسأل منه عنه، كمساءلة الملكين في القبر والمساءلة عند الميزان وفي عقاب الصراط. وإن لم يمتثل ذلك، احتج به عليك. ويحتمل أن يراد به أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحكمية، فبه تستدل على صحة دعواك، وبه يستدل عليك خصمك[4].
لقد أنزل الله القرآن ليكون كتابا لتغيير النفوس بما يؤدي لتغيير الواقع. فما الذي حدث؟ لماذا أصبح القرآن بلا تأثير في حياتنا؟ إن الأسباب التي تقف وراء ذلك كثيرة ومتعددة. لعل من أهمها: عدم فهم معانيه. ذلك أن ما لا تفهمه لا تتفاعل معه. والسبب وراء عدم فهمه هو انتشار اللغة العامية على حساب الفصحى. ومن أسباب ذلك أيضا عدم الالتزام بتنفيذ أوامره ونواهيه.
لقد حاول الأعداء أن يلقوا في روعنا أن القرآن مجرد كتاب للتاريخ. وما دام الأمر كذلك، فلا طائل من ورائه. ولكن هل القرآن مجرد كتاب للتاريخ فعلا؟!! إن القرآن يتكلم بالفعل عن التاريخ، ولكن لأخذ العبرة. فانظر مثلا إلى قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون التي تكررت في القرآن كثيرا، وانظر إلى فرعون وهو يحسم القضية مع قومه قائلا: { مَا أُرِيكُمْ إَِّلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إَِّلا سَبِيلَ الرَّشَادِ } [ غافر: 29 ] . إنها قصة كل طاغية في كل عصر. وعلى سبيل المثال، فهذه القصة تتكرر معنا الآن، فنجد طاغية أمريكا الأكبر يجرجر العالم وراءه في حروب لدول الإسلام قائلا نفس المقالة التي قالها سلفه من قبل: " ما أريكم إلا ما أرى، فلابد من ضرب المسلمين الإرهابيين "!! وحتى إذا اعترضت عليه إحدى الدول، مثل فرنسا أو ألمانيا، فيكون رده عليها هو: " ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ".
ولكن بالإضافة إلى القصص التاريخي الذي يحفل به القرآن، فإن القرآن يحفل بحوارات لا نظير لها في أي كتاب آخر، ولا توجد في أي مكان سواه. تلك الحوارات التي تدور بين الناس - سواء المهتدين أو المجرمين - مع الملائكة منذ لحظة الموت وحتى ما بعد البعث والنشور والاستقرار في الجنة أو النار. تلك المشاهد التي لا يستطيع أي كتاب آخر أن يخبرنا عنها أو عن كيفيتها، إلا القرآن، لأنه جاء من عند الخبير بما سيحدث في تلك المواقف. وقد جعل الله تلك الحوارات غيبا، لا يُطلع عليها أحدا، إلا من شاء سبحانه. ولو حاول أهل الأرض معرفة ما يحدث في القبر مثلا لفشلوا، ولو استخدموا في سبيل ذلك آخر ما وصلت إليه علومهم ومعارفهم. ولن يجدوا أمامهم إلا القرآن هو الذي يخبرهم بذلك.(/1)
كذلك فمن المواقف التي بالغ القرآن في وصفها تلك المشاهد التي ستحدث بين الناس وبعضهم، أو بينهم وبين الملائكة في عُرصات يوم القيامة. وانظر إلى هذا الحوار المدهش المعجز المبهر الذي يدور بين الحكام الطواغيت وبين الشعوب التي كانت مقهورة في الحياة الدنيا. وسوف أقصر الحديث في ذلك على ما جاءت به هذه الصورة في سورة الصافات. قال تعالى: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } [ الصافات: 27 ] . فماذا كان رد المستضعفين؟ { قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ } } الصافات: 28 { . أي قال الضعفاء للطغاة: إنكم كنتم تأتوننا عن الناحية التي كان منها الحق، فتصرفوننا عنها. فرد عليهم الطغاة قائلين: { قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [ الصافات: 29 ] . أي: بل لم تكونوا مؤمنين أساسا بقوانين الله في الكون، وبوعوده لعباده بما سيكون لهم عند الصبر، وتبشيرهم بالنصر والتمكين حين يتحلوا بالعبادة. واستطرد الطغاة في سرد الحقيقة كاملة: { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ } [ الصافات: 30 ] . وهذا القول غريب! ولابد من الوقوف عنده والتأمل فيه. يقول الطغاة للضعفاء: وما كان لنا عليكم من سلطان! أي: ماذا كنتم تخافون؟ أكنتم تخافون من الشرطة أو من القوات الخاصة أو من تشكيلات الجيش؟ أم كنتم تخافون من نصوص القوانين الوضعية؟ أم كنتم تخافون من الأعراف المتبعة في العمل للوصول إلى الترقيات والعلاوات؟ هل كانت كلمة الحق ستمنع عنكم الترقية أو العلاوة؟ أم كانت ستؤدي لطردكم من الوظيفة؟ لقد فعلتم ما فعلتم بمحض إرادتكم الدنيئة! ولو كانت نفوسكم خيّرة زكية ما قبلتم أبدا بحدوث ذلك!!!
ثم لماذا يقول الطغاة للمستضعفين: " بل كنتم قوما طاغين "؟ فكيف يصفونهم بذلك، وهم الذين كانوا مستذلين في الحياة الدنيا، والطغاة هم أعلم الناس بذلك؟!! نعم لقد كان المستضعفين طغاة في أنفسهم، يحبون فعل المعاصي ويركنون إليها ويستلذون بها. ألم تكن المتبرجة تعلم أن الله يأمرها بالحجاب، فآثرت في نفسها حب التبرج والسفور على الالتزام بطاعة الله؟! ألم ترجح أحلام الغواة على وعود الله؟!! ألم يكن يعلم الذين يضعون أموالهم في البنوك الربوية أنهم يتقاضون عليها فوائد هي الربا بعينه، فآثروا الأرباح الطائلة على الاستجابة لأوامر ربهم؟!! ألم يكن المرؤوسون يعلمون أن إعلاء كلمة الحق من خلال أمرهم لرؤسائهم بالمعروف ونهيهم لهم عن المنكر هي من صميم إيمانهم بالله، ولكنهم آثروا حياة الطاعة العمياء واستكانوا للدعة والذلة على الصدح بكلمة الحق؟!! والأمثلة على ذلك عديدة وأكثر من أن تحصى.
واعترف الطغاة بحرج موقفهم الآن: { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ } [ الصافات: 31 ] . ثم انظر إلى كلمة الحق تخرج الآن من أفواههم ولأول مرة: { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } [ الصافات: 32 ] . فأغويناكم!!! هكذا تسقط الأقنعة وتبدو الحقيقة عارية!! ألم تكن هذه الكلمة في الدنيا تزيين للمنكر بشتى الأشكال! لقد كانوا يقولون: إننا نفعل ذلك من أجل القضاء على الإرهاب! إننا نفعل هذا من أجل إرساء روح المحبة والتسامح بيننا! إننا نقوم بذلك بهدف تحقيق الرخاء! إننا نريد إطراد التقدم والتنمية! يفعلون كل الموبقات، ويزيفونها بشتى الوسائل! ويسمون الأشياء بغير مسمياتها: يطلقون على الربا اسم فائدة، وعلى الزنا والخنا اسم فنون جميلة وفنون راقية!! ولكن الآن تظهر الحقيقة ناصعة!!
ويعقب الله تعالى على ذلك بالقول: { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [ الصافات: 33 ] . أي الطغاة والمستضعفين. لا يظنن الضعيف أنه عبدا للمأمور، وأن عليه أن يفعل كل ما يُملى عليه ممن هو فوقه. فيوم القيامة لن يتحمل أحد عن أحد مغبة أي تصرف خاطئ. وليتدبر المستضعفون قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اْلأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ النساء: 97 ] . وكذلك قوله تعالى: { قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر: 10 ] . قال ابن كثير: وقوله { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال مجاهد: فهاجروا فيها وجاهدوا واعتزلوا الأوثان، وقال شريك عن منصور عن عطاء في قوله تبارك وتعالى: { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال: إذا دعيتم إلى معصيته فاهربوا، ثم قرأ: { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا }.(/2)
ولكن هل ينفع الطغاة والمستضعفين في ذلك اليوم اشتراكهم في العذاب؟ اسمع قول الله تعالى في سورة الزخرف: { وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [ الزخرف: 39 ] . قال القرطبي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب; لأن لكل واحد نصيبه الأوفر منه. أعلم الله تعالى أنه منع أهل النار التأسي كما يتأسى أهل المصائب في الدنيا, وذلك أن التأسي يستروحه أهل الدنيا، فيقول أحدهم: لي في البلاء والمصيبة أسوة; فيسكن ذلك من حزنه; كما قالت الخنساء:
فلولا كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتأسي
فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي شيئا لشغلهم بالعذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم; لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر.
هذا كان أحد المشاهد التي حكى عنها القرآن، والتي تفيد القراءة المتدبرة للوقوف عليه. ولذا فحاول أخي الكريم أن تتدبر القرآن وأنت تقرأه، حتى تستشعر معانيه، ومن ثم تستطيع الوصول للعمل به، فيتحقق بذلك الهدف الذي من أجله نزل.
22 من شوال عام 1425 ( الموافق في تقويم النصارى 5 ديسمبر عام 2004 ).
-----------------
[1] صحيح. رواه مسلم (223/1)، والترمذي (3517)، والنسائي (2436)، وابن ماجه (281).
[2] صحيح مسلم بشرح النووي: 2/103.
[3] حاشية السندي على سنن النسائي: 5/10.
[4] شرح السيوطي على سنن النسائي: 5/10.(/3)
تدبرات قرآنية .. سورة القدر
عندما تضعف الهمم وتكثر المشاغل يتضاءل حجم الدين عند الناس ويصبح الدين عندهم مختزلا في كثير من الأمور وقد كان من كرم الله سبحنه وتعالى ورحمته أن جعل في القرآن الكريم سورا قصارا وأخر طوالا حتى تستوعب هذه السور القصير والطويلة مختلف الهمم في سائر العصور وحتى لا يتثاقل أهل الهمم الصغرى عن الإلتزام بالقرآن الكريم
وحقيقة فإن القصار المفصل من السور هو المحطة الأهم في حياة أغلب المسلمين فسواد المسلمين لا يحفظون غيرها ولا يقرؤون في الصلاة غيرها فكان لزاما تدبر هذه السور وتوضيح مراميها وأبعادها المختلفة للأسباب التالية :
1 – التصاق أغلب المسلمين بها .
2- الكشف عن الأسرار العظيمة الموجودة في هذه السور
3- الارتقاء لفهم القرآن الكريم و والانتقال بعد ذلك إلى القرآن كافة .
وفي واقع الأمر فإن كثيرا من هذه السور تحمل بشكل أو بآخر مقاصد القرآن الكريم كله فهي تحوي التوحيد والتربية والقصص والسلوك وسنحاول إن شاء الله إلقاء بعض الضوء على بعض التدبرات القرآنية في قصار السور
سورة القدر
" إنا أنزلناه في ليلة القدر(1)وما أدراك ما ليلة القدر(2)ليلة القدر خير من ألف شهر(3)تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر(4)سلام هي حتى مطلع الفجر(5) "
سورة القدر مكية في أرجح الأقوال وترتيب نزولها الخامسة والعشرون
وسبب نزولها أنه ذكر أمام النبي رجل من بني اسرائيل حمل السلاح ألف شهر في سبيل الله فاستقل النبي عليه السلام أعمار أمته فنزلت هذه السورة رواه مجاهد
والحقيقة إن هذه السورة تحمل في طياتها الكثير من الأفكار الهامة والتي نبين بعضها :
1 – معنى كلمة القدر : القدر الحكم والتقدير التدبير وجذر الكلمة يدور حول مقادير الأشياء فيصبح معنى الكلمة هي ليلة الحكم والتدبير والقضاء " . فيها يفرق كل أمر حكيم .." الدخان يفرق يقضى ويفصل وقال ابن عباس والحسن رضي الله عنهما " في ليلة القدر يقضي الله كل أجل وخلق ورزق إلى مثلها في العام القادم .
2- ليلة القدر خير من ألف شهر فبها ثلاث فوائد :
1- الاختصاص بيد الله سبحانه وتعالى فهو الذي فضل بعض النبيين عن بعض وفضل بعض الشهور عن بعض وفضل بعض الأوقات عن بعض وحتى فضل بعضل المأكولات عن بعض " وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون(4)" الرعد
2 - ليلة القدر هي في حقيقتها فرصة لإطالة العمر فألف شهر تعادل تقريبيا اثنان وثمانون عاما فمن يدرك ليلة القدر عشر مرات فكأنما عاش عشرين وثمانمائة عاما ومن أدركها عشرين مرة فكأنما عاش أربعون وستمائة وألف من الأعوام وهكذا وأي نعمة أكبر من ذلك
3- ليست العبرة بطول الأعمار إنما بحسن الأعمال فليس المهم أن تمتد الحياة ولكن المهم أن تمتلئ ورب لحظة واحدة هي في جوهرها خير من الحياة كلها فليلة القدر تعادل اثنان وثمانون عاما ولحظة واحدة من الصحابة مع رسول الله تساوي الكثير ةتدخلهم تحت قوله تعالى " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم(100) التوبة
وهذا ما يجعلنا نتعرض لنفحات الله ونتعرض لمواسم الخير .
3 – سلام هي حتى مطلع الفجر :ورد في الحديث أن الله هو السلام والسلام هو اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى وكون ليلة القدر هي ليلة سلام وهي أول ليلة نزل فيها القرآن فالله يريد للعالم السلام والأمان ويريد سلام المجتمع من الرذيلة وسلامة القلوب والنفوس من الأحقاد ويريد سلامة العلاقات من الانحراف وغيرها من أنواع السلام في الأمة بل في العالم ( مع التأكيد على أن السلام لا يمكن أن يتحقق في كل ذلك إذا لم يكن برعاية الإسلام )
4 – ليلة القدر ولادة للإسلام على وجه الأرض فهي يجب أن تكون نقطة بداية في حياة المسلم لا نقطة عابرة ويجب أن تكون نقطة تحول في حياته لا أن تكون مجرد ذكر لها طقوس معينة
5_ أن كثيرا من الناس ليفهمون الحديث في قيام ليلة القدر فهما مجتزءا فليس معنى من قام ليلة القدر هي فقط العبادات المختلفة ولكن معنى القيام يضاف له معنى آخر هو أن نعمل بمقتضيات ليلة القدر بعد انتهائها وهذا هو القيام الأمثل لليلة القدر .
والله ولي التوفيق
م . عبد اللطيف البريجاوي
من رؤى في قصار السور ... ...
... ...(/1)
تدبرٌ لا تفسير
عمر بن عبد الله المقبل [عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم] 13/9/1426
16/10/2005
يكثر الحديث عن تدبر القرآن ـ وخصوصاً في هذه الأيام المباركة ـ وهو أمرٌ لا يختلف عليه اثنان من حيث أهميتُه ،وفضلُه ،وعظيمُ أثره على القلب ، إلا أن كثيراً من الناس يتوقف تفاعله مع هذا الموضوع عند حدِّ سماع أهميته وفضائله ؛ لأنه يشعر أن بينه وبين التدبر مفاوز ،ومسافات حتى يكون أهلاً لممارسته ،والتنعم بآثاره ،فهو يظن أنه لا بد من أن يكون على علمٍ بتفسير أي آية يتدبرها ! بل ربما خُيِّل إليه أنه لا يجوز الاقتراب من سياجه حتى يكون بمنزلة العالم المفسر الفلاني الذي يشار إليه بالبنان !
ولله ! كم حرم هذا الظن فئاماً من الناس من لذة التدبر ،وحلاوة التأمل في الكتاب العزيز ! وكم فات عليهم بسببه من خير عظيم !
ولا شك أن الدافع الذي منعهم من الاقتراب من روضة التدبر = دافعٌ شريف ،وهو الخوف من القول على الله بغير علمٍ ،ولكن الشأن هنا ،هل هذا الظن صحيح ،وتطبيقه في محله ؟
والجواب : ليس الأمر كذلك ،فإن دائرة التدبر أوسع وأرحب من دائرة التفسير ،ذلك أن فهم القرآن نوعان :
النوع الأول : فهمٌ ذهني معرفي .
والنوع الثاني : فهمٌ قلبي إيماني .
فالنوع الأول : وهو تفسير الغريب ،واستنباط الأحكام ،وأنواع الدلالات هو الذي يختص بأهل العلم ـ على تفاوت مراتبهم ـ وهم يَمْتَحون منه ،ويغترفون من علومه على قدر ما آتاهم الله تعالى من العلم والفهم ( فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) ،وليس هذا مراداً لنا هنا ،بل المراد هو الآتي ،وهو :
النوع الثاني : ـ وهو الفهم الإيماني القلبي ـ الذي ينتج عن تأملِ قارئ القرآن لما يمرُّ به من آيات كريمة ،يعرف معانيها ،ويفهم دلالاتها ،بحيث لا يحتاج معها أن يراجع التفاسير ،فيتوقف عندها متأملاً ؛ ليحرك بها قلبه ،ويعرض نفسه وعمله عليها ،إن كان من أهلها حمد الله ،وإن لم يكن من أهلها حاسب نفسه واستعتب.
والفهم الثاني هو الغاية ، والأول إنما هو وسيلة .
يقول الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : العلم علمان : علمٌ في القلب فذاك العلم النافع ،وعلمٌ على اللسان فتلك حجة الله على خلقه.
ولعلي أضرب مثلاً يوضح المقصود : تأمل معي أخي القارئ في أواخر سورة النبأ .
يقول تعالى : (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ، يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ، وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً) !
فهل هذه الآية الكريمة تحتاج من المسلم حتى يفهمها ويتدبرها إلى رجوع للتفاسير ؟.
كلا ،بل هو يحتاج أن يتوقف قليلاً ؛ ليعيش ذلك المشهد المهول ،ويراجع حسابه مع قرب هذا اليوم : ماذا أعد له ؟ وماذا يتمنى لو عرضت عليه الآن صحائف أعماله : حسنِها وسيئِها ؟ ولماذا يتمنى الكافر أن يكون تراباً ؟.
أحسب أن الإجابة عن هذه التساؤلات ،كفيلة بأن يتحقق معها مقصود التدبر ،وهذا ما قصدته بقولي ـ عن النوع الثاني من الفهم ـ : الفهم القلبي الإيماني.
ومن تأمل القرآن ،وجد أن القضايا الكلية الكبرى واضحةٌ جداً ،بحيث يفهما عامة من يتكلمون اللغة العربية ،كقضايا التوحيد ،واليوم الآخر بوعده ووعيده وأهواله ،وأصول الأخلاق الكريمة والرديئة.
وعندي من أخبار التأملات التي أبداها بعض العامة ،ما يجعلني أجزم أن من أعمل ذهنه قليلاً ـ مهما كان مستواه العلمي ـ في هذه الموضوعات ،فسيظفرُ بخير عظيم.
وإليك هذا الموقف الذي وقع لرجلٍ عامي في منطقتنا حينما سمع الإمام يقرأ قول الله تعالى ـ في سورة الأحزاب : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً) قام فزعاً بعد الصلاة يقول لجماعة المسجد : يا جماعة ! خافوا الله ! هؤلاء خيرة الرسل سيسألون عن صدقهم ،فماذا نقول نحن ؟! فبكى وأبكى رحمه الله تعالى.
ومن وُفّق للتدبر ،والعيش مع القرآن ،فقد أمسك بأعظم مفاتيح حياة القلب ،كما يقول ابن القيم : : "التدبر مفتاح حياة القلب" ،وسيجد أن العيش مع القرآن لا يعادله عيش ! ألم يقل الله تعالى لنبيه ج : (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) ؟ لا والله ،ما جعله شقاء ، ولكن جعله رحمةً ،ونوراً ،ودليلاً إلى الجنة كما قال قتادة رحمه الله.
أسأل الله تعالى أن يفتح قلبي وقلبك لفهم كتابه ،وتدبره على الوجه الذي يرضيه عنّا ،وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(/1)
تذكر النعم
كثيراً ما يشكو الإنسان من سوء الحال، وضيق اليد وقلة المال، وقد يتحسر وهو يرى تقلب الذين كفروا في البلاد، ويتمنى أن لو كان مثلهم في بذخ العيش وترف الحياة وينسى نعم الله تعالى عليه بل يجحدها وينكرها ولا يراها قد ران عليه الران واستولى عليه الشيطان كما قال تعالى: ? إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ? [العاديات:6] أي لكفور بالنعمة، البخيل الجموع المنوع، وقيل هو الذي يعدد المصائب وينسى النعم. وحتى لا يقع المسلم في هذه الصفات السيئة كان لابد عليه أن يتذكر دائماً نعم الله تعالى عليه وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى: ? وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ?[ النحل:18] .
وقد أمرنا الله تعالى بتذكر نعمه وشكرها وعدم نسيانها وجحودها فقال سبحانه: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ?[ فاطر:3].
تذكروا نعم الله الجليلة عليكم، نعمه التي لا تعد ولا تحصى اذكروها بالشكر والثناء والطاعة والإنابة فهو سبحانه المنعم وحده على عباده بالرزق والعطاء ويرشدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى طريقة عملية نتعرف من خلالها على نعم الله ونشكره عليها ونحمده ولا ننكر فضله، فقال كما في الصحيحين "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
وهذا الحديث جامع لأنواع الخير، لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر واحتقر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، فيعيش في غم ونكد ومكابدة لا تنتهي، وهذه حالة أكثر الناس. لكن المؤمن الحصيف الذي يأخذ بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا نظر في أمور الدنيا نظر إلى من هو دونه فيها، فتتجلى له وتظهر نعم الله عليه فيشكرها ويتواضع لله ويفعل الخير ويرضى بما قسم الله له. قال الله تعالى معدداً على عباده نعمه داعياً لهم لعبادته تعظيماً له وشكراً ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ?[ البقرة:21-22] .
أول نعمة امتن الله بها على عباده هي نعمة الخلق والإيجاد ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ?[ البقرة:21] وإذا تأمل الإنسان نفسه وذاته سيجد لديه من النعم ما لا يستطيع عدها، هذا العقل الذي وهبه الله لك أيها الإنسان من أعظم النعم, انظر إلى من فقد عقله كيف يكون حاله؟ ثم انظر إلى ما زودك الله به من حواس السمع الذي ندرك به الأصوات والبصر الذي تدرك به الألوان والشم الذي تدرك به الروائح، واللمس الذي تدرك به خشونة الشيء أو لينه، والطعم الذي تدرك به حلاوة المأكولات ومرارتها وحموضتها، وقد امتن الله علينا بذكر هذه النعم فقال: ? قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ?[ الملك:23] وقال سبحانه: ? وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ?[النحل:78].
والمعنى أن الله تعالى جعل لكم هذه النعم وغمركم بها لتعبدوه وتشكروه وتخلصوا له العبودية.
من نعم الله على عباده أن أعطاهم البيان باللسان وبالقلم وامتن عليهم سبحانه بهذه النعمة العظيمة فقال سبحانه: ? الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ?[الرحمن:1-4] , وقال: ? اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ?[ العلق:3-5], انظر إلى الأبكم الذي لا يستطيع الكلام والتعبير والبيان عن مراده كيف يكون حاله .
ومن نعمه تعالى عليك أيها الإنسان تسويغ الطعام والتلذذ بأكله، وإخراج فضلاته من مخرجه ، تصور لو أنك عفت الطعام فلم تستسغ أكله فماذا ستفعل، وتصور لو أن الطعام حبس في معدتك ولم تستطع إخراج الأذى من بطنك كيف سيكون حالك.
إن كل ذلك يتم لك بيسر وسهولة ولذة فلا تنسى الخالق المتفضل جل وعلا، فاعبده واشكره.(/1)
ومن نعم الله على عباده أن جعلهم ينامون فيستريحون بالنوم من أذى الإعياء والتعب والنصب، وتطيب به نفوسهم، وترتاح أبدانهم قال تعالى: ? وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً?[ النبأ:9] يعني راحة لأبدانكم وتصور أيها الإنسان حالك إذا جاءك أرق وقلق فلم تستطع النوم كيف سيكون حالك في ليلة واحدة فكيف بالعمر كله .
وأجل النعم وأعظمها هذا الماء النازل من السماء أو المحفوظ في الأرض ينابيع وأنهاراً وآباراً وبحاراً، قال تعالى: ? وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ?[الأنبياء:30], وقال: ? أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ ?[ السجدة:27] , وقال: ? أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ?[الواقعة:68-69].
ومن أعظم النعم وأجلها على الإطلاق نعمة الإيمان والإسلام ونعمة القرآن والاستقامة على دين الله تعالى ونعمة الأخوة في الله حين تجتمع القلوب المتنافرة لتلتقي على حب الله ورسوله الأمم المتناحرة فتوحد الصفوف وتكون كالبنيان المرصوص، ولقد ذكر الله المؤمنين بهذه النعم العظيمة فقال سبحانه : ?وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ?[ آل عمران: 103].
اللهم اجعلنا معترفين بنعمك شاكرين لآلائك، راضين بقضائك.
أيها المؤمنون إن نعم الله علينا كثيرة جداً لا نستطيع لها عداً ولا إحصاءً، فعلينا دائماً أن نتذكر نعم الله فإذا ذكرناها عظمنا الله وكبرناه وأحببناه من كل قلوبنا لما يغذينا ويعمرنا من نعمه، وهذا التذكر لنعم الله يدفعنا إلى شكر الله تعالى، لأن العبد إذا قصر في شكر الله تعالى وأعرض يكون من الكافرين والله يقول: ? وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ?[ البقرة: 152] , وقال ? اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ?[ سبأ: 13] والواجب علينا أن نقابل نعم الله بشكره وذكره وحسن عبادته.
ومن ذلك أن نوقن أن الله قد أنعم فأكثر لنا وأجزل وأن كل ما بنا من نعمة فمنه وحده لا شريك له فالخير بيديه والشر ليس إليه، ومن ذلك الثناء على الله عز وجل وحده وإظهار ما في القلب من حقوق هذه النعم باللسان وبالقلب فتجمع عبادتان ومن ذلك علينا إن نجتهد في إقامة طاعته تعالى فعلاً بما أمر به وكفاً واجتناباً عما نهى عنه، فإن ذلك هو الذي يقتضيه تعظيمه وشكره ولا تعظيم أعظم من امتثال الأمر واجتناب النهي.
ثم لابد أن يكون الإنسان مشفقاً في عامة أحواله من زوال نعم الله تعالى عنه، وجلاً خائفاً من مفارقتها إياه مستعيذاً بالله تعالى من ذلك داعياً بالدعاء المأثور الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك.." .
ولقد وعد الله الشاكرين بالمزيد وتوعد الكافرين بالعذاب الشديد فقال ? وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ?[ إبراهيم:7].
ومن شكر نعمة الله أن ينفق الإنسان مما آتاه الله في سبيل الله تعالى، وأن يواسي منه أهل الحاجة وأن لا يدع باباً من أبواب الخير إلا أتاه.
ومن شكر نعم الله أن يظهر العبد فضل الله عليه ولا يكتم نعم الله ويجحدها ويظهر بمظهر الفقير المعدم وهو من الله في خير وسعة، ولكن دون المباهاة والإسراف.
على الإنسان أن يكثر من حمد الله وشكره في كل وقت وحين كما جاء في الحديث "من قال حين يصبح وحين يمسي اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر إلا أدى شكر ذلك اليوم" وقال صلى الله عليه وآله وسلم : "أفضل الدعاء لا إله إلا الله وأفضل الذكر الحمد لله".
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه الأمر يَسُرُّهُ قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات" وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: "الحمد لله على كل حال" .
وروى عن نبي الله داؤود عليه السلام أنه قال يا رب هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً مني فأوحى الله إليه نعم الضفدع، وحين أمره الله بالشكر في قوله ?اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ?[ سبأ: من الآية13] قال يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر ثم تزيد في نعمة بعد نعمة، فالنعمة منك يا رب والشكر منك وكيف أطيق شكرك . قال الآن عرفتني يا داؤود حق معرفتي .(/2)
ومدح الله نبيه نوحاً عليه السلام فقال عنه ? إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً?[الإسراء:3]
روي أنه إذا أكل قال الحمد لله، وإذا شرب قال الحمد لله، وإذا لبس قال الحمد لله، وإذا ركب قال الحمد لله فسماه الله عبداً شكوراً .
وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمد عليها.." .
فاشكروا الله واحمدوه واذكروه وسبحوه وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وصلوا وسلموا على نبيكم.
راجعه/ علي عمر بلعجم.
عبد الحميد أحمد مرشد.
ـ أخرجه مسلم في صحيحه 4/2275,برقم: 2963, والترمذي في السنن 4/665, برقم: 2513, وابن ماجة في سننه 2/1387, برقم: 4142, وأحمد في المسند 2/254, برقم: 7442, وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة 2/400, برقم:3341.
ـ أخرجه مسلم في صحيحه 4/2097, برقم: 2739, وأبو داوود في السنن 1/482, برقم: 1545, والحاكم في المستدرك 1/713, برقم: 1946, والبخاري في الأدب المفرد 1/238, برقم: 685.
ـ أخرجه مسلم في صحيحه 4/2071,برقم: 2692, والترمذي في السنن 5/513, برقم: 3469,وأحمد في المسند 2/25, برقم: 4785.
ـ أخرجه ابن ماجة في السنن 2/1249, برقم: 3800, وابن حبان في صحيحه 3/126, برقم: 846, والبيهقي في شعب الإيمان 4/90, برقم: 4371, وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة 2/319, برقم: 3065.
ـ أخرجه ابن ماجة في سننه 2/1250, برقم: 3803, والحاكم في المستدرك 1/677, برقم: 1840, والطبراني في المعجم الأوسط 7/109, برقم: 6999, وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة1/530, برقم: 265, وفي صحيح ابن ماجة 2/319, برقم: 3066.
ـ أخرجه مسلم في صحيحه 4/2095, برقم: 2734, والترمذي في سننه 4/265, برقم: 1816, وأحمد في المسند 3/100, برقم:11992.(/3)
تذكرة الموضوعات، الإصدار 2.03
للإمام الفَتّنِي
محمد طاهر بن علي ، الهندي ، الفَتّنِي
هذا الملف مأخوذ من برنامج المحدث ( إصدار مؤسسة مدرسة ) الإصدار 8.63 ، اعتمادا على طبعة الطبعة المنيرية بالقاهرة ، سنة ؟؟؟ ( أعادت نشره مصورا عن هذه الطبعة : دار إحياء التراث العربي ، بيروت، بدون تاريخ )
وقد أثبت في صدر نسخة المحدث في وصف الملف الآتي : " كامل ومصحح مرة بمطابقة الكتاب ثم مرة بواسطة القاموس الإلكتروني، لكن يتوقع بقاء العديد من الأخطاء لكثرتها في الأصل، فليتنبه".
وثمة تنبيه آخر أن هذا النص لكتاب تذكرة الموضوعات فقط دون ذيله المطبوع في آخره المسمى "قانون الموضوعات والضعفاء "
\\ ص 3 \\
[ مقدمة المؤلف ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ميز الخبيث من الطيب، وأحرز الحديث بالعلماء النقاد من الخطأ والكذب، والصلاة على سيد الورى وخير البرية، وجميع صحابته دعاة الله إلى سبله المرضية، وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته الطيبين. ونسأله التوفيق والتأييد. فبيده أزمة التحقيق والتسديد.
وبعد فقال أضعف عباد القوي الولي محمد بن طاهر بن علي الفتني الهندي مسكنا ونسبا والحنفي مذهبا: هذا مختصر يجمع أقوال العلماء النقاد والمحدثين السراد في وضع الحديث أو ضعفه حتى يتبين أن وضعه أو ضعفه متفق أو أنه بسبب قصور قاصر أو سهو ساه مختلف كيلا يتجاسر الكسل على الجزم بوضعه بمجرد نظرة في كلام قائل أنه موضوع ولا يتسارع إلى الحكم بصحة كل ما نسب إلى الحديث غافل مخدوع فإن الناس فيه بين إفراط وتفريط فمن مفرط يجزم بالوضع بمجرد السماع من أحد لعله ساه أو ذو تخطيط ومن مفرط يستبعد كونه موضوعا وظن الحكم به سوء أدب ومخترعا ولم يدر أن ليس حكمه على الحديث بل على مخترع الكذب الخاذل أو ما زل فيه قدم الغافل. ومما بعثني إليه أنه اشتهر في البلدان موضوعات الصغاني وغيره وظني أن أمامهم كتاب ابن الجوزي ونحوه ولعمري أنه قد أفرط في الحكم بالوضع حتى تعقبه العلماء من أفاضل الكاملين فهو ضرر عظيم على القاصرين المتكاسلين. قال مجدد المائة السيوطي (1) قد أكثر ابن الجوزي في الموضوعات من إخراج الضعيف بل ومن الحسان ومن الصحاح كما نبه عليه الحفاظ ومنهم ابن الصلاح وقد ميز في حيزه ثلاثمائة حديث وقال لا سبيل إلى إدراجها في الموضوعات فمنها حديث في صحيح مسلم وفي صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر وأحاديث في بقية الصحاح والسنن ونقل فيه عن أحمد بن أبي المجد أنه قال ومما
------------ هوامش -----------
قلت لعله المائة التاسعة والله أعلم. اهـ مصححه.
\\ ص 4 \\
ولم يصب فيه ابن الجوزي إطلاقه الوضع بكلام قائل في بعض رواته فلان ضعيف أو ليس بقوي أو لين فحكم بوضعه من غير شاهد عقل ونقل ومخالفة كتاب أو سنة أو إجماع وهذا عدوان ومجازفة - انتهى
وأنا أورد بعض ما وقع في مختصر الشيخ محمد بن يعقوب الفيروز آبادي من كتاب المغني من حمل الأسفار في الأسفار للشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي في تخريج الأحياء وفي المقاصد الحسنة للشيخ العلامة أبي الخير شمس الدين السخاوي وفي كتاب اللآلئ للشيخ جلال الدين السيوطي وفي كتاب الذيل له وفي كتاب الوجيز له وموضوعات الصغاني وموضوعات المصابيح التي جمعها الشيخ سراج الدين عمر بن علي القزويني ومؤلف الشيخ علي بن إبراهيم العطار وغير ذلك فاجمع أقوال العلماء في كل حديث كي يتضح لك الحق الحقيق بالقبول وقد حثني عليه بعض الأعزة الكرام واستبطئوا حين شرعت الاختتام وهو كالتذكرة للموضوعات وكاف عن المطولات وحين وقع الفراغ عن التسويد تحرك عزمي إلى أن أجمع من أجد من الكذابين والضعاف ليكون قانونا (2) في غير ما في هذا الكتاب من الموضوعات والضعاف والله الموفق لهذا المرام وبعونه التيسير للاختتام والمرجو من الإخوان ذوي الطباع الصحيحة إذا اطلعوا على سهو أو طغيان أن يصلحوا بأقلامهم الفصيحة ويعذروا الكاتب الحقير بعين النصيحة فإن الخطأ ديدني لقلة عدتي وكثرة أشغالي وتشتت أحوالي بتفاقم النوائب (3) من أرباب الدولة الآخذين سيف العدوان على الضعفة من الإخوان فالله المستعان.
هذا مع عدم من أراجعه في هذه البلاد من المحدثين أعالم العلماء وأفاضل الفضلاء فإن هز عطف أحد استطراف شيء من المكاتب فلا ينس قراءة الفاتحة لمن تعنى فيه مدة مديدة وإراحة من التبعات الشديدة والمرجو من فضل الله العظيم أن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
--------------- هوامش ---------------
(2) الذي نحن بصدد طبعه إن شاء الله تعالى. اهـ مصححه.
التفاقم التعاظم وزنا ومعنى. اهـ مصححه.
مقدمة
وفيها مباحث
* الأول في اصطلاح الحديث وشروط روايته.
الصحيح : ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله وسلم عن شذوذ وعلة - والشذوذ أن يرويه الثقة مخالفا لغيره –
والحسن ما لا في إسناده متهم ولا يكون شاذا ويروى من غير وجه نحوه(/1)
والضعيف ما لم يجتمع فيه شرطا الصحة والحسن. ويجوز عند العلماء التساهل في أسانيد الضعيف بلا شرط بيان ضعفه في الوعظ والقصص والفضائل لا في صفات الله والحلال والحرام. قيل كان مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه وكذا أبو داود وكان يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره ويرجحه على الرأي (1).
المسند ما اتصل سنده مرفوعا إليه صلى الله عليه وآله وسلم أو موقوفا
والمرفوع ما أضيف إليه صلي الله عليه وسلم سواء كان متصلا أو منقطعا
فالمتصل يكون مرفوعا وغير مرفوع والمرفوع يكون متصلا وغير متصل. والمسند متصل مرفوع
والمعلق ما حذف من مبدأ إسناده واحد فأكثر
والغريب ما تفرد واحد عمن يجمع حديثه كالزهري
والموقوف ما روي عن الصحابي من قول أو فعل متصلا أو منقطعا وهو ليس بحجة
والمقطوع ما جاء عن التابعين
والمرسل قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والمنقطع ما لم يتصل إسناده من الأول
---------- هوامش --------------
(1) وممن نقل عنه ذلك ابن حنبل وابن مهدي وابن المبارك: قالوا إذا رويناه في الحلال والحرام شددنا وإذا رويناه في الفضائل تساهلنا. اهـ الإدارة المنيرية.
\\ ص 6 \\
والآخر .
والمعضل ما سقط من سنده اثنان
والمنكر ما فيه أسباب خفية غامضة قادحة.
وفي شرح النخبة : وللجرح مراتب أسوأها أكذب الناس وإليه المنتهى في الوضع أو هو ركن الكذب. ثم قولهم دجال أو وضاع أو كذاب. وأسفلها تحولين أو سيئ الحفظ أو فيه أدنى مقال. وبين الأسوأ والأسفل مراتب فقولهم متروك أو ساقط أو فاحش الغلط أو منكر الحديث أشد من قولهم ضعيف أو ليس بالقوي أو فيه مقال. وأرفع مراتب التعديل كأوثق الناس ثم ثقة ثقة أو ثقة حافظ أو ثبت ثبت وأدناها كشيخ ويروى حديثه ويعتبر به ونحو ذلك.
وفي العدة : واعلم أن الأحاديث التي لا أصل لها لا تقبل والتي لا إسناد لها لا يروى بها: ففي الحديث "اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" فقيد صلى الله عليه وآله وسلم الرواية بالعلم وكل حديث ليس له إسناده صحيح ولا هو منقول في كتاب مصنفه إمام معتبر لا يعلم ذلك الحديث عنه صلى الله عليه وأله وسلم فلا يجوز قبوله: ففي مسلم "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" وفيه "يكون في آخر الزمان كذابون دجالون يأتونكم بأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم.
الثاني في أقسام الواضعين.
في خلاصة علم الحديث : اعلم أن الخبر ثلاثة أقسام: قسم يجب تصديقه وهو ما نص الأئمة على صحته. وقسم يجب تكذيبه وهو ما نصوا على وضعه. وقسم يجب التوقف فيه لاحتماله الصدق والكذب كسائر الأخبار ولا يحل رواية الموضوع لمن علم حالة في أي معنى إلا ببيان وضعه. ويعرف الوضع بإقرار واضعه وبقرينة حال الراوي والمروى بركاكة اللفظ والمعنى. والواضعون أصناف وأعظمهم ضررا
\\ ص 7 \\
قوم منتسبون إلى الزهد وضعوا حسبة فيقبل موضوعاتهم ثقة بهم. والكرامية وبعض المبتدعة يجوزون الوضع في الترغيب والترهيب وهو خلاف إجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع - انتهى.(/2)
وفي الرسالة قال زيد بن أسلم من عمل بخبر صح أنه كذب فهو من خدم الشيطان. وفي اللآلئ قال الزركشي بين قولنا لم يصح وقولنا موضوع بون بعيد كثير فإن الوضع إثبات الكذب والاختلاف وقولنا لم يصح لا يلزم منه إثبات العدم وإنما هو أخبار عن عدم الثبوت. وقال أيضا لا يلزم من جهل الراوي وضع حديثه. وفي الوجيز فرق بين المنكر والموضوع. وقال ابن حجر أكثر المحدثين من سنة مائتين إلى الآن إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته. وذكر السخاوي عنه أن لفظ لا يثبت لا يلزم منه أن يكون موضوعا فإن الثابت يشمل الصحيح فقط والضعيف دونه. والمنكر إذا تعددت طرقه (1) إلى درجة الضعف القريب بل ربما ارتقى إلى الحسن. وحكى السيوطي عن ابن الجوزي أن من وقع في حديثه الموضوع والكذب والقلب أنواع: منهم من غلب عليهم الزهد فغفلوا عن الحفظ أو ضاعت كتبه فحدث من حفظه فغلط، وعن يحيى ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه في من ينسب إلى الخبر والزهد. ومنهم قوم ثقاة لكن اختلطت عقولهم في أواخر أعمارهم. ومنهم من روى الخطأ سهو فلما رأى الصواب وأيقن لم يرجع أنفة أن ينسبوا إلى الغلط. ومنهم زنادقة وضعوا قصدا إلى إفساد الشريعة وإيقاع الشك والتلاعب بالدين. وقد كان بعض الزنادقة يتغفل الشيخ فيدس في كتابه ما ليس من حديثه. قال حماد بن زيد وضعت الزنادقة أربعة آلاف حديث ولما أخذ ابن أبي العوجاء لضرب عنقه قال وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل فيها الحرام. ومنهم من يضع نصرة لمذهبه رجع رجل من المبتدعة فجعل يقول انظروا عمن تأخذون هذا الحديث فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا. ومنهم من يضعون حسبة ترغيبا وترهيبا، ومضمون فعلهم أن الشريعة ناقصة إلى تتمة. ومنهم من أجاز وضع الأسانيد لكلام حسن. ومنهم من قصد التقرب إلى السلطان. ومنهم
---------- هوامش ---------
( 1 ) هكذا الأصل، ولعل كلمة "ارتقى" سقطت من النسخة. اهـ إدارة.
\\ ص 8 \\
القصاص لأنهم يريدون أحاديث ترقق وتنفق وفي الصحاح يقل مثله. ثم إن الحفظ يشق عليهم ويتفق عدم الدين وهم يحضرهم جهال وما أكثر ما تعرض على أحاديث في مجلس الوعظ قد ذكرها قصاص الزمان فأردها فيحقدون علي انتهى. قال الصغاني إذا علم أن حديثا متروك أو موضوع فليروه ولكن لا يقول عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث
في كتب أحاديثها موضوعة في الكذابين
في الخلاصة : قال الشيخ قد صنف كتب في الحديث وجميع ما احتوت عليه موضوع كما مر من موضوعات القضاعي.
ومنها الأربعون الودعانية.
ومنها وصايا علي رضي الله عنه كلها موضوعة عنه سوى الحديث الأول وهو "أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي"
قال الصغاني ومنها وصايا علي رضي الله عنه كلها التي أولها يا علي لفلان ثلاث علامات، وفي آخرها النهي عن المجامعة وفي أوقات مخصوصة كلها موضوعة، وآخر هذه الوصايا يا علي أعطيتك في هذه الوصية علم الأولين والآخرين وضعها حماد بن عمرو النصيبي وقال السيوطي في اللآلئ وكذا وصايا علي موضوعة واتهم بها حماد بن عمرو وكذا وصاياه التي وضعها عبد الله بن زياد بن سمعان أو شيخه وقال الصغاني وأول هذه الودعانية كان الموت فيها على غير ما كتب وقد ذكرناه من غيره من موضوعات الشهاب وآخرها "ما من بيت إلا وملك يقف على بابه كل يوم خمس مرات فإذا وجد الإنسان قد نفد أكله وانقطع أجله ألقى عليه غم الموت فغشيته كرباته وغمرته سكراته" وقال السيوطي في الذيل إن الأربعين الودعانية لا يصح فيها حديث مرفوع على هذا النسق في هذه الأسانيد وإنما يصح منها ألفاظ بسيرة وإن كان كلامها حسنا وموعظة فليس كل ما هو حق حديثا بل
\\ ص 9 \\
عكسه وهي مسروقة سرقها ابن ودعان من واضعها زيد بن رفاعة ويقال أنه الذي وضع رسائل إخوان الصفا وكان من أجهل خلق الله في الحديث وأقلهم حياء وأجرأهم على الكذب وفي الوجيز (1) قال جمال الدين المزني الأحاديث المنسوبة إلى القاضي أبي نصر بن ودعان الموصلي لا يصح منها حديث واحد مرفوع وإنما يصح يسيره منها يحتاج في تميزها إلى نوع من التتبع وقال الصغاني ومنها كتاب فضل العلماء للمحدث شرف البلخي وأوله "من تعلم مسألة من الفقه قلده الله كذا"(/3)
ومن الأحاديث الموضوعة بإسناد واحد أحاديث الشيخ المعروف بابن أبي الدنيا وهو الذي يزعمون أنه أدرك عليا وعمر طويلا وأخذ بركابه فركب وأصابه ركابه فشجه فقال مد الله في عمرك مدا وأحاديث أبي نسطور الرومي وأحاديث بشر ونعيم بن سالم وخراش عن أنس وأحاديث دينار عنه وأحاديث أبي هدبة إبراهيم بن هدبة القيسي ومنها كتاب يدعى بمسند أنس البصري مقدار ثلاثمائة حديث يرويه سمعان المهدي عن أنس وأوله أمتي في سائر الأمم كالقمر في النجوم وفي الذيل سمعان بن المهدي عن أنس لا يكاد يعرف ألصقت به نسخة مكذوبة قبح الله من وضعها، وفي اللسان هي من رواية محمد بن مقاتل الرازي عن جعفر بن هارون عن سمعان فذكر النسخة وهي أكثر من ثلاثمائة حديث أكثر متونها موضوعة - انتهى.
قال الصغاني ومنها الأحاديث التي تروى في التسمية بأحمد لا يثبت شيء منها، ومنها خطبة الوداع عن أبي الدرداء رفعه وأوله ألا لا يركبن أحدكم البحر عند ارتجاجه، وفي اللآلئ آخر الخطبة الأخيرة عن أبي هريرة وابن عباس بطولها موضوعة اتهم بها ميسرة بن عبد ربه لا بورك فيه.
قال ابن الجوزي الوضاعون خلق كثيرون كبارهم وهب بن وهب القاضي ومحمد بن السائب الكلبي ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب وأبو داود النخعي وإسحاق بن نجيح الملطي وغياث بن إبراهيم النخعي والمغيرة بن سعيد الكوفي
------------ هوامش ----------
( 1 ) قلت في عزوه إلى الوجيز نظر، بل الصحيح عندي في الذيل. اهـ مصححه
\\ ص 10 \\
وأحمد بن عبد الله الجويباري ومأمون بن أحمد الهروي ومحمد بن عكاشة الكرماني ومحمد بن القاسم الطالقاني ومحمد بن زياد اليشكري.
وقال النسائي : الكذابون المعروفون بالوضع أربعة ابن أبي يحيى بالمدينة والواقدي ببغداد ومقاتل بن سليمان بخراسان ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام، وقيل وضع الجويباري وابن عكاشة ومحمد بن نميم والفاريابي أكثر من عشرة آلاف فأنشأ الله علماء يذبون ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح فهم حراس الأرض وفرسان الدين كثرهم الله إلى يوم الدين.
وفي الوجيز قال ابن عدي كتبت جملة عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن آبائه إلى علي رفعها إذ أخرج إلينا نسخة قريب من ألف حديث عن موسى المذكور عن آبائه بخط طري عامتها مناكير، قال الدارقطني إنه من آيات الله وضع ذلك الكتاب يعني العلويات، قال ابن حجر وسماه السنن وكله بسند واحد منه لا خيل أبقى من الدهم ولا امرأة كابنة العم، ومنه لا خير في العيش إلا لمسمع واع أو عامل ناطق وغير ذلك مما يجيء في بابه وعبد الله بن أحمد عن أبيه عن علي الرضا عن آبائه يروي نسخة موضوعة باطلة ما ينفك عن وضعه أو وضع أبيه، وإسحاق الملطي له أباطيل، منها لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تعرج على السرج، ومن منع الماعون لزمه طرف من البخل، ومنه لعن الناظر والمنظور إليه، ومنه لا تقولوا مسيجد ولا مصيحف ونهى عن تصغير الأسماء وأن يسمى حمدون أو علوان أو يعموش وغيرها مما يجيء، قال ابن عدي كلها وضعها هو ورى عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سعيد الوصية لعلي رضي الله عنه في الجماع وكيف يجامع فانظر إلى هذا الدجال ما أجرأه.
وقال الديلمي أسانيد كتاب العروس لأبي الفضل جعفر بن محمد بن علي الحسيني واهية لا يعتمد عليها وأحاديثه منكرة. وقال الذهبي أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن بليط بن شريط حدث عن أبيه عن جده بنسخة فيها بلال لا يحل الاحتجاج به فإنه كذاب انتهى كلام الوجيز. وسنذكر أحد عشر حديثا في بابه منها ونذكر أحاديث كل من هذه الكتب ونحيل بيان
\\ ص 11 \\
حاكيه على ما في المقدمة فاحفظ المحتال عليه ولا تغفل، في اللآلئ قال الحاكم قال الترمذي كل حديث في كتابه معمول به إلا حديثان.
كتاب التوحيد
باب الإيمان بالله وبالقدر ومعرفته وشعبه وفضل من دعا إليه
- في الخلاصة "اليقين الإيمان كله" موضوع: قاله الصغاني والسخاوي.
- "الإيمان عقد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان" حكم ابن الجوزي بوضعه وهو من حديث عبد السلام بن صالح عند ابن ماجه.
- وفي الوجيز معاذ بن جبل "الإيمان يزيد وينقص" أعله بعماد بن مطرف منكر الحديث: قلت قد أخرجه أحمد وأبو داود من وجه آخر جيد عن معاذ وسكت عليه أبو داود فهو صالح عنده وله شواهد عن أبي هريرة وابن عباس وأبي الدرداء موقوفا.
- أبو هريرة "إن من تمام إيمان العبد أن يستثني في كل حديثه" أعله بمعارك بن عباد، منكر. قلت في الحكم بوضعه نظر.
- وفي الذيل "من لم يكن مؤمنا حقا فهو كافر حقا". قال المذنب: فيه سمعان بن المهدي.
- عن أنس "من عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه كل لسانه" قال النووي ليس بثابت.
@ "من عرف نفسه عرف ربه" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ وفي المقاصد لا يعرف مرفوعا وإنما يحكي من قول يحيى بن معاذ. وكذا قال النووي إنه ليس بثابت.(/4)
@ "كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فعرفوني" قال ابن تيمية ليس من الحديث ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف وتبعه الزركشي وشيخنا، وفي الذيل قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ وفي المقاصد "لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا" لا أصل له مرفوعا وإنما هو عن بعض السلف.
@ "حب الوطن من الإيمان" لم أقف عليه ومعناه صحيح.
@ الصغاني "حب الهرة من الإيمان" موضوع.
@ في الخلاصة "من أسلم على يديه رجل وجبت له الجنة" قال الصغاني موضوع. وفي اللآلئ إذ فيه محمد بن
\\ ص 12 \\
معاوية غير ثقة لكن تبعه سعيد بن كثير وهو ثقة. وفي الوجيز قلت وثقة أحمد وغيره.
@ "ما كان زندقة إلا وأصلها التكذيب بالقدر" فيه بحر بن كثير كذاب. قلت ورد بسند لا بأس به.
@ وفي المختصر "القدر سر الله فلا تفشوا الله سره" ضعيف.
@ وفي المقاصد "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره" فيه كذاب يضع متروك، وعند البيهقي من قول ابن عباس.
باب
أوصافه المتشابهة كحجابه وخلقه وصورته واللا أبالي وردائه ونزوله عن عرشه وصفة كن وسعة عرشه وسمائه وأرضه وسرعة سير الشمس وبحاره وملكه وتخمير طين آدم
@ في المختصر "إن لله سبعين حجابا من نور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما أبصره" لأبي الشيخ بسند ضعيف. وقال ابن الجوزي لا أصل له. وللطبراني بسند جيد بلفظ "حجابه النور" إلخ.
@ "إن لله ثلاثمائة خلق من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة فقال أبو بكر يا رسول الله هل فيّ خلق منها فقال كلها فيك وأحبها إلى الله السخاء" وروي "الإسلام ثلاثمائة شريعة وثلاثة عشر شريعة". وروي "إن لله مائة وسبعة عشر شريعة" والكل ضعيف.
@ "هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي" مضطرب الإسناد.
@ "الحمد رداء الرحمن" لم يوجد.
@ في اللآلئ ابن عباس رفعه "رأيت ربي في صورة شاب له وفرة" وروي "في صورة شاب أمرد" قال ابن صدقة عن أبي زرعة : حديث ابن عباس صحيح لا ينكره إلا معتزلي وروي في بعضها رآه بفؤاده. والحديث إن حمل على رؤية المنام فلا إشكال وإن حمل على اليقظة فأجاب أستاذنا كمال الدين بن الهمام بأن هذا حجاب الصورة.
@ في الذيل "رأيت ربي بمنى يوم النفر
\\ ص 13 \\
على جمل أورق عليه جبة صوف أمام الناس" موضوع لا أصل له.
@ "إذا أراد الله أن ينزل إلى السماء الدنيا نزل عن عرشه بذاته" محدثة دجال.
@ "عن اللوح سمعت الله من فوق العرش يقول لشيء كن فلا تبلغ الكاف النون إلا يكون الذي يكون" موضوع بلا شك.
@ "قال القلم إن للعرش ثلاثمائة وستين ألف قائمة كل قائمة من قوائمه كأطباق الدنيا ستون ألف مرة تحت كل قائمة ستون ألف مدينة في كل مدينة ستون ألف صحراء ستون ألف عالم في كل عالم مثل الثقلين الجن والإنس وستون ألف مرة لا يعلمون أن الله عز وجل خلق آدم وإبليس ألهمهم الله عز وجل أن يستغفروا لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي" فيه محمد بن النضر لم يكن ثقة.
@ في المختصر "بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام" رجاله ثقات.
@ "قال لجبرائيل عليه السلام هل زالت الشمس قال: لا، نعم. قال: كيف قال لا نعم؟ [هكذا في طبعة أمين دمج، ولعله: "كيف قُلْتَ لا نعم؟"] فقال: من حين قُلْتُ لا إلى أن قُلْتُ نعم، سارت الشمس مسيرة خمسمائة عام" لم يوجد له أصل.
@ "إن لله ملكا ما بين شفري عينيه مسيرة خمسمائة عام" لم يوجد.
@ "الأرض في البحر كالإصطبل في الأرض" لم يوجد.
@ "إن الله تعالى خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا" ضعيف. وفي شرح مسلم للنووي قال قد جاء في غلط الأرضين السبع وطباقهن وما بينهن حديث ليس بثابت.
@ في الوجيز "ما من مولود إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من فاتحة سورة التغابن" فيه وليد بن الوليد العبسي لا يحل الاحتجاج به. قلت قد قيل صدوق وهو للبخاري في تاريخه عن ابن عمر موقوف وهو أشبه. ولجماعة عن أبي ذر "أن المنى يمكث في الرحم أربعين ليلة فيأتيه ملك النفوس فيعرج به إلى الجبار فيقول يا رب عبدك أذكر أم أنثى فيقضي الله ما هو قاض ثم يقول يا رب اشقي أم سعيد فيكتب ما هو لاق بين يديه وتلا أبو ذر من فاتحة سورة التغابن إلى قوله وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير" وهذا شاهد حسن مبين للمراد.
\\ ص 14 \\
باب
صفة المؤمن وفضله على الملك وإكرامه.
@ في المقاصد "المؤمن مؤتمن على نسبه" بيض له شيخنا وأظنه من قول مالك أو غيره.
@ "المؤمن مرآة المؤمن" لأبي داود رفعه.
@ "المؤمن ليس بحقود" ذكره في الأحياء وقال مخرجه لم أقف له على أصل.
@ في المختصر "المؤمن أكرم على الله من الملائكة" لجماعة.
@ "إن الله تعالى أخذ الميثاق على كل مؤمن أن يبغض كل منافق وعلى كل منافق أن يبغض كل مؤمن" لم يوجد.
@ "المؤمن يغبط والمنافق يحسد" لم يوجد وإنما هو من كلام الفضيل.(/5)
@ في الخلاصة "المؤمن يسير المؤونة" قال الصغاني موضوع. وفي اللآلئ هو عن أبي هريرة فلا يصح: فيه محمد بن سهل يضع. قلت عند البيهقي من طريق آخر عنه. وفي الوجيز كذلك قال ابن حبان سمعت جعفر ابن أبان يملي ثنا ابن رمح ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر "من سر المؤمن فقد سرني ومن سرني فقد سر الله" فقلت يا شيخ اتق الله ولا تكذب على رسول الله فقال لست مني في حل أنتم تحسدونني لإسنادي فخوفته حتى حلف لا يحدث بمكة.
@ في الذيل "من سر مؤمنا فإنما يسر الله ومن عظم مؤمنا فإنما يعظم الله ومن أكرم مؤمنا فإنما يكرم الله" هو كذب بين.
@ القزويني "المؤمن غر كريم والمنافق خب لئيم" موضوع (1) من حديث المصابيح.
--------- هوامش --------------
(1) في كونه موضوعا نظر، وقد خرجه أبو داود والترمذي والحاكم، وجَيّدَ إسناده المناوي، والله أعلم. اهـ مصححه.
\\ ص 15 \\
باب
افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها ناجية أو هالكة ومنهم القدرية والزيدية وأن كل بدعة ضلالة وانتهار المبتدعة وإن المنافق يملك عينيه وأن لعن اليهود صدقة
@ في المقاصد "الجماعة رحمة والفرقة عذاب" في سنده ضعف لكن له شواهد معنى.
@ "افترقت اليهود على اثنين وسبعين فرقة والنصارى كذلك وتفترق أمتي على ثلاث سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي" حسن صحيح روي عن أبي هريرة وسعد ابن عمر وأنس جابر وغيرهم.
@ وفي اللآلئ "تفترق أمتي على سبعين أو إحدى وسبعين كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة قالوا يا رسول الله من هم قال الزنادقة وهم القدرية" لا أصل له.
@ في المقاصد "الزندقة مجوس هذه الأمة" لم أره ولكن عند جماعة بلفظ القدرية.
@ القزويني "القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم" موضوع (1) من حديث المصابيح. وكذا (2) "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب القدرية والمرجئة".
@ وفي الوجيز عن أبي هريرة "إن لكل أمة مجوسا وأما مجوس هذه الأمة القدرية فلا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا" فيه جعفر بن الحارث ليس بشيء. قلت وثقة ابن عدي. وقال البخاري في حفظه شيء يكتب حديثه والحديث ورد بهذا اللفظ عن حذيفة وجابر وابن عمر وبعض أسانيده على شروط الصحيح. وفي الخلاصة قال الصغاني حديث صنفان إلخ. موضوع. وكذا حديث "من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا" موضوع.
@ وفي الذيل "إذا رأيتم صاحب بدعة فاكفهروا في وجهه فإن الله تعالى يبغض كل مبتدع ولا يجوز أحد منهم الصراط ولكن يتهافتون النار مثل الجراد والذباب" فيه إبراهيم بن هدبة
----------- هوامش ------------
(1) قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر قاله الإمام النووي في شرح مسلم قلت أخرجه أبو داود والحاكم والله أعلم. اهـ مصححه.
(2) خرجه البخاري في تاريخه والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس وابن ماجه وحده عن جابر والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد حسن إسناده المناوي والله أعلم. اهـ مصححه.
\\ ص 16 \\
كذاب.
@ "إذا مات صاحب بدعة فقد فتح في الإسلام فتح" فيه ثلاثة غير مرضيين.
@ "لو أن صاحب بدعة ومكذبا بقدر قتل مظلوما صابرا محتسبا بين الركن والمقام لم ينظر الله في شيء من أمره حتى يدخله جهنم" فيه كثير بن سليم مضعف متروك الحديث وقيل واضع. ويحيى بن المبارك مجهول.
@ "كل بدعة ضلالة إلا بدعة في عبادة" فيه الهيثم كذاب والنقاش متهم.
@ وفي المختصر "إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق" لجماعة.
@ "من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام" لابن عدي والطبراني وأبي نعيم ولفظهم "من وقر صاحب بدعة" والكل ضعيف أو موضوع كما قال أبو الفرج.
@ "عليكم بدين العجائز" قال ابن طاهر لم أقف له على أصل وإنما رأيت حديثا لابن السلماني "إذا كان في آخر الزمان واختلفت الأهواء فعليكم بدين أهل البادية والنساء" ولابن السلماني نسخة اتهم بوضعها وقال الصغاني موضوع، وفي المقاصد لا أصل له بهذا اللفظ لكن عند الديلمي عن ابن السلماني وهو ضعيف جدا حدث عن أبيه بمائتي حديث كلها موضوعة لا يحل ذكرها إلا على وجه التعجب.
@ "المنافق يملك عينيه يبكي متى شاء" رفعه ضعيف لكنه ورد في التوراة.
@ اللآلئ "من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود" لا يصح.
@ "من قال في ديننا برأيه فاقتلوه" تفرد به منهم: الوجيز وضعه إسحاق الملطي.
باب
لا يكفر أحد إلا بجحود
@ في المختصر "لا يكفر أحد إلا بجحوده بما أقر به" ضعيف.
@ للطبراني "رحم الله من كف لسانه عن أهل القبلة إلا بأحسن ما يقدر عليه" الديلمي بلفظ "عن أعراض المسلمين" ضعيف ومنقطع.(/6)
@ "ما شهد رجل على رجل بالكفر إلا باء به أحدهما إن كان كافرا فهو كما قال وإن لم يكن كافرا فقد كفر بتكفيره إياه" ضعيف. قال الغزالي: هذا إن كفره وهو يعلم أنه مسلم فإن ظن أنه كافر ببدعة أو غيرها كان مخطئا لا كافرا. قال الحقير: وكفى بالخطأ إثما مبينا فإن الخطأ في رمي الزنا يوجب ثمانين ورد الشهادة أبدا وإن تاب، فكيف في التكفير قذف [لعله: فكيف وفي التكفير قذف]، والكفر أكبر الكبائر؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!
\\ ص 17 \\
كتاب العلم
باب
فضل العالم العامل على العابد وأن العمل أو الزهد يزيد العلم وأنه يخافه كل شيء وأنه كالنبي ووارثه وإن موته ثلمة وأنه الولي وفضل تعليمه وتعلمه على التطوع ومع الحرص والتملق في الصغر قبل أن يسود وفضل المعلم وأنه مولى واغتنامه قبل أن يعبر به الزنا والاغتنام بلا أدري وعلم الباطن والطب وذم من لم يعظم العالم كالجار وغيره
@ في المقاصد "طلب العلم فريضة على كل مسلم" روي عن أنس بطرق كلها معلولة واهية وفي الباب عن جماعة من الصحابة وبسط الكلام في تخريج الأحياء ومع هذا كله قال البيهقي متنه مشهور وإسناده ضعيف روي من أوجه كلها ضعيفة وقال أحمد لا يثبت في هذا الباب شيء وكذا قال ابن راهويه وأبو علي النيسابوري والحاكم ومثله ابن الصلاح المشهور الذي ليس بصحيح ولكن قال العراقي قد صحح بعض الأئمة بعض طرقه وقال المزني إن طرقه تبلغ رتبة الحسن وقال ابن المبارك ليس هو الذي تظنون وإنما هو أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه فيسأل عنه حتى يعلمه وقد ألحقه بعض المصنفين بآخر الحديث "ومسلمة" وليس لها ذكر في شيء من طرقه وفي المختصر هو لابن ماجه وأحمد والبيهقي ضعيف "اطلبوا العلم ولو بالصين" لابن عدي والبيهقي لفظه مشهور وأسانيده ضعيفة وفي المقاصد بزيادة "فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم" وقال ضعيف بل قال ابن حيان باطل لا أصل له وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وكذا نقل في اللآلئ عن ابن حيان قال في إسناده مضعفون قال ووثق بعض وفي الوجيز هو عن أنس وفيه أبو عاتكة منكر الحديث قلت أخرجه البيهقي وقال متن مشهور وإسناده ضعيف وأبو عاتكة من رجال الترمذي لم
\\ ص 18 \\
يجرح بكذب ولا تهمة وقد وجدت له متابعا عن أنس ونصفه الثاني لابن ماجه وله طرق كثيرة عن أنس يصل مجموعها مرتبة الحسن.
@ وفي الباب عن أبي سعيد و في اللآلئ "يقول الله تعالى لا تحقروا عبد آتيته علما فإني لم أحقره حين علمته" باطل بهذا الإسناد.
@ "من أدى الفريضة وعلم الناس الخير كان فضله على العابد الجاهل كفضلي على أدناكم ومن بلغه عن الله فضل فأخذ بذلك الفضل الذي بلغه أعطاه الله ما بلغه وإن كان الذي حدثه كذبا" ضعيف إسناده لكنهم يتساهلون في الفضائل.
@ في المقاصد "من علم عبدا آية من كتاب الله فهو له عبد" الطبراني مرفوعا "فهو مولاه".
@ وفي الذيل "من علم أخاه آية من كتاب الله فقد ملك رقه" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ وفي الخلاصة قال الصغاني" الأنبياء قادة والفقهاء سادة ومجالستهم زيادة" موضوع وكذا "العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان".
@ وفي الذيل روي مرسلا عن الحسن عن حذيفة "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن علم الباطن ما هو فقال سألت جبريل عنه فقال سر بيني وبين أحبائي وأوليائي وأصفيائي أودعه في قلوبهم لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل" قال ابن حجر هو موضوع والحسن ما لقي حذيفة.
@ أبو هريرة رفعه "ما عزت النية في الحديث إلا بشرفه" قال الخطيب لا يحفظ مرفوعا وإنما هو قول ابن هارون "من خرج في طلب باب من العلم حفته الملائكة بأجنحتها وصلت عليه الطير في السماء والحيتان في البحار ونزل من السماء منازل سبعين من الشهداء" فيه القاسم الملطي كان كذابا.
@ "من تعلم بابا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبيا" فيه الجارود بن يزيد كذاب أو غير ثقة أو ليس بشيء أو متروك، أقوال.
@ "إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة " إلخ. موضوع.
@ "إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة وذلك أنهم يزورون الله في كل جمعة فيقول تمنوا على ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء فيقولون ماذا نتمنى على ربنا فيقولون تمنوا كذا وكذا " إلخ. في الميزان هذا موضوع.
@ "طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة وطلب العلم يوما خير من صيام ثلاثة أشهر" فيه نهشل كذاب.
@ عائشة رفعته "اغتنموا العمل وبادروا الأجل واغتنموا العلم فانه يدفع به عن
\\ ص 19 \\
الرجل وأهله وقومه ومصره ومعارفه فكأنه قد رحل وجهد حتى يعير به كما يعير بالزنا والسرقة" فيه الحكم كذاب أحاديثه موضوعة.
@ جابر رفعه "إذا جلس المتعلم بين يدي العالم فتح الله عليه سبعين بابا من الرحمة ولا يقوم من عنده إلا كيوم ولدته أمه وأعطاه الله بكل حرف ثواب ستين شهرا وكتب الله بكل حديث عبادة سنة" إلخ. موضوع بلا ريب.(/7)
@ "إذا جلستم إلى العلم أو في مجالس العلم فأدنوا وليجلس بعضكم خلف بعض ولا تجلسوا متفرقين كما يجلس أهل الجاهلية" فيه المعلى بن هلال رمي بالكذب والوضع.
@ وفي اللآلئ أبو هريرة رفعه "معلم الصبيان إذا لم يعدل بينهم كتب يوم القيامة مع الظلمة" فيه أبو المهزم كذاب وكذا الراوي عنه وإنما يعرف هذا من قول مكحول، قلت أبو المهزم روى له في السنن وأخرجه ابن أبي الدنيا عن قول الحسن.
@ أنس رفعه "اجتمعوا وارفعوا أيديكم فاجتمعنا ورفعنا أيدينا ثم قال اللهم اغفر للمعلمين كيلا يذهب القرآن وأعز العلماء كيلا يذهب الدين" موضوع.
@ "اللهم اغفر للمعلمين ثلاثا وأطل أعمارهم وبارك لهم في كسبهم" موضوع.
@ "شراركم معلموا صبيانكم أقلهم رحمة على اليتيم وأغلظهم على المساكين" موضوع.
@ في الذيل "إن لله تعالى في السماء الرابعة ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله يستغفرون للمعلمين والصبيان" هذا حديث منكر ظاهر البطلان.
@ "ما استرذل الله عبدا إلا حظر عليه العلم والأدب" في الميزان هو باطل.
@ "من زار العلماء فكأنما زارني ومن صافح العلماء فكأنما صافحني ومن جالس العلماء فكأنما جالسني ومن جالسني في الدنيا أجلس إلي يوم القيامة" فيه حفص كذاب.
@ "لا يحل لمسلم جهل الفرض والسنن ويحل له جهل ما سوى ذلك" موضوع.
@ في المقاصد "لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر" في صحيح البخاري من قول مجاهد.
@ "تفقهوا قبل أن تسودوا" من قول عمر رضي الله عنه أي قبل أن تزوجوا فتصيروا أرباب بيوت ولذا قال ضاع العلم في أفخاذ النساء، وقال الثوري من أسرع الرياسة أضر بكثير من العلم ومن لم يسرع كتب ثم كتب ثم كتب وهذا المعنى أعم.
@ وفي الذيل "لا يستحيي الشيخ أن يتعلم العلم كما لا يستحيي أن يأكل الخبز" فيه عيسى بن إبراهيم ليس بشيء،
\\ ص 20 \\
وقال أبو حاتم : متروك.
- وعن مالك قال : دخلت على المأمون والمجلس غاص بأهله فإذا بين الخليفة والوزير فرجة فجلست بينهما فحدثته مرفوعا : « إذا ضاق المجلس بأهله فبين كل سيدين مجلس عالم ». هو منكر ومالك لم يبق إلى زمن المأمون.
@ "كلمة يسمعها الرجل خير له من عبادة سنة وجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير من عتق رقبة" وهو من كتاب العروس.
@ "يا علي اتخذ لك نعلين من حديد وأفنهما في طلب العلم" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال في المختصر.
@ "ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه" ضعيف.
@ وفي المقاصد "لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد" أسانيده ضعيفة ولكن يتقوى بعضها ببعض.
@ في المختصر "حضور مجلس عالم أفضل من صلاة ألف ركعة وعيادة ألف مريض وشهود ألف جنازة فقيل يا رسول الله ومن قراءة القرآن فقال وهل ينفع القرآن إلا بالعلم" ذكره أبو الفرج في الموضوعات.
@ "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم" لأبي نعيم ضعيف.
@ "إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء" معضل.
@ ولأبي الشيخ "من خاف الله خوف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء" منكر.
@ "من أراد أن يؤتيه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية فليزهد في الدنيا" لم يوجد.
@ "الشيخ في قومه كالنبي في أمته" لابن حبان والديلمي ضعيف جدا وفي المقاصد جزم شيخنا وغيره بأنه موضوع وإنما هو من كلام بعض وربما أورد بلفظ "الشيخ في جماعته كالنبي في قومه يتعلمون من علمه ويتأدبون من أدبه" وكله باطل.
@ "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" قال شيخنا الزركشي لا أصل له ولا يعرف في كتاب معتبر.
@ وروي بسند ضعيف "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد".
@ "العلماء ورثة الأنبياء" صححه جماعة وضعفه آخرون بالاضطراب في سنده لكن له شواهد قال شيخنا له طرق يعرف بها إن للحديث أصلا.
@ "الصلاة خلف العالم بأربعة آلاف وأربعمائة وأربعين صلاة" باطل.
@ وللديلمي رفعه "الصلاة خلف رجل ورع مقبولة".
@ "إن لم يكن العلماء
\\ ص 21 \\
أولياء فليس له ولي" لا أعرفه حديثا.
@ وعن الشافعي "إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لله ولي"، وقال "ما أحد أورع لخالقه من الفقهاء أولياء الله في الآخرة".
@ "إذا مات العالم انثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة" عن علي من قوله وهو معضل وله شواهد منها عن جابر رفعه "موت العالم ثلمة في الإسلام لا تسد وموت قبيلة أيسر من موت عالم وهو نجم طمس" وعن ابن عمر "ما قبض الله عالما إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد" وعن ابن عباس في قوله تعالى (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) قال موت علمائها وفقيهها [لعله: وفقهائها].
@ وعن أبي جعفر "موت العالم أحب إلى إبليس اللعين من موت سبعين عابدا".(/8)
@ "أربع لا يشبعن من أربع أرض من مطر وأنثى من ذكر وعين من نظر وعالم من علم" في طرقه متهم بالوضع ومكذب، وقد ذكره ابن الجوزي من هذه الطرق في الموضوعات ولبعضه شواهد كحديث "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا" وهذا وإن كان مفردات طرقها مع اختلاف الألفاظ ضعيفة لكن بمجموعها يتقوى، وكحديث "لا يشبع عالم من علم حتى يكون منتهاه الجنة".
@ "كل عام ترذلون" من كلام الحسن البصري بل معناه في البخاري بلفظ "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم" وروي ذلك من قول ابن مسعود قال "ولا أعني أميرا خيرا من أمير ولا عاما خيرا من عام ولكن علماءكم أو فقهاءكم يذهبون ثم لا تجدون منه خلفا ويجيء قوم يفتون برأيهم" وفي لفظ "وما ذلك بكثرة الأمطار وقلتها ولكن بذهاب العلماء" وبمثله فسر ابن عباس.
@ "نظرة في وجه العالم أحب إلى الله من عبادة ستين سنة صياما وقياما" في نسخة سمعان بن المهدي عن أنس رفعه وكذا ما أورده الديلمي بلا سند عن أنس رفعه بلفظ "النظر إلى وجه العالم عبادة وكذا الجلوس معه والكلام والأكل" ولا يصح.
@ "صغار قوم كبار قوم آخرين" من قول بعض الصحابة ترغيبا في تعلم العلوم.
@ "علموا ولا تعنفوا" فيه حميد منكر الحديث لكن من شواهده "علموا ويسروا ولا تعسروا".
@ "العلم يسعى إليه" وروي "أولى أن يوقر ويؤتى" من قول مالك للمهدي حين دعاه لسماع ولديه منه.
\\ ص 22 \\
- وقيل لهارون حين التمس منه خلوة القراءة "العلم في الصغر كالنقش في الحجر" هو من لفظ الحسن البصري وروي بسند ضعيف "مثل الذي يتعلم في الكبر كالذي يكتب على الماء" وذكر له طرقا باختلاف ألفاظ والله أعلم.
- وفي الوجيز "من تعلم العلم وهو شاب كان بمنزلة رسم في حجر ومن تعلمه بعد ما كبر فهو بمنزلة كتاب على ظهر الماء" فيه بقية مدلس قلت ورد عن أبي الدرداء بسند ضعيف "مثل الذي يتعلم في صغره كالنقش في الحجر ومثل الذي يتعلم العلم في كبره" إلخ. وعن الحسن مرفوعا نصف الأول وشاهده بسند جيد.
- عن ابن عباس قال "ما بعث الله نبيا إلا وهو شاب ولا أوتي العلم عالما وهو شاب".
- عائشة "إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما فلا بورك" إلخ.، فيه الحكم ابن عبد الله متروك كذاب قلت لكن له شواهد منها عن جابر "من معادن التقوى تعلمك إلى ما علمت ما لم تعلم والنقص فيما قد علمت قلة الزيادة فيه "وإنما يزهد الرجل في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم" وعنه "من يجمع علم الناس إلى علمه وكل صاحب علم غرثان" قاله السائل أي الناس أعلم، في المقاصد "كل يوم لا أزداد فيه علما يقربني من الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم" سنده ضعيف.
@ في المختصر "من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون" لا يعرف إلا في منام لعبد العزيز بن رواد قال أوصاني به النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا بزيادة في آخره رواه البيهقي.
@ "اللهم إني أعوذ بك من أن أقول في الدين بغير علم" لم يوجد.
@ في المقاصد "لا أدري نصف العلم" من قول الشعبي وفي ثبوت لا أدري من الأحاديث المرفوعة، والمرفوعة عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم كثيرة، وقد كثر أغفال [لعله: إغفال] "لا أدري"، فتم الضرر به.
@ "ارحموا من الناس ثلاثة شهيد عزيز قوم ذل وغني مال افتقر وعالم بين جهال" في طرقه ضعاف وعند ابن الجوزي في الموضوعات الصغاني هو موضوع وفي المختصر ضعيف وروي "عالم يتلعب به الصبيان".
@ في الوجيز "أزهد الناس في العالم جيرانه" فيه المنذر بن زياد كذاب قلت له شاهد عن أبي الدرداء، وفي الباب عن أسامة وأبي هريرة.
@ أبو هريرة "لا حسد ولا
\\ ص 23 \\
ملق إلا في طلب العلم" وفيه محمد بن علاثة لا يحتج به وعن معاذ "ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم" وفيه كذاب، وعن أبي أمامة وفيه متروك قلت حديث أبي هريرة ضعفه البيهقي قال وروي من أوجه كلها ضعيفة.
@ في الذيل "لا خير في الملق والتواضع إلا ما كان في الله تعالى أو في طلب العلم" فيه عبد الغفور ممن يضع.
@ عن أنس رفعه "من أذل عالما بغير حق أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق" من نسخة سمعان بن المهدي المكذوبة.
فصل
في فضل مدادهم وكتابهم وكتبهم وأدبهما
في المقاصد "مداد العلماء أفضل من دم الشهداء" من قول الحسن البصري ولابن عبد البر من حديث سماك بن حرب عن أبي الدرداء رفعه "يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء" وللخطيب عن ابن عمر "وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليهم" وفي سنده محمد بن جعفر المتهم بالوضع لكنه متابع.
@ وفي الذيل "نقطة من دواة عالم أحب إلى الله من عرق مائة ثوب شهيد" موضوع رتني.(/9)
@ وعن ابن سيرين عن أبي هريرة رفعه "ما من رجل يموت ويترك ورقة من العلم إلا تقوم تلك الورقة سترا بينه وبين النار وإلا بنى الله له بكل حرف في تلك الورقة مكتوب مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات" ومثله عن شهر بن حوشب رفعه عن ابن عمر رفعه "صرير الأقلام عند الأحاديث يعدل عند الله التكبير الذي يكبر في رباط عسقلان وعبادان ومن كتب أربعين حديثا أعطى ثواب الشهداء الذين قتلوا بعبادان وعسقلان" في الميزان هذا خبر باطل.
@ "ما من كتاب يلقى بمضيعة من الأرض فيه اسم من أسماء الله عز وجل إلا بعث الله إليه سبعين ألف ملك يحفونه بأجنحتهم ويقدسونه حتى يبعث الله إليه وليا من أوليائه فيرفعه" فيه أحمد بن نصر دجال.
@ في اللآلئ "إذا كتب أحدكم فلا يكتب عليه بلغ فإنه اسم شيطان ولكن يكتب عليه لله" موضوع.
@ في الوجيز "إن من كتب بسم الله الرحمن الرحيم
\\ ص 24 \\
فجوده تعظيما لله غفر له" فيه إبان وأبو حفص العبدي وأبو سالم ضعفاء قلت له طريق آخر عنه وله شواهد قوى عن علي موقوفا وله حكم الرفع.
- زيد بن ثابت "ضع القلم على أذنك" إلخ. فيه عنبسة متروك عن محمد بن زاذان لا يكتب حديثه قلت أخرجه الترمذي من هذا الوجه وله شاهد عن أنس.
باب
ذم العالم غير العامل أو الحاسد أو المختلط بالأمراء والسمين وذم تعليمه لغير أهله كأرباب الدولة أو بالأجرة وذم كتمانه من الأهل وذم الوعظ والقاص والمرأة المحدثة وذم الجاهل ولو عابدا فإنه لا يكون وليا
@ في المختصر "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" للطبراني والبيهقي ضعيف.
@ "إنكم في زمان ألهمتم فيه العمل وسيأتي قوم يلهمون الجدل" لم يوجد.
@ "ما أوتي قوم المنطق إلا منعوا العمل" لم يوجد.
@ "لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا" لم يوجد إلا موقوفا على أبي الدرداء.
@ "يكون في آخر الزمان عباد جهال وعلماء فساق" للحاكم ضعيف.
@ "من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا" ضعيف.
@ "من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع" ذكروه في الموضوعات.
@ "هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل وشرار الشرار شرار العلماء وخير الخيار خيار العلماء" لم يوجد وآخره للدارمي مرسلا.
@ "أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها" لأحمد والطبراني حسن.
@ "ستة يدخلون النار قبل الحساب لستة، العلماء بالحسد" إلخ. للديلمي ضعيف.
@ "شرار العلماء الذين يأتون الأمراء وخيار الأمراء الذين يأتون العلماء" لابن ماجه شطره الأول وسنده ضعيف.
@ "العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم" مذكور في الموضوعات، وفي الوجيز فيه إبراهيم بن رستم لا يعرف عن عمر
\\ ص 25 \\
أبي حفص العبدي متروك قلت ليس بمتروك بل من رجال السنن وثقه أحمد وغير وضعه آخرون بكلام هين وابن رستم معروف ابن معين هو ثقة وقيل فقيه عباد مشهور امتنع عن القضاء: الدارقطني مشهور وليس بقوي، وقد ورد الحديث عن علي وموقوفا على جعفر بن محمد وله شواهد، وفي المقاصد "الفقهاء أمناء الرسول ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا الشيطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم" سنده ضعيف.
@ "نعم الأمير إذا كان بباب الفقير وبئس الفقير إذا كان بباب الأمير" لابن ماجه بسند ضعيف بمعنى الشطر الثاني.
@ عن أبي هريرة رفعه "ما من عالم أتى صاحب سلطان طوعا إلا كان شريكه في كل لون يعذب به في نار جهنم" للديلمي عن معاذ رفعه ولا يصح ولكن ورد في تنفير العالم من إتيانهم أشياء منه "ما ازداد أحد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا" وقد مر في حديث "من سكن البادية جفا ومن أتى السلطان افتتن ومن اتبع الصيد غفل" ومنه قول الثوري إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مرائي وإياك أن تخدع ويقال ترد مظلمة وتدفع عن مظلوم فإن هذه خدعة إبليس اتخذها القراء سلما، وقوله أيضا إني لألقى الرجل أبغضه فيقول لي كيف أصبحت فيلين له قلبي فكيف بمن أكل ثريدهم ووطئ بساطهم، ومن ثم ورد "اللهم لا تجعل الفاجر عندي نعمة يرعاه قلبي" وقيل ما أقبح أن يطلب العالم فيقال هو بباب الأمير.
@ في اللآلئ "تعوذوا بالله من جب الحزن واد في جهنم تعوذ منه جهنم كل يوم سبعين مرة أعده الله للقرائين المرائين وإن من شرار القراء من يزور الأمراء" لا يصح قلت أخرجه الترمذي وغربه والطبراني، وفي الوجيز أورده من حديث أبي هريرة وقال فيه عمار ابن سيف الضبي متروك وكذا شيخه أبو معان ومن حديث علي وأَعَلّه بأبي بكر بن حكيم ليس بشيء، قلت حديث أبي هريرة أورده البخاري في تاريخه والترمذي وابن ماجه والبيهقي، وعمار وثقه أحمد وغيره قيل كان متعبدا سنيا مغفلا ولا يوصف حديث مثله بالوضع بل بالحسن إذا تربع وله شاهد عن ابن عباس، وفي المختصر "جب الحزن واد في جهنم أعده الله" إلخ. للترمذي مغربا
\\ ص 26 \\
ولغيره مضعفا.(/10)
@ وفي اللآلئ "شهادة المسلمين بعضهم على بعض جائزة ولا يجوز شهادة العلماء بعضهم على بعض لأنهم حسد" ليس من الحديث وإسناده فاسد من وجوه كثيرة.
@ ابن عمر رفعه "يأتي على الناس زمان يحسد الفقهاء بعضهم بعضا ويغار بعضهم بعضا كتغاير التيوس" فيه إسحاق بن إبراهيم متهم بالوضع.
@ وفي المقاصد "إن الله يكره الحبر السمين" البيهقي وغيره، وعن الشافعي (رض) أنه قال "ما أفلح سمين إلا أن يكون محمد بن الحسن لأنه لا يعدو العاقل من أن يهم لآخرته أو لدنياه والشحم مع الهم لا ينعقد فإذا خلا منهما صارا في حد البهائم" "لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله سادوا به أهل زمانه ولكن بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من ديناهم فهانوا على أهلها".
@ عن ابن مسعود من قوله في الوجيز "لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير" يعني العلم تفرد يحيى بن عقبة ليس بثقة قلت له طريق آخر عن كثير بن شنطير عن ابن سيرين عن أنس بلفظ "واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب".
@ "نهى صلى الله عليه وسلم عن التعليم والأذان بالأجرة" فيه متروكان قلت كيف تحكم بوضعه والأحاديث متظافرة على النهي.
@ في المختصر "من كتم علما جاء يوم القيامة بلجام من نار" لابن ماجه ضعيف، وفي المقاصد "من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" لجماعة وحسنه الترمذي وصححه ويشمل الوعيد حبس الكتب عن الطالب للانتفاع لا سيما عمد عدد التعدد والابتلاء بهذا كثير.
@ في الذيل "سيكون في آخر الزمان علماء يرغبون الناس في الآخرة ولا يرغبون ويزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون وينبسطون عند الكبراء وينقبضون عند الفقراء وينهون عن غشيان الأمراء ولا ينتهون أولئك الجبارون عند الرحمن" فيه نوح بن أبي مريم أحد المشاهير بالكذب "شرار الناس فاسق قرأ كتاب الله وتفقه في دين الله ثم بذل نفسه لفاجر أو أبسط تفكه بقراءته ومحادثته فيطبع الله على قلب القائل والمستمع" فيه محمد بن زيد ضعيف وعمر بن أبي بكر أتهمه ابن حبان، وفي الميزان واه حديثه شبه موضوع.
@ "أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه ورجل
\\ ص 27 \\
علم علما فانتفع به من سمع منه دونه" وقال ابن عساكر منكر.
@ وعن عائشة رفعته "إذا كان آخر الزمان يجلس العلماء والفقهاء في البيوت ويظهر النساء ويقلن حدثنا وأخبرنا فإذا رأيتم شيئا من ذلك فاحرقوهن بالنار".
@ أنس رفعه "إياكم والقصاص الذين يقدمون ويؤخرون ويخلطون ويغلطون" فيه يوسف متهم بالوضع
.
@ "من نصح جاهلا عاداه" جاء عن بعض السلف وليس في شيء من المسندات.
@ وفي المقاصد لا أستحضره "من عبد الله بجهل كان ما يفسد أكثر مما يصلح" قيل من كلام ضرار الصحابي، وروي مرفوعا "المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحونة".
@ "ما اتخذ الله من ولي جاهل ولو اتخذه لعلمه" قال شيخنا ليس بثابت ولكن معناه صحيح أي لو أراد اتخاذه وليا لعلمه ثم اتخذه.
باب
رواية الحديث والعمل بالضعيف بحسن الظن فإنه ينفع ولو بالحجر.
@ في المختصر "من حمل من أمتي أربعين حديثا لقى الله يوم القيامة فقيها عالما" لابن عبد البر وضعفه، وفي الذيل "من حفظ على أمتي أربعين حديثا" إلخ. من أباطيل إسحاق الملطي، وفي المقاصد "من حفظ على أمتي" إلخ. لأبي نعيم عن ابن مسعود وابن عباس، وفي الباب عن أنس وعلي ومعاذ وأبي هريرة وآخرين قال النووي طرقه كلها ضعيفة وليس بثابت، وكذا قال شيخنا جمعت طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة، وقال البيهقي هو متن مشهور وليس له إسناد صحيح
@ "إذا حدثتم عني بحديث يوافق الحق فصدقوه وخذوا به حدثت به أو لم أحدث" منكر جدا قال العقيلي ليس له إسناد يصح وقال شيخنا أنه جاء من طرق لا تخلوا من مقال، وفي الوجيز أبو هريرة "إذا حدثتم عني بحديث يوافق الحق فخذوا به" إلخ. فيه أشعث بن براز ليس بشيء وروى عن ثوبان بسند فيه مجهول قلت أخرج أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه "ما جاءكم عني من خير قلته أو لم أقله فأنا أقوله وما أتاكم من شر فإني
\\ ص 28 \\
لا أقول الشر" وأخرجه ابن ماجه من وجه ثالث، وأخرج أحمد بسند علي شرط الصحيح "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر أشعاركم وأبشاركم وترون أنه بعيد منكم فأنا أبعدكم منه" وذكر غير ذلك من الروايات "من بلغه عن الله شيء" إلخ. أورده عن جابر وفيه أبو جابر الفياض كذاب، وعن ابن عمر وفيه إسماعيل بن يحيى كذاب، وعن أنس وفيه بزيع متروك.(/11)
@ وفي المقاصد "من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا به ورجاء ثوابه أعطاه الله ثواب ذلك وإن لم يكن كذلك" في سنده متروك وله شواهد "لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه به" قال ابن تيمية كذب، وقال شيخنا لا أصل له، قلت ونحوه "من بلغه عن الله" إلخ. ولا يصح، وقال عبد البر أنهم يتساهلون في أحاديث الفضل قال أحقر عباده يجيء في باب المرض العمل بالضعيف ومن ابتلى بتهاونه به، وفي الذيل "من أحسن ظنه بحجر نفعه الله به" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ وفي رسالة علم الحديث ما أورده الأصوليون من قوله "إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه" وقال الخطابي وضعته الزنادقة ويدفعه حديث أني أويت الكتاب وما يعدله "ويروى ومثله معه" وكذا قال الصغاني.
باب
العقل والبلاهة وكون الإنسان خيرا من ألف مثله وإن العاقل هو المطيع لا السخي ولو حاتما
@ في المقاصد "إن الله تعالى لما خلق العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك فيك آخذ وبك أعطي" قالوا إنه كذب موضوع اتفاقا، وروي "أول ما خلق الله العقل" إلخ. وفيه كذاب قال شيخنا الوارد "أول ما خلق الله القلم وهو أثبت من العقل".
\\ ص 29 \\
وفي الخلاصة وزاد ابن تيمية "ولك الثواب وعليك العقاب" ويسمونه أيضا القلم وقال موضوع، وفي المختصر "أول ما خلق الله العقل" ضعيف "ما خلق الله خلقا أكرم من العقل" للحكيم ضعيف.
@ "ازدد عقلا تزدد من ربك حبا" ضعيف.
@ "إذا اقترب الناس بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك" قاله لعلي ضعيف.
@ "تبارك الذي قسم العقل بين عباده" مرسل ضعيف.
@ "إنما يجزي على قدر عقله" ضعيف.
@ "كان إذا بلغه شدة عبادة رجل سأله عن عقله" ضعيف، وكل حديث ورد فيه ذكر العقل لا يثبت.
@ "ليس شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان أو المؤمن" سنده حسن للطبراني وأحمد، وفي المقاصد "إلا الإنسان" روي عن سلمان وابن عمر وجابر وغيرهم مرفوعا.
@ "أكثر أهل الجنة البله" فيه سلامة لين وفسر السهل التستري بأنهم الذين ولهت قلوبهم وشغلت بالله، وقيل الأبله في دنياه والفقير في دينه، وفي المقاصد أي البله في أمور الدنيا وهو للبزار مضعفا والقرطبي مصححا وروى بزيادة وعليون لذوي الألباب ولم يوجد له أصل.
@ وفي الذيل أخرج الحارث بن أسامة في مسنده عن داود بن المحبر بضعا وثلاثين حديثا في العقل قال ابن حجر كلها موضوعة منها "إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم" ومنه "أفضل الناس أعقل الناس" ومنه "قيل يا رسول الله ما أعقل هذا النصراني فزجره فقال أن العاقل من عمل بطاعة الله" ووضع سليمان بن عيسى بضعا وعشرين حديثا منه قيل لعلقمة ما أعقل النصراني فقال مه فابن مسعود كان ينهانا أن يسمى الكافر عاقلا ومنه "ركعتان من العاقل أفضل من سبعين ركعة من الجاهل ولو قلت سبعمائة ركعة لكان كذلك" ومنه "أن عدي بن حاتم أطرى أباه وذكر من سؤدده وشرفه وعقله فقال صلى الله عليه وسلم أن الشرف والسؤدد والعقل في الدنيا والآخرة للعامل بطاعة الله فقال يا رسول الله أنه كان يقوي الضعيف ويطعم الطعام ويصل الأرحام ويعين في النوائب ويفعل ويفعل فهل بلغ ذلك شيئا قال لأن أباك لم يقل قط رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين لا دين لمن
\\ ص 30 \\
لا عقل له" قال النسائي باطل منكر.
@ "اعتبروا عقل الرجل في طول لحيته ونقش خاتمه وكنيته" فيه يزيد مضعف وقيل مكذب.
@ في الوجيز حديث جابر "تعبد رجل في صومعته" إلخ. في الذيل قال "يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري" وفيه "إنما أجازي العباد على قدر عقولهم" تفرد به أحمد بن كثير وهو متروك قلت بل هو من رجال الصحيح أخرج له البخاري ووثقه الأكثرون.
باب
إن القلب بيت الرب ووسيعه وإن الأرواح جنود.
@ في الذيل "ما وسعني سمائي ولا أرضي بل وسعني قلب عبدي المؤمن" "القلب بيت الرب" قال ابن تيمية موضوعان قلت وهما كما قال، وفي المختصر "لم تسعني أرضي وسمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوازع" لم يوجد له أصل، وفي المقاصد ذكر في الإحياء وقال مخرجه العراقي لم أر له أصلا، وقال ابن تيمية مذكور في الإسرائيليات ومعناه وسع قلبه الإيمان بي ومحبتي وإلا فالقول بالحلول كفر، وقال الزركشي وضعه الملاحدة "القلب بيت الرب" لا أصل له في المرفوع.
@ "الأرواح جنود مجندة فما تعرف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" لمسلم والبخاري في الأدب وغيرهما:
باب
خصال الوضوء والغسل من الجنابة والجمعة من السواك والتخليل ومسح الرقبة من ماء الشمس ودعائه وقدر مائه وإن الدين نظافة وتقديم إبريق وشيطان الموسوس فيه وناقضه ومالا يلائمه
- "السواك يزيد الرجل فصاحة" قال الصغاني وضعه ظاهر، وكذا "حبذا
\\ ص 31 \\(/12)
المتخللون من أمتي" وفسره بتخليل الأصابع في الوضوء أو بتخليل بعد الطعام وفي المقاصد "صلاة بالسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك" قال البيهقي غير قوي إسناده لكن له طرق وشواهد متعاضدة وما روي عن ابن معين أنه باطل فبالنسبة لما وقع له من طرقه "خللوا أصابعكم لا يتخللها النار يوم القيامة" أبي هريرة بسند واه، وعن عائشة بسند ضعيف، وفي المختصر "كان صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا ويشرب مصا" ضعيف.
@ "الوضوء على الوضوء نور على نور" لم يوجد، وفي المقاصد هو في الإحياء وقال مخرجه لم أقف عليه، وأما شيخنا فقد قال أنه ضعيف رواه رزين ومر فيه "من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات" وهو لجماعة مرفوعا عن ابن عمر وضعف الترمذي إسناده.
@ "بني الدين على النظافة" ذكر في الإحياء وقال مخرجه لم أجده ومعناه في الضعفاء.
@ في المختصر "الوضوء من جر أحب إليك أم من هذه المطاهر التي يتطهر منها الناس بل من هذه المطاهر التماسا لبركة أيدي المسلمين".
@ "مسح الرقبة أمان من الغل" ضعيف، وفي الذيل قال النووي موضوع ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم.
@ "من قدم لأخيه إبريقا يتوضأ به فكأنما قدم جوادا" "وأكرموا طهوركم" قال ابن تيمية موضوعان وهما كما قال أبو هريرة.
@ "من سمى في وضوئه لم يزل ملكان يكتبان له الحسنات حتى يحدث من ذلك الوضوء" فيه ابن علوان المشهور بالوضع لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
@ "يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء" منكر.
@ "يا أنس ادن مني أعلمك مقادير الوضوء فدنوت فلما أن غسل يديه قال بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله فلما استنجى قال اللهم حصن فرجي ويسر لي أمري فلما توضأ واستنشق قال اللهم لقني حجتي ولا تحرمني رائحة الجنة فلما غسل وجهه قال اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه فلما أن غسل ذراعيه قال اللهم أعطني كتابي بيميني فلما أن مسح يده على رأسه قال اللهم أغثنا برحمتك وجنبنا عذابك فلما أن غسل قدميه قال اللهم ثبت قدمي يوم تزل فيه الأقدام ثم قال :
\\ ص 32 \\
والذي بعثني بالحق يا أنس ما من عبد قالها عند وضوئه لم تقطر من خلل أصابعه قطرة إلا خلق الله تعالى ملكا يسبح الله بسبعين لسانا يكون ثواب ذلك التسبيح إلى يوم القيامة" فيه عبادة بن صهيب متهم وقال البخاري والنسائي متروك وفيه أحمد بن هاشم اتهمه الدارقطني وقد نص النووي ببطلان هذا الحديث وأنه لا أصل له، وتعقبه شارح المنهاج بأنه روى من طرق مثله عن أنس رواه ابن حبان في ترجمة عباد بن صهيب وقد قال أبو داود أنه صدوق قدري وقال أحمد ما كان صاحب كذب انتهى. قال ابن حجر يشهد المبتدئ في هذه الصناعة أنها موضوعة، ومعنى قول أحمد وأبي داود أنه كان لا يتعمد الكذب بل يقع ذلك منه من غلطته وغفلته ولذلك تُرِك وكُذّب، الرواي عن عباد ضعيف أيضا، وروى مثله بزيادة بعض الأدعية عن الحسن البصري عن علي رفعه، وقال ابن حجر حديث غريب وفيه خارجة بن مصعب تركه الجمهور وكذبه ابن معين، قال ابن حبان كان يدلس عن الكذابين رووها عن الثقات.
- "الوضوء مد والغسل صاع وسيأتي أقوام من بعدي يستقلون ذلك أولئك خلاف أهل سنتي والآخذ بسنتي معي في حظير [لعله: حظيرة] القدس منتزه أهل الجنة" فيه عنبسة مجروح.
@ "لا تتوضؤوا في الكنيف الذي تبولون فيه فإن وضوء المؤمن يوزن مع حسناته" وضعه يحيى بن عنبسة.
@ "كان صلى الله عليه وسلم إذا استاك قال اللهم اجعل سواكي رضاك عني واجعله طهورا وتمحيصا وبيض وجهي ما تبيض به أسناني" فيه متهم بالوضع.
@"الوضوء من البول مرة ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا ثلاثا" فيه ابن فايد منكر.
@ "إن شيطانا بين السماء والأرض يقال له الولهان معه ثمانية أمثال ولد آدم من الجنود وله خليفة يقال له خنزب" إلخ. قال ابن الجوزي موضوع.
@ وفي اللآلئ "المضمضة والاستنشاق ثلاثا فريضة للجنب" موضوع.
@ "من اغتسل من الجنابة حلالا أعطاه الله تعالى مائة قصر من درة بيضاء وكتب الله له بكل قطرة ثواب ألف شهيد" وضعه دينار "لا تغسلوا بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من البرص" فيه مجهول وحديثه غير محفوظ وليس في الماء المشمس شيء يصح مسندا إنما يروى فيه شيء من قول
\\ ص 33 \\
عمر ابن الخطاب : "اغتسلوا يوم الجمعة ولو كأسا بدينار" فيه ابن البختري لا يحتج به قلت له طريق آخر، وفي الذيل "اغتسل في كل جمعة ولو أن تشتري الماء بقوت يومك" فيه إبراهيم بن حيان البختري أحاديثه موضوعة وفي الوجيز قلت له شاهد من حديث أنس.
باب
القلتين والحيض وبول الحيوان والدم وطهارة الأرض.
@ في الوجيز جابر "إذا بلغ الماء أربعين قلة لم يحمل الخبث" خلط فيه القاسم بن عبد الله العمري قلت أكثر ما فيه أنه شاذ أو منكر والقاسم من رجال ابن ماجه وللحديث طريق آخر عن جابر وورد عن أبي هريرة موقوفا أيضا.(/13)
@ في المقاصد "تمكث إحداكن شطر دينها لا تصلي" لا أصل له بهذا اللفظ وقال البيهقي يذكره بعض فقهائنا تطلبته كثيرا فلم أجده ولا إسناد له، وقال ابن الجوزي يذكره بعض أصحابنا ولا أعرفه، وقال النووي باطل لا أصل له وكذا قال غيرهم وفيما اتفق الشيخان ما قرب من معناه "إذا حاضت المرأة ولم تصل ولم تصم فذلك نقصان دينها" وفي المستدرك "فإن إحداكن تفعل ما شاء الله من يوم وليلة وتسجد لله سجدة" وهذا وإن كان قريبا من معناه لكنه لا يعطي مراده.
@ "زكاة الأرض يبسها" احتج به الحنفية ولا أصل له في المرفوع بل هو موقوف على محمد بن علي الباقر وعن ابن الحنفية وأبي قلابة بلفظ جفوف.
@ "إذا جفت الأرض فقد زكيت" وروى قول أبي قلابة بلفظ "جفوف الأرض طهرها" ويعارضه حديث أنس بصب الماء على بول الأعرابي بل ورد فيه الحفر. قال أحقر عباده أنى التعارض فإن المراد أن الجفوف إحدى طرق التطهير لا حصرها فيه ويشهد له رواية "جفوف الأرض طهورها" والله أعلم.
@ وفي الذيل "إن الأرض لتنجس من بول الأقلف أربعين يوما " فيه داود الوضاع.
@ وفي اللآلئ "لا بأس ببول حمار وكل ما أكل لحمه" موضوع.
@ "الدم مقدار الدرهم يغسل وتعاد منه الصلاة" فيه نوح كذاب.
\\ ص 34 \\
باب
الأذان ومسح العينين فيه ونحوه
- في اللآلئ : "ما من مدينة يكثر أذانها إلا قل بردها" موضوع: في المقاصد "ما أكثر أذان بلدة إلا قل بردها" للديلمي بلا سند عن علي.
@ "مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين بعد تقبيلهما عند سماع أشهد أن محمدا رسول الله من المؤذن مع قوله أشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا" ذكره الديلمي في الفردوس من حديث أبي بكر الصديق أنه لما سمع قول المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله قال مثله وقبل بباطن الأنملتين السبابة ومسح عينيه فقال صلى الله عليه وسلم "من فعل مثل ما فعل خليلي فقد حلت عليه شفاعتي" ولا يصح، وكذا ما أورده أبو العباس الرداد المتصوف بسند فيه مجاهيل مع انقطاعه عن الخضر عليه السلام أنه "من قال حين سمع أشهد أن محمدا رسول الله مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ثم يقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يعمى ولم يرمد أبدا" ثم روى بسند فيه من لم أعرفه عن محمد بن البابا أنه هبت ريح فوقعت منه حصاة في عينه وأعياه خروجها وآلمته أشد الألم فقال ذلك عند سماع المؤذن فخرجت الحصاة من فوره فقال الرداد وهذا يسير في جنب فضائله. وحكي عن البعض من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع ذكره في الأذان وجمع إصبعيه المسبحة والإبهام وقبلهما ومسح بهما عينيه لم يرمد أبدا قال ابن صالح وسمع عن بعض الشيوخ أنه يقول عندما يمسح عينيه صلى الله عليك يا رسول الله يا حبيب قلبي ويا نور بصري ويا قرة عيني قال ومذ فعلته لم ترمد عيني وقد جرب كل منهم ذلك وروى الحسن مثل ما روي عن الخضر عليه السلام بعينه انتهى.
@ "اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والمعتمر إذا دخل لقضاء حاجته ولا تقوموا حتى تروني" هو في المصابيح
\\ ص 35 \\
قال مؤلفه هو ضعيف، وقال القزويني موضوع عندي (1) وصدر الحديث ليس بموضوع وهو "إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر"
@ "إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن" قاله لمؤذن يطرب: قال الصغاني موضوع، وفي اللآلئ قال ابن حبان لا أصل له فيه إسحاق لا تحل الرواية عنه، قلت رجع ابن حبان عنه وذكره في الثقات والحديث أخرجه الدارقطني وله شاهد عن عمر ابن عبد العزيز
@ "لا يؤذن لكم من يدغم الهاء" منكر وإنما هو من قول الأعمش
@ حديث جابر في ثواب المؤذن بطوله موضوع
@ "من أفرد الإقامة فليس منا" موضوع
@ "أذن بلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى وأقام مثل ذلك" قال ابن حبان باطل فيه زياد فاحش الخطأ قلت زياد ثقة روى له الشيخان لكن عد هذا الحديث من مناكيره، وقد أخرج الطبراني وكأنهم إنما أنكروا منه تثنية الإقامة لمخالفته لما في الصحيح ولم ينفرد به بل ورد عن عبد الله بن زيد "كان أذانه صلى الله عليه وسلم وإقامته شفعا مرتين مرتين"
@ في الذيل "ولو كان لأهل السماء من الملائكة نزول إلى الأرض لما سبقهم إلى الأذان أحد ولغلبوا الناس عليه وإن أدنى أجر المؤذن أن له ما بين الأذان والإقامة أجر الشهيد المقتول في سبيل الله المتشحط في دمه يتمنى على الله ما يشاء" فيه إسحاق بن وهب وعمر بن صبح كذابان.
@ "من سمع المنادي بالصلاة فقال مرحبا بالقائلين عدلا مرحبا بالصلاة وأهلا كتب الله له ألفي ألف حسنة ومحي عنه ألفي ألف سيئة ورفع له ألفي ألف درجة" موضوع.
@ "أظهروا الأذان في بيوتكم ومروا به نساءكم فإنه مطردة للشيطان ونماء في الرزق" فيه نهشل كذاب.
@ "إذا أخذ المؤذن في أذانه وضع الرب فوق رأسه فلا يزال كذلك حتى يفرغ من أذانه وإنه ليغفر له مدى صوته" إلخ. فيه عمر بن صبح يضع وزيد العمي ضعيف.(/14)
@ "يد الرحمن على رأس المؤذن ما دام يؤذن وإنه ليغفر له مدى صوته
-------- هوامش ---------
(1) قلت وكذا الشطر الثاني ليس بموضوع وخرجه غير واحد من أهل العلم بالحديث وله شواهد كما لا يخفى. اهـ مصححه.
\\ ص 36 \\
أين بلغ" فيه أبو حفص ليس بشيء.
- "يا أبا رزين إذا أقبل الناس على الجهاد في سبيل الله تعالى فأحببت أن يكون لك مثل أجورهم فالزم المسجد تؤذن فيه لا تأخذ على ذلك أجرا" علله أبو نعيم بعمرو بن بكر.
- "من أذن سنة من نية صادقة يحشر يوم القيامة فيوقف على باب الجنة فيقال له اشفع لمن شئت" فيه موسى روى موضوعات عن أنس قصة رحيل بلال ثم رجوعه إلى المدينة بعد رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام وأذانه بها وارتجاج المدينة به لا أصل له وهي بينة الوضع.
- وفي الوجيز "بين كل أذانين صلاة إلا المغرب" فيه حيان بن عبد الله كذاب، قلت أخرجه البزار وقال تفرد به حيان وهو بصري مشهور ليس به بأس، قيل لكنه اختلط والحديث في البخاري بلا زيادة إلا المغرب وعندي ابن حيان وهم في زيادته ويمكن أن لا وهم فإن الزيادة المذكورة لا تنافى أصل الحديث.
باب
فضل المسجد والسراج فيه وترك النخامة والتكلم فيه وتزيينه وكنسه ونحوها
- "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" قال الصغاني موضوع، وفي المختصر ضعيف، وفي المقاصد أسانيده ضعيفة وليس له إسناد ثابت وإن اشتهر بين الناس وقد صح أنه قول علي وفسر الجار بمن سمع المنادي، وفي اللآلئ والوجيز هو حديث عائشة قال ابن حبان فيه عمرو بن راشد لا يحل ذكره إلا بالقدح قلت لم يتهم بكذب وقد وثقه العجلي وغيره قيل لين وله طريق أخرى عن جابر وأبي هريرة وعلي.
@ "من تكلم بكلام الدنيا في المسجد أحبط الله أعماله وأربعين سنة" قال الصغاني موضوع.
@ في المختصر "الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش" لم يوجد.
@ "إن المسجد لينزوي من النخامة" لم يوجد.
@ "ما من ليلة إلا ينادي مناد يا أهل القبور من تغبطون فيقولون أهل المساجد" إلخ. لم يوجد.
@ "إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم" موقوف.
@ "لما أراد صلى الله
\\ ص 37 \\
عليه وسلم أن يبني مسجد المدينة أتاه جبريل عليه السلام فقال ابنه سبعة أذرع طولا في السماء لا مزخرفة ولا منقشة" لم يوجد.
@ "رهبانية أمتي القعود في المسجد" لم يوجد.
@ في المقاصد "جنبوا مساجدكم صبيانكم" بعض حديث طويل سنده ضعيف ولكن له شاهد بأسانيد لا تخلو عن ضعف.
@ وفي الباب عدة أحاديث يتقوى "من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج" سنده ضعيف.
@ في الذيل "إن من سخط الله عز وجل على العباد أن يسلط عليهم صبيانهم في مساجدهم فينهونهم فلا ينتهون" فيه سلم متروك معاذ رفعه.
@ "من علق قنديلا في المسجد صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يطفأ ذلك القنديل ومن بسط فيه حصيرا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى ينقطع ذلك الحصير" فيه عمر بن صبح كذاب سمرة رفعه.
@ "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته يريد المسجد فقال بسم الله الذي خلقني فهو يهدين الآية إلا أعطاه الله كل ما في الآية" وكان الحسن يزيد فيه "واغفر لوالدي كما ربياني صغيرا" فيه سلم بن سالم ليس بشيء.
@ أنس رفعه "إذا هم العبد أن يبزق في المسجد اضطربت أركانه وانزوى كما تنزوي الجلدة في النار فإن هو ابتلعها أخرج الله منه اثنين وسبعين داء وكتب له بها ألفي حسنة" "تعاهدوا هذه المساجد بالتجصيص والقناديل والسرج والريح الطيبة والتوسع على أهليكم بالطعام والإدام والكسوة في رمضان" فيه الحسين بن علوان يضع وأبان متروك.
@ "من كسا بيتا من بيوت الله فكأنما حج أربعمائة حجة وأعتق أربعمائة نسمة وصام أربعمائة يوم وغزا أربعمائة غزوة" فيه أبو سلمة يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم.
@ "يا بريرة اكنسي المسجد يوم الخميس فإنه من أخرج من المسجد يوم الخميس أذى بقدر ما يقذي العين كان كعدل رقبة يعتقها" فيه الحسين بن علوان يضع.
@ في اللآلئ "تذهب الأرضون كلها يوم القيامة إلا المساجد فإنه ينضم بعضها إلى بعض" فيه أصرم كذاب
\\ ص 38 \\
باب
الصلاة وإثم تاركها والخشوع فيها وتحقيقها والصف الأول والتنوير في الفجر ورفع اليدين والبتراء والسرقة فيها ونحو ذلك
@ في المختصر "الصلاة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين" البيهقي ضعيف، وكذا قال السخاوي.
@ في الذيل "من أعان تارك الصلاة بلقمة فكأنما أعان على قتل الأنبياء كلهم" موضوع رتني.
@ في المقاصد "من ترك الصلاة فقد كفر" لجماعة، وهو مؤول.
@ "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البتيراء أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها" في مسنده من غلبه الوهم، وقال النووي في الخلاصة هو مرسل ضعيف.
@ "التكبير جزم" لا أصل له في المرفوع وإنما هو من قول النخعي، واختلفوا في معناه فابسط فيه(/15)
@ "صلاة النهار عجماء" قال النووي باطل لا أصل له، وكذا قال الدارقطني وإنما هو من قول بعض الفقهاء.
@ في اللآلئ "من نور في الفجر نور الله قلبه وقبره وقبلت صلاته" تفرد به كذاب.
@ "إذا كان الفيء ذراعا ونصفا إلى ذراعين فصلوا الظهر" باطل.
@ "إذا قمتم إلى الصلاة فانتعلوا" فيه محمد بن الحجاج وهو واضع هذا الحديث وحديث الهريسة وغيرهما، قلت له شواهد كثيرة تقوي عدم الحكم بوضعه.
@ "كان صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي ظن الظان أنه جسد لا روح فيه" لا أصل له.
@ وفي المختصر "أن الرجلين من أمتي ليقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وإنما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض" موضوع.
@ "صلاة المدل لا تصعد فوق رأسه" لم يوجد.
@ "كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال لك حاجة فلما فرغ من حاجته عاد إلى صلاته" لم يوجد.
@ في الذيل "ليس السارق الذي يسرق ثياب الناس إنما السارق الذي يسرق الصلاة يلقطها كما يلقط الطير الحب من الأرض فذلك السارق لا يقبل الله منه" من نسخة أبي هدية عن أنس.
@ "لو يعلم ما في الصف الأول والأذان وخدمة القوم في السفر لأقرعوا" من أباطيل إسحاق الملطي.
@ "من أدى فريضة فله
\\ ص 39 \\
عند الله دعوة مستجابة" من نسخة ابن أحمد الباطلة.
@ "إن المؤمن إذا صلى الفريضة في الجماعة تناثرت عنه الذنوب كما تحات هذا الورق" حديث رتني، وكذا "من صلى الفجر في جماعة فكأنما حج خمسين حجة مع آدم".
@ "من صلى صلاة لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فصلاته خداج" فيه نوح بن ذكوان ليس بشيء وسويد متروك.
@ أصبغ بن خليل ثنا الغازي بن قيس عن سلمة بن وردان عن ابن شهاب عن الربيع بن خيثم عن ابن مسعود "قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر اثنتي عشرة سنة وخلف علي بالكوفة خمس سنين فلم يرفع أحد منهم يديه إلا في تكبيرة الافتتاح وحدها" أصبغ كان حافظا للرأي على مذهب مالك ودارت عليه الفتيا ولم يكن له علم بالحديث بل كان يعاديه ويعادي أصحابه فافتعل للتعصب لما رأى عن مالك من ترك اليدين ووقف الناس على كذبه فإن سلمة لم يرو عن الزهري ولم يرو عن الربيع ولا رآه وقد مات ابن مسعود في خلافة عثمان بالإجماع، وفي الميزان هو من وضع أصبغ، وفي اللآلئ عن علقمة عن ابن مسعود "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر فلم يرفعوا" إلخ. موضوع آفته محمد بن جابر اليمامي قلت له طريق أخرى، وقال ابن حجر حسنه الترمذي وصححه غيره، وقال ابن حبان هذا أحسن خبر روي لأهل الكوفة وهو في الحقيقة أضعف شيء، وقال النووي اتفقوا على وضعه، قال الزركشي نقل الاتفاق ليس بشيء فقد صححه ابن حزم والدارقطني وابن القطان وغيرهم وبوب النسائي عليه الرخصة في تركه، ونقل ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية تصحيحه عن الدارقطني وابن القطان "من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له" موضوع "من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له" موضوع.
@ وفي الوجيز ابن عباس "من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر" فيه حسين بن قيس كذبه أحمد قلت أخرجه الترمذي، وقال حسين ضعفه أحمد والعمل عليه فأشار أن العمل يعضد الحديث وقد صرح غير واحد بأن دليل الصحة قول أهل العمل به وإن لم يكن له إسناد معتمد وله شاهد عن عمر مرفوعا.
\\ ص 40 \\
باب
الإمامة وفضلها للعالم التقي وعدم التطوع بعد الإقامة
@ في المقاصد "الاثنان فما فوقهما جماعة" أخرجه جماعة من حديث الربيع بن بدر وهو ضعيف لكن له شواهد، واستعمله البخاري ترجمة فاستفيد منه ورود الحديث في الجملة.
@ "قدموا أخياركم تزكوا صلاتكم" للديلمي مرفوعا، وللحاكم والطبراني بسند ضعيف بلفظ "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم" وروي "علماؤكم فإنه وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" وما وقع في هداية الحنفية بلفظ "من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي" فلم أقف عليه بهذا اللفظ.
@ في اللآلئ "من لم تفته ركعة من صلاة الغداة أربعين ليلة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة" فيه إسحاق مجهول اتهموه بالوضع.
@ "يؤم القوم أحسنهم وجها" موضوع.
@ "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجلا سمع حي على الفلاح ولم يجب" لا يصح، قلت له شواهد عديدة، وفي الوجيز فيه محمد بن القاسم وليس بشيء، قلت وثقه ابن معين والحديث في الترمذي وله شواهد.
@ في الذيل "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب إلا أن يكون وراء الإمام" فيه محمد بن أشرس متهم متروك.
@ أبو هريرة رفعه "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الصبح" قال البيهقي هذه الزيادة لا أصل لها وفيه حجاج بن نصير وعباد بن كثير ضعيفان.
باب التطوع
وفيه فصول
[الفصل] الأول : في صلاة التسبيح :(/16)
@ القزويني حديث التسبيح عن ابن عباس في المصابيح وذكر أبو الفرج له ست طرق وقال موضوع ثم إني وجدت في شرح السنة طريقا سابعا لم أتحقق حقيقته فإن اقتضى نوعا غير الوضع حملت عليه وإلا فكما نص
\\ ص 41 \\
أبو الفرج وذكر ابن أخضر من أصحاب ابن الجوزي عن أحمد ويحيى وغيرهما أنه لا أصل لهذا، وفي المختصر هي لأبي داود وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم عن ابن عباس قال العقيلي وغيره ليس فيها حديث صحيح وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال أبو سعيد العلائي صحيح وحسن، وفي اللآلئ قال الشيخ صلاح الدين في أجوبته عما انتقدها القزويني على المصابيح حديثها صحيح أو حسن وقال غيره له طرق متعاضدة وقال الزركشي قد غلط ابن الجوزي في الحكم بوضعها، وممن صححه الخطيب والسمعاني وأبو موسى المديني وابن الصلاح والنووي وقال الدارقطني أصح شيء من فضائل القرآن قل هو الله أحد، وفي فضل الصلاة صلاة التسبيح، وقال العقيلي والمغربي ليس فيهما حديث صحيح ولا حسن والحق أن طرقه كلها ضعيفة والله أعلم، وفي الوجيز في صلاة التسبيح حديث ابن عباس وفيه صدقة بن يزيد الخراساني ضعيف، وحديث ابن عباس وفيه موسى بن عبد العزيز مجهول، وحديث أبي رافع فيه موسى بن عبيدة ليس بشيء قلت قد أكثر الحفاظ من الرد على ابن الجوزي بذكره في الموضوع وموسى بن عبد العزيز وثقه ابن معين والنسائي وقد صححه جماعة أو حسنوه وليس صدقة في طريقة عباس الخراساني بل غيره وهو ليس بمتروك بل مضعف من قبل حفظه يصلح للمتابعة، وقد ورد حديث التسبيح عن الفضل بن عباس وابن عمر وعلي وغيرهم.
[الفصل] الثاني
في صلاة الأسبوع
@ في المختصر لا يصح في صلاة الأسبوع شيء، وفي ليلة الجمعة اثنتا عشرة ركعة بالإخلاص عشر مرات باطل لا أصل له، وكذا عشر ركعات بالإخلاص والمعوذتين مرة مرة باطل، وكذا ركعتان بإذا زلزلت الأرض خمس عشرة مرة، وفي رواية خمسين مرة والكل منكر باطل، ويوم الجمعة ركعتان والأربع والثمان والاثنتا عشرة
\\ ص 42 \\
لا أصل له، وقيل الجمعة أربع ركعات بالإخلاص خمسين مرة لا أصل له.
@ وفي الوجيز "من صلى ركعتين ليلة الجمعة قرأ فيهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض زلزالها أمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة" فيه عبد الله بن داود الواسطي منكر الحديث، قلت قال ابن عدي هو لا بأس به إن شاء الله وله شاهد عند الديلمي أورده ابن حجر وقال غريب وسنده ضعيف.
@ وفي اللآلئ "ركعتان في ليلة الجمعة بإذا زلزلت خمس عشر مرة" فيه منكر الحديث وقال ابن حجر سنده ضعيف وله طريق آخر بسند ضعيف.
@ "وركعتان بعد الجمعة في الأولى آية الكرسي مرة والفلق خمسا وعشرين مرة وفي الثانية الإخلاص مرة والناس خمسا وعشرين مرة لا يموت مصليها حتى يرى ربه في المنام" موضوع.
@ وفي الذيل "من صلى يوم الجمعة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد مائة مرة فقد أدى حق الجمعة كما أدت حملة العرش من حق العرش" فيه مروان بن محمد ذاهب الحديث "وليلة السبت أربع ركعات بآية الكرسي ثلاثا لمغفرة الوالدين فيه أبان متهم. في المختصر "في يوم السبت أربع ركعات بالكافرون ثلاثا" لأبي موسى المديني ضعيف "وفي ليلة اثنتا عشرة ركعة" لا أصل له، وفي اللآلئ أربع ركعات فقرأ بالإخلاص خمس عشرة موضوع وأربع بالكافرون والإخلاص ثلاثا موضوع، وفي ليلة الأحد أربع ركعات بالإخلاص خمس عشرة موضوع وكذا الأربع بخمسين الإخلاص موضوع وفي المختصر عشرين ركعة بالإخلاص والمعوذتين مرة ضعيف وروى أبو موسى ست ركعات وأربعا والكل ضعيف وفي يومه أربع ركعات بتنزيل السجدة وسورة الملك وفي الأخريين بسورة الجمعة لأبي موسى بلا سند وفي اللآلئ "أربع ركعات فيه بآمن الرسول" موضوع "وفي يوم الاثنين أربع ركعات بآمن الرسول وثلاث قلاقل (1) مرة مرة" موضوع والمتهم به الجوزقاني وهو الذي وضع هذه الصلاة كلها وصلاة الأسبوع ولقد كان له حظ من علم الحديث فسبحان الله من يطمس على القلوب "وفي ليلة الاثنين ست ركعات بالإخلاص عشرين مرة" موضوع، وفي
------- هوامش--------
( 1 ) عنى به المؤلف قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. اهـ إدارة.
\\ ص 43 \\(/17)
المختصر "فيها أربع ركعات صلاة الحاجة في الأولى الإخلاص عشر مرات وفي الثانية عشرين مرة وفي الثالثة ثلاثين مرة وفي الرابعة أربعين مرة" له بلا سند وهو منكر "يوم الاثنين اثنتي عشرة ركعة بآية الكرسي" له أيضا منكر "وركعتين فيه بآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين مرة مرة" له أيضا منكر "وفي ليلة الثلاثاء ركعات بالإخلاص والمعوذتين خمس عشرة مرة" له أيضا، وروي "أربع ركعات" والكل باطل "وفي يومه عشر ركعات بآية الكرسي مرة والإخلاص ثلاثا" ضعيف "وفي ليلة الأربعاء ست ركعات بقل اللهم" ضعيف جدا وروى هو أيضا "أربعا وثلاثين ركعة" والكل باطل "وفي يومه اثنتي عشر ركعة بآية الكرسي مرة والإخلاص مرة والمعوذتين ثلاثا ثلاثا" له أيضا ووثق رواية لكن فيه كذاب "وليلة الخميس ركعتان بآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين خمسا خمسا" ضعيف جدا "وفي يومه ركعتان بآية الكرسي مائة في الأولى والإخلاص مائة في الثانية" له أيضا ضعيف، وفي الذيل "ركعتان ليلة الخميس بين المغرب والعشاء بآية الكرسي والإخلاص والكافرون والمعوذتين كل خمس مرات تؤديان حق الوالدين وإن لم يبرهما" فيه عاصم بن مضرس متروك.
[الفصل] الثالث في عاشوراء.
- "يوم عاشوراء أربعين ركعة بعد الظهر في كل ركعة آية الكرسي عشر مرات والإخلاص إحدى عشرة ركعة والمعوذتين خمس مرات" موضوع.
- في اللآلئ "فضل أربع ركعات بالفاتحة والإخلاص خمسين مرة يوم عاشوراء" موضوع.
[الفصل] الرابع
في رجب والرغائب.
@ في اللآلئ عن أنس "في أول ليلة رجب عشرون ركعة بالإخلاص مرة"
\\ ص 44 \\
موضوع.
- "في يوم من رجب يصوم ويصلي أربع ركعات في الركعة الأولى آية الكرسي مائة مرة وفي الثانية الإخلاص مائة مرة" موضوع.
@ "ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة بالإخلاص عشرين مرة والمعوذتين ثلاثا ثلاثا" موضوع.
@ في المختصر حديث الصلاة المأثور في ليلة السابع والعشرين من رجب لأبي موسى الديني منكر جدا.
@ وصلاة الرغائب موضوع بالاتفاق، في اللآلئ "فضل ليلة الرغائب واجتماع الملائكة مع طوله وصوم أو دعاء وصلاة اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب مع الكيفية المشهورة" موضوع رجاله مجهولون قال شيخنا وفتشت جميع الكتب فلم أجدهم، وفي شرح مسلم للنووي احتج العلماء على كراهة صلاة الرغائب بحديث "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام" فإنها بدعة منكرة من بدع الضلالة والجهالة وفيها منكرات ظاهرة قاتل الله واضعها ومخترعها، وقد صنف الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبدعيها ودلائل قبحها أكثر من أن تحصى، وفي جامع الأصول قال بعد ما ذكر صلاة الرغائب مع الكيفية المعروفة واستجابة الدعاء بعدها هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين ولم أجده في واحد من الكتب الستة والحديث مطعون فيه، وفي تذكرة الآثام أن بعض المالكية مر بقوم يصلون الرغائب وقوم عاكفين على محرم فحسن حالهم على المصلين لأنهم يعلمون أنهم في معصية فلعلهم يتوبون وهؤلاء يزعمون أنهم في عبادة، وفي رسالة السماع للمقدسي اعلم أن للشيخ ابن الصلاح اختيارات أنكرت عليه منها اختياره صلاة الرغائب واحتجاجه عليه، وفي بعض الرسائل قال علي بن إبراهيم حدثت صلاة الرغائب بعد المائة الرابعة والثمانين سنة ولا مزية لهذه الليلة عن غيرها واتخاذها موسما وزيادة الوقود فيها بدعة مما يترتب عليه من اللعب في المساجد وغيرها حرام والانفاق فيها والأكل من الحلوى [أو: الحلواء] وغيرها فيها وأحاديث فضلها وفضل صلاتها كلها موضوعة بالاتفاق، وقد جرت مناظرات طويلة في أزمنة طويلة بين الأئمة وأبطلت فلله الحمد، وفي حديث حسن "من أحيى سنة وأمات بدعة كان له أجر مائة شهيد".
\\ ص 45 \\
[الفصل] الخامس
في البراءة وصلاتها وكثرة وقودها واجتماع الرجال والنساء للصلاة والوعظ فيها وغيرها من المنكرات والاجتماع ليلة ختم رمضان ونصب المنابر والوقود ليلة عرفات.(/18)
@ في المختصر حديث صلاة نصف شعبان باطل ولابن حبان من حديث علي "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها" ضعيف، وفي اللآلئ "مائة ركعة في نصفه بالإخلاص عشر مرات مع طول فضله" للديلمي وغيره موضوع وجمهور رواته من الطرق الثلاثة مجاهيل وضعفاء والحديث محال "وثنتا عشر ركعة فيها كل ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة" موضوع "وأربع عشرة ركعة فيها" موضوع، وفي الذيل حديث أبي بن كعب "أن جبريل أتاني ليلة النصف من شعبان قال قم فصل إلى أن قال تفتح فيها أبواب السماء وأبواب الرحمة ثلاثمائة باب إلى الصبح فيغفر لجميع من لا يشرك بالله غير مشاحن أو عاشر أو مدمن خمر أو مصر على زنا إلى أن قال فخرج صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وسجد وتعوذ" إلخ. بطوله لم يبين حاله وأصل الحديث بلا طول للترمذي، وفي بعض الرسائل قال علي بن إبراهيم ومما أحدث في ليلة النصف الصلاة الألفية مائة ركعة بالإخلاص عشرا عشرا بالجماعة واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد ولم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع ولا يغتر بذكره لها صاحب القوت والإحياء وغيرهما ولا بذكر تفسير الثعلبي أنها ليلة القدر وكان للعوام بهذه الصلاة افتتان عظيم حتى التزم بسببها كثرة الوقود وترتب عليه من الفسوق وانتهاك المحارم ما يغني عن وصفه حتى خشي الأولياء من الخسف وهربوا فيها إلى البراري، وأول حدوث هذه الصلاة ببيت المقدس سنة ثماني وأربعين وأربعمائة، وقال زيد بن أسلم ما أدركنا أحدا من مشايخنا وفقهائنا يلتفتون إلى ليلة البراءة وفضلها على غيرها، وقال ابن دحية أحاديث صلاة البراءة موضوعة وواحد مقطوع ومن عمل
\\ ص 46 \\
بخبر صح أنه كذب فهو من خدم الشيطان قال علي بن إبراهيم وقد رأينا كثيرا ممن يصلي في الليلة القصيرة فيفوتهم الفجر ويصبحون كسالى قال وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوها شبكة لجمع العوام وطلب رياسة التقدم وملأ بذكرها القصاص مجالسهم وكل عن الحق بمعزل ثم أنه تعال أقام أئمة الهدى في سعي إبطال الصلاة فتلاشى أمرها إلى أن صارت تصلى لعبا ولهوا وتكامل إبطالها في البلاد المصرية والشامية في أوائل سني المائة الثامنة، وقد ضعف ابن العربي حديث عائشة في صلاة النصف مطلقا وعتقاء النار بعدد شعر غنم كلب، قال أحقر عباده حديث عائشة في ذهابه بالبقيع ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب أخرجه الترمذي، قال وفي الباب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسمعت محمدا يضعف حديث عائشة، قال الترمذي وفيه انقطاعان قلت يجوز العمل بالحديث الضعيف ولعلهم أنكروه هنا لما يقارنه من المنكرات، قال علي وأول حدوث الوقود من البرامكة وكانوا عبدة النار فلما أسلموا أدخلوا الإسلام ما يموهون أنه من سنن الدين ومقصودهم عبادة النيران ولم يأت في الشرع استحباب زيادة الوقود على الحاجة في موضع وما يفعله عوام الحجاج من الوقود بجبل عرفات وبالمشعر الحرام فهو من هذا القبيل، قال وقد أنكر الطرطوشي الاجتماع ليلة الختم في التراويح ونصب المنابر وبين أنه بدعة منكرة وأعظم منه ما يوجد اليوم في مجلس القصاص والبداة من اختلاط الرجال والنساء وتلاصق أجسادهم حتى يروى أن رجلا ضم امرأة من خلف وعبث بها وآخر التزم امرأة وغير ذلك من الفسوق واللغط والسرقة وتنجيس مواضع العبادة وإهانة بيوت الله وكله بدعة وضلالة.
[الفصل] السادس
في العيدين وعرفة
- في المختصر قول الثوري من السنة اثنتا عشرة ركعة بعد عيد الفطر وست
\\ ص 47 \\
ركعات بعد الأضحى لا أصل له، وفي الصحيح خلافه وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها وقول التابعي من السنة كذا موقوف على الصحيح أما قول تابع التابعي فمنقطع "من أحيى ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" لابن ماجه ضعيف.
@ في اللآلئ "ليلة الفطر مائة ركعة بالإخلاص عشر مرات" موضوع.
@ "وبعد صلاة عيد الفطر أربع ركعات بسبح اسم ربك وبالشمس وضحاها وبالضحى وبالإخلاص" موضوع فيه مجاهيل وعبد الله بن محمد لا يحل ذكره قلت تابعه سلمة ابن شيب أخرجه.
@ "وليلة النحر ركعتان بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين كل من الأربعة خمس عشرة مرة" فيه وضاع.
@ "ويوم عرفة بعد الظهر أربع ركعات بالإخلاص خمسين وركعتان فيه بالفاتحة مع التسمية ثلاث مرات والكافرون ثلاثا والإخلاص مع التسمية مائة مرة" لا يصح.
@ في الذيل "ما من عبد يصلي ليلة العيد ست ركعات إلا شفع في أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار" فيه إسماعيل كذاب.
[الفصل] السابع
في السنن الرواتب الوتر والتهجد والإشراق والضحى والاستخارة والأوابين وصلاة دخول البيت
@ في الذيل "من صلى الفجر في جماعة ثم اعتكف إلى طلوع الشمس ثم صلى أربع ركعات في الأولى آية الكرسي ثلاثا والإخلاص وفي الثانية والشمس وفي الثالثة والسماء والطارق وفي الرابعة آية الكرسي والإخلاص ثلاث مرات" وذكر ثوابه فيه نوح بن أبي مريم المشهور بالوضع.(/19)
@ "من صلى الغداة في مسجده ثم جلس يذكر الله إلى أن تطلع الشمس فإذا طلعت حمد الله وقام فصلى ركعتين إلا أعطاه الله" إلخ. فيه إبراهيم بن حيان ساقط وقيل ضعيف يحدث عن الثقات بالموضوعات.
@ "من صلى ركعتين بعد ركعتي المغرب بفاتحة الكتاب والإخلاص خمس عشرة مرة فله كذا" قال ابن حجر هذا متن موضوع.
@ "ركعتان بعد العشاء بالإخلاص عشرين مرة" فيه أبو سليمان يكذب.
@ "وركعتان بعد المغرب في الأولى
\\ ص 48 \\
الإخلاص خمسا وعشرين مرة وفي الثانية إحدى وثلاثين مرة" فيه سليمان بن سلمة متهم.
@ "من لم يداوم على أربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي" قال النووي لا أصل له.
@ في الوجيز أبو هريرة "إذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين" فيه إبراهيم ابن يزيد روى عن الأوزاعي مناكير وهذا منها، قلت فرق بين المنكر والموضوع وله شاهد عنه بطريق آخر "إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء" ورجاله موثوقون كذا قيل وأقره ابن حجر فهو حسن، وشاهد آخر بلفظ "صلاة الأولين وصلاة الأبرار ركعتان إذا دخلت بيتك وركعتان إذا خرجت".
@ في المختصر "صلاة الاستخارة" رواه البخاري عن جابر، وقال الإمام أحمد هو حديث منكر قال الحقير استفتيت فيه بعض أئمة مكة المشرفة في كتابة فكتب إلى الجواب بأن أحمد يطلق المنكر على الفرد المطلق وإن كان رواة ثقة مع أن حديث الاستخارة روي عن ستة من الصحابة غير جابر.
@ اللآلئ "الوتر في أول الليلة مسخطة للشيطان وأكل السحور مرضاة للرحمان" وضعه أبان بن جعفر البصري وقد وضع على أبي حنيفة أكثر من ثلاثمائة حديث مما لم يحدث به أبو حنيفة.
@ "أربع ركعات في ظلمة الليل بأربع قلاقل" موضوع.
@ في المقاصد "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" لا أصل له وروى من طرق بعضها عند ابن ماجه وأورد الكثير منها القضاعي وغيره ولكن قرأت بخط شيخنا أنه ضعيف والمعتمد الأول، وأطنب ابن عدي في ورده وظن القضاعي أنه صحيح لكثرة طرقه وهو معذور لأنه لم يكن حافظا، واتفق أئمة الحديث على أنه من قول شريك لثابت قبل سرقة جماعة من ثابت: في الخلاصة قال الصغاني هو موضوع: اللآلئ قال القضاعي في مسند الشهاب روى هذا الحديث جماعة وما طعن أحد منهم في إسناده ولا متنه وقد أنكره بعض الحفاظ وقال أنه من كلام شريك حين دخل ثابت الزاهد عليه وهو يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر إلى ثابت موسى قال من كثرت صلاته إلخ. لزهده فظن ثابت أنه روى الحديث بهذا الإسناد فكان ثابت يحدث به عن
\\ ص 49 \\
شريك عن الأعمش وليس له أصل إلا بهذا الوجه وعن قوم مجروحين سرقوه من ثابت وردوه عن ثابت قال وقد روي لنا من طرق كثيرة وعن ثقات غير ثابت وعن غير شريك
@ وروي عن أنس "شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس" لا يصح المتهم به داود قلت لم ينفرد به بل توبع مع أن له شواهد: خلاصة قال الصغاني موضوع، وفي الوجيز هو حديث أبي هريرة وفيه داود بن عثمان حدث بالبواطيل: قلت قد توبع وشاهده ما أخرجه البخاري في تاريخه عن صهيب وحديث سهل بن سعد.
@ "أحبب من شئت فإنك مفارقه" وفيه "شرف المؤمن قيامه بالليل" إلخ. وفيه محمد بن حميد كذبه أبو زرعة وغيره وزافر سيئ الحفظ لا يتابع على عامة ما يرويه: قلت صححه الحاكم قال ابن حجر اختلف فيه نظر حافظين في طرفي تناقض فصححه الحاكم ووهاه ابن الجوزي، والصواب أن لا يحكم بالوضع ولا بالصحة قلت قد حسنه المنذري ولصدره شاهد عن جابر وروى عن أهل البيت.
@ اللآلئ "عشرون ركعة بعد المغرب في كل ركعة الإخلاص أربعين مرة" لا يصح.
@ "من داوم على الضحى ولم يقطعها إلا لعلة كنت وهو في زورق من نور في بحر من نور حتى يزور رب العالمين" موضوع.
@ "ومن صلى الضحى يوم الجمعة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الفاتحة والمعوذتين والإخلاص والكافرون وآية الكرسي عشرا عشرا فله كذا وكذا ويولد له ولو كان عقيما" موضوع.
@ في الذيل "من صلى ركعتي الضحى كتب الله له ألف ألف حسنة" فيه نوح بن أبي مريم كذاب وضاع.
@ وعن علي رفعه "من صلى سبحة الضحى ركعتين إيمانا واحتسابا كتب له مائتا حسنة ومحي عنه مائتا سيئة ورفع له مائتا درجة وغفر له ذنوبه وكلها ما تقدم منها وما تأخر إلا القصاص والكبائر" إلى آخر ما ذكر ثواب الأربع والست إلى اثنا عشر بقدر ذلك: قال ابن حجر هذا كذاب مختلق وإسناده مظلم مجهول.
\\ ص 50 \\
[الفصل] الثامن
في صلاة الحاجة(/20)
- في اللآلئ عن عبد الله بن أبي أوفى "من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين" قال الترمذي هذا حديث غريب وفيه فائد يضعف في الحديث، وقال أحمد متروك قلت أخرجه الحاكم في المستدرك وقال أبو الورقاء فائد مستقيم، وفي الوجيز وله شاهد عن أنس للطبراني وفيه عباد بن عبد الصمد ضعيف، وللديلمي وفيه أبو هاشم ضعيف وشاهد عن أبي الدرداء بسند حسن لأحمد: اللآلئ وذلك الشاهد الذي لأحمد بلفظ "من توضأ فاسبغ وضوءه ثم صلى ركعتين يتمهما إلا أعطاه الله ما سأله معجلا أو مؤخرا" أخرجه أحمد والشاهد الذي للديلمي وعن أنس بلفظ "ركعتان بآية الكرسي في الأولى وآمن الرسول في الثانية ثم يدعو بعد السلام اللهم يا مؤنس كل وحيد ويا صاحب كل فريد ويا قريبا غير بعيد ويا شاهدا غير غائب ويا غالبا غير مغلوب يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا بديع السماوات والأرض أسألك باسمك الرحمن الرحيم الحي القيوم الذي عنت له الوجوه وخشعت له ووجلت له القلوب من خشيته أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تفعل بي كذا فإنه يقضي حاجته" واثنتا عشرة ركعة في المسجد الجامع يوم الجمعة بعد تقديم صوم الأربعاء والخميس والجمعة وتقديم الصدقة يقرأ في عشرة ركعات آية الكرسي عشرا عشرا وفي الركعتين الإخلاص مرة" فيه أبان بن عياش متروك. واثنتا عشرة ركعة ليلا ونهارا وتتشهد من كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فاثن عليه تعالى وصل على النبي صلى الله
\\ ص 51 \\
عليه وسلم واقرأ وأنت ساجد الفاتحة سبعا وآية الكرسي سبعا وقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير عشرا ثم قل اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك ثم سلم. للحاكم موضوع فيه عمرو بن هارون كذاب. قلت روى له الترمذي وابن ماجه وكان من أوعية العلم على ضعفه وكثرة مناكيره وما أظنه يتعمد الكذب ووجدت له طريقا آخر قيد فيه "بعد المغرب اثنتا عشرة ركعة في كل ركعة فاتحة الكتاب سبع مرات وسورة حتى إذا كان آخر ركعة قرأ بين السجدتين الفاتحة والإخلاص وآية الكرسي سبعا سبعا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشرا ثم سجد آخر سجدة له فيقول فيه بعد تسبيحه اللهم إني أسألك إلخ. ثم يسأل الله يغفر كل ذنوبه ويستجاب دعوته قال ولا تعلموها سفهاءكم فيدعون لأمر باطل" فيه من تركوه وذكر الزركشي إن أبا حنيفة رحمه الله في الجامع الصغير كره الدعوة بمعاقد العز وإن جاء الحديث إذ لا ينكشف معناه: قال في النهاية بعد بيان معناه وأصحاب أبي حنيفة يكرهونه قال ابن الجزري في الحصن الحصين عن البيهقي وغير واحد وعن نفسه أنه قد جربه لقضاء الحاجة فوجده كذلك وكذا ذكر الديلمي عن غير واحد.
[الفصل] التاسع
في صلاة التوبة ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ القرآن وقضاء الدين وعصمة الأولاد والأملاك.
- اللآلئ : "صلاة التوبة يغتسل ليلة الاثنين بعد الوتر ويصلي اثنتي عشرة ركعة بالكافرون مرة والإخلاص عشر مرات ثم يصلي أربع ركعات ثم يقرأ في سجوده آية الكرسي ثم يجلس ويستغفر مائة مرة ويصبح صائما ويصلي عند إفطاره
\\ ص 52 \\
ركعتين بالإخلاص خمس عشرة مرة ويدعو" إلى آخره موضوع. وأيضا "ثمان ركعات ليلة الجمعة بالإخلاص خمسا وعشرين مرة وبعد السلام يصلي ألف مرة تكفر الذنوب ولو ترك صلاة مائتي سنة ويرى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم" موضوع فيه مجاهيل.
- "صلاة رؤيته صلى الله عليه وسلم ركعتان ليلة الجمعة بخمس وعشرين الإخلاص وبعد السلام يصلي على النبي الأمي ألف مرة" لا يصح فيه مجاهيل وأيضا "يغتسل ليلة الجمعة ويصلي ركعتين يقرأ فيهما الإخلاص مرة" فيه ابن عكاشة كذاب.(/21)
- صلاة حفظ القرآن الدارقطني قال لعلي رضي الله عنه "صل ليلة الجمعة أربع ركعات في الأولى يس وفي الثانية حم الدخان وفي الثالثة الم السجدة وفي الرابعة تبارك الذي وأحمد بعد التشهد واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم قل اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حب كتابك كما علمتني وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني وأسألك أن تنور بالكتاب بصري وتعينني عليه فإنه لا يعنيني على الخير غيرك ولا يوفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع خمسا أو سبعا تحفظ بإذن الله وما أخطأ مؤمنا قط" لا يصح فيه محمد بن إبراهيم مجروح وأبو صالح متروك وقيد الدارقطني في روايته بالثلث الأخير من ليلة الجمعة.
- في الوجيز ابن عباس "إن عليا قال يا رسول الله إن القرآن تفلت من صدري" إلخ. في دعاء حفظ القرآن فيه محمد بن إبراهيم القرشي مجروح وأبو صالح متروك والوليد يدلس التسوية والمتهم به محمد بن الحسين النقاش قلت قال ابن حجر هذا الكلام كله تهافت والنقاش بريء من عهدته فإن الحديث أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي من طريق ليس فيها النقاش ولا أبو صالح ولا محمد بن إبراهيم.
@ في الذيل "يا ابن عباس ألا أهدي لك هدية علمني جبريل للحفظ تكتب على طاس بزعفران فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص وسورة يس والواقعة والجمعة
\\ ص 53 \\
والملك ثم تصب عليه ماء زمزم أو ماء السماء ثم تشربه على الريق عند السحر بثلاثة مثاقيل من لبان وعشرة مثاقيل من سكر طبرزد وعشر مثاقيل عسل ثم تصلي بعد الشرب ركعتين بمائة مرة { قل هو الله أحد } في كل ركعة خمسين مرة ، ثم تصبح صائما يا ابن عباس فلا يأتي عليك كذا وكذا إلا وتصير حافظا ، وهذا لمن دون ستين سنة . قال ابن عباس : وجدناه نافعا" . هذا كذب بين.
- "وعشرون ركعة بالإخلاص لحفظ النفس والمال والولد والوالدين" موضوع.
- "علمني جبريل دعاء في قضاء الدين فقال من أصابه دين فليتوضأ وليصل إذا زالت الشمس أربع ركعات وليقرأ في كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسي فإذا سلم قرأ قل اللهم مالك الملك إلى بغير حساب ثم يقول يا فارج الهم يا كاشف الغم يا مجيب دعوة المضطرين يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك اقض ديني فإن الله يقضي دينه" وفيها اسم الله الأعظم من نسخة نبيط بن شريط الكذاب.
[الفصل] العاشر
في بعض السجدات وسجدة بعد الوتر
- في بعض الرسائل قال أبو سعيد في التتمة جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعون فيها ولا أصل لتلك السجدة أصلا ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة وذلك بدعة، وقال الغزالي في الإحياء قد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذن للإقامة يوم الجمعة ولا يثبت له أصل في خبر ولا أثر لكن الوجه للتحريم (1) انتهى
- وفي الصحيحين عن عائشة "كان صلى الله عليه وسلم يصلي إحدى عشرة ركعة كانت تلك صلاته يعني بالليل فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة" وعن القاضي أنه استدل به لجواز التقرب بسجدة فردة لغير التلاوة والشكر وقد
------------- ص 53 -----------
(1) قوله "لكن الوجه للتحريم" لم توجد هذه الزيادة في نسخ الإحياء فحرر. إدارة.
\\ ص 54 \\
اختلفت الآراء في جوازه.
- وفي " الحصن الحصين ": والسجود بعد الوتر موضوع ولكن صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعده ركعتين جالسا.
باب
فضل الذكر خفية وجهرا ومد كلمة التوحيد والتسبيح بالأنامل والجلوس مع الذكر وأنه أفضل من الدعاء وذكر الإفطار ودخول السوق والمسبعات
- في المختصر "من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار" صحيح.
- "من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل ما إخلاصها قال أن تحرزه مما حرم الله" حسن.
- "يفضل الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة على الذكر الذي يسمعه الحفظة سبعين درجة" سنده ضعيف.
- في المقاصد "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" صححه ابن حبان وأبو عوانة.
- "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في النشور" روي بسند ضعيف عن ابن عمر.
- "هم القوم لا يشقى جليسهم" متفق عليه في فضل الذاكرين.(/22)
- اللآلئ صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين يديهما قاص فقال حدثنا أحمد ويحيى عن النبي صلى الله عليه وسلم "من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب" وأخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة فجعل أحمد ينظر إلى يحيى بن معين ويحيى ينظر إلى أحمد فقال له أنت حدثته بهذا فيقول والله ما سمعت بهذا إلا الساعة فلما فرغ من قصصه وأخذ القطيعات من الناس ثم قعد ينظر بقيتها قال له يحيى بيده تعال فجاء متوهما لنوال فقال له يحيى من حدثك به قال أحمد ويحيى فقال أنا يحيى وهذا أحمد ما سمعنا بهذا قط في الحديث وإن كان لا بد والكذب فعلى غيرنا فقال له أنت يحيى قال نعم قال لم أزل اسمع أن يحيى أحمق ما تحققته إلا الساعة فقال له كيف تحققته قال كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما قد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين فوضع أحمد كمه على وجهه وقال دعه يقوم فقام كالمستهزئ بهما.
- عن عمر "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" موضوع
\\ ص 55 \\
تفرد به من لا يحتج به وهو صفوان بن أبي الصهباء قلت قال ابن حجر بل هو حديث حسن أخرجه البخاري في خلق الأفعال أورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب واستند إلى تضعيف ابن حبان لصفوان ولم يستمر ابن حبان عليه بل ذكره في الثقات، وللحديث شواهد في الوجيز وكذا وثقه ابن شاهين وابن خلفون وابن معين وحسن الترمذي عن أبي سعيد وأخرجه البيهقي عن جابر والديلمي عن حذيفة.
- في الذيل "يقول الله لا إله إلا أنا كلمتي من قالها أدخلته جنتي ومن أدخلته جنتي فقد أمن والقرآن كلامي ومني خرج" موضوع.
- "من قال حين يدخل السوق سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير أعطي من الأجر بعدد ما خلق الله إلى يوم القيامة" من نسخة عبد الله بن أحمد الكاذبة.
- "لو يعلم الأمير ما له في ذكر الله لترك إمارته ولو يعلم التاجر ما له في ذكر الله لترك تجارته ولو أن ثواب تسبيحة قسم على أهل الأرض لأصاب كل واحد منهم عشرة أضعاف الدنيا" فيه أبو داود النخعي وضاع كذاب.
- أنس "ليس من الكلام شيء إلا والشفتان تلتقيان إلا ما كان من شهادة أن لا إله إلا الله فإن الشفتين لا تلتقيان بها من حلاوتها وعظمها فاستكثروا من التوحيد في ابتداء كلامكم وآخره" إسناده ظلمات فيه أربعة كذابون،
وعنه: "من قال لا إله إلا الله ومدها هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبائر"
فيه نعيم كذاب(1).
@ "ما من مسلم يصوم فيقول عند إفطاره يا عظيم يا عظيم أنت إلهي لا إله غيرك اغفر لي الذنب العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه علموها عقبكم فإنها كلمة يحبها الله ورسوله ويصلح بها أمر الدنيا والآخرة" هو شاذ بمرة في إسناده مجاهيل.
@ "الذكر شكر من الله تعالى فأدوا شكره" من نسخة نبيط بن شريط الكذاب.
@ في المختصر "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس فلا تغفلن واعقدن بالأنامل فإنها مستنطقات يعني بالشهادة يوم القيامة" صححه الحاكم.
- ابن عمر "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح" إنما هو عبد الله بن عمرو بن العاص كما في أبي داود
--------- هوامش -------------
(1) تعليق برنامج المحدث :
[مناقشة دار الحديث:
قال شيخنا المحدث محمود الرنكوسي ما معناه أن بعض العلماء طعنوا في هذا الحديث بسبب كثرة الثواب الموعود فيه، وأجاب أن مثل هذا الثواب لا يستكثر من الله، وأورد مثال الكافر وكيف يُكَفِّر عنه ذلك القول أكثر من تلك الذنوب، فما بال المسلم!
واستيفاء البحث في هذا الموضوع يكون بالنظر إلى سند الحديث ومتنه:
أما السند فضعيف لوجود كذاب فيه،
وأما المتن فصحيح عقلا ونقلا، وأخطأ من حكم بوضعه بناء على كثرة الثواب الموعود:.
- أما صحته عقلا:
فلما ورد أعلاه، مقارنة مع إسلام الكافر، ولا يبطل هذا الدليل بكون الكافر لم يكن مكلفا، وذلك لما سيأتي نقلا.
- وأما صحته نقلا:
- فأولا لأنه لا يكبر ذنب مع سعة رحمة اللهِ، إلا الشرك، قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
- وثانيا لما روى الإمام أحمد، والترمذي وقال حسن غريب، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو:(/23)
إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب! فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب! فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج بطاقة فيها "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله". فيقول: أحضر وزنك. فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: فإنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء.
فهذا نص صريح في موضوع البحث، وانظر تعليله، صلى الله عليه وسلم: "ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء".
- وثالثا لقوله صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى.
رواه الشيخان عن عتبان بن مالك (كشف الخفاء).
ختاما يتبين خطأ من حكم على الحديث بالوضع، ونرى سبب إصرار علماؤنا، جزاهم الله الخير، على قصر تصحيح وتضعيف الأحاديث على أكابر محدثي هذه الأمة.
عرفان الرباط وغياث حامد، دار الحديث]
\\ ص 56 \\
والنسائي والترمذي والحاكم.
- حديث كرز بن وبرة عن رجل عن إبراهيم التيمي "إن الخضر علمه المسبعات" لا أصل له ولم يصح قط اجتماع الخضر بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا علم اجتماعه ولا حياته ولا موته.
باب
فضل الدعاء لأربعين مسلما وقبوله برفع اليد فيه والصلاة قبله وبظهر الغيب ومن الضعفة وعلى الظالم والكفور وعدم قبوله على الحبيب ودعاء حفظ القرآن والذهاب إلى المسجد ورد البصر وغرس الشجر وطول العمر وسعة الرزق ورؤية الجنازة وللمنعم بجزاك الله ودعائه لا تحوجني إلى شرار خلقك
@ في المختصر "كان صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يسمح بهما وجهه" للترمذي غريب والحاكم ضعيف.
@ "إذا سألتم الله حاجة فابدؤوا بالصلاة علي فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى" رواه أبو طالب المكي لم نجده مرفوعا لكنه موقوف على أبي الدرداء.
@ حديث الدعاء للأخ يظهر الغيب وفيه "يقول الله تعالى أعبدي" لم يوجد.
@ "الدعاء يستجاب للرجل في أخيه ما لا يستجاب له في نفسه" لم يوجد.
@ في المقاصد "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" لأبي داود وغيره عن أبي هريرة رفعه.
@ اللآلئ "ما كان الله ليفتح على العبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة الله أكرم من ذلك" لا أصل له.
@ "سألت الله عز وجل أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيب" موضوع.
@ "من أنعم على أخيه نعمة فلم يشكرها فدعا الله عليه استجيب له" لا يصح: قلت قد توبع من اتهم فيه، وفي الوجيز فيه جعفر بن عبد الواحد يضع وله طريق ثان فيه نصر بن قديد يكذب وشيخه وشيخ شيخه مجهولان عن نصر ابن سيار أمير خراسان قلت أخرجه من الثاني: البيهقي قال له شواهد.
@ في اللآلئ "يستجيب للمتظلمين ما لم يكونوا أكثر من الظالمين فإذا كانوا أكثر منهم
\\ ص 57 \\
فيدعون فلا يستجيب لهم" فيه إبراهيم يضع.
@ عن ابن مسعود رفعه "من أراد أن يوعيه الله حفظ القرآن فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف بعسل مادي ثم ليغسله بماء المطر قبل أن يمس الأرض فليشربه على الريق ثلاثة أيام فإنه يحفظه بإذن الله اللهم إني أسألك فإنك مسئول لم يسأل مثلك أسألك بحق محمد رسولك ونبيك وإبراهيم خليلك وصفيك وموسى كليمك ونجيك وعيسى كلمتك وروحك وأسألك بصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وفرقان محمد وأسألك بكل وحي أوحيته وبكل حق قضيته وبكل سائل أعطيته وبكل ضال هديته وغنى أغنيته وأسألك بأسمائك التي دعاك بها أولياؤك فاستجبت لهم وأسألك بكل اسم أنزلته في كتابك وأسألك باسمك الذي أثبت به أرزاق العباد وأسألك باسمك الذي وضعته على الليل فاظلم وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت وأسألك باسمك الذي استقل به عرشك وأسألك باسمك الواحد الأحد الصمد الفرد العزيز الذي ملأ الأركان كلها الظاهر الطاهر المطهر المبارك المقدس الحي القيوم نور السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال وأسألك بكتابك المنزل بالحق ونورك التام وبعظمتك وبكبريائك أن ترزقني حفظ كتابك القرآن وحفظ أصناف العلم وثبتها في قلبي وسمعي وبصري وتخلط بها لحمي ودمي وتستعمل بها جسدي في ليلي ونهاري فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله" موضوع المتهم به عمر بن صبح قلت له طريق آخر فيه موسى ابن إبراهيم كذاب. وورد عن أبي بكر الصديق وفيه عبد الملك بن هارون دجال وإعضال (1)
@ الصغاني "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" موضوع.
@ في الذيل "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته يريد المسجد فقال بسم الله الذي خلقني فهو يهدين الآية وذكر أنه يستجاب كل لفظة" فيه مسلم بن سالم ليس بشيء.(/24)
@ "اللهم رب الأرواح الفانية والأجساد البالية أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى الأجساد بالطاعة وبطاعة الأجساد الملتئمة وأخذك الحق منهم والخلائق بين يديك ينتظرون فصل قضائك ويرجون
--------- هوامش --------
أي وفي سنده إعضال أيضا اهـ إدارة.
\\ ص 58 \\
رحمتك ويخافون عذابك أن تجعل النور في بصري واليقين في قلبي وذكرك بالليل والنهار على لساني وعملا صالحا فارزقني" إذا دعا به المكفوف في جوف الليل بعد ركعتين رد عليه بصره ولا يدعي به شيء من أمر الدنيا. لم يتبين حاله وسنبينه إن شاء الله تعالى.
@ قال المذنب ذكره ببعض تغيير صاحب العدة عن الدينوري عن ليث بن أبي سليم موقوفا "من دعا لأربعين رجلا من إخوانه من المسلمين يسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم غفر الله له وادخله الجنة بغير حساب" رجاله كلهم ضعفاء.
@ "من رأى جنازة فقال الله أكبر صدق الله ورسوله هذا ما وعدنا الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما كتب له عشرون حسنة في كل يوم من يوم يقولها إلى يوم القيامة" فيه كذاب.
@ "من سره أن ينسأ له في عمره وينصر على عدوه ويوسع عليه في رزقه ويوقى ميتة السوء فليقل حين يمسي وحين يصبح ثلاث مرات سبحان الله ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش ولا إله إلا الله كذلك والله أكبر كذلك" فيه عمرو بن الحصين متروك كذاب.
@ "أفضل الدعاء أن يقول العبد اللهم ارحم أمة محمد رحمة عامة" فيه راوي الموضوعات.
@ "قال علي اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك فقال صلى الله عليه وسلم لا تقل هكذا فإنه ليس أحدا إلا وهو محتاج إلى الناس ولكن قل اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك الذين إذا أعطوا منوا وإن منعوا عابوا" لا أصل له فيه ابن فرضخ متهم بالوضع قلت له طريق آخر عند أبي نعيم.
@ "من غرس غرسا يوم الأربعاء فقال سبحان الله الباعث الوارث أتته بأكلها" هو من أباطيل العباس بن بكار الكذاب.
@ "ما سعد من سعد ولا شقي من شقي إلا بالدعاء" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ "اغتنموا دعاء ضعفاء أمتي فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم" فيه هشام كذبه الصوري والخطيب.
@ "ما من عبد يبسط كفه في دبر صلاته ثم يقول اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إله جبريل وميكائيل وإسرافيل أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر وتعصمني في ديني فإني مبتلى وتنالني برحمتك فإني مذنب وتنفي عني الفقر فإني مستمسك إلا كان حقا على الله أن لا يرد يديه خائبتين
\\ ص 59 \\
فيه متهم.
- " إذا اصطنع أحدكم إلى أخيه معروفا فقال له جزاك الله خيرا يقول الله عز وجل عبدي أسدى إليك أخوك معروفا فلم يكن عندك ما يكافئه وأحلته الخير مني الجنة" قال الخطيب إسناده مظلم وفيه غير واحد من المجهولين.
باب
أدعيته صلى الله عليه وسلم
@ في المختصر "اللهم أصلح الراعي والرعية وهو القلب والجوارح" روي بدون تفسيرهما وكلاهما لم يوجد.
@ "اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي واجعل علانيتي صالحة" لم يوجد.
@ "اللهم إني أعوذ من دنيا تمنع خير الآخرة وأعوذ من حياة تمنع خير الممات وأعوذ بك من عمل أمل يمنع خير العمل" ضعيف.
@ "اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلى فاسكني أحب البلاد إليك فاسكنه الله تعالى المدينة" فيه من هو ضعيف جدا ولهذا قيل لا يختلف أهل العلم في إنكار الحديث ووضعه.
@ "اللهم لا تؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك ولا تهتك عنا سترك ولا تجعلنا من الغافلين" من حديث معروف الكرخي مرفوعا من قال هذا الدعاء بعث الله إليه ملكا في أحب الساعات إليه فيوقظه.
@ "اللهم أحيني مسكينا وامتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين" عن أنس وفيه الحارث بن النعمان وأنكره البخاري وغيره قلت تردد فيه ابن حبان من أن للحديث طرقا عن أبي سعيد وأبي قتادة لا يحسن الحكم معها بالوضع، وفي موضع آخر من المختصر هو لابن ماجه. والحاكم مصححا والترمذي مغربا. قلت ذكره أبو الفرج في الموضوعات: القزويني هو حديث المصابيح في عيشه موضوع. اللآلئ فيه الحارث منكر قلت هذا لا يقتضي الوضع وله شاهد وأسرف ابن الجوزي بذكره في الموضوعات وكأنه أقدم لما رآه مباينا لحاله لأنه كان مكفيا، ووجهه البيهقي بأنه لم يسأل ما يرجع إلى القلة بل ما يرجع إلى الإخبات والتواضع، وفي الوجيز أورده. وعن أنس وفيه الحارث بن النعمان أنكره البخاري وعن أبي سعيد وفيه يزيد بن سنان متروك عن أبي مبارك مجهول
\\ ص 60 \\
قلت حديث أنس عند الترمذي والبيهقي والحارث لم يتهم بكذب بل قيل ليس بقوي ومن يوصف بهذا يحسن حديثه بالمتابعة ولحديث أبي سعيد طريق آخر صححه الحاكم وأقره الذهبي وورد عن عبادة بن الصامت وصححه الضياء.
@ وعن ابن عباس "عائشة كان صلى الله عليه وسلم يكثر هذا الدعاء اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقطاع عمري" فيه متروكان قلت أحدهما متابع.(/25)
@ الذيل "قال صلى الله عليه وسلم لرجل قد حمل ولده متعك الله به أما إني لو قلت بارك الله لك فيه لفقدته" من نسخة نبيط الكذاب.
باب
الزكاة وتحريها للعالم وزكاة الحلي والدار ولا يجتمع خراج وعشر
@ اللآلئ "أدوا الزكاة وتحروا بها أهل العلم فإنه أبر وأتقى" باطل موضوع.
@ "لا يجتمع على مؤمن خراج وعشر" باطل وإنما حكاه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله فوصله يحيى وهو متهم.
@ في المقاصد "زكاة الحلي عارية" يذكره الفقهاء وروى من قول ابن عمرو سعيد بن المسيب وإحدى الروايتين عن الشعبي وعن أحمد ابن عمرو عائشة وأنسا وجابرا وأسماء كانوا لا يرون في الحلي زكاة وعن أسماء أنها كانت تحلي بناتها الذهب نحوا من خمسين ألفا ولا تزكيه! قال البيهقي وما يروى مرفوعا "ليس في الحلي زكاة" فباطل لا أصل له.
@ في الذيل أنس "لكل شيء زكاة وزكاة البيت دار الضيافة" لأبي سعيد في الموضوعات وضعه أحمد بن عثمان أو شيخه وقيل منكر.
باب
أن السؤال فاحشة إلا من الحسان والرحماء وحق السائل ورده في المسجد وزجره.
@ في المقاصد "التمسوا الخير عند حسان الوجوه" قيل لابن عباس كم من رجل قبح الوجه قضاء للحوائج قال إنما يعني حسن الوجه عند طلب الحاجة: طرقه كلها
\\ ص 61 \\
ضعيفة ومع هذا لا يتهيأ الحكم على المتن بالوضع كما أشار شيخنا.
@ وفي المختصر "اطلبوا الخير" إلخ. أكثر طرقه ضعيفة، وفي اللآلئ وروى "عند صباح الوجوه" وله طرق وهذا الحديث في نقدي حسن وقد جمعت طرقه في جزء، وفي الوجيز هو للطبراني رجاله إلا عبد الله بن خراش مختلف فيه وهذا الطريق على انفرادها علي شرط الحسن فكيف ولها متابعات.
@ أبو سعيد "اطلبوا الفضل من الرحماء تعيشوا في أكنافهم" إلخ. فيه عبد الرحمن السدي مجهول: قلت إنما فيه محمد بن عبد الرحمن السدي الصغير المعروف بالكذب لكنه توبع عن داود بن أبي هند وورد من حديث علي صححه الحاكم: الصغاني هو موضوع، وفي اللآلئ بزيادة "فإني جعلت فيهم رحمتي ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم سخطي" وذكر ابن حجر له طرقا وشواهد واختلاف الألفاظ.
@ "دخل صلى الله عليه وسلم على بلال يوما من الأيام فوقف بالباب سائل فرده بغير شيء فقال يا بلال رددت السائل وهذا التمر عندك قال بلى يا رسول الله كنت صائما وأردت أن أفطر عليه فقال إن أردت أن تلقى الله وهو عنك راض فلا تخبأ شيئا رزقته ولا تمنع شيئا سألته" لا يصح فيه واضع قلت له شواهد منها ما روى "أنه صلى الله عليه وسلم دخل على بلال وعنده صبرة من التمر فقال ما هذا يا بلال قال يا رسول الله ادخرته لك ولضيافتك قال أما تخشى أن يكون له دخان في نار جهنم أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا" ومنها غير ذلك: قال المصنف هذه الأحاديث كانت في صدر الإسلام حين كان الادخار ممنوعا والضيافة واجبة ثم نسخ الأمران وإنما دخل الدخيل على كثير من الناس لعدم علمهم بالنسخ والله أعلم.
@ الصغاني "لولا أن السؤل يكذبون ما قدس من ردهم" موضوع.
@ وفي المقاصد و اللآلئ والمختصر "لو صدق السائل ما أفلح من رده" العقيلي لا يصح في الباب شيء وروي "لو صدق المساكين" وله طرق لا تخلو عن ضعاف وقال ابن عبد البر أسانيدها ليست بقوية، وقال ابن المديني لا أصل لها.
@ القزويني "أعطوا السائل وإن جاء على فرس" هو حديث المصابيح موضوع، وفي المختصر
\\ ص 62 \\
"للسائل حق وإن … " إلخ. لا يصح، وفي المقاصد سنده جيد كما قال العراقي وتبعه غيره لكن قال ابن عبد البر أنه ليس بالقوي وله طرق لا تخلو عن ضعف.
@ وفي الذيل "من رد جائعا وهو قادر على أن يشبعه" سيجيء في الرتنيات.
@ "إن أتاك سائل على فرس باسط كيفه فقد وجب له الحق ولو بشق تمرة" من نسخة أبي هدبة عن أنس، وفي الوجيز عده أحمد من أربعة موضوعات تدور في الأسواق: قال العراقي لا يصح هذا عن أحمد فإنه أخرجه في مسنده عن الحسين بن علي رضي الله عنه بسند جيد رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود عنه وعن علي وأخرجه ابن عدي عن ابن عباس والطبراني عن الهرماس بن زياد.
@ في المختصر "مسألة الناس من الفواحش ما أجد من الفواحش غيرها" لم يوجد.
@ "من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله ومن لم يسألنا فهو أحب إلينا" إسناده جيد.
@ في الذيل "إذا وقف السائل عليكم فدعوه حتى يفرغ من كلامه فإن كان شيء فابلغوه إياه وإن لم يكن فقولوا رزقنا الله وإياك ولا تقولوا بورك قيل وأعرضوا عليه الماء" فيه محمد بن سليمان.
@ ابن حبان سمعت جعفر بن أبان يملي ثنا محمد بن رمح ثنا الليث عن ابن عمر رفعه "ينادي مناد أين بغضاء الله فيقوم سؤال المساجد" فقلت لا تكذب على رسول الله وخوفته حتى حلف لا يحدث بمكة.
@ في الوجيز "إذا رددت على السائل ثلاثا فلا بأس أن تزبره": عن ابن عباس وفيه الوليد بن الفضل يروى المناكير، وعائشة وفيه وهب بن زمعة يضع قلت لحديث ابن عباس طرق أخر للديلمي ليس فيه الوليد وورد عن أبي هريرة الطبراني.
باب(/26)
فضل السخاء والإحسان إلى فقير أو غني أو قريبه أو نفسه وأنه شرط الولي والتصديق بكرة وتصدق الخازن وذم الشح وأنه سبب السلب وأن طعامه داء وأنه ظلم أي ظلم
- في المختصر "كل معروف فعلته إلى غني أو فقير صدقة" ضعيف.
@ وفي
\\ ص 63 \\
المقاصد "كل معروف صدقة" للشيخين وروي بزيادة "وكلما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة" وبزيادة "يضعه أحدكم إلى غني أو فقير".
@ وفي الباب عن جماعة من الصحابة: في المختصر "السخاء شجرة في الجنة أغصانها متدلية إلى الأرض فمن أخذ منها غصنا قاده ذلك الغصن إلى الجنة" لجماعة كلها ضعيفة، ولابن الجوزي في الموضوعات، وفي اللآلئ زاد البيهقي "والبخل شجرة من شجر النار أغصانها مدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى النار" ضعيف وذكر له طرقا لا تخلو عن كذاب أو ضعيف.
@ الصغاني "تجافوا عن ذنب السخي فإن الله تعالى أخذ بيده كلما عثر" موضوع، وفي المختصر هو لجماعة ضعيف ولابن الجوزي في الموضوعات: اللآلئ أخرجه الدارقطني عن ابن مسعود وقال تفرد به عبد الرحيم بن حماد قلت بل توبع محمد بن حميد، وورد عن ابن عباس وأبي هريرة، والوجيز بلفظ "تجاوزا" قال وله شاهد بلفظ "تجافوا" إلخ. وفي إسناده مجاهيل.
@ الذيل "أقبلوا لحسن الخلق السخي زلته فإنه يعثر حتى يأخذ الله بيده" من نسخة نبيط الكذاب.
@ "إذا أراد الله بعبده خيرا بعث إليه ملكا من خزان الجنة فيمسح ظهره فيسخي نفسه بالزكاة" هو حديث محمد ابن الأشعث عن أهل البيت وله نسخة عنهم عامة أحاديثها مناكير.
@ "يقول الله عز وجل السخي مني وأنا منه وإني لأدفع عن السخي عذاب القبر وشدة القيامة والسخي يمشي على الأرض وأنا عنه راض" من كتاب العروس الذي أحاديثه منكرة.
@ الخلاصة "الجنة دار الأسخياء" موضوع قاله الصغاني: المختصر ضعيف وابن الجوزي فيها والوجيز هو حديث عائشة وفيه جحدر عن بقية وجحدر يروي المناكير ويسرق: قلت تابعه عن بقية محمد بن عوف.
@ المقاصد "السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار" وذكر في البخيل ضده ذكره ابن الجوزي قال الدارقطني لا يثبت شيء من طرق هذا الحديث قال شيخنا ولا يثبت من هذه العبارة أن يكون موضوعا فالثابت يشمل الصحيح والضعيف دونه وهذا ضعيف: اللآلئ زاد العقيلي في آخره "والفاجر السخي أحب إلى الله
\\ ص 64\\
من عابد بخيل" وقال لا أصل له فيه سعيد الوراق ليس بشيء قلت أخرجه الترمذي والبيهقي وقال سعيد ضعيف وذكر السخاوي شطره الأخير وقال لا أصل له.
@ الوجيز "السخي قريب من الله" إلخ. عن أبي هريرة وفيه سعيد الوراق، وعن عائشة وفيه سعيد بن مسلمة وتابعه غريب بن عبد الله وهو مجهول وعن أنس وفيه محمد ابن تميم يضع: قلت حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي وتابع الوراق عبد العزيز ابن أبي حازم وتبع تليد بن سليمان سعيد بن مسلمة.
@ الخلاصة "يحب السماحة ولو على تمرات ويحب الشجاعة ولو على قتل حية" موضوع قاله الصغاني: اللآلئ هو عند ابن عدي بلفظ "يا زبير إن باب الرزق مفتوح من لدن العرش إلى قرار بطن الأرض فيرزق الله كل عبد على قدر همته يا زبير الله يحب السماحة ولو بفلق تمرة ويحب الشجاعة ولو بقتل الحية والعقرب" لا يصح.
@ "الفقراء مناديل الأغنياء يمسحون بها ذنوبهم" موضوع.
@ "باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها" لا أصل له قلت له طريق آخر ضعيف، وفي الوجيز هو حديث أنس وفيه أبو يوسف لا يعرف وبشير بن عبيد منكر الحديث قلت أخرجه البيهقي وأبو يوسف هو القاضي المشهور صاحب أبي حنيفة وله شاهد من حديث بسند ضعيف، وفي المقاصد فيه كذاب قال شيخنا ولكن لا يتبين لي وضعه كما حكم به ابن الجوزي سيما وله شاهد معنى ولفظا وقد ذكره رزين في جامعه مع أنه ليس في شيء من الأصول.
@ "الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيب نفسه إلى الذي أمر به أحد المتصدقين" متفق عليه.
@ الخلاصة "من أيقن بالخلق جاد بالعطية" موضوع عند الصغاني.
@ في المقاصد "إن لله تعالى عبادا يخصهم بالنعم لمنافع العباد فمن بخل بتلك المنافع عن العباد نقلها الله تعالى وحولها إلى غيره" ضعيف.
@ "طعام الجواد دواء وطعام البخيل داء" رجاله ثقات، وفي المختصر قال شيخنا هو حديث منكر قال الذهبي هو كذب قال ابن عدي باطل عن مالك فيه مجاهيل وضعفاء ولا يثبت.
@ "ما عظمت نعمة الله على عبد إلا عظمت مؤونة الناس إليه فمن لم يتحمل تلك المؤونة عرض تلك النعمة للزوال" وروي "من عظمت نعمة الله عليه عظمت حوائج الناس إليه" روى عن
\\ ص 65 \\
معاذ رفعه وله طرق باختلاف ألفاظ يؤكد بعضها بعضا، وفي المختصر "من عظمت" إلخ. روى عن وجوه كلها غير محفوظة وما عظمت إلخ. ضعيف.
@ "لا ينبغي لمؤمن أن يكون جبانا ولا بخيلا" لم يوجد.
@ "إن الله ليبغض البخيل حياته السخي عند موته" لم يوجد سوى ما في الفردوس بغير سند.(/27)
@ "يقول قائلكم الشحيح أعذر من الظالم عند الله تعالى "حلف الله بعزته وعظمته وجلاله لا يدخل الجنة شحيح ولا بخيل" لم يوجد، وفي الذيل.
@ "منع الخمير يورث الفقر ومنع الملح يورث الداء ومنع الماء يورث النذالة ومنع النار يورث النفاق" فيه سليمان بن عمرو وأبو داود النخعي كذاب.
@ "لو أن ليهودي حاجة إلى أبي جهل فطلب مني قضاءها لترددت إلى باب أبي جهل مائة مرة" موضوع رتني.
باب
الهدية سيما عند الحاجة
@ في المختصر "تهادوا تحابوا" ضعيف "من أهدى له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها" لابن حبان والطبراني والبيهقي ضعيف، وفي المقاصد روى عن ابن عباس والحسن بن علي وعائشة مرفوعا قال العقيلي لا يصح في هذا الباب شيء عند النبي صلى الله عليه وسلم وكذا قال البخاري عقيب إيراده تعليقا أنه لا يصح ولكن هذه العبارة من مثله لا تقتضي البطلان بخلافها من العقيلي وعلى كل حال فقد قال شيخنا والموقوف أصح.
@ وفي الوجيز "إذا أتى أحدكم بهدية فجلساؤه" إلخ. عن ابن عباس وفيه عبد السلام بن عبد القدوس يروى الموضوعات وتابعه مندل ابن علي ضعيف، وعن عائشة وفيه الوضاع لا يتابع عليه قلت حديث ابن عباس علقه البخاري في صحيحيه وهو مشعر بأن له أصلا ولعبد السلام ومندل متابع ومندل لم يتهم بكذب بل لين وقيل جائز الحديث يتشيع وله شاهد عن الحسن بن علي.
@ اللآلئ: عن أنس "إن أحسن الهدية إمام الحاجة" قال الدارقطني باطل "نعم مفتاح الحاجة الهدية بين يديها" لا يصح فيه عمرو بن خالد كذاب واضع روى
\\ ص 66 \\
الخطيب عن العتيقي قال حضرت الدارقطني وقد جاءه أبو الحسين البيضاوي ببعض الغرباء وسأله أن يقرأ له شيئا فامتنع واعتل ببعض العلل وسأله أن يملي عليه أحاديث فأملى عليه الدارقطني "نعم الشيء الهدية إمام الحاجة" وانصرف الرجل ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئا فقربه وأملى عليه من حفظه بضعة عشر حديثا متون جميعها "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" قال المؤلف واعجبا منه كيف روى حديثين ليس فيهما ما يصح ولم يبين قلت بل واعجبا من المؤلف كيف يحطم على رد الأحاديث الثابتة من غير تثبت ولا تتبع فإن حديث "إذا أتاكم" ورد من رواية أكثر من عشرة من الصحابة فهو متوافر عند من يكتفي بالعشرة وحديث الهدية ورد عن عائشة والحسن بن علي.
باب
القرض وإنظار المعسر
@ في المقاصد "القرض مرتين في عفاف خير من الصدقة مرة" الديلمي مسند من حديث ابن مسعود.
@ وفي الباب عن أنس بل لابن ماجه مرفوعا "من أنظر معسرا كان له مثله كل يوم صدقة ومن أنظره بعد أجله كان له مثله كل يوم صدقة" وسنده ضعيف: قال الحاكم صحيح على شرطهما ولابن ماجه بسند ضعيف "الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمان عشر"، وفي المختصر "رأيت على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها" إلخ. لا بن ماجه ضعيف.
@ في الذيل "من شدد على أمتي في التقاضي إذا كان معسرا شدد الله عليه في قبره" في سنده الطايكاني مع أن شيخه كذاب.
باب
أن إشباع مؤمن بالمشتهي أفضل من بناء الكعبة ولا يتكلف الضيف وإجابة الوليمة إن دعي سيما التقى ولا يصوم.
@ في المختصر "من أطعم أخاه حتى يشبعه وسقاه حتى يرويه باعده الله من
\\ ص 67 \\
النار سبع خنادق ما بين كل خندقين مسيرة خمسمائة عام" للطبراني غريب منكر أو موضوع، وفي اللآلئ قال ابن حبان موضوع فيه رجاء بن أبي عطاء روى عن المصريين الموضوعات، ومن العجيب تصحيح الحاكم لهذا الحديث مع قوله أن رجاء صاحب موضوعات، وفي الوجيز "من أطعم أخاه خبزا" إلخ. فيه رجاء قلت وثقه الذهبي وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال في الميزان غريب منكر.
@ الصغاني "ما من عمل أفضل من إشباع كبد جائعة" موضوع: اللآلئ قال ابن حبان فيه زربي منكر الحديث قلت روى له الترمذي وابن ماجه: الوجيز قلت له شواهد تقضي بحسنه.
@ الذيل "لما بنى إبراهيم عليه السلام البيت صلى في كل الركن ألف ركع فأوحى الله إليه يا إبراهيم كأنك سترت عورة أو أشبعت جوعة" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال وكذا "من أشبع جوعة أو ستر عورة ضمنت له الجنة" "من أكل طعام متق نقى الله قلبه وجوفه من الحرام أربعين سنة وكتب له عبادة أربعين سنة" من نسخة أبي هدبة.
@ عن أنس في المختصر "من صادف من أخيه شهوة غفر له ومن سر أخاه المؤمن فقد سر الله تعالى" للطبراني باطل لا أصل له وقال أبو الفرج موضوع باطل.
@ في الوجيز أبو الدرداء "من وافق من أخيه شهوة غفر الله له" فيه عمر بن حفص: متروك قلت له شواهد عن أبي هريرة بلفظ "من أطعم أخاه المسلم شهوته حرمه الله النار" عند البيهقي قال هو بهذا السند منكر.
@ اللآلئ "من لذذ أخاه بما يشتهي كتب له ألف ألف حسنة" قال أحمد باطل "أجيبوا صاحب الوليمة فإنه ملهوف" لا يصح.
@ الخلاصة "من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم" موضوع عند الصغاني.(/28)
@ في المقاصد "أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف وصالحوا أمتي" قال النووي ليس بثابت قلت روى معناه بسند ضعيف وأورده الغزالي، وفي المختصر هو ضعيف "لا يتكلفن أحد ضيفه ما لا يقدر عليه" ضعيف.
@ "من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما" مضعف، ولأبي داود بلفظ "من دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا" ضعيف.
\\ ص 68 \\
باب
الإحسان إلى الكرام دون اللئام وجبر قلوبهم وحب المحسن وزكاة الجاه بالسعي في حوائجهم وقود أعمى.
- في المقاصد : " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها" روى مرفوعا وموقوفا على الأعمش وكلاهما باطل روى أن الأعمش قال لما ولي الحسن بن عمارة يا عجبا من ظالم ولي المظالم ما للحائك ابن الحائك والمظالم فأخبر به الحسن فوجه إليه أثوابا فمدحه فقيل له غدا هجوته تروي هذا الحديث وفيه تأمل فإن الأعمش ناسك تارك أجل من هذا المنصب وربما يستأنس للحديث بحديث "اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة يرعاه قلبي".
@ "الخلق كلهم عيال الله فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله" للطبراني وغيره له طرق متأكدة.
@ "ما عبد الله بشيء أعظم من القلوب" لا أعرفه مرفوعا.
@ خلاصة "لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين كما أن الرياضة لا تصلح إلا في نجيب" موضوع عند الصغاني، وفي اللآلئ هو حديث عائشة رضي الله عنها قال العقيلي لا يصح في هذا المتن شيء وفيه يحيى وضاع قلت له متابعون وللحديث شاهد عن أبي أمامة وفي الوجيز عائشة رضي الله عنها "لا تصلح إلى آخره" وفيه "كما لا تنفع الرياضة إلا عند نجيب" فيه متروك قلت تبعه جماعة من الضعفاء ويروى أنه قول عروة وله شاهد عن أبي أمامة بلفظ "إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين أو لذي حسب أو لذي حلم" وفي إسناده مجهول، وعن جابر رفعه "إذا أراد الله بعبد خيرا جعل صنائعه ومعروفه في أهل الحفاظ وإذا أراد بعبد شرا جعل صنائعه ومعروف في غير أهل الحفاظ" فقال حسان بن ثابت:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة
-------------- حتى يصاب بها طريق المصنع
فقال صلى الله عليه وسلم : "صدق".
- في الذيل "من أودع كريما معروفا فقد استرقه ومن أولى لئيما معروفا فقد استحلت عداوته إلا وأن الصنائع لأهل
\\ ص 69 \\
السعادة" فيه مجاهيل.
@ "اصنعوا المعروف إلى من هو أهله ومن ليس أهله فإن لم يصب أهله فأنت أهله" من نسخة عبد الله بن أحمد الموضوعة.
@ في المقاصد "اتق شر من أحسنت إليه" لا أعرفه ويشبه أن يكون كلام بعض السلف وهو محمول على اللئام.
@ اللآلئ "إذا كان يوم القيامة دعا الله تعالى عبدا من عبيده فيقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله" لا أصل له فيه يوسف بن يونس لا يحتج به قلت وثقه الدارقطني وله شاهد بسند فيه منكر.
@ "من أغاث ملهوفا كتب الله له ثلاثا وسبعين مغفرة واحدة منها صلاح أمره كله واثنتان وسبعون درجة له يوم القيامة" موضوع آفته زياد قلت له طريق آخر.
@ في المختصر "من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين" ضعيف.
@ "إن أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على المؤمن" ضعيف.
@ "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" ضعيف.
@ في الذيل "إن الله تعالى عز وجل يكافئ من يسعى لأخيه المؤمن في حوائجه في نفسه وولده إلى سبعة آباء فلا تملوا نعم الله عليكم فقد جعلكم لها أهلا فإن مللتموها حرمكم فضله" قال الخطيب باطل.
@ "من سعى لأخيه في حاجة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" موضوع.
@ "من أخذ بيد مكروب أخذ الله بيده" في الميزان كذب اتهم به أحمد بن الحسين.
@ في المقاصد "من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة يخطوها سبعين حسنة ومحا عنه سبعين سيئة إلى أن يرجع من حيث فارقه فإن قضيت حاجته على يديه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فإن هلك فيما بين ذلك دخل الجنة بغير حساب" لا يصح "من أقاد أعمى مكفوفا أربعين يوما أدخله الله الجنة" له طرق عن ضعاف أو مجاهيل: الصغاني هو بلفظ "أربعين خطوة غفر له ما تقدم من ذنبه" موضوع في الوجيز أورده عن ابن عمر بخمسة طرق وعن جابر بطريقين وعن أنس بهما وعن ابن عباس وأبي هريرة كلها لا تخلو عن كذاب أو ضعيف: قلت عن ابن عمر طريق سادس أيضا ضعيف.
\\ ص 70 \\
باب
فضل الصوم ونية فريضة ثلاثين وتسميته برمضان وعتقاء كل ليلة والإفطار بتمرة وكفارة نقضه وسره وصوم يوم الشك والبيض
@ خلاصة "صوموا تصحوا" موضوع عند الصغاني، وفي المختصر هو ضعيف.
@ "لكل شي زكاة وزكاة الجسد الصوم" ضعيف.
@ وفي الذيل "يسبح للصائم كل شعرة منه ويوضع للصائمين والصائمات يوم القيامة تحت العرش مائدة من ذهب" إلخ. فيه أبو عصمة وضاع.
@ أبو هريرة "ثلاثة لا يسألون عن نعيم المطعم والمشرب المفطر والمتسحر وصاحب الضيف وثلاثة لا يلامون على سوء الخلق المريض والصائم حتى يفطر والإمام العادل" فيه مجاشع يضع.
@ أنس "من صام يوما تطوعا فلو أعطي ملء الأرض ذهبا ما وفي بأجره دون يوم الحساب" فيه كذابان.(/29)
@ في اللآلئ حديث سر فريضة ثلاثين بسبب بقاء الشجرة في جوف آدم ثلاثين فيه من يحدث بالمناكير.
@ "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان" موضوع قلت اقتصر البيهقي على تضعيفه، وفي الوجيز فيه أبو نجيح ليس بشيء قلت هو ضعيف لا موضوع وله شاهد قول مجاهد.
@ اللآلئ "إن لله في كل يوم عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار" لا يثبت.
@ "إن لله في كل يوم من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار كلهم استوجب النار" قال ابن حبان باطل لا أصل له وله طريق آخر بزيادة "فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعد ما مضى".
@ "إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام وإذا سلم رمضان سلمت السنة" فيه كذاب وقال البيهقي فيه ضعيف.
@ "من أفطر على تمرة من حلال زيد في صلاته أربعمائة صلاة" فيه موسى الواضع.
@ "من أفطر يوما من رمضان من غير علة فعليه صوم شهر" فيه ضعيف قلت له طريق آخر.
@ في الذيل عن أنس "مطرت
\\ ص 71 \\
السماء بردا فقال لي أبو طلحة ناولني من هذا البرد فناولته فجعل يأكل وهو صائم فقلت تأكل وأنت صائم قال يا ابن أخي إنه ليس طعام ولا شراب وإنما هو بركة من السماء تطهر به بطوننا فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذ من أدب عمك" فيه عبد الله بن الحسين يسرق في الحديث.
@ "تدرون لم سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب وإن في رمضان ثلاث ليال من فاتته فاته خير كثير ليلة سبع عشرة وليلة تسع عشر وليلة إحدى وعشرين وآخرها ليلة فقال عمر يا رسول الله سوى ليلة القدر قال نعم ومن لم يغفر له في شهر رمضان ففي أي شهر يغفر له" فيه زياد بن ميمونة كذاب.
@ خلاصة "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم" هذا كلام عمار بن ياسر.
@ حديث ابيضاض أيام البيض موضوع قلت له طرق.
@ "صوم البيض أول يوم يعدل ثلاثة آلاف سنة واليوم الثاني يعدل عشرة آلاف سنة واليوم الثالث يعدل ثلاث عشرة ألف سنة" موضوع قلت له طريق آخر غريب وبقية الصيام يجيء في الفضائل.
*2* باب فضائل الحج والطواف سيما في المطر ومنفرد وشفاعة البيت للحجاج وعددهم كل سنة ورفع حصى المقبول ومن مات في الحرم أو الطريق وإثم تاركه ومؤخره على التزويج والأجرة على الحج والحجر الأسود وزمزم ومقبرتا الحرمين وخراب الدنيا بعد خراب البيت وتعظيم الحاج ووداعه وقت سفره.
@ خلاصة "الحج جهاد" كل ضعيف موضوع عند الصغاني.
@ اللآلئ "إن الله تعالى لا ييسر لعبده الحج إلا بالرضى فإذا رضي عنه أطلق له الحج" لا يصح.
@ في المقاصد "من صبر بالبيت أسبوعا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب ماء زمزم غفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت" للواحدي وغيره وعند الديلمي بلفظ "من طاف بالبيت أسبوعا ثم أتى مقام إبراهيم فركع عنده ركعتين ثم أتى زمزم فشرب
\\ ص 72 \\
من مائها أخرجه الله من ذنوبه كيوم ولدته أمه" ولا يصح باللفظين، وقد ولع به العامة كثيرا وتعلقوا في ثبوته بمنام وشبهه مما لا تثبت الأحاديث النبوية بمثله مع العلم بسعة فضل الله، وكذا من المشهور بين الطائفين حديث "من طاف أسبوعا في المطر غفر له ما سلف من ذنوبه" قال الصغاني لا أصل له.
@ وفي المقاصد "الطائفون يحرصون عليه وهو فعل حسن حتى أن بعضهم طاف سباحة بل وقع ذلك لابن الزبير، وقد ذكره بهذا اللفظ في الإحياء بل عنده أيضا "من طاف أسبوعا خاليا حاسرا كان له كعتق رقبة" وروي "من طاف بالكعبة في يوم مطير كتب الله له بكل قطرة تصيبه حسنة ومحا عنه بالأخرى سيئة" ويشهد لذلك كله كثرة الوارد في فضل مطلق الطواف "ينزل على أهل البيت في كل يوم مائة وعشرين رحمة" للبيهقي بسند حسن، ولابن حبان في الضعفاء وقال أبو حاتم منكر.
@ "للبيت رب يحميه" من كلام عبد المطلب لصاحب الفيل.
@ في المختصر "إن الله تعالى قد وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا كملهم الله بالملائكة وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة وكل من حجها يتعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها" لا أصل له.
@ في المقاصد "ما قبل حج امرئ إلا رفع حصاه" عن ابن عمر رفعه، وعن غيره وعن البعض أنه شاهد رفع الحصاة عيانا.
@ خلاصة "من مات في طريق مكة حاجا لم يعرضه الله تعالى ولم يحاسبه" موضوع عند الصغاني، وكذا "من مات بين الحرمين بعثه الله آمنا يوم القيامة"، وفي اللآلئ قلت أفرط المؤلف في حكمه بوضع الحديثين واقتصر البيهقي على تضعيفهما والذي أستخير الله في الحكم لمتن الحديث بالحسن لكثرة شواهده والحديث الأول عن جابر بسند فيه إسحاق كذاب قلت له طريق آخر وروي عن ابن عمر بلفظ "من مات في طريق مكة في البدأة أو في الرجعة وهو يريد الحج أو العمرة" إلخ.
@ وفي الوجيز جابر "من مات في أحد الحرمين بعث آمنا سالما استوجب شفاعتي وجاء يوم القيامة من الآمنين" ابن عمر "من مات بين الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه الله بلا حساب ولا عذاب" وعائشة "من
\\ ص 73 \\(/30)
مات في طريق مكة لم يعرضه الله يوم القيامة ولم يحاسبه" كلها لا تخلو عن واضع أو متروك قلت طعنوا في الثالث عبد الله بن ناقع وليس كما ظنوا فإنه الصانع أو ابن ثابت ولا أعلم فيهما مطعنا وله شاهد.
@ اللآلئ "من ملك زادا أو راحلة إلى البيت ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا" لا يصح: قال الترمذي فيه هلال مجهول قلت قال الذهبي قد جاء بإسناد أصلح منه، وقال القاضي لا التفات إلى حكم ابن الجوزي بالوضع كيف وقد أخرجه الترمذي في جامعه وقد قال أن كل حديث في كتابه معمول به إلا حديثين وليس هذا أحدهما والحديث مؤول، وقال الزركشي قد أخطأ ابن الجوزي إذ لا يلزم من جهل الراوي وضع الحديث مع أن له طرقا.
@ "من تزوج قبل أن يحج فقد بدأ بالمعصية" فيه من روى الموضوعات.
@ "يدخل الله بالحجة الواحدة ثلاثة نفر الجنة الميت والحاج والمنقذ" لا يصح قلت اقتصر البيهقي على تضعيفه وله شاهد.
@ عن أنس "مثل الذي يحج عن أمتي كمثل أم موسى كانت ترضعه وتأخذ الكراء من فرعون" موضوع.
@ في الذيل "لما نادى إبراهيم بالحج لبى الخلق فمن لبى تلبية واحدة حج حجة واحدة ومن لبى مرتين حج حجتين ومن زاد فبحساب ذلك" من نسخة محمد بن الأشعث التي عامة أحاديثها مناكير.
@ عن ابن عباس "إذا أحرم أحدكم فليؤمن على دعائه إذا قال اللهم اغفر لي فليقل آمين ولا يلعن بهيمة ولا إنسانا فإن دعاءه مستجاب ومن عم بدعائه المؤمنين والمؤمنات استجيب له" فيه إسماعيل كذاب وآخران مجروحان.
@ عن ابن مسعود "من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى علي في بيت المقدس لم يسأله الله تعالى عما افترض عليه" باطل آفته بدر.
@ عن عائشة " إذا خرج الحاج من بيته كان في حرز الله فإن مات قبل أن يقضي نسكه غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنفاقه الدرهم الواحد في ذلك الوجه يعدل أربعين ألف ألف درهم فيما سواه من سبيل الله تعالى" قال ابن حجر موضوع.
@ عن أبي سعيد "لو يعلم الناس ما للحجاج من الفضل عليهم لأتوهم حتى يغسلوا أرجلهم" قال الحقير لم يبين حاله ولكن فيه إسماعيل بن أبي عياش كثير الخطأ.
\\ ص 74 \\
- عن ابن عمر "من قضى مناسك الحج من مكة إلى أن يعود فيما يبلغ قضي عنه دينه ما كان قديما وحديثا: فيه وهب بن وهب كذاب.
- "من شيع حاجا خطوات ثم عانقه وودعه لم يفترقا حتى يغفر الله له" فيه البورقي يضع.
- في " الوجيز ": ابن مسعود "ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفات بهذه الدعوات ألف مرة سبحان من في السماء عرشه" إلخ. فيه غزرة بن قيس لا يتابع عليه قلت هذا لا يقتضي الوضع "دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب إلا الظالم" إلخ.: عن ابن عباس بن مرداس وفيه كنانة: منكر وعن ابن عمر وفيه وضاع قلت قال ابن حجر حديث العباس لجماعة وصححه الضياء وأخرج أبو داود طرقا وسكت عليه فهو عند صالح وكنانة ذكر في الثقات وهو على شرط الحسن عند الترمذي وله شواهد كثيرة.
- في الذيل "من توضأ فأحسن الوضوء ثم مشى بين الصفا والمروة كتب الله له بكل قدم سبعين ألف درجة" فيه كذاب ومجروحان.
- وعن ابن عباس "ما أتيت الركن اليماني قط إلا وجدت جبريل قائما عنده يقول يا محمد استلم وقل اللهم إني أعوذ بك من الكبر والفاقة ومراتب الخزي في الدنيا والآخرة قال لأن بينهما حوضا يليه سبعون ألف ملك" إلخ. فيه نهشل كذاب.
@ الديلمي عن ابن عباس "لا يجتمع ماء زمزم ونار جهنم في جوف عبد أبدا وما طاف عبد بالبيت إلا وكتب الله له بكل قدم يضعه مائة ألف حسنة" إلخ. فيه مقاتل بن سليمان كذاب.
@ دينار عن أنس رفعه "حفر عبد المطلب بئر زمزم فوجد فيها طشتا من ذهب فيه أربعة أركان على كل ركن منها مكتوب سطر: السطر الأول لا إله إلا الله الديان ذو بكة أرخص الشيء مع قلته، والسطر الثاني أنا الله لا إله إلا أنا الديان ذو بكة أغلى الشيء مع كثرته، والسطر الثالث لا إله إلا أنا ذو بكة أخلق الحبة وأسلط عليها الأكلة ولولا ذلك لخزنته الملوك والجبابرة وما قدر فقير على شيء، والسطر الرابع لا إله إلا أنا الله ذو بكة أميت العبد والأمة وأسلط عليهما النتن ولولا ذلك لما دفن حبيب حبيبه" قال ابن حبان دينار يروي عن أنس موضوعات.
@ في المقاصد "ماء زمزم لما شرب له" لابن ماجه عن جابر بسند ضعيف لكن له
\\ ص 75 \\
شاهد عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا ومرسلا وعن معاوية موقوفا واستشهد بحديث أبي ذر رفعه "أنه طعام طعم وشفاء سقم" وهذا اللفظ في مسلم وبهذه الطرق يصح الاحتجاج به وقد جربه جماعة من الكبار بل صححه ابن عيينة والدمياطي والمنذري وضعفه النووي، وفي الباب عن صفية وابن عمر وإسناد كل من الثلاثة واه فالاعتماد على ما سبق، وفي المختصر هو لابن ماجه بسند ضعيف ولغيره قال الحاكم صحيح إن سلم من محمد بن حبيب قيل سلم منه: قلت قال ابن الجوزي صححه ابن عيينة.
@ "إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم أخرب الدنيا على أثره" لا أصل له.(/31)
@ في المقاصد "الحجر الأسود من الجنة" النسائي وزاد الترمذي "وأنه يبعث يوم القيامة له عينان" إلخ. وشواهد الحديث كثيرة.
@ "الحجون والبقيع يؤخذان بأطرافهما وينشران في الجنة" وهما مقبرتا مكة والمدينة ورد في الكشاف وبيض له الرافعي في تخريجه وتبعه شيخنا "سفهاء مكة حشو الجنة" قال شيخنا لم أقف عليه.
*2* باب فضل المدينة المشرفة وزيارتها وفتحها بالقرآن وآبارها وزيارة الخليل والصخرة.
@ في المختصر "من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفاني" لابن عدي والدارقطني في غرائب مالك وابن حبان في الضعفاء والخطيب في رواة مالك وابن الجوزي في الموضوعات ولابن النجار "ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر".
@ في المقاصد "رحم الله من زارني زمام ناقته بيده" قال شيخنا لا أصل له بهذا اللفظ "من زار قبري وجبت له شفاعتي" أشار ابن خزيمة إلى تضعيفه وروى "كمن زارني في حياتي" وضعفه البيهقي وكذا قال البيهقي طرقه كلها لينة ولكن يتقوى بعضها ببعض، وروي "من زار قبري كنت له شفيعا وشهيدا".
@ "من زارني
\\ ص 76 \\
وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة" قال ابن تيمية والنووي أنه موضوع لا أصل له قال المذنب وكذا السيوطي في الذيل عنهما بلفظ "ضمنت له على الله الجنة" قال وهو كما قالا.
@ "من لم يزرني فقد جفاني" لابن عدي وجماعة بلفظ "من حج ولم يزرني فقد جفاني" ولا يصح: خلاصة قال الصغاني موضوع، وفي اللآلئ قال الزركشي هو ضعيف وبالغ ابن الجوزي فذكره في الموضوعات.
@ "فتحت القرى بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن" هو قول مالك ورفعه منكر.
@ في المختصر "تفل النبي صلى الله عليه وسلم في بئر أريس" لم أجده.
@ في الوجيز عن البراء "من سمى المدينة بيثرب فليستغفر الله" تفرد به عن يزيد متروك قلت يزيد وإن ضعفه بعض من قبل حفظه فلا يلزم به وضع كل حديثه وله شاهد في البخاري.
@ في الذيل "الصخرة صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ينظمان سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة" هذا كذب ظاهر.
*2* باب فضل القرآن والنظر فيه والسور وتعلم الصبي التسمية ورفع ورقتها وأنه غير مخلوق وأنه الصحيح والشافي والمغني ويسكت عنده ويدعى عند ختمه ولا يمحى بالريق ولا يمسه الجنب ويبدأ كل أمر بالفاتحة وذم القارئ الفاسق أو المؤاجر والمتغني وغير المتفكر في السور والمشيبة وجدة القارئ.
@ القزويني حديث المصابيح "من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" وقوله لعلي رضي الله عنه "ألا أنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره
\\ ص 77 \\
أضله الله وهو حبل الله المتين" موضوعان (1)
@ الصغاني "من استشفى بغير القرآن فلا شفاه الله" موضوع.
@ في المختصر" من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي لقد استصغر ما عظم الله تعالى" ضعيف.
@ "من لم يستغن آيات الله فلا أغناه الله" لم يوجد.
@ "من آتاه الله القرآن فظن أن أحدا أغنى منه فقد استهزأ بآيات الله" ورد من طرق كثيرة كلها ضعيفة.
@ في المقاصد "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" للبخاري: قال الشافعي رضي الله عنه أي لم يقرأه تحزينا.
@ "القرآن كلام الله غير كلام مخلوق فمن قال غير هذا فقد كفر" للديلمي رفعه عن رافع بن خديج وحذيفة وعمران وعن أنس بزيادة "فاقتلوه" وفي الباب عن جماعة أيضا الصغاني هو موضوع.
@ اللآلئ "من قال القرآن مخلوق فقد كفر" لا يصح قلت له طرق.
@ "قلنا يا رسول الله نمس القرآن على غير وضوء قال نعم ألا أن تكون على الجنابة" وتفسيره قوله تعالى "لا يمسه إلا المطهرون" أي من الشرك: موضوع.
@ في المقاصد "أبى الله أن يصح إلا كتابه" لا أعرفه، ولكن قال الشافعي لا بد أن يوجد في كتبي الخطأ لقوله تعالى "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فما وجدتم فيها مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه.
@ في الذيل "من تعلم القرآن وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كل قد استوجب النار" قال الخطيب ليس بثابت.
@ "ليس أحد أحق بالجدة من حامل القرآن لعزة القرآن في جوفه" فيه من يكذب.
@ "الجدة تعتري جماع القرآن لعزة القرآن في أجوافهم" كذب آفته وهب بن وهب.
@ "أكرموا القرآن ولا تكتبوه على حجر ولا مدر ولكن اكتبوه فيما يمحى ولا تمحوه بالبزاق وامحوه بالماء" فيه الحكم كذاب يضع.
@ "لا يحرق قارئ القرآن" فيه لاحق كذاب لم يخلق مثله من الكذابين.
@ "إذا ختم أحدكم فليقل اللهم آنس وحشتي في قبري" فيه أحمد بن
------------ هوامش -----------
(1) قلت لي فيه نظر إذ خرجه الترمذي والدارمي، وقال الترمذي هذا حديث إسناده مجهول وفي الحارث مقال: لا يلزم من هذا أن يكون موضوعا كما لا يخفى على المهرة والله أعلم اهـ مصححه.(/32)
\\ ص 78 \\
عبد الله الجويباري أحد المشهورين بالكذب.
@ "إذا ختم العبد القرآن صلى عليه عند ختمه ستون ألف ملك" فيه ابن سمعان كذاب وأبو سعيد العدوي المشهور بالوضع.
@ "يا ابن عباس إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلا وبينه تبيينا لا تنثره نثر الدقل ولا تهذه هذ الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكونن هم أحدكم آخر السورة ويا ابن عباس مثل الهذ بالقرآن كمثل رجل جاء مسرعا فقيل له من أين جئت قال لا أدري" فيه أربعة كذابون.
- "رمدت فشكوت ذلك إلى جبرائيل فقال لي أدم النظر في المصحف" هو مسلسل منكر.
@ "فضل حامل القرآن على الذي لم يحمله كفضل الخالق على المخلوق" قال ابن حجر كذب.
@ "حملة القرآن أولياء الله فمن عاداهم فقد عادى الله ومن والاهم فقد والى الله" قال خبر منكر.
@ عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قرأت على علي رضي الله عنه فأخذ على خمسا وقال حسبك هكذا أنزل القرآن خمسا خمسا ومن حفظه هكذا لم ينسه إلا سورة الأنعام فإنها نزلت جملة في ألف يشيعها من كل سماء سبعون ملكا حتى أدوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما قرئت على عليل إلا شفاه الله عز وجل" في الميزان موضوع، وللبيهقي في الشعب وقال فيه من لا نعرفه "من قرأ في ليلة بألم تنزيل الكتاب ويس واقتربت الساعة وتبارك الذي بيده الملك كن له نورا وحرزا من الشيطان والشرك ورفع له في الدرجات يوم القيامة" فيه الحكم كذاب.
@ ابن عباس رفعه "من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم يصبه فاقة أبدا ومن قرأ في كل ليلة لا أقسم بيوم القيامة لقي الله يوم القيامة وجهه في صورة القمر ليلة البدر" فيه أحمد اليمامي كذاب.
@ أنس رفعه "من قرأ سورة الواقعة وتعلمها لم يكتب من الغافلين ولم يفتقر هو وأهل بيته، ومن قرأ والفجر وليال العشر غفر له" في ليال العشر فيه عبد القدوس ابن حبيب متروك.
@ ابن عباس رفعه "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أعطي نورا من حيث قرأها إلى مكة وغفر له إلى الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام وصلى عليه سبعون ألف مرة ملك حتى يصبح وعوفي من الداء والدبية وذات الجنب والبرص والجذام والجنون وفتنة الدجال" فيه إسماعيل كذاب وآخران مجروحان.
@ حديث علي رضي الله عنه في فضل سورة إنا أنزلناه بقراءته بعد الفرائض وعند
\\ ص 79 \\
المشي إلى الحاجة للشفاء من المرض والحزن ولرؤيته صلى الله عليه وسلم ولدفع الظلم وبعد الوضوء مع طوله في نحو ورقتين.
@ أبو هريرة "من كتب آية الكرسي بزعفران على راحة كفه اليسرى بيده اليمنى سبع مرات ولحسها بلسانه لم ينس أبدا" فيه أحمد بن خالد الجويباري الوضاع المشهور.
@ "من قرأ آية الكرسي لم يتول قبض نفسه إلا الله تعالى" قال تقي الدين اسبكي منكر ويشبه أن يكون موضوعا.
@ "من قرأ آية الكرسي على أثر وضوئه أعطاه الله ثواب أربعين عاما ورفع له أربعين درجة وزوجه أربعين حوراء" فيه مقاتل بن سليمان كذاب.
@ في الوجيز "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" هو عن أبي أمامة تفرد به محمد بن حمير ليس بقوي وعن علي رضي الله عنه وفيه حبة أتعرني ضعيف نهشل كذاب قلت حديث أبي أمامة صحيح على شرط البخاري ومحمد ثقة مشهور وروى له البخاري في صحيحه قال ابن حجر غفل ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وهذا من السمج ما وقع له.
@ علي "أن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران شهد الله أنه لا إله إلا هو وقل اللهم مالك الملك وفي آخره حلفت لا يقرؤون أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان منه وإلا أسكنته حظيرة القدس وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين نظرة وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة" إلخ. موضوع تفرد به الحارث بن عميرة يروي الموضوعات عن الأثبات: قلت قال ابن حجر لم نر للمتقدمين فيه طعنا بل أثنى عليه حماد بن زيد ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وأخرج له أصحاب السنن وذكره ابن حبان في الضعفاء فأفرط في توهينه وبقية رجاله جليلان إلا أن في الإسناد انقطاعا وقد أفرط ابن الجوزي في حكمه بوضعه ولعله استعظم ثوابه: قلت ورد من حديث أبي أيوب حديث ابن مسعود في المروع الذي قرئ في أذنه (فحسبتم إنما خلقناكم عبثا) إلخ. فقال "لو قرأها موقن على جبل لذل" قال أحمد موضوع قلت له طريق آخر على شرط الحسن.
@ أبو هريرة "من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك" فيه عمرو بن
\\ ص 80 \\
راشد يضع قلت أخرجه الترمذي وابن ماجه وليس هو ابن راشد بل عمرو بن أبي خثعم ولم يجرح بكذب فلا يدفع حديثه.
@ أبو هريرة "من قرأ يس في ليلة أصبح مغفورا له ومن قرأ الدخان ليلة الجمعة أصبح مغفورا له" فيه محمد بن زكريا يضع: قلت له طرق كثيرة عنه بعضها على شرط الصحيح أخرجه الترمذي والبيهقي.
@ في الذيل علي رفعه "اقرؤوا يس فإن فيها عشر بركات" إلخ. فيه مسعدة كذبه أبو داود، وقال أحمد خرقنا حديثه منذ دهر.(/33)
@ أنس رفعه "أني فرضت على أمتي قراءة يس كل ليلة فمن داوم على قراءتها كل ليلة ثم مات مات شهيدا" فيه سعيد متهم.
@ أنس رفعه "من قرأ شهد الله أنه إلى عند الله الإسلام عند منامه خلق الله منه سبعين ألف ملك يستغفرون له إلا يوم القيامة" فيه مجاشع بن عمر كذاب يضع.
@ ابن مسعود "قال اشتكى ضرسي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فشكوت إليه فقال اقرأ عليه القرآن وكل عليه التمر ففعلته فبرأ" قال ابن حجر موضوع رجاله ثقات غير عبد الواحد: قلت له طريق أخرى، وعن ابن عباس "قال صلى الله عليه وسلم لرجل اشتكى من ضرسه ضع إصبعك السبابة على ضرسك ثم أقرأ أولم ير الإنسان أنا خلقناه" إلخ. فيه مشهوران بالوضع.
@ وعن ابن مسعود "قال قرأت القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت هذه الآية أنزلنا هذا القرآن قال ضع يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام والسام موت" قال الذهبي هو باطل ثم ذكر الديلمي سندين بلفظ "يا علي إذا صدع رأسك فضع يدك عليه واقرأ عليه آخر سورة الحشر" ولم يبين حاله.
@ أنس رفعه "إن لكل شيء نسبا ونسبي قل هو الله أحد" إلخ. وفيه فضل قراءتها ألف مرة فيه مجاشع يضع.
@ في اللآلئ "إذا قال المعلم للصبي بسم الله الرحمن الرحيم فقالها كتب الله له براءة للصبي وبراءة لوالديه وبراءة للمعلم من النار" موضوع: حديث فضل التسمية ورفع ورقة كتبت فيه وضاع.
@ في المقاصد "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" لأبي داود وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا وقد أفردت فيه جزءا.
@ "الفاتحة لما قرئت له" عزى للبيهقي وأصله في الصحيح وروي "خير الدواء القرآن" ونحوه "من
\\ ص 81 \\
قرأ البقرة وآل عمران ولم يدع بالشيخ فقد ظلم" لا أصل له.
@ "يس لما قرأت له" لا أصل له بهذا اللفظ وهو من جماعة الشيخ إسماعيل الجبرتي باليمن قطعا.
@ في اللآلئ حديث "قراءة لقد جاءكم رسول وآية ومن يتق الله يجعل له الآية مع التقوى والتوكل سبب كشف المهمات"، وقول ابن عباس "من قرأها عند السلطان يخاف غشمه أو عند موج بحر أو عند سبع لم يضره شيء من ذلك" موضوع فيه الضحاك ضعيف وإسماعيل ليس بشيء قلت إسماعيل روى له ابن ماجه وللحديث طرق أخرى.
@ "من أتى منزله فقرأ الحمد لله وقل هو الله أحد نفى الله عنه الفقر وكثر خير بيته حتى يفيض على جيرانه" أنه لا يصح تفرد به محمد بن سالم وليس بشيء قلت هو من رجال الترمذي وللحديث شاهد.
@ في المختصر "من قرأ سورة الفتح فكأنما شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة" موضوع بالاتفاق.
@ "ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته يريد ربنا ما خلقت هذا باطلا" فيه يحيى بن أبي حية.
@ "الزبانية يوم القيامة أسرع إلى فسقة حملة القرآن منها إلى عبدة الأوثان" منكرة.
@ في المقاصد "ما أنصف القارئ المصلي" قال شيخنا لا أعرفه لكن يعني حديث "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن" وهو صحيح وروي "بالقراءة قبل العشاء وبعدها".
@ "إن أحق ما أخذتم عليه من أجرا كتاب الله" للبخاري وما يروى مرفوع.
@ "من أخذ أجرا على القرآن فذلك حظه من القرآن" إن ثبت يحمل على من تعين عليه، وفي الوجيز روي عن عائشة وفيه عمر بن المحرم (1) له مناكير عن ثابت الأسفار ولا يعرف قلت أخرجه البخاري في صحيحه بهذا اللفظ عن ابن عباس
@ في الذيل "إذا قمت من الليل تصلي فارفع صوتك قليلا تفزع الشيطان وتوقظ الجيران وترضي الرحمن" من نسخة أبي هدبة.
@ عن أنس "آية من القرآن خير من محمد وآل محمد" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ في الخلاصة ومن الموضوع ما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه وهو منه بريء في فضائل القرآن سورة سورة وقل تفسير خلا منها إلا من عصمه الله
------------ هوامش -----------
(1) قوله عمر بن المحرم كذا النسخة ولعله عمر بن حرملة اه إدارة.
\\ ص 82 \\
تعالى قال الصغاني وضعه رجل من عبادان، وفي المختصر الأصول قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة فقال أرأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة ولقد أخطأ المفسرون في إيداعها تفاسيرهم ثم قال ومما أودعوا فيها "أنه صلى الله عليه وسلم حين قرأ ومناة الثالثة الأخرى قال تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" وقد أشبعنا القول في إبطاله: في اللآلئ حديث أبي وغيره في السور وضعه أبو عصمة قال المؤلف ذكره الثعلبي في تفسيره عند كل سورة وتبعه الواحدي ولا يعجب منهما لأنهما ليسا من أهل الحديث وإنما العجب ممن يعلم بوضعه من المحدثين ثم يورده، وفي العدة وقد أخطأ من ذكره من المفسرين بسند كالثعلبي والواحدي وبغير سند كالزمخشري البيضاوي ولا ينافي ذلك ما ورد في فضائل كثيرة من السور مما هو صحيح أو حسن أو ضعيف انتهى.(/34)
@ في المقاصد "شيبتني هود وأخواتها" حسنه الترمذي وغربه ونقل عن الدارقطني أن طرقه كلها معتلة، وقال غيره إسناده على شرط البخاري.
@ في المختصر "شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت" صحيح.
باب
التفسير
- في " المقاصد " : قال أحمد بن حنبل : ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير: قال الخطيب هذا محمول على كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها لعدم عدالة ناقلها وزيادة القصاص فيها فأما كتب التفسير فأشهرها كتابان للكلبي ومقاتل بن سليمان وقد قال أحمد في تفسير الكلبي من أوله إلى آخره كذب لا يحل النظر فيه وفي الإتقان وعلل السيوطي قول أحمد ليس لها أصول بأن الغالب عليها المراسيل وقال محققو أصحاب أحمد مراده أن الغالب ليس لها أسانيد صحاح متعلقة وإلا فقد صح من ذلك كثير كتفسير الظلم بالشرك
\\ ص 83 \\
والحساب اليسير بالعرض والقوة بالرمي قلت الذي صح من ذلك قليل جدا بل أصل المرفوع منه في غاية القلة وسأسردها كلها في الكتاب، قال ومن المفسرين طوائف مبتدعة صنفوا تفاسير على مذهبهم مثل عبد الرحمن بن كيسان الأصم، والجبائي، والرماني والزمخشري، ومنهم من يدس البدع في كلامه وأكثر الناس لا يعلمون ذلك كصاحب الكشاف حتى أنه يروج على خلق كثير من أهل السنة كثير من تفاسيرهم الباطلة، قال السيوطي وأما كلام الصوفية في القرآن فليس بتفسير والتفسير الذي لأبي عبد الرحمن السلمي المسمى بحقائق التفسير فإن كان قد اعتقد أنه تفسير فقد كفر: قيل الظن بمن يوثق به منهم فأنه لم يذكره تفسيرا وإلا كان مسلكا باطنيا وإنما هو تنظير قال النسفي النصوص على ظواهرها والعدول عنها إلى معنى باطن الحاد، وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أنها على ظواهرها ومع هذا فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر فهو من كمال الإيمان، وذكر محمود بن حمزة الكرماني في كتاب العجائب أقوال منكرة لا يحل الاعتماد عليها ولا ذكرها إلا للتحذير منها، منها حم عسق إن الحاء حرب علي ومعاوية والميم ولاية المروانية والعين ولاية العباسية والسين ولاية السفيانية والقاف قدوة المهدي وألم معنى ألف ألف الله محمدا فبعثه نبيا ومعنى لام لامه الجاحدون وميم ميم الجاحدين ومنه ما ذكره ابن فورك في قوله ولكن ليطمئن قلبي أن إبراهيم كان له صديق وصفه بأنه قلبه، ومنه قوله (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) أنه الحب والعشق قال وأوهى طرق تفسير ابن عباس طرق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس فإذا انضم إليه محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب وبعده مقاتل بن سليمان لما في مقاتل من المذاهب الردية انتهى كلام الإتقان، ورأيت في بعض الرسائل لابن تيمية قدس سره كما أن للحديث أدلة تقطع بصحته فله أدلة نقطع بكذبه مثل ما رواه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل كحديث يوم عاشوراء وصلاته، وفي التفسير من هذه
\\ ص 84 \\
الموضوعات كثير كما يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضل السور ، والثعلبي في نفسه كان ذا خيرا ودين لكن كان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية لكن هو أبعد عن أتباع السلف والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي لكن صان تفسيره من الموضوع والبدع، والموضوعات في التفسير كثيرة مثل أحاديث الجهر بالتسمية وحديث علي الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة: آية (إنما وليكم الله ورسوله) إلخ. وتركت كذا وردت كذا في علي" فإنه موضوع بالاتفاق: "وإن آية لكل قوم هاد" في علي وتعيها أذن واعية أذنك يا علي" كله موضوع وإن مرج البحرين علي وفاطمة واللؤلؤ والمرجان الحسان وكل شيء أحصيناه في إمام مبين في علي من تفسير الرافضة ويقرب منه ما يذكره كثير من المفسرين في الصابرين رسول الله صلى الله عليه وسلم والصادقين أبو بكر رضي الله عنه والقانتين عمر رضي الله عنه والمنفقين عثمان رضي الله عنه والمستغفرين علي رضي الله عنه، وأن محمدا رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا علي ومثل هذه الخرافات مما لا يدل عليه اللفظ بحال من المفسرين من يخطئ في الدليل لا في المدلول ككثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء يفسرون القرآن بمعان صحيحة لكن القرآن لا يدل عليها كأبي عبد الرحمن السلمي في حقائق التفسير وفي جامع البيان لمعين بن صفي وقد يذكر محي السنة البغوي في تفسيره من المعاني والحكايات ما اتفقت كلمة المتأخرين على ضعفه بل وضعه.
@ في المختصر "من شر غاسق أي الذكر وقب أي دخل" باطل لا أصل له.
@ في المقاصد "استعيذي بالله من شر هذا يعني القمر فإنه الغاسق إذا وقب" صححه الترمذي وبه ينتقد تضعيف النووي له.(/35)
@ في الذيل "من فسر القرآن برأيه فأصاب كتبت عليه خطيئة لو قسمت بين العباد لوسعتهم وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار" فيه أبو عصمة مشهور بالوضع.
@ "من فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعد وضوءه" فيه عثمان يروي الموضوعات.
@ ابن عمر رفعه "في يوم تبيض وجوه وتسود وجوه الفرقة
\\ ص 85 \\
الأولى أهل السنة والجماعة والثانية أهل الأهواء والبدع" موضوع.
@ "يوم ندعو كل أناس بإمامهم: بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم" فيه داود الوضاع.
@ عن ابن عمر "ما من زرع على الأرض ولا ثمر على أشجار إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ورق فلان بن فلان وذلك قوله تعالى وما تسقط من ورقة" إلخ.: في الميزان هو باطل.
@ حديث حذيفة في تفسير حم عسق "بأن العين عذاب والسين السنة والجماعة والقاف قوم يقذفون في آخر الزمان من ولد العباس في مدينة الزوراء ويقتل فيها مقتلة عظيمة وعليهم تقوم الساعة قال ابن عباس ليس ذلك فينا ولكن القاف قذف وخسف يكون قال عمر لحذيفة أما أنت فقد أصبت التفسير وأصاب ابن عباس المعنى فأصابت ابن عباس الحمى مما سمع من حذيفة" واهي الإسناد منتهي غير محفوظ [قوله "منتهي" غير شائع في مصطلح الحديث، ولعله يريد أنه "غير متصل" تأكيدا لقوله "واهي الإسناد"، والله أعلم. دار الحديث].
@ وعن ابن عباس في قوله تعالى {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} "نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه حين خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من الصحابة فقال ابن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد الصديق وقال مرحبا بالصديق سيدي بني تميم وشيخ الإسلام إلى آخره وأخذ بيد عمر وفعل مثله وأخذ بيد علي رضي الله عنهم وقال مرحبا يا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه" إلخ.، قال ابن حجر هو سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب وآثار الوضع لائحة عليه وسورة البقرة أنزلت في أوائل الهجرة وتزوج فاطمة من علي كان في السنة الثانية وفيه الكلبي متهم ومحمد بن مروان السدي الصغير كذاب وغيره من الضعفاء.
@ وفي الوجيز أنس "خذوا زينتكم قال صلوا في نعالكم" تفرد به بن جويرية كذاب قلت قد توبع.
@ عائشة "وتأتون في ناديكم المنكر قال الضراط" فيه روح بن غطيف لا يحل كتب حديثه قلت لم يتهم بوضع وقد أخرج هذا الحديث البخاري في تاريخه وغيره.
@ أبو هريرة "وفرش مرفوعة قال غلظ كل فرش منها ما بين السماء والأرض" فيه عبد الله بن محمد يضع قلت ثبت بهذا اللفظ من حديث أبي سعيد وحسنه الترمذي.
\\ ص 86 \\
باب
فضل الرسول صلى الله عليه وسلم وخصاله كالمعرفة وأحياء أبويه وتأدبه بربه وولادته في زمان العادل وإنه خاتم الأنبياء بلا استثناء والثلاثين مدعي النبوة وفصاحته وطول سبابته وذم من دخل في نسبه وأنه لا يعلم ما وراء الجدار
- خلاصة "لولاك لما خلقت الأفلاك" قال الصغاني موضوع.
- في المقاصد "كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث" من حديث سعيد بن بشير وله شاهد في تاريخ البخاري وغيره وصححه الحاكم بلفظ "كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد" والذي اشتهر بلفظ "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" فلم نقف عليه بهذا اللفظ فضلا عن زيادة وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين، وقد قال شيخنا إن الزيادة ضعيفة والذي قبلها قوي قال الحقير قال الصغاني بل هو موضوع.
@ وفي الذيل "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال وكذا حديث "أنا من نور الله والمؤمنون مني الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة" قال ابن حجر لا أعرفه"
@ ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب" قال الطبراني منكر معارض للكتاب.
@ "اسمي في القرآن محمد وفي الإنجيل أحمد وفي التوراة أحيد لأني أحيد أمتي فأحبوا العرب بكل قلوبكم" فيه إسحاق كذاب يضع عن سفينة.
@ "تعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهرين واعتزل النساء حتى صار كالشن البالي" في محمد بن الحجاج متروك.
@ أنس "ما من نبي يموت فيقيم في قبره أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه" فيه الحسن بن يحيى منكر الحديث جدا قلت قال ابن حجر قد ألف البيهقي في حياة الأنبياء في قبورهم وأورد فيه عدة أحاديث تؤيد هذا.
@ في المختصر "المعرفة رأس مالي والعقل ديني والحب أساسي والشوق مركبي وذكر الله تعالى أنسى والثقة كنزي والحزن رفيقي والعلم سلاحي والصبر ردائي والرضى غنيتي
\\ ص 87 \\
والفقر فخري والزهد حرفتي واليقين قوتي والصدق شفيعي والطاعة حسبي والجهاد خلقي وقرة عيني في الصلاة" ذكره القاضي عياض ولم يوجد.
@ في اللآلئ عن ابن عباس رفعه "شفعت في هؤلاء النفر الثلاثة في أبي وعمي أبي طالب وأخي من الرضاعة يعني ابن السعدية ليكونوا من بعد البعث هباء" قال الخطيب باطل فيه ضعفاء وغال في الرفض.(/36)
@ في المقاصد "إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به" أورده السهيلي عن عائشة وقال في إسناده مجاهيل وأنه حديث منكر جدا وإن كان ممكنا لكن ما ثبت يعارضه، وفي الوسيط نزلت ولا تسأل عن أصحاب الجحيم بلفظ النهي حين تمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة وما أحسن ما قاله:
حبا الله النبي مزيد فضل * على فضل وكان به رؤوفا
فأحيا أمه وكذا أباه * لإيمان به فضلا منيفا
فسلم فالقديم بذا قدير * وإن كان الحديث به ضعيفا
قال أذنب عباده: قد صنف السيوطي بإحيائهما جزءا لطيفا.
@ "أدبني ربي فاحسن تأديبي" سنده ضعيف ولا يعرف له إسناد ضعيف ثابت.
@ "أنا أفصح من نطق بالضاد" (1) معناه صحيح ولكن لا أصل له
@ "لعن الله الداخل فينا بغير نسب والخارج منا بغير سبب" بيض له شيخنا وشواهده ثابتة.
@ "ما أعلم خلف جداري هذا" قال شيخنا لا أصل له قلت ولكنه قال في خصائصه ويرى وراء
-------- هوامش ---------
(1) قلت معناه والله أعلم أن أفصح من خصت ألسنتهم بنطق هذا الحرف وهم العرب العرباء إذ الضاد حرف من حروف الهجاء للعرب خاصة صرح بذلك أيضا مجد الدين الفيروز آبادي في القاموس، وقال العلامة أحمد بن الحسن الجاربردي شارح الشافية في معناه أنا أفصح العرب ويؤيد هذا المعنى حديث آخر من أمثال هذا الحديث "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش" ولله در المتنبي الشاعر فإنه أفصح هذا المعنى في ديوانه حيث قال:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
--------------- وبنفسي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كل من نطق الضا
--------------- د [الضاد] وعوذ الجاني وغوث الطريد
والله أعلم ا.هـ. مصححه عفا الله عنه.
\\ ص 88 \\
ظهره كما يرى من قدامه ويجمع بينه وبين لا أعلم خلف جداري بأنه مقيد بحالة الصلاة وهو مشعر بوروده: قال الحقير كان له عينان في ظهره فيرى من وراء ظهره لا وراء الجدار فلا منافاة والله أعلم.
@ حديث "إن سبابة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أطول من الوسطى" اشتهر كثيرا وهو خطأ سئل شيخنا عن قول القرطبي في طول مسبحته فأجاب بأنه غلط منه وإنما كان ذلك في أصابع رجله.
@ "ولدت في زمن الملك العادل" لا أصل له ولا يجوز أن يسمى من يحكم بغير حكم الله عادلا وما يحكى عن ابن قدامة مرفوعا "ولدت في زمن الملك كسرى" لا يصح لانقطاع سنده في الإكمال شرح مسلم.
@ "سيكون بعدي ثلاثون كلهم يدعي أنه نبي ولا نبي بعدي إلا ما شاء الله" هذا الاستثناء ذكره الطبراني وتأوله وطعن فيه المحققون قيل هو محمد بن سعيد الشامي المصلوب على الزندقة وإن صح تأول بعيسى عليه السلام إذ الإجماع على أنه خاتم الأنبياء وآية الأحزاب نص فيه، وما ذكر القاضي من تجويز الاحتمال في ألفاظها ضعيف وما ذكر الغزالي في الاقتصاد فإلحاد وتطرف خبيث في عقيدة المسلمين فالحذر الحذر ابن بزه وليس كلام الغزالي ما يوهمه وإنما رماه حساده ولقد حار عليه ابن عطية، وفي جامع الصحاح وروى محمد بن سعيد الشامي المصلوب عن أنس رفعه "أنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي إلا إن يشاء الله" فزاد الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة: الصغاني "لا تجعلوني كقدح الراكب" موضوع.
*2* باب فضل اسمه واسم الأنبياء عليهم السلام وأنه سبب ذكورية الولد.
@ اللآلئ "إذا سميتم الولد فعظموه ووقروه وبجلوه لا تذلوه ولا تحقروه ولا تجبهوه تعظيما لمحمد" فيه متهم بالوضع قلت يؤيده حديثان لا بأس بهما.
@ "ما اجتمع قوم في مشورة فيهم محمد لم يدخلوه إلا لم يبارك لهم فيه" قال ابن عدي غير محفوظ.
@ "ضع يدك على بطنها وسمه محمدا فإن الله يأتي به رجلا" لا يصح.
@ "ما من أهل
\\ ص 89 \\
بيت فيهم اسم نبي إلا بعث الله إليهم ملكا يقدسهم بالغداة والعشي "لا يصح.
@ "إن بركة الطعام أن يكون عليه رجل اسمه اسم نبي" باطل قلت لهما شاهد ومقتضى كلام ابن حبان أنه ضعيف لا موضوع.
@ "ما أطعم طعام على مائدة ولا جلس عليها وفيها اسمي إلا قدسوا كل يوم مرتين" مورد في الواهيات.
@ "من ولد له ثلاثة أولاد فلا يسمى أحدهم محمدا فقد جهل "فيه ليث متروك :قلت لم يبلغ رتبة الوضع وله شاهد.
@ وفي الذيل "من ولد له أربعة فلم يسم بعضهم باسمي فقد جفاني" من نسخة ابن الأشعث وعامتها مناكير.
@ "ما من مائدة وضعت فحضرها من اسمه احمد أو محمد إلا قدس ذلك المنزل مرتين" من نسخة ابن أحمد الموضوعة.
@ "يا محمد إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول عزتي وجلالي لا أعذب أحدا تسمى باسمك بالنار يا محمد" من نسخة نبيط.
@ في الوجيز أبو أمامة "من ولد له مولود فسماه محمدا تبركا به كان هو ومولوده في الجنة" في إسناده من تكلم فيه قلت رجاله كلهم ثقات معروفون ورمى بعضهم بالقدر وهو غير قادح.
باب
فصل الصلاة وكتابتها
@ في المقاصد "إذا صليتم علي فعمموا" لم أقف عليه بهذا اللفظ ويمكن أن يكون بمعنى صلوا علي وعلى أنبياء الله.
@ "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" أخرجه جماعة وصححوه.(/37)
@ "زينوا مجالسكم بالصلاة علي فإن صلاتكم علي نور لكم يوم القيامة" سنده ضعيف.
@ "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عتق الرقاب" عن الصديق رضي الله عنه وقول شيخنا أنه كذب مختلق أي رفعه.
@ "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا ترد" موقوف ولم أقف على رفعه.
@ "كل الأعمال فيها المقبول والمردود إلا الصلاة علي فإنها مقبولة غير مردودة" قال شيخنا ضعيف جدا.
@ في الذيل "من قال في كل يوم ثلاث مرات صلوات الله على آدم غفر الله له الذنوب وإن كانت أكثر من زبد البحر وكان في الجنة رفيق آدم"
\\ ص 90 \\
من كتاب " العروس " وأحاديثه منكرة وكذا "من صلى وهو مشتغل ناداه الملك يا عبد الله استأنف العمل وقد غفر الله لك من ذنبك اللهم صلي على محمد النبي عدد من صلى عليه من خلقك وصل على محمد النبي كما ينبغي أن يصلى عليه وصل على محمد النبي كما أمرتنا أن نصلي عليه فإنه يرفع لقائله كلما أصبح عشر مرات كعمل أهل الأرض" فيه متروك وكذاب.
@ "من صلى علي في كل يوم جمعة أربعين مرة محا الله عز وجل عنه ذنوب أربعين سنة ومن صلى علي مرة واحدة فتقبلت منه محا عنه ذنوب ثمانين سنة" فيه محمد ابن رزام متهم بالوضع.
@"من شم الورد ولم يصل علي فقد جفاني" لعمر وهو باطل وكذب واضح ولقيس بن تميم الكذاب.
@ "من شم الورد الأحمر" إلخ.
@ "إذا ذكر الخليل وذكرت فصلوا عليه ثم علي وإذا ذكر الأنبياء فصلوا علي ثم عليهم".
@ في الوجيز أبو هريرة "من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا وكل الله ملكا يبلغني" إلخ. فيه السدي الصغير كذاب له شواهد كحديث "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام" وغير ذلك "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" عن الصديق وأبي هريرة وأعل الأول بأبي داود النخعي والثاني بإسحاق بن وهب العلاف ويزيد بن عياض قلت لحديث أبي هريرة طريق أخرى وقد ورد عن ابن عباس بسند واه عن عائشة، وفي المختصر هو لجماعة بسند ضعيف، وفي اللآلئ أحاديث فضل كتابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم موضوع.
*2* باب فضل أمته وإجماعهم وتجديد دينهم في كل مائة وتخفيف عذابهم يوم القيامة.
@ في المقاصد "اختلاف أمتي رحمة" للبيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل "واختلاف أصحابي لكم رحمة" وكذا للطبراني والديلمي والضحاك
\\ ص 91 \\
عن ابن عباس منقطع وقال العراقي مرسل ضعيف، وقال شيخنا هذا الحديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس وكثر السؤال عنه وزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له لكن ذكره الخطابي وقال اعترض على الحديث رجلان أحدهما ماجن والآخر ملحد وهما إسحاق الموصلي والجاحظ وقالا لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا ثم رد الخطابي عليهما ولم يقع في كلامه شفاء في عزو الحديث ولكنه أشعر بأن له أصلا عنده، وفي حاشية البيضاوي ذكر هذا الحديث السبكي وغيره وليس بمعروف عند المحدثين.
@ في المقاصد "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها دينها" لأبي داود مرفوعا وقد عضله البعض في طريقه والرافع أولى اتفاقا وزيادة علمه وقد اعتمده الحفاظ وقد أخرجه الطبراني ورجاله ثقات وصححه الحاكم وقال أحمد في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وفي الثانية الشافعي قيل وفي الثالثة أبو العباس وفي الرابعة أبو الطيب والأسفراييني وفي الخامسة الغزالي وفي السادسة الرازي وفي السابعة ابن دقيق العيد وفي الثامنة البلقيني أو العراقي وفي التاسعة المهدي ظنا أو المسيح فالأمر قد اقترب والحال قد اضطرب فنسأل الله حسن الخاتمة وقد ادعى كل قوم في إمام أنه المراد والظاهر والله أعلم أنه يعم أهل العلم من كل طائفة وكل صنف من المفسرين والمحدثين والفقهاء والنحاة واللغويين إلى غير ذلك.
@ "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقع بهذا اللفظ في كتب كثير من الفقهاء والأصوليين وقال غير واحد من المخرج وغيره أنه لم يظفر به وذكر آخرون له سندا فيه ضعيفان لكن له شاهد جيد وروى بألفاظ مختلفة وقد قال أبو حاتم هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة وأنكره أحمد جدا وقال إنه يخالف الشرع فإنه أوجب الكفارة في القتل خطأ وللحديث طرق يظهر أن له أصلا سيما واصله حديث "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تكلم به".
@ "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن" موقوف حسن على ابن مسعود.
@ القزويني حديث المصابيح في ثواب
\\ ص 92 \\
الأمة " لا يزال من أمتي طائفة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" "ومثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره" موضوعان.
@ في المختصر "أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة عجل عقابها في الدنيا الزلازل والفتن" ضعيف.(/38)
@ في اللآلئ "إن حظ أمتي من النار طول بلائها تحت الأرض وإن الجنة محرمة على جميع الأمم حتى أدخلها أنا وأمتي الأول فالأول" فيه من ليس بثقة.
@ في المقاصد "إنما حر جهنم على أمتي كحر الحمام" للطبراني من حديث شعيب بن طلحة عن الصديق ورجاله موثوقون إلا أنه نقل أن شعيبا متروك لكن الأكثر على قبوله.
باب
فضل صحابته وأهل بيته وأويس ورد الشمس على علي رضي الله عنه وعذاب قاتل الحسين وتاريخ قتله
- في المقاصد "ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائدا يعني لأهلها ونورا يوم القيامة"706 للترمذي رفعه.
- في الذيل "سب أصحابي ذنب لا يغفر" قال ابن تيمية موضوع وهو كما.
- قال أنس "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء جاءٍ فاستفتح الباب فقال يا أنس اخرج فانظر من هذا فخرجت فإذا أبو بكر فرجعت فقلت هذا أبو بكر يا رسول الله فقال ارجع فافتح له وبشره بالجنة وأخبره بأنه الخليفة من بعدي ثم جاء جاءٍ إلى آخره في عمر وعثمان" كذب موضوع وإلا لما جعل عمر الخلافة شورى.
@ "من شتم الصديق فإنه زنديق ومن شتم عمر فمأواه سقر ومن شتم عثمان خصمه الرحمن ومن شتم عليا فخصمه النبي".
@ "قال إبليس سولت لبني آدم الخطايا فحطموها بالاستغفار فسولت لهم ذنبا لا يستغفرون منه شتم أبي بكر وعمر" فيه إبان كذاب.
@ "قال علي أول من يدخل الجنة من هذه الأمة أبو بكر وعمر وإني لموقوف مع معاوية للحساب" أخرجه ابن الجوزي في الواهيات وفي اللسان هذا أولى بكتاب الموضوعات.
@ "أخبرني جبريل
\\ ص 93 \\
عليه السلام أن أقواما ينتقصون صاحبي ويذكرونهما بالقبيح ما لهم في الإسلام نصيب ولا عند الله من خلاق فقيل يا رسول الله يصومون كما نصوم ويصلون كما نصلي قال نعم والذي بعثني إنهم ليصلون ويصومون ويزكون ويحجون ذلك وبال عليهم فإن أدركتموهم فلا تشاهدوهم ولا تجالسوهم ولا تبايعوهم ولا تصلوا معهم فإن العذاب ينزل في مجالستهم لا يؤمنون أبدا سبق فيهم علم ربي عز وجل قلنا يا رسول الله ما أسماؤها قال الرافضة الذين رفضوا ديني ولم يرضوا بخيرة ربي في أصحابي" إلخ. مع طوله وتسمية الصديق وغير ذلك فيه اثنان لا يعرفان.
@ "قال جبرائيل كل أمتك عليها حساب ما خلا أبا بكر الصديق فإذا كان يوم القيامة قيل له يا أبا بكر ادخل الجنة قال ما أدخل حتى أدخل معي من كان يحبني في الدنيا" كثير الضعف.
@ "قال عمر كان عليه السلام يتكلم مع أبي بكر وكنت بينهما كالزنجي" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ في المقاصد "لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الناس لرجح إيمان أبي بكر" عن عمر موقوفا بسند صحيح وعن ابن عمر مرفوعا بسند ضعيف لكنه متابع وله شاهد.
@ في الخلاصة "ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر" موضوع.
@ في المختصر "إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة" لم يوجد، وفي الوجيز "إن الله يتجلى للخلائق يوم القيامة عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة" أورده عن أنس وجابر من طرق وعن أبي هريرة بطريق واحد وأعلت كلها وعن عائشة ولم يتكلم عليه قلت رجال حديثها ثقات إلا أبا قتادة مختلف فيه فهو على شرط الحسن.
@ أبو هريرة "عرج بي السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها اسمي محمد رسول الله وأبو بكر الصديق من خلفي" فيه عبد الله بن إبراهيم يضع عن عبد الرحمن بن زيد ضعيف قلت عبد الله أخرج له أبو داود والترمذي والحديث له شواهد عن ابن عمر وابن عباس وعلي وأبي الدرداء وأنس والبراء وأبي سعيد.
@ معاذ بن جبل "إن الله يكره في السماء أن يخطأ أبو بكر في الأرض" تفرد به أبو الحرث ذاهب الحديث قلت هو من رجال ابن ماجه ولم يتفرد به ابن مسعود.
@ "كل مولود يولد يذر على سرته من تربته فإذا طال عمره
\\ ص 94 \\
رده الله إلى تربته التي خلقه منها وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن" فيه مجاهيل: قلت له طريق ثان عنه وأورده عن أبي هريرة وله شاهد عنه موقوفا بلفظ "ويأخذ يعني الملك التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته".
@ وابن عمر وعائشة "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره" فيه عيسى بن ميمون لا يحتج به وأحمد بن بشير متروك قلت هو في الترمذي وأحمد احتج به البخاري ووثقه الأكثرون وعيسى لم يتهم بكذب فالحديث حسن وشاهد الأحاديث الصحيحة في تقديمه إماما.
@ "لو لم أبعث فيكم لبعث عمر" وأورد عن بلال وفيه زياد بن يحيى كذاب وعن عقبة بن عامر وفيه عبد الله بن واقد متروك ومشرح لا يحتج به قلت ابن واقد وثقه أحمد وغيره وله شاهد عن الصديق وأبي هريرة، وفي المقاصد وفي الباب عن جماعة وفي المختصر "لو لم أبعث لبعثت يا عمر" منكر والمعروف "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب" حسنه الترمذي.
@ "قال لي جبريل ليبك الإسلام على موت عمر" لأبي بكر في الشريعة وابن الجوزي في الموضوعات.
@ الخلاصة "الحق مع عمر حيث كان" قال الصغاني موضوع وكذا "عمر سراج أهل الجنة".(/39)
@ في الذيل "إن لكل نبي خليلا من أمته وإن خليلي عثمان" من أباطيل الملطي.
@ في المختصر "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر" قيل هو أويس والمشهور أنه عثمان بن عفان.
@ في الوجيز جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة رجل فلم يصل عليها فقيل له قال إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله" مداره على محمد بن زياد وهو متروك قلت أخرجه الترمذي وضعفه.
@ جابر "بينا نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم قال لينهض كل رجل كفأه فنهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال له أنت وليي في الدنيا والآخرة" فيه طلحة بن زيد لا يحتج به عن عبيد بن حبان متروك قلت صححه الحاكم واعترض عليه الذهبي وضعفه.
@ سهل بن سعد "سئل أفي الجنة برق قال نعم إن عثمان ليتحول من منزل إلى منزل فتبرق له الجنة" آفته الحسين ابن عبيد الله العجلي قلت صححه الحاكم على شرط الشيخين وتعقبه الذهبي وقال
\\ ص 95 \\
بل موضوع.
- "سدوا الأبواب إلا باب علي" أورده من حديث سعد وعمر وزيد ابن أرقم وابن عباس وأعله بمخالفة الحديث المتفق على صحته إلا باب أبي بكر وأنه من وضع الرافضة، وفي أسانيده كذاب أو مجهول أو لا شيء أو منكر قلت قال ابن حجر هذا أقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم، وفي اللآلئ هو حديث مشهور له طرق متعددة كل طريق لا يقصر عن رتبة الحسن وبمجموعها يقطع بصحته، وفي الوجيز وقد جمع الطحاوي بينه وبين حديث الصحيحين بأن قصة علي في الأبواب الشارعة وكان إذن له بالمرور في المسجد جنبا وقصة أبي بكر في مرض الوفاة في سد طاقة كانوا يستقربون الدخول منها ومن طعن فيهم أما متابع أو وثقه آخرون ولبعضها طريق آخر صحيح وصحح الحاكم حديث سعد (1) وأخرجه غير واحد.
@ "أنا مدينة العلم وعلي بابها" أورده من حديث علي وابن عباس وجابر قلت قد تعقب العلائي على ابن الجوزي في حكمه بوضعه فإنه ينتهي بطرقه إلى درجة الحسن فلا يكون ضعيفا فضلا عن أن يكون موضوعا وقال ابن حجر صححه الحاكم وخالفه ابن الجوزي فكذبه والصواب خلاف قولهما والحديث حسن لا صحيح ولا كذب.
@ أبو سعيد "يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" فيه كثير غال في التشيع عن عطية العوفي ضعيف قلت كثير متابع وحسنه الترمذي وغربه قال النووي إنما حسنه لشواهده قلت قد ورد من حديث سعد وعمر وعائشة وجابر: في الخلاصة "لا يحل لأحد أن يجنب" إلخ. موضوع.
@ القزويني أحاديث المصابيح في مناقب علي "اللهم ائتني بأحب خلقك" إلخ. ابن الجوزي موضوع: الحاكم ليس بموضوع: الثاني "أنا دار العلم" إلخ. غريب مضطرب ابن الجوزي موضوع: الثالث "يا علي لا يحل لأحد يستطرق هذا
------------- هوامش ---------
(1) لي فيه نظر إذا لم يذكر الجلال السيوطي في الوجيز ولا في اللآلئ تصحيح الحاكم لحديث سعد بل ولا ذكره العسقلاني في القول المسدد والذي ذكروا تصحيحه فهو لحديث زيد بن أرقم لعل فيه تصحيف من بعض النساخ والله أعلم. اهـ عفا عنه السميع البصير.
\\ ص 96 \\
المسجد جنبا غيري وغيرك" ابن الجوزي موضوع.
@ في المختصر "اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذه الطير" له طرق كثيرة كلها ضعيفة قلت ذكره أبو الفرج في الموضوعات.
@ "أنا دار العلم وعلي بابها" للترمذي غريب "أنا مدينة العلم" إلخ. قال ابن حبان لا أصل له وقال ابن طاهر موضوع: في المقاصد لابن الجوزي في الموضوعات ووافقه عليه الذهبي وغيره قلت له متابعات فمن حكم بكذبه فقد أخطأ.
@ الوجيز عباد بن عبد الله "سمعت عليا يقول أنا عبد الله وآخر رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب صليت قبل الناس سبع سنين" آفته عباد قلت أخرجه النسائي في الخصائص وصححه الحاكم على شرطهما لكن تعقبه الذهبي بأن عبادا ضعيف.
@ حبة بن جوين عن علي "عبدت الله مع رسوله سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة" حبة عال في التشيع وفيه شعيب بن صفوان عن الأحلج ضعيفان قلت أخرجه الحاكم وتعقبه الذهبي بأن خديجة وأبا بكر وبلالا وزيد آمنوا أول البعث ولعله قال عبدت الله مع رسوله ولي سبع سنين فأخطأ الراوي في السمع.
@ حديث أسماء في رد الشمس فيه فضيل بن مرزوق ضعيف وله طريق آخر فيه ابن عقدة رافضي رمي بالكذب ورافضي كاذب قلت فضيل صدوق احتج به مسلم والأربعة وابن عقدة من كبار الحفاظ وثقه الناس وما ضعفه إلا عصري متعصب والحديث صرح جماعة بتصحيحه: منهم القاضي عياض، وفي اللآلئ عن أسماء بنت عميص "كان صلى الله عليه وسلم يوحي إليه ورأسه في حجر علي رضي الله عنه فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فطلعت بعد ما غربت" قيل هو منكر وقيل موضوع: قلت صرح به جماعة من الحفاظ بأنه صحيح، وفي المقاصد رد الشمس على علي قال أحمد لا أصل له وتبعه ابن الجوزي ولكن صححه الطحاوي وصاحب الشفا وكذا رددت للنبي صلى الله عليه وسلم.(/40)
@ "حمل علي باب خيبر وإن سبعة رجال وأربعين لم يطيقوه" فيه ليث ضعيف والراوي عنه شيعي قلت طرقه كلها واهية ولذا أنكره بعض العلماء.
@ حديث علي "لما غسلت النبي
\\ ص 97 \\
صلى الله عليه وسلم اقتلصت ماء محاجره فشربته فورثت علم الأولين والآخرين" قال النووي ليس بصحيح، وفي الذيل "امتصصت ماء محاجن (1) عينيه وسرته" والباقي وجواب النووي كما قال.
(1) الصحيح بالجيم والراء المهملة دون النون فليتدبر. اهـ مصححه.
@ وفي الوجيز أبو أيوب "أمرنا بقتال الناكثين القاسطين والمارقين مع علي" فيه إصبغ متروك وابن الخرور ذاهب قلت له طريقان وورد عن ابن مسعود وأبي سعيد "أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما علي" فيه أبو معاوية الزعفراني كذاب وتابعه سيف بن محمد وهو شر منه.
@ أنس "لن يموت هذا يعني عليا إلا مقتولا" فيه إسماعيل بن إبان عن ناصح وهما متروكان.
@ "النظر إلى علي عبادة" أورده من حديث أبي بكر وعثمان وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وجابر وأنس وأبي هريرة وثوبان وعمران وعائشة ووهاها كلها قلت المتروك والمنكر إذا تعددت طرقه ارتقى إلى درجة الضعف القريب بل ربما ارتقى إلى الحسن وهذا ورد من رواية أحد عشر صحابيا بعدة طرق وتلك طرق عدة التواتر في رأيي.
@ سعد بن أبي وقاص رفعه "قال لعلي إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك" فيه حفص بن عمر كذاب قلت صححه الحاكم من حديث علي لكن تعقبه الذهبي بأن في سنده عبد الله بن بكر منكر وحكيم بن جبير ضعيف.
@ في المختصر حديث "آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وشاركه في العلم" في حديث طويل وكل ما ورد في أخوة علي ضعيف والترمذي "أنت أخي في الدنيا والآخرة".
@ "علي مني بمنزلة هارون من موسى" متفق عليه.
@ في الذيل جابر رفعه "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنته" قال الخطيب زيادة ولو كان لكنته لا نعلم رواها إلا ابن أبي الأزهر وكان يضع، وقال ابن النجار المتن صحيح والزيادة غير محفوظة والله أعلم بواضعها.
@ "لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي نصرته بعلي" هذا باطل واختلاق بين.
@ "من أحبني فليحب عليا ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ومن أبغض الله أدخله النار"
\\ ص 98 \\
قال الخطيب موضوع الإسناد.
@ "يا علي إنك لسيد المسلمين ويعسوب المؤمنين إمام المتقين وقائد الغر المحجلين" من نسخة ابن أحمد الموضوعة.
@ "قال جبريل يا محمد إن رب العزة يقرئك السلام ويقول أنه لما أخذ الميثاق من النبيين أخذ ميثاقك وأنت في صلب آدم فجعلك سيد الأنبياء وجعل وصيك سيد الأوصياء على بن أبي طالب" قال الدار قطني موضوع.
@ "يا علي إن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك فابشر فانك الأترع الطلق" فيه داود الوضاع.
@ "اشتد غضب الله على من أهرق دمي وآذاني وعترتي" من نسخة محمد بن أشعث الواضع.
@ "أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه والمحب لهم بقبله ولسانه" من نسخة عبد الله أحمد عن العلويان الموضوعة وكذا" يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله وأخذت أنت بحجزتي وأخذ ولدك بحجزتك وأخذت شيعة ولدك بحجزهم فترى أين يؤمر بنا".
@ "أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " من نسخة نبيط الكذاب.
@ ابن عباس "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال سأل بحق محمد وفاطمة والحسن إلا تبت علي فتاب عليه" فيه حسين بن حسن اتهمه ابن عدي.
@ في الوجيز ابن عباس "أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا " فيه محمد بن شداد ضعيف جدا قلت قد توبع وقال الذهبي أنه على شرط مسلم.
@ في المقاصد "قال لي جبريل قال تعالى إني قتلت" إلخ. قال شيخنا روي مرفوعا بأسانيد متعددة تدل على أن له أصلا.
@ "قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار" قال شيخنا: ورد عن علي رفعه من طريق واه.
@ في اللآلئ "يقتل الحسين على رأس ستين سنة من مهاجري" موضوع.
@ في المقاصد "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " حسنه الترمذي وصححه والمتهم فيه متابع وله شاهده صححه الحاكم.
@ "كل بني آدم ينتمون إلى عصبة أبيهم إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم" فيه إرسال وضعف ولكن له شاهد
\\ ص 99 \\
عن جابر رفعه: "إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي" وبعضهم يقوي بعضا، وقول ابن الجوزي أنه لا يصح ليس بجيد. وفيه دليل لاختصاصه صلى الله عليه وسلم به.(/41)
@ في الوجيز "أنا الشجرة وفاطمة وفرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين وشيعتنا ورقها واصلها في جنة عدن" أورده عن ميناء وقال موضوع اتهموا به ميناء وعن علي وفيه عباد بن يعقوب رافضي، وعن ابن عباس وفيه موسى بن نعيمان لا يعرف قلت حديث ميناء أخرجه الحاكم، وقال متن شاذ ورجاله ثقات وميناء صحابي وتعقبه الذهبي وقال موضوع وميناء تابعي ساقط.
@ علي "إذا كان يوم القيامة ناد مناد من وراء الحجاب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم" فيه العباس بن الوليد كذاب قلت صححه الحاكم على شرط الشيخين لكن تعقبه الذهبي وله شاهد عن أبي هريرة.
@ في اللآلئ سعد رفعه "أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسرى بي فعلقت خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة" قال ابن حجر الوضع عليه ظاهر فإن فاطمة ولدت قبل الإسراء بالإجماع وقال المؤلف قبل النبوة بخمس سنين.
@ قال الحكيم الترمذي حديث ليث عن مجاهد عن ابن عباس "في مرض الحسين ونذر أهل البيت صيام ثلاثة وصيامهم بعد البئر وليس عندهم شيء فاستقرضوا صاعا ووقف الفقير على الباب حين الإفطار وتصدقوا عليه وصاموا على الصيام وهكذا ثلاثة أيام مع شدة جوعهم وارتعاشهم كالفرخ بسببه ونزول هل أتى على الإنسان" حديث مفتعل تنكره القلوب.
@ في المقاصد "لو عاش إبراهيم لكان نبيا" قال النووي وما روي بعض المتقدمين "لو عاش" إلخ. فباطل وجسارة على الغيب ونحوه قال ابن عبد البر قال لا أدري ما هذا فقد ولد نوح غير نبي قال شيخنا لا يلزم من المذكور ما ذكره لما لا يخفى وكأنه سلف النووي وهو عجيب من النووي مع وروده عن ثلاثة من الصحابة وكأنه لم يظهر له تأويله فإن الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابي
\\ ص 100 \\
الهجوم على مثله بالظن.
@ "خذوا شطر دينكم عن الحميراء" قال شيخنا لا أعرف له إسنادا ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في نهاية ابن الأثير وإلا في الفردوس بغير إسناد ولفظه "خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء" وسئل المزني والذهبي فلم يعرفاه.
@ في الذيل عن عائشة "قالت قلت يا رسول الله كيف حبك لي قال كعقدة الحبل قال فكنت أقول له كيف العقدة فيقول على حالها" هو حديث باطل فيه ضعفاء.
@ "غدا عشرة من بني هاشم على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذا معاوية بن أبي سفيان قد نحا علينا بكتابة الوحي فرأينا أن غيره من أهل بيتك أولى فقال نعم انظروا إلى رجل وكان الوحي ينزل في كل أربعة أيام فأقام الوحي أربعين ليلة فلما كان بعد أربعين هبط جبريل بصحيفة فيها يا محمد ليس لك أن تغير من اختاره الله لكتابة وحيه فأقره فإنه أمين" قال ابن عساكر حديث منكر، وفي الميزان بل يقطع ببطلانه وأخشى أن يكون مفتريه مدخول الإيمان.
@ قال علي "بينا أنا جالس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أكتب إذ جاء معاوية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القلم من يدي فدفعه إلى معاوية فما وجدت في نفسي من ذلك إذ علمت أن الله أمره بذلك أنت مني يا معاوية وأنا منك ولتزاحمني على باب الجنة كهاتين السبابة والوسطى" فيه من لا يحتج به ومن هو كثير الخطأ.
@ "لكل أمة فرعون وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان" ليس بصحيح.
@ "الأمناء سبعة اللوح والقلم وإسرافيل وميكائيل وجبرائيل ومحمد ومعاوية بن أبي سفيان" موضوع قال لا يصح مرفوعا في فضل معاوية شيء، وأصح ما روي فيه حديث مسلم أنه كاتبه وبعده حديث العرباض "اللهم علمه الكتاب" وبعده حديث "اللهم اجعله هاديا مهديا".
@ "أول من يختصم من هذه الأمة بين يدي الرب عز وجل علي رضي الله عنه ومعاوية وأول من يدخل الجنة أبو بكر وعمر" فيه أبو حمدان كذاب.
@ "نعم يا عباس إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم المهدي" هذا باطل.
@ وفي اللآلئ أنس رفعه "لا أفتقد أحدا من أصحابي غير
\\ ص 101 \\
معاوية بن أبي سفيان لا أراه ثمانين عاما - أو سبعين عاما - ثم يقبل إلى علي ناقة من المسك الأذفر حشوها من رحمة الله قوائمها من الزبرجد فأقول : أين كنت من ثمانين عاما ؟ فيقول في روضة تحت عرش ربي يناجيني وأناجيه ويقول هذا عوض ما كنت تشتم في دار الدنيا" موضوع، وقال الخطيب باطل إسنادا ومتنا، وقال الحاكم عن مشايخه لا يصح في فضل معاوية حديث.
@ في المقاصد "إن بلالا يبدل الشين سينا" قيل اشتهر على ألسنة العوام ولم نره في شيء من الكتاب "سين بلال عند الله شين" قال ابن كثير لا أصل له وقد ترجم غير واحد بأنه كان ندى الصوت حسنه وفصيحه ولو كان فيه لثغة لتوفرت الدواعي على نقلها وعابها أهل النفاق.
@ "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" اشتهر عند الأصوليين والبيانيين من حديث عمر وذكر السبكي أنه لم يظفر به في شيء من الكتب وكذا قال جمع من أهل اللغة ثم رأيت بخط شيخنا أنه ظفر به لأبي محمد بن قتيبة لكن بلا سند.(/42)
@ في اللآلئ "اهتز عرش الله لوفاة سعد بن معاذ ونزل الأرض لشهود سعد بن معاذ سبعون ألف ملك ما نزلوها قبلها واستبشر به أهل السماء ولقد ضم سعد بن معاذ ضمة يعني في قبره ولو كان أحد معافى عوفي منها سعد بن معاذ" تفرد به من روى المناكير وله طرق لا تخلو عن شيء قلت أصل الحديث "ضغطة سعد" صحيح ثابت في عدة أحاديث عند النسائي وأحمد وغيرهما.
@ في المختصر "إني لأجد نفس الرحمن من اليمن" لم نجده ولكن عند بعضهم مرسلا وروى بزيادة أشار إلى أويس ولم يوجد له أصل.
@ في اللآلئ "يا محمد سيخرج في أمتك رجل يشفع فيشفعه الله في عدد ربيعة ومضر فإن أدركته فسله الشفاعة لأمتك أما اسمه فأويس" وذكر حديثا في ورقتين قال ابن حبان باطل والذي صح في فضل أويس كلمات يسيرة معروفة: قلت عندي وقفة في الحكم عليه بالوضع فإن له طرقا عديدة وبعضها لا بأس به.
\\ ص 102 \\
باب
فيمن ادعى الصحبة كذبا من المعمرين
- في الذيل أبو موسى المديني ثنا مكي بن أحمد سمعت إسحاق بن إبراهيم الطوسي يقول "وهو ابن سبع وتسعين سنة رأيت سرباتك ملك الهند في بلد قنوج فقال لي إنه ابن سبعمائة وخمس وعشرين سنة وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ إليه حذيفة وأسامة وصهيبا وغيرهم يدعون إلى الإسلام فأجاب وأسلم وقبل كتابه" قال الذهبي هذا كذب واضح، وعن أبي سعيد مظفر بن أسد "سمعت سرباتك الهندي يقول رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم مرتين بمكة والمدينة مرة ومات سرباتك سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وهو ابن ثمانمائة سنة وأربع وتسعين" وفي الميزان جابر بن عبد الله اليمامي كذاب حدث ببخارى بعد المائتين عن الحسن البصري "قال ولدت فحملوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وقال اللهم نزهه في العلم" وجابر بن عبد الله العقيلي عن بشر بن معاذ الأسدي "أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا كذب حدث بعد الخمسين ومائتين فافتضح وبشر لا وجود له فيما أحسب، وفي اللسان العقيلي واليمامي واحد كان كذابا جاهلا بعيد الفطنة:
وقال ابن حجر فيه عن الأمير عبد الكريم بن نصر "قال كنت مع الإمام الناصر في بعض منتزهاته للصيد فلقينا في أرض قفر بعض عرب فاستقبلنا مشايخهم وقالوا يا أمير المؤمنين عندنا تحفة هي أنا كل أبناء رجل واحد وهو حي يرزق وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وحضر معه الخندق واسمه جبير بن الحرب فمشوا إليه فإذا هو في عمود الخيمة معلق مثل هيئة طفل فكشف شيخ العرب عن وجهه وتقرب من أذنه وقال أبتاه ففتح عينيه فقال هذا الخليفة جاء يزورك فحدثهم فقال حضرت مع النبي صلى الله عليه وسلم الخندق فقال لي احفر يا جبير جبرك الله ومتع بك وأوصاني بالقواقل فصافحناه وذلك في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة".
\\ ص 103 \\
@ وعن هناد بن إبراهيم "قال بينا أنا في الطواف إذ أنا بشيخ كبير ينادي يا مسلمين أعطوني شيئا فإن لي والدا أحب أن أرجع إليه فقلت أريد أن أنظر إلى والدك فدخلنا عليه فإذا هو كهيأة لحم مرمي وله أربعون سنة لم يتكلم فلما رآنا فتح فاه وكان آخر كلامه يا ولدي احفظني ولا تضيعني فقد كنت ممن حضر حفر الخندق" هناد بن إبراهيم راوي الموضوعات: قال الذهبي في الميزان رتن الهندي وما أدراك ما رتن شيخ دجال بلا ريب ظهر بعد الستمائة فادعى الصحبة، والصحابة لا يكذبون وهذا جريء على الله ورسوله وقد ألفت في أمره جزءا وقد قيل أنه مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ومع كونه كذابا كذبوا عليه جملة كثيرة من أسمج الكذب والمحال، قال ابن حجر قد وقفت على جزئه بخطه وفيه "سبحانك هذا بهتان عظيم" ذكر شيخ الشيوخ محمد بن عبد الرحمن الكاشغري ومن خطه نقلت حدثني الشيخ همام الدين حدثني الشيخ المعمر بقية أصحاب سيد البشر خواجا رتن بن ماهوك ابن خليدة الهندي البترندي "قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة أيام الخريف فهبت الريح فتناثر الورق حتى لم يبق عليها ورقة "قال إن المؤمن إذا صلى الفريضة في الجماعة تناثرت عنه الذنوب كما تناثر هذا الورق" وقال "من أكرم غنيا لغناه ومن أهان فقيرا لفقره لم يزل في لعنة الله أبد الآبدين إلا أن يتوب ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا" وقال "من مشط حاجبيه كل ليلة وصلى علي لم ترمد عيناه أبدا" وذكر عدة أحاديث من هذا النمط ثم قال الكاشغري ثنا القدوة محمد بن أحمد الخراساني بطيبة سنة سبع وسبعمائة، قال أما بعد فهذه أربعون حديثا ثمانيات رتنيات انتخبتها مما سمعته من الشيخ موسى بن محلي سنة ثلاث وسبعين وستمائة بالخانقاه السابقية بسمنان من الهند عن أبي الرضاء رتن بن نصر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم "قال ذرة من أعمال الباطن خير من الجبال الرواسي من أعمال الظاهر" وقال "الفقير على فقره أغير من أحدكم على أهل بيته" إلى آخر الأربعين.
@ قال رتن "كنت في زفاف فاطمة على علي في جماعة من الصحابة وكان ثمة من يغني فطربت
\\ ص 104 \\(/43)
قلوبنا ورقصنا فلما كان الغد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلتنا فأخبرناه فلم ينكر علينا ودعا لنا وقال اخشوشنوا وامشوا حفاة تروا الله جهرة" قال الذهبي وقفت على نسخة يرويها عبد الله بن محمد السمرقندي حدثني صفوة الأولياء موسى بن محلي بن بندار أخبرنا رتن بن نصر بن كربال الهندي رفعه "إياكم وأخذ الرفعة من السوقة والنساء فإنه يبعد عن الله" وقال "لو أن ليهودي حاجة إلى أبي جهل فطلب مني قضاءها لترددت إلى باب أبي جهل مائة مرة في قضائها" وقال "نقطة من دواة عالم أحب إلى الله من عرق مائة ثوب شهيد" وقال "من رد جائعا وهو قادر على أن يشبعه عذبه الله ولو كان نبيا مرسلا" وقال "ما من عبد يبكي يوم قتل حسين إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل" وقال "البكاء يوم عاشوراء نور تام يوم القيامة" وقال "من أعان تارك الصلاة بلقمة فكأنما أعان على قتل الأنبياء كلهم"
فذكر نحو ثلاثمائة حديث، قال الذهبي إن هذه الخرافات وضعها موسى هذا الجاهل أو من اختلق ذكر رتن الهندي وهو إما مني لم يخلق وأما شيطان بدا في صورة بشر وأما شيخ ضال كذاب وأين كان هذا الهندي في هذه الستمائة سنة؟ أما كان قريبا من بلدة يتسامع به؟ وأين كان لما فتح محمود بن سبكتكين الهند في المائة الرابعة ولم نسمع له ذكر في المائة الرابعة ولا بعدها من واحد من التجار والرحال إلى عام ستمائة؟ وفي مثل هذا لم يكتف بخبر واحد ولو كان من زعم أنه رآه ولم ينقل عنه شيئا من هذه الأحاديث لكان أخف ولو نسبت هذه الأخبار لبعض السلف لكان ينبغي أن ينزه عنها فضلا عن سيد البشر وما يصدق رتن الهندي إلا من يؤمن برجعة علي أو بوجود محمد بن الحسن في السرداب وقد اتفقوا على أن آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل عامر بن واثلة [لعله: وائلة]، وفي جامع الصحاح مات هو سنة مائة واثنين بمكة وهو آخر من مات في جميع الأرض من الصحابة.
وفي الذيل: وقد ثبت في الصحيح أنه قال قبل موته بشهر أو نحوه "أرأيتم ليلتكم هذه فان على رأس مائة سنة لا يبقي على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد" فانقطع المقال قال ووجدت قصته في تذكرة
\\ ص 105 \\
الصلاح الصفدي عن علاء الدين الوداعي ثنا محمد بن سليمان ثنا علي بن محمد سنة إحدى وسبعمائة حدثنا الحسن بن محمد قال سافرت في زمن الصبا إلى الهند في تجارة فوصلنا إلى ضيعة من أوائل الهند وقالوا هذه ضيعة المعمر الشيخ رتن الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له ست مرات بطول العمر وهو زنبيل معلق في غصن من الشجرة فسألنا أن ينزلوه لنسمع منه فأنزل فرأينا الشيخ في وسط القطن كهيئة الفرخ فتكلم كصوت النحل بالفارسية وقال: سافرت مع أبي إلى الشام في تجارة فوصلنا بعض أودية مكة وكان المطر قد ملأها رأيت غلاما أسمر اللون مليح الكون يرعى إبلا وقد حال السبيل بينه وبين إبله وهو يخشى من خوض الماء لقوة السيل فحملته إلى إبله من غير معرفة قال بارك الله في عمرك مرتين فعدنا بعد قضاء أمرنا إلى بلدنا فبينما نحن جلوس في فناء ضيعتنا البدر وهو كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشق نصفين فصار نصف بالمشرق ونصف بالمغرب فأظلم الليل ثم طلع النصف من المشرق والثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء فتعجبنا منه فأخبرنا الركبان أن رجلا هاشميا ظهر بمكة وادعى النبوة وأظهر معجزته بانشقاق القمر فاشتقت إلى أن أرى المذكور وسافرت إلى أن دخلت مكة فتفحصته وأتيت منزله فوجدته جالسا في وسط المنزل مع صحبه والأنوار تتلألأ في وجهه وسلمت عليه فنظر إلي وتبسم وعرفني فرد السلام وأدناني فكان عنده رطب فقال كل المرانقة من المروءة والمقارفة من الزندقة فأكلت وصار يناولني الرطب بيده المباركة إلى أن ناولني ست رطبات من سوى ما أكلت بيدي فذكر لي قصة حملي له في السيل فعرفته فصافحني وعرض لي الشهادتين وقال عند خروجي بارك الله في عمرك ثلاث مرات فبورك في عمري بكل دعوة مائة سنة وجميع من في هذه الضيعة أولادي وأولاد أولادي وفتح الله علي وعليهم بكل نعمة ببركة دعائه.
ثم قوى الصفدي قصته وأنكر على من ينكرها ومعوله فيه الإمكان العقلي، ورد عليه بأن المعول فيه النقل لا الامكان: قال ابن حجر وممن روى عنه زيد بن ميكائيل ابن إسرافيل قال سمعت رتن بن مهاديو بن باسند بوا، سنة اثنتين وثمانين وستمائة
\\ ص 106 \\
فذكر أحاديث موضوعة: منها "من صلى الفجر في جماعة فكأنما حج خمسين حجة مع آدم" ومنها "من ترك العشاء قال له ربه لست ربك فاطلب ربا سوائي"(/44)
وقال عبد الغفار القوسي حدثني الشيخ محمد العجمي قال صحبت كمال الدين الشيرازي وقد بلغ مائة وستين سنة قال ما صحبت رتن الهندي وقال إنه حضر حفر الخندق وقال شمس الدين بن محمد الجزري سمعت عبد الوهاب بن إسماعيل الصوفي يقول قدم علينا شيراز سنة خمس وسبعين وستمائة الشيخ المعمر محمود ولد بابا رتن فأخبر أن أباه أدرك ليلة شق القمر وكان ذلك سبب هجرته وإنه حضر حفر الخندق وكان استصحب معه تمرا هنديا بالهدية فأكل منها ووضع يده على ظهره ودعا له بطول العمر وله يومئذ ست عشرة سنة وعاش ستمائة سنة وثلاثين سنة وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وأخبر أن عمر محمود مائة سنة وسبعون سنة.
وعن داود بن أسعد القفال سمعت المعمر رتن بن ميدن بن نبدي الصراف السندي قال كنت في مبدأ أمري أعبد صنما فرأيت في منامي قائلا أطلب لك دينا غير هذا بالشام فأتيت الشام فتنصرت ثم سمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأتيته فأسلمت ودعا لي بطول العمر ومسح على رأسي ثم خرجت معه غزاة اليهودي ثم استأذنته في العود إلى والدتي قال وتواتر عند أهل بلده أنه عمر سبعمائة ببركة دعائه.
وعن أبي الفضل بن علي سمعت محمد بن علي بثغر الإسكندرية سنة ست وثمانين وستمائة سمعت المعمر أبا بكر المقدسي المعمر ثلاثمائة سنة بمسجد السلطان محمود بن سبكتكين بالهند سنة اثنتين وخمسين وستمائة ثنا الشيخ المعمر خواجا رتن بن عبد الله ببلدة فذكر أحاديث قال الأقشهري وهذا السند يتبرك به وان لم يوثق بصحته.
وعن الشيخ نجم الدين سمعت عبد الله بن بابا رتن سمعت والدي بابا رتن يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قال لاإله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة" وقال ابن حجر رأيت شيخنا مجد الدين صاحب القاموس ينكر ينكر على الذهبي إنكاره وجود رتن وذكر أنه دخل في ضيعة في الهند ووجد فيها من لا يحصي كثرة ينقلون قصة رتن عن آبائهم وأسلافهم.
قلت هو لم يجزم بعدمه بل تردد قال والظاهر أنه كان طويل
\\ ص 107 \\
العمر فادعى وتمارى عليه حتى اشتهر ولو كان صادقا لا شتهر في المائة الثانية أو الثالثة ولكن لم ينقل عنه شيء إلا في آخر المائة السادسة ثم في أوائل السابعة قبل موته.
قال الذهبي: أحاديث معمر بن شريك باطلة وكذب واضح، منها ما حدث علي بن إسماعيل بسنجار سنة تسع وعشرين وستمائة قال سمعت معمر بن شريك رفعه "يشيب المؤمن ويشب معه خصلتان الحرص وطول الأمل" وسمعته يقول "أربعة يصلبون على شفير جهنم الجائر في حكمه والمتعدي على رعيته والمكذب بالقدر وباغض آل محمد" وسمعته "من شم الورد ولم يصلي علي فقد جفاني" فهذا من نمط رتن الهندي.
وقال ابن حجر: وقد وقع نحوه في الغرب فقال شيخ هو أبو عبد الله محمد الصقلي: صافحني شيخي أبو عبد الله معمر وأنه صافح النبي صلى الله عليه وسلم وأنه دعا له عمرك الله يا معمر، فعاش أربعمائة سنة وأجاز لي محمد بن عبد الرحمن سنة بضع عشرة وثمانمائة أنه صافح أباه وأن أباه صافح الشيخ علي الخطاب بتونس وأنه عاش مائة وثلاثة وثلاثين وأن الخطاب صافح الصقلي وأنه عاش مائة وستين سنة...
فهذا كله لا يفرح به من له عقل.
وأخبرنا أبو الركاب بن زيد مكاتبة قال صافحني والدي وقد عاش مائة قال صافحني أبو الحسن علي الخطاب بمدينة تونس وعاش مائة وثلاثين سنة قال صافحني أبو عبد الله معمر وكان عمره أربعمائة سنة قال صافحني رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فقال عمرك الله يا معمر ثلاث مرات قال ابن حجر وهذا من جنس رتن وقيس بن تميم وأبي الخطاب ومكلبة ونسطور قال ابن حجر وقيس بن تميم الطائي الكيلاني الأشج من نمط شيخ العرب ورتن الهندي فإنه حدث سبعة عشر وخمسمائة بمدينة كيلان عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي بن أبي طالب وسمع منه جماعة أكثر من أربعين حديثا منها "من شم الورد الأحمر ولم يصلي علي فقد جفاني" قال وخدمت عليا بعد قتل عثمان فكنت صاحب ركابه فرمحتني بغلته فسال الدم على رأسي فمسح رأسي وهو يقول مد الله يا أشج في عمرك مدا قال الذهبي في الميزان عثمان بن الخطاب أبو عمرو البلوي المعروف بأبي الدنيا الأشج ظهر على أهل بغداد وحدث بعد
\\ ص 108 \\
الثلاثمائة عن علي بن أبي طالب فافتضح به وكذبه النقادون روى عنه المفيد وغيره قال الخطيب علماء النقل لا يثبتون قوله ومات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة قال ولدت في خلافة الصديق رضي الله عنه وأخذت لعلي رضي الله عنه بركاب بغلته أيام صفين.(/45)
قال ابن حجر وحدث المعمر علي بن عثمان بن الخطاب سنة إحدى عشر وثلاثمائة بالقيروان عن علي رفعه: "النفخ في الطعام والشراب حرام والنبيذ حرام والديباج حرام والخصيان حرام" قال وكان يسلم تسليمة واحدة وكان يرفع يديه رفعا واحدا في أول الصلاة وكان يقلع نعليه ويغسل رجليه ولا يمسح قال ورأيت عائشة طويلة بيضاء بوجهها أثر من جدري وسمعتها تقول لأخيها محمد يوم الجمل أحرقك الله بالنار في الدنيا والآخرة قال ورأيت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا.
في اللآلئ حديث "مد الله في عمرك" لجعفر بن نسطور فعاش ثلاثمائة وأربعين سنة لا وجود له وهو أحد الكذابين الذين ادعوا الصحبة بعد المائتين.
*2* باب الأنبياء والخضر وإلياس ومن له لحية في الجنة.
@في اللآلئ: جابر "كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه من يروي الأباطيل قلت قد ورد عن عبادة بن الصامت.
@ رياح قال "رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز يعتمد على يده فقال يا رياح ذلك الخضر بشرني أني سألي وأعدل" حديث رياح كالريح: قلت قال ابن حجر هو أصح ما ورد في بقائه.
@ "إن كانت الحبلى لترى يوسف فتضع حملها " موضوع فيه متروكون قلت وثقهم قوم.
@ في الذيل حديث اجتماع الخضر بالنبي صلى الله عليه وسلم أورده عن عمرو بن عوف وفيه كثير روى نسخة موضوعة وعبد الله بن نافع متروك وعن أنس وفيه الوضاع متكلم فيه: قلت حديث عمرو عند البيهقي وضعفه وحديث أنس له طرق أخرى.
@ ابن عباس" يلتقي الخضر وإلإياس كل عام " إلخ. تفرد به الحسن بن زريق وهو مجهول قلت قال ابن عدى والذهبي سنده منكر:
\\ ص 109 \\
في المقاصد اجتماع الخضر وإلياس في كل موسم وإقامتهما في بيت المقدس في رمضان كله وإفطارهما على الكرفس وما روي عن الحسن وكل إلباس بالفيافي والخضر في البحور وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى مما هو ضعيف كله مرفوع وغيره " رحم الله أخي الخضر لو كان حيا لزارني" قال شيخنا لم يثبت مرفوعا بل من كلام من أنكر حياة الخضر من بعد السلف.
@ "إن لإبراهيم الخليل ولأبي بكر الصديق لحية في الجنة" قال شيخنا لم يصح ولا أعرفه في شئ من كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة.
@ وأخرج الطبراني بسند ضعيف " أهل الجنة جرد مرد إلا موسى عليه السلام فان له لحية تضرب إلى سرته " وذكر القرطبي أنه ورد في حق أخيه هارون أيضا وقيل في حق آدم ولا أعلم شيئا من ذلك ثابتا.
@ في الذيل أنس رفعه "جاء عزير إلى باب موسى بعد ما محي اسمه من ديوان النبوة فحجب فرجع وهو يقول مائة موتة أهون علي من ذل ساعة "هذا من بلاء أبي حفص العبدي.
@ "مر ذئب بيعقوب النبي عليه السلام فقال أنت أكلت يوسف ولدي فقال وكيف آكل ولدك وقد حرمت لحوم الأنبياء على جميع الوحوش والسباع" من نسخة نبيط الكذاب، وكذا منها "أول من اتخذ الخبز المتلقس إبراهيم عليه السلام" والخبز المتلقس خبزة كاللبنة فيها أربعة أرطال.
*2* باب الملائكة الموكلين وناقلة الأموات والناطقة على ألسنة بني آدم وخوف جبريل وهاروت وماروت وزهرة وغيرهم والجن والموسوس.
@في المختصر "وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه كما تذبون عن قصعة العسل الذباب" إلخ. ضعيف.
@ "ما جاءني جبريل إلا وهو يرتعد فرقا من الجبار" لم يوجد.
@ في المقاصد "إن لله ملائكة تنقل الأموات" لم أقف عليه لكن قد اشتهر عن الأجلة في المنام أنهم نقلوا وشواهد البعض في اليقظة
@ "إن لله ملائكة تنطق
\\ ص 110\\
على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر" صححه الحاكم على شرط مسلم.
@ "قصة هاروت وماروت مع الزهرة وهبوطه إلى الأرض امرأة حسنة حين طغت الملائكة وشربهما الخمر وقتلهما النفس وزناهما" عن ابن عمر رفعه وفيه موسى ابن جبير مختلف فيه ولكن قد توبع، ولأبي نعيم عن علي قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزهرة وقال إنها فتنت الملكين" وقيل الصحيح وقفه على كعب وكذا قال البيهقي، وفي الوجيز قصتهما في الفرج بن فضالة: ضعيف قلت قال ابن حجر لها طرق كثيرة يقطع بوقوعها لقوة مخارجها.
@ وفي الذيل علي رفعه "مؤذن أهل السماوات جبريل وإمامهم ميكائيل يؤم بهم عند البيت المعمور فيجتمع ملائكة السماوات فيطوفون بالبيت المعمور ويصلون ويستغفرون فيجعل الله ثوابهم واستغفارهم وتسبيحهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم" فيه السدي ابن عبد الله لا يعرف وأخباره منكرة.
@ وعن ابن عباس رفعه "إن لله ملكا نصف جسده الأعلى ثلج ونصفه الأسفل نار ينادي بصوت رفيع اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك" إلخ. فيه عبد المنعم كذاب.
@ حديث "إن الشيطان أدخل ذنبه في دبره بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج سبع بيضات فأولدها سبع أولاد وسخر كلا بفن من فنون الإغواء" إلخ. بطوله منكر، وقال ابن طاهر ظاهره الوضع.(/46)
@ عن جابر بن عبد الله "صيح بي وأنا نائم على فراشي يا عبد الله قم فاكنس دارك وارم بالقمامة من منزلك ففعلت وعدت إلى فراشي فصيح بي ثانيا كالأول وفعلت كذلك وصيح بي الثالثة ففعلت كذلك فلما كان في وجه السحر قال لي ذلك الصائح أحسن الله جزاءك فإن بعض إخواننا من الجن زارنا فمنعه المرزنجوش من الدخول فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدق هو مزروع حول العرش فإذا كان في دار لم يدخلها الشيطان" هو باطل.
@ "إذا قام العبد إلى صلاته قام معه سبعة شياطين كنع كنس" إلخ. باطل موضوع افتراه بعض الكذابين ونقل عنه بعض الفقهاء في ذم من يوسوس في قراءته.
@ في
\\ ص 111 \\
اللآلئ عائشة رضي الله عنها رفعته "إن هامة بن هيم بن لاقيس في الجنة" لأبي علي بن الأشعث متروك.
باب
الأئمة الأربعة
- الصغاني "سراج أمتي أبو حنيفة" موضوع.
- "عالم قريش يملأ طباق الأرض علما" موضوع قال يعنون به محمد بن إدريس.
- في الذيل "حدثني عبد الله بن أحمد الشعيثي ثنا إسماعيل بن محمد حدثنا أحمد بن الصلت الحماني حدثنا محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال حججت مع أبي ولي ست عشرة سنة فمررنا بحلقة فإذا رجل فقلت من هذا قالوا عبد الله بن الحارث بن جزء فتقدمت إليه فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تفقه في دين الله كفاه الله تعالى همه ورزقه من حيث لا يحتسب" في الميزان هذا كذب فابن جزء مات بمصر ولأبي حنيفة ستة سنين والآفة من الحماني قال ابن عدي ما رأيت في الكذابين أقل حياء منه، قال الدارقطني كان يضع الحديث وقع لنا هذا الحديث من وجه آخر وهو باطل أيضا وأخرجه ابن الجوزي في الواهيات قال الدارقطني لم يلق أبو حنيفة أحدا من الصحابة إنما رأى أنسا بعينه ولم يسمع منه.
@ وفي جامع الأصول في مقدمته قيل للمأمون بن أحمد المروزي ألا ترى إلى الشافعي وإلى من تبع له بخراسان فقال حدثنا أحمد بن عبيد الله حدثنا عبيد الله بن معدان عن أنس رفعه "يكون من أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس ويكون من أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي" جعله مما وضع تقربا وفيه في آخره وكان في أيام أبي حنيفة أربعة من الصحابة أنس بن مالك بالبصرة وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة وسهل الساعدي بالمدينة وأبو الطفيل عامر بن واثلة [لعله: وائلة] بمكة ولم يلق أحدا منهم ولا أخذ عنه وأصحابه يقولون أنه لقي جماعة من الصحابة وروى عنهم ولا يثبت ذلك عند أهل النقل.
@ وقال الشافعي من أراد الجدل فعليه بأبي
\\ ص 112 \\
حنيفة وقال من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة.
- في " المقاصد " : ابن مسعود رفعه "لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما اللهم إنك أذقت أولها عذابا فأذق آخرها نوالا" فيه مجهول واختلاف له شواهد عن أبي هريرة بسند ضعيف وهو منطبق على الشافعي ويؤيده قول أحمد إذا لم أعرف المسألة خبرا أخذت بقول الشافعي لما روي عالم قريش يملأ إلخ. فما كان أحمد ليذكر حديثا موضوعا وإنما أورده بصيغة التمريض احتياطا فإن إسناده لا يخلو عن ضعف قاله العراقي ردا على الصغاني في زعمه أنه موضوع.
@ قال ابن تيمية ما اشتهر أن الشافعي وأحمد اجتمعا بشيبان الراعي وسألاه فباطل باتفاق أهل المعرفة لأنهما لم يدركاه، كذلك ما ذكر أن الشافعي اجتمع بأبي يوسف عند الرشيد باطل فلم يجتمع بالرشيد إلا بعد موت أبي يوسف، قال شيخنا وكذلك الرحلة المنسوبة للشافعي إلى الرشيد وأن محمد بن الحسن حرضه على قتله وإن أخرجه البيهقي في مناقبه وغيره فهي موضوعة مكذوبة.
*2* باب مدح العرب ولغتهم والحبش وذم العجم ولغتهم وزيهم والسودان وسبب سوادهم وذم الهنود والكلمات الفارسية مرفوعة.
@ في المقاصد "أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي" فيه ضعيف عن ضعيف، وروي "أنا عربي والقرآن وكلام أهل الجنة عربي" وهو مع ضعفه أصح من الأول، وفي حب العرب أحاديث كثيرة وفي الوجيز "أحبوا العرب لثلاث" إلخ. فيه يحيى بن بريد يروي المقلوبات: قلت صححه الحاكم لكن تعقبه الذهبي قال والحديث ضعيف لا صحيح ولا موضوع.
@ في اللآلئ "كلام أهل الجنة بالعربية وكلام أهل السماء وكلام أهل الموقف بين يدي الله بالعربية" موضوع.
@ في الذيل "خير الناس العرب وخير العرب قريش وخير قريش بنو هاشم وخير العجم فارس وخير السودان النوبة وخير الصبغ
\\ ص 113 \\
الأصفر وخير المال الغض وخير الخضاب الحناء والكتم" فيه عنبسة متروك متهم.
@ "إن لله في السماء جنودا وفي الأرض جنودا فجنده في السماء الملائكة وجنده في الأرض أهل خراسان" هو شاذ غريب وفي إسناده مجهولون.
@ وفي اللآلئ أبو هريرة "أبغض الكلام إلى الله تعالى الفارسية وكلام الشيطان الخوزية وكلام أهل النار البخارية وكلام أهل الجنة العربية" موضوع.
@ "إن الله تعالى إذا رضي أنزل الوحي بالعربية وإذا غضب أنزل الوحي بالفارسية" باطل لا أصل له.(/47)
@ أبو هريرة رفعه "والذي نفسي بيده ما أنزل الله من وحي قط على نبي بينه وبينه إلا بالعربية ثم يكون هو بعد يبلغه قومه بلسانهم" لا يصح فيه سليمان بن أرقم متروك: قلت قال الزركشي لم يصح لا يقتضي إثبات الوضع وإنما هو إخبار عن عدم الثبوت وسليمان من رجال أبي داود والترمذي والنسائي وله شواهد.
@ "من تكلم بالفارسية زادت في خسته ونقصت من مروءته" موضوع وقال الذهبي إسناده واه وله شاهد بلفظ "من أحسن منكم أن يتكلم بالعربية فلا يتكلمن بالفارسية فإنه يورث النفاق" قال الذهبي فيه عمر كذاب، وفي الوجيز "من تكلم بالفارسية" إلخ. تفرد به طلحة ابن زيد متروك قلت أخرجه الحاكم وتعقبه الذهبي بأن إسناده واه بمرة انتهى وطلحة من رجال ابن ماجه.
@ في المقاصد "إياكم وذي الأعاجم" من قول عمر واعتمده مالك حيث قال "أميتوا سنة العجم وأحيوا سنة العرب" وروي مرفوعا "تمعددوا واخشوشنوا" إلخ. أي تشبهوا بمعد بن عدنان في الفصاحة وقيل في غلظ العيش وخشن الثياب ودعوا التنعم وذي العجم.
@ "إن نوحا عليه السلام اغتسل فرأى ابنه ينظر إليه فقال تنظر إلى وأنا أغتسل خار الله لونك قال فاسود فهو أبو السودان" صححه الحاكم عل شرط الصحيحين "إن الأسود إذا جاع سرق وإذا شبع زنا وإن فيهم خلتين صدق السماجة والبخل" له طرق متأكدة.
@ "من أدخل بيته حبشيا أدخل الله بيته رزقا" لا يصح، وفي الذيل "حبشيا أو حبشية وبركة مكان رزقا" وقال وضعه خالد.
@ وفي الوجيز ابن عباس "اتخذوا السودان فإن منهم ثلاثة من سادات أهل الجنة لقمان الحكيم والنجاشي وبلال" فيه عثمان الطرائفي لا يحتج به عن أبين
\\ ص 114 \\
لا يكتب حديثه قلت عثمان صدقه أبو حاتم، وللحديث شاهدان بلفظ "سادة السودان أربعة لقمان والنجاشي وبلال ومهجع".
@ ابن عباس "دعوني من السودان إنما الأسود لبطنه وفرجه" وعنه في الحبشة "إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا" وعن عائشة "الزنجي إذا شبع زنى وإذا جاع سرق" والكل لا يخلو عن منكر أو متروك قلت هو ضعيف لا موضوع، ولحديث ابن عباس طريق آخر وشواهد "اتركوا الترك ما تركوكم" فيه سلمة بن حفص يضع قلت له طريق آخر وورد عن حذيفة وسلمان ومعاوية وغيرهم.
@ والصغاني "اتقوا اليهود والهنود ولو بسبعين بطنا" موضوع
@ الكلمات الفارسية المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل شكم ودردو العنب ودودو كونه بزرد موضوع.
*2* باب الفاضلة من الأوقات والأيام والجمعة وعاشوراء والكحل وسعة الرزق وخلق كل شيء فيه والشهور وأيام النحس وما حدث فيها من البدع.
@ في المختصر "إذا كانت لك حاجة إلى رجل فاطلبها إليه نهارا ولا تطلبها ليلا واطلبها بكرة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم بارك لأمتي في بكورها" لجماعة ضعيف.
@ "الجمعة حج المساكين" للحارث فيه مقاتل وهو والراوي عنه ضعيفان.
@ في اللآلئ "الدجاجة غنم فقراء أمتي والجمعة حج فقرائها" باطل لا أصل له.
@ "من أصبح يوم الجمعة صائما وعاد مريضا وأطعم مسكينا وشيع جنازة لم يتبعه ذنب أربعين سنة" موضوع فيه مضعفان: قلت هذا لا يقتضي الوضع مع أن له شاهدا، وفي الوجيز هو حديث جابر وفيه ضعفاء ثلاثة قلت لم يتهم أحد منهم بالكذب وله شاهد عن أبي سعيد بلفظ "من وافق صيام يوم الجمعة وعاد مريضا وشهد جنازة وتصدق وأعتق رقبة وجبت له الجنة ذلك اليوم إن شاء الله".
@ في الذيل أنس رفعه "يصبح المؤمن يوم الجمعة وهو محرم فإذا صلى حل فإن مكث
\\ ص 115 \\
في الجامع حتى يصلي العصر مع إمامه كان كمن أتى بحجة أو عمرة قيل يا رسول الله فمتى نتأهب للجمعة قال يوم الخميس" فيه حسين بن داود البلخي لم يكن ثقة روى نسخة أكثرها موضوعة، وروي عن ابن عمر وفيه أبو معشر متروك.
@ "إذا كان يوم الجمعة يؤذن الطير الطير والوحوش الوحوش والسباع السباع سلام عليكم هذا يوم الجمعة" من نسخة ابن الأشعث التي عامتها مناكير، وكذا حديث "أربع يستأنفون العمل المريض إذا برأ والمشرك إذا أسلم والمنصرف من الجمعة إيمانا واحتسابا والحاج" وكذا حديث "التهجير إلى الجمعة حج فقراء أمتي".
@ سئل ابن حجر عن حديث ابن عباس في قوله تعالى (في أيام نحسات) قال الأيام كلها خلق الله بعضها سعودا وبعضها نحوسا كما أن الخلق عبيد الله لكن بعضهم للجنة وبعضهم للنار وما من شهر إلا وفيه سبعة أيام نحسات: منها اليوم الثالث قتل فيه قابيل هابيل واليوم الخامس فيه أخرج آدم من الجنة وطرح يوسف في الجب واليوم الثالث عشر فيه نزل بلاء على أيوب واليوم السادس عشر فيه سلب ملك سليمان واليوم الحادي والعشرون فيه خسف بقوم لوط واليوم الرابع والعشرون فيه ولد فرعون وفيه غرق واليوم الخامس والعشرون فيه ألقي إبراهيم في النار ويوم الأربعاء إذا كان آخر الشهر فذلك يوم نحس مستمر لأن فيه أرسل الريح على عاد والصيحة على ثمود" فأجاب بأن هذا كذب على ابن عباس لا تحل روايته.(/48)
@ في اللآلئ عن أبي سعيد رفعه "يوم السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم غرس وبناء ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء ويوم الخميس يوم طلب الحوائج ودخول على السلطان ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح" فيه عطية وفضيل وسلام الضعفاء.
@ وورد عن أبي هريرة بسند ضعفاء مجهولون وهو موضوع "لو سافر جبل يوم السبت من مشرق إلى مغرب لرده الله عز وجل إلى موضعه" قال صلاح الدين هذا الحديث منكر أو موضوع.
@ في الوجيز "لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم
\\ ص 116 \\
الأربعاء" فيه راوي الموضوعات: قلت روي من وجه آخر الصغاني "يوم الأربعاء يوم نحس مستمر" موضوع، وكذا "من بشرني بخروج صفر بشرته بدخول الجنة" قزويني وكذا قال أحمد بن حنبل.
@ اللآلئ عن أحمد ومما تدور في الأسواق ولا أصل له.
@ "من بشرني بخروج أدار بشرته بالجنة" وكذا قال العراقي في الذيل عن علي "أكثروا من الاستغفار في شهر رجب فإن لله في كل ساعة منه عتقاء من النار وإن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب" فيه الأصبغ ليس بشيء.
@ "في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من الأجر كمن صام مائة سنة وقام مائة سنة وهي لثلاث ليال بقين من رجب في ذلك اليوم بعث الله محمدا نبيا" فيه هياج تركوه.
@ وعن أبي الدرداء "في فضل رجب وفضل صومه يوما أو يومين أو أكثر" إلخ. إسناده ظلمات بعضها فوق بعض فيه داود وضاع وهو المتهم به وإخوان ضعفوهما.
@ "خطب صلى الله عليه وسلم قبل رجب بجمعة فقال أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم رجب شهر الله الأصم تضاعف فيه الحسنات وتستجاب فيه الدعوات وتفرج فيه الكربات" إلخ. منكرة بمرة.
@ "من صام يوما من رجب وقام ليلة من لياليه بعثه الله تعالى آمنا يوم القيامة ومر على الصراط وهو يهلل ويكبر" الحديث فيه إسماعيل كذاب.
@ وعن الحسين بن علي "من أحيا ليلة من رجب وصام يوما منه أطعمه الله من ثمار الجنة وكساه من حلل الجنة وسقاه من الرحيق المختوم" فيه حسين بن مخارق يضع.
@ وعن أبي سعيد "رجب شهر الله الأصم المنبتر الذي أفرده الله تعالى لنفسه فمن صام يوم إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر وشهر رمضان شهر أمتي ترمض فيه ذنوبهم" إلخ. فيه عصام ليس بشيء وأبو هارون متروك.
@ في المختصر "رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي" للديلمي وغيره.
@ عن أنس "فضل شهر رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام وفضل شهر شعبان على الشهور كفضلي على سائر الأنبياء وفضل شهر رمضان كفضل الله على سائر العباد" قال شيخنا موضوع.
@ في اللآلئ "فمن صام في رجب يوما فله كذا أو يومين فله كذا" إلخ. موضوع.
@ وفي بعض
\\ ص 117 \\
الرسائل لعلي بن إبراهيم العطار اعلم أن العلماء أجمعوا على أن رمضان أفضل الشهور وذا الحجة والمحرم أفضل من رجب بل لو قيل ذو القعدة أفضل من رجب لكان سائغا لأنه من الأشهر الحرم ولا شيء يتصور في رجب من الفضائل سوى ما قيل من الإسراء ولم يثبت ذلك وما روي في فضل صيام رجب وشعبان أو تضعيف الجزاء على صيامهما فكله موضوع أو ضعيف لا أصل له، وكذا ما أخرج العساكري والكتاني في الصيام والتضعيف موضوع لا يحتج به أصلا، وكان عبد الله الأنصاري لا يصوم رجبا وينهى عنه ويقول لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، وما روي من كثرة صيام شعبان فلأنه ربما كان يصوم ثلاثة من كل شهر ويشتغل عنها في بعض الشهور فيتداركه في شعبان أو لغير ذلك ومما يفعل في هذه الأزمان إخراج الزكاة في رجب دون غيره لا أصل له، وكذا كثرة اعتمار أهل مكة في رجب لا أصل له في علمي وإنما الحديث "عمرة في رمضان تعدل حجة" ومما أحدث العوام صيام أول خميس من رجب ولعله يكون آخر يوم من الجمادى وكله بدعة، ومما أحدثوا في رجب وشعبان إقبالهم على الطاعة أكثر وإعراضهم في غيرها حتى كأنهم لم يخاطبوا إلا فيهما.
@ وما روي "أن الله أمر نوحا بعمل السفينة في رجب وأمر المؤمنين الذين معه بصيامه" موضوع: نعم روي بإسناد ضعيف "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" ويجوز العمل في الفضائل بالضعيف.
@ وفي الحديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا قال الترمذي حسن صحيح وضعفه بعض الحفاظ وجعله منكرا ولا يلزم من النكارة الضعف وعلل النهي بأنه يضعف عن رمضان ورد بأنهم لم يكرهوا صيام كل شعبان أكبوا على المصاحف فعرضوها وأخرج المسلمون الزكاة يقوون بها المسكين على صيام رمضان وفتش أهل السجن، ومما أحدث في شعبان من البدع الإقبال على اللهو واللعب وإبطال الأعمال قبل دخول رمضان بأيام حتى كأنها أيام الأعياد وأشد في النفقات وغيرها، والسنة إعداد النفقات واستقبال الطاعات بالنيات انتهى.
\\ ص 118 \\(/49)
- في اللآلئ "فضل صوم عاشوراء وأن فيه خلق السماوات والأرض والقلم واللوح وجبريل والملائكة وآدم وولد إبراهيم ونجي من النار وأغرق فرعون وأعطي سليمان ملكه وولد النبي صلى الله عليه وسلم وفيه القيامة وغير ذلك" موضوع.
@ "من وسع على عياله وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها" فيه سليمان مجهول والحديث غير محفوظ: قلت قال العراقي له طرق صحح بعضها وبعضها على شرط مسلم، قال البيهقي أسانيده الضعيفة أحدثت قوة بالتضام وكذا في المقاصد وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق لسليمان لجهالته، وقد ذكره ابن حبان في الثقات فالحديث حسن على رأيه وله طريق أخرى على شرط مسلم وهو أصح طرقه وروي بسند جيد عن عمر موقوفا وتعقب شيخنا اعتماد ابن الجوزي قول العقيلي في هيصم أنه مجهول قال بل ذكره ابن حبان في الثقات والضعفاء، وفي الوجيز هو عن ابن مسعود وفيه الهيصم راوي الطامات، وأبي هريرة وفيه سليمان بن أبي عبد الله مجهول قال ولا يثبت فيه حديث: قلت أخرجه البيهقي عن أبي سعيد وأبي هريرة وجابر قال أسانيده كلها ضعيفة ولكن قويت بالتضام، وقال العراقي حديث أبي هريرة ورد من طرق صحح بعضها.
@ في المختصر "من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبدا" لجماعة مرفوعا قال الحاكم منكر قلت بل موضوع كما قال ابن الجوزي، قال المذنب وكذا قال الصغاني.
@ وفي اللآلئ ضعيف الإسناد بمرة "من اكتحل يوم عاشوراء بإثمد فيه مسك عوفي من الرمد" فيه من هو غير ثقة.
@ "هذا أول طير صام عاشوراء" قاله لصرد لا يصح: قلت حديث الصرد "أول طير صام" وحديث "كانت الوحوش تصوم يوم عاشوراء" يشهدان له.
@ "من صام تسعة أيام من أول المحرم بنى الله له قبة في الهواء ميلا في ميل لها أربعة أبواب" موضوع.
@ "من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية بصوم وافتتح السنة المستقبلة بصوم فقد جعل الله له كفارة خمسين سنة" فيه كذابان.
@ في الذيل ابن عباس "من أفطر عنده يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم" وفيه حبيب بن حبيب يضع.
@ "ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل" موضوع رتني، وكذا "البكاء يوم عاشوراء نورا تاما يوم القيامة".
@ "صيام عرفة كصوم ستين سنة" موضوع.
@ علي رفعه "في أول ليلة من ذي الحجة ولد إبراهيم فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة" فيه محمد ابن سهل يضع.
@ عائشة "صيام أول يوم من العشر يعدل مائة سنة واليوم الثاني يعدل مائتي سنة فإذا كان يوم التروية يعدل ألف عام وصيام يوم عرفة يعدل ألفي عام" فيه محمد بن المحرم كذاب.
@ "من صام يوم التروية أعطاه الله عز وجل مثل ثواب أيوب على بلائه وإن صام يوم عرفة أعطاه الله ثواب عيسى بن مريم وإن لم يأكل يوم النحر حتى يصلي أعطاه الله ثواب من صلى ذلك اليوم فإن مات إلى ثلاثين يوما مات شهيدا" فيه حماد بن عمر كذاب.
@ أنس "صوموا يوم النيروز خلافا على المشركين ولكم عندي صيام سنتين".
*2* باب خير البقاع وشرها كالبيعة فلا يقربها أحد يوم عيدهم إلا بكلمة التوحيد وفضل الأمصار ولعن المكان صاحبه.
@ القزويني حديث المصابيح في الملاحم "إن الناس يمصرون أمصارا وإن مصرا منها يقال له البصرة فإن أنت مررت" إلخ. موضوع (1)
(1) قلت في الوجيز أخرجه أبو داود في سننه وسكت عليه فهو عنده صالح وقال العلائي متعقبا على ابن الجوزي مستندا بحديث أبي داود فالحديث إسناده رجال الصحيح كلهم. اهـ والله أعلم مصححه.
@ في المقاصد "الشام صفوة الله من بلاده يجتبي إليه صفوته من خلقه" في فضل الشام خصوصا دمشق أحاديث مرفوعة وغير مرفوعة.
@ "مصر أطيب الأراضين ترابا وعجمها أكرم العجم أنسابا" قال شيخنا لا أعرفه مرفوعا وإنما يعرف معناه عن عمرو بن العاص.
@ "الحيرة روضة من رياض الجنة ومصر خزائن الله في أرضه" موضوع كذب.
@ وفي الذيل من نسخة نبيط الكذاب "الجفاء والبغي بالشام" لا يصح فيه أبان متروك.
@ "بابان مفتوحان في الجنة للدنيا عبادان وقزوين وأول بقعة آمنت بمحمد عبادان وأول بقعة آمنت بعيسى بن مريم قزوين" فيه عنبسة متهم.
@ "لولا أن الله أقسم بيمينه وعهد أن لا يبعث بعدي نبيا لبعث من قزوين ألف نبي" فيه أبان متهم بالوضع والقاسم مضعف "اللهم ارحم إخواني بقزوين" إلخ. فيه عمرو بن صبح الواضع وكذا "يكون لأمتي مدينة يقال لها قزوين الساكن بها أفضل من الساكن بالحرمين".
@ "من بات بالري ليلة واحدة صلى فيها وصام فكأنما بات في غيره ألف ليلة صامها وقامها وخير خراسان نيسابور وهريوا ثم بلخ ثم أخاف على الري وقزوين أن يغلب عليهما العدو" فيه من حدث منكرا.
@ "من سمع صوت ناقوس أو دخل بيعة أو كنيسة أو بيت نار أو بيت أصنام فقال لا إله إلا الله ولا نعبد إلا الله كتب له من الأجر عدد من لم يقلها أو كتب عند الله صديقا" فيه عمرو بن صبح يضع.(/50)
@ أنس "لا تقربوا اليهود والنصارى في أعيادهم فإن السخطة تنزل عليهم" فيه أحمد بن إبراهيم الواضع: في المختصر "إن البقع التي يجتمع فيها الناس إما أن تلعنهم إذا تفرقوا أو لم تستغفر لهم" لم يوجد والله أعلم
*2* باب الغزاة وتقليد السيف في الصلاة وغيرها
@في اللآلئ "لا تزال الملائكة تصلي على الغازي ما دام حمائل سيفه على عنقه" لا يصح.
@ "صلاة الرجل متقلداً سيفه تفضل على صلاة غير المتقلد مائة ضعف".??
@ "إن الله تعالى يباهي بالمتقلد سيفه في سبيل الله و ملائكته وهم يصلون عليه ما دام متقلداً سيفه" لا يصح.
@ "إن الله أكرم أمتي بالولاية" فيه خالد لا أصل في حديثه.
@ الصغاني "أربع ملاحم من ملاحم الجنة بدر وأحد وخندق وحنين" موضوع: في المقاصد قال أحمد ثلاث كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير قال الخطيب هذا محمول على كتب مخصوصة وأما المغازي فمن أشهرها مغازي محمد بن إسحاق وكان يأخذ من أهل الكتاب وقال الشافعي كتب الواقدي كذب وليس في المغازي أصح من مغازي موسى بن عقبة.
@ في الوجيز ابن عباس "إن الله بعثني ملحمة ومرحمة ولم يبعثني تاجرا" إلخ. فيه ثلاثة ضعفاء فقلت له طريق آخر عنه في الذيل "إن لي حرفتين اثنتين من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني ألا وهما الفقر والجهاد" فيه محمد بن تميم وغنيم كذابان.
@ "لكل واحد حرفة وحرفتي شيئان الجهاد والفقر فمن أحبهما" إلخ. فيه أبان كذاب.
@ أبو هريرة "لو أن عبدا خرج يقاتل في عرض الجبانة في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر بغير إذن مواليه فهو في النار" فيه محمد بن حميد كذبوه.
@ أنس "ما أذن الله عز وجل لعبد في الجهاد ولو فواق ناقة إلا استحيى الله أن يرده إلى منزله ولم يعتقه من النار" فيه المتهمون بالكذب.
@ عن معاذ بن جبل "من بلغ الغازي إلى أهله أو كتاب أهله إليه كان له بكل حرف فيه عتق رقبة وأعطاه الله كتابه بيمينه وكتب له براءة من النار" الحديث منكر وعنه "إذا ودع الغازي أهله فبكى إليهم وبكوا إليه بكت معهم الحيطان وعند بكائهم تغشاهم الرحمة فيغفر لهم جميعا" فيه عبد العزيز بن عبد الرحمن اتهمه أحمد.
@ ابن عمر "إذا كان على رأس السبعين والمائة فالرباط تجده من أفضل ما يكون من الرباط" قال الدارقطني منكر لا يصح.
@ عن علي "كل خطوة للمرابط في سبيل الله تعدل عبادة سنة ومن ارتبط فرسا في سبيل الله فكأنما قاتل فرعون وهامان ونصر موسى وهارون" فيه راوي الموضوعات.
@ "من رابط في سبيل الله كان له كعبادة ألف رجل كل رجل عبد الله ألف عام" فيه متروكان.
@ أنس "من رابط يوما في سبيل الله في شهر رمضان كان خيرا له من عبادة ستمائة ألف سنة وستمائة ألف حجة وستمائة ألف عمرة" فيه عباد بن كثير يضع وأبان متروك.
@ في اللآلئ "من خاف على فسه النار فليرابط في الساحل أربعين يوما" لا يصح:
*2* باب فضل السفر للغازي وغيره في البر والبحر والتكبير عند رؤيته وأدبه ووقته.
@ في المقاصد "لا تسافروا في محاق الشهر ولا إذا كان القمر في العقرب" عن علي من قوله "يا علي إذا تزودت فلا تنس البصل" كذب بحت.
@ الصغاني "لا تسافروا والقمر في العقرب" موضوع وكذا "ألا لا يركبن أحدكم البحر عند ارتجاجه.
@ في المختصر "كان لا يفارقه في السفر المرآة والمكحلة والمدرى والسواك والمشط" ضعيف.
@ حديث جابر في إرسال المسافر إلى أهل بيته من يخبرهم بقدومه لم نجد ذكر الإرسال (1)
(1) قلت له شواهد أخرجه ابن خزيمة من حديث ابن عمر بلفظ قال "قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال لا تطرقوا النساء ليلا وأرسل من يؤذن الناس أنهم قادمون". اهـ مصححه كذا ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتحه والله أعلم. أبو عبد الكبير عفا عنه ربه السميع البصير السامرودي. اهـ.
@ في اللآلئ "موت الغريب شهادة" لا يصح فيه متروك قلت للحديث طرق توبع المتروك فيها "ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن من الفضل ما نالها أحد إلا بقرعة الصف المقدم والأذان وخدمة القوم في السفر" موضوع.
@ "خلق الله الأرزاق قبل الأجساد بألفي عام فبسطها بين السماء والأرض فضربتها الرياح فوقعت في المشارق والمغارب فمنه ما وقع رزقه في ألفي موضع ومنه ما وقع رزقه في ألف موضع ومنه ما وقع على باب داره يغدو إليه ويروح حتى يأتيه أجله" لا يصح قلت له طريق آخر.
@ "من أتى ساحل البحر ينظر فيه كان له بكل قطرة حسنة: تفرد به من ليس بشيء.
@ "من كبر تكبيرة على ساحل البحر كان له في ميزانه صخرة قيل يا رسول الله وما قدرها قال تملأ ما بين السماء والأرض" وضعه النخعي.
@ في الذيل أبو هريرة "لو يعلم الناس ما للمسافر لأصبحوا على ظهر سفر إن الله عز وجل لينظر إلى الغريب كل يوم مرتين" قال ابن عبد البر هو حديث غريب لا أصل له في حديث مالك ووكيع وغيرهما غير المسجي، وفي الميزان أحمد بن يوسف المسجي لا يعرف وأتى بخبر كذب هو آفته.(/51)
@ عن علي "إذا أراد أحدكم الحج فليكن في طلبه يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران وآية الكرسي وإنا أنزلناه وأم الكتاب فإن فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة" فيه عبد الله بن أحمد روى عن أبيه عن أهل البيت نسخة باطلة.
@ "من خبز لأصحابه في طريق مكة سبقهم إلى الجنة بألفي عام" فيه مجاشع وميسرة كذابان وضاعان
*2* باب فضل الشيوخ وغير المكلفين من الصبيان وهو قبل أربعين سنة واليتيم وتفريحهما والمجنون والبهيمة.
@ في المختصر "لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا" للبيهقي وضعفه.
@ في المقاصد "لولا عباد لله ركع وصبية رضع" إلخ. لجماعة من حديث مالك بن عبيدة بن مسافع عن أبيه عن جده.
@ "ما أكرم شاب شيخا إلا قيض الله له من يكرمه عند كبر سنه" غربه الترمذي قلت فيه ضعيفان، وقد روي موقوفا عن الحسن البصري "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة" حسن.
@ في الذيل "من أتى عليه ستون سنة في الإسلام حرمه الله على النار وكان من أهل الرجاء في الله عز وجل" هذا باطل.
@ في اللآلئ "رفع القلم عن ثلاث عن الغلام حتى يحتلم وإن لم يحتلم حتى يكون له ثمان عشرة وعن النائم حتى يستيقظ فإن طلق في منامه لم يقع الطلاق وعن المجنون حتى يصح قيل يا رسول الله من المجنون قال من أبلى شبابه في معصية الله" موضوع.
@ "لا يكتب على ابن آدم ذنب أربعين سنة إذا كان مسلما ثم تلى حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة" موضوع.
@ "إن في الجنة دارا يقال لها الفرح لا يدخلها إلا من فرح الصبيان" لا يصح قلت له طرق في بعضها "إلا من فرح أيتام المؤمنين إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن فيقول من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه تحت الثرى من أسكته فله الجنة" قال الخطيب منكر جداً: قلت لأبي نعيم بطريق آخر "ما قعد يتيم على قصعة قوم فيقرب قصعتهم شيطان" باطل فيه الحسن بن واصل كذاب.
@ قلت وثقة بعد "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عز وجل عنه أنواعا من البلاء الجنون والجذام والبرص فإذا بلغ خمسين لين الله عليه الحساب فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب فإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته فإذا بلغ تسعين غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويسمى أسير الله في أرضه وشفع لأهل بيته" لا يصح، وقال ابن حجر ليس بموضوع فإن له طرقا يتعذر بها الحكم على المتن بوضعه، وفي الوجيز هو حديث أنس فيه يوسف بن أبي درة لا يحتج به أورده من وجه آخر عنه وعن عثمان وعائشة أعل الكل: قلت له طرق يتعذر الحكم معها على المتن بالوضع.
@ أنس "أني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما" إلخ. أورده من طريقين لا يخاف وعن ضعيف: قلت أخرجه البيهقي وله شاهد.
*2* باب فضل النكاح وحبه إليه صلى الله عليه وسلم والسعي له ولو بالخداع وضعف صلاة المتزوج وإعلانه في المسجد مع الدف والجلوة للعروس ونثر السكر وغسل رجليها وتزوج الأكفاء والحرائر وذات الشعر لا القرابة ولا بنات الظلمة الفسقة وإن كن حسانا وعدم تزويجهم وتزوج الشوهاء ففيه بركة الدارين والتسري من العجم وفضل الجماع والدواعي بلا نظر إلى الفرج والتزين.
@ في المختصر "من ترك التزوج مخافة العيلة فليس منا" ضعيف، وله شاهد.
@ "نعم العون على الدين المرأة الصالحة" لم يوجد.
@ "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء" إلخ. للنسائي دون لفظ ثلاث بسند جيد وضعفه العقيلي، وهذه الزيادة تفسد المعنى وتكلفوا للجواب عنها بما لا يساوي ذكره، وفي المقاصد "حبب إلي النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" ثبت عن جماعة وما اشتهر من زيادة لفظ ثلاث فلم أقف عليها إلا في موضعين من الأحياء وفي آل عمران من الكشاف وما رأيتها في شيء من طرق هذا الحديث بعد مزيد التفتيش وبه صرح الزركشي وشيخنا قال العقيلي ليست هي في شيء من كتب الحديث وقد وجه ابن فورك معناه في جزء.
@ "شراركم عزابكم" عن أبي هريرة "لو لم يبق من أجلي من الدنيا إلا يوم واحد لقيت الله بزوجة" الحديث "وإن من سنتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل أمواتكم" في سندهما ضعيف ومتروك وكذا ما جاء من هذا الباب كله لا يخلو عن ضعف واضطراب لكنه لا يبلغ الحكم بوضعه.
@ في اللآلئ "شراركم عزابكم ركعتان من متأهل خير من سبعين من غير متأهل" موضوع.
@ "ركعتان من المتزوج أفضل من سبعين من الأعزب" فيه مجاشع منكر الحديث: قلت له طريق آخر بلفظ "ركعتان من المتأهل خير من اثنتين وثمانين ركعة من العزب" لكن قال ابن حجر هذا حديث منكر.
@ وفي الوجيز: أبو هريرة "شراركم عزابكم" فيه خالد بن إسماعيل يضع، وله طريق ثان عنه وفيه يوسف بن السفر متروك: قلت ورد بهذا اللفظ عن أبي ذر برجال ثقات وعن غيره.(/52)
@ وفي الذيل "يا حذيفة خير أمتي أولها المتزوجون وآخرها العزاب وإني أحللت لأمتي الترهب إذا مضت إحدى وثمانون ومائة سنة" إلخ. فيه البلوى كذاب.
@ "الأعزب فراشة في نار" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ في اللآلئ "من مشى في تزويج بين اثنين حتى يجمع الله بينهما أعطاه الله بكل خطوة وبكل كلمة تكلم بذلك عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ومن مشى في فرقة بين اثنين حتى يفرق بينهما كان حقا على الله أن يضرب رأسه يوم القيامة بألف صخرة من نار جهنم" موضوع.
@ "لا يصح المكر والخداع إلا في النكاح" لا يصح.
@ في المختصر "أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه الدف" للترمذي محسنا والبيهقي مضعفا: في المقاصد ضعفه الترمذي لكنه قد توبع كما في ابن ماجه وغيره.
@ اللآلئ "اجتلى صلى الله عليه وسلم وعائشة عند أبويها قبل أن يبني بها" تفرد به القاسم وهو كذاب.
@ "تزوج صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه فنثروا على رأسه تمر عجوة" باطل.
@ حديث "نثر السكر ونهبته على رأس العروس وضرب الدف وحديث "لم أنهكم على نهبة الولائم" فيه بشر يروي الموضوعات.
@ وقال البيهقي إسناده مجهول.
@ حديث "غسل رجلي العروس وصب الماء من باب الدار إلى أقصاها ليكون بركة ورحمة ومنع العروس عن أكل اللبان والخل والكزبرة والتفاحة في الأسبوع الأول حذرا عن العقم" مع طوله في ورقتين فيه دجال واضع حديث ثواب.
@ "من تجملت لزوجها وأرضعت ولدها وفطمته ومن راود امرأته ويعانقها ويقبلها ويجامعها ويغتسل في ليلة باردة" بطوله موضوع.
@ "إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى" موضوع، وقال ابن الصلاح هو جيد الإسناد وروي بزيادة "ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس" وفيه إبراهيم ساقط، وروي "يورث الخرس والفأفأة".
@ وفي الوجيز "إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى" عن ابن عباس وفيه بقيه يدلس، وعن أبي هريرة وفيه إبراهيم بن محمد ساقط قلت قال ابن صلاح أنه جيد الإسناد.
@ وفي الذيل "لا يكثرن أحدكم الكلام عند المجامعة فإنه يكون منه خرس الولد ولا ينظرن أحدكم إلى فرج امرأته إذا هو جامعها فإنه يكون منه العمى ولا يقبلن أحدكم امرأته إذا هو جامعها فإنه يكون منه الصمم صمم الولد ولا يديمن أحكم النظر في الماء فإنه يكون منه ذهاب العقل ولا يكلم أحدكم الأجذم من غير ملته إلا بينه وبينه قدر رمح" فيه عبد الله بن أذنية راوي الموضوعات.
@ وصية لعلي في الجماع وكيف يجامع من أباطيل إسحاق الملطي وضعها.
@ عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سعيد "يجب على الرجل لامرأته ما يجب له عليها أن يتزين لها كما تتزين في غير مأثم" فيه كذابون أربعة.
@ في المختصر "إن الرجل ليجامع أهله فيكتب له أجر ولد ذكر قاتل في سبيل الله فقتل" لم يوجد "إن له أجر غلام ولد من ذلك الجماع وعاش فقتل في سبيل الله" قاله فيمن ترك العزل لم يوجد.
@ "إياكم وخضراء الدمن فقيل وما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء في المنبت السوء" ضعيف، وفي المقاصد تفرد به الواقدي، وقال الدارقطني لا يصح من وجه، ومعناه أنه كره نكاح الفاسدة "وقال أعراق السوء تنزع أولادها".
@ "تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم" مداره على أناس ضعفاء.
@ وعن عمر "انتجبوا المناكح وعليكم بذوات الأوراك فإنهن أنجب" ولا يصح، وعنه "فانظروا في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس"، وروى "تزوجوا في الحجر من الصبائح فإن العرق دساس" وكلها ضعيفة.
@ وفي المختصر "تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع" هو مع اختلاف ألفاظه ضعيف.
@ "لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاريا" أي نحيفا ليس بمرفوع.
@ في اللآلئ "من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها" من كلام الشعبي ورفعه باطل.
@ "من سره أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر" لا يصح في طرقه كذابون وفي الوجيز هو عن كل كذابان.
@ قلت حديث أنس أخرجه ابن ماجه "إذا تزوج أحدكم المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها فإن الشعر أحد الجمالين" موضوع.
@ في المقاصد "الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت" فيه أحمد متروك ويونس مجهول، وقد قيل "إذا لم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت عليه مصالحه".
@ وفي الذيل علي رفعه "لا تزوجوا الحمقاء فإن صحبتها بلاء وفي ولدها ضياع" فيه لاحق كذاب أفاك.
@ "لا تزوجوا النساء على قرابتهن فإنه يكون من ذلك القطيعة" فيه سهل كذبه الحاكم.
@ أبو هريرة "كل كفء ماجد مخلا حاك أو حجام فقيل يا رسول الله وما الحاكي وما الحجام فقال الحاكي المصور الذي يعمل الأصنام والحجام النمام" هو حديث غريب وفيه أحمد متهم.
@ في اللآلئ "دعا صلى الله عليه وسلم لقباح نساء أمته بالرزق" موضوع.
@ "من لم يكن له حسنة يرجوها فلينكح امرأة من جهينة" لا يصح.(/53)
@ "عليكم بالسراري فإنهن مباركات الأرحام" لا يصح: قلت له شاهد بطريق آخر بزيادة "وإنهن أنجب أولادا" وروى "أطلقوا الولد في سبيل الأعاجم فإن في أرحامهن بركة" الصغاني هو موضوع، وفي الوجيز أبو الدرداء "عليكم بالسراري" إلخ. فيه عمرو بن الحصين ليس بشيء وشيخه وشيخ شيخه كذلك: قلت له طريق آخر فيه غير ثقة وله شاهد من مرسل مكحول ومن شواهده حديث ابن عمر "أنكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بهن يوم القيامة"
*2* باب تأديب النساء بالإيجاع والإعراء لئلا ينكشفن ولو عند الكفرة وخلافهن بعد المشاورة وحسن معاشرتهن بتحمل سوء خلقهن لقلة صلاحهن وحينئذ يؤذن في أذنهن وحبس الأمة على صغارها وإثم نشوزهن وفرح الشيطان بخصومة الزوجين وكثرة شهوتهن.
@ في المقاصد "خياركم خياركم لنسائه" لابن ماجه.
@ "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" للترمذي.
@ في المختصر "من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه ومن صبرت على سوء خلق الزوج أعطاها الله من الأجر مثل ثواب آسية امرأة فرعون" لا أصل له.
@ "إذا استصعب على أحدكم دابته أو ساء خلق زوجته أو أحد من أهل بيته فليؤذن في أذنه" ضعيف.
@ "تعس عبد الزوجة" لا أصل له.
@ في المقاصد "شاوروهم وخالفوهن" لم أره مرفوعا ولكن روي عن عمر "خالفوا النساء فإن في خلافهم البركة" بل روي عن أنس رفعه "لا يفعلن أحدكم أمرا حتى يستشير فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها فإن في خلافها البركة" وفي سنده عيسى ضعيف جدا مع أنه منقطع، وعن عائشة مرفوعة بطرق ضعاف "طاعة النساء ندامة" وإدخال ابن الجوزي حديث عائشة في الموضوعات ليس بجيد، وقد استشار صلى الله عليه وسلم أم سلمة في صلح الحديبية وصار دليل استشارة المرأة الفاضلة وقد استدرك عليه ابنة شعيب في أمر موسى على نبينا وعليهما الصلاة والسلام في آخرين. في الذيل "لا يفعلن أحدكم" إلخ. فيه منكر الحديث: الصغاني حديث عائشة موضوع. اللآلئ حديثها لا يصح قلت له طرقا وشواهد منها "عودوا النساء لآفاتها حقيقة إن أطعتها أهلكتك وخالفوا النساء فإن في خلافهن البركة" "لولا النساء لعبد الله حقا" لا أصل له. قلت له شاهد بسند فيه متروك بلفظ "لولا المرأة لدخل الرجل الجنة".
@ "لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور" وعن عائشة وفيه واضع ومتروك وروي عن ابن عباس "أجيعوا النساء جوعا غير مضر وأعروهن عريا غير مبرح لأنهن إذا سمن واكتسين فليس شيئا أحب إليهن من الخروج" إلخ. لا يصح.
@ "أعروا النساء يلزمن الحجال" لا أصل له "استعينوا على النساء بالعري" فيه متروكان الصغاني "أعروا النساء يلزمن" إلخ. موضوع، وفي الوجيز في حديث "أعروا" شعيب بن يحيى ليس بمعروف. قلت عرفه غيره وصدقه وفي "استعينوا" من ليس بشيء عن متروك.
@ جابر "إن رجلا قال يا رسول الله إن امرأتي لا ترد يد لامس قال طلقها قال إني أحبها قال فاستمتع بها" لا أصل له وإن صح حمل على التفريط في المال لا على الفجور قلت الحديث جيد الإسناد.
@ في المختصر "مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب بين مائة غراب" يعني الأبيض البطن: ضعيف وله شاهد بسند حسن.
@ "جهاد المرأة حسن تبعلها" الطبراني "أنا وامرأة سغفاء [لعله: سفعاء] الخدين كهاتين امرأة آمت من زوجها وحبست نفسها على بناتهن حتى بلغن أو متن" لأبي داود ضعيف، وكذا حديث "دخول مثل تلك المرأة الجنة قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم".
@ وفي الذيل "الأرملة الصالحة سميت في السماوات شهيدة تشم ريح الجنة من مسيرة ألف عام وجعل الله بينها وبين النار سترا كما بين السماء والأرض وتجاور في الجنة أم عيسى" من كتاب العروس واه الإسناد.
@ "أيما امرأة خرجت من بيت زوجها بغير إذنه لعنها كل شيء طلعت عليه الشمس والقمر إلا أن يرضى عنها زوجها" من نسخة أبي هدبة عن أنس وكذا "المرأة وزوجها إذا اختصما في البيت يكون في كل زاوية من البيت شيطان يصفق يقول فرح الله من فرحني حتى إذا اصطلحا خرج أعمى يقاد يقول أذهب الله نور من أذهب بنوري".
@ عائشة "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تكشف شعرها ولا شيئا من صدرها عند يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية فمن فعلت ذلك فلا أمانة لها" باطل.
@ وفي المقاصد "شهوة النساء تضاعف على شهوة الرجل" الطبراني عن ابن عمر بلفظ "فضلت المرأة على الرجل تسعة وتسعين من اللذة ولكن الله ألقى عليهن الحياء"
*2* باب فضل السعي في الأولاد سيما في البنات بترك العزل وأكل البصل والبيض وتأديبهم بالسوط وتعليمهم العلم والرمي والسباحة وتفريحهم بالفاكهة سيما البنات والرقة لهن فإن تبكير المرأة بالأنثى يمن وتربيتها وتربية الأختين والولد فإن الولد سر أبيه وريح الجنة وفضل بكائهم وقلة العيال.
@ في المقاصد "تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة" جاء معناه عن جماعة من الصحابة يعني مرفوعا.
@ "الولد سر أبيه" لا أصل له.(/54)
@ "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم" في سنده من هو ضعيف.
@ "علموا بنيكم السباحة والرمي ولنعم لهو المؤمنة مغزلها وإذا دعاك أبوك وأمك فأجب أمك" ضعيف سنده لكن له شواهد.
@ "من لم يصلحه الخير يصلحه الشر" من كلام بعض السلف.
@ الصغاني "لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع".
@ في اللآلئ "لا تضربوا أولادكم على بكائهم فبكاء الصبي أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله وأربعة أشهر الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وأربعة أشهر دعاء لوالديه" قال الخطيب منكرا جدا وقال ابن حجر موضوع بلا ريب: قلت له طريق آخر.
@ "إن يمن المرأة تبكيرها بالأنثى ألم تسمع الله تعالى يقول يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور" موضوع قلت له سند آخر.
@ "من ربى صبيا حتى يقول لا إله إلا الله لم يحاسبه الله" لا يصح قلت له طرق أخرى فيها ضعف والله أعلم.
@ "لأن يربي أحدكم بعد أربع وخمسين ومائة سنة جرو كلب خير له من أن يربي ولدا لصلبه" موضوع.
@ "شكا رجل قلة الولد فأمره أن يأكل البيض والبصل" موضوع بلا شك، وروي "أنه سئل أي بيض فقال كل بيض ولو بيض النمل" وفيه ابن وثيق وكذبه ابن معين.
@ وقال الذهبي مقارب الحال إن شاء الله "من حمل طرفة من السوق إلى ولده كان كحامل صدقة وابدؤوا بالإناث فإن الله تعالى رق للإناث ومن رق لأنثى كان كمن بكى من خشية الله ومن بكى من خشية الله غفر له ومن فرح أنثى فرحه الله تعالى يوم الحزن" موضوع قلت له طرق.
@ في المختصر "من حمل طرفة من السوق إلى عياله فكأنما حمل إليهم صدقة" ضعيف جدا أو موضوع كما قال أبو الفرج.
@ "لا يلقى الله سبحانه أحد بذنب أعظم من جهالة أهله" لا أصل له.
@ "من كانت له ابنتان أو أخت فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" للخرائطي ضعيف.
@ قلت وللترمذي محسنا مغربا "ريح الولد من ريح الجنة" ضعيف.
@ في الذيل أبو هريرة "من قعد من أهله مقعدا يعجبه فقرأ آية استغفروا ربكم إنه كان غفارا إلى ويجعل لكم أنهارا إلا جعل الله له غلاما وأمده بالمال وجعله في سعة من الرزق" قال فجربناه فوجدناه كذلك فيه محمد بن بيان متهم بالوضع، والظاهر أن البلاء منه.
@ "من هلك من أمتي فترك خلفا يصلي صلاته ويقوم مقامه فلم يمت" فيه نهشل كذاب.
@ "أحبوا البنات فأنا أبو البنات إن الرجل إذا ولدت له ابنة هبط إليه ملكان فمسحا على ظهرها وقالا ضعيفة خرجت من صلب ضعيف".
@ "من أعان عليك لم يزل معانا عليه إلى يوم القيامة" أنس "من أنفق على تزويج ابنه أو ابنته درهما أعطاه الله تعالى بكل درهم اثنتي عشرة مدينة في الجنة وأعطاه بكل دانق حجة وعمرة" فيه إبراهيم بن يوسف لا يشتغل به.
@ "أكثروا من قبلة أولادكم فإن لكم من الدرجات عدد ما قبلتم ما بين الدرجتين مسيرة مائة عام" فيه الطايكاني كان يضع.
@ "من ترضى صبيا له صغيرا من نسله حتى يرضى ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى" فيه حماد بن بسطام لا يكتب حديثه.
@ "ما أفلح صاحب عيال قط" هو منكر، وفي المقاصد رفعه البعض ورفعه منكر وإنما هو من كلام ابن عيينة وقد صح.
@ مرفوعا "وأي رجل أعظم أجرا من رجل له عيال يقوم عليهم حتى يغنيهم الله من فضله" وفي اللآلئ هو باطل وإنما هو من كلام سفيان.
@ وفي المقاصد "قلة العيال أحد اليسارين وكثرته أحد الفقرين" هو في الأحياء والشطر الأول للقضاعي والديلمي بسندين ضعيفين.
@ وفي الذيل "النطفة التي تخلق منها الولد ترعد لها الأعضاء والعروق كلها إذا خرجت ووقعت في الرحم" فيه نهشل كذاب.
@ في الوجيز "بادروا أولادكم بالكنى لا يغلب عليهم الألقاب" فيه حبيش بن دينار قلت كان من الأبدال
*2* باب ذم الطلاق ومن سعى فيه وغلاء المهر ومن لم يعطه.
@ الصغاني "تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن" موضوع.
@ وفي اللآلئ لا يصح "من عمل في فرقة بين امرئ وزوجه كان في غضب الله ولعنة الله في الدنيا والآخرة وكان حقا على الله أن يضربه يوم القيامة بصخرة من نار جهنم إلا أن يتوب" تفرد به من لا يجوز الاحتجاج به.
@ في المقاصد "لا أحب الذواقين من الرجال ولا الذواقات من النساء" للطبراني موضوعا.
@ "إنما الطلاق لمن أخذ الساق" رد به على من أراد طلاق زوجة عبده لابن ماجة من حديث ابن لهيعة.
@ "لا تغالوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم" وروي "أن عمر خطب ناهيا عن المغالاة في الصداق زيادة على أربعمائة فقالت امرأة من قريش أما سمعت الله تعالى يقول وآتيتم إحداهن قنطارا فقال عمر كل أحد أعلم وأفقه من عمر" لأحمد وأصحاب السنن وزاد أبو يعلى في قول عمر "من شاء فليعط من ماله ما أحب" وسنده قوي.(/55)
@ "خيركن أيسركن صداقا" له إسنادان ضعيفان لكن في الباب شواهد وقد كان عمر نهى عن مغالاة المهور ويقول "ما تزوج صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربعمائة فلو كان مكرمة كان أحقكم بها" وحسنه الترمذي وصححه وهو محمول على الأغلب وإلا فخديجة وجويرية بخلاف ذلك وأم حبيبة أصدقها النجاشي أربعة آلاف وقيل أربعمائة دينار وقيل مائتا دينار.
@ "ولا مهر أقل من عشر دراهم" عن جابر رفعه سنده واه وفيه مبشر بن عبيد كذاب، وعن علي موقوفا بوجهين ضعيفين وحكى أحمد عن ابن عيينة لم نجد له أصلا ويعارضه حديث "التمس ولو خاتما من حديد" ونحوه.
@ في اللآلئ "لا تنكح النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء ولا مهر دون عشرة دراهم" باطل لا أصل له لا يرويه إلا كذاب: قلت أخرجه البيهقي وضعفه جدا.
@ "من تزوج امرأة فلا يدخل عليها حتى يعطيها شيئا ولو لم يجد إلا أحد نعليه" لا أصل له.
@ في المختصر "من تزوج امرأة على صداق وهو لا ينوي أداءه فهو زان ومن أدان دينا وهو لا ينوي قضاءه فهو سارق" لأحمد وابن ماجه مقتصرا على قضية الدين.
*2* باب طلب الحلال بلا استحياء بالحرفة وفي الأسواق واجتناب الحرام الموجب حرمان الدعاء وذم البطالة وموجب الفقر.
@ في المختصر "إن الله يحب المؤمن المحترف" ضعيف.
@ "إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال" ضعيف جدا.
@ "طلب الحلال فريضة بعد الفريضة" للطبراني والبيهقي ضعيف.
@ "إن لله ملكا على بيت المقدس ينادي كل ليلة من أكل حراما لم يقبل منه صرف ولا عدل" لم يوجد له أصل.
@ في اللآلئ "لرد دانق حرام يعدل عند الله سبعين ألف حجة" وروي "سبعين حجة" فيه ابن السلط كذاب وروي موقوفا على ابن عمر "لرد دانق من حرام أفضل عند الله من مائة ألف تنفق في سبيل الله" قلت ابن الصلت متابع. الصغاني هو موضوع.
@ في المقاصد "كسب الحلال فريضة بعد الفريضة" فيه عباد ضعيف لكن له شواهد متأكدة.
@ "إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصوم ويكفرها الهم في طلب المعيشة" للطبراني وغيره.
@ "ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال" في سنده ضعيف وانقطاع، وقال العراقي لا أصل له.
@ "من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر" ضعيف مرسل، وقال التقي السبكي لا يصح ومعناه كل مال أصيب من غير حله ولا يدري وجهه أذهبه الله في مهالك وأمور متبددة.
@ في الذيل "من جمع مالا من مأثم فوصل به رحما أو تصدق به أو جاهد في سبيل الله جمع جميعه فقذف به في جهنم" فيه محمد بن عبد الله الأشنائي كذاب واضع.
@ أنس رفعه "من لم يقم في أمر معيشته لم يقم بأمر دينه والنفس ولا يكون متفرغا للطاعة حتى يكون مكتفيا للكسرة التي تقوم بها النفس وإذا استكملت أمور قوتها هدأت عند ذلك وسكنت وتفرغت للعبادة فاغدوا وروحوا واطلبوا من فضل الله ولا تنظروا إلي فإن ربي يطعمني ويسقيني" فيه أيوب بن سليمان غير حجة.
@ "ما من عبد من عبادي استحيى من الحلال إلا ابتلاه الله بالحرام" هو منكر إسنادا ومتنا.
@ "من أكل لقمة من حرام لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ولم يستجب له دعاء أربعين صباحا وكل لحم نبت من الحرام فالنار أولى به وإن اللقمة الواحدة من الحرام لتنبت اللحم" هو منكر.
@ "لو كانت الدنيا دما عبيطا لكان قوت المؤمن منها حلالا" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال، وفي المقاصد لا يعرف له إسناد ولكن صح معناه فإن الله لم يحرم على المؤمن ما اضطر إليه من غير معصية.
@ "إن الله يكره الرجل البطال" قال الزركشي لم أجده ومعناه عن ابن مسعود من قوله "إني لأكره الرجل فارغا لا في عمل الدنيا والآخرة" وقد مر "إن الله يحب أن يرى" إلخ. وله طرق باختلاف الألفاظ ومفرداتها ضعاف ولكن بالانضمام يتقوى.
@ في المختصر "إن الله يبغض الشاب الفارغ" لم يوجد.
@ في اللآلئ "زوج الله التواني بالكسل فولد بينهما الفاقة" لا يصح وإنما هو من قول عمرو بن العاص
*2* باب أسبابه (أي طلب الحلال) وعقوده المحمودة كالتجارة لمن اتقى والجسارة في البيع إلى أجل أو بلا رؤية مع التضايق له لئلا يغبن والمسامحة في اقتضاء الثمن والزراعة والغزل والخط وأدب شراء المملوك واللذيذ.
@ في المختصر "خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الحرث" لا أصل له سوى ما في الفردوس "لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز" إلخ. وهو للديلمي ضعيف.
@ "المغبون لا محمود ولا مأجور" للحكيم الترمذي قال الذهبي منكر.
@ الصغاني (1) "اسمح يسمح لك" موضوع، وفي المقاصد رجاله ثقات وحسنه العراقي ولم يصب من حكم عليه بالوضع
(1) حسنه المناوي والله أعلم. اهـ مصححه.(/56)
@ "حاكوا الباعة فإنه لا خلاق لهم" وفي الفردوس بلا سند "أتاني جبريل فقال يا محمد ماكس عن درهمك فإن المغبون لا مأجور ولا محمود" وكان الحسن بن علي يماكس الأجير في حمل المتاع وربما يهب عامة المتاع في مجلسه فيقال له فيروي الحديث، وللطبراني رفعه عن المسترسل حرام وسنده ضعيف جدا لكن في الباب عن علي وأنس "التاجر الجبان محروم والتاجر الجسور مرزوق" هو عن أنس رفعه "من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه" فيه إبراهيم الكردي الواضع تفرد به قالوا هو من قول ابن سيرين وجاء بطريق أخرى مرسلة، ونقل النووي الاتفاق على وضعه.
@ الصغاني "عليكم بحسن الخط فإنه من مفاتيح الرزق" موضوع.
@ "إن التجار هم الفجار إلا من اتقى وبر" موضوع.
@ وفي الوجيز ابن عباس "أتى صلى الله عليه وسلم على جماعة من التجار فقال إن الله باعثكم يوم القيامة فجارا إلا من صدق وأدى الأمانة" فيه الحارث بن عبيد ضعيف، وروي عن أنس وفيه أبو الجهم متروك قلت صححه الترمذي والحاكم وأحمد زيادة "إنهم قالوا يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون" وفي اللآلئ قال ابن حبان ليس له أصل يرجع إليه وفيه الحارث: روى له مسلم وغيره والحديث صحيح روي عن عدة طرق وصححه جماعة.
@ "شرار الناس التجار والزراع" لا يصح.
@ "البركة في ثلاث البيع إلى أجل والمقارضة واختلاط الشعير بالبر لا البيع" موضوع فيه إسناده مجهولان وحديثهما غير محفوظ قلت أخرجه ابن ماجه وقال الذهبي هو واه.
@ "من ابتاع مملوكا فليحمد الله وليكن أول ما يطعمه الحلوى [أو: الحلواء] فإنه أطيب لنفسه" موضوع: قلت ورد من طريق آخر، وفي المختصر "من ابتاع مملوكا" إلخ. بلا زيادة فإنه إلخ. ضعيف.
@ في الذيل أحمد بن عبد الله الكندي "حدثنا علي بن معبد حدثنا محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن الهيثم الصيرفي عن عكرمة عن ابن عباس رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن كلب الصيد" قال ابن عدي الكندي له مناكير بواطل وقال ابن عبد الحق الحديث باطل.
@ ابن عباس رفعه "العربون لمن عربن" حديث باطل.
@ جابر رفعه "إذا اشترى أحدكم من السوق شيئا فليغطه لعل أخاه المسلم يستقبله فيراه ولا يمكنه شراؤه" في الميزان هو باطل وقد أخرجه الديلمي عن ابن عباس.
@ أنس رفعه "ويل للتاجر يحلف بالنهار ويحاسب نفسه بالليل ويل للصانع من غد وبعد غد" من نسخة بشر ابن الحسين الموضوعة.
@ "اشترى الصديق كرش شاة وهو خليفة فأخذه بيده وهو يتجر في السوق فدنا منه عمر فقال أنا أحمله عنك فقال سمعته صلى الله عليه وسلم يقول من اشترى لعياله شيئا ثم حمله بيده إليهم حط عنه ذنب سبعين سنة" فيه العلائي يضع، وسئل ابن حجر عن هذا الحديث فأجاب بأنه باطل وفيه قال عمر "تكون أمير المؤمنين وتحمل هذا فقال دع عني يا عمر" وروي "من حمل طعاما" إلخ.
@ "مروا نساءكم بالمغزل فإنه خير لهن" فيه عنبسة متروك متهم.
@ سئل عن حديث "لا بأس بالذواق عند المشتري" قال لا أعرفه في الحديث النبوي إلا أن العمل عليه.
@ في الوجيز ابن عمر "المال في آخر الزمان المماليك" فيه أبو فروة الرهاوي متروك: قلت هو من رجال الترمذي وابن ماجه، وقال البخاري مقارب الحديث وهذه صيغة توثيق
*2* باب أسبابه (أي طلب الحلال) وعقوده المذمومة كالصيد والخياطة والتعليم والحياكة والاحتكار والربا والسفتجة وشركة الذمي.
@ في المختصر "من تبع الصيد غفل" حسن.
@ "بخلاء أمتي الخياطون" لم أقف عليه، وفي الحاشية لتلميذه: قلت بل لا أصل له ويرده حديث "عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء المغزل" في اللآلئ "عمل الأبرار" إلخ. لا يصح فيه أبو داود كذاب وله طريق آخر فيه متروك.
@ عن أبي هريرة "لا تستشيروا الحاكة ولا المعلمين فإن الله تعالى سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم" موضوع قلت له طريق منها عن علي رفعه "من أدرك منكم زمانا تطلب فيه الحاكة العلم فالهرب الهرب" ثم قال "من اطلع في طرز حائك خف دماغه ومن كلم حائكا بخر فمه ومن مشى مع حائك ارتفع رزقه هم الذين نالوا في الكعبة وسرقوا غزل مريم وعمامة يحيى بن زكريا وسمكة عائشة من التنور واستدلتهم مريم على الطريق فدلوها على غير الطريق" موضوع.
@ "يخرج الدجال ومعه سبعون ألف حائك" موضوع قلت له طريق أخرى للديلمي و الله أعلم.
@ وفي الذيل: عن أنس "تلعنوا الحاكة وأول من حاك أبي آدم" فيه سويد بن سعد، وفي الميزان أنه روي عن علي بن عاصم خبرا منكرا والظاهر أنه هذا الخبر "لا تشاورا الحجامين ولا الحاكة ولا تسلموا عليهم" فيه أحمد بن عبد الله من أكذبهم.
@ عن علي "يا خياط ثكلتك الثواكل صلب الخيوط ودقق الدروز وفارق الغرز فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان فيه" هذا الإسناد ظلمات.
@ "ثلاثة ذهبت منهم الرحمة الصياد والقصاب وبائع الحيوان" من نسخة ابن الأشعث(/57)
عن ابن عباس "خلق الله القمح من ضيائه والشعير من بهائه فإذا استخف بهما واستذلا عجا إلى الله تعالى بالدعاء وقالا إلهنا وسيدنا قد استخف بنا واستذلنا فأعزنا فيعزهما الله فإذا كان كذلك لا يخرج الرجل من منزله إلا في طلب الخبز عجا إلى الله وقالا اشتغل بنا عن ذكرك فتردنا إلى ما كنا عليه فيردهما الله إلى الرخص" وعنه "أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك لا يتجروا بالقمح فمن اتجر بالقمح فإنما تعرض لأرواح خلقي فإنما أراد قتلهم ومن أراد قتلهم لم يكن لهم قاتل غيري" فيه محمد بن السائب الكلبي كذاب.
@ البراء "يقول الله سلطت الدابة على الحبة" فيه الأشناني قلت ورد من حديث زيد بن أرقم وله شواهد موقوفا.
@ أبو هريرة "يحشر الحكارون وقتلة الأنفس في جهنم في درجة واحدة" فيه بقية مدلس قلت هذا لا يقتضي الوضع وله شاهد، وفي اللآلئ هو لا يصح.
@ أبو هريرة "اللهم لا تطع فينا تاجرا ولا مسافرا فإن تاجرنا يحب الغلاء ومسافرنا يكره المطر" موضوع، وفي الذيل فيه يحيى ابن عبيد الله بن موهب ليس بشيء قلت ورد عن عبد الله بن جراد: للديلمي وله شاهد جيد عن عمر بن الخطاب.
@ ابن عمر "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله" فيه اصبغ بن زيد قلت أخرجه أحمد والحاكم وقال العراقي في كونه موضوعا نظر قال ابن حجر الجمهور على توثيق أصبغ وله شاهد، وفي اللآلئ هو لا يصح قلت لشطر الحديث شواهد، وعن أنس "من حبس طعاما أربعين يوما ثم أخرجه فطحنه وخبزه وتصدق به لم يقبل الله منه" لا يصح قلت روي عن معاذ وعلي "من تمنى الغلاء على أمتي ليلة أحبط الله عمله أربعين سنة" موضوع.
@ في المقاصد "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون" سنده ضعيف.
@ "إن لله ملكا اسمه عمارة على فرس من حجارة الياقوت طوله مد بصره يدور في الأحياء ويقف في الأسواق فينادي ألا ليغلوا كذا وكذا ألا ليرخص كذا" لا يصح: قلت قال ابن حجر أغرب ابن الجوزي في إخراجه في الموضوع وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وصححوه وإسناده على شرط مسلم، وقد روي عن عدة من الصحابة.
@ وفي الوجيز عن علي "غلا السعر فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال الله المسعر" لا يصح قلت قال ابن حجر أغرب ابن الجوزي به فإن الحديث صحيح ثابت عن أنس أخرجه جماعة وعن أبي سعيد بسند حسن.
@ وعن أبي هريرة به وعن ابن عباس وأبي جحيفة عبد الله بن حنظلة الغسيل "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" فيه حسين بن محمد مضعف وتابعه ليث مضطرب الحديث.
@ أبو هريرة "الربا بضع وسبعون بابا أصغرها كالذي ينكح أمه" فيه عبيد الله بن زياد كذاب، وعائشة "الربا بضع وسبعون باب أصغرها بابا كالواقع على أمه والدرهم الواحد من الربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية" فيه سوار بن مصعب متروك وتابعه عمران بن أبي أنس وهو ضعيف، وابن عباس "الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية وإن أربى الربا عرض المسلم" وأنس "الربا سبعون باباً أهونها كالذي يأتي أمه وإن أربا الربا خرق المرء عرض أخيه المسلم" قلت هذه مجازفة فحديث ابن حنظلة لأحمد وحسين احتج به الشيخان ووثقه الناس كيف وقد توبع وليث متابع قوي فهو إنما ضعف من قبل حنظلة وحديث ابن عباس شاهد قوى وحديث أبي هريرة لم ينفرد به عبيد اللّه بل تابعه النضر وعفيف بن سالم، ولحديث ابن عباس طريق ثان وقد ورد عن ابن مسعود بلفظ أنس صححه الحاكم على شرط الشيخين، وعن عبد الله بن سلام والبراء بن عازب.
@ في اللآلئ "السفتجات حرام" لا يصح.
@ "من شارك ذمياً فتواضع له فإذا كان يوم القيامة ضرب فيما بينهما واد من نار وقيل للمسلم خض هذا الوادي إلى ذلك الجانب حتى يحاسب شريكك" منكر.
*2* باب النهي عن كسر الثمنين وفضلهما وموجب الفقر كبيع المال التالد والنوم في غير وقته والحياء وآفة الدين.
@ في الذيل صهيب رفعه "نوعان أكرمهما الله تعالى في الدنيا والآخرة الذهب والفضة فجعلهما شرفا لأهل الدنيا في دنياهم وزينة لأهل الآخرة في آخرتهم" فيه دفاع ضعيف.
@ في المختصر حديث "النهي عن كسر الدينار والدرهم وجعلهما ذهبا وفضة" ضعفه ابن حبان.
@ في المقاصد "الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه من جاء بخاتم مولاه قضيت حاجته" للطبراني.
@ الصغاني "الحياء يمنع الرزق" موضوع.
@ "الصبيحة تمنع الرزق" موضوع.(/58)
@"لا هم إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين" موضوع في اللآلئ حديث "لا هم" إلخ. أنكره البيهقي وله طريق آخر بلفظ "لا هم إلا هم الدين" وفيه خاقان مجهول وله شاهد موقوف في المقاصد حديث الصبيحة في سنده إسحاق بن أبي فروة ضعيف وله طريق آخر وفي الباب عن عائشة "الصبيحة نوم أول النهار وهو وقت الذكر ثم طلب الكسب" وعن علي رفعه "ما عجت الأرض إلى ربها من شيء كعجها من دم حرام أو غسل من الزنا أو نوم عليها قبل طلوع الشمس" وسنده ضعيف، وفي الوجيز قلت إسحاق متبوع وله شاهد بلفظ "إذا صليتم الفجر فلا تناموا عن طلب أرزاقكم" وفي اللآلئ: وفسر أنس هذا الشاهد بالتسبيح والتكبير والاستغفار سبعين مرة فعند ذلك تنزل الرحمة، ومن الشواهد حديث "الثابت في صلاة بعد صلاة الصبح يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الآفاق".
@ "إنما سمى الدرهم لأنه دار هم وإنما سمي الدينار لأنه دار نار" موضوع (1) "من باع دارا أو عقارا ولم يجعل ثمنه في نظيره فجدير أن لا يبارك له فيه" لأبي داود وأحمد وغيرهما
(1) قلت أما أبو داود هذا فهو الطيالسي صاحب المسند وليس هو بأبي داود السجستاني صاحب السنن فلينتبه. اهـ مصححه.
@ "غسل الإناء وطهارة الفناء يورثان الغناء" وضعه على ابن محمد، وفي المقاصد هو للديلمي بلا سند مرفوعا.
*2* باب آداب الطعام كالوضوء والتسمية والإخلاص والملح وإحضار البقل وان لا يأكل في السوق ويأكل ما يسقط من اللقمة ويكرم الخبز المسخر له ثلاثمائة وستون صانعا ولا ينفخ فيه ويشكر بعده بالحمد وإدامة الذكر ويطلب البر ويأكل مع الأخوان سيما مع مغفور ويأكل سؤرهم ويلعق الأصابع ويبدأ بالطعام قبل الصلاة وكان صلى الله عليه وسلم يتغذى ويصغر الرغيف ويكيل للبركة.
@ في المختصر "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم" وروي "ينفي الفقر قبل الطعام وبعده" وروي "بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده" والكل ضعيف: خلاصة هو بالرواية الأولى مع زيادة "ويفتح البصر" موضوع عند الصغاني.
@ في اللآلئ "يا علي عليك بالملح فإنه شفاء من سبعين داء الجذام والبرص والجنون" لا يصح فيه عبد الله بن أحمد بن عامر وهو وأبوه يرويان عن أهل البيت نسخة كلها باطلة: قلت أخرج ابن منده عن معاذ بلفظ "استغنموا طعامكم بالملح فوالذي نفسي بيده أنه ليرد ثلاثا وسبعين نوعا من البلاء أو قال من الداء" والبيهقي عن علي بطريق آخر "من ابتدأ غداءه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعا من البلاء".
@ "أحضروا موائدكم البقل فإنه مطردة الشيطان مع التسمية" لا أصل له فيه العلاء يضع: قلت روى له الترمذي.
@ "من نسي أن يسمي على طعام فليقرأ قل هو الله أحد إذا فرغ" موضوع آفته حمزة: قلت وروى له الترمذي.
@ "من أكل لقمة أو كسرة من مجرى الماء أو الغائط أو البول فأماط عنها وغسلها غسلا نقيا ثم أكلها لم تستقر في بطنه حتى يغفر له" موضوع: قلت له طريق آخر عن ابن مسعود "بان له سبعمائة حسنة وإن لم يأكلها كتب له سبعون حسنة" فيه كذاب.
@ في المقاصد "من أكل ما يسقط من الخوان أو القصعة أمن من الفقر والبرص والجذام وصرف عن ولده الحمق" وروي "عن ولد ولده الحمق" وروي "خرج ولده صباح الوجوه ونفي عنه الفقر" وروي غير ذلك وكلها مناكير: نعم في مسلم "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة".
@ وفي المختصر "من أكل ما يسقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده" روي باختلاف الألفاظ والكل منكر.
@ وفي الذيل "وعوفي من الحمق في ولده وولد ولده وفي جار جاره ودويرات جاره" فيه إسحاق بن نجيح كذاب يضع.
@ وعن ابن عباس "من أكل ما يسقط من المائدة خرج ولده صباح الوجوه ونفي عنه الفقر" فيه يوسف ابن أبي يوسف القاضي مجهول.
@ أنس رفعه "إذا لعق الرجل القصعة استغفرت له القصعة فتقول اللهم اعتقه من النار كما أعتقني من الشيطان" هو من نسخة سمعان المكذوبة.
@ عن أنس "إذا أكلت طعاما أو شربت شرابا فقل بسم الله وبالله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء يا حي يا قيوم إلا لم يصبك منه داء ولو كان فيه سم" فيه الكديمي متهم ونافع السلمي متروك.
@ عن ابن عباس "ما من مائدة عليها أربع خصال إلا كملت إذا أكل قال بسم الله وإذا فرغ قال الحمد لله وكثرت الأيدي عليها وكان أصلها حلالا" فيه عمرو بن جميع مكذب، وأشار البيهقي إلى وضعه.
@ عن علي "ما بات قوم شباعا إلا حسنت أخلاقهم ولا بات قوم جياعا قط إلا ساءت أخلاقهم ومن قل أكله قل جسده" فيه كذاب.
@ عن أنس "خير الغداء بواكره وأطيبه أوله وأنفعه" فيه عنبسة يضع.(/59)
@ وفي المقاصد هو لأبي نعيم مرفوعا "إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء" قال العراقي في شرح الترمذي لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ وأصل الحديث في المتفق بلفظ "إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء".
@ "تعشوا ولو بكف من حشف فإن ترك العشاء محرمة" قال الترمذي هو منكر وأخرجه ابن ماجه وفيه ضعيف وحكم الصغاني بوضعه وفيه نظر، ومعناه نهي الإفراط في ترك الطعام لا الحث على إكثاره كما ظن، وفي الوجيز فيه عنبسة ضعيف وابن علاف مجهول: قلت أخرجه الترمذي من هذا الطريق وله شاهد عن جابر.
@ في المختصر "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد" لم يوجد، وفي اللآلئ قال الترمذي هو منكر قلت وجدت له طريقا آخر.
@ "صغروا الخبز وأكثروا عدده يبارك لكم فيه" قال ابن أحمد منكر لا شك فيه: قلت له شاهد بلفظ "قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه" وفسره البعض بتصغير الأرغفة، وعن ابن عمر مرفوعا "البركة في صغر القرص وطول الرشاء وصغر الجدول" قال هذا الحديث كذب قلت له طريق آخر عن ابن عباس، وفي المقاصد "صغروا الخبز" إلخ. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات "البركة في صغر القرص" إلخ. أيضا باطل.
@ "أمرنا بتصغير اللقمة وتدقيق المضغ" قال النووي لا يصح.
@ "كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه" وروي "قوتوا" وسندهما ضعيف، ومعناه كيلوا وقيل معناه تصغير الأرغفة وبه جمع بينه وبين قول عائشة فكلته ففني.
@ "لا تقطعوا الخبز بالسكين كما يقطعه الأعاجم" تفرد به نوح بن أبي مريم المتروك، وفي الخلاصة قال الصغاني موضوع.
@ وفي الوجيز عائشة "النفخ في الطعام يذهب بالبركة" وضعه عبد الله بن الحارث: قلت له شاهد عند ابن ماجه "لم يكن صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس" وعند البيهقي "نهى صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ".
@ ابن عباس "نهى صلى الله عليه وسلم أن يتخلل بالآس والقصب" إلخ. فيه محمد بن عبد الملك كذاب: قلت له شاهد عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز موقوفا عليهما.
@ عائشة "أذيبوا طعامكم بذكر الله تعالى والصلاة ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم" فيه بزيغ متروك قلت هو عند البيهقي، وقال منكر تفرد به بزيغ وكان ضعيفا، وفي اللآلئ موضوع: قلت اقتصر العراقي على تضعيفه.
@ "كان صلى الله عليه وسلم لا يأكل طعاما إلا حمد الله عز وجل وقال اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا أطيب منه فأما إذا أكل اللبن حمد الله عز وجل وقال اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه" قال ابن حبان لا أصل له فيه عمر بن إبراهيم كذاب قلت له شاهد حسنه الترمذي.
@ "ما استخف قوم بحق الخبز إلا ابتلاهم الله بالجوع" موضوع.
@ في المختصر "لا يستدبر الرغيف ويوضع بين يديك حتى تعمل فيه ثلاثمائة وستون صانعا أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزانة الرحمة ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر والأفلاك وملكوت الهواء ودواب الأرض وآخر ذلك الخباز وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" لم يوجد.
@ "أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء والأرض" ضعيف أبو الفرج موضوع، وفي اللآلئ، وروي بزيادة "من بركات السماوات والأرض والحديد والبقر وابن آدم" وروي "اللهم أمتعنا بالإسلام والخبز فلولا الخبز ما صمنا ولا صلينا ولا حججنا ولا غزونا" والكل موضوع: قلت ضعفهما آخرون وله طرق كحديث "أكرموا الخبز فإنه من بركات السماء والأرض" وحديث "من أكل ما سقط من السفرة غفر له" وفي الوجيز "أكرموا الخبز" وروي عن أبي موسى وبريدة وأبي هريرة وعبد الله بن أم حرام وفي كله وضاع أو كذاب: قلت ورد عن عائشة أخرجه الحاكم وصححه وأقره الذهبي.
@ في المختصر "إن الإخوان إذا رفعوا أيديهم عن الطعام لا يحاسب من أكل من فضل ذلك الطعام" لا أصل له.
@ "ثلاث لا يحاسب عليها العبد أكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان" ضعيف.
@ في المقاصد "من أكل مع مغفور له غفر له" قال شيخنا هو كذب موضوع، وقال مرة لا أصل له صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وكذا قال غيره لا إسناد له وإنما يروى عن هشام ولا معنى له فقد يأكل مع المسلمين الكفار والمنافقون، وفي الذيل قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال.
@ اللآلئ "الأكل في السوق دناءة" لا يصح قال العقيلي لا يصح في هذا الباب شيء قلنا اقتصر العراقي على تضعيفه، وفي المقاصد سنده ضعيف، ويعارضه حديث ابن عمر "كنا نأكل على عهده صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام" وهو مصحح.
*2* باب الإدام كاللحم والهريسة والملح واللبن والدهن والخل.
@ في المختصر "سيد طعام أهل الجنة اللحم" ضعيف.
@ وفي المقاصد "سيد طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم" فيه سليمان ضعيف وله شواهد منها عن علي رفعه "سيد طعام الدنيا اللحم ثم الأرز" وأدخله ابن الجوزي في الموضوعات قال شيخنا لم يتبين لي الحكم بوضع هذا المتن وقال الشافعي أن أكل اللحم يزيد في العقل.(/60)
@ وفي الوجيز "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم" عن أبي الدرداء وربيعة بن كعب بينهما راويا الكذب قلت حديث أبي الدرداء عند ابن ماجه وورد عن أنس وبريدة.
@ وفي اللآلئ "سيد طعام أهل الجنة اللحم" لا يصح فيه سليمان يروي عن مسلمة أشياء موضوعة قلت سليمان روى له ابن ماجه قال ابن حجر لم يتبين لي الحكم بوضعه فإن مسلمة غير مجروح وسليمان ضعيف.
@ "أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم" حديث غير محفوظ قلت له طرق.
@ "قال معاذ هل أتيت من الجنة بطعام قال: نعم أتيت بهريسة فأكلتها فزادت في قوتي قوة أربعين وفي نكاحي نكاح أربعين وكان معاذ لا يعمل طعاما إلا بدأ بالهريسة" وضعه محمد بن الحجاج اللخمي وكان صاحب هريسة وغالب طرق الحديث تدور عليه وسرقه منه كذابون قلت له طريق آخر فيه إبراهيم، وقال الأزدي هو ساقط.
@ في المختصر شكوت إلى جبريل ضعفي من الوقاع فدلني على الهريسة" وروي "فأمرني بأكل الهريسة" طرقه ضعيفة وقيل موضوع.
@ "كان صلى الله عليه وسلم يكره الكليتين" سنده ضعيف جدا.
@ وفي اللآلئ "إن للقلب فرحة عند أكل اللحم وما دام الفرح بأحد إلا أشر وبطر ولكن مرة ومرة" موضوع فيه عبد الله بن المغيرة وأحمد بن عيسى منكران قلت له طريق آخر عن سلمان.
@ "لا تأكلوا اللحم" إسناده مظلم وفيه كذابان.
@ "لا تقطعوا اللحم بالسكين فإن ذلك من صنع الأعاجم" قال أحمد ليس بصحيح وقد كان صلى الله عليه وسلم يحتز من لحم الشاة قال أبو داود إن صح يجمعان بأن الأول حين تكامل نضجه والثاني حين لم يتم نضجه.
@ وفي الوجيز أبو هريرة "إن للقلب فرحة عند أكل اللحم" فيه عبد الله بن محمد يحدث بما لا أصل له قلت أخرجه البيهقي في الشعب وأخرج صدره فقط من حديث سليمان. حديث عائشة "لا تقطعوا اللحم بالسكين" إلخ. فيه أبو معشر ليس بشيء. قلت أخرجه أبو داود في سننه. وقال ليس بالقوي والبيهقي من طريق آخر عن أم سلمة.
@ في المقاصد "عليكم بألبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء" للحاكم مرفوعا.
@ "ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها" فكأنه يرى اختصاصه به ولكن قد صح أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر.
@ "سيد إدامكم الملح" فيه ضعيف.
@ "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" لجماعة عن عمر وفي الباب عن جماعة.
@ في الذيل أبو هريرة رفعه "شرب اللبن محض الإيمان من شربه في منامه فهو على الإيمان والفطرة ومن تناول اللبن فهو يعمل بشرائع الإسلام" فيه إسماعيل كذاب وآخران مجروحان.
@ علي رفعه "اللحم ينبت اللحم ومن ترك اللحم أربعين يوما ساء خلقه" فيه سليمان النخعي كذاب.
@ "من تأدم بالخل وكل به ملكين يستغفران الله له إلى أن يفرغ من تأدمه" فيه الحسن بن علي أحاديثه لا تشبه الصدق وله طريق أخرى للديلمي.
*2* باب إذا شرب الماء والسؤر على الريق.
@ في المختصر "كان إذا شرب تنفس ثلاثا وقال هو أهنأ وأمرأ وأبرأ" وللحاكم مصححا "إذا شرب أحدكم فليشرب بنفس" ولعل تأويل هذا الحديث بترك التنفس في الإناء.
@ "كان يمص الماء مصا ولا يعبه" ضعيف.
@ "نهى صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء ثلاثا أو ينفخ فيه" وروي "أنه صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء" والجمع بينهما ظاهر.
@ في المقاصد "ساقي القوم آخرهم" لمسلم.
@ في اللآلئ "شرب الماء على الريق يعقد الشحم" فيه عاصم بن سليمان واضع.
@ "من التواضع أن يشرب الرجل من سؤر أخيه ومن شرب من سؤر أخيه ابتغاء وجه الله رفعت له سبعون درجة ومحيت عنه سبعون خطيئة وكتبت له سبعون حسنة" تفرد به نوح بن أبي مريم المتروك قلت تابعه الحسين بن رشيد لكن فيه لين.
@ "من سقى مسلما شربة من ماء في موضع يوجد فيه الماء فكأنما أعتق رقبة فإن سقاه في موضع لا يوجد فيه الماء فكأنما أحيا نسمة مؤمنة" قال ابن عدي موضوع: قلت له طريق آخر.
@ في الذيل "اسق الماء على الماء في اليوم الصائف تنتثر ذنوبك كما ينتثر الورق من الشجر في الريح العاصف" هو منكر الإسناد والمتن.
@ "إذا استسقى الصبي والرجل فأسقى الرجل قبل الصبي غارت عين من عيون الماء" فيه أبو البحتري وأبو الخير كذابان.
*2* باب الحبوب من العدس والأرز والبر.
@ في اللآلئ "عليكم بالعدس فإنه مبارك وإنه يرق له القلب ويكثر الدمعة وأنه قد بارك فيه سبعون نبيا" موضوع وروى منهم عيسى بن مريم، وقال عبد الله بن المبارك ولا على لسان نبي واحد وأنه مؤذ منفخ، وفي المقاصد "قدس العدس على لسان سبعين نبيا آخرهم عيسى بن مريم" وروي بزيادة "أنه يرقق القلب ويسرع الدمع وعليكم بالقرع فإنه يشد الفؤاد ويزيد في الدماغ" وفي الباب عن علي وغيره ولا يصح من ذلك شيء، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات: الصغاني "عليكم بالعدس" إلخ. موضوع.(/61)
@ "الأرز مني وأنا من الأرز خلقت الأرز من بقية نوري ولو كان الأرز حيوانا لكان آدميا ولو كان آدميا لكان رجلا ولو كان رجلا لكان رجلا صالحا ولو كان رجلا صالحا لكان نبيا ولو كان نبيا لكان مرسلا ولو كان مرسلا لكان أنا" موضوع "من أكل الأرز أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" موضوع.
@ في المقاصد "لو كان الأرز رجلا لكان حليما" قال شيخنا وغيره موضوع قلت، ومن الباطل أيضا "الأرز في الطعام كالسيد في القوم والكراث في البقول بمنزلة الخبز وعائشة في نساء العالمين كالثريد في الطعام وأنا في الأنبياء كالملح في الطعام" وكذا "نعم الدواء الأرز نعم الدواء الأرز صحيح سليم من كل داء" لا يصح، وللدارمي حديث تسبيحه في البطن حديث الباقلاء ليس بثابت.
@ في المختصر "وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن" منكر.
*2* باب البقول كالباذنجان والبطيخ والفجل والبصل والبقول.
@ في المختصر "عليكم بالهندباء فإنه ما من يوم إلا وتقطر عليه قطرة من قطر الجنة" ضعيف.
@ وفي اللآلئ "فضل البنفسج على الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأديان وما من ورقة الهندباء إلا عليها قطرة من ماء الجنة" فيه من يضع قلت له طرق ضعاف.
@ "إنما الباذنجان شفاء من كل داء ولا داء فيه" موضوع.
@ في المقاصد "الباذنجان لما أكل له" باطل لا أصل له وإن أسنده صاحب تاريخ بلخ، وقال شيخنا لم أقف عليه ولكن وجدت في بعض الأجزاء عن أبي علي بن فورك "الباذنجان شفاء لا داء فيه" لا يصح وسمعت بعض الحفاظ يقول أنه من وضع الزنادقة، قال الزركشي وقد لهج به العوام حتى قال قائل هو أصح من حديث "ماء زمزم لما شرب له" وهذا خطأ انتهى.
@ وللديلمي "كلوا الباذنجان وأكثروا منه فإنه أول شجرة رأيتها في جنة المأوى" إلخ. وفيه "فمن أكلها على أنها داء كانت ومن أكلها دواء كانت دواء" كلها باطلة والشافعي نهى عن أكلها ليلا.
@ أحاديث فضل البطيخ باطلة قال التيمي لا تزيده كثرة الطرق إلا ضعفا وقال النووي أنه لا يصح.
@ في اللآلئ "فضل البطيخ وبركة الله تعالى على أكلها حتى لا يبقى أحد في النار وإن ماءها رحمة وحلاوتها مثل حلاوة الجنة" بطوله موضوع قال المؤلف وأنا أتهم به هنادا وقد سمعنا عنه أحاديث كثيرة في فضلها موقوفة ومرفوعة لم نجدها عند غيره وكلها محال ولا يصح في فضلها شيء إلا أنه صلى الله عليه وسلم أكله.
@ وفي الذيل "البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا" هو شاذ لا يصح.
@ ابن مسعود "إذا أكلتم الفجل وأردتم أن لا يوجد لها ريح فاذكروني عند أول قضمة". [أي موضوع]
@ "من ابتدأ يأكل القثاء فليأكل من رأسها" فيه كذابان.
@ في اللآلئ "من أكل القثاء بلحم وقي الجذام" موضوع.
@ "عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ" منقطع وفيه مخطئ.
@ في المقاصد "يا علي إذا تزودت فلا تنسى البصل" كذب بحت، وكذا حديث "عليكم بالبصل فإنه يطيب النطفة ويصبح الولد".
@ خلاصة "إن في بلاد الهند أوراقا مثل آذان الخيل فكلوا منها فيها منفعة" موضوع، قاله الصغاني.
*2* باب فضل الحلاوة وإطعامها والعسل وأنه أول ما يرفع وذم السرف والشبع لسد عروق الشيطان وأكل المشتهى كالفالوذج ومخ البر.
@ في الوجيز أبو موسى "قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة" وضعه وركبه على هذا الإسناد محمد بن العباس: قلت ورد عن أبي أمامة عند البيهقي وقال متنه منكر وفي إسناده مجهول.
@ وفي المقاصد "قلب المؤمن حلو" إلخ. للديلمي عن أبي أمامة ولابن الجوزي في الموضوعات عن أبي موسى وعند الديلمي أيضا عن علي رفعه "المؤمن حلو يحب الحلاوة ومن حرمها على نفسه فقد عصى الله ورسوله لا تحرموا نعمة الله والطيبات على أنفسكم وكلوا واشربوا واشكروا فإن لم تفعلوا لزمتكم عقوبة الله عز وجل" وشاهده "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى [أو: الحلواء] والعسل" وكذا حديث "من لقم أخاه المؤمن لقمة حلوا لا يرجو بها ثناءه ولا يخاف بها من شره ولا يريد بها إلا وجهه صرف الله بها عنه حرارة الموقف يوم القيامة" وهو ضعيف.
@ "المؤمن حلوي والكافر خمري" قال شيخنا أنه باطل لا أصل له.
@ الصغاني "المؤمن حلوي يحب الحلاوة" موضوع، وفي اللآلئ "قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة" موضوع.
@ "من لقم أخاه لقمة حلواء [أو: حلوى] ولم يكن ذلك مخافة من شره ولا رجاء لخير صرف الله عنه سبعين بلوى في القيامة" قال الخطيب منكر جدا.
@ "من لقم أخاه لقمة حلاوة صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة" لا يصح.
@ "إذا وضعت الحلوى [أو: الحلواء] بين أيديكم فليصب منها ولا يردها" لا يصح، وفي الوجيز أبو هريرة "إذا وضعت الحلوى [أو: الحلواء] بين أيديكم فليصب منها" فيه فضالة قلت قال البيهقي تفرد به هو وكان متهما بهذا الحديث.(/62)
@ عائشة "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه لبن وعسل فقال إدامان في قدح! لا حاجة لي فيه: أما أني لا أزعم أنه حرام، ولكني أكره أن يسألني الله عن فضول الدنيا" تفرد به نعيم بن موزع وهو يسرق الحديث قلت له شاهد.
@ أبو هريرة "من لعق العسل ثلاث غدوات" إلخ. فيه الزبير بن سعيد ليس بشيء: قلت أخرجه البخاري في تاريخه وابن ماجه والبيهقي وله طريق آخر عنه.
@ في اللآلئ "من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء" لا أصل له قلت أخرجه البيهقي وابن ماجه وله شاهد.
@ "أول رحمة ترفع عن الأرض الطاعون وأول نعمة ترفع عن الأرض العسل" لا أصل له.
@ "عليكم بالعسل فوالذي نفسي بيده ما من بيت فيه عسل إلا ويستغفر له ملائكة ذلك البيت فإن شربه رجل دخل جوفه ألف دواء ويخرج منه ألف داء فإن مات وهو في جوفه لم تمس النار جلده" منكر، وقال المؤلف موضوع.
@ "أول ما سمعنا بالفالوذج أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمتك تفتح لهم الأرض وتفاض عليهم الدنيا حتى أنهم ليأكلون الفالوذج فقال صلى الله عليه وسلم وما الفالوذج قال يخلطون السمن والعسل فشهق النبي صلى الله عليه وسلم شهقة" باطل: قلت أخرجه ابن ماجه وفي الوجيز فيه محمد بن طلحة ضعيف عن عثمان بن يحيى لا يكتب حديثه: قلت أخرجه ابن ماجه وفي الميزان عثمان صدوق إن شاء الله ومحمد معروف صدوق فالحديث قريب من الحسن، وفي المختصر قال أبو الفرج هو موضوع.
@ "لا يدخل ملكوت السماء من ملأ بطنه" لم يوجد.
@ "لا تميتوا القلب بكثرة الطعام" إلخ. لم يوجد.
@ "إن الأكل على الشبع يورث البرص" لم يوجد.
@ "لم يمتلئ صلى الله عليه وسلم قط شبعا" إلخ. لم يوجد.
@ "إن أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة" ضعيف.
@ "أحيوا قلوبكم بقلة الضحك والشبع وطهروها بالجوع تصف وترق" لم يوجد.
@ "شرار أمتي الذين يأكلون مخ الحنطة" لم يوجد.
@ "أيما امرئ اشتهى شهوة فرد شهوته وأثر على نفسه غفر الله له" لأبي الشيخ وذكره أبو الفرج في الموضوعات.
@ في اللآلئ عن ابن عمر "أنه اشترى سمكة طرية بدرهم ونصف درهم فأتاه سائل فتصدق بها عليه" وحدث مرفوعا "أيما امرئ اشتهى شهوة" إلخ. موضوع.
@ "أحرموا أنفسكم طيب الطعام وإنما قوي الشيطان أن يجري في العروق به" موضوع.
@ "إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت" لا يصح، وفي الوجيز فيه يحيى بن عثمان منكر الحديث وكذا نوح بن ذكوان قلت له متابعات.
*2* باب التفكه بالفواكه كالتمر والعنب والرمان والنخلة وأنها من فضلة طين آدم ونفعها للحبالى في زكاء الولد.
@ في اللآلئ "فضل التمر البرني وتأثيره في تطيب المعدة والهضم وزيادة ماء الظهر وزيادة الحواس والقرب من الله" باطل قلت له طرق شاهدة وإن كان بعضها موضوعة أو ضعيفة.
@ "كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود" لا يصح.
@ "لو علم الناس وجدي بالرطب لعزوني فيه إذا ذهب" موضوع.
@ وفي الذيل "أطعموا حبالاكم اللبان فإن يكن ما في بطن المرأة غلاما خرج عالما غازيا زكي القلب شجاعا سخيا وإن يكن ما في بطنها جارية حسن خلقها وعظم عجيزتها وحظت عند زوجها" منكر.
@ في اللآلئ "أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها ذلك حليما فإنه طعام مريم حين ولدت عيسى ولو علم الله طعاما كان خيرا لها من التمر لأطعمها إياه" فيه كذابان قلت أحدهما متابع.
@ في المقاصد "أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة آدم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من النخلة ولدت تحتها مريم بنت عمران وأطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر" في سنده ضعف وانقطاع.
@ في الوجيز "أكرموا عمتكم النخلة" إلخ. عن علي وفيه مسروق بن سعيد منكر الحديث، وعن ابن عمر وفيه وضاع قلت مسروق لم يتهم بكذب وله شاهد عن أبي سعيد رفعه "خلقت النخلة والرمان والعنب من فضلة طين آدم ما من رمانكم هذا إلا وهو يلقح بحبة من رمان الجنة" فيه من يسرق الحديث وتبعه الوضاع: قلت ورد عن ابن عباس رفعه "قال بلغني" أخرجه البيهقي بسند جيد، وفي اللآلئ هو لا يصح من أباطيل محمد بن الوليد قلت له شاهد موقوف على ابن عباس.
@ وفي المقاصد سنده ضعيف "العنب دودو (1) والتمر يك" مشهور بين الأعاجم ولا أصل له: نعم ورد النهي عن القران في التمر يعني من أحد السيكين [لعله: الشريكين] إلا بإذنه الصغاني "العنب دودو" موضوع
(1) قال السخاوي في المقاصد الحسنة العنب دودو يعني مثنى مثنى. والتمر يك يعني واحدا. اهـ إدارة.
@ في اللآلئ "ربيع أمتي العنب والبطيخ" موضوع.
@ "رأيته صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطا" قال العقيلي لا أصل له البيهقي ليس فيه إسناد قوي: العراقي ضعيف.
@ في الذيل "كلوا العنب حبة حبة فإنه أهنأ وأمرأ" من النسخة المكذوبة.
@ "كل العنب دودو" وعده ابن تيمية موضوعا.(/63)
*2* باب صنوف الحيوان من البقر وأكلها والنهي عن ضربها وأنها سيدة والسمك والديك والحمامة وتعويذ دفع الهوام من البراغيث والجراد.
@ في اللآلئ "أكرموا البقر فإنها سيدة البهائم ما رفعت طرفها إلى السماء حياء منذ عبد العجل" موضوع.
@ "نهى صلى الله عليه وسلم عن ضرب البهائم قال إذا ضربت فلا تأكلوها" لا يصح.
@ في الذيل أبو هريرة "من كان في بيته شاة، كان في بيته بركة، ومن كان في بيته شاتان كان في بيته بركتان ومن كان في بيته ثلاثة شياه، اعتزل من الفقر، ويؤنس عليه بيته بالملائكة تقول رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" فيه مجهولان ومتروك.
@ "من بات في حراسة كلب مات في غضب الله" عده ابن تيمية موضوعا وهو كذلك.
@ في اللآلئ" لا بأس بأكل كل طير ما خلا البوم والرخم" باطل.
@ "أكل السمك يذهب الجسد" قيل معناه يخربه، والحديث ليس بشيء لا في إسناده ولا في معناه ولعله يذيب الجسد فاختلط على الراوي.
@ في المقاصد "الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي جبريل" وروي "بل يحرس بيته وستة عشر بيتا من جيرانه" وروي "أنه يطرد مدى صوته من الجن وكان صلى الله عليه وسلم يبيته معه في بيته" في طرق الحديث ضعاف لكن لا إلى حد يحكم عليه بالوضع. قلت لكن في أكثر ألفاظه ركة لا رونق لها، وقد أفرد أبو نعيم جزءا في الديك: في اللآلئ قوله يحرس أي عن الشيطان والساحر قال ابن حجر لم يتبين لي الحكم على هذا المتن بالوضع، وروي "الديك يؤذن بالصلاة من اتخذ ديكا أبيض حفظ من ثلاثة من شر كل شيطان وساحر وكاهن" "إن لله ديكا عنقه مطوية تحت العرش ورجلاه تحت التخوم فإذا كانت هنة من الليل صاح سبوح قدوس فصاحت الديكة" موضوع. قلت بل ضعيف وله شواهد من طرق متعددة وفي الوجيز هو عن جابر وفيه علي بن علي متروك وعن العرس وفيه يحيى بن زهدم روى عن أبيه نسخة موضوعة قلت علي لم يتهم بوضع ويحيى وثقه بعض فيصلح حديثه في المتابعات وقد وجدت له شواهد عن عائشة وثوبان وابن عمر وابن عباس وغيرهم.
@ في اللآلئ "أمر صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء باتخاذ الدجاج" في طريقه واضعان قلت له طريق آخر عند ابن ماجه بزيادة "وعند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله بهلاك القرى".
@ "اتخذوا هذه الحمام المقاصيص في بيوتكم فإنها تلهي الجن عن صبيانكم" موضوع.
@ "شكى علي الوحشة فقال لو اتخذت زوجا من حمام فآنسك وأصبت من فراخه واتخذت ديكا فآنسك وأيقظك للصلاة" لا يصح قدم على المهدي بعشرة محدثين وكان يحب الحمام فحدث غياث بن إبراهيم عن أبي هريرة "لا سبق إلا في حافر أو نصل وزاد أو جناح" فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم فلما قام أشهد علي فقال أنه قفا كذاب وإنما استحليت ذلك فأمر له بذبح الحمام فما ذكر بعده، وروي أن أبا البحتري دخل على الرشيد وهو قاض وهارون إذ ذاك يطير الحمام فقال هل تحفظ فيه شيئا فحدث أنه صلى الله عليه وسلم "كان يطير الحمام" فقال هارون أخرج عني ثم قال لولا أنه من قريش لعزلته.
@ القزويني حديث المصابيح في التصاوير "رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة" (1) موضوع
(1) قلت فيه نظر وقد رواه أبو داود والطبراني وابن حبان قال الدميري بإسناد جيد وله شاهد عند ابن ماجة عن أنس وعثمان وعائشة قال المناوي أشار بتعدد مخرجيه إلى أنه متواتر والله أعلم. أبو عبد الكبير عفا عنه ربه السميع البصير السامرودي. اهـ.
@: في المقاصد "اللعب بالحمام مجلبة الفقر [لعله: للفقر]" روي معناه عن النخعي نعم في المرفوع.
@ "شيطان يتبع شيطانة" وكذا كان مكروها ولكن حمل البعض الكراهة لمن أدام إطارته وارتقأ السطوح الذي يشرف على بيوت الجيران وحرمهم وأمر عثمان بذبح الحمام وقتل الكلاب.
@ وعن الثوري "أن اللعب بالحمام من عمل قوم لوط لا تسبوها فنعمت الدابة فإنها أيقظتكم لذكر الله" قاله لما نزلوا منزلا فأذاهم البراغيث فسبوها من حديث أبي يوسف القاضي عن سعيد عن الأصبع عن علي وعن أبي ذر رفعه "إذا أذاك البراغيث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع مرات وما لنا أن لا نتوكل على الله الآية ثم قل إن كنتم فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم رشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا" وكتب عمر بن عبد العزيز إلى من شكى إليه الهوام والعقارب ما على أحدكم إذا أمسى وأصبح أن يقول وما لنا أن لا نتوكل الآية، وقال زرعة وينفع من البراغيث.
@ في اللآلئ "اللهم اقتل كباره أهلك صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معائشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء بقطع دابره" "فقال صلى الله عليه وسلم إنما الجراد نثرة حوت في البحر" لا يصح.
*2* باب ما يضر أكله من الطين.
@ في اللآلئ "أكل الطين يورث النفاق" موضوع.
@ "إن الله تعالى خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته" موضوع.
@ "من أكل الطين واغتسل به فقد أكل لحم أبيه آدم واغتسل به" موضوع.(/64)
@ في المقاصد "أكل الطين حرام على كل مسلم" قال البيهقي روي في تحريمه أحاديث لا يصح منها شيء وتبعه غيره فيه وهو كذلك.
*2* باب اللباس وتنظيفه ولباسه صلى الله عليه وسلم وفضل الصلاة بالعمامة والسدل والاحتباء والسراويل وطي الثوب والنعل الأصفر ولباس الصوف والزي.
@ في المختصر "كان له صلى الله عليه وسلم ثلاث قلانس قلنسوة مضروبة وقلنسوة برد حبرة وقلنسوة ذات أذان يلبسها في السفر فربما وضعها بين يديه إذ صلى" ضعيف "كان يلبس المنطقة من الأدم" إلخ. قلت لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم شد على وسطه منطقة.
@ في المقاصد "صلاة بعمامة تعدل بخمسين وعشرين وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة" موضوع.
@ "العمائم تيجان العرب" زاد الديلمي "والاحتباء حيطانها وجلوس المؤمن في المسجد رباطه" وأخرج البيهقي معناه من قول الزهري وفي الباب ما يشبهه وكله ضعيف نحو "عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة وارخوها خلف ظهوركم" وقد استطرد بعض الحفاظ ممن جمع في العذبة وسدل العمامة بخصوصها لما استحضره من هذا المعنى.
@ "اعتموا تزدادوا حلما" موضوع عند الصغاني، وفي اللآلئ لا يصح قلت له طرق ومن شواهده حديث "عليكم بالعمائم" إلخ. وفي الوجيز "اعتموا" إلخ. فيه وضاع عن متروك قلت صححه الحاكم وله شاهد.
@ في الذيل عن عبد الله بن عمر "يا نبي أحب العمامة يا نبي اعتم تبجل وتكرم وتوقر ولا يراك الشيطان إلا ولى هاربا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن صلاة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة بغير عمامة وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بغير عمامة" "إن الملائكة ليشهدون الجمعة معتمين ولا يزالون يصلون على أصحاب العمائم حتى تغرب الشمس" قال ابن حجر موضوع: فيه عباس بن كثير لم أر له ذكرا في الغرباء وفيه غيره قلت أخرجه ابن عساكر والديلمي قال المذنب فيه أيضا العباس المذكور.
@ "صلاة على كور العمامة بعدل ثوابها عند الله غزوة في سبيل الله" وضعه إبراهيم.
@ "الصلاة في العمامة عشرة آلاف حسنة" فيه أبان متهم.
@ وفي المقاصد هو موضوع "طي القماش يزيد في زيه" عن جابر رفعه بلفظ "طي الثوب راحة" وبلفظ "اطووا ثيابكم ترجع إليها أرواحها فإن الشيطان إذا وجد ثوبا مطويا لم يلبسه وإذا وجده منشورا لبسه" كلها واهية وكذا ما اشتهر "اطووا ثيابكم لا تلبسها الجن فتوسخ" ولم أره.
@ في الوجيز عن علي "كنت قاعدا بالبقيع فمرت امرأة فسقطت" إلخ. وفيه "اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي يا أيها الناس اتخذوا السراويل فإنها من أستر ثيابكم وحصنوا بها نساءكم إذا خرجن" المتهم به ابن زكريا قال البيهقي وقد رويناه عن غيره، وفي اللآلئ هو موضوع قلت له طرق بمجموعها يرتقي إلى درجة الحسن.
@ "عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم وعليكم بلباس الصوف تجدوا قلة الأكل وعليكم بلباس الصوف تعرفون به الآخرة وإن لباس الصوف يورث التفكر والتفكر يورث الحكمة والحكمة تجري في الجوف مجرى الدم فمن كثر تفكره قل طعمه وكل لسانه ورق قلبه ومن قل تفكره كثر طعمه وعظم بدنه وقسا قلبه" لا يصح فيه الكديمي الواضع وشيخه لا يحتج به: قلت أخرجه البيهقي بالسند المذكور وقال زيادة قوله "عليكم بلباس الصوف تجدوا قلة الأكل" إلخ. منكر ويشبه أن يكون من كلام بعض الرواة فألحقت بالحديث.
@ وفي الوجيز أبو أمامة "عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم وعليكم" إلخ. فيه الكديمي وضاع قال البيهقي هذه الجملة معروفة من غير هذا الطريق وزاد الكديمي فيه زيادة منكرة ويشبه أن يكون من كلام بعض الرواة فألحق بالحديث: قلت فالحديث مدرج لا موضوع.
@ أبو هريرة "من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليلبس الصوف وليعقل شاته" فيه سليمان بن أرقم يروى الموضوعات: قلت الحديث حسن له شواهد فعند البيهقي بوجه آخر نحو "من لبس الصوف وحلب الشاة وركب الأتان فليس في جوفه شيء من الكبر" وغير ذلك.
@ ابن مسعود "كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف" إلخ. فيه حميد الأعرج ضعيف قلت أخرجه من طريقه الترمذي وغربه والحاكم وله شاهد عن أبي أمامة بلفظ "عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم".
@ في اللآلئ "من سره أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل الصوف" موضوع.
@ "مات النبي صلى الله عليه وسلم في الصوف وعليه إحدى عشرة رقعة بعضها من أدم ومات أبو بكر في الصوف وعليه اثنتا عشر رقعة بعضها من أدم ومات عمر وعليه ثلاث عشرة رقعة من أدم" موضوع.
@ في المختصر "من اعتقل البعير ولبس الصوف فقد برئ من الكبر" فيه سلام بن أبي الصهباء مختلف فيه.
@ "لا يلبس الشعر من أمتي إلا مراء أو أحمق" لم يوجد.
@ "لباس الأنبياء إلى أنصاف سوقها" فيه من حديثه غير محفوظ قلت له شاهد.(/65)
@ في الذيل ابن عباس رفعه "نزل جبريل في بعض الليل فقعد فمسحت يدي على ظهره فأصبت الشعر فقلت يا جبريل ما هذا الشعر قال الصوف لباس الأولياء قلت سبحان الله الملائكة تلبس الصوف قال نعم يا محمد والله إن لباس حملة العرش الصوف" فيه عبد الله بن واقد مظلم الحديث.
@ "من لبس الصوف ليعرفه الناس كان حقا على الله أن يكسوه ثوبا من جرب حتى تتساقط عروقه" فيه عباد بن كثير متروك.
@ "يا عائشة اغسلي هذين البردين فقلت بأبي وأمي يا رسول الله بالأمس غسلتها فقال لي أما علمت أن الثوب يسبح فإذا اتسخ انقطع تسبيحه" الخطيب هو منكر.
@ عن أنس "ما طابت رائحة عبد إلا قل همه ولا نقيت ثياب عبد إلا قل همه" فيه دينار روى عن أنس موضوعات
.
@ "علامة المنافق تطويل سراويل" إلخ. من كتاب العروس، وقد مر في المقدمة حاله.
@ في اللآلئ "أبغض العباد إلى الله من كان ثوباه خيرا من عمله أن يكون ثيابه ثياب الأنبياء وعمله عمل الجبارين" موضوع.
@ في المقاصد "من تزيى بغير زيه، فقُتِل، دَمُهُ هَدْرُ" ليس له عمل يعتمد عليه، ويحكى فيه حكايات منقطعة أن بعض الجن حدث به إما عن علي مرفوعا وإما عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة مما لم يثبت فيه شيء.
@ "من لبس نعلا صفراء قل همه" عن ابن عباس موقوفا لكن بلفظ "لم يزل في سرور ما دام لابسها" وقال أبو حاتم كذب موضوع وعزاه الزمخشري لعلي بلفظ الأول.
*2* باب التحلي الزمرد والعقيق وفضله ونفي الفقر وضعف الصلاة به.
@ في المقاصد "صلاة بخاتم تعدل سبعين بغير خاتم" موضوع.
@ "تختموا بالزمرد فإنه يسر لا عسر فيه" قال شيخنا أنه موضوع.
@ "تختموا بالعقيق" له طرق كلها واهية: منها عن عائشة "من تختم بالعقيق لم يقض له إلا الأسعد"، وفي اللآلئ هو عند ابن حبان عن فاطمة بلفظ "لم يزل يرى خيرا" فيه ابن شعيب روى عن مالك ما ليس من حديثه، وفي الوجيز حديث عائشة فيه محمد بن أيوب يروي الموضوعات عن أبيه وليس بشيء، ولحديث فاطمة الزهراء طريق آخر في المقاصد ومنها "أكثر خرز الجنة العقيق" وفي اللآلئ فيه ابن سالم كذاب قلت بل صدوق عابد من كبار الصوفية عليه الصلاح حتى شغل عن حفظ الحديث، وفي المقاصد ومنها عن أنس "أنه ينفي الفقر" وجزم الذهبي بوضعه، وفي اللآلئ وقال ابن عدي هو باطل، وفي المقاصد ومنها "من نقش فيه وما توفيقي إلا بالله وفق لكل خير" وفيه كذاب: اللآلئ وروي بزيادة "وأحبه الملكان الموكلان به" هذا من عمل أبي سعيد، وفي المقاصد ومنها غير ذلك وقد قال العقيلي لا يثبت فيه شيء مرفوعا وذكره ابن الجوزي في الموضوعات قد قيل هو تصحيف والأصل "تخيموا بالعقيق" بالياء التحتية أي ألقوا الخيمة بواد العقيق والمصحف غالطه.
@ في اللآلئ "تختموا بالعقيق فإنه مبارك" فيه يعقوب كذاب، قال العقيلي لا يثبت شيء فيه مرفوعا وذكر حمزة الأصفهاني أنه بالتحتية قلت هو بعيد إذ له طرق قال ابن حجر لكن يؤيد حمزة ما في البخاري وللحديث طريق آخر عن عائشة وقال البخاري في تاريخه عن فاطمة مرفوعا "من تختم بالعقيق لم يقض له إلا بالتي هي أحسن" وهذا أصل أصيل وهو أمثل ما ورد في الباب.
@ "من اتخذ خاتما فصه ياقوت نفى الله عنه الفقر" باطل: بل وفي الذيل "نعم الفص البلور" من نسخة ابن الأشعث.
*2* باب التزين بالختان والخضاب وقص الظفر والشارب والتسريح كل ليلة لا قائما وتسوية الحية بالمرآة.
@ في المختصر "الختان سنة الرجال مكرمة للنساء" لأحمد والبيهقي ضعيف.
@ في المقاصد "أخفوا الختان وأعلنوا النكاح" لا أصل للأول بل لإعلان الختان شواهد.
@ في الذيل "القلفة قلفتان قلفة في الفم وقلفة في الفرج قلفة الفم أشد من قلفة الفرج والذي نفس محمد بيده إن الحجر ليتنجس من بول الأقلف أربعين صباحا" فيه وضاع.
@ عن علي "اختنوا أولادكم يوم السابع فإنه أسرع إنباتا للحم وأروح للقلب" فيه عبد الله بن أحمد روى النسخة الموضوعة.
@ عائشة "مر صلى الله عليه وسلم بركوة من ماء فنظر فيها فسوى من رأسه ولحيته فقلت وأنت تفعل هذا يا رسول الله فقال ينبغي للرجل إذا خرج إلى أصحابه أن يسوي من رأسه ولحيته فإن الله عز وجل جميل يحب الجمال" فيه أيوب بن مدرك: قال ابن معين ليس بشيء وقيل متروك وقيل روى عن مكحول نسخة موضوعة.
@ "نفقة الدرهم في سبيل الله بسبعمائة ونفقة درهم في خضاب بسبعة آلاف" فيه اليسع مجهول.
@ "اختضبوا فإن الله وملائكته وأنبياءه ورسله وكلما ذرأ وبرأ حتى الحيتان في بحارها والطير في أوكارها يصلون على صاحب الخضاب حتى ينصل خضابه" فيه متروك الحديث.
@ عائشة رفعته "ملائكة السماء يستغفرون لذوائب النساء ولحى الرجال يقولون سبحان الذي زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب" فيه ابن داود ليس بثقة.(/66)
@ وفي الوجيز ابن عباس "يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة" فيه عبد الكريم الجزري ضعيف: قلت قال ابن حجر هو ثقة مخرج له في الصحيح وأخرجه جماعة وصححه الحاكم: في المقاصد لم يثبت في كيفية قص الأظفار ولا في تعيين يوم له شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وما يعزى من النظم فيه لعلي ثم لشيخنا فباطل عنهما.
@ في اللآلئ "من طول شاربه في الدنيا طول الله ندامته يوم القيامة" إلى آخره بطوله موضوع.
@ "لا يأخذ أحدكم من لحيته ولكن من الصدغين" فيه مكذبان قلت بل وثقهما البعض.
@ "من قلم أظفاره يوم السبت خرج منه الداء ودخل فيه الشفاء ومن قلم أظفاره يوم الاثنين خرجت منه الفاقة ودخل فيه الغنى" إلى آخر فوائد كل يوم موضوع.
@ "ومن سرح رأسه ولحيته بالمشط في كل ليلة عوفي من أنواع البلاء وزيد في عمره" موضوع.
@ "من امتشط قائما ركبه الدين" موضوع.
@ "ومن أدمن على حاجبيه بالمشط عوفي من البلاء" موضوع.
@ في الذيل "من مشط حاجبيه كل ليلة وصلى علي لم ترمد عيناه أبدا" من الرتنيات.
@ حديث "النهي أن يحلق الرجل رأسه وهو جنب أو يقلم ظفرا أو ينتف إبطا وهو جنب" قال ابن عساكر منكر بمرة.
@ وفي التوسط "كان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته" ضعيف، وكذا "لا يفارقه المشط في حضر ولا سفر" ضعيف وحديث كان يسرح لحيته كل يوم مرتين لم أر من ذكره إلا الغزالي في الإحياء ولا يخفى ما فيه من أحاديث لا أصل لها.
*2* باب الطيب من الحناء والورد ونحوه وأنه من عرقه.
@ في المقاصد "إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم أو من عرق البراق" قال النووي لا يصح، وكذا قال شيخنا أنه موضوع سبقه لذلك ابن عساكر.
@ "الكندر طيبي وطيب الملائكة وإنها منفرة للشيطان مرضاة للرحمن" معضل ولا يصح والكندر هو اللبان الخاسكي أو الجاوي وكان الشافعي يكثر من استعماله لأجل الذكاء فقد روى البيهقي عنه قال دمت على أكل اللبان فأعقبني صب الدم سنة.
@ في اللآلئ "إذا أتى أحدكم بالطيب فليصب منه وإذا أتي بالحلواء [أو: بالحلوى] فليصب منها" فيه فضالة العطار اتهم به.
@ "سيد ريحان الجنة الحناء" قال الخطيب تفرد به بروايته بكر بن بكار وهو ليس بشيء: قلت وثقه بعض وله طرق أخرى.
@ "ليلة أسري بي سقط إلى الأرض من عرقي فنبت منه الورد فمن أحب أن يشم رائحتي فليشم الورد وادهنوا باللبان فإنه أحظى لكم عند نسائكم" كلها موضوعة، وفي الوجيز قلت بكر بن بكار تابعه معاذ بن هشام.
@ وفي الذيل علي رفعه "ادهنوا باللبان" إلخ. بزيادة "وادهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصيف حار في الشتاء" من نسخة ابن أحمد الموضوعة.
@ "أكثر دهن الجنة الخيري" فيه كذاب.
@ "إن الله خلق الورد من بهائه وجعل له ريح أنبيائه فمن أراد أن ينظر إلى بهاء الله ويشم رائحة أنبياء الله فلينظر إلى الورد الأحمر ويشمه" فيه محمد ابن الفرحان يضع.
@ "لما عرج بي حبيبي جبريل إلى السماء بكت الأرض علي فبكيت من بكائها الكثير فلما انحدرت تصببت بالعرق فلما سقط عرقي على وجه الأرض ضحكت الأرض فنبت من ضحكها الورد فمن أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد" موضوع لا أصل له.
@ "لما أهبط الله آدم من الجنة بأرض الهند وعليه ذلك الورق كان لباسه من الجنة يبس فتطاير بأرض الهند فعبق منه شجر الهند فلقح فهذا العود والصندل والمسك والعنبر والكافور من ذلك الورق" أي بأكل الغزال ودابة البحر من ذلك الشجر: إلخ. فيه سيف بن أخت الثوري كذاب والخبر منكر.
*2* باب ما يضر البصر وينفعه من الكتب بعد العصر والنظر إلى الماء والأترج والحمام والخضرة والوجه الجميل.
@ في المقاصد "من أكرم حبيبتيه فلا يكتب بعد العصر" ليس في المرفوع ولكن أوصى أحمد أن لا ينظر بعده في الكتب ، وعن الشافعي: الوارق إنما يأكل من دية عينيه.
@ الخلاصة "النظر إلى الخضرة يزيد في البصر والنظر إلى المرأة الحسناء يزيد في البصر" موضوع: عند الصغاني.
@ في المقاصد "ثلاث يجلين البصر النظر إلى الخضرة والى الماء الجاري والى الوجه الحسن" فيه أبو البختري رمي بالوضع: قلت له طرق عند الصحابة.
@ "النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر والنظر إلى الوجه القبيح يورث الكلح" لأبي نعيم بسند ضعيف الشطر الأول وبآخر أضعف مع الشطر الثاني وللديلمي مرفوعا عن عائشة "النظر إلى الوجه الحسن والخضرة والماء يحي القلب ويجلو عن البصر الغشاوة".
@ وعن ابن عباس رفعه "النظر إلى الوجه القبيح يورث الكلح" وقد مر في الثاء المثلثة شواهده في المختصر "كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الخضرة والماء الجاري" لم يوجد.
@ وفي اللآلئ "كان صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الأترج ويعجبه النظر إلى الحمام الأحمر" وروي "ويحب النظر إلى الخضرة" روي عن عائشة وعلي وأبي كبشة والكل لا يصح.
@ "عليكم بالوجوه الملاح والحدق السود فان الله يستحيي أن يعذب وجها مليحا بالنار" موضوع.(/67)
@ في الذيل "حسن الوجه مال وحسن اللسان مال والمال مال" وضعه يحيى بن عنبسة.
@ في الوجيز "ما حسن الله خلق رجل ولا خلقه فأطعم لحمه النار" عن ابن عمر وفيه عاصم بن علي ليس بشيء، وعن أبي هريرة فيه داود بن فراهيج ضعفه شعبة، وعن أنس وفيه خراش ليس بشيء: قلت عاصم من رجال البخاري في صحيحه ووثقه الناس وداود مختلف فيه ولم يتهم بكذب، وبالجملة فالحديث أما حسن أو ضعيف لا موضوع.
@ أبو هريرة "إذا بعثتم إلى بريدا فابعثوه حسن الوجه وحسن الاسم "فيه عمرو بن راشد ليس بشيء: قلت لم يضعف بكذب ولا تهمه بل وثقه جماعة وقيل مضطرب أو لين ثم له طريق أخرى عن بريدة بسند صحيح.
@ ابن عباس "من آتاه الله وجها حسنا واسما حسنا وجعله في موضع غير شائن فهو من صفوة الله في خلقه" الحمل فيه على خلف بن خلف وشيخه سليم بن مسلم متروك
*2* باب السلام والمصافحة لمسلم أو كافر والتحية بعد الجمعة بتقبل الله وآداب الجلوس وإكرام الفاضل وقبول الكرامة والمدح في الوجه وآداب الكتابة من التتريب وأن لا ينظر فيه.
@ في الخلاصة "إن جواب الكتاب حق كرد السلام" موضوع: عند الصغاني وكذا "السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا" وفي الوجيز الأخير فيه عصمة بن محمد كذاب يضع قلت له طرق أخرى، وفي اللآلئ تفرد به عصمة الكذاب قلت ورد عن أبي أمامة وأنس ابن مسعود وغيرهم.
@ قزويني حديثا المصابيح في الأدب "السلام قبل الكلام" "وإذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة" موضوعان.
@ في اللآلئ عن أبي هريرة "إذا صافح المؤمنُ المؤمنَ نزلت عليهما مائة رحمة، تسعة وتسعون لأبشهما وأحسنهما لقاء" فيه وضاع قلت روي مثله عن عمر حديث وضوئه صلى الله عليه وسلم "من مس يد كافر" وقوله "من صافح يهوديا أو نصرانيا فليتوضأ وليغسل يده" لا يصح: أبو هريرة "إن العجم يبدؤون إذا كتبوا إليهم فإذا كتب أحدكم إلى أخيه فليبدأ بنفسه موضوع: قلت له طرق أخرى منها عن أبي الدرداء "إذا كتب أحدكم إلى إنسان فليبدأ بنفسه وإذا كتب فليترب كتابه فإنه أنجح".
@ وعن سلمان "لم يكن أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أصحابه يكتبون من فلان إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك" وفي الوجيز "إن العجم" إلخ. فيه محمد بن عبد الرحمن مجهول قلت له شاهد عن العلاء وصححه الحاكم.
@ أنس "رد جواب الكتاب حق كرد السلام" فيه أحمد بن عبد الله منكر الحديث عن الحسن بن محمد يروي الموضوعات: قلت له شاهد عن ابن عباس موقوفا.
@ وفي اللآلئ "إن الجواب الكتاب" إلخ. موضوع قلت له شاهد بإسناد ضعيف، وفي المقاصد المحفوظ وقفه ورفعه ليس بقوي.
@ "إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه" إلخ. أخرجه الترمذي عن جابر وقال أنه منكر قال ابن معين إسناده لا يساوي فلسا وأخرجه الديلمي عن ابن عباس والطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا وكلها ضعيفة.
@ "إكرام الكتاب ختمه" فيه السدي متروك.
@ "من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار" طرقه كلها واهية وأمثلها ضعيفة.
@ "الجالس وسط الحلقة ملعون" صحح على شرط الشيخين.
@ "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذووا الفضل" للعسكري قال حين أقبل علي فوسع له أبو بكر فجلس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فسر به وقاله، قال الصغاني هو موضوع.
@ "لا يأبى الكرامة إلا الحمار" عن ابن عمر رفعه وقيل هو قول علي حين ألقى له وسادة فجلس عليها، وفي اللآلئ قال ابن حبان فيه زربي منكر قلت روى له الترمذي وابن ماجه.
@ في المختصر "إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه" للطبراني ضعيف.
@ "عقرت الرجل عقرك الله" قاله لمن مدح رجلا لم يوجد.
@ "لو مشى رجل إلى رجل بسكين مرهف كان خيرا له من أن يثني عليه في وجهه" لم يوجد.
@ في الذيل "من صلى الفجر في جماعة وخرج من المسجد فمر بعشرين نفسا فسلم عليهم ثم مات في ذلك اليوم غفر له" فيه الأشناني دجال.
@ ابن عباس رفعه "من لقي أخاه عند الانصراف من الجمعة فليقل تقبل الله منا ومنك فإنها فريضة أديتموها إلى ربكم" فيه نهشل كذاب.
*2* باب جواب العطسة والتفاؤل بها وبغيرها والتطير وتذكر الحاجة وطنين الأذن وسماع خرير نهر الجنة.
@ في المقاصد "من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص" (1) ضعيف وروي مرفوعا "من عطس عنده فسبق بالحمد لم يشتك خاصرته"
(1) الشوص إلخ. هو بالفتح فيهما وجع في البطن من ريح تنعقد تحت الأضلاع واللوص وجع الأذن أو النحر والعلوص كسنور التخمة ووجع في البطن قاله المصنف والمجد اللغوي. اهـ أبو السامرودي.(/68)
@ "من حدث حديثا فعطس عنده فهو حق" منكر وقيل باطل ولو كان سنده كالشمس ولكن قال النووي له أصل أصيل: قلت وله شاهد عن أنس رفعه بلفظ "أصدق الحديث ما عطس عنده" وروي مرفوعا "من سعادة المرء العطاس عند الدعاء" وفي اللآلئ "من حدث حديثا إلخ. باطل تفرد به معاوية بن يحيى قلت أخرجه الترمذي وأبو يعلى والطبراني من طريق معاوية، وقال له أصل أصيل رواه أبو يعلى بإسناد جيد، قال الحكيم الترمذي للروح كشف غطاء عن الملكوت وذكر ما هنالك فإذا تحرك لذلك تنفس وهو عطاس فإذا كان في ذلك الوقت كان ذلك الوقت وقت تحقق الحديث واستجابة الدعاء، وفي الوجيز "من حدث حديثا" إلخ. فيه معاوية ذاهب الحديث: قلت قال النووي له أصل أصيل وله شاهد بسند لين "أصدق الحديث" إلخ. وبسند فيه ضعف "من سعادة العطاس عند الدعاء".
@ وفي الذيل "ما من مسلم يعطس عطسة فقال الحمد لله، إلا خلق الله من عطسته ملكا يحمد الله عز وجل إلى يوم القيامة ويكون ثواب الحمد لصاحب العطسة" فيه متهم بالوضع.
@ في اللآلئ "من عطس أو تجشأ أو سمع عطسة أو جشاء فقال الحمد لله على كل حال من الأحوال صرف الله عنه سبعين داء أهونها الجذام" لا يصح: قلت له شاهد.
@ ابن عمر "كان صلى الله عليه وسلم إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في يده خيطا ليذكرها" تفرد به واضع، وروي عن رافع وفيه غياث متروك: قلت له طريق آخر "من حول خاتمه أو عمامته أو علق خيطا في إصبعيه ليذكر حاجته فقد أشرك بالله عز وجل".
@ "إن الله يذكر الحاجات" لا أصل له:
في المقاصد "ربط الخيط بالإصبع لتذكر الحاجة" عن سالم بن عبد الأعلى وهو متهم بالوضع، قال ابن حبان الحديث باطل، وجميع أسانيده منكرة ولا أعلم شيئا صحيحا ولابن عدي بسند ضعيف "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجة أوثق في خاتمه خيطا" وفي المختصر بزيادة "ليذكر به" ضعيف.
@ "ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطيرة والحسد" إلخ. فيه مضعفان.
@ "كان صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل" متفق عليه.
@ في المقاصد "إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي وليقل ذكر الله بخير من ذكرني" في سنده ضعيف بل قال العقيلي لا أصل له ونحوه ما روي عن عائشة مرفوعا "إن الله أعطاني نهرا يقال له الكوثر في الجنة لا يدخل أحد إصبعه في أذنيه إلا سمع خريرا من ذلك النهر" أي سمع مثل خريره شبه دويه بدوي ما يسمع إذا وضع الإنسان إصبعيه في أذنيه.
@ في الوجيز "إذا طنت أذن" إلخ. فيه محمد بن عبيد الله ليس بشيء: قلت لم يتهم بكذب وأخرج له ابن ماجه وقال البيهقي إسناده ضعيف.
*2* باب الرؤيا وأدبها.
@ في اللآلئ "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تقص الرؤيا على النساء" موضوع.
@ في المقاصد "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت صححه الترمذي.
@ في الذيل أبو هريرة رفعه "شرب اللبن محض الإيمان من شربه في منامه فهو على الإيمان والفطرة ومن تناول اللبن فهو يعمل بشرائع الإسلام" فيه إسماعيل كذاب ومجروحان.
@ حديث "النهي أن تقص الرؤيا حتى تطلع الشمس" قال النسائي شبه حديث الكذابين فيه عبد الملك بن مهران وأبو معاوية مجهولان.
@ وفي الميزان حدث عن عبد الملك موسى بن أيوب بحديث باطل متنه "لا تقصوا الرؤيا على النساء" ساقه بسند الصحيحين.
*2* باب ما يوجب النسيان أو يزيل العقل أو يكون شؤما.
@ في اللآلئ "من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه" لا يصح قلت أخرجه ابن السني وفيه ابن لهيعة وفي الوجيز أورده عن ابن عمر وفيه ابن لهيعة ذاهب الحديث، وعن عائشة وفيه خالد بن القاسم كذاب قلت ابن لهيعة من رجال مسلم في المتابعات وإن تكلم فيه فحديثه في مرتبة الحسن أو الضعف المحتمل وخالد وثقه ابن معين، والحاصل أن الحديث ضعيف لا موضوع.
@ في اللآلئ "ست من النسيان سؤر الفأرة وإلقاء القملة وهي حية والبول في الماء الراكد ومضغ العلك وأكل التفاح الحامض ذلك اللبان الذكر" موضوع.
@ في الذيل أنس "عشر خصال تورث النسيان أكل الجبن وأكل سؤر الفأرة وأكل التفاح الحامض والجلجلان والحجامة على النقرة والمشي بين امرأتين والنظر إلى المصلوب والبول في الماء الراكد وإلقاء القمل في المقبرة" فيه محمد بن تميم وضاع.
@ "من نام غلى أكسفة باب بيته فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه" من نسخة أبي هدبة عن أنس.(/69)
@ حديث "النهي عن المرور بين المعز" قال ابن حجر باطل وكذا حديث النهي عن الانتعال قائما والبول في المغتسل والماء الراكد والشارع ومستقبل النيرين والقبلة والاستنجاء بتراب استنجى به مرة وعن قضاء حاجة تحت شجرة مثمرة وعن قطع النخلة الحاملة وعن الجمع عند صاحب الميت وعن إطعام آل الميت وعن إجابة إلى طعامه وعن إرسال الطعام إلى أهله وعن الجماع إلى القبلة وتعاطي السيف مسلولا وسله في المسجد وعن النفخ في الطعام والشراب وعن قتل النمل وتحريش البهائم وعن الجماع بحضور الصبي في المهد ومحو اسم الله بالبزاق ونقشه في الخاتم وعن حرق الحيوانات بالنار وعن الانحناء والسجود لغيره تعالى إلخ. بطوله قال باطل لا أصل له اختلاق عباد.
*2* باب الشعر والمثل وتفسير أبجد.
@ في المقاصد "احثوا في وجوه المداحين التراب" لمسلم وجماعة.
@ في اللآلئ "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به" موضوع، وفي الوجيز فيه النضر بن محور لا يتابع عليه: قلت أصل الحديث في الصحيحين عن أبي هريرة والمستغرب عنه زيادة "هجيت به" فلا يطلق عليه أنه موضوع.
@ وفي الذيل "الشعراء الذين يموتون في الإسلام يأمرهم الله عز وجل أن يقولوا شعرا ابتغى به الحور العين لأزواجهم في الجنة والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار" فيه لاحق بن الحصين كذاب وضاع.
@ حديث "إنزال حروف التهجي تسعة وعشرين حرفا" لا أصل له في الصحيح ولا الضعيف.
@ وفي اللآلئ حديث "أن عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام حين علمه المعلم أبجد قال للمعلم أتدري ما معنى أبجد فبين معنى كل حرف" إلخ. موضوع.
@ حديث خرافة ذكره الترمذي وأبو يعلى عن عائشة "قالت امرأة يا رسول الله هذا حديث خرافة فقال أتدرون ما خرافة هو رجل من عذرة أسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهم دهرا ثم ردوه إلى الإنس فكان يحدث بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس حديث خرافة".
@ "كل الصيد في جوف الفرا" قاله لأبي سفيان حين أذن صلى الله عليه وسلم لقريش وأخر أبا سفيان ثم أذن له فقال ما كدت أن تأذن لي حتى كدت تأذن لحجارة الجلهمتين قبلي فقال وما أنت وذاك يا أبا سفيان إنما أنت كما قال الأول وذكره وسنده جيد لكن مرسل.
@ "تبصر القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك" البيهقي وغيره مرفوعا ووقفه البعض عن الحسن البصري وفي شعب البيهقي من قول عمر وابنه
*2* باب آفة الذنب والرضا به وآفة النطق من الدلالة عليه والغمز والوشاية والتعييب والتعيير بذنب والكذب والتعريض به والإكذاب والغيبة والسمعة وكفارة ذلك ومن لا غيبة له والنياحة.
@ في المختصر "من قارف ذنبا فارقه عقل لم يعد إليه" وروي "لا يعود": لم يوجد.
@ "لو أن عبدا قتل بالمشرق ورضي بقتله آخر بالمغرب كان شريكه في قتله" لم
يوجد.
@ ولابن عدي "من حضر معصية فكرهها فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها
فأحبها فكأنما حضرها" "من سعى بالناس فهو لغير رشدة" أي ليس ولد حلال أو فيه
شيء منها لا أصل له.
@ "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" ضعيف.
@ "إن العبد يتلقى كتابه يوم القيامة منتشرا فينظر فيه فيرى حسنات لم يعملها
فيقول هذه لي ولم أعملها فيقول بما اغتابك وأنت لا تشعر" فيه ابن لهيعة.
@ "ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد" لم يوجد.
@ "من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له" ضعيف.
@ "كفارة من اغتبته أن تستغفر له" ضعيف، وفي المقاصد له طرق ضعاف
وقال علي بن بكار لا تخبر من اغتبته فتغري قلبه ولكن ادع له وأثن حتى تمحو
السيئة بالحسنة.
@ وقال حذيفة "كان في لساني ذرب على أهلي لم يعدهم إلى غيرهم فسألت النبي
صلى الله عليه وسلم فقال أين أنت من الاستغفار يا حذيفة إني لأستغفر الله كل
يوم مائة مرة" وبمجموع طرقه يبعد الحكم بوضعه وإن كان أصح من حديث أبي
هريرة "من كانت عنه مظلمة لأخيه فليستحله منها" لكن روي عن ابن سيرين أنه
قيل له أن رجلا اغتابك فتحلله فقال ما كنت لأحل شيئا حرمه الله.
@ وفي اللآلئ "كفارة من اغتبته" إلخ. فيه عنبسة متروك قلت اقتصر البيهقي
والعراقي على تضعيفه قيل وأصح منه حديث حذيفة "كان في لساني ذرب" إلخ. ذكره البخاري في تاريخه وقال أصح منه حديث "من كانت عنده" إلخ. قال البيهقي إن صح حديث حذيفة فرجاء بإرضاء خصمه ببركة استغفاره.
@ وعن سهل "إذا اغتاب أحدكم أخاه فليستغفر الله فإنها كفارة له" وضعه سليمان:
وفي الوجيز هو عن أنس وفيه عنبسة وعن سهل بن سعد وفيه أبو داود النخعي
وضاع، وعن جابر وفيه حفص بن عمر ضعيف قلت قال البيهقي له شاهد من قول ابن المبارك وشاهد عن حذيفة "كان في لساني" إلخ.(/70)
@ في المقاصد "ليس لفاسق غيبة" قال العقيلي ليس له أصل ولا متابع من طريق ثبت وقال غيره منكر وروي "من ألقى جلباب الحياء" إلخ. قال البيهقي في إسناده ضعف وليس بقوي ولو صح ففي المعلن فسقه، وعن الحسن ليس في أصحاب البدع غيبة، وعن ابن عيينة ثلاثة ليس لهم غيبة الإمام الجائر والفاسق المعلن والمبتدع الداعي وعن بعضهم الشكاية والتحذير ليسا من الغيبة وكذا التزكية في الراوي والشاهد مباح.
@ "المغتاب والمستمع شريكان في الإثم" ذكره الغزالي في الإحياء ولم يخرجه العراقي.
@ "أكذب الناس الصباغون والصواغون" سنده مضطرب وقال ابن الجوزي لا يصح قيل المراد من يصيغون الكلام ويصوغونه أي يغيرونه ويزينونه لا صياغة الحلي والثياب.
@ "أكذب الناس الصناع" سنده ضعيف.
@ الصغاني "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" موضوع، وفي المقاصد هو للبخاري (1) موقوفا ولغيره مرفوعا والموقوف هو الصحيح قال روي من وجه آخر مرفوعا وقد حسن العراقي هذا الحديث ورد على الصغاني حكمه بوضعه
(1) أي في الأدب المفرد.
@ "كف عن الشر يكف الشر عنك" ليس في المرفوع بل من قول الإسكندر لرجل وشى برجل فقال أتحب أن نقبل منك ما قلت فيه على أنا نقبل منه ما قال فيك فقال لا فقال كف" إلخ.
@ "البلاء موكل بالقول" أورده ابن الجوزي في الموضوعات عن أبي الدرداء وابن مسعود لكن لا يحسن بمجموع طرقه الحكم بوضعه، وفي اللآلئ روي بزيادة "ما قال عبد لشيء لا والله لا أفعله أبدا إلا ترك الشيطان كل عمل وولع بذلك حتى يؤثمه" لا يصح قلت له طريق أخرى وشواهد "البلاء موكل بالنطق فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها" لا يصح فيه نصر كذاب قلت وثقه أحمد.
@ "من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله" لا يصح فيه كذاب قلت له شاهد عن الحسن "قال كانوا يقولون من رمى أخاه بذنب وقد تاب منه إلى الله لم يمت حتى يبتليه الله به" وأخرجه الترمذي وغربه، وفي الوجيز وحسنه وله شواهد عن عمر وغيره، وفي المقاصد حسنه الترمذي وغربه قال وليس إسناده بمتصل قيل "بذنب تاب عنه" الصغاني والقزويني هو موضوع وكذا "البلاء موكل بالقول" وروي "بالنطق".
@ في الذيل "أن موسى بن عمران سأل ربه ورفع يديه فقال يا رب أين أذهب أوذي فأوحى الله إليه يا موسى إن في معسكرك غمازا فقال يا رب دلني عليه فأوحى الله تعالى يا موسى إني أبغض الغماز فكيف أغمز" فيه أبو داود الوضاع.
@ "النائحة إذا قالت واجبلاه يقعد ميتها فيقال له أكذلك كنت فيقول لا يا رب بل كنت ضعيفا في قبضتك فيضرب ضربة فلا يبقى عصو [لعله: عصب] يلزم الآخر إلا تطاير على خديه ويقال له ذق انك أنت العزيز الكريم" فيه أربعة مجروحون.
@ "من مشى بالنميمة بين العباد قطع الله له نعلين من نار يغلي منهما دماغه " من نسخة أبي هدبة عن أنس.
*2* باب ذم الرياء وجوازه للمتابعة وذم الهوى والكبر والحرص على الممنوع.
@ في المختصر "إن هذا لم يردني بعمله فاجعلوه في سجين" لجماعة مرسلا وابن الجوزي في الموضوعات.
@ "لا يقبل الله تعالى عملا فيه مقدار ذرة من رياء" لم يوجد.
@ "من راءى بعمله ساعة حبط عمله الذي كان قبله" لم يوجد.
@ "رأس التواضع أن تكره أن تذكر بالبر والتقوى" لم يوجد.
@ حديث معاذ الطويل في "رد العبادة من كل سماء بسبب رياء أو عجب أو غيرهما وضربها على وجوه العمال" لابن المبارك لكن رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وفي اللآلئ حديث "رد العمل من السماء الأولى بسبب الحسد ومن الثانية بسبب الغيبة إلى سبع سموات" موضوع.
@ "ما على أحدكم أن ينشط أخاه المسلم بالصلاة وغيرها يقول أنا صائم وأنا أقوم الليل كذا وكذا وأنا حاج وقد أديت فريضة الإسلام وأنا مجاهد في سبيل الله فيرغب أخاه وينشطه" كذلك موضوع فيه إبان نهاية في الضعف وأبو يوسف مجهول.
@ "ما تحت السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع" موضوع: قلت توبع الكذاب فيه.
@ في المختصر "إن أخوف ما أخاف على أمتي الزنا والشهوة الخفية" ضعيف لابن ماجه وإن صححه الحاكم.
@ "إن أدنى ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته على طاعتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي" لم يوجد.
@ "اللهم إني أعوذ بك من نفخة الكبرياء" لم يوجد.
@ "آفة العلم الخيلاء" المعروف "آفة العلم النسيان وآفة الجمال الخيلاء" ضعيف.
@ في المقاصد "ما رفع أحد أحدا فوق مقداره إلا واتضع عنده من قدره بأزيد" ليس في المرفوع ولكن معناه عن الشافعي.(/71)
@ "من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار" لأحمد وغيره، وقال الخطابي معناه أن يأمرهم به على الكبر والنخوة، وفي حديث سعد دلالة على أن قيام المرء بين يدي الرئيس الفاضل والوالي العادل وقيام المتعلم للعالم مستحب وينبغي أن لا يزيد منن يقام له ذلك وقال أبو بكر إمام الشافعية (1) قلت لأبي عثمان الحيري إني رجل دفعت إلى صحبة الناس وربما أدخل مجلسا فيقوم لي بعض الحاضرين دون بعض فأجدني أنقم على المتقاعد حتى لو قدرت على إساءته فعلت فسكت أبو عثمان وتغير لونه فانصرفت فدخلت علي جار لي من عند الشيخ فقلت في ماذا كان يتكلم الشيخ قال تكلم من أول المجلس إلى آخره في رجل كان ظنه به أجل ظن قال فأخبرني عن سره بشيء أنكرته وظهر لي من باطنه شيء لم أشم منه رائحة الإيمان ويشبه أنه على الضلال ما لم يظهر توبته فعلمت أنه حديثي فوقع علي البكاء وتبت والابتلاء به كثير
(1) هو حمد [لعله: محمد] بن إسحاق الضبعي إمام الشافعية بنيسابور. اهـ مصححه.
@ "إن ابن آدم لحريص على ما منع منه" سنده ضعيف بل قيل باطل.
@ في المختصر "لو منع الناس عن فت البعير لفتوه وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شيء" لم يوجد.
@ في الوجيز عن عوف بن مالك "إن الله يبعث المتكبرين يوم القيامة في صورة الذر لهوانهم على الله يطؤهم الجن والأنس والدواب بأرجلهم حتى يقضي الله بين عباده" مداره على الخصيب بن جحدر وهو متروك قلت ثبت عن عمرو بن عمرو محسنا وأبي هريرة وجابر وعن أبي موسى.
@ "إن في النار جبا يقال له هبهب حق على الله أن يسكنه كل جبار" وفي أوله قصة فيه الأزهر بن سنان ليس بشيء قلت صححه الحاكم وأقره الذهبي وأزهر من رجال الترمذي.
*2* باب ذم الدنيا والغنى إلا استعفافا للصالح فإنه مزرعة وذم من أصبح مهتما بها وأنه مر على أوليائه خادم لبعضهم وذم الاختلاط مع الغني أو التواضع له والحرص سيما من الشيخ وذم الثناء والجاه وفضل الفقراء وسبقهم إلى الجنة وتأخر عبد الرحمن وسليمان عنهم وفقر فاطمة وكاد الفقر أن يكون كفرا وذم العمارة.
@ في المختصر "إذا سددت كلب الجوع برغيف وكوز من الماء القراح فعلى الدنيا وأهلها الدمار" ضعيف.
@ "احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت" قال الذهبي منكر لا أصل له.
@ "ليأتين بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما يأكل الحطب النار" لم يوجد.
@ "الدنيا علم وأهلها عليها مجازون ومعاقبون" لم يوجد.
@ "حب الدنيا رأس كل خطيئة" لابن أبي الدنيا والبيهقي مرسلا، وفي المقاصد هو عن الحسن مرسلا وعن علي بلا سند ومن قول عيسى بن مريم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام وقيل قول جندب رضي الله عنه ويرد على هذا القائل وعلى من حكم بوضعه رفع الحسن له فإن مرسلاته صحاح إذا رواها الثقاة قال أبو زرعة كل ما أرسله الحسن وجدت له أصلا ما خلا أربعة أحاديث وليته ما ذكرها.
@ "الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب" عن علي موقوفا بسند منقطع وقال مخرج الأحياء لم أجده يعني مطلقا مرفوعا، وفي المختصر لم يوجد مرفوعا "من طلب الدنيا حلالا مكاثرا تفاخرا لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر" ضعيف.
@ "نعم المال الصالح للرجل الصالح" لأحمد وأبي يعلى.
@ "نعم العون على تقوى الله المال" مرسلا.
@ في اللآلئ "لا خير فيمن لا يجمع المال يصل به رحمه ويؤدي به عن أمانته ويستغني به عن خلق ربه" لا أصل له إنما هو عن الثوري.
@ في الذيل "الفاقة لأصحابي سعادة والغنى للمؤمن في آخر الزمان سعادة فإن استطعتم أن تكونوا أغنياء فكونوا".
@ في المقاصد "الدنيا مزرعة الآخرة" لم أقف عليه.
@ "كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يسبق القدر" ضعيف ولكن صح من قول أبي سعيد.
@ الصغاني "الدنيا مزرعة الآخرة" موضوع، وفي المختصر لم يوجد بهذا اللفظ وإنما روي "نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته" مع أنه ضعيف "قيل أي أمتك أشر؟ قال الأغنياء" لم يوجد بلفظه وله شاهد ضعيف بلفظ.
@ "شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به يأكلون من الطعام ألوانا سيأتي بعدكم قوم يأكلون أطايب الدنيا وألوانها وينكحون أجمل النساء وألوانها ويلبسون ألين الثياب وألوانها ويركبون فرة [لعله: فره] الخيل وألوانها" إلخ. ضعيف لم يوجد لنا فيه أصل.
@ "دعوا الدنيا لأهلها من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر" ضعيف.
@ "من أسف على دنيا فاتته اقترب من النار مسيرة سنة" لم يوجد.
@ "ومن أحب الدنيا وسرته ذهب خوف الآخرة من قلبه" لم يوجد إلا بلاغا للحارث "ويل للصائم ويل للقائم ويل لصاحب الصوف إلا فقيل إلا من فقال إلا من تنزهت نفسه عن الدنيا وأبغض المدحة واستحب المذمة" لم يوجد.
@ في الذيل "الدنيا ملعونة وما فيها ملعون إلا المؤمنين وما كان لله تعالى" فيه الطايكاني اختلقه مع أن شيخه كذاب.(/72)
@ في المقاصد "الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له" لأحمد برجال ثقات.
@ "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"
\\ ص 175 \\
لمسلم في المختصر: لمسلم [هكذا في الأصل؟؟]، قال الغزالي الكافر من أعرض عن الله ولم يرد إلا الدنيا والمؤمن منقلع عن الدنيا شديد الحنين إلى الخروج منها.
@ "من آثر الدنيا على الآخرة ابتلاه الله بثلاث هم لا يفارق قلبه وفقر لا يستغني به أبدا وحرص لا يشبع به أبدا" لم يوجد.
@ "من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء وألزم الله قلبه أربع خصال هما لا ينقطع عنه أبدا وشغلا لا يتفرغ منه أبدا وفقرا لا يبلغ غناه أبدا وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا" ضعيف، وفي الوجيز هو حديث حذيفة فيه إسحاق بن بشر كذاب: قلت أخرجه من طريقه الحاكم وصححه ولم ينفرد به وورد عن أنس أيضا بطريقين ضعيفين، وعن ابن مسعود بلفظ "وهمه غير الله".
@ "من أصبح محزونا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه ومن أصبح يشكو مصيبته فإنما يشكو ربه ومن دخل على غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ومن قرأ القرآن فدخل النار فهو ممن اتخذ آيات الله هزوا" أورده عن ابن مسعود بطريقين وعن أنس وأعل الكل بواضع أو مجهول أو رأى العجائب: قلت أخرج البيهقي له شاهدا عن وهب بن منبه وفرقد السبخي قالا قرأنا في التوراة.
@ أنس "ما من أحد غني أو فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتي في الدنيا قوتا" فيه نفيع متروك قلت أخرجه أحمد وابن ماجه ونفيع من رجال الترمذي أيضا، وفي اللآلئ وله شاهد "يا دنيا مري على أوليائي وأحبائي لا تحلولي فتفتنيهم وأكرمي من خدمني واتعبي من خدمك" موضوع وله طريق آخر ومدار الطريقين على الحسين بن داود غير ثقة.
@"إني أوحيت إلى الدنيا أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي كي يحبوا لقائي وتسهلي وتوسعي وتطيبي لأعدائي حتى يكرهوا لقائي خلقتها سجنا لأوليائي وجنة لأعدائي" فيه مجاهيل.
@ الصغاني "يا دنيا اخدمي من خدمني وأتعبي يا دنيا من خدمك" موضوع.
@ في المقاصد "من تواضع لغني لأجل غناه ذهب ثلثا دينه" للبيهقي من قول ابن مسعود "من خضع لغني ووضع نفسه إعظاما له وطمعا فيما قبله ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه" وعنه مرفوعا "من أصبح محزونا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما" إلخ. وللطبراني عن أنس رفعه بمثله، وفي لفظ "ومن تضعضع لغني لينال فضل ما عنده أحبط الله عمله" وهما واهيان جدا حتى أن ابن الجوزي ذكرهما في الموضوعات وكذا من الواهي عن أبي هريرة "من تضعضع لذي سلطان إرادة دنياه أعرض الله عنه" وعنه أيضا "من تضرع لصاحب دنيا وضع بذلك نصف دينه" وعن أبي ذر رفعه "لعن الله فقيرا تواضع لغني" إلخ. نعم عند البيهقي عن وهب قال قرأت في الذيل "هنيئا للمتحابين في الله جنات عدن ومن أحب أن يرافقني فيها فلينصف من نفسه ومن أصبح وأمسى وهمه الدنيا والدرهم مكاثرا حشر مع اليهود والنصارى الذين قالوا وما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا" فيه عمرو بن بكر السكسكي اتهمه ابن حبان.
@ "الفقير على فقره أغير من أحدكم على أهل بيته" حديث رتني.
@ في الوجيز "إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلقي ثوبا" إلخ. فيه صالح بن حبان متروك قلت أخرجه الترمذي وحسنه وغربه وصححه الحاكم قال ابن حجر تساهل الحاكم في تصحيحه: قلت له شاهد عن عائشة، وفي اللآلئ "إن سرك اللحوق بي فلا تخالطن الأغنياء ولا تستبدلي ثوبا حتى ترقعيه" لا يصح صالح متروك: قلت أخرجه الترمذي من طريقه وهو ضعيف لكن لم يتهم بكذب وأخرجه الحاكم وصححه البيهقي والطحاوي في مشكل الآثار.
@ "يا علي اتق الله فإنه من كثر نشبه كثر شغله ومن كثر شغله اشتد حرصه ومن اشتد حرصه كثر همه ومن كثر همه نسي ربه فما ظنك يا علي بمن نسي ربه" هذا حديث تفرد به الصايغ وهو ضعيف عن ضعيف.
@ "أربع من الشقاء جمود العين وقساوة القلب والحرص على الدنيا وطول الأمل" لا يصح فيه واضعان وله طرق لا تخلو عن شيء.
@ عن ابن عمر أو عمر "وكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت في قوم يخبئون رزق سنتهم" موضوع: قلت أخرجه البخاري في صحيحه في رواية حماد بن شاكر قال ابن حجر ليس هو في أكثر الروايات ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم بل ذكره أبو مسعود في الأطراف وقد ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلا عن أبي مسعود، وفي الوجيز ابن عمر "كيف" إلخ. أورده بلا سند قال: قال النسائي موضوع قلت عزاه الديلمي لصحيح البخاري في كتاب الصلاة وقال العراقي ليس هو فيما رأيناه من نسخ البخاري وذكره المزي أنه في رواية حماد عن البخاري ثم وقفت له على إسناد آخر عن ابن عمر.
@ في الذيل "يشيب المؤمن ويشب معه خصلتان الحرص وطول الأمل" باطل وكذب واضح.
@ في المختصر "قلب الشيخ شاب في طلب الدنيا" لم يوجد بلفظه وللشيخين بلفظ "قلب الشيخ شاب على حب اثنين".
@ "يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنتان الأمل وحب المال" متفق عليه.(/73)
@ "لو كان لابن آدم واديان من ذهب" إلخ. متفق عليه.
@ "منهومان لا يشبعان منهوم العلم ومنهوم المال" ضعيف وقال في موضع آخر لم يوجد (1)
(1) قلت له شاهد عند البيهقي في شعب الإيمان والله أعلم. اهـ.
@ "حب المال والشرف ينبتان النفاق" إلخ. لم يوجد بهذا اللفظ.
@ "حسب امرئ من الشر إلا من عصمه الله أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه أو دنياه" ضعيف وروي تفسير في دينه بالبدعة ودنياه بالفسق.
@ "حب الثناء من الناس يعمي ويصم" ضعيف.
@ "لو كان صاحبك حاضرا فرضي الذي قلت فمات على ذلك دخل النار" قاله لمن أثنى على رجل لم يوجد.
@ "قوله لعبد الرحمن "أما أنك أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي وما كدت أن تدخلها إلا حبوا" ضعيف وإن صححه الحاكم.
@ "لما ذكر صلى الله عليه وسلم أن الأغنياء يدخلون الجنة بشارة استئذانه عبد الرحمن أن يخرج من جميع ماله فأذن له فنزل جبريل وقال مره بأن يطعم المساكين ويكسو العاري ويقوي الضعيف" فيه خالد ضعيف.
@ "أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي عبد الرحمن بن عوف" ضعيف.
@ "يدخل صعاليك المهاجرين قبل أغنيائهم الجنة بخمسمائة عام" للترمذي محسنا.
@ "يدخل الأنبياء كلهم قبل داود وسليمان الجنة بأربعين عاما" للطبراني.
@ "يدخل سليمان بعد الأنبياء بأربعين خريفا" منكر، وفي الذيل زاد "بسبب الذي أعطاه الله عز وجل" وفيه غلام خليل وضاع ودينار روى الموضوعات.
@ وحديث عائشة "أن عبد الرحمن يدخل الجنة حبوا" فيه عمارة بن زاذان لا يحتج به، وقال ابن حجر تبعه أغلب بن تهيم ضعيف لكن لم يتهم بكذب، وورد عن جماعة من الصحابة ولا يسلم أجلها عن مقال ولا يبلغ شيء منها درجة الحسن بانفراده.
@ في المختصر "خير الأمة فقراؤها وأسرعها تضجعا في الجنة ضعفاؤها" لم يوجد.
@ "إن لي حرفتين اثنتين فمن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني الفقر والجهاد" لم يوجد.
@ "تحفة المؤمن في الدنيا الموت" حسن.
@ "دخل صلى الله عليه وسلم على رجل فقير ولم ير له شيئا فقال لو قسم نور هذا على أهل الأرض لوسعهم" لم يوجد.
@ "إن الله يحب المتبذل الذي لا يبالي ما لبس" لم يوجد.
@ "من رضي من الله بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل" ضعيف.
@ حديث "ثعلبة بن حاطب في طلب الدعاء بكثرة الأموال ووعده بالإنفاق وإخلافه ما وعد ونفاقه بعده ونزول آية ومنهم من عاهد الله" إلخ. ضعيف.
@ للطبراني حديث "عمران بن حصين في فقر فاطمة بطوله وقوله صلى الله عليه وسلم لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة" لم يوجد وإنما للطبراني وأحمد من حديث معقل بن يسار "أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتي سلما أو أكثرهم علما وأعظمهم حلما" صحيح.
@ "لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون قلة الشيء أحب إليه من كثرته وحتى يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف" معضل ولم يوجد مسندا.
@ "صاحب الدرهم أخف حسابا من صاحب الدرهمين" لم يوجد.
@ في اللآلئ "إن أهل البيت ليقل طعامهم فتنير به بيوتهم" لا يصح.
@ في المقاصد "الفقر فخري وبه أفتخر" قال شيخنا هو باطل موضوع قلت ومن الواهي فيه "الفقر أزين بالمؤمن من العذار الحسن على خد الفرس" وفي الذيل هو منكر.
@ "الغني ستون ألفا فمن لم يملك ستين ألفا فقير" من كتاب العروس.
@ "اتخذوا مع الفقراء أيادي إن الله يعتذر للفقراء يوم القيامة" قال ابن تيمية موضوع وهو كما قال "إن الله نقل لذة طعام الأغنياء إلى طعام الفقراء" موضوع.
@ الصغاني "الفقر فخري" موضوع.
@ الصغاني "الفقر سواد الوجه في الدارين" موضوع.
@ "صاحب القميصين لا يجد حلاوة الإيمان" موضوع، وكذا "الدنيا ساعة فاجعلها طاعة".
@ في المختصر "إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الماء والطين" لأبي داود.
@ "من بنى فوق ما يكفيه كلف أن يحمله يوم القيامة" في سنده لين وانقطاع.
@ "كل نفقة العبد يؤجر عليها إلا ما أنفقه في الماء والطين" لابن ماجه.
@ "كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكن من حر أو برد" حسن.
@ قال للرجل الذي اشتكى إليه ضيق منزله "اتسع في السماء" أي في الجنة في سنده لين:
في المقاصد "من بنى فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة أن يحمله على عاتقه من سبع أرضين" للبيهقي وأبي نعيم عن ابن مسعود روى عن أنس رفعه "إذا بنى الرجل المسلم سبعة أو تسعة أذرع ناداه مناد من السماء أين تذهب يا أفسق الفاسقين" وله شواهد كحديث "يؤجر المرء في كل نفقة إلا ما كان في الماء والطين" وقال لمن رآه يصلح خصاله "قد وهى الأمر أعجل من ذلك".
*2* باب حدود الردة والزنا وولده واللواطة والسرقة والقذف للذمي والعبد وغيرها والشرب وهتك الحرمة والنظر إلى المرأة والمرد.
@ في المختصر "الطابع معلق بقائمة العرش فإذا انتهكت الحرمات واستحلت المحارم أرسل الله الطابع وطبع على قلوب بما فيها" منكر.
@ القزويني حديث المصابيح في الحدود "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" (1) موضوع(/74)
(1) قلت له شواهد خرجه أيضا الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود من حديث عائشة. اهـ والله أعلم أبو عبد الكبير عفا عنه ربه السميع البصير.
@ وفي الوجيز "لا تقتل المرأة إذا ارتدت" فيه عبد الله بن عيسى يضع.
@ وفي اللآلئ لا يصح "المرأة لعبة زوجها فإن استطاع أن يحسن لعبته فليفعل" وقال لا تزنوا فتذهب لذة نسائكم وعفوا تعف نساؤكم إن بني فلان زنوا فزنت نساؤهم" لا يصح قلت له شاهد للحاكم "ما زنى عبد قط فأدمن على الزنا إلا ابتلي في أهله" فيه كذاب.
@ "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم ومن تنصل إليه فلم يقبل فلن يرد على الحوض" فيه كذاب: قلت له طرق "من زنى بيهودية أو نصرانية أحرقه في قبره" قال أبو زرعة باطل موضوع.
@ حديث "أبي شحمة ولد عمر رضي الله عنه وزناه وإقامة عمر عليه الحد وموته" بطوله لا يصح بل وضعه القصاص، والذي ورد ما روي "أن عبد الرحمن الأوسط من أولاد عمر ويكنى أبا شحمة كان غازيا مضى فشرب نبيذا فجاء إلى ابن العاص وقال أقم علي الحد فامتنع فقال إني أخبر أبي إذا قدمت عليه فضربه الحد في داره فكتب إليه عمر يلومه فقال إلا فعلت به ما تفعل بالمسلمين فلما قدم على عمر ضربه واتفق أن مرض فمات".
@ في الذيل "من زنى زني به ولو بحيطان داره" فيه من لا يوثق به.
@ ابن عباس "ما أنفق عبد درهما في زنى إلا تفقد ستمائة درهم لا يعرف لها وجها" فيه عبد الله الدراع كذاب.
@ "ما زنى عبد فأدمن" إلخ. من أباطيل إسحاق الملطي وكذا "عفوا تعف نساؤكم".
@ في اللآلئ "أولاد الزناة يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير" موضوع.
@ "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مرتد أعرابيا بعد هجرة ولا ولد زنا ولا من أتى ذات محرم" لا يصح قلت له طرق ضعاف وفي بعضها "ولا يدخل ولد الزنا ولا شيء من نسله إلى سبعة آباء الجنة" وهو مخالف للأصول لقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، وأمثل ما قيل في معناه أنه لا يدخلها بعمل أبويه إذا مات طفلا إذ قد انقطع نسله من أبيه وأما أمه إن كانت صالحة لكن شؤم زناها يمنع وصول بركة صلاحها إليه بخلاف ولد الرشد فإنه ألحق بهما في درجتهما.
@ الصغاني "يحشر أولاد الزنا في صورة القردة والخنازير" موضوع.
@ في المقاصد "لا يدخل الجنة ولد زانية" زعم ابن طاهر وابن الجوزي أنه موضوع وليس بجيد وفسر على تقدير صحته أنه إذا عمل بمثل عمله وقيل أريد به مواظب الزنا كما يقال للشجعان بنو الحرب.
@ وفي الذيل "لما خلق الله جنة عدن خلق لبنها من ذهب يتلألأ من مسك مروق ثم أمرها فاهتزت فنطقت فقالت أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيوم طوبى لمن قدرت له دخولي قال الله وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا يدخلك مدمن خمر ولا مصر على زنا ولا قتات وهو النمام ولا ديوث وهو الذي لا يغار ولا قلاه وهو الذي يسعى بالناس عند السلطان ليهلك ولا ختال وهو الغدار الذي لا يوفي بعهده" من كتاب ابن الأشعث وضعه.
@ أنس "إذا على الذكرُ الذكرَ اهتز العرش وقالت السماء يا رب مرنا نخضبه وقالت الأرض يا رب مرنا نبتلعه فقال دعوه فإن طريقه علي ووقوفه بين يدي" هذا المتن موضوع.
@ في اللآلئ "اللوطي إذا مات ولم يتب مسخ في قبره خنزيرا" لا يصح.
@ "من أتى في الدبر سبع مرات حول الله شهوته من قبله إلى دبره" موضوع.
@ "لا أمرد أقل حياء من أمرد أمكن من دبره" لا يصح.
@ "من قبل غلاما بشهوة لعنه الله فإن صافحه بشهوة لم يقبل منه صلاته فإن عانقه بشهوة ضرب بسياط من نار يوم القيامة فإن فسق به أدخله الله النار" موضوع.
@ "اللص محارب لله ولرسوله فاقتلوه فما أصابكم من إثم فعلي" موضوع.
@ "من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار" فيه من يضع.
@ "إن الله أخر حد المماليك وأهل الذمة إلى يوم القيامة" منكر.
@ "من شرب فقد أشرك" فيه متروك.
@ في الذيل أبو هريرة "من نظر إلى امرأة فأعجبته فرفع رأسه إلى السماء لم يرجع بصره إليه حتى يغفر الله له" فيه هارون كذاب.
@ "من نظر إلى عورة أخيه المسلم متعمدا لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما" فيه هارون المذكور.
@ أبو هريرة "لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن فتنتهم أشد من فتنة العذارى" وروي "لا تملئوا أعينكم من أبناء الملوك فإن لهم فتنة أشد" إلخ. موضوع كذا قال ابن عدي والبيهقي.
@ أنس "لا تجالسوا أبناء الملوك فإن الأنفس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق" فيه عمرو بن الأزهر كذاب وهذا الحديث من مناكيره.
@ عن ابن عمر "ما من رجل يدخل بصره في منزل قوم إلا قال الملك الموكل به أف لك آذيت وعصيت وإلا توقد نار عليه إلى يوم القيامة" إلخ. فيه أبان بن سفيان متهم روى أشياء موضوعة عن سمرة.(/75)
@ "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس وفيه غلام ظاهر الوضاءة فأجلسهم النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره وقال كان خطيئة داود النظر" لا أصل له، وقال الزركشي هو منكر فيه ضعفاء ومجاهيل وانقطاع وقد استدل على بطلانه بحديث "إني أراكم من وراء ظهري" وفي نسخة نبيط "إنما أتي أخي داود من النظر".
@ "لا تستشيروا أهل العشق فليس لهم رأي فيما أن قلوبهم محترقة وقلوبهم متواصلة وعقولهم مسلولة" فيه دينار يروي عن أني موضوعات.
@ "من ملأ عينيه من الحرام ملأ الله عينيه من جمر ومن زنى بامرأة حراما" إلخ. لم أقف له على أصل والله أعلم.
*2* باب الإمام العادل والظالم وتأييد الدين به والدعوة له وعليه وقوله صلى الله عليه وسلم ولا تجعل لي يدا عند فاجر وشؤم الإيذاء لمسلم أو ذمي فالمؤمن أعظم حرمة من الكعبة والظلم والرشوة والشرطي والعشار والفراعنة والبغاة وأن الذنب سبب مساءة الأئمة.
@ في المقاصد "إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض" للديلمي وغيره.
@ "الظالم عدل الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه" عن جابر رفعه.
@ "إن الله تعالى يقول أنتقم ممن أبغض بمن أبغض ثم أصير كلا إلى النار" ومثله وكذلك (نولي بعض الظالمين بعضا) الآية وقرأت بخط شيخنا لا أستحضر هذا الحديث ومعناه دائر على الألسنة وسبقه الزركشي فقال لم أجده.
@ "كما تكونوا يولى عليكم أو يؤمر عليكم" في سنده انقطاع وواضع هو يحيا بن هاشم وله طريق فيه مجاهيل، وعند الطبراني في معناه من طريق عمر وكعب والحسن "الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم" من قول عمر رضي الله عنه "الناس على دين ملوكهم" لا أعرفه حديثا وهو قريب مما قبله ويتأيد بما للطبراني مرفوعا "إن لكل زمان ملكا يبعثه الله على نحو قلوب أهله فإذا أراد إصلاحهم بعث إليهم مصلحا وإذا أراد هلكتهم بعث فيهم مترفيهم".
@ في الوجيز "إذا أراد الله أن يخلق خلقا للخلافة مسح ناصيته بيمينه" أورده عن أبي هريرة وأنس وكعب وأعل الكل قلت أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بسند رواته هاشميون.
@ في الذيل عقبة بن عامر رفعه "قال الله تعالى لأيوب تدري ما كان جرمك إلي حتى ابتليتك قال يا رب؟ قال لأنك دخلت على فرعون فأدهنت بكلمتين" فيه الكديمي متهم.
@ "شر البقاع دور الأمراء الذين لا يقضون بالحق" من نسخة محمد بن الأشعث.
@ "سيكون في آخر الزمان أمراء جورة فمن خاف سخطهم وسيفهم وسوطهم فلا يأمرهم ولا ينهاهم" فيه إسماعيل كذاب.
@ عن أنس "كيف بكم إذا كان زمان يكون الأمير فيه كالأسد الأسود والحاكم فيه كالذئب الأمعط والتاجر كالكلب الهرار والمؤمن الضعيف ما بينهم كالشاة الولهى بين الغنمين ليس لهم مأوى ثم قال صلى الله عليه وسلم كيف يكون حال الشاة بين أسد وذئب وكلب كل يخبط فيها إلى نفسه قالوا يا رسول الله فما تأمر من أدرك ذلك الزمان منا أن يفعل قال أيسر الناس في ذلك الزمان رجل انتهز دينه بنواجذه يفر بدينه من حالق إلى حالق فرار الثعلب بأشباله حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين" الخطيب هو منكر وفي الميزان باطل.
@ "لا تتمنوا هلاك شبابكم وإن كان فيهم عرام فإنه على ما كان فيهم إما أن يتوبوا فيتوب الله عليهم وإما أن ترديهم الآفات وإما عدو فيقتلوه وإما حريق فيطفئوه وإما ماء فيسدوه" فيه حصين بن مخارق يضع.
@ "يا أبا هريرة لا تلعن الولاة فإن الله أدخل أمة جهنم بلعنهم ولاتهم" فيه ميسرة وضاع.
@ في اللآلئ "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه" من قول الحسن البصري نعم في المرفوع بسند ضعيف.
@ "إن الله يغضب إذا مدح الفاسق" وروي مرفوعا "من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام" وأسانيده ضعيف بل قال ابن الجوزي كلها موضوعة.
@ وفي المختصر "من دعا لظالم" إلخ. لم نجده من قول الحسن "إن الله ليغضب" إلخ. لجماعة.
@ "اللهم لا تجعل لفاجر عندي يدا فيحبه قلبي" لابن مردويه والديلمي وأبي موسى والكل ضعيف.
@ "أقرب الناس مني مجلسا يوم القيامة إمام عادل" ضعيف.
@ "إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة" مرسلا.
@ "إن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافئه ثم بقي للظالم عنده فضلة يوم القيامة" لم يوجد.
@ في اللآلئ "يستجيب للمظلومين ما لم يكونوا أكثر من الظالمين فإذا كانوا أكثر منهم فيدعون فلا يستجاب لهم" فيه إبراهيم يضع.
@ في المقاصد "من دعا على من ظلم فقد انتصر" للترمذي وغيره عن عائشة رفعته.
@ "من أعن ظالما سلطه الله عليه" فيه أبو زكريا متهم بالوضع.
@ "اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصرا غير الله" فيه كذاب.
@ "لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون على الله من قتل المسلم" لم أقف عليه ولكن معناه مرفوع بلفظ "من آذى مسلما بغير حق فكأنما هدم بيت الله" ونحوه وروى غير واحد من الصحابة "إنه نظر إلى الكعبة فقال لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك لو بغي جبل على جبل لدك الباغي" روي موقوفا عن ابن عباس ومرفوعا والموقوف أصح.(/76)
@ "قوام أمتي بشرارها" في سنده مجهولان وله تابع ويتأيد بحديث "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".
@ في المختصر "ما وقى به المرء عرضه فهو له صدقة" ضعيف.
@ "يأتي على الناس زمان يستحل فيه السحت بالهدية" إلخ. لا أصل له.
@ "يقال للشرطي دع شرطك وادخل النار" ضعيف.
@ وفي الوجيز ابن عباس "يقال للجلواز يوم القيامة ضع سوطك وادخل النار" فيه السدي الصغير كذاب قلت صح من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ "يقال لرجال يوم القيامة اطرحوا سياطكم وادخلوا جهنم".
@ أبو هريرة "إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر" فيه أفلح بن سعيد يروي عن الثقات الموضوعات: قلت قال ابن حجر هو في صحيح مسلم وهذه غفلة شديدة من ابن الجوزي وأفلح ثقة، وفي اللآلئ قال ابن حبان هو باطل قلت بل صحيح أي صحيح في صحيح مسلم وله شاهد.
@ "دخلت الجنة فرأيت فيها ذئبا فقلت أذئب في الجنة فقال إني أكلت ابن شرطي" قال ابن عباس هذا قد أكل ابنه فلو أكله رفع في عليين" باطل.
@ "الجلاوزة والشرط وأعوان الظلمة كلاب النار" لا يصح محمد بن مسلم ضعفه أحمد جدا قلت وثقه ابن معين وغيره وروى له مسلم والأربعة والله أعلم.
@ "الفراعنة اثنا عشر خمسة في الأمم وسبعة في أمتي وما بين فرعون أمتي وفرعون ذي الأوتاد واحد وذلك أن فرعون ذا الأوتاد قال أنا ربكم الأعلى قيل يا رسول الله فمن يكون ذلك من فراعنة أمتك قال كل سافك دم قاطع رحم جامع في المعاصي لا يبالي ما صنع" وضعه جعفر بن أحمد.
@ "من آذى ذميا كنت خصمه يوم القيامة" عن أحمد أنه موضوع وقال العراقي له طرق.
@ "هذا سهيل كان عشارا من عشار اليمن يظلمهم فمسخه الله شهابا فجعله حيث ترون" لا يصح قلت ضعيف لا موضوع.
@ "إذا لقيتم عشارا فاقتلوه" موضوع قلت أخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة ذاهب الحديث، وفي الوجيز أورده بلا إسناد وقال فيه مجاهل قلت أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في تاريخه والطبراني بسند رجاله معروفون وفيه ابن لهيعة وهو من رجال مسلم في المتابعات والصواب أنه حسن الحديث.
@ في المقاصد "لا يدخل الجنة صاحب مكس يعني العشار" لأبي داود وأحمد وغيرهما وصححه ابن خزيمة والحاكم.
@ "يأتي على الناس زمان هم فيه ذئاب فمن لم يكن ذئبا أكلته الذئاب" للطبراني في الأوسط عن أحمد: علي الأبار مرفوعا.
*2* باب ذم القضاة والشهود والحلف.
@ في المقاصد "القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة قاض قضى بغير حق وهو يعلم فذلك في النار وقاض قضى وهو لا يعلم فأهلك حقوق الناس فذلك في النار وقاض قضى بحق فذلك في الجنة" في السنن وصححه الحاكم وغيره.
@ "من أراد أن يستحلف أخاه وهو يعلم أنه كاذب فأجل الله أن يحلفه وجبت له الجنة" لأبي الشيخ عن رافع رفعه:
وفي الباب عن ابن عباس "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" ليس له أصل كما قال العراقي في تخريج البيضاوي.
@ "أكرموا الشهود فإن الله يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم" غير محفوظ بل صرح الصغاني بأنه موضوع ولم يستدركه العراقي.
@ الصغاني "العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين" موضوع.
@ في المختصر "من استقضى فقد ذبح بغير سكين" صحيح.
@ "إنما أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر" لم يوجد.
@ في اللآلئ "شكت مواضع النواميس إلى الله تعالى وبقاع الأرض فقالت يا رب لم تخلق بقعة أقذر مني ولا أنتن يلقى على أهل نارك وأهل معصيتك قال الجبار تبارك وتعالى اسكتي فموضع القضاة أنتن منك" موضوع.
@ في الذيل عن أبي هريرة "عج حجر إلى الله تعالى فقال إلهي وسيدي عبدتك كذا كذا سنة ثم جعلتني في رأس كنيف فقال أما ترضى أن عدلت بك عن مجالس القضاة" حديث منكر.
*2* باب القصاص والاستقادة من النبي صلى الله عليه وسلم.
@ في اللآلئ "كان صلى الله عليه وسلم يقسم فأكب الرجل عليه فطعنه بعرجون فجرحه فقال تعال فاستقد فقال بل عفوت" وروي "أنه رأى رجل متحلقا فطعنه بقدح ثم قال ألم أنهكم عن مثله فقال إن الله بعثك بالحق وإنك قد عقرتني فألقى إليه القدح وقال استقد فقال إنك طعنتني وليس علي ثوب فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقبله الرجل" سنده منقطع وآخر ضعيف، وروي عن أسيد بن حضير كان رجلا ضاحكا فبينما هو يحدث القوم يضحكهم طعن صلى الله عليه وسلم بإصبعه في خاصرته فقال أوجعتني قال فاقتص قال إن عليك قميصا فرفع قميصه قال فاحتضنه ثم جعل يقبل كشحه وقال أردت هذا" قال الذهبي إسناده قوي.
*2* باب اللعب بالشطرنج والكعاب وبصورة البنت.
@ في المختصر حديث عائشة "كنت ألعب بالبنات وكانت تأتيني صواحب لي" في الصحيحين ولأبي داود "أنه صلى الله عليه وسلم قال لها يوما ما هذا قالت بناتي" وهو محمول على عادة الصبيان من غير تكميل صورة.
@ في اللآلئ "خير لهو المؤمن السباحة وخير لهو المرأة المغزل" لا يصح قلت للشطر الأخير شاهد.
@ في المقاصد "من لعب الشطرنج فهو ملعون" بل لم يثبت من هذا الباب شيء.(/77)
@ "نهى عن اللهو كله حتى لعب الصبيان كله بالكعاب" موضوع.
@ "كل ما نهى الله عنه كبيرة حتى لعب الصبيان بالقمار" موضوع.
@ "التراب ربيع الصبيان" قال الخطيب لا يصح.
@ في الذيل "نهى عن اللعب كله حتى" إلخ. من أباطيل الملطي.
@ "اللاعب بالشطرنج كالآكل لحم الخنزير" فيه من له موضوعات.
@ عن أنس "من لعب بالشطرنج فقد قارف شركا ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء" إلخ. الآية فيه أبو عصمة الكذاب.
*2* باب الأخلاق المحمودة كالنية والتوبة عن الذنب وأن العمل بها نافع سيما للمقربين عند الحسنات والتقوى سيما من الشاب عن مواضع التهم والشبهات والتثبت والتفكر والخوف والتوسط في الأمور والعبادة والإخلاص والصبر والرضا على القدر والتوكل فالعز مقسوم وللآنية آجال والزهد والحدة والحلم والشفقة وشكر النعم والتواضع وحسن العمل مع طول العمر.
@ في الذيل "لاقوني بنياتكم ولا تلاقوني بأعمالكم" قال ابن تيمية موضوع.
@ في المختصر "نية المؤمن خير من عمله" ضعيف.
@ في المقاصد "نية المؤمن أبلغ من عمله" قال ابن دحية لا يصح والبيهقي إسناده ضعيف، وله شواهد منها "نية المؤمن خير من عمله وعمل المنافق خير من نيته فإذا عمل المؤمن عملا نار في قلبه نور" وفي بعضها بزيادة "وإن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته ما يعطيه على عمله وذلك أن النية لا رياء فيها والعمل يخالطه الرياء" وهو إن كانت ضعيفة فبمجموعها يتقوى الحديث.
@ "المؤمن واه راقع وسعيد من هلك على رقعته" للبيهقي وغيره مرفوعا يريد أنه يخرق دينه ثم يرقعه بالتوبة.
@ "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" رجاله ثقات بل حسنه شيخنا يعني لشواهده وإلا ففيه انقطاع وزيد في بعضه "والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه".
@ "حسنات الأبرار سيئات المقربين" هو من كلام أبي سعيد الحزار رواه ابن عساكر في ترجمته.
@ "من خاف الله خوف منه كل شيء" في الباب عن جماعة يقوي بعضها بعضا.
@ في الذيل "من ترك معصية مخافة من الله رضاه الله" من النسخة المكذوبة لداود بن سليمان.
@ "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من يعصى" فيه العكاشي يضع.
@ حدثني "جبريل وهو يبكي قال يا محمد لن يصعد الملائكة من الأرض إلى الله بأفضل من بكاء العبيد ونوحهم على أنفسهم بالأسحار" فيه أبو عصمة نوح بن نصر في حديثه نكارة.
@ "إن الله تعالى يحب البصير الناقد عند ورد الشبهات" ضعيف.
@ "أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع وسيأتي عليكم زمان خيركم فيه المتثبت" لم يوجد.
@ "تفكر ساعة خير من عبادة سنة" لابن حبان "ستين سنة" وذكر أبو الفرج في الموضوعات والديلمي "ثمانين سنة" ضعيف جدا لأبي الشيخ "خير من قيام ليلة اللآلئ "فكر ساعة خير من عبادة ستين سنة فيه كذابان وضعه أحدهما:
قلت اقتصر العراقي على تضعيفه وله شاهد عن أنس موقوفا بلفظ "تفكر ساعة في اختلاف الليل والنهار خير من عبادة ألف سنة"، وفي الوجيز "فكر ساعة خير من ستين سنة" فيه كذابان وضعه أحدهما قلت اقتصر العراقي على تضعيفه وله شاهد عن أنس موقوفا بلفظ "تفكر ساعة باختلاف الليل والنهار خير من عبادة ألف سنة" وفي الوجيز "فكر ساعة خير من تفكر ستين سنة" فيه عثمان بن عبد الله عن إسحاق بن نجيح كذابان: قلت له شواهد عن أنس رفعه بلفظ "ثمانين سنة" وبلفظ "من قيام ليلة".
@ في المختصر "خير الأمور أوساطها" للبيهقي معضلا قال وفي موضع مرسلا.
@ في المقاصد "روحوا القلوب ساعة فساعة" للديلمي مرفوعا ويشهد له ما في مسلم "يا حنظلة ساعة وساعة".
@ في المختصر "لا يكون أحدكم كالأجير السوء لم يعط أجرا لم يعمل ولا كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل" لم يوجد.
@ "لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى ينظر إلى الناس كالأباعر في جنب الله تعالى ثم يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حاقر" لم يوجد (1)
(1) هذه الرواية ذكرها الإمام السهروردي في العوارف من غير سند لم يوجد لها سند كما قاله المصنف إلا أنها صحيحة المعنى ولها أصل أصيل في الشرع والله أعلم. اهـ.
@ "إن العبد لينشر له من الثناء ما بين المشرق والمغرب وما يزن عند الله جناح بعوضة" لم يوجد لكن في الصحيحين معناه.
@ "الصبر كنز من كنوز الجنة" لم يوجد.
@ "لو كان الصبر رجلا لكان كريما والله يحب الصابرين" ضعيف.
@ "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد" ضعيف.
@ "من إجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك" لم يوجد وله شاهد عن بعض الفقهاء "قدرت المقادير ودبرت التدابير وأحكمت الصنع فمن رضي فله الرضا مني حتى يلقاني ومن سخط فله السخط مني حتى يلقاني" لم يوجد بلفظه "إني أنا الله لا إله إلا أنا من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي ولم يشكر لنعمائي فليتخذ ربا سواي" ضعيف، وفي الذيل بلفظ "إني أنا الله لا إله إلا أنا خالق الخير والشر فمن آمن بي ولم يؤمن بالقدر خيره وشره فليلتمس ربا غيري فلست له برب" فيه محمد بن عكاشة كذاب واضع.(/78)
@ "إن أول شيء كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم إني أنا الله لا إله إلا أنا لا شريك لي إنه من استسلم لقضائي وصبر على بلائي ورضي بحكمي كتبته صديقا وبعثته يوم القيامة مع الصديقين" من نسخة ابن الأشعث.
@ "قال الله عز وجل يا عبادي انظروا إلى الدهور هل انقطع إلي أحد فلم أعزه أو توكل علي فلم أكفه" فيه الفضل بن محمد كذاب والنقاش متهم.
@ "الرزق يأتي العبد في أي سيرة سار لا تقوى متق بزائدة ولا فجور فاجر بناقصة بينه وبين العبد ستر والرزق طالبه" موضوع.
@ الصغاني "أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يعلم" موضوع: اللآلئ هو بعض حديث طويل ذي طرق تدل على خروجه عن حد الوضع، وفي المقاصد إسناده ضعيف جدا ولكن معناه صحيح "ومن يتق الله يجعل له" الآية، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات واستضعفه البيهقي قال وإن صح فمعناه "أبى الله أن يجعل جميع أرزاقهم من حيث يحتسبون كمن يصيب معدنا أو ركازا أو إرثا أو يعطي من غير إسراف نفسه وسؤال".
@ "لن يغلب عسر يسرين" عن الحسن مرسلا رفعه وروي عن جابر موصولا لكن بسند ضعيف، وفي الباب عن ابن عباس من قوله وعن ابن مسعود موقوفا وعنه معناه مرفوعا "العز مقسوم وطلب العز غموم" وآخران في نسخة سمعان عن الهندي عن أنس رفعه ولا يصح لفظه "لا تغضبوا في كسر الآنية فإن لها آجالا كآجال البهائم" سنده ضعيف قلت له شواهد.
@ الصغاني "من كنز البر كتمان المصائب" موضوع.
@ "في المختصر "الزهد والورع يجولان في القلب كل ليلة فإن صادفا قلبا فيه الإيمان والحياء أقاما فيه وإلا ارتحلا" لم يوجد.
@ "خير أمتي أحداؤها" وروي بزيادة "الذين إذا غضبوا رجعوا" ضعيف.
@ في المقاصد "الحدة تعتري خيار أمتي" فيه سلام بن سالم متروك وذكر له طرقا واختلاف ألفاظ وأورده الغزالي بلفظ "المؤمن سريع الغضب سريع الرضا" وقال مخرجه أنه لم يجده هكذا.
@ "إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم وأنه ليكتب جبارا عنيدا وما يملك إلا أهل بيته" ضعيف.
@ "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" متفق عليه.
@ "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" حسن صحيح.
@ "من لانت كلمته وجبت محبته" من قول علي رضي الله عنه.
@ "طوبى لمن طال عمره وحسن عمله" ضعيف.
@ في الذيل "الأكل مع الخادم من التواضع ومن أكل معه اشتاقت إليه الجنة" من كتاب العروس الواهي الأسانيد وكذا منكر الأسانيد "المشي مع العصاة من التواضع ويكتب له بكل خطوة ألف حسنة ويرفع له ألف درجة".
@ في المختصر "إذا تواضع العبد لله رفعه الله إلى السماء السابعة" ضعيف.
@ "إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرحمكم الله" ضعيف.
@ "كان صلى الله عليه وسلم يطعم فجاءه رجل أسود به جدري فجعل لا يجلس إلى أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم بجنبه" لم يوجد وإنما الموجود أكله مع مجذوم.
@ "إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم فإن ذلك مذلة وصغار" غريب، وقال يحيى التكبر على ذي التكبر عليك بما له تواضع.
@ "الشؤم سوء الخلق" لا يصح.
@ "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة" ضعيف.
@ "ما من شيء إلا له توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه".
*2* باب خرقة الصوفية والأربعينات والمجاهدة.
@ في المختصر "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" ضعيف.
@ "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك" فيه وضاع.
@ "أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس" لم يوجد مرفوعا.
@ "من زهد في الدنيا أدخل الله الحكمة في قلبه فأنطق بها لسانه وعرفه داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام" لم يوجد إلا ما روى أبو موسى "من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" ولأبي الشيخ "من أخلص لله" وكلها ضعيفة.
@ "ما من عبد يخلص لله أربعين صباحا إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" ضعيف أو موضوع "من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه" لأبي نعيم بلفظ "من أخلص لله أربعين" إلخ. قال ابن عدي منكر، وقال الصغاني موضوع، وفي المقاصد "من أخلص لله أربعين يوما ظهرت" إلخ. بسند ضعيف عن أبي أيوب رفعه وله شاهد عن أنس بل رواه القضاعي عن ابن عباس رفعه وفي آخره قال وأظنه القضاعي كأنه يريد به من يحضر العشاء والفجر في جماعة قال "ومن حضرها أربعين يوما يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق" وهذه الجملة رويت عن أنس، ولابن عدي وابن الجوزي في الموضوعات عن أبي موسى رفعه "ما من عبد يخلص لله أربعين" إلخ.، وفي اللآلئ له طرق ليس فيها من أنكر لكنها مراسيل واقتصر العراقي على تضعيفه، وفي الوجيز هو عن أبي أيوب وابن عباس وأبي موسى ولا تخلو طرقه عن مجهولين ومتروك: قلت ما فيهم متهم(/79)
@ "شحمه ولحمه بقلة الطعام والتفكر فإن من قلة الطعام حضور الملائكة وكثرة التفكر فيما عند الله عز وجل" فيه كذاب.
@ "لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ثم كان الاثنان أحب إليكم من الواحد لم تبلغوا الاستقامة" هو خبر باطل.
@ "من جاع يوما واجتنب المحارم أطعمه الله من ثمار الجنة" اختلقه الطايكاني.
@ "ذرة من أعمال الباطن خير من الجبال الرواسي من أعمال الظاهر" حديث رتني.
@ في المقاصد "لبس الحسن البصري من علي رضي الله عنه" قال ابن دحية وابن الصلاح أنه باطل وكذا قال شيخنا أنه ليس في شيء من طرقها ما يثبت ولم يرد في خبر صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس الخرقة على الصورة المتعارفة بين الصوفية لأحد من الصحابة ولا أمر أحدا من أصحابه أن يفعل ذلك وكل ما يروى في ذلك تصريحا فهو باطل ثم قال من الكذب المفترى قول من قال أن عليا ألبس الخرقة الحسن البصري فإن أئمة الحديث لم يثبتوا للحسن من علي سماعا فضلا عن أن يلبسه الخرقة ولم ينفرد به شيخنا بل سبقه إليه جماعة ممن لبسها وألبسها كالدمياطي والذهبي والهكاري وأبي حبان والعلائي ومغلطائي والعراقي وابن الملقن والأنباسي والبرهان والحلبي وابن ناصر الدين وتكلم عليها في جزء مفرد هذا مع إلباسه إياها لجماعة من الأعيان المتصوفة امتثالا لإلزامهم لي بذلك حتى تجاه الكعبة تبركا بذكر الصالحين واقتفاء بمن أثبته من الحفاظ.
*2* باب فضل الأولياء والأبدال والتشبه بهم وخواصهم وأصنافهم كخاتم الأولياء.
@ القزويني: حديث المصابيح في الملاحم "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" موضوع (1)
(1) فيه نظر إذ خرجه الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائي والبخاري ومسلم في الصحيحين.
@ في المقاصد "من تشبه بقوم فهو منهم" لأبي داود وغيره وسنده ضعيف ولكن له شاهد.
@ وفي الذيل "لا يشبه الزي الزي حتى يشبه الخلق الخلق ومن تشبه بقوم فهو منهم" فيه حفص بن سالم مكذب دجال.
@ علي رفعه "إذا ألف القلب الإعراض عن الله تعالى ابتلاه الله تعالى بالوقيعة في الصالحين" منكر قيل كتبناه عن بعض الصوفية وأما رفعه فلا أصل له قال والذي هو كما قال.
@ "ذكر الأنبياء من العبادة وذكر الصالحين كفارة للذنوب وذكر الموت صدقة وذكر النار من الجهاد" إلخ. من كتاب العروس أحاديثه منكرة.
@ في المختصر "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" قال شيخنا وشيخه العراقي في تخريج الإحياء لا أصل له في المرفوع وإنما هو قول ابن عيينة كذا ذكره ابن الجوزي.
@ "إذا أحب الله عبد ا ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه" للديلمي بلا سند.
@ "إذا أحب الله عبدا ابتلاه وإذا أحبه الحب البالغ اقتناه قيل وما اقتناه قال لم يترك له أهلا ولا مالا" للطبراني، وفي الوجيز فيه محمد بن زياد وليس بشيء واليمان نسبه أحمد إلى الوضع قلت له طريق للطبراني سواه رجاله موثوقون سوى شيخ الطبراني وله شواهد بأسانيد جيدة، وفي اللآلئ لا يصح لما مر قلت محمد وثقه أحمد وغيره وأخرج له البخاري في صحيحه والأربعة وما علمت فيه سوى قول الحاكم أنه شيعي واليمان مختلف فيه.
@ "إذا أحب الله عبدا اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد" موضوع.(/80)
@ عن أنس "خيار أمتي في كل قرن خمسمائة والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله من الخمس مائة مكانه وأدخل من الأربعين مكانهم قالوا يا رسول الله دلنا على أعمالهم قال يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواسون فيما آتاهم الله" لا يصح فيه من لا يعرف، وعن أبي هريرة "لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن بهم يعافون وبهم يرزقون وبهم يمطرون" وفيه واضع وضعيف، وعن عبد الله "إن لله تعالى في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة" إلخ. وفيه "فيهم يحيي ويميت ويمطر ويدفع البلاء" قال ابن مسعود "لأنهم يسألون الله تعالى إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصرون ويستسقون فيسقون ويسألون فينبت لهم الأرض ويدعون فيرفع بهم أنواع البلاء" فيه مجاهيل، وعن أنس "البدلاء أربعون اثنان وعشرون بالشام وثمانية عشر بالعراق كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة" فيه العلاء روى عن أنس نسخة موضوعة: عن أنس بطريق آخر "الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة كلما مات" إلخ. فيه مجاهيل قلت للحديث طرق عديدة عن أنس وابن مسعود وابن عمر وعبادة وسندها حسن وعن عوف بن مالك ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي هريرة وأم سلمة وغيرهم مرفوعا سندا وموقوفا جمعت كلها في تأليف، وفي الوجيز حديث الأبدال أورده عن ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وأنس والكل لا تخلو عن مجهول وضعيف وواضع قلت هو صحيح وإن شئت قلت متواتر فيه آثار كثيرة متواترة بحيث يقطع بوجود الأبدال ضرورة، وفي المقاصد حديث الأبدال له طرق عن أنس بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة ومما يقوي الحديث ويدل لانتشاره بين الأئمة قول الشافعي والبخاري وغيرهما من النقاد فلان من الأبدال، وقول بعضهم علامة الأبدال أن لا يولد لهم وقول يزيد بن هارون هم أهل العلم وقول أحمد إن لم يكونوا أصحاب الحديث فمن هم، وفي تاريخ بغداد للخطيب عن الكتاني النقباء ثلاثة والنجباء سبعون والبدلاء أربعون والأخيار سبعة والعمد أربعة والغوث واحد فمسكن النقباء المغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن الأبدال الشام والأخيار سياحون في الأرض والعمد في زوايا الأرض ومسكن الغوث مكة فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيه النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد فإذا أجيبوا وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته وفي فضل الحق بآخر كتاب الثبات عند الممات لابن الجوزي: لفظ خاتم الأولياء باطل لا أصل له فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من الصحابة وخيرهم أبو بكر ثم عمر وخير قرونها القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن بقي من الناس وليس هو خير الأولياء ولا أفضلهم بل خيرهم أبو بكر ثم عمر.
*2* باب فراستهم وكرامتهم والفراسة بالعيون في الأعضاء وبالخصي.
@ خلاصة "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" موضوع عند الصغاني: في المقاصد طرقه كلها مع اختلاف ألفاظه وفي بعضها ما هو متماسك لا يليق معه الحكم بوضعه سيما ولجماعة بسند حسن.
@ "عن أنس رفعه "إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم" قيل وهو المراد من (إن في ذلك لآية للمتوسمين).
@ "المؤمن ينظر بنور الله الذي خلق منه" للديلمي عن ابن عباس رفعه، وفي اللآلئ "اتقوا فراسة المؤمن" إلخ. لا يصح قلت حسن صحيح فإن الضعفاء في طرقه متبوعون وبعض طرقه سالم عنهم مع أن له شاهدا عن أنس "إن لله عبادا" ومثله في الوجيز.
@ في المقاصد "احذروا صفر الوجوه" عن ابن عباس رفعه "فإنه إن لم يكن من علة أو سهر فإنه من غل المسلمين" ومثله روي عن أنس مرفوعا بلا سند قال شيخنا أنه لم يقف له على سند قلت أسنده أبو نعيم.
@ "إياك والأشقر الأزرق فإنه من تحت قرنه إلى قدمه مكر وخديعة وغدر" ذكره الديلمي عن ابن عمر مرفوعا ولم يسنده ولده واشترى للشافعي طيب من أشقر كوسج فرده قال ما جاءني خير من أشقر وقال احذر الأعور والأحول والأحدب والأشقر والكوس وكل من به عاهة في بدنه وكل ناقص الخلق فاحذره فإنه صاحب التواء ومعاملتهم عسرة وأنهم أصحاب خبث قال ابن أبي حاتم هذا فيمن ولد كذلك وأما من حدثت له هذه العلل فلا تضره مخالطة.
@ "لو علم الله في الخصيان خيرا لأخرج من أصلابهم ذرية توحد الله ولكنه علم أن لا خير فيهم فأجبهم" لا يصح وكذا كل ما ورد من هؤلاء من مدح أو قدح باطل لكن قال الشافعي أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصي وتقوى جندي وأمانة امرأة وعبادة صبي وهو محمول على الغالب.(/81)
*2* باب السماع والشوق من الأبرار.
@ في المختصر "طال شوق الأبرار إلى لقائي" لم يوجد.
@ "كلميني يا عائشة قال لا تشغليه عن عظيم احتراقه بالحب" لا أصل له.
@ "ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت" للترمذي في الشمائل.
@ "وكان نبيكم حسن الوجه حسن الصوت" وفي الغيلانيات وتفسير ابن مردويه والكل ضعيف.
@ "كان داود حسن الصوت في النياحة على نفسه وفي تلاوته الزبور حتى كان يجتمع الأنس والجن والوحش والطير لسماع صوته وكان يحمل من مجلسه أربعمائة جنازة وما يقرب من ذلك في الأوقات" لم يوجد.
@ حديث إنشاد الشعر عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم
طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع
للبيهقي معضلا دون ذكر الدف والألحان.
@ "ما رفع أحد عقيرته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك" لابن أبي الدنيا والطبراني ضعيف.
@ في المقاصد "الغناء واللهم ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب" للديلمي مرفوعا بزيادة "والذي نفسي بيده إن القرآن والذكر لينبتان الإيمان في القلب كما ينبت الماء العشب" ولا يصح كما قال النووي.
@ "لسعت حية الهوى كبدي" إلخ. البيتين قال ابن تيمية ما اشتهر أن أبا محذورة أنشده بين يديه وأنه تواجد حتى وقعت البردة الشريفة عن كتفيه فتقاسمها فقراء الصفة وجعلوها رقعا في ثيابهم كذب باتفاق أهل العلم بالحديث وما روي فيه موضوع.
@ "لعن الله المغني والمغنى له" قال النووي أنه لا يصح.
@ في اللآلئ "سمع صلى الله عليه وسلم رجلا يتغنى من الليل فقال لا صلاة له حتى مثلها ثلاث مرات" لا يصح.
@ وعنه صلى الله عليه وسلم "مر بحسان بن ثابت وقد رش فناء أطمه وجلس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سماطين وجارية يقال لها سيرين معها مزهرها يختلف به بين القوم وهي تغنيهم فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم ولم ينهاهم فانتهى إليها وهي تقول في غنائها هل على ويحكم إن لهوت من حرج فضحك صلى الله عليه وسلم وقال لا حرج إن شاء الله تعالى" تفرد به أبو أويس عن حسين المتفرد عن عكرمة وحسين متروك أبو أويس ضعيف قلت أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن أبي أويس قال ابن حجر ورواه ابن وهب عن أبي أويس والله أعلم.
@ عن عائشة "كانت عندي امرأة تسمعني فدخل صلى الله عليه وسلم وهي على تلك ثم دخل عمر ففرت فضحك صلى الله عليه وسلم فقال ما يضحكك يا رسول الله فحدثه فقال والله لا أخرج حتى أسمع ما سمع صلى الله عليه وسلم فأسمعته" قال الخطيب فيه من هو ساقط الرواية واهي الحديث باطل.
@ وفي الوجيز "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع رجلين يغنيان فقال اللهم أركسهما في الفتنة ركسا أو دعهما إلى النار" فيه يزيد بن أبي زياد كان يلقن فيتلقن قلت هذا لا يقتضي الوضع وقد أخرجه أحمد وله شاهد عن ابن عباس، وفي الذيل للديلمي عن أنس "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزل جبريل عليه السلام فقال يا رسول الله إن فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام" وهو نصف يوم ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفيكم من ينشدنا فقال بدوي نعم يا رسول الله فقال هات هات فأنشد البدوي:
قد لسعت حية الهوى كبدي * فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي قد شغفت به * فعنده رقيتي وترياقي
فتواجد صلى الله عليه وسلم وتواجد الأصحاب حتى سقط رداؤه عن منكبه فلما فرغوا آوى كل واحد إلى مكانه قال معاوية بن أبي سفيان ما أحسن لعبكم يا رسول الله فقال مه يا معاوية ليس بكريم من لا يهتز عند ذكر سماع الحبيب ثم اقتسم رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم من حاضرهم بأربعمائة قطعة" قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي تفرد به أبو بكر عمار بن إسحاق عن سعيد بن عامر، وقال أبو موسى المديني لا أصل لهذا الحديث بهذا السياق والظاهر أنه موضوع وقد سمعت غير واحد من أهل العلم عاب المقدسي بإيراد هذا الحديث في كتابه وأورده السهروردي في العوارف وقال يخالج سري أنه غير صحيح وقد تكلم فيه أصحاب الحديث والقلب يأبى قبوله، وقال سيف الدين لا تعصب أبلغ من إيراد الحديث الذي لا يخفى وضعه على الجهال فلو خبت يداه عن كتابته لكان خيرا له وقد وقفت على استفتاء فيه أفتى الإمام عبد الرحمن المقدسي بأن هذا الحديث غير صحيح لأن محمد بن طاهر وإن كان حافظا لكنهم تكلموا فيه ونسبوه إلى الإباحة وله كتاب في صفة التصوف روى فيه عن أئمة الدين حكايات باطلة مع أن هذا لا يناسب شعر العرب وإنما يليق بالمولدين وكذلك ألفاظ متن الحديث لا يليق بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا بكلام أصحابه وكذلك معناه لا يليق بأحوالهم من الجد والاجتهاد وكذلك تمزيق أربعمائة قطعة لا يليق بهم، وأفتى النووي فيه بأنه باطل لا يحل روايته ويعزر من رواه عالما بحاله.(/82)
@ قال رتن الهندي الكذاب "كنت في زفاف فاطمة على علي في جماعة من الصحابة فكان ثمة من يغني فطابت قلوبنا ورقصنا فلما كان الغد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلتنا فلم ينكر علينا ودعا لنا".
*2* باب الحب والعشق.
@ في المختصر "من عشق وقدر وعف وكتم ومات فهو شهيد" قد أنكر على راويه سويد بن سعيد وروي من غير طريقه وفيه نظر.
@ "حبك الشيء يعمي ويصم" لأبي داود ضعيف قلت ذكره أبو الفرج والصغاني في الموضوعات والقزويني ذكره في المصابيح في المفاخرة وهو موضوع (1) وفي المقاصد فيه بقية وتوبع وفيه ابن أبي مريم ضعيف سيما وقد وقف البعض عليه وقد بالغ الصغاني فحكم بوضعه ولهذا تعقبه العراقي قال وابن أبي مريم لم يتهم بكذب بل ولا شديد الضعف فهو حسن، ومعناه إذا غلب الحب ولا يكون رادع من عقل ولا دين أصمه عن العدل وأعماه عن الرشاد
(1) قال السخاوي في المقاصد والديبع في التيمن قد بالغ الصغاني فحكم عليه بالوضع قال العراقي ويكفينا سكوت أبي داود عليه فليس بموضوع ولا شديد الضعف فهو حسن والله أعلم مصححه عفا عنه. اهـ.
@ "من أحب شيئا أكثر ذكره" للديلمي مرفوعا عن عائشة.
@ "ما ضاق مجلس بمتحابين" للديلمي بلا سند عن أنس رفعه البيهقي من قول ذي النون بلفظ "ما بعد طريق أدى إلى صديق ولا ضاق مكان من حبيب"، وفي معناه "سم الخياط مع الأحباب ميدان".
@ الصغاني "أحب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما" (1) موضوع.
(1) أما حكمه بالوضع ففيه نظر بين إذ أخرجه الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة والطبراني عن ابن عمر وابن عمرو والدارقطني في الأفراد وفي عدي والبيهقي عن علي والبخاري في الأدب المفرد والبيهقي أيضا عنه مرفوعا نعم رفعه باطل وصحح وقفه الإمام الترمذي الفاضل المقدسي في تذكرته والله أعلم. مصححه العاجز الحقير أبو عبد الكبير عفا عنه ربه السميع النصير. السامرودي اهـ.
*2* باب القصص والوعظ.
@ في المختصر "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" لم يوجد إلا معزوا لعلي بن أبي طالب.
@ في المقاصد من قول علي "السعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه" في سنده ضعيفان ولذا قال ابن الجوزي أنه لا يثبت كذلك مرفوعا وفيه مع ما قدمته نظر بل قال شيخنا أنه صحيح وسبقه كذلك شيخه العراقي.
@ "طلب الحق غربة" مسلسل بطريق الصوفية.
@ الصغاني "السعيد من وعظ" إلخ. موضوع وكذا "من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات ومن أشفق من النار لها عن الشهوات ومن ترقب الموت نهى عن اللذات ومن زهد عن الدنيا هانت عليه المصيبات" وكذا "كأن الحق فيها على غيرنا وجب وكأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الذين نشيع من الموتى سفر عما قليل إلينا عائدون ونبوؤهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة" وكذا "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق من مال اكتسبه من غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة وجانب أهل الذل والمسكنة طوبى لمن ذل في نفسه وحسنت خليقته وأنفق الفضل من قوته ووسعته السنة فلم يعدها إلى البدعة" وكذا "الناس كلهم موتى إلا العالمون والعالمون كلهم موتى إلا العاملون والعاملون كلهم موتى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم" هو مفترى ملحون والصواب إلا العالمين والعاملين والمخلصين وكذا "خلقهم من سبع ورزقهم من سبع فاعبدوه على سبع" وكذا "عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به" وكذا "المقاص [لعله: القاص] ينتظر المقت والمستمع ينتظر الرحمة والتاجر ينتظر الرزق والمحتكر ينتظر اللعنة" وفي اللآلئ قال ابن حجر اختلف فيه حافظان صححه الحاكم وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات والصواب أن لا يحكم بالصحة ولا بالوضع.
@ "ما من يوم يصبح فيه الإنسان إلا استقبل الروح الجسد يقول يا جسد أسألك بوجهك الذي لا يرد سائله أن لا تعمل اليوم عملا يوردني في جهنم" له "يا ابن آدم أنا بدك اللازم فاعمل لبدك كل الناس لك منهم بد وليس لك مني بد" موضوع.
@ في الذيل قال لمن استوصى "هيئ جهادك وأصلح زادك وكن وصي نفسك فإنه ليس من الله عوض ولا لقول الله خلف" أخرجه الديلمي مرفوعا من كتاب وضعه ابن الأشعث.
@ أنس رفعه "ما من ليلة إلا ومناد ينادي من بطنان العرش يا بني آدم إن الله عز وجل يقرئكم السلام ويقول شوقناكم فلم تشتاقوا وخوفناكم فلم تخافوا ونحنا لكم فلم تبكوا بالليل تنامون وبالنهار تقيلون المنزل الطويل متى تقطعون يا أبناء العشرين جدوا واجتهدوا ويا أبناء الثلاثين لا عذر لكم يا أبناء الأربعين والخمسين زرع قد دنا حصاده يا أبناء الستين والسبعين مهلا عن الله" فيه إبراهيم بن هدبة كذاب.
@ "وعظ صلى الله عليه وسلم يوما فصعق صاعق من جانب المسجد فقال صلى الله عليه وسلم من ذا لبس علينا ديننا إن كان صادقا فقد شهر نفسه وإن كان كاذبا محقه الله عز وجل" هذا باطل.(/83)