مقدمة هذه الموسوعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه موسوعة البحوث والمقالات العلمية ، قمت بجمعها على فترات متباعدة من أهم مواقع النت الموثوقة ، فلم أترك موقعا ذا شأن إلا ونظر ت فيه لأستخرج هذه الكنوز القيمة ، ولا سيما المواقع التالية :
موقع الإسلام اليوم
موقع المختار الإسلامي
موقع كلمات
موقع صيد الفوائد
موقع مشكاة
شبكة المشكاة الإسلامية
موقع نور الإسلام
إسلام أون لاين
رابطة أدباء الشام
موقع فيصل نور
شبكة البينة
منتدى التوحيد
الموسوعة الإسلامية
موقع آل محمود
وغيرها كثير
===============
وقد بلغ عدد هذه البحوث والمقالات حوالي (5900) خمسة آلاف وتسعمائة بحث ومقال .
وكل بحث منها معزو لصاحبه إما في أول الكلام أو في آخره .أو الموقع
وهي في شتَّى مناحي الفكر الإسلامي ، من العقيدة للعبادات للمعاملات ، للتاريخ والتراجم ، للأدب الرفيع ، للأخلاق والآداب ...فهي عبارة عن حديقة غنَّاء مليئة بالورود والرياحين والأزهار ، والثمار اليانعة تنتظر من يقطفها ، ويستنشق عبيرها .
وهي مفهرسة في الشاملة ومرتبة ألف بائيا
وهي للشاملة 2 فقط ، وليست ملفات ورد وذلك لكبر حجمها فتحتاج لمائة كتاب ، وهذا صعب جدا وخاصة موضوع البحث فيها ، ففي الشاملة يبحث فيها بشكل سهل جدا سواء بالعناوين أو النصوص .
وكنت أنوي وضعها منذ السنة الماضية ، ولكن حالت ظروف دون ذلك .
فها هي الآن أضعها بين يديكم ، علَّها تحظى بالقبول .
أسأل الله تعالى أن ينفع بها جامعها وناقلها وقارئها والدال عليها وناشرها في الدارين .
قال تعالى : {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء.
جمعها ورتبها ونسقها وفهرسها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 9 رجب 1428 هـ الموافق ل 23/7/2007 م
****************
وحدة الفكر الإسلامي مقدمة للوحدة الإسلامية الكبرى
الأستاذ أنور الجندي
## 5 ##
بسم الله الرحمن الرحيم
1
إن العالم الإسلامي الآن بعد أن مر بمرحلة "الاستعمار" التي تمثل النفوذ العسكري والسياسي الغربي الذي سيطر على أغلب أجزائه، ثم انحسر عنها يواجه في الوقت الحاضر، مرحلة أشد عنفًا وقسوة:
تلك هي: "مرحلة التبعية والاحتواء".
هذه المرحلة تمتد جذورها عند نهاية المرحلة السابقة والتي حرص الاستعمار على بناء قاعدتها من خلال المدرسة والصحيفة والثقافة والنفوذ الاجتماعي والتي لم تتكشف آثارها بصورة واضحة إلا بعد أن انحسر النفوذ الأجنبي السياسي والعسكري.
وقد جاء مصاحبًا لها ومتعاملًا معها ما تمكنت الصهيونية العالمية من إحداثه في بناء رأس جسر في فلسطين أرادت أن يمتد إلى قلب الأمة العربية مهددا الإيمان والأمن في حمي العالم الإسلامي كافة. ## 6 ##
وقد وجدت مرحلة الاستعمار مواجهة صادقة بأعمال المقاومة والمعارضة والانسحاب من التعامل مع منظمات القانون الوضعي والربا والفساد الخلقي، وهي مرحلة جاهد فيها الأبرار من رجالنا جهادا مستميتًا عنيفًا في ميدان النضال والفكر وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل دحر هذا النفوذ وتدميره.
كذلك لقيت "مرحلة الاحتواء" مواجهة صامدة من المفكرين الأبرار الذين مازالوا منذ ثلاثين عاما أو يزيد يكشفون عن هذا الخطر الكامن ويصححون زيفه ويفندون شبهاته ويسحقون خطره الممتد إلى العقيدة والمجتمع جميعا.
ولقد تعالت صيحة المقاومة للغزو الفكري والتغريب والاحتواء الثقافي من كل مكان، حتى يمكن القول الآن بأن هذه الحقيقة قد تمكنت من كل وجدان وبقي أن تكون حافزًا بالإرادة الصادقة لدحر هذا الخطر واستخلاص النفس الإسلامية والعقل الإسلامي من براثنها حتى تستطيع الأمة الإسلامية أن تستشرف خلال سنوات قليلة من الآن مرحلة جديدة بإذن الله هي مرحلة "الرشد الفكري" وتأكيد الذاتية والتحرر الكامل من التبعية والاحتواء في كل صوره وأشكاله وفي مختلف مجالاته قانونًا بالشريعة الإسلامية، واقتصادًا بالمنهج الإسلامي، ومجتمعًا بالأخلاق الإسلامية وتربية بأسلوب الإسلام. ## 7 ##
ولذلك فنحن في حاجة إلى وحدة الفكر الإسلامي الجامعة التي تنطلق فيها كل قضايا الأدب والثقافة ومفاهيم الاجتماع والاقتصاد مستمدة مصادرها من دعوة التوحيد التي استعلنت من أربعة عشر قرنًا وتجددت قبل قرن ونصف فكانت مصدرًا لحركة اليقظة الإسلامية المعاصرة وعلامة على بزوغ فجر العصر الحديث في العالم الإسلامي كله وذلك قبل وصول طلائع الحملة الفرنسية وإرساليات التبشير بأكثر من خمسين عامًا.
وتلك حقيقة يجب أن تظاهرها كتب الدراسات الأدبية والتاريخية، وأن تصحح بها ذلك الخطأ الشائع الظالم الذي يدعي أن الغرب هو الذي أيقظ المسلمين.
2
ولكي نستطيع أن نمضي في الطريق إلى الغاية المرتجاة علينا ان نذكر أن الأمة الإسلامية بعد أن واجهت "أزمة الحروب الصليبية" التي استقطبت جهدها خلال مائتي عام كاملة من المقاومة والجهاد لم تلبث أن عاشت مرحلة "مد إسلامي" لم تتح له فرصة الوصول إلى الأعماق في العقيدة، وإن استطاع أن يمتد زمنيًّا إلى أكثر من أربعمائة عام حمى فيها الأمة العربية من أوضاع الغزو الغربي المتجدد، فقد قامت الدولة العثمانية الإسلامية التي خضعت كأي كيان ## 8 ## اجتماعي لسنن الله في الأمم والحضارات من حيث النمو والقوة والضعف والانحسار.
ولقد واجهت الدولة العثمانية الإسلامية في سنواتها الأخيرة مرحلة جمود وتخلف أمسكت المسلمين عن أمرين خطيرين من أمور القوة والسيادة:
أولًا: وهن القوى المادية وضعف أدوات الحرب والعتاد وعلومهما والانفلات من فريضة الجهاد الإسلامي بكل مستلزماته من مرابطة في الثغور وحماية للمواقع ووقف دائم في وجه الخطر المتحفز المترقب الذي لم يتوقف لحظة منذ انتهت الحروب الصليبية عن الزحف والتآمر، وإن كان قد عجز عن استئناف الجولة في جبهة المتوسط الشرقية التي كانت قوية صلبة وإن كان قد طاف حول إفريقيا من الغرب وأزال كثيرًا من نفوذ المسلمين فيها.(1/1)
ثانيًا: ضعف التيار الفكري الإسلامي الذي التزم المسلمون بميثاق التوحيد أن يكون متجددًا ناميًا متصلًا دائمًا بمنابع القرآن مستمدًا قوته ونصرته من أصول الإسلام الأصيلة من مناهج الحكم والتربية وأنظمة الاحتجاج والاقتصاد ونتيجة لهذا كله علت موجة المد الغربي التي أخذت في تطويق عالم الإسلام وكانت تخشاه من قبل، فلما اقتحمته وجدته هشًا طريًا لأنه كان قد فقد قوته المادية العسكرية وجمد تجديده الدائم المتصل واستنام إلى الدعة، وزايل طموحه ## 9 ## وحيويته وتأهبه لمواجهة أعدائه الذين لم يكونوا قد ناموا بل استيقظوا، غير أن العالم الإسلامي القائم على مفهوم الإسلام وفكره المتجدد لم يكن لينتظر أن يوقظه أحد ما من خارج محيطيه، فقد بدأت حركته ذاتية من قلب الجزيرة العربية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي حيت حمل لواء دعوة التوحيد الإمام محمد بن عبد الوهاب فكان ذلك علامة على فجر جديد اطلع المسلمين لالتماس أصول عقيدتهم، وامتلاك ينابيع فكرهم واتخاذها جميعًا مصدرًا لليقظة.
وقد جاءت هذه الحركة مصدقة ومؤكدة لذلك القانون الذي عرفه المسلمون خلال تاريخهم كله والذي انتظم ماضيهم وحاضرهم بانبعاث حركة اليقظة كلما انحرف الطريق من قلب الإسلام نفسه وبأيدي أولئك الأبرار الذين أذن الله تبارك وتعالى بظهورهم على مدى الأجيال واستدارة الزمان، ومنذ ذلك اليوم وإلى اليوم وحركة الصراع دائرة بين قوى الغزو الأجنبي وبين حركة اليقظة الإسلامية في محاولة للسيطرة عليها وتنحيتها عن مكانها واستبدالها بحركة أخرى من اتباع له جرت المحاولات للتمكين لهم بالسيطرة على مقدرات التعليم والثقافة والصحافة، ثم كشفت أضواء الإسلام زيفهم وأفسدت هدفهم، وحررت منهم المناهج وإن كانت قوى الغزو الأجنبي لا تتوقف ولا تريد أن تبأس. وما أظن المسلمين إلا في جهاد لا يتوقف لمقاومة تيار هذا الغزو.
وقد عملت حركة اليقظة الإسلامية منذ يومها الأول بوعي ## 10 ## عميق وجددت منهجها ووسعت أبعاد حركتها لتستوعب مخططات الغزو جميعًا وقد استطاعت بفضل صدق دعاتها وقادتها ونضارة فكرها وأصالته وارتباطه بالفطرة والحق أن تستعيد الروح الأصيل الذي لم يكن للمسلمين نهضة إلا به ذلك هو روح "لا إله إلا الله".
ولقد مضت حركة اليقظة الإسلامية إلى العمل في ميدانين متكاملين.
الأول: تحرير العقيدة من زيف الجمود وما دخلها من أوهام الباطنية والغنوصية وشبهات المجوسية وتلفيقات الوثنية الهلينية.
ثانيًا: استعادة قدرة الإنسان المسلم على المقاومة والدفاع وإعادة فريضة الجهاد مرة أخرى إلى ساحة المجتمع الإسلامي وإحياء مفاهيم النضال والاستشهاد والكشف عن صفحات التاريخ الحافل بالبطولة والمجد ومحاولة استئنافها تطبيقًا واسترخاصًا للأرواح في سبيل إعلاء كلمة الله.
وقد مضت المعركة سجالًا يقتحمها المجاهدون المسلمون ويثبتون فيها، وقد ذهل الاستعمار لهذه المعارضة القوية، وغير أساليبه وخططه مرات ومرات دون أن يتحول عن غايته وحاول إقصاء العناصر القوية والنماذج الرائعة عن مجال النضال وأقام دائرة ضيقة لها نفوذ، قصرها على رجاله الذين ## 11 ## كونهم وشكلهم واستأنف بهم سيطرته على مقدرات الأمم والشعوب.
وقد كشفت أحداث السنوات الخمسين الأخيرة في العالم الإسلامي كله عن فشل تجارب الغرب بمنهجيه الليبرالي والماركسي في مجال السياسة والاجتماع والاقتصاد والتربية، وعجزت النظم المختلفة عن أن تقدم للنفس الإسلامية والمجتمع الإسلامي ما يسد حاجته أو يمكنه من أن يجد ذاته وتكلفت النتائج الحاسمة عن عجز التجارب الغربية بشقيها واستعلنت الحقيقة الصادقة العميقة المغزى أمام العالم الإسلامي كله بأنه لا طريق له بعد أن جرب كل الطرق إلا طريقا واحدا: هو طريق التوحيد والقرآن والشريعة الإسلامية وأنه ليس له سبيل سوى الإيمان بالإسلام نظام مجتمع ومنهج حياة.
ويمكن القول أن الطبول تدق في كل مكان اليوم معلنة أنها تلتمس طريقها من خلال الشريعة الإسلامية وأن فريضة الجهاد حين دخلت مرة أخرى إلى حياة المسلمين غيرت باسم الله والله أكبر الكثير وأدالت من العدو وكشفت عن قدرات رائعة في النفس المسلمة بحيث لا يقف أمامها أي خطر وكان ذلك الالتقاء على عقد الخناصر وترابط القوى، مذهلًا لقوى الغزو والاستعمار.
وهناك بوادر كثيرة في تطبيقات الاقتصاد الإسلامي ## ص 12 ## والمجتمع الإسلامي والشريعة الإسلامية سوف تحقق الكثير مما يطمع فيه أصحاب دعوة الحق وبناة اليقظة.
ولا ريب أن ذلك كله منطلق لما بعد من خطوات حتى يستطيع الباحث المسلم أن يعلن دون أن يخشى شيئًا أن (عصر التبعية) بهذه الخطوات أنما يتدافع إلى نهايته بعد أن انتهى من قبله عصر الاستعمار وأن عصرًا جديدًا يوشك أن يشرق فجره، من حول الكعبة المباركة ومن الارتباط بالقبلة.(1/2)
ذلك هو عصر "تأكيد الذاتية" وبناء "الرشد الفكري" ودعم وحدة الفكر الإسلامي على نحو يؤهل المسلمين إلى تقديمن رسالتهم عما قريب إلى البشرية كلها، هذه البشرية التي يجتاحها القلق الصارم والتمزق النفسي الشديد والتي أوفت على مراحل اليأس القاتل بعد أن فشلت تجاربها خلال أكثر من مائتي عام تقريبًا في أن تقيم مجتمعًا كريمًا أو تحرر النفس البشرية من أسرها، فقد فشلت التجارب وعجزت الأيدلوجيات ويئس الفلاسفة إلا من ضوء واحد لا يزال في نفوسهم منه شيء هو ضوء الإسلام.
3
غير أن هذه المهمة الخطيرة التي هي أمانة في الأعناق للأمة الإسلامية في حاجة إلى جهد مضاعف وعمل مكثف وهذا يتطلب بالتالي إلقاء أضواء كاشفة على تلك الخلفيات البعيدة الخطر التي تبدو من وراء "حركة التبعية والاحتواء" التي تتضافر فيها جهود الاستعمار والمادية والصهيونية وأتباعها جميعًا في مواجهة الإسلام. ## ص 13 ##
ولقد كان للدور الذي لعبته الأيدلوجية الصهيونية التلمودية في العصر الحديث منذ الثورة الفرنسية إشارة بعيدة في السيطرة على الفكر الغربي نفسه واحتوائها له، وله إشارة بعيدة أيضًا في مناهج الاستشراق والتبشير والتعليم.
وعلى المفكرين المسلمين كشف أبعاد هذا المخطط حتى يسهل القضاء عليه توطئة للدخول في مرحلة الرشد الفكري المبتغاة وبين يدي هذا العمل أقدم هذه الحقائق:
أولًا:
من أخطر ما كشف عنه الوثائق في السنوات الثلاث الأخيرة "بروتوكولات صهيون"، وقد بدأ الحديث عنها بعد حرب 48 حثيثًا ثم ترجمت إلى اللغة العربية بعد ذلك بقليل.
والمعروف أن هذه البروتوكولات ظهرت في أواخر القرن الماضي الميلادي، أي أنها ظلت محجوبة عن المسلمين والعرب قرابة خمسين عامًا لم تشر إليها أية صحيفة أو مجلة من الصحف العربية خلال هذه الفترة ويرجع ذلك بالطبع إلى أن الصحف التي كانت قادرة في هذا المجال كلها كانت من أصحاب العمالة الاستعمارية الصهيونية، وكانت ذات ولاء واضح للماسونية وما وراءها من مخططات فلما انكشفت البروتوكولات في منتصف هذا القرن تبين أن كثيرًا مما جاء بها كات قد تم تنفيذه فعلًا وفي مقدمة هذا تمزيق العالم إلى كتلتين، والقضاء على الخلافة الإسلامية والدولة العثمانية الجامعة للعرب والترك. غير أن الباحث يستطيع أن يعرف أن مضامين هذه ## 14 ## البروتوكولات التي كانت قد بدأت تنكشف بعد إسقاط السلطان عبد الحميد رحمه الله عام 1908 – 1909 م وعلى التو تكشف مخطط ما يعرف بالماسونية التي دخلها كثير من الأعلام المسلمين بحسن نية وظنًا بأنها تعني ما تعلن عنه مما أطلق عليه (حرية – إخاء – مساواة) ولم تكن أبعاد الأمور قد انكشفت لهم بعد على نحو ما انكشف لنا بعد ذلك. غير أن السلطان عبد الحميد كان على معرفة عميقة بهذا التيار الذي سرعان ما اتضحت آثاره بعد سقوطه مباشرة، وجرت الإشارة إليه وقد أثبته كذلك السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار وحذر المسلمين من مخطط واسع أحد طرفيه الماسونية والطرف الآخر هو الصهيونية.
وقد انكشف موقف السلطان عبد الحميد جليّا في السنوات العشر الأخيرة بعد أن ظل غامضًا مضببًا على نحو من الظلم والاتهام في الباطل وذلك بعد أن ترجمت مذكرات هرتزل إلى اللغة العربية وسجلت – والحق ما شهدت به الأعداء – أن هذا الرجل الكريم أغري أشد إغراء ثم هدد أشد تهديد، ولكنه صمد صمودًا تامًا وكان موقفه من الملايين الخمسة والخمسين من الذهب التي عرضت عليه مشرفًا وكريمًا، وكانت رسالته الحاسمة الأخيرة، وهذه الوثيقة تستطيع أن تصحح الخطأ الذي عاش سنوات وسنوات في معظم كتب التاريخ والأدب في البلاد الإسلامية محاولًا أن يلقي على شخصية السلطان عبد الحميد ظلال التشكيك والاتهام ومجافاة الحرية والعدل. ## 15 ##
في عام 1902 م بدأت المعركة مع السلطان عبد الحميد لإسقاط الدولة العثمانية والخلافة وكان ذلك مطابقًا للبروتوكولات، وفي عام 1909 م تم إقصاء السلطان عبد الحميد وفيما بعد سقطت الخلافة.
وكانت ثمار مدارس الإرساليات هي القوى ذات الأسلحة الحاسمة في مجال الصحافة والتي حملت لواء هذه الدعوة الضالة فقد كان التبشير قد ركز نفسه وأنشأ جامعاته ومن أوائل خريجيها جاء هذا الفوج الذي قاد الصحافة العربية مع الأسف في هذه المرحلة وأعلن الحملة على السلطان عبد الحميد وعلى الخلافة وعلى الإسلام.
ثانيًا:
أعتقد أن البحث يقتضينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك عمقًا في التاريخ فنرجع إلى السنوات التي بدأت فيها فكرة هرتزل عام 1897 م وهو العام الحاسم الذي أعلنت فيه الدعوة الصهيونية بعد أن أعدت خيوطها الأولى ممثلة في ماركس من قبل وفرويد الذي كان صديقًا لهرتزل ومشاركًا له في المؤسسات الصهيونية، وبذلك انتظمت الخيوط كلها في طريق واحد: طريق تهديم البشرية وسحقها توطئة للحلم اليهودي بالسيطرة العالمية.(1/3)
عن طريق إعلاء العنصرية بالدعوات المتصلة ## 16 ## التي أعلنها مارس مولر اليهودي وماكس نوكدو خليفة هرتزل وذلك لخلق الدعوة إلى عنصرية شعب الله المختار.
عن طريق تحويل الفكر البشري كله ناحية الطعام والمادة بما أعلنه ماركس وإنجلز من نظريات للتفسير المادي للتاريخ وما يتصل بالنظرية الربوية العالمية.
عن طريق تدمير النفس الإنسانية بالدعوة إلى تحويل الفكر البشري كله من ناحية الجنس والغرائز وإطلاقها وهو ما أعلنه فرويد.
وقد كشفت الأبحاث من بعد عن الصلات الوطيدة بين الفروع الثلاثة المتصلة بالدعوة الأساسية إلى الصهيونية العالمية من خلال إعلاء نص محرف يفصل بين إبراهيم عليه السلام من جهة وبين ابنه الأكبر إسماعيل جد العرب والمسلمين من جهة أخرى وإسحاق جد اليهود والمسيحيين من جهة أخرى، في محاولة مضللة لشجب الجناح الإسماعيلي العربي المتصل برحلة إبراهيم إلى مكة المكرمة ونشأة فرعه الإسماعيلي فيها.
ولقد كان دهاء الصهيونية بارعًا منذ ذلك الوقت البعيد وذلك بالسيطرة على مصادر العلوم وفي مقدمتها (دوائر المعارف) فقد استولى اليهود على إعادة صياغة دوائر المعارف والموسوعات العالمية وفيها ركز الصهيونيون محاولتهم في توجيه جميع المواد التاريخية على النحو الذي يشك ## 17 ## في حقائق الإسلام ووقائع التاريخ وفي علاقة المسلمين والعرب بإبراهيم عليه السلام.
ولقد عمد بعض الكتاب العرب متباعة لهذا المخطط إلى إنكار وجود إبراهيم وإسماعيل والتشكيك في اللغة العربية وصلتها بالقرآن.
وكأنما كان ذلك نذيرًا لمن ألقى السمه وهو شهيد إلى ما بعد ذلك من محاولات تزييف للتاريخ الإسلامي يراد أن تجرى أولًا من خلال دراسات الأدب وثانيًا من أقلام كتاب عرب يتسمون بأسماء إسلامية.
وفيما يتصل بهذا ما كشفته الأخبار عن اجتماع البهائيين في مؤتمر عالمي في القدس المحتلة 1968 م وما أعلنوا من أن دعوتهم مستمدة من الصهيونية أساسًا والتاريخ يثبت كيف كان لهم نشاطًا في يافا إبان الاحتلال الإنجليزي لفلسطين ومنه امتد إلى كثير من البلاد الإسلامية والعربية وأنهم خدعوا كثيرًا من الناس دون أن يتبين الكثيرون مدى صلتهم بالتلمود.
ثالثًا:
ولكي تكتمل أبعاد الصورة أقدم هذه الوثائق المتلاحقة التي يمكن تجميعها في إطار واحد لكي تشكل بعدًا جديدًا لما نريد أن نصل إليه – هذا (غلادستون) بعد احتلال مصر يقول عام 1897، بعد أن يصعد إلى منبر مجلس العموم ومعه نسخة من القرآن الكريم يلوح بها في وجه ## 18 ## الأعضاء ويقول: "إنه ما دام هذا الكتاب باقيًا في الأرض فلا أمل لنا في إخضاع المسلمين".
وكان هذا علامة إنطلاقة خطيرة للاستشراق لها آثارها الكبيرة بالنسبة للمخطط الذي طرحته الشبهات في كل مجالات الفكر الإسلامي لتوهين مفهوم الإيمان بالله والصمود والمواجهة للعدو والجهاد والمجابهة للغزاة في كل مكان وكان كرومر قد أعلن منذ عام 1883 م موقفه حين قال: "إنما جئت لأهدم ثلاثة: الكعبة، والأزهر، والقرآن".
وفي عام 1907 م يتقدم "بيترمان" الوزير البريطاني بوثيقته المعروفة التي تقول: إنه لكي يظل الاستعمار قادرًا في السيطرة على المسلمين والعرب والحيلولة دون نهوضهم لابد من "إقامة حاجز بشري" يفصل بين مسلمي أفريقيا وآسيا وكان الجواب حاضرًا وربما كان ذلك تمهيدًا لما يراد أن يقال حيق تقدم اليهود فقالوا: إنما نحن الحاجز البشري المعادي للمسلمين، ثم كان وعد بلفور بعد ذلك خطوة تالية على الطريق، فإذا ربطنا بين تقرير "بيترمان" وبين إسقاط السلطان عبد الحميد عام 1909 م وفتح الطريق أمام اليهود إلى فلسطين عن طريق الدونمة والاتحاديين وصلنا إلى لورنس البريطاني ودوره في تمزيق الرابطة بين العرب والترك التي جمعهما لواء الإسلام، وفي هذه الفترة الحاسمة استطاع أتباع المحافل الماسونية وخريجوها بين 1909-1918 م أن يضيعوا طرابلس الغرب وأن تهزم الدولة العثمانية وأن يصل اليهود إلى الأرض المقدسة حتى جاء اليوم الذي وقف فيه اللورد اللنبي في القدس ليقول: ## 19 ## "الآن انتهت الحروب الصليبية":
وقف القائد الفرنسي (جيرو) في دمشق أمام بطل حطين صلاح الدين وهو يقول: ها نحن عدنا يا صلاح الدين.
وفي نفس اليوم الذي دخل فيه الإنجليز القدس بقيادة اللورد اللنبي صاح صائح يهودي يقول: إن هذه المعركة هي لحسابنا ونحن ورثة البريطانيين في السيطرة على القدس، قالوا ذلك قبل عام 1967 م بأكثر من خمسين عامًا.
لقد كانت الحملة الصليبية باسم الدفاع عن قبر المسيح وجاءت الحملة الصهيونية باسم الدفاع عن حائط المبكى.
وكلعا دعاوى تبرر الغزو فما كان قبر السيد المسيح إلا مكرمًا في أيدي المسلمين، وما كان حائط المبكى محظورًا على اليهود أن يصلوا إليه، ولكنها حيل التاريخ وقضايا الماضي تحاول أن تحول دون وحدة المسلمين وقيام نهضتهم من جديد.(1/4)
ونحن نعرف أن المعركة قديمة قدم الإسلام نفسه وأن الغرب لن يتوقف عن مهاجمة معاقل المسلمين، وأنه حتى في خلال فترة وجود الدولة العثمانية الإسلامية لم يتوقف عن التآمر عليها، وقد أحصى الوزير الإيطالي (دجوفارا) أكثر من مؤامرة على الدولة العثمانية لتدميرها في كتابة الموسم باسم: «مائة مشروع لتمزيق الدولة العثمانية». ## 20 ##
رابعًا:
ولكي تكون أبعاد الصورة مكتملة تحت أبصار المسلمين لابد أن نتحدث عن ذلك العمل الذي صاحب هذه المحاولات كلها وكان عقدة العقدة فيها، ذلك هو "التغريب" المخطط والمنظمة التي تستهدف تحويل هذه الأمة الإسلامية عن أصالتها وهدم ذاتيتها وتذويبها في أتون الفكر العالمي وإحوائها في الأممية، والفكر العالمي اليوم صريع الفكر الصهيوني مصاغًا في قوالب ذات طابع علمي براق خادع لأصحاب النظرة الخاطئة والفكرة الساذجة ولأولئك الضحايا الذين ما زال الفراغ النفسي والروحي والديني يجتاح نفوسهم نتيجة لقصور المناهج التربوية في بلاد المسلمين فهم أقرب الناس إلى التقاط عدوى الغزو حيث لا توجد الحصانة التي تدفع عنهم أو تحميهم من أخطار السهام المنطلقة من كل مكان.
ولا ريب أن أبرز مؤسسات هذا الغزو هما مؤسستا: الاستشراق والتبشيبر وقد اتخذتا مجالهما في ميادين التعليم والثقافة والصحافة واتخذتا لهما هدفًا حاسمًا، وأن تغيرت الأساليب والوسائل بين آن وآن حسبما تكشف التجارب وتقضي الظروف. ولقد بدأت حركتا التبشير والاستشراق عملهما على نحو عنيف عاصف واتصل أمرهما في أول الأمر بالكنيسة ثم امتد إلى وزراء الاستعمار فلما لم يجدا من رد فعل غير الإنكار من جانب المسلمين عدلا اتجاههما في الأربعينيات تعديلًا فاختفى التبشير وراء التعليم، واصطنع الاستشراق ## 21 ## أسلوبًا خادعًا يقدم تمهيدات فيها بعض الاستحسان للإسلام ثم يدس السم بعد ذلك خفيفًا خفيفًا حتى لا يثير الشبهات إلا بعد كسب الثقة بالتمويه. ثم سيطرت اليهودية التلمودية والصهيونية على الاستشراق والتبشير واستخدمته في سبيل قضيتها، كانت قضية الاستشراق الغربي في كلمة هي إخراج المسلمين من مفهوم (الإسلام نظام مجتمع) إلى مفهوم مأخوذ من الغرب يرى أنه لا صلة بين العبادة والمجتمع وذلك حتى ينفسح المجال للقانون الوضعي بدلا من الشريعة، وفي مجال الاقتصاد المصرفي الربوي بدلًا من مفهوم {وأحل الله البيع وحرم الربا}، وفي مجال الاجتماع بإطلاق الغرائز وتطوير الأخلاق بدلًا من ضوابط الإسلام وحدوده.
أما الاحتواء الصهيوني للاستشراق والتبشير فقد استحدث ضرب مفهوم العلاقة بين العروبة والإسلام وإعلاء شأن العنصرية وطرح نظريات باطلة في مقارنات الأديان والأخلاق والاجتماع والتفسير المادي للتاريخ والتربية.
ولقد سئل الدكتور زويمر - كبير المبشرين في البلاد العربية - في الثلاثينيات عن فشله في إدخال المسلمين إلى المسيحية فأجاب تلك الإجابة الخطيرة التي يجب أن تكون موضع تقدير الباحثين المسلمين في مجال الغزو الثقافي والتغريب: إن الهدف من التبشير ليس إدخال المسلمين في المسيحية فإن ذلك جد عسير ولكن الهدف هو إخراجهم من الإسلام.
خامسًا:
في السنوات الأخيرة سيطر الاستشراق اليهودي على الاستشراق الغربي وقدم عددًا من أعلامه: ##22 ##
مرجليوث وجولد سيهر وبرنارد لويس في مجال الدراسات العربية.
دوركايم وليفي بريل وفرويد وسارتر في مجال الاجتماع والأخلاف (هذا بالإضافة إلى ماركس).
وبدت واجهات العمل في أفق الفكر الإسلامي ولها صورة أخرى أشد عمقًا ومكرًا وهذه جريدة التيمز تتحدث عن الإسلام في إفريقيا فتقول: "كان الاعتقاد قديمًا أن الإسلام دين شعوب الصحراء وقد يتقدم إلى الحضر، وما كان أحدًا يصدق أنه يستطيع أن يخترق المناطق الاستوائية ويصل إلى جنوب إفريقيا" ليس هذا هو المهم من النص وإنما المهم يأتي من بعد، يقول: "ويختلف الغربيون في اتجاههم الفكري نحو مستقبل الإسلام في إفريقيا، من قائل أن تقدم الإسلام لن يضر بالمصالح الاستعمارية إذا ما سار الإسلام في الخطوات التي رسمها له الاستعمار بينما يرى آخرون ضرورة (الحد من تقدم الإسلام) عن طريق نشر البدع والخرافات (أي إدخال البدع المخالفة لأصل الإسلام لإفساده وإزالة حقيقة الإسلام عنه ثم بقاء اسم الإسلام عنوانًا لها) حتى يكون ذلك بمثابة حائل يقف أمام ضغط الاستعمار المتزايد".
وهذا نص يؤكد: أن هناك محاولتين في مواجهة الإسلام:
الأولى:
أن يتحرك الإسلام في الخطوط التي رسمها ## 23 ## الاستعمار في دائرة أنه دين لاهوتي فحسب وليس دين شريعة ونظام مجتمع.
ثانيًا:
نشر البدع والخرافات بما يعني تحريف المفاهيم والقيم وهذا ما يطلق عليه محاولة هدم الإسلام من الداخل.(1/5)
وإن نظرة واحدة إلى هدف التغريب كما صوره دهاقنة الاستعمار والنفوذ الغربي ليؤكد هذا المعنى: فهم يهدفون من خلال دراسات الاستشراق المبثوثة في معاهد التعليم والصحافة والمؤلفات الثقافية إلى إنشاء عقلية عامة تحتقر كل مقومات الحياة الإسلامية وتنفر من الدين وتعمل على إبعاد العناصر التي تمثل الثقافة الإسلامية عن مراكز التوجيه.
ونحن حيث نبحث النظريات الحديثة (الوافدة) المطروحة في أفق الفكر الإسلامي في العصر الحديث – يتبين لنا أنها على وجه العموم بدأت بكتابات المبشرين والمستشرقين ثم سلمت إلى الجيل التابع الذي تشكل في دائرة الاحتواء، فقد حمل الدعوة إلى العامية في البلاد العربية دعاة من أمثال ولكوكس وولموز وسبيتا في مصر وكولون في الجزائر وماسنيون في المغرب، كما تؤكد الأبحاث التاريخية أن أول من نادى بالطورانية والفرعونية والفينيقية وغيرها كان من المستشرقين ثم جاء بعد ذلك طه حسين وسلامة موسى وساطع الحصري وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي وغيرهم.
وقد كان هدف حركة الاستشراق واضحًا وهو كما عبر ## 24 ## عنه أربابه يتلخص في عبارة حاسمة: "وضع العلم في خدمة السياسة والاستعمار" وقد استهدف غايات بعيدة أهمها:
أولًا: إذابة الشخصية الإسلامية والقضاء على ذاتيتها الخاصة وطابعها المفرد واحتواؤها.
ثانيا: قطع الصلة بين حاضرها القائم وبين أصولها الإسلامية في محاولة ربطها بماضيها الوثني السابق على الإسلام.
ثالثًا: إثارة الشبهات بهدف خلق جو من الازدراء والاستهانة بالميراث الإسلامي.
رابعًا: كان الاستشراق هو المصنع الذي يقدم السموم لمدارس التبشير وإرسالياته لتطبيقها في مناهجها التي انتقلت إلى المدارس الوطنية.
خامسًا: استهدف هذا العمل تمزيق وحدة فكر العالم الإسلامي وتشتيته بما سمي إسلام عربي وإسلام فارسي وإسلام تركي وهكذا، وبما جرى التركيز عليه من مفاهيم العنصريات وإعلائها حتى ليقول (هاملتون جب): أن أولى النتائج التي نجمت عن الغزو الفكري أنه زعزع فكرة أن العالم الإسلامي وحدة ثقافية واحدة وتسيطر عليه تقاليد واحدة.
حقًا، لقد بقيت رابطة العطف والماضي المشترك والعقيدة المشتركة ولكن امتزاج الأفكار المأخوذة من الغرب بدرجات ## 25 ## متفاوتة كان قد بدأ ينزع إلى كل مملكة من الممالك الأخرى".
وهذا هو ما يستدعي العمل لوضع قاعدة: وحدة الفكر الإسلامي إزاء كل ما يراد به وأن نبدأ في بناء مناهجنا التربوية والثقافية والاجتماعية على هذه القاعدة.
إن العالم الإسلامي الذي يضم الآن قرابة ألف مليون مسلم ويتكلم أكثر من عشر لغات يستطيع أن يتخذ من (القرآن) لغة جامعة تقوم على أساسها زعامة فكرية رصينة تقف في وجه كل هذه المؤامرات والمحاولات التي ترمي إلى تدمير ذاتيته وحصره في بوتقة (التبعية) بعد أن بدت بوادر فجر الانطلاق نحو مرحلة: الرشد الفكري كمقدمة لقيام المسلمين بتبليغ رسالتهم إلى العالمين كرة أخرى.
وأمامي تقريران: أحدهما :
عن مؤتمر بتليمور الذي عقد بإشراف الصهيونية العالمية في إحدى الجامعات المصرية والذي يعد في نظر الباحثين نقطة التحول في اتجاه الصهيونية لتزييف التاريخ الإسلامي وذلك عام 1948 م وقد حضر (بن جوريون) هذا المؤتمر وقاد أعماله إلى هدفها، وكان مما تقرر فيه: تنظيم ومضاعفة عمليات تزييف التاريخ العربي وطرح دراسات جديدة تحمل الشبهات التي تتصل بمؤامرة إسرائيل. ## 26 ##
وقد أعدت الصهيونية عناصر هامة من الباحثين استطاعوا السيطرة على كراسي دراسات التاريخ الإسلامي في أغلب الجامعات الأوروبية والأمريكية – وذلك على حد تعبير الدكتور إبراهيم العدوي – لدعم النشاط السياسي ضد العرب في العالم والتوصل إلى خلق حركة ثقافية عنصرية تساعد على تفتيت العرب وعلى هزيمتهم أمام العالم وأمام المسلمين تاريخنا. ومن أمثلة هذه النظريات التحريفية التي يطرحها الاستشراق اليهودي محاولة تصوير العرب والمسلمين بصوره الوحشية، ورد مقومات ثقافتهم إلى أصول يونانية رومانية وإحياء الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي كالقرامطة والباطنية والزنج والحلاج وغيرها.
وإثارة الشبهات حول سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل وخاصة فيما يتصل بالمرحلة التاريخية التي عرفت باسم الحنيفية والسابقة لليهودية. كذلك تركز الصهيونية على تخويف الغرب من قيام دولة عربية كبرى واحدة وتعيد إثارة صفحات التاريخ فيما يتعلق بالخلاف بين المسلمين والغرب وخاصة في الأندلس والبلقان وغيرها. ويؤسفني أن أقول أن كثيرًا مما نشر في العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة كان استجابة وتطبيقًا لهذا المخطط.(1/6)
الثاني: تقرير عن الحرب المعلنة على العقائد الدينية وعلى أمور الوحيث والنبوة والغيب. والفلسفات المطروحة التي ترمي إلى إلغاء القيم الثوابت وإبدالها بنظرية التطور ## 27 ## المطلق، وتجاوز المعنويات والروحيات وإقامة المادية وحدها مقاعدة الفكر وإلغاء الضوابط الأخلاقية والمسئولية الفردية والدعوة إلى رفع الوصاية عن الشباب والعمل على إخراج العرب والمسلمين من إطارات الدين مما أطلق عليه بعد النكسة (علمنة الذات العربية) كذلك هناك دعوات إلى إعادة طرح الأساطير والإباحيات في أفق الفكر الإسلامي والأدب العربي عن طريق القصة والمسرح والصحافة. ومحاولات أخرى لإحياء الجاهلية العربية والوثنية الإغريقية والمجوسية الباطنية.
وقد تجد هذه الدعوات تقبلًا من شباب قليل الخبرة ممن عجزت المناهج الجديدة أن تمدهم بزاد نفسي وروحي يسد حاجتهم من القيم العاصمة من الزلل.
وهناك محاولات تضع تخلف المسلمين والعرب وهزيمتهم الماضية في كفة في مواجهة ضرب الفكر الإسلاميه ورميه بأنه مصدر الهزيمة مع أنه لم يكن خلال تلك الفترة مطبقًا أو معتبرًا أسلوبًا للحياة حتى يتحمل مسئولية الخطأ، وإنما تتحمل مسئولية الخطأ تلك المناهج الوافدة، ولو التمس المسلمون منهجهم أسلوبًا للحياة لما تعرضوا لهذا الخطر ولما هزموا، والحقيقة أن هذه الهزيمة لم تأت من مصدر واحد، هو التبعية واعتماد أساليب الفكر الوافد، ثم أنهم بعد ذلك لم ينتصروا إلا عن طريق التمساهم منهجهم الأصيل ## 28 ## الذي انتصروا به خلال تاريخهم كله وسوف يكون نصرهم حاسمًا ما تعمقوا هذا المنهج واستوعبوه بالتطبيق الكامل في مختلف مناحي الحياة.
ولقد نسي العرب والمسلمون في مرحلة التبعية والاستعمار أن منهجهم يختلف اختلافًا كبيرًا عن مناهج المستعمرين من ناحية وأن المستعمرين لم يقدموا للمسلمين إلا كل زائف ومضطرب وفاسد، وأنهم حجبوا عامدين وما زالوا يحجبون أسرار العلم وأسباب القوة ووسائل التقدم.
لعلي لا أعدو الحقيقة إذا رددت هذه الكلمة التي يؤلف عنها مجلد كامل، تلك هي: "إن الأهداف الصهيونية تحولت إلى مذاهب فلسفية لها دعاة ومدافعون، وأن بعض أهلنا قد استخدموا – بغير أجر ولا مثوبة – لخدمة هذه المخططات على سذاجة منهم وغرور، وأن الخطر ليس خطر المؤسسات المعروفة، ولكن الخطر الأشد، هو الذي يختفي وراء بريق التقدم والعلمانية والعصرية وغيرها".
وقد آن للعرب وللمسلمين أن يتجاوزوا هذه المناهج، أن يتجاوزوا فرويد وماركس وسارتر إلى آفاق أكثر سعة وأكثر اتصالًا بذاتيتهم وقيمهم، وهم لم يجدوا هذه الآفاق إلا في الإسلام وفي معطياته المثمرة وحلوله الحاسمة لكل ما تعاني البشرية من مشاكل وأزمات وفي قضاياها الثلاثة الكبرى: الحرية والعدل والشورى. ## ص 29 ##
لقد سقطت تلك المناهج الوافدة في بلادها، وفقدت قدرتها على العطاء، وعجزت عن إسعاد النفس أو تأهيل المجتمع للطمأنينة وهي أعجز بالنسبة لمجتمع غير مجتمعها، ولذلك لم يبق للمسلمين والعرب من سبيل إلا أن يعودوا إلى معطياتهم. وهي معطيات ربانية المصدر، إنسانية الطابع، تحمل الصدق والحق واليسر بعيدًا عن التعقيدات الفلسفية، والمذاهب والأهواء، وهي خير عطاء للبشرية لو فقهت البشرية حاجتها الحقيقية وهديت إلى ذلك الضوء الساطع العميق.
إن على المتابعين للحضارة العربية منا أن يذكروا كيف أن أصحابها قد فقدوا الأمل فيها وهذا (أرنولد توينبي) في كتابه: «الحضارة والغرب» يعلنها صيحة مدوية حين يقول: "إن الحضارة الغربية تمر الآن في طور التدهور والانحلال الذي مرت به الحضارة الرومانية من قبل. من أجل هذا لم تعد فنون الصناعة أو الاقتصاد أو غيرها من المعارف كافية لتوفير الاستقرار والسعادة للمجتمع الإنساني، ذلك أن الروابط الروحية هي العمد الحقيقية التي لا يمكن أن يقوم بدونها صرح المجتمع ويتماسك بناؤه"!. فكيف إذن نلتمس من الضائعين الضوء وهم في حاجة إلى أن نعطيهم إياه. لقد استطاعت حركة اليقظة الإسلامية أن تكشف كثيرًا من زيف الاستشراق وخطل رأيه من أبرز وجوه ذلك عجز الاستشراق نفسه عن تصور النفس الإسلامية والعقل الإسلامي تصورًا صحيحًا لأسباب عديدة منها:
- عجز المستشرقين أنفسهم عن فهم البيان العربي، هذا ## 30 ## إذا خلصوا من تعصبهم، أما إذا اجتمعت الأهواء مع العجز عن الفهم يكونون قد بعدوا تمامًا عن فهم المسلمين والعرب. إننا لا نغلق أبوابنا أمام الفكر البشري، وسمة فكرنا الأساسية أنه متفتح، ولكنه قائم على قاعدته يأخذ ما يزيده قوة ويرد ما سوى ذلك، ولقد كان المسلمون يؤمنون على مدى العصور أن الفكر الوافد ما هو إلا بمثابة (مواد خام) لهم الحق في استعمالها وتشكيلها على النحو الذي يرونه نافعًا لهم ولهم الحق أيضًا في ردها والاستغناء عنها.(1/7)
إننا مطالبون بأن نحمي تاريخنا من الزيف، ونصون تعليمنا من مادية الفكر، ونحن في حاجة دائمة إلى التفرقة بين الأخلاق التي هي جزء من الدين وبين التقاليد التي هي من نتاج المجتمعات، كذلك علينا التفرقة بين مفهوم الإسلام نفسه كما جاء به القرآن وبين التطبيق التاريخي الذي أصاب فيه المسلمون وأخطأوا حيث لا تعد ممارستهم حجة على الإسلام بل يكون الإسلام حجة عليهم، علينا أن نفرق بين الأصيل والوافد، علينا أن نؤكد مفاهيمنا في الثقافة والتربية والسياسة والاجتماع والأخلاق والقانون وأن نعرف مكانة اللغة العربية فينا، لغة القرآن يجب أن نجري بها على مستواه ولا ننزل عنه إلى العاميات أو ما يسمى باللغة الوسطى فذلك كله من دعوات التغريب والغزو الثقافي.
لقد حاول الاستشراق في طوره المعاصر أن يزيف التاريخ الإسلامي ليفسر مفهوم البطولة الإسلامية تفسيرًا ماديًا خالصًا ## 31 ## وأن يثير الشبهات حول النبوة والوحي، وأن يحاكم أعلام المسلمين إلى البيئة والعنصر والعرق، كما حاول كثيرًا بالنسبة لمفاهيم النفس والاجتماع، والأخلاق والتربية، وهنا يبدو مدى خطر دخول العرب المسلمين في مواجهة مع عدوهم بمفاهيم وافدة واعتقادات مضللة. كان قد فرضها هذا العدو عليهم من قبل ليتعاملوا معه بها ومن شأن هذا أن يحول بينهم وبين القدرة على مقاومة العدو، وهنا يبرز الخطر: خطر الاعتماد على المصادر الوافدة والنظريات الوافدة والنظر إليها على أنها حقائق بينما هي فروض تصدق وتخيب.
ولن تبدأ نهضة المسلمين الحقة إلا من خلال العقيدة الإسلامية عقيدة التوحيد فهي وحدها العقيدة القادرة على إطلاق طاقتهم ودفعهم إلى الآفاق.
إن تقدم المسلمين والعرب لا يقوم على العلم وحده، كما قامت نهضة الغرب فأصابها التمزق والانفصام والانحراف ولكنها تقوم على العقيدة والعلم جزء منها ولن يتحرر العرب والمسلمون ويسودوا قبل أن يتحرروا من كل قيود التبعية والغزو الثقافي.
وليعلموا أنه ليس من سبيل إلى فصل هذه المرحلة المعاصرة عن تاريخهم كله، المتصل الحلقات الممتد عبر أربعة عشر قرنًا، والذي يتمثل منذ أن جاء الإسلام واستقر مجتمع المسلمين في إطار لغته وعقيدته وتاريخه على نحو لا سبيل إلى فصل مرحلة عن أخرى، وحيث لا يمكن دراسة أزمة من أزمات المسلمين أو نصر من انتصاراتهم إلا في إطار تاريخهم كله، وليس اتصال المسلمين بالغرب في العصر ## 32 ## الحديث شيئًا مستقلًا ولكنه حلقة من حلقات متصلة تأثرًا وتأثيرًا – فعلًا ورد فعل.
ومن الحق أن نقول أن الإسلام قد أعطاهم ما تعجز مناهج الدنيا كلها أن تعطي مثله، أعطاهم جُمَّاع الحريات والضوابط وتكامل الفردية والجماعية، وتلاقي العلم والدين، وترابط الروح والمادة، وتلاقى الوحي والعقل وتوازن الدنيا والأخرى، وارتباط الغيب والشهادة، والتقاء الثبات والتطور وتتابع الماضي والحاضر.
وبعد.. فلابد أن يخرج المسلمون من مرحلة التبعية إلى مرحلة الترشيد بإذن الله، ولقد قامت الحجة عليهم بما لا مزيد عليه من تجربة. فقد جربوا فكر الغرب الليبرالي وفكر الشرق الماركسي، وامتحن الفكر الإسلامي خلال ذلك امتحانًا شديدًا فصمد للمحنة وثبت في الأزمة ونجح في الامتحان وأثبت أنه أقدر المعطيات قاطبة ليس للمسلمين وحدهم بل للإنسانية كافة ولذلك فلابد أن يلتقي المسلمون على وحدة فكر تكون مقدمة لوحدتهم الشاملة وبها يدخلون عصرًا جديدًا.
أنور الجندي(1/8)
10 مخالفات في الرقية
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والمرفق به المحضر المعدّ من قبل مندوب فرع وزارة الشئون الإسلامية، ومندوب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقصيم، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (139/س) وتاريخ 8/1/1418 هـ وقد تضمن المحضر عدة فقرات أجابت اللجنة عنها بما يلي:
الفقرة الأولى: القراءة على ماء فيه زعفران، ثم غمس الأوراق فيه، ثم تجفيفها، ثم حلها بعد ذلك بماء، ثم شربها:
الجواب: القراءة في ماء فيه زعفران ثم تغمس الأوراق في هذا الماء وتباع على الناس لأجل الاستشفاء بها - هذا العمل لا يجوز ويجب منعه؛ لأنه احتيال على أكل أموال الناس بالباطل، وليس هو من الرقية الشرعية التي نصّ بعض أهل العلم على جوازها؛ وهي كتابة الآيات في ورقة أو في شيء طاهر كتابة واضحة، ثم غسل تلك الكتابة وشرب غسيلها.
الفقرة الثانية: مدى صحة تخيّل المريض للعائن من جراء القراءة، أو طلب الراقي من القرين أن يخيّل للمريض من أصابه بالعين:
الجواب: تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله - تعالى -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) [الجن: 6].
الفقرة الثالثة: مس جسد المرأة يدها أو جبهتها أو رقبتها مباشرة من غير حائل بحجة الضغط والتضييق على ما فيها من الجان خاصة أن مثل هذا اللمس يحصل من الأطباء في المستشفيات، وما هي الضوابط في ذلك؟
الجواب: لا يجوز للراقي مسّ شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة، وإنما يقرأ عليها بدون مس. وهناك فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب؛ لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد أن يعالجه، بخلاف الراقي فإن عمله - وهو القراءة والنفث - لا يتوقف على اللمس.
الفقرة الرابعة: وضع أختام كبيرة الحجم مكتوب فيها آيات أو أذكار أو أدعية، منها شيء مخصص للسحر، ومنها ما هو للعين، ومنها ما هو للجان. ثم يغمس بالختم على ماء فيه زعفران، ثم يختم على أوراق تحل بعد ذلك وتشرب:
الجواب: لا يجوز للراقي كتابة الآيات والأدعية الشرعية في أختام تغمس بماء فيه زعفران، ثم توضع تلك الأختام على أوراق ليقوم ذلك مقام الكتابة، ثم تغسل تلك الأوراق وتشرب؛ لأن من شرط الرقية الشرعية نية الراقي والمرقي الاستشفاء بكتاب الله حال الكتابة.
الفقرة الخامسة: شم جلد الذئب من قبل المريض بدعوى أنه يُفصح عن وجود جان أو عدمه، إذ أن الجان - بزعمهم - يخاف من الذئب، وينفر منه ويضطرب عند الإحساس بوجوده:
الجواب: استعمال الراقي لجلد الذئب ليشمه المصاب حتى يعرف أنه مصاب بالجنون عمل لا يجوز؛ لأنه نوع من الشعوذة والاعتقاد الفاسد، فيجب منعه بتاتاً. وقولهم إن الجني يخاف من الذئب خرافة لا أصل لها.
الفقرة السادسة: قراءة القرآن أثناء الرقية بمكبر الصوت، أو عبر الهاتف مع بعد المسافة، والقراءة على جمع كبير في آن واحد:
الجواب: الرقية لا بد أن تكون على المريض مباشرة، ولا تكون بواسطة مكبر الصوت ولا بواسطة الهاتف؛ لأن هذا يخالف ما فعله رسول الله وأصحابه - رضي الله عنهم - وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال: {من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}.
الفقرة السابعة: الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبّس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه:
الجواب: لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك. قال الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن: 6]. وقال - تعالى -: وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ [الأنعام: 128]، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظّموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطّلع عليه الجن دون الإنس؛ وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون، ولا يجوز تصديقهم.(2/1)
الفقرة الثامنة: تشغيل جهاز التسجيل على آيات من القرآن لعدة ساعات عند المريض، وانتزاع آيات معينة تخص السحر، وأخرى للعين، وأخرى للجان:
الجواب: تشغيل جهاز التسجيل بالقراءة والأدعية لا يغني عن الرقية؛ لأن الرقية عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية حال أدائها، ومباشرة للنفث على المريض. والجهاز لا يتأتى منه ذلك.
الفقرة التاسعة: كتابة أوراق فيها القرآن والذكر وإلصاقها على شيء من الجسد كالصدر ونحوه؛ أو طيّها ووضعها على الضرس، أو كتابة بعض الحروز من الأدعية الشرعية وشدها بجلد وتوضع تحت الفراش أو في أماكن أخرى، وتعليق التمائم إذا كانت من القرآن والذكر والدعاء:
الجواب: إلصاق الأوراق المكتوب فيها شيء من القرآن أو الأدعية على الجسم أو على موضع منه، أو وضعها تحت الفراش ونحو ذلك لا يجوز؛ لأنه من تعليق التمائم المنهي عنها بقوله: {من تعلق تميمة فلا أتمّ الله له} وقوله: {إن الرقى والتمائم والتولة شرك}.
الفقرة العاشرة: بعض الأدعية لم ترد مثل: (حجر يابس، شهاب قابس، ردّت عين الحاسد عليه وعلى أحب الناس إليه):
الجواب: هذا الدعاء لا أصل له، وفيه عدوان على غير المعتدي، فلا يجوز استعماله لقول النبي: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
عضو: بكر بن عبدالله أبو زيد
عضو: صالح بن فوزان الفوزان
http://www.tttt4. com المصدر:(2/2)
10 وقفات للنساء في رمضان
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
* فهذه كلمات وجيزة، ونداءات غالية، نهديها إلى المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة، بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، تسأل الله أن ينفع بها كل من قرأتها من أخواتنا المؤمنات،وأن تكون عونا لهن على طاعة الله تعالى والفوز برضوانه ومغفرته في هذا الشهر العظيم.
الوقفة الأولى: رمضان نعمةٌ يجب أن تشكر:
* أختاه ! إن شهر رمضان من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجات، ويعتق الله فيه عباده من النيران، قال النبي : { إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسُلْسِلت الشياطين } [متفق عليه].
* وقال : { من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه].
* وقال تعالى في الحديث القدسي: " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" [ متفق عليه]
* وقال : { إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها، فيستجاب له } [رواه أحمد بسند صحيح]. وفيه ليلة القدر، قال تعالى: ليلة القدر خير من ألف شهر [ القدر:3].
* فيا أختي المسلمة، هذه بعض فضائل هذا الشهر الكريم، وهي تبين عظم نعمة الله تعالى عليك بأن آثرك على غيرك وهيأك لصيامه وقيامه، فكم من الناس صاموا معنا رمضان الغابر، وهم الآن بين أطباق الثرى مجندلين في قبورهم
فاشكري الله - أختي المسلمة - على هذه النعمة، ولا تقابليها بالمعاصي والسيئات فتزول وتمنحي ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحُطْها بطاعة رب العباد *** فربُّ العباد سريع النِّقم
الوقفة الثانية: كيف تستقبلين رمضان ؟ !
1- بالمبادرة إلى التوبة الصادقة كما قال سبحانه: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [النور:31].
2 - بالتخلص من جميع المنكرات من كذب وغيبة ونميمة وفحش وغناء وتبرح واختلاط وغير ذلك.
3 - بعقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، وعدم تضييع أوقاته الشريفة فيما لا يفيد.
4 - بكثرة الذكر والدعاء والاستغفار و تلاوة القرآن.
5 - بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وتأديتها بتؤدة وطمأنينة وخشوع.
6 - بالمحافظة على النوافل يعد إتيان الفرائض.
الوقفة الثالثة: تعلمي أحكام الصيام
* يجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الصيام، فرائضه وسننه وآدابه، حتى يصح صومها ويكون مقبولا عند الله تعالى: وهذه نبذة يسيرة في أحكام صيام المرأة:
1- يجب الصيام على كل مسلمة بالغة عاقلة مقيمة ( غير مسافرة ) قادرة ( غير مريضة) سالمة من الموانع كالحيض والنفاس.
2- إذا بلغت الفتاة أثناء النهار لزمها الإمساك بقية اليوم، لأنها صارت من أهل الوجوب، ولا يلزمها قضاء ما فات من الشهر، لأنها لم تكن من أهل الوجوب.
3- تشترط النية في صوم الفرض، وكذا كل صوم واجب، كالقضاء والكفارة لحديث: { لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } [رواه أبو داود]، فإذا نويت الصيام في أي جزء من أجزاء الليل ولو قبل الفجر بلحظة صح الصيام.
4- مفسدات الصوم سبعة:
أ- الجماع.
ب- إنزال المني بمباشرة أو ضم أو تقبيل.
ج- الأكل والشرب.
د- ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبرة المغذية.
هـ - إخراج الدم بالحجامة و الفصد.
و- التقيؤ عمداً.
ز- خروج دم الحيض أو النفاس.
5- الحائض إذا رأت القصة البيضاء - وهو سائل أبيض يدفعه الرحم بعد انتهاء الحيض- التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت، تنوي الصيام الليل وتصوم، وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه، فإذا خرج نظيفا صامت وإن رجع دم الحيض أفطرت.
6- الأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتبه الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الحيض، فإنه شيء كتبه الله على بنات آدم.
7-إذا طهرت النفساء قبل الأربعين، صامت واغتسلت للصلاة، وإذا تجاوزت الأربعين نوت الصيام واغتسلت، وتعتبر ما استمر استحاضة، إلا إذا وافق وقت حيضها المعتاد فهو حينئذٍ حيض.
8- دم الاستحاضة لا يؤثر في صحة الصيام.
9- الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض، فيجوز لهما الإفطار، وليس عليهما إلا القضاء، لقول النبي :{ إن لله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم } [رواه الترمذي وقال: حسن].
10- لا بأس للصائمة بتذوق الطعام للحاجة، ولكن لا تبتلع شيئا منه، بل تمجُّه وتخرجه من فيها، ولا يفسد بذلك صومها.
11- يستحب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب، وتأخير السحور، قال : { لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر } [متفق عليه].
الوقفة الرابعة: رمضان شهر الصيام لا شهر الطعام:(3/1)
* أختي المسلمة: فرض الله صيام رمضان ليتعود المسلم على الصبر وقوة التحمل، حتى يكون ضابطا لنفسه، قامعا لشهوته، متقيا لربه، قال تعالى: ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [البقرة:183].
* وقد سئل بعض السلف: لمَ شُرع الصيام ؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الفقير !!
* وإن مما يبعث على الأسف ما نراه من إسراف كثير من الناس في الطعام والشراب في هذا الشهر، حيث إن كميات الأطعمة التي تستخدمها كل أسرة في رمضان أكثر منها في أي شهر من شهور السنة !! إلا من رحم الله. وكذلك فإن المرأة تقضي معظم ساعات النهار داخل المطبخ لإعداد ألوان الأطعمة وأصناف المشروبات !!
فمتى تقرأ هذه القرآن ؟
ومتى تذكر الله وتتوجه إليه بالدعاء والاستغفار؟
ومتى تتعلم أحكام الصيام وآداب القيام ؟
ومتى تتفرغ لطاعة الله عز وجل ؟
* فاحذري – أختاه – من تضيع أوقات هذا الشهر في غير طاعة الله وعبادته، فقد خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له، قال النبي : { ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
الوقفة الخامسة: رمضان شهر القرآن:
* لشهر رمضان خصوصية بالقرآن ليست لباقي الشهور، قال الله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان [البقرة:185]. فرمضان والقرآن متلازمان، إذا ذكر رمضان ذكر القرآن، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة } في هذا الحديث دليل على استحباب تلاوة القرآن ودراسته في رمضان، واستحباب ذلك ليلا، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا [المزمل:6]، وكان السلف يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان، وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في سبع، ويعضهم في كل عشر، وكان قتادة يختم في كل سبع دائما، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.
* وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
* وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
* وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.
* وأنت – أختي المسلمة – ينبغي أن يكون لك وِرْد من تلاوة القرآن، يحيا به قلبك، وتزكو به نفسك، وتخشع له جوارحك، وبذلك تستحقين شفاعة القرآن يوم القيامة. قال النبي : { الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ري منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشفَّعان } [رواه أحمد والحاكم بسند صحيح].
الوقفة السادسة: رمضان شهر الجود والإحسان:
* أختي المسامة: حث النبي النساء على الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام: { يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار } [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه: { تصدقن يا معشر النساء ولو من حُليِّكُن...} [رواه البخاري].
* ويروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت في يوم واحد بمائة ألف، وكانت صائمة في ذلك اليوم، فقالت لها خادمتها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه ؟ لو ذكرتني لفعلت !!
* أما الجود في رمضان فإنه أفضل من الجود في غيره، ولذلك كان النبي في رمضان أجود من الريح المرسلة، وكان جوده شاملا جميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل النفس لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل الطرق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمُّل أثقالهم.
* ومن الجود في رمضان: إطعام الصائمين:
فاحرصي - أختي المسلمة – على أن تفطري صائما، فإن في ذلك الأجر العظيم، والخير العميم، قال النبي : { من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا } [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].
* واحرصي كذلك على الصدقة الجارية، فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدفة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له } [رواه مسلم].
الوقفة السابعة: رمضان شهر القيام:(3/2)
* أختي المسلمة: كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالوا له: يا رسول الله ! تفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: { أفلا أكون عبدا شكورا } [متفق عليه]، وقال النبي : { من قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه].
* وللمرأة أن تذهب إلى المسجد لتؤدي الصلوات ومنها صلاة التراويح و غير أن صلاتها في بيتها أفضل، لقول النبي : { لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن } [رواه أحمد وأبو داودوصححه الألباني].
* وقال الحافظ الدمياطي: " كان النساء في عهد رسول الله إذا خرجن من بيوتهن إلى الصلاة يخرجن متبذلات متلفعات بالأكسية، لا يعرفن من الغَلَس - أي الظلمة – وكان إذا سلم النبي يقال للرجال: مكانكم حتى ينصرفن النساء، ومع هذا قال رسول الله إن صلاتهن في بيوتهن أفضل لهن... فما ظنك فيمن تخرج متزينة، متبخرة، متبهرجة، لابسة أحسن ثيابها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو علم النبي ما أحدث النساء بعده لمنعهن الخروج إلى المسجد، هذا قولها في حق الصحابيات ونساء الصدر الأول، فما ظنك لو رأت نساء زماننا هذا؟!" ا.هـ
* فعلى المرأة الرشيدة إذا أرادت الخروج إلى المسجد تخرج على الهيئة التي كانت عليها نساء السلف إذا خرجن إلى المساجد.
* وعليها كذلك استحضار النية الصالحة في ذلك، وأنها ذاهبة لأداء الصلاة، وسماع آيات الله عز وجل، وهذا يدعوها إلى السكينة والوقار وعدم لفت الأنظار إليها.
* بعض النساء يذهبن إلى المسجد مع السائق بمفردهن فيكن بذلك مرتكبات لمحرمٍ سعياً في طلب نافلة، وهذا من أعظم الجهل وأشد الحمق.
* ولا يجوز للمرأة أن تتعطر أو تتطيب وهيَ خارجة من منزلها، كما أنه لا يجوز لها أن تتبخر بالمجامر لقوله { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء } [رواه مسلم].
* وعلى المرأة ألا تصطحب معها الأطفال الذين لا يصبرون على انشغالها عنهم بالصلاة، فيؤذون بقية المصلين بالبكاء والصراخ، أو بالعبث في المصاحف وأمتعة المسجد وغيرها.
الوقفة الثامنة: صيام الجوارح:
* أختي المسلمة: اعلمي أن الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، فصامت عيناه عن النظر إلى المحرمات، وصامت أذناه عن سماع المحرمات من كذب وغيبة ونميمة وغناء وكل أنواع الباطل، وصامت يداه عن البطش المحرم، وصامت رجلاه عن المشي إلى الحرام، وصام لسانه عن الكذب والفُحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم فبالكلام الطيب الذي لاحت فائدته وبانت ثمرته، فلا يتكلم بالكلام الفاحش البذيء الذي يجرح صيامه أو يفسده.. ولا يفري كذلك في أعراض المسلمين كذباً وغيبة ونميمة وحقداً وحسداً ؛ لأنه يعلم أن ذلك من أكبر الكبائر وأعظم المنكرات ولهذا قال النبي : { من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه } [رواه البخاري].
* وقال : { وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائم } [متفق عليه].
* وأما من يصوم عن الطعام والشراب فقط، ويفطر على لحوم إخوانه المسلمين وأعراضهم، فإنه المعنىُّ بقوله : { رُب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش } [رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح].
الوقفة التاسعة: خطوات عملية للمحافظة على الأوقات في رمضان:
* ينبغي على المرأة أن تستثمر أوقات هذه الشهر العظيم فيما يجلب لها الفوز والسعادة يوم القيامة، وأن تغتنم أيامه ولياليه فيما يقربها من الجنة ويُباعدها عن النار، وذلك بطاعة الله تعالى والبعد عن معاصيه، وحتى تكون المرأة صائنة لأوقاتها في هذا الشهر الكريم فإن عليها ما يلي:
1 – عدم الخروج من البيت إلا لضرورة، أو لطاعة لله مُحققة، أو لحاجة لابد منها.
2 – تجنب ارتياد الأسواق وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، ويمكن شراء ملابس العيد قبل العشر الأواخر أو قبل رمضان.
3 – تجنب الزيارات التي ليس لها سبب، وإن كان لها سبب كزيارة مريض فينبغي عدم الإطالة في الجلوس.
4 – تجنب مجالس السوء، وهيَ مجالس الغيبة والنميمة والكذب والاستهزاء والطعن في الآخرين.
5 – تجنب تضييع الأوقات في المسابقات وحل الفوازير ومشاهدة الأفلام والمسلسلات وتتبع القنوات الفضائية. فإذا انشغلت المسلمة بذلك فعلى رمضان السلام !
6 – تجنب السهر إلى الفجر ؛ لأنه يؤدي إلى تضييع الصلوات والنوم أغلب النهار.
7 – تجنب صحبة الأشرار وبطانة السوء.
8 – الحذر من تضييع أغلب ساعات النهار في النوم، فإن بعض الناس ينامون بعد الفجر، ولا يستيقظون إلا قُرب المغرب، فأي صيام هذا ؟!
9 – الحذر من تضييع الأوقات في إعداد الطعام وتجهيزه، وقد سبق التنبيه على ذلك.
10- الحذر من تضييع الأوقات في الزينة والانشغال بالملابس وكثرة الجلوس أمام المرآة.(3/3)
11- الحذر من تضييع الأوقات في المكالمات الهاتفية، فإنها وسيلة ضعفاء الإيمان في كسر حدة الجوع والعطش، ولو أقبل هؤلاء على كتاب الله تلاوة ومدارسة لكان خيراً لهم.
12- الحذر من المشاحنات والخلافات التي لا طائل من ورائها إلا إهدار الأوقات والوقوع في المحرمات، وإذا دعيت – أختي المسلمة – إلى شيء من ذلك فقولي: إني امرأة صائمة.
الوقفة العاشرة: العشر الأواخر:
* أيتها الأخت في الله، مضى من الشهر عشرون يوماً ولم يبقى إلا هؤلاء العشر، فالفرصة مازالت أمامك قائمة، والأجور مازالت مُعدة، فإذا كنت قد فرطت فيما مضى من الأيام، فاحرصي على اغتنام هذه الليالي والأيام، فإنما الأعمال بخواتيمها.
* وقد كان النبي { إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله } [متفق عليه]. فهيَ والله أيام يسيرة، وليالٍ معدودة، يفوز فيها الفائزون، ويخسر فيها الخاسرون.
* كانت امرأة حبيب أبي محمد تقول له بالليل: قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا !!
* ومن فضل الله تعالى أن جعل ليلة القدر إحدى ليالي العشر الأواخر، وهيَ في أوتار العشر الأواخر من رمضان، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يقول: { تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان } [متفق عليه]. وليلة القدر ليلة عظيمة، وفرصة جليلة، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، ولذلك قال النبي : { إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم } [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
* فاجتهدي – أختي المسلمة – في تحري هذه الليلة العظيمة، ولا تحرمي نفسكِ من هذا الأجر الكبير، واعلمي أنك إذا قمت ليالي العشر كلها، وعمّرتيها بالعبادة والطاعة، فقد أدركت ليلة القدر لا محالة، وفزتِ – إن شاء الله – بعظيم الأجر وجزيل المثوبة.
دعاء ليلة القدر:
* قالت عائشة رضي الله عنها للنبي : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: { قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا } [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(3/4)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
11
النفس
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
الطبعة الأولى
1401 هـ - 1982 م
###3### النفس
إن فهم النفس الإنسانية جزء من فهم الإنسان، والنفس الإنسانية من أجل ذلك، لها مفهوم مختلف في كل ثقافة وكل نظرية اجتماعية وكل فلسفة، وموقف الإسلام منها شأنه في موقفه من الإنسان: من أرحب هذه المناهج نظرة، وأوسعها أفقًا، وأعرفها بميول الإنسان وغرائزه ورغباته، وأكثرها للنفس تحريرًا ودعوة إلى الخير والهدى، والارتفاع عن الدنايا، ولا ريب من أجل ذلك، يقال: إن للإسلام علم نفس خاصًا مختلفًا عن المفاهيم التي طرحتها بعض النظريات التي قامت على الخطيئة والخلاص وإذلال النفس بتحريم الطيبات، وكراهية الرغبات، وسد باب الغرائز، ثم إن هذه المفاهيم الإسلامية – في مجموعها – تختلف عما يطلق عليه في العصر الحديث: "علم النفس" الذي هو – في حقيقته – ###4### مجموعة من العقائد التلموذية مصاغة في أسلوب له طابع علمي خادع.
ولا ريب أن فيما طرح من أفكار ونظريات نفسية عن طريق المدارس المختلفة الموجودة الآن حقائق وأخطاء، وتصورات صحيحة وفاسدة، وفرضيات قد تصدق في بعض المجتمعات، ولا تصدق في البعض الآخر غير أن الأصول الأصيلة لمفاهيم "النفس" إنما هي ميزات النبوة، وما قدمه القرآن، وصاغه العلماء المسلمون مما لا زال هو خير ما هنالك.
فلقد قدم علماء المسلمين مجموعة من الأصول العامة لفهم النفس الإنسانية، تمثل نظرة الإسلام الجامعة الكاملة المتوازنة القائمة أساسًا على المجاهدة والكظم في مواجهة الرغبات المذلة، والتماس الفطرة، والإعتدال في الرغبات المباحة.
ولقد جعل الإسلام معرفة النفس سبيلا إلى إصلاحها وإلى تهذيب الأخلاق، وكلمة: (اعرف نفسك) التي تطرحها الفلسفات الوافدة كلمة مضلة، فإن الإنسان لا يعرف نفسه إلا إذا عرف ربه، ولذلك كانت القاعدة الإسلامية الأولى: "اعرفوا ربكم، تعرفوا أنفسكم" ومن عرف ربه ###5### جل، ومن عرف نفسه ذل، وتهذيب الأخلاق لا يتأتى إلا بمعرفة عيوب النفس التي ينبغي على الإنسان أن يتجنبها حتى يسير في "الطريق المستقيم"، فلكي يرى الإنسان النفس عليه أن يراقب سلوكها الظاهر.
يقول ابن عباس: إن في ابن آدم نفسًا وروحًا بينهما مثل شعاع الشمس، والنفس هي التي بها العقل والتمييز، والروح هي التي بها النفس والتحرك، إلا أن النفس والروح يتوفيان عند الموت في حين أن النفس وحدها هي التي تتوفى عند النوم.
ويتبع هذا المعنى: أن النفس ليست بجسم، وإنما هي من الجسم بمثابة العرض من الجوهر، كما أنها هي الحياة، التي بها يصير البدن حيًا بوجودها فيه، وأن البدن هو صورتها ومظهرها: مظهر كمالاتها وقواها في عالم الشهادة.
ويفسر الإمام الغزالي مظاهر سلوك الإنسان بأربع دوافع أساسية: هي شهوة الطعام، والجنس، والمال، والجاه. وأساس هذه الدوافع كلها غريزة الطعام، إذ تتفرغ الرغبة الجنسية، وحب المال والسلطان منها، ويسمي الغزالي هذه الغريزة البطن.
ويقول: إن الاعتدال هو الميزان الصحيح لجمي أنواع السلوك، والخروج عن حد الاعتدال إلى الإفراط أو التفريط، ###6### هو مصدر الأمراض النفسية، والعلاج هو العودة إلى الاعتدال الواجب.
والغاية من كل سلوك: معرفة الله ومراعاة ما أمر به في كتابه ليهتدي الناس إلى الصراط المستقيم واتباع سبل التقوى.
والغريزة الجنسية – عند الغزالي – ركبت لفائدتين: اللذة وبقاء النسل، ومع ذلك فإن اللذة ليست مطلوبة لذاتها، أو لبقاء النسل، بل لشيء آخر أسمى وأرفع، هو أن يدرك الإنسان لذاته، فيقيس لذات الآخرة، والغزالي يرى أن للشهوة مراحل ثلاثًا: إفراطًا وتفريطًا واعتدالا.
فالإفراط ما يقهر العقل حتى يصرف همة الرجل إلى الاستمتاع بالنساء والجواري، فيحرم من سلوك سبيل الآخرة، أو يقهر الدين حتى يجر إلى اقتحام الفواحش، والتفريط في هذه الشهوة، هو الضعف، وهو مذموم، أما المحمود، فهو أن تكون معتدلة ومطابقة للعقل والشرع.
ورسم الغزالي لعلاج هذه الشهوة أمورًا ثلاثة هي:
1- الجوع. 2- غض البصر. 3- الاشتغال بشيء يستولي على القلب.
وإذا نظرنا في مفاهيم علم النفس المطروحة الآن، نجد أن فرويد رد السلوك الإنساني إلى الغريزة الجنسية، وأن ادلر رد ###7### السلوك الإنساني إلى غريزة السيطرة، وأن الغزالي رد السلوك الإنساني إلى: شهوة الطعام، ومن شهوة الطعام إلى سائر الشهوات. وكان ذلك شأن النظرة الإسلامية في كل الأمور، فهي أوسع أفقًا وأقدر على معرفة الأبعاد المختلفة للشخصية الإنسانية.
والإسلام ينظر إلى النفس الإنسانية في إطار "التوازن" بعيدًا عن طرفي الزهادة والإباحة، فهو يعارض الإسراف والجمود معًا.(4/1)
وقد أباح الإسلام شهوة الطعام والجنس والاستمتاع بطيبات الحياة، ولكنه وضعها في إطار يحمي به النفس الإنسانية من الانحراف، وحفظها لكي تكون قادرة على التماس طريقها إلى أشواقها الروحية ودون أن يغلق عنها هذا الباب الذي هو أحد بابيها الأصليين: من حيث هي سلالة من طين، ونفحة من الروح.
2- إذا التمسنا مطالع علم النفس الإسلامي من القرآن وجدناها واضحة صريحة: «ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» [الشمس: 7].
هذه هي الحقيقة الأولى التي تقرر أن النفس الإنسانية ###8### مؤهلة لطريق الخير وطريق الشر، وأن إرادتها الحرة، هي التي تتجه بها إلى أحدهما، ومن أجل ذلك جاء الدين الحق عن طريق الوحي ليهدي الإنسان إلى أحسن السبل، وليحذِّره من الطرق المنحرفة.
وقد سبق الإسلام علم النفس الحديث في ذلك بأكثر من ثلاثة عشر قرنًا، وقد وصل المسلمون إلى أن النفس شيء، ليس بالجسم، وليس بجزء من الجسم، وأنه شيء آخر له جوهره وأحكامه وخواصه وأفعاله، يتشوق إلى العلوم والمعارف كتشوق البدن إلى المأكل والمشرب.
وقد أورد القرآن ثلاث نفوس، هي مراحل للنفس الإنسانية النفس الأمارة، النفس اللوامة، النفس المطمئنة.
أما النفس الأمارة، فهي التي تمثل الطبيعة البدنية، وتأمر باللذات والشهوات الحسية، وتجذب القلب إلى الأهواء.
وأما النفس اللوامة، فهي التي تنورت بنور القلب، وتنبهت عن سنة الغفلة، كلما صدرت عنها سيئة بحكم طبيعتها، أخذت تلوم نفسها، وتنوب عنها.
أما النفس المطمئنة، فهي التي وصلت إلى درجة اليقين، وتحررت من صفاتها الذميمة، وتخلفت بالأخلاق الحميدة.
###9### 3- وللنفس أثرها في الجسم، نتيجة الارتباط الوثيق بينهما، فإن ما يصيب النفس من الشك أو الملل أو القلق أو الخوف، له أثره في الجسم، وإذا كانت البحوث النفسية قد تقدمت في السنوات الأخيرة، وقررت استحالة الفصل بين الجسم والنفس، وأن الفصل بينهما فصل لجوهرين متلازمين، يتأثر أحدهما بالآخر، وأن العلاج الصحيح ينبغي أن يوجه إليهما معًا، فإن هذا كله مما قرره علماء المسلمين منذ أكثر من عشرة قرون.
فالحكمة في النفس، والإيمان والرضى، والغضب والسخط من النفس، وإن الوعد بالجنة كان للنفس، ولم يكن للجسم: «يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فأدخلي في عبادي، وأدخلي جنتي» [الفجر: 27] فالوعد بالجنة والخلود للنفس، وليس للجسم، وكل الفضائل والرذائل منها، وهي التي تقود إلى الشر، وتقود إلى الخير.
وفي كل نفس منطقة للخوف، ومنطقة للأمان، يتوازيان في الحالة السوية، فإذا طغت إحداهما على الأخرى، كانت النفس غير سوية، والإيمان هو مصدر السكينة والطمأنينة والأمن، فإذا تنكرت له النفس، وانطلقت إلى ###10### الأهواء، عاشت في الخوف والقلق والتمزق حتى تعود إليه مرة أخرى، وإذا كانت أزمة الإنسان المعاصر الآن هي الخوف والقلق، وما أحدثت من تدمير خطير، فإنما يرجع ذلك إلى أن النفس أنكرت وجودها الحقيقي، وهذه واحدة من الحقائق التي قررها علم النفس الإسلامي: "إذا تغلب الخوف على الإنسان، فقد اتزانه وقدرته، وأصبح إنسانًا خائفًا من الحقيقة والخيال، ومن الممكن، وغير الممكن".
والمسلم يقف بين الخوف والأمان، وهما لا يستقران في النطاق المعقول إلا بالإيمان بالله ومعرفته التي هي العاصم من الخوف، والإيمان ضياء ونور، فهو يبدد ظلمات النفس حتى تطمئن، والإنسان يخاف ما يجهل، فكلما كان نطاق الجهل كبيرًا، كان الخوف أعظم.
كذلك دعا الإسلام الإنسان إلى أمرين: 1- إتقاء شح النفس بالإنفاق. 2- والإنصاف من النفس بالإعتراف بالخطأ.
فإذا استطاع الإنسان التغلب على نفسه، كان على غيرها أقدر؛ ولن يكون الإنسان قزو فعالة إلا إذا تحرر من مطامعه وأهوائه، واستطاع كبح غرائزه وشهواته.
كذلك دعا الإسلام الإنسان إلى تغيير النفس، وأنه هو ###11### مصدر الإنتصار الحقيقي، فإذا استطاعت الأمة أن تغير نفسها، فإنها تصل إلى مرحلة أعظم من درجات القوة والسيادة: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» [الرعد: 11] «ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» [الأنفال: 53].
4- أعلن القرآن قيام الحارس والرقيب اليقظ في النفس الإنسانية، يذودها عن الشر، ويدعوها إلى الخير، وينقلها من الخطأ إلى الصحيح؛ ويسمي القرآن هذا الرقيب باسم النفس اللوامة: «واللذين إذا فعلوا فاحشة، أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله، فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله» [آل عمران: 53].
وهذا ما يسمى في العصر الحديث بالضمير، فالنفس اللوامة حافظة للإنسان من الإنحرافات.(4/2)
وقد أودع الله النفس البشرية هذه الملكة "الرقيب" أو الحارس اليقظ، تحاسب الإنسان على تصرفاته، وقد تؤرق نومه إذا تلكأ في إصلاح أمره؛ ولكن هذا الرقيب يبدأ ضعيفًا في نفس الإنسان، ثم يستطيع الإنسان تنميته وتقويته، وقد ###12### يتركه الإنسان، فيضعف عن المقاومة، وقد يتلاشى أمام التبريرات الوهمية.
5- يدعو الإسلام الإنسان أن يفهم ذاته، ويفهم الكون وما وراء الطبيعة، وذلك من منطلق رسالة الدين الحق، أما فكرة اكتشاف الفرد لنفسه بغير معين أو دليل أو علم أصيل، فإنها وسيلة إلى تدميره.
ولقد هدى الدين الحق الإنسان إلى مكانه في الكون ورسالته ومسؤوليته وأمانته، وعلمه فهم العلاقة بين العوالم الثلاثة: عالم الطبيعة، وعالم الإنسان، وعالم الغيب؛ ودعاه إلى الحذر من أن تبهره الكشوف الطبيعية، فإن في نفسه ما هو أدق من ذلك صنعًا: «وفي أنفسكم أفلا تبصرون» [الذاريات: 21].
كذلك أعلن الإسلام وحدة النفس البشرية فهي من أصل واحد، ووحدة الإنسان جماعًا بين الروح والجسم، ووحدة الحياة جماعًا بين الدنيا والآخرة.
وأرسى التوازن بين النفس الإنسانية والجماعة، وحدد علاقة الإنسان بنفسه وبالإنسان وبالجماعة، وأشاع روح الطمأنينة إلى فضل الله والأمل فيه وبه، فألغى بذلك فكرة ###13### التشاؤم والقلق. كذلك رفض فكرتي التهافت على الحياة، والهروب من الحياة.
وحال بين الجفاف العقلي والجمود العاطفي، فأعطى النفس عطاء العقل، وكرم الوجدان الذي هو منبع فياض إلى جوار العقل الذي هو مصدر المقايسات، فخاطب الوجدان بالكون والطبيعة، وخاطب العقل بالعلم، ولما كانت النفس البشرية معارضة لموجات من الشك والطمع والأهواء، فقد دعا الإسلام إلى تزكية النفس وتطهيرها الدائم وتحريرها، وإظهار الفطرة، وإتاحة الفرصة لها، وكشف الأغشية عنها، وذلك بتربية الفرد، وتطهير الإنسان مما يغشى القلوب المريضة، والنفوس المنحرفة.
6- لا يستطيع الإنسان أن يفهم حقيقة النفس إلا إذا التمس الخيط الذي كشف عنه الدين الحق، وهو أنه مخلوق لغاية ورسالة؛ ولم يخلق عبثًا أو سدى، وأن الدين هو العامل الذي رفع الإنسان من ضعف البشر إلى سمو الإنسان، ورقاه من الحيوانية المتصلة بتركيبه الجسماني إلى الروحانية المتصلة بتركيبه النفسي، فإذا عجز الإنسان عن أن يرقى، ويرتفع فوق ماديته، فقد سجل على نفسه الفشل في رسالته وأمانته في هذه الحياة: «واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا، فانسلخ منها ###14### فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه» [الأعراف: 176].
7- أن النفس الإنسانية – فيما قدم الدين الحق للإنسان – واضحة المعالم والاتجاه تمام الوضوح، لو أن الإنسان في العصر الحديث التمس هذا العلم، أما العلم التجريبي فإنه ما زال قاصرًا عن فهم الإنسان؛ وسيظل قاصرًا إلا في المجال المادي فقط، لأن فهم النفس الإنسانية مما لا يستطال بالأدوات الموجودة الآن في أيدي العلماء، وهي العقل والتجربة والعمل.
يقول الدكتور اليكسيس كاريل: "إن أغلب الأسئلة التي يلقيها عن أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بلا جواب، لأن هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنة ما زالت غير معروفة، عنحن لا نعرف الإجابة على أسئلة كثيرة مثل: كيف تتحد جزئيات المواد الكيماوية التي تكون المركب، والأعضاء المكونة للخلية، كيف تتقرر "الجينيس" ناقلات الوراثة الموجودة في نواة البويضة الملحقة؟ كيف تنتظم الخلايا في جماعات من تلقاء نفسها: مثل الأنسجة والأعضاء؟ فهي كالنما والنحل تعرف مقدمًا الدور الذي قدر لها ان تلعبه في حياة المجموع.
###15### ما هي طبيعة تكويننا النفسي والفسيولوجي؟ إننا نعرف أننا مركب من الأنسجة والأعضاء والسوائل والشعور، ولكن العلاقات بين الشعور والمخ ما زالت لغزًا، إننا ما زلنا بحاجة إلى معلومات كاملة تقريبًا عن فسيولوجية الخلايا الغضبية، أي: إلى أي مدى تؤثر الإرادة في الجسم؟ كيف يتأثر العقل بحالة الأعضاء؟
على أي وجه تستطيع الخصائص العضوية والعقلية التي يرثها كل فرد أن تتغير بواسطة الحياة والمواد الكيماوية الموجودة في الطعام والمناخ، هذا التعقيد في تركيب الكائن الإنساني، وفي وظائفه وأوجه نشاطه، هو الذي يتسق مع ضخامة وتشعب وظيفته الأساسية في خلافة هذه الأرض تعقيدًا ما زال مستعصيًا على العقل البشري لأنه فوق وأكبر منه"، اهـ.
وصدق الله العظيم: «هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم» [النجم: 32].
ويرد كاريل دراسة الإنسان المعقدة إلى أنه: إنسان كائن له عالمه الفرد الخاص الذي لا مثيل له في سائر أفراده، وله عالم جامع للخصائص الإنسانية المشتركة.(4/3)
يقول: إن الفردية جوهرية في الإنسان؛ إنها ليست مجرد جانب معين من الجسم، إذ أننها تنفذ إلى كل كياننا، وهي ###16### تجعل اللذات حدثًا فريدًا في تاريخ العالم، إنها تطبع الجسم والشعور؛ كما تطبع كل مركب في الكل بطابعها الخاص، وإن ظلت غير منظورة، وتميز الأفراد كل منهم عن الآخر بسهولة بواسطة: تقاطيع وجوههم وإشاراتهم وطريقتهم في المشي، وصفاتهم العقلية والأدبية الخاصة، ومع أن الزمن يحدث تغييرات كثيرة في مظهر الأفراد، إلا أنه يمكن دائمًا معرفة كل فرد بواسطة إبقاء أجزاء معينة من هيكله، وكذلك فإن خطوط أطراف الأصابع مميزات قاطعة للفرد؛ ومن ثم فإن بصمات الأصابع هي التوقيع الحقيقي للإنسان.
ومن المحتمل أنه لم يوجد فردان بين ملايين البشر الذين استوطنوا هذه الأرض، وكان تركيبهما الكيماوي متماثلا، وترتبط شخصية الأنسجة التي تدخل في تركيب الخلايا والاختلاط بطريقة ما زالت غير معروفة حتى الآن، ومن ثم فإن فرديتنا تتأصل جذورها في أعماق ذاتنا.
إننا عاجزون عن اكتشاف الصفات الجوهرية لشخص بعينه، فضلا عن أننا أكثر عجزًا عن اكتشاف إمكانياته.
ويصل اليكسيس كاريل إلى حقائق ثلاثة:
حقيقة أن الإنسان كائن فريد في هذا الكون.
حقيقة أن الإنسان كائن معقد أشد التعقيد.
###17### حقيقة أن الإنسان يشتمل على عوالم منفردة عددها عدد أفراده.
ويقول: إن هذه الحقائق تقتضي منهجًا للحياة الإنسانية يرعى تلك الاعتبارات كلها، يرعى تفرد الإنسان في طبيعته وتركيبه، وتفرده في وظيفته وغاية وجوده، وتفرده في مآله ومصيره، كما يرعى تعقده الشديد وتنوع أوجه نشاطه، ثم يرعى فرديته هذه مع حياته الجماعية.
وبعد هذا كله تضمن له أن يزاول نشاطه كله وفق طاقاته كلها بحيث لا يسحق ولا يكبت، كما لا يسرف ولا يفرط. وبحيث لا يدع طاقة تطغي على طاقة، ولا وظيفة تطغي على وظيفة، ثم يسمح لكل فرد بمزاولة فرديته الأصيلة. مع كونه عضوًا في جماعة.
ولذلك فإن مناهج الحياة التي اتخذها البشر لأنفسهم لم تستطع وضع شيء مناسب لأنها لم تصل بعد إلى أغوار حقائق هذا الكائن، والمنهج الوحيد الذي راعى هذه الاعتبارات كلها، هو المنهج الذي وضعه للإنسان خالقه العليم بتكوينه ونظرته، الخبير بطاقاته ووظائفه، المنهج الذي يحقق غاية وجوده، ويحقق التوازن في أوجه نشاطه، ويحقق فرديته وجماعته.
###18### ونحن نرى أن هذا التوقف الذي وقفه العلم الحديث، إنما جاء من اعتقاد هذا العلم بقدرته على أن يكتشف الإنسان، بينما لم يكن ذلك في مقدوره، وبينما وجد المنهج الخاص بالإنسان والنفس الإنسانية كاملا عميقًا ما زال متدفقًا بالحياة منذ جاء الإسلام، وما زال صالحًا للتطبيق، ومعلنًا أن كل هذه المذاهب التي صنعها الإنسان لم تكن بقادرة على أن تدله أو تهديه، أو تكشف له أعماق نفسه.
إن المنهج الرباني في الإنسان والنفس، هو الأمل الوحيد الآن للبشرية كلها بعد أن تساقطت المذاهب والنظريات كما تساقطت أوراق الخريف.
ولقد كشف كارل يونج الباحث النفسي عن الخطر الذي يواجه النفس الإنسانية في هذا العصر بالتمزق والمرض.
يقول في مقدمة كتابه (النفس غير المكتشفة):
"استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضرة، وعالجت مئات من المرضى فلم أجد مشكلة واحدة من مشكلات أولئك الذين بلغوا منتصف العمر – أي: الخامسة والثلاثين – لا ترجع في أساسها إلا إلى افتقارهم إلى الإيمان، وخروجهم على تعاليم الدين، ويصبح القول بأن كل واحد من هؤلاء، وقع فريسة المرض ###19### لأنه حرم سكينة النفس التي يجلبها الدين – أي دين – ولم يبرأ واحد من هؤلاء المرضى إلا حين استعاد إيمانه، واستعان بأوامر الدين ونواهيه على مواجهة الحياة.
8- ويقول يونج: إن سر أزمة الإنسان هو أنه لم يستكشف ذاته، وأن تحرر الإنسان من التحديات التي تواجهه، إنما يرجع إلى فهم النفس والتغلغل في أعماقها والوصول إلى معرفة كافية للإنسان وإلى إقامة تقييم سليم له، هذا الإنسان الذي يسحقه الآن التطور الآلي، وتعصف بقلاعه، وأن لذة المعرفة، هي السلام الوحيد الذي يقف أمام التدهور الروحي والاستخذاء الجماعي إزاء أنظمة الاستبداد. ويقول: إن النظريات العلمية لا نفع فيها، فبقدر ما تكون النظرية شاملة، بقدر ما تعجز عن الإلمام بالواقع الخاص بالذات، وكل نظرية تعتمد على التجربة، هي بالضرورة نظرية إحصائية، فهي لا تقدم إلا متوسطًا حسابيًا، ويرى يونج أن عملية اغتيال الذات الفردية، ليست قاصرة على الشرق أو على الغرب، فهما يسلبان الحرية الفردية.
ويقرر أن نفس الإنسان كائن مستقل، هو نقيض المادة والجسم، وعنه تصدر ظواهر الوعي والشعور والإرادة، وله ###20### وجوده القائم بذاته وقوانينه الخاصة المميزة.
ثم يقف يونج على مفرق الطريق ليرى المنهج الصالح لدراسة النفس الإنسانية، فهو يرى أنه ليس مذهب زميله وصديق شبابه فرويد، وليس مذهب الفكر الغربي وليس مذهب الماركسية.(4/4)
والواقع أن المنهج الصالح هو الذي يقدمه الإسلام، والذي لم يحاول الفكر الغربي بعد أن يدرسه، أو يجربه، ولو فعل لوجد فيه عامل تحرره.
أما الدعوة إلى الوجودية أو منهج الاستيطان الذاتي أو منهج البوذية أو غيرها من الدعوات المادية الخالصة، أو الروحية الخالصة من الشرق أو من الغرب، فإنها لن تؤدي إلى فهم حقيقة النفس لأنها غالبًا ستحجب تلك العروة الوثقى القائمة على الترابط الأصيل بين الروح والمادة، والنفس والجسم التي يمثلها منهج الإسلام.
9- لقد مرت البشرية بمرحلتين من الدعوة إلى فهم الإنسان، والنفس الإنسانية، ولم يفلح كلتاهما، لأن الأولى غلبت المادية الصرفة، وجاءت الأخرى، فغلبت الروحية الصرفة، وتركت كل منهما تراثًا، فلم تجد البشرية أمامها طريقًا صحيحًا حتى جاء الإسلام، فوقف موقفًا وسطًا فهو: "لا ###21### يفرض القيود إلى الحد الذي يرهق النفس، ويبطل دفعة الحياة، ولا يطلق الإنسان من عقاله إلى الحد الذي يرده حيوانًا، ويلغي ما تعبت الإنسانية في الوصول إليه في جهادها الطويل من ضوابط لنزع الحيوان".
وفي هذا المجال الواضح يقدم الإسلام مفهومًا واضحًا:
أساسه الاعتراف بحقوق الإنسان وميوله وعواطفه، والنظر إلى كل ما يتصل بعلم النفس على أنه نظرية وفروض، وليست حقائق علمية مقررة، قامت أساسًا على تجارب خاصة للباحثين، منهم من له ظروفه الخاصة العقلية والاجتماعية، من اضطراب عقلي أو اضطهاد، ويرى ضرورة الحذر من أهواء الفلاسفة والباحثين التي لا ترتقي إلى مستوى القيم الثابتة التي لا تتغير بتغير الظروف أو الأزمان أو البيئات واعتبار أن العلم هو كل ما يتعلق بالمختبرات العلمية والتجريب، أما النظريات الفلسفية، فهي ليسن سوى وجهات نظر تخطئ وتصيب.
كما يلاحظ أن الموجات السياسية المختلفة من استعمارية وشعوبية وصهيونية، إنما تحاول الاستفادة من بعض النظريات التي تتفق مع وجهة نظرها، أو التي تستهدف احتواء الأمم والشعوب وتحويلها عن نظرتها الأصيلة.
###22### ولقد أولى الإسلام تقديره واهتمامه لميول الإنسان وعواطفه وغرائزه الطبيعية باعتبارها فطرية، ولم يمنعها حقها، أو يدمرها أو يقضي عليها، كما فعلت بعض الأديان، بل أفسح لها الطريق الطبيعي والمعتدل، ووضع لها ركائز وضوابط، وأجراها في طريق معبد: قوامه التوسط والبعد عن الغلو والإسراف من ناحية، والتجميد من ناحية أخرى أو الإلغاء من ناحية ثالثة، وعدت الإنسان السوي هو الذي يحتفظ بقواه العقلية والروحية والجسمية، ويطبقها في الاتجاه الطبيعي.
ويرى الإسلام أن وقف تيار هذه الميول بصنوف الرياضات وأشكال الحرمان سبب لتعطيل قوى النفس الإنسانية وصدها عن استخدام جميع وسائلها، وبذلك يتوقف ظهور آثارها في عالم الحس، لذلك جاء الإسلام معترفًا بهذه الميول الطبيعية داعيًا إلى الاعتدال: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) [الأعراف: 7].
وصفوة القول في الصلة بين عالم النفس والإسلام أن دراسات العلماء تجمع الأدواء النفسية كلها في داء واحد، هو داء الضمير المدخول أو الضمير المنقسم على نفسه، وأنها تجمع الطب النفساني كله في دواء واحد، هو داء اليقين والإيمان، ###23### وذلك دواء الدين وليس منه عند العلم إلا القليل، لأن العلم سبيل ما يعرف، ولا حاجة به إلى ثقة وتسليم، وإنما يؤمن الإنسان ليعرف كيف يثق، وكيف يبصر موئل الأمان، ثم يركن إليه ركون العارف الآمن.
ويشير الإمام محمد عبده إلى أن الفلاسفة والعلماء الذين اكتشفوا كثيرًا مما يفيد في راحة الإنسان، أعجزهم أن يكتشفوا طبيعة الإنسان، ويعرضوها عليه، حتى يعرفها ويعود إليها. هؤلاء الذين صقلوا المعادن حتى كانت من الحديد اللامع المصفى، أفلا يتيسر لهم أن يحلوا الصدأ الذي غشي الفطرة الإنسانية، ويصقلوا تلك النفوس حتى يعود إليها لمعانها الروحي؟ فالدين هو الذي كشف الطبيعة الإنسانية، وعرفها إلى أربابها في كل زمان، ولكنهم يعودون، فيجهلونها، وأن العقدة النفسية الكبرى في أعمال النوع البشري، قد تتلخص في كلمتين: "المخاوف المجهولة" وإن الشفاء في تلك العقيدة، يتلخص في الإيمان لأنه أمان وائتمان.
ويصور جون كارل فلوجل في كتابه (الإنسان والأخلاق والمجتمع) عجزت العلوم الحديثة عن الوصول إلى الحقيقة، فيقول: إن موقف علم النفس الآن أشبه بموقف الطبيب يشاهد مريضًا بين الموت والحياة دون أن يستطيع تشخيص ###24### الداء عن طريق الحدس والتخمين، وإن مكتشفات التحليل النفسي ونظرياته في ميدان الغريزة الجنسية، قد صدمت شعور كثير من الناس، فهم يشعرون أن علماء النفس حين يحاولون فهم البواعث التي ترتكز عليها القيم الخلقية والدينية، قد يحطمون هذه القيم عينها، بل لعلهم يعملون فعلا على تحطيمها.(4/5)
وحذر فلوجل من نتائج هذه الأبحاث، وخاصة ما يتعارض منها مع النظم والعقائد، وقال: ربما كان علماء النفس هم أنفسهم من المصابين بتلك العقد التي يحلو لهم الحديث عنها، ولذلك جاءت معظم أحكامهم مشوبة بالهوى، قائمة على معرفة مبتسرة.
وقال: إن علم النفس علم مهمته مقصورة على وصف حقائق الحياة العقلية وتصنيفها؛ فلا شأن له بالقيم ذاتها.
ويقول العقاد: إن أكبر معالجات علم النفس، هو القلق: مصدر المرض النفسي والانقسام الداخلي وانفصام الشخصية؛ ويقترن بهذا الخطر – وقد يكون من أسبابه – داء الحيرة بين حياة الروح وحياة الجسد؛ وبين تغليب الروح بالجور على المتعة الجنسية، وتغليب حياة الجسد بالاسترسال مع الشهوات والإقبال على اللذات الحيوانية دون غيرها؛ وفي ###25### الإسلام عصمة من كل داء من أدواء هذا الفصام الذي يمزق طوية الفرد، أو يمزق صورة الوجود كله بين خصومات الفكر وخصومات العقيدة وخصومات المثل العليا في كل قبلة يتجه إليها، فليس في الإسلام عداء بين الروح والجسد؛ وليس للجسد فيه محنة تمتحنه بالصراع بين الطيبات من متعة الروح أو متعة الجسد.
10- ومن كل هذه المراجعات في موقف الأديان والفلسفات والمذاهب: تجد أن التصور الإسلامي، هو أعمق هذه التصورات وأوسعها وأكثرها عمقًا؛ وأصدقها تعرفًا إلى الفطرة، وأقربها إلى العلم والعقل. فالإنسان – في نظر الإسلام – كائن كريم لا هو بالملاك ولا هو بالشيطان؛ له مطامع تشده إلى الأرض، وله أشواق تربطه بالسماء، والإسلام من أجل إقامة التوازن بين نوازعه وأشواقه، يرسم لها طريقًا وسطًا، ويعمد إلى إيجاد الموائمة في نفس الفرد بين قواه المختلفة مما يؤدي إلى سلامة الكيان البشري وحسن تناسق الفرد مع المجتمع، فهو يحفظه دون أن يجمد بالرهبانية، أو يتمزق بالإباحة حتى يستطيع أن يكون قادرًا على أداء رسالته ومسؤوليته، وهو يحقق له رغبات جسده وعقله وروحه؛ واعتراف الإسلام بالطبيعة البشرية وبحق ممارستها مع وضع ###26### الضوابط والحدود لها: يحول دون كل ما يسمى من كبت أو تمزق أو ضياع.
كذلك فإن من أبرز معطيات الإسلام: التفاؤل برحمة الله، فليس في الإسلام أي ملمح ليأس أو انهزامية أو ضعف أو تشاؤم؛ كذلك فإن هذا الاتجاه الجامع الوسط يحول دون طوابع الوثنية أو عبادة الشهوة أو عبادة الفرد، كذلك فإنه يدفع إلى التضحية والتقوى والبذل والفداء.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(4/6)
سلسلة على طريق الأصالة: في مواجهة ركام الفكر المطروح على الساحة اليوم – 11
قراءات الشباب المسلم في مواجهة ركام الفكر المطروح على الساحة اليوم:
[ما هي المحاذير التي يجب ألا يقع فيها الشباب المسلم عند قراءة كتاب وكيف يقرأ المسلم الكتاب وماذا يقرأ المسلمون حتى يحصنوا أنفسهم ضد موجات الغزو الفكري؟].
هذه أسئلة تتردد كثيرًا ويطلب من الباحثين المسلمين الإجابة عليها والواقع أن الإسلام لا يحرم قراءة أي نوع من الكتب بشرط أن يكون لدى القارئ خلفية من الفهم والثقافة والقدرة على معرفة الغث من السمين، ولقد حدد الإسلام الوجهة في أن يتابع المثقف المسلم العلوم النافعة أساسًا ولا يشغل نفسه بالكتب التي تعني بالذات والشهوات والإباحيات وما يروي أحاديث البغاة والزنادقة الذين يصورون الشهوات سواء أكان ذلك في صورة قصة أو في ديوان شعر أم في كتابة عامة، فهذه الكتب التي تنتشر كثيرًا هذه الأيام لمؤلفين مجهولين أو التي تعيد إحياء فكر الباطنية والزنادقة: أمثال أبي نواس وبشار وغيرهم من الكتب التي تصنف تحت عنوان الأدب أو التي تحاول أن تقدم صورًا عاصفة من أحاديث الرواة التي كان يقدمها القصاص في بعض المجالات العابثة أو الندوات الصاخبة، فهذه كلها كتب لا تفيد ولا تعطي النفس المسلمة ما تتطلع إليه من إيمان ويقين وتقوى، وقد نبذت هذه الكتب طوال فترات تماسك المجتمعات الإسلامية، وعندما كانت الأمة الإسلامية مشغولة بالمهام الكبرى في بناء حضارتها وعلومها.
فلما ضعفت الأمة وركنت إلى الرخاوة والضعف استطاع الزنادقة والشعوبيون ودعاة الإباحة استنساخ هذه الكتب وإذاعتها من جديد ونحن نقف في هذه الكتب موقف الحذر فلا نتخذها مراجع في أبحاثنا العلمية ولا نصدق ما جاء بها ولا نؤمن بما أورده كتاب التغريب من أن هؤلاء الزنادقة كان لهم وزن في مجتمعهم أو تأثير، والمراجع الحقيقية تؤكد أنهم كانوا فئة مرذولة مقصاة عن المجتمع الزاخر بالعلماء والباحثين الخلص في عصرهم وأن كل ما حاول طه حسين وجماعته من أن يجعل لهؤلاء ولآثارهم وجود حقيقي إنما كان من باب الهدم، ولذلك فنحن لا نثق بما جاء في كتاب (الأغاني) ولا نثق في مؤلفه (الأصفهاني) ولنرجع إلى ترجمته فنجد إنه كان رجلاً شعوبيًا معاديًا للإسلام مواليًا لأعداء الإسلام وخصومه، وإنه جمع هذه الأشعار والروايات ليرضي طبقة من المترفين الفاسدين، وأن ما رواه في كتابه مضطرب لا يثق به أحد، وأنه ما قصد علمًا ولا بحثًا جادًا ولكنه أراد غواية وإفسادًا كان من بين خطط الشعر وبين الذين هم دعاة التغريب في ذلك العهد، وكذلك نقف هذا الموقف من كتاب (ألف ليلة) هذا الكتاب اللقيط الذي ليس له مؤلف معين والذي جمعت رواياته من مجتمع فارس الوثني قبل الإسلام وأضيفت إليه بعض قصص عراقية ومصرية، كذلك كل ما أورد من شعر منسوب إلى عمر الخيام لم يصح فيه شيء إلا القليل فلم يكن الخيام في الحقيقة شاعرًا وإنما كان عالمًا فلكيًا ولكن بعض القوى التغريبية أرادت أن تتخذ منه تكأة لإذاعة شعر فارسي في الخمر لم يعرف له مؤلف على النحو الذي قام به (فتزجرالد) وترجمة عصبة من الشعراء العرب الذين خدعوا أو جرى التأثير عليهم ثم كشفت الحقيقة من بعد.
أما ما يتردد دائمًا على ألسنة بعض المغرضين من الإشارة إلى الشعر الغربي الذي عرف في مرحلة من مراحل المجتمعات الإسلامية سواء من شعر الخمر أو الجنس أو الغلمة فإن هذا وافد معروف وفد على الأدب العربي تحت تأثير الظروف التي واجهها المجتمع الإسلامي بعد ترجمة آثار اليونان والفرس والهنود من كتابات إباحية وجنسية تأثر لها بعض الشعراء والكتاب وهي مرحلة مضطربة معروفة – استطاع الفكر الإسلامي والأدب العربي أن يخرج منها ويعود إلى أصالته. ومن هنا فليست هذه النصوص مما تؤخذ على الأدب العربي وهذه المرحلة قد حفلت أيضًا بالفكر الفلسفي والفكر الصوفي الفلسفي الذي أثار نظريات وحدة الوجود والحلول والتناسخ وما يتصل بها من نظريات العقول العشرة والفيض والنرفانا وغيرها وهذه كلها نظريات واجهها الفكر الإسلامي وكشف عن زيفها وكتب عنها أئمة أعلام: كالشافعي وأحمد بن حنبل والغزالي، وكان قمة من وصل إلى الغاية في هذا الإمام ابن تَيْمِيَّة.
ومن هنا فإن الشباب المسلم يجب أن يكون على وعي بهذه المرحلة من تاريخ الفكر الإسلامي التي تأثرت بترجمات الفكر اليوناني والفارسي والهندي، وما أثاره من قضايا وما جرت من محاولات الفلاسفة للربط بين الإسلام وهذا الفكر وما بلغوا من فشل في هذا المجال، وما دحض به مفكروا الإسلام أخطاء الفكر اليوناني وفساد وجهته.(5/1)
ولما كان الإسلام ومنهجه كله (في مختلف جوانبه عقيدة وشريعة وأخلاقًا) قد اكتمل قبل أن يختار الرسول صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى (اليوم أكملت لكم دينكم) فإن كل هذه المطروحات التي حاولت أن تجد مكانًا لها في الفكر الإسلامي بعد ترجمة الفلسفات قد بانت غربتها واختلافها بل وتعارضها مع مفهوم الإسلام الذي جاء بمنهج مختلف عن منهج الحضارات العبودية التي سبقته وخاصة حضارات اليونان والرومان والفرس والفراعنة والهنود، هذه الحضارات التي قامت على أمرين رفضهما الإسلام وأنكرهما إنكارًا تامًا:
أولاً: الوثنية وعبادة الإنسان للصنم.
ثانيًا: الرق وعبودية الإنسان للإنسان وإعلان الفلسفات جميعها (وخاصة فلسفة أرسطو وأفلاطون) بأن الرق حجر أساسي في بناء الحضارات، وقد رفض الإسلام ذلك كله وهدمه وحطم وجوده.
هذه هي الخلفية الأساسية للشباب المسلم المثقف في النظر إلى الفكر البشري الذي جاء الإسلام ليكشف زيفه ويقيم منهج النبوة الصحيح للإنسانية كلها على نحو مخالف تمامًا قوامه التوحيد الخالص وإسلام الوجه لله تبارك وتعالى وإقامة العدل والإخاء البشري والرحمة "وليظهره على الدين كله"، فلك يلبث أن قامت الأمة الإسلامية من حدود الصين إلى نهر اللوار في أقل من ثمانين عامًا، وقد قدمت الأمة الإسلامية للغرب المنهج العلمي التجريبي الذي أنشأ الحضارة المعاصرة وقد قبلت أوروبا منهج العلم ولم تقبل منهج الفكر والعقيدة، فأقامت حضارة ينقصها البندين الأساسيين للحضارة الإسلامية، وهما البعد الرباني والبعد الأخلاقي ومن ثم أخذت تواجه الارتطامات والصدمات والعواصف والأزمات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من اضطرابات ولسوف يصيبها ما أصاب الحضارة الوثنية التي سبقتها ولابد أن تواجه الانهيار.
ولقد قدمت الحضارة الغربية للعالم منهجين: أحدهما رأسمالي والآخر اشتراكي، وقد تبين بعد مرور الوقت الكافي بعجز كلا المنهجين عن أن يقدما للبشرية أشواق الروح أو طمأنينة النفس وتعالي الصيحات اليم تطالب بمنهج جديد وتلفت علماء الغرب الذين استطاعوا أن يتحرروا من أسر التقليد والتبعية فنادوا بالعودة إلى الإسلام بوصفه المنقذ الوحيد للبشرية من أزمتها الخانقة.
في ضوء هذا المفهوم يجب أن يقرأ الشباب المثقف بوعي وحرص ما يقدم عليه فلا يخدعه أحد من الأسماء اللامعة أو الصحف الواسعة الانتشار ولا المؤلفات البراقة، والعبرة بالمضمون والرائد لا يكذب أهله فإذا كذبها كان حقًا على الأمة أن تكشف زيفه وأن تنحيه، ولقد كانت هناك أسماء لامعة خدعت الناس طويلاً لأنها دعت أمتها إلى التبعية وإلى الاستسلام أمام الغرب الذي لم يكن في يوم من الأيام إلا خصمًا يطمع في احتواء عقليات المسلمين ويرغب في تزييف منهج الإسلام.
على هذا النحو الذي رسمه كرومر ودنلوب وزويمر، والذي وكل المستشرقون أتباعهم من أصحاب الأسماء العربية أن يكملوا المهمة، إيمانًا بأنهم أقدر على كسب ثقة أهليهم، ولقد تكشفت هذه السموم وارتدت هذه الأسهم إلى صدور أصحابها ولم يعد في الإمكان إعادة الثقة إلى كل من خان هذه الأمة أو خدعها أو دعاها إلى التنكر لدينها أو عقيدتها أو لغتها أو قرآنها. هذا هو المنطلق الأول لفهم الوجهة في قراءة ذلك الركام الهائل المطروح أمام المثقف المسلم (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
في مواجهة ركام الفكر المطروح على الساحة اليوم: نظريات مضللة نكشف زيفها:
يجب أن يكون موقفنا نحن المسلمين واضحًا من كل ما يقدم على الساحة حتى نستصفي مفهومنا الصحيح للثقافة والعلوم والمجتمع وقضايا السياسة والاقتصاد والتربية وغيرها فقد حدث خلط كثير خلال هذه السنوات التي مرت وخاصة سنوات الاحتلال الأجنبي وما ترك من رواسب لا تزال قائمة في مجالات الفكر والثقافة والتعليم والصحافة في محاولة لصبغ فكرنا بلون غربي أو مغرب.
كان النفوذ الأجنبي ظاهرًا في عصر الاحتلال وكانت المرحلة واضحة التبعية للاتجاه الغربي الليبرالي والرأسمالي، وكانت كل المؤسسات خاضعة لتلك الوجهة، وكانت هناك وطنية تعمل على التحرر من النفوذ الأجنبي، ولكن كان هناك من يخدمون هذا النفوذ. ومن هنا فإن تاريخ الحركة الوطنية أيام الاحتلال يجب أن يدرس بعناية وأن ينظر فيه إلى ما مقام به كرومر من بناء نماذج كانت تؤمن بالالتقاء مع النفوذ الأجنبي في منتصف الطريق وتقبل منه القليل، وقد اعتمد الاستعمار على التعليم في تكوين هذه القيادات وكانت التجربة السياسية القائمة على النظام الغربي زائفة، وكانت التبعية للنظام الغربي وسيطرته الاقتصادية حتى بعد انتهاء الاحتلال العسكري واضحة وقائمة.(5/2)
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة التجربة الماركسية وكانت تمثل تبعية من نوع آخر، عانى خلال مرحلته المفهوم الإسلامي الأصيل أشد المعاناة، فقد حجب وراء تصور قاصر، يجعل الإسلام دينًا لاهوتيا قاصرًا على العبادة والمساجد بعيدًا عن مفهوم الإسلام الحقيق: مفهوم المنهج الرباني القائم على خضوع الحياة الاجتماعية والسياسية له بوصفه نظام مجتمع ومنهج حياة، وكان لهذا المفهوم أثره الواضح في مجالات الثقافة والتعليم والصحافة وخضعت المناهج التعليمية والجامعية إلى النظم الليبرالية والماركسية، وقامت الحياة الثقافية على هذا المنهج أو ذاك دون أن يتاح للمنهج الإسلامي الذي هو الأصل أن يستعان أو يدافع عن مفهومه ووجوده إلا من خلال صحف متواضعة وكتب قليلة، وكتابات تقوم على الدفاع والرد على الشبهات المثارة ولا تملك أن تقدم منهجها الأصيل بصورة حقيقية.
وهكذا كان الفكر الحديث الذي يقدم من خلال مناهج العلوم الاجتماعية والنفس والفلسفة والاقتصاد والأدب والتاريخ مشوبًا بالتصور الغربي، لا يضع للدور الإسلامي في تاريخ العلوم أو الفكر كبير اهتمام، بل إن العلوم التي كان للإسلام دوره الرائد في صياغتها تدرس الآن دون إشارة إليه وتبدأ من حيث أخذها الغرب وتجاهل دور المسلمين فيها، فإذا اتصلت هذه العلوم والمناهج بتاريخ المسلمين أنفسهم أو بتراثهم قدمت على نحو متعسف مضلل، فهي تتناول تاريخ الإسلام بأسلوب علماني وتحكم عليه من خلال منهج التفسير المادي للتاريخ وتقلل من عظمته وتفرغه من شحنته الروحية وتجعله باردًا كالثلج، وتلك محاولة مقصودة من أجل إطفاء نوره وإذهاب طابعه القادر على بناء النفس المسلمة من جديد.
إن هناك أسماء كثيرة لمعت بفضل النفوذ الأجنبي ووضعت في موضع القيادة الفكرية يجب أن يعاد النظر فيها على ضوء الحقائق التاريخية التي ظهرت ووفق مفهوم الأوضاع التي كانت تحجب الأضاليل فسعد زغلول ولطفي السيد وعبد العزيز فهمي وجرجي زيدان وطه حسين وسلامه موسى وتوفيق الحكيم، كل هؤلاء يجب أن يعاد النظر إليهم في ضوء الحقائق التي عرفت، وخاصة ما يتصل بها الماسونية وبروتوكولات صهيون، وأن هناك أسماء أخرى ظلت تحت تأثير الموجة الطارئة يجب أن يعاد النظر إليها أمثال المتنبي والغزالي وعمر الخيام والسلطان عبد الحميد.
ولابد من وقفة حاسمة عند دور المماليك والدولة العثمانية في تاريخ مصر والبلاد العربية، فما تزال القوى التابعة للنفوذ الأجنبي تحاول أن تثير الاتهامات والشبهات مرضاة للغرب الذي يعلن عن كراهيته للمماليك الذين قضوا على نفوذه وأزالوا وجوده في الحروب الصليبية وإخراجه مهزومًا من بلاد المسلمين بعد قرنين من الزمان وكذلك كراهيتهم للسلطان محمد الفاتح الذي انتزع القسطنطينية والدور الذي قامت به الدولة العثمانية في وجود مصر وشمال إفريقيا وخاصة الجزائر وتونس من النفوذ الغربي الزاحف.
ولابد من الاهتمام بالدعوات المضللة التي استطاع النفوذ الأجنبي إبرازها والتركيز عليها خاصة قضية تحرير المرأة، والانفجار السكاني والفلكلور، وأن يكون هناك موقف قائم على الأصالة من الترجمة بصفة عامة ومن ترجمة الروايات العالمية التي لا تمثل مشاعرنا ولا قيمنا والتي تركز على الإباحيات والكشف على النحو الذي نشر في مصر أخيرًا ووجد في كلية الآداب، فهذا عيب كبير أن تكون مصر قائدة الأصالة العربية الإسلامية هي التي تصدر هذه النماذج العارية المكشوفة والإباحية.
إننا نطالب في مقدمة كل كتاب يترجم إلى اللغة العربية بيانًا عن ضرورة هذا العمل وميزاته ووجه المقارنة بينه وبين ما يوجد في لغتنا وثقافتنا وأن يكون واضحًا أنه عمل مرتبط بعصر وبيئة وأنه ليس على الإطلاق قواعد فكرية أو قوانين علمية، فنحن لا نقبل فكر الآخرين إلا إذا كان بمثابة (مواد خام) نشكلها في إطار فكرنا كما نشاء.
لقد قدمت لنا في العقود الماضية نظريات كثيرة في القومية (ساطع الحصري) وفي العلمانية (طه حسين) وفي الأدب المكشوف (توفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس وغيرهما) وفي الماركسية (محمد مندور) وفي الجنس (فرويد وسلامه موسى) وفي مذهب العالمية الماسونية (لويس عوض) وإحياء التراث وتزييفه (طه حسين، عبد الرحمن الشرقاوي).
وكل هذه الكتابات يجب أن تقرأ بحذر وأن يكون معروفًا هدف كتابها ومصادر ثقافتهم والغاية التي يتوخونها من طرح هذه الكتابات.
ولقد قدم بعض الكتابات (الأغاني، وألف ليلة، ورسائل إخوان الصفا، وكليلة ودمنا) على أنها مراجع يمكن اعتمادها في كتابات الأطروحات العلمية.
وقد كشف الباحثون عن فساد هذه الكتب وعجزها عن أن تكون مصادر صحيحة وقدمت في خلال العقود الماضية مذاهب ونحل مضللة كالبهائية والقاديانية وعنيت الصحب بالعباس البهاء وبعض مؤسسي الصهيونية الذين قدموا كمفكرين عالميين.(5/3)
لقد كشفت دوائر العلوم في الغرب فساد كثير من النظريات المطروحة في أفق الفكر الإسلامي ومناهج الدراسة والتعليم على علوم حقيقية. بينما لم تكن في الحقيقة إلا نظريات وفروض عقلية قابلة للخطأ والصواب.
ولقد تكشفت في الغرب مفاهيم جديدة حول نظرية دارون ونظرية فرويد ونظرية سارتر ونظرية دوركايم. كما تبين أكذوبة ما يسمى بالحضارة العالمية. وتعالت الأصوات باضطراب مفاهيم العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وتبين أن هناك محاولة ملحة في إثارة النعرات الإقليمية والقومية والعنصرية وإحياء التاريخ القديم السابق للإسلام.
وهناك هجوم كاسح على اللغة العربية بقصد اختراقها لأنها الفصحى لغة القرآن. وهناك محاولات مستميتة لإحياء العاميات سواء في المسرح أو المسلسلات أو الصحافة أو القصة فضلاً عن إنكار فضل المسلمين على الحضارة والتجريب ومحاولة حجب الشريعة الإسلامية وإعلان القانون الوضعي.
كما تبين فساد مفاهيم الاقتصاد السياسي الربوي وعلم النفس الفرويدي ومفاهيم ماركس ودوركايم وسارتر وفساد فكرة وحدة الأديان أو وحدة الثقافة كما كشف الباحثون عن تناقض الكتب القديمة واستحالة اندماج الإسلام في الإيدلوجيتين الليبرالية والشيوعية.
وتميز الإسلام بالنسبة للأديان السماوية والوضعية جميعًا بذاتيته الخاصة وكتابه الخالد النص الثابت الموثق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أخطر القضايا التي تواجه الشباب المسلم اليوم التبعية للفكر الوافد.
التبعية للفكر الوافد:
ما يزال الشباب المسلم في هذا العصر في حاجة إلى معرفة أبعاد القضية الكبرى التي تمتلك عليهم اليوم فكرهم وينقسمون إزائها تحت تأثير الخدعة التي جرت على أقلام أتباع الاستشراق والتغريب وهي اصطناع أسلوب الغرب في مواجهة التفوق عليه والتحرر من نفوذه. وهي خدعة ضخمة كشفت الأحداث خلال أكثر من قرن كامل عن فسادها فقد استهدف النفوذ الأجنبي بها احتواء المسلمين في دائرة مغلقة هي دائرة فكره والتبعية له، والانحباس بها دون امتلاك إرادة فكرهم المشرق والمنطلق الذي يحمل لواء النظرة الجامعة وبكامل عناصر المادة والروح والذي يحمل شارة العزة والكرامة والعبودية لله تبارك وتعالى وحده من دون الأمم أو الحضارات أو الإيدلوجيات والمذاهب الوافدة.
بل إنه لمن العجب أن نجد مسئولاً يحمل مسئولية النيابة عن العرب في منظمة دولية كبرى يقول هذا القول ويردد الفكرة الباطلة المسمومة حين يقول: "إنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل استيراد الحضارة الحديثة دون استيراد قيمها معها فنحن فيما يرى هذا التغريبي لا يستطيع استيراد المنتجات التكنولوجية للعالم الحديث دون تبني نفس القيم التي كانت خلف الحضارة التكنولوجية فالحضارة كل متكامل لا يتجزأ".
ونقول لو أن رجلاً مثل فرنسيس بيكون، أو جلبرت سلفستر الثاني قال لقومه في مطالع عصر النهضة الأوروبية هذا القول لجعلوه أضحوكة الدهر ولكن من قومنا من يقول هذا ويردده دون أن يشعر بأنه يخدع أمته خداعًا شديدًا، ذلك أن مفهوم الحضارة المادية بمعنى المادية ليست إلا تجارب علمية في مجال الطبيعة والكيمياء والعلوم التجريبية لا تفرض في حاملها أو القائم بها أن يكون مؤمنًا بمفاهيم الخطيئة والمادية والعلمانية أو يكون مؤمنًا بأن يجعل هذا التقدم العلمي كله في سبيل تدمير البشرية بالقنبلة الهيدروجينية أو نشر أساليب الإباحة والفساد والانحراف تحت اسم الفن أو المسرح وإفساد المجتمعات وهدم الأسرة ودفع الشباب إلى الانحراف تحت اسم الوجودية أو الهيبة، إن هناك فاصلاً عميقًا بين التجربة العلمية التي يطمع المسلمون في الحصول عليها وبين أسلوب العيش الغربي الذي يطبق هذه المعطيات الحديثة، ولقد كانت معطيات المنهج العلمي التجريبي الذي بدأه المسلمون تنطلق من خلال مفاهيم الرحمة والعدل والإخاء الإنساني فاستطاع الغربيون أن ينقلوا المقايسات المادية إلى إطار فكرهم دون أن يأخذوا نفس القيم الإسلامية التي كانت تقوم عليها وقد كان ذلك سببًا هامًا من أسباب انحراف الحضارة وفسادها وظهور أزمة الإنسان الغربي المعاصر.
لقد ردد هذه المفاهيم كثير من دعاة التغريب وكانوا في ذلك مخادعين مضلين، ولم يعد مثل هذا القول يخدع أحدًا فقد تكشف الأهداف الخطيرة القائمة وراء دعوة المسلمين إلى أسلوب العيش الغربي بفساده وانحرافه وخمره وإباحياته وإن كان المسلمون قد جروا من الشوط ثمة فإنهم يعرفون الآن أن هذه التبعية هي التي اجتاحت وجودهم وأدخلتهم في الأزمة الخطيرة التي يعانونها وهم يواجهون أهواء البشرية كلها ممثلة في النفوذ الأجنبي والصهيونية والماركسية جميعًا.
لقد كان المفكر والشاعر المسلم محمد إقبال في الثلاثينات من هذا القرن قد حذر قومه من هذه الأخطار حين قال:(5/4)
على المسلم المعاصر أن يحذر الوقوع في الخطر الذي يمكن فيما ينطوي عليه الفكر الأوروبي الجديد من إلحاد وخصوصًا أن أساليب الخداع فيه كثيرة فقد انخدع به كثيرون من المسلمين كما انخدع بالفعل به بعض الدعاة في الهند فعلينا أن نعيد النظر في تفكيرنا الإسلامي من جانب نمحض هذا الفكر الجديد بروح مستقلة يقظة من جانب آخر. إن أخف الأضرار التي أعقبت فلسفة الغرب المادية هي ذلك الشلل الذي اعترى نشاطه والذي أدركه هكسلي وأعلن سخطه عليه.
وللاشتراكية الحديثة الملحدة، ولها كل هؤلاء الدعاة المتحمسين المضللين، لقد استمدت أساسها الفلسفي من المتطرفين من أصحاب مذهب هيجل، فقد أعلنت العصيان على ذات المصدر الذي كان يمكن أن يمدها بالقوة والهدف فهي إذ ليست بقادرة على أن تشفي علل الإنسانية.
وعلى المسلم أن يقدر وأن يعيد بناء حياته الاجتماعية في ضوء الميادين القاطعة في الإسلام كمبدأ التوحيد وختم الرسالة وأن يستنبط من أهداف الإسلام التي لم تنكشف إلا الآن تكشفًا جزئيًا تلك الديمقراطية التي هي الحكاية الأخيرة للإسلام ومقصده.
إن المسلم القوي الذي أنشأته الصحراء وأحكمته رياحها الهوجاء أضعفته رياح العجم فصار منها كالناي تحولاً ونواحًا وإن الذي كان تكبيره يذيب الأحجار انقلب وجلاً من صفر الأطيار والذي هز عزمه شم الجبال غل يديه ورجليه بأوهام الاتكال والذي كان ضربه في رقاب الأعداء صار يضرب صدره في اللاواء والذي نقشت قدمه على الأرض ثورة كسرت رجلاه عكوفًا في الخلوه والذي كان يمضي على الدهر حكمه وتقف الملوك على بابه رضى من السعي والقناعة وذلة الاستخدام والخشوع.
ويقول إقبال: إن أوروبا اليوم هي أكبر عائق في سبيل الرقي لأخلاق الإنسان. أما المسلم فإن له هذه الآراء النهائية القائمة على أساس من "تنزيل" يتحدث إلى الناس من أعماق الحياة والوجود وما تعني به هذه الآراء من أمور خاصة في الظاهر يترك أثره في أعماق النفوس الأساسي الروحي للحياة عند المسلم بإيمان يستطيع المسلم أن يسترخص الحياة في سبيله.
وقد تعددت كتابات الكاشفين عن فساد التبعية وعن فساد الصنم المعبود الذي هوى. يقول أحدهم: إن المجتمع البشري اليوم قد سئم ويئس من منبع أوروبا الذي فقد زمنه، ولم يستطع خلال هذه النهضة الهائلة الطويلة أن يضيف إلى رصيد الإنسان إلا الحديد والنار والبارود والدخان والقنابل المدمرة والغازات السامة والآلات المبيدة. إن الفراغ الذي حدث في قيادة الإنسانية اليوم فراغ رهيب ولكنه فراغ لا يستطيع أحدًا أن يملأه إلا العالم الإسلامي ونقول: بل دعوة التوحيد الخالص التي حملها الإسلام وما زال محجوبًا من المسلمين.
ويقول باحث آخر: إن أولئك الرجال الذين اعتنقوا الأفكار الغربية (قومية وليبرالية واشتراكية) ظنًا منهم أنها تحرر القدس أو توحد الأمة أو تعيد للمسلمين والعرب كيانهم، هم مخدوعون وعليهم أن يعودوا إلى مفهوم الإسلام بعد أن أصبحت تلك الشعارات والأفكار هباءً منثورًا وألفاظ بلا مضمون ولا تؤدي إلى سراب خادع وهم بالتأكيد ما لجأوا إلى ذلك إلا هربًا من الإسلام وخطره على النفوذ الأجنبي والشيوعية والصهيونية التي ينتمي إليها زعماء تلك التيارات والاتجاهات ومؤسسوها أ. هـ.
وهكذا نجد أن الطريق قد وضح وأن الرؤيا أصبحت قادرة على استيعاب الأبعاد والغايات الخطيرة التي تستكن وراء التغريب وإخراج المسلمين من ذاتيتهم وهويتهم وقيمهم الأساسية.
... ... ... ... ... ... ... ... ... الأستاذ أنور الجندي(5/5)
على طريق الأصالة: الأريوسية الموحدة – 12
منذ وقت بعيد وعلى ألسنة عدد من العلماء والباحثين المسيحيين تتردد الدعوة إلى إعلان بشرية السيد المسيح ونبوته للخالق تبارك وتعالى ومعارضيه ما تردده التفسيرات المسيحية التي تتحدث عن ما يسمى ألوهية السيد المسيح ولقد ظلت هذه الدعوة خافتة حتى جاءت ظاهرتان خطيرتان في الأيام الأخيرة إحداهما ذلك الكتاب الذي صدر في باريس تحت اسم: The Myth of God Incarnat
والذي كتبه سبعة من كبار رجال الكهنوت يعلنون فيه إنكار ألوهية السيد المسيح ويقرون ببشريته فقط. أما الأمر الآخر فهو تلك المخطوطات التي اكتشفت في كهف قمران والتي تثبت أن السيد المسيح نبي مرسل من عند الله وليس إلهًا ولا ابن الإله وإنما هو بشر اختاره الله تبارك وتعالى واصطفاه بالنبوة وأرسله لبني إسرائيل.
وترجع نسبة الأريوسية إلى أريوس الأسقف المصري الذي عارض محاولات تفسير الديانة المسيحية ونسبتها إلى مفاهيم قديمة بالتثليث أو ما يسمى بالطبيعة المزدوجة (وكلها مذاهب وفلسفات قديمة كانت قبل المسيحية وكان أن اقتبسها بولس في تفسيراته للمسيحية وبها نقلها من الديانة الربانية السماوية إلى ديانة بشرية ويقرر الأستاذ رشيد سليم الخوري في وصيته (تموز 1977 م):
إن الكنيسة المسيحية ظلت حتى القرن الرابع الميلادي تعبد الله على أنه الواحد الأحد وأن يسوع المسيح عبده ورسوله حتى تنصر قسطنطين عاهل الروم وتبعه خلق كثير من رعاياه اليونان والرومان فأدخلوا عليها بدعة التثليث وجعلوا لله سبحانه وتعالى أندادًا شاركوه منذ الأزل في خلق السماوات والأرض وتدبير الأكوان وما لأهم الأسقف الأنطاكي مكاريوس الذي لقب نفسه أرثوذكسي (أي مستقيم الرأي) فثار زميله الأسقف آريوس على هذه البدعة ثورة عنيفة شطرت الكنيسة واتسع بين الطائفتين نطاق الجدل حتى أدى إلى الاقتتال فانعقدت المجامع للحوار وفاز أريوس بالحجة القاطعة فوزًا مبينًا.
بيد أن السلطة التي هي أصل البلاء وضعت ثقلها في الميزان فأسكت صوت الحق ونفذت الباطل واستمر المسيحيون ممعنين في ضلالتهم والحق يتململ في قيده منتظرًا أريوسًا جديدًا يعيده إلى نصابه.
وكانت صيحة الشاعر القروي تتمثل في قوله: "لكم أتمنى وأنا الأرثوذكسي المولد أن يكون هذا الأريوس بطريركيًا أرثوذكسيًا بطلاً ليصلح ما أفسده سلفه القديم ويمحو عنا خطيئة ألصقها بنا غرباء غربيون ولطالما كان الغرب ولا يزال مصدرًا لمعظم عللنا في السياسة وفي الدين على السواء".
هذه هي صيحة الضمير التي هزت من الأعماق كثير من المسيحيون المثقفون والعلماء وفي مقدمتهم هؤلاء الخمسة نفر من رجال الكهنوت الذي أصدروا كتابهم الذي هو الحياة الفكرية والاجتماعية في أوروبا هزًا عنيفًا. إذ أن هذه الصيحة إنما جاءت بعد إرهاصات كثيرة متعددة سبقها فئة من رجال الدين في اليونان ترفض القول بألوهية المسيح.
وسبقها ظهور كتاب لأستاذ في جامعة السربون هو الأستاذ شارل كينيبر وسبقه ما أعلنه القس دافيد إدوارز من كنيسة وسمنستر أما هؤلاء الخمسة ففي طليعتهم القس موربس ولز رئيس لجنة المعتقدات في كنيسة إنجلترا وأستاذ الإلهيات في جامعة أكسفورد، وكلما تنبني الرأي الإسلامي القائل بأن السيد المسيح لم يتخذ لنفسه طابع الألوهية وإنما جعل إلهًا فيما بعد بتأثيرات وثنية في أوائل القرون الأولى للمسيحية.
وتقرر هذه الآراء في مجموعها كما فضها الدكتور معروف الدواليبي بأن القول بألوهية المسيح وبالتثليث وبأنه ابن الله لم يعرف شيء من تلك في حياة المسيح نفسه وتجزم هذه الآراء في مجموعها بأن القول بأن المسيح ابن الله وأنه إله وأنه واحد من ثلاثة: إنما هو صورة للعقائد الوثنية في الهند والشرق الأقصى نقله إلى أوروبا وخاصة إلى روما في هجرات الشعوب "الهند وأوروبية" ثم أدخلت في عهد الامبراطورية الرومانية على الديانة المسيحية لتحتل في شكلها الجديد محل عقيدة التثليث في عقائد روما الوثنية من غير تبديل إلا في الأسماء.
وهذا هو ما سهل على الروم بعد ذلك قبول المسيحية في نفس روما الوثنية من غير تبديل إلا في الأسماء وهذا هو ما سهل على الروم بعد ذلك قبول المسيحية في نفس شكل الوثنية عندهم وكل ذلك كان مجهولاً في بلاد المسيح خاصة وقد أرسل المسيح إلى بني إسرائيل ولم يكن لديهم حينذاك شيء من ذلك، بل كانوا موحدين.
فإذا أضفنا إلى هذه الظاهرة: ظاهرة أخرى أشد قوة هي أن مخطوطات قديمة ظهرت فجأة في كهف قمران وكلما تؤكد البشرية للسيد المسيح وتنفي عنه الألوهية.
وإن هذه مخطوطات مكتوبة في القرن الأول للسيد المسيح عرفنا إلى حد تتجلى اليوم هذه الحقيقة التي ظلت مطموسة أكثر من ستة عشر قرنًا أي منذ عقد مؤتمر شيعة عام 350 ميلادية وقرر أن السيد المسيح إله وابن إله مخالفًا بذلك كل النصوص والوثائق والكتب المحصورة في ذلك العهد.(6/1)
ولقد كان من أخطر الأحداث ذلك الكشف الأثري الخطير الذي وقع عام 1947 م على شاطئ البحر الميت عندما عثر أحد البدو حينما ضلت عنزاته فاهتدى إلى أحد الكهوف على تلك الجرار الحجرية الغربية التي تشتمل على مخطوطات دينية أذهلت العالم المسيحي بأسره وقد أطلق عليها كشوف شاطئ البحر الميت أو خربة قمران التي تقع جنوب مدينة أريحا (ثمان أميال).
وقد عرف من بعد أن هذه الكتابات مما لا يقدر بثمن لأنها ألقت الضوء على مرحلة خطيرة من تاريخ المسيحية وتاريخ السيد المسيح نفسه والتي كتبت قبل مولد السيد المسيح بسنين طويلة وقد أسرعت بعثات الجامعات والفاتيكان إلى الحصول على هذه الملفات أو أجزاء منها وأنفقت الحكومة الأردنية خمسة عشر ألف دينار في سنة واحدة لشراء هذه المخلفات الأثرية العظيمة.
وقد أجريت فحوص دقيقة على هذه المخطوطات من قبل مؤتمر للمستشرقين عقد في باريس أثبتت فيها أنها وثائق حقيقية لا زيف فيها ولا تلاعب وقد وصفها واحد من أعظم علماء الآثار من المتخصصين في آثار التوراة وهو الدكتور ألبرايت من الولايات المتحدة بقوله (إنها أعظم اكتشاف للمخطوطات في العصر الحديث وأفضل تاريخ يمكن أن تكون كتبت فيه هو مائة سنة قبل الميلاد بالحساب التقديري المعروف الآن).
وقد تبين كما يقول الدكتور صبحي الدجاني إن هذه الملفات كتبت بأيدي كتبة في (دير الاسينين) الذي ما زالت خراثبه وأطلاله وبقاياه بادية للعيان إلى يومنا هذا على مقربة من الكهف الذي اكتشفت فيه أول مجموعة من هذه الملفات.
هؤلاء الاسينيون كانوا طائفة يعتقدون أنهم ورثة عهد النبوة وكانت طقوسهم وتعاليمهم وثيقة الصلة بتعاليم الدين المسيحي، وقد أودعوا جميع ما عندهم من ملفات في الكهوف عندما فروا ليأمنوا شر الاضطهاد الروماني الذي كان واقعًا عليهم في ذلك الحين.
ويقول العلماء إن السيد المسيح عليه السلام ربما يكون واحدًا من هؤلاء الاسينيين وأنه كان متأثرًا إلى حد بعيد بطقوسهم وعقائدهم. وكان الاسينيون يعتبرون ثروتهم حصة مشتركة بينهم وأنهم يعتقدون بخلود الروح وتتحدث نصوصهم عن واحد منهم يعلو عليهم كثيرًا ويسمونه "السيد الأكبر" المدهون بالزيت أو المسيح الذي اختاره الله وتتحدث وثائق الاسينيين الذين كانوا يقيمون في الدير على مقربة من البحر الميت أنهم كانوا يشعرون بتسام روحي له شكر موجه إلى الله تبارك وتعالى الواحد الأحد.
وتتحدث الوثائق عن حياة هذا السيد بما يشبه حياة السيد المسيح وقد استقرت في الأذهان فكرة مؤداها أن هذا السيد أو المعلم الذي كان ينزل عليه الوحي.
ويقول (ج. ل. تيتشر) أحد أساتذة كمبردج: إن أحد المراجع الأساسية في ملفات البحر الأسود، إن معلم البر والتقوى الذي يتحدث عنه الاسينيون هو نفسه يسوع المسيح ولا أحد غيره.
ويقول جون كلارك صاحب بحث صاف عن الوثائق أنه من الممكن أن المسيح قد عاش قبل مائة سنة قبل التاريخ الذي أجمع الناس عليه حتى الآن وإن في ذلك جواب مقنع للذين طالما أعربوا عن شكوكهم في الأدلة التاريخية الواردة عن مولد السيد المسيح لأنها قليلة ومليئة بالمتناقضات.
ويقول إبراهيم مطر: إن هذه المكتشفات قد اقتضت دراسة استمرت سنوات طويلة ولا تزال. ويعتقد العلماء أنه قد برحت جماعة من الناس المحبة للعزلة إلى تلك الواقعة بجوار البحر الميت فرارًا من المدن الصاخبة وسكنت هذا الغور المقفر عند طرف الصحراء الموحشة فالتجأت إلى نظام رهباني شديد وحياة مشتركة شاملة.
وقد هزت هذه المكتشفات الأوساط المسيحية والغربية ورجال الآثار حيث وجدت أدراج وأطمار ومخطوطات متنوعة وقطع من النقود الوفيرة والأواني المطبخية والجرار الفخارية كما عثر على مختلف أسفار العهد القديم ما عدا سفر (استير) فضلاً عن بضعة آلاف من المخطوطات الممنوعة ذات القيمة التاريخية والأثر العظيم وحمله القول أن كشوف كهف قمران تؤكد وجود السيد المسيح البشر النبي المرسل إلى اليهود.(6/2)
وقد استتبع هذا الكشف هجرة عدد من علماء اللاهوت المسيحيين لدراسة هذه المخططات وقد نشرت مجلة (تايم) في عددها المؤرخ (11 نوفمبر 1966 م) بحثًا مطولاً تحت عنوان (انقلاب أو ثورة أجراها القس المسيحي بايك وقد صدرت غلاف المجلة صورته وهو قس مسيحي أمريكي قالت المجلة أنه يتسم لا بالجمود الفكري ولا بالجمود العقائدي بل بالبحث عن الحقيقة. وكان قد ذهب بعد ذلك وفقد هنا لك وألفت زوجته كتابًا في البحث عنه ويقول الأستاذ محمد عزة دروزة أن البحث قد كشف عن أن فرقًا من النصارى ظلت محافظة على عقيدة التوحيد وظل لبعضها أتباع كثيرون حتى أواخر القرن السادس الميلادي ثم انقرضت كلها بعد ذلك بسبب اضطهاد الدولة الرومانية بعد أن قضت على عقيدة التوحيد واعتقدت عقيدة التثليث رسميًا في مؤتمر نيقة 325 م ومن أهم هذه الفرق (الاريسيون) وهم أتباع اريوس وإليه ينسبون والمعروف أن اريوس كان قسيسًا في مدينة الإسكندرية في أوائل القرن الرابع الميلادي وكان راعيًا قوى التأثير في سامعيه واضح الحجة جريئًا في المجاهرة برأيه وقد قاوم وقتئذ ما ذهب إليه بطريرك الإسكندرية (مكاريوس) من القول بألوهية المسيخ وبنوته لله إذ قام اريوس يقرر ويعلن أن المسيح ليس إلهًا ولا ابنًا للإله وإنما هو بشر مخلوق ورسول الله وأنكر كل ما جاء في جميع الكتب الأربعة (أناجيل متى ومرقص ولوقا ويوحنا).
وما ألحق بها من رسائل وهناك فرقة ميلتوس وكان قسيسًا في كنيسة أسيوط يرى ما يراه الاريسيون من أن المسيح عليه السلام ليس إلهًا ولا ابنًا للإله وإنما هو بشر رسول مخلوق.
وقد ذكر ابن البطريق في تاريخه وهو من رجال القرن الثالث الهجري وكان من مترجمي الخليفة المأمون – قال في بيان مذهب اريوس: إنه كان يقول إن الأب وحده هو الله وأن الابن مخلوق مصنوع وقد كان الأب حينما لم يكن الابن وقد تبعه مشايعون كثيرون وكانت كنيسة أسيوط على هذا الرأي وعلى رأسها ميلتوس.
وكان أنصاره في الإسكندرية نفسها، وتبعه خلق كثير في فلسطين ومقدونية والقسطنطينية وحكم عليه بالطرد من الكنيسة في مجتمع نيقة 325 وتكفيره بعد أن أصدر ذلك المجمع قراره بألوهية المسيح وهناك بولس الشعشاطي تحدث عنه ابن حزم في كتابه "الفصل والملل والنحل"، وكان يقول: وإن عيسى عبد الله ورسوله كأحد الأنبياء عليهم السلام خلقه الله في بطن مريم من غير ذكر وأنه إنسان لا إلهية فيه وقد أشار القرآن إلى تلك الفرق النصرانية التي حافظت على عقيدة التوحيد النقي وانقرضت قبل ظهور الإسلام وأثنى عليها القرآن وحكم بنجاة أفردها من العذاب.
(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر) الآية.
(إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم) الآية.
(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا. أولئك لهم أجرهم) الآية.
وقد أثبتت الأبحاث الحارة أنه بتقليب (الكتاب المقدس) يتبين أنه لا يوجد به أي شيء من عقائد النصارى الحالية أي لا توجد فيه قصص الآب والابن أو الثالوث وألوهية المسيح وصلبه أو موته وقيامته أو المعمودية بمفهوم النصرانية للغفران من خطيئة آدم أو ما يشير إلى اتحاد الابن الأزلي بالأب أو ما شابه ذلك.
وإن عقائد النصرانية المشار إليها لا توجد في أقوال المسيح إلا في أقوال تلاميذه الذين آمنوا به وسمعوا عنه تعاليمه مما تعيقه معه أن مسائل التثليث وتأليه المسيح وتأليه روح القدس أمور لا أصل لها في كتب الله وفي جوهر الديانة ولكنها أمور مخترعة بعضها اخترع بمعرفة بولس: الذي كان عدوًا للمسيح وأتباعه في أول أمره كما أن المسيح لم يختره من تلاميذه فضلاً عن أنه لم يرد المسيح ولم يسمع عنه مواعظه.
وبعض الأمور اخترع بمعرفة آباء الكنيسة ومجامعها المسكونية في القرون التالية للمسيحية وأن بشارات الأنبياء التي أعلنت مجيء المسيح في العهد القديم ما ذكرت عنه إلا كونه نبيًا من أنبياء دون أي إشارة إلى أنه سيقتل أو يصلب.
ولقول دائرة معارف لاروس: إن تلاميذ المسيح الأولين الذين عرفوا شخصيته وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس في الاعتقاد بأنه أحد الأقانيم الثلاثة المكونة لذات الخالق وما كان بطرس تلميذ المسيح يعتبر المسيح أكبر من رجل يومي إليه من عند الله.
وأشار هربرت ولز إلى أن هذه المبارد والشعائر موضوعة ولا سند لها في الأناجيل.
ومن العسير أن نجد آية كلمة تنسب فعلاً إلى المسيح فسير فيها مبادئ الكفارة والفداء أو خص فيها أتباعه على تقديم القرابين أو اصطناع عشاء رباني.
ويقول أن كلمة (أقنوم) لا وجود لها حتى في تلك الأناجيل أو الرسائل الملحقة بها بل ولا في العهد القديم.(6/3)
وقد كشف الباحثون بما لا يدع مجالاً للشك بأن المطلع على الأناجيل الثلاثة الأولى المنسوبة إلى متى ومرقص ولوقا يجد أنها لا تحوي أي إشارة عن التثليث أو ألوهية المسيح أو ألوهية روح القدس أو عقيدة الفداء (وهو تجسيد الابن وظهوره بمظهر البشر ليصلب تكفيرًا لخطيئة آدم) كما يزعمون.
وإن ما جاء في ألوهية المسيح فقد جاء بإنجيل يوحنا، وهذا الإنجيل لا يسلم به محققوا النصرانية، فعلماء النصرانية في أواخر القرن الثاني الميلادي أنكروا نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري وهذا يقطع بأن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا مزور النسبة إلى يوحنا الحواري.
وقال العالم أستاولن في العصور المتأخرة (لقلة صاحب كاتلك المجلد بالمطبوع 1944 م، إن كافة إنجيل يوحنا تصنيف أحد طلبة مدرسة الإسكندرية في ذلك الوقت).
تلك المدرسة التي اعتنقت مبادئ الثالوث وألوهية المسيح والروح القدس وبشرت بها جاء ذلك في دائرة المعارف البريطانية التي اشترك في تأليفها 500 من علماء النصرانية ما نصه:
أما إنجيل يوحتا فإنه لا مرية ولاشك كتاب مزور.
يقول: أكهارن في مقدمة أبحاثه أن كثيرًا من العلماء كانوا شاكين في الأجزاء الكثيرة من أناجيلنا لذلك كان من التجوز إضافة مجموع العهد الجديد إلى الله أو إلى المسيح بل إنه يضاف إلى مصنفه فقط كما يقال حاليًا: إنجيل كذا ورسالة كذا:
كذلك فإن المسيح ما جاء أساسًا إلا لشعب اليهود يدعوهم إلى عبادة الله وحده وإلى ترك ما هم فيه من شرور وآثام، وقد ورد في (إنجيل متى اصحاح 15) لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة، وقد دعا المسيح تلاميذه الاثنى عشر إلى تبشير بني إسرائيل فقط لذلك لم تكن رسالة المسيح إلا رسالة قومية يهودية إلى قومه من اليهود وليست رسالة عالمية كما يزعم الرهبان والقساوسة حاليًا بل إن هذا من مخترعاتهم التي لا أساس. والإشارة السابقة تؤكد هذا النظر ذلك أن هؤلاء الاثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً:
إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة ليسامرين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالجري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. وقد حسم القرآن الكريم الموقف في قوله تعالى (ورسولا إلى بني إسرائيل).
وقد عقدت مجلة تايم (فبراير 1978 م) بحثًا هامًا اشتغلت به دوائر وجامعات وكنائس العالم الغربي وهو: ظاهرة الدعوة إلى إنسانية المسيح أو بشرية المسيح والمعارضة لألوهية المسيح فقالت:
إن موجة الرفض لفكرة ألوهية السيد المسيح أو ازدواج طبيعة تزداد قوة وانتشارًا في أوساط المفكرين واللاهوتيين سواء في الجامعات أو في الكنائس الغربية وهؤلاء الرافضون يعلنون أنه لا توجد في الإنجيل ولم يثبت عن السيد المسيح القول بألوهيته، ويؤكدون أنه عليه السلام بشر عادي. وتقول مجلة تايم:
إن هؤلاء الرافضين يمثلون مجموعة دولية تطالب الكنيسة الكاثوليكية باتخاذ موقف شجاع في هذه القضية.
فإذا عرفنا أن مخطوطات كهف قمران قد أهيل عليها التراب بعد قليل وحجبت عن البحث الحر ومات القس الذي ذهب إلى هناك ولم يستطيع أحد التوصل إلى شيء عرفنا إلى أي مدى تحاول دوائر الغرب مواجهة الموقف على طريقة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال ولكن إلى متى، فإذا أضفنا إلى هذا كله ما أعلنه دكتور بركاني في كتابه عن زيف النصوص الموجودة في العهد القديم عن خلق الكون وغيره عرفنا إلى أي حد تتهاوى هذه الكتب، وذلك أن الكتب القديمة تواجه تحديًا خطيرًا نتيجة بروز منهج العلم والبحث العلمي القائم على التجربة والنظر وللمقارنة وقد جاءت الكشوف الأثرية في السنوات الأخيرة فكشفت عن زيف كثير من دعاوى الصهيونية عن إبراهيم وإسماعيل وتجاهلها وحجبها لرحلتهما إلى الحجاز وإعادة بناء الكعبة.
ويقول رودلف بولتمان أستاذ علم اللاهوت في جامعة ماربورج (المدينة الألمانية العتيقة) إن العهد الجديد (أي الإنجيل) يجب أن يجرد من العناصر المثيولوجية (الأسطورية) التي فيه إذا كنا نريد لهذا الكتاب المقدس أن يعني شيئًا حقيقيًا ما بالنسبة إلى الرجل العادي اليوم، ويقول:(6/4)
إن عالم الأناجيل يبدو في نظر الرجل المعاصر مختلفًا عن عالمنا اختلاف المريخ عن الأرض، فالكون في العهد الجديد أشبه ما يكون ببيت مكتظ ويقول إن لغة الميثولوجيا التي كانت ذات مغزى في أيام العهد الجديد والمستمدة في الدرجة الأولى من الغنوصية الإغريقية والرؤية النهوية (كرؤية يوحنا وما إليها) ويعتقد أننا لو توقعنا من العصريين من الناس الإيمان بذلك كشيء حقيقي يكون توقعنا هذا عملاً أحمق، وهكذا نرى أن البحث العلمي الغربي أصبح ينظر إلى الكتاب المقدس من كلا النواحي التاريخية والأثرية والعلمية نظرة مغايرة لنظرة التسليم القديمة التي كانت تقوم على الإيمان أولاً ثم التفكير ثانيًا وهنا يبرز مدى الخلاف بين القرآن الكريم الذين يقوم على البرهان والدليل وتقديم سنن الله في الكون والأمم والحضارات والتأمل في خلق الله والنظر في الكون لتكون وسيلة إلى الإيمان بالله وبين هذا الأسلوب.
ومن هنا نرى أن الشاعر القروي: رشيد سليم خوري قد تفتح قلبه على هذه المعاني وقال: إنه كان ينوي إعلان إسلامه ولكنه رأى أن يقوم بدور هام في المسيحية يكون قدوة لإخوانه أدباء النصرانية، وتلك عبارته: وهو أن أصحح خطأ طارئًا على ديننا قررت أن تكون الخطوة الأولى لي في إيقاظ (الأريوسية الموحدة) من رقادها الطويل حتى تزول العقبة المغلقة بين الإسلام والنصرانية وقال إني أعلن عزوفي عن أرثوذكسيتي المكاريوسيه إلى الأرثوذكسية الأريوسية ومطالبة الأرثوذكسية بالعودة إلى أصلها التوحيدي الفطري إلى الجناح الذي كان يمثله "آريوس" الذي رفض التثليث ويقول:
"لكم أتمنى أنا الأرثوذكسي المولد أن يكون هذا الأريوسي بطريركيًا بطلاً ليصلح ما أفسده سلفه القديم ويمحو عنا خطيئة ألصقها بنا غرباء غربيون ولطالما كان الغرب ولا يزال مصدرًا لمعظم عالمنا في السياسة وفي الدين على السواء".
هذه الأريوسية التي ذكرها الشاعر القروي والتي تتردد الآن على ألسنة الباحثين اللاهوت هي التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى قيصر الروم حين وجه إليه الدعوة إلى دخول الإسلام وحين قال "فإن أبيت فعليك إثم الأريسيين" وقد حاول مفسروا الحديث تفسيرها فقيل أنهم العشارون أو الأكارون أي الفلاحون أو الحرثين وقيل الضعفاء والأتباع أو أهل المكوس وبمراجعة كتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس وكثري والنجاشي نجد أن العبارة ترد هكذا وإلا فعليك إثم القبط إثم المجوس، إثم النصارى من قومك فهي تحمل الملوك تبعة أهل دينهم ولم يرد فيها أي ذكر للفلاحين أو الأكاريين وهكذا وصل الدكتور الدواليبي إلى أن الخطاب حمل هرقل تبعة أهل دينه وخاصة الأريسيين (أتباع أريوس) ممن ثبت أنهم كانوا الفئة الغالبة لدى الروم وأنهم كانوا يؤمنون ببشرية المسيح وينكرون ألوهيته والتثليث والحلول وأنهم كانوا يكرهون على القول ضد ذلك وإلا فالقتل والتنكيل والتحريف لهم ولكتبهم ومعابدهم.
وهي تعني في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إن في رهط هرقل فرقة تعرف بالأريوسية فجاء النسب إليهم كما أورده ابن الأثير حين قال "قوله الأريسيين هو جمع أريسي وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل"وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله خبر أريوس عن كتب النصارى أنفسهم حتنيال كما قال: إن التابعين لأريوس والقائلين بمقالته قد سموا (أريوسيين) مشتقًا من اسمه.
وكان أريوس من كبار رجال النصرانية من أهل الإسكندرية ولد 285 بعد الميلاد وتوفي 336 ميلادية وكان معاصرًا لقسطنطين وقد وقف بكل قواه ضد قرارات المجمع المسكوني الأول الذي دعا إليه قسطنطين والذي تبنوا فيه "وثنية" روما في شكل مسيحي في اجتماع لرجال الدين ضم نحوًا من ألفين وخمسمائة رجل حيث رفضت أناجيلهم التي بلغت المائة ومنها إنجيل الحواري "برنابا" ولم يقبل منها غير الأربعة المعروفة اليوم والمقبولة فقط من قبل نحو مائتين من أصل الحاضرين الذين بلغ عددهم نحوًا من ألفين وخمسمائة رجل.
وهكذا ولدت الديانة الجديدة والكاثوليكية منذ ذلك التاريخ في مطالع القرن الرابع بقرار من نحو مائتين من كهنوت الروم مدعمين بسلطة قسطنطين ولم يسمح بعد ذلك بالاعتماد على واقع المسيحية وتاريخها السابقين أو على أحد أناجيلها الباقية والبالغة (96 إنجيلاً) وقد عارض أريوس بكل عنف قرارات المجتمع المسكوني بألوهية المسيح وبعقيدة التثليث معلنًا بشرية المسيح مجاهرًا بأن الله واحد ومنزه عن الحلول بأحد وقد هزت وقفته الجبارة هذه الإمبراطور قسطنطين نفسه، لذلك عقد المجمع الثاني ممن قالوا بألوهية المسيح والتثليث وبنوة المسيح لله فقط ليناقشوا أريوس فيما يدعو إليه ولكن أريوس ظل كالطود في عقيدته فحكموا عليه بالكفر والنفي وأخذوا ينكلون بمن كان يقول بقوله.(6/5)
ويحرقون أناجيلهم وكنائسهم، حتى أرغموا الناس على التظاهر بقبول العقيدة الكاثوليكية وقد كان في الإمبراطورية الرومانية ثلاثة بطاركة في (استانبول) وأنطاكية والإسكندرية وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيميه عن كتبهم في كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح فقال: إنه كلما عين الإمبراطور بطرقًا على هذه المدن الثلاث لا يلبث أن يظهر لهم أنه (أريوس) فيقتل أو يطرد وينكل به وبأصحابه حدث هذا وظل مستمرًا حتى جاءت دعوة الإسلام وكتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يقول "فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم فإن توليت فعليم إثم الأريسيين وهكذا ارتفع صوت رسول الإسلام لحماية الأريسيين من مذابح الكاثوليكية. ومهد لدعوة الإسلام بالقبول الفوري لدى النصارى في كل من سوريا ومصر من بعد.
وقد ظل تاريخ الأريوسية مجهولاً كما يقول الدكتور الدواليبي الذي نقلنا عنه هذه النصوص التاريخية، حتى جاء اليوم، الذي يتحدث فيه كتاب الغرب من لاهوتيين وغيرهم عن هذه الدعوة التي وأدتها الكاثوليكية وبعد أن كشفت الأبحاث العلمية، ومفاهيم الإسلام المنقولة إلى الفكر الغربي عن فساد التفسيرات التي أضافها بولس وغيره إلى حقيقة الدين المنزل على السيد المسيح وأنها معارضة للفطرة ولسنن الله في الكون والمجتمعات وعلت اليوم الصيحة التي سوف يحتاج في السنوات القادمة كل الركام البشري دعوة (بشرية المسيح) ووحدانية الله تبارك وتعالى من غير حلول ولا تثليث.
... ... ... ... ... الأستاذ أنور الجندي(6/6)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
12
الفرويدّية
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###29### الفرويدية
كان علم النفس قبل هذا القرن يبحث في الإنسان، وكأنه روح بلا جسد؛ وكان يهمل دراسة الحيوان وبعض بني الإنسان كالأطفال والبدائيين والشواذ، وكان معظم دراسته للإنسان كفرد منعزل.
أما الآن، فقد سيطرت العلوم الوضعية – كالطبيعة والكيمياء وعلم الحياة – عليه منذ أواخر القرن الماضي، وأصبح يدرس الإنسان كأنه مادة فقط. ثم انحرف عن أسلوب العلاج إلى أسلوب التقرير، فأصبح "جبريًا" يرى أن الإنسان مسير أمام جملة من العوامل التي يحكمها العقل، وأصبح عاجزًا عن أن يخلق المثل الأعلى لأنه غير قادر على تثبيت قيم الأشياء. ولأنه علم وضعي يسير في نطاق ضيق من التجارب، لم يدع علم النفس إلى المجاهدة؛ وإنما دعا إلى ###30### الاستجابة للأهواء والرغبات المذلة؛ لم يرفع الإنسان أمام نفسه إلى الاستعلاء فوق الغرائز؛ ولكن دعاه إلى الاستجابة لها، ولقد كان من ذاته، ولكنها وسيلة إلى مراقبة السلوك، وقد التمس الإسلام طابع الاعتدال في السلوك، والتوسط في الحركة. وقد نما علم النفس في العصر الحديث على الأسس التي رسمها المفهوم الإسلامي، غير أنه لم يلبث أن تحول تحت تأثير المذاهب الفلسفية، وخاصة الفلسفة المثالية، ثم لم يلبث أن انحرف بعد ظهور الفلسفة المادية حتى انتزع كل مقومات التوجيه والخلق، وأصبح علمًا إحصائيًا محضًا يتوقف عند تصوير الواقع، ولا يتعرض للعلاج، ثم هو يتحول عن طبيعة العلوم النفسية والاجتماعية في الدعوة إلى ضبط النفس وحماية الإنسان ومعارضة الشهوات المذلة، إلى الإسراف في الدعوة إلى الإطلاق.
وهذه النقطة بالذات هي مفرق الطريق عن قيام مفهوم علم النفس على تقدير كامل للإنسان روحًا وجسمًا، وبين تحول علم النفس إلى المادية وسقوطه تحت سيطرة المدرسة المنكرة للدين جملة.
ولقد ظهرت مدرسة علم النفس الحديثة ممثلة في ثلاثة هم: فرويد، وادلر، ويونج، الذين سرعان ما ظهرت ###31### عوامل الخلاف بينهم، ثم علا شأن المفهوم الأبعد عن الفطرة والذي رده العالمان الآخران؛ مفهوم فرويد في إعلاء الجنس. جراء استسلام علم النفس الحديث إلى الجبرية أثر بالغ في انبعاث روح الشك في العقائد والأديان.
ولأنه علم تجريبي، فقد عني بالحالات الشاذة، وجعلها أساس البحث، من غير أن يقيم المعايير التي يستطيع المرء أن يتخذها لنفسه غاية، وعلماء النفس يصفون حالات الجماعة ونفسية الجماهير بما يحكمها من عقلية الرعاع، وبما يشينها من العقل الباطن غير المفكر؛ وكان حقيقًا بكل ذلك أن يدفع بالعالم إلى الشك، وأن يزعزع إيمان الناس في سمو المثل الأعلى، فقد أصبح الفرد يرى نفسه غير ملوم، لأنه يتخذ من وجوده في الجماعة ذريعة للتبرؤ.
2- يتصل علم النفس بالأخلاق اتصالا أساسيًا؛ فالأخلاق معرفة وسلوك، وعلم النفس هو ما كان يطلق عليه علم السلوك. وقد قطع الفكر الغربي الإسلامي شوطًا طويلا في مجال دراسة النفس مستمدًا مفاهيمه الأساسية من القرآن الكريم؛ هذه المفاهيم التي تتمثل في حقائق مترابطة، ألقت الضوء الحقيقي على هذه اللطيفة الربانية. وقد عمد الفكر الإسلامي في معرفة النفس أن يكون سبيلا إلى إصلاحها ###32### وتهذيب الأخلاق الذي لا يتأتى إلا بمعرفة عيوب النفس حتى يمكن إصلاحها، فليست معرفة النفس هدفًا مجردًا في.
3- تقوم نظرية فرويد في النفس على الأصول الآتية:
أولا: الحياة النفسية للإنسان المسيطر على كل أفعال الإنسان.
ثانيًا: إن غرائز الإنسان هي التي تحكمه وتسيطر على نشاطه، وإن الجانب المسمى بالروح لا وجود له على الإطلاق.
ثالثًا: الدين والأخلاق ليسا قيمًا أصيلة في الحياة البشرية، ولكنهما انبثاق جنسي.
رابعًا: القيم خرافة، وهي نفاق العقل للنفس والمجتمع.
خامسًا: تفسر النفس كلها من خلال الجنس.
سادسًا: رد كل الحوافز الإنسانية إلى الجنس.
ويرى فرويد أن الإنسان في جوهره حيوان كغيره من الحيوانات، وأن الإنسان يولد جنسيًا خالصًا، وأن كل أعمال الطفل تعبير عن طاقة الجنس، وأن الطفل يعشق أمه بدافع الجنس، ثم يجد الأب حائلا بينهما، فيكبت هذا العشق، فتنشأ في نفسه "عقدة أوديب" والطفلة تعشق أباها بدافع ###33### جنسي، فتكبت هذا العشق، فتنشأ في نفسها "عقدة اليكترا".
وهكذا يدخل فرويد الإنسان حظيرة الحيوان، ويثبت أنه عبد لنزواته، وأن العقل الباطن هو المسيطر الفعال في توجيه الإنسان، وأن غرائزه وميوله الفطرية، هي الأساس لسلوكه في الحياة، وهي التي تحكمه، وتسيطر على نشاطه.
ومن نظرية فرويد ظهرت نظريات في الأدب والفن والأخلاق، وفي مقدمتها: السريالية ثم الوجودية.
ولكن هذه النظرية لم تكن مقبولة منذ اللحظة الأولى بين علماء النفس، وقد وجدت معارضة شديدة من حيث معارضتها للفطرة، ومن حيث تغليب عنصر الجنس ورد كل حوافز الإنسان إليه.(7/1)
4- من حيث المصادر، فقد اعتمد فرويد على الأساطير القديمة، وعدها حقائق علمية، كذلك فقد اعتمد على حالات المرضى الفردية، واتخذ منها أسسًا عامة للأسوياء، وقد أشار العلماء إلى أن فرويد أقرب إلى المتنبئين منه إلى العلماء، وأنه مخترع للفرضيات أكثر منه مجربًا لها، وأنه يرمي بنظرياته وآرائه دون أن يقدم لها البرهان العلمي والسند الواقعي، وأنه يفترض، ثم يصدق ما يفترض ويبني عليه، ###34### وكأنه حقيقة علمية لا يأتيها الباطل، وأن ملاحظاته تتعلق بالمرضى على الأخص؛ ومن ثم يجب ألا تعمم الاستنتاجات النابعة منها بحيث تشمل الأشخاص العاديين، وبخاصة أولئك الذين وهبوا جهازًا عصبيًا قويًا وسيطرة على أنفسهم.
كذلك أشار العلماء إلى أن نقطة الضعف الأساسية في فرويد كعالم، هي أنه اتخذ من دراسة نفسه وطفولته قاعدة للتعميم والوصول إلى قوانين عامة، وقد ترك فرويد من كتاباته عن نفسه وعن حياته ما يثبت أنه كان يتخذ من تحليل أحلامه وهواجسه ومشاكل صباه كيهودي في النمسا المتعصبة ضد اليهود قاعدة لكل تصميماته.
5- خالف فرويد في نظريته كلا من: ادلر ويونج وستيكل.
وقال يونج: إن آراء فرويد ذات جانب واحد، وإنها غير ناضجة كل النضوج، وإن مصدر سرور الطفل في الحصول على الغذاء يجب ألا يوصف بأنه جنسي أبدًا، وذلك على اعتبار من أن الدافع الجنسي، لم يتميز في نفسه بعيدًا عن الميل الابتدائي للحياة، وينكر يونج أن اللبيد جنسي بكليته وهو يعد اللبيد أنه إرادة الحياة.
ويقول يونج: إن الجنس ليس أساس الدوافع ###35### الإنسانية، وإنما هو دافع واحد من عدة دوافع.
وهو يخالف فرويد في صميم النظرية، ويرى أن الدافع الإنساني الأول هو الرغبة الملحة في التفوق، وأن الغريزة السائدة في الإنسان هي الرغبة في التفوق والسيادة، وليس الحب، ويقرر أن إرادة القوة، هي الإرادة الصادقة الأصيلة في نفس كل إنسان، ويرى ادلر أن النقص يكاد يكون هو السبب الأساسي للنبوغ.
وقد دعا ادلر إلى نبذ أهمية الغريزة الجنسية النبذ كله، وأرجع تكوين الشخصية ونشأة الأمراض العصبية إلى مجرد الرغبة في القوة وحاجة الإنسان إلى التعويض عن أي نقص في كيانه.
ويقول ادلر: إن الدافع الجنسي ليست له هذه الأهمية الشاملة التي ينسبها فرويد إليه، وأن حافز توكيد الذات (Self asnertive empulse) وليس الدافع الجنسي هو القوة السائدة الإيجابية في الحياة.
وقال ادلر: إن الطفل قبل الخامسة لا يعرف القيم والمعايير الخلقية، بل يكتسب أسلوب الحياة بالقدوة والمثال من البيئة التي يعيش فيها.
ويقرر ادلر الاضطرابات التي تعتري حياة الأطفال ###36### النفسية ترجع إلى عدم شعورهم بالمحبة؛ وهو يذهب إلى أن قسوة المستبدين وكراهيتهم ترجع إلى ذلك العامل الذي يثبت في نفوسهم عند الطفولة، وأن الأبناء الذين يفقدون حب آبائهم، يصبحون مصدر مشكلات كثيرة، لأن الطفل الذي يلتمس الحب، فلا يجده، يركبه الحسد والغيرة، ويميل إلى سلوك يحاول به لفت الأنظار وإثبات سيطرته، وقد يدعى المرض أحيانًا التماسًا للعطف.
كذلك أثبت يونج ومكدوجل أن العقل الباطن ما هو إلا خرافة، وقد نوقش فرويد في مسألة العقل الباطن وعقدة أوديب، فأنكرهما أخيرًا.
6- ولقد توالت المعارضات لمفاهيم فرويد في النفس، ولكن نظرية فرويد شقت طريقها في عنف، وسيطرت على جميع ميادين الدراسات النفسية، وكانت من ورائها قوى تدفعها إلى الأمام.
وقد سجلت بروتوكولات صهيون إشارة إلى فرويد فقالت: "يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا؛ إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس، لكي تبقى في نظر الشباب شيء ###37### مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه".
ومن هنا يرجح الكثيرون أن هدف فرويد كان داخلا ضمن المخطط الذي رسمته الصهيونية للسيطرة على العالم بعد تدمير أخلاق البشرية.
ولقد امتد أثر فرويد نتيجة لذلك حتى شمل الأدب والقصة والسينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون، ووصل إلى بيوت الأزياء وأدوات الزينة. وفي أصول نظرية فرويد يبدو هو غير منطلق مع الفطرة، بل معارضًا لها، ذلك أنه يرى أن التسامي نوع من الشذوذ، وأن الأخلاق تتسم بالقسوة، وتعوق التطور، كل ذلك دون سند علمي، وأنه في أخطر من هذا كله يقف عند عرض المسائل، ثم يترك الشباب بدون توجيه رغبة في إثارة القلق والاضطراب.
ويقرر الباحثون أن ليهودية فرويد دخلا كبيرًا في صياغة الكثير من نظرياته وفرضياته وتعليلاته، ذلك لأنه كان ينتمي إلى الحركة الصهيونية التي أقل ما ينسب إليها حب المال؛ والانغلاق، والتعصب؛ ومن هنا انبعثت فلسفته التي وصفت بأنها ميكانيكية جبرية؛ لأنها تنظر إلى الإنسان كأنه آلة عديمة الحرية، خاضعة كل الخضوع لقوى خفية لا يمكن التغلب ###38### عليها إلا بالحيلة، وهو بذلك قد فرض على علم النفس مبدأ الجبرية، وأنكر الإرادة الفردية القادرة على مقاومة الغرائز.(7/2)
وقد وصف فرويد بأنه كان يمر بأزمات نفسيه، وهو يعالج مريضة أشبه بالهوس الجنسي – هي سيسلي المصابة بعقدة أوديب – وبينما فرويد يقوم بعلاج هذه الفتاة يتكشف له في نفسه أنه مصاب بعقدة أوديب، وأنه كان يتجه إلى أمه، ويغار من أبيه، وأنه اتهم أباه ظلمًا بجريمة أخلاقية رهيبة.
إن أسطورة أوديب الإغريقية التي تتحدث عن ابن ارتكب جريمتين، فقتل أباه، وارتكب خطيئة أخرى، ثم عافت نفسه بأن فقأ عينه، هذه الأسطورة جعلها فرويد حقيقة يؤمن بها، ويفسر بها سلوك الآخرين، وقد رسمت وقائع حياة فرويد صورة شخصية مضطربة مريضة جديرة بأن تبحث عن من يعالجها، لا أن تكون مصدرًا لرسم أسس لدراسة النفس البشرية.
فقد كان فرويد مجموعة من العقد النفسية والعادات الغريبة، ولم يستطع أن يشفي عقله الباطن من هذه العقد النفسية إلى آخر حياته، كان ينسى الأسماء، ومنها اسم أحد معارفه الدكتور فرويد، وكان من يتبع أوراقه التي تدخل في ترجمة حياته فيحرقها، وكان يؤمن بأنه سيموت في نهاية الحرب ###39### العالمية الأولى، فمات في بداية الحرب العالمية الثانية، وكان يدخن عشرين سيجارًا في النهار ليهدئ من ثوراته العصبية، وكان فرويد عرضة للإغماء على أثر المفاجآت، وكانت مرارة الطبع خلة ملازمة له في علاقاته بغيره، وكانت لأحلامه وجوه خفية ترمز إلى دلائلها في سريرته الباطنة، وكانت له ضروب من القلق، تنم على باعث من بواعث الحيرة المكتومة وكان أطهر حالاته الخاصة أنه يحارب التشبث في العقائد الدينية والعادات الخلقية، ولكنه يتشبث بالتفسير الجنسي للعقائد والعادات تشبثًا يربو في إصراره وشدته على تعصب المتعصب اللدود لمذهبه ودينه.
ومن قوله ليونج: عدني أنك لن تتخلى يومًا عن الإيمان بالتفسيرات الجنسية، غير أن يونج لم يلبث أن تزحزح تفكيره شيئًا فشيئًا عن ذلك الإغراق في العصبية الجنسية التي تحيط بكل على، ويتغلغل وراء الأسرار في أعماق كل طوبة، وقد خالفه تلميذه الفرد ادلر كما خالفه يونج.
وكان في طفولته ينسى نفسه ليلا في فراشه، وكان يخشى من السفر بالقطار، ويحضر إلى المحطة قبل موعد قيامه بنحو ساعة، وكان دائم العزلة، لا يسمح لأحد أن يصاحبه طويلا.
###40### 7- ولقد حاولت نظرية فرويد السيطرة على مناهج التعليم والتربية والدوائر العلمية، غير أنها في السنوات الأخيرة، انكشف عوارها، وبان فسادها حتى إن الأطباء النفسانيين الذين اجتمعوا لإحياء ذكرى فرويد في مدينة شيكاغو عام 1956، وعدتهم نحو أربعة آلاف، قد فوجئوا بحملة عنيفة على فرويد ومذهبه، يتولاها رجل مسؤول عن مركزه العلمي هو الدكتور برسيفال بيلي مدير معهد النفسيات بولاية ألنيواز. وخلاصة حملته: أن البقية الباقية من طب فرويد قليلة لا يؤبه بها، وأن آراءه لا تضيف شيئًا إلى القيم الإنسانية لأنه يرتد بالإنسان إلى أغوار الباطن، ويهمل جانبه المنطقي الشاعر، وأنه لم يكن يفهم المرأة. ولم يكن يتذوق الموسيقى، ولا يحس جلال العقيدة.
وهكذا يرى المراقبون أن العالم استطاع أن يضع فرويد على المشرحة قبل أقل من عشرين عامًا من وفاته، وأن الدكتور أرنست جونس هو تلميذه الوحيد من غير اليهود.
ومما أورده أرنست جونس في كتابه "حياة وأعمال فرويد" خطابه إلى صديق له يقول: لست في الحقيقة رجلا من رجال العلم، ولا من رجال الملاحظة ولا التجربة، لست مفكرًا، أنا لست إلا مغامرًا بطبيعة مزاجي وتكويني، ولديَّ ###41### كل ما عند المغامر من فضول ومثابرة وجسارة.
ويقول الباحث: إن نظرية فرويد عن العقل الإنساني لا تقوم على أكثر من افتراضات خيالية، انتزعت مادتها من الأساطير والتخمينات التي سبق رفضها في مجال الدراسات المتعلقة بتاريخ الإنسان، ونقول: والتي جاءت حقائق الأديان، وفي خاتمها الإسلام لتقضي عليها، وتكشف عن زيفها وعدم صلاحيتها لأن تكون قاعدة لأي مذهب علمي في فهم النفس الإنسانية.(7/3)
وقد كشفت الأبحاث التي نشرها الكتاب اليهود في السنوات الأخيرة عن علاقة جذرية وعميقة بين نظريات فرويد وبين نصوص التلمود، وقد ظلت هذه النظرية تخدع مئات العلماء ببريقها الزائف سنوات طويلة حتى أعلنت هذه الحقائق، ومن بين الذين كشفوا هذا السر الدكتور صبري جرجس في كتابه: "التراث اليهودي الصهيوني في علم النفس ونظرية فرويد" حيث أشار إلى التركيز الخطير الذي قامت به القوى المسيطرة على الإعلام والآداب والفنون والجامعات في الغرب على نظرية فرويد واحتضانها على هذا النحو المريب، بالرغم من أنها لم تكن صحيحة علميًا، بينما أخفتت أصوات النظريات الأخرى الأكثر قربًا من الحقائق العلمية، يقول ###42### الدكتور صبري جرجس: لفت انتباهي حقيقة كبرى، تلك العلاقة الوثيقة بين فرويد رجل العلم والتحليل النفسي والفكر العالمي من ناحية، وبين التراث اليهودي الصهيوني والصهيونية، والعمل السياسي الديني العنصري من ناحية أخرى، وكما تبدي لي ليست علاقة مصادفة، ولكنها علاقة أصل ومسار وهدف، وأشار إلى أن فرويد وأصحابه الذين حملوا لواء فكرته من بعده كانوا جميعًا من الصهيونية "ساخس، رايك، سالزمان، زيلبورج، شويزي، وتيلز، فرانكل، كاتز، فينكل" وأشار إلى عدة عبارات وردت في كتابات يهودية لفتت نظره إلى ما يراه الآن من علاقة بين الصهيونية وبين نظرية فرويد، وليس ذلك إلى ما أشار إليه باكان في بعض خفايا التراث اليهودي الصهيوني التي لها علاقة بالتحليل النفسي، بل إلى ما ذكرته صراحة الكتابة "ترود، وايز، مارين" عن: كيف تحتقر اليهودية العقل الغربي مزيفة في سبيل ذلك وقائع الماضي وأحداث الحاضر، آمنة بعد ذلك من الافتضاح، ومطمئنة آخر الأمر إلى التصديق.
ثم يتساءل الباحث: كيف لم يتنبه أحد، وقد ناهز عمر التحليل النفسي الفرويدي سبعين عامًا؟! وكيف لم يتنبه أحد إلى هذا الأمر؟! وكيف فاتت هذه العلاقة بين الفكر التحليلي ###43### والفكر الصهيوني جميع من شغلهم التحليل النفسي: من تابعوه ومن نقدوه.
ويقول: إن مفاهيم التحليل النفسي، قد قدمت في أواخر القرن الماضي في إطار علماني؛ ثم ما لبثت الأبواق الخفية والمقَّنعة للدعاية اليهودية والصهيونية أن أحاطت هذا الفكر وصاحبه بهالة من النزاهة الفكرية، منعت حتى أعنف معارضيه من أن يستريبوا حتى في أصوله، وإن أنكروا مفاهيمه، ذلك على الرغم مما تسرب في كتابات فرويد وأصحاب فكره من عبارات تكشف عن يهودية صهيونية واضحة التعصب.
وقد فات مدلول هذه العبارات الأكثرين من الناس، حتى رفعت الصهيونية العالمية كل الأقنعة التي تتستر وراءها، وظهرت واضحة لا خفاء فيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من ناحية؛ وحتى انصرف أحد أبنائها "دافيد باكان" ينقب في حفريات التراث اليهودي الصهيوني محاولا الربط بينه وبين الفكر الفرويدي.
ويقول: إن الفكر الفرويدي المنبعث أصلا من التراث اليهودي والصهيوني، كان يهدف أساسًا إلى تقويض الأسس التي تقوم عليها حضارة الغرب، وإن هذا الفكر لم ترد به أية ###44### دعوة انحلالية صريحة "وكذلك الوجودية" وإنما كانت الإيحاءات الانحلالية تتخلل المفاهيم الفرويدية، ثم قامت أجهزة الإعلام الصهيوني بتقديم هذه المفاهيم لتنظيم الأدب والفن على نحو يغري الناس بالتحلل، وييسر لهم سبيله، والمعروف أن الدعوة الفنية، وخاصة إذا مست "قيمًا" يحرص الناس على بقائها، قد تكون أشد فاعلية في زعزعة إيمانهم بها من الهجوم الجريء السافر عليها. ويلاحظ الدكتور صبري جرجس أن التحليل النفسي "الفرويدي" يكوَّن لدى أصحابه وحدة عضوية وأيديولوجية، إما أن تقبل كلها، أو ترفض كلها، ولا سبيل فيها إلى التجزئة، ثم يصل من ذلك إلى الحقيقة التي تقول: بأن هناك علاقة أكيدة بين نظرية فرويد "في النفس" التي هزت الفكر الإنساني كله، وأثرت فيه، وبين الصهيونية ومخططاتها، وإن هذه النظرية وتطوراتها تسير جنبًا إلى جنب مع المخطط الصهيونية، وأن التحليل النفسي الذي ابتدعه فرويد مع ظهور الحركة الصهيونية منذ سبعين عامًا، لم يكن علمًا مجردًا، ولكنه وثيق الصلة في جوانبه المرضية والحضارية معًا بالفكر اليهودي الصهيوني الذي ظهر في التراث منذ عهد التوراة وما بعدها.
###45### وأنه من أجل ذلك سخرت الصهيونية اليهودية حربها الإعلامية والدعائية لنشر مفاهيمه والدعوة له في أوسع نطاق مستطاع، حتى أصبحت الفرويدية من أقوى العوامل أثرًا في التوجيه الفكري والخلقي لعالم الغرب.
وقد كان فرويد يهوديًا قحًا، وعضوًا عاملا وفخريًا في بعض منظمات الصهيونية، وصديقًا شخصيًا لهرتزل أبي الصهيونية.
وعندنا أنه لا يستبعد أن يكون قد دخل عمله ضمن مخطط البروتوكولات لأنه جرت الإشارة إليه فيها على أنه دعامة من دعامات الخطة إلى تدمير العالم والسيطرة على الأمم والمجتمعات العالمية عن طريق هدم قيمها وأخلاقياتها.(7/4)
ويقول الدكتور صبري جرجس أخيرًا: "إن العلاقة العضوية والمصيرية، والمصلحية بين اليهودية والصهيونية والاستعمار الإمبريالي من ناحية، وبينها وبين التحليل النفسي الفرويدي من ناحية أخرى، قد جعلت من الحركات الثلاث "ثالوثًا" قوامه العنصرية، وروحه الاستعلاء، ووسيلته الإفساد، وهدفه الاستغلال، وهو بشكل يواجه البشرية ومستقبلها"
ويمكن العودة إلى ما دعت إليه الصحافة الصهيونية في ###46### أعقاب عدوان يونيه 1967 حين طالبت بالمزيد من الحرب النفسية ضدنا، ودعت إلى استخدام علم النفس الفرويدي بشكل أعمق وأدق؛ وذلك لأن علم النفس علم يهودي، وخليق باليهود بصورة تجعلهم أقدر الناس على استخدامه.
وقد تبين في وضوح أن تعاليم فرويد تؤازر الدعوة التلمودية إلى إشاعة الفاحشة في الناس ومعارضة التعاليم الدينية التي تدعو إلى ضبط الغرائز ومغالبة الشهوات وإرساء القيم الأخلاقية، وهي أساس من أسس الفلسفات الحديثة التي تدعو إلى إطلاق الغرائز وإشعالها بالفنون واستثارتها بالصورة والكلمة والملابس.
وقد نبذت بلاد كثيرة طريقة فرويد في العلاج النفسي والعقلي، وأعلنت فساد نظريته التي ترد كل الاضطرابات النفسية إلى أسس جنسية بحتة.
وقال الدكتور ناثان كلاين، الطبيب النفسي السوفيتي: إن هذه النظرية ليست سوى معول هادم لعقول الشباب، ومخدر مميت لنفوس أبناء الشعب، وهو يرجح عليها نظرية إيفان باملتوف التي ترى أن البيئة هي المسؤول الأول عما يصيب الإنسان من انحراف نفسي وعقلي.
والإسلام يرد كلا النظريتين، ويرى أن كلا منهما ترتكز ###47### على واحد من جملة عوامل هي مصدر الإرادة الإنسانية.
8- وفي أخطر نظرية قدمها فرويد أثبتت الأبحاث التجريبية خطأه وفساد رأيه، وهي مسألة الطفولة، وما يدور حولها، فقد أعلن فرويد بأن معارضة رغبات الطفل في صغره ومحاولة الأهل في أن يروضوه على النظام وأصول السلوك تؤثر في تصرفاته إذا كبر.
ولذلك فإنه يجب أن يترك الطفل حرًا بدون توجيه حتى لا يكون ذلك مصدر تعرضات وعقد في حياته.
وقد روج علماء النفس والتربية لهذه النظرية على نحو اتخذ منها وسيلة لهدم أصول التربية وبناء الشباب تحت تهديد وهمي، غير أن العلماء الذين قاموا بإحصائيات وتجارب في البيئة نفسها، تبين لهم فساد هذه النظرية وعدم جدواها، وأن بعض العلماء الأمريكيين أعلن بعد دراسات طويلة بضرورة استخدام الضرب كوسيلة لتقويم الطفل، وقيد الضرب؛ وقد التقى في ذلك بعلماء المسلمين القدامى، أمثال الغزالي وابن خلدون والقابسي.
كذلك دعا إلى أخذ الأبناء بالرفق واللين حتى لا يكون نقدهم مصدر الإحساس بالحيرة والقلق، وهو ما دعا إليه علماء المسلمين أصلا.
###48### وقال: إن مسلك الطفل لا يتأثر بعامل واحد كما ذكر فرويد، ولكنه يتأثر بعدد كبير من العوامل، منها: البيئة والوسط والحالة الاجتماعية، فلا سبيل لإخضاع الطفل إلى نسق واحد.
وقد أجرى الدكتور اسكندر توماس عددًا من البحوث بمعرفة فريق من الأطباء النفسيين، انتهى منها إلى أن نظرية فرويد لم تكن مطلقة، وأنهم درسوا في تجربتهم أحوال 158 طفلا غير منحرفين، منهم الفقراء والأغنياء، وقد نشأ الأولاد أصحاء مستقيمين بالرغم من القيود القاسية في تربيتهم، ودل ذلك على أن مسلك الطفل لا يتأثر بالتوجيه الأبوي، ولا بالزجر أو بالضرب.
كذلك أثبتت الدراسات العلمية بما لا يقبل الجدل أن الدافع الجنسي يأتي في مرتبة أدنى من كثير من الدوافع الأخرى كالدافع إلى الهواء أو الشراب أو المال. ثم إن هذا الدافع الجنسي يخضع للتربية والتوجيه، بمعنى أننا نستطيع تربية الإنسان على العفة بحيث يضبط دافعه الجنسي، ويتحكم فيه.
وبذلك تكون العفة أمرًا ليس ممكنًا فحسب، بل ضروريًا، كذلك أثبتت الأبحاث أن هناك تنظيمًا طبيعيًا ###49### للشهوة في الإنسان بحيث يستطيع كثير من الوسائل كالرياضة الجسدية أو الروحية أو الشعر أو الموسيقى أن تستوعبه.
كذلك قال الباحثون: إن دعوى فرويد الأساسية هي أن المرض العصبي "العصاب" ينشأ عن أمور جنسية طفولية مكبوتة، ولكن البحث أثبت أن الأمور الجنسية الطفولية المكبوتة ليست وقفًا على الذين ... أصيبوا بعصاب في وقت ما في حياتهم، ولكنها موجودة عند كل إنسان، وتشكل عاملا هامًا في حياته.
وهكذا نجد أن ما دعا إليه فرويد من أن الطفل يعاني مما أسماه كبت الميول الجنسية، ليس إلا أكذوبة، أراد بها تبرير الإباحة، وأثار بها الخوف في النفوس حتى يحول بين إعداد الشباب وتربيتهم وإعدادهم إعدادًا خلقيًا، وأن ما يرمي إليه من ترك الميول حرة تسلك سبيلها إلى ما تشاء، وأن ييسر لها هذا السبيل ليس إلا دعوة صريحة إلى الإباحية.
9- وقد تختلف المذاهب الغربية عن الماركسية في تفسير فرويد، ولكنهما يجتمعان في الواقع عند المادية والجبرية، ونظرية فرويد هي كالجبرية.(7/5)
ووجه الخلاف الوحيد هو أن نظرية فرويد في نظر الماركسيين، وضعت لتبرير النظرية الفردية وحذفها، غير أنهم ###50### يرون أن فرويد عامل هام يحقق أهدافهم في تحطيم المقدسات، وتلويث المجتمعات، وتصوير القيم والحدود، والضوابط الدينية والأخلاقية على أنها قيود ابتدعها المجتمع لحماية ذاته، فإذا تحطمت، كسبت الماركسية نصف المعركة. ولا ريب أن المخططات كلها ملتقية، وأن الماركسية تتصل بنسب إلى الفرويدية.
وتلتقي الماركسية والفرويدية في أكثر من نقطة، وأهمها: النظرة المادية والحيوانية إلى الإنسان، تلك النظرة التي تنفي الجوانب الروحية والمثل العليا والأخلاق، وتؤمن بعالم الجسد وحده، وبالواقع الذي تدركه الحواس وحده، ولكنها تختلف مع الماركسية في تقديم أيهما: لقمة العيش، أو الجنس.
وهكذا نرى أن أبرز تفسيرين للتاريخ والإنسان، وهما الاقتصادي والجنسي مصدرهما يهودي، والإسلام يرفض خضوع الإنسان للتفسير الاقتصادي أو الجنسي أو المادي جملة. والمعتقد أن الفكر الإنساني قد تجاوز هذين التفسيرين تمامًا بعد أن تمزقت النظريتان بالتناقضات، وثبت فشلها بالتجربة، مما أكد عجزهما عن البقاء والاستمرار.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(7/6)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
13
الجنس
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###53### الجنس
علت صيحة "الجنس" في السنوات الأخيرة، وحاولت أن تأخذ حجمًا أكبر من حجمها الطبيعي في مجال الثقافة، والصحافة والسينما والمسرح، ولم يكن ذلك ناتجًا عن وجود مشكلة أساسية بقدر ما كان نقلا عن أجواء أخرى، وبيئات مغايرة، وظروف غير طبيعية.
ذلك أن الجنس في نطاق الفكر الإسلامي والمجتمعات الإسلامية، لا يشكل ظاهرة خاصة منفصلة عن الحياة الاجتماعية، وليست له أزمة معينة فرضتها عوامل قديمة، تغيرت من النقيض إلى النقيض.
ذلك لأن الإسلام بطبيعته يلتمس فطرة الإنسان ويعترف برغائبه، ويفتح له الطريق إلى تحقيق الصلة بين الرجل والمرأة على أحسن أسلوب وأسمى طريق.
###54### ومن ثم فلا تقوم في المجتمع الإسلامي حالة من حالات التحدي التي تدعو إلى الصراع النفسي بالمنع، أو الكبت أو احتقار الصلة الطبيعية القائمة بين الرجل والمرأة على النحو الذي شهدته بيئات الغرب، والتي كانت مصدر الدعوة الصارخة إلى إطلاق الجنس، وتحرير وسائله وأسبابه.
ذلك أن الأزمة التي عرفتها أوروبا والتي جاءت من تفسيرات قدمت للدين على أنه دعوة إلى مطالبة البشر بأن يزهدوا في رغائد الجسد، وأن يكبتوا النوازع الفطرية إعلاءً للروح وسموًا بها، وبذلك علت الدعوة إلى إنكار الصلة الطبيعية مع المرأة، ووصفت المرأة بأنها شيطان مريد، واعتزل الناس الحياة على الجبال والأكنان في اقتناع بأن هذا، هو الطريق الصحيح إلى مرضاة الله.
ولقد كان لهذا المفهوم أثره البعيد المدى على النفس الإنسانية، والحياة الاجتماعية جميعًا، فقد عاشت النفس الإنسانية حياة مريرة، تمزقها المحاولة التي تعمل على العزلة عن الحياة بقهر النوازع الفطرية بحجة أن هذه النوازع دنس يجب أن يتطهر منه الأتقياء.
وبذلك أوشكت الحياة أن تتعطل، فقد انصرف الناس إلى الأديرة، وهجروا السعي في الأرض؛ ولم يكن ذلك إلا ###55### فهمًا باطلا لدعوة الدين في إعلاء القيم الروحية والنفسية دون الحرمان من الاستجابة للرغبات والنوازع الفطرية.
ومن هذا الانحراف الشديد الذي استمر مسيطرًا على الحياة الاجتماعية في الغرب قرونًا طويلة، تولدت الدعوة إلى الانطلاق والتحرر وإعلاء الجنس انطلاقًا من القاعدة التي تقول: إن كل فعل، له رد فعل مساوٍ له في القيمة، مختلف عنه في النتيجة.
وهكذا انتقلت أوروبا من النقيض إلى النقيض؛ وجاء فرويد فدعا إلى إعلاء الجنس وإطلاق الجنس، وحمل راية التهديد والوعيد بالمرض والعصاب لكل من يعترض على دعوته، وبذلك انفتح الباب واسعًا أمام الفكر الغربي والمجتمع الغربي إلى معارضة النظرة القديمة وحربها دون هوادة على أسلوب حاد عنيف، لا يلتمس الاعتدال أو التوسط أو النظرة الموضوعية، ولكنه يجري في اندفاع خطير، فيدمر كل شيء.
ولقد كانت نتيجة هذا التحول خطيرة وبالغة الأثر، وقد ظهرت آثارها سريعًا، فقد هدمت القيم الروحية والنفسية والأخلاقية؛ وفكت القيود والضوابط، ودفعت الناس دفعًا إلى الفاحشة والتحلل والإباحية على نحو، كان له آثاره الخطيرة ###56### في هذه الأزمة التي يمر بها الإنسان الغربي والمجتمع الغربي نتيجة التمزق والشك والصراع والاندفاع الجنوني نحو إرضاء الغرائز دون تقدير لأي نتائج تتعلق بكيان الإنسان نفسه أو بالمجتمع الذي يعيش فيه.
2- أما الإسلام، فقد نظر إلى الجنس نظرة الفطرة، وحرره من معتقدات الرهبنة والرياضيات القاسية، كما حماه من أخطار التحلل والتدمير، وأعلن أن الرغبات من طبيعة الإنسان التي لا سبيل إلى الوقوف في وجهها؛ وإن كنا من المقدور ضبطها وتعديل مسارها وتخفيف أخطارها وتذليلها لتؤدي الغاية منها دون إسراف أو فساد أو تجميد، ومن هنا وضع لها ضوابط من الحلال والاعتدال والعفة.
كذلك فإن الإسلام كشف عن مهمة الجنس ودوره؛ وكيف أنه جزء من مهمة كبرى للإنسان، وليس الغاية الكبرى في حياته، وأنه وسيلة إلى بناء الأسرة وإنشاء الجماعة، وتوالي حركة المجتمع ونموه ليحقق إرادة الله الكبرى في تعمير الأرض، وليس الجنس هو غاية الحياة كما تقول الفلسفات الغربية، وليس هو أكبر أهدافها.(8/1)
ومن هنا فقد عجزت قضية الجنس التي هي نبت غربي خالص أن تجد مجالا في محيط الإسلام لأنها لم توجد أصلا، ###57### نظرًا لسماحة الإسلام واعترافه بالرغبات، وإباحة الاستجابة لها في إطار العقد الشرعي، وإن السر في انطلاق هذه الظاهرة بشدة وعنف، هو انتقال الغرب من القسر الشديد إلى الإطلاق الشديد، أما الإسلام، فقد أعلن منذ يومه الأول وجود الرغبات في كيان الإنسان من مال وطعام وجنس، ولكنه وضعها في إطارها الصحيح، ولم يجعل الطعام قضية أولية، ولكنه نظر إلى الحياة نظرة متكاملة في عناصرها؛ متوائمة في رغباتها وحدودها متوازنة تهب النفس الإنسانية السكينة والطمأنينة وشفاء القلوب وقضاء الحاجات بعيدًا عن السرف والزهادة والكبت وبعيدًا عن التحلل والانطلاق.
ومفهوم الإسلام في الغرائز والرغبات يقوم على تحقيقها في حال القدرة، وفي حدود قواعد الزواج، ويقوم على التسامي والإعلاء في حال عدم القدرة دون أن يفقد ذلك الإعلاء هذه الرغبات حقها المعترف به في حالة الاستطاعة.
كذلك أقام الإسلام إلى جانب ذلك نظام الطهارة الجسدية والنفسية، وأباح المصادر الشريفة للمال والطعام والجنس، كما أباح ظروف الاضطرار، وعفا عنها.
والإسلام لا يفتح الباب أما الكبت، بل يزيله قبل أن ###58### يحدث، ولا يترك فرصة مهيأة لحدوثه؛ فهو يعترف بالرغبات، ويقرر إقامة الحدود التي تحفظ النفس البشرية من الانهيار في نفس الوقت، هذه الحدود تنظم مدى القيام بالنشاط الحيوي، وتحدد له ميادين معينة، يكون فيها مأمون العاقبة دون أن تحرم الإنسان من الإحساس به والرغبة فيه؛ ودون أن تحول بينه وبين حقه في أنه مباح له، مسموح به؛ وليس في مزاولته أي نوع من الحجر، حلالا ليس حرامًا؛ بل وهناك ترغيب فيه ودعوة إليه حتى لا يوضع في غير مكانه، كل ذلك شريطة أن يتم في إطاره الشرعي ومع ضوابطه.
ومن هنا فإن النفس الإنسانية عند المسلم، هي دائمًا مستريحة راضية مطمئنة إلى أن الطريق إلى الغابة مفتوحة وشرعية ومأجور عليها صاحبها، أما أمر الوسائل، فهو شأن من يسرع بسرعة القادرين أو يتأخر حتى الله له:
«وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله» [النور: 33].
ومعنى هذا أن الإسلام يحول دون الكبت لأنه يعترف بالواقع البشري، ويضع الضوابط في حالة التنفيذ.
3- إن من أعظم معطيات الإسلام هو أنه ضبط الرغبة، ولم يحقق لها الإباحة الكاملة. ذلك لأنه لا يريد أن ###59### يظن الإنسان أن هذه الرغبة هي غايته الكبرى، أو أن يدمر كيانه الخاص من جراء الإسراف في مزاولتها، فجاءت تلك القيود ضرورة ملحة لازمة لحفظ كيان الفرد ذاته، وحماية المجتمع نفسه، ودفع الإنسان إلى الأمام إلى الغايات الكبرى التي هو مؤهل لها في تعمير الأرض وتحقيق إرادة الله في تنفيذ النظام الرباني بالعدل والإخاء والبر والرحمة، وتلك هي رسالته الكبرى، وليست الرغبة الحسية العاجلة.
ولقد حفظ التاريخ عشرات المواقف التي انهارت فيها الأمم نتيجة التحلل والانهيار الخلقي.
وفي السنوات الأخيرة خلال الحرب العالمية انهارت أمم تحت أول ضربة من خصومها، وأعلن قادتها أن مصدر ذلك هو التحلل الخلقي.
فالإسلام يعمل على حفظ أمته من هذا الخطر.
كذلك فإن القول بأن إطلاق الحرية في الرغبات يزيد المتعة أو يعطي النفس حال الاكتفاء؛ هذا القول مردود بالتجربة والدراسة، فإن اللذات لا تنتهي ولا تشبع منها النفس، ولا يحس صاحبها أبدًا بالاكتفاء، فينصرف عنها، سواء أكان ذلك في مجال الطعام أو مجال الجنس.
وإنما تنشأ من الإسراف طبيعة نهمة مسرفة من شأنها أن ###60### تهدم الجسد الإنساني، ومن أجل هذا دعا الإسلام إلى التوسط والاعتدال: «كلوا واشربوا ولا تسرفوا» [الأعراف: 31] ودعا إلى حماية البدن (إن لبدنك عليك حقًا).
فالنظرية التي تقول: بأن إطلاق الحرية يؤدي إلى أن يفرغ الإنسان من ضغط الغرائز على أعصابه، يمكن أن تحقق بالمنهج المعتدل الذي شرعه الإسلام في أمر الجنس والطعام وغيره، وذلك بالتوسط وعلى فترات منظمة؛ أما إطلاق اللذات إطلاقًا كاملا، فإنه لا يؤدي إلى الغاية المرجوة؛ بل إنه يزيد الشهوات اشتعالا "إن الطعام يقوي شهوة النهم" فالإسلام لا يقبل هذا النهج؛ ولا يسمح بالانطلاق الذي لا تحده ضوابط أو حدود، ذلك لعجز الجسد نفسه عن احتمال الجهد الدائم، مهما تقوي بالطعام أو بغيره.
ومن شأن كل شهوة يباح لها التفريغ الدائم الذي يؤدي بدوره على الظمأ الدائم: أن تفسد العقل، وتذهب الصواب، وتجعله عرضة للهبوط والانحلال، ومن هنا كانت الضوابط والحدود عاملا هامًا في ضبط كيان الفرد ومصلحة الجماعة.
والقيد المفروض على الشهوة الجنسية، هو قيد لصالح المجتمع حماية له من اختلاط الأنساب وتفكك الأسرة ###61### واضطراب عواطف الناس، وهو في نفس الوقت حماية للفرد ذاته من الاضطراب النفسي.
ومن شأن هذا التنظيم أن يقيم العلاقة الطيبة بين الفرد والمجتمع.(8/2)
ولما كانت شهوة الجنس ليست غاية في ذاتها، وإنما هي عامل بقاء النسل واستمراره، فقد وضعت في حجمها الطبيعي حتى لا تفسد الرسالة الأساسية للإنسان، ولا الهدف الصحيح له، وحتى يظل الكيان الإنساني محتفظًا بقدرته وقوته فترة طويلة سليمًا قادرًا على النسل لحفظ النوع في الأرض.
4- وليست نظرية فرويد في الجنس وإطلاقه مما يقبله علماء النفس والطب على علاته، بل هو قول مردود في نظر أصحاب التجارب.
ومن ذلك ما يقول الدكتور لويس بنس الطبيب النفسي: إن الدافع الجنسي لدى الفرد دافع غريزي فطري، ولهذا فهو شأن كل الدوافع الفطرية، يحاول أن يعبر عن نفسه، ويطالب بالإشباع، وفي المحاولة الدائمة لاستمرار البقاء تدفع الحياة الأفراد إلى أن يتناسلوا، ولن يتم التناسل إلا عن طريق الاتصال الجنسي بين الذكور والإناث.
إن الدوافع الغريزية الجنسية دوافع غريزية، تحاول أن ###62### تعبر عن نفسها، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن عدم الإشباع أو على الأصح وضع هذا الإشباع في المقام الأول من حياتنا يؤدي إلى دمار البشرية.
والواقع أن هناك ثمة رجالا ونساءً، أفلحوا في تجنب الجنس والحياة بدونه نهائيًا، وهناك آلاف النساء لم يتزوجن لأنهن لم يقعن في الحب، أو لأن فرصة الزواج لم تتح لهن، والقول نفسه يسري على رجال كثيرين، لم يتزوجوا أيضًا. ومعنى ذلك أن التعبير عن الجنس ليس ضرورة مطلقة، وليس هناك ثمة ضرر جسمي أو عقلي ينتج عن الامتناع عن الجنس.
ويقول: وقد سألتني إحدى السيدان: هل الجنس ضروري لكي يتم للإنسان اتزانه العقلي؟ قلت: - وأنا أعني كل حرف مما أقول -: بالطبع لا، إن كل ما سمعته من أن السعادة ليست ممكنة فقط بالزواج، فهناك رجال ونساء عاشوا سعداء دون أن يمارسوا الجنس.
ودعوني أكرر مرة أخرى أن الجنس في أصله مسألة عقلية قبل كل شيء، وبالرغم من أن الدافع الجنسي غريزي فينا، وغالبًا ما يطلب الإشباع إلا أنه في معظمه ينشأ في عقولنا قبل كل شيء، والتفكير هو الذي يدفع الجسم إلى الفعل.
ورغم أن أغلب أجزاء المثير الجنسي تتكون بتأثير العالم ###63### الخارجي إلا أن العقل يلعب في ذلك دورًا كبيرًا يفوق في أغلب الأحيان الدور الذي يلعبه المثير الأجنبي؛ وبعبارة أخرى: إن ما تتخيله عقولنا عن الجنس يكون أشهر إثارة من الجنس في واقعه الموضوعي الخارجي.
من ثم نستطيع أن نقول: إن الكتب الجنسية وأفلام السينما والنكات الخارجية، وما إلى ذلك هي المسؤول الأول عن إثارة الحيوان الكامن في أعماقنا، وليس الجنس في حد ذاته. إن التخيل، وهو من نتاج الذهن يلعب الدور الرئيسي بالنسبة لدوافع الإنسان الجنسية؛ وما أكثر الصور المجموعة غير الواقعة التي يقدمها لنا، وعلاج الجنس هو الزواج أو الكظم الذي لن يضر شيئًا.
ولا ريب أن هذه وجهة نظر أخرى، تختلف مع مفهوم الإسلام في بعض النقاط، ولكنها تعارض ما ذهب إليه فرويد.
ويصور ليوبولدفايس "محمد أسد" مفهوم الإسلام بالنسبة إلى الجسد والجنس بالنسبة إلى مفاهيم الأديان والمذاهب والنظريات الغربية فيقول:
"يعتبر الإسلام من دون الأديان السامية جميعًا روح الإنسان ناحية واحدة من شخصيته، وليست ظاهرة مستقلة، ###64### وبالتالي فإن نمو الإنسان الروحي في نظر الإسلام مرتبط ارتباطًا لا ينفصم بجميع نواحي طبيعته الأخرى، إن الدوافع الجسمانية جزء متمم لطبيعته، فهي ليست نتيجة أي خطيئة أولى، ذلك المفهوم الغريب عن تعاليم الإسلام، بل هي قوى إيجابية، وهبها الله للإنسان، فيجب أن يتقبلها ويفيد منها بحكمه على أنها كذلك.
ومن هنا فإن مشكلة الإنسان ليست في: كيف يكبت مطالب جسمه؟ بل كيف يوفق بينهما وبين مطالب روحه بطريقة تجعل الحياة مترعة وصالحة؟".
5- هل علاقة الرجل بالمرأة هي علاقة جنس؟
هذا ما تحاول النظرية النفسية والاجتماعية الغربية أن تصوره، لتجهل هذه العلاقة قاصرة على الغريزة، وبذلك تنهدم كل الروابط الروحية والنفسية والاجتماعية بين الرجل والمرأة التي هي دعامة قيام الأسرة. ولا ريب أن هذه المحاولة إنما ترمي إلى هدم الكيان الاجتماعي كله بالعمل على تغيير التركيب الفكري للجنس البشري، وبإضعاف العوامل الأساسية لقيام الأسرة؛ وهي محاولة لم تتوقف على مدى التاريخ من جانب القوى الهدامة، ولكنها لم تحقق شيئًا، وكان مصيرها دائمًا الهزيمة والانحدار لأنها ضد طبيعة الأشياء ومعارضة للفطرة.
###65### إن نظرة الإسلام(8/3)
13 ثمرة للإيمان
د. علي الصلابي
إن من حكمة الله الربانية أن جعل قلوب عباده المؤمنين تحس وتتذوق وتشعر بثمرات الإيمان، لتندفع نحو مرضاته، والتوكل عليه سبحانه وتعالى. فإن شجرة الإيمان إذا ثبتت وقويت أصولها وتفرعت فروعها، وزهت أغصانها، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكل خير عاجل وآجل في الدنيا والآخرة.
وثمار الإيمان وثمراته وفوائده كثيرة قد بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم. فمن أعظم هذه الفوائد والثمار:
أولا: الاغتباط بولاية الله الخاصة التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون، وتسابق فيه المتسابقون، وأعظم ما حصل عليه المؤمنون، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس:62] ثم وصفهم بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 63].
فكل مؤمن تقي، فهو لله ولي ولاية خاصة، من ثمراتها ما قاله الله عنه: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور...ِ) [البقرة: من الآية 257] أي: يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، ومن ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة والذكر، وحاصل ذلك: أنه يخرجهم من ظلمات الشرور المتنوعة إلى ما يرفعها من أنوار الخير العاجل والآجل.
وإنما حازوا هذا العطاء الجزيل: بإيمانهم الصحيح، وتحقيقهم هذا الإيمان بالتقوى فإن التقوى من تمام الإيمان.
ثانيا: الفوز برضا الله ودار كرامته، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 71-72] فنالوا رضا ربهم ورحمته، والفوز بهذه المساكن الطيبة: بإيمانهم الذي كمّلوا به أنفسهم، وكمّلوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستولوا على أجلِّ الوسائل، وأفضل الغايات وذلك فضل الله.
ثالثا: ومن ثمرات الإيمان: أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره، وينجّيهم من الشدائد كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا...) [الحج: من الآية 38] أي: يدفع عنهم كل مكروه، يدفع عنهم شر شياطين الأنس وشياطين الجن، ويدفع عنهم الأعداء، ويدفع عنهم المكاره قبل نزولها، ويرفعها أو يخففها بعد نزولها.
ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس -عليه السلام- وأنه (... فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: من الآية 87] قال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 88]. إذا وقعوا في الشدائد، كما نجّينا يونس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوة آخي يونس ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله عنه كربته لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". وقال تعالى: (... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: من الآية 4].
فالمؤمن المتقي ييسر الله له أموره وييسره لليسرى، ويجنبه العسرى: ويسهل عليه الصعاب ويجعل له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. وشواهد هذا كثيرة من الكتاب والسنة.
رابعا: ومنها: أن الإيمان والعمل الصالح -الذي هو فرعه- يثمر الحياة الطيبة في هذه الدار، وفي دار القرار قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97] وذلك أنه من خصائص الإيمان، أنه يثمر طمأنينة القلب وراحته، وقناعته بما رزق الله، وعدم تعلقه بغيره، وهذه هي الحياة الطيبة. فإن أصل الحياة الطيبة: راحة القلب وطمأنينته، وعدم تشويشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح.
خامسا: ومنها: أن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والإخلاص، ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل، مثل قوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ...) [الأنبياء: من الآية 94].(9/1)
أي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله، بل يُضاعف بحسب قوة إيمانه، وقال: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء: 19] والسعي للآخرة: هو العمل بكل ما يقرب إليها، ويدني منها، من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فإذا تأسست على الإيمان، وانبنت عليه: كان السعي مشكورًا مقبولاً مضاعفًا، لا يضيع منه مثقال ذرة.
وأما إذا فقد العمل الإيمان، فلو استغرق العامل ليله ونهاره فإنه غير مقبول قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23] وذلك: لأنها أسست على غير الإيمان بالله ورسوله -الذي روحه: الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول- قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً) (الكهف: 103-105) فهم لما فقدوا الإيمان، وأحلوا محله الكفر بالله وآياته- حبطت أعمالهم
قال تعالى: (...لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ...) [الزمر: من الآية 65]، (... وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: من الآية 88].
ولهذا كانت الردة عن الإيمان تحبط جميع الأعمال الصالحة، كما أن الدخول في الإسلام والإيمان يجُبُّ ما قبله من السيئات وإن عظمت. التوبة من الذنوب المنافية للإيمان، والقادحة فيه، والمنقصة له- تجُبُّ ما قبلها.
سادسا: ومن ثمرات الإيمان أن صاحب الإيمان يهديه الله إلى الصراط المستقيم، ويهديه إلى علم الحق، وإلى العمل به وإلى تلقي المحاب بالشكر، وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ...) [يونس: من الآية 9].
وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ...) [التغابن: من الآية 11].
ذكر الشوكاني -رحمه الله- في تفسيره (هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم).
ولو لم يكن من ثمرات الإيمان، إلا أنه يسري عن صاحبه في المصائب والمكاره التي تعترض كل أحد في كل وقت لكفى. ومصاحبة الإيمان واليقين أعظم مسل عنها، ومهون لها وذلك: لقوة إيمانه وقوة توكله، ولقوة رجائه بثواب ربه، وطمعه في فضله؛ فحلاوة الأجر تخفف مرارة الصبر قال تعالى: (... إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ...) [النساء: من الآية 104].
سابعا: ومن ثمرات الإيمان ولوازمه وفوائده وخيراته من الأعمال الصالحة ما ذكره الله بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) [مريم: 96] أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان، يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين. ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين من الثناء والدعاء له حيا وميتا، والاقتداء به وحصول الإمامة في الدين.
وهذه أيضا من أجل ثمرات الإيمان: أن يجعل الله للمؤمنين الذين كمّلوا إيمانهم بالعلم والعمل -لسان صدق- ويجعلهم أئمة يهتدون بأمره كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 24) فبالصبر واليقين -اللذين هما رأس الإيمان وكماله- نالوا الإمامة في الدين.
ثامنا: ومنها قوله تعالى: (...يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...) [المجادلة: من الآية 11].
فهم أعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والآخرة.
وإنما نالوا هذه الرفعة بإيمانهم الصحيح وعملهم ويقينهم، والعلم واليقين من أصول الإيمان.(9/2)
تاسعا: ومن ثمرات الإيمان: حصول البشارة بكرامة الله والأمن التام من جميع الوجوه كما قال تعالى: (...وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة: من الآية 223) فأطلقها ليعم الخير العاجل والآجل، وقيّدها في مثل قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...) [البقرة: من الآية 25] فلهم البشارة المطلقة والمقيدة، ولهم الأمن المطلق في مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] ولهم الأمن المقيد في مثل قوله تعالى: (...فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأنعام: من الآية 48].
فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه، والحزن مما مضى عليهم، وبذلك يتم لهم الأمن.
فالمؤمن له الأمن التام في الدنيا والآخرة: أمن من سخط الله وعقابه، وأمن من جميع المكاره والشرور. وله البشارة الكاملة بكل خير، كما قال تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ...) [يونس: من الآية 64].
ويوضح هذه البشارة قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت: 30-32] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد: 28] فرتّب على الإيمان حصول الثواب المضاعف، وكمال النور الذي يمشي به العبد في حياته، ويمشي به يوم القيامة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد: 12] فالمؤمن من يمشى في الدنيا بنور علمه وإيمانه، وإذا أُطفئت الأنوار يوم القيامة: مشى بنوره على الصراط حتى يجوز به إلى دار الكرامة والنعيم، وكذلك رتب المغفرة على الإيمان، ومن غُفرت سيئاته سلم من العقاب، ونال أعظم الثواب ).
عاشرا: ومن ثمرات الإيمان: حصول الفلاح الذي هو: إدراك غاية الغايات، فإنه إدراك كل مطلوب، والسلامة من كل مرهوب، والهدى الذي هو أشرف الوسائل.
كما قال تعالى بعد ذكره المؤمنين بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما أُنزل على من قبله، والإيمان بالغيب. وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: اللتين هما من أعظم آثار الإيمان قال تعالى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة: 5] فهذا هو الهدى التام، والفلاح الكامل.
فلا سبيل إلى الهدى والفلاح -اللذين لا صلاح ولا سعادة إلا بهما- إلا بالإيمان التام بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله الله. فالهدى أجلُّ الوسائل، والفلاح أكمل الغايات
الحادي عشر: ومن ثمرات الإيمان: الانتفاع بالمواعظ والتذكير والآيات.
قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات: 55) وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر: 77] وهذا: لأن الإيمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه، علما وعملاً، وكذلك معه الآلة العظيمة والاستعداد لتلقي المواعظ النافعة، والآيات الدالة على الحق، وليس عنده مانع يمنعه من قبول الحق، ولا من العمل به.
أيضا: فالإيمان يوجب سلامة الفطرة، وحسن القصد، ومن كان كذلك: انتفع بالآيات.
ومن لم يكن كذلك: فلا يُستغرب عدم قبوله للحق واتباعه له. ولهذا يذكر الله -في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وقبول الحق الذي جاء به- السبب الذي أوجب لهم ذلك وهو: الكفر الذي في قلوبهم. يعني لأن الحق واضح وآياته بينة واضحة والكفر أعظم مانع يمنع من اتباعه، أي فلا تستغربوا هذه الحالة، فإنها لم تزل دأب كل كافر.
الثاني عشر: ومنها أن الإيمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدينهم، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا...) [الحجرات: 15] أي: دفع الإيمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود، وأزاله بالكلية، وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الإنس والجن، والنفوس الأمّارة بالسوء. فليس لهذه العلل المهلكة دواء إلا تحقيق الإيمان.(9/3)
ولهذا ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يُقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله). وفي رواية: فليستعذ بالله ولينته.
وبهذا بيَّن صلى الله عليه وسلم الدواء النافع لهذا الداء المهلك. وهو ثلاثة أشياء:
1- الانتهاء عن الوساوس الشيطانية.
2- والاستعاذة من شرّ من ألقاها وشبّه بها؛ ليضل بها العباد.
3- والاعتصام بعصمة الإيمان الصحيح الذي من اعتصم به كان من الآمنين.
وذلك: لأن الباطل يتضح بطلانه بأمور كثيرة أعظمها: العلم أنه منافٍ للحق، وكل ما نقص الحق فهو باطل (...فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ...) (يونس: من الآية 32).
الثالث عشر: ومنها: أن الإيمان ملجَأ المؤمنين في كل ما يلم بهم: من سرور وحزن وخوف وأمن، وطاعة، ومعصية، وغير ذلك من الأمور التي لا بد لكل أحد منها.
فيلجئون إلى الإيمان عند الخوف فيطمئنون إليه فيزيدهم إيمانا وثباتا، وقوة وشجاعة، ويضمحل الخوف الذي أصابهم كما قال تعالى عن خيار الخلق: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ...)[آل عمران: 173-174]
لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الأخيار، وخلفه قوة الإيمان وحلاوته، وقوة التوكل على الله، والثقة بوعده.
ويلجئون إلى الإيمان عند الطاعة والتوفيق للأعمال الصالحة: فيعترفون بنعمة الله عليهم بها، وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق وكذلك يحرصون على تكميلها، وعمل كل سبب لقبولها، وعدم ردها أو نقصها. ويألون الذين تفضل عليهم بالتوفيق لها: أن يتم عليهم نعمته بقبولها، والذي تفضل عليهم بحصول أصلها: أن يتم لهم منها ما انتقصوه منها (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:61] ويلجئون إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة إلى التوبة منها، وعمل ما يقدرون عليه من الحسنات – لجبر نقصها. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [لأعراف: 201] فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجؤهم إلى الإيمان ومفزعهم إلى تحقيقه، ودفع ما ينافيه ويضاده، وذلك من فضل الله عليهم ومنه.
وخوفا من الإطالة نقتصر على هذه الثمرات العظيمة التي بينها المولى عز وجل، وبذلك نستيقن أن كتاب الله جاء تبيانا لكل شيء، وعرض قضية الإيمان من جوانبها المتعددة النافعة للناس، وبيَّن وسائل زيادة الإيمان، ورغّبنا فيه بذكر فوائده وثماره بحكمة بالغة تليق بالحكيم العليم جل وعلا.
وبيَّن المولى -عز وجل- في كتابه حقيقة الإيمان بأنه اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، ووضعنا على الصراط المستقيم، وسلمت عقول المسلمين وقلوبهم من أمراض التعطيل والتشبيه، والإفراط والتفريط، ووقع أهل البدع في الانحراف عن جادة الصواب، وطريق أهل الاستقامة؛ لأنهم ابتعدوا عن كتاب الله وسنة رسوله، وفهم الصحابة والتابعين بإحسان من علماء وفقهاء ومحدثين.(9/4)
13 شبهة للقبوريين والجواب عليها
عبد الله بن حميد الفلاسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد (1):
اعلم رحمني الله وإياك أن الطريق إلى الله لابد له من أعداء قاعدين له، أهل فصاحةٍ وعلمٍ وحجج.
فالواجب علينا أن نتعلم من دين الله ما يصير لنا سلاحاً نقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك - عز وجل -: ((لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)) [سورة الأعراف: 16-17].
واعلم أن جند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح.
وقد من الله - تعالى -علينا بكتابه الذي جعله: ((تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) [سورة النحل: 89].
فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال - تعالى -: ((وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)) [سورة الفرقان: 33].
ومن أهل الباطل هم أهل البدع والضلال من القبوريين الذين تركوا إخلاص الدين لله، وأشركوا مع الله غيره من الأنبياء والأولياء، ولهؤلاء شبهٌ كثيرة، وللإجابة على شبههم طريقين: المجمل، والمفصل.
الجواب المجمل
قال الله - تعالى -: ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ)) [سورة آل عمران: 7].
وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)).
فحذرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من الذي يتبع المتشابه من القرآن أو من السنة وصار يلبس به على باطله فهؤلاء الذين سماهم الله ووصفهم بقوله: ((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)).
وكان سبب تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الخشية من أن يضلونا عن سبيل الله باتباع هذا المتشابه، فحذرنا من سلوك طريقهم، وحذرنا منهم.
الجواب المفصل
الشبهة الأولى
قولهم: نحن لا نشرك بالله، ونشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولكننا مذنبون، والصالحون لهم جاه عند الله، ونطلب من الله بهم.
جواب الشبهة الأولى
اعلم أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستباح دماءهم ونساءهم مقرون بذلك، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، ولم يغنهم هذا التوحيد شيئاً.
وقد ذكر الله - عز وجل - في محكم كتابه: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) [سورة الأنبياء: 25].
وقال - تعالى -: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)) [سورة الذاريات: 56].
وقال - تعالى -: ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [سورة آل عمران: 18].
وقال - تعالى -: ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) [البقرة: 163].
وقال - تعالى -: ((فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)) [سورة العنكبوت: 56] إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد الله - عز وجل - في عبادته، وأن لا يعبد أحد سواه.
الشبهة الثانية
قوله: أن الآيات التي ذكرتها نزلت فيمن يعبد الأصنام، وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام.
جواب الشبهة الثانية
اعلم أن كل من عبد غير الله فقد جعل معبوده وثناً فأي فرق بين من عبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء؟!(10/1)
فالكفار منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة، ومنهم من يعبد الأولياء والدليل على أنهم يدعون الأولياء قوله - تعالى -: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ)) [سورة الإسراء: 57]، وكذلك يعبدون الأنبياء كعبادة النصارى المسيح ابن مريم والدليل قوله - تعالى -: ((وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)) [سورة المائدة: 116]، وكذلك يعبدون الملائكة كقوله - تعالى -: ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) [سورة السبأ: 40].
فبهذا تبين تلبيسهم بكون المشركين يعبدون الأصنام وهم يدعون الأولياء والصالحين من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا صحة لتلبيسهم لأن أولئك المشركين من يعبد الأولياء والصالحين.
الوجه الثاني: لو قدرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلا الأصنام فلا فرق بينهم وبين المشركين لأن الكل عبد من لا يغني عنه شيئاً.
وبهذا عرفنا أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا الشرك ولم ينفعهم أن كان المعبودون من أولياء الله وأنبيائه.
الشبهة الثالثة
قولهم: الكفار يريدون من الأصنام أن ينفعوهم أو يضرهم، ونحن لا نريد إلا من الله والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ونحن لا اعتقد فيهم ولكن نتقرب بهم إلى الله - عز وجل - ليكونوا شفعاء.
جواب الشبهة الثالثة
اعلم أن هذا قول الكفار سواءً بسواء حيث قال - تعالى -: ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [سورة الزمر: 3] وقوله - تعالى -: ((هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ)) [سورة يونس: 18].
الشبهة الرابعة
قولهم: نحن لا نعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة.
جواب الشبهة الرابعة
اعلم أن الله فرض عليك إخلاص العبادة له وهو حقه على الناس، حيث قال - تعالى -: ((ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) [سورة الأعراف: 55].
والدعاء عبادة، وإذا كان عبادة فإن دعاء غير الله شركٌ بالله - عز وجل - والذي يستحق أن يدعى ويعبد ويرجى هو الله وحده لا شريك له.
فإذا علمنا أن الدعاء عبادة، ودعونا الله ليلاً ونهاراً، خوفاً وطمعاً، ثم دعونا في تلك الحاجة نبيناً أو غيره فقد أشركنا في عبادة الله غيره.
وقال - تعالى -: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) [سورة الكوثر: 2] فإذا أطعنا الله ونحرنا له، فهذه عبادة لله، فإذا نحرنا لمخلوق نبي، أو جني أو غيرهما فقد أشركنا في العبادة غير الله.
والمشركون الذين نزل فيهم القرآن، كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات، وما كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وهم مقرون أنهم عبيد لله وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جداً.
الشبهة الخامسة
قولهم لأهل التوحيد: أنتم تنكرون شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
جواب الشبهة الخامسة
اعلم بأننا لا ننكر شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا نتبرأ منها، بل هو - صلى الله عليه وسلم -، الشافع المشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال - تعالى -: ((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)) [سورة الزمر: 44].
ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال - عز وجل -: ((مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) [سورة البقرة: 255] ولا يشفع إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال - عز وجل -: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى)) [سورة الأنبياء: 28].
والله لا يرضى إلا التوحيد كما قال - عز وجل -: ((يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)) [سورة آل عمران: 85].
فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، فاطلب الشفاعة من الله، فقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.
الشبهة السادسة
قولهم: أن الله أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفاعة، ونحن نطلبه مما أعطاه الله.
جواب الشبهة السادسة
اعلم أن الله أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفاعة ونهانا عن هذا فقال: ((فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [سورة الجن: 18].(10/2)
واعلم أن الله - سبحانه وتعالى - أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفاعة ولكنه - صلى الله عليه وسلم - لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع إلا لمن ارتضاه الله، ومن كان مشركاً فإن الله لا يرتضيه فلا يأذن أن يشفع له كما قال - تعالى -: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى)) [سورة الأنبياء: 28].
واعلم أن الله - تعالى - أعطى الشفاعة غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون، والأولياء يشفعون.
فهل نطلب الشفاعة من هؤلاء؟
فإن كنت تريد من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشفاعة فقل: ((اللهم شفع فيَّ نبيك محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)).
وكيف تريد شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت تدعوه - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، ودعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة.
الشبهة السابعة:
قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئاً ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك.
جواب الشبهة السابعة
اعلم أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا، وأن الله لا يغفره، فما هو الشرك؟
فإنهم لا يدرون ما هو الشرك ما دام أن طلب الشفاعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بشرك، وهذا دليل على أنهم لا يعرفون الشرك الذي عظمه الله - تعالى -وقال فيه: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [سورة لقمان: 13].
فكيف تبرؤون أنفسكم من الشرك بلجوئكم إلى الصالحين، وأنتم لا تعرفونه، والحكم على الشيء بعد تصوره، فحكمكم ببراءة أنفسكم من الشرك وأنتم لا تعلمونه حكم بلا علم، فيكون مردوداً.
ولماذا لا تسألون عن الشرك الذي حرمه الله - تعالى -أعظم من تحريم قتل النفس والزنا وأوجب لفاعله النار وحرم عليه الجنة، أتظنون أن الله حرمه على عباده ولم يبينه لهم حاشاه من ذلك.
الشبهة الثامنة:
قولهم: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.
جواب الشبهة الثامنة
اعلم أن عباد الأصنام لا يعتقدون أنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها، وإن القرآن يكذب من قال أنهم كانوا يعتقدون غير ذلك.
وأن عبادة الأصنام هو من قصد خشبة، أو حجراً، أو بنية على قبر أو غيره، يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا.
وأن فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها هو نفس فعلهم، وبهذا يكون فعلكم هو عبادة الأصنام.
وقولكم: الشرك عبادة الأصنام، هل هذا يعني أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟
فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.
الشبهة التاسعة:
قولهم: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟
جواب الشبهة التاسعة
اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكذب به، فهو كمن كذب بالجميع وكفر به، ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء لقوله - تعالى -: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً)) [سورة النساء: 150-151] وقوله - تعالى -في بني إسرائيل: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)) [سورة البقرة: 85].
فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر، ومن أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافراً، ومن أقر بوجوب ما سبق وجحد وجوب الصوم فإنه يكون كافراً، ومن أقر بذلك كله وجحد وجوب الحج فإنه كافر والدليل على ذلك قوله - تعالى -: ((وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ يعني من كفر بكون الحج واجباً أوجبه الله على عباده فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) [سورة آل عمران: 97].
ومن أقر بهذا كله، ولكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالإجماع لقول الله - تعالى -: ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [سورة التغابن: 7].(10/3)
فإذا أقررت بهذا فاعلم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذا الأمور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟
سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل!
فمنكر التوحيد أشد كفراً وأبين وأظهر.
وها هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويؤذنون ويصلون وهم إنما رفعوا رجلاً إلى مرتبة النبي، فكيف بمن رفع مخلوقاً إلى مرتبة جبار السماوات والأرض؟
أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوقاً إلى منزلة مخلوق آخر؟!
وها هم الذين حرقهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالنار كلهم يدعون الإسلام وهم من أصحاب علي - رضي الله عنه - وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما.
فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟
أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أم تظنون أن الاعتقاد في الحسين والبدوي وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يكفر؟
وقد أجمع العلماء على كفر بني عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعات ويدعون أنهم مسلمين، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهم واستنفذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
وإذا كان الأولون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر من الشرك والتكذيب والاستكبار فما معنى ذكر أنواع من الكفر في (باب حكم المرتد).
كل نوع منها يكفر حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب، فلولا أن الكفر يحصل بفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيماً في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة.
وأن الله - تعالى - حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون، فقال الله - تعالى -فيهم: ((يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ)) [سورة التوبة: 74].
وأن الله - تعالى - حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فقال الله - تعالى -فيهم: ((قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) [سورة التوبة: 96].
ومن الدليل على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى - عليه الصلاة والسلام -: ((اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) وقول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ((اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) [سورة الأعراف: 138] لتركبن سنن من كان قبلكم".
وهذا يدل على أن موسى ومحمداً عليهما الصلاة والسلام قد أنكروا ذلك غاية الإنكار.
الشبهة العاشرة:
قولهم: في قول بني إسرائيل لموسى ((اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) وقول بعض الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" إن الصحابة وبني إسرائيل لم يكفروا.
جواب الشبهة العاشرة
أن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا.
الشبهة الحادية عشر:
قولهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على أسامة قتل من قال: "لا إله إلا الله"، وكذلك قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "، وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها.
جواب الشبهة الحادية عشر
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون لا إله إلا الله.
وأن الصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويدعون أنهم مسلمون.
وأن الذين حرقهم علي بن أبي طالب كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله.
وأن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر وقتل، ولو قالها.
فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعاً من الفروع، وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟(10/4)
وأما حديث أسامة الذي قتل فيه من قال لا إله إلا الله حين لحقه أسامة ليقتله وكان مشركاً، فقال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة لظنه أنه لم يكن مخلصاً في قوله وإنما قاله تخلصاً فليس فيه دليل على أن كل من قال: لا إله إلا الله فهو مسلم معصوم الدم، ولكن فيه دليل على أنه يجب الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ثم بعد ذلك ينظر في حاله حتى يتبين، والدليل قول الله - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ)) [سورة النساء: 94] أي فتثبتوا، وهذا يدل على أنه إذا تبين أن الأمر كان خلاف ما كان عليه فإنه يجب أن يعامل بما يتبين من حاله، فإذا بان منه ما يخالف الإسلام قتل ولو كان لا يقتل مطلقاً إذا قالها لم يكن فائدة للأمر بالتثبت.
وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " فإن معنى الحديث أن من أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين أمره، لقوله - تعالى -: ((فَتَبَيَّنُواْ)) لأن الأمر بالتبين يحتاج إليه إذا كان في شك من ذلك، أما لو قال: لا إله إلا الله بمجرده عاصماً من القتل فإنه لا حاجة إلى التبين.
واعلم أن الذي قال لأسامة: "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله"، وقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..." هو الذي أمر بقتال الخوارج وقال: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم" مع أن الخوارج يصلون ويذكرون الله ويقرؤون القرآن، وهم قد تعلموا من الصحابة - رضي الله عنهم - ومع ذلك لم ينفعهم ذلك شيئاً، لأن الإيمان لم يصل إلى قلوبهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه لا يجاوز حناجرهم".
الشبهة الثانية عشر:
قولهم: أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً.
جواب الشبهة الثانية عشر
اعلم بأن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال الله - تعالى -في قصة موسى: ((فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)) [سورة القصص: 15].
وأن الناس لم يستغيثوا بهؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة، ولكنهم يستشفعون بهم عند الله - عز وجل - ليزيل هذه الشدة، وهناك فرق بين من يستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء، ومن يستشفع بالمخلوق إلى الله ليزيل الله عنه ذلك، وهذا أمر جائز كما أن الصحابة - رضي الله عنهم - يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته أن يدعو الله لهم، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعائه نفسه؟
ولا بأس أن تأتي لرجل صالح تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذلك ديدناً له كلما رأى رجلاً صالحاً قال ادع الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف - رضي الله عنهم -، وفيه إتكال على دعاء الغير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيراً له لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله - عز وجل -.
الشبهة الثالثة عشر:
قولهم: أن في قصة إبراهيم - عليه السلام - لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، دليل على أنه لو كانت الاستغاثة بجبريل شركاً لم يعرضها على إبراهيم؟
جواب الشبهة الثالثة عشر
اعلم أن جبريل إنما عرض عليه أمراً ممكناً يمكن أن يقوم به فلو أذن الله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه الله - تعالى -من القوة فإن جبريل كما وصفه الله - تعالى -: ((شَدِيدُ الْقُوَى)) [سورة النجم: 5] فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكان بعيد عنهم لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل.
وهذا يشبه لو أن رجلاً غنياً أتي إلى فقير فقال هل لك حاجة في المال؟ من قرض أو هبة أو غير ذلك؟ فإنما هذا مما يقدر عليه، ولا يعد هذا شركاً لو قال نعم لي حاجة أقرضني، أو هبني لم يكن مشركاً.
الخاتمة
وبعد أن عرفنا الجواب على هذه الشبهة، فإنه لابد أن يكون الإنسان موحداً بقلبه وقوله وعمله، فإن كان موحداً بقلبه ولكنه لم يوحد بقوله أو بعمله فإنه غير صادق في دعواه، لأن توحيد القلب يتبعه توحيد القول والعمل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".(10/5)
فإذا وحد الله كما زعم بقلبه ولكنه لم يوحده بقوله أو فعله فإنه من جنس فرعون الذي كان مستيقناً بالحق عالماً به لكنه أصر وعاند وبقي على ما كان عليه من دعوى الربوبية، قال - تعالى -: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)) [سورة النمل: 14] وقال - تعالى -عن موسى أنه قال لفرعون: ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ)) [سورة الإسراء: 102].
ولا يعذر من عرف الحق، ولكن لم يفعله خشية مخالفة أهل بلده ونحو ذلك من الأعذار، وهذا العذر لا ينفعه عند الله - عز وجل -، لأن الواجب على المرء أن يلتمس رضا الله - عز وجل - ولو سخط الناس.
وأن غالب أئمة الكفر كانوا يعرفون الحق لكنهم عاندوا فخالفوا الحق كما قال - تعالى -: ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ))، وقال: ((اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً)) فكانوا يعتذرون بأعذار لا تنفعهم كخوف بعضهم من فوات رئاسة وتصدر المجالس ونحو ذلك.
ومعرفة الحق دون العمل به أشد من الجهل بالحق، لأن الجاهل بالحق يعذر، وقد يعلم فيتنبه ويتعلم بخلاف المعاند المستكبر، ولهذا كان اليهود مغضوباً عليهم لعلمهم بالحق وتركهم إياه، وكان النصارى ضالين لأنهم لم يعرفوا الحق، لكن بعد بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان النصارى عالمين فكانوا مثل اليهود في كونهم مغضوباً عليهم.
وإن العمل بالتوحيد عملاً ظاهراً دون فهمه، أو اعتقاده بالقلب فهذا هو النفاق، وهو أشر من الكفر الخالص لقوله - تعالى -: ((الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)) [سورة النساء: 145].
والله اعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------
1) هذا البحث قمت بنقله واختصاره من كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وقد دمجت شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - لكشف الشبهات مع كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - حتى يظهر بالصورة المناسبة، وهذا والله أعلم.
http://saaid.net المصدر:(10/6)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
14
الوجودية
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###81### الوجودية
ظهرت الفلسفة الوجودية بعد الحرب العالمية الثانية كرد فعل للآثار الخطيرة التي أحدثتها الحروب في أوروبا، والنتائج الضخمة التي أصابت الأسر والأمم بفقد زهرة شبابها وحيرة أبنائها، حتى لم يعد بيت في أوروبا بدون قتيل أو جريح، ومن ثم علت الصيحة إلى الفزع من الخطر الذي تفرضه أخطار السياسة، وصراع الدول على المجتمعات الآمنة بما يهدد الحياة، ويجعل أهلها يعيشون في خطر الحرب الدائم، وقد زاد من هذا الخطر الجديد الذي خلفته القنابل الذرية، كل هذا استجاش النفس الغربية بالدعوة إلى تأكيد الذات وإعلائها والدعوة إلى تحريرها من كل قيود المجتمعات واندفاعها إلى الرغبات، تسابق فيها خطر الحرب المائل، وتشفي غلتها من مطامعها دامت لا تضمن الحياة الرخية المستمرة، وما دامت ###82### ليست للحياة غاية واضحة إلا هذا المتاع السريع الذي قد يزول في أي لحظة حين تنفجر الحرب، وينتقل الملايين من الشباب إلى ساحة الموت.
ذلك هو العالم الحقيقي الذي واجه الفكر الغربي الذي هو بطبيعته فكر يقوم على الحرية والفردية والديمقراطية والرأسمالية، من خلال إيمان بسيادة الرجل الأبيض وسيطرته على مقدرات الشعوب والأمم الضعيفة، واعتصار ثرواتها وخيراتها، ونقلها إلى هذا المجتمع المترف الحافل بكل أدوات النعيم والمتعة والرخاء، فلما أحس الناس بخطر الحرب تأكل الملايين، ثارت في النفوس الرغبة إلى مزيد الاندفاع نحو الترف والمتعة حيث لا توجد غاية واضحة للحياة إلا الرفاهية والحرية.
ومن هنا نجد أن انتقال مفاهيم الوجودية إلى أفق المجتمع الإسلامي العربي لا تستطيع أن تجد أسبابها ولا استجاباتها، فإن الأمر جد مختلف، ذلك أن الفكر الغربي لم يصل إلى الدعوة الوجودية على النحو الذي ظهر في الحرب العالمية الثانية إلا بعد أن قطع مراحل كثيرة من التحرر من العقيدة والدين، وإنكار قيود الشرائع الربانية، والسيطرة الظالمة على الأمم الملونة، واعتناق فكرة الرجل الأبيض، سيد ###83### الأرض الذي لا يهزم، والذي يعلم البشرية ويرقيها، ويملك في يديه كل ثرواتها والمتصرف فيها بما يشاء.
كذلك فإن المسلمين والعرب يختلفون مع الغرب فيما يتصوره الغربيون من أخطار الحروب وتحديات الذرة، ذلك لأن الصراع قائم بين طرفيه، فهم يخافون الحرب، ويرهبون الموت لأنهم يريدون استئناف حياة رخية مترفة، أما المسلمون والعرب، فإنهم يواجهون قضايا التحرر والتخلف من الاستعمار والصهيونية، ويعدون أنفسهم للمواجهة الدائمة بكل أخطارها. فضلا عن أن مفاهيمهم الأصلية تجعلهم بمنأى عن الخوف من الموت أو الحرب أو الخطر، فقد صاغهم الإسلام ليكونوا على حذر دائم، وعلى تعبئة كاملة في كل وقت لمواجهة أخطار عدوهم، وللعمل على نشر رسالتهم وتحقيق إرادة عقيدتهم، فضلا عن أنهم لا يؤمنون بالحياة المترفة الرخية، ويرفضونها ويرون نهايات الألم وعلامات الفناء القريب.
2- تركز الوجودية على الفرد الاعتزاز بحقه، وهو الكيان الثابت، وتقدم وجود الفرد على المجتمع؛ وترى أن الفرد له الحرية التامة في تحديد مكانه في الحياة، فإذا اختار لنفسه، فلعيه أن يتحمل نتائجه؛ وهو صاحب الحق في أن ###84### يحكم على الأمور بأنها خير، أو أنها شر حتى لو كان الحق في نظره شرًا في نظر غيره، أو في نظر المجتمع.
وترفض الوجودية: قيم الالزام، والضمير؛ والفضيلة والخير والعدل والمسؤوولية، وتقف في أنانية عالية النبرة تقول: لا تنكر وجودك حتى تصير مجرد أداة للآخرين، وتجنح الوجودة إلى الوجدان، وتعلى شأن الحدس، وترفض العقل والحكمة، وتسخر بهما.
ولا ريب أن رفض فكرة الالتزام، هي أخطر مقومات الوجودية، وأخطر معارضاتها للفطرة الإنسانية وللدين الحق.
وهي في مجموع القيم التي ترفضها، إنما ترفض كل ما يضبط الشخصية الإنسانية، ويحميها ويرتفع بها ويقيم لها وجودها الحق؛ فهي بذلك تدفع الإنسان إلى أهوائه لتدمره، وإلى مطامحه لتحطمه.
فالالتزام هو حق الجماعة، والفضيلة هي حماية الذات من حق غيرها، فإذا رفضت النفس الإنسانية المسؤولية، فماذا يكون موقعها في المجتمع، وفي الحياة نفسها؟
وعلى هذا النحو يصدق قول الباحثين من أن الوجودية إنما تعني التحرر من المجتمع ومسؤوليته، ومن كل القيم التي ###85### جاءت بها الأديان والشرائع، ومن الضوابط التي استقر عليها مفهوم الأخلاق.
ويتصل بهذا المفهوم موقف الوجودية من الزواج والطلاق وحرية الصداقة وإسقاط الدين كله من حساب الحياة والاندفاع إلى الأهواء والرغبات بغير حساب يحسب لشيء ما.
وبذلك تتجاوز الوجودية حدود الحرية وضوابط المجتمع إلى الاعتداء على حقوق الآخرين، والعودة بالإنسان إلى عهود الهمجية وشريعة الغاب.(11/1)
3- يحاول الباحثون في الفكر الغربي تقسيمه إلى فكرين: فكر مادي، وفكر وجودي؛ أما الفكر المادي، فهو الفكر العلماني الذي انبعثت منه المناهج السياسية والاقتصادية، سواء الديمقراطية منها، أم الماركسية؛ أما الفكر الوجودي فهو الفكر الإنساني المتصل بالوجدان والنفس والحياة؛ ويرى أتباع الفكر الوجودي أن الفكر المادي صهر الإنسان، وحوله إلى ترس في آلة، ولذلك فهو يبحث عن وجوده، ويريد أن يختار موقفه في الحياة وطريقه، ويتحمل مسؤولية اختياره، ثم يخطو سارتر بالفكر الوجودي خطوة أخرى، فيتحرك داخل إطار الفكر المادي، فينكر الإله والبعث والجزاء، ثم يتجه مرة أخرى إلى الارتباط بالفكر ###86### الماركسي، ثم يأتي مذهب الشخصاينة: فرع من الفكر الوجودي، فيختلف معه.
ونظرنتا نحن أخل الفكر الإسلامي إلى ذلك كله، هي نظرة واحدة، فالفكر الغربي منذ انفصل عن المسيحية، وما زال يصارع في سبيل تكوين منهج للحياة ومفهوم للنفس والإنسان، وهو ما يزال مضطربًا غاية الاضطراب، متحولا دائم التحول لا يتوقف عن الجري إلى غاية غير واضحة.
قد سيطر الاتجاه المادي على الفكر الغربي في طرفيه الليبرالي والماركسي، وسيطر على الفكر النفسي فرويد، والفكر المتصل بوجود الإنسان والوجودية، وسيطرة الاتجاه المادي تعني غلبته الكاملة على الوجهة بحيث لم يعد هناك سبيل للاعتراف بالجانب الديني والروحي الذي يشكل الشق الثاني للتكوين الإنساني، والذي يفقد الإنسان بتجاهله وحجبه الضوء الصحيح إلى الطريق الصحيح.
ومن هنا فنحن نرى ثمرة الوجودية واضحة أشد الوضوح في آثارها وإنتاجها وكتاباتها، وهي مزيج من التشاؤم والقلق والاغتراب والخوف من الموت والتمزق والضياع.
وتمكن القول بأن الفلسفة المادية أنشأت الآن فلسفة الجماعة في الماركسية، وفلسفة الفرد ممثلة في الوجودية.
###87### ومعنى هذا أن كلا من المذاهب الثلاث: الماركسية؛ والفرويدية، والوجودية، قد انبثق من المذهب المادي، واختار فكرة العدمية، وإنكار وجود الله أساسًا له. وهذه المذاهب ليست إلا امتدادًا للحملات التي بدأت في الفكر الغربي ممثلة في فولتير ونيتشة وكير كجورد، وموجهة إلى الدين، وإذا كان ماركس قد افترض أن تفسير التاريخ والإنسان أن يبدأ من الطعام، وأن الفردية جعلت حركة الإنسان منبعثة من الغريزة، فإن الوجودية ترمي إلى كسر جميع القيود والضوابط سواء منها الدينية أو الاجتماعية او الأخلاقية التي تحيط بالإنسان، حتى يتمكن من تحقيق ذاته منفصلا عن كل قيد، وفي سبيل هدف الوجودية هذا، ولانفصالها عن الشطر الروحي والديني القائم في أعماق الإنسان، وجدت الوجودية أن العالم كله خداع، وأن الإنسان موجود بدون سبب، وأن العالم يمضي لغير غاية.
ومن حق الوجودية أن تفهم هذا، لأن الإجابة الصحيحة التي تكشف عن هدف وجود الإنسان، وغاية العالم إنما تكمن في الدعوة التي وجهتها الأديان إلى الإنسان من خالقه لتفسير ما ليس في استطاعته الوصول إليه دون عون من الوحي والنبوة ورسالة السماء.
###88### فإذا تجرد الإنسان باعتناق الوجودية من هذا الفهم، فإنما تبدو الحياة له وهمًا كبيرًا، وظلامًا كبيرًا، لأن الغاية الحقيقية التي جاء من أجلها، قد أصبحت محجوبة عنه.
وتصدق الوجودية حين ترى أن أزمة العصر هي غربة الإنسان، ونقصد هنا الإنسان الغربي، وذلك حين نرى أن التقدم التكنولوجي قد جعل منه ترسًا في ماكينة أو قطعة غيار في جهاز، ولكن المسلم ليس كذلك، ولا يفهم هذا الفهم لأن دينه علمه مهمته ورسالته، وكشف له عن الغاية، وبذلك عرف أن له دورًا وسعيًا وحركة واسعة، هو مقبل عليها في صدق وإيمان، لأنه يعرف أن من وراء سعيه كسبًا حقيقيًا وبلوغًا لدرجة أرقى ومكانة أعظم، ثم إن المسلم يؤمن بأنه له إرادة مسؤولة يجزى عليها بالخير، أو بالشر في حياة أخرى، وأنه مطالب بأن يخوض معركة الحياة في أخلاقية التقوى والثقة بالله والرحمة بالإنسان، ومن هنا يحس أن حياته جزلة وعامرة وحافلة بالضياء والخير.
وهو في سعيه إلى الغاية الربانية، وفي توكله على الله واستعانته به لا يواجه أبدًا أزمة القلق ولا أزمة التشاؤم، ولا يخاف الموت، فالحياة الإسلامية التي تعرف أبعاد وجودها ورسالتها وغايتها جميعًا تواجه الحياة مواجهة الطمأنينة ###89### والسكينة، والعمل الجاد الدائب دون أن تفقد لحظة واحدة وجهتها، أو تقع في بيداءا اليأس سواء أكانت الحياة يسيرة أو عسيرة، فإن النفس المسلمة ترضى باليسير، وإذا جاء العصر، جالدته صابرة حتى ينطوي دون أن تحس بالقلق أو الحزن.
وهي تعرف أن مع العسر يسرًا، وأن الفرج مع الكرب.(11/2)
4- ولا ريب أن الوجودية ليست إلا اسمًا جديدًا لطابع التشاؤم القائم في أعماق الفكر الغربي منذ وقت بعيد، وأ\ن طابعها موجود في كثير من الفلاسفة السابقين غير أت ميزة الصورة الجديدة على يد سارتر هو غلبة الطابع المادي عليها غلبة مطلقة، أما الفكر الغربي فهو مصبوع منذ يومه الأول بصبغة التشاؤم، هذا التشاؤم الذي ينبعث من عدم الإقناع العقلي بوراثة البشر جميعًا لما يطلق عليه الخطيئة الأصلية. فقد ساد الغرب طابع الوجدان المتشائم نتيجة هذه القضية، وظهرت آثارها القوية واضحة على مختلف نماذج الآداب والفنون والفلسفة والأخلاق، ومن خلال هذه الأيديلوجية السوداوية المتشائمة: تنتشر على أوسع نطاق في عالم الغرب أفكار عن "لا معقولية للحياة" وعبث الوجود حتى أصبح المفكرون المتشائمون ###90### يشنون هجمات هستيرية على كل فكر معارض.
ويرى الباحثون أن (الوجودية) هي أعلى مراتب التشاؤم، ويرد البعض ذلك أثر الماكينة التي انقلبت على صاحبها، وأصبحت وحشًا مدمرًا يحاول أن يقضي على عقله وقلبه، ويجعله آلة طيعة له.
ويرى البعض أن الفرويدية والسريالية كانت نتاج الحرب العالمية الأولى، وأن الوجودية والهيبية، هي نتاج الحرب العالمية الثانية في طريق واحد.
يقول الدكتور حامد عمار: كانت محنة الحرب العالمية الثانية، وما أنشأته من وسائل الدمار والفتك تجربة بشرية قاسية، وفي مثل هذه الظروف كان الجو ملائمًا لظهور أفكار الوجوديين وتفسيراتهم التشاؤمية، هذا الوجدان القلق عند الإنسان الذي يشعر بأن الكون سائر نحو العزلة والعدم، وهذا الشعور المرضي الذي يشبه الغثيان على حد تعبير "سارتر" وهذا الذي نعيش فيه عالم هش قابل للانكسار السريع والتحطم المروع.
ما سبيل النجاة من هذه الغاشية التي تحيط بهم، صورة الحياة القائمة، يقولون: "إن الوجود الذاتي هو الشيء الوحيد الذي يملكه الإنسان، ومن ثم عليه أن يخلق نفسه بنفسه، وأن ###91### يختار بنفسه حيث يحيا الإنسان وجوده الحقيقي غير عابئ, بل مجاهد لما يمكن أن يجد في هذا الوجود الذاتي من حدود، أو يعترضه من قيود".
ومعنى هذا أن سارتر والوجودية ترى أنه إزاء هذه الجائحة المجنونة للحرب والموت، فإن على الإنسان أن يحطم كل قيود الخلق والاجتماع والدين، وأن ينطلق إلى لذاته وغاياته غير عابئ لشيء، ذلك لأنه لا يؤمن للحياة بغاية، فمن أجل أي شيء يبقي على شيء.
وهذا حل ساذج أرعن، لا يؤدي إلى مزيد من تدمير الحياة، وهي صيحة الضعف البشري والقصور الذاتي، والعجز عن فهم هدف الحياة ورسالة الإنسان، وهي استجابة للحيرة والقلق بمزيد من الحيرة والقلق، وهو دعوة انهزامية للتدمير.
ولا ريب أن الوجودية ظاهرة زمنية عابرة، لن يلبث الإنسان، أن يتخطاها، وهي – كما يقول جاك بيرك – ليست روحًا، وهي فلسفة عدمية سلبية من ألفها إلى يائها، تود أن تقتل في الإنسان التفكير، وتشل القدرة على استعمال العقل والنطق، وتقول: إذا أردت خلاصًا، فاقتل في نفسك العقل والمنطق هذا فضلا عن إنكار الخلق والدين.
###92### 5- أبرز نتائج الوجودية: القلق والتمزق، والخوف من المجهول والرعب.
ولا تقع النفس الإنسانية في هوة القلق والتمزق إلى بنتيجة الصراع بين الروح والمادة، وانفصال الإنسان عن اليقين الذي يملأ روحه وعقله بالثقة.
فقد عزلت الوجودية الإنسان عن كل ركيزة، يمكن أن تحميه أو تطامن نفسه، أو تملأه بالثقة، هذه الركيزة لا تأتي إلا من مصدر واحد، هو الدين. ومن ثم كان إنكار الدين منطلقًا للعدمية التي تفجر كل أنواع القلق والخوف والرعب، فنظرة الإسلام للإنسان هي نظرة التكامل بين رغائبه وأشواقه بين المادة والروح، ولكن النظرة المادية الخالصة من شأنها أن تخلق طابع التشاؤم والشك الذي يحس معه الإنسان بأنه وحيد، وشقي وغريب، وهذا معنى التمزق والضياع، أما حيث يحل في النفس الإيمان بالله، فإنما تحل معه الثقة والتفاؤل، فالإيمان بالله قوة دافعة تعطي الأمل، وتحول دون اليأس، وتبعث الثقة، وتدعو إلى المعاودة في حالة الإخفاق.
ومنذ انعزلت المجتمعات الغربية عن الدين، وعجزت عن أن تبحث عن الدين الحق، فقد حلت فيها روح اليأس ###93### والقلق والتمزق، وعجزت الأيديلوجيات المختلفة عن أن تحقق السعادة.
إن الإنسان الذي صنع من قبضة الطين ونفحة الروح، لا يمكن تفريغ كيانه من مضمونه أو النظر إليه على أنه الهيكل البشري الخالي من الروح والوجدان والقلب والبصيرة، ومن هنا فقد بدت هذه المفاهيم غريبة عنا، وعن مجتمعنا وعن قيمنا كل الغرابة لسبب أنها ثمرة من ثمار تحديات مجتمع معين في ظروف معينة، إن الإنسان الغربي يمر بأزمة خطيرة، فهو ضحية الصراع الذي أعلى من شأن المادة، وأنكر القيمة الروحية والدينية والأخلاقية.
لا ريب أن القلق النفسي الذي يجتاح الإنسان المعاصر بنتيجة مفهوم الوجودية، هو قضاء ماحق للوجود الإنساني الحقيقي.(11/3)
ولذلك فإن دعوة الوجودية إلى الانطلاق لتحقيق اللذة بحسبان أنها الحال الوحيد، هذا الحل لن يحقق التكامل أو الطمأنينة أو السكينة النفسية، بل سيزيد الإنسان نهمًا واضطرابًا حتى يصبح ضحية لمطلب نهم، ما يكاد يتم أشباعه حتى يعود الإلحاح على صاحبه. "سواء الخمر أو المخدرات أو أي لذة أخرى" فإن الامتلاء الذي تلوح لنا به اللذة لا يهيء ###94### الشعور بالطمأنينة أو الإحساس بالسلم، وهيهات أن يشبع الامتلاء نهم الإرادة البشرية.
ولا ريب أن الإنسان إذا ما قطع صلته بالله وبالبعث والجزاء فإنه يعيش مرارة اليأس والظلام ومدافعة المصير المحتوم الذي ينتظر الجميع دون جدوى، فليست هناك فرجة للحياة، ويرون أنهم أشبه بـ "سيزيف" المسكين بطل قصة "العبث" الي حكم عليه بأن يحمل صخرة ثقيلة ليصعد بها قمة الجبل، وسرعان ما تهوى إلى قرار سحيق، فيعيد الكرة. أما المسلم فإن حياته غنية خصبة ثرية مليئة بالثقة والتفاؤل والأمل في الغد، وفي البعث وفي الحياة كلها لأنه ينطلق من رسالة واضحة إلى هدف محدد، يستهدي فيه الله ربه لإقامة المجتمع الرباني الكريم.
وهكذا تتجدد فلسفة العدم التي عرفتها الفلسفات المادية قبل الإسلام، حيث كان الإنسان يبحث عن الخلود، فيصدمه الموت، ويحاول أن يتوحد مع ذاته، فتسحقه المتناقضات، ولم يكن ثمة أمل إلا في الدين، فلما جاء الإسلام كان نصرًا سحقًا للإنسان المعذب على مأساته في كل مكان وزمان، فقد جاء له بالخلود عندما علمه أنه على مدى موعد مع الله، وأنه سوف يبعث بعد موته ليحاسب على مدى فاعليته في ###95### الحياة الدنيا: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى» [النجم: 39] وفهم سارتر زائف وبعيد عن الحقيقة، فلو فهم سارتر "الله" تبارك وتعالى حق الفهم عن طريق الدين الحق لوجد أن الله، قد أعطى للإنسان إرادة حرة، تجعل له حق التغيير والإضافة، وأنه في ظل هذه الإرادة التي أعطاها لهم، كرم عملهم إذا كان خيرًا وحقًا، ونوه بهم في الدنيا، وجزاهم أحسن الجزاء في الآخرة، أما هذا الفهم الذي يصدر عن سارتر، فهو إنما يستمده من الأساطير الإغريقية، ومن بعض تفسيرات الغرب للدين، وهي تفسيرات زائفة لأن الفكر الغربي فهم العلاقة بين الله والإنسان فهمًا غير صحيح، تداخلت فيه أخطاء العلاقة بين النبي والله، وبين النبي والإنسان، كذلك فإن اعتقاده بنظرية الخطيئة، جعله أشد اضطرابًا في فهم العلاقة بين الله والإنسان.
وإذا كان الغاية من الوجودية هي أن يحقق الإنسان وجوده، فإن ذلك مقرر في الإسلام في إطاره الطبيعي وضوابطه الأصيلة التي تحمي وجوده وكيانه، وليس للإنسان أن يطلق العنان للذاته ومتعه، أو يتمرد على أوضاع المجتمع أو القيم الأخلاقية لأنه بذلك يكون قد خرج عن رسالته الحقة التي جاء ###96### إلى هذه الأرض من أجلها، والوجودية بهذا تكون فلسفة الانحلال والعدم والفوضى التي لم تفهم رسالة الإنسان وحقيقة وجوده في الحياة على على النحو الصحيح.
وإذا كانت الماركسية والفرويدية هي رد فعل لمفاهيم التفسيرات الدينية الغربية، فإن الوجودية هي أيضًا رد على تحديات الدعوة إلى العزلة والرهبانية والخطيئة. كذلك جاءت الوجودية رد فعل على طغيان المذاهب المادية على عقول الناس.
لقد خدعت كل فلسفة من هؤلاء خدعت الناس بمظهرها؛ ثم تكشف من بعد هدفها حين دعت الماركسية إلى العدل الاجتماعي، ثم تبين أنها ترمي إلى هدم الدين والأخلاق، وحين دعت الفرويدية إلى حل العقد النفسية، ثم تبين أنها ترمي إلى تدمير المجتمعات؛ وحين دعت الوجودية إلى كرامة الفرد لتجنح بها إلى حيوانية تصيب الفرد والجماعة بالقنوط والانحلال.
6- أشار الباحثون إلى أن الوجودية، قد قدمت إلى الفكر البشري في العصر الحديث أزمات الغربة والغثيان، والعبث والتمرد واللامعقول:
وأشار كولن ولسون في كتبه "اللامنتمي" إلى أن الغربة ###97### مرض متصل بتصدع الذات أو انشقاقها نتيجة لعدم توائمها أو انسجامها مع المجتمع الذي تعيش فيه، وأن التصدع بين الذات والجماعة مشكلة اجتماعية تقوم على شعور الفرد بالانفصام عن مجتمعه، وقال: إن الرومي القديم برغم حيرته وشكه في سبيل العثور على الحقيقة، لم يفقد الإيمان بها، وهو لم ييأس اليأس التام.
أما غريب العصر، فهو لا يفهم ما يعنيه الناس بالحقيقة، فهو إنسان عاجز عن الإيمان بوجودها؛ فالعالم في رأيه عالم مفتقد للحقيقة، عالم زائف قائم على اللامعقول والفوضى، وهما وحدهما في نظره، هما الحقيقة ويعتقد كثيرون أن العقل وحده، ليس بقادر إذا عمل منفردًا على بلوغ الحقيقة وراء هذا العالم، ومن هنا جاءت الغربة التي هي أزمة الإنسان الذي فقد إيمانه بالله، ولم يجد ما يعوضه عن هذا النقص. إنها أزمة العقل المسيطر على الإنسان الذي أضعف مركز الإشعاع العاطفي في الإنسان، وهو العقيدة الدينية.(11/4)
ويقول: إنه ليس الإنسان بقادر على أن يجلو عن نفسه، ما يعتريه من صدأ أو يغلف إحساس من سماكة إلا ما ظفر بشيء من السلام النفسي والهدوء الروحي.
ولكن كولن ولسون عندما يصل إلى هذه النقطة ###98### الصحيحة، يعجز عن الانتقال منها إلى الحل الصحيح، وهو التماس الدين الحق، فإنه ما زال يعيش في دعوات المتصوفة الهنود حيث يدعو إلى تنمية ملكة الرؤيا والكشف الصوفي، أما المسلمون فيعرفون الطريق الصحيح، وهو الإيمان بالله والتماس رحمته، فليس للإنسان في حالة الغربة أو التمزق أو الخوف إلا ملجأ واحد، وسند واحد، هو الله، وبالالتجاء إليه يجد الإنسان السلام والأمن والسكينة؛ ولكن هذا الطريق ما زال بعيدًا عن أصحاب الأزمة، فهم لا يرونه، إن الإسلام يدعو إلى أسلوب أشد عمقًا من الرؤيا والكشف: هو النظر في ملكوت السماء والأرض ذاكرًا عظمة صنع الله وجلال قدرته، وهذه وحدها هي القوة التي تملأ النفس باليقين، وتحقق الوحدة بين الإنسان والوجود.
أما تلك النظريات المهومة التي تتحرك من فراغ، ولا تجري في دائرة التوحيد والإيمان بالله والتماس منهجه في الحياة والعبادة، فإنها لا تصل بالإنسان إلا إلى مزيد من القلق والاضطراب لأنها لم تجد طريقها الصحيح.
وكل ما نستطيع أن نصل إليه مما أورده الباحثون أمثال كولن ولسون وغيره إلى أن أزمة الغربة هي أزمة فقدان الإيمان وأن هذه الأزمة يظل صاحبها على حال من القلق والتململ ###99### والعذاب حتى يعود إلى منطقة الإيمان.
ولقد أصبحت هذه الحقيقة معروفة الآن في الغرب، ولكن السبيل إلى تحقيقها ما زال غامضًا ومغلقًا لأن الغرب لا يجد فيما بين يديه ما يدله على ذلك الطريق الذي هدى الله إليه المسلمين، وكل من حاول أن يهتدي برسالة القرآن.
والعقيدة الدينية هي المفقود الأول، وهي البلسم الأخير، ولكن على صورة بعيدة عن تشوهات الفلسفة والمنطق، وأهواء النفس المتداخلة إلى الحقائق.
إن الفكر العقلي المجرد – كما يقول ولسون – لا يحل أزمة الغريب، هذا حق، وإن العاطفة الدينية، هي التي تستطيع أن تحل أزمته، وهذا حق، ولكن كيف السبيل إلى هذه العاطفة إلا بإيمان صادق راسخ بالله رب العالمين: خالق كل شيء، وخالق الإنسان، وواهب الحياة.
ويدعو كولن ولسون إلى حلول جزئية، فيقول: إن تحرير الإنسان يجب أن يبدأ أولا بتحريره من فكرة الخطيئة الأولى التي تسيطر على الإنسان الغربي، والتي تقف حائلا بينه وبين رؤية الحقيقة.
ويقول: إن هذا جزء من الحرية الكاملة التي يعطيها الدين الحق للإنسان، والتي تجعله يؤمن أولا بأن لوجوده ###100### رسالة وغاية وهدفًا وأمانة ومسؤولية، وأن الحياة ليست عبثًا، وليست لعبة، وليس مصادفة بحال.
فالإيمان بالله الواحد الخالق المدبر الذي يرجع إليه الأمر كله، هو المصدر الوحيد للأمن والسكينة، وسوف تفشل كل هذه المحاولات الجزئية أو الحلول التي تستمد مصادرها من فلسفات باطنية أو هندية.
على الإنسان الحديث أن يسلم وجهه لله أولا، ويعتقد بأنه الخالق، وبأنه صاحب الإرادة العليا، وأنه خالق الإنسان لغاية، ورسم له نهجًا، فإذا ما التمس الإنسان غايته ونهجه، طابت نفسه واستقرت، وبدأت الحياة تأخذ طابعها المستقر المليء بالطمأنينة والسكينة، وما دام الإنسان الحديث مصرًا على أنه سيد نفسه، وأنه القادر على إدارة الحياة هازئًا بكل قوة عليًا، ساخرًا من الوصاية والمنهج الرباني، فإنه سوف يلقي هذا الألم الذي يسحق نفسه سحقًا دون أن يقر له قرار.
7- إن أخطر ما تقدمه الوجودية للإنسان المعاصر، هو إنكار كل محصول البشرية من التجارب والقيم، فهي لا تأبه به، بل تنادي بضرورة تجاهله، وأن يبدأ الإنسان من جديد كالإنسان البدائي فضلا عن احتقار الوجودية للعلم وإنكار قيمته، ولعل أسوأ ما يتعارض مع طبيعة الحياة، ومع فطرة ###101### الإنسان شجبها للدين وإنكار الوجود الإلهي حيث لا تجد لها أي قاعدة تلتقي مع حقيقة الإنسان ووجوده وذاته.
ثم هي تجعل الفرد منعزلا عن الوجود العام لا جزءًا منه، أما أخلاق الوجودية، فهي الأخلاق المريضة القائمة على القلق والقنوط والتشاؤم والرغبة في الموت والغموض والأنانية المفرطة.
ويرد الباحثون ذلك كله إلى عجز الفكر الديني الغربي عن أن يقدم ترضية كافية إلى مطالب العقل الذي يتوق إلى فهم كل شيء، حيث تصطدم بعض هذه المفاهيم مع العقل الذي لم يكن معدًا لقبولها.
كذلك فإن العلم قد سقط بجميع وسائل البحث والدراسة إزاء الأسئلة المطروحة في وجهه، وعندما سقط العلم عن إرضاء النفس البشرية، جاءت الوجودية لتعترف بعجز الإنسان عن فهم الحياة ومعقوليتها، فساقت الناس مرة أخرى إلى تعمق الشك والقلق وتأكيده.
ومعنى هذا أن الوجودية ليست حلا، وإنما هي اعتراف باليأس، وتعبير عن الفراغ الروحي المخيف؛ وقد جاء ذلك نتيجة أمرين:
الانفصام بين الروح والمادة.
###102### 2- الإنشطار بين الدنيا والآخرة.(11/5)
هذا اليأس والتمزق النفسي، إنما ولدهما الخواء الروحي والكسل الذي تعانيه الحضارة المعاصرة نتيجة الإسراف في الرفاهية والترف، حيث لا تعرف المجتمعات الآن غير اللذات المسرفة والمسافدة والخمر والسموم.
وليس هذا – في تقدير العارفين بسنن الله في الكون والمجتمعات – بغريب، فإن الإنسان حين يخرج عن طريق الله وعن منهج الله، فإنه يورث الحيرة والقلق الذي يجعله يقتل نفسه حيًا؛ ولقد حاول إنسان العصر أن ينحي عنه كل ما هو رباني فلا ينظر فيه اعتمادًا على العقل والعلم، فلم تحقق جولته خلال هذه القرون إلا مزيدًا من الخسارة، وهو الآن في كبريائه عاجز عن أن يعود إلى الدين بعد أن هجره، ولذلك فإنه يعود إلى فلسفات الهنود والبوذية وغيرهما متخطيًا الإسلام الذي يقف شامخًا كالمنار أمام حيرة الإنسان الغربي حاملا الهدى والضياء، وسوف يكثر طواف الإنسان المعاصر، وتمتد حيرته دون أن يجد منقذًا إلا في كلمة الدين الحق.
أما الذين تزدهيهم الوجودية، ويعجبون بها، فإنهم ينساقون وراء أهوائها فحسب؛ حيث يرون فلسفة تبرر الانحراف بدعوى القيم، وتعفي الإنسان من القيم ###103### الأصيلة، وتطلق له عناية الأنانية؛ وليس الإنسان منطلقًا في الحركة في هذه الحياة على النحو الذي يريده لأهوائه ورغباته.
وإنما لا بد أن تتم هذه الحركة داخل إطار من الدين، ومن ضوابط الأخلاق، ومن الحدود التي تحمي الشخصية الإنسانية نفسها، والتي تجعل الإنسان أهلا لتحقيق إرادة الله في الأرض؛ قويًا عاقلا قادرًا على الحركة والمقاومة والعطاء، أما الإنسان المنحل المنحرف المدمر الذي حطمته الأهواء، فهو ليس الإنسان المكلف الملتزم بإرادة الله ومنهجه.
وفي كل ما تعرضه الوجودية لا نجد أكثر حكمة وتوسطًا من الإسلام حيث لا تتصارع فيه إرادة الإنسان، سواء في علاقته مع نفسه أو مع غيره. والإنسان في الإسلام ليس هو الموجود الذي ينبع منه كل شيء، بل هو جزء من الكون متوازن مع كل القوى نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا على أساس الاعتدال، والإنسان في الإسلام يعتمد على العقل، تحدوه قوة الإيمان، فلا صراع عنده بين المادة والروح، أو الجسد والعقل.
"ويعالج الإسلام قضايا الإنسان معالجة متوازنة (فكرية ونفسية) دونما طغيان لقيمة على قيمة، أو تراجع لقيمة أمام أخرى، ولقد جاء الإسلام كنصر ساحق للإنسان ###104### على آلامه، وكثورة نفسيه عظمى، حققت له توحده الذاتي، وشيدت أمامه أروع أمل في الخلود المطلق في النعيم".
وكلن الإنسان هو الذي ترك هذا الأسلوب الرباني الذي جاءت به الأديان؛ وحاول أن يحل مشاكله بنفسه فاضطرب وعجز، وبدأ ذلك في معالجات الفلسفة اليونانية، والفلسفة الشرقية الغنوصية، والفلسفة المثالية، والفلسفة المادية الحديثتين، لأن الإنسان لا يعرف حقيقة جوهره، أما الإسلام فإنه يعرف أن عنصر التوازن أصيل في الإنسان، وأنه لا بد من التقاء الفكر والنفس، والروح والمادة، والدنيا والآخرة في أي فهم لدراسة الإنسان وفهم نفسيته وذاته.
... ... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(11/6)
سلسلة على طريق الأصالة
16
رياح السموم
التي هبت على الفكر الإسلامي
إعادة طرح الفكر الباطني والإباحي القديم في أفق الإسلام مجددًا
محاذير كثيرة وأطروحات عديدة ألقيت في الفكر الإسلامي من أجل تزييفه وتدميره وإفساد وجهته والقضاء على طابعه المتميز، ووجهته الخالصة للتوحيد، فقد كان تراث الفكر الوثني والمادي والإباحي (فكر طفولة البشرية) التي حملت لوائه الفرق الضالة وتخصصت فيه جماعات اليهود والمجوس والباطنية، يحاول دائمًا أن يقتحم الفكر الإسلامي - كما اقتحم الفكر اليهودي والمسيحي من قبل - من أجل إخراجه من ذاتيته الخاصة تحت اسم الفكر العالمي أو الإنساني أو البشري ومن خلال الدعوة إلى الاقتباس أو التبادل الثقافي أو التقارب والالتقاء.
كان أخطر هذه الاقتحامات الخطيرة التي أحدثت آثارًا بعيدة المدى في مجريات الفكر الإسلامي (الدعوة السبأية) التي قادها عبد الله بن سبأ والتي كان لها أبعد النتائج أثرًا في تاريخ الإسلام.
وهم الذين أدخلوا مفاهيم الفكر اليهودي إلى الإسلام ذلك أن عبد الله بن سبأ هو الذي ادعى الربوبية في الإمام علي؛ فقد زعم إنه هو الله (تعالى الله عن ذلك) وقال له علي رضي الله عنه: "ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك" ونفاه إلى المدائن.
وعبد الله بن سبأ هو الذي قاد الفتنة بين الصحابة وحالك مؤامرة مقتل عثمان ووقوع الخلاف بين الصحابة بعدها، وكان عبد الله بن سبأ يهوديًا رافضيًا اعتنق السبأية وحمل لواء الرافضية مدخلا إلى الفكر الوثني الذي ترجم في عصر المأمون وأخطره فكر المعتزلة والتصوف الفلسفي.
وقد ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد رواية نسبها إلى الشعبي في حديث له مع مالك بن معاوية جاء فيها:
"أحذرك الأهواء المضلة وشرها الرافضة فإنها يهود هذه الأمة يبغضون الإسلام ولم يدخلوا فيه رغبة ولا رهبة من الله ولكن مقتًا لأهل الإسلام وبغيًا عليهم وقد حرقهم علي بن أبي طالب بالنار ونفاهم إلى البلدان، ومنهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط، وقيل إن عبد الله بن سبأ زار الحجاز والبصرة والكوفة والشام ومصر واتصل في هذه الأقطار عن طريق المراسلة حتى يتمكن من تأجيج نار فتنة لم تخمد حتى اليوم".
وكانت ترجمة الفلسفة اليونانية أخطر مراحل التداخل لاحتواء الإسلام وفكره، وحمل لوائها المأمون وجند لها حنين بن إسحاق (وكان يدين بالنصرانية على المذهب النسطوري وكان المطلوب ترجمة كتب العلوم فترجم حنينًا وأصحابه كتب الفلسفة وأدخلوا إليها مفاهيمهم، وكان أول الشر في الاعتزال الذي نقل من الفكر الفلسفي اليهودي والنصراني حيث نقلت فكره خلق القرآن من هذا الفكر الوثني وحمل لوائها الغلاة ومال إليهم المأمون وفرض الفكرة على الناس وامتحن بها المسلمون خلال عهود المأمون والمعتصم والواثق ولم يصمد أمام المحنة إلا إمام المسلمين أحمد بن حنبل الذي قال: (القرآن كلام الله غير مخلوق).
وطلب المأمون كتب اليونان فأرسل له إمبراطور الروم منها ما يفوق الوصف. وقال أحد رجال الدين المسيحي: الرأي أن نعجل بإنفاذ هذه الكتب إلى الخليفة فإن هذه العلوم ما دخلت دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت الفتنة بين علمائها.
ولكن هذه المحنة ما لبثت أن كشفها الله تبارك وتعالى فأفل نجم المعتزلة في عهد المتوكل، واستجاشت السنة وأهلها وارتفع شأن ابن حنبل فوق كل مقال.
وكان للفلسفة اليونانية آثارها الخطيرة في محاولة تزييف أصالة مفهوم الإسلام وقد واجهها المسلمون منذ اليوم الأول بكل قوة وكشفوا زيفها ومخالفتها لمفهوم الإسلام وكيف أن (أرجانون) اليونان قائم على (علم الأصنام) وعبودية البشر للإمبراطور المدعي بالألوهية.
وكانت كتابات الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل والغزالي وابن تَيْمِيَّة قد صححت المفاهيم وأعادت مفهوم الإسلام الأصيل.
وفي مجال (الشعر) دخلت وسائل الغزو لتخرج الشعر العربي من أصالته وإسلاميته ومفهومه المرتبط بالبطولة والسماحة والكرامة والوفاء، وذلك حين نقلت إليه سموم الآداب الفارسية والهندية القديمة المرتبطة بالإباحة والخمر والإسراف في الإقبال على المتع والمغريات والدخول في مجالات إباحية خطيرة على النحو الذي عرف في شعر أبو نواس وبشار والضحاك وغيرهم من شعراء الغلمة والغزل المذكر.
وظهر من الشعراء من تأثروا بالفلسفة اليونانية ومفاهيمها ومن تأثر بالرواقيين بالذات أمثال المعري في امتناعه عن أكل اللحم وتمنيه أن لو لم يوجد الإنسان لأنه شرير فاسدًا، فضلا عن كراهيته للدنيا وحبه للعدم بدلا من الحياة وكراهيته لبناء الأسرة والزواج حتى استحسن وأد البنات كعادة الجاهلية فضلا عن إعلانه المجابه بفئة الرهبان وكراهيته تعليم المرأة وإعجابه بحرق الهنود موتاهم، وقد رأى أن لا يأكل الحيوان ولا ما خرج منه كمذهب أهل الهند، وبذلك خرج خروجًا واضحًا عن مفهوم الإسلام.(12/1)
ولم يكن ذلك بأقل من فعل أبو نواس في الناحية الأخرى في العبث والمجون حيث وقف حياته على التغزل بالغلمان غزلا فاحشًا يعد وصمة عار في جبينه ولم يهتم بالنساء اهتمامه بالغلمان، ولقد أحب الخمر حبًا عظيمًا وأخلص لها، وظل هو وجماعته من المجان والزنادقة يتسكعون في حانات بغداد والكرخ.
هذا هو المعري الذي أحبه طه حسين، وهذا أبو نواس الذي أعجب به عميد الأدب وفضله على المتنبي، الشاعر الذي عاش في أنفاس الحانة ولم يقف يومًا موقفًا مشرفًا في حرب أو جهاد، الرجل المخمور دائمًا الذي يعيش في نشوة وطرب حيث الدنان والكؤوس المترعة بالسلاف، يهاجم الدين تطرفًا وتندرًا يثير الضحك عند سامعيه، وكأنه يضيق بالدين لأنه يهاجم محبوبته الخمر ويحرمها.
ثم جاءت عاصفة الفكر الباطني في مجال وحدة الوجود والحلول والتناسخ، حمل لوائها قوم مجوسي الأصل، ومن اليهود، وجاء الراوندوية والزنج والقرامطة المجسمة والقدرية.
ونقلت إلى أفق الفكر الإسلامي مذاهب الشعوذة الهندية والباطنية الفارسية القديمة، وتركز هذا الفكر في مصدر وضعوه في مقام الإمام لهم هو (رسائل إخوان الصفا).
وفتح أعداء الإسلام باب الأساطير بعد أن جاء الإسلام ليحرر البشرية من ظلالها، ويقدم للإنسانية منهجًا كاملا لما وراء الغيب لا يحتاج معه الإنسان إلى مزيد من البيان الصادق، وقد كانت الأساطير تصور بمنطق العقل البدائي ظواهر الكون والطبيعة والعادات الاجتماعية فجاء الإسلام ليقدم الحقائق.
ولكن الغزاة استطاعوا أن ينقلوا إلى أفق الفكر الإسلامي أساطير الأمم الوثنية الضائع، فرعونية وفارسية وهندية بما يسمى (المثولوجيا) وما يتصل بها من آلهة الإغريق، ترجمها قوم من قومنا بتحريض من المستشرقين والمبشرين في محاولة لإدخال مفاهيم ضالة مسمومة، اختلطت بالشعر والمسرحيات وبالأدب، كما جددوا الأساطير العربية القديمة التي حرر علماء المسلمين منها السيرة النبوية فأعاد أمثال طه حسين طرحها من جديد مع انتحال أساطير أخرى، في كتابه (على هامش السيرة) وقد صور الدكتور محمد حسين هيكل هذا الاتجاه بأنه اتجاه خطير من حيث حرص المسلمين طوال العصور على تنقية سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأساطير وإبعادها عن الروايات الخيالية والوهمية التي حاولت الإسرائيليات إلصاقها بها.
وقد جرت المحاولات الضخمة في العصر الحديث من أجل إدخال الخرافة والأساطير إلى الأدب العربي والفكر الإسلامي، في الوقت الذي رفض المسلمون في القرن الثالث ترجمة أساطير الأمم وقالوا إنها أهواء الشعوب وإنهم لا حاجة لهم بها إذ لكل أمة فنونها وللمسلمين فنهم وهو الشعر.
ولكن العصر الحديث جاء في إطار النفوذ الأجنبي ففرض على المسلمين ترجمات الإلياذة الإغريقية والشاهنامة الفارسية والروايات الهندية والأساطير المصرية.
هذه الأساطير التي تمثل ركام الفكر البشري القائم على أهواء النفوس والمشبع بالإباحية والمادية وفساد الذوق وتصورات الطفولة البشرية وكلها مما جاء الإسلام للقضاء عليها وهدمها.
وهي في مجموعتها تختلف عن مفهوم الإسلام الجامع، ومفهوم الدين الحق سواء بإشاعة روح الفساد الخلقي أو تغليب الوجدان المترف أو المادية المسرفة أو تمجيد القوة أو عبادة الأجساد وكلها تصور الآلهة وهي في صراع مع الإنسان وتجمع إلى قدرة الآلهة حماقات البشر وتجعل قانونها شهوانيًا وتخبط كيفما قادتها اليدوات والنزوات وتتميز أساطير الإغريق بعبادة الطبيعة والأجساد العادية.
(2)
لقد كانت المؤامرة في العصر الحديث ترمي إلى إفساد أصالة وسماحة الفكر الإسلامي المستمد من القرآن الكريم والسنة المطهرة ولذلك عمل رجال الاستشراق والتبشير والغزو الثقافي والشعوبية جميعًا على إعادة طرح الفكر الباطني والوثني والشعوبي القديم في أفق الفكر الإسلامي مجددًا تحت اسم إعادة كتابة التراث، أو إعادة كتابة التاريخ فأعيد إحياء الدعوة السبأية وما يتصل بها من فكر الرافضة والفكر المعتزلي والتصوف الفلسفي، وإحياء ترجمات الفلسفة المادية وإعادة ترجمة كتب الأساطير اليونانية القديمة والدعوة إلى أبي نواس وبشار وابن الراوندي، والمعري والسهروردي والحلاج وابن المقفع على نحو جيد بإغراء الشباب المثقف لما تحويه كاتبات هؤلاء من سموم وإغراءات خادعة للشباب ومذاهب ترمي إلى رفع التكليف وتحسين الإباحة والمجون والغواية.
وجرت المحاولات لفرض اتباع الفكر اليوناني القديم الذي هو علم الأصنام وما يتصل به على العلوم الإسلامية.(12/2)
وكان أبرز من ركز الاهتمام عليهم: ابن سينا والفارابي في مجال الفلسفة، والسهروردي وابن سبعين والحلاج في مجال التصوف الفلسفي، وابن مسكويه في مجال الأخلاق، ويوحنا الدمشقي ونصير الدين الطوسي، وكل هؤلاء من أعداء مفهوم الإسلام الأصيل المخالفين له. وقد تأثروا بمفهوم اليونان في الأخلاق كما تأثروا بأفلاطون في جمهوريته وبأرسطو وخاضوا وراء مفهوم العقول العشرة ونظريات الفيض وغيرها، وكلها نظريات باطلة وزائفة يحاولون اليوم إعادة إحيائها من جديد.
بينما يوجه إلى الأئمة الأعلام الذين حرروا الفكر الإسلامي من التبعية أمثال الغزالي وابن تَيْمِيَّة وابن حنبل والشافعي إعراضًا شديدًا ومؤامرة للصمت الطويل.
قم كانت الدعوة إلى إحياء التراث الشعبي القديم (الفلكلور) محاولة أخرى لرد المسلمين إلى الفكر البشري القديم فقد اتخذت وسيلة لإذاعة العاميات وجمع الأزجال والمواويل والأمثلة العامية على نحو أراد به دعاة التعريب والغزو الثقافي أن يثبتوا أن العامية ليست لهجة ولكنها لغة واتخذوا من ذلك سلاحًا لمعارضة الفصحى وإضعافها وتغليب العاميات عليها.
وقد بدأت حركة الفلكلور على أيدي المبشرين ودعاة التغريب الذين حملوا لواء الدعوة إلى العامية واللغة المحكية في محاولة لإقصاء الفصحى: لغة القرآن، عن مكان الصدارة وتعزيز العامية في كل قطر وبلد مستهدفين تفكيك وحدة الأمة وإبعادها عن مستوى بلاغة القرآن الكريم وآدابه.
كما عمدت دعوة الفلكلور إلى استحياء الماضي القديم الوثني البائد من وراء عصر الإسلام، فهي قد ارتبطت بالفرعونية في مصر، والفينيقية في لبنان، وكانت تحاول بذلك إحياء قيم قديمة ماتت وانتهت وتقاليد ومظاهر وأعياد عرفها العرب إبان وثنيتهم ثم تحرروا منها مع ظهور الإسلام ولم يعودوا مرة أخرى إليها بعد أن جاءهم الإسلام بالتوحيد الخالص فقضى على هذه الوثنيات القديمة البائدة التي تتعارض اليوم مع الثقافة الإسلامية والقيم القرآنية جميعًا.
ولقد جرى الفلكلور في مجاري ثلاث كلها بعيدة عن جوهر ذاتية الأمة ومزاجها النفسي، إما بإحياء الوثنيات الفرعونية أو العادات الجاهلية العربية أو الوثنية الإغريقية، وهذه الثلاث لا تتصل مطلقًا بحقيقة الأمة الإسلامية التي تحررت منذ خمسة عشر قرنًا من هذه الطقوس والوثنيات.
ولقد كان واضحًا أن هذه الخطة جزء من المؤامرة المدبرة لتزييف أصالة المفهوم الإسلامي فإن الفلكلور في حقيقته يقوم على إحياء أوهام الشعوب وأهوائها وعلى أدنى قدر من العواطف والمشاعر التي تتعلق بها النفوس المحدودة الأفق في مرحلة ضعفها وسذاجتها حيث لم تكن وصلت إلى ثقافة الدين الحق الذي يوجهها أساسًا إلى التحرر من الوثنيات والماديات، وفرق كبير بين الفلكلور من ناحية وبين التاريخ والتراث، فقد ركز على إحياء الإقليميات والوثنيات والتقاليد والعادات التي انحرفت عن مفهوم العقائد الصحيحة مما صنعه الإنسان في حالات الضعف البشري في مراحل الالتقاء الاجتماعي العام وهي في مجموعها خارجة عن أصول الدين الحق الذي هدينا إليه، ولذلك فإن إحياء هذا النوع من التراث هو إحياء لدعوة التفرقة والجهل والتمزق.
وبالنسبة للأغاني والمواويل فإنها في مجموعها خواطر ساذجة لا تمثل من النفس الإنسانية إلا أدنى مراتبها وهي في مجموعها تقوم على الأهواء حيث تنسى قبول المسلم لأمر الله في حالات الموت أو المصيبة وفي حالات الفرح أيضًا بديلا عن هذه الترهات والصرخات التي يرددها الفلكلور.
ولقد كانت الإسرائيليات المتجددة من أخطر التحديات التي واجهت الإسلام والفكر الإسلامي، فإنما هي تمثل إضافات خطيرة ونظريات باطلة مستمدة من نصوص قديمة، وثنية ومجوسية من خارج مفهوم الإسلام وذاتيته المختلفة عن الأديان والفلسفات، تسربت مع الزمن وقصد إلى إضافتها خصوم الإسلام وأعدائه رغبة في عزله عن جوهره الأصيل، وقد شكلت مع الزمن قشرة صلبة أو حاجزًا خطيرًا عازلا عن مفهوم الإسلام في بساطته ووضوحه ويسره وإيجازه وأضافت تفاصيل كثيرة باطلة وتوسعات عديدة تتعارض أساسًا مع مفهوم الإسلام القائم على التوحيد والإيمان بالغيب والبعث والجزاء في مواجهة مختلف القضايا.(12/3)
وقد أضيف إلى الإسرائيليات مع تطور الفكر الإسلامي إضافات أخرى تسربت مع الفلسفات اليونانية والهندية والفارسية وغيرها مما كون حصيلة ضخمة استعملها الشعوبيون وأعداء الإسلام والعرب في القديم سلاحًا لتحويل الأنظار عن مفهوم الإسلام الأصيل وجوهره وإخراجه عن مضامينه، وقد واجه المفكرون المسلمون هذه الدخائل الإسرائيلية الباطنية المجوسية وغيرها وفندوها وكشفوا عنها، وفي مقدمة من تولى ذلك الجاحظ في (البيان والتبيين) والقاضي ابن العربي في (العواصم من القواصم) وابن الجوزي في (تلبيس إبليس) كما واجه هذه القضايا ابن حزم والغزالي وابن خلدون وعرضوا لآراء الباطنية والمجوسية والمزدكية والمانوية وغيرهم، ولا سيما تلك العقائد والأساطير التي دسها اليهود والنصارى في مفاهيم الإسلام.
وفي مقدمة هذه الإسرائيليات تلك الإضافات الزائفة للنصوص الثابتة أو التفسيرات للآيات القرآنية والتوسع في أوصاف الملائكة والجنة والنار والحشر ويوم القيامة وتصويرها تصويرًا حيًا.
وقد انداحت هذه الإسرائيليات في كتب التفسير وغيرها خلال فترة الضعف وفي مؤلفات لم يكتبها علماء محققون حيث جمعت أحاديث منحولة وأكاذيب ومفتريات مدسوسة، وفي مقدمة هذه المؤلفات (بدائع الزهور والعرائس في القصص والأخبار).
وكان لدائرة المعارف الإسلامية (التي كتبها عتاة المستشرقين ومتعصبيهم) أثر بالغ في ترويج هذه الإسرائيليات مما جمعه السدي والكسائي والتغلبي والخازن وغيرهم فالتصقت بالتفسير، وقد عارض المفكرون المسلمون هذا الاتجاه وشجبوه وفي مقدمتهم العلامة ابن خلدون، غير أن دائرة المعارف الإسلامية وكتابها جميعًا من خصوم الإسلام نقلت هذه الآراء وبوبتها وعدتها مصادر صحيحة، وجاء حولدزيهن اليهودي فدافع عن كعب الأحبار وزملائه.
وقد ركزت دائرة المعارف الإسلامية على كتب المحاضرات التي لم تكن في حقيقتها كتبًا علمية وإنما جمعت ما قاله الرواة وأحلاس المجالس من قصص وتناقلوه من أوهام، وفي فترة من فترات التاريخ الإسلامي استشرت كتب المحاضرات التي جمعت ما تجمع من أساطير الأمم السابقة ورواياتها وخرافاتها وسفرها وحكمها، وقد بدا ذلك على أنه تراث يكشف للمسلمين علامات فكرهم الأصيل، غير أنه خلال مراحل الضعف التي مرت بتاريخ المسلمين ومع ضغط قوي الغزو الأجنبية من مجوسية وباطنية ودعاة الفلسفة اليونانية فقد جمعت هذه الأساطير وشكلت تيارًا زائفًا من الدخائل وإضافات التقليد والابتداع تلقفه المستشرقون وتاجروا به وحاولوا أن يقدموه على أنه من مصادر الفكر الإسلامي مما دعا رواد اليقظة الإسلامية والباحثين المنصفين إلى الإشارة لهذه الآثار والتحذير من اعتمادها مصادر علمية وكشفوا عن أخطائها وسموها على النحو الذي أوضحناه بالإشارة إلى ألف ليلة والأغاني وكليلة ودمنة ورسائل إخوان الصفا وغيرها مما اعتمد عليه الدكتور طه حسين وأتباعه في كتابة أبحاثهم ومما يجب الحذر الشديد منه.
ومن ذلك كتابي المضنون به علي غير أهل والمنسوب إلى الإمام الغزالي كذبًا وبهتانًا وكتاب الإمامة والسياسة المنسوب إلى ابن قتيبة وهو كتاب لقيط مجهول النسب حيث تجد أسلوب القول فيه يخالف أسلوب ابن قتيبة في كتاب المعارف وفي سائر كتبه وفيه روايات لابن قتيبة ومروية عن أبي ليلة، وهو لم يقابله، حيث ولد بعده بمائة وعشرين سنة.
كذلك فإن محاولات التغريب تعمل على إحياء ملتقطات من هنا وهناك في سبيل الادعاء بأن الأدب المكشوف كان قائمًا في مجال الأدب العربي بعد الإسلام، وهي محاولة خادعة تحاول التقاط بعض المواقف من هنا وهناك، من خلال المرحلة التي غلب فيها الأثر الفارسي القديم والتي غلب فيها السجع والمحسنات اللفظية، وقد جاء ذلك بعد غلبة طابع الترجمة الذي كانت له آثاره البعيدة المدى على مرحلة محدودة من مراحل الفكر الإسلامي والأدب العربي.
فإذا قيل أن الأدب العربي قد عرف الأدب المكشوف حينًا من الدهر، قلنا إن ذلك لم يكن بدافع الفطرة بل كان غزوًا شعوبيًا على النحو الذي نواجهه اليوم، وأن هذا اللون إنما دخل على أيدي المتصلين بالثقافات والديانات والفلسفات القديمة السابقة للإسلام وفي مقدمتها وثنية اليونان ومجوسية الفرس وغنوصية الهند.
وإن ذلك كله جرى في نطاق المؤامرة الخطيرة التي قامت بها قوى الباطنية والمجوسية والقرامطة في محاولة لتدمير مفهوم الإسلام أساسًا وتغليب مفاهيم الكشف والإباحة ووحدة الوجود والحلول والتناسخ وغيرها، ومن خلال طائفة المجان الإباحيين بشار وأبي نواس وغيرهم.
ومن هنا دخل على الأدب العربي في مرحلة من مراحله نماذج من المجون والفحش واستشرى في الهجاء والخمريات والشعر الخليع غير أن الصحوة الإسلامية التي واجهت الفكر اليوناني استطاعت أن تحرر الأدب والشعر وأن يعيده إلى مجال الأصالة.(12/4)
وكذلك تجدد الأمر في العصر الحديث في محاولة لفرض مجموعة محتقرة من المجان في عصرها ليصور القرن الثاني الهجري كله بأنه عصر مجون وفساد وفيه أئمة الفكر والفقه والدين والعلم.
ونرى اليوم معالم أسلمة الأدب العربي والعلوم الإنسانية والثقافة والمعرفة والمصطلحات تنطلق إلى مداها في سبيل تحرير الفكر الإسلامي من التبعية.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(12/5)
سلسلة على طريق الأصالة
17
تقويم ما قدمه الرواد
وقراءة جديدة لكتابات الشوامخ
ظهرت في السنوات الأخيرة الكثير من المذكرات والذكريات واليوميات التي قدمها كتاب الأجيال التي تلت جيل الرواد الذي كان له الصدارة في العصور التي تلت الحرب العالمية الأولى وامتدت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي سيطر كتابها على الحياة الأدبية في البلاد العربية وكان للسياسة والصحافة الحزبية أثرها البعيد في إبرازهم وإكسابهم الشهرة المدوية في حين أنهم لم يكونوا إلا بمثابة قناطر تنقل فكر الغرب إلى محيط الثقافة الإسلامي وكانوا في أبرز مظاهرهم تحت عيونهم الأصداف، فظنوا أنها الجوهر. وآية ذلك أنهم انفصلوا عن تيار الفكر الإسلامي والأدب العربي، وربطوا أنفسهم بمطالع الزحف الغربي على بلاد المسلمين فجعلوا منطلقهم من الحملة الفرنسية وسموا جولتهم بالأسماء الإقليمية والقومية، فحالوا أن يكتبوا أدبًا مصريًا أو سوريًا أو عراقيًا، وكان قائدهم هذا أستاذ الجيل (لطفي السيد) الذي أنكر رابطتي العروبة والإسلام، وكانت الرؤى التي يتحركون في إطارها هي تلك التي رسمتها الصحف التي يصدرها المارون في مصر (الأهرام - المقطم - الهلال) ويجدون في شبلي شميل بدعوته إلى مذهب دارون، وجرجي زيدان بدعوته إلى تزييف التاريخ الإسلامي، وصروف ومكاريوس في دعوتهما إلى الماسونية وتقبل النفوذ البريطاني منطلقًا، بدأ واضحًا في كتابات طه حسين والعقاد وهيكل وسلامة موسى ومحمود عزمي وعلي عبد الرازق.
وأعطت المعركة الحزبية للفكر طابع الخصومة والجدل والهجاء المقذع وظهر هذا الجيل على الخصومة السياسية دون أن يهاجم الإنجليز أو الاستعمار بل قبل مفاهيمه في الفكر والاجتماع فكان هذا الولاء الفكري لمذاهب الغرب في الأدب والتاريخ حتى قيل أن طه حسين كان من أتباع المذهب الاجتماعي الفرنسي (دوركايم) وأن العقاد كان من أتباع المذهب النفسي (فرويد وغيره) بل قيل في الأخير أن العقاد وكان هيجلنا أي أنه تلميذ لمدرسة هيجل وهو ما وصفه به أقرب تلاميذه إليه (عبد الفتاح الديدي).
ولقد كشفت الذكريات والمذكرات في الأخير أن هناك رابطة كانت تجمع هذا الجيل هي رابطة الانتحار فقد عرف أن طه حسين وهيكل والعقاد فكروا في الانتحار وأن بعضهم كتب عنه، كما أن بعضهم اتهم باستعمال المخدرات وأن هذا الكلام جرى طرحه في مساجلات الأدباء السياسية.
ولعل أخطر ما في هذا كله أنهم في نفس الوقت الذي كانوا يهاجمون النفوذ الأجنبي البريطاني بقوة، كانوا يؤمنون بالفكر الغربي والحضارة الغربية والمنهج الديمقراطي ولم يكن النفوذ الأجنبي يطمع في أكثر من ذلك.
وكان هذا هو منطلق مدرسة سعد زغلول التي سيطرت فكريًا وسياسيًا بعد الحرب العالمية الأولى وبعد أن انتزعت القيادة الفكرية من مصطفى كامل ومحمد فريد وعبد العزيز جاويش وأحلت مفاهيم السياسة الحزبية بديلا عن الوطنية وكلمة الاستقلال بديلا عن كلمة الجلاء.
وكان أبرز كتَّاب مصر المجددين (الذين أثاروا قضايا التغريب) في صف حزب الأحرار الدستوريين (ذوي الولاء الواضح للاستعمار) لطفي السيد وطه حسين وهيكل والمازني وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي وفي أحضانهم ظهر أخطر كتابين في مهاجمة الإسلام: "الشعر الجاهلي" لطه حسين، و"الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق.
وكان الكتَّاب الرواد يقبلون مذاهب الغرب في النقد والأدب والشعر وقد حمل العقاد والمازني لواء الدعوة إلى المدرسة الإنجليزية في النقد (هازلت وغيره) بينما حمل طه حسين لواء المدرسة الفرنسية (تين وبرونتير وغيره).
ولم يكن لدى كتاب الجيل الرائد الخبرة العميقة؛ فانخدعوا في مواقف كثيرة، خدعهم (ماكس نوردو) اليهودي خليفة هرتزل فكرموه، دون أن يعوا دوره في الصهيونية وخدعهم عباس البهاء وحفلوا به ودعوا إلى نحلته دون أن يتنبهوا إلى أخطاره وسمومه.
بل لقد كرموا في الجامعة الفيلسوف رينان وهو أكبر من حمل على الإسلام وهاجمه أشد الهجوم.
وعندما حدث الصراع بين أبناء المدرسة الحديثة لم يكن لحساب الفكر الإسلامي وإنما كان صراعًا بين (لايينيون وسكسونيون) العقاد وطه حسين - وفي مجال التعليم كان الصراع بين طه حسين وإسماعيل القباني ولاء للمدرسة الفرنسية وولاه لمدرسة ديوي وفي القصة ترجمت الكتابات الفرنسية المكشوفة، وبرز أدب الكشف والإباحة كما برزت الأسطورة.
وقد كان هؤلاء الكتَّاب في مستهل حياتهم الأدبية (في الغرب) قد تابعوا المستشرقين فهاجمه منصور فهمي النبي وزوجاته، وهاجم طه حسين ابن خلدون، وهاجم زكي مبارك الغزالي وقال محمود عزمي: "إن الاقتصاد شيء والإسلام شيء آخر" فالإسلام في نظره دين لاهوتي.
ولما تعالت صيحة اليقظة الإسلامية تقدم هذا الصف من المجددين فادعوا أنهم هم مجددوا الإسلام.(13/1)
كتب هيكل حياة محمد، وكتب طه حسين الفتنة الكبرى، وكتب العقاد العبقريات، وكان منطلقهم مختلفًا عن مفاهيم الوحي والنبوة، فاعتمدوا مناهج الغرب في دراسة الأبطال والرجال، ووضعوا (البطولة) في مقدمة (النبوة) وجعلوا (العبقرية) بديلا عن الرسالة ولم يكن مفهوم الإسلام بوصفه منهج حياة ونظام مجتمع واضحًا في كتاباتهم، فقد كانوا ما يزالون يرون الإسلام دينًا لاهوئيًا كما يرى مفكروا الغرب المسيحية.
وقال طه حسين أنه وضع كتابه (على هامش السيرة) تقليدًا لكتاب غربي جمع الأساطير القديمة.
وفي نفس الوقت الذي برزت فيه هذه الأسماء وسيطرت حجبت كتاب الأصالة: فريد وجدي ومصطفى صادق الرافعي ورشيد رضا وشكيب أرسلان ومحب الدين الخطيب.
وأظهر التغريب رجاله وحجب الآخرين، ولم يكن مفهومه للتجديد هو المفهوم الأصيل، وقال الأستاذ حسن البنا: إن ما بيننا وبين المجددين هو مفهوم الوحي والنبوة من ناحية ومفهوم الإسلام بوصفه منهج حياة ونظام مجتمع.
وخرست الألسنة فقد كان كتابنا المتصدرون غير ملتزمين بالإسلام في حياتهم أصلا.
ورد الأستاذ حسن البنا على مفهوم العقاد في الألوهية دون أن يشير إليه صراحة، ولعل أبرز ما يشكل التصور الإسلامي الأصيل للفكر هو ذلك الوضوح الذي تكشف بين المنهج القرآن والمنهج الفلسفي، على النحو الذي أبرزه كتاب الدعوة الإسلامية حين كشفوا عنه.
إن مفهوم القرآن كالماء لا يحتاج إليه المريض والسليم وأن منهج الفلسفة (أو علم الكلام) هو كالدواء الذي يحتاج إليه المريض (على حد عبارة الإمام الغزالي) فقد بدأت اليقظة الإسلامية من خلال جمال الدين ومحمد عبده على نحو شبيه بمفهوم الاعتزال وعلم الكلام وهو الخيط الذي التقطه فريد وجدي وإقبال والعقاد والذي جاء المفهوم القرآني ليعلن أن مرحلة جديدة من مراحل الأصالة قد دخلت على الدعوة الإسلامية وكان حامل لوائه هو حسن البنا.
وكان الشيخ مصطفى صبري في كتابه (موقف العلم والعالم من رب العالمين) قد واجه هذا التيار الذي ظهر واضحًا في الكتابات الإسلامية التي كتبها فريد وجدي والعقاد وهيكل – وهي كتابات اعتمدت المنهج الفلسفي بحسين نية ومن هنا أصابها كثير من التغيرات.
وكانت الدعوة الإسلامية قد دعت إلى التماس منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل، وأسلوبه في الدعوة وكتب سيد قطب عن هذا الاتجاه من بعد في كتابه (التصور الإسلامي) وناقش اتجاه محمد عبده في التفسير، كما ناقش اتجاه العقاد دون أن يشير إليه صراحة.
وهذا لا يمنع من القول بأن جمال الدين الأفغاني، هاجم اتجاه أحمد خان في كتابه (الرد على الدهريين) وأشار إلى أن اتجاه أحمد خان كان له أثره في ظهور القادبانية وخاصة الفكرة الخاصة بإلغاء الجهاد.
وإذا كان الشيخ مصطفى صبري قد كشف أخطاء كتاب السيرة العصريين في شأن معجزات النبي (فريد وجدي وهيكل) فإن الشيخ مصطفى عبد الرازق وتلاميذه (علي سامي النشار) قد كشفوا عن أصالة الإسلام ورد الفلسفة الإسلامية إلى المعلم الأول: الإمام الشافعي وكتابه (الرسالة) الذي وضع فيه منهج علم أصول الفقه.
وكذلك فقد كشف محب الدين الخطيب عن خطط التبشير بترجمة كتاب للغارة على العالم الإسلامي وتابعه بعد سنوات الدكتور عمر فروخ والخالدي خبايا التبشير والاستعمار في كتابهما المعروف.
كذلك كشف مالك بن نبي مخططات التغريب وأساليبه وتابعه محمود محمد شاكر في كشف سموم لويس عوض، والدكتور محمد محمد حسين الذي كشف عن كتابات ول ديورانت وغيره من اليهود.
وتكشفت في هذه المرحلة كتابات كثيرين ممن وضعوا في صفوف الرواد، تكشف رفاعة الطهطاوي الذي رفع الماركسيون من قدره لأنه دعا إلى الإقليمية المصرية والذي كان تابعًا من أتباع النفوذ الغربي كشف ذلك محمود محمد شاكر حين قال عنه في كتابه (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا):
"أي صيد سمين تلقفه المستر جومار بخبرته وحنكته وتجربته وبصره النافذ، فتى ناشئ في قلب الأزهر، رآه مفتونًا بالأرض التي وطئتها قدمه، لم ير مثلها من قبل، رآه مقبلا بأقصى عزيمته على تعلم الفرنسية، معجبًا بها وبأهلها كل الإعجاب فأخذه (جومار) من قريب فكان له صيدًا إلى حين، ولم يكد حتى أخذ المسيو جومار بناصيته، وأسلمه لطائفة من المستشرقين يصاحبونه ويوجهونه وعلى رأسهم أحد دهاقين الاستشراق الكبار ودهائه وهو البارون سلفستر دي ساسي فاستغلوه أبراع استغلال، وصبوا في أذنه وطرحوا في قرارة قلبه معاني وأفكارًا قد بيتوها ودرسوها وعرفوا عواقبها وثمراتها وأعرض عنه وسارع ينجو بحياته الجديدة من خطاطيفه التي تلاحقه، إلخ".(13/2)
هذه حقائق كان يجب على حركة اليقظة الإسلامية أن تكشفها فقد اعتصم التغربيون بما يسمى (الرواد وأساتذة الجيل والعميد) وكلها مصطلحات كاذبة مضطربة في سبيل تثبت قواعد التغريب للتي أرساها هؤلاء والتي أصبحت في المرحلة التالية عقبة أمام مفاهيم الأصالة الإسلامية فكان لابد من كشف حقيقة هؤلاء الشوامخ وإعادتهم إلى حجمهم. إن هناك أسماء كثيرة لمعت في ظلال صلوه التغريب وطغيان السياسة وأصبحت تستخدم كمحاولة لبديل للأصالة كذلك فقد كان لابد من كشف الأسماء التي لمعت في التاريخ القريب سواء من تاريخ العصور السابقة أو غيرها وفي مقدمة هذا كله، تلك الجولة الخطيرة التي أطلق عليها ترجمة الفكر اليوناني وأبطاله (الفارابي وابن سينا وغيرهما) ومترجميها الذين أدخلوا عليها زيوفًا وأخضعوها لمفهومهم المسيحي أمثال (حنين بن إسحاق وجماعته) وكان لابد من كشف موقف (المأمون) هذا الموقف الخطير الذي آزر فيه الفكر الدخيل على مفهوم السنة حين حمل لواء السياسة والحكم في سبيل الدعوة إلى فتنة (خلق القرآن) وساق علماء المسلمين وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل للامتحان الشديد، هذا كله يجب كشفه وتصحيح الموقف منه، كذلك في القريب يجب تصحيح موقف الكواكبي ومحمد علي اللاهوري (خليفة القادياني) بالإضافة إلى رفاعة الطهطاوي.
ولنعرف أن هذا ليس هدمًا لم يسمونهم الشوامخ ولكنه تصحيح للموقف فإن هناك عشرات من أعلام الإسلام الأصلاء في العصر الحديث يقفون في الظل منذ أكثر من خمسين عامًا لأن الصحف التي يتصدرها المغربون تحول دون تكريمهم أو وضعهم في مكانهم الصحيح. إننا لا نهاجم هؤلاء أصحاب الأسماء اللامعة ولكن نقول لهم مكانكم فإن هناك من الأصلاء من يقفون في الظل وهم الأحق بمكان الصدارة.
لقد كان هؤلاء جميعًا بلا استثناء أولياء للنفوذ الأجنبي والاستشراق ولولا ذلك فأمكن لهم من إعلاء مكان الصدارة في مجال الصحافة والثقافة. ولقد كان طه حسين ومن مضوا معه على هذا الطريق أولياء للثقافة اليونانية التي هي علم الأصنام وكانوا يدعون في افتنات غريب بأن المسلمين قبلوا هذه الثقافة ولو دروا لعرفوا أنهم رفضوها ودحضوا سمومها منذ اليوم الأول، وقد وقف هذا الموثق كثيرون في مقدمتهم الشافعي وابن حنبل والغزالي وابن تَيْمِيَّة وابن جزم وغيرهم.
ولقد لقي هؤلاء الأعلام من الاستشراق نكرًا وتجاهلا ومحاولة لإلباسهم كثيرًا من الشبهات لتقليل قدرهم في نظر أمتهم.
لقد كان عملهم واضحًا: إنكار فضل الصحابة واتهامهم في الفتنة الكبرى وتجاهل قادة الفكر الإسلامي فليس غير الأوربيون واليونان قادة الفكر كما كتبه طه حسين وكان مقررًا على المدارس.
وعلى طريق طه حسين سار زكي نجيب محمود ولويس عوض وعبد الرحمن الشرقاوي وحسين فوزي وسلامة موسى والأجيال الجديدة من المغربين الذين يمزجون بين العلمانية والماركسية.
... ... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(13/3)
17 فائدة لـ غض البصر
1: تخليص القلب من ألم الحسرة .
2 : أنه يورث نوراً و إشراقاً في القلب يظهر في العين و الوجه و الجوارح و إطلاق البصر يورث ظلمة في الوجه و الجوارح .
3 : أنه يورث صحة الفراسة
4 : أنه يفتح له طرق العلم و أبوابه و يسهل عليه أسبابه و ذلك بسبب نور القلب .
5 : أنه يورث القلب ثباتاً و شجاعة فيجعل له سلطان الحجة .
6 : أنه يورث القلب سروراً و فرحاً و انشراحاً أعظم من اللذة و السرور الحاصل بالنظر .
7 : أنه يخلص القلب من أسر الشهوة .
8 : أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم .
9 : أنه يقوي عقله و يزيده و يثبته.
10 : يخلص القلب من سُكر الشهوة و رقدة الغفلة .
11 : أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه و معاده .
12 : أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
13 : أنه يورث القلب أنساً بالله و جمعه عليه .
14 : أنه يقوي القلب و يفرحه .
15 : أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب .
16 : أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه و الاشتغال بها.
17 : أن بين العين و القلب منفذاً و طريقاً يوجب انتقال أحدهما إلى الآخر و أن يصلح بصلاحه و يفسد بفساده.
لمزيد من التفصيل في هذه الفوائد يُراجع كتابا : روض المحبين و نزهة المشتاقين ، الداء و الدواء . كلاهما لابن قيم الجوزية(14/1)
سلسلة على طريق الأصالة
18
على المحجة البيضاء
عطاء الإسلام في وجه العلم الحديث
###3### بسم الله الرحمن الرحيم
على المحجة البيضاء
عطاء الإسلام في وجه العلم الحديث
في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
ونحن في مواجهة شبهات كثيرة مثارة على الفكر الإسلامي نجد أن هناك حقائق أساسية عجز التغريب عن تزييفها ووجد من علماء الغرب أنفسهم من يؤكد وجودها، وكان لحركة اليقظة الإسلامية دور كبير في الكشف عنها.
أولا: أصالة المسلمين في إقامة منهج كتابة التاريخ:
شهد الأستاذ هوتشو المؤرخ البريطاني المشهور للمسلمين بأنهم أصحاب منهج أصيل في التاريخ يقول: إذا كان (الإسناد) عن العرب والمسلمين هو أساس نقد الأخبار فقد كان أساس ضبطها هو التوقيت الدقيق لها بالسنين والشهور والأيام وهو ضبط انفردوا به عن نظرائهم عند اليونان والرومان وأوروبا في العصور الوسطى.
وقال المؤرخ بكل: إن التوقيت على هذا النحو لم يعرف في أوروبا قبل عام 1597.
###4### وقد جرت كتابات استشراق كثيرة تحاول أن ترد منهج كتابة التاريخ الإسلامي إلى مناهج الفرس أو مناهج اليونان السابقة لها، ولكن ذلك كله لم يستطع أن يصل إلى حد الصدق وباتت كل هذه الشبهات ولا سند لها، كذلك فإن (النقد) عند المسلمين قد اتخذ منهجين متكاملين فانصب على الرواة من ناحية تحت اسم (الجرح والتعديل) وجرى من ناحية أخرى في (نقد النص) نفسه وامتحانه والتأكد من سلامته.
ثانيًا: أصالة المسلمين من صناعة الأحداث:
وهذا يعني أن الإسلام نفسه كان منطلقًا لعصر جديد في العالم كله وقد أعلن الأستاذ بيرون في المؤتمر الدولي للعلوم التاريخية الذي عقد في مدينة (أوسلو، عاصمة النرويج) في 14 آب 1920 إلى اعتبار أن ظهور الإسلام هو خاتمة العصور القديمة وبداية إيقاظ الإنسانية في أول عصورها المتوسطة باعتبار أن الإسلام هو بداية العصر العربي.
وخطأ المؤرخ الغربي في القول المذاع بأن انقسام الدولة الرمانية إلى شرقية وغربية بحسبانه بداية عصر النهضة متجاهلين أن ظهور الإسلام هو أعظم حادثة في العصر الحديث بينما اعترف كثير من كتاب الغرب بهذه الحقيقة.
ثالثًا: أصالة ارتباط العرب والترك في دائرة الجامعة الإسلامية:
###5### أكد كثير من الباحثين سلامة الخطة التي خطاها العرب بالاندماج في الدولة العثمانية في النصف الأول من القرن السادس عشر، وذلك لمواجهة خطر الغزو الاستعماري الذي كان قد تجدد مرة أخرى بعد انتهاء الحروب الصليبية وهزيمة الغرب بعد قرنين كاملين من الحملات - نعم تجدد الغزو في محاولة جديدة - وكانت الرابطة التي قامت بين العرب والترك هي رابطة إسلامية أصيلة مع أكبر قوة عسكرية من أبناء الإسلام لصد خطر الإفناء الصليبي الذي صاحب نهضة الإفرنج وبدأ عصر السيطرة الاستعمارية، كذلك فقد دخل أمراء لبنان وشريف مكة تحت الحكم العثماني باختيارهم، أما دخول الجزائر تحت هذا الحكم فقد تم دون حرب بل بمحض إرادة حاكمها خير الدين المعروف بباذرباروس.
رابعًا: أصالة العرب بالنسبة للاحتواء الغربي:
إن تجربة الاتحاديين في تركيا التي احتوتها المحافل الماسونية والنفوذ الأجنبي (1909 - 1918) قد فتحت عيون العرب إلى ما فيها من أخطار وما وراءها من قوى فلم يترددوا في شجبها، كذلك فهم قد رفضوا التحول التغريبي الذي تورط فيه مصطفى كمال أتاتورك وشوه به وجه تركيا الإسلامية وقد تأكد فشل التجربة اليوم فشلا تامًا وعندما نحاول تقييمها فإننا نجد أنها لم تحقق للأتراك ذلك الوهم الذي كانوا يخدعون به فظلوا دولة ضعيفة إذ امتنع الغرب عن إعطائهم ###6### من العلم التجريبي والتكنولوجيا بل وسخر منهم أرنولد توينبي على أنهم لم يقدموا شيئًا للحضارة الغربية وظلوا عالة على أوروبا، وقد أشار إلى ذلك (هاملتون جب) الذي قال إن العرب لن يكرروا التجربة التغريبية التركية. هذا وقد عاد الأتراك مرة أخرى إلى الأصالة وهم اليوم بسبيل استعادة مكانة عقيدتهم وقيمهم وأصولهم التي عرفوها وآمنوا بها منذ أربعة عشر قرنًا.
خامسًا: أصالة المسلمين بالنسبة للتجربتين الماركسية والليبرالية:
وبالرغم من أن التجربة الرأسمالية الليبرالية بدأت بنفوذ الاستعمار، ويحلق أطر ومدارس وأجيال تؤمن بها وتحمل لواءها فإنها وجدت إعراضًا في العالم الإسلامي كله في التطبيق وعجزت الأيدلوجيات الوافدة أن تحقق مطامح النفس المسلمة التي شكلها القرآن والتوحيد والشريعة. وكذلك جاءت التجربة الماركسية فوجدت نفس الاستجابة بالإعراض أيضًا. وقد تبين أن النفس المسلمة لا تقبل الاحتواء وترفض الانطواء تحت مفهوم إعلاء الفردية وصولا إلى الرأسمالية الربوية أو مفهوم طحن الفرد وصولا إلى إعلاء طبقة خاصة.
سادسًا: أصالة المفهوم الإسلامي بالنسبة للقوميات والإقليميات:(15/1)
كشف المفكرون المسلمون فساد الدعوات التي طرحت في أفق الفكر الإسلامي في البلاد العربية عن إعلاء الآشورية أو البابلية أو الفرعونية أو الفينيقية وبينوا بدليل التاريخ القاطع أن هذه كلها موجات عربية ###7### خرجت من الجزيرة العربية ونزحت عن موطنها الأول وانداحت في هذه المنطقة العربية الحنيفية (أبناء إسماعيل) الذين نزلت عليهم رسالة التوحيد قبل أن تغلب العنصرية على الحنيفية.
سابعًا: أصالة المفهوم الإسلامي في مواجهة العلمانية:
كشفت حركة اليقظة الإسلامية عن أن المجتمع الإسلامي ينبذ فكرة العلمانية لأنها لا تجد مكانًا في أوضاعه القائمة على تكامل الاجتماع دينًا ودولة من حيث أن الإسلام نفسه دين ومنهج حياة ونظام مجتمع. أما العلمانية فهي حركة غربية استهدفت إقصاء تفسيرات المسيحية عن الحياة العربية بعد أن عجزت هذه التفسيرات عن أن تقدم للمجتمع المسلم أو النفس الإنسانية ما يرضيها، ذلك أن الإسلام لم يعرف الحكومة الثيوقراطية أو حكومة رجال الدين ولم يجعل للإكليروس نفوذًا على الناس يبيع لهم صكوك الغفران.
ثامنًا: أصالة المفهوم الإسلامي في مواجهة العلاقة بين العروبة والإسلام:
فقد كشفت الأبحاث الإسلامية المعاصرة عن أن العلاقة بين العروبة والإسلام تختلف اختلافًا شديدًا عن العلاقة بين القوميات في أوروبا وبين الكتب، ويؤكد أن الذين درسوا هذه الفكرة من الغربيين أمثال ويلفرد كانتول سميث: إن تاريخ الشرق الأدنى الحديث يدل على أن القومية المجردة ليست القاعدة الملائمة للنهوض والبناء وأنه لم يكن المثل الأعلى إسلاميًا على وجه من الوجوه ###8### فإنه لن تثمر الجهود المبذولة من أجل النهضة وكذلك فإن العرب والمسلمين جميعًا قد استمدوا مقاومتهم في العصر الحديث للاستعمار واندفاعاتهم الوطنية من أجل الحرية من مفاهيم الإسلام نفسه.
كذلك تبين أن عروبة الفكر تعني إسلاميته، فليس هناك فلسفة عربية في الفكر غير مستمدة من القرآن وأن محاولة خلق فلسفة عربية معاصرة معزولة عن الإسلام هي محاولة زائفة ولا استمرار لها في الظروف المفروضة بقوة النفوذ الأجنبي.
كذلك تبين بما لا يدع مجلا للشك أن محاولة خلق وجود عربي أو عروبة أو فكر عربي على الوجه العلماني المنفصل عن الإسلام أمر بالغ الاستحالة وبالغ الابتعاد عن الذاتية العربية الإسلامية الجوهر والمزاج النفسي الذي أنشأه القرآن، ونماه منذ أربعة عشر قرنًا.
تاسعًا: أصالة المفهوم الإسلام بالنسبة للمناهج التربوية والتعليمية الوافدة:
كشفت الدراسات والأبحاث التي قام بها كتاب اليقظة الإسلامية في العصر الحديث أن مناهج الدراسة في المدرسة والجامعة في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي تخضع للمنهج الغربي في التربية والتعليم ولذلك ###9### فهي تقصر عن العطاء الحقيقي للشباب المسلم، ولأنها تستمد مفاهيمها من الأيدلوجيات والفلسفات الوافدة فإنها (أولا) لا تغطي بأمانة حقيقة الدور الذي قام به المسلمون في بناء القلعة التجريبية والطبيعية والرياضية – هذا الدور الخطير الذي كان من أبرز معالمه إنشاء المنهج التجريبي الإسلامي أساس الحضارة الغربية القائمة، كذلك فإن للفكر الإسلامي مفهومه الأصيل في هذه المناهج المطروحة عن الاجتماع والنفس والفلسفة والسياسة والاقتصاد، وهي تستمد مفاهيمها من الرأسمالية الغربية والماركسية وتسيطر عليها الفلسفة المادية والمفاهيم التلمودية الصهيونية، بينما لهذه الأمة فكرها الأصيل ومنهجها الرباني الذي يختلف اختلافًا عميقًا عن الانشطارية الغربية حيث يقوم جامعًا بين العلوم والدين والمادة والروح والنفس والعقل والدنيا والآخرة، بينما تقوم الأيدلوجيات العربية (شِرقية وغربية) على النظرية المادية والتفسير المادي للتاريخ، ولقد كان من حق شبابنا المسلم المثقف أن يعرف الدور الذي قام به أجداده المسلمون في بناء العلم والحضارة، وأن يعلموا في نفس الوقت أن هذه المفتريات التي تدرس (ماركس وفرويد وسارتر ودوركايم وغيرها) ليست علومًا حقيقية وإنما هي فروض ونظريات خاضعة للصلاحية والرفض أنها تستمد وجودها من مجتمعات مختلفة عن مجتمعاتنا وتواجه تحديات لا نعرفها، وأن الأمة الإسلامية التي رباها القرآن بعد أن كونها منذ أربعة عشر قرنًا لهذا قيمها ومفاهيمها المستمدة من التوحيد الخالص والقائمة على العدل ###10### والرحمة والإخاء الإنساني وأنها لا تقبل بديلا بأسلوب غير أسلوبها الأصيل وأن الإنسان المكون من روح ومادة لا يمكن أن يخضع لنظريات تطبق على المادة أو على الحيوان وأن كل ما يقدم تحت اسم العلوم النفسية أو الاجتماعية لا يمكن أن تكون بمثابة حقيقة علمية لأنها تقوم على التفسير المادي والنظرية المادية، وهي ليست مفهومًا كاملا للوجود والحياة.
(2)
عاشرًا: أصالة المفهوم الإسلامي بالنسبة للإسلام إزاء الأيدلوجيات:(15/2)
لقد كان واضحًا أن الإسلام ليس مذهبًا ولا نظرية ولا ثورة وأنه لا يجوز للكاتب المسلم أن يدخل الإسلام في مقارنة مع الأيدلوجيات أو الثورات العديدة التي قدمها أو قام بها الإنسان على مر التاريخ، ذلك أن الإسلام إذا كان ثورة فإن ذلك يعني أن له دورًا قد أداه وانتهى وأنه كان مذهبًا أو نظرية فإنه قابل للتغيير والتبديل والانتقاض والإضافة وهو ليس كذلك، ذلك أن الإسلام هو ذلك المنهج الرباني الأصيل الجامع الذي تختلف عن المذاهب البشرية، وقد صنع أمة من يقظة الواحد الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أقام مجتمعه على أساس التوحيد الخالص وفي إطار الشريعة السمحة الكريمة العالمية ربانية المصدر إنسانية الطابع – تقوم على الإخاء الإنساني والعدل والرحمة ولها مفاهيمها الجامعة الكاملة في مختلف ميادين السياسة ###11### والاقتصاد والاجتماع والأخلاق والتربية وأن بعض الأيدلوجيات قد تشبه الإسلام ولكن يظل الإسلام متميزًا بأنه ليس نظرية ولا أيدلوجية لأنه ليس من صنع البشر فلا يقارن بعمل البشر الجزئي الوقتي الزائل.
الحادي عشر: أصالة المفهوم الإسلامي إزاء العلم والتجربة:
يقول جوستاف لوبون في كتابة تاريخ العرب:
"إن العرب أدركوا بعد لأي أن التجربة والمشاهدة خير من أفضل الكتب ولذلك سبقوا أوروبا إلى هذه الحقيقة التي تعزى إلى أن يكون (فرنسيس بيكون) أنه أول من أقام التجربة والاختبار اللذين هما ركن المناهج العلمية الجديد، فالمسلمون أسبق إلى نظام التجربة في العلوم.
وتقول سيجريد هونكه: إن العرب ظلوا ثمانية قرون طوالا يشعون على العالم علمًا وفنًا وأدبًا وحضارة كما أخذوا بيد أوروبا فأخرجوها من الظلمات إلى النور.
وتقول: سوف نرى عندما تخرج الكتب المودعة في دور الكتب الأوروبية أن تأثير العرب الخالد في حضارة العصور الوسطى كان أجل شأنًا وأجل خطرًا مما عرفناه حتى الآن.
الثاني عشر: أصالة الفكر الإسلامي في عطائه القانوني المستمد من ###12### الشريعة الإسلامية:
يؤكد هذا ما كشفه عدد من رجال القانون المسلمين من عظمة الشريعة الإسلامية وعطاء الفقه الإسلامي الوافر في عشرات من المواضع والقضايا التي تحولت في الغرب إلى قوانين، ومنها ما كتبه عمر لطفي في دراسته عن (حرمة المنازل) والتي استمدها من القرآن الكريم، وكان الألمان قد استمدوا من التشريع الإسلامي قانون حرمة المساكن من قبل ثم رجعوا إلى الاعتراف بفضل الإسلام.
وكذلك نظرية (التعسف في استعمال الحقوق) التي عرفتها القوانين الحديثة والتي كشف الدكتور محمد فتحي في أطروحته في فرنسا أنها مستمدة من فقه الإمام الشاطبي.
هذا فضلا عما اعترف به رجال القانون العالميين من مكانة الشريعة الإسلامية في عدد من المؤتمرات منها مؤتمر القانون الدولي في لاهاي 1937 والقانون المقارن في لندن 1950 ودورة باريس 1951 والتي أعلنت أن المبادئ الإسلامية قد سمحت للحقوق بأن تستجيب للرغبات التي تتطلبها الحياة الحديثة وأن المناقشات قد أوضحت بجلاء ما لمبادئ القانون الإسلامي من قيمة لا تقبل الجدل وأنها تضم أشرف النظريات القانونية والفن البديع، وكل هذا يمكنها من تلبية جميع حاجات الحياة العصرية وأنها شريعة مستقلة بنفسها ليست مأخوذة من غيرها وأنها قائمة بذاتها وأنها شريعة حية صالحة ###13### لتطور المجتمعات والبيئات. وأشارت الأبحاث كيف أعلن الإسلام حقوق الإنسان قبل الثورة الفرنسية.
الثالث عشر: أصالة الفكر الإسلامي في عطائه في مجال الفلك والجغرافيا والطب والكيمياء:
وما اعترف به المفكرون الغربيون المنصفون من اعتراف بهذا العطاء وكيف قدم المسلمون (المصطلح الشريف) البروتوكول – والترقيم وأسماء النجوم العربية والكسور العشرية ورائدها (البكاشي) وليس مستيقين، وابن حمزة المغربي رائد اللوغاريتمات، وكيف أن الجغرافيا علم عربي أصيل، وكيف سبق ابن خلدون فلاسفة الغرب في اكتشاف علم التاريخ وعلم الاجتماع وكيف اقتحم المسلمون المحيط قبل أن يدخله كولومبس وكيف عرف المسلمون أمريكا قبل أن يعرفها الغرب.
وكيف كان الشريف الإدريسي عمدة الجغرافيا عند المسلمين وكيف كان أبو القاسم الزهراوي يجري عمليات جراحة المخ ويستعمل المرقد (البنج) وكيف عرف المسلمون كتابات المكفوفين (طريقة بريل) وكيف كتب المسلمون في الأحكام السلطانية وهي السياسة الشرعية (الماوردي وابن يعلى الفراء الحنبلي). وكيف قدم المسلمون مفهوم العمارة الإسلامية وكيف عرفوا نظرية الدورة الدموية (ابن النفيس) وكيف قاد أحمد بن ماجد السفن ووضع قواعد الملاحة البحرية العالمية، وقد كتب هذا كله قدري طوقان وعبد الحليم منتصر وكثيرون.
###14### الرابع عشر: أصالة العطاء الإسلامي في مجال العلوم التجريبية:(15/3)
فقد كشف الباحثون إن المسلمين هم الذين وضعوا أصول المنهج التجريبي الذي قامت عليه الحضارة المعاصرة وأنه لم يكن من ذلك شيء قبل نزول القرآن الكريم الذي هدى المسلمين إلى البحث والتجريب وكيف أن التجربة أساسها الاستقراء والقياس وقد ظهر جليًا أن كتاب (المنهج الجديد) لفرنسيس بيكون الذي يعد في الغرب قاعدة العمل التجريبي كله، هذا الكتاب مصدره إسلامي أصلا بل إنه مأخوذ بالنص من الرسالة للإمام الشافعي كما كشف عنه أخيرًا المستشار عبد الحليم الجندي في كتابه (القرآن و المنهج العلمي المعاصر) وذلك بالرغم من تجاهل بيكون للمصدر الإسلامي في كتابه الذي وضع به الأرجانون الجديد على أنقاض أرسطو، وإن هذا المنهج الإسلامي في (التجربة) هو الذي قلب تفكير أوروبا رأسًا على عقب وأخرجها من ظلمات القرون الوسطى بعد ألف عام ومن الرهبانية ومن مفهوم أرسطو في الثبات ومن مفهوم التأملات. وقد أكد المستشار عبد الحليم الجندي بالأدلة الدامغة أن (ارجاتون بيكون) مستمد من رسالة الشافعي التي قامت على رفض المنطق اليوناني المبني على الفروض لا على المدركات الحسية والاستقراء التي أخذها بيكون من الفكر الإسلامي.
ويعد هذا خطة بعد إعلان الشيخ مصطفى عبد الرازق إن الإسلامية لا تبدأ بأرسطو أو أفلاطون وإنما تبدأ بالإمام الشافعي وعلم أصول الفقه الذي وضع مقرراته.
###15### الخامس عشر: أصالة الفكر الإسلام في تأكيد مصدر (الإمام الغزالي في كتاب المنقذ من الضلال الذي هدى "ديكارت" إلى منهج الشك على النحو الذي رسمه الإمام الغزالي في كتابه):
ولقد وجدت نسخة من كتاب المنقذ من الضلال مترجمة إلى اللغة الفرنسية في مكتبة ديكارت في المكتبة الوطنية في باريس وقد أشار في الهامش إلى النص وكتب (بنقل هذا إلى كتابنا: مقال عن المنهج) وقد نقل هذا العلامة عثمان الكعان المؤرخ التونسي الذي رأى بنفسه هذه الإشارة في نسخة ديكارت وهذا ما فات أمثال طه حسين وغيره عندما نقلوا نظرية ديكارت كأنها فكر جديد بينما هي مأخوذة من المسلمين.
السادس عشر: أصالة الفكر الإسلامي في إنشاء المنهج العلمي:
فقد أشار الدكتور محمد حسين هيكل في مقدمة كتابه حياة محمد بأنه اصطنع في كتابه المنهج العلمي الغربي في دعوى بأنه يدخل إلى الفكر الإسلامي الحديث عطاء لم يكن يعرفه المسلمون.
ولكن الإمام لمراغي رحمه الله وهو يقدم كتاب حياة محمد أشار إلى صحة هذه المقولة، فقال:
"إن المنهج الجديد ليس بجديد بل هو بض من كل سبق به القرآن الكريم دستور الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان وعمل به العلماء العرب في كل فنون العلم، وهي عناصر خطاب موجه للحاضر ###16### والمستقبل معًا باقتدار المنهج القرآني في إبلاغ الفكر الإسلامي أعلى مبالغة، وقال المستشار عبد الحميد الجندي معلقًا:
لقد آن للمسلمين أن يدركوا أن عندهم مفاتيح التقدم وأنهم يعملون به يستردون تقدمهم ولا يستوردونه".
السابع عشر: تكشفت أصالة الإسلام في الاعتراف بسبقه في مجال العلم والحضارة والكشف:
1) ابن خلدون سبق سميث وهيجل وغيرهم من فلاسفة الغرب في وضع أسس علمي الاجتماع والاقتصاد السياسي بأربعة قرون كاملة، فقد درس ابن خلدون الظواهر الاجتماعية على أساس علمي مستمد من القرآن الكريم وقرر إن الظواهر العمرانية في تزاحمها وتواليها تحكمها قوانين وكان وسيلته إلى ذلك الاستقراء والقياس.
2) المعري سبق دانتي في وصف الجنة والنار وقد جاءت الكوميديا الإلهية لدانتي متأثرة برسالة الغفران للمعري.
3) ابن مسكويه سبق دارون فقد ذكر ابن مسكويه في كتبه إن النباتات أسبق في الوجود من الحيوان وقد وردت لفظة (التطور) في الطبقات الكبرى للسبكي ومقدمة ابن خلدون وفي البدر الطالع للشوكاني.
###17### 4) الطرطوشي سبق ميكافيلي، في كتابه سراج الملوك الذي رسم منهج الحكم وذلك قبل ميكافيلي بخمسة قرون.
وقد اتضح للباحثين أن معظم مواد كتاب الطرطوشي قد نسقت في كتاب (الأمير) وأن أبوابًا كاملة قد ترجمت (مع ملاحظة اختلاف الوجهة بين الرجلين).
5) أعلن العلامة هنري عالم النبات الصيني في المؤتمر الحادي والسبعين بعد المائة للجمعية الشرقية الأمريكية (في أبريل 1961) إن الملاحين العرب قد عبروا الأطلنطي قبل كولومبس بثلاثة قرون، وقد جاء هذا الإعلان بعد أن أمضى زهاء ثمانية أعوام في تتبع انتشار السلع الزراعية والنباتية وأنواع الحيوان.
وقد استند هنري إلى وثائق مخطوطة في الصين يرجع عصرها إلى القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وقد ورد فيها اسم مدينة (مولان بي) على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية.
وقد أثبت بالوثائق إن العرب الذي قاموا قبل عام 1100 م من الطرف الغربي للعالم الإسلامي من ميناء الدار البيضاء على وجه التحديد ورسول في عدة مواضع على الساحل الأمريكي.(15/4)
###18### وفي عام 1922 ظهر كتاب في ثلاثة مجلدات لعالم لغوي في جامعة هارفارد اسمه ليودنير عنوانه "أفريقية وكشف أمريكا" أثبت مؤلفه فيه وجود كلمات عربية في لغات هنود أمريكا.
وقال إنه درس لغة هنود أمريكا كما دونها المرسلون اليسوعيون في عهد القائد الأسباني الذي فتح المكسيك فوجد فيها كثيرًا من الكلمات الإنجليزية والأسبانية والفرنسية والإنجليزية ووجد أقدم منها كلمات عربية ترجع أقدم هذه الكلمات إلى عام 1290 م أي قبل قرنين من وصول كولومبس إلى أمريكا.
6) كتاب المكفوفين:
وقد سبق الفكر الإسلامي في أولية كتاب المكفوفين وهي التي عرفت بالحروف البارزة وأطلق عليها من بعد طريقة بريل.
وقد عرف عدد من المخترعين هذه الطريقة في مقدمتهم علي بن أحمد بن يوسف المشهور بزين الدين الآمدي وقد سجل صلاح الدين خليل بين أيبك الصفدي في كتابه (نكت العيمان في نكت العميان) هذه الطريقة.
###19### 7) مقارنات الأديان:
قال هاملتون جب:
كل العرب أول من ألف في هذا الباب لأنهم كانوا واسعي الصدر تجاه العقائد الأخرى. فقد حاولوا أن يفهموها ويدحضوها بالحجج والبرهان، ثم إنهم اعترفوا بما أتى قبل الإسلام من ديانات توحيدية ويخطئ ابن حزم في هذا المجال بالنصيب الأوفر.
هذا وبالله التوفيق.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(15/5)
20 معجزة من القران الكريم
1- قال تعالى : ( ثٌمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاْءِ وَهِيَ دُخَاْنٌ ) فصلت 11 :
- أُلقِيَت هذه الآيات في المؤتمر العلمي للإعجاز القرآني الذي عقد في القاهرة و لما سمع البروفيسور الياباني ( يوشيدي كوزاي) تلك الآية نهض مندهشاً و قال لم يصل العلم و العلماء إلى هذه الحقيقة المذهلة إلا منذ عهد قريب بعد أن التَقَطِت كاميرات الأقمار الاصطناعية القوية صوراً و أفلاماً حية تظهر نجماً و هو يتكون من كتلة كبيرة من الدخان الكثيف القاتم ثم أردف قائلاً ( إن معلوماتنا السابقة قبل هذه الأفلام و الصور الحية كانت مبنية على نظريات خاطئة مفادها أن السماء كانت ضباباً ) و قال ( بهذا نكون قد أضفنا إلى معجزات القرآن معجزة جديدة مذهلة أكدت أن الذي أخبر عنها هو الله الذي خلق الكون قبل مليارات السنين ).
2- قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِيْنَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَوَاْتِ وَ الأَرْضَ كَاْنَتَاْ رَتْقَاً فَفَتَقْنَاْهُمَاْ ) الأنبياء 3 :
- لقد بلغ ذهول العلماء في مؤتمر الشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض 1979م ذروته عندما سمعوا الآية الكريمة و قالوا: حقاً لقد كان الكون في بدايته عبارة عن سحابة سديمية دخانية غازية هائلة متلاصقة ثم تحولت بالتدريج إلى ملايين الملايين من النجوم التي تملأ السماء . عندها صرح البروفيسور الأمريكي (بالمر) قائلاً إن ما قيل لا يمكن بحال من الأحوال أن ينسب إلى شخص مات قبل 1400 سنة لأنه لم يكن لديه تليسكوبات و لا سفن فضائية تساعد على اكتشاف هذه الحقائق فلا بد أن الذي أخبر محمداً هو الله و قد أعلن البروفيسور(بالمر) إسلامه في نهاية المؤتمر.
3- قال تعالى : ( وَ جَعَلْنَاْ مِنَ المَاْءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاْ يُؤْمِنُوْنَ ) الأنبياء30 :
- و قد أثبت العلم الحديث أن أي كائن حي يتكون من نسبة عالية من ا لماء و إذا فقد 25 بالمائة من مائه فإنه سيقضي نحبه لا محالة لأن جميع التفاعلات الكيماوية داخل خلايا أي كائن حي لا تتم إلا في وسط مائي. فمن أين لمحمد صلى الله عليه و سلم بهذه المعلومات الطبية؟؟
4- قال تعالى : ( وَ السَّمَاْءَ بَنَيْنَاْهَاْ بِأَيْدٍ وَ إِنَّا لَمُوْسِعُوْنَ ) الذاريات 47 :
- و قد أثبت العلم الحديث أن السماء تزداد سعة باستمرار فمن أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بهذه الحقيقة في تلك العصور المتخلفة؟ هل كان يملك تليسكوبات و أقماراً اصطناعية؟!! أم أنه وحي من عند الله خالق هذا الكون العظيم؟؟؟ أليس هذا دليلاً قاطعاً على أن هذا القرآن حق من الله ؟؟؟
5- قال تعالى : ( وَ الشَّمْسُ تَجْرِيْ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَاْ ذَلِكَ تَقْدِيْرٌ الْعَزِيْزِ الْعَلِيْمِ ) يس 38 :
- و قد أثبت العلم الحديث أن الشمس تسير بسرعة 43200 ميل في الساعة و بما أن المسافة بيننا و بين الشمس 92مليون ميل فإننا نراها ثابتة لا تتحرك و قد دهش بروفيسور أمريكي لدى سماعه تلك الآية القرآنية و قال إني لأجد صعوبة بالغة في تصور ذلك العلم القرآني الذي توصل إلى مثل هذه الحقائق العلمية التي لم نتمكن منها إلا منذ عهد قريب .
6- قال تعالى : ( وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجَاً كَأَنَّمَاْ يَصَّعَّدُ فِيْ السَّمَاْءِ ) الأنعام 125 :
- و الآن عندما تركب طائرة و تطير بك و تصعد في السماء بماذا تشعر؟ ألا تشعر بضيق في الصدر؟ فبرأيك من الذي أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بذلك قبل 1400 سنة؟ هل كان يملك مركبة فضائية خاصة به استطاع من خلالها أن يعرف هذه الظاهرة الفيزيائية؟ أم أنه وحي من الله تعالى؟؟؟
7- قال تعالى وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَاْرَ فَإِذَاْ هُمْ مُظْلِمُوْنَ ) يس 37 , و قال تعالى : ( وَ لَقَدْ زَيَّنَّاْ السَّمَاْءَ الدُّنْيَاْ بِمَصَاْبِيْحَ ) الملك 5 :
- حسبما تشير إليه الآيتان الكريمتان فإن الكون غارق في الظلام الداكن و إن كنا في وضح النهار على سطح الأرض ، و لقد شاهد العلماء الأرض و باقي الكواكب التابعة للمجموعة الشمسية مضاءة في وضح النهار بينما السموات من حولها غارقة في الظلام فمن كان يدري أيام محمد صلى الله عليه و سلم أن الظلام هو الحالة المهيمنة على الكون ؟ و أن هذه المجرات و النجوم ليست إلا مصابيح صغيرة واهنة لا تكاد تبدد ظلام الكون الدامس المحيط بها فبدت كالزينة و المصابيح لا أكثر؟ و عندما قُرِأَت هذه الآيات على مسمع احد العلماء الامريكيين بهت و ازداد إعجابه إعجاباً و دهشته دهشة بجلال و عظمة هذا القرآن و قال فيه لا يمكن أن يكون هذا القرآن إلا كلام مص مم هذا الكون ، العليم بأسراره و دقائقه.
8- قال تعالى : ( وَ جَعَلْنَاْ السَّمَاْءَ سَقْفَاً مَحْفُوْظَا ً) الأنبياء 32 :(16/1)
- و قد أثبت العلم الحديث وجود الغلاف الجوي المحيط بالأرض و الذي يحميها من الأشعة الشمسية الضارة و النيازك المدمرة فعندما تلامس هذه النيازك الغلاف الجوي للأرض فإنها تستعر بفعل احتكاكها به فتبدو لنا ليلاً على شكل كتل صغيرة مضيئة تهبط من السماء بسرعة كبيرة قدرت بحوالي 150 ميل في الثانية ثم تنطفئ بسرعة و تختفي و هذا ما نسميه بالشهب، فمن أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بأن السماء كالسقف تحفظ الأرض من النيازك و الأشعة الشمسية الضارة؟ أليس هذا من الأدلة القطعية على أن هذا القرآن من عند خالق هذا الكون العظيم؟؟؟
9- قال تعالى : ( وَ الْجِبَاْلَ أَوْتَاْدَاً ) النبأ 7 , و قال تعالى : ( وَ أَلْق َى فِيْ الأَرْضِ رَوَاْسِيَ أَنْ تَمِيْدَ بِكُمْ ) لقمان10 :
- بما أن قشرة الأرض و ما عليها من جبال و هضاب و صحاري تقوم فوق الأعماق السائلة و الرخوة المتحركة المعروفة باسم (طبقة السيما) فإن القشرة الأرضية و ما عليها ستميد و تتحرك باستمرار و سينجم عن حركتها تشققات و زلازل هائلة تدمر كل شيء .. و لكن شيئاً من هذا لم يحدث.. فما السبب ؟
- لقد تبين منذ عهد قريب أن ثلثي أي جبل مغروس في أعماق الأرض و في (طبقة السيما) و ثلثه فقط بارز فوق سطح الأرض لذا فقد شبه الله تعالى الجبال بالأوتاد التي تمسك الخيمة بالأرض كما في الآية السابقة ، و قد أُلقِيَت هذه الآيات في مؤتمر الشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض عام 1979 و قد ذهل البروفيسور الأمريكي (بالمر) و العالم الجيولوجي الياباني (سياردو) و قالا ليس من المعقول بشكل من الأشكال أن يكون هذا كلام بشر و خاصة أنه قيل قبل 1400 سنة لأننا لم نتوصل إلى هذه الحقائق العلمية إلا بعد دراسات مستفيضة مستعينين بتكنولوجيا القرن العشرين التي لم تكن موجودة في عصر ساد فيه الجهل و التخلف كافة أنحاء الأرض) كما حضر النقاش العالم (فرانك بريس) مستشار الرئيس الأمريكي (كارتر) و المتخصص في علوم الجيولوجيا و البحار و قال مندهشاً لا يمكن لمحمد أن يلم بهذه المعلومات و لا بد أن الذي لقنه إياها هو خالق هذا الكون ، العليم بأسراره و قوانينه و تصميماته ) .
10- قال تعالى : ( وَ تَرَى الْجِبَاْلَ تَحْسَبُهَاْ جَاْمِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاْبِ صُنْعَ اللهِ الَّذِيْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) النمل 88 :
- كلنا يعلم أن الجبال ثابتات في مكانها ، و لكننا لو ارتفعنا عن الأرض بعيداً عن جاذبيتها و غلافها الجوي فإننا سنرى الأرض تدور بسرعة هائلة (100ميل في الساعة) و عندها سنرى الجبال و كأنها تسير سير السحاب أي أن حركتها ليست ذاتية بل مرتبطة بحركة الأرض تماماً كالسحاب الذي لا يتحرك بنفسه بل تدفعه الرياح ، و هذا دليل على حركة الأرض ،فمن أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بهذا ؟ أليس الله ؟؟
11- قال تعالى : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَاْنِ*بَيْنَهُمَاْ بَرْزَخٌ لاْ يَبْغِيَاْنِ ) الرحمن : 19-20 :
- لقد تبين من خلال الدراسات الحديثة أن لكل بحر صفاته الخاصة به و التي تميزه عن غيره من البحار كشدة الملوحة و الوزن الن وعي للماء حتى لونه الذي يتغير من مكان إلى آخر بسبب التفاوت في درجة الحرارة و العمق و عوامل أخرى ، و الأغرب من هذا اكتشاف الخط الأبيض الدقيق الذي يرتسم نتيجة التقاء مياه بحرين ببعضهما و هذا تماماً ما ذكر في الآيتين السابقتين ، و عندما نوقش هذا النص القرآني مع عالم البحار الأمريكي البروفيسور (هيل) و كذلك العالم الجيولوجي الألماني (شرايدر) أجابا قائلين أن هذا العلم إلهي مئة بالمئة و به إعجاز بيّن و أنه من المستحيل على إنسان أمي بسيط كمحمد أن يلم بهذا العلم في عصور ساد فيها التخلف و الجهل .
12 - قال تعالى : ( وَ أَرْسَلْنَاْ الرِّيَاْحَ لَوَاْقِحَ ) سورة الحجر 22 :
- و هذا ما أثبته العلم الحديث إذ أن من فوائد الرياح أنها تحمل حبات الطلع لتلقيح الأزهار التي ستصبح فيما بعد ثماراً، فمن أخبر محمداً صلى الله عليه و سلم بأن الرياح تقوم بتلقيح الأزهار؟ أليس هذا من الأدلة التي تؤكد أن هذا القرآن كلام الله ؟؟؟
13- قال تعالى : ( كُلَّمَاْ نَضَجَتْ جُلُوْدُهُمْ بَدَّلْنَاْهُمْ جُلُوْدَاً غَيْرَهَاْ لِيَذُوْقُواْ الْعَذَاْبَ ) النساء 56 :
- و قد أثبت العلم الحديث أن الجسيمات الحسية المختصة بالألم و الحرارة تكون موجودة في طبقة الجلد وحدها، و مع أن الجلد سيحترق مع ما تحته من العضلات و غيرها إلا أن القرآن لم يذكرها لأن الشعور بالألم تختص به طبقة الجلد وحدها. فمن أخبر محمداً بهذه المعلومة الطبية؟ أليس الله ؟؟(16/2)
14- قال تعالى : ( أَوْ كَظُلُمَاْتٍ فِيْ بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاْهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَاْبٌ ظُلُمَاْتٌ بَعْضُهَاْ فَوْقَ بَعْضٍ إِذَاْ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكُدْ يَرَاْهَاْ وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوْرَاً فَمَاْلَهُ مِنْ نُّوْرٍ ) النور40 :
- لم يكن بإمكان الإنسان القديم أن يغوص أكثر من 15 متر لأنه كان عاجزاً عن البقاء بدون تنفس أكثر من دقيقتين و لأن عروق جسمه ستنفجر من ضغط الماء و بعد أن توفرت الغواصات في القرن العشرين تبين للعلماء أن قيعان البحار شديدة الظلمة كما اكتشفوا أن لكل بحر لجي طبقتين من المياه، الأولى عميقة و هي شديدة الظلمة و يغطيها موج شديد متحرك و طبقة أخرى سطحية و هي مظلمة أيضاً و تغطيها الأمواج التي نراها على سطح البحر، و قد دهش العالم الأمريكي (هيل) من عظمة هذا القرآن و زادت دهشته عندما نوقش معه الإعجاز الموجود في الشطر الثاني من الآية قال تعالى : ( سَحَاْبٌ ظُلُمَاْتٌ بَعْضُهَاْ فَوْقَ بَعْضٍ إِذَاْ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكُدْ يَرَاْهَاْ ) و قال إن مثل هذا السحاب لم تشهده الجزيرة العربية المشرقة أبداً و هذه الحالة الجوية لا تحدث إلا في شمال أمريكا و روسيا و الدول الاسكندنافية القريبة من القطب و التي لم تكن مكتشفة أيام محمد صلى الله عليه و سلم و لا بد أن يكون هذا القرآن كلام الله .
15- قال تعالى : ( غُلِبَتِ الرُّوْمُ*فِيْ أَدْنَى الأَرْضِ ) الروم 2-3 :
- أدنى الأرض : البقعة الأكثر انخفاضاً على سطح الأرض و قد غُلِبَت الروم في فلسطين قرب البحر الميت, ولما نوقشت هذه الآية مع العالم الجيولوجي الشهير (بالمر) في المؤتمر العلمي الدولي الذي أقيم في الرياض عام 1979 أنكر هذا الأمر فوراً و أعلن للملأ أن هناك أماكن عديدة على سطح الأرض أكثر انخفاضاً فسأله العلماء أن يتأكد من معلوماته، و من مراجعة مخططانه الجغرافية فوجئ العالم (بالمر) بخريطة من خرائطه تبين تضاريس فلسطين و قد رسم عليها سهم غليظ يشير إلى منطقة البحر الميت و قد كتب عند قمته (أخفض منطقة على سطح الأرض) فدهش البروفيسور و أعلن إعجابه و تقديره و أكد أن هذا القرآن لا بد أن يكون كلام الله .
16- قال تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِيْ بُطُوْنِ أُمَّهَاْتِكُمْ خَلْقَاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِيْ ظُلُمَاْتٍ ثَلاْثٍ ) الزمر 6 :
- لم يكن محمد طبيباً ، و لم يتسن له تشريح سيدة حامل ، و لم يتلقى دروساً في علم التشريح و الأجنة ، بل و لم هذا العلم معروفاً قبل القرن التاسع عشر ، إن معنى الآية واضح تماماً وقد أثبت العلم الحديث أن هناك ثلاثة أغشية تحيط بالجنين و هي:
- أولاً : الأغشية الملتصقة التي تحيط بالجنين و تتألف من الغشاء الذي تتكون منه بطانة الرحم و الغشاء المشيمي و الغشاء السلي و هذه الأغشية الثلاث تشكل الظلمة الأولى لالتصاقها ببعضها.
- ثانياً : جدار الرحم و هو الظلمة الثانية.ثالثاً:جدار البطن و هو الظلمة الثالثة . فمن أين لمحمد محمد صلى الله عليه و سلم بهذه المعلومات الطبية؟؟؟
17- قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِيْ سَحَاْبَاً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاْمَاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاْلِهِ وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاْءِ مِنْ جِبَاْلٍ فِيْهَاْ مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيْبُ بِهِ مَنْ يَشَاْءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاْءُ يَكَاْدُ سَنَاْ بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَاْرِ ) النور 43 :
- يقول العلماء : يبدأ تكون السحب الركامية بعدة خلايا قليلة كنتف القطن تدفعها الرياح لتدمج بعضها في بعض مشكلة سحابة عملاقة كالجبل يصل ارتفاعها إلى 45ألف قدم و تكون قمة السحابة شديدة البرودة بالنسبة إلى قاعدتها، و بسبب هذا الاختلاف في درجات الحرارة تنشأ دوامات تؤدي إلى تشكل حبات البرد في ذروة السحابة الجبلية الشكل كم تؤدي إلى حدوث تفريغات كهربائية تطلق شرارات باهرة الضوء تصيب الطيارين في صفحة السماء بما يسمى (بالعمى المؤقت) و هذا ما وصفته الآية تماماً. فهل لمحمد صلى الله عليه و سلم أن يأتي بهذه المعلومات الدقيقة من عنده؟؟؟
18- قال تعالى : ( وَ لَبِثُواْ فِيْ كَهْفِهِمْ ثَلاْثَ مِائَةٍ سِنِيْنَ وَ ازْدَاْدُواْ تِسْعَاً ) الكهف 25 :
- المقصود في الآية أن أصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم 300 سنة شمسية و 309 سنة قمرية، و قد تأكد لعلماء الرياضيات أن السنة الشمسية أطول من السنة القمرية بـ 11يوماً، فإذا ضربنا الـ 11يوماً بـ 300 سنة يكون الناتج 3300 و بتقسيم هذا الرقم على عدد أيام السنة (365) يصبح الناتج 9 سنين. فهل كان بإمكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يعرف مدة مكوث أهل الكهف بالتقويم القمري و الشمسي ؟؟؟(16/3)
19- قال تعالى وَ إِنْ يَسْلُبُهُمُ الذُّبَاْبُ شَيْئَاً لاْ يَسْتَنْفِذُوْهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّاْلِبُ وَ المطْلُوْبُ) الحج 73 :
- و قد أثبت العلم الحديث وجود إفرازات عند الذباب بحيث تحول ما تلتقطه إلى مواد مغايرة تماماً لما التقطته لذا فنحن لا نستطيع معرفة حقيقة المادة التي التقطتها و بالتالي لا نستطيع استنفاذ هذا المادة منها أبداً. فمن أخبر محمداً بهذا أيضاً؟أليس الله عز وجل العالم بدقائق الأمور هو الذي أخبره؟
20- قال تعالى : ( وَ لَقَدْ خَلَقْنَاْ الإِنْسَاْنَ مِنْ سُلاْلَةٍ مِنْ طِيْنٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاْهُ نُطْفَةً فِيْ قَرَاْرٍ مَكِيْنٍ*ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَاْ الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَاْ الْمُضْغَةَ عِظَاْمَاً فَكَسَوْنَاْ الْعِظَاْمَ لَحْمَاً ثُمَّ أَنْشَأْنَاْهُ خَلْقَاً آخَرَ فَتَبَاْرَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَاْلِقِيْنَ ) المؤمنون 11-13 ,
و قال تعالى : ( يَاْ أَيُّهَاْ النَّاْسُ إِنْ كُنْتُمْ فِيْ رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّاْ خَلَقْنَاْكُمْ مِنْ تُرَاْبٍ ثُمَّ مِنْ نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِن ْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) الحج 5 :(16/4)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
21
الأدب
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
الطبعة الأولى
1402 هـ - 1982 م
###3### الأدب
إن خصائص الأدب العربي التي تميزه عن الآداب العالمية المختلفة في الشرق والغرب ترجع إلى البيئة التي نشأ فيها، والمفكر الذي تشكل في إطاره، والتحديات التي واجهته في طريق مساره الطويل، وقد نشأ الأدب العربي في الجزيرة العربية إلى قرون عديدة سبقت الإسلام، وصاغته مقومات دعوة التوحيد الأولى "الحنيفية" حين قام هذا المجتمع الجديد في قلب الجزيرة بجوار بيت الله الحرام، فجمع بين جنوب الجزيرة وشمالها ووسطها، وصهرها جميعًا في ذلك البناء الذي أقامه الإسلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم حفيد إبراهيم وإسماعيل، ولا ريب أن الإسلام هو الذي أعطى العرب كيانهم الاجتماعي، والقرآن هو الذي صاغ لهم منهج الأدب العربي، ولقد كان قبل الإسلام شعر وأدب وأسواق، ###4### وكان الشعر ديوان العرب ومجموعات من سجع الكهان، غير أن صورة الأدب في معالمه الأصيلة، إنما وضحت بعد نزول القرآن الذي كان العامل الأعظم في بناء الأدب، وظهور فنونه وعلومه ومناهجه، والذي أغنى اللغة العربية بالأساليب والمضامين، ولا ريب أن اللغة العربية سابقة على الإسلام، وهي عماد وجود الأمة العربية، وهي لغة تطورت، ونمت خلال مئات السنين حتى وصلت إلى صورتها التي عرفت بها قبيل الإسلام، وإن ظلت لها لهجاتها المتعددة، فلما نزل القرآن انصهرت اللغة العربية في لهجة واحدة، ثم كان أن أعطاها القرآن – كما أعطى الأدب العربي – هذا البيان المعجز الفائق – الذي فهمه العرب، وأعجبوا به، وعجزوا في نفس الوقت عن الإتيان بمثله. ولقد كان لميراث النبوة في إسماعيل: جد العرب، وبقايا الحنيفية "دين إبراهيم" قيم خالطت النفس العربية، قامت على الأريحية والمروءة، وإن أصابها كثير من فساد عادات الثأر، ووأد البنات، والشرك وعبادة الأصنام، والاستعلاء والتفاخر، فلما جاء الإسلام حرر هذه النفس العربية من جاهليتها، وصاغ كثيرًا من طوابعها صياغة جديدة، وحول أهداف الكرم وحماية الذمار والنجدة، فأعطاها مفهومًا متجددًا هو مفهوم التوحيد ###5### الأصيل، واستبقى قدرتها على المجالدة والحمية، ووجه ذلك كله إلى هدف أسمى تحت لواء عقيدة التوحيد الخالص، وبذلك محا درن الجاهلية، وحرر قيمها التي كانت عماد القوة الكبرى التي اندفعت في الأرض ترفع راية الإسلام، وتعلن اسمه، وتمد نفوذه من حدود الصين إلى حدود فرنسا، كل هذه العوامل أعطت أدب اللغة العربية ذاتية خاصة، وطبعته على نحو خاص يختلف به عن أدب الأمم الأخرى، وظهرت فنون لم توجد في الآداب الأخرى، واختفت منه فنون توجد في الآداب الأخرى، وظهور تلك الفنون واختفاء تلك الأخرى منه لا ينقص من قدره، ما دام يصدر عن أعماق روحه الطبيعية ومقوماته الخالصة، ومن هنا فإن هذا الأدب لا يمكن أن يدرس في ضوء مناهج وضعت لآداب أخرى، ذلك أن أساليب النقد والبحث إنما توضع للآداب بعد ظهورها، ولذلك فهي مستمدة منها وليس العكس.
إن مذاهب الأدب التي يحاول النقاد محاكمة الأدب العربي إليها، هي في جملتها مذاهب غربية، وضعت مسمياتها ومناهجها بعد قيام ظواهرها في الآداب الأوروبية، وهي في الحق ليست مذاهب، وإنما هي أسماء عصور: كالكلاسيكية والرومانسية وغيرهما، وهي تتصل في مجموعها ###6### بتاريخ الأمم التي وضعت هذه المذاهب، فلماذا تنقل لتكون قوانين يخضع لها أدبنا الذي يختلف من حيث تكوينه وطابعه وتاريخه، وبيئته ومظاهر حياته عن هذه الآداب؟ إن اختلاف المصادر والمنابع بين الأدب العربي والآداب الغربية يجعل من العسير خضوع الأدبين لمقاييس واحدة، أو لقوانين واحدة، والمعروف أن الآداب الغربية جميعًا تستمد مصادرها من الأدب الهليني والفلسفة اليونانية، والحضارة الرومانية، فقد اتجه الأدب الأوروبي الحديث منذ أول ظهوره في عصر النهضة إلى هذه المنابع، وربط نفسه بها، وجعلها أساسًا ثابتًا لمختلف وجهات نظره ومفاهيمه وقيمه، كما اتخذ من النظريات التي قدمها أرسطو في الأدب والنقد والشعر وغيره أساسًا له.
ولا ريب أن الأسس التي يقوم عليها الأدب الغربي بمختلف فنونه وبيئاته، تختلف اختلافًا واضحًا عن الأسس التي يقوم عليها الأدب العربي الذي استمد مصدره أساسًا من القرآن الكريم، والإسلام والقيم العربية الأصيلة التي تلاقت مع مفاهيم الإسلام، وانصهرت معها.(17/1)
2- أما الفكر الذي تشكل الأدب العربي في إطاره، فهو القرآن، وأداته اللغة العربية، ويقوم هذا الفكر على ###7### أساس التوحيد الخالص. فقاعدة الإسلام الأزلية هي الاعتقاد بوجود الله الواحد الذي لا يتغير بتغير الزمان والمكان، فالله – سبحانه وتعالى – هو خالق الكون، وهو الذي يمسك هذا النظام المترابط في كل لحظة بحيث لو تخلى عنه لتلاشى وانتهى، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، وهذا المفهوم هو الأساس في الأدب العربي، والإنسان في نظر الإسلام مستخلف في الأرض، وله طبيعته الجامعة بين الروح والجسد، والعقل والقلب، وله رغباته المادية وأشواقه الروحية، وله إرادته ومسؤوليته، ولما كان القرآن هو المصدر الأصيل للفكر الإسلامي، فهو المثل الأعلى للأدب العربي. ولا ريب أن تأثير القرآن في هذا الأدب لا ينقطع لأنه متصل بالأداء والمضمون معًا حيث يستمد الأدب العربي أصوله من الإسلام والقرآن الكريم، وفي مقدمتها: الأصالة والصدق، والوضوح والإيمان، والتفاؤل والأخلاقية، والتكامل، والالتزام والمسئولية، والحرية ذا الضوابط وثبات القيم وترابط الفردية والاجتماعية والتوحيد والتجريب والفطرة، وقوامة الرجل، وتكامل المعرفة وترابط العروبة بالإسلام والطابع الإنساني.
3- من خلال دراسة الأصول التي استمد الأدب ###8### العربي منها وجوده تظهر جليًا وجه الخلاف والتباين بين الأدب العربي والآداب الغربية وخاصة في أربع مواقع هامة:
أولا: تفسيرات العقائد.
ثانيًا: طبيعة البلاد.
ثالثًا: موروثات الهلينية والفكر اليوناني.
رابعًا: الآثار الخطيرة التي حققتها سيطرة الفكرة التلمودية على الفكر الغربي كله في العصر الحديث.
ومن هنا نجد الخلاف عميقًا في العقائد والثقافة ومناهج البحث والطبيعة النفسية، والطبيعة الجغرافية جميعًا، ولهذا الخلاف أبعد الأثر في مفهوم الأدبين، ذلك أن أبرز طوابع الفكر الغربي "الأدب الغربي بالتبعية" هو تجزئة الأمور لا تكاملها "فهي تفهم شيئًا واحدًا، وترى الآخر عكسه أو ضده، وهي تفصل بين الأشياء فصل العداوة أو المخالفة أو التعارض، ولا تستطيع أن تقبل المواءمة أو المصالحة؛ أو الالتقاء أو التكامل على النحو الذي يمثل طبيعة واضحة للفكر العربي الإسلامي، وحين يستمد الأدب العربي مقوماته من التوحيد، يستمد الأدب الأوروبي مقوماته من أشياء أخرى يكاد الدين الغربي أن يكون عنصرًا فيها، ###9### ولكن أبرز المقومات هي الوثنية الهلينية والأدب الجنسي الصريح.
4- واجه الأدب العربي عددًا من النظريات الوافدة في مجال النقد الأدبي، قدمها بعض الأدباء في نطاق الدعوة إلى تجديد الأدب العربي، وقد خالفت هذه النظريات منطلق الأدب العربي وجذوره، وعارضت ذاتيته الإسلامية العربية الخالصة، واصطدمت مع مزاجه النفسي والعقلي، ومن هنا فقد سقطت واحدة بعد أخرى، ولم تجد مجالا للعمل والنماء والتشكل مع الأدب العربي ذلك أن هذه النظريات في أصولها قد انطلقت من طوابع الآداب الأوروبية وذاتيتها، وتشكلت وفق مضامين تلك الآداب، واعتمدت أساسًا على النظريات التي بدأت في دائرة العلم الطبيعي، ثم فرضت نفسها على الفلسفات والآداب، وهي النظريات التي اعتبرت الإنسان حيوانًا خاضعًا لظروف البيئة خضوع مختلف الأشياء لها، وهي نظرية مادية خالصة لا تتفق مع روح الأدب العربي الذي يقوم على أساس ترابط واضح بين المادية والروحية، وبين العقل والقلب، والتي تعتمد قاعدة التوحيد الإسلامية أساسًا لمنطقها.(17/2)
###10### ويقوم منهج النقد الأدبي العربي الحديث الذي فرضه بعض الأدباء بعد الحرب العالمية الأولى على الأدب العربي على أساس مادي خالص، فهو مبني على أساس النظريات التي استمدت مناهجها من نظرية دارون عن التطور وأصل الإنسان: هذه النظرية التي قامت في دائرة العلم الطبيعي، ثم نقلها الفيلسوف هربرت سبنسر إلى مجال المجتمع، فطبقها على مبادئ الأخلاق، ثم جاء "برونتير" الناقد الفرنسي، فطبقها على الأجناس الأدبية، هذا فضلا عن أن المفاهيم التي اعتمد عليها دعاة المذهب الغربي في النقد الأدبي، إنما استمدوها من برونتير هذا، ومن تين وسانت بيف، وهم يرون أن الإنسان ما هو إلا أثر من آثار البيئة بمعناها الاجتماعي الواسع، وأنه لا يكاد يفترق عن النبات والحيوان في انتفاء الحول وانعدام الإرادة، وما يتصل بهذا من أن الفضيلة والرذيلة ليستا إلى حد كبير إلا نتاجًا لعملية تلقائية مثل الأحماض والقلويات، فضلا عما ترتبط هذه النظرة جميعها به من أثر نظرية النشوء والارتقاء من حيث إنزال الإنسان من مكان البطولة إلى مكان الحيوان الذي يعيش تحت رحمة القوى المحيطة به، وقد نمى هذه النظريات الباحث الفرنسي دروكايم في مفاهيمه التي تلقاها بعض أدبائنا هؤلاء ###11### في جامعة السوربون، وجعلوا من هذا الخليط كله أساسًا لنظريتهم في النقد الأدبي التي جرى تطبيقها على المتنبي وابن خلدون والمعري، ثم جرى تطبيقها على الشعر الجاهلي، وعلى أدب القرن الثاني للهجرة، وكان لها ذلك الأثر العميق من التضارب الذي أصاب القيم الإنسانية للأدب العربي والفكر الإسلامي والثقافة، والتي ذهب الباحثون في تعقب آثارها فلم يصلوا إلى هذا المعنى إلا منذ وقت قريب حين تبين محاولة إخضاع الأدب للمنهجين الاجتماعي الذي رسمه دوركايم والذي يعترف بأن الإنسان حيوان اجتماعي وأن مختلف قيم المجتمع ليست أصيلة فيه، والمنهج النفسي الذي التقطه الأدباء من نظرية فرويد، والذي يرى أن الإنسان عبد لشهواته، وأن الجنس هو المحرك الأول لكل تصرفاته.
وقد غلب المذهب الاجتماعي على دراسات الأدب والتاريخ، وغلب المذهب النفسي على دراسات التراجم والشعر ومن هنا ظهرت تلك الآراء الغريبة التي تمسك بها بعض الأدباء، والتي لا تتفق من قريب أو بعيد مع مفاهيم الفكر الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية، ومن ذلك ما قاله الدكتور طه حسين من أن "الدين نبت من الأرض ولم ينزل من السماء" وقوله: "إن العالم الحقيقي هو الذي ينظر إلى ###12### الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى اللباس من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة، ومن هنا نصل إلى أن الدين في نظر العلم لم ينزل من السماء، ولم يهبط به الوحي، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها" اهـ.
والواقع أن قائل هذا كان يردد صيحة معروفة في الغرب على أيدي العلماء اليهود تلاميذ وأحفاد بروتوكولات صهيون، وأن العلم الذي يشير إليه ليس هو العلم بمعناه الحقيقي، وإنما هي الفلسفة المادية، ومدرسة العلوم الاجتماعية، والتحليل النفسي، وكلها تقوم على مصدر مادي خالص، ولا تعترف بأن الإنسان روح ومادة، ولا ريب أن هذه الآراء واحدة، وأن الدكتور طه لم يبتكرها، ولم يصل إليها بعد بحث، ولكنه تعلمها من دوركايم وغيره من الكتَّاب الغربيين الذين أرادوا أن يتحركوا بمفاهيمهم هذه من خلال الفكر الغربي من الفلسفة المثالية التي كانت سائدة إلى الفلسفة المادية الخالصة.
أما الأدب العربي والفكر الإسلامي، فليس له مع هذه القضية أو هذه الأزمة صلة ما، ولذلك فإن من الظلم البين أن ينقل مجال المعركة إلى الأدب العربي بغير حاجة إليها إلا ###13### حاجة واحدة في نفس يعقوب، هي محاولة تغريب الأدب العربي وعزله عن ذاتيته الخاصة ومقوماته وأرضيته.
وفي نفس مجال الادعاء بأن هناك صراع، بين الدين والعلم، فإن الأمر يبدو مضللا، فليس بين العلم والدين خصومة حقيقة فضلا عن أنه ليس بين الإسلام والعلم خصومة ما، والنظريات العلمية لم تثبت تناقضًا بين العلم والدين.(17/3)
5- وقد عارض كثير من الباحثين هذا المنهج الوافد في نقد الأدب العربي، وقال الدكتور حلمي علي مرزوق في كتابه "تطور النقد": إن المنهج العلمي في البحث الذي ينقد به طه حسين الأدب العربي لا يصلح استخدامه إلا في مجال الوقائع العلمية التي يدرسها العلماء كأصول الدراسة الكيميائية والطبيعية، وما إليها حيث لا يدخل في مجال الوقائع العلمية معارف الشعوب، ولا يستطيع العلم أن يستقل بالبحث في هذا الموضوع لأنه أدخل في مجال الرأي، ويهول طه حسين في المنهج الاجتماعي الذي ينظر إلى الإنسان على أنه حيوان اجتماعي، ومن هنا يعول على دراسة البيئة والعصر، ولا يدرس البواعث النفسية للأديب التي تحفزه إلى نوع من السلوك دون آخر، وقد فرق الأستاذ محمد أحمد الغمراوي ###14### بين مناهج الأدب ومناهج العلم في مناقشته لهذه النظرية فقال: أما العلم فإنه ميدان العقل ومتاعه، وهو لا وطن ولا قومية له، كما أن العقل لا قومية له ولا وطن، فقوانين التفكير واحدة وسبل العقل واحدة في العالمين، ثم أنت لا تشعر أثناء تلقي العلم من أجنبي أنك تتلقى شيئًا خاصًا بجنس من البشر دون جنس، أو بقوم دون قوم، ولكن تتلقى شيئًا من البشر مشتركًا، أو ينبغي أن يكون مشتركًا بين الناس أجمعين اشتراك العقل بينهم، وليس الأدب كذلك، فبينما أنت في العلم لا تجد علمًا ألمانيًا ولا علمًا فرنسيًا، ولكن علمًا واحدًا إذ تجد الأدب متعددًا بتعدد الأمم، لكل أمة أدبها كما لكل أمة لغتها، وتجد أدب كل أمة مطبوعًا بطابعها طبعًا لا خفاء فيه، أو هكذا هو إذا استقلت الأمة بأدبها، ونسجت لنفسها بردًا من روحها وتاريخها وتقاليدها وعادتها ودينها، بدلا من أن تلتف بشق من برد غيرها، لا تجد فيه دفئًا ولا قوة ولا جمالا، وقد وجد هذا المذهب في النقد الأدبي معارضة تستمد قوتها من معارضته للذوق العربي ومضادته لذاتية الأدب العربي التي تعتبر الإنسان سيد الكائنات، وتعلي من قدر عقله ووجدانه، وتحاكمه إلى مقاييس تختلف اختلافًا كبيرًا عن المقاييس المادية التي تراه حيوانًا أو خاضعًا للجنس.
###15### وقد سقطت نظرية خضوع الأدب للمذهب الاجتماعي والمذهب النفسي على السواء، وتبين فساد الرأي الذي أعلنه طه حسين في العشرينات من هذا القرن حين قال: إنه يريد أن يدرس الأدب كما يدرس صاحب العلم الطبيعي علم الحيوان وعلم النبات.
6- كذلك هناك خلاف عميق حول أخلاقية الأدب، فقد كان من أبرز ما دعا إليه المذهب الغربي في الأدب، هو تحرير الأدب من طابع الأخلاق، ودفعه إلى تصوير الغرائز والأهواء في غير ما قيد، وذلك باسم "حرية الأدب" التي أطلق عليها مصطلح "الفن للفن" ولقد بدأ هذا الاتجاه بظواهر ثلاث:
1- الإفاضة في الحديث عن حياة بشار وأبي نواس وغيرهم من شعراء الإباحة في العصر العباسي، ونشر الجوانب الشاذة من أحاديثهم وأسمارهم على النحو الذي كتبه طه حسين في "حديث الأربعاء".
2- ترجمة القصة الفرنسية الإباحية والكشف عن جوانب الصراع الحسي في العلاقات الشاذة بين الرجل والمرأة وترجمة أشعار بودلير وغيره من شعراء الأدب المكشوف.
###16### 3- الإذاعة بمذهب حرية الأدب والدعوة إليه والدفاع عنه وفق منهج له طابع علمي زائف بدعوى أنه منطلق إنساني أصيل.(17/4)
وقد استهدفت هذه الدعوة التي اتسع نطاقها، وقامت من أجلها المناظرات والمحاضرات، فضلا عن ذلك الفيض الضخم من القصص الفرنسية المكشوفة التي جرت ترجمتها وتقديمها بأسعار زهيدة وإلقاؤها بين أيدي الشباب والفتيات، والغمز لكل ما يتصل بالعقائد الدينية، والسخرية بالفضائل والبطولات والدعوة إلى الانطلاق بدون حرج، والجرأة على المقدسات، بل إن ذلك قد جرى تطبيقه في بيئات مختلفة، منها بيئة العلم الأساسية، ولقد لقيت نظرية حرية الأدب ومعارضة الأخلاق نقدًا واعتراضًا، مصدره تعارضها مع طابع الأدب العربي أصلا، وكشف الباحثون المنصفون عن أن حرية أبي نواس وبشار لم يكن مصدرها الأدب العربي أو مفاهيم الإسلام الاجتماعية، وإنما مصدرها تطلعاتهم الحسية وأهدافهم الشعوبية التي أرادوا إذاعتها والجهر بها لهدم مقومات الأدب العربي الأصيلة، وإعلاء مفاهيم المجوسية والإباحية التي تحرر منها الأدب ###17### العربي بعد الإسلام، ذلك أنه ليس في مفهوم الأدب العربي أصلا ما قاله طه حسين حين قال: "خسرت الأخلاق وربح الأدب" وقد واجه الدكتور حلمي رزق هذه النظرية حين قال: إن حرية الأدب لا جدال في إطلاقها، ولكن الخطأ في قصرها على عاطفة دون عاطفة، أو وجدان دون وجدان فضلا عن عاطفة الهوى ووجدان الشك والمجون، وأخطأ الخطأ أن يوحي إلينا طه حسين أن الأخلاق في مواضعات الحياة الجامدة كأنها وليدة الإرادة العمياء التي نادى بها شوبنهور فهي فرص مكررة أو إلزام أعمى تقتضي الحرب والإنكار؛ والقاعدة الأخلاقية ليست من قبيل المواضعات العمياء، ولا الضوابط الجامدة، وإنما شأوها شأو الفن، وليدة التجربة العميقة التي يقع بها صاحبها على الصلات الحقيقية بين الأشياء.
وشواهد الصلة بين الفن والأخلاق شائعة معلومة في تواريخ الأدب والفنون، ونراها ماثلة فيما يجري بيننا من شعر المتنبي وأمثال شكسبير على أن طه حسين حينما يصرف الأدباء عن الأخلاق إنما يقع في العيب الذي يأخذهم به، فهو يشتط في نفي الحجر على الشاعر، ويقع هو فيه وأي حجر أشد من الوقوف بالأخلاق والفضائل موقفًا بعيدًا عن الفن، فلا ###18### ينبغي للأديب أن يقربها، وإلا كان أدبه "قديمًا من قوارير" تصطلح عليه علل الكذب وإدواء الصنع، وتنتفي عنه سمات العصرية أو الأدب الحديث، أو الوجدان الديني، يعد شأنه في الأدب شأن غيره من الأحاسيس ومشاعر النفس، لا ينبذه ناقد ولا يكون له في قضية الحب نصيب على أنه سيظل ماثلا في الأذهان أن الحرية قد تقضي لا محالة إلى ما دعا إليه طه حسين من الخروج عن الأعراف والمواصفات، وتنتهي إلى التعبير الحر عن الأهواء والنزوات، وخلاصة القول: إن دعوى الاختلاف بين الفن والدين والأخلاق، نشأت من اتباع نظرية الفن للفن، ومرد الاختلاف إلى اعتبار الفن نوعًا من التعبير لا أزيد ولا أقل، فلا عبرة بالموضوع في ذاته، وإنما العبرة بمقتضيات التعبير، فالفنان لا حجر عليه في تصوير ما يشاء من المشاعر والأحاسيس، اتفقت ومواضعات الجماعة وأعراف الناس أم خرجت عليها، فالفن لا يخضع لغير قانون التعبير.
ومن هنا أيضًا نشأ التضارب، وسار عليه طه حسين فيما أسلفنا من القول: "خسرت الأخلاق وربح الأدب" وهو موقف يوحي به ظاهر المذهب، وعنه شاع هذا الخطأ حتى أصبح تبريرًا لكل تبذل مقصود، وحجة يسوقها أنصاف ###19### الفنانين بين أيدي الانحلال، يريدون أن يضفوا عليها ثوبًا من المشروعية الزائفة، ينفقونه في سوق الغباء الغني، فغاية المذهب الحقة تخليص الأدب من القيم الدخيلة عليه، ولم يكن قصاراه أن يقف من الأخلاق والدين موقف التناقض والحق أن نسبة مثل هذه النظرية إلى المفاهيم العلمية، إنما هو من قبيل تحصيل الحاصل، ذلك لأن الدعاة إلى هذه النظرية، وهم قد طبقوها فعلا في كتاباتهم، إنما كانوا يستهدفون غايات بعيدة أعمق أثرًا، ولذلك لم يكن انتسابهم إلى قواعد العلم والفن إلا محاولة لتبرير جوهم الاجتماعي الخاص الذي كانوا يعيشونه فعلا متحررين من قيود الخلق والدين، ذاهبين إلى أبعد حدود الانطلاق، ولم يكن من المعقول أن يمارسوا هذه الحرية، ثم يقفوا من الأدب موقفًا يخالف ما يعتقدون ويمارسون، ذلك أنهم كانوا قد قرؤوا عن بلزاك وجان جاك روسو وإسكندر ديماس، وما كانت تحويه حياتهم الخاصة من فساد ونزق، وكانوا يتطلعون إلى أن يكونوا كذلك هم، وشاعت بين الأدباء في هذه الفترة دعوة تقول ببوهيمية الأدباء، وأن من حق الأدباء مقارفة كل فنون الحياة ليتمكنوا بالتجربة من الحكم على ما يجدونه في الكتب ###20### والقصص، ومن هنا كانت تلك الدعوة إلى "لا أخلاقية الأدب" مظهرًا حقيقيًا وواضحًا وصريحًا في أدب الأدباء وحياتهم في هذه الفترة.(17/5)
والعلاقة بين الفن والدين علاقة واضحة، وفي الإسلام أوضح، فالفطرة كلها منشئها واحد هو الله سبحانه وتعالى، والعلم والدين كلاهما قد أجمعا على استحالة التناقض في الفطرة، فإذا كانت هذه الفنون من روح الفطرة، ووجب ألا تخالف أو تناقض دين الفطرة "دين الإسلام" في شيء، فإذا خالفت الفنون الدين في أصوله، ودعت صراحة، أو ضمنًا إلى رذيلة من أمهات الرذائل التي جاء الدين لدفعها عن الإنسان حتى يبلغ ما قدر له من الرقي في النفس والروح، إذا خالفت الفنون الدين في شيء من هذا أو في شيء غير هذا، فهي بالصورة التي تخالف بها الدين فنون باطلة، فنون جانبت الحق ودابرت الخير، وأخطأت الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فإذا كان من شأن بعض من يعمل أو يكتب باسم الفن أو الأدب أن يتجاوز في تأثيره ما سبق، فيحول بين الإنسان وبين ربه، ويدخل عليه الشك في دينه بأي صورة من الصور، ولأي حد من الحدود، كان ذلك البعض المعمول أو المكتوب باسم الفن أو ###21### باسم الأدب يعد زورًا أو إفكًا في الأدب والفن والدين على السواء، ولذلك كما يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: يجب أن ينزل الأدب والفن على حكم الدين وروحه، وعليهما يجري التطابق العام معه، وبذلك يتحقق لهما الاتحاد مع الفطرة في الصميم، والأدب المكشوف يصدم أول ما يصدم مقر الفضيلة في النفس، ويؤذي أول ما يؤذي حاسة الجمال النفسي في الإنسان، وهو في صميمه أدب غير جميل.
7- كذلك كان من أخطر ما قدمته مناهج النقد الأدبي الوافدة "أسلوب الشك" وهو أسلوب ماكر من أساليب الغزو الثقافي أريد به إدارة الأبحاث الأدبية والعلمية والتاريخية كلها في دائرة اللاأدرية والتشكيك والتهكم والسخرية بحيث يرى القارئ أنه إزاء جو مغرق من الاستهانة والاحتقار لكل ما يتناوله؛ ويقول الدكتور طه في بحث له العبارة الآتية: "أخضعت للشك – دون أن أمس الدين – بعض المعتقدات التي ورد ذكرها في القرآن وأحاديث الرسول" أي أسلوب من المكر والتضليل أبعد من هذا في حين يعترف بأنه أخضع بعض المعتقدات التي ورد ذكرها في القرآن للشك، وكيف أنه حين فعل ذلك لم يمس الدين الذي هو مصدر الاعتقاد، والذي هو منطلق كل ما ورد في القرآن، وقد سجل الكثير من الباحثين ###22### هذه الخاصية التي عمد إلى إذاعتها طه حسين في الأدب العربي كله حيث يقول عمر فروخ: إن أبرز معالم أدبه تردده بين المفهوم وغير المفهوم والمنحول والثابت، والممكن وغير الممكن، ولم تره في كتاب إلا داعية للشك، بل كان ينفي ما يثبت نفسه بنفسه، وهو يكتب: "لعل، ربما" ويقول رأيه على التأويل والدوران والتغير، فهو لا يقطع في شيء أبدًا، ولا يصف شيئًا بأنه أبيض أو أسود، ولقد خلط طه حسين بين الشك وبين المخرج من الشك، فجعل الشك القاعدة الأساسية.(17/6)
وكان من أخطر ما قدمه المنهج الوافد، هو فصل الأدب عن دائرة الأمة، وفصله عن دائرة الفكر، ذلك أن من أخطر النظريات التي حاولت حركة التغريب فرضها على الأدب العربي للقضاء على جوهره الأصيل وعزله عن طبيعته ومقوماته، هي نظرية استقلالية الأدب وانفصاله عن العناصر الأخرى المرتبطة به من أخلاق ومجتمع وتربية وسياسة وفق مفهوم الفكر الإسلامي الأساسي القائم على أن الفكر مركب، وكل من هذه عناصر، والأدب عنصر منها، وإذا كان الأدب الغربي قد انفصل، فإن الفكر الغربي يقوم على ###23### قاعدة الفصل بين العناصر، وإعطاء كل منها حق الحرية بينما لا يقر الفكر الإسلامي ذلك، ويرى فيه خطرًا على مجموعة القيم، وعلى الأمة، وعلى الأخلاق ومن نتاج هذا الفصل قيام النزعة الانشطارية في الفكر الغربي، واضطراب المجتمع حيث يعطي للأدب من الحرية ما يسمح له بأن يتجاوز ضوابط المجتمع أو حدود الأخلاق، لذلك قامت هذه الدعوة للفصل بين الأدب العربي ومقومات الفكر الإسلامي على أساس الادعاء بأن الإسلام ليس إلا دينًا روحيًا، وليس نظامًا اجتماعيًا كما في الواقع. وهو بهذا المعنى يتسم بالشمول والتكامل والترابط بين القيم المختلفة، ومن شأن هذا استحالة الفصل بين الأدب والدين، وبين الأخلاق والدين أو بين الأدب والتربية، ولا شك أن هذه الدعوة إنما كانت قد صيغت على نحو ماكر وخطير وبعيد المدى يهدف إلى إخراج الأدب العربي على ذاتيته ومقوماته وطبيعته وإغراقه في مفهوم غريب عنه يتيح لهؤلاء الدعاة حرية النقد، وإثارة الشبهات حول القرآن الكريم باعتباره نصًا أدبيًا، أو نصًا بيانيًا، وكذلك إطلاق حرية الأدب المكشوف وفنون الإباحة والإلحاد انطلاقها من الدعوة الباطلة التي تقول بأن الأدب ليس له أي ارتباط بالدين أو الأخلاق أو الأمة ولا شك أن كتاب "في ###24### الشعر الجاهلي" قد رسم أصول هذا المنهج الخطير المسموم، وما زال مفهوم هذا المنهج هو الأساس الذي يقوم عليه نقد الأدب العربي المعاصر والحديث، وإن أغلب الأدباء والكتَّاب قد اعتمدوا هذا المذهب في كتابة دراساتهم، فأطلقوا لأنفسهم حرية الكشف عن جوانب من التصوير للعاطفة الجنسية، وللنظريات الحرة دون تقيد بأي مقوم من مقومات الأدب العربي الأصيل المستمدة من القرآن التي تتحرك داخل إطار التوحيد، ومع ضوابط الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية، وحماية المجتمعات من أخطار الإلحاد والإباحة. كذلك كان من أخطر ما دعا إليه المنهج الوافد نتيجة لدعوى فصل الأدب عن الفكر، إعطاء الأدب حرية الحكم على أشياء كثيرة خارج نطاقه، فقد أخذ الأدباء في إصدار آراء حرة وجزئية مستمدة من نظريتهم الأدبية الواحدة في الحكم على التاريخ والعقائد، أو الأخلاق والدين، وقد تناولوها بدون قيد عليهم على أنها أدب، وحاكموها بمنهج الماديين، وأثاروا حولها شكوكًا خطيرة، وكان هذا تجاوزًا لوظيفة الأدب وخروجًا عن دائرة اختصاصه.
9- كذلك كان من أخطر ما أساء لمنهج النقد الأدبي الاعتماد على المصادر الزائفة، وأهمها كتب المحاضرات ###25### وروايات القصاص وكتابا: ألف ليلة وليلة، والأغاني، فقد اتخذت هذه الكتب التي كتبت أساسًا للتسلية وتزجية الفراغ، اتخذت مراجع يعتمد عليها خصوم المسلمين والعرب من أجل ترويج آراء كاذبة مضللة، ذلك لأن هذه المؤلفات لم يكتبها علماء موثوق بهم، ولم تكتب وفق أصول العلم والبحث، وإنما كتب للتسلية والترويح؛ وقصد بها جمع الفكاهات، والنكات، والأحاجي لإغراق المجتمعات بالأوهام والأباطيل، وقد ارتفع صوت العلماء المحققين في هذا العصر بالتحذير من هذه المصادر الزائفة التي تجمع أخبار الندماء والجلساء والمغنين والمضحكين؛ وقد ظلت هذه المؤلفات مجهولة ضائعة حتى جاء المستشرقون والمبشرون في العصور الأخيرة، فأعادوا طبعها، وأذاعوها في العالم، وأخرجوا أغلبها في طبعات فاخرة، وأوعزوا إلى تابعيهم من دعاة التغريب الإشارة إليها والإشادة بها، والنقل عنها واعتمادها مصدرًا من مصادر التأليف.
كذلك كان من أخطر ما أذيع في هذا الصدد ما أطلق عليه "رباعيات الخيام" وهي مجموعة من الشعر الفارسي المجهول النسب الإباحي الطابع الذي نسب كذبًا إلى الخيام ###26### لإثارة روح الإباحية والاستهتار بالحياة واحتقار القيم في المجتمع الإسلامي.(17/7)
10- حاول دعاة التغريب الترويج لأدب الجنس والتحلل، وذلك بالدعوة إلى أدب لورنس وأوسكار وايلد، وترجمة مجموعة من الأدب الغربي المكشوف، وذلك في محاولة إطلاق الغرائز من عقالها والكشف عن الحيرة والضياع، وكذلك في إحياء بشار وأبي نواس، مما عرف في عهود استعلاء الشعوبية والدعوات الباطنية الهدامة، وقد كان ذلك كله مخالفًا لروح المجتمع الإسلامي وطابعه الذي يقوم على العفاف والخلق، والقول الكريم دون الهجر وعلى الإشارة العابرة إلى الأمور المبتذلة دون الكشف والإفاضة في ضوء المحرمات الجنسية والميول المنحرفة، ولا شك أن الاتجاه إلى الكشف في الأدب هو طابع غربي له جذور إغريقية قديمة، وله طوابع متصلة كل الاتصال بالوثنية وعبادة الأجساد، وهو مما يرفضه الأدب العربي ويعارضه تمامًا.
11- كان من أخطر الدعوات التي طرحها المذهب الغربي في الأدب، فصل العصر الحديث عن تاريخ العرب والإسلام تحت اسم الأدب المصري أو السوري أو المغربي في محاولة مضللة، فإن الأدب هو أدب اللغة العربية أساسًا، ###27### وهو في عمومه امتداد للأدب العربي الذي صنعه الإسلام بنزول القرآن. وترمي هذه المحاولة أساسًا إلى عزل الأدب العربي عن فصاحة القرآن مما يترتب عليه العزوف عن الأنماط الأولى، والتماس الأساليب الغربية الحديثة، وهي أساليب وثنية وغربية ومتصلة بالتوراة في الأغلب، من شأنها أن تحجب الأساليب العربية الأصيلة، وتحول دون تذوق بلاغة القرآن المعجزة وفهمها، ولقد جرى الكثيرون على نقل استعارات اللغات الغربية، ولقد حاول رجال مدرسة المهجر إدخال أسلوب التوراة والعهد القديم إلى الأدب العربي كما فعل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني، ولقد سجل الدكتور محمد أحمد الغمراوي هذه الظاهرة حين أشار إلى أن صاحب كتاب "الشعر الجاهلي" – يقصد طه حسين – ومن لف لفه يسوقون الأدب العربي في غير طريقه، ويلبسونه ثوبًا من غير نسجه، وينسجون عليه نسجًا فرنسيًا، ويسوقونه في نفس الطريق التي ضل فيها الأدب الألماني قرنًا وبعض قرن، فضل عن نفسه، ولم يهتد حتى رده عن تلك الطريق أمثال هللر وهاجيدن وليسنج، فما هي تلك الطريق التي يسوقون فيها الأدب العربي إلا طريق الافتتان بالأدب الفرنسي خاصة والغرب عامة.
###28### 12- كذلك حاول المنهج الغربي الوافد أن يخضع الأدب العربي لأسلوب فصل العصور السياسية، وهو أسلوب عرفته الآداب الأوروبية، وربما كان يتفق مع طبيعتها وظروفها؛ ولكنه حين يطبق على الأدب العربي تأتي بنتائج غاية في الاضطراب والفساد، فالوحدات الأوروبية المتعددة المنفصلة كل منها عن الأخرى انفصالا سياسيًا وتاريخيًا ولغويًا من حيث استغلال كل منها بلغته الخاصة، قد اقتضى هذا المنهج خاصة بالنسبة للحدود الضيقة، ولأول عصر الانفصال عن اللغة اللاتينية، وهو لا يتجاوز ثلاثة قرون أو أربعة.
أما الأدب العربي المتصل في هذه البقعة على امتدادها، المترابط بين أجزائها إلى أكثر من أربعة عشر قرنًا، فإنه لا يتفق له مثل هذا المنهج؛ ومن شأن تطبيقه أن يعجز عن تحقيق أي نتائج علمية، ذلك أن الأدب العربي تميز بخاصتين عظيمتين باين فيهما آداب هذه الوحدات الأوروبية وغيرهما، فامتنع بتلك المباينة إمكان إخضاعه لما خضعت له من قانون، أما أحدها فما انبسط له من أوطان ترامت ما بين بلاد الغال في الغرب إلى تخوم الصين في الشرق، وأما الأخرى فطبيعته الخاصة ومناشئه وينابيعه الدافقة بما يمنحه من استقلال الشخصية وحماية وجودها بالصمود أمام الأعاصير، والقدرة ###29### على التأثير في مجاري أحداث الحياة؛ ولما كانت الأحداث تمضي متلاحقة ومتلازمة بالضرورة تلازم أجزاء الزمن الذي تحدث فيه، نشأ كل حدث، وهو منفعل بأسباب وعلل متقدمة، فما يكون في يومنا من حادث فلأحداث الأمس الدابر أثر في حدوثه، ومن شأن تقسيم الأدب إلى عصور أن يضيف إلى عهد لاحق نتاج عصر سابق، حمل في أعماقه كل عوامله ومؤثراته وخصائصه.
13- كذلك من أخطر ما واجه الأدب العربي محاولة التركيز على الأدب الحديث وتجاهل الأدب العربي منذ عصر الإسلام، بينما يتخذ الغربيون لآدابهم تراثًا ممتد الجذور بالأدب اليوناني، ويرون أنه لا سبيل لفهم الأدب الغربي الحديث إلا بدراسة الآداب اللاتينية واليونانية، بل واللغتين القديمتين المندثرتين، ولا ريب أن دعوى الفصل بين أدبنا الحديث وبين الأدب العربي الإسلامي الممتد منذ الإسلام هي من أخطر المحاولات التي تفرق الجماعة، وتشتت الشمل، فالأصل أن تكون حياتنا الراهنة والمستقبلة امتدادًا لحياتنا الإسلامية العربية، وأن تكون أخلاقنا وأذواقنا ولغتنا وأساليبنا امتدادًا قابلا للتغير المتصل بالعصور والبيئات الحفيظ على الأصول العامة والقيم الأساسية.
###30### ومن وراء ذلك هدف واضح، هو أن يصبح المسلمون اليوم مقطوعي الصلة بماضيهم في اللغة والدين والعادات والذوق الفني والمزاج وفي التقنين الخلقي.(17/8)
14- كذلك كانت نظرية إقليمية الأدب من أخطر ما تناولته دراسات الأدب الحديث، ودعت إليه المذاهب الوافدة، وعلينا أن نفرق بين تقرير تأثير البيئة في الأدب، وهذا لا اعتراض عليه، وبين القول بإقليمية الأدب، وهذا شيء آخر، إن واقع الأدب في الماضي القريب والبعيد، يثبت أن هذه الآثار لا ترجع إلى قطر من الأقطار أو إقليم من الأقاليم، فالمتنبي مثلا ولد في الكوفة، وعاش في بغداد وحلب ودمشق، وأثره لم يقتصر على إقليم ما، بل شمل جميع الأقطار وغيره كثيرون على هذا النحو، ولقد حافظ الأدب العربي على طبيعته الموحدة والمولدة حتى في أسوأ عصور تفكك الدول؛ وتفتت شعوبها، والحقيقة الواضحة أنه لا يوجد أدب مصري، وأدب عراقي، وأدب مغربي، وإنما يوجد أدباء مصريون وعراقيون ومغاربة.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(17/9)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
22
اللغة
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###33### اللغة
اللغة العربية اليوم هي لغة حياة لمائة مليون من العرب، ولغة فكر لألف مليون من المسلمين، وهي لغة قديمة عرفت قبل نزول القرآن بأكثر من ألف عام، قال الخليل بن أحمد في كتاب "العين": إن عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل (12.305.412) كلمة "وهو ما يعني ما يمكن تكوينه بتركيب أحرف الهجاء على كل شكل من الأشكال: الثنائي والثلاثي والرباعي، ويقول أبو الحسن الزبيري: إن عدد الألفاظ العربية "6.699.400" لفظ لا يستعمل منها إلا "5420" لفظًا والباقي مهمل، ويقول بعض علماء اللغة: إنها تتألف من ثمانين ألف مادة، المستعمل منها عشرة آلاف فقط، والمهجور من ألفاظها سبعون ألف مادة، لم تستعمل إلى اليوم، ولا ريب أن هذه ###34### الإشارات الموجزة تكشف عن وضع اللغة العربية بين اللغات، وعن مكانتها دون حاجة إلى أي عبارة من عبارات الإشادة أو المبالغة في تصوير مكانة هذه اللغة بين اللغات في أبعادها التاريخية وأبعاد حصيلتها اللفظية، فضلا عن ما مرت به من النمو والحيوية في نفس الوقت مما أهلها لأن تكون لغة خاتم كتب المساء، وأن تحفظ هذا الكتاب، وأن يحفظها هذا الكتاب إبان أزمتها التي مرت في القرون الماضية وقد صور هذا المعنى كثيرون من كتاب الغرب، وفي مقدمتهم أرنست رينان الذي يقول: "إن من أغرب ما وقع في تاريخ البشر، وصعب حل سره: انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء، فبدأت في غاية الكمال سلسلة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها إلى يومها هذا أي تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة محكمة، ولم يمض على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى، ومن أغرب المدهشات أن نبتت تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها، نبتت في وسط الصحاري عند أمة من الرحل، ###35### وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم، ومن يوم علمت ظهرت لنا في أطوار حياتها، لا طفولة ولا شيخوخة، ولا تكاد تعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعلم شيئًا عن هذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدريج، وبقيت حافظة لكيانها خالصة من كل شائبة، ونستطيع أن نضيف إلى ما قاله رينان: أنها منذ نزل بها القرآن، وانتشرت به أزاحت السريانية والكلدانية والنبطية والآرامية واليونانية والقبطية قبل أن ينقضي قرن واحد، فلما بلغت القرن الثالث الهجري تحولت إليها كل أعمال الدين والدواوين، ثم كتبت بها اللغات التركية والفارسية والأوردية والأفغانية والكردية والمغولية والسودانية والأيجية والساحلية كما كتبت بها لغة أهل الملايو، وقد حدث هذا منذ ألف عام، ثم دخلت اللغات الأوروبية كالفرنسية والألمانية والإنجليزية، وفي اللغة الإنجليزية وحدها أكثر من ألف كلمة عربية.
وما تزال قواميس اللغات الأوروبية تعج بالكلمات العربية، سواء منها ما يتعلق بالحاجات اليومية أو الأطعمة أو الألبسة أو الملاحة.
وهي من الناحية العلمية تفوق أضخم ثروة ###36### وأصواتًا ومقاطع، إذ أن بها 28 حرفًا مكررة، بينما اللغة الإنجليزية 26 حرفًا، ومنها مكرر، وباللغة العربية ثراء في الأسماء بها 400 اسم للأسد، و300 اسم للسيف، و255 للناقة، و170 للماء، و70 للمطر. ولقد كتب القصاص المشهور جول فيرن في إحدى قصصه الخيالية عن قوم شقوا في أعماق الأرض طريقًا إلى جوفها، فلما خرجوا سجلوا أسماءهم باللغة العربية، فلما سئل عن سر ذلك قال: لأنها لغة المستقبل.
2- أجرى المطران يوسف داود مطران السريان في الموصل في كتابة التمرنة في الأصول النحوية مقارنة واسعة للغة العربية مع السريانية والعبرانية، وفيها يقول: إن العربية أعرق في الأصالة من جميع اللغات التي يتكلم بها الساميون، وإنها أكملهن وأجمعهن لما فيهن من محاسن، ولذلك تمكنت من اكتساح السريانية والعبرانية. وإبادتهما منذ أجيال، واستولت على جميع بلادها، ورد ذلك التفوق إلى عدة عوامل أهمها: "غناها" واتساع ألفاظها أصلا وفرعًا واشتقاقًا "حتى إننا بغير خوف الخطأ يسوغ لنا أن نقرر أن اللغة العربية أوسع لغات الدنيا المعروفة". أما الخاصية الثانية فهي: أنها أقرب سائر لغات الدنيا إلى قواعد المنطق ###37### بحيث أن عبارتها سلسة طبيعية يهون على الناطق الصافي الفكر أن يعبر بها عما يريده من دون تصنع أو تكلف بإتباع ما يدله عليه القانون الطبيعي.(18/1)
ويقول أحمد فارس الشدياق: إن لغات الإفرنج لم تزل في ضم الكلام بعضه إلى بعض في حالة الطفولية، أعني: أنهم يوردون جملة بعد جملة اقتضابًا من دون حرف عاطف، وكثيرًا ما يوردون الجمل من دون مناسبة أو ارتباط. والخاصية الثالثة: أن العربية تكتب كما تقرأ، بحيث إن الذي تعلم حروفها وحركاتها يهون عليه بدون مشقة أن يقرأ حيثما شاء، وهذه الخلة قلما تجدها في لغة أخرى، فإن أكثر اللغات من أراد أن يتعلمها فيعد ما يتعلم أوائل كتابتها، يلتزم بأن يتعلم أيضًا قراءتها كلمة كلمة.
ومن الشوائب المستهجنة غاية ما يكون في لغات الإفرنج على العموم اختلافهم في كثير من الحروف الهجائية التي هي عامة لكلهم، فإن الأمم الإفرنجية مع أنها اصطلحت على قواعد ورسوم مطّردة عامة شاملة فيما يختص بالأكل والشرب واللباس وسائر ما يتعلق بالمعيشة الإنسانية مما لا بأس في اختلافه، لم يمكنهم حتى الآن أن يدبروا هذا الأمر العظيم المهم، وهو أن يتفقوا على طريقة واحدة لتصوير ###38### مقاطع الحروف بعلامات عامة لكلهم، فإن اللفظة الواحدة مثل: «Chuce» يلفظها الإيطاليون "كوجا" بالإمالة، والجرمانيون "ختسا" بالإمالة، والفرنسيون "شوس"، والإنجليزية "تشوش" وغيرهم غير ذلك.
ومن ذلك أن اللاتينية، وهي اللغة العلمية لجميع الأمم الإفرنجية، لا يلفظون لفظًا واحدًا، بل كل أمة منهم تلفظها لفظًا مختصًا بها حتى أنه ربما لا يفهم أحدهم عن الآخر. الخاصية الرابعة: أن العربية غنية بنفسها، فهي لا تحتاج إلى لغة أعجمية، ولو أراد أهلها لنفوا جميع الألفاظ الأعجمية التي دخلت فيها بنوع من الخلسة، واستغنوا عنها بغيرها من بحر لغتهم الزاخر.(18/2)
ومما يستحق الذكر أن العرب لم يتركوا شيئًا، لم يستنبطوا له اسمًا في لغتهم كالمعدة والهواء والجوهر والشخص والأفق وخسوف القمر وكسوف الشمس والصدى والعرش والسفر والشاعر والقصيدة إلى غير ذلك، فإن هذه الأشياء مع كون أكثرها طبيعيًا ومحسوسًا، وما فيها من أخص ما يتعلق بعيش الناس العمرانية، لا تجدها لها أسماء في كثير من اللغات المعروفة، فاضطر أصحابها إلى أن يسموها بأسماء أعجمية، فإن اللاتين والسريان والجرمانيين وسائر الأمم ###39### الإفرنجية يسمون تلك الأشياء بأسماء يونانية إلا واحدًا أو اثنين منها اتخذوه من اللاتينية، هذا عدا الألفاظ الاصطلاحية المختصة بالعلوم والصناعات، فإن هذه كلها إلا قليلا قد أخذها جميع الأمم من اليونان ما عدا العرب، ومما يتبين من باشروا فنون أدب لغتهم في القرن الأول من تملكهم على بلاد المشرق، نالوا في قليل من الزمان الغاية من ذلك، ومنذ أول مباشرتهم، وضعوا أصول علم النحو، ورسموا اصطلاحاته، وتوغلوا فيه، وتفننوا في دقائقه حتى إنهم في قليل من السنين، أوصلوه إلى غاية الكمال وفي كل ذلك لم يحتاجوا إلى كتب أجنبية، ولا إلى ألفاظ أعجمية، وفي هذه الخلة، قد فاقوا سائر أمم العالم، ويقول الدكتور عبد الكريم جرمانوس: إن أهم المميزات التي تلفت النظر في اللغة العربية هو "ازدواجها" ويقول وليم مرسيه: إن العبارة العربية كالمزهر إذا نفرت أحد أوتاره رنت لديك كل الأوتار، فالعبارة عن المتانة ما لا يبقى معه شيء يحجب مصدرها عن الناطق بها أو المستمع لها، وبذلك كان اللفظ في اللغة العربية يذكرك بالأرومة التي اشتق منها، ولعل هذا الشعور العميق بالمصدر يفوق شعورك باللفظ عينه. ويقول يوهان فك: ###40### "لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد التالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها إلى زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر، ولم تخطئ الدلائل، فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث لغة المدنية الإسلامية ما بقيت هناك مدنية إسلامية"، ويقول ميليه: إن اللغة العربية لم تتراجع في أرض دخلتها لتأثيرها الناشئ من كونها لغة دين ولغة مدنية. ويشير جوستاف جورنياوم إلى سعة اللغة العربية وقوة بيانها يقول: أما السعة فالأمر فيها واضح، ومن يتتبع جميع اللغات لا يجد فيها لغة تضاهي اللغة العربية، ويضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات، وتزين الدقة، ووجازة التعبير. وتمتاز العربية بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز، وأن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيرًا فوق كل لغة بشرية أخرى، ولها خصائص جمة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف لها نظائر في أي لغة أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني، وفي النقل إليها، يبين ذلك أن الصورة العربية لأي مثل أجنبي أقصر في جميع الحالات، وأن الفارابي على حق حين يبرر مدحه العربية بأنها كلام أهل الجنة. ويشير جورج سارطون ###41### إلى قدرة العربية على الاشتقاق فيقول: إن خزائن المفردات في اللغة العربية غنية جدًا، ويمكن لتلك المفردات أن تزاد بلا نهاية، ذلك لأن الاشتقاق المتشابك والأنيق يسهل إيجاد صيغ جديدة من الجذور القديمة بحسب ما يحتاج إليه كل إنسان على نظام معين، لنأخذ مثلا، الجذر "س ل م" سلم معناها: نجا، سلَّم: حيا، ألقى السلام أو التحية، سالم: دخل في السلم، أسلم: انقاد وخضع، الإسلام: الخضوع لله، تسلم: أخذ شيئًا من يد غيره، السلام: التحية، السلم: خلاف الحرب، سليم: صحيح غير مريض، التسليم: الرضى والقبول، الاستلام: لمس الحجر الأسود. وهناك: مسلم، متسلم، مسالم وغيرها مما يعيا أحيانًا على الحصر.
ويقول بروكلمان: إنه بفض القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة من لغات الدنيا، والمسلمون جميعًا يؤمنون بأن العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربية منذ زمان طويل مكانة رفيعة، فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى.
###42### ويقول فان ديك: إنها أكثر لغات الأرض امتيازًا، وهذا الامتياز من وجهين: الأول من حيث ثروة معجمها والثاني من حيث استيعاب آدابها.(18/3)
ومن شأن هذا كله أن الفصحى عاشت على أزمان حتى أنه لو بعث امرؤ القيس اليوم لاستطاع أن يتكلم، وأن يفهم اللغة العربية، وبيننا وبينه خمسة عشر قرنًا، بينما لا يستطيع الأوروبيون أن يفهموا كلمة واحدة مما قيل قبل أربعة قرون، منذ انفصلت لهجاتهم عن اللغة اللاتينية، وأصبحت لغات مستقلة، وذلك يرجع إلى فضل القرآن، يقول ريجستير بلاشير: إننا كلما درسنا اللغة الفرنسية لاحظنا أنها قد تطورت عبر العصور بحيث نجد لها أطوارًا، فإذا قارنا حالة اللغة الفرنسية في القرون الوسطى، وجدنا أنها مغايرة كل المغايرة للغة المستعملة في القرن السابع عشر، وهذه مختلفة أيضًا عن لغتنا اليوم، فوحدة اللغة الفرنسية لا تتضح إلا بالبحث والمقارنة، في حين أن وحدة اللغة العربية تتضح للقارئ، ولو كان أجنبيًا لأول وهلة، لغة القرآن لا تزال هي لغة اليوم، وهذا ما ميز العربية عن اللغات الأخرى.
ويقول جاك بيرك: إن اللغة العربية هي أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب، بل هي اللغة ###43### العربية الكلاسيكية الفصحى بالذات، فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا، إن الكلاسيكية العربية هي التي بلورت الأصالة الجزائرية، وقد كانت هذه الكلاسيكية العربية عاملا قويًا في بقاء الشعوب العربية.
3- حاول الاستعمار والتغريب أن يقول بأن اللغة العربية لغة أمة، هي الأمة – العربية – وأن كل قطر من شأنه أن يكتب لغته، وأن هذا الأمر يستدعي أن يتناول هذه اللغة على النحو الذي يرضاه ويراه محققًا لهذه الغاية، وكان طرح القضية على هذا النحو يحمل طابعًا خطيرًا من التمويه والتزييف والتجاوز. وقد يمكن أن يكون صحيحًا في أي بلد من بلاد العالم، وفي مواجهة أي لغة، ولكنه يصبح عسيرًا جدًا حين يطرح بالنسبة للغة العربية، ولو أن اللغة العربية لم ترتبط بالقرآن والإسلام، لكان يمكن أن يكون هذا القول فيه مجال للنظر، أما وقد أنزل القرآن منذ أربعة عشر قرنًا باللغة العربية، فأنشأ عالم الإسلام الفكري والاجتماعي والديني، فقد أصبح للغة العربية وضع مختلف لا شبيه له في أي لغة أخرى، إذ لم يعد للعرب وحدهم حق التصرف في اللغة العربية، ولم تعد اللغة – العربية – لغة – إقليمية – تخص قطرًا، بل لم تعد الأمة – العربية – نفسها مطلقة الإرادة في ###44### التصرف فيها. هذه هي الحقيقة التي واجهت محاولة التغريب والغزو الثقافي منذ قام ولكوكس في مصر وماسنيون في الشام وكولان في المغرب، ثم تابعهم بعد ذلك سلامة موسى والخوري مارون غصن ولويس عوض وغيرهم بمهاجمة اللغة العربية.
إن أخطر ما تمثل اللغة العربية هو أن قارئها اليوم في العقد الثامن من القرن العشرين، يستطيع أن يقرأ ويفهم ما كتب بها منذ القرن الخامس الميلادي أي ما كتب قبل نزول القرآن بأكثر من نصف قرن، أي: أن تراثًا حافلا قام في خلال هذه الفترة كلها، وأعظمه ما جاء بعد الإسلام بالطبع، هذا التراث هو ملك حر لقراء اللغة العربية، يلمون به إلمامًا صحيحًا؛ وهذا ما لم يتيسر بالقطع لأي لغة في العالم كله اليوم، ذلك أن أي لغة قائمة لا يستطيع قراؤها أن يفهموا من تراثهم إلا ما يجاوز ثلاثة القرون الأخيرة، أما ما يبعد عن ذلك، فإنهم يلتمسون لفهمه المعاجم، إن مرد ذلك هو ثبات اللغة العربية الذي لم يتح لأي لغة أخرى، ومرجع ذلك الثبات إلى نزول القرآن بها وارتباطها به على النحو الذي أنشأ هذه الثروة الضخمة من العلم والتراث والتأليف. ومن هنا أصبح للغة العربية خاصية متميزة لا ###45### تستطيع اللغات الأخرى أن تشاركها فيها، ولا تستطيع هي أن تجاوزها، تلك هي أنها لغة أمة ولغة فكر ودين، فهي لغة الأمة العربية، وهي في نفس الوقت لغة المسلمين جميعًا، لغة فكرهم ودينهم وصلاتهم، ولغة ذلك الرباط الذي يجمعهم بالتشريع والعقيدة جميعًا، وهو القرآن الكريم. ومن هنا كان الخطر الوحيد الذي يواجه أهل اللغة العربية، هو أن ينزلوا عن مستوى أسلوب القرآن، فيصبح أسلوبهم قاصرًا عن فهمه وتعمقه، لأن ذلك من شأنه أن يفصل بينهم وبينه، وذلك هو ما تحاوله القوى الهدامة المعادية للعرب والإسلام والتي تدعوهم إلى ما يسمى باللغة الوسطى أو تقريب الفصحى من العامية. أمامنا القرآن وهو المقياس الثابت وعلينا في كل حركة من حركات الفكر والكتابة والبحث أن نقترب منه ونلتقي به، وعلى العامية أن تقترب من الفصحى، وليس الفصحى أن تنزل إلى العامية ولا ريب أن التعليم كفيل إذا اتسعت آفاقه أن يقلل من الحاجة إلى العامية، وأن يزيد الالتحام بالفصحى، والذوق العربي الإسلامي كله متصل بالفصاحة، وفهم الفكر الإسلامي متصل بهذا المستوى من الأسلوب والبيان.(18/4)
ولقد وهب القرآن اللغة العربية حصيلة ضخمة من ###46### المعطيات الفكرية والاجتماعية من خلال رسالته العالمية التي اتخذت من ألفاظ اللغة العربية ومادتها تشكيلا جديدًا طرح على البشرية منهجًا شاملا من الحياة والفكر والنظر في الكون وبناء المجتمع والأخلاق، وكان هذا هو مصدر دهشة الناس عند نزول القرآن، فقد كانت هذه الألفاظ معروفة لهم بأعيانها، ولكن الإعجاز كان متمثلا في هذا التشكيل الذي تشكلت به فكرًا وأداء في هذه القيم الجديدة التي قدمها، وهذه الصور المتعددة، وهذه الروعة في أسلوب الإقناع والحوار، وهذه المناهج المتعددة في مخاطبة القلب والعقل، ومعنى هذا أن ثروة اللغة العربية، إنما ترجع إلى تشكيلها القرآني الذي أعطاها هذه القوة، وفي نفس الوقت أعطاها الإسلام هذا الاتساع والذيوع، ومن هنا فقد أصبحت صلة اللغة العربية بالقرآن والإسلام صلة عضوية تمثل التجربة الأولى والأخيرة من نوعها في صلة رسالة السماء بلغة من اللغات، ولا ريب أن هذا المفهوم له أثره البعيد في امتلاك المسلمين جميعًا لهذه اللغة، وما يتصل بها من خطأ القول بأن لقطر ما أو لشعب ما القدرة على التصرف في اللغة العربية؛ ومن الحق أن يقال: إن اللغة العربية هي لغة فكر عالمي يضم سبعمائة مليون من المسلمين جغرافيًا ويمتد أربعة عشر ###47### قرنًا في التاريخ والتراث.
4- من أبرز المخاطر تلك المقارنة التي يحاول البعض عقدها بين اللغة العربية واللاتينية:
فقد حرص عدد كبير من المستشرقين أن يصحوا "المسلمين والعرب" بالتخلص من اللغة العربية كما تخلصت الشعوب الغربية من اللغة اللاتينية وتغليب لهجاتهم في كل قطر حتى تصبح كل لهجة منها لغة إقليمية كما فعل الأوروبيون باللاتينية حين أوردوها المتحف، وأقاموا من لهجاتهم لغات هي الفرنسية والإنجليزية والألمانية الحالية؛ ولطالما ألح بعض دعاة التغريب على هذا المعنى، فردده وانخدع به بعض الكتَّاب العرب مع أنه ليس هناك من شبه للمقارنة، بل هناك فوارق عميقة منها:
أولا: إن اللاتينية ماتت كلغة للشعب بموت الدولة الرومانية، وبقيت لغة للكنيسة والعلماء، أما الشعب فكانت اللغة على لسانه تتكيف بتكيفات مختلفة حسب الأمكنة والأزمنة والعناصر، ولم تكن اللاتينية لغته الأصلية، وإنما كانت أخرى كالسلبية السكسونية، والجرمانية الهندية التي امتزجت بلغة اليونان، فلم تثبت تلك اللهجات إلا بتمادي الزمان وتنوع الكتبة وفتح المدارس وتأليف الكتب، وساعد ###48### الشعوب في ذلك انفرادهم في أصقاع متنائية دولا مستقلة، أين هذا كله من أمر اللغة العربية؟!.
ثانيًا: إن العربية لغة أمة واحدة تحمل ثقافة وفكرًا ما زال حيًا متفاعلا لم يتوقف أو يجمد ساعة من زمان. وإن هذه الأمة تمتد من المغرب الأقصى إلى جزر أندونيسيا وهي في هذا الزمن الطويل قد ارتبطت بالتاريخ والتراث والقيم أوثق ارتباط، وأثمرت هذا الفكر الإسلامي الذي تضمه ألوف الكتب والمجلدات والمخطوطات المتناثرة في مختلف مكتبات العالم.
ثالثًا: هناك فارق أصيل يعزل كلا من اللغتين عن الأخرى عزلا لا توجد معه حيلة للاجتهاد أو المقارنة، فاللغة العربية لغة تقوم على الاشتقاق، ويتوقف فيها المعنى على حركات التعريف وحركات الإعراب وبين لغة هي: "اللاتينية" تقوم على النحت ولصق المقاطع بعضها إلى بعض بغير دلالة لاختلاف الأشكال والحركات، وقد تفردت العربية – حتى بين اللغات السامية – باطراد الأوزان وقواعد التصريف وقواعد الإعراب، فلا مشابهة بينها وبين اللغات الأخرى في هذه الخاصية.
رابعًا: لم تتعرض العربية بعد أن استقرت في العالم ###49### العربي الحالي إلى هجمات وغزوات لغات جديدة كما تعرضت لها اللغة الرومانية من جراء استيلاء القبائل الجرمانية على مختلف أنحاء أوروبا، كما أن البلاد العربية لم تصب بتفتيت سياسي وإداري واقتصادي مثل ما عرفت البلاد الرومانية في عصور الإقطاع الطويلة، كما أن البلاد العربية لم تنعزل عن بعضها البعض انعزالا يشبه الانعزال الذي حصل في البلاد الرومانية، بل ظل الاتصال بين مختلف أقطارها قائمًا بفضل قوافل التجارة وقوافل الحج التي ظلت تنقل جماعات كبيرة من المسلمين كل سنة من مختلف الأنحاء إلى الحجاز.(18/5)
خامسًا: إن الإسلام قد التزم العربية الفصحى التزامًا تامًا، وظل يساندها ويؤازرها دون انقطاع، ولم تتخل عنها لهجة من اللهجات في وقت من الأوقات. ذلك لأنها لم تعهد بمهمة القرآن إلى أئمة المساجد وخطباء الجوامع وحدهم، كما فعلت الديانة المسيحية في العالم الروماني بالإنجيل، بل فرضت ذلك على كل مسلم ومسلمة، فصار لزامًا على كل فرد أن يتلو طائفة من الآيات القرآنية كل يوم خلال الصلوات الخمس، وقد استتبع ذلك إنشاء مدارس وكتاتيب لتعليم القرآن – قراءة وحفظًا – وكل ذلك حال دون انقطاع صلة العرب بالعربية الفصحى التي ظل يذكرهم بها ويوصلهم ###50### إليها على الدوام – القرآن – عن طريق استماع المستمع والتلاوة المتتالية.
سادسًا: إن الفوارق بين لغة الكلام ولغة الكتابة، وبين العامية والفصحى، لم تتعد قط حدود فوارق اللهجات التي لا تحول دون تفاهم أصحابها بشيء يسير من الجهد والانتباه.
5- حوربت اللغة العربية منذ وصل الاحتلال الغربي إلى بلاد الإسلام، وحوربت في البلاد الإسلامية بإيقافها وتنمية اللهجات القديمة واللغات الغربية، فكل مستعمر قد عمد إلى فرض تعليم لغته، أما في البلاد العربية، فقد حوربت اللغة العربية بحصرها في الجوامع والاستعاضة عنها باللغة العامية الدارجة، وكذلك الدعوة إلى إلغاء الحرف العربي والاستعاضة عنه بالحروف اللاتينية، وجرت حملة واسعة بالادعاء لعجز اللغة العربية وإدخال الكلمات العامية إليها، وقد تصدى لهذه الحملات عدد كبير من المفكرين المسلمين والعرب في مقدمتهم علي يوسف ومصطفى صادق الرافعي وأحمد زكي الملقب بشيخ العروبة وعبد العزيز ###51### جاويش ومحب الدين الخطيب والدكتور محمد محمد حسين، وكشفوا زيف هذه المحاولات كلها، وأبانوا عن مقدرة اللغة العربية ومرونتها، وعارضوا كل هذه الشبهات، ومما أورده هؤلاء الباحثون في دحض هذه المؤامرة ما يأتي:
أولا: العامية التي يرى أصحاب هذا الاتجاه استخدامها في الشؤون التي تستخدم فيها العربية الفصحى لغة فقيرة كل الفقر في مفرداتها، فلا يشمل متنها على أكثر من الكلمات الضرورية للحديث العادي، وهي إلى ذلك مضطربة كل الاضطرابات في قواعدها وأساليبها ومعاني ألفاظها. ولا ريب أن "أداة" هذا شأنها لا تقوى مطلقًا على التعبير عن المعاني الدقيقة، ولا عن حقائق الآداب والعلوم والإنتاج الفكري المنظم والعامية في لغة ما غير ثابتة على حال واحدة، بل هي عرضة للتطور في أصواتها ودلالتها ومفرداتها وقواعدها، وهي تختلف باختلاف الشعوب، وتختلف في الشعب الواحد باختلاف مقاطعاته.
ثانيًا: تبين أن الحروف اللاتينية لا تصلح لكتابة اللغة العربية، فالحروف العربية ضرورة لازمة لا يمكن العدول عنها، ذلك أن الخط العربي حفظ حتى الآن وحدة اللغة العربية، وإن كان النطق يختلف من قطر إلى قطر، أما ###52### الحروف اللاتينية، فهي مبنية على أساس أن صوت الحروف واحد غير متبدل، أما في العربية فهناك أصوات لكل حرف لا سيما فيما يختص بالحركات ومع تغيير الأصوات واللهجات في العربية على حسب الأشخاص أو على حسب الأفكار.
فإننا نعتبر الخط العربي كفيلا بنقل الألفاظ على وتيرة يفهمها الجميع مع وجود التغيير في الأصوات.
ثم إنه ليس هناك معادلة بين الحروف العربية واللاتينية، فالحروف مثلا في الألمانية والروسية قريبة الشبه باللاتينية، أما في العربية فوجه الشبه بعيد جدًا، وإذا تغير الخط العربي بالخط اللاتيني أصبحت النتيجة خطيرة للغاية، فكيف يكون مصير الكنوز العظيمة التي خلفتها الآداب الإسلامية في الدين والفقه والعلوم والآداب والفنون وغيرها، وكلها مدونة معروفة بالخط العربي.
ثالثًا: فيما يتعلق بإصلاح اللغة، فقد أشار الباحثون إلى أنها دعوى باطلة، ذلك أن تغيير قواعد اللغة العربية صرفًا ونحوًا، إنما يكون بالوضع والإزالة، وهذا معناه إحداث لغة جديدة بقواعد جديدة، وهذه اللغة العربية الجديدة إن صح اتصالها بالعربية الحالية المعروفة اتصال اللهجة بالأم، فإنها تبعد عنها شيئًا فشيئًا حتى تختفي معالم ###53### الصلات بينهما أو تكاد، وعندئذ تكون اللغة العربية الحالية من اللغات الميتة. وإذا صح أن ننقل التراث العلمي الأدبي القديم إلى اللغة العربية بعد تغيير قواعدها، فماذا نصنع في شأن "التنزيل": الكتاب العربي المبين، وحديث الرسول بأسلوبهما ووضعهما، ولا ريب أن إصلاح قواعد اللغة (نحوًا وصرفًا) معناه خلق لغة جديدة غير لغة القرآن والحديث، وغير لغة الشعر المروى والنثر المهذب، وغير لغة العقلية العربية والإسلامية، ذلك أن قواعد اللغة العربية وضعت طبقًا لنصوص القرآن والحديث والمسموع عن العرب، التغيير في هذه القواعد هجر للقرآن والحديث والمسموع، وهكذا فإن إصلاح اللغة العربية يعني إخراجها عن لغة القرآن والحديث والأدب العربي والعقلية الإسلامية.(18/6)
6- كثر خلط دعاة التغريب في الحديث عن الفصحى والعامية، ومحاولة الادعاء بأن هناك لغتين، والحق أن هناك لغة واحدة هي اللغة العربية "ولهجة" هي العامية، وأن الفصحى هي اللغة المشتركة بين العرب جميعًا، وأنها هي القوة القادرة على المحافظة على بقاء المستوى البياني بين القرآن واللغة العربية، وأن أخطر الأخطار أن يمس هذا المستوى أو تجري محاولة للانتقاص منه، والمعروف أن اللهجة – العامية - ###54### مسألة مرحلية، وأن الفصحى هي الامتداد الطبيعي للفكر الإسلامي وثقافته، وأن الروائع لا تكتب إلا بالفصحى، وأن العامية إقليمية دائمًا بل أكثر من إقليمية بحيث يكون لكل بلد لهجته، وقد يركز المنهج الغربي الوافد على اللهجات العامية، ويدرسها بعناية، ولمن المحاولة مضللة وغير علمية، يراد القول بأن هناك لغة عامية غير اللغة العربية، وأنها سابقة لها، وأن لها تراثًا من الأمثال والحكم، ولقد عجزت كل هذه المحاولات أن تجعل من اللهجات العامية في البلاد العربية شيئًا، بل إن هذه الآثار التي جمعوها قد كشفت عن عجز العامية عن معالجة الموضوعات الرفيعة، وقد أكد الباحثون بأنه من المحال أن تصل هذه اللهجات العامية مهما ركز الاستشراق عليها وأولاها اهتمامه، من المحال أن تصبح لغات مستقلة مكتملة التكوين صالحة للاستخدام في مختلف شؤون التعبير والكتابة، كما حدث في اللهجات المتفرعة من اللاتينية. ذلك لأن لهجات اللاتينية قد سارت في طريق النمو والرقي بفضل ما كانت تمتصه من أمها اللاتينية من حين لآخر، فضلا عن الجهود التي بذلت لتوسيع نطاقها، وتكملة بعضها وتهذيبها من نواحي المفردات والقواعد والأساليب وتدوين آثارها واستخدامها في الترجمة والتأليف، على حين أن ###55### اللهجات العامية العربية، قد جمدت على أوضاعها الساذجة، ومن هنا فإنه لا سبيل أن تصبح العاميات العربية صالحة لأن تكون أكثر من أداة للتخاطب في الشؤون العادية دون أن تصلح للكتابة أو لأداء أغراض البيان الأصيل فضلا عن قصورها الذاتي.
7- هناك دعوة مسمومة تحت اسم "تطوير اللغة" وهناك من يفسر هذا فيقول: إنه تطوير الفصحى حتى تقترب من العامية لا العكس الذي هو من الأمور الطبيعية، وإنما يعني أصحاب هذه الدعوة المريبة التحلل من القوانين والأصول التي صانت اللغة خلال خمسة عشر قرنًا أو تزيد، فإذا تحللنا من القوانين والأصول التي صانت لغتنا خلال هذه القرون المتطاولة، كان نتيجة ذلك هو تبلبل الألسنة وتوسيع رقعة الاختلاف بين الأقطار العربية حتى تصبح عربية الغد شيئًا يختلف كل الاختلاف عن عربية القرآن الأول أو عربية اليوم، وتصبح قراءة القرآن والتراث العربي والإسلامي كله متعذرة على غير المتخصصين من دارسي الآثار ومفسري الطلاسم.
كذلك فلا بد من الإشارة إلى محاولات النفوذ الأجنبي لمقاومة نمو اللغة العربية والتمكين للغات الأجنبية الفرنسية ###56### والإنجليزية على الخصوص فقد قطع الاستعمار الغربي الطريق على توسع العربية بين مسلمي العالم حيث كان من الطبيعي أن يمتد بامتداد الإسلام إلى مختلف المناطق بحسبانها لغة الثقافة والدين.
8- إن أهم ما يركز عليه رجال اليقظة الإسلامية في مجال فهم اللغة العربية، هو أن اللغة هي الوجه الثاني للفكر، وأن كلمات اللغة التي تنطق بها الأمة هي أفكارها وأخلاقها وعقائدها، فكلمات اللغة، علامات وإيماءات، وللغة صلة عميقة بالعقيدة والفكر، فلكل أمة معجمها الخاص المملوء بالكلمات التي تصنعها عقيدتها وقيمتها لتكون أداة اتصال "روحي وأداة تفاهم وتبليغ فيما بينها، ومن حيث إننا عرب ومسلمون، فيجب أن نستوحي مفهوم الكلمات، ولا نستعمل كلمات من غير معجمنا، وعلينا أن نتعلم تعبيرات القرآن، وألا نجعل للكلمة العربية الإسلامية مدلولا خارجًا عن أصولها، وعلينا أن نفكر بلغتنا، ولا ريب أن كلمات الغرب ومصطلحاته لا يمكن فصلها عن ملابساتها الفكرية التي ترمي إليها، ولا يمكن نقلها كما تنقل ألفاظ الاختراعات والعلوم، يقول صادق عنبر: إن لكل أمة شاهدًا من لغتها على ما خطرت عليه من دين ودون لها من ###57### تاريخ، وعرف عنها من نسب ومدنية وفنون، ففقدان أمة لهذه الثروة المعنوية هو اعتراف منها بسفاهتها"؛ والمعروف أن اللغة العربية تعبر عن الفعل والفاعل والزمان في لفظ واحد: "فعل" ليس كذلك الإنجليزية والفرنسية.
ويقول الكاتب الغربي فون همبلت: إن لسان أمة جزء من عقليتها، ويقول ماكس مولار: إن الفكر واللغة شيء واحد، وهو يشبهها بقطعة النقد، ويقول: إن ما نسميه الفكر ليس إلا وجهًا من وجهي النقد، والآخر هو الصوت المسموع. ومن المحاولات التي تستهدف إخراج اللغة العربية عن مدلولها الأساسي فرض كلمات غربية تختلف، فكلمة الدين الغربية Religion لا تعني معنى كلمة الدين بمفهوم الإسلام، وكذلك كلمة الزكاة Charité فهي ليست بمعنى الزكاة الإسلامية.(18/7)
كذلك فإن من المحاذير القول بأن اللغة العربية أساس من أسس العروبة، وفي مفهوم الإسلام: العربي ليس من يتكلم عربيًا، بل من يفكر عربيًا؛ وفي مجال الفكر الإسلامي: إن اختفاء اللغة لا يحول دون بقاء الأمة لأن مصدر بقاء الأمة هو العقيدة، ولقد اختفت اللغة العربية من الجزائر، ولكن صمود العقيدة حال بينهما وبين الفناء، فاللغة ###58### العربية هي أساس الفكر الإسلامي الذي كتبه ترك وفرس وبربر وعرب فاللغة بمثابة الوعاء الذي تتشكل فيه وتحفظ وينتقل بواسطة أفكار الأمة.
ويقول ابن تَيْمِيَّة: "إن اللغة العربية للإسلام ليست لغة فحسب، ولكنها عقل وخلق ودين، ذلك أن الفكر هو الذي يحفظ وحدة النظر إلى الحياة ووحدة التحرك في مواجهة الخطر، ومن هنا نجد أنه لا يمكن بحال من الأحوال لمسلم أو لغير مسلم أن يعرف حكم الشريعة الإسلامية من مصادره الأصلية إلا إذا كان عالمًا بلغة العرب، وبأساليبها، ومقايساتها، وكل ما يتعلق بها". من أجل هذا فهم المسلمون الأوائل أهمية اللغة العربية على وجهها، وقاموا بنشرها بكل ما أوتوا من قوة، وفي كل مكان حل الدين حلت مع اللغة لأنها مفتاح الدين، ومن هنا كانت محاولة الاستعمار في حجب اللغة العربية عن البلاد التي اتسع فيها الإسلام حتى تظل عقيدتهم ناقصة لأن كمالها في فهم خصائص اللغة التي هي مصدر الشريعة وزبدتها". وفي هذا يقول الشيخ محمد عبده: "إن إصلاح لساننا هي الوسيلة المفردة لإصلاح عقائدنا، وجهل المسلمين بلسانهم هو الذي صدهم عن فهم ما جاء في كتاب دينهم وأقوال أسلافهم. ففي اللغة العربية ###59### الفصحى من ذخائر العلم وكنوز الأدب ما لم يمكن الوصول إليه إلا بتحصيل ملكة اللسان، ولا تحصل هذه الملكة قولا وكتابة حتى يتكلم بها غالب أهلها، ويكتبوا بها الطريقة الصحيحة لأن في انحطاط لغتنا انحطاطًا لنا ولديننا وعقائدنا وأخلاقنا، وانحطاط ذلك مفسد لجميع أمورنا". وقال العلامة محمد أبو زهرة: إن الإسلام لا يمكن فهمه إلا باللغة الفصحى، والقرآن كذلك، ومن هنا كانت محاولة ضرب اللغة العربية الفصحى حتى لا يفهم القرآن، ولكي يندثر كما اندثر الإنجيل العبري، وفي هذا يقول أحد الباحثين الغربيين: إن من حق العرب علينا أن نرفع الصوت عاليًا طالبين إليهم الصمود والمقاومة، فليصمدوا وليقاوموا هذه الدعاية المذلة التي تسول لهم التنازل عن شرفهم وتراث آبائهم.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(18/8)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
23
العلم في الإسلام
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###63### العلم في الإسلام
دعا الإسلام إلى العلم: فبدأت آيات القرآن بالدعوة إلى القراءة، قم أقسم بالقلم، وجعلت القراءة باسم الله خالصة، ونسبت التعليم إلى الله الذي علم بالقلم.
وورد لفظ العلم، ومشتقاته في القرآن في 870 آية، والعلم الذي دعا الإسلام إلى تحصيله، هو العلم على إطلاقه، وليس علم الدين فحسب، وكانت دعوة الإسلام إلى العلم مرتبطة بالنظر إلى آفاق السماء والأرض، والتأمل والتدبر والتفكر، وإلى النظر إلى مبادئ الخلق، وفي أحوال الأمم التي اندثرت وما تزال بقايا حضاراتها ومدنياتها، فنظرة الإسلام إلى العلم نظرة جامعة قد حاطها منهج كامل للمعرفة والفهم له مقوماته وضوابطه، فقد دعا إلى البرهان والحجة والتجربة، وحث على الاجتهاد، وجهل له أجرين، وحرم ###64### التقليد، ولم تكن هذه الدعوة بغير هدف، ولكنها كانت ترمي إلى أن يمتلك الإنسان إرادته ومسؤوليته، فيحقق أمانة وجوده ورسالة استخلافه، فقد دعا الإسلام إلى السيطرة على الحياة وإلى تملك مواردها ومقدراتها وإلى إنمائها وتسخير مواردها وتسليكها، ودعا إلى الكشف والابتكار، وجعل للمبتكرين الثواب، وأمر بتعمير الأرض والتنافس في الصنائع والفنون النافعة، وأعلن أن العلم يزكو بالإنفاق، وقد أخذ الله الميثاق على الذي يعلمون أن يبينوه للناس، ولا يكتموه، ودعا الإسلام المسلمين إلى استعمال حواسهم الظاهرة في النظر والتأمل كما حرضهم على طلب العلم والمعرفة والنظر في الكون والتأمل في الكائنات والتنقيب على أسرار الوجود، وحث حثًا متواصلا على العناية بتنمية العقل الإنساني وترقية الشخصية الإنسانية بالضرب في الأرض وتعرف أحوال الأمم وطبائعها ودراسة ما هي عليه من نظم وعادات، وهكذا فتح الإسلام الباب أمام البشرية للتقدم إلى مجالات البحث العلمي والمدنية، وكان ظهور الإسلام هو منطلق التحول الصناعي في العالم كله، ولقد كان من آثار ذلك أن أقام الإسلام للعلم منهجه ومنطلقه من حرية البحث وصراحة الفكر، وسلامة النظرة بعد أن حرر العقل البشري من ###65### الوثنيات والمادة، وعلم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين، واستطاع المسلمون أن يحققوا خطوات واسعة في هذا المجال في نفس الوقت الذي ظل مجرى عقولهم سليمًا قائمًا على الإيمان بالله مصدر العلم ومعلم الإنسان أسرار الكون وقوانينه، ومن أجل هذا المنطلق فرق الإسلام بين العلم النافع والعلم الذي لا حاجة إليه، ودعا المسلمين إلى أن يأخذوا من كل علم بما هو أحسنه.
ثانيًا: ومن منطلق هذا الاتجاه القرآني الذي قدمه الإسلام للمسلمين انطلق الصحابة الأولون إلى فكرة القياس، وهي أخطر فكرة في تاريخ الإنسانية جميعًا، وليس هذا هو القياس الأرسطي، بل هو المنهج التجريبي في أعظم صورة، وفكرة القياس لم توضع في عصر النبي وصحابته، وتحت تأثير القرآن نفسه كقياس الأشباه بالنظائر، والأمثال فحسب، بل وضع أيضًا في العصر القرآني قواعد القياس وشرائط العلوم. قال الزركشي في البحر المحيط: إن الصحابة تكلموا في زمن النبي في العلل، ويقول ابن خلدون: إن كثيرًا من الواقعات لم تندرج في النصوص الثابتة، فقاسها الصحابة بما ثبت، وألحقوها بما نص عليه بشروط من ذلك الإلحاق، تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين حتى ###66### يغلب على الظن أن حكم الله فيهما واحد، وصار ذلك دليلا شرعيًا بإجماعهم عليه وهو: "القياس".
وقد تميز العلم الإسلامي بأنه (حسي – واقعي – تجريبي) خالِ من عنصر الخيال والقصة والتفسير اللاشعوري أو الشعر لأنه مقيد بالملاحظة والتجربة، كما قد تميز بأنه ناقد، فقد كان الفكر الإسلامي ثمرة عملية نقد كبيرة وعملية تصفية للفكر السابق وتجديد وبناء استغرق قرونًا زاهرة في حياة العقل في الإسلام، فقد اعتمد العلماء المسلمون على العقل والحس مطالبين أنفسهم وغيرهم بالدليل والبرهان واستطاعوا بعد الإطلاع على معارف الأمم أن يصححوها ويسيروا بالمعرفة خطوات هائلة، وكان تحديدهم للعلوم الطبيعية والكونية من طرق شتى:
البدء بدراسة المحسوس لا المجردات الذهنية.
وسيلة البحث: الحياة والعقل.
إدراك فكرة بمعرفة الحقيقة ووجوه الكم والمقدار في نظام الطبيعة.
الاهتمام في الحكم والإبداع في صنع العالم.
تحديد فهم المعرفة العلمية بالاعتماد على الملاحظة والتجربة.
وكان قد غلب على اليونان "الاستنباط النظري" فصحح المسلمون معارف القدماء، وابتكروا علومًا خاصة بهم، فجاء موسعي علم ###67### الكيمياء بمعناه الحديث "جابر بن حيان" ووضع "الحسن بن الهيثم" علم الضوء بمعناه الحديث، و "التباني" جدد علم الفلك. وقد أقام "جابر" علم الكيمياء على "التجربة" التي جعلها وسيلة كشف وتمحيص يسبقها ما لا بد منه قبلها، من تصور وتخطيط فكري يقود التجربة.(19/1)
ثالثًا: لم يقبل المسلمون المنطق الأرسطي، ونقدوه من جميع عناصره، وكونوا لهم منطقًا آخر، هو المنطق الاستقرائي، وأهم خصائص المنهج التجريبي الإسلامي: أنه منهج إدراكي أو تأملي، فقد أدرك مفكرو الإسلام تمام الإدراك أنه لا بد من وضع منهج في البحث يخالف المنهج اليوناني، حيث إن هذا المنهج الأخير، إنما هو تعبير عن حضارة مخالفة، وتصور حضاري مختلف، وقد وصل المسلمون إلى فكرة "الخواص" اللازمة لكل ذات، وهي الفكرة التي صبغت المنهج الاستقرائي الحديث بصبغتها الخاصة (وأخذ بها جون استيورت مل وغيره) وأعلن المسلمون أن الإنسان يتوصل إلى القضية الجزئية قبل التوصل إلى القضية الكلية، واختلف قياس المسلمين عن قياس أرسطو، فاعتبر المسلمون القياس: هو قياس الغائب على الشاهد، فوصلوا إلى اليقين، أما قياس أرسطو الذي هو ###68### حركة فكرية ينتقل فيها العقل من حكة كلي إلى أحكام جزئية، فإنه يوصل – فقط - إلى الظن.
رابعًا: احتقر اليونان التجريب والتجربة، وجاء منطق أرسطو أكبر معبر عن روح اليونان، ولذلك رفضه المسلمون إيمانًا بروح الحضارة الإسلامية وروح القرآن الذي دعا إلى وضع منهج ومنطق مختلف في كل خصائصه عن منطق أرسطو وروح الحضارة اليونانية. ومنهج القرآن منهج ينأى عن البحث في الشيء ذاته والبحث في آثاره: "تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا" وكان ذلك العمل الإسلامي هو مصدر التحول العالمي من النظرة المفكرة للدنيا المعزولة عنها المسقطة للإرادة والتكليف القائمة على التشاؤم والانسحاب والعجز إلى نظرة التكليف والإرادة والبناء والعمل.
فالإسلام قد أعطى أوروبا روح التفاؤل والاندفاع نحو العمل والإنشاء والاختراع، وليس المنهج التجريبي وحده.
خامسًا: صحح المسلمون أغلاط أرسطو وجالينوس وأفلاطون في الفلسفة والعلوم والكثير من أخطاء الفلسفة اليونانية، وأبطل صناعة التنجيم وبطلان القول بأن بعض ###69### الكواكب يجلب السعادة، وبعضها يجلب النحس، وقال: إن اليونان أخذوه من غير برهان ولا قياس، وقال الإمام ابن حزم: زعم قوم أن الفلك والنجوم تعقل، وأنها ترى وتسمع، وهي دعوى باطلة بلا برهان، وصحة الحكم أن النجوم لا تعقل أصلا، وأن حركتها أبدًا على رتبة واحدة، لا تتبدل عنها، وهذه صفة الجماد الذي لا اختيار له، والواقع أنه ليس للنجوم تأثير في أعمالنا، ولا لها عقل تدبرنا به، والنجوم أيضًا لا تدل على الحوادث المقبلة.
وأبان علماء المسلمون ضعف نظام بطليموس ونقط القصور فيه، وقد عكف "التباني" على دراسة بطليموس، وحقق مواقع كثير من النجوم، وصحح حركات القمر والكواكب السيارة، وخالف بطليموس في ثبات الأوج الشمسي، وأنكر الغزالي ما قاله فلاسفة اليونان من أن بالسماء حيوانًا وأن له نفسًا، ونقد الأطباء المسلمون طب اليونان، ورفضوا الأخذ ببعض نظرات أبقراط وجالينوس، ومن طريق التجربة والاختبارات الشخصية، ورفض ابن النفيس قبول نظرية جالينوس عن الدور الذي تلعبه الرئتان في نقل الدم من تجويفة القلب الواحدة إلى الأخرى، وأعلن أنها خاطئة.
###70### سادسًا: لقد دعا القرآن إلى العلم، وحث الإسلام على البحث فالتمس المسلمون العلم عند كل من وجد عنده علم، فلما تسلموه لم يخضعهم، وإنما أخضعوه لمفاهيمهم، ودرسوا في دائرة عقيدتهم، وألقوا عليه أضواء التوحيد، وحرروه من زيوف الوثنية والجمود، وفككوه وحللوه واعتبروه مادة منهج العلم من جديد خلقًا آخر مختلفًا كل الاختلاف عن منهج اليونان والقدماء جملة، وأقاموا عليه بناءًا ضخمًا وأضافوا إليه إضافات كثيرة:
أولا: أقام المسلمون المنهج العلمي على قواعد رئيسية لا تخضع للأهواء، ولا للغايات الخاصة، ولا للمطامع، فقرر الإسلام دستور العلم، ودعا إلى عدم الانخداع بالأوهام أو قبول الظن، ولا من يقول بغير دليل، ودعا إلى إعمال العقل، وسؤال أهل الذكر، وحرية النظر وإنكار التقليد.
ثانيًا: اهتموا بنقل المصادر وتحقيقها والإبانة عن أخطائها ومغالطاتها، وتحدثوا عن الملاحظة الحسية، وأكدوا دورها في دراسة الظواهر الطبيعية، وأوصوا بإجراء التجارب العلمية متى تيسر ذلك، وارتفعوا من الدراسة التجريبية للظواهر الجزئية إلى وضع قوانين عامة تفسر هذه الظواهر.
###71### ثالثًا: قرر علماء المسلمين أن العلم معرفة باستدلال، والاستدلال هو انتقال الذهب معلوم (مقدمات) إلى مجهول (نتائج) باستخدام المعلوم في التوصل إلى المجهول، وأشهر أنواعه الاستدلال الاستقرائي الذي يقوم على الملاحظة والتجربة، وهذا هو منهج العلوم الطبيعية والاستدلال الاستنباطي الذي يعتمد على العقل، وهو منهج العلوم الرياضية والفقه.(19/2)
رابعًا: جمع الفكر الإسلامي منذ البدء بين النظرة العقلية التأملية وبين الممارسة العلمية، وكان أغلب الفلاسفة أطباء ورجال أعمال، وكان الحافظ وهو أديب يجري تجارب تشريحية على الحيوان، وقد قام العلماء بممارسة صناعة الطب واكتشاف الأحماض المختلفة، وكان هذا خروجًا تامًا على المنهج اليوناني، منهج التأمل إلى الممارسة العلمية، وهو منهج التجريب، وبذلك استطاع العالم المسلم أن يدرس الظاهرة الموضوعية دراسة علمية لتحديدها تحديدًا كميًا. برز هذا الوعي العلمي عند البيروني وجابر بن حيان، وكان هذا خروجًا مباشرًا على منطق أرسطو، وأصبحت عملية "التجريب العلمي" لا التأمل المنطقي هو سبيل المعرفة، وهذا هو التحول التاريخي الخطير الذي أحدثه الإسلام في ###72### العالم كله منذ ذلك اليوم، فدخلت به البشرية مرحلة التغير الصناعي والتحول الحضاري للعصر الحديث.
وكان أبرز ما حصل عليه علماء المسلمين رابطة العلة بين الأشياء كأساس للمعرفة العقلية، وهي جوهر القوانين والنواميس والسنن، وعلى هذه الرابطة العلمية بين الأشياء تقوم التجارب، سواء في ميدان الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية على السواء، وبهذه الرابطة فسر ابن خلدون حركة التاريخ وتطور العلاقات البشرية، وعلى هذه الرابطة أقام البيروني والرازي وجابر بن حيان وابن سينا تجاربهم. ومن هذه النقطة الحاسمة برزت نظرة إلى الكون والكائنات، فيها نواة نظرية التطور: تطور الكائنات، وبهذه النظرة اختلف الفكر الإسلامي اختلافًا كبيرًا عن الفكر اليوناني، وتناقض معه في مختلف فروع الثقافة من علم وأصول وفقه وفلسفة عقلية ونظرة إلى الإنسان، وكان هذا الخلاف نتيجة طبيعية لاختلاف التكوين الاجتماعي للحضارة الإسلامية والحضارة اليونانية، وبذلك تكشف جوهر الحضارة الإسلامية، وهو جوهر عقلي عملي تجريبي حي قوامه قاعدة عريضة: "لا تجربة بغير استدلال عقلي".
###73### ولكن هذه النظرة التي تبدو علمية عقلية محضة لم تقف عند هذا الحد، بل كان لها طابع من الإيمان بالغيب، ورد الأمور كلها والقوانين كلها إلى صانعها الأول: الحق تبارك وتعالى.
خامسًا: دعا الإسلام إلى تعلم العلم خالصًا لله لا لمباهاة العلماء، ولا لمجاراة السفهاء، ولا ليتقرب به وجوه الناس، وأبرز مفاهيم العلم في الإسلام: المطابقة بين الكلمة والسلوك، وربط العلم بالعمل، ولا يحجب العلم عن طالبه، ولا يرد طالبه إذا سأل، وإذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، ولا يستحي، إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وللعلم خلق وتقوى، ولا يأخذ العالم رأي غيره، وينسبه لنفسه وإنما يذكر مصدره.
سادسًا: يرى ابن حزم أن المعرفة تكون أولا: بشهادة الحواس أي: بالاختبار لما يقع عليه الحواس ثم باول العقل أي: بالضرورة من غير استعمال الحواس الخمس، ثم ببرهان راجع من قرب أو بعده إلى شهادة الحواس، وأولها العقل.
سابعًا: يدعو ابن رشد إلى النظر فيما سبق من علوم الأمم ونظرهم في الموجودات، فما كان موافقًا للحق "قبلناه ###74### منهم وسررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق، نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم" ويقول الإمام الشافعي: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون منه، لقد أدركت سبعين ممن يقولون: "قال رسول الله" عن هذه الأساطير، فما أخذت منهم شيئًا، وإن أحدهم لو أؤتمن على بيت المال، لكان أمينًا إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن.
ثامنًا: لابن الهيثم في مجال تقنين أصول البحث العلمي رأي واضح ونظرية كاملة. يقول: يبدأ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات، وتميز خواص الجزئيات، ويلتقط باستقراء ما يخص البصر في حالة الإبصار، وما هو مطرد لا يتغير، وظاهر لا يشتبه في كيفية الإحساس.
تاسعًا: قرر الإسلام بالدعوة إلى العلم أصولا تمنع من الجمود العقلي، وتحمي من التحجر الفكري، من أهم هذه القواعد: إن العلم لا يقول عن شيء، إنه حق، إلا إذا قام البرهان اليقيني القاطع، والحذر كل الحذر من أن يجعل يقينًا ما ليس بيقين، أو أن ينزل الظن منزلة اليقين. ومن الضروري التفرقة بين ما هو حق، وما هو ظن، والإسلام ###75### عدو التقليد، ويدعو إلى الأخذ بالأحسن، ويحكم العقل في كل ما يعرض للإنسان من أمر "والمراد بالعقل: العقل الذي استوفى شروط الفهم التي تؤهله لإدراك ما يلقى إليه".(19/3)
ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والتدريب مع انتقاد المقدمات والتحفظ على الغلط في النتائج؛ ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق الذي به ثلج الصدور، ونصل بالتدرج واللطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين، ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف، وتنحسم به مواد الشبهات، وما نحن مع ذلك براء مما هو طبيعة الإنسان من كدر البشرية، ولكنا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة الإنسانية، ومن الله نستمد العون في جميع الأمور.
عاشرًا: كل الدلائل تعطي الحقيقة الثابتة التي لا مرية فيها، وهو سبق الفكر الإسلامي للغرب في وضع أسس المنهج العلمي "التجريبي" على نحو تطبيقي لا نظري قوامه الاستقراء والقياس والتمثيل، ثم انتقاله انتقالا سريعًا مدعمًا إلى التجربة والممارسة العملية على نحو واضح:
قصر البحث العلمي على المشاهدة والتجربة، وجمع المشاهدات ###76### ونتائج التجربة وربطها وتبويبها.
تمحيصها وربط تلك الحقائق على النحو الذي يجعلها تصبح قانونًا طبيعيًا أو نظرية علمية.
استنباط النتائج التي تقضي إليها، وبحث صحة تلك النتائج ومطابقتها للواقع.
وقد اتضح هذا المنهج على يد ابن الهيثم المتوفي 459 هـ الموافق 1039 م سابقًا به "فرنسيس بيكون" المتوفي عام 1626 فقد جمع ابن الهيثم بين الاستقراء والقياس، وقدم الاستقراء على القياس، وحدد الشروط الأساسية في البحث العلمي، وهو طلب الحقيقة دون أن يكون لرأي سابق أو نزعة أو عاطفة، مهما كانت دخل في الأمر، ويتمثل غاية المنهج العلمي في أمور ثلاثة:
استعمال العدل لا اتباع الهوى.
التجرد عن الهوى والإنصاف بين الآراء.
وجود ما يثلج الصدر في الوصول إلى الحقيقة.
وعنده أن كل مذهبين مخالفين إما أن يكون أحدهما صادقًا والآخر كاذبًا، وإما أن يكونا جميعًا كاذبين، والحق غيرهما جميعًا، وإما أن يكونان جميعًا يؤديان إلى معنى واحد هو الحقيقة؛ ويرى قدري طوقان ومصطفى نظيف وغيرهما، أن ابن الهيثم لم يسبق "بيكون" فحسب، وإنما سما عليه فقد ###77### كان أوسع منه أفقًا، وأعمق تفكيرًا، وقد أوضح هذا المعنى الأستاذ بريفولت بما لا يدع زيادة لمستزيد حين قال: إن ما يدين به علمنا لعلم العرب والمسلمين ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة، بل يدين هذا العلم الثقافة الغربية بأكثر من هذا، إنه مدين لها بوجوده نفسه، فالعلم القديم لم يكن للعلم فيه وجود، وعلم النجوم عند اليونان ورياضياتهم كانت علومًا أجنبية، استجلبوها من خارج بلادهم، وأخذوها من سواهم، ولم تتأقلم في يوم من الأيام، فتمتزج امتزاجًا كليًا بالثقافة اليونانية، لقد نظم اليونان المذاهب وعمموا الأحكام ووضعوا النظريات، ولكن أساليب البحث وجمع المعلومات الإيجابية والمناهج التفصيلية للعلم والملاحظة الدقيقة المستمرة والبحث التجريبي كل ذلك كان غريبًا تمامًا عن المزاج اليوناني، ولم يقارب البحث العلمي نشأته في العالم القديم إلا في الإسكندرية في عهدها الهليني، أما ما ندعوه العلم فقد ظهر في أوروبا نتيجة لروح من البحث جديدة ويطرق التجربة والملاحظة والمقاييس ولتطور الرياضيات إلى صور لم يعرفها اليونان، وهذه الروح وتلك المناهج العلمية أدخلها العرب والمسلمون إلى العلم الأوروبي، ولم يقف الأستاذ بريفولت عند إقرار دور الفكر الإسلامي ###78### وأصالته وإضافته الواضحة المبتكرة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين قرر: أن روجر بيكون نقل مذهب العرب في البحث العلمي، يقول: "إن روجر بيكون درس اللغة العربية والعلم العربي والعلوم العربية في مدرسة اكسفورد على خلفاء معلميه في الأندلس، وليس لروجر بيكون ولا لسميه فرنسيس بيكون الذي جاء بعده الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي، فلم يكن روجر بيكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلامي إلى أوروبا المسيحية، وهو لم يمل قط من التصريح بأنه يعلم معاصريه أن اللغة العربية وعلوم العرب، هما الطريق الوحيد لمعرفة الحق" وعند بريفولت أن المناقشات التي دارت حول واضعي المنهج التجريبي، هي طرق من التحريف الهائل لأصول الحضارة الأوروبية وقد كان منهج العرب التجريبي في عصر بيكون قد انتشر انتشارًا واسعًا، وأكب الناس في نهم على تحصيله في ربوع أوروبا.(19/4)
حادي عشر: إن إضافات العلم الإسلامي بعيدة المدى في مختلف المجالات: في الطب، الفلك، الكيمياء، الصيدلة، الملاحة، الجغرافيا، علوم البحار، الصوت، الضوء، نظريات النشوء والارتقاء، في الأرقام والحساب، ###79### في الجبر، في المراصد، وآلات الإسطرلاب، في صناعة الورق، ففي الطب عرفوا طبيعة كثير من الأمراض كالجدري والحصبة، واستعملوا الأمصال في معالجة بعض الأمراض، ووصفوا تشريح الجسم الإنساني وصفًا دقيقًا، وعرفوا العقاقير فسجل ابن البيطار 1400 عقارًا لم تعرف اليونان منها غير 400 عقار، والألف اكتشفها العرب، وحددوا منافعها ومضارها. ألف أبو القاسم الزهراوي كتابه في الطب والجراحة في عشرين مجلدًا، وأطباء الإسلام هم أول من فتت الحصى في المثانة، وسدوا الشرايين النازفة، وكتبوا في الجذام والحصبة والجدري وعدوى الطاعون، واستعملوا "المرقِّد" المخدر في العمليات الجراحية، والأطباء المسلمون هم أول من كشف التقلب عن الدورة الدموية ودودة الإنكلستوما كما صَحـ الأطباء العرب آراء أبقراط وجالينوس في التشريح ووظائف الأعضاء. وقد ترجم كتاب ابن سينا "القانون في الطب" في خمسة عشر طبعة إلى اللاتينية والعبرية والإنجليزية، وقد بحث عن العقاقير والأدوية في سبعمائة وستين نوعًا. قال الدكتور دينستون: إنه يحتوي على ما يزيد على مليون كلمة، وقد عالج القرحة الدرنية، والقولينج الكبرى، والكلوي، والتهاب الرئة، والجنب والتهاب ###80### الدماغ، وقد ظلت مؤلفاته أساسًا للمباحث الطبية في جامعات فرنسا وإيطاليا ستة قرون، ولم تعرف جامعة لوفان حتى القرن السابع عشر مرجعًا للطب والعقاقير أوفى من كتب الرازي وابن سينا وابن الهيثم، وعرف العلم الإسلامي التطعيم ضد الجدري، واستخدموا عفن البنسلين وعيش الغراب كمراهم، أما طب العيون فهو من صناعة العرب، وقد ظلت تذكرة طب العيون تستخدم حتى القرن التاسع عشر، بل لقد احتل المسلمون المركز الأول في جمال الطب فترة تزيد على خمسمائة عام.(19/5)
ثاني عشر: وفي المجالات الأخرى نجد إضافات باهرة، فقد اخترع المسلمون الساعات الدقاقة والزوالية، واكتشفوا قوانين ثقل الأجسام، وعرفوا تركيب النار اليونانية، واستخرجوا قوة البارود الدافعة، واستعملوا الآلات القاصفة، وأتقنوا فن تسقية الفولاذ، وهم أول من استخدم البوصلة في الملاحة، واكتشفوا الإبرة المغناطيسية التي انتقلت إلى أوروبا في القرن الثاني عشر، ونقلوا القمح الأحمر ومشاتل النخيل من أسبانيا وأفريقيا إلى فرنسا، واستخرجوا مادة القطران التي يطلى بها قاع السفن، وعرف فضلهم في تحسين نسل الخيل، وكانوا أول من حاول قياس ###81### خط نصف النهار، ووصفوا أصول علم الجبر وحساب المثلثات، وبسطوا علم الحساب الإغريقي، ونقلوا القطن إلى الأندلس، وأخذوا من الصينيين زراعة القصب واستخراج السكر منه، وأدخلوهما إلى مصر وصقلية والأندلس، وكانت علوم المسلمين في الجغرافيا والفلك هي صاحبة الفضل الأكبر في الكشف عن الأمريكتين، وعلل المسلمون ملوحة البحر وعذوبة المطر واستحالة الحطب في الاحتراق، واستحالة الزيت في المصباح، وصعود الهواء وانحدار الماء لا بالجاذبية والثقل النوعي، بل بانجذاب بعضها إلى بعض، وعرف موسى بن شاكر مائة تركيب ميكانيكي، كما علل علماء المسلمين صعود الماء في العيون والفوارات، وتجمع الماء في العيون والقنوات، واستعملوا "السيفون" وسموه "السحارة" وعرفوا كثافة الذهب والرصاص، وبحثوا في الصوت وحصوله، وعللوا حدوث الصدى، وكتبوا في الأوتار واهتزازها، وعرفوا ما بين طول الوتر وغلظه وتأثره من علاقة، كما عرفوا خاصة الجذب في المغناطيس، وخاصة اتجاهه؛ وهم أول من استعمل بيت الإبرة (البوصلة) في البحار ودرسوا نظرية النشوء والارتقاء في مدارسهم، وطبقوها على المواد غير العضوية والمعادن، كما ###82### اقتبسوا الأرقام الهندية، وشذبوها وأوجدوا طريقة مبتكرة في الإحصاء العشري باستعمال الصفر، واستعملوا الرموز في الرياضة، فسبقوا الأوروبيين إلى ذلك، ومهدوا للكشف عن اللوغاريتمات، وعن التكامل، والتفاضل، وأنشأوا المراصد العديدة، ووضعوا الأزياج الدقيقة الكبيرة الفائدة، وهم أول من عرف الأصول التي تفضي إلى الرسم على سطح الكرة، وأول من أوجد عمليًا طول الدرجة من خط النهار، وقالوا: باستدارة الأرض ودورانها حول محورها، واخترعوا له الإسطرلاب الدقيقة، وحققوا مواقع كثير من النجوم، وحسبوا طول السنة الشمسية، وبحثوا عن كلف الشمس قبل الأوروبيين، ووضعوا جداول دقيقة عن النجوم الثوابت وصوروها في الخرائط، وصححوا خطأ بطليموس وخطأ الرومان القائلين بتسطح الأرض، ورسموا خرائط بلادهم، وأكد أبو الفداء أن الأرض كروية، وأنها في الوسط، وهم أول من وضع أساس الكيمياء، وقد مارسوا أعمال التقطير والترشيح والتصعيد والتبلير "البلورة" والتذويب والألغام والتكليس، وهم الذين استحضروا الكحول والقلى والبورق والزرنيخ والبوتاس والأثمدوزيت الزاج ###83### "حامض الكبريتيك" والزاج الأخضر وماء الفضة "حامض النتريك" وحجر جهنم "نترات الفضة" وملح البارود "نترات البوتاس"، والسليماني والراسب الأحمر "أكسيد الزئبق" وروح النشادر وملح الطرطير، وماء الذهب والبارود، والقلويات كلها في الكيمياء معروفة باسمها العربي، وماء الفضة لم يوصف في كتاب غربي قبل كتاب جابر بن حيان، وملح البارود من تحضير تلميذ المسلمين "روجر باكون" وأول من اخترع رقاص الساعة، هو أبو الحسن العباسي المشهور بابن يونس، والساعة الدقاقة اخترعها علماء المسلمين، وأهداها هارون الرشيد إلى شارلمان ملك فرنسا، فكانت وغيرها من الهدايا موضع دهشة عظيمة، وأول مصنع للورق بدأ في سمرقند، ثم في بغداد في زمن الرشيد ثم في دمشق، ودمياط ومراكش وصقلية، وأسبانيا، والمرايا البلور، بدأت في سوريا، ومنها انتقلت إلى البندقية، وقد عرف المسلمون "الصفر" ولم يعرفه الغربيون إلا في القرن الثاني عشر عن طريق المسلمين. وقال علامة إير: إن فكرة الصفر تعتبر من أعظم الهدايا العلمية التي قدمها المسلمون، وكان المسلمون قد استعملوا الصفر في الحساب، ورسموه على هيئة حلقة، ثم شرح الخوارزمي ###84### طريقة استعماله في بحث ترجم إلى الكتب الأوروبية في الربع الأول من القرن الثاني عشر الميلادي.(19/6)
ثالث عشر: أبرزت هذه النهضة عددًا كبيرًا من العلماء في مقدمتهم: جابر بن حيان، والخوارزمي، والرازي، والتباني، والبيروني، وابن الهيثم، وابن خلدون، وأبو الثناء الأصفهاني، والفرغاني، والقزويني، والزهراوي، وابن يونس وابن ماجد، وحسني المراكشي وعمر الخيام، والفارابي، والإدريسي، ومما يذكر في هذا المجال أن الطبيب ابن النفيس علي ابن حزم القرشي عارض رأي جالينوس الذي ظل مهيمنًا على عقول الأطباء أكثر من عشرة قرون، ونقد نظريته، وعارض قوله في الدم، وقال: كيف يمكن أن ينتقل الدم من البطين الأيمن إلى الأيسر خلا لحاجز ليس له منافذ؟ وأخرج للعالم نظرية الدورة الدموية الصغرى، إذ قال: إن الدم لا يمكن أن ينتقل من البطين الأيمن إلى الأيسر مباشرة خلال الحاجز، وإنما يسير من البطين الأيمن إلى الرئة، ومن الرئة إلى البطين الأيسر، وهذه هي الدورة الدموية الصغرى، وقد ظلت آراء ابن النفيس قائمة حتى ترجمت كتب إلى اللاتينية في عصر النهضة، وجاء سرفيتو وكولمبو، فأيدا ما ذهب إليه ابن النفيس، وذلك في القرن ###85### السادس عشر، فهو قد سبقهما بأكثر من مائتين وخمسين سنة، أما وليم هلرفي فقد جاء بعده بأكثر من أربعمائة سنة، وقام بتجاربه في ضوء أبحاث ابن النفيس ومن تلاه، وانتهى إلى كشف الدورة الدموية الكبرى.
رابع عشر: وهكذا قدم المسلمون على أساس العلم الحديث، وأقدموا فتوحات واسعة في مختلف أرجائه وجوانبه، وقد كان كشف سنن الكون ونواميسه على أيديهم أول الأمر مستمدًا من فهمهم للقرآن ومن إيمانهم بالله، ثم جاءت عملية الملاحظة والتجريب، وعلى هذا الطريق سار العلم الحديث، وقد اعترف الغربيون في صراحة ووضوح بأنهم أخذوا هذه الطريقة من علماء المسلمين، وكل ما وصل إليه العلم الحديث إنما قام على منهج التجربة والملاحظة والاستقراء الذي قدمه المسلمين، ولم يبتكروا منهجًا آخر وإنما حسنوا الأساليب والأدوات، ومعنى هذا أن نتاج العلم الحديث كله جاء عن طريق منهج القرآن غير أن الخلاف هو في أمر واحد، هو أن الغرب حجب الصانع الأصلي وصاحب القوانين، ونسب الكشوف إلى الإنسان وحده، كما أنه اعتبر هذه القوانين مستحيلة النقض، وبذلك عجز عن فهم قدرة صاحب القوانين في نقضها وتغييرها وذلك حين رفضوا ###86### الاعتراف بعالم الغيب الذي تبين من بعد أن له صلة ضخمة بما وصل إليه العلم، وأن هناك جوانب كثيرة لم يستطع العلم أن يضع يده عليها، ولذلك فإنه حين يقول بحتمية القوانين الطبيعية، إنما يتجاهل هذه الجوانب الغيبية الخافية عليه، وينسى قدرة الله سبحانه واضع القوانين والذي إليه وحده القدرة في خرقها.
خامس عشر: كرم الإسلام العلم والعلماء، ورفع القرآن من شأن العلم والعلماء، وفتح الأبواب للاستزادة من العلم، ومن هنا كانت انطلاقة المسلمين العلمية إلى التقدم في مجال الفكر والحضارة، ورحل علماء المسلمين إلى أقصى الأرض باحثين عن العلوم متنافسين فيها، وسار قادة المسلمين على سنة نشر العلم وإعزاز أهله، والبذل لهم، وبناء المدارس وخزائن الكتب، بينما أدخلت أوروبا العلماء في زمرة المارقين من الدين، وقدمتهم لمحاكم التفتيش، يقول العلامة مشعر: إن الغربي إذا صار عالمًا، ترك دينه بخلاف المسلم، فإنه لا يترك دينه إلا إذا صار جاهلا، ولم يرتق العلم في أوروبا إلا بفصل الدين عنه، بينما العكس في الإسلام، فإن قيمه لم تكن حائلة دون البحث والنظر، بل كانت مصدرًا من مصادره، وقد حدد الإسلام موقف ###87### العلم، فجعله في إطار العقيدة، وجهله خالصًا لإسعاد الإنسانية، ويقول إتيان دينيه: لقد لبثت أوروبا ثلاثمائة سنة تقتبس من الإسلام اللغة والعلوم، ويقول العلامة درابر: تأخذنا الدهشة أحيانًا عندما ننظر في كتب المسلمين، فنجد آراء كنا نعتقد أنها لم تولد إلا في زماننا كالرأي الجديد في ترقي الكائنات العضوية وتدرجها في كمال أنواعها، فإن هذا الرأي كان مما يعلمه المسلمون في مدارسهم، وكانوا يذهبون إلى أبعد مما ذهبنا، فكان عندهم عامًّا يشمل الكائنات العضوية والمعادن، والأصل الذي بنيت عليه الكيمياء عندهم هو ترقي المعادن في أشكالها. ويقول فون كريمو: إن العقل الإسلامي يبدو في ذروة نشاطه حين يكون في حقل المعرفة التجريبية، يباشر دراسته في ضوء الملاحظة والاختبار، فالعرب يبدون نشاطًا يثير الدهشة حين يقومون بملاحظة الظواهر وتمحيصها وجمعها وترتيب ما هدتهم إليه التجربة، ولما كانوا أصحاب ملاحظة دقيقة، وأهل تفكير مبدع أصيل، حققوا في مجالات الرياضيات والفلك إنجازات رائعة، ويقول سيديو: الحركة العلمية عند العرب تتميز بالانتقال من المعلوم إلى المجهول، والتحقيق الدقيق في ظواهر السماء ورفض كل حقيقة كونية لم تثبت عن طريق ###88### الملاحظة الحسية، ويؤكد الباحثون في العلم الإسلامي أن علماء المسلمين، فطنوا إلى ثلاثة أمور هامة:(19/7)
أولا: فطنوا قبل الأوروبيين إلى مصدر الحواس عن إدراك بعض الظواهر لفرط صغرها أو بعدها، فعوضوا قصور الحواس باختراع أجهزة وآلات تمد في قدرتها على الإدراك، وكان ابن الهيثم يستعين في دراسة انتشار الضوء وانعكاساته بآلات يقوم بصنعها، أو يشرف على صنعها، وخلف أبو القاسم الزهراوي مئات الرسوم لآلات تستخدم في الجراحة والتخثير، وترك علماء المسلمين في الفلك مراصد مزودة بعشرات الرسوم والآلات والأجهزة.
ثانيًا: لم يفت المسلمون الاهتداء إلى التجربة العلمية ومعرفة دورها في البحث العلمي، فلم يكتفوا بمراقبة الظاهرة وتسجيل حالها، بل تدخلوا في سيرها ليلاحظوا في ظروف هيئوها بأنفسهم، وأعدوها بإرادتهم، وسماها جابر "التدريب" وسماها ابن الهيثم "الاعتبار".
ثالثًا: فطنوا فوق ذلك إلى أن الغرض من الدراسات التجريبية هو وضع القوانين العامة التي تفسر الظواهر تفسيرًا علميًا.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(19/8)
سلسلة على طريق الأصالة
23
تجاوزات العلوم الاجتماعية والإنسانية
لمفهوم الفطرة والعلم
###3### بسم الله الرحمن الرحيم
تجاوزات العلوم الاجتماعية والإنسانية
لمفهوم الفطرة والعلم
إن نظرية العلوم الاجتماعية التي تتضمنها المناهج الدراسية الحديثة نظرية مغلوطة وناقصة وقائمة على المفهوم المادي الذي لا يؤمن بالأديان المنزلة ولا بالقيم الأخلاقية المرتبطة بالدين وفي ظل هذا المفهوم فإن علم الاجتماع لا يزيد عن أن يكون علمًا وظيفيًا تقريرًا يدرس شئون الحياة الاجتماعية دراسة تحليلية للوصول إلى القوانين الاجتماعية التي تخضع لها الظواهر.
وهي تقوم في مجموعها على مفهوم زائف وباطل هو أن البيئة هي التي تخلق تراثها وهي التي يرجع إليها الفضل في تنشئة الفرد وتوجيهه والإشراف على سلوكه.
ومعنى هذا إنكار الدور الذي يقوم به الدين في تكوين الأفراد وتجاهل وجود الدين كلية أو اعتباره قد خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها على حد تعبير دوركايم والواقع أن علم الاجتماع في ###4### مهمته الحقيقية هو دراسة مشاكل المجتمع ووضع الحلول لها - وهذا هو ما تنكرت له مدرسة العلوم الاجتماعية كما تنكرت له نظريات علم النفس أيضًا.
ولما كانت هذه المناهج في حقيقتها محاولة لإحلال مفاهيم قائمة على الفلسفة المادية فإنها قد عمدت إلى مقاومة كل ما عمدت إليه الأديان المنزلة على إقراره وإقامة دعائمه.
وقد عمد دوركايم (بوضعه أبرز منظري علم الاجتماع) إلى إقامة منهج التشكيك في القيم والمثل والعقائد والأخلاق من منطلق مفهوم قوامه أن كل الظاهر نسبية متغيرة متبدلة، لا تثبت على حال ولا تستقر على وضع لأنها في كل يوم يتبدل الحال بحال (وهذه قاعدة مضطردة في كل مجالات دراسات الاجتماع والنفس والأخلاق وتاريخ الأديان) وهم يستخدمون هذا المنهج لإفساد المجتمعات وتحللها أخلاقيًا ودينيًا بهدف أن يكون المجتمع مشاكل مليئًا بالفتن.
ولكي يكون هذا الهدف واضحًا فإننا نعلم أن هذه الجماعة (دوركايم وليفي بريل وفرويد وماركس) يعملون في خدمة هدف واضح كشفت عنه الماسونية والبروتوكولات وهو هدم المجتمع الإنساني وتحطم مقوماته الخلقية والاجتماعية وذلك كمقدمة ###5### لاحتوائه والسيطرة عليه في خدمة هدف إقامة إمبراطورية الربا العالمية.
ولا ريب أن كل هذه المقررات التي يعملون على تثبيتها عي مجموعة من الأهواء البشرية التي تتعارض تمامًا مع فطرة الله التي فطر الناس عليها ومع مقررات العلم.
أولا: وفي مقدمة ذلك نظرية النسبية التي تحاول أن تسيطر بدعوى أن كل الظاهر نسبية متغيرة متبدلة لا تثبت على حال ولا تستقر على وضع لأنها في كل يوم تتبدل.
والسؤال هو: هل إذا كانت الأخلاق نسبية فهل سيأتي الزمن الذي نعتقد فيه أن الصدق رذيلة أو الشهامة شر أو أن الشجاعة سوء أو أن العفة جريمة.
وفي مجال العقائد هل سيأتي اليوم الذي لا نقول فيه بوحدانية الله أو لا نقول بإرادته وعلمه.
ثانيًا: دعوة دوركايم إلى الجبرية الكاملة للفرد في إطار المجتمع وقوله أن العامل الفعال الذي يؤثر في المجتمع هو البيئة الاجتماعية هذه الدعوة مضللة كاذبة، لأنها إلغاء كامل لدور الفرد الذي يقرر الإسلام له وجوده ومسئوليته والتزامه الإسلامي والذي بناء عليه يكون الجزاء والثواب والعقاب.
###6### والإسلام يقرر أن المسئولية فردية، ومن هنا فإن الدعوة إلى ما يسمى مسئولية المجتمع هي محاولة خادعة لإعطاء الإنسان الحرية المطلقة في اقتراف الإباحيات والآثام دون الخوف من العقاب.
والإسلام يرفض ما يراه دوركايم من أن الفرد لا قيمة له ولا معنى للتشبث بالحرية الفردية وأن القيم كلها للمجتمع الذي يخلق الأديان والعقائد والقيم الروحية.
فهذه النظرية مرفوضة تمامًا لأنها لا تقوم على أساس علمي صحيح وأن إنكار مسئولية الفرد ودوره في سبيل الكسب والسعي لا يعتد بها وأن تحميل الظاهرة الاجتماعية كل النتائج كل هذا من شأنه أن يتعارض تمامًا مع مفهوم الدين الحق.
ثالثًا: يتبع هذا مجموعة من الأخطاء:
1) تفسير الإنسان وفق مذهب المادة وعالم الحيوان (في مواجهة تكريم الإسلام للإنسان).
2) فكرة التطور المطلق التي يرفضها الإسلام الذي يقوم مفهومه على إطار من الثوابت وفي داخله حركة المتغيرات.
3) تجهل الإرادة البشرية والمسئولية الفردية والجزاء الأخروي التي هي قاعدة أساسية في نظرية المعرفة الإسلامية.
###7### 4) محاولة تصور المجتمع بصورة الصراع الدائم، وإقامة التناقضات أساسًا بينما يقوم مفهوم الإجماع الإسلامي على التقاء العناصر والأجزاء في كل متكامل دون صراع بينها أو جبرية.
5) التنكر للتكامل بين المادة والروح بينما يقوم المنهج الرباني على هذا الترابط مع الإيمان بأن الدين فطرة والأسرة فطرة حيث يتجاهل دوركايم الدين والأسرة ولا يراهما من الفطرة ويرى أن الجرعة هي القطرة.(20/1)
6) محاولة جعل العقل بمثابة الإله المعبود بينما يعطي الإسلام العقل وضعه الطبيعي من حيث هو مصدر المسئولية الفردية، مع الإيمان بحاجة العقل إلى ضوء يهديه يستمده من (الوحي).
7) الدعوة إلى الممارسة الحرة التي لا تخضع لمبدأ ولقانون وهي التي ذاعت في الغرب تحت عناوين الجنس والانطلاق وهي محاولة تؤدي إلى الاعتداء على حق الغير مما أدى إلى تدهور الأخلاق تدهورًا فظيعًا.
هذا ما يرفضه الإسلام تمامًا لضوابطه وحدوده التي قررها لإقرار العلاقات بين الرجل والمرأة والآباء والأبناء.
###8### هذه المفاهيم التي أوردتها الفلسفة المادية وأقامت عليها العلوم الاجتماعية والتي تقدم لشبابنا وأبنائنا في مناهج دراسية وثقافية وكتب ومؤلفات بوصفها علومًا، هي في الحقيقية ليست إلا نظريات قدمها عقل بشري، وهي في نفس الوقت فروض قابلة للخطأ والصواب وهي ثالثًا بمثابة ردود أفعال في بيئات وعصور مختلفة، ترتبط معها بأوضاعها، ومن ثم فهي لا تصلح لأن تكون علومًا عالمية ولا أن تكون قوانين علمية صحيحة صالحة للتطبيق على مستوى الأمم الأخرى والشعوب خاصة الأمة الإسلامية التي سابقتها وأرضيتها ونظامها وعقيدتها التي شكلت وجودها منذ أربعة عشر قرنًا.
ومن هنا فقد تقرر منذ وقت طويل أنه لا يمكن أن يؤخذ من الغرب ما يسمى بالعلوم (اجتماعية وأخلاقية ونفسية وتربوية على أنها التطبيق الوحيد، وإنما تؤخذ على أنها وجهات نظر وتجارب عامة وأن ما تأخذه منها هو التنظيمات لا النظم وما تأخذه هو بمثابة مواد خام تشكلها في دائرة مفهومنا الإسلامي للعلم.
ومن هنا فنحن مطالبون بإعادة النظر في موقف الإسلام من هذه العلوم الغربية وهذه الفلسفات جملة وأن لا تقبل مصادرها المادية أو الوثنية المستمدة من الفلسفات اليونانية أو العلمانية المنكرة لمفهوم الغيب أو ما وراء المادة.
وقد دعا الأبرار من رجال اليقظة الإسلامية إلى ذلك منذ وقت بعيد.
###9### وقال محمد إقبال: يجب أن نكون مؤمنين بأنفسنا كافرين بالإفرنج فالكفر بقداسة الغرب وإنكار كونه معيار الصدق والصلاح هو الخطوة الأولى والخطوة الوحيدة التي توصلنا إلى تجديد العلوم والآداب. فبعد تجديد الإيمان بصدق فكرنا الإسلامي وصلاحية شريعتنا الإسلامية الغراء، والكفر بالكفر الغربي العلماني والفكر الشيوعي الإلحادي نتمكن من إحياء المناهل الإسلامية التي تبدو وكأنها جفت وذبلت بعد سيطرة الغرب الحضارية والفكرية والعلمية، فبعد أن أحيينا هذه المناهل تصبح علومنا الإسلامية وآدابنا ذات حيوية ومغالية وتنطلق من حيث وقفت وجفت. إن واجبنا نحن المسلمون هو أن نراقب تطور الفكر البشري بكل يقظة وانتباه ونحتفظ بوجهة نظر حرة انتقادية تجاه هذا التطور.
ويجب أن لا يقف الأمر عند العلوم الإنسانية والاجتماعية بل يمتد إلى العلوم الطبيعية والتطبيقية من الكيمياء وعلم الحيوان وعلم النبات والفلكيات وعلم طبقات الأرض والهندسة والطب وما إليها من العلوم التجريبية فإن البعض يظن أن هذه العلوم لا صلة لها بالدين ولا بالعقيدة ولكن إلقاء أي نظرة إلى المقررات الدراسية والجامعية تكشف عن طابع العلمانية واضحًا في ثناياها فهي لا تعترف بالله تبارك وتعالى صراحة خالق هذا الكون ودوره في تحريك هذا الكون وحفظه، وعطائه للإنسان في مجال الكشف والمعرفة بحيث أصبح قادرًا على استغلال هذه المقدرات وتحريكها.
###10### هذه النزعة العلمانية التي خلقها نظام التعليم الحديث لها خطرها العميق في تشكيل عقليات ووجدان الشباب المسلم وعجزه عن فهم أبعاد قدرة الله تبارك وتعالى وعالم الغيب وفهم مهمة الإنسان في هذا الكون من خلال المسئولية الفردية والالتزام الأخلاقي ومن هنا يتحتم تطهير المفاهيم الإسلامية من المحتوى غير الإسلامي في هذه العلوم.
وإذا حاولنا أن نتعرف إلى رسالة الإنسان من خلال الفلسفة المادية نجدها تخضع الإنسان إما إلى الجبرية التي يسمونها مسئولية المجتمع أو المادية التاريخية.
أما القرآن فإنه يقف إلى جانب الإنسان في مواجهة العالم – على حد تعبير الدكتور عماد الدين خليل، ذلك أن القرآن يتيح له منذ البدء مركزًا ممتازًا للدور البشري على الأرض، فهو من جهة خليفة الله على الأرض والذي قدر له أن يصنع أحداثًا تاريخية بإرادته واختياره، سلبًا وإيجابًا (إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا)، (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها).
كما أن كتلة السماوات والأرض قد سخرت لأداء مهمته هذه، ومن ###11### ثم تجيء إرادته الحرة في صياغة الأحداث عن العقل والإرادة، مع تأثره لطبيعة الحال بنواميس الحياة وعلاقاتها المادية ولكن الكلمة الأخيرة في الصياغة تجيء دائمًا على يد الإنسان.
كما يكرم القرآن الإنسان تكريمًا واضحًا (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).(20/2)
وهكذا يتضح كيف يضع الإسلام الإنسان في المكان الكريم بينما تصنعه الفلسفات المادية في موضع الحيوانية والجبرية والاحتقار.
إن مفهومنا الإسلامي الأساسي يختلف تمامًا عن مفهوم العلوم الاجتماعية فنحن نؤمن بأن الله تبارك وتعالى خلق الكائنات لتعرفه ونسبح بحمده والغاية التي اختارها الله لها هي عمارة الأرض فهي في جملة: 1) معرفة الله والإذعان له وعمارة الأرض. 2) ومعرفة عالم الغيب والإيمان به. 3) ومعرفة عالم الشهادة بمعرفة فطرة النفس البشرية وقدراتها ومعرفة الأرض وطبيعتها ووسائل استعمارها.
وإن مصدر المعرفة الأولى والأكبر هو العلم الإلهي الذي وصلنا عن طريق أنبياء الله تعالى وكتبه، فقد بعث الله تبارك وتعالى الرسل ###12### بالمعارف التي تثري حياة الإنسان وتضيء له الطريق وترده عن المفاسد والمهالك، ومن خلال هذه المعرفة قدم المسلمون المنهج العلمي التجريبي الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية والذي انتقل بعد ذلك إلى أوروبا حتى اعترف بيكون بأن المعرفة هي التي قدمها العرب لعلومهم فكان المنهج التجريبي هو مصدر الحضارة الغربية، ويجيء دور الغرب في الإضافة أما الأساس فقد وضعه الإسلام: 1) إيمان بمفهوم التوحيد الخالص. 2) أخلاقية العلم والحضارة.
وهذا كله يختلف عن نظرية المعرفة الغربية التي ترى أن الإنسان قادرًا بدون أي مساعدة خارجية إلى إدراك حقائق الأمور، فالمعرفة الإسلامية تقرر أن المصدر الأعلى لها هو الوحي وأن العقل البشري ليس أداة الإدراك أو المعرفة الوحيد دائمًا، هناك أدوات أخرى منها الحواس.
كذلك فقد وضع الإسلام قاعدة التفاعل بين الفرد والمجتمع وقرر أن مسئولية المسلم فردية نحو نفسه وجماعية نحو مجتمعه، وأن الأصل الإباحة ما لم يرد نص أو تحريم وأن كل عمل المسلم حلال إذا قصد به وجه الله تعالى وأن الروح الإسلامية تعتمد على التكامل والواقعية والاعتدال والانسجام كما قدم القرآن للمسلمين القدوة الحسنة والتطبيق العملي في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وسيرته وأعماله وتقريره وأن المجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي متحرك متطور ###13### به طاقات عقائدية هائلة تدفعه نحو الأفضل فيرفض الركود والجمود وأن حركة الفرد المسلم والمجتمع المسلم في ظل التمسك بالإسلام كفيلة بأن تدفع الواقع نحو الرقي والتقدم بصورة صاعدة وممتدة.
ومفهوم التقدم في الإسلام مختلف عن مفهوم الغرب الذي يقوم على وجهة مادية صرفة أم في الإسلام فهو ترابط جامع بين المادي والمعنوي، بحيث لا يضحي بالمنوي من أجل المادي؛ ذلك أن بين الإسلام والتقدم رابطة كلية.
ومن هنا فإن العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية هي من أخطر العلوم على العقيدة الإسلامية، إذ يقوم أكثرها على افتراضات، ومسلمات وهي ترمي في الأساس إلى أهداف واضحة أهمها التشكيك في الأديان وإلغاء الأخلاق واعتبارها مجرد ظواهر نفسية واجتماعية وقد أشار (جون ستوارت مل) إلى البضاعة الفاسدة التي باعتها أوروبا للمسلمين فقال إنه يأخذ على النظريات الأوروبية في الإنسان ضيق أفقها الذي أفضى بها إلى فهم جزء من الحقيقة على أنها الحقيقة كلها.
فقد كانت مصيبة فيما أثبتت، مخطئة فيما أنكرت، يريد بذلك أنها حين اعترفت بالجانب المادي أو الاقتصادي أو الاجتماعي في حياة ###14### الإنسان كنت على حق، ولكن إنكار الجوانب الأخرى لحساب جانب واحد كان خطأ. إن جانبًا واحدًا من جوانب الحياة الإنسانية ينتزع من سياقه الصحيح ويبالغ في أمره مبالغة تتجاوز كل الحدود المعقولة فهم يتصورون الجزء خطأ على أنه الكل. وهكذا ترى أن الخلل الأساسي في الموقف الأوروبي خلل ثقافي بل في قلب الثقافة وجوهرها ألا وهو النظرة إلى الإنسان.
ولعل أخطر ما كشف عنه في السنوات الأخيرة وكان بعيد الأثر في تقييم ما يسمى بعلم الاجتماع ما قاله كثير من العلماء من أن هذا العلم يستخدم في كلا المعسكرين في خدمة هدفه وأنه مرتبط بأدوات السياسة والقوة العسكرية وأنه يرمي إلى مقاومة الحركات التحريرية في العالم الثالث (عالم الإسلام) وأنه يستخدم لدعم النظام الرأسمالي في الغرب وفي السوفيت يعمل على كشف مآسي وتناقضات المجتمع الرأسمالي. وأنه بذلك يمكن أن يكون علمًا إنسانيًا ويمكن أن يكون ضد الإنسان ويمكن أن يسهم في حل المشكلات أو يكرس التخلف ويخدم الأقلية.
وأكد الباحثون المحايدون، أن علم الاجتماع الغربي لم يكن علمًا قائمًا بعمله على النحو الذي يفرضه العلم ولكنه كان يعمل دائمًا ###15### في خدمة النظام وما يتصل به من تثبيت سلطانه ونفوذه في عالم المستعمرات أو البلاد الخاضعة له اقتصاديًا ومعنى هذا أن علم الاجتماع هو في داخل المجتمعات سواء الغربية أو الاشتراكية هو علم تبرير الواقع، التزامًا بتوجيهات القوة الحاكمية وأيدلوجيتها العامة.(20/3)
وبالرغم من وضوح ذلك وتكشفه فما يزال كثير من كتابنا ومفكرينا مخدوعون إزاء ما يظنونه من أصالة المنهج العلمي الغربي وقدرته وعطائه، وهي مسلمة خاطئة لم يقم الدليل على صحتها، بيد إن الأحداث والمتغيرات العلمية ما تزال تكشف عن فسادها وعن عجز ما يسمى المنهج العلمي الغربي عن العطاء ومما يحوطه من ثغرات في مجالات كثيرة خاصة في مجال العلوم الإنسانية التي اعتمدت على التجريب فتجاهله الفارق البعيد بين العلوم المتصلة بالمادة وما يتصل بالنفس الإنسانية ومن ثم ظهورها تهاوت مختلف النظريات التي ظهرت في العقود الأخيرة في مجال الاجتماعية والنفس والتربية والأخلاق.
###16### أعتقد أننا في حاجة إلى إعادة النظر في أمور كثيرة لم تعد قادرة على العطاء.
أولا: ضرورة الفصل بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية.
ثانيًا: ضرورة اتحاد منهج مختلف عن المنهج المادي في دراسة الإنسان.
ثالثًا: إعادة النظر في مذهب التفسير المادي للتاريخ ونظرية دارون ومفهوم فرويد للجنس ومفاهيم دوركايم ونسبية الأخلاق.
رابعًا: تصحيح دوائر المعارف العالمية وخاصة في مواد:
الله – الإنسان – الرسول صلى الله عليه وسلم – القرآن – الإسلام – الغيب – النبوة.
خامسًا: وضع مقدمات للعلوم عامة تقدر دور المسلمين.
سادسًا: ضرورة تقديم جميع الكتب المترجمة من الفكر الغربي إلى اللغة العربية بمقدمات تكشف وجهتها وغايتها وأهدافها.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(20/4)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
24
العلم في الغرب
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###91### العلم في الغرب
انتقل هذا العلم الإسلامي مع كل نتاج الفكر الإسلامي إلى أوروبا، واستقر في "الأندلس" ثمانمائة عام، فكانت منار الغرب كله، وكانت جامعاتها موئل المثقفين من مختلف بلاد أوروبا، التي كانت قد سقطت في ظلمات القرون الوسطى حوالي عام 400 ميلادية قبل ظهور الإسلام بقرنين تقريبًا، وظلت سادرة في ظلامها حتى أوائل القرن الخامس عشر بعد أن قطعت أكثر من ألف سنة كانت أضواء الإسلام خلالها قد عمت الآفاق.
فقد وصل المسلمون إلى شواطئ أوروبا في أوائل القرن الثامن الميلادي – أي بعد أربعمائة عام تقريبًا من سقوط روما – ومنذ ذلك الوقت حتى سقوط غرناطة في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، كان وجود الإسلام في أوروبا ###92### كلها (الأندلس أصلا وجنوبي فرنسا وإيطاليا) وجودًا حقيقيًا، يتمثل في حضارة كاملة بجامعاتها وعلومها وآثارها وكتبها وفكرها.
ولقد كان إنهاء هذا الوجود على هذا النحو الذي تجمع عليه كتب التاريخ الإسلامي والغربي جميعًا، ولا يختلف فيه هو أشبه بمؤامرة ضخمة، حاصرت العلم والجامعات والنتاج الإسلامي كله، ثم أخرجت المسلمين منه إلى شاطئ أفريقيا تحت اسم أوروبا للأوروبيين، ففي خلال هذه الفترة الضخمة الخصبة التي استمرت من 722 ميلادية (101 هـ) إلى سقوط غرناطة 1492م (898 هـ) تحول إلى أوروبا كل نتاج العلم الإسلامي داخل إطار فكرة الجامع، وهي فترة تزيد على 770 عامًا كاملة.
ومن هذا النتاج وأدواته ومصادره، قامت النهضة الغربية الحديثة التي عرفت باسم "الرينسانس" والتي تمثلت في مصادر كثيرة، أبرزها أولئك العلماء الذين تعلموا في جامعات الأندلس، ثم انتشروا في جامعات فرنسا وإنجلترا وإيطاليا، فكانوا نواة النهضة الأوروبية الحديثة، وأخذوا بالخيط من نقطة توقف المسلمين، وساروا به حتى بلغوا بالعلم والحضارة هذا المبلغ الذي نراه اليوم.
###93### غير أن النهضة الأوروبية لم تتخذ الفكر الإسلامي مصدرًا لها، وإن كان قد فتح لها الآفاق إلى المدنية، وكان أول ما أعطاها مفهوم الإرادة الإنسانية الحرة؛ هذا المفهوم الذي حطم مفهوم العزلة عن الدنيا والعكوف في الأديرة. ثم أعطاها مفهوم حرية فهم النص المقدس والاتصال بالله اتصالا مباشرًا دون وساطة، وهذا ما دعا إليه لوثر وكالفن، ثم كان المنهج العلمي التجريبي الذي وصل إلى نقطة أساسية، وهي معرفة أسلوب الوصول إلى كشف قوانين الطبيعة بالإضافة إلى ذلك التراث الضخم في عالم الفلك والبحر والطب والصناعة التي عاشت عليه أوروبا بعد ذلك ثلاثة قرون كاملة حتى استطاعت أن تقيم به النهضة الصناعية المدنية.
فالإسلام هو الذي لم تقبله أوروبا حين قبلت المنهج العلمي الإسلامي، وهو الذي أطلق العقل الإنساني من قيوده الذي كبلتها به الوثنية غير أن أوروبا صاغت فكرها الجديد من أصول قديمة، قوامها الفلسفة اليونانية والقانون الروماني وطابع المسيحية بتفسيراتها التي لم تكن تمثل الدين الذي أنزل على نبي الله عيسى عليه السلام.
وقد حال ذلك كله دون أن تضع العلم في موضعه الصحيح الذي رسمه له الإسلام، أو الدين بعامة، فكان ###94### أن تقدمت أوروبا في مجال العلم التجريبي، وانحرفت في مجال الفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي على النحو الذي أسلمها من الفلسفة المثالية إلى الفلسفة المادية التي يعيش فيها الغرب في هذا القرن حياته كلها، وقد كان ذلك أثره على اتجاه العلم ومنتجاته وآثاره وخططه في المجتمع والحضارة، وتلك هي أزمة العلم والحضارة.
ثانيًا: عندما بدأ العلم يقدم اكتشافاته، وقع الصدام بينه وبين رجال الدين، فقد كانت الكتب القديمة، قد وضعت مقررات عن الطبيعة والأرض والزمان، اختلفت مع ما حاول العلم أن يثبته.
وقد انتهى هذا الصراع بموقف عداء مع رجال الدين ومع الدين نفسه، وفي هذه المراحل استعلى العلم بكشوفه، وحاول أن يشق طريقه بعيدًا عن الدين، فظهرت مفاهيم مختلفة منها الدين البشري والإلحاد والخصومة بين العلم والدين.
غير أن العلم الذي أصابه الغرور الشديد حين أعلى مفاهيم المادة والعقل، وأنكر الجوانب الأخرى في الحياة الإنسانية كالروحية والغيب والوحي والدين، قد شق طريقًا صعبًا يتمثل واضحًا في كتابات أرنست رينان، وهربرت ###95### سبنسر، وغيرهم من الفلاسفة لا العلماء.
فقد حاول هؤلاء بالإضافة إلى بخز وغيره تفسير الحياة تفسيرًا ماديًا صرفًا، وبلغ الإيمان بالعلم درجة كبرى حتى وصفه أرنست رينان في كتابه "مستقبل العلم" بأنه سينقذ الإنسانية وأن العصر الذي يسود فيه العقل، وتصل فيه الإنسانية إلى الكمال آت لا ريب فيه. ومن ثم قام مفهوم مسيطر هو أن العلم كل شيء، ولا شيء غيره، وأنه هو الذي ينظم المعرفة على اختلاف أنواعها.(21/1)
ومن ثم نشأت نظرية قيام المجتمع على أساس المحسوس والمعقول وحدهما، وإنكار ما سوى ذلك من دين وغيبيات ووحي ورسالات سماء، واعتبار ذلك كله من الوهم الذي يغرق فيه الجهلاء. (ولندع الجانب الفلسفي حتى نصل إليه) أما العلم فقد تبين له بعدما قطع أشواطًا طويلة أنه ليس قادرًا على الإجابة على كثير من الأسئلة، وخاصة معرفة كنه الأشياء ومصادرها وغاياتها، ومن ثم فقد تقرر بصورة عامة أن العلم لا يفسر الأشياء، ولا يعللها، ولكنه يصفها ويقررها، فمهمة العلم قاصرة على وصف الظواهر وتقريرها، وبذلك خفف العلم من غلواء النظرة الأولى التي كانت في أذهان الأوائل، وهي تفسير الوجود بحيث يصبح ###96### العلم هو المنهج الوحيد للمعرفة، سواء في مجال العلوم الطبيعية والرياضية أو مجال الإنسانية، وتخلى العلم عن الإجابة عن "لماذا" بعد أن تبين لهم عبث هذه المحاولات وعقم نتائجها، وترك العلم للفلسفة مهمة البحث عن العلل النهائية للوجود بعد أن عجز في هذا المضمار، ولم يسفر بحثه عن شيء.
وقرر العلماء أن العلم إنما يقدم مجموعة من الفروض الظنية لتفسير الطبيعة، وأن هذه الفروض تتحول بالتجربة إلى قوانين، كما قرر العلماء أن العلم لا يفسر شيئًا، وإنما هو يربط وينسف ويلاحظ ملاحظة منهجية، وبالتالي يصف ويقرر، وليس هذا فهمًا للأشياء، ولكنه تعرف عليها، ويقرر العلماء أن العلمية تقتصر على ظواهر الطبيعة، وأعمال البشر وعلاقاتهم التي يمكن أن تستخدم المشاهدة والتجربة لاكتشاف قوانينها، ومن ثم فقد وصل العلم إلى تقرير أن العقل البشري لا يستطيع أن يدرك شيئًا إلا عن طريق الحواس، ولذلك فكل ما يقف وراء الحس والعقل، فلا يمكن للعلم أن يبحث فيه، أو يعرف عنه شيئًا، كذلك فقد تقرر أن حقائق العلم ليست مطلقة ولا أبدية، بل هي تقرر الحقيقة النسبية، وما يزال للبحث العلمي صراع بين الإنسان والطبيعة.
###97### فكلما ازداد الإنسان معرفة لقوانين الطبيعة، ازدادت سيطرته عليها، وما زال العلماء يتساءلون: هل يستطيع العقل أن يدرك الحقيقة؟ لقد قطع أشواطًا بعيدة خلال ثلاثمائة سنة، فهل استطاع الوصول إلى الحقيقة؟
كذلك فإن العلم ما زال يجهر الإنسان بأفظع وسائل الفتك والتدمير، وزعم تقدم العلم، فإنه عجز عن حل المشاكل الكبرى المتمثلة في أصول الكون ونهايته وطبيعة المادة ومنشأ الحياة وخلود الروح، وما زالت آراؤه مضطربة.
يقول مارتين ستانلي كونجدن: "إن نتائج العلوم تبدأ بالاحتمالات، وتنتهي بالاحتمالات، وليس باليقين" ونتائج العلوم بذلك تقريبية، عرضة للأخطاء في القياس والمقارنات، ونتائجها اجتهادية وقابلة للتعديل بالإجابة والحذف، وليست نهائية، وقد اضطر العلم منذ أجيال أن يترك البحث في كنه الأشياء بعد أن تبين له أن لا سبيل إلى معرفة الكنه المغيب عن الحواس، واكتفى بدراسة ظواهرها.
ولا ريب أن لغلبة المادية الصرفة عن العلم، ولانفصاله عن الروح، ولتجاهله الدين والوحي ورسالة السماء التي قد قدمت للإنسان عالم الميتافيزيقا في وضوح ###98### كامل، لا ريب أن لهذا كله أثره في عجز العلم عن فهم كنه الأشياء، وعن قصوره عند المحسوس وحده، ويقول رسل تشارلز أرنست: إن كل الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية، قد باءت بفشل وخذلان ذريعين، ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله، لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر المتطلع للعالم على أن مجرد تجمع الذرات والجزيئات عن طريق المصادفة يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية".
ثالثًا: هاجم "روجر بيكون" ومن بعده "ديكارت" المنطق الأرسطي، وما يفضي إليه من اعتماد على العلم طريقة القياس، وقال: إنه ينبغي أن يعتمد قبل كل شيء على التجربة، وكان العلماء المسلمون قد سبقوهما في ذلك بأكثر من سبعة قرون، وكان التحذير من استخدام المنطق الأرسطي يرجع إلى تصوره، وكان المنهج العلمي الصحيح هو الذي يجمع بين التجربة وبين القياس، أي: بين الاستقراء القائم على التجارب وبين القياس المحكم، وأطلق على هذا "المنطق الحديث" ولم يكن هذا الجمع إلا ما دعا إليه البيروني وابن الهيثم وجابر بن حيان، ثم جاء مفكرو الغرب من بعد ذلك يعلنون أن المنطق الأرسطي، قد انتهى زمنه، ###99### وحل بدلا منه المنهج العلمي الذي يعتمد على دراسة الظواهر ورصدها مع الجمع بين التفكير النظري وبين الملاحظة والتجربة.
وكان هذا هو ما قرره المسلمون من قبل، وجاءت آراء كانط وديكارت ونيوتن في الطبيعة وانكسار الضوء والإبصار، فهللت لها أوروبا، ثم تبين من بعد أن أغلبها مأخوذة من ابن الهيثم، وهلل الغرب لـ "هارفي" ووصف بأنه مكتشف الدورة الدموية مع أن مكتشفها الذي سبق هارفي بقرون هو ابن النفيس.(21/2)
وهللت أوروبا لآراء دارون ولامارك في التطور، وقد ذكرها ابن مسكويه، وما نادى به لامارك من أثر الطبيعة والبيئة على الأحياء سبقه إليه ابن خلدون حيث قال: إن العادة قد تغير من صفات العضويات كما يغير الطقس، ويضاف إلى ذلك ملاحظات الجاحظ وابن سينا في التطور والارتقاء.
وقبل كبلر وجاليلو وكوبرنيك وضع العلماء المسلمون علم حساب المثلثات بطريقة منظمة، واعتبر علمًا إسلاميًا، وعملوا الأرصاد، وأقاموا المراصد، وقدروا أبعاد بعض النجوم والكواكب، وقالوا باستدارة الأرض، وقاسوا ###100### محيطها، وحسبوا طول السنة الشمسية، ورصدوا الإعتدالين، وحسبوا طول السنة الشمسية، وكتبوا عن البقع الشمسية وعن الكسوف والخسوف، ووضعوا أسماء كثير من الكواكب التي ما زالت تستعمل حتى اليوم: (الدب الأكبر – الأصغر – الحوت – العقرب – إلخ).
وهذا كله يعني أن الأصول العامة التي تفرعت من بعد، قد أرسى دعائمها المسلمون حتى جاءت النهضة العلمية الحديثة، فاندفعت إلى آفاق بعيدة، فاتسعت مجالات العلم من كيمائية وجولوجية ورياضية، وفلكية، وطبيعية ونبات وحيوان، ووصلت إلى المفاعلات الذرية والتفاعلات الكيميائية المختلفة وإرسال القذائف الصاروخية والأقمار الصناعية وسفن الفضاء وغزو الفضاء.
غير أن الملاحظ أن هذا التقدم العلمي قد اعترضته مجموعة من المحاذير الخطيرة:
أولا: كان اختلافه مع الكنيسة مصدرًا من مصادر خلافه مع الدين ووقوع الصراع والتعارض على النحو الذي فصل العلم عن روح الدين كلية وعن أخلاقياته، فاندفع في طريقة لإنتاج آلات الدمار والذرة وأخطارها في الحروب وفي الاستعمار، وبالنسبة للشعوب الضعيفة.
###101### ثانيًا: أعطى العلم سره للقوى الكبرى، وحجبه عن عامة البشر والناس، فلم يكن أداة سعادة للإنسانية، كذلك اتجه إلى الجانب الحربي أثر مما اتجه إلى جانب تخفيف آلام الإنسانية، كذلك انحرف إلى جانب الترف والغرائز والأهواء.
ثالثًا: حاول السيطرة بأساليبه المادية على العلوم الإنسانية وقضايا الأخلاق والنفس والمجتمع، بينما لم تكن أدواته هذه صالحة لهذه الوجهة.
رابعًا: أعان على ظهور الفلسفة المادية، فانحرف بالبشرية إلى أخطر أزمات الإنسان حين
أعلى من شأن الجوانب المادية، وأنكر الجوانب المعنوية والروحية والنفسية.
خامسًا: كان من أخطر طوابعه إنكاره مصدر القوانين والنواميس الطبيعية والعجز عن نسبتها إلى صانعها الأول: الحق تبارك وتعالى.
رابعًا: كانت نظرية التطور التي جاء بها دارون، هي أول نقاط تحول العلم الغربي إلى المادية وسيطرة المفهوم المادي على الاجتماع الإنساني، فلقد كان دارون يرى أن جميع الكائنات الحية التي كانت تعيش على الأرض، قد نشأت من أصل واحد أو عدة أصول، ولم يزعم دارون أن الإنسان قد ###102### انحدر من القرد مباشرة، ولكن من نوع من الكائنات أقل مرتبة من الإنسان، ثم اجتاز مرحلة تطور فائقة اكتسب فيها القامة المعتدلة والعقل، وما قدمه دارون لم يكن إلا نظرية، والنظرية أساسًا تقوم على فروض تتجمع لترجح وجهة نظر معينة، فبحكم ما وصل إلى علم دارون وما اطلع عليه من جماجم وحفريات افترض هذا، وبالرغم من أن ما قاله دارون كنظرية قابل للنقض والمعارضة، فقد حورتها الفلسفة إلى ظاهرة اجتماعية هي التطور الاجتماعي؛ "وهذا له مجال في دراسة الفلسفة". غير أن كثيرًا من العلماء لم يقبلوا افتراض دارون، وكشفت أبحاث هكسلي وغيره من أن الإنسان مخلوق فريد من الناحية البيولوجية، ومن النواحي العقلية والنفسية، وأنه في هذا يتميز تميزًا واضحًا عن الحيوانات. ولقد ناقض دارون تلاميذه وأقرب الناس إليه، ووجدت مفاهيم دارون في تنازع البقاء في السلالات اختلافًا كبيرًا بين خلفائه، وعدلت عشرات المرات، وثبت تضاربهما وتعارضهما، وأبرز من عارض دارون "لالاند" في كتابه "خداع التطور" فقد أثبت خطأ نظرية التطور من الأساس.
ويقول أقرب الناس إلى دارون: إن دعوته إلى تنازع البقاء، قد حالت بينه وبين رؤية التعاون في الطبيعة، ###103### والتعاون أكبر من التنازع.
ومن الغريب أن "لامارك" قد علل قبل "دارون" النشوء والارتقاء تعليلاً غير هذا، فقال: إن النشوء والارتقاء إنما ينجم عن تكيف الأحياء وفقًا لبيئتها وتوارث الصفات المكتسبة، وقال آخر بما يسمى التحول الفجائي بين الأحياء، وقد اشترك كثير من الفلاسفة والعلماء في دراسة الصلة بين المخلوقات، وقالوا بوجود قرابة بين الإنسان وسائر الحيوانات، ولكنهم لم يتوصلوا إلى إيجاد تعليل واف يبين كيف تم ذلك، وقد أطلق على هذه النقطة اسم "الحلقة المفقودة" التي ما زالت إلى وقت قريب موضع تعلة الماديين وتمسكهم بهذا الرأي.(21/3)
خامسًا – تبين من الأبحاث التي أجريت فيما يتعلق بنظرية دارون من الناحية البيولوجية الخالصة أن الإنسان لم يتطور إلى كائن آخر، وما زال هو الإنسان الذي وجد منذ عرف بصورته هذه، وقد مرت عليه عشرات الألوف من السنين، ولاريب أن هذا الثبات ينفي القول بتطوره قبل ذلك إلى صورته الحالية،كذلك، ثبت بطلان نظرية الاستعمال والإهمال، وقد قام الدكتور أوجست ولبرمان فأخذ فيرانًا وقطع أذنابها بمجرد ولادتها، واستمر في ذلك حتى ###104### الجيل الثاني والعشرين، فلم تحدث حادثة واحدة أن ولدت فأرة بغير ذنب، وكان لامارك قد افترض من استعمال أي عضو ينميه ويقويه، وترك أي عضو بسبب ضموره وتلاشيه.
ولقد حاول أرنست هيجل أن يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه دارون، فأعلن تسلل الإنسان من القردة مباشرة، وقد تعددت الأبحاث منذ سنوات طويلة في هذا المجال للبحث عن الحلقات المفقودة، وجرت دراسة آلاف العظام والجماجم وبقايا الإنسان المتناثرة في أنحاء العالم القجيم من جزر جاوة، إلى كينيا وروديسيا والصين، وقد وجدت قطع من العظام والجماجم ترجع إلى ما يقرب من خمسة عشر مليونًا من الأعوام وتعددت كشوف العلماء، وتوالت حتى جاء الدكتور ليكي مدير المتحف الوطني في كينيا الذي يوالي أعماله الحفرية منذ ثلاثين عامًا ليعلن عام 1964 م بأنه اكتشف مجموعة من المخلوقات في جبال كينيا تختلف اختلافًا شديدًا عن شجرة دارون وعن فكرة القرد الحيواني، ومعنى هذا أن القرد الحيواني لا ينتمي لشجرة التطور الإنسانية، وأنه انقرض تمامًا، ولم يخلف أي أثر، واستمر الدكتور ليكي في أبحاثه حتى أصبح شوكة في جنب علماء الأنثروبولوجيا قبل أن يموت عام 1972 م.
###105### واستطاع خلفه ريتشارد أن يقع على أهم اكتشاف في هذا المضمار، فقد وجد في أحد جبال كينيا جمجمة وعظامًا هزت الأوساط العلمية ترجع إلى مليون وستمائة ألف سنة تقريبًا، وأهم ما يميزها أن حجم المخ ووحداته ضعف حجم مخ "القرد الحيواني" رغمًا من أنها تزيد على القرد الحيواني بحوالي مليون سنة، ويعطي هذا الكشف تأكيدًا عمليًا بأن الجنس البشري ينتهي إلى فصيلة أخرى غير فصيلة القرد الشمبانزي، وقد وجدت الحفريات مجموعة كبيرة من بقايا القرود، وسمي الاكتشاف الجديد الإنسان 1470 ومن أهم ما يميزه أن زاوية ارتباط العمود الفقري بقاع الجمجمة، يؤكد أنه كان قادرًا على المشي مثلنا تمامًا، ولم تكن له صفات الوحش المعتدي، وهذا يدحض نظرية دارون في أن الصفات العدائية في الإنسان ترجع إلى أجداده القرود.
وكان البرفسور جوهانس هوردبر العالم الذري في سنمبتال بسويسرا قد أذاع بيانًا في "10 مارس 1956 م" عارض فيه نظرية دارون بشدة، وقال: إنه لا يوجد دليل واحد من ألف على أن الإنسان من سلالات القرود، وأن التجارب الواسعة التي أجراها دلت على أن الإنسان منذ عشرة ملايين سنة، يعيش منفردًا وبعيدًا جدًا، كذلك أعلن دكتور ###106### رويتر المشرف على أبحاث جامعة كولومبيا، وأيده البروفسور هوردلر "31 مارس 1956 م" أن نظرية دارون لا أصل علمي لها، وأن الكائنات إنما خلقت مستقلة الأنواع استقلالاً تامًا، فمنها الإنسان الذي يمشي على رجليه، ومنها الدواب التي تمشي على أربع، ومنها الزواحف التي تمشي على بطنها، كذلك أعلن العلامة هوجودي فريس: أن الأنواع قد ظهرت إلى عالم الوجود دفعة واحدة كاملة العدة دون سابق إعداد أو خطوات متوسطة، فلم يكن ثمة حاجة إلى سلسلة من الأجيال المتعاقبة أو الانتخاب الطبيعي أو تنازع البقاء.
ويقول الدكتور كريسي موريسون: إن كل نوع شجرة مستقلة، وإن القانون يتحكم في التنظيم الذري بالجنينات التي تقرر قطعًا كل نوع من الحياة من البداية إلى النهاية، ويقول جوليان هكسلي: إذا كان الحيوان قد تحول إلى إنسان في الماضي، فلماذا لا تتحول بعض الحيوانات الحالية إلى أناس؟
وصدق الله العظيم إذ يقول: [والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير] [45- سورة النور].
###107### وقد جاءت هذه التجارب بعد أكثر من سبعين عامًا ملتقية مع حقائق القرآن الكريم في خلق الأنواع كلها مكذبة لما ظن دارون وما كان قد فرضه بناء على ما وصل إليه من دليل.
ومن الحق أن يقال: إن نظرية دارون هي التي فتحت الباب واسعًا ليس أمام العلم، ولكن أمام الفلسفة المادية والشك الفلسفي وأمام خطوات أخرى، استخدمت لها في سبيل غايات بعيدة لتدمير البشرية، وقد سجلت بروتوكولات صهيون طرفًا من هذا الاتجاه في عبارة تقول:(21/4)
"إن دارون ليس يهوديًا، ولكننا عرفنا كيف ننشر آراءه على نطاق واسع، ونستغلها في تحطيم الدين" والوقع أن دارون لم يكن أكثر من باحث قدم ما وصل إليه، ولم يكن في مذهب دارون ما ينفي وجود الله، ولكن ما جاء في مذهب دارون يختلف اختلافًا صريحًا مع ما جاء في الكتب المقدسة عن الخليقة وأصل الإنسان، ولكنه لم ينكر وجود قوة أزلية قادرة" هي المرجع الأول والأخير ما في الكون، ومن هنا كان الخلاف مع رجال الدين المسيحيين الذين أصروا على ما في كتبهم، غير أن الأمور لم تقف عند هذا الحد، فإن خلفاء دارون من رجال العلم شطوا في النتائج التي توصلوا ###108### إليها، كذلك فلقد تلقف الفلاسفة ومن وراءهم القوى التي أرادت أن تنتفع بالنظرية في غير مجالها البيولوجي حين نقلها هربرت سبنسر إلى مجال الاجتماع. وإن أخطر ما قرره دارون وهو "تنازع البقاء" قد استغل استغلالا سيئًا في نظريات الماركسية والجبرية التاريخية وغيرها، ولقد أكدت الأبحاث الرصينة فشل دارون في تعليل التطور بتنازع البقاء، ذلك لأن عواطفه الاجتماعية التي اكتسبها من المزاحمة التجارية في لنكشير، ومن كفاح الإمبراطورية لخطف الأسواق وإذلال الأمم، هذه العواطف هي التي حملته على أن يكبر من شأن التنازع: تنازع البقاء، وحال بينه وبين رؤية مئات من صور التعاون في الطبيعة والأحياء.
وقد ثبت أن البقاء عن طريق التعاون بين الحيوان والنبات أكبر وأوسع من البقاء عن طريق التنازع، وأن دارون أخطأ خطأ فادحًا عندما زعم أن تنازع البقاء هو كل شيء، أو كاد يكون كل شيء، وإن كان فهمه كان محدودًا، وقد تبين أن التعاون في الطبيعة أكبر أثرًا وأوسع مدى من التنازع، وقد استغلت نظرية دارون في مجال الاستعمار استغلالا سيئًا، واتخذت وسيلة للنظم الغربية الديمقراطية في تبرير سيطرة الدول القوية على الدول الضعيفة.
###109### كذلك فإن ما وصل إليه دارون في التطور يختلف عما وصل إليه المسلمون الذين لاحظوا التدرج في مراتب المخلوقات من الجوامد إلى النبات إلى الحيوان إلى الإنسان، ولكنهم نظروا إلى تطور الإنسان من حيث نظر القرآن إليه: نطفة وعلقة ومضغة مخلقة وغير مخلقة، وهكذا فهم ينظرون إلى تطور خلقه حتى أصبح خلقًا آخر متكاملا، ولم يقولوا: إنه من أصل حيواني، ولم يبخسوه قدره، ولم ينفوا عنه مزايا، التي تفرد بها، وردوا تمييزه ابتداء إلى إرادة الله الصريحة من خلقه هكذا منفردًا ليصبح مستخلفًا في الأرض.
أما نظرية التطور التي قال بها دارون، فقد اتخذت سبيلا إلى القول بالتطور المطلق، وهذا ما لا يقره المفهوم الإسلامي الذي يقرر الإطار الثابت للكون وللإنسان، ويقرر الحركة من داخل هذا الإطار "الحركة داخل إطار ثابت وحول محور ثابت" كما تتحرك الكواكب والنجوم، أما التطور المطلق، فقد أريد به دفع البشرية إلى غايات خطيرة غير ما أراد لها الدين الحق.
وقد انتهي هذا إلى القول بالتطور في مجال الأخلاق والعقائد، وهو ما يجعل من أصول الدين الراسخة مجموعة من المبادئ النسبية التي ليست حقائق مطلقة، يمكن أن ###110### تتطور وتتطور إلى ما لا نهاية، وهو ما ليس كذلك.
فالإسلام يقرر أن هناك ما هو ثابت راسخ، وهي الأصول العامة، وهناك ما هو بسبيل التغيير والتبديل حسب البيئات والعصور، وهو المسائل الفرعية.(21/5)
سادسًا: كان لفتوحات العلم أثرها في الفكر الغربي البعيد المدى، وبلغ هذا الأثر غاية عنفه في مواجهة الدين ورجال الدين والكنيسة وتفسيرات الكتب المقدسة التي لم تكن إلا اجتهادات، كذلك كان للعلم أثره في الفلسفة، فإن نظريات العلم طغت على الفكر كله، وأثرت فيه، وكانت الفلسفة هي البديل للدين اعتمادًا على العقل، والنظرة التي وجهت إليه بالتقديس، ثم كانت هناك محاولة سيطرة العلم بمنهجه المادي التجريبي على العلوم الإنسانية، ثم كانت تلك النزعة المادية التي وضعت الطبيعة في موضع الله – سبحانه وتعالى – وأعطتها كل أسباب الإرادة والقوة والحركة. فاختفى بذلك تمامًا من أفق العلم. وأبحاثه ونظرياته الصانع الأكبر، والخالق الأول، الذي خلق من العدم ومن غير مادة موجودة، وكان لهذا آثاره العامة على الحضارة والمجتمع والحياة حين أعلى شأن العلوم المادية مع تقديس العقل وتأليه الطبيعة، بينما تراجعت العلوم الإنسانية وكل ما يتصل ###111### بالنفس والروح والمعنويات والأديان والأخلاق، وكل هذا من أكبر الأخطار التي واجهت العالم المعاصر وسر ما أطلق عليه أزمة الإنسان الحديث؛ كأن سر ذلك هو العجز عن التوازن بين الفكر والمادة والروح والجسم، واتساع النظرة العلمية والعقلية مع قصور العطاء النفسي والروحي، وهو ما عبر عنه كثير من الباحثين بالعجز عن تطوير قلب الإنسانية كما طور عقلها، وقد نتج عن ذلك ما تواجهه البشرية الآن من الحيرة والقلق ونزعات الفراغ والضياع، وقد قال برجسون في هذا: إن جسم البشرية قد تضخم تضخمًا خارقًا للعادة، فأصبح في حاجة إلى مزيد من العطاء الروحي، ذلك أن الذهن البشري وحده لا يستطيع فهم الحياة، وهذا هو ما نريد أن نصل إليه من البحث أنه إذا كان العلم هو وسيلة وأسلوبًا إلى فهم الحياة، فإنه عن طريق أدواته المادية، وعن طريق العقل، قد عجز عن ذلك تمامًا، إذن فهو ليس إلا جزءًا من منهج كبير كما يفهم الإسلام. هذا المنهج يقوم على أجهزة كثيرة وأدوات متكاملة، منها الوحي والدين والعقل والعلم، فهي كلها تتكامل ولا تتنازع وتستطيع بالمواءمة أن تقدم للإنسان أسلوبًا لفهم الحياة أكثر صدقًا وقوة لأنها تقف عند جانب واحد، ولكنها تنظر في كل الجوانب، وتلك هي الصيحة المتعالية الآن في الغرب بعد أن وصل العلم إلى ###112### تحطيم الذرة التي تقول بعجز العلم عن حل المشاكل، وأن العلم مهما تقدم فهو محدود، وأن هناك طاقة معطلة في العمل ورثة معطلة في المجتمع البشري تلك هي الدين، وكذلك فقد سقطت فكرة الاستقلال المتبادل بين الدين والعلم، فالدين أصل، والعلم فرع منه.
وقد تأكد الآن أن العلم سوف يعجز عن القضاء على الدين، بل سوف يؤكد الدين، وإذا كان الدين الحق لا يفسر ظواهر الكون كالعلم، فإنه يضع الإطار الأخلاقي للحياة، ويرسم المنهج الذي تقوم عليه العلاقة بين الله والإنسان والإسلام هو الذي أقام للعلم منهجه ومنطلقه من حرية البحث وهو الذي وضع العلم في إطار أخلاقية القيم، والتقوى الربانية حتى لا يستعلي بنفسه، أو يستعلي به طائفة من الناس، فيهددوا به البشرية أو يحرموها ثمرته، وحتى لا يكون أداة لإبادة الأمم أو إثارة القلق والاضطراب في المجتمعات من توقع خطر الحروب، كذلك حتى لا تكون مقرراته ومعطياته خاصة يقوم دون آخرين، ولكن ليكون لسلام البشرية كلها.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(21/6)
سلسلة على طريق الأصالة
24
محمد صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
###5### بسم الله الرحمن الرحيم
الرسول الخاتم
(المثل الأعلى والأسوة الحسنة)
ما تزال سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وستظل على مدى الأجيال والقرون، وحتى يرث الله تبارك وتعالى الأرض ومن عليها نبراسًا للمسلمين وضوءًا كاشفًا في حياتهم وأعمالهم ووجهتهم، فقد كانت تطبيقًا كريمًا لمنهج الله الذي جاء به القرآن الكريم ونورًا هاديًا لكل أمة تريد أن تصل إلى الحياة الكريمة على هذه الأرض أداءًا لحق الله وإقامة لمجتمعه في الأرض ومن حيث أخذت تنظر في وقائع حياة الرسول الكريم فأنت لا ريب تجد العبرة والقدوة والأسوة التي تضيء لك الطريق.
ذلك أن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست حديث تفاخر أو تندر أو تسلية وتبسط ولكن حياة الرسول هي منهج لحياة المسلمين على مدى الأزمان وهي ضرورة حتمية في أيام الأزمات وفي مراحل الضعف والتخلف وهي عامل أساسي في سبيل عودتهم إلى الله وإقامة المجتمع الرباني على الأرض من جديد فقد كانت حياة الرسول هي ###6### التطبيق العملي لمنهج القرآن والشريعة الإسلامية وستظل نبراسًا للأمة الإسلامية في جميع مراحلها في مختلف أزماتها وحين يشتد عليها الحصار والاحتواء من القوى الغازية ومخرجًا لها من كل مؤامرات خصومها.
كانت هذه الحياة خصبة حافلة بالعطاء، ووصلت إلينا كاملة بأدق دقائقها، كأنما نرى الرسول صلى الله عليه وسلم ونسمعه في مختلف وقائع حياته قائمًا ونائمًا ومتحدثًا وعابدًا ومحاربًا وقاضيًا.
فقد كان هذا كله إذ جمع الله تبارك وتعالى له ولمن تبعه بين الدعوة والدولة، وبين الرسالة والقيادة، وبين التبليغ والحكم، وهو ما لم يتحقق لنبي من قبل، وقد أعطى ما لم يعط رسول سبقه، وجاء الأنبياء برسالتهم إلى قومهم وبعثه صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وختمت به رسالات السماء فلا نبي بعده، وأعطى الأنبياء معجزات حسية لعصرهم وبيئتهم أما هو فقد أعطى القرآن معجزة المعجزات الباقية الخالدة إلى يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم:
"ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن البشر، إذ كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله لي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا".
وأعطى الأنبياء كتب السماء ووكل إليهم حفظها فاختلف فيها أما كتاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد حفظه الله تبارك وتعالى (إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) بل لقد زاده الله شرفًا حين قال (وإن علينا بيانه).
###7### وما من نبي أو رسول إلا ناداه الله تبارك وتعالى باسمه، أما نبيكم فقد كرمه الحق تبارك وتعالى فقال: (يا أيها النبي، يا أيها الرسول) وقد جعله حبيبًا ومقربًا حتى أقسم بحياته (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) وما حلف الله تبارك وتعالى بحياة أحد قط غيره وزاده حبًا حين جعله أشد قربًا (فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا).
وعندما عاتبه قدم العفو على العتاب (عفا الله عنك لم أذنت لهم).
وقد كرم الله تبارك وتعالى أمة هذا النبي فوضع عنهم الإصر الذي كان على الأمم قبلهم، وأحل لهم كثيرًا مما شدد على من قبلهم ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ورفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وحديث النفس "وأن من همّ بسيئة منهم لم تكتب عليه سيئة بل تكتب حسنة إن ترك فعلها، ومن همَّ بحسنة فإن عملها كتب عشرًا".
قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج). وقال: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال تعالى: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
وقد كرم الله تبارك وتعالى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يأخذها بسنن الأمم السابقة بل أعطاها عشرات الرحمات فلم يرسل لها الآيات حتى لا يهلكها حين كذبت وما أعطى الله تبارك وتعالى أمة ###8### محمد أن جعل فيهم طائفة لا تزال ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله.
وبعد فإذا ذهبنا نستجلي شمائله الكريمة وجدنا عجبًا:
لما انكسفت الشمس يوم وفاة ابنه إبراهيم وقال الناس إنها انكسفت لموته خرج يجر ردائه ويعلن أن الشمس والقمر آيتين من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته.
وعندما سمع الناس الصوت المدوي في غلس الصباح الباكر وخرجوا منزعجين رأوه صلى الله عليه وسلم عائدًا من مكان الصوت على فرس عرى وسيفه في رقبته وهو يقول لهم: لن تراعوا، لن تراعوا، وعندما وجد رجل يرتعد بين يديه قال له صلى الله عليه وسلم:(22/1)
هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة وعندما دخل مكة ظافرًا منتصرًا قال للناس: ما تظنون إني فاعل بكم، قالوا: أخٍ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أقبل جلس حيث ينتهي به المجلس وكان يمد طرف ردائه لحليمة السعدية لتجلس عليه ويلقي وسادته لضيفه ويجلس هو على الأرض، وكان إذا لقيه أحمد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف وإذا ما لقيه أحد فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده حتى يكون الآخر هو الذي ينزعها وكان يتجمل لإخوانه ويقول: إن الله يحب ###9### من أحكم إذا خرج لإخوانه أن يتجمل لهم، وقالوا: كنا نعرف خروج النبي برائحة الطيب، وقال أنس بن مالك: صحبت رسول الله عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشمم نكهة أطيب من ريح رسول الله وما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من النبي، كأن الأرض تطوى له وإنا لنجهد وهو غير مكترث.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال: اللهم صيبًا نافعًا وإذا خاف ضرره قال: اللهم حوالينا ولا علينا. وإذا سمع الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك وتهلكنا بعذابك، وكان إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والسلام، ربي وربك الله، هلال خير ورشد.
ويقول للمسافر: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك، وإذا سرى بالليل مسافرًا قال: اللهم أطو لنا الأرض وهون علينا السفر.
وكان يعود المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار ويقف للمرأة العجوز في الطريق ساعة تحدثه وإذا جاء وقت الصلاة قال: أرحنا بها يا بلال.
وكان يوجه أصحابه: يقول صلى الله عليه وسلم: لا يكن أحدك إمعة، يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم ###10### إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم" ويقول: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والصغير على الكبير، والقليل على الكثير.
ومن ذلك قوله: إذا كنتم ثلاثة فلا تتناجى اثنان دون الآخر، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم ويقول لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ويجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا ولا يقضين أحدهم بين اثنين وهو غضبان، رحم الله رجلا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى.
هذا رسول الله سماحة نفس وكرم خلق ونبل محتد فإذا جاء الأمر الجليل كان على قدرة من المسئولية حزمًا وحسمًا.
إن الذين من قبلكم كان إذا سرق الشريف فيهم تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد.
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.
###11### كل عمل الجاهلية أضعه تحت تحدثي وأول ربا أضعه هو ربا عمي العباس بن عبد المطلب.
وإنه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته.
ويقول صلى الله عليه وسلم: إن الزمن قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض واليوم نقول: لقد استدار الزمن كهيئة يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الإسلام الآن في مرحلة اليقظة التي تضعه على طريق الفجر بعد ليل طويل وأن خير ما يحتفل به في مولده هو التماس منهجه وتطبيق تعاليمه وإقامة المجتمع الرباني الذي دعا إليه والذي جعلنا مسئولين عنه وتبليغ رسالته إلى العالمين وأن يجمع المسلمون بين العقيدة والشريعة والأخلاق في وحدة واحدة، هذه دعوة نوجهها إلى إخوتنا أنصار السنة ورجال التصوف حتى يستكمل المسلم عقيدته: دعوة إلى توحيد الله وشريعة مطبقة في منهج الحياة وتزكية نفس بالأخلاق والعبادة فالمسلم سنيًا ومتصوفًا، سلفيًا وعابدًا، فارس النهار وراهب الليل.
أن ما يتميز به الإسلام عن عقائد البشر هو أن يجعل وجهته خالصة لله تبارك وتعالى وأن يكون كما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن هذا الأمر لا يحسنه إلا من أخذه من جميع أطرافه".
###12### وقد قدم الإسلام بحياة النبي صلى الله عليه وسلم مفهومًا جديدًا لتطور الإنسانية يختلف عن مفهوم الغرب الذي يرى العظمة في أهل الغنى وأبناء القصور والدرجات وهو مفهوم الجاهلية أيضًا (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) فقد جاء النبي يتيمًا أميًا فقيرًا ليجعل الله تبارك وتعالى من النبوة والوحي مقياسًا مختلفًا عن مقاييس البشر ومناهج الناس (ألم يجعلك يتيمًا فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى) كما أنه جعل العقيدة قادرة على أن يخرج الإنسان عن أخطاء الوراثة والبيئة مخالفًا مناهج العلوم الاجتماعية المادية.
ومن هنا فإننا يجب أن ننتهز هذه المناسبات لنحشد العبرة الحقيقية لها:(22/2)
أولا: أن نملأ قلوب شبابنا بالثقة الكاملة والإيمان الراسخ بأن دعوة الإسلام هي أمل البشرية اليوم بعد أن عجزت الأيدلوجيات كلها وتراجعت وهو وحده الذي يحمل لهذا العصر علاج أدوائه.
ثانيًا: إن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو دعوة الله الأولى والأخيرة منذ بعث أنبيائه.
ثالثًا: إن الإسلام هو الذي حرر الإنسانية عن عبودته الحضارات الفرعونية واليونانية والرومانية والفارسية والهندية وحرر العقل الإنساني من الوثنيات وألغى مفاهيم أرسطو وأفلاطون ###13### حول سيادة السادة وعبودية العبيد وألغى مفهومها الذي ظل مسيطرًا مئات السنين وفتح الباب أمام حرية الإنسان من السخرة والرق من ناحية كما حرر عقله وقلبه من عبادة الأصنام والأوثان فالبشرية اليوم مدينة لمحمد صلى الله عليه وسلم بهذا التحول الخطير.
رابعًا: إن الإسلام هو الذي قدم للإنسانية المنهج العلمي التجريبي ومنهج المعرفة ذي الجباحين ووضع البشرية على طريق المدنية والعلم والتكنولوجيا وأن الإسلام قدم ذلك من توجيه القرآن وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم ودينه وكتابه هو الذي صنع الحضارة الإنسانية حين أنشأ المسلمون المنهج التجريبي ومنهج المعرفة الجامع بين الروح والمادة ومن منطلق الآية القرآنية: (قل انظروا ماذا في السموات والأرض). وقوله تعالى: (قل هاتوا برهانكم).
خامسًا: أن الإسلام ينظر إلى كل قضية من القضايا المعاصرة عن طريق أساسي، هو أن لكل قيمة من القيم جانبان متكاملان: روحي ومادي، ولا يمكن فهم أي نظرية أو فكر أو مذهب دون وضعه تحت هذا المجهر، ومن قصور الفكر والحضارة الغربيين التماسهم طريقًا واحدًا هو الطريق المادي.
###14### يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول دينك نبوة ورحمة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله ثم تكون ملكًا عاضًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله ثم تكون (خلافة على منهاج النبوة) تعمل في الناس بسنة النبي ويلقى الإسلام بحرانه(1) على الأرض ويرضى ساكن السماء وساكن الأرض ولا تنزع السماء من قطر إلا صبته مدرارًا ولا تنزع الأرض من نباتها وبركاتها شيئًا إلا أخرجته".
فنحن الآن على طريق الله إلى هذه الغاية وهذه علاماتها: يقظة وصحوة ونهضة، يدخل الإسلام إلى كل حجر ومدر في قارات الأرض الخمسة وتعلو كلمة الله ويسلم المفكرون الغربيون الراغبون إلى معرفة الحق وتنجلي الآيات وتنكشف عن القرآن معجزاته في الخلق وفي الآفاق، ومن وراء الكواكب والمجرات يد الله تبارك وتعالى الخالق الصانع القادر فاعتبروا يا أولي الأبصار وتحية عطرة للنبي الأمي صلى الله عليه وسلم الذي هدانا إلى طريق الله وشرفنا بأن جعلنا من خير أمة ###15### أخرجت للناس فاستمسكوا به وبكتابه ودعوته إلى التوحيد الخالص وإسلام الوجه لله واصبروا ورابطوا واثبتوا وأبشروا:
(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون) صدق الله العظيم.
هذا وبالله التوفيق
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي
__________
(1) في القاموس حران وحرين أي أقام في مكانه لا يبرح.(22/3)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
25
النظرية المادية
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###115### النظرية المادية
النظرية المادية نظرية فلسفية ترى أن جميع ما في الكون مؤلف من المادة، ولا وجود لشيء غير مادي في هذا العالم، ولقد تعددت مذاهب الفلسفة المادية منذ أيام "ديمقريطس" اليوناني الذي قال بأن لا شيء موجود إلا بالمادة، ثم تجددت في العصر الحديث.
وكل المذاهب المادية ترى أن المادة، هي الوجود الأصلي للأشياء، وهي بهذا تعارض حقائق الفطرة والطبيعة والعقل والدين، وهي تعارض عددًا من المذاهب الفلسفية، كالمذهب الروحي في الفلسفة لأنها لا تؤمن بوجود الروح، ومن يؤمن بوجود الروح والعقل من الماديين، فإنه يرى أنهما متوالدان من الوجود المادي، أو أنهما صفة طارئة لبعض حالات المادة، كما تعارض النظرية المادية الفلسفية المثالية التي ###116### ترى أنه بالعقل يمكن تفسير سلوك المادة، ونفهم حالاتها وأوضاعها، ولكنا لا نفهم العقل بالمادة لأنها خالية من الوعي والإدراك، وترى النظرية المادية أنه ليس في العالم الملموس خواص ثابتة لذلك فلا يمكن وجود مفاهيم ثابتة ولا قوانين قطعية، ولا تؤمن الفلسفة المادية بالدين، وهي ترى أنه نظام من وضع البشر، ولا تؤمن بحياة أخرى بعد هذه الحياة. وأبرز قواعد النظرية المادية:
لا وجود غير الماد\ة، وأن قوام العالم عنصر واحد هو المادة.
سيطرة القوانين واضطرادها واستمرارها.
إنكار الغائية.
إنكار الغيب "عالم ما وراء الطبيعة" الميتافيزيقا.
وقد ظهرت نظرية المادية في إبان عصر العلم وفتوحاته الضخمة، وقد كان منطلقها تحول نظرية دارون من نظرية بيولوجية إلى نظرية اجتماعية عامة حين تلقفتها الفلسفة، وقد جاء ذلك بعد أن سقطت تفسيرات الدين، وانقسمت الفلسفة إلى مثالية روحية وإلى مادية، ثم سيطر المذهب المادي واستعلى نتيجة لسيطرة العقليات والحسيات والمبالغة في التصور بأنهما وحدهما عنصرا الوجود، أما الجانب الآخر غير ###117### الظاهر فقد صرف النظر عنه نهائيًا، وإن أطلق عليه اسم ما وراء الطبيعة غير أن النزعة العلمية التي سيطرت على الفكر كله، فرضت العقل والحس منطلقًا للفكر، وتجاهلت ما سواهما، وخاصة كل ما يتصل بالعلم عن طريق الوحي والنبوة ورسالات السماء.
ويعد الفيلسوف ديكارت أول من فصل الروح عن المادة فصلا بينًا، ومن ثم تراجعت مفاهيم الغيب وما وراء الطبيعة والروح والفكر، ولا ريب أن أصدق ما يقال في هذا: أن العلم الحديث نظر في المحسوسات والماديات، وقطع شوطًا كبيرًا من الانتصارات، فلما تعرض لما وراء المادة، عجوز بأدواته القاصرة عن تحقيق أي نجاح، ومن ثم أغفل هذا الجانب، وحاول تعليله تعليلا ماديًا، ويرد الباحثون غلبة النظرية المادية إلى نتيجة انتصار المادة مما دعا الفلاسفة إلى الإعلان بأنه لا يوجد غير المادة. حتى الحياة نفسها اعتبرت صفة من صفات المادة من معنى هذا إنكار وجود الروح ومعنى إنكار وجود الروح، هو إنكار لوجود الله سبحانه وتعالى، وللحقيقة فإن العلماء لم يفعلوا شيئًا من هذا، ولم يقرروه، وإنما الذي استحدث هذا وركز عليه ونشره في كل مكان هم الفلاسفة.
###118### ثانيًا: كانت النظرية المادية جزءًا من المعركة التي شنها العلم الحديث ضد المسلمات الجامدة والتفسيرات التي حاول الدين في الغرب أن يقدمها للحياة وتعارضها مع إرادة الله ومع اقتحام الحياة ومع المسؤولية الفردية، ولفساد المفهوم الروحي الخالص الذي ينكر الرغبات البشرية، ويحاول القضاء عليها، وتلك هي الصورة التي تجمعت للدين في نظر كل أصحاب الدعوات المادية، فقد بدأ الدين، وكأنه عقوبة قاسية أو قيد مرهق أو مضاد للفطرة البشرية.(23/1)
وفي مواجهة دعوة عنيفة إلى الروحية الخالصة ممثلة في إنكار حق الحياة وقسر الرغبات البشرية برزت المادية كرد فعل عنيف طاغٍ، ولو أن الفكر الغربي فهم الإسلام حق الفهم لوجده قادرًا على العطاء الذي يمكن العلم من أداء دوره دون أن يقع في المحاذير والأخطاء التي ساقه إليها مفهوم غير متكامل، ولا ريب أن من يطالع المذهب المادي على النحو الذي قدمه المتطرفون من أمثال بخنز يجده حربًا عنيفة على تفسيرات الدين ومعارضة لكل ما قدمته هذه التفسيرات حتى ليكاد دعاة المذهب المادي أن يذهبوا أساسًا إلى معارضة الاجتماع والوضع البشري، ويبدو ذلك ظاهرًا من محاولة شبلي شميل حين ترجم مذهب النشوء والارتقاء إلى اللغة ###119### العربية بعد الاحتلال البريطاني لمصر، فإنه لم يقف عند عرض المذهب الفلسفي وحده، ولكنه حاول اتخاذه أساسًا للمجتمع والأسرة والمدرسة والشريعة والقضاء والسياسة؛ فاعتبر المذهب المادي دينًا جديدًا، هو دين البشرية وعلى العرب والمسلمين أن يحلوه محل عقائدهم، كما فعل الغربيون حين عارضوا رؤساء الأديان، فدعا إلى ما أسماه تحرير الإنسان من بواعث التفرق التي غرستها الأديان، وقد كان هذا الاقتباس خاطئًا تمامًا، فإنما استغل الفلاسفة مذهب دارون في الغرب، وحولوه إلى ما أسموه دين البشرية، وهو العلم والعقل، لأنهم كانوا على خلاف مع تفسيرات الدين، ولذلك أرادوا التحرر من آثاره الباقية في المجتمع والمدرسة، وليس كذلك الإسلام في أفق العالم الإسلامي، ولكن هكذا، هدفت القوى الاستعمارية أن تفسد الفكر، وتثير الشبهات، وتنقل ما هو واقع في بيئة مختلفة إلى بيئة أخرى ليست لها به صلة ما.
ولم يكن من المعقول أن يقبل بسهولة ما دعا إليه فلاسفة المادية من الاقتصار على العلوم المادية دون التعاليم الدينية، أو من القول بأن الدين قد أضر بالإنسان والمجتمع، أو أن العلوم الطبيعية هي أهم العلوم البشرية، فقد كان ذلك كله ###120### نقلا غير موفق لما يجري في محيط له ظروفه الخاصة وتحديداته الواقعة مما ليس موجودًا في البيئة العربية الإسلامية بتاتًا، ولا هي في حاجة إليه، وفي هذا يقول العلامة محمد فريد وجدي: إن الفلسفة المادية لا تستقر إلا حيث يخلو لها الجو من النقد العلمي الصحيح، والرقابة العلمية الدقيقة لأن أهلها كثيرًا ما يعتمدون على المغالطات والسفسطات، فيسوقونها باسم العلم، وما هي منه، فإذا صادقت نفوسًا خلت من حقائق العلم أضلتها ودفعت بها إلى أقصى حدود التطرف، والمذهب المادي فلسفة لا علم، وفرق كبير بينهما، فالعلم يرود بوسائله مجاهيل هذا الوجود الضخم، وبدون العلاقات الموجودة بين ظواهره منها، ويصم الأشباه والنظائر، ثم يبذل وسعه ليجد النواميس العاملة في كل طائفة منها، وهو يحلل المواد ليعرف عناصرها الأولية، أما الفلسفة فهي جهاد من العقل وراء إدراك الحقيقة الكلية للوجود، وقد دخلت منذ نشوئها إلى اليوم في أطوار كثيرة، فبعد أن كانت تعتمد على العقل وحده، أصبحت اليوم تعتمد عليه، وعلى العلم أيضًا، ومن هذا الطريق وصلت الفلسفة إلى ما وصفت نفسها بالطبيعة، وهي التي يعتمد عليها المذهب المادي إلى الحكم بأن الوجود مادة ###121### محضة، ومحكوم بنظام آلي لا يختلف وأن ما يسمى عقلا وروحًا وعواطف، إنما هي حالات راقية من المادة، وليس لها وجود خاص تستمده من ينبوع سواها.(23/2)
ثالثًا: من حيث إن الكون لا توجد فيه غير المادة، فهو قول مردود بالنظرة الفاحصة والتأمل الرصين، فإن العالم الذي يحيط بنا "الطبيعة والمجتمع" يقدم لنا عددًا لا نهاية له لأن الظواهر المتنوعة تنوعًا لا نهائيًا والتي يمكن أن تتنوع على وجوه مختلفة، هناك أشياء كثيرة لا نستطيع أن نراها وأن نلمسها أو نقيسها، ولكنها أشياء موجودة، مثل أفكارنا وعواطفنا ورغباتنا وذكرياتنا، ونحن نسمي هذه الأشياء فكرية لنعبر عن كونها غير مادية، وهكذا ينقسم كل ما لدينا في الوجود إلى مجالين: مادي وفكري، والواقع يقدم لنا وجهًا ماديًا ووجهًا فكريًا، فالعمل قبل أن نبدأ به ليكون عملا محسوسًا، فهو فكر ثم إرادة، كذلك فإن بجانب المادة في جسم الإنسان شيئًا آخر، هو الروح، فإذا خرجت الروح من الجسد، لم يصبح هو الإنسان، بل أصبح جسدًا ميتًا، فالفكر والروح والنفس قوى لها حركتها وعملها كالمادة تمامًا، ولا يمكن الفصل بين المادة والفكر وبين المادة والروح، وإن فصلت بينهما الفلسفات الغربية، ولا سبيل للقول بسبق المادة ###122### على الروح أو المادة على الفكر أو العكس، وإنما هي دورة مستمرة مضطردة، والإسلام لا يضيع "المادية" في مقابل "المثالية" ولا يقف عند غير هذا القطب أو ذلك القطب، ولكنه يجمع بينهما ويمزجه مزجًا دقيقًا متكاملا، كذلك فليس صحيحًا ما يقال من أن المثالية والمادية يؤلفان تناقضًا أو يتنافيان، فالإنسان مادة وروح، فلا تعارض بين المادية والمثالية، ولا تناقض وليسا هما ضدين لا ينفصلان، وليس كل تقدم للمادية تأخرًا للمثالية أو العكس.
رابعًا: لا سبيل إلى إنكار الحقيقة الأساسية التي تقرر أن للكون غاية مقصودة، هي خير البشرية، كذلك فليس هناك ما يؤكد أم شيئًا في هذا الكون يقع بطريقة عشوائية، وإنما يجري كل شيء فيه وفق تقدير دقيق محكم، وليس من حادث يحدث فيه دون غرض يخدمه، سواء كان خفيًا أم ظاهرًا وكل ما في عالم الإنسان، وما في الكون بأسره يجري وفق تقدير مسبق لا يحيد عنه، وكل حدث يجري بقضاء وقدر، لا يردان ولا يقهران، فالغائبة إنما تعني الحكمة التي ارتادها وقدرها الخالق تبارك وتعالى، وأجرى حوادث الكون بمقتضاها، فقد أوجد الإنسان لغاية، وركب الكون لغاية، وليس من سبيل عن طريق العلم أو العقل أو الفطرة لقبول ما ###123### يقول الماديون من أن الكون جاء عن طريق المصادفة، وأنه لا هدف له، ذلك لأن العلم التجريبي والنظرة المادية لا يستطيعان مهما أوتيا من قوة أن يقولا مثل هذا، وهما قاصران على المادة المحسة، وقد تأكد تمامًا أن العلم التجريبي ليس من شأنه ولا في طاقته أن يفسر الأهداف والكيفيات، وإنما هو قاصر على فهم الظواهر، فقد يستطيع أن يجيب على "كيف" ولكنه يعجز عن أن يجيب على "لماذا" والإجابة بلماذا سواء في خلق الكون أو خلق الإنسان، إنما تقتضي الاعتقاد بوجود قوة خارج هذا الكون خالقة ومدبرة هي التي رسمت، وما زالت ترسم وتخطط مصير الكون والإنسان لحظة بلحظة أما القول بسيطرة القوانين الطبيعية واضطرادها واستمرارها فهذا قول قاصر، لأن هذه القوانين ليست من صنع نفسها، وليست مصادفة، ولو كانت لما جاءت بمثل هذه الدقة، وهذا الاستمرار العجيب، ولكنها من صنع الخالق القادر المدبر وصاحب هذه القوانين، وخالقها قادر على خرقها وتعطيلها في أي وقت يشاء، فلا سبيل إلى القول بجبرية استمرار القوانين، ومعنى استمرار القوانين أن تكون الحياة البشرية معادلة معروفة محسوبة، وهذا ما لم يحدث قط، وإن المتابع لسير الحياة والتاريخ وواقع ###124### الأمم والكون، يعلم أن قدرة الله القادرة غيرت القوانين وحقق نتائج لم تكن متوقعة من اضطراد القوانين كما أنها أوقفت نتائج منتظرة، ذلك لأن الله هو خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، والمسلم يؤمن بأن الله سبحانه بيده الخلق والأمر.(23/3)
ومعنى هذا فساد القول بالحتمية وباضطراد القوانين والنتائج، ويضرب بعض العلماء مثلا لفساد ما يعتقده الماديون من أن التطور يجري بقانون الانتخاب الطبيعي الذي يسعى دائمًا إلى بقاء الأصلح، فإنهم يعتقدون أن ذلك يجري وفق ضرورات محيطية ومعاشية، وليس لها غاية مسبقة وضعت قبل خلق الكون والإنسان، ولا ريب أن النظرة الربانية إلى الطبيعة تكشف عن قوانين مذهلة، توحي بأن وضعها في تلك الصورة كان لغاية حكيمة، من ذلك أن الماء هو السائل الوحيد في العالم الذي تكبر كتلته عندما تتجمد، أي: تقل كثافته بالتجمد، ولهذه الميزة الفريدة أهمية عظيمة في هذا العالم، فلو أن الماء تزداد كثافته عند إنجماده لرسبت الثلوج في قاع الأنهار والمحيطات، وبقيت هناك بعيدة عن أشعة الشمس، فلا تذوب وبهذه الصورة تنقص كمية المياه سنة بعد سنة حين تجمد، وتنقص كمية ما في الأرض من ###125### مياه، ولكن كتل الجليد تبقى طافية على سطوح الأنهار والمحيطات، فلا تجمد ما تحتها من مياه، كما أن طبقة الثلج التي تنشأ فوق الأنهار والبحار تحمي حيوانات تلك المياه من البرد، ولولاها لماتت تلك الحيوانات من شدة البرد، أو صعب عليها الحياة، كذلك لو لم يكن الماء مذيبًا لكثير من المواد الغذائية في التربة لما استطاع النبات أن ينمو على وجه الأرض، فهل يمكن القول بأن صفات الماء هذه جاءت مصادفة؟ أم أنها وضعت لغاية مقصودة وحكمة كبرى.
خامسًا: إن الاعتقاد في المذهب المادي بأن الموت نهاية الحياة، هو أخطر المفاهيم التربوية والأخلاقية وأبعدها أثرًا في إفساد الحياة وإخلائها من الغايات العالية الرشيدة وحسن التصرف ومدعاة غلى ذلك التكالب للتمتع بالحياة فضلا عن التنصل من الواجبات والمسؤوليات، فلا وجود للأمانة ولا الإخلاص ولا الرحمة، وهذا من شأنه أن يقضي تمامًا على مسؤولية الإنسان في الحياة والتزامه فيها، أما المسلم فهو يؤمن بأن هناك بعثًا وحسابًا ومسؤولية وجزاء للعمل الدنيوي كله، ذلك لأن الإنسان مستخلف في الأرض، وعليه التزام وأمانة، وله إرادة حرة هي مصدر مسؤولية وجزائه، وأنه مطالب أن يعمل على إقامة المجتمع العادل الرحيم ###126### بكل ما يمكنه من قوة وإرادة، وفي حدود عمله وقدرته.
سادسًا: إن العلم من خلال تجربته ومعامله ومقاييسه لم يتعرض للقول بمادية الكون، ولكنه قال: إنه يجهل ما وراء الطبيعة، ولم يتعرض للقول بأن الحياة صدفة، وما كان له أن يقول، وهو يرى دقة التركيب والتوقيت، ولكنه قال من واقع معامله وتجربته: إنه يجهل الإجابة عن سؤال لماذا، ومن أين جاء، وإلى أين يتجه؟ وتلك حدود العلم، أما الذي حاولوا أن يقتحموا الفراغ الذي توقف عنده العلم بحكم وظيفته المحدودة وأدواته القاصرة، الذين حاولوا أن يقتحموا هذا الفراغ إنما هم الفلاسفة الذين قدسوا العلم والعقل، وأصروا على أنه لا توجد وراءهما وسائل للمعرفة، وعجزوا وأنكروا وسيلة المعرفة الأولى والكبرى التي جاءت منذ عرف الإنسان وجوده على الأرض، وهي وسيلة الوحي والنبوة والرسالة، وكتب الله ومنهج الله وآياته، فقد قدم الحق تبارك وتعالى للبشرية منهجًا كاملا لهذا الجانب الذي يسمى عالم الغيب، والذي يطلق عليه اسم الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة، قدمه للإنسان من خلال كتبه ورسله، حتى لا يشغل الإنسان عقله بالبحث عنه، والعقل أعجز من أن يصل إليه دون عون من الوحي الرباني، وحكمة ذلك أن ###127### تطمئن النفس الإنسانية لهذه المعرفة عن الغيب، فتتجه إلى المعرفة المادية التي وجد العقل فعلا للعمل فيها، وهي اكتشاف قوانين الطبيعة والمادة والإفادة منهما في بناء الحياة وعمران الكون وأداء رسالة الإنسان المستخلف في الأرض بإذن ربه، ولكن الإنسان الغربي حين أزاح عن نفسه تفسيرات الأديان التي لم تقدم له هذه الحقائق، ولم يكلف نفسه أن يبحث عن الدين الحق، وفيه منهج كامل للميتافيزيقا، فحاول أن يجتهد، أما العلم فقد توقف عند قدراته وأدواته، وأما الفلاسفة فقد اندفعوا ليسدوا الثغرة بالعجز المتمثل في القول بأن كل ما ليس تحت السمع والبصر، فهو ليس موجودًا، ومن ثم فلا حكمة لديهم في خلق الكون والإنسان فهي المصادفة العمياء، وإذن فلا غائية، ولا بعث ولا هدف من هذه الحياة البشرية على الأرض، فهي إذن لعبة ومن حق الإنسان أن يسارع إلى اقتناص متعها والاندفاع وراء رغباته فيها قبل أن يدركه الموت أو يدركه تفجير الذرة والحرب، ومن هنا كان المذهب المادي فلسفة لا علمًا، وفرق بينهما كبير.(23/4)
ولكن العلم في الخمسين سنة الأخيرة، دخل طورًا جديدًا من التشكك، دفه أقطابه إلى أن يضعوا "يقيناته" ###128### السابقة في الميزان من جديد وتغيرت لهجة ممثليه، فأصبحوا يتكثرون من قولهم: إن الوجود مشحون بالمجاهيل حتى فيما يدعي أنه قد فرغ من بحثه، وتبين من أقوال العلماء في هذا الصدد أن المذهب العلمي قد أثيرت حوله الشبهات، وأن فتوحات جديدة وصل إليها العلم في مجال المباحث النفسية والروحية، وأن عهدًا جديدًا بدأ يتمثل فيه حاجة العقل وحاجة الروح على أسلوب علمي محض، وقد أعلن أن الأصل الروحاني ضروري لبناء مذهب يحل معضلات الكون، وقد أعلن أن الفلسفة المادية لم تلبث أن أثارت الشكوك حول هذا الانفتاح على عالم الغيب، وحولت المباحث الروحية إلى غايات بعيدة الخطر، وكان على العلم أن يبحث مرة أخرى على آفاق جديدة للفهم الصحيح، وقد جاء ذلك في إنشطار الذرة "فقد كان الظن إلى عهد قريب أن المادة لا تنقسم إلى ما لا نهاية، بل تقف عند حد لا يتجزأ، وهذا الذي سموه الذرة والجوهر والفرد، قم أثبت العلماء أن الذرة قابلة للتجزئة، فبعض الذرات تنفجر من تلقاء ذاتها مثل ذرات الراديوم واليورانيوم وغيرها، واتضح أن الذرة تتحلل إلى ثلاثة أجزاء إلى أشعة، وبذلك انطلقت المادة الذرية، وأصبحت طاقة يمكن استخدامها في أغراض الحرب ###129### والسلم، ومعنى هذا أن أفقًا جديدًا قد كشف الله تبارك وتعالى عنه للإنسان ليصل إلى الحقيقة: إن مفهوم المادة القديم قد تغير، وأصبحت المادة طاقة، وأصبحت المادة تتحول إلى طاقة والطاقة إلى مادة، وأصبحت المادة والطاقة بمثابة مظهرين لشيء واحد، وقال العلماء: نتيجة لذلك: إن القول بالمادية المطلقة يستتبع القول بأن المادة أزلية أبدية، وأنها كاملة غير متطورة، وهذا ما يتنافى مع القوانين العلمية كما يستلزم إنكار العقل، وهو غير مادي، وأن الحتمية تفرض وجود نظام في المادة هو نفسه دليل على وجود قوانين تحكم حركة المادة التي قيل: إنها ثابتة لأنها كاملة، والقوانين عبارة عن علاقات عقلية لا تصنعها المادة لنفسها لأنها غير عاقلة، والحتمية تستلزم أن تسير المادة وفق غاية مرسومة، والغاية توضع قبل أن يوجد الشيء الذي يحققها، فالنحات قبل أن يعمل أزميله في قطعة الحجر، ويكون قد رسم لنفسه الغاية التي يبتغيها من عمله، فالغاية إذًا سابقة على وجود الشيء، وهي فكرة عقلية تحكم المادة، وتوجهها، فهي – إذن – تستلزم وجود قوة روحية عاقلة".
سابعًا: إن أخطر مرحلة في تاريخ العلم الحديث، وهي التي سوف تقرر مصيره لأجيال بعيدة، وتفتح له صفحة ###130### جديدة بعد هذه الأعوام الثلاثمائة من صراعه مع الدين، هي انفلاق الذرة التي ألغى نظرية الانفصال بين المادة والطاقة، فأصبح معلومًا أن المادة تصبح طاقة، وأن الطاقة تصبح مادة، وعلى هذا فقد دخل عالم الغيب في صميم العلم، هذا العالم الذي ظل العلم المادي وما تزال الفلسفة المادية تنكره، يقول العلامة هايدين في كتابه المادية: ماتت النظرية المادية بالنظرية القائلة بأن الذرات مركبة من الكهرباء وبروتونات موجبة وإلكترونات سالبة، وطغت عليها نظرية "الكوانتوم" التي تقول: إن الكهربائية تجيء شحناتها من المجهول "الغيب" وتذهب إلى المجهول "الغيب" ومن هنا لم يستطع المذهب المادي الإجابة على هذا السؤال، وقال هايدن معلقًا: إن الحقيقة التي طفق الإنسان يبحث عنها دهورًا عديدة، هي روحانية في وجودها، والروح لا يدركها العقل، وقد توالت في هذا الطريق أبحاث منها حقائق مغايرة تمامًا لما هو سائد في بيئات العلم، كأنه من المسلمات، والعلماء الآن يكشفون حقائق جديدة، ويعلنون أن قوانين "الديناميكا الحرارية" قد أخذت تدلهم على أن لهذا الكون بداية، وأنه إذا كان للكون بداية، فلا بد له من "مبدئ" من صفاته العقل والإرادة واللانهاية، فيقول الباحثون: نعم ###131### إن هذا الخالق لا بد أن يكون من طبيعة تخالف طبيعة المادة التي تتكون منها ذرات تتآلف بدورها في شحنات أو طاقات لا يمكن بحكم العلم أن تكون أبدية أو أزلية، وعلى هذا فلا بد أن يكون هذا الخالق غير مادي، وغير كثيف، ولا بد أن يكون لطيفًا متناهيًا في اللطف، خبيرًا لا نهاية لخبرته، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار.
ويقول هؤلاء العلماء: فإذا كان نريد أن نصل إليه، فسبيلنا إلى ذلك لا يكون بحواسنا التي لا تستطيع أن ترى إلا الماديات الكثيفة، وإذا كنا نريد أن نلمس وجوده، فإن ذلك لا يمكن أن يتم داخل المعامل أو أنابيب الاختبار أو باستعمال المناظير المقربة أو المكبرة، وإنما باستخدام العنصر غير المادي فينا: كالعقل والبصيرة.(23/5)
إن فروع العلم كافة تثبت أن هناك "نظامًا" معجزًا يسود هذا الكون: أساسه القوانين والسنن الكونية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل، والتي يعمل العلماء جاهدين على كشفها والإحاطة بها، وقد بلغت كشوفنا من الدقة قدرًا يمكننا من التنبؤ بالكسوف والخسوف وغيرهما من الظواهر قبل وقوعها بمئات السنين، والسؤال هو: من الذي وضع هذا النظام، وسن هذه القوانين، وأقام هذه السنن الكونية ###132### والثابت التي لا تتغير ولا تتبدل؟.
يوجه العلماء هذا السؤال ويجيبون عليه: هل نشأ الكون مصادفة، إن العلماء يشرحون معنى "المصادفة" ويشيرون إلى استخدام الرياضة وقوانين المصادفة لمعرفة مدى احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر، لقد حسب العلماء احتمال اجتماع الذرات التي يتكون منها جزيء واحد من الأحماض الأمينية "وهي المادة الأولية التي تدخل في بناء البروتينات واللحوم" فوجدوا أن ذلك يحتاج إلى بلايين عديدة من السنين، وإلى مادة لا يتسع لها هذا الكون المترامي الأطراف، هذا التركيب "جزئ واحد" على ضآلته فما بالك بأجسام الكائنات الحية من نبات وحياون؟ وما بالك بما لا يحصى من المركبات المعقدة الأخرى؟ وما بالك بنشأة الحياة وبملكوت السموات والأرض؟ وكانت الإجابة هي: أنه يستحيل عقلا أن يكون ذلك قد تم عن طريق المصادفة العمياء أو الخبطة العشواء.
لا بد لكل ذلك من خالق مبدع عليم خبير، أحاط بكل شيء علمًا وقدر كل شيء، ثم هدى، إن الإنسان لا يستطيع أن يدرس أعمال أي صانع من الصناع دون أن يحيط بقدر من المعلومات عن الصانع الذي أبدع تلك الأعمال، ###133### وكذلك نجد أننا كلما تعمقنا في دراسة أسرار هذا الكون وسكانه، ازددنا معرفة بطبيعة الخالق الأعلى الذي أبدعه ويقول العلماء: إن الأرض والسماوات بسائر تعقيداتها، والحياة في شتى صورها وأخيرًا الإنسان بكل قدراته العليا، كل ذلك أشد تعقيدًا من أن يتصور الإنسان أنه حدث هذا بمحض الصدفة، فلا بد إذن من عقل مسيطر ومن إله خالق وراء ذلك، ويؤكد العلماء نظرية الإسلام في أن المعرفة تتم بواسطة العقل والقلب. يقول روبرت هورتون كاميرون: إن الإنسان يحصل على العلم بطريقتين: البصر والبصيرة. أما البصر فهو ما نتعلمه في حياتنا وما نكتسبه عن طريق حواسنا من الخبرة بأمور الحياة، أما البصيرة فهي ذلك النور الذي يفرغه الله في قلوبنا، فيكشف لنا ما لا نعلم، وكذلك الحال فيما يتصل بالإيمان بوجود الله، إذ لا بد أن يقوم أولا على البصر وملاحظة ظواهر الحياة: الفكر والانفعالات والتمييز الخلقي وحرية الإرادة، ثم نلتجئ بعد ذلك إلى الله لكي يكمل إيماننا ويدعمه، ويقول العالم الكيميائي واين أولت: إن الله – كما نعرفه – ليس "مادة" أو "طاقة" كما أنه ليس محددًا حتى نستطيع أن نخضعه لحكم التجربة والعقل المحدود، بل على نقيض ذلك نجد التصديق بوجود الله يقوم ###134### على أساس "الإيمان" وهو إيمان يستمد تأييدًا علميًا من الدلائل غير المباشرة التي تشير إلى وجود "سبب أول" أو إلى "دافع مستمر" منذ القدم، إن الإيمان بالله يعد لازمًا لاكتمال وجود الإنسان وتمام فلسفته في الحياة، ولا شك أن لاعتقاد بوجود إله خالق لكل الأشياء يعطينا تفسيرًا بسيطًا وسليمًا واضحًا في النشأة والإبداع والغرض والحكمة، ويساعدنا على تفسير ما يحدث من الظواهر، أما النظريات التي ترمي إلى تفسير الكون تفسيرًا آليًا، فإنها تعجز عن تفسير كيف بدأ الكون؟ ثم ترجع ما حدث من الظواهر التالية للنشأة الأولى إلى محض "المصادفة" فالمصادفة هنا فكرة يستعاض بها عن التشويه، ولكن فكرة "وجود الله" أقرب إلى العقل والمنطق من فكرة المصادفة، ولا شك، بل إن ذلك النظام البديع الذي يسود الكون يدل دلالة حتمية على وجود إله منظم، وليس على وجود مصادفة عمياء تخبط وعلى ذلك، فالمشتغل بالعلوم هو أول من يجيب عليه أن يسلم تسليمًا منطقيًا بوجود مبدع لا حدود لعلمه، ولا لقدرته، موجود في كل مكان يحيط مخلوقاته برعايته، سواء في ذلك الكون المتسع أو كل ذرة أو جزئية من جزئيات هذا الكون ###135### اللانهائية في تفاصيلها الدقيقة، إن هناك ظواهر عديدة لا يمكن تفسيرها أو إداراك معناها إلا إذا أسلمنا بوجود الله. ومن ذلك مثلا: الفراغ اللانهائي وما يسبح فيه من النجوم والكواكب التي لا يحصيها عد ولا حصر.
ومن ذلك أيضًا: قابلية المادة للانقسام إلى جزئيات أساسية بالغة الصغر مهما كانت طبيعتها.
ومن ذلك: "التشابه الذي تشاهده بين جميع الكائنات الحية التي نعرفها مع اتصاف كل فرد، بل كل نبات، بل كل ورقة من أوراق الأشجار وقطرة من قطرات الماء بصفات تميزها عن غيرها. وهناك أيضًا تلك الهوة العميقة التي تفصل بين الإنسان، وبين سائر الكائنات الأرضية الأخرى، وتجعله ممتازًا عليها بعقله ومهارته اليدوية، وذلك هو الإيمان البصير الذي يقوم على العقل والتدبر".(23/6)
ويقول العلماء التجريبيون القادمون من داخل المعامل وأنابيب الاختبار: إن الإله الذي نسلم بوجوده لا ينتمي إلى عالم الماديات، ولا تستطيع حواسنا المحدودة أن تدركه، وعلى ذلك فمن العبث أن نحاول إثبات وجوده باستخدام العلوم الطبيعية لأنه يشغل دائرة غير دائرتها المحدودة الضيقة، لا بد لنا أن نسلم أن هذا الكون المادي الذي ###136### يخضع لقيود الزمان والمكان ليس إلا جزءًا من الحقيقة الكبرى التي ينطوي عليها هذا الوجود.
وإذا كان هذا العالم المادي عاجزًا عن أن يخلق نفسه أو يحدد القوانين التي يخضع لها، فلا بد أن يكون الخلق قديم بقدرة كائن غير مادي، وعلى ذلك فالنتيجة المنطقية الحتمية التي يفرضها علينا العقل لا بد أن يكون هذا الخالق عليمًا حكيمًا قادرًا على كل شيء، حتى يستطيع أن يخلق هذا الكون، وينظمه، ويدبره، ولا بد أن يكون هذا الخالق دائم الوجود تتجلى آياته في كل مكان" هذه الآراء التي يقدمها العالمان روبرت موريس برج، وجون كليفلان كوثران لا نثبتها هنا لنؤكد حقيقة غائبة، ولكن لكي نفهم كيف يتطور العلم اليوم، فيصل إلى الحقائق الأصيلة التي جاء بها الإسلام من عند الله، ولنؤكد أن النظرية المادية التي تحاول اليوم أن تنشر سمومها في كل مكان لا صلة لها بالعلم، ولكنها فلسفة، وهي أيضًا نظرية، وليست حقيقة علمية.
يقول إدوار لوثر كيل – وهو من كبار الباحثين الكيماويين: "إن العلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًا، فهناك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة، ولا يمكن أن يحدث ###137### العكس بقوة ذاتية بحيث تعود الحرارة، فترتد في الأجسام الباردة إلى الأجسام الحرة، ومعنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام، وينضب فيها معين الطاقة، ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية، ولن يكون هناك أثر للحياة نفسها في هذا الكون؛ ولما كانت الحياة لا تزال قائمة، ولا تزال العمليات الكيماوية والطبيعية تسير في طريقها، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًا، وإلا استهلكت طاقته منذ زمن بعيد، وتوقف كل نشاط في الوجود، هكذا توصلت العلوم دون قصد إلى أن لهذا الكون بداية، وهي بذلك تثبت وجود الله لأن ماله بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه، ولا بد له من مبديء أو محرك أول، أو من خالق، وهو الله تبارك وتعالى.
والواقع أن هذا الكون لا يزال في عملية "انتشار" مستمر تبدأ من مركز نشأته، واليوم لا بد لمن يؤمنون بنتائج العلوم أن يؤمنوا بفكرة الخلق أيضًا، وهي فكرة تستشرف على سنن الطبيعة لأن هذه السنن إنما هي ثمرة الخلق، ولا بد لهم أن يسلموا بفكرة الخالق الذي وضع قوانين هذا الكون لأن هذه القوانين ذاتها مخلوقة، وليس من المعقول أن يكون هناك خلق دون خالق، هو الله، ما إن أوجد الله مادة هذا ###138### الكون والقوانين التي يخضع لها حتى سخرها جميعًا لاستمرار عملية الخلق عن طريق التطور: التطور المادي.
ويقول كريس موريسون مؤلف كتاب "العلم يدعو إلى الإيمان" ورئيس أكاديمية العلوم في نيويورك:
"إن العلماء لا يقدرون أن ينفوا وجود الله، فكل واحد منهم في قرارة نفسه يشعر بقوة الإحساس أو الفكر أو الذاكرة والآراء التي تصدر كلها عن ذلك الكيان الذي نسميه بالروح، وهم جميعًا يعلمون أن الإلهام لا يأتي من المادة وليس للعلم حق في أن تكون له الكلمة الأخيرة بشأن وجود الخالق.
إن كون الإنسان في كل مكان، ومنذ بدء الخليقة حتى الآن قد شعر بحافز يحفزه إلى أن يستنجد بمن هو أسمى منه وأقوى وأعظم، يدل على أن الدين فطري فيه، ويجب أن يقر العلم بذلك".(23/7)
ويتساءل موريسون: ما هو الكائن الحي؟ هل هو عبارة عن ذرات وجزئيات؟ ويجيب: نعم، وماذا أيضًا عن شيء غير ملموس أعلى كثيرًا من المادة لدرجة أنه يسيطر على كل شيء، ومختلف جدًا عن كل ما هو مادي مما صنع منه العالم لدرجة أنه لا يمكن رؤيته ولا وزنه ولا قياسه، وهو فيما ###139### نعلم ليست له قوانين تحكمه: إن روح الإنسان، هي سيد مصيره، ولكنها تشعر بالمصدر الأعلى لوجودها، وقد أوجدت للإنسان قانونًا للأخلاق، لا يملكه أي حيوان آخر، ولا يحتاج إليه؛ ويضعنا موريسون أمام الحقيقة كاملة حين يقول: إن تحطيم ذرة "التون" التي تعد أصغر قالب في بناء الكون إلى مجموعة نجوم مكونة من جرم مذنب وإلكترونات طائرة، قد فتح مجالا لتبديل فكرتنا في الكون والحقيقة تبديلا جوهريًا، ولم يعد التناسق المميت للذرات الجامدة يربط تصورنا بما هو مادي، وإن المعارف الجديدة التي كشف عنها العلم لتدع المجال للاعتراف بوجود مدبر جبار وراء ظواهر الطبيعة، إن وجود الخالق تدل عليه منظمات لا نهاية لها تكون الحياة بدونها مستحيلة، إن وجود الإنسان على ظهر الأرض والمظاهر الفاخرة لذكائه، إنما هي جزء من برنامج ينفذه بارئ الكون، وأن العقل لا يمكن أن يستقل بمعرفة الله، ولا أن يهتدي إليه إلا إذا صحبه في تلك الغاية قلب".
ولا ريب أن هذه الحقائق العلمية تدحض شبهات الفلسفة المادية الإلحادية.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ أنور الجندي(23/8)
سلسلة على طريق الأصالة
25
لن نقبل بمفهوم الغرب
للفن والحضارة
###3### بسم الله الرحمن الرحيم
لن نقبل بمفهوم الغرب للفن والحضارة
[قال لينين: إن المسارح بديل الكنائس، وقد تحول هذا المعنى عند المستعمرين فحاولوا أن يجعلوا المسرح بديلا للمسجد].
لقد أصبح من الضروري – اليوم – أن نواجه هذه القضية مواجهة صريحة صادقة، فنحن من خلال مفهوم الإسلام لا يمكن أن نقبل مفهوم الغرب للفن والحضارة والجنس والمرأة والكشف وعلاقات الأسر وتبادل الزوجات وصديق العائلة وما إلى ذلك من مفاهيم أقام الغرب عليها مفهومه للفن والحضارة.
فللمسلمين مفهوم واضح للعفة والعرض يستمدونه من مقررات العقيدة التي تجعل الأخلاق جزءًا منها وتقيمها على أساس الثوابت وتقرر بها مجتمعًا يقوم أساسًا على حماية وجوده الذاتي ويحفظ علاقاته العامة.
ونحن نعلم أن هناك محاولات دائبة ومؤامرت واسعة لفتح ###4### الأبواب بالإغراء والخداع أمام أبنائنا وبناتنا للانخراط في سلك هذه المؤامرة الواسعة التي تتركز الآن حول الجماعة التي تحمل لواء المسرح والرقص والغناء، والتي تعمل على إغراء الأجيال الجديدة على اقتحام أبواب الفساد والإباحة عن طريق الإعلانات المغرية والرحلات التي تعبر البحر إلى الشاطئ الآخر بهدف أن تسقط هذه العناصر الغضة من الفتيات والفتية بالإغراء ووسائل الشهرة في أيدي رجال الفن والمسرح بالعرى والجرأة وبذاءة القول والاهتزاز حتى يكونوا نجومًا جددًا، وكم تكشفت من قصص هؤلاء من مفارقات وتجاوزات وتفريط في كثير من القيم في سبيل النجاح والقبول.
ونحن نعرف أن من وراء هذه المؤامرة كلها قوى عاتية تعمل على هدم مقومات الخلق والدين والعرض في الأمم وكسب أكبر قدر من الشباب المفرغ الطلعة الطامح إلى مظاهر الحرية وبريق المادة وإغراء الشهرة من مجموعة الشباب الذي فشل في مجال الدرس والعلم والكد الصحيح للحصول على الدرجة العلمية، فإذا بهؤلاء يسبقون الأصلاء وتلمع أسمائهم ويحصلون على الشهرة والغنى والظهور، فتنهدم بذلك المقاييس الصحيحة وترجح كفة أهل الهوى والأهواء حتى انقلبت الموازين فأصبح هذا المسرب أكثر عطاء ماديًا من ميادين العلم والجد.
ولقد كانت هناك كلمات تقال خداعًا وتضليلا وكذبًا وبهتانًا، ###5### وما تزال تتردد حتى صدقها الناس، تلك هي كلمات الفن وقداسة الفن وكرامة الفن، وما كانت هذه الألاعيب في الحقيقة فنًا بمفهوم العلم الصحيح ولكن كل هذا الذي يجري لا يزيد عن أن (عملية إضحاك وخيانة تافهة، تستخدم فيها كل وسائل العبث والانحلال مع العبارات الرديئة والحركات المخزية، في سبيل إضحاك الناس على نحو ليست له ضوابط أو قيم أو أوضاع محددة، وهي بذلك تتعارض مع أصول (فن الترويح) الحقيقي الذي يقوم أساسًا على السماحة والبراءة والنقاء والذي يدخل السرور بحق على القلوب دون أن يفسد أي قيمة من قيم المجتمع، أو يهدم أي ركن من أركان الأخلاق.
والذي نعرفه أن هذه الوسائل من الإضحاك قد بلغت حدًا بالغ الإسفاف والسفه والإفساد من حيث عرض إيماءات لا يقبل الرجل الشريف أن يسمعها أو يراها أهله أو بناته ويخشى منها على الخلق الصحيح، وأن الكلمات التي تتردد والحوار الذي يقدم في هذه المسلسلات قد وصل إلى أدنى ما يمكن أن يتداوله الصعاليك والسفلة في بعض الحواري، فإذا أضفنا إلى هذا ما عرف وكشف من سير هؤلاء الذين يقدمون هذا العبث وما يجري في حياتهم الخاصة وهو أمر معروف ومكشوف وجدنا إننا نضع أبنائنا وبناتنا في جو رديء تمامًا ونجد أن وضع هؤلاء الراقصين والمغنين والممثلين – كما تجادل الصحافة – في مكان النماذج العليا والمثل الرفيعة جناية كبرى، وأخطر من ذلك أن تبدد كلماتهم وإجاباتهم بمثابة الحكمة البالغة والمثل الذي ###6### يتردد مما يضعف أمام بعض الشباب المفرغ من مفاهيم القيم الإسلامية وقليلي التجربة والعابثين والفاشلين، فإذا عرفنا هذا كله عرفنا إلى أي حد بلغ مدى الخطر الذي يتهدد الأجيال الجديدة في هذه الأمة التي حذرها دينها من الوقوع في الشباك كالفراش المتهافت على النار.
وأقل ما توحي به الصورة أن هذا العبث في العلاقات بين الرجل والمرأة وهذا الأسلوب النازل في الحوار هو من الأمور المشروعة التي يمكن أن ترددها كل الألسنة، فضلا عن أن عملية الترويح والإضحاك الذي تقوم بها هذه القوى هي عملية إضحاك كاذبة وخادعة ومفتعلة، لأنه أشبه بمخدر يستغرق فيه المرء ساعة أو بعض ساعة ثم لا يلبث أن يعود إلى واقعه.
أما مفهوم الترويح الإسلامي وليس الترفيه – فإنه يستمد مقوماته من عملية قبول ورضى بالواقع واستشراف الفرح في المستقبل وأن الغمرات تأتي ثم ينجلين وأن الفرح بعد الشدة، وتلك مفاهيم تدخل السرور والتفاؤل الحقيقي على النفوس.(24/1)
والعجيب أن هذه الدائرة المظلمة تحاول أن تحاصر المجتمع كله فلا يقتصر على المسرح أو التلفاز، وإنما يمتد إلى الصحافة والقصة والترجمة ويقدم في هذا المجال ما يسمى بالروايات العالمية الحافلة بالسموم والمرتبطة بالجنس والجريمة، في وقت واحد على نحو تحس ###7### معه أن هناك مؤامرة مبيتة حيث توصف الأعضاء التناسلية في جرأة بالغة – ويستعلن في مكر ما يدور في غرف النوم مما يسمى بأدب الفراش، وليس هذا بغريب على الأمم الأوروبية التي قد تجده في حواشي بعض الكتب المقدسة ولكنه غريب علينا نحن المسلمين وتتقزز له نفوسنا، وقد سجل القرآن الكريم ظهور الفساد في الأرض (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وكيف أن هناك قادة لهذا التيار يدعون الناس إليه وهم موجودون في كل عصر (ويريد الذين يبتغون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيمًا).
إن هناك مفارقة واضحة بين طابع الأمم الغربية التي ورثت هذا التراث المشحون بالإثم والفاحشة والكشف وقصص الجنس والجرعة والاندفاع نحو اللذات والشهوات، ليس فقط في أساطير الإغريق المقترعة بل بما حفلت به الكتب المقدسة في سفري إستير وحزقيال بما حوت من الحديث عن اللواط والإباحة في الأرض والفن وزنا المحرم على حد تعبير المبشر الإسلامي ديدات حين كشف ذلك في محاورته المشهورة.
إننا نحن المسلمون لا نقر مفهوم الحضارة الغربية في الفن الإباحي الفاجر الماحق الذي تختلط فيه الرقص بالغناء بالخمر بالاختلاط الفاحش غير المهذب، وحين نقول هذا بكل صراحة نختلف مع الغرب ومفاهيمه وقيمه التي يريدون أن يفرضونها علينا، فالحضارة ###8### لدينا لها مفهوم سمح كريم راق عفيف بعيد عن كل البعد عن الفسق والفاحشة، قائم على الخلق والكرامة وحماية العرض.
إن مفهوم الترويح يجب أن يرتفع فوق الفسق والفجور والدعارة التي تفرضها هذه المؤسسات القائمة على استباحة الحرمات والمقدسات ولابد أن يكون واضحًا أمامنا أن الإسلام قد وضع حدودًا وضوابط وحجب صنائع، وحرم على المسلم العمل بها أو قبولها في مجتمعه، ووصف الذين يعملون فيها بأنهم يقبلون الدنية عن دينهم وأن بعضهم يمكن أن يوصف بأنه (ديوث) ويجب أن نبدأ ذلك من المدرسة فلا يفرض الرقص والغناء والتعري على طالبات المدارس وهن غير راغبات ولا توجه المسابقات الغربية لما يسمى الوجود الجديد لخطب الفتيات البرئيات من الأسر الآمنة الغافلة لتسليمها للعتاة والظلمة الذي يفرضون على كل من يعمل أن تسلم جسدها ونفسها كاملة لسيدها وقديسها المدرب والمخرج.
ولقد كشفت الأحداث ثغرة في جدار هذا المعقل المشيد، ومهما تكن عند امرئ من خلفية وإن خالها تخفى على الناس تعلم، وهذا سر انزعاجهم وثرثرتهم حول ما يسمونه الفن والحضارة، إنهم يريدون حماية هذا المورد بكل ما يملكون لأنهم يعلمون أنه المنطلق الوحيد لتحقيق آمالهم في هدم مقومات هذه الأمة وتدمير قيمها، إن هذا المجال الذي يسمى بالفن هو المرفأ الأول والأخير لتحقيق ###9### غايات الماسونية وبروتوكولات صهيون وعمليات التغريب والغزو الثقافي والسيطرة على العقل المسلم والوجدان المسلم واحتوائها وتفريقها من الدين والإيمان واليقين والخلق وملئهما بالشكوك والإباحة والرجس والفسق، هذا هو سر فزعهم الشديد وحملتهم الضارية، وتكاتفهم في الدفاع عما سموه زورًا وبطلانًا (قدسية الفن) وهي قدسية الإباحة والفساد في الحقيقة.
وهناك في مجال الصحافة من يحمي هذا التيار ويدافع عنه إيمانًا بأن هذه الأمة لن تغرب إلا من هذا الطريق، ولكن كل الدلائل تثبت أن هذا الصرح على وشك أن ينهار لأنه قام على باطل:
(أفمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم).
###10###
تقبل الإسلام لكل معطيات الحياة
هي قاعدة أساسية: نعم ولكن شروط وضوابط
القاعدة الإسلامية الأصيلة هو تقبل الإسلام لكل معطيات الحياة التي تحقق وجود الإنسان لا يرفض منها شيئًا ولكنه يصوغها في مفهوم مستقل متحرر عن طابعها عمد الأمم الأخرى والفلسفات المختلفة، فليس في الإسلام بسماحته وسعة آفاقه رفض لمعطيات الحياة ولكنه من الناحية الأخرى يضع ضوابط وحدودًا لخطوات التعامل وأساليب التنازل.
ومن هنا فليس الإسلام في حاجة كبيرة إلى محاولات من كتبوا ليقنعوا الناس بأن الإسلام يقر مفهوم الترويح عن طريق الفنون ووسائل إدخال البهجة على النفوس فذلك أمر مسلم به تسليمًا كاملا وحقيقيًا في شريعة الإسلام ولكن وجه الاختلاف هو في الأسلوب الذي تعدم به هذه الفنون ووسائل أدائها، وكيف يمكن أن تكون مؤازرة للفطرة لا مضادة لها، وأن تكون متقبلة من وجهة نظر الدين أساسًا.(24/2)
إن هذه الصورة التي تقدم بها الفنون في عصرنا وفي مجتمعنا لا يمكن أن تتطابق مع الصورة التي يضرب بها المثل عن عهد رسول الله ###11### أو عهد الصحابة الأكرمين، وهي ليست تطورًا طبيعيًا لفنون الإسلام التي كانت في مراحل تطورها حريصة على ألا تخرج عن جوهر الإسلام ولا تصادم حدوده وضوابطه.
ويرجع ذلك إلى أن النفوذ الأجنبي فرض أسلوبه وطابعه ونظامه كله وخاصة في مجال الفنون وما يتعلق بالعواطف والوجدانات من منطلق غربي عصري واضح هو منطلق الكشف عن الشهوات والإباحة والحرية المطلقة في الانطلاق نحو الأهواء وإعطاء الغرائز حريتها في الحركة دون أي حدود، وقد نتج هذا من منطلق الفلسفة المادية والجنسية التي ألغت مفهوم الضوابط الأخلاقية والحدود المتصلة بالقيم وأطلقت الوحش في الإنسان، حين ادعت نسبية الأخلاق وربطتها باختلاف المجتمعات والعصور، في حين أن الأخلاق قيم ثوابت متصلة بالعقيدة والدين لا تخضع لقانون المتغيرات ومن منطلق مفهوم فرويد للجنس ودارون للحيوان ودوركايم للاجتماع، تشكل هذا الفن الغربي الذي غزا بلادنا غزوًا شديدًا وسيطر على فنوننا الأصيلة السمحة فكان منها ذلك (التخت) الضخم الذي تشكل من مائة عازف بعشرات الآلات الموسيقية وتلك الأغاني الراقصة المتمايلة، وما تثير من الشهوات، فكيف يمكن أن يكون هذا أمرًا يدافع عنه أو يصور أنه مما سمح به الإسلام من الفنون.
إننا نعرف من قراءاتنا في تاريخ الفنون في الغرب وتاريخ الموسيقى ###12### بالذات أنه فن كنسي بدأ أول أمره مع نواقيس كنائس الغرب، وكان من معطيات إغراء الناس على العبادة وما كان من شتراوس أو فاجنر أو بتهوفن إلا كنائسي الموسيقى أساسًا، ثم تحولوا قليلا مع الاحتفاظ بذلك الطابع الصاخب الذي يهز النفوس.
ولقد نجد أن هناك خلافًا أساسيًا وجذريًا بين الذات الإسلامية والذات الغربية في مواجهة هذه الفنون، فالمسلمون يتناولون هذه الأمور في بساطة ويسر ويشكلونها في وجدان المؤمن وفي الحفاظ على العقيدة وفي حدود ما قرره الإسلام من حماية لوجود المسلم وعقله من الإغراق في كل ما يثير الشهوات، بينما تتشكل كل الفنون في الغرب حتى الفنون المتصلة بالعبادة في جو الصخب والأضواء الصارخة والشموع المرتفعة والبخور والعطور والمبالغة الشديدة التي يراد بها كسب عواطف الناس ومشاعرهم.
وهذا خلاف جذري في مفاهيم المسلم ووجدانه فهو يعاف الاستسلام لهذه الأجواء ويصد عنها بفطرته البسيطة السليمة الحريصة عن مخافة الله تبارك وتعالى فلا شك أن إقرار المسلم لهذه الظاهرة الخطيرة المصاحبة لحفلات الموسيقى من صخب ومن إسراف ومن آثاره كل هذا لا يتفق مع مفهوم الإسلام للفن أو للموسيقى.
ولعل أخطر ما يتصل بهذا مما يراد أن يفرض على المجتمع المسلم ###13### في هذا العصر ظاهرة الرقص التي تجري وسائل كثيرة ومحاولات متعددة لفرضه على الفتاة المسلمة سواء في المدرسة أو في البيت أو من خلال التلفزيون والإذاعة، وتلك عملية خطيرة مرسومة يراد بها إزالة أسباب الثبات والإيمان من النفوس وزعزعته فإذا أضفنا إليها محاولات تدريب الفتيات على الرياضة نصف عاريات في حلقات الرياضة المدرسية والمقررة عرفنا إلى أي مدى ستصل بالفتاة المسلمة هذه المحاولة من أخطار.
إن الذين يريد أن يفرضوا على الأمة الإسلامية قيمًا ومقدرات وأخلاق غير قيمها مسرفون في التفاؤل بأنهم قادرون على تغريب الأمة ونقلها إلى أوضاع تتفق مع رغبات الذين يخططون لاحتواء المسلمين وصهرهم في بوتقة الحضارة المعاصرة، وهي حضارة قامت على غير قاعدتي الربانية والأخلاق واستعلت بعلمها مغرورة تظن أنها قادرة على التصرف من غير توجيه الدين، ولذلك فقد أطلقت كلمة (وصاية) على أحكام الدين وحدوده وضوابطه التي وضعها الحق تبارك وتعالى لحماية المجتمعات من الانهيار والفساد، ونحن نؤمن بأن البشرية محتاجة أشد الحاجة إلى أن تسلم وجهها لله تبارك وتعالى ولا تستعلي عن رقابته.
إن الحضارة المعاصرة قد قصرت في هذا المجال وأطلقت لنفسها عنان الشهوات واللذات والمطامع تحت عنوان كاذب مضلل هو ###14### (الحرية الفردية) ولا ريب أن الحرية أمر معترف به ولكنها ككل قيمة من قيم المجتمعات والحضارة لها ضوابطها ووسائل حماية الفرد من اغتيال الآخرين لحريته.(24/3)
ومن هنا فنحن نقف أمام دعاوي الانطلاق التي تتحصن بعبارة رديئة مموجة هي مقولة (الوصاية) التي يرددها أولئك الذين يتجاوزون الحدود التي وصفها الله تبارك وتعالى سواء فيما ينشر من قصص عالمية مسرفة في الفاحشة، أو من كتب تفرض على الطلاب أو من أفلام ومسرحيات وأغان على النحو الذي يشتكي منه الأدباء ويرون فيه خطرًا على أبنائهم وبناتهم من مسلسلات مسرفة في الإباحة فإذا كتب أو تكلم ناصح أمين يدعو إلى تصحيح الأوضاع كانت الإجابة في صلف وغباء (لا تقبل وصاية من أحد) والحقيقة أنها ليست وصاية ولكنها مشاركة وتوجيه وإشارة إلى حق الله علينا جميعًا في حماية مجتمعنا وأبنائنا وبناتنا من غائلة هذا الغزو الشديد الخطر الذي يتهددنا من قبل ما يسمى دولة الفن غناء ورقصًا وموسيقى ومسرحيات نحن نعرف المخططات التي تقودها والغايات التي تسوقها والأهداف التي ترمي وراءها إلى تفريغ هذه الأجيال الجديدة واحتوائها بحيث تهدم كل مقومات العزيمة والإيمان والثبات والاخشبشان والقدرة على إعداد النفس المسلمة لتكون قادرة على حماية وجودها فلا تنهار أمام الأخطار المحاصرة للأمة الإسلامية اليوم والتي يتطلب منها شيئًا آخر غير ما نرى ونسمع، إننا في حاجة ###15### إلى إعداد هذا الشباب المسلم ليكون ردءًا لهذه الأمة من كل مؤامرات الغزو، فهذه الأمة تريد أن تعيش على طريق الله تبارك وتعالى وأن تتخلق بأخلاق الإيمان والتقوى، وأن الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست وصاية من أحد ولكنها نصيحة الإخاء المفروضة على كل منا إزاء الآخر وإزاء المجتمع حتى لا يأخذنا الله تبارك وتعالى بعذاب من عنده، عذاب الذين قصروا في النصح لأمتهم وإخوانهم.
إن هناك فارقًا واسعًا وبونًا شاسعًا بين مفهوم الترويح الإسلامي وبين هذا الصخب الهادر غير المنضبط، فالإسلام يدعو إلى ضبط الغرائز لا إطلاقها وتبريد الشهوات لا تسخينها، والتوسط في أمور الترويح والمتاع لا الإسراف وحماية الوجود الإنساني والكيان البشري من التصدع والانهيار وأن يظل المسلم دائمًا واعيًا صاحيًا لا يشغل عن حقيقة نفسه ولا عن عباداته وواجباته، ونحن نقبل كل أدوات الحضارة وصناعاتها، ولكن لسنا مكلفين بأن نقبل مضامين الغرب في أي شيء، سواء في الفن أو القيم، ولا يستطيع أحد أن يفرض علينا المضامين أو الكلمات أو الألحان التي يستعملها الغرب والتي لا تتفق مع مزاجنا وطابعنا، نعم نحن لسنا ضد الفن ولكنا ضد الفحش، والفن طاقة توظف للخير وقد توظف للشر وحب الوظيفة والهدف يكون التحليل والتحريم، ولذلك يجب التفرقة بين القيم في كل مجتمع عن الآخر، ولسنا مطالبين بأن ننقل الأوضاع نقلا ###16### ولكن لأننا أمة لها تاريخها وقيمها ودينها فإن لها مفهومًا للموسيقى، ولنا أيضًا رأي في كيفية تقديم هذا الفن، فالإسلام حرم الأصوات المخنثة والألحان المائعة والكلمات المبتذلة، وحرم ذلك الجو المشحون بالسموم والمخدرات الذي يغشى دائمًا تلك الأحفال الشهيرة وعندما نقول ذلك فلسنا ندعو إلى وصاية أو هي محاكم التفتيش أو أن هذا منطلق للكآبة أو الظلامة أو غيرها، بل نحن ندعو إلى انطلاق النفس إلى البشر والسماحة من منطلق داخلي عميق الأثر في إقامة الترويح.
إن جو الفن في مصر في حاجة إلى عمل كبير لتحريره من ظروف خطيرة بدأت في السنوات الأخيرة تكشف عن نفسها وتتصل بتجارة الجنس والمخدرات والسموم البيضاء وما كشف عنها هو القليل وما خفي كان أعظم، وما يمكن أن تكون هذه الأوكار مصدرًا للخير أو أسوة حسنة أو نموذجًا يقدم لأبنائنا وبناتنا، كل ذلك في حاجة إلى إعادة نظر حتى يمكن إعادة المجتمع حقيقة لاستقبال إلى عصر جديد من الإيمان بالله واليقين لقيمه وأخلاقياته الرفيعة حتى يكشف الله عنا الغمة ويزيل سحب الظلام التي تحيط بنا، وعلينا أن نعلن عودتنا إلى ربنا إليك نعود إلى منهجك الأصيل فليس لها من دون الله كاشفة.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(24/4)
سلسلة دراسات إسلامية معاصرة
26
نظرية التطور
بين الدين والعلم والعقل
أنور الجندي
منشورات المكتبة العصرية
صيدا – بيروت
###143### نظرية التطور
بين الدين والعلم والعقل
نشأت فكرة التطور في مجال العلوم البيولوجية أساسًا ولكنها سرعان ما نقلت إلى مجال الفلسفة وأريد بها السيطرة في مجال الفكر والثقافة، وقد جاء ذلك نتيجة للخطوات التي اتخذها خلفاء (دارون) من أمثال هربرت سبنسر الذي حاول أن يطبق التطور على الأمور الإنسانية والأخلاق والتاريخ وقد جاءت قوى ذات أهداف معينة فركزت على فكرة التطور وأعلتها إعلاءًا خطيرًا دفعها إلى التأثير في مجال العقائد الثابتة مع أفرادها بالسلطان على كل القيم والمقدرات الأخلاقية والاجتماعية. وكان ذلك جريًا مع الاتجاه المادي الخالص الذي حاول أن يتنكر لكل ما سوى الحس والمادة من قيم، ومعنى هذا أن نظرية قد وضعت بحيث يمكن استخدامها في معارضة الأديان والعقائد والشرائع، ومن الحق أن فكرة ###144### التطور (المادي والمعنوي) لا يمكن أن تسير في غير نطاق واضح وإطار محدود وفلك معلوم، وأن هناك استحالة علمية في أن تجري حركة التطور عشوائيًا في غير نظام أو قانون يحكمها ومن هنا يبدو الفارق العميق بين رأي العلم وبين أهواء القوى التي تتخذ من النظريات العلمية والفلسفية أسلحة لتحقيق أغراض بعيدة المدى. والمفهوم العلمي الصحيح هو أن هناك قيمًا ثابتة وعناصر تجري عليها سنة الحركة والتغير والتطور وأن هناك تناسقًا يجري بين أسس الثبات وعناصر التطور وأن هذا التناسق يجري في دائرة الثبات. وهذا المفهوم العلمي نفسه يطابق مفهوم الإسلام في نظرية التطور والثبات فالإسلام يؤمن بثبات الأصول العامة والقيم العليا مع تطور الجزئيات والتفاصيل والفروع.
أولا: وبالرغم من استثراء فلسفة التطور الاجتماعي التي دعا إليها سبنسر فإن العلم كانت له وجهة نظر مختلفة تمامًا حيث يقول: الدكتور كريسي موريسون: إن حقائق الأشياء ثابتة لا تتغير وإنما التطور هو في الصور والهيئات لا في الحقائق لأن الحقائق ثابتة لا تتغير وأن القول بأن لا شيء ثابت على الإطلاق نظرية زائفة. فنزعة الطعام ثابتة والذي يتغير هو صور الطعام ونزعة اتخاذ المسكن ثابتة والذي يتغير هو صور السكن. ###145### ونزعة اللباس ثابتة والذي يتغير هو صور اللباس وكذلك فإن نزعة القتال والصراع فطرة بشرية وصور القتال هي التي تتغير. ويتفق هذا مع وجهة نظر الإسلام الذي أعطى مبادئ عامة وترك الحركة والتغيير إلى الفروع والتفاصيل إيمانًا بأن هناك قيمًا أساسية لا سبيل إلى تطورها والخروج عنها وهي بمثابة العمق للبناء. وقد كشفت الدراسات الأصلية أن التطور لا يمكن أن يكون قانونًا أخلاقيًا وليس كل طور أفضل من الطور الذي سبقه كما يقول سبنسر بل إن التطور قانون اجتماعي واقعي ولا يقتضي بتفضيل الطور الأخير على الأطوار السابقة، ذلك أن فكرة التطور الاجتماعي أخذت من فكرة التطور الحيوي (البيولوجي) والتطور في الحياة يكون تحسنًا وارتقاءًا وقد يكون انقراضًا، كذلك كشفت الأبحاث خطأ الرأي القائل بأن التطور والتقدم هو الاستجابة لنزعات النفس في السلوك بالحركة في أي اتجاه دون رعاية لاستقامة الحركة وبدون حاجة إلى إرادة وإيمان، وهذا يؤدي إلى العودة إلى العصور الأولى بما فيها من تحلل. كذلك خطأ الرأي القائل بأن التقدم هو إهدار الأحكام السابقة وتقديرات الأشياء التي قررها وحكم بها الإنسان في عصر مضى، فقد انتقل الفكر البشري من الطفولة إلى الرشد الإنساني.(25/1)
###146### ثانيًا: يستمد الفكر الإسلامي مفهومه للتطور والثبات من قانون التوازن الذي يحكم الموجودات جميعًا، وليس هناك سبيل إلى إلغاء أحدهما ولا سبيل إلى القول بالتطور المطلق وإنكار قاعدة الثبات ولابد من الربط بين الثبات والتطور وقيام التوازن بينهما وأنه من المستحيل عقلا ومن المناقضة لقوانين الوجود والحياة وأن يتوقف أحدهما أو أن ينفصل ولا أن يستعلي أحدهما ويسيطر، فالثبات والاستقرار هو الجمود والتطور المستمر هو الفناء، وهناك ترابط منظم بين الجمود والحركة وبين القديم والجديد وبين الميت والحي، فالحياة ناجمة من موت والجديد منبثق من قديم والفكر بعامة يتطور ولكنه يظل ثابت الأصول والمقومات، والفكر الإسلامي ثابت الجوهر متغير الصورة، وفي الفقه يجري التطور بالنسبة للأحكام الفرعية دون الأصول وفي الشريعة أصول قائمة لا تخضع لقوانين التطور كالصلاة والزكاة وإلخ.. وحدود ثابتة إزاء الربا والزنى والقتل فهذه من القوى الثابتة التي لا تتأثر بالتطور والتغيير ولا يمكن القضاء عليها وكذلك في نظام الكون نجد القوى الثابتة ونجد القوى التي تتحول وتتحرك أما الأصول الثابتة فهي ليست خاضعة للتطور، هذا هو مفهوم الإسلام ومفهوم العلم متطابق معه، أما المفهوم ###147### المطروح في أسواق الفكر الغربي والذي وصل صداه إلى الفكر الإسلامي فهو مفهوم فلسفي خطير لم يقم على أساس علمي وقد أخذ منطلقه من نظرية دارون في التطور البيولوجي ثم نقل إلى ميدان الاجتماع والفكر، ولا شك أنه بهذه النقلة إنما يستهدف غاية خطيرة هي واحدة من أهداف الفلسفة المادية الوثنية التي تحاول أن تسيطر على الفكر البشري كله وتفرغه من مفاهيم الإيمان والأديان والرسالات السماوية وتدفع به بعيدًا إلى نهاية خطرة نجدها واضحة وضوحًا لا مرية فيه في بروتوكولات صهيون أو نصوص التلمود أو متصلا بالمحاورات التي جرت منذ عصر التنوير في سبيل إخراج الفكر الغربي المسيحي الأصل من كل القيم ودفعه إلى مجال الماديات المغرقة، وتشكل هذه المحاولة فلسفة واضحة متكاملة تهدف إلى تدمير قوى الأديان والأخلاق والإيمان بالله ودفع الإنسانية كلها إلى الدمار بتحطيم قيمها ومعنوياتها وتفريغها من كل القوى التي تحملها على التماسك في وجه الغاية الصهيونية البعيدة المدى وهي السيطرة على العالم ولقد كانت نظرية التطور هي المنطلق الخطير للقول بأن كل شيء يتحول ويتغير ولا يبقى على حاله وأنه يبدأ في أول الأمر ضعيفًا ثم ينمو، ثم جرت محاولات تطبيق ذلك على الأديان والأخلاق ومنها ###148### انطلقت النظرية التي تقول بأن الأخلاق تتطور مع العصور وأن الأديان تتطور مع البيئات والقول بهذا مخالف كل مخالفة للحقائق العلمية الصحيحة ومعارض لنواميس الكون والحياة ولقد كان النرويج لمذهب التطور على هذا النحو خروجًا به عن المجال العلمي الصارم إلى المجال الفلسفي الذي لا يخضع لأي سند علمي أو عقلي، ومن مذهب التطور انطلقت كل المذاهب والدعوات والفلسفات المادية. فقد اعتبره المتشبثون به قاعدة لعلوم جديدة هي مقارنات الأديان وتفسير التاريخ والنفس والأخلاق والاقتصاد والاجتماع. ومن هنا أخذت هذه العلوم تخضع للمناهج التي تخضع لها العلوم المادية بينما تناقض هذا مع أبسط قواعد المنطق والعقل ولقد كان القول بالتطور المطلق سبيلا إلى نزع القداسة عن الأديان والقوانين والقيم والأخلاق والسخرية منها والدعوة إلى التحلل والإباحية وإنكار مقومات المجتمعات والعقائد على النحو الذي كشفت عنه نظريات فرويد و "درو كايم" وغيرهما. ولقد هوجمت نظرية التطور المطلق في المحيط الاجتماعي والفكري هجومًا علميًا ودحضت بمنطق عقلي واضح ولكن أصوات دعاتها المسرفين في استغلال ظلت أعلى الأصوات لأنها لم تكن أصواتًا طبيعية وإنما هي أصوات تدفعها قوى بالغة القدرة في ###149### مجال النشر والإعلان ولقد جرى كثير من الكتاب وراء بريق نظرية التطور وربما بحسن نية دون أن تتبين لهم أبعاد الخطر من القول بالتطور على إطلاقه بعيدًا عن مفهوم الإسلام الجامع دائمًا بين التطور والثبات وهو(25/2)
30 سببا للانتكاسة
يتناول الدرس الأسباب التي تؤدي إلى ترك أعظم نعمة على الإنسان وهي نعمة الهداية والالتزام بالدين ويناقش أسباب الانتكاسة عن طريق الحق حتى يحذرها المهتدي قبل وقوعه فيها .
حمداً لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،،، موضوعنا موضوع مهم جداً ، كيف لا، وهو يتعلق بأعظم نعمة أنعمها الله على عبده، ونعم الله علينا كثيرة ، إلا أن نعمة الهداية أعظم هذه النعم ، وأجلها ... نعمة الهداية : الهداية إلى الإسلام ، الهداية إلى الثبات على هذا الدين، ولفضل هذه النعمة أحببت الكلام عن أسباب فقدها، وإذا عرف الإنسان أسباب فقد هذه النعمة؛ فإنه يحرص أشد الحرص على الابتعاد عنها؛ حتى تدوم له هذه النعمة.ومع كثرة الملتزمين الذين نراهم- ولله الحمد- إلا أننا نرى أيضا كثرة في المنتكسين- نسأل الله العافية- لذلك لابد من التعرف على الأسباب، أو بعض الأسباب التي تؤدي إلى الانتكاس، ومن الأسباب :
الالتحاق مع الشباب الملتزم من غير اقتناع ورغبة: وإنما التحق بهم لأسباب معينة مثلا:
لأنه يجد الأنس معهم، وللخروج إلى الرحلات، والذهاب إلى الأماكن البعيدة دون أن يجد ملامة في ذلك، فلما وجد أن هذا الشيء يتوفر عند هؤلاء؛ التحق بهم، ولم يلتحق بهم لأنه يرغب في الالتزام على نهج الطريق المستقيم .
أو لأنه أعجب بشخص معين، أو أشخاص معينين، فلا يأتي للشباب الملتزم إلا لأجل هذا الشخص .
وقد يكون التحق معهم لأجل ظروف معينة كأن يريد مثلًا تعمية الشرطة، أو غيرها عنه، فقد يكون مطالبا بأمر معين، فيلتحق بالشباب الملتزمين حتى يعمي النظر عنه، وحتى يقال عنه أنه التزم وترك ما كان عليه سابقا .
قد يكون التحق مع الشباب بسبب صدمة هائلة حدثت له في حياته كأن يشاهد حادثاً، أو وفاة، أو رأى محتضِراً، أو غير ذلك مما يعيده إلى صوابه، فيلتحق بالشباب؛ ولأنها صدمة مؤقتة، فإن تأثيرها قد يكون مؤقتا؛ لذلك قد يرجع مرة أخرى إلى ما كان عليه سابقا .
قد يكون التحق مع الشباب الملتزمين لغرض: كأن يريد الزواج مثلًا، فيلتحق مع الشباب حتى إذا سئل عنه قالوا: أنه شخص صالح، مستقيم، محافظ على الصلوات، ويسير مع أناس طيبين . هذه كلها قد تكون أسباب لأن يلتحق الشخص بالشباب الملتزمين مع أنه غير مقتنع، ولم يرد التوبة، وإنما أراد الالتحاق بهم لهذه الأغراض التي ذكرناها. هذا السبب الأول من أسباب الانتكاسة .
عدم الاهتمام بتربية الشاب لنفسه:
فلا قراءة قرآن، ولا محافظة على الصلوات، ولا أداء للنوافل بأنواعها من قيام ليل، أو قراءة قرآن، أو صوم نافلة، أو غير ذلك؛ فأهمل نفسه، ورضي بأن يكتفي بأن يكون ملتزما في مظهره فقط، وهذا هو الالتزام الأجوف، يكون ملتزما شكلًا، أما مضمونا، فهو في الحقيقة منتكسا وإذا انتكس الباطن فإن الظاهر سهل جدا أن ينتكس بعد أن ينتكس الباطن، وهذا هو السر في أنك تفاجأ بانتكاس بعض الأشخاص الذين تحسبهم من أنشط الناس، وأحرصهم على عبادة الله، وهو في الحقيقة انتكس سابقا في الباطن، واحتفظ بالشكل الخارج حتى أتى اليوم الذي لم يبق للشكل الخارج فائدة فانجر الانتكاس إلى الشكل الخارج أيضا 0
الكمال الزائف:
فقد يجد الشاب الملتزم في بداية التزامه تشجيعاً , ومدحاً له من المشرف على الشباب , أو من يقوم بتربيتهم ؛ مما يوهم هذا الشخص بأنه قد بلغ الكمال , فيغفل عن المحافظة على نفسه , والمشاركة في أعمال الخير , وبذلك يفتر , ثم ينتكس , والعياذ بالله .
عدم فهم الشباب الملتزم فهما صحيحا:
وذلك أن بعض الشباب الذين بدءوا بالالتزام عندما يدخل مع الشباب الملتزمين يصور لنفسه أنه يدخل مع ملائكة لا يخطئون، ويجب أن لا يخطئوا، مع أنهم بشر كغيرهم من البشر لهم أخطاء، ونحسب أن صوابهم أكثر من خطأهم، لكن لا يعني هذا أن خطأهم غير موجود، فعندما يدخل معهم بهذا التفكير، ويفاجأ بوجود خطأ منهم ، بل ربما يفاجأ بوقوع الخطأ عليه، فيولد هذا صدمة هائلة في حياته؛ تؤثر عليه تأثيرا سلبيا مما يجعله ينتكس مرة أخرى ويقول: انظر إلى هؤلاء الشباب الملتزمين ماذا يفعلون ! ونسي أنهم بشر، يخطئون ويصيبون .
سوء التربية من قبل المربي:
ونقصد بالمربين: المشرفون على أمثال التجمعات الشبابية التي يجتمعون فيها كحلق تحفيظ القرآن، أو غيرها. والخطأ في التربية جوانب متعددة فربما يكون الخطأ من المربي في:
عدم مراعاة الجانب الوجداني في الشخص: فلا يحرص على تقوية إيمانه وربطه بالله سبحانه، بل تراه يكثر من المزاح معه، ومن جلبه مايؤنس هذا الشخص الجديد كأشرطة الأناشيد مثلا، والإكثار من النكت والطرائف وغير ذلك مما يجعل هذا الشخص يتربى على هذه الأشياء، وينسى الجانب الوجداني الذي يصله بالله .
عدم مراعاة الجانب العلمي في الشخص: فلا يحرص على تعليمه، وتحبيبه للعلم وأهله،ولا شك أن الدخول في مجال العلم طلبا وتعليما؛ وسيلة عظيمة للثبات .(26/1)
عدم مراعاة الجانب الخلقي في الشخص:وذلك بألّا يحرص على تحسينه،وتهذيب أخلاق هذا الشخص الملتزم الجديد،فينشأ سيئ الخلق، مما قد يوصله إلى الانتكاس .
عدم تدرج المربي مع هذا الشخص التدرج المطلوب: فربما يعامله بالشدة القاسية التي تنفر هذا الشخص، وربما يكون العكس تماما، فيربيه على التساهل، وعدم الانضباط، وهذه أيضا وسيلة للانتكاس .
عدم طرح أسباب الانتكاس على الشباب:
إن معرفة الشر وسيلة لاجتنابه كما قال الشاعر :
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
وحذيفة رضي الله عنه يقول: [ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي] رواه البخاري ومسلم .ولا شك أنك إذا عرفت أسباب الانتكاس، وطرحت عليك؛ فإن هذا يجعل لك وقاية، والوقاية خير من العلاج .
التعلق ببعض قضايا الماضي:
كأن يكثر من التفكير في معاص قد اقترفها سابقا، ويتلذذ بهذا التفكير أو يحتفظ بأفلام، أو صور، أو أشرطة قديمة، أو غير ذلك مما يذكره بالماضي، بل ومن أهم ما يُذّكر الإنسان بالماضي صديق الماضي قبل الالتزام، هذا الصديق من أخطر الأسباب التي قد تجرك إلى الانتكاس لأن:
هذا الصديق يتكلم بلسان يؤثر فيك، ثم أيضا أن هذا الصديق لا تعده عدواً، ولذلك لا تحتاط منه .
هذا الصديق مفتاح لماضيك، فربما يذكرك بما اقترفته أنت وإياه في الماضي، حتى ولو كان هذا الشيء الذي فعلتموه مباحا،وهذا التذكير قد يحرك فيك بعض المشاعر لأن ترجع لمثل هذه الذكريات .
هذا الصديق يوافق هواك،وبذلك تكون قد جابهت ثلاثة جيوش: الشيطان، وهذا الصديق، وهواك .
ربما سلم لك هذا الصديق قيادة نفسه، فجعلك رئيسا عليه، وربما تكون ممن يحب الرئاسة والترأس، وبذلك ترتاح مع هذا الصديق؛ لأنك لا تجد من تترأس عليه مع الشباب الملتزمين، ولذلك تشبع هذه الرغبة بالترأس على هذا، وتكثر من مخالطته، وهذا يؤدي إلى الانتكاس .
قد يكون في هذا الصديق شيء من الدعابة، والظرافة مما يجذبك إليه .
فهذه الأشياء التي يتصف بها صديق الماضي تجعله أخطر ما يمكن أن تحتفظ به من ذكريات الماضي .
الإنفراد عن الشباب الصالحين :
قال الله تعالى:}وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...[28] { سورة الكهف . والابتعاد عن الشباب الصالحين سيجعلك منفردا، ولن تستمر على هذا الانفراد بل ستبحث عن أصدقاء آخرين، فإن لم يكن لك أصدقاء طيبين، صالحين، يحثونك على الخير، فإنه سيكون لك- ولو بعد مدة- أصدقاء سيئين يحثونك على الشر .
عدم إبراز الملتزم شخصيته الدينية :
وخصوصا إذا كان مظهره لا يدل على الالتزام، كأن يكون يلبس لباساً لا يصلح للشاب الملتزم، فإذا لم يتميز، ولم تظهر صورته الدينية واضحة؛ فإنه سيكون عرضة لوساوس شياطين الإنس والجن ، فيجترئون عليه؛ لأنهم لا يعرفون أنه ملتزم، ولذلك ربما ذكروا المنكرات عنده وربما أغروه بالمنكرات. لكن إذا أظهرت شخصيتك الدينية بشكل واضح؛ لتنكر ما يقولون من الباطل، ولتأمرهم بالخير، فإذا رأوك وجدوا أنك تذكرهم بالله: تقرأ القرآن، ثوب قصير، محافظ على الالتزام بالشخصية الملتزمة بصورة واضحة، هذا يجعلهم على الأقل يحجبون ذكر المنكرات عندك، وأيضا من باب أولى ألّا يغروك باقترافها .
التوسع في المباحات:
لأن التوسع في المباحات يؤدي إلى أن يكون التزام الشخص التزاماً أجوف، ولاشك أن الالتزام الأجوف من أسباب الانتكاس .
الحماس الزائد غير المضبوط بضوابط معينة:
بل حماس وثورة لمدة معينة، ثم ينطفيء كسعف النخل إذا أشعلته رأيت له نارا تلظى، ولكن سرعان ما تنطفيء، وتخمد، ويذهب هذا الضوء، وهكذا سرعان ما ينتكس من يريد الشيء بسرعة كبيرة بعد أن يلتزم، يريد أن يحقق كل شيء بسرعة، وقد يصل به هذا إلى الغلو، ومن ثم التقصير؛ لأنه سيتعب، ويكل، ويمل، ثم بعد ذلك سينتكس- نسأل الله العافية- .
الخوف من غير الله:
كالخوف من السجن، أو الفصل من الوظيفة، وهذا الخوف قد يجعله ينتكس، قال تعالى:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ...[10] {.
عدم حب الانضباط بل حب التساهل والتسيب:
وهذا يؤدي به في النهاية إلى أنه لا يحصل شيئا، ولا يستفيد من أي شيء، متسيب، فينتكس؛ لأنه ليس عنده شيء يمنعه من الانتكاس .
أن يكون في قلبه مرض، أو آفة كبرت مع الوقت:
مثل أن يكون في قلبه مثلا غرور، أو عجب، أو كبر، أو حب رئاسة، أو غير ذلك من الآفات؛ ولم يجاهد نفسه في التخلص منها، فتكون مثل النبتة الصغيرة، فتضرب بعروقها في قلبه، فتحرفه عن الطريق فيما بعد .
عدم العمل بما يوعظ به:(26/2)
يسمع الموعظة لكنه لا يعمل بها، ولو عمل بها لزاده الله ثباتا قال تعالى:}وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا[66] {سورة النساء .إذاً بإمكانك أن تقول:من الوسائل التي تعينك على الثبات، وتمنعك من الانتكاس؛ العمل بما توعظ به من أعمال الخير العمل.
أخيرا
أقول: أن المنتكس قد بدل نعمة الله عليه، هل تجدون نعمة أعظم من نعمة الالتزام؟ إذاً ، فلنسمع لقول الله: }وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[211] {سورة البقرة ويقول تعالى:}إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ[25] {سورة محمد نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
من محاضرة: 30 سببا للانتكاسة للشيخ/ عبد الرحمن العايد(26/3)
رمضان كيف نستقبله ؟؟وكيف نغتنمه ؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان.....كيف نستقبله ؟؟....وكيف نغتنمه ؟؟
تقديم :
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ، وسيأت أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته كما صليت على آل ابراهيم انك حميد مجيد...
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } 102: آل عمران .
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } 1 : النساء .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } 71 : الأحزاب
أما بعد :
فأن أصدق الحديث كتاب الله , وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة فى النار, وبعد ….
فان شهر رمضان من الأزمان التي لها عند المسلمين مكانةٌ عظيمةٌ , هذه المكانة ليست مجرد شجون وتقدير لما لايرتبطون به , لا بل هى مكانةٌ ترتبط بها القلوب والأبدان لما تجده النفوس من بهجةٍ وفرحةٍ واطمئنان وحب للخيرات وفعل للطاعات وتهيؤ عظيم فى القلوب ولين فى الأبدان لفعل الخيرات وترك المنكرات , ولاشك أن هذا يشعر به كل مسلم وان قل ايمانه لأن شهر رمضان هو زمنُ لين القلوب واطمئنانها ولو نسبياً , وزمنُ تعاون الناس على كثير من البر والطاعات , وفعل الخيرات , فأنت ترى الناس تختلف مسالكهم فى رمضان عن غيره لوقوع الصيام منهم جماعة مما يجعل لهم صورة جماعية طيبة فى بعض الأمور كإجتماع الناس فى البيوت للإفطار حتى تخلو الطرقات فى القرى والمدن من المارة الا القليل , والتى لا تكون كذلك فى مثل هذه الأوقات فى غير رمضان , وغير ذلك من المظاهر الجماعية والتى تحدث فى رمضان ولا يمكن أن تحدث فى غيره باستقراء الواقع الا أن يشاء الله شيئا...وذلك -مثلا -مثل أجتماع الناس على قيام رمضان , ومثل امتلاء المساجد فى صلاة الفجر على غير عادة الناس فى غير رمضان فى أزماننا, هذا وغيره كثير يدل دلالة واضحة على تلك المكانة التى هى لهذا الشهر فى قلوب العامة والخاصة من المسلمين , وتلك المكانة التى تكون فى القلوب تتفاوت فى قلوب المسلمين بما يترتب عليه تفاوتا بينا فى مسالكهم وعاداتهم فى هذا الشهر أفرادا وجماعات , وهذا التفاوت ليس هو فقط فى المقدار والأثر والقوة لا بل هو أيضا فى نوعه بمعنى أنه ليس فقط تفاوتا فى كمه وقوته بل فى كيفيته ونوعيته...... وصدق ربنا اذ يقول :" إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى" 4 : الليل ...... نعم فان سعى الناس عموما فى أمر دينهم ودنياهم لشتى خاصة فى مثل تلك الأزمان الفضيلة , فبين مقدر لقدره ومضيع , وكاسب وخاسر , وموفق ومغبون , وضال ومهتد , وتقى وفاجر عافانا الله من التضيع والخسران والغبن والضلال والفسوق والكفران وجعلنا بفضله ومنه وجوده من المؤمنين الفائزين فى الدنيا والأخرة فى رمضان وغيره من شهور العام ....آمين ....آمين
--------------------------------------------------------------------------------
أيها الاخوة الكرام كيف نستقبل..ونغتنم.. رمضان ؟
وقبل الاجابةِ أسأل نفسى واياك أخى الكريم سؤالا يقرب المسألة , وهذا السؤال هو لو أن لك صاحب أو قريب أو رحم عزيز عليك ,غاب عنك أحد عشر شهرا ثم علمت بمجيئه اليك زائرا عما قريب , ماذا أنت صانع لملاقاة واستضافة هذا الضيف والجائى الكريم العزيز عليك , ماذا انت صانع ؟...سأترك الاجابة لك ولكن بشرط أن تجيب بأنصاف وموضوعية ...
واذا وفققك الله لاجابةٍ صحيحة منصفة بما يليق وشأن ضيفك وزائرك الذىافترضنا أنه عزيز بل عزيز عليك جدا ..جدا.... فاسأل نفسك ماذا هو الحال اذا كان هذا الزائر هو شهر رمضان المبارك ؟
ونحن سوف نستقبل فى غضون أيام هذا الضيف...هل تعرفه...وماذا أعددت له وكيف ستستقبله وتتعامل معه؟
أولا : من هو شهر رمضان ؟
هو : الشهر التاسع فى ترتيب الشهور التى هى عند الله اثنى عشر شهرا من يوم أن خلق الله السموات والأرض,وعلى الترتيب الذى أنشأه عمر رضى الله عنه...(27/1)
قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ....الآية 36 : التوبة
وهو : الشهر الذى أنزل الله فيه القرآن .
قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } ......الآية 185 : البقرة
وهو: الشهر الذى أبتعث الله فيه نبيه وخليله وخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم .
وهو : الشهر الذى جعل الله منه الى رمضان ما بعده كفارة :
بوب مسلم فى كتاب الطهارة : باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر *
وفيه : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر *
وهو: الشهر الذى اذا دخلت أول ليلة من لياليه كان ما كان من الخير اسمع :
عند البخارى فى كتاب الصوم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة *
وفى رواية عنه أيضا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين*
وهو : الشهر الذى جعل الله فيه لأصحاب الذنوب والخطايا المخرج وكذلك لطالبى الجنة والعلو فى الدين :
فعند البخارى فى كتاب التوحيد : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا يا رسول الله أفلا ننبئ الناس بذلك قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة *
وعند مسلم فى كتاب صلاة المسافرين : عن أبى هريرة حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه *
وهو : الشهر الذى جعل الله فيه العمرة كحجة ليس هذا فحسب بل كحجة معه صلى الله عليه وسلم :
فعند البخارى فى كتاب الحج : عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجين معنا قالت كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك ناضحا ننضح عليه قال فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة*
وفى رواية:" عمرة في رمضان تعدل حجة" متفق عليه.
وفى رواية: قال فإن عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي*
قوله : { عمرة في رمضان تعدل حجة } في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض. للإجماع على أن الاعتمار لا يجزيء عن حج الفرض. وقال ابن العربي: حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها. وقال ابن الجوزى: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد.
وهو : الشهر الذى جعل الله فيه ليلة هى خير من ألف شهر فى دين وعمل العبد المؤمن :
فعند البخارى فى كتاب صلاة التراويح:عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان *
وعند مسلم فى كتاب صلاة المسافرين: عن زر قال سمعت أبي بن كعب يقول وقيل له إن عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة أصاب ليلة القدر فقال أبي والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني و والله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها*
وأنت تعلم قوله تعالى: { ليلة القدر خير من ألف شهر } ....
وهو : خير الشهور على المؤمنين وشر الشهور على المنافقين :
ففى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله ما مر على المسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتي على المنافقين شهر شر لهم منه إن الله يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل ويكتب وزره وشفاءه من قبل أن يدخل ذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوة في العبادة ويعد فيه المنافق إغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم فهو غنمٌ للمؤمن ونقمةٌ على الفاجر"...... أحمد...والبيهقى ، عن أبي هريرة .وحسنه الألبانى فى صحيح الترغيب..(27/2)
* وإذا نظرت لهذا الحديث الجامع ترى أن ذلك وكأنه واقع يراه القاصى والدانى...المؤمنون يعدون عدة البر يجهز زكاة ماله لينفقها فى رمضان...ويرتبون المال للتوسيع على الأهل والأولاد...ويعدون أسباب إعانة المساكين والفقراء...وكذا إطعام الصائمين....وفى المقابل المنافقون ممن يعدون العدة بالأفلام والتمثليات والفوازير....ألخ....فصدق الصادق المصدوق هو غنمٌ للمؤمن ونقمةٌ على الفجر,,,,,,,,
** ولو ظللت أعرف بمن يكون هو هذا الضيف العزيز ما وفيت الكلام على مكانته ولكن المقصود هو كيف نستقبل هذا الضيف المكرم ؟
*...كيف...؟؟؟؟؟
ومن ثم لابد أن أذَكِر أولاُ بأمور هامة أولها: نحن المسلمين :
لكم أسأنا استقبال هذا الضيف لأنه لطالما يزورنا ويأتينا كل عام فى نفس الموعد وهو ضيف كريم يأتى بالهدايا الكثيرة العظيمة النفع التى يحتجها كل أحد من الخلق وخاصة المسلمين ونحن نقابل لك بأن نأخذ من هداياه ما يعجبنا ونرمى فى وجهه ما لا يعجبنا ونحن فى ذلك من المغبونين ... وصدق ربنا اذ يقول:"ان سعيكم لشتى".....نعم ان سعى العباد فى الدين لشتى , وخاصة فى رمضان , فمضيع ومستهتر ومغبون ومفتون وغير ذلك من مسالك الباطل والتضييع , ولكن هناك أهل الحكمة وشكر النعمة ..جعلنا الله منهم .. أهل تقدير العطايا والمنح الربانية- الذين يرجون ثواب ربهم ويخافون عذابه ويتقون سخطه بطلب مرضاته - نعم هم من يطلبون النجاة ويسلكون مسالكها فيعرفون لرمضان قدره ويستقبلونه بالتوبة وفعل الخيرات وترك المنكرات , يحكى عن السلف أنهم كانو يظلون ستة أسهر يدعون ربهم أن يبلغَهم رمضان , فاذا جاء أحسنوا استقباله , فاذا رحل عنهم ظلوا ستة أشهر بعده يسألون الله قبول ما قدموا فيه من الصيام والقيام والصدقة وغير ذلك مما قدموا من البر ....أرأيت كيف كان حالهم ... وكيف صار حالنا , نسأل الله أن يصلحنا ويصلح بنا ويحسن مآلنا ويجعلنا فى شهر رمضان من الفائزين ,كان السلف أذا انقضى رمضان يقولون رمضان سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر , اللهم اجعلنا فيه وفى سائر ايامنا وأعمارنا من الرابحين المفلحين ....أمين ....أمين...
نحن ياسادة : كم من مرات ومرات جعلناه يرحل عنا وهو حزين لا يرى منا الا الوكسة والجرى وراء الدنيا الحقيرة والرضى بالدنية فى الدين , والميل مع الذين يتبعون الشهوات ميلا عظيما , والتولى عن العمل لله ,ويري كذلك زهدنا فى أخرتنا وعدم نصرتنا لربنا ,,,,,,,,,, ففعل المنكرات , وسهرٌ أمام التلفاز فى الليالى الرمضانية - هكذا يسمونها من يقيمونها - وهى فى الحقيقة ليالى شيطانية لا رمضانية , فالليالى الرمضانية هى ليالى القيام واجتماع الناس فى المساجد والتسحر استعدادا لصيام يرضاه الله جل وعلا وغير ذلك من الذكر والتلاوة هذه هى الليالى الرمضانية , وكذلك لكم رحل عنا رمضان وهو يرى حال المسلمين المتردى الذين هم فى أشد الحاجة لما جاءهم به من الخير الكثير الذى جعله الله لعباده التائبين المقبلين الذين يبحثون عن مخرج من ورطة الذنوب وتخفيفا لثقلها عن عاتقهم ...
نحن أيها الاخوة : يأتينا هذا الشهر هذه المرة وهناك متغيرات كثيرة الشيشان وما أدراك ما الشيشان وتدنيس بيت المقدس والتعدى عليه من أبناء القردة والخنازير,والهوان والاستضعاف الذى تعيش فيه الأمة دولا وجماعات وأفراد حكاما ومحكومين , فقتل وتشريد وهدم للبيوت وتحريق للممتلكات , قتل للأطفال والكبار والنساء والرجال ابادة هنا وهناك , ومسح للدول الاسلامية من على خريطة العالم كما يحدث فى فلسطين والشيشان , وغطرسة كافرة تعربد بحقد أسود وجبروت طاغى فى كل حدب وصوب , وإذلال للقادة والملوك والممكنين قبل المستضعفين , ووصف للإسلام والمسلمين بالإرهاب وغير ذلك , فانا لله وانا اليه راجعون ...
ان رمضان ذلك الضيف الكريم يأتى هذه الزيارة ونحن نعانى من انهزامية يزرعها فينا دعاة السلام ...عفوا بل دعاة الاستسلام والذلة لغير الله مع الاعراض عن الله...انهزمية يزرعها فينا دعاة العلمانية , ويدعمها حبنا للدنيا الذى هو من أعظم أسباب تلك الانهزامية ففى الحديث الصحيح من حديث ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل يا رسول الله : فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت".أخرجه أحمد وابو داود .
* يأتى علينا هذا الضيف ياسادة ونحن نلعق مرار تسلط اليهود على بيت المقدس وتكبرهم علينا حكاما ومحكومين , دولا وجماعات وأفراد , نلعق مرارة ابادة الروس الملاحدة الملاعين للمسلمين فى الشيشان أنتهكو حرماتهم وهدموا وخربوا أرضهم وانتهكوا أعراضهم ومسحوا دولة معترف بها فى المجتمع الدولى مسحوها أو هكذا يحاولون ولن يمكن الله لهم ...فانا لله وانا اليه راجعون ...(27/3)
خلاصة القول أن هذا الضيف العزيز الكريم بما كرمه به الله تعالى يأتى علينا ونحن أزلة مستضعفين أنهكتنا ذنوبنا وشهواتنا وحرمنا طلب المقامات العليه , مقامات الجهاد والمجاهدة مقامات البذل لله تعالى مقامات عز الطاعة والانابة الى الله تعالى , خلاصة القول أن هذا الضيف سوف يجيئ ليجد فينا ومنا حالا لايسر حبيب ولكن يسرعدو , يسر الشيطان الذى يقعد للمسلم بكل صرط , يسر اليهود الذين برون منا الانهزامبة أمام تصلفهم وكبرهم ...فاجتمعات ولجان ومؤتمرات لاتتمخض الا عن زيادة ذل وهوان انا لله وانا اليه راجعون...حالٌ لايسر الا دعاة الاستسلام لليهود لأنهم قُهروا نفسيا أمام الدولة العظمى كما يحلوا لهم أن يسموها للغطرسة الأمريكية تلك الأسطورة التى هى إلى زوال تقريبا خاصة بعد ما أوضح مدى خوار الأسطورة التى لاتقهر والأمن الذى لايخترق...ها قد أخذ الله القرية الظالمة بعض الأخذ...وهو على كل شئ قدير...وإن هلاكهم قريب...ألم تر تلك الأية التى ظهرت فى عقر دارهم.....فنحن نخور ونركع فى محراب الطغيان الأمريكى.. واليهودى ...وغيره.... وطبعا لايجر ذلك الا الى الصغار والذل لاالعز والكرامة.. فحسبنا الله ونعم الوكيل .... فحالنا يسادة يسر كل عدو قل أو كثر ....بعد أو قرب.... والى الله المشتكى ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم......
* هذا بعض ما ينبغى أن نعرفه ابتداء ....وذلك قبل أن نتكلم عن كيفية استقبال هذا الضيف العزيز....
* ولابد هنا أيها الاخوة الكرام من معرفة أن هذا الضيف : يأتى ومعه كثير من أسباب الاعانة والتغيير التى يمن الله بها على عباده المؤمنين الذين يؤمنون أنهم لاينبغى لهم أن يهنوا ولاينبغى أن يحزنوا , ولا ينبغى بحال أن ينهزموا أويضعفوا أو يصيبهم الخور أمام عدوهم , وولاينبغى كذلك أن يذلوا لغير الله تعالى المعز المذل الكبير المتعال الذى اذا أراد
شيئا قال له كن فيكون بيده الخير وهو على كل شئ قدير , وذلك لأنه سبحانه قد وعدهم بأنهم الأعلون ان كانوا مؤمنين قال تعالى: { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }39 : آل عمران ... وكذلك هم يستبشرون بوعد الله تعالى حيث قال : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } 55 : ا لنور
ولذلك لابد... ثم لابد.....ان أردنا الخلاص مما نحن فيه من الغبن وقلة الايمان وكثرة الشرور.... أن نكون من أولائك الذين يقدرون هذا الضيف قدره ويحفظون عليه مكانته التى أنزلها الله اياه ويتنعمون بكثير الفضائل والكرائم والهبات والهدايا والنعم الربانية التى يبعث بها الله تعالى مع هذا الضيف العزيز.... أليس كذلك ...لابد أن نجعل استقبالنا لهذا الضيف الكريم نقطة تحول كبيرة فى حياتنا الايمانية وفى انفسنا , نقطة تحول نتحول بها :
أولا : من كثرة الذنوب والمعاصى التى لاتنتهى سواء الدائم منها....مثل شرب الدخان وسماع الأغانى والمعازف والتبرج وعرى البنات والاختلاط وحلق اللحى والكسب الحرام من الوظائف المحرمة مثل العمل فى البنوك والضرائب والأعمال التى فيها ظلم العباد أو الحكم بغير ما أنزا الله والنظر الى المحرمات وظلم الزوجات واسأة التربية للأولاد وغير ذلك كثير من الذنوب التى يقع فيها الكثير...دائما...ليل نهار... أو ما نأتيه حينا مثل الزنا والغيبة ....التعاون فى بعض المنتديات على الاثم والعدوان كما هو فى منكرات الأفراح والأعراس وما شابه , والليالى القبيحة المسامة بالليالى الرمضانية حيث يجتمع البنات والشبات مع الرجال والأولاد ...فى فعل المنكرات ومشاهدة المحرمات أو قضاء الليل فى اللعب والصراخ والمجون والسهرات الملونة ..... فقد أصبح البر والطاعات وفعل الخيرات وترك المنكرات والتعاون على البر والتقوى , صار ذلك فى حياتنا وأحوالنا ...أحيانا ...أحيانا....أحيانا...فلابد اذا من التحول من هذا الحال الى العكس ولن بكون ذلك بالآمانى والتمنى , لا لن يكون ذلك الا بتغيير النفس , والمجاهدة فى الخروج من هذا الأسر أسر الدنيا والاخلاد لها , أسر الشهوات وحب المال والرضى بالحياة الدنيا والاطمئنان لها ,فلابد اذا من تغيير النفس لابد....ثم لابد..قال تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...." 11 : الرعد...ولن يكون ذلك الا أن تبدأ بالتوبة , التوبة من الحال الذى يعرفه كل منا من نفسه ....ولاينبغى أن نتقلل عيوبنا وذنوبنا وكأنها شئ هين لا ثم لا فهذا شأن المنافقين والعياذ بالله تنبه..(27/4)
فعند البخارى فى كتاب الدعوات: عن الحارث بن سويد حدثنا عبدالله بن مسعود حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه قال إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه*
أرأيت إياك...إياك أن تفعل ذلك....فذنوبنا أهلكتنا أو كادت فلابد من التغيير والهجرة الى الله تعالى دون مكابرة فاننا عباد الله ان جادلنا عن افسنا فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنا فى الأخرة من...من...قال تعالى: { هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } 109 : النساء.
فلنجعل من رمضان بما فيه من صنوف البر الكثيرة معسكر توبة نتحول فيه من أصحاب معاصى وسيئات الى أصحاب طاعات وفعل خيرات وليس هناك من الطاعات طاعة جمعت مافى التوبة من خير وفضل من الله تعالى ولذلك أمر الله بها :-
قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } 8 : التحريم …
قال تعالى : { أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } 74 : المائدة....
وقال تعالى: { وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } 3 : هود...
وقال تعالى: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } 52 : هود …وقال تعالى: { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } 90 :هود …
وقد شدد الله تعالى على من لم يتب فقال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } 11 : الحجرات..
فيا أخى : إن أردت أن يتوب الله عليك وتنجو من حالك السئ قبل الموت فتب قال تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } 160 : البقرة
ياأخى الكريم: ان اردت أن يحبك الله فتب قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } 222 :البقرة …
ياأخى الحبيب: ان أردت أن يغفر الله لك ويرحمك .... وانت صاحب الذنوب التى كالجبال والتى لعلها تكون سبب الهلاك والعياذ بالله....ان اردت ذلك فتب قال تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } 89 : آل عمران...
يا أخى فى الله: ان أردت أن يأتيك الله الأجر الذى يمكن أن يكون سببا للخلاص من ورطة الذنوب فتب قال تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } 146 : النساء...
ياأخى الحبيب: ان أردت الخير كل الخير فتب قال العلى الكبير: { فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } 74 : التوبة..
واعلم أخى أن الله تعالى الغنى الحميد القائل فى محكم التنزيل
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } 15: فاطر … وقال تعالى: { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } 97 : آل عمران … وقال تعالى: { وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } 133 : الأنعام …
وقال تعالى : { وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } 6 : العنكبوت...
ومع هذا كله فانه جل وعلا يطلب منك الرجوع إليه تعالى , ويفتح لك بابا من أوسع الأبواب لترجع منه , وحتى لاتجد الطريق ضيقا فقد وسع الله(27/5)
فى باب التوبة وجعله مفتوحا على مصرعيه للعبد طيلة حياته مالم يغرغر , أو تطلع الشمس من مغربها [ يعنى وقت الساعة ] ... وليس هذا فحسب بل ان الغنى عنك وعن العالمين سبحانه, من يفتقر له كل من فى السموات والأرض , يفرح بتوبة عبده التائب ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض فلاة دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله تعالى أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته" متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس. زاد مسلم في حديث أنس "ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" ورواه مسلم بهذه الزيادة من حديث النعمان بن بشير... أرأيت أخى كيف يفرح الله بتوبة العبد من أن العبد هو المحتاج والله هو الغنى , ياللعجب الفقير العاجز دائم الحاجة لا يفرح بالتوبة وهو فى أشد الحاجة اليها , كن أخى من الفرحين بالتوبة التى لعل وراءها رحمة رب العالمين سبحانه..
قال تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } 58: يونس.....
فهذا من أول ما ينبغى أن نجعله من أعمالنا فى أستقبال شهر رمضان لنكون ممن يستقبله استقبالا حسنا .....
وثانيا :..أن تجعل من رمضان سببا لنيل الشرف وأن تكون من أهل الشرف خروجا من قهر الذل ذل المعاصى والانهزامية وهذا الشرف ليس فى عضوية مجلس الشركاء فهذا مزيد من الذلة ليس الشرف والعز فى مثل ذلك , وليس الشرف كذلك فى جمع الأموال والاستكثار من التجارات لأنه موسم ...نعم هو موسم ...ولكن للبر والحسنات لا للجنيهات والريالات...نعم هو موسم ...للبر والطاعات لا للمكاسب والتجارات.... الشرف الذى أقصده هنا هو قيام الليل ففى الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس"... أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن سهل بن سعد البيهقي في شعب الإيمان عن جابر" وقال الألبانى رحمه الله فى صحيح الجامع .حسن برقم : 73
وفى الحديث "من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"......القيام وما أدراك ما القيام ذلك البر الذى لما تركه المسلمون تركوا معه سببا عظيما من أسباب عزهم فالعز طريقه فى أمرين:
الأول: الأنس بالله ليلا والترهب له , وجمع القلب عليه والانكسار ليلا فيورث ذلك الاخبات والاخلاص ,
والثانى :البذل والجهاد فى الله نهارا فى طلب العلا علما وعملا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وهذا يورث الفداء والاباء , قيام الليل لا تضيعه واغتنم ما وعد الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال:" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".. متفق عليه..... فهذا ثانيا... ....
*وثالثا:... *ادخال السرور على أخيك :
أن دخول شهر رمضان على المسلمين هو بمثابة دخول الغوث عليهم فى دينهم ودنياهم , فأبواب الفرج تتفتح وفى الحديث "اذا كان رمضان فتحت أبواب الخير" ولم يقيد أو يستثن , وهذا معناه أن كل أبواب الخير الدنيوية والأخروية تفتح , وكلنا يشهد بذلك ويحسه , حتى أن الناس تقول { رمضان الرزق فيه واسع } , ومن هذا المنطلق لابد أن تجعل من رمضان باب خير عليك وعلى أهل بيتك , فلا مانع من التوسيع على أهل بيتك بلا تكلف واسراف , والتوسيع على أخوانك من أرحامك ومن جيرانك ومن أصحابك هو من أفضل الأعمال ...
ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا "..... أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة وابن عدي في الكامل عن ابن عمر , وقال الألبانى فى صحيح الجامع حسن ,برقم : 1096 ، وقال أيضا :" من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن: تقضي عنه دينا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة". أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنكدر مرسلا, وفى صحيح الجامع برقم . : 5897 ,صحيح .
أرأيت أخى كيف أن ادخال السرور على أخيك من أفضل الأعمال وهذا الفضل يزداد أذا كان جارا ففى الحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليس المؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه "... أخرجه الطبراني في الكبير عن طلق بن علي,وفى صحيح الجامع برقم: 5380 ,صحيح.(27/6)
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم :" ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه ".....أخرجه البخاري في الأدب والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن ابن عباس.,وفى صحيح الجامع برقم : 5382 ,صحيح .
فياليتنا نخرج من سوء نفوسنا ونستقبل هذا الضيف العزيز بادخال السرور على الأهل والجيران والأصحاب ونجعل من رمضان ملتقى الأحبة فى الله نطعمهم ونخفف عنهم ونشاركهم فى قضاء حوائجهم ولو بالدعاء ممن لم يجد ولنتذكر فى هذا المقام قول الهادى البشير عليه الصلاة والسلام وهو يقول :" { ترى المؤمنين: في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى } . البخارى ومسلم..... وبناءً على هذا فلنستقبل رمضان من منطلق تحولنا عن الاساءة لأخواننا الى التواد والتعاطف والتراحم , لنستقبل هذه الأيام الفضيلة ونحن جسد واحد , جسد الاسلام والمسلمين هذا ثالثا ...
ورابعا : ...حسن الخلق ولين الجانب والألفة :
فلنجعل من رمضان نقطة تحول من سوء الخلق والفظاظة الأحقاد والغل وسوء الطوية وسوء معاشرة الأزواج والاساءة لهن , والنشوز على الأزواج وعدم طاعتهم , والخروج من كبر النفس , والتعالى بعضنا على بعض , وتقطيع الأرحام والسعى فى الأرض فسادا , وفحش اللسان والكذب والخيانة والغيبة والنميمة...وغير ذلك..من السوء فلنتحول من ذلك كله ومن كل خلق سئ , نجعل من أيام هذا الشهر معسكرا تربويا , نقيم أنفسنا فيه على الأخلاق الحسنة وهى فرصة عظيمة لتحصيل ذلك الخير الكثير ففى الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم"...... أبو داود وابن حبان في صحيحه عن عائشة.وقال الألبانى رحمه الله فى صحيح الجامع برقم : 1932 صحيح .
وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم:"أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء"......البيهقى.عن أبي الدرداء,وقال فى صحيح الجامع برقم : 135 ,صحيح .
ويكفى أن تعرف أن النبى صلى الله عليه وسلم سمى ووصف البر بأنه حسن الخلق كما فى الحديث : " البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".أخرجه البخاري في الأدب وصحيح مسلم والترمذي عن النواس بن سمعان
* أن يأمنك الناس وتهجر المعاصى فذلك ثمرة حسن الخلق:
وفى الحديث:"المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب". ابن ماجة عن فضالة بن عبيد,وقال الألبانى فى صحيح الجامع برقم : 6658 ,صحيح.
* واعلم أن الألفة من شيم المؤمنين :
ففى الحديث :" المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس"....أخرجه الدارقطني في الأفراد والضياء عن جابر,وفى صحيح الجامع برقم : 6662 ,وقال حسن .
وفى الحديث أيضا : " المؤمن يألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".....أخرجه أحمد في مسنده عن سهل بن سعد, وفى صحيح الجامع برقم : 6661 ,وقال صحيح .
وفى الحديث : " المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم".....أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة.وفى صحيح الجامع برقم : 6653 ,وقال حسن .
قال فى لسان العرب :
وفي الحديث : المؤمِنُ غِرٌّ كريم أَي ليس بذي نُكْر، فهو ينْخَدِع لانقياده ولِينِه، وهو ضد الخَبّ.
يقال: فتى غِرٌّ، وفتاة غِرٌّ، يريد أَن المؤمن المحمودَ منْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً ، ولكنه كَرَمٌ وحسن خُلُق ؛
وقال ابن الأثير فى النهاية:
والخبُّ بالفتح : الخدَّاعُ، وهو الجُزْبُرُ الذي يسعى بين الناس بالفَسَاد .
* واعلم أن الصبر على آذى الناس من الايمان لاأنه من عظيم حسن الخلق :
ففى الحديث : " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم"...أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر,وفى صحيح الجامع برقم : 6651 ,وقال صحيح. ...... أرأيت أخى هذا بعض ما فى حسن الخلق من فضائل وخيرات وبركات , فلما لانجبر النقص ونسد الخلل ونحصل ذلك الخير الكثير ونذوق الحُسنَ بعد السوء والحلو بعد المر والاحسان فى المعاشرة بدلا من الاساءة والتعدى , ما أحلى حسن الخلق وما أحلى مذاقه , فلنجعل من رمضان بداية عهد جديد , فلنستقبل رمضان بحسن الخلق ولين الجانب وحسن الطوية ومحاولة الاتلاف فيما بيننا عسى ربنا أن يرحمنا .........
فهذا يا أخى رابعا مما نحاول أن نجعله من مقتضيات استقبال شهر رمضان ذلك الضيف الكريم ..........
وخامسا:... المؤمن عف اللسان :(27/7)
إن سوء اللسان من سوء الخلق ولكنه أخطره ولذلك ينبغى أن نعرف هذه الخطورة ونحذرها ولعل كثير الشقاق بيننا وعدم الألفة والتفرق بين أصحاب النهج الواحد بل ان من أعظم ما يخلق العداوة بين الأولياء والأرحام والأصهار حتى بين الرجل وامرأته كثير منها ان لم تكن كلها.... بسبب اللسان...نعم إن للسان خطورة شديدة ومن أعظمها خطورة بعد التكلم بالكفر والعياذ بالله ...سب المؤمن...ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة"...... الطبراني في الكبير عن ابن عمرو,وفى صحيح الجامع برقم : 3586 ، وقال حسن .
وقال أيضا صلى الله علبه وسلم : " ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة، ومن حلف بملة سوى الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله".... متفق عليه
وفى الحديث :"ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي".....
أحمد في مسنده والبخاري في الأدب وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود,وفى صحيح الجامع برقم : 5381 ، وقال صحيح .
وفى الحديث " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده..."
ولهذا ينبغى أن نعلم أن فرقة الصف , وتفرق الجمع , وفك حزمة المسلمين , يرجع سبب ذلك الى أمور , لعل من أعظمها التلاعن بين المسلمين , فكل جماعة تلعن أختها ولو من طرف خفى , وكل فرد يلعن من ليس فى حزبه أو جماعته فتزداد بذلك الفرقة , وتتعمق به الغربة بين المسلمين , وهذا لايُرضى الا أعداء الاسلام الذين يسعون فى المسلمين منذ أمد بعيد بمبدأ فرق تسد , وقد نجحوا فى ذلك مع الأسف , وما ذلك الا بسبب بعد المسلمين عن هدى نبيهم وشريعة ربهم , وباتوا يلهثون وراء الغرب الكافر الذى هو موطن أعدائهم , ومحل مبغضيهم وحاسديهم , باتوا يتخذونهم أولياء ويتبعونهم فى كل صغيرة وكبيرة حتى فرقوهم وجعلوهم شرازم متباغضين متناحرين , حتى قامت بين المسلمين الحروب , فبدلا من أن يتوجه المسلم بسلاحه وقوته وضربته الى أعدائه الحقيقيين من الكفار والملحدين ومن اليهود والنصارى وأشياعهم من دول الغرب الكافرة , بدلا من هذا يجعل قوته ورميته فى صدر أخيه المسلم,فانا لله وانا اليه راجعون...ولاحول ولا قوة الا بالله العلى العظيم...فلهذا أخى الكريم ينبغى أن نتفطن لما أوقعنا فيه عدونا , وقد ذقنا مرارة التفرق والتلاعن والسب والمقاتلة حتى كدنا نستنزف لصالح أعدائنا , لنتنبه الى مثل هذه الأمور العظام ونخرج أنفسنا من ورطة الغفلة التى وضعنا فيها بعدنا عن ديننا هذا واحد , وتربص ومكر أعدائنا الثانى , قد تكون هناك أسباب أخر لكن الكل يكاد يتفق على هذين السببين , وينبغى أن يكون أخوك هو أخوك يشد عضدك يحوطك من ورائك ...وهكذا , فينبغى أن يكون :
* المؤمن مرآة أخيه :
ففى الحديث : " المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن: يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه".....أخرجه البخاري في الأدب وأبو داود عن أبي هريرة,وفى صحيح الجامع برقم : 6656 ، وقال حسن......وليس الأمر يقف عند حد النصح والتعاون على الخير , بل مجتمع المسلمين مجتمع مسئول , للمسلم على المسلم حقوق , وعليه كذلك حق......
* حق المؤمن على أخيه:
فى الحديث : " للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد".... الترمذى والنسائى عن أبي هريرة.وفى صحيح الجامع برقم : 5188 ، وقال صحيح .
وفى الحديث : " المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر" ...... أخرجه مسلم ، عن عقبة بن عامر.
وفى الحديث :" الْمُؤمِنُ للْمُؤمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهَ بَعْضَاً"....أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى .
* أرأيت أخى كيف ينبغى أن نجعل من رمضان منطلق لربط الأوصال بين جمع الجماعة الحق التى لايحب الله غيرهم ويده سبحانه فوق ايديهم , فلنجعل من استقبالنا للشهر الفضيل
مقاطعة للسب والتلاعن والتهاجر , ونجعل من دخول رمضان علينا نقطة تحول الى الوحدة والتماسك والترابط كالبنيان , ونذر كل سبب للفرقة والشرزمة ولنتخذ من عفة اللسان وحسن الكلام سبيلا الى ذلك والله المستعان وعليه التكلان ولاحول ولا قوة الا بالله العلى العظيم...... فهذا يأخى الحبيب خامسا ...
* وسادسا:.... * رحمة الصغير واحترام الكبير :
إننا نعانى من أزمة احترام وتقدير لكل صاحب شأن سواء كان كبير فى السن أو ذو مقام أو ما شابه , وكذلك يستشعر المخالط لفريق الملتزمين بنوع قسوة وشدة فى غير موضعها ,بعبارة أخرى نقص أو قل فقد رحمة وتراحم والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"ليس منا من لم يجل كبيرنا , ويرحم صغيرنا , ويعرف لعالمنا حقه " ...أخرجه أحمد فى المسند والحاكم فى مستدركه , وفى صحيح الجامع برقم { 5443 } وقال حسن .(27/8)
ويقول "من لايرحم لايرحم" ويقول أيضا:" الرحماء يرحمهم الرحمن".....ولهذا ينبغى أن نلوم أنفسنا بقدر كبير فى عدم نجاحنا فى مقامات الدعوة مع عامة المسلمين , ومن هم من أهل المعاصى والبدع , فهم مسئوليتنا ولعلنا نُسأل عن هذه المسئولية فى
الأخرة , فالفظاظة والغلظة وعدم الرحمة والتراحم وانعدام
العطف والاحترام فى محله وبضوابطه, هو سبب كبير ومؤثر فى دعوتنا سلبا ,وكذا فى مسالكنا وآدابنا وديننا بل والأخطر وايماننا...وتذكر قول الله تعالى :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" 159 : آل عمران.... فهذا ياأخى بيان من الله تعالى يبين فيه أن من أعظم أسباب نجاح الدعوة الى الله واجتماع رباط المسلمين حول قائدهم الحق هو الرحمة والاحترام والتقدير لكل ذى منزله , واللين الباعث على الألفة والترابط ,وأن الغِلظة والفظاظة تبعث على الفرقة والعداوة والانفضاض عن من الانفضاض عنه هلاك ,فتنبه أخى لذلك ولنجعل من هذا منطلقاً لإستقبالنا لرمضان ومبعث حنو واحترام وتقدير وتراحم بيننا وبين كل من نملك أن نفعل معه ذلك ,عسى أن يكون ذلك مبتدأ خير علينا كأفراد بما ينعكس على جماعةِ ومجتمع المسلمين بالصلاح والاصلاح , فهو ولى ذلك والقادر عليه وحده جل وعلا ....هذا يأخى سادس أمر من الأمور التى ينبغى أن تكون ركائز نرتكز عليها فى استقبالنا واغتنامنا لشهر رمضان .........
*سابعا:...... **الصدقة:
اوما أدراك ما الصدقة وما أثرها فى القلوب والأبدان والأموال والأجر , وخاصة فى شهر الصدقات والجود والكرم...
والصدقة فى القرآن جاء ذكرها بما يدل على عظيم قدرها:
قال تعالى:" قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ " 263 : البقرة
وقال تعالى:" تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " 271 : البقرة
وقال تعالى:" مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " 261 : البقرة …
وقال تعالى:" إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ " 18 : الحديد
وقال تعالى:" وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ " 280 : البقرة
وقال تعالى:" يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ " 276 : البقرة
فهذا بعض شأن الصدقة فى القرآن والسنة بينت أن الصدقة باب عظيم لكثير من الخير فى الدنيا والأخرة :
فالصدقة من أعظم أسباب فكاك النفس من قيد الشيطان واخراجها من سلطانه وهى من أعظم ما يصد عنه الشيطان والعياذ بالله تعالى:
ففى الحديث الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قال : " ما يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا".....أخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك عن بريدة,وفى صحيح الجامع برقم : 5814 ، وقال صحيح .
وذلك لأن الصدقة على وجهها إنما يقصد بها ابتغاء مرضاة اللّه والشياطين بصدد منع الإنسان من نيل هذه الدرجة العظمى فلا يزالون يأبون في صده عن ذلك والنفس لهم على الإنسان ظهيرة لأن المال شقيق الروح فإذا بذله في سبيل اللّه فإنما يكون برغمهم جميعاً ولهذا كان ذلك أقوى دليلاً على استقامته وصدق نيته ونصوح طويته والظاهر أن ذكر السبعين للتكثير لا للتحديد كنظائره .
والصدقة من أعظم أسباب التداوى ففى الحديث الصحيح :
أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " داووا مرضاكم بالصدقة".....أخرجه ابو الشيخ فى الثواب عن ابى امامة, وفى صحيح الجامع برقم: 3358 ، وقال حسن .
والمراد: من نحو إطعام الجائع, واصطناع المعروف لذي القلب الملهوف, وجبر القلوب المنكسرة كالمرضى من الغرباء والفقراء والأرمل والمساكين الذين لا يؤبه بهم, وكان ذوو الفهم عن اللّه إذا كان لهم حاجة يريدون سرعة حصولها كشفاء مريض يأمرون باصطناع طعام حسن بلحم كبش كامل ثم يدعون له ذويالقلوب المنكسرة ,قاصدين فداء رأس برأس,وكان بعضهم يرىأن يخرج من أعز ما يملكه فإذا مرض له من يعز عليه تصدق بأعز ما يملكه من نحو جارية أو عبد أو فرس يتصدق بثمنه على الفقراء من أهل العفاف.(27/9)
قال الحليمي: فإن قيل: أليس اللّه قدر الأعمال والآجال والصحة والسقم فما فائدة التداوي بالصدقة أو غيرها ، قلنا: يجوز أن يكون عند اللّه في بعض المرضى أنه إن تداوى بدواء سلم ,وإن أهمل أمره أفسد أمره المرض فهلك .
* ثم الصدقة سهلة ميسورة والكل يمكنه التصدق مهما كان حاله فالتصدق نوعان :
الأول : صدقة الاحتساب : ويدل عليها الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة"..... أخرجه أحمد فى المسند والطبرانى عن المقدام بن معد يكرب ,وفى صحيح الجامع برقم : 5535 ، وقال صحيح .
والثانى : صدقة البذل: ويدل عليها ما جاء من مثل قول النبى صلى الله عليه وسلم:" أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول"....أخرجه مسلم .
والمعنى: أي ما بقيت لك بعد إخراجها كفاية لك ولعيالك واستغناء كقوله تعالى { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}?.
ومن هنا نعرف أن التصدق سهل على كل واحد منا... ومن المهم أن نعرف بعض ما يعظم أجر الصدقة فمن ذلك :
ما جاء فى الحديث الصحيح : " أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان." متفق عليه .
وفى الحديث أيضا : "أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول"....أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة,
وفى صحيح الجامع برقم : 1112 ، وقال صحيح .
وانظر معى الى ما جاء فى هذا الحديث الصحيح :" أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح."....أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن أبي أيوب،وفى صحيح الجامع برقم : 1110 ، وقال صحيح.
والكاشح : العَدُوُّ الذي يُضْمِر عَداوَته ويَطْوي.
يعني: أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجراً منها على الأجنبي لأنه أولى الناس بالمعروف.
وأحرص أخى فى أمر التصدق على ذوى الأرحام ففى الحديث الصحيح ان النبى صلى الله عليه وسلم قال : " الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة الرحم".....أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم في
المستدرك عن سلمان بن عامر,وفى صحيح الجامع برقم : 3858 ، وقال صحيح .
** والكلام على الصدقة سيل لاينقطع....فهذا ياأخى الحبيب غيض من فيض وقطرة من سيل ولعل فيه الكفاية لمن أراد الهداية .... فاحرص أيها المريد للخير أن تجعل من استقبالك لرمضان نقطة انطلاق الى رحابة البذل خروجا من قيد الشح والبخل وتذكر قول الله تعالى : {? هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } 38 :محمد ... فلعل ذلك يكون سببا فى الانتصار على هوى النفس الأمارة بالسوء واخراجها من ظلماتها , وذلك مع ورود انوار رمضان فيكون نور فوق نور , فلنستقبل رمضان بفعل الخيرات التى منها الصدقة وما أدراك ما الصدقة........... هذا ياأخى المستقبل والداخل فى رمضان سابعا...أما الثامن فهو....
*الثامن:.... المجاهدة ...مجاهدة النفس التى هى طريق الجهاد بالنفس !:
ان الذين تتوق نفوسهم للجهاد فى سبيل الله جل وعلا..ويتكلمون فى ذلك الأمر كثيرا, لعلهم لايعلمون ان فى رمضان فرصة كبيرة لتربية النفس ,واقامة معسكر لاعداد من يريد أن يكون من المجاهدين , لأن الجهاد بالنفس يبداء بجهاد النفس وتربيتها أولا...نعم بجهاد النفس أولا...
ولابد للمؤمن... الذى تتوق نسه بصدق الى الجهاد فى سبيل الله... لابد له من تربية النفس وتخليصها مما يهلكها, لابد أن يجعل من الدنيا سجن عما حرم الله وعما يفسد الدين وينقص الايمان ,وهى كذلك للمؤمن ولابد ففى الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر"..... أخرجه أحمد في مسنده ومسلم فى صحيحه والترمذي وابن ماجة
عن أبي هريرة........أرأيت أخى كيف هى الدنيا للمؤمن...
ولذلك فالله لايصطفى أهل المعاصى والتولى عن الحق ونصرته ,المنهزمون فى أنفسهم والذين ذلوا لشهواتهم ,الله لايتخذ ولا يأتى بهؤلاء بل يأتى بمن يجاهدون أنفسهم بتربيتها على الحق والتخلص من أسر وقيود الشهوات والأهواء, حتى تخلص لربها ثم يختارهم ويأتى بهم لشرف الجهاد بالنفس...(27/10)
قال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " 54 : المائدة
ثم اذا أفلح العبد فى مجاهدة نفسه لعله يفلح باذن الله فى الجهاد سواء بالسيف أو باللسان ففى الحديث ان النبى صلى الله عليه وسلم قال:" إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه"... أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن كعب بن مالك.,وفى صحيح الجامع برقم: 1934 ، وقال صحيح.
أيها الأخوة الشباب جاهدوا أنفسكم لأنفسكم أولا حتى تستمروا فى المسيرة بلا فتن أو انقطاع أو انقلاب...وهنيئا لمن شاب فى الاسلام هنيئا ..ففى الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم? قال : " الشيب نور المؤمن. لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورفع بها درجة"..... أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو,وفى صحيح الجامع برقم: 3748 ، وقال حسن.
فلنجعل نحن معشر المسلمين , من رمضان وصيامه , وقيامه , والتصدق , والتلاوة القرآنية التى لاتنقطع الا لنوم أو خلاء أو طعام ,ولامانع أن تقراء الحائض والجنب مما يحفظ حتى يطهر فيقراء من المصحف , وهكذا الذكر الدائم وبذل المعروف , ,وافطار الصائمين من المال الحلال ولو تمرة ,وادخال السرور على الضعفاء والمساكين والأرامل والفقرأء وخيرهم من كان يتيما وخاصة من كان من أهل الصلاح وعمل الخير,وصلة الأرحام والاحسان الى الجيران , وحسن الخلق مع الأهل والأصحاب والعشيرة , والأزواج والذرية ,وغيرهم والعفوا فى أيام العفو ,وانظار ذوى الاعسار, واسقاط الدين عمن لايجد وانت تقدر ولو من زكاة المال, والأمر بالمعروف برفق ومعروف واصلاح ,
والنهى عن المنكر بما لايترتب عليه منكر أكبر, وكذلك ما هو أعظم من الاخلاص لله فى كل قول وعمل, والمحافظة على الصلوات فى وقتها جماعة للاستكثار من الأجر , وبر الوالدين وخفض جناح الرحمة لهم , كل ذلك يكون مع مجاهدة النفس فى ترك المنكرات سواء ما كان دائما أو عرضا ,فان من اعظم اسباب الاعانة على فعل الخيرات ترك المنكرات..,كل هذا وغيره ينبغى أن يستقبل به العبد شهر رمضان , ويغتنمه ليكون معسكر اعدادٍ للجهاد, نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى ......هذا ياصاحبى وأخى فى الله ثامنا فى مسيرة استقبال ..واغتنام رمضان المبارك.....
*تاسعا:...الطريق القصد.... السنة علما وعملا :
قال تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 153 : الأنعام
وقال تعاللى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ } 108 : يوسف
فهذا بيان من الله تعالى لهداية من أراد الهدى وشدد سبحانه على المُعرِض عن طريق السنة والحق بالوعيد الشديد.....
فقال تعالى: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } 146 : الأعراف
فاحرص أخى على طلب الهدى واتباعه فهو سبيل مرضات الله تعالى ومن كان يحب الله فليأت بالبرهان وهو اتباع الرسول وهديه ومن كان يطلب محبة الله فالطريق اليها هو اتباع الرسول وهديه :....
قال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } 31 : آل عمران
والنبى صلى الله عليه وسلم يقول:" قد تركتكم على البيضاء: ليلها كنهارها، لا يزيع عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد".....أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن عرباض. وفى صحيح الجامع برقم : 4369 ، وقال صحيح .(27/11)
فعليك أخى أن تنطلق فى رمضان..... ونفسك طيعة تلين لك فى فعل البر لينا لاتجده منها فى غير رمضان....أغتنم هذا اللين وانطلق فى معسكر البر والخير الى ما ينبغى أن تنطلق اليه وهو تربية النفس ,وهذا الأمر العظيم يبدأ من العلم والتعلم , نعم قد يكون الانسان ذو همة واخلاص ولكنه جاهل , فعندئذ قد يفسد فى دينه أكثر مما يصلح , فالطريق القصد المستقيم الذى يوصل الى الحق واقامة النفس على ما يرضى الرب ويبعث على محبته هو إتباع السنة علما وعملا....أجعل من رمضان انطلاقة علم وعمل من خلال السنة تعلمُها والعمل بها لتكون من أهل الحق , والسنة , لا من أهل الضلال والبدع,....نسأله سبحانه أن يعلمنا ما ينفعنا.....وينفعنا بما علمنا.... فى الدنيا والأخرة....أمين....أمين... هذا أخيه التاسع فى خطة اسقبال رمضان واغتنامه ........
*ثم العاشر: الفرق بين المؤمن والمنافق :
عرفنا فيما سبق ان شهر رمضان هو خير الشهور على المؤمنين , وشر الشهور على المنافقين , ومن أعظم علامات النفاق هى الانكسار أمام الفتن, كما تنكسر الأزرة أمام الريح, بينما المؤمن مثل السنبلة تميل مع الريح ثم تعود قائمة لاتنكسر, عفانا الله من النفاق وشؤمه , وجعَلنا من أهل الإيمان الصادقين المخلصين.....أمين.....أمين
ففى الحديث :" مثل المؤمن كمثل خامة الزرع: من حيث أتتها الريح كفتها، فإذا سكنت اعتدلت؛ وكذلك المؤمن. يكافأ بالبلاء. ومثل الفاجر كالأرزة: صماء معتدلة حتى يقصمها الله تعالى إذا شاء " . متفق عليه
وفى الحديث : " مثل المؤمن مثل السنبلة: تميل أحيانا، وتقوم أحيانا ".....أخرجه أبو يعلى في مسنده والضياء عن أنس ,وفى صحيح الجامع برقم : 5845 ، وقال صحيح.
وفى الحديث :" مثل المؤمن مثل السنبلة: تستقيم مرة، وتَخِر مرة. ومثلُ الكافر مثل الأرزة: لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر".....أخرجه أحمد في مسنده والضياء عن جابر,وفى صحيح الجامع برقم : 5844 ، وقال صحيح .
ولذلك ينبغى أخى أن تجعل من رمضان وما فيه من صنائع المعروف بداية عهد جديد وباب عظيم لمراجعة النفس طلبا للخلاص من النفاق ,حتى يكون رمضان لك من خير الشهور , ولأن الفوز مع الاخلاص , والهلاك مع النفاق ,عافانا الله بفضله وجوده وكرمه..... ولابد أن تعلم أخى أمرا هام فى هذا المقام وهو أن كل ما تقدم لنفسك من خير تجده فى الأخرة لايضيع أبدا.....لايضع.... لايضيع أجر المؤمن عند الله أبدا :
قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } 20 : المزمل
وفى الحديث:" إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة: يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا"....أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن أنس.
والله يستر المؤمن فى الأخرة :
ففى الحديث: " إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يُعطى كتاب حسناته بيمينه. وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: "هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين " . متفق عليه
ولكن الفتن يرقق بعضها بعضا :
ففى الحديث : " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدُل أمته على ما يعلمه خيراً لهم وينذرهم ما يعلمه شراً لهم وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاءٌ شديد وأمورٌ تنكرونها وتجئُ فتن فيرقق بعضُها بعضا وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي ثم تنكشف وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه فمن أحب منكم أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأتيه مَنيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يُؤتَى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخَر ينازعه فاضربوا عنق الآخر"..... أخرجه أحمد فى المسند ومسلم والنسائى عن ابن عمرو
بل كيف أنت فى فتنة الدجال عفانا الله ووقانا شر الفتن :(27/12)
ففى الحديث : " يخرج الدجال فيتوجه قِبله رجل من المؤمنين فيلقاه المشايخ مشايخ الدجال يقولون له: أين تعمد؟ فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا فيقول: ما بربنا خفاءٌ فيقولون: اقتلوه فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيُشَج فيقول: خذوه وشجوه فيوسع بطنه و ظهره ضربا فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيُنشر بالمنشار من مِفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم فيستوي قائماً ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول ما ازددتُ فيك إلا بصيرة ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يُفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدجال فيذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه في النار وإنما ألقي في الجنة هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين"..... أخرجه مسلم عن أبي سعيد .
ولذلك القوة فى الدين :
ففى الحديث : " المؤمن القوي خيرٌ وأحبُ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، لكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان "...... أحمد, مسلم ، عن أبي هريرة .
العمل للأخرة هو الهم :
ففى الأثر: " أعظم الناس هما المؤمن، يهتم بأمر دنياه وبأمر آخرته".......إبن ماجة عن أنس...ولعله لايصح مرفوعا...
ولاتتمنى الموت مهما كانت الفتنة أو المصيبة :
ففى الحديث عن أنس رضي اللّه عنه قال:
قال النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرّ أصَابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلاً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتِ الوَفاةُ خَيْراً لِي"...أخرجه البخاري ومسلم .
وفى الحديث : " لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا"......... أخرجه أحمد فى المسند ومسلم عن أبي هريرة .
وهذه الفتن البلايا وراءها مع الإيمان الأجر أو حط الخطايا وتكفير الذنوب :
فعند مسلم فى كتاب البر والصله : عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة "
وفى رواية : عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة"
وفى رواية:عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته "
والثأر الربانى:ـ
*من آذى لى وليا :
فى الحديث :" إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن: يكره الموت، وأنا أكره مساءته"..... صحيح البخاري عن أبي هريرة.....
وهكذا ينبغى أن يكون رمضان وما فيه من نفحات ربانية , هو سببل الصلاح والاصلاح ,فالنفس لينه بفضل الله وبسبب الصيام , والناس بينهم شعور جماعى بأن هذه الأيام ليست كسائر الأيام ,والوقت لاينبغى أن تكون فيه برحة بغير طاعة , فالنهار صيام وذكر وتلاوة ,والليل قيام وسماع القرآن , ورؤية الناس مجتمعين على طاعة , ذلك كله يبعث على انكسار لهيب الشهوات , وميل النفس لفعل الخيرات , وتهيؤ النفوس للطاعات بما لاتكون مهيئة عليه فى غير رمضان ,هذا وغيره كثير تعد بمثابة عوامل.... بفضل الله تعالى....مساعدة على أن نجعل من شهر رمضان معسكر ايمانى كبير ...وإياك أخى الكريم أن تستقبل رمضان على حال المغبونين المفرطين المضيعين , الذين كادوا أن يهلكوا من شدة الظمأ ثم يردون الماء ويعدون أشد ظمأً ....فتلك فرصةٌ عظيمة لاتضيعها , فمن أحياه الله الى رمضان فقد من عليه منة كبيرة , تستوجب الشكر , فمن شكر نجا ومن كفر النعمة هلك......نعوذ بالله من الهلاك.
وفى الحديث : " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" .. أخرجه الترمذى والحاكم عن أبى هريرة, وفى صحيح الجامع برقم :3510 ، وقال صحيح(27/13)
و"رغم": بكسر الغين، وتفتح و بفتح الراء قبلها: أي لصق أنفه بالتراب، وهو كناية عن حصول غاية الذل والهوان........,,,, نسأل الله العفو والعافية فى الدين والدنيا....
--------------------------------------------------------------------------------
مختصر لبعض أحكام الصيام:ـ
*الصيام:
الصيام لغة: الإمساك وفي الشرع: "إمساك مخصوص" وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها مما ورد به الشرع "في النهار على الوجه المشروع" ويتبع ذاك الإمساك عن اللغو والرفث وغيرهما من الكلام المحرّم والمكروه، لورود الأحاديث بالنهي عنها في الصوم زياده على غيره، في وقت مخصوص بشروط مخصوصة.
* معرفة أنواع الصيام:
الصوم الشرعي منه واجب، ومنه مندوب إليه.
والواجب ثلاثة أقسام: منه ما يجب للزمان نفسه، وهو صوم شهر رمضان بعينه. ومنه ما يجب لعلة، وهو صيام الكفارات. ومنه ما يجب بإيجاب الإنسان ذلك على نفسه، وهو صيام النذر.
(1) صيام شهر رمضان:
هو فرض عين على كل مكلف قادر على الصوم، وقد فرض في عشر من شهر شعبان بعد الهجرة بسنة ونصف، ودليله الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتِبَ عليكم الصيام} إلى قوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}
وأما السنة فمنها قوله صلى اللّه عليه وسلم: "بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر، وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته، ولم يخالف أحد من المسلمين، فهي معلومة من الدين بالضرورة، ومنكرها كافر، كمنكر فرضية الصلاة، والزكاة، والحج.
(2) أركان الصيام.
إن للصيام ركنين (منهم من جعلهم ثلاثة ):
أحدهما: الإمساك...وهذا متفق عليه... أجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع لقوله تعالى {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}،(وهذا بخلاف من جعل الزمن الذى هو محل الصوم ركن , فيكون الكلام على ركنين دون الزمن)
ثانيهما: النية....وهذا مختلف فيه والحق أنه ركن لأن الحديث دل عليه...،ويجب تجديدها لكل يوم صامه؛ ولا بد من تبييتها، أي وقوعها ليلاً قبل الفجر، ولو من بعد المغرب؛مع التعيين بأن يقول بقلبه لابلسانه: نويت صوم غد من رمضان، وعن حَفْصةَ أُمِّ المُؤمنين رضي الله عنها أَنَّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "منْ لَمْ يُبَيّت الصِّيامَ قَبْلَ الفجر فلا صيام لهُ" رواهُ الخمْسةُ , "لا صيام لمن لَم يْفَرضْه منَ الليل" , والحديث عام للفرض والنفل والقضاء والنذر.
(3) شروط الصيام.
تنقسم شروط الصيام الى: شروط وجوب، وشروط صحة،
*أما شروط وجوبه فأربعة:
أحدها البلوغ، فلا يجب الصيام على الصبي، ولكن يؤمر به لسبع سنين إن أطاقه،
ثاينها: الإسلام، فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة،
ثالثها: العقل، فلا يجب على المجنون.
رابعها: الإطاقة حساً وشرعاً، فلا يجب على من لم يطقه لكبر أو مرض لا
يرجى برؤه لعجزه حساً، ولا على نحو حائض لعجزها شرعاً،
* وأما شروط صحته، فأربعة أيضاً:
الأول: الإسلام حال الصيام، فلا يصح من كافر أصلي، ولا مرتد كتارك الصلاة أو من يسب الله ورسوله وكتابه.
الثاني: التمييز، فلا يصح من غير مميز، فإن كان مجنوناً لا يصح صومه،
الثالث: خلو الصائم من الحيض والنفاس والولادة وقت الصوم وإن لم تر الوالدة دماً،
الرابع: أن يكون الوقت قابلاً للصوم. فلا يصح صوم يومي العيد وأيام التشريق، فإنها أوقات غير قابلة للصوم،
**المفطرون في الشرع على ثلاثة أقسام:
( أ ). صنف يجوز له الفطر والصوم بإجماع.
وهو المريض بإتفاق، والمسافر باختلاف،( فى الحديث عنْ حمزةَ بنِ عَمْرو الأسلمي رضي الله عنهُ أنّهُ قال: يا رسول الله أَجدُ بي قوَّةً على الصيام في السّفر فَهَلْ عليَّ جُناحٌ؟ فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "هي رُخْصةٌ من الله فمنْ أَخذ بها فحسنٌ، ومَنْ أَحَبَّ أَنْ يصوم فلا جناحَ عليه" رواهُ مُسلمٌ وأَصلهُ في الْمُتّفق عليه) , والحامل والمرضع والشيخ الكبير. (والحامل والمرضع إذا أفطرتا, يطعمان ولا قضاء عليهما، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس, ولعله أصح الأقوال مع الخلاف , وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام فإنهم أجمعوا على أن لهما أن يفطرا،عليهما الإطعام مد عن كل يوم، وقيل إن حفن حفنات كما كان أنس يصنع أجزأه , ولعل هذا هو الحق مع الخلاف فى ذلك , )
(ب). وصنف يجب عليه الفطر على اختلاف في ذلك بين المسلمين....كالحائض والنفساء.وفى الحديث قال رسُول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أليسَ إذا حَاضَتِ المَرْأَةُ لم تُصَلِّ ولمْ تَصُمْ؟" مُتّفقٌ عليه، في حديثٍ طويلٍ.
(ج). وصنف لا يجوز له الفطر،وهو من كان من غير هؤلاء.(27/14)
(4) ثبوت شهر رمضان.
*يثبت شهر رمضان بأحد أمرين:
الأول: رؤية هلاله إذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية من غيم أو دخان أو غبار أو نحوها.
الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا لم تكن السماء خالية مما ذكر لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"؛ رواه البخاري عن أبي هريرة، ومعنى الحديث: أن السماء إذا كانت صحواً أمر الصوم متعلقاً برؤيته الهلال، فلا يجوز الصيام إلا إذا رئي الهلال، أما إذا كان بالسماء غيم، فإن المرجع في ذلك يكون إلى شعبان، بمعنى أن نكمله ثلاثين يوماً. بحيث لو كان ناقصاً في حسابنا نلغي ذلك النقص، وإن كان كاملاً وجب الصوم،ويجب على من رأى الهلال، وعلى من صدقه الصيام،
*إذا ثبت الهلال بقطر من الأقطار
اذا ثبت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً، عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الشافعية،والحق مع الجمهور.وفى الحيث أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إذا رأيتموهُ فصُوموا وإذا رأَيتموهُ فأَفطروا، فإن غُمَّ عليكمْ فاقْدرُوا له" متّفقٌ عليه، ولمسلمٌ: "فإن أُغمَى عليكم فاقُدُرُوا له ثلاثين" وللبخاري "فأَكْملوا العِدة ثلاثين".
*هل يعتبر قول المنجم (الفلكيين)؟
لا عبرة بقول المنجمين، فلا يجب عليهم الصوم بحاسبهم، ولا على من وثق بقولهم، لأن الشارع علق الصوم على أمارة ثابتة لا تتغير أبداً، وهي رؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين يوماً أما قول المنجمين فهو إن كان مبنياً على قواعد دقيقة، فإنا نراه غير منضبط، بدليل اختلاف آرائهم في أغلب الأحيان، وهذا هو رأي ثلاثة من الأئمة،
وقد قال الباجي: في الرد على من قال إنه يجوز للحاسب والمنجم وغيرهما الصوم والإفطار اعتماداً على النجوم , قال إن إجماع السلف حجة عليهم، وقال ابن بزيزة: هو مذهب باطل قد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع.
والجواب الواضح عليهم ما أخرجه البخاري عن ابن عمر أنه صلى صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إنا أمّة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا. يعني تسعاً وعشرين مرة وثلاثين مرة. ولهُ في حديث أَبي هُريرةَ: "فأَكملوا عدة شعْبان ثلاثين". وهذه الأحاديث نصوص في أنه لا صوم ولا إفطار إلا بالرؤية للهلال أو إكمال العدة.
( 6) ما يفسد الصيام
ينقسم مفسدات الصيام إلى قسمين: قسم يوجب القضاء والكفارة، وقسم يوجب القضاء دون الكفارة،وما لايوجب شئ , وإليك بيان كل قسم:
*ما يوجب القضاء والكفارة:
مفسدات الصيام التي توجب القضاء والكفارة: أن يقضي شهوة الفرج كاملة،......فلو أفطر ناسياً أو مخطئاً تسقط عنه الكفارة , ففى الحديث عَنْ أَبي هُريرة رضي الله عنْهُ قال: جاءَ رجُلٌ إلى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقال: هَلَكْتُ يا رسول الله قال: "وما أَهْلَكك؟" قال: وقعْتُ على امرأَتي في رمضان فقال: "هلْ تَجدُ ما تُعتقُ رقبة؟" قال: لا، قال: "فهل تَسْتَطيعُ أَن تَصومَ شهرين مُتتابعين؟" قال: لا، قال: "فهل تَجدُ ما تُطعمُ ستِّين مسْكيناً؟" قال: لا، قال: ثمَّ جلس فأَتي النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بعَرَقٍ فيه تمرٌ فقال: "تَصَدَّقْ بهذا" فقال: أَعلى أَفْقَر مِنّا؟ فما بيْنَ لابَتَيها أَهل بيت أَحْوج منّا فَضَحك النّبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حتى بدتْ أَنيابهُ، ثم قالَ: "اذهب فأَطعمهُ أَهلك" رواهُ السبّعة واللفظ لمسْلمٍ , والحديث دليل على وجوب الكفار على من جامع في نهار رمضان عامداً، وذكر النووي أنه إجماع , وأما المرأة التي جامعها فقد استدل بهذا الحديث أنه لا يلزم إلا كفارة واحدة وأنها لا تجب على الزوجة وهو الأصح من قولي الشافعي وبه قال الأوزاعي ولعله هو الصواب , مع الخلاف فى المسألة.
*ما يوجب القضاء دون الكفارة :
أن يتناول غذاء، أو ما في معناه بدون عذر شرعي، كالأكل والشرب ونحوهما، مما يميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن،( الفطر بعمد بغير الجماع ولو كان بنية فسخ الصوم فقط دون أكل).
*وما لا يوجب شيئاً:
أحدها: أن يغلبه القيء، ولم يبتلع منه شيئاً فهذا صومه صحيح، فعَنْ أَبي هُريرة رضي اللَّهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ ذَرَعَهُ القيءُ فلا قضاءَ عليه، ومن اسْتقاءَ فعليه القضاءُ" رواهُ الخمسة.
ثانيها: أن يصل غبار الطريق أو الدقيق ونحوهما إلى حلق الصائم كالذي يباشر طحن الدقيق، أو نخله، ومثلهما ما إذا دخل حلقه ذباب، بشرط أن يصل ذلك إلى حلقه قهراً عنه،(27/15)
ثالثها: أن يأكل أو يشرب ناسيا فيتذكرً، فيطرح المأكول ونحوه من فيه بمجرد تذكره، فإنه لا يفسد صيامه بذلك، فعنْ أَبي هريرة رضي الله عَنْهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ نسَى وهُو صَائمٌ فَأَكلَ أَوْ شرب فليتمَّ صَوْمَهُ فإنّما أَطعمهُ اللَّهُ وسقاهُ" مُتّفقٌ عليه، وفي رواية الترمذي "فإنما هو رزق ساقه الله إليه" , والحديث دليل على أن من أكل أو شرب أو جامع ناسياً لصومه فإنه لا يفطره ذلك لدلالة قوله: "فليتم صومه" على أنه صائم حقيقة وهذا قول الجمهور.
رابعها: من غلبه المني أو المذي بمجرد نظر أو فكر دون عمد فإن ذلك لا يفسد الصيام،
خامسها: أن يبتلع ريقه المتجمع في فمه، أو يبتلع ما بين أسنانه من بقايا الطعام؛
سادسها: أن يضع دهناً على جرح في بطنه متصلاً بجوفه؛ فإن ذلك لا يفطره، لأن كل ذلك لا يصل للمحل , والحقن وان كانت مغزية,والكحل , والعطر , وماشابه,
*ما يكره فعله للصائم وما لا يكره.
يكره للصائم فعل أمور:
* ذوق شيء يتحلل منه ما يصل إلى جوفه.
ولكن يجوز للمرأة أن تذوق الطعام لتتبين ملوحته إذا كان زوجها سييء الخلق، ومثلها الطاهي - الطباخ - ، وكذا يجوز لمن يشتري شيئاً يؤكل أو يشرب أن يذوقه إذا خشي أن يغبن فيه ولا يوافقه،
* ومن المكروه مضغ العلك - اللبان - الذي لا يصل منه شيء إلى الجوف ، ومنهم من لم يرى به بأس.
* مباشرة الزوجة مباشرة فاحشة.
* جمع ريقه في فمه ثم ابتلاعه، ولكن يحذر من إخراج النخامة الغليظة فى جوف الفم ثم يبتلعها,
* وأما ما لا يكره للصائم فعله فأمور:
* القبلة بغير مذى... فعَنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: "كانَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يُقَبِّلُ وَهُو صائمٌ ويُباشرُ وهُوَ صائمٌ، ولكنه كانَ أَمْلَكَكُمْ لإرْبهِ" مُتّفقٌ عليه ,
* والحجامة ونحوها إذا كانت لا تضعفه عن الصوم، فعن ابنِ عَبّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُما: "أَنَّ النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم احْتجمَ وهُوَ مُحْرمٌ واحْتَجَمَ وهُو صَائمٌ" رَوَاه البُخاريُّ ,
* و السواك في جميع النهار، بل هو سنة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السواك يابساً أو أخضر؛ مبلولاً بالماء أو لا،
* المضمضة والاستنشاق، ولو فعلهما لغير وضوء بشرط عدم المبالغة؛
* الاغتسال،والتبرد بالماء بلف ثوب مبلول على بدنه، ونحو ذلك , وكذلك لو أصبح جنبا من جماع قبل الفجر , يعنى أنهى الوقاع قبل آذان الفجر ثم آذن الفجر المؤذن بدخول وقت الصوم وهو جنب , ففى الحديث عَنْ عائشة وأُمِّ سلَمة رضي الله عَنْهما "أَنَّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يُصبحُ جُنُباً منْ جماع ثم يغتسل ويصُوم" مُتّفقٌ عَلَيْهِ، وقال النووي: إنه إجماع.
* حكم من فسد صومه في أداء رمضان.
من فسد صومه في أداء رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم تعظيماً لحرمة الشهر، فإذا داعب شخص زوجته أو عانقها أو قبلها أو نحو ذلك فأمنى، فسد صومه، وفي هذه الحالة يجب عليه الإمساك بقية اليوم، ولا يجوز له الفطر،
الأعذار المبيحة للفطر.
* المرض وحصول المشقة الشديدة.
* خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام.
* الفطر بسبب السفر...خاصة المرتحل.
* صوم الحائض والنفساء.
إذا حاضت المرأة الصائمة أو نفست وجب عليها الفطر، وحرم الصيام، ولو صامت فصومها باطل، وعليها القضاء.
* حكم من حصل له جوع أو عطش شديدان.
فأما الجوع والعطش الشديدان اللذان لا يقدر معهما على الصوم، فيجوز لمن حصل له شيء من ذلك الفطر؛ وعليه القضاء.
* حكم الفطر لكبر السن.
الشيخ الهرم الفاني الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة يفطر وتجب عن كل يوم فدية طعام.
*ما يستحب للصائم
يستحب للصائم أمورٌ منها:
* تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب، وقبل الصلاة، فعن سهِل بنِ سَعْدٍ رضي الله عنْهُما أَنْ رسولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "لا يزالُ الناسُ بخير ما عجّلوا الْفِطْر" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ , ويندب أن يكون على رطب، فتمر؛ فحلو، فماء، وأن يكون ما يفطر عليه من ذلك وتراً، ثلاثة، فأكثر , فعَنْ سلمان بنِ عامر الضَّبِّيِّ رضي الله عنهُ عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "إذا أَفْطَر أَحَدُكُمْ فَلْيُفطر على تمرٍ، فإن لَم يجدْ فَلْيُفطْر على ماءٍ فإِنّهُ طَهُورٌ" رواهُ الخمسة , ومنها الدعاء عقب فطره بالمأثور، كأن يقول: اللّهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر،
* ومنها السحور على شيء وإن قل، ولو جرعة ماء؛ لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "تسحروا، فإن في السحور بركة"، فعنْ أَنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنْهُ قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "تَسَحْرُوا فإن في السّحُور بركةً" مُتّفقٌ عَلَيه.(27/16)
* ومنها كف اللسان عن فضول الكلام، وأما كفه عن الحرام، كالغيبة والنميمة، فواجب في كل زمان، ويتأكد في رمضان؛ "قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّور والعَمَلَ بهِ والجهْلَ فَلَيْسَ للَّهِ حَاجةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرابَهُ" رواهُ البُخاريُّ
* ومنها الإكثار من الصدقة والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين. ومنها الاشتغال بالعلم، وتلاوة القرآن والذكر، والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم كلما تيسر له ذلك ليلاً أو نهاراً؛ ومنها الاعتكاف،
*قضاء رمضان
من وجب عليه قضاء رمضان لفطر فيه عمداً أو لسبب من الأسباب السابقة فإنه يقضى بدل الأيام التي أفطرها في زمن يباح الصوم فيه ً، فلا يجزئ القضاء فيما نهى عن صومه ، كأيام العيد، ولا فيما تعين لصوم مفروض كرمضان الحاضر، وأيام النذر المعين، كأن ينذر صوم عشرة أيام من أول ذي القعدة، فلا يجزئ قضاء رمضان فيها لتعينها بالنذر، ومن مات وعليه صيام , قبل أن يقضى صام عنه وليه , فعنْ عائشة رضي اللَّهُ عنها أنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "من مات وعليه صيامٌ صامَ عَنْهُ وليّهُ" متّفقٌ عليه. والمراد في الولي: كل قريب وأولاهم الوارث , بل لو صام عنه الأجنبي بأمره أجزأ كما في الحج وإنما ذكر الولي في الحديث للغالب...............هذا والله تعالى أعلى وأعلم.....
هذا وما كان صواباً فمن الله وحده وما كان سهوا أو خطأً فمنى ومن الشيطان....والحمد لله رب العالمين...
وصلى اللهم وسلم على محمدٍ وصحبه أجمعين .....سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك...
وجمعه وكتبه الفقير الى عفو ربه تعالى…
د/ السيد العربى بن كمال
غفر الله له ولوالديه ولأهله ولإخوانه .....أمين...أمين.(27/17)
سلسلة على طريق الأصالة
32
تحول الدراسات الناتجة من الإقليمية إلى الإسلامية
كان من أبرز معالم التحول إلى الأصالة الذي أحدثته حركة اليقظة الإسلامية، العودة إلى فهم التاريخ فهمًا صحيحًا بوصفه تاريخ أمة لها عقيدة وقيم ونظام اجتماعي جامع وأن أي إقليم سواء كان عربيًا أم من الفرس أو الترك أو الهند أو غيرها لا يستطيع أن يستقيم بنفسه كأنه كيان خاص له وجوده المنفصل المستقل.
ذلك أن القاعدة الحقيقية هي أن هذه الأمم حين انضمت إلى الإسلام واعتنقته فإنما هي قد خرجت خروجًا كاملا من وجودها الوثني الذي كان قائمًا من قبل، فقد جاء الإسلام ليضع حدًا فاصلا بين وجود الأمم من قبله وبين وجودها به فالإسلام أساسًا يحب ما قبله وإن القاعدة التي تقول بأن الأديان كلها التي جاءت قبل الإسلام إنما مهدت للدين الخاتم فقد جاءت كلها أديانًا مرتبطة بعصرها وبيئتها فلما جاء الإسلام كان على كل المؤمنين بما قبله أن يؤمنوا به.
هذا ولقد وسع الإسلام مساحات اللقاء بين الأمم من منطلق العقيدة الواحدة والثقافة الجامعة لها جميعًا ولم يترك لخصائص الأقطار والأقاليم إلا مساحات قليلة من وجوه الاختلاف سواء فيما يتعلق بالجغرافيا أم بالتضاريس أو الطقس أو عوامل البيئة المختلفة وكلها عوامل لا تأثير لها في هوية المسلمين ولا تحول دون ترابطهم الوثيق الذي صنعه تاريخ متصل وثقافة موحدة ووجهة جامعة.
ولا ريب أن العودة إلى المبالغ التي توجهها حركة الصحوة اليوم عن شأنها أن ترتفع فوق الطائفية والإقليمية والعنصرية فقد كانت دعوة الإسلام الأساسية هي العودة إلى وحدة الأصل البشري والتواصل بين العناصر، والتعارف وقيام قاعدة الإخاء أساسًا.
ولم يعل شأن الصراع الطائفي أو الإقليمي إلا حين عمد النفوذ الأجنبي إلى صدع هذا الصف وتمزيق هذه الوحدة وإثارة مؤامرات الخلاف والنزاع وإحياء مفاهيم قديمة هدمها الإسلام وقضى عليها.
كان الهدف هو هدم (وحدة الأمة الإسلامية) القائمة حول الخلافة الجامعة، وإقامة أنظمة إقليمية وقومية وعنصرية بديلا منها وذلك لهدف أساسي في الحيلولة دون البقاء أمة القرآن على وحدة جامعة.
ومن هنا عمد النفوذ الأجنبي إلى رفع شأن القوميات والإقليميات وحشد الأفلام والقوى للدفاع عنها وحمايتها، وكان هدف إقامة رأس جسر من عنصر غريب عن الأمة في قلبها مدعاة إلى تمزيق هذه الوحدة بكل وسائل المؤامرة والخلاف والدس والتفرقة وكان لابد من توجيه ضربة شديدة إلى تاريخ الإسلام بغرض تفسيرات مضللة عليه، ومحاولة إخضاعه للتفسير المادي للتاريخ وإطفاء بؤر العطاء الإلهي في السيرة النبوية وتاريخ الإسلام وتفريغه من جوهره الأصيل وذلك بكتابة السيرة والتاريخ بالطريقة العلمانية التي تخفف من هذا الوهج العظيم الذي يجب أن يملأ قلوب المؤمنين وإخلائه من يقين الإيمان تحت اسم العلم المادي الذي لا يعترف بالمعجزات والجوانب الغيبية والإعراض عن الجوانب ذات الصلة بالإيمان والعقيدة واليقين والتقوى وقوانين الإسلام في النصر، كل هذا من أجل انتقاض تاريخ الإسلام وإبراز جوانب الخلاف والخصومة والصراع التي هي من طبيعة الأمم جميعًا، إبرازها على أنها ظاهرة مسيطرة من خلال بضع أحداث في تاريخ أربعة عشر قرنًا وتجاهل عشرات المواقف الحاسمة والأحداث الخالدة التي ينبض بها تاريخ الإسلام.
وهكذا هدف النفوذ الأجنبي والاستشراق ودعاة التغريب أتباعهم من كتابة التاريخ وعرضه ونقده إلى تمزيق وحدة التاريخ الإسلامي وإعلاء التاريخ الإقليمي الوطني والقومي ومحاولة تصوير كل وطن بأنه متميز وكأنما له طابع خاص في محاولة لانتزاع بعض الأوضاع الخاصة وفصلها عن التاريخ العام في محاولة لإعلاء شأن جوانب معينة في قطر من الأقطار.
ثم جاءت محاولات أخرى أشد خطورة وعنفًا في تمزيق وحدة التاريخ الإسلامي وفي إعلاء جوانب الضعف فيه ومحاولة إعطائها بريقًا خادعًا وذلك عندما اتفق في مؤتمر يلتيمور على إبراز شأن الحركات الهدامة وتصورها بصورة جديدة وتولى كبر ذلك طه حسين وتبعه كتَّابًا كثير وذلك في محاولة لتصوير حركات الزنج والقرامطة والباطنية على أنهما حركات حرية وعدل وقد كتبت على هذا النحو أطروحات عدية لم تخدع أحدًا.
ولقد حاول الماركسيون ترويج مفاهيم مضللة كالحتمية التاريخية والمادية التاريخية وعديد من المصطلحات المضللة التي وضعت لمواقف معينة في تاريخ الغرب في محاولة لتطبيقها على التاريخ الإسلامي.
كذلك فقد تعرض كثير من الشخصيات الإسلامية الشهيرة لصور قاسية من التشويه والتشهير، كما حدث لخالد بن الوليد وهارون الرشيد وغيرهما بل إن بعض الكتب التاريخية التي تدرس اليوم في أقطار عربية تحمل صورًا غير مقبولة لطارق بن زياد وغيره، مما تدرس في المناهج من كتابات الماركسيين.(28/1)
ويرجع هذا إلى اعتماد بعض النصوص الأدبية في تقرير الحقائق التاريخية وفي مقدمة ذلك كتاب ألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني وهما ليسا كتاب علم أو تاريخ ولكنهما من الكتب اللقيطة التي ليس لها مؤلف إلا إذا كان في مثل زندقة الأصفهاني.
وقد أضافوا لهارون الرشيد روايات ألف ليلة وأقاويل الأصفهاني وأخبار أبي نواس.
وهناك من شهر بالصحابة كمعاوية وعثمان وغيرهما ومن أساء سيرة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن يراجع دائرة المعارف الإسلامية يجد تلك المحاولات الخطيرة لتزييف المواد التاريخية الإسلامية. لقد تم طبع تاريخنا في مؤتمرات المبشرين والمؤتمرات الخاضعة للاستعمار الشيوعي والصليبي ثم قدم إلينا عن أنه التاريخ المنهجي والموضوعي.
ولقد كذبت وقائع التاريخ الإسلامي دعاوى كثيرة ادعاها الاستشراق وفي مقدمتها دعوى أن المسلمين لم يكونوا متسامحين مع المسيحيين، بل لقد وجد من الفريقين أنفسهم من كشف زيف هذه الدعوى، يقول الأب منسون في كتابه (رحلة دينية إلى الشرق):
"إنه من المحزن لأمم المسيحية أن يتعلموا التسامح من المسلمين. إن الحروب التي وقعت بين المسيحيين والمصلين في مختلف الأزمان أي أنها مع تمسكها بدينها لم تعرف إكراه غيرها على قبوله".
وقد اعترف بهذا التسامح السامي درابر الأمريكي في كتابه (الاختلاف بين الدين والعلم) يقول:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بهم خيرًا، كذلك الخليفة عمر، وكانت لهم عهود بحسن معاملتهم وفي عهد العباسيين وضع هارون الرشيد دور العلم تحت إشراف يوحنا بين ماسويه، وكان النساطرة المسيحيون يولون مناصب عالية في المملكة الإسلامية في مختلف أدوارها.
ويقول ولز في كتابه (تجربة في التاريخ العام):
"فهؤلاء النساطرة كانوا بعهد الفرس الساسنيين أحرار في ثقافتهم وجاء الإسلام فلم ينزع منهم هذه الحرية" اهـ.
لقد كانت قضية تشويه التاريخ الإسلامي من الأهداف الأساسية للنفوذ الغربي القائم على تآمر اليهودية والنصرانية المسيطرتان واللذين كانا في فزع شديد من توسع الإسلام ونمائه فكان عليهما أن يركزا الجهد الخطير في هذا المجال بالدس والمغالطات والتشويه.
أولا: بالطعن في تاريخ الأمة الإسلامية ومقدمات وجودها وتراثها العظيم.
ثانيًا: إحياء الفرق والطوائف القديمة الباطنية وإبراز الخلافات السياسية والمذهبية التي كانت معروفة في العصر الأول وقضى عليها علماء المسلمين.
تشير إلى هذا التسامح، ولما غزا العرب الشام أوصى الخليفة الصديق بالنصارى خيرًا، ولما دخل عمر القدس لم يسمح بإلحاق أي أذى بالمسيحيين وترك كنائسهم بأيديهم وأحسن معاملة بطريقهم وأبى أن يصلي داخل الكنيسة لئلا يأتي بعده المسلمون فيدعوها ويجعلوها مسجدًا لهم.
وصدق برتسون حيث قال: "إن أتباع محمد هم الأمة الوحيدة التي جمعت بين التحمس في الدين والتسامح فيه، ويرد الباحثون المسلمون ذلك التشويه إلى الاستشراق الذي حاول إحياء الفكر الوثني والباطني القديم وإعادة تفجير الخلافات".
وقد أشار الدكتور عبد العزيز راشد إلى الدور الذي قام به الاستشراق في تفسير الأحداث تفسيرًا باطلا، وتركيز المستشرقين على الفرقة المنحرفة والادعاء بأنها هي المجتمع الإسلامي كما ركز المستشرقون على الخلافات التي حدثت بين المسلمين ووجهوا تلاميذهم إلى دراستها وإيهام الناس بأن هذا هو التاريخ الإسلامي.
وكان المستغربون والقوميون والعلمانيون هم الصف الثاني في هذه المؤامرة حيث حاولوا – كما فعل طه حسين وغيره – اعتبار بعض الكتب الأدبية مصادر للتاريخ الإسلامي ومن أمثال ذلك الأغاني وهو مليء بالأحداث التي نسبها إلى الخلفاء وخاصة العباسيين زورًا وبهتانًا.
كما ساهمت المناهج الدراسية والبرامج الإسلامية مساهمة خيرية في تسوية التاريخ الإسلامي.
ولقد تعددت محاولات المؤرخين الذين ينطلقون من مفهوم العلمانية للحديث عن من يصنع التاريخ، وهناك نظريتان:
نظرية اللبراليين العلمانيين ونظرية الماركسيين والأولى تضع العمل في مجال الأفراد، والأخرى تضعه في مجال المجتمع.
أما الإسلام فله نظرته المنطلقة من مفهومه الجامع والأصيل فالمسلمون مؤمنون – على حد تعبير عماد الدين خليل – بأن التاريخ تعبير عن المشيئة الإلهية وأن أي حركة تاريخية هي نتاج لقاء من الله تبارك وتعالى والإنسان والطبيعة بما في ذلك الزمن وإغفال أي عنصر منها فإنما هو جهل بالأسس الحقيقية لحركات التاريخ.
ومعنى هذا أن عوامل مختلفة تصنع التاريخ وأن الإرادة الإلهية هي منطلق حركة التاريخ أساسًا.
ولقد قدمت الرؤية القرآنية للمسلمين منهجًا واضحًا صريحًا في كشف حركة التاريخ وارتباطها بالإيمان بالله فالأمم التي خرجت عن هذا الإيمان سقطت والأمم التي التمست منهج الله مكن الله تبارك وتعالى لها في الأرض.(28/2)
ولقد جاء تاريخ المسلمين مقرًا لهذا القانون، فانتصارات المسلمين كلما تمت عندما تمسكوا بعقيدتهم وباعوا أنفسهم خالصة لله تبارك وتعالى وجاءت هزائم المسلمين عندما فرطوا وتخاذلوا واعتراهم الفتور وقد كشف ذلك عن حقيقتين:
الأولى: أن هناك قوى متآمرة قائمة لا تبرح وهي قادرة على ضرب الوجود الإسلامي عندما تتراخى قبضته عن تطبيق منهج الله تبارك وتعالى.
الثاني: أن في أعمق أعماق المنهج الإسلامي قوة قادرة على تصحيح مسيرة المسلمين عندما تنحرف وإعادتهم مرة أخرى إلى الطريق الصحيح.
ومن هنا كانت ضرورة فهم التاريخ الإسلامي وتحليله في جانبيه السلبي والإيجابي، ومحاكمة تاريخ الإسلام إلى منهج تاريخي إسلامي أصيل، ورفض التفسيرات المادية والعلمانية المضللة الوافدة التي لا تهدف أساسًا إلا إلى الغض من قدر عطاء إيجابيات التاريخ الإسلامي للأجيال الجديدة والحيلولة دون تأثيرها النفسي والاجتماعي للتقليل من دورها في بناء الثقة في النفوس وإعادة الإيمان بقدرة منهج الإسلام على العطاء مرة أخرى على النحو الذي وقع من قبل.
وإذا كان من أخطر عوامل التزييف ما وجهه الاستشراق من عناية للفرق الضالة وخاصة القرامطة والباطنية والزنج وغيرها فإن الحملة الخطيرة هي تلك التي وجهت ولا تزال توجه للدولة العثمانية في محاولة لتزييف تاريخ ناصع استمر أكثر من أربعمائة عام في حماية الكيان الإسلامي من الغزو الغربي، ذلك لأن هذه الخطة هي أبرز ما ركزت عليه قوى التغريب والاستشراق والتبشير لخدمة أهداف الغرب الذي كان يطمع في تدمير الجامعة الإسلامية والوحدة الإسلامية والخلافة الإسلامية (وبالتالي الدولة العثمانية).
وما تزال في حاجة كبرى إلى دحض تلك الاتهامات التي توجه إلى هذه الدولة وهي موجهة أساسًا إلى الإسلام ويحمل لوائها أصحاب الأحزاب القومية والإقليمية وخصوم الإسلام دينًا ودولة، وهي في نظرنا علامة واضحة تفرق بين القائمين على منهج الإسلام والذين يدعون التماس طريقه كذبًا وبهتانًا.
وقد وضحت خطوط المؤامرة التي قام بها النفوذ الغربي لتمزيق وحدة المسلمين الجامعة التي قامت في ظل لواء الدولة العثمانية وذلك بإحياء مفهوم (الطولونية) وتأليف جماعات الدونمة وأصحاب المحافل الماسونية وأتباعهم من أبناء الحاخامات أمثال (مدحت باشا) وغيره من المتآمرين الذين عمدوا إلى إسقاط السلطان عبد الحميد أولا ثم إلى إلغاء الخلافة ثم إلى إلغاء كيان الدولة العثمانية في سبيل إقامة رأس جسر لعنصر ليس من أهل المنطقة في محاولة لاحتلال اليهود فلسطين وهي مؤامرة ضخمة قد أعدت على نحو خطير جدًا.
وفي سبيل هدم الدولة العثمانية والوحدة الإسلامية الجامعة جاءت تلك المحاولات التي استعلنت في الاهتمام بابن إياس وابن تغري بردي والمقريزي وغيرهم من المؤرخين المصريين في فترة المماليك والعصر التركي فقد حاول النفوذ الأجنبي إحياء هذا التراث ليجدد أمام المصريين والمسلمين عامة تلك المقولات التي كتبها هؤلاء المؤرخون الذين كانوا محصورين في عصرهم ولم تكن لهم النظرة الواسعة للدور الذي قام به المماليك في تحطيم القوى الصليبية والباطنية والدور الذي قام به الأتراك في حماية الوجود الإسلامي بإدخال مصر والشام في الوحدة الإسلامية الجامعة وكذلك إدخال الجزائر وتونس.
وتلك قضية يجب أن تدرس من أبعادها المختلفة، أما ابن إياس والمقريزي وابن تغري بردي فقد كانوا أشبه بكتَّاب يوميات صحفية للأحداث ولم تكن لديهم القدرة الحقيقية على تحليل الأحداث وربطها على المدى الواسع والعجز عن فهم الوحدة الإسلامية وأخطار ما كان يحيط بمصر والبلاد العربية من مؤامرات.
ولقد أولى المستشرقون الاهتمام بتحقيق كتاب ابن إياس وبذلوا في ذلك مجهودًا ضخمًا قام به رجل له ولاء أكثر من أربعين عامًا وجندوا له كل القوى في البحث عن الأجزاء الناقصة هنا وهناك من أجل تحقيق هذا الهدف: هدف إثارة الأحقاد بين عنصري الأمة الإسلامية: المصريين والأتراك.
وقد جرت محاولات كثيرة لتفسير التاريخ الإسلامي في إطار مذاهب وافدة، ومفاهيم مغايرة، وقد جرت محاولات لذلك في إطار المطروحات الإقليمية، والقومية، والمادية. وقد كانت هذه المحاولات جميعًا لا تمثل تفسير التاريخ الإسلامي، والذي لا يخضع إلا لمنهج الإسلام نفسه.
وهناك من اتخذ من بعض المواقف المضادة لمسيرة الإسلام تصورًا بأنها حركات تحرر، ومن هذه حركات الزنج، والقرامطة، والبابكية فقد ألف عن ذلك من ادعى أن حركة بابك الخرمي هي انتفاضة الشعب الأذربيجاني ضد الخلافة العباسية بينما هي حركة هدم لما بناه الإسلام، وتفتيت للصرح الذي أقامه الفكر الإسلامي.
يقول المؤرخ العباسي صاحب "العيون والحدائق في أخبار الحقائق":
"لم يكن في الإسلام حادث (أضر) بالإسلام والمسلمين من ظهور بابك الخرمي، بتلك المقالة التي تفرع منها القرامطة والباطنية".(28/3)
إن النظرة الحقيقية للتاريخ الإسلامي تستمد من رابطة العقيدة لا من رابطة العنصرية، إنما نشأ هذا الاتجاه العنصري عل كتابات الباحثين المسلمين الذين تأثروا بالنظرية الغربية المتأثرين بفكرة "حوينيو" في الاتجاه العنصري، فصوروا أحداثه في صورة نزاع حاد بين العرب والحاكمين والشعوب المحكومة، من فرس وترك وبربر كما يقول الدكتور فاروق عمر فوزي – كأن لم يكن في هذا الشرق العربي الإسلامي إلا تطاحن على السلطة والسيادة والامتيازات، وقد شوه هذا الاتجاه العنصري، الذي دسوه حقيقة دور العرب الحضاري.
ومن أبرز ما قام به المستشرقون في هذا الصدد ما كتبه فلوتن وفلهوزين (1)، اللذان أظهرا تاريخ القرن الأول الهجري وكأنه صراع دموي بين الأسياد العرب وسكان البلاد المفتوحة، وقد تأثر بهذا التفسير الكثير من المؤرخين، ومنهم عرب، فطبقوه على مظاهر كثيرة في التاريخ العربي الإسلامي، ومن جملتها الحركة البابكية نفسها، التي صورت في صورة انتفاضة قومية إيرانية.
والواقع أن هذا التفسير جرد الحركة البابكية من سياقها التاريخي الشامل، وحصرها في جانب واحد، بالغ في إظهاره وأكد عليه متناسيًا الجوانب الأخرى.
وقد سار مؤرخون عرب آخرون على طريق المذهب المادي في التفسير التاريخي أمثال "بندلي جوري" في كتابه (الحركات الفكرية في الإسلام) حيث اعتبر البابكية الإباحية، والإسماعيلية الباطنية، والقرامطة الممارسة للقتل والنهب حركات إسلامية، هذه المنظمات الباطنية كما نشر الكاتب مختلطة بأفكار إسرائيلية، ومعتقدات وثنية، وفلسفات إغريقية، وعرض للقرامطة على أنهم أصحاب النزعة اليسارية المبكرة، هذه المزاعم التي استخدمها ماسيتون وكايتاتي وبرناردلويس وكراوس، والتي قدمها الماركسيون اليهود أمثال بندلي جوزي ولوكسلي وإيفانوف.
والواقع أن هذه إحدى المحاولات التي ترمي إلى تزييف تفسير التاريخ الإسلامي بمنهج غير منهجه، المنهج الذي يقوم على مفهوم الإسلام الجامع المتكامل روحًا ومادة، عقلا وقلبًا، دنيًا وآخره.
ولكن هذه المحاولات كلها لا تستطيع أن تثبت أمام الحقائق، ولا أتلبث أن تسقط وتنهار.
وفي دراسة تاريخ العثمانيين يجب ملاحظة بعض المحاذير التي قد تكون عاملا في "سوء الفهم" أو توجيه الاتهام بغير مبرر.
أولا: كذب الاتهام بأن الدولة العثمانية احتلت العالم العربي فالواقع أن الأقطار العربية رغبت في الانطواء تحت لواء الخلافة الإسلامية العريض، حماية لها من تجدد الغزو الصليبي الذي كان يطمع في جولة جديدة بعد هزيمة الحروب الصليبية، وكذلك كان الأمر في موقف تونس والجزائر التي واجهت حملات عنيفة من القرصنة الأسبانية والبرتغالية التي كانت تهدف إلى القضاء على جماعات المسلمين الفارين بدينهم من الأندلس بعد سقوطها في أيدي الفرنجة.
وقد كتبت أبحاث عديدة في هذا الصدد، وتكشف حقائق كثيرة حول هذا المعنى من أبرزها ما دار في الملتقيات الإسلامية في الجزائر سنوات 1972م، 1983م، 1974م.
ثانيًا: التفرقة الواضحة بين عهد السلطان عبد الحميد الذي انتهى عام 1909، وبين عهد الاتحاديين الذي بدأ منذ ذلك التاريخ واستمر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وهو العهد الذي وقع فيه الخلاف بين العرب والترك وخاصة عرب الشام، وهو الذي قام فيه الاتحاديون بتعليق العرب على المشانق في بيروت ودمشق 1916 بعد أن تجلت وجهة الاتحاديين، وتكشف علاقتهم بالصهيونية، ودورهم الخطير في تسليم فلسطين لليهود، فضلا عن جرائمهم في تسليم طرابلس الغرب للإيطاليين، وإدخالهم الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى من غير غرض واضح، مما أدى إلى هزيمتها وتمزقها.
أما عهد السلطان عبد الحميد فقد كان عهد الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، وعصر الحفاظ على فلسطين وقصة مواجهة السلطان عبد الحميد لهرتزل وزعماء الصهيونية واضحة ومعروفة، وقد كانت سببًا في التآمر عليه وعزله، فالحملة الموجهة في الحقيقة للدولة العثمانية إنما هي موجهة للاتحاديين الذين حكموا في هذه الفترة، فمزقوا وحدة المسلمين وأوقعوا الصراع بين الترك والعرب، وقد كان للشام دور واضح في هذه القصة، ومن هنا فإن معظم الكتابات التي لا تفرق بين العهدين هي من كتابات أهل الشام.
ثالثًا: لا ريب أن موقف السلطان عبد الحميد من الصهيونية فضلا عن مواجهته البارعة للصراع مع الغرب، كانت من أشرف صفحات السلطان عبد الحميد الذي اختلفت وجهات النظر فيه، والذي وصفه خصومه بأنه كان مستبدًا وظالمًا وطاغية، ولا ريب أن الموقف كله يجب أن يدرس في إطار التحدي الخطير الذي عاشه السلطان منذ بروز حزب الاتحاد والترقي، واحتواء الصهيونية العالمية لمحافله، وخطته في تدمير الجامعة الإسلامية وتحقيق هدف الاستعمار والصهيونية العالمية في تمزيق دولة الخلافة، وتحقيق هدفها في السيطرة على أجزائها، وفي سيطرة اليهود على فلسطين.(28/4)
رابعًا: خطة الصهيونية في إنشاء المحافل الماسونية في انبعاث جديدة بدأت بتعيين زعيم جديد، حيث زيادة ممارسة الشعائر الإسلامية في بعض المناطق، حيث تشهد المساجد إقبالا على العادات الإسلامية في نفس الوقت الذي فيه تقاوم الشعائر الآسيوية الكبرى الدعوة السوفييتية وتزاول الشعائر الإسلامية، ويتكهن بعض الباحثين بأنه في القرن الواحد والعشرين فإن المسلمين سيعقد لهم لواء القيادة في الاتحاد السوفييتي بمعنى أن الدولة المتحدة يمكن أن تصبح دولة المسلمين وخاصة وأن كثيرًا من الشخصيات بدأ يعقد لها لواء القيادة وبدأت تظهر في سماء موسكو.
وما يقال عن الاتحاد السوفييتي يقال أيضًا عن أوربا عامة وفرنسا وأسبانية خاصة، وهذا بالطبع يستدعي من المسلمين الفرنسيين والأسبانيين وغيرهم أن يتثقفوا بالثقافة الإسلامية وأن تتحد كلمتهم وأن يتجمعوا في قوة تستطيع أن تحافظ عليهم وعلى دينهم وعلى حقوقهم.
وفي الولايات المتحدة قام مجتمع إسلامي على أخلاق ومعاملات وتعاليم الإسلام ويرفع شعائر لا إله إلا الله محمد رسول الله، حيث بلغ عدد المسلمين 4 ملايين مسلم.
يقول دكتور نور الدين دوركي: ستصل في السنوات الخمس مئات.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(28/5)
33 سبباً للخشوع في الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الذي قال في كتابه المبين : ( وقوموا لله قانتين ) ، وقال عن الصلاة: ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد الخاشعين محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد
فإن الصلاة أعظم أركان الدين العملية ، والخشوع فيها من المطالب الشرعية ، ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم ، وقال : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل ، والوسوسة لهم فيها لحرمانهم لذة هذه العبادة وإضاعة أجرهم وثوابهم، ولما كان الخشوع أول مايرفع من الأرض ونحن في آخر الزمان ، انطبق فينا قول حذيفة رضي الله عنه : أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ماتفقدون من دينكم الصلاة، ورُبّ مصلٍّ لاخير فيه ، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعا . المدارج 1/521 ومما يلمسه المرء من نفسه ويسمعه من كثرة المشتكين من حوله بشأن قضية الوساوس في الصلاة وفقدان الخشوع ؛ تتبين الحاجة إلى الحديث عن هذا الموضوع ، وفيما يلي تذكرة لنفسي ولإخواني المسلمين أسأل الله أن ينفع بها :
فقد قال الله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون )
أي خائفون ساكنون و" الخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته . " تفسير ابن كثير ط. دار الشعب 6/414 والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل المدارج 1/520
ويروى عن مجاهد قال : ( قوموا لله قانتين ) : فمن القنوت : الركوع و الخشوع و غض البصر و خفض الجناح من رهبة الله عز و جل تعظيم قدر الصلاة 1/188
ومحل الخشوع في القلب وثمرته على الجوارح .
والأعضاء تابعة للقلب فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح فإن القلب كالملك والأعضاء كالجنود له فبه يأتمرون وعن أمره يصدرون فإذا عُزل الملك وتعطّل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرعية وهي الجوارح.
وأما التظاهر بالخشوع ممقوت ، ومن علامات الإخلاص :
إخفاء الخشوع
كان حذيفة رضي الله عنه يقول : إياكم وخشوع النفاق فقيل له : وما خشوع النفاق قال : أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع . وقال الفضيل بن عياض : كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه . ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن فقال : يافلان ، الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره ، لاهاهنا وأشار إلى منكبيه . المدارج 1/521
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى مبيّناً الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق : " خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم و الإجلال و الوقار و المهابة و الحياء ، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل و الخجل و الحب و الحياء و شهود نعم الله و جناياته هو ، فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح . و أما خشوع النفاق فيبدو على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع ، و كان بعض الصحابة يقول : أعوذ بالله من خشوع النفاق ، قيل له : و ما خشوع النفاق ؟ قال : أن يرى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع . فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته ، و سكن دخانها عن صدره ، فانجلى الصدر و أشرق فيه نور العظمة فماتت شهوات النفس للخوف و الوقار الذي حشي به و خمدت الجوارح و توقر القلب و اطمأن إلى الله و ذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه فصار مخبتا له ، و المخبت المطمئن ، فإن الخبت من الأرض ما اطمأن فاستنقع فيه الماء ، فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها ، و علامته أن يسجد بين يدي ربه إجلالا له و ذلا و انكسارا بين يديه سجدة لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه . فهذا خشوع الإيمان ، وأما القلب المتكبر فإنه قد اهتز بتكبره و ربا فهو كبقعة رابية من الأرض لا يستقر عليها الماء .
و أما التماوت و خشوع النفاق فهو حال عند تكلف إسكان الجوارح تصنعا و مراءاة و نفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات و إرادات فهو يتخشع في الظاهر و حية الوادي و أسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة . كتاب الروح ص:314 ط. دار الفكر - الأردن .
" والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحيئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. جعلت قرة عيني في الصلاة ) " تفسير ابن كثير 5/456 والحديث في مسند أحمد 3/128 وهو في صحيح الجامع 3124
وقد ذكر الله الخاشعين والخاشعات في صفات عباده الأخيار وأخبر أنه أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما سورة الأحزاب 35
ومن فوائد الخشوع أنه يخفف أمر الصلاة على العبد قال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) والمعنى : أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين. تفسير ابن كثير 1/ 125(29/1)
والخشوع أمر عظيم شأنه ، سريع فقده ، نادر وجوده خصوصا في زماننا وهو من آخر الزمان قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعا .) قال الهيثمي في المجمع 2/136 : رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن وهو في صحيح الترغيب رقم 543 وقال : صحيح
" قال بعض السلف الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك فما الظن بمن يُهدي إليه جارية شلاّء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد والرّجل أو مريضة أو دميمة أو قبيحة ، حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح .. فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى ؟ والله طيب لا يقبل إلا طيبا وليس من العمل الطيب : صلاة لا روح فيها . كما أنّه ليس من العتق الطيب عتق عبد لا روح فيه ." المدارج 1/526
حكم الخشوع
والراجح في حكم الخشوع أنه واجب . قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : قال الله تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين .. والذم لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرّم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دلّ ذلك على وجوب الخشوع .. ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون .. - إلى قوله - أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم .. وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا وهو المتضمن للسكون والخشوع (هكذا في الأصل ولعلها الخضوع ) فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده وكذلك من لم يرفع رأسه في الركوع ويستقر قبل أن ينخفض لم يسكن لأن السكون هو الطمأنينة بعينها فمن لم يطمئن لم يسكن ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده ومن لم يخشع كان آثما عاصيا .. ويدل على وجوب الخشوع في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى السماء فإنه حركته ورفعه وهو ضد حال الخاشع .. مجموع الفتاوى 22/553-558
وفي فضل الخشوع ووعيد من تركه يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
( خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل ، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه .) رواه أبو داود رقم 425 وهو في صحيح الجامع 3242
وقال عليه الصلاة والسلام في فضل الخشوع أيضا : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يُقبل عليهما بقلبه ووجهه [ وفي رواية : لا يحدّث فيهما نفسه ] غفر له ما تقدّم من ذنبه [ وفي رواية إلا وجبت له الجنة ] ) البخاري ط. البغا رقم 158 والنسائي 1/95 وهو في صحيح الجامع 6166
وعند البحث في أسباب الخشوع في الصلاة يتبين أنها تنقسم إلى قسمين ، الأول : جلب ما يوجد الخشوع ويقويه . والثاني دفع ما يزيل الخشوع ويضعفه . وهو ما عبّر عنه شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في بيانه لما يعين على الخشوع فقال :
- و الذي يعين على ذلك شيئان : قوة المقتضى و ضعف الشاغل .
أما الأول : قوة المقتضى :
فاجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله و ما يفعله ، و يتدبر القراءة و الذكر و الدعاء ، و يستحضر أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه . فإن المصلي إذا كان قائما فإنما يناجي ربه .
و الإحسان : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد ، و هذا يكون بحسب قوة الإيمان .
و الأسباب المقوية للإيمان كثيرة ، و لهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ( حبب إليَّ من دنياكم : النساء و الطيب ، و جعلت قرة عيني في الصلاة ) و في حديث آخر قال : ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) و لم يقل : أرحنا منها .
أما الثاني : زوال العارض :
فهو الاجتهاد في دفع ما يشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه ، و تدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة ، و هذا في كل عبد بحسبه ، فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات و الشهوات ، و تعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها ، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها . مجموع الفتاوى 22/606-607
وبناء على هذا التقسيم نستعرض فيما يلي طائفة من
أسباب الخشوع في الصلاة
أولا : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه
وهذا يكون بأمور منها :
( 1 ) الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها(29/2)
ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته " ، والدعاء بين الأذان والإقامة ، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) . ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ). والاعتناء بالسواك وهو تنظيف وتطييب للفم الذي سيكون طريقا للقرآن بعد قليل لحديث : ( طهروا أفواهكم للقرآن ) رواه البزار وقال : لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد كشف الأستار 1/242 وقال الهيثمي : رجاله ثقات 2/99 وقال الألباني إسناده جيد : الصحيحة 1213 . وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف ، قال الله تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) والله عز وجل أحقّ من تُزيِّن له ، كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية بخلاف ثوب النوم والمهنة . وكذلك الاستعداد بستر العورة وطهارة البقعة والتبكير وانتظار الصلاة ، وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها لأن الشياطين تتخلل الفُرَج بين الصفوف .
( 2) الطمأنينة في الصلاة
( كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ) صحح إسناده في صفة الصلاة ص: 134 ط.11 وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح 2/308 وأمر بذلك المسيء صلاته وقال له : ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك .) رواه أبو داود 1/ 536 رقم 858
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قال يا رسول الله : كيف يسرق صلاته ، قال : ( لا يتم ركوعها ولا سجودها ) . رواه أحمد والحاكم 1/ 229 وهو في صحيح الجامع 997
وعن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل الذي لا يتمّ ركوعه ، وينقر في سجوده ، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين ، لا يغنيان عنه شيئا ) رواه الطبراني في الكبير 4/115 وقال في صحيح الجامع : حسن
والذي لا يطمئن في صلاته لا يمكن أن يخشع لأن السرعة تذهب بالخشوع ونقر الغراب يذهب بالثواب .
( 3 ) تذكر الموت في الصلاة
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اذكر الموت في صلاتك ، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته ، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها ) السلسلة الصحيحة للألباني 1421ونقل عن السيوطي تحسين الحافظ ابن حجر رحمه الله لهذا الحديث
وفي هذا المعنى أيضا وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه لما قال له: ( إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودِّع ) رواه أحمد 5/412 وهو في صحيح الجامع رقم 742 يعني صلاة من يظن أنه لن يصلي غيرها وإذا كان المصلي سيموت ولابد ، فإن هناك صلاة مّا هي آخر صلاة له فليخشع في الصلاة التي هو فيها فإنه لا يدري لعلها تكون هذه هي .
( 4 ) تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها
القرآن نزل للتدبر ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكّر أولوا الألباب ) ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ فيستطيع التفكّر فينتج الدمع والتأثر قال الله تعالى : (والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا ) وهنا يتبين أهمية الاعتناء بالتفسير قال ابن جرير رحمه الله : " إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله ( أي : تفسيره ) كيف يلتذ بقراءته " مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر 1/10 ولذلك فمن المهم لقارئ القرآن أن ينظر في تفسير ولو مختصر مع التلاوة مثل كتاب زبدة التفسير للأشقر المختصر من تفسير الشوكاني وتفسير العلامة ابن سعدي المسمى " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " وإن لم يكن فكتاب في شرح الكلمات الغريبة مثل " المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن " لعبد العزيز السيروان فإنه جمع فيه أربعة كتب من كتب غريب القرآن . ومما يُعين على التدّبر كثيرا ترديد الآيات لأنه يعين على التفكّر ومعاودة النظر في المعنى وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم " قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) " . رواه ابن خزيمة 1/271 وأحمد 5/149 وهو في صفة الصلاة ص: 102
وكذلك فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات كما روى ( حذيفة قال : صليت مع رسول الله ذات ليلة .. يقرأ مسترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح و إذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ ) رواه مسلم رقم 772 وفي رواية ( صليت مع رسول الله ليلة ، فكان إذا مر بآية رحمة سأل ، و إذا مر بآية عذاب تعوذ ، و إذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح ) . تعظيم قدر الصلاة 1/327 وقد جاء هذا في قيام الليل .(29/3)
وقام أحد الصحابة ــ وهو قتادة بن النعمان رضي الله عنه ــ الليل لايقرأ إلا ( قل هو الله أحد ) يرددها لا يزيد عليها البخاري : الفتح 9/59 وأحمد 3/43
وقال سعيد بن عبيد الطائي : سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الآية ( فسوف يعلمون . إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسحبون . في الحميم ثم في النار يُسجرون . ) . وقال القاسم رأيت سعيد بن جبير قام ليلة يصلي فقرأ ( واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثم تُوفى كل نفس ما كسبت ) فرددها بضعا وعشرين مرة . وقال رجل من قيس يُكنى أبا عبد الله : بتنا ذات ليلة عند الحسن فقام من الليل فصلى فلم يزل يردد هذه الآية حتى السّحر : وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها ) فلما أصبح قلنا : يا أبا سعيد لم تكد تجاوز هذه الآية سائر الليل ، قال : أرى فيها معتبرا ، ما أرفع طرفا ولا أردّه إلا وقد وقع على نعمة وما لا يُعلم من نعم الله أكثر . التذكار للقرطبي ص: 125
وكان هارون بن رباب الأسيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الآية حتى يُصبح : ( قالوا يا ليتنا نُردّ ولا نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) ويبكي حتى يُصبح .
ومما يعين على التدبر أيضا حفظ القرآن والأذكار المتنوعة في الأركان المختلفة ليتلوها ويذكرها ليتفكّر فيها .
ولا شك أن هذا العمل ـ من التدبر والتفكر والترديد والتفاعل ـ من أعظم ما يزيد الخشوع كما قال الله تعالى : ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا )
وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره وخشوعه صلى الله عليه وسلم مع بيان وجوب التفكر في الآيات : عن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال ابن عمير : حدّثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال: يا عائشة ذريني أتعبّد لربي ، قالت : قلت : والله إني لأحبّ قربك ، وأحب ما يسرّك ، قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت عليّ الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكّر ما فيها : ( إن في خلق السموات والأرض ... الآية ) رواه ابن حبّان وقال في السلسلة الصحيحة رقم 68 : وهذا إسناد جيد .
ومن التجاوب مع الآيات التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُهُ تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري رقم 747 وهكذا التجاوب مع الإمام في قوله سمع الله لمن حمده فيقول المأموم ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم فعن رفاعة ابن رافع الزرقي قال : كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده ، قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فلما انصرف قال : من المتكلم ، قال : أنا ، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولُ . رواه البخاري الفتح 2/284
( 5 ) أن يقطّع قراءته آيةً آية
وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله عليه وسلم ( بسم الله الرحمن الرحيم ، وفي رواية : ثم يقف ثم يقول ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، وفي رواية : ثم يقف ثم يقول : ملك يوم الدين ) يقطّع قراءته آيةً آية رواه أبو داود رقم 4001 وصححه الألباني في الإرواء وذكر طرقه 2/60
والوقوف عند رؤوس الآي سنّة وإن تعلّقت في المعنى بما بعدها .
( 6 ) ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها :
كما قال الله عز وجل : ( ورتل القرآن ترتيلا ) وكانت قراءته صلى الله عليه وسلم ( مفسرة حرفاً حرفا . ) مسند أحمد 6/294 بسند صحيح صفة الصلاة : ص: 105 ( وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها ) رواه مسلم رقم 733
وهذا الترتيل والترسل أدعى للتفكر والخشوع بخلاف الإسراع والعجلة .
ومما يعين على الخشوع أيضا تحسين الصوت بالتلاوة وفي ذلك وصايا نبوية منها قوله صلى الله عليه و سلم : ( زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ) أخرجه الحاكم 1/575 و هو في صحيح الجامع رقم 3581
وليس المقصود بتحسين الصوت : التمطيط والقراءة على ألحان أهل الفسق وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله ) رواه إبن ماجه 1/1339 و هو في صحيح الجامع رقم 2202
( 7 ) أن يعلم أن الله يُجيبه في صلاته :(29/4)
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : الحمد لله رب العالمين قال الله : حمدني عبدي فإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله : أثنى عليّ عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله : مجّدني عبدي ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . ) صحيح مسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
وهذا حديث عظيم جليل لو استحضره كل مصلٍّ لحصل له خشوع بالغ ولوجد للفاتحة أثرا عظيما كيف لا وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ثم يعطيه سؤله .
وينبغي إجلال هذه المخاطبة وقدرها حقّ قدرها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه ) مستدرك الحاكم 1/236 و هو في صحيح الجامع رقم 1538
( 8 ) الصلاة إلى سترة و الدنو منها
من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها فإن ذلك أقصر لنظر المصلي وأحفظ له من الشيطان وأبعد له عن مرور الناس بين يديه فإنه يشوّش ويُنقص أجر المصلي .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة و ليدن منها ) رواه أبو داود رقم 695 1/446 و هو في صحيح الجامع رقم 651
وللدنو من السترة فائدة عظيمة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته ) رواه أبو داود رقم 695 1/446 و هو في صحيح الجامع رقم 650 والسنّة في الدنوّ من السترة أن يكون بينه وبين السترة ثلاثة أذرع وبينها وبين موضع سجوده ممرّ شاة كما ورد في الأحاديث الصحيحة . البخاري أنظر الفتح 1/574 ، 579
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي بأن لا يسمح لأحد أن يمرّ بينه وبين سترته فقال: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه ، و ليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين ) رواه مسلم 1/260 و هو في صحيح الجامع رقم 755
قال النووي رحمه الله تعالى : " والحكمة في السترة كف ّ البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه .. وتمنع الشيطان المرور والتعرض لإفساد صلاته " شرح صحيح مسلم 4/216
( 9 ) وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة ( وضع يده اليمنى على اليسرى ) مسلم رقم 401 و ( كان يضعهما على الصدر ) أبوداود رقم 759 وانظر إرواء الغليل 2/71 وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنا معشر الأنبياء أمرنا .. أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 11485 قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ؛ المجمع 3/155
وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن المراد بوضع اليدين إحداهما على الأخرى حال القيام فقال : هو ذلّ بين يدي العزيز الخشوع في الصلاة ابن رجب ص:21
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : قال العلماء : الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع . فتح الباري 2/224
(10) النظر إلى موضع السجود :
لما ورد عن عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض ) رواه الحاكم ا/479 وقال صحيح على شرط الشيخين و وافقه الألباني صفة الصلاة ص 89
( و لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج عنها ). رواه الحاكم في المستدرك 1 /479 وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، قال الألباني وهو كما قالا ؛ إرواء الغليل 2/73
أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جلس للتشهد ( يشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة ويرمي ببصره إليها) رواه ابن خزيمة 1/355 رقم 719 وقال المحقق : إسناده صحيح وانظر صفة الصلاة ص: 139 وفي رواية ( وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته ) رواه أحمد 4/3 وأبو داود رقم 990 .
مسألة
وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو : ما حكم إغماض العينين في الصلاة خصوصا وأن المرء قد يحس بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك ؟
والجواب : أن ذلك مخالف للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدّم قبل قليل كما أن الإغماض يفوّت سنة النظر إلى موضع السجود وإلى الأصبع . ولكن هناك شيء من التفصيل في المسألة فلندع الميدان للفارس ولنفسح المكان للعلامة أبي عبد الله ابن القيم يبين الأمر ويجلّيه ، قال رحمه الله تعالى : " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلاة ، وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يُجاوز بصره إشارته ...(29/5)
وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلاة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها وصاحب المحجن ، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه وردّه الغلام والجارية وحجزه بين الجاريتين ، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على من سلّم عليه وهو في الصلاة ، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ، وكذلك حديث تعرّض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين . فهذه الأحاديث وغيرها يُستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة .
وقد اختلف الفقهاء في كراهته ، فكرهه الإمام أحمد وغيره وقالوا : هو فعل اليهود ، وأباحه جماعة ولم يكرهوه ... والصواب أن يُقال إن كان تفتيح العين لا يُخلّ بالخشوع فهو أفضل ، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوّش عليه قلبه فهنالك لا يُكره التغميض قطعا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ، والله أعلم " زاد المعاد 1/293 ط. دار الرسالة
وبهذا يتبين أن السنة عدم الإغماض إلا إذا دعت الحاجة لتلافي أمر يضرّ بالخشوع .
(11) تحريك السبابة :
وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضلا عن جهلهم بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لهي أشد على الشيطان من الحديد . ) رواه الإمام أحمد 2/119 بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 159 " أي أن الإشارة بالسبابة عند التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد لأنها تذكّر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه ." الفتح الرباني للساعاتي 4/15 .
ولأجل هذه الفائدة العظيمة كان الصحابة رضوان الله عليهم يتواصون بذلك ويحرصون عليه ويتعاهدون أنفسهم في هذا الأمر الذي يقابله كثير من الناس في هذا الزمان بالاستخفاف والإهمال ، فقد جاء في الأثر ما يلي : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يأخذ بعضهم على بعض . يعني : الإشارة بالأصبع في الدعاء ) رواه إبن أبي شيبة بسند حسن كما في صفة الصلاة ص: 141 وفي المطبوع من أبي شيبة [بأصبع ] أنظر المصنف رقم 9732 ج10 ص: 381 ط. الدار السلفية - الهند
والسنة في الإشارة بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحرّكة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد .
( 12 ) التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة
وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني والانتقال بين المضامين المتعددة للآيات والأذكار وهذا ما يفتقده الذي لا يحفظ إلا عددا محدودا من السور ( وخصوصا قصارها ) والأذكار ، فالتنويع من السنّة وأكمل في الخشوع .
وإذا تأملنا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلوه ويذكره في صلاته فإننا نجد هذا التنوع
ففي أدعية الاستفتاح مثلا نجد نصوصا مثل :
( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدّنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد . )
( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمِرتُ وأنا أول المسلمين .)
( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك .)
وغير ذلك من الأدعية والأذكار والمصلي يأتي بهذا مرة وبهذا مرة وهكذا .
وفي السور التي كان صلى الله عليه وسلم يقرؤها في صلاة الفجر نجد عددا كثيرا مباركا مثل:
( طوال المفصّل كالواقعة والطور و ق ، وقصار المفصّل مثل : إذا الشمس كورت والزلزلة والمعوذتين وورد أنه قرأ الروم و يس والصافات وكان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة والإنسان )
وفي صلاة الظهر ورد أنه كان يقرأ في كلّ من الركعتين قدر ثلاثين آية وقرأ بالطارق والبروج والليل إذا يغشى .
وفي صلاة العصر يقرأ في كل من الركعتين قدر خمس عشرة آية ويقرأ بالسور التي سبقت في صلاة الظهر .
وفي صلاة المغرب يقرأ بقصار المفصّل كالتين والزيتون وقرأ بسورة محمد والطور والمرسلات وغيرها .
وفي العشاء كان يقرأ من وسط المفصّل كـ ( الشمس وضحاها ) و ( إذا السماء انشقت ) وأمر معاذا أن يقرأ بـ الأعلى والقلم والليل إذا يغشى .
وفي قيام الليل كان يقرأ بطوال السور وورد في سنته صلى الله عليه وسلم قراءة مائتي ومائة وخمسين آية وكان أحيانا يقصّر القراءة .
وأذكار ركوعه صلى الله عليه وسلم متنوعة فبالإضافة إلى ( سبحان ربي العظيم ) و( سبحان ربي العظيم وبحمده ) يقول : ( سُبّوح قُدّوس رب الملائكة والروح ) ويقول : ( اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي ، خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين ) .(29/6)
وفي الرفع من الركوع يقول بعد ( سمع الله لمن حمده ) : ( ربنا ولك الحمد ) وأحيانا ( ربنا لك الحمد ) وأحيانا ( اللهم ربنا (و) لك الحمد ) وكان يضيف أحيانا ( ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ) ويضيف تارة ( أهل الثناء والمجد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ )
وفي السجود بالإضافة إلى ( سبحان ربي الأعلى ) و( سبحان ربي الأعلى وبحمده ) يقول أيضا : ( سُبّوح قدوس رب الملائكة والروح ) و ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) و ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين ) وغير ذلك .
وفي الجلسة بين السجدتين بالإضافة إلى ( رب اغفر لي رب اغفر لي ) يقول ( اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني ) .
وفي التشهد عدد من الصيغ الواردة مثل ( التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ... الخ ) وكذلك ورد ( التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ... الخ ) وورد ( التحيات الطيبات الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ... الخ ) .
فيأتي المصلي مرة بهذا ومرة بهذا .
وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم عدّة صيغ منها : ( اللهم صلّ عل محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعل آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) .
وورد أيضا ( اللهم صلّ على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) .
وورد ( اللهم صلّ على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .)
ووردت صيغ أخرى كذلك والسنة أن ينوّع بينها كما تقدّم ولا يمنع أن يواظب على بعضها أكثر من بعض لقوة ثبوتها أو اشتهارها في كتب الحديث الصحيحة أو لأن النبي صلى الله عيه وسلم علّمها أصحابه لمّا سألوه عن الكيفية بخلاف غيرها وهكذا . جميع ما تقدّم من النصوص والصيغ من كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث .
( 13) أن يأتي بسجود التلاوة إذا مرّ بموضعه
من آداب التلاوة السجود عند المرور بالسجدة وقد وصف الله في كتابه الكريم النبيين والصالحين بأنهم ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجّدا وبكيا ) قال ابن كثير رحمه الله تعالى : " أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم تفسير القرآن العظيم 5/238 ط. دار الشعب .
وسجود التلاوة في الصلاة عظيم وهو مما يزيد الخشوع قال الله عز وجل : ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بسورة النجم في صلاته وروى البخاري رحمه الله في صحيحه (عن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه العتمة [ أي : العشاء ] فقرأ ( إذا السماء انشقت ) فسجد فقلت له ، قال: سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه . ) صحيح البخاري : كتاب الأذان ، باب الجهر بالعشاء . فينبغي المحافظة على سجود التلاوة في الصلاة خصوصا وأن سجود التلاوة فيه ترغيم للشيطان وتبكيت له وذلك مما يضعف كيده للمصلي . عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا قرأ ابن آدم السجدة ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويله ، أمر بالسجود فسجد ، فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت، فلي النار ) . رواه الإمام مسلم في صحيحه رقم 133
(14) الاستعاذة بالله من الشيطان
الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته.
" و الوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره ، لا بد له من ذلك ، فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر ، و يلازم ما هو فيه من الذكر و الصلاة و لا يضجر ، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) .
و كلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسوسة أمور أخرى ، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى ، أراد قطع الطريق عليه ، و لهذا قيل لبعض السلف : " إن اليهود و النصارى يقولون : لا نوسوس قال : صدقوا ، و ما يصنع الشيطان بالبيت الخرب " . ( مجموع الفتاوى 22 / 608 ) .
" و قد مثل ذلك بمثال حسن ، و هو ثلاثة بيوت : بيت للملك فيه كنوزه و ذخائره و جواهره، و بيت للعبد فيه كنوز العبد و ذخائره و جواهره و ليس جواهر الملك و ذخائره ، و بيت خال صفر لا شيء فيه ، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت ، فمن أيها يسرق ؟ ( الوابل الصيب ص: 43 )(29/7)
" والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه ، فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان ، وأشده عليه فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه بل لا يزال به يعده ويمنّيه وينسيه ، ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهوّن عليه شأن الصلاة ، فيتهاون بها فيتركها . فإن عجز عن ذلك منه ، وعصاه العبد ، وقام في ذلك المقام ، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ، ويحول بينه وبين قلبه ، فيذكّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها ، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة وأيس منها ، فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها ، ويأخذه عن الله عز وجل ، فيقوم فيها بلا قلب ، فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته ، فينصرف من صلاته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله ، لم تُخفَفْ عنه بالصلاة ، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها ، وأكمل خشوعها ، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه ." الوابل الصيب ص: 36
ولمواجهة كيد الشيطان وإذهاب وسوسته أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج التالي:
عن أبي العاص رضي الله عنه قال : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسها عليّ ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم : ( ذاك شيطان يُقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا ) . قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني . رواه مسلم رقم : 2203
ومن كيد الشيطان للمصلي ما أخبرنا عنه صلى الله عليه وسلم وعن علاجه فقال : ( إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه - يعني خلط عليه صلاته وشككه فيها - حتى لا يدري كم صلى . فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين و هو جالس ) رواه البخاري ، كتاب السهو ، باب السهو في الفرض والتطوع .
ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله : ( إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث ، فأشكل عليه ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) . رواه مسلم رقم 389 .
بل إن كيده ليبلغ مبلغا عجيبا كما يوضحه هذا الحديث : عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيّل إليه في صلاته أنه أحدث ولم يُحدِث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يُحدث ، فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرفن حتى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه ) رواه الطبراني في الكبير رقم 11556 ج:11 ص: 222 وقال في مجمع الزوائد 1/242 رجاله رجال الصحيح .
مسألة
وهناك خدعة شيطانية يأتي بها " خنزب " إلى بعض الخيِّرين من المصلين
وهي محاولة إشغالهم بالتفكير في أبواب أخرى من الطاعات عن الصلاة التي هم بشأنها وذلك كإشغال أذهانهم ببعض أمور الدعوة أو المسائل العلمية فيستغرقون فيها فلا يعقلون أجزاء من صلاتهم وربما لبَّس عل بعضهم بأن عمر كان يجهِّز الجيش في الصلاة ، ولندع المجال لشيخ الإسلام ابن تيمية يجلي الأمر ويجييب عن هذه الشبهة .
قال رحمه الله تعالى : " و أما ما يروى عن عمر بن الخطاب من قوله : ( و إني لأجهز جيشي و أنا في الصلاة ) فذاك لأن عمر كان مأمورا بالجهاد وهو أمير المؤمنين ، فهو أمير الجهاد ، فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة المصلي الذي يصلي صلاة الخوف حال معاينة العدو ، إما حال القتال و إما غير حال القتال ، فهو مأمور بالصلاة ، و مأمور بالجهاد ، فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب الإمكان . قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) ، و معلوم أن طمأنينة القلب حال الجهاد لا تكون كطمأنينتة حال الأمن ، فإذا قُدِّر أنه نقص من الصلاة شيء لأجل الجهاد لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد و طاعته .
و لهذا تخفف صلاة الخوف عن صلاة الأمن ، و لما ذكر الله سبحانه صلاة الخوف قال : ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) فالإقامة المأمور بها حال الطمأنينة لا يؤمر بها حال الخوف .
و مع هذا : فالناس متفاوتون في ذلك ، فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلاة ، مع تدبره للأمور بها ، و عمر قد ضرب الله الحق على لسانه و قلبه ، و هو المحدَّث المُلهم فلا ينكر لمثله أن يكون مع تدبيره جيشه في الصلاة من الحضور ما ليس لغيره ، لكن لا ريب أن حضوره مع عدم ذلك يكون أقوى ، ولا ريب أن صلاة رسول الله حال أمنه كانت أكمل من صلاته حال الخوف في الأفعال الظاهرة فإذا كان الله قد عفا حال الخوف عن بعض الواجبات الظاهرة فكيف بالباطنة .(29/8)
و بالجملة فتفكر المصلي في الصلاة [في] أمر يجب عليه ، قد يضيق وقته ، ليس كتفكره فيما ليس بواجب أو فيما لم يضق وقته . و قد يكون عمر لم يمكن [ لعلها : يمكنه ] التفكر في تدبير جيشه إلا في تلك الحال ، و هو إمام الأمة و الواردات عليه كثيرة ، و مثل هذا يعرض لكل أحد بحسب مرتبته ، و الإنسان دائما يذكر في الصلاة ما لا يذكره خارج الصلاة ، و من ذلك ما يكون من الشيطان ، كما أن بعض السلف ذكر له رجل أنه دفن مالا و قد نسي موضعه ، فقال : قم فصل ، فقام فصلى فذكره ، فقيل له ، من أين علمت ذلك ؟ قال : علمت أن الشيطان لا يدعه في الصلاة حتى يذكره بما يشغله ولا أهم عنده من ذكر موضع الدفن ، لكن العبد الكيِّس يجتهد كمال الحضور مع كمال فعل بقية المأمور ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم . مجموع الفتاوى 22 / 610 .
( 15) التأمل في حال السلف في صلاتهم
وهذا يزيد الخشوع ويدفع إلى الاقتداء فـ " لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلاته فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين فانخلع قلبه وذهل عقله " الخشوع في الصلاة ابن رجب ص: 22
قال مجاهد رحمه الله : " كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسيا ما دام في صلاته ." تعظيم قدر الصلاة 1/188
كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع ، وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه ، وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر ، و لقد بلغنا أن بعضهم كان كالثوب الملقى ، و بعضهم ينفتل من صلاته متغير اللون لقيامه بين يدي الله عز و جل . و بعضهم إذا كان في الصلاة لا يعرف من على يمينه و شماله . و بعضهم يصفر وجهه إذا توضأ للصلاة ، فقيل له إنا نراك إذا توضأت للصلاة تغيرت أحوالك ، قال : إني أعرف بين يدي من سأقوم ، و كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل و يتلون وجهه ، فقيل له : ما لك ؟ فيقول : جاء و الله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملتُها . و كان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته . و بلغنا عن بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه ، و كان يقول : أتدرون بين يدي من أقف و من أناجي . فمن منكم لله في قلبه مثل هذه الهيبة ؟ سلاح اليقظان لطرد الشيطان : عبد العزيز السلمان ص: 209
وقالوا لعامر بن عبد القيس : أتحدّث نفسك في الصلاة فقال : أوَ شيء أحبُّ إليّ من الصلاة أحدّث به نفسي ! قالوا : إنا لنحدّث أنفسنا في الصلاة ، فقال: أبالجنة والحور ونحو ذلك ؟ قالوا لا ، ولكن بأهلينا وأموالنا . فقال : لأن تختلف الأسنّة فيّ أحبُّ إليّ [ أي لأن يكثر طعن الرماح في جسدي أحبّ إلي من أن أحدّث نفسي في الصلاة بأمور الدنيا ]
وقال سعد بن معاذ : فيّ ثلاث خصال لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن ، لكنت أنا أنا : إذا كنت في الصلاة لا أحدث نفسي بغير ما أنا فيه ، وإذا سمعت من رسول الله حديثا لا يقع في قلبي ريب أنه الحقّ ، وإذا كنت في جنازة لم أحدّث نفسي بغير ما تقول ويقال لها الفتاوى لابن تيمية 22/605
قال حاتم رحمه الله : أقوم بالأمر ، وأمشي بالخشية ، وأدخل بالنية ، وأكبّر بالعظمة ، وأقرأ بالترتيل والتفكير ، وأركع بالخشوع ، وأسجد بالتواضع ، وأجلس للتشهد بالتمام ، وأسلّم بالنية، وأختمها بالإخلاص لله عز وجل ، وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني وأحفظه بالجهد إلى الموت الخشوع في الصلاة 27 - 28
قال أبو بكر الصبغي : أدركت إمامين لم أُرزق السّماع منهما : أبو حاتم الرازي ومحمد بن نصر المروزي ، فأما ابن نصر فما رأيت أحسن صلاة منه ، لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك . وقال محمد بن يعقوب الأخرم : ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر ، كان الذباب يقع على أذنه .. فلا يذبّه على نفسه ، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبة منصوبة . تعظيم قدر الصلاة 1/58 وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة . الكواكب الدريّة في مناقب المجتهد ابن تيمية لمرعي الكرمي ص: 83 دار الغرب الإسلامي .
قارن بين هذا وبين ما يفعله بعضنا اليوم هذا ينظر في ساعته وآخر يصلح هندامه وثالث يعبث بأنفه ومنهم من يبيع ويشتري في الصلاة وربما عدّ نقوده وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف أو يحاول التعرّف على من بجانبيه .
تُرى لو وقف واحد من هؤلاء بين يدي عظيم من عظماء الدنيا هل يجرؤ على فعل شيء من ذلك .
(16) معرفة مزايا الخشوع في الصلاة
ومنها(29/9)
- قوله صلى الله عليه و سلم : ( ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها ، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة ، و ذلك الدهر كله ) . رواه مسلم 1/206 رقم 2/4/7
- أن الأجر المكتوب بحسب الخشوع كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد ليصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها ) رواه الإمام أحمد 4/321 وهو في صحيح الجامع 1626
- أنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه : ( ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ) .
- أن الأوزار والآثام تنحط عنه إذا صلّى بتمام وخشوع كما قال النبي صلى عليه وسلم : ( إن العبد إذا قام يصلي أُتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ) ( رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع ) . قال المناوي : " المراد أنه كلما أتم ركناً سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل السقوط وهذا في صلاة متوفرة الشروط والأركان والخشوع كما يؤذن به لفظ " العبد " و" القيام " إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد ذليل " . رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10 وهو في صحيح الجامع .
- أن الخاشع في صلاته " إذا انصرف منها وجد خفّة من نفسه ، وأحس بأثقال قد وضعت عنه ، فوجد نشاطا وراحة وروحا ، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ، لأنها قرّة عينه ونعيم روحه ، وجنة قلبه ، ومستراحه في الدنيا ، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ، فيستريح بها ، لا منها ، فالمحبون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا ، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم : ( يا بلال أرحنا بالصلاة ) ولم يقل أرحنا منها .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( جعلت قرة عيني بالصلاة ) فمن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، كيف تقرّ عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها ؟ " الوابل الصيّب 37 .
(17) الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود
لاشك أن مناجاة الله تعالى والتذلل إليه والطلب منه والإلحاح عليه مما يزيد العبد صلة بربّه فيعظم خشوعه ، والدعاء هو العبادة والعبد مأمور به قال تعالى : ( أدعو ربكم تضرعا وخفية ) و ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) رواه الترمذي كتاب الدعوات 1/426 وحسنه في صحيح الترمذي 2686 وقد ثبت الدعاء في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع معينة هي السجود وبين السجدتين وبعد التشهد وأعظم هذه المواضع السجود لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم كتاب الصلاة باب مايقال في الركوع والسجود رقم 215 وقال : (... أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمَن - أي حريّ وجدير - أن يُستجاب لكم ) رواه مسلم كتاب الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود رقم 207
ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم في سجوده : ( اللهم اغفر لي ذنبي دِقَّه وجِلَّه ، وأوله وآخره ، وعلانيته وسره ) رواه مسلم : كتاب الصلاة ، باب ما يُقال في الركوع والسجود رقم 216 وكذلك ( اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت ) أخرجه النسائي : المجتبى 2/569 وهو في صحيح النسائي1067 وقد تقدّم بعض ماكان يدعو به بين السجدتين أنظر السبب رقم 11 .(29/10)
ومما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ماعلمناه بقوله : " ( إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بالله من أربع ؛ من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر المسيح الدجال .) وكان يقول ( اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل .) ( اللهم حاسبني حسابا يسيرا ) وعلّم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يقول : ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) وسمع رجلا يقول في تشهده : ( اللهم إني أسألك يا الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال صلى الله عليه وسلم : قد غُفر له ، قد غُفر له . ) وسمع آخر يقول في تشهده : ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : تدرون بما دعا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى . ) وكان من آخر ما يقوله صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم : ( اللهم اغفر لي ما قدّمت ، وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر ، لا إله إلا أنت . ) " هذه الأدعية وغيرها وتخريجها في صفة الصلاة للعلامة الألباني ص: 163 ط.11 وحفظ مثل هذه الأدعية يعالج مشكلة صمت بعض الناس وراء الإمام إذا فرغوا من التشهد لأنهم لا يدرون ماذا يقولون .
(18) الأذكار الواردة بعد الصلاة
فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة وفائدتها
ولاشك أن من حفظ الطاعة الأولى وصيانتها إتباعها بطاعة ثانية ، وكذلك فإن المتأمل لأذكار ما بعد الصلاة يجد أنها تبدأ بالاستغفار ثلاثا فكأن المصلي يستغفر ربه عما حصل من الخلل في صلاته وعما حصل من التقصير في خشوعها فيها ، ومن المهم كذلك الاهتمام بالنوافل فإنها تجبر النقص في الفرائض ومنه الإخلال بالخشوع .
وبعد الكلام عن تحصيل الأسباب الجالبة للخشوع يأتي الحديث عن
ثانيا : دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدِّر صفوه
( 19) إزالة ما يشغل المصلي من المكان
عن أنس رضي الله عنه قال : كان قِرام ( ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن ) لعائشة سترت به جانب بيتها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( أميطي - أزيلي - عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ) رواه البخاري : فتح الباري 10/391 .
وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة ( بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع أو الخزانة ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال : ( أخّريه عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ) فأخرته فجعلته وسائد . رواه مسلم رحمه الله في صحيحه 3/1668
ويدل على هذا المعنى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة ليصلي فيها رأى قرني كبش فلما صلى قال لعثمان الحجبي ( إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي .) أخرجه أبو داود 2030 وهو في صحيح الجامع 2504
ويدخل في هذا ؛ الاحتراز من الصلاة في أماكن مرور الناس وأماكن الضوضاء والأصوات المزعجة وبجانب المتحدثين وفي مجالس اللغو واللغط وكل ما يشغل البصر .
وكذلك تجنب الصلاة في أماكن الحرّ الشديد والبرد الشديد إذا أمكن ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإبراد في صلاة الظهر بالصيف لأجل هذا ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " إن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ، ويفعل العبادة بتكرّه وتضجّر ، فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحرّ ، فيصلي العبد بقلب حاضر ، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله تعالى . " الوابل الصيّب ط. دار البيان ص: 22
( 20) أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قام النبي الله صلى الله عليه و سلم يصلي في خميصة ذات أعلام - أي : كساء مخطط ومربّع - فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال : ( اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني بأنبجانيّه - كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام -، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي " وفي رواية : " شغلتني أعلام هذه " وفي رواية : " كانت له خميصة لها علم ، فكان يتشاغل بها في الصلاة " الروايات في صحيح مسلم رقم 556 ج: 1/391 .
ومن باب أولى أن لا يصلي في ثياب فيها صور وخصوصا ذوات الأرواح كما شاع وانتشر في هذا الزمان .
( 21) أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه(29/11)
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا صلاة بحضرة طعام ) رواه مسلم رقم 560
فإذا وُضع الطعام وحضر بين يديه أو قُدِّم له ، بدأ بالطعام لأنه لا يخشع إذا تركه وقام يصلي ونفسه متعلِّقة به . بل إن عليه أن لا يعجل حتى تنقضي حاجته منه لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قرِّب العَشاء وحضرت الصلاة ، فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب . ولا تعجلوا عن عشائكم . ) وفي رواية : ( إذا وُضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء ولا يعجلنّ حتى يفرغ منه ) متفق عليه ، البخاري كتاب الآذن ، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ، وفي مسلم رقم 557-559 .
( 22) أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب
لاشكّ أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط ولذلك ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصلي الرجل و هو حاقن ) و الحاقن أي الحابس البول . رواه إبن ماجه في سننه رقم 617 وهو في صحيح الجامع رقم 6832 . والحاقب هو حابس الغائط .
ومن حصل له ذلك فعليه أن يذهب إلى الخلاء لقضاء حاجته ولو فاته ما فاته من صلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء و قامت الصلاة فليبدأ بالخلاء ) . رواه أبو داود رقم 88 وهو في صحيح الجامع رقم 299
بل إنه إذا حصل له ذلك أثناء الصلاة فإنه يقطع صلاته لقضاء حاجته ثم يتطهر ويصلي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان .) صحيح مسلم رقم 560 وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع . ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح .
(23) أن لا يصلي وقد غلبه النّعاس
عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول ) أي فليرقد حتى يذهب عنه النوم . رواه البخاري رقم 210
وقد جاء ذكر السبب في ذلك : فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا نعس أحدكم و هو يصلي فليرقد ، حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى و هو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه ) . رواه البخاري رقم 209
وقد يحصل هذا في قيام الليل وقد يصادف ساعة إجابة فيدعو على نفسه وهو لا يدري ، ويشمل هذا الحديث الفرائض أيضا إذا أمِن بقاء الوقت . فتح الباري : شرح كتاب الوضوء : باب الوضوء من النوم
(24) أن لا يصلي خلف المتحدث أو (النائم) :
لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك فقال : ( لا تصلوا خلف النائم و لا المتحدث ) رواه أبو داود رقم 694 و هو في صحيح الجامع رقم 375 و قال حديث حسن .
لأن المتحدث يلهي بحديثه و النائم قد يبدو منه ما يلهي .
قال الخطابي رحمه الله : " أما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد بن حنبل وذلك من أجل أن كلامهم يُشغل المصلي عن صلاته . " عون المعبود 2/388
أما أدلة النهي عن الصلاة خلف النائم فقد ضعّفها عدد من أهل العلم منهم أبو داود في سننه كتاب الصلاة : تفريع أبواب الوتر : باب الدعاء ، وابن حجر في فتح الباري شرح باب الصلاة خلف النائم : كتاب الصلاة
وقال البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه : باب الصلاة خلف النائم ، وساق حديث عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه .. صحيح البخاري : كتاب الصلاة
" وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته .." فتح الباري الموضع السابق .
فإذا أُمن ذلك فلا تُكره الصلاة خلف النائم والله أعلم .
( 25) عدم الانشغال بتسوية الحصى :
روى البخاري رحمه الله تعالى عن معيقيب رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال : إن كنت فاعلا فواحدة ) فتح الباري 3/79
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تمسَح و أنت تصلي فإن كنتَ لا بدَّ فاعِلا فواحدة) يعني تسوية الحصى . رواه أبو داود رقم 946 و هو في صحيح الجامع رقم 7452
والعلة في هذا النهي ؛ المحافظة على الخشوع ولئلا يكثر العمل في الصلاة . والأَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلاة .
ويدخل في الكراهية مسح الجبهة والأنف وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في ماء وطين وبقي أثر ذلك في جبهته ولم يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق فالاستغراق في الصلاة والخشوع فيها ينسي ذلك ويشغل عنه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن في الصلاة شغلا ) رواه البخاري فتح الباري 3/ 72 ، وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: ما أحب أن لي حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من الحصى . وقال عياض : كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف . الفتح 3/ 79 . يعني الانصراف من الصلاة .
وكما أن المصلي ينبغي أن يحترز مما يشغله عن صلاته كما مرّ في النقاط السابقة فكذلك عليه أن يلتزم بعدم التشويش على المصلين الآخرين ومن ذلك :(29/12)
(26) عدم التشويش بالقراءة على الآخرين :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ) أو قال ( في الصلاة ) رواه أبو داود 2 /83 و هو في صحيح الجامع رقم 752 وفي رواية ( لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ) رواه الإمام أحمد 2/36 وهو في صحيح الجامع 1951 .
(27) ترك الالتفات في الصلاة :
لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت ، فإذا التفت انصرف عنه ) رواه أبو داود رقم 909 وهو في صحيح أبي داود .
والالتفات في الصلاة قسمان :
الأول : التفات القلب إلى غير الله عز وجل .
الثاني : التفات البصر ، وكلاهما منهي عنه وينقص من أجر الصلاة ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : ( اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ) رواه البخاري : كتاب الأذان باب : الالتفات في الصلاة .
" ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو قلبه مثل رجل استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينا وشمالا ، وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به لأن قلبه ليس حاضرا معه فما ظنّ هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟ .
أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينيه ، فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته وذلت عنقه له ، واستحيى من ربه أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه وبين صلاتيهما كما قال حسان بن عطية : إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة ، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض ، وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والآخر ساه غافل ." الوابل الصيب لابن القيم . دار البيان ص : 36 .
و أما الالتفات " لحاجة فلا بأس به ، روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال : ( ثوب بالصلاة - صلاة الصبح - فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و هو يلتفت إلى الشعب ) . قال أبو داود : ( و كان أرسل فارسا من الليل إلى الشعب يحرس ) . و هذا كحمله أمامة بنت أبي العاص ، .. وفتحه الباب لعائشة و نزوله من المنبر لما صلى بهم يعلمهم ، وتأخره في صلاة الكسوف ، وإمساكه الشيطان وخنقه لما أراد أن يقطع صلاته ، وأمره بقتل الحية والعقرب في الصلاة ، وأمره بردّ المار بين يدي المصلي ومقاتلته ، وأمره النساء بالتصفيق وإشارته في الصلاة وغير ذلك من الأفعال التي تُفعل لحاجة ، ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث - المنافي للخشوع - المنهي عنه في الصلاة " . مجموع الفتاوى 22/559 .
( 28) عدم رفع البصر إلى السماء :
وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله صلى الله عليه و سلم : ( إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء ، أن يلتمع بصره ) رواه أحمد 5/ 294 و هو في صحيح الجامع رقم 762 وفي رواية : ( ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم [ وفي رواية : عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة رواه مسلم رقم 429 . فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ) رواه الإمام أحمد 5/ 258 وهو في صحيح الجامع 5574 .
( 29) أن لا يبصق أمامه في الصلاة :
لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله لقوله صلى الله عليه و سلم : ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَل وجهه فإن الله قِبَل وجهه إذا صلى ) . رواه البخاري في صحيحه رقم 397
و قال : ( إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه ، فإنما يناجي الله - تبارك و تعالى - ما دام في مصلاه ، و لا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا ، و ليبصق عن يساره ، أو تحت قدمه فيدفنها ) رواه البخاري : الفتح رقم 416 1/512
و قال : ( إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه ، و إن ربه بينه و بين قبلته ، فلا يبزقن أحدكم في قبلته ، و لكن عن يساره أو تحت قدمه ) رواه البخاري الفتح الباري رقم 417 1/513
وإذا كان المسجد مفروشا بالسجاد ونحوه كما هو الغالب في هذا الزمان فيمكنه إذا احتاج أن يُخرج منديلا ونحوه فيبصق فيه ويردّه .
( 30) مجاهدة التثاؤب في الصلاة :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا تثاءَب أحدُكم في الصلاة فليكظِم ما استطاع فإن الشيطان يدخل ) . رواه مسلم 4/2293 . وإذا دخل الشيطان يكون أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالإضافة إلى أنه يضحك من المصلي إذا تثاءب .
( 31) عدم الاختصار في الصلاة :
عن أبي هريرة قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الاختصار في الصلاة ) رواه أبو داود رقم 947 و هو في صحيح البخاري كتاب العمل في الصلاة ، باب الخصر في الصلاة . والاختصار هو أن يضع يديه على خصره .(29/13)
فعن زياد بن صبيح الحنفي قال : صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي فضرب يدي فلما صلى قال هذا الصّلب في الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه رواه الإمام أحمد 2/ 106 وغيره وصححه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء : أنظر الإرواء 2/94
وقد جاء في حديث مرفوع أن التخصّر راحة أهل النار والعياذ بالله رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا . قال العراقي : ظاهر إسناده الصحة
( 32) ترك السدل في الصلاة :
لما ورد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( نهى عن السدل في الصلاة و أن يغطي الرجل فاه ). رواه أبو داود رقم 643 و هو في صحيح الجامع رقم 6883 و قال حديث حسن في عون المعبود 2/347 قال الخطّابي : السدل ؛ إرسال الثوب حتى يصيب الأرض . ونقل في مرقاة المفاتيح 2/236: السدل منهي عنه مطلقا لأنه من الخيلاء وهو في الصلاة أشنع وأقبح . وقال صاحب النهاية : أي يلتحف بثوبيه و يدخل يديه من داخل فيركع و يسجد . وقيل إن كانت اليهود تفعله . وقيل السدل : أن يضع الثوب على رأسه أو كتفه ويرسل أطرافه أمامه أو على عضديه فيبقى منشغلا بمعالجته فيخلّ بالخشوع بخلاف ما لو كان مربوطا أو مزررا لا يُخشى من وقوعه فلا يُشغل المصلي حينئذ ولا ينافي الخشوع . ويوجد في بعض ألبسة الناس اليوم من بعض الأفارقة وغيرهم وفي طريقة لبس بعض المشالح والأردية ما يبقي المصلي مشغولا في أحيان من صلاته برفع ما وقع أو ضم ما انفلت وهكذا فينبغي التنبه لذلك .
أما النهي عن تغطية الفم فمن العلل التي ذكرها العلماء في النهي عنه أنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود مرقاة المفاتيح 2/236
(33 ) ترك التشبه بالبهائم :
لمّا أن الله كرّم ابن آدم وخلقه في أحسن تقويم ، كان من المعيب أن يتشبه الآدمي بالبهائم وقد نهينا عن مشابهة عدد من هيئات البهائم وحركاتها في الصلاة لما في ذلك من منافاة الخشوع أو قبح الهيئة التي لا تليق بالمصلي فمما ورد في ذلك : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن ثلاث : عن نقر الغراب و افتراش السبع و أن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير ) رواه أحمد 3/428 قيل معناه أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يُغير مناخه فيوطنه الفتح الرباني 4/91 وفي رواية : ( نهاني عن نقرة كنقرة الديك ، وإقعاء كإقعاء الكلب ، والتفات كالتفات الثعلب . ) رواه الإمام أحمد 2/311 وهو في صحيح الترغيب رقم 556 وفي رواية
هذا ما تيسر ذكره من الأسباب الجالبة للخشوع لتحصيلها والأسباب المشغلة عنه لتلافيها
وإن من عِظم مسالة الخشوع وعلوّ قدرها عند العلماء أنهم ناقشوا القضية التالية
مسألة : فيمن كثرت الوساوس في صلاته ، هل تصح أم عليه الإعادة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
فإن قيل ما تقولون في صلاة من عدِم الخشوع ، هل يعتد بها أم لا ؟
قيل : أما الاعتداد بها في الثواب : فلا يعتد بها ، إلا بما عقل فيه منها ، و خشع فيه لربه .
قال ابن عباس : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها .
و في المسند مرفوعا : إن العبد ليصلي الصلاة ، و لم يكتب له إلا نصفها ، أو ثلثها أو ربعها حتى بلغ عشرها .
فقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم ، فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح ، و لو اعْتُدَّ له بها ثوابا لكان من المفلحين . و أما الاعتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع و تعقلها اعتد بها إجماعا ، و كانت من السنن و الأذكار عقيبها ( بعدها ) جوابر و مكملات لنقصها .
و إن غلب عليها عدم الخشوع فيها و عدم تعقلها فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها ، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد . و من هذا أيضا اختلافهم في الخشوع في الصلاة و فيه قولان للفقهاء ، و هما في مذهب أحمد و غيره .
و على القولين : اختلافهم في وجوب الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته ، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد و لم يوجبها أكثر الفقهاء .
و احتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو و لم يأمره بالإعادة مع قوله : ( إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول : أذكر كذا ، أذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يُضل الرجل أن يدري كم صلى ) .
و لكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا ثواب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه و خضوعه ، كما قال صلى الله عليه و سلم : ( إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها ، ثلثها ، ربعها ، حتى بلغ عشرها )
و قال ابن عباس : ( ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ) فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها و إن سميت صحيحة باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة . مدارج السالكين 1/112(29/14)
و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في الصحيح أنه قال : ( إذا أذن المؤذن بالصلاة أدبر الشيطان و له ضراط ، حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضى التأذين أقبل ، فإذا ثوب بالصلاة أدبر ، فإذا قضى التثويب أقبل ، حتى يخطر بين المرء و نفسه ، يقول : اذكر كذا اذكر كذا ، ما لم يكن يذكر ، حتى يظل لا يدري كم صلى ، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين و هو جالس ) . قالوا : فأمره النبي في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها ، حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو ، و لم يأمره بإعادتها ، و لو كانت باطلة - كما زعمتم - لأمره بإعادتها .
قالوا : و هذا هو السر في سجدتي السهو ، ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد ، و كونه حال بينه و بين الحضور في الصلاة ، و لهذا سماها النبي المرغمتين . مدارج السالكين 1/528-530
فإن أردتم وجوب الإعادة : لتحصل هذه الثمرات و الفوائد فذاك كله إليه إن شاء أن يحصلها و إن شاء أن يفوتها على نفسه .
و إن أردتم بوجوبها أنا نلزمه بها و نعاقبه على تركها و نرتب عليه أحكام تارك الصلاة فلا.
و هذا هو أرجح القولين . و الله أعلم .
خاتمة
أمر الخشوع كبير ، وشأنه خطير ، ولا يتأتى إلا لمن وفقه الله لذلك ، وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب جلل ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : ( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع .. ) رواه الترمذي 5/ 485 رقم 3482 وهو في صحيح سنن الترمذي 2769
والخاشعون درجات ، والخشوع من عمل القلب يزيد وينقص فمنهم من يبلغ خشوعه عنان السماء ومن يخرج من صلاته لم يعقل شيئا ، " والناس في الصلاة على مراتب خمسة :
أحدها : مرتبة الظالم لنفسه المفرط ، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها. الثاني : من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها ، لكنه قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة ، فذهب مع الوساوس والأفكار .
الثالث : من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار ، فهو مشغول بمجهادة عدوه لئلا يسرق صلاته ، فهو في صلاة وجهاد .
الرابع : من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها ، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئا منها ، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها ، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها .
الخامس : من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ، ناظرا بقلبه إليه ، مراقبا له ، ممتلئا من محبته وعظمته ، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات ، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه ، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أعظم مما بين السماء والأرض ، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به .
فالقسم الأول معاقب ، والثاني محاسب ، والثالث مكفّر عنه ، والرابع مثاب ، والخامس مقرّب من ربّه ، لأن له نصيبا ممن جُعلت قرّة عينه في الصلاة ، فمن قرّت عينه بصلاته في الدنيا، قرّت عينه بقربه من ربّه عز وجل في الآخرة ، وقرّت عينه أيضا به في الدنيا ، ومن قرت عينه بالله قرّت به كل عين ، ومن لم تقرّ عينه بالله تعالى تقطعّت نفسه على الدنيا حسرات " الوابل الصيب ص : 40
وختاما أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الخاشعين وأن يتوب علينا أجمعين وأن يجزي بالخير من ساهم في هذه الرسالة وأن ينفع من قرأ فيها آمين ، والحمد لله رب العالمين .(29/15)
سلسلة على طريق الأصالة
40
الحضارة الغربية والمجتمع المسلم
استطاعت الحضارة الغربية السيطرة على العامل وفرض طابعها على الأمم على نحو لم يتحقق لأي حضارة سابقة، ولكن هل استطاعت الحضارة فعلا أن تكسب القبول لدى كل الأمم، أم إنها تواجه معارضة شديدة وخاصة في محيط العالم الإسلامي الذي يملك مفهومًا خاصًا مستقلا عن مفهوم الغرب والذي له من القدرة ما يمكنه من المقاومة دون الانصهار في الحضارة الأممية.
لقد استطاعت الحضارة المعاصرة أن تمتلك القدرة من خلال المنهج التجريبي الذي وضعه الإسلام، كما أنها استطاعت أن تمتلك الطاقة لسيطرتها على موارد العالم الثالث الذي سقط تحت نفوذها، ولكنها منذ اليوم الأول كانت عاجزة عن تقديم حضارة تحقق الأمن والعدل للبشرية، بل على العكس من ذلك عملت على تقسيم العالم إلى عالم بالغ الثراء وعالم بالغ الفقر، وحاولت أن تمتلك كل ثروات البشرية عن طريق النهب والسلب ثم عملت على محاصرة الدول الفقيرة وحرمانها من مقدراتها.
وهي بذلك وضعت نفسها موضع الحضارات التي انهارت من قبل: حضارة اليونان والرومان والفرس والفراعنة وكلها حضارات الغايات ولكن الإسلام يجعل القوة من أجل الحق.
ثانيًا: تهبط بالحقيقة إلى مستوى الفكرة المجردة فكل شيء لا يمكن التعبير عنه بلغة الرياضيات والحساب غير موجود أصلا في نظر الحضارة الغربية.
ثالثًا: إنها فردية في ذاتها فالفرد في تلك الحضارة يعبد نفسه ويتصرف لتحقيق ذاته حتى الجماعات أيضًا تتصرف لتحقيق ذاتها.
وبسبب التحلل الخلقي فإن الملايين من أبناء الغرب ينتظرون الموت خلال سنوات (مرض الإيدز) لعنة السماء تؤكد جوهر الأصل للأديان السماوية، وإن اللواط لا يمكن أن يكون تقدمًا وإن الحرية الجنسية ليست تحضرًا، أو تمدينًا، وإن إدمان الخمور والمخدرات ليس رقيًا أو نهضة بشرية، والأغلبية الساحقة هم من المصابين بالشذوذ الجنسي + حقن تعاطي المخدرات + الاتصال الجنسي غير الشرعي بين الرجل والمرأة + نقل الدم الملوث.
وقد حققت الولايات المتحدة الرقم القياسي بمرض الأطفال الذين أخذوا العدوى من أمهم أثناء الحمل (7 آلاف قضوا نحبهم بسبب المرض + 2 مليون يحملون الفيروس).
وقد كشف عن حضارة الغرب علماء من الغرب:
أقول الغرب: سبنجلر.
الإنسان ذلك المجهول: الكيس كريل.
إنسانية الإنسان: رينيه روبو.
ثورة الأمل: اريك فروم.
أما في الفكر الإسلامي فهناك كتابات حسن البنا وعبد الحميد بن باديس وإقبال ومالك بن بنى والموردي الندوي وسيد قطب.
وفي تقديرهم إن حضارة أوربا نسيج من القوة والطغيان والإثرة وحب الذات والأنانية وقد قامت على أساس فلسفتها الاستعمارية والتفرقة العنصرية إنها حضارة اللذة والمتعة وعبادة المرأة والمال.
إن حضارة أوربا هي حضارة الربا والقمار والميكافيلية الشريرة والإباحية والعلمانية والمادية واستعباد المرأة باسم تحريرها حضارة لا مكان لها في قاموس المثل والعلم والشريعة، وهي مهما بلغت من قوة مادية فإنها انهارت روحيًا وخلقيًا وإنسانيًا إلى الدرك الأسفل، تحرم على الرجل أن يتزوج إلا بواحدة وتتيح له أن يعيش مع ألف عشيقة وبائعة لجسدها وليس ذلك إثم في نظرها وإنما الإثم ما شرعه الإسلام المرجل من حق الزواج بأربع (محمد خفاجي).
ويقول البروفسور سيمون جارجي (جامعة جنيف):
"إن الغرب قد فقد المرتكزات الروحية والثقافية الدينية التي كان يرتكز عليها فلم يعد هناك شيء يركن إليه فالديانة النصرانية فقدت مقوماته والتوجه إلى الروحانيات انتهى واضمحل في النفوس فأصبح في الغرب نوع من الفراغ ونوع من الضياع الشامل تكتوي به الأجيال الشابة.
إني أعتقد أن حضارتنا الغربية هي الآن في حالة احتضار، وأننا نعيش نوعًا من موجة التحول التي لا تعلم ماذا سينتج عنها، نحن نشاهد حضارة تنازع، وتوشك أن تموت ولابد أن تنشأ عنها حضارة جديدة، نحن نعيش في نفق مظلم ولا نزال ننتظر النور الذي سيهدينا".
تلك هي حضارة الغرب ارتبطت بالاستعمار وقامت في أحضانه ثم حاولت أن تفوض نفسها على العوالم كلها ومنها عالم الإسلام في فترة ضعف وتخلف واجه فيها تحديًا خطيرًا قوامه التبعية بالنفوذ العسكري والسياسي.
والواقع أن الحضارة الغربية لم تستطع أن تحقق مجتمعًا صالحًا في الغرب وعندما تسربت إلى عالم الإسلام كانت أشبه بعاصفة تعمل على تحطيم كل قوى الثبات واليقين والإيمان بالله تبارك وتعالى.
وكان لابد لليقظة الإسلامية من موقف فكري على الأقل كمقدمة لموقف واقعي وكان هذا الموقف هو كشف زيف هذه الحضارة وإعلان عجزها عن العطاء، وبيان أنها لم تزد أن كانت واحدة من الحضارات الوثنية المادية التي سبقت في فارس والروم واليونان ومصر القديمة. وكان لابد من الحملة عليها على أنها لا تصلح بديلا عن الحضارة الإسلامية التي تعرضت للعطب بعد ألف سنة من العطاء المتصل.(30/1)
إن هناك أساسًا اختلاف الوجهة فالحضارة الغربية تستهدف السيطرة على العالم وإخضاعه لسلطانها مع اتجاه استهلاكي يستهدف المنافسة والربح ويقصر وجهته نحو الطبقة الثرية فلا يقدم الضرورات للناس جميعًا ومن هنا فإن هذه التكنولوجيا قد تطورت في مجالات محدودة تطورًا هائلا بينما تراجعت في مجالات أخرى تراجعًا شديدًا وكان هذا الاتجاه علامة على تصادمها مع الطبيعة والبيئة والحاجات الفطرية للإنسان (وهو النمط الغربي المفروض على شعوب العالم). وبهذا فهي ليست حضارة الإنسان كله ولكنها حضارة الأغنياء والرأسمالية.
ولما كان هذا التوجه متعارضًا مع طبيعة الأمم والشعوب بصفة عامة فقد وقع الغرب في مشاكل طاحنة كشفت عن إفلاسه وفشله في تحقيق أي قدر من الاستقرار للوطن.
ومن هنا كان ذلك الاضطراب الذي يقاسيه العالم الإسلامي نتيجة الخضوع لهذا الاتجاه، وفشل كل الأنماط التي استوردها في سبيل تنميته بما فيها تلك التي تشكل في نظرهم مفتاح التقدم.
نقطة الافتراق هي العلاقة مع الله تارك وتعالى وهي نفسها نقطة الالتقاء مع كل عوالم الفطرة والعلم والأمن وطمأنينة النفس وسلامة المجتمعات وحمايتها من الوقوع تحت طائلة قانون الانهيار والسقوط.
فالحقيقة الغائبة عن الحضارة الغربية تتركز في أن الإنسان لن يجد منطلقه الحقيقي إلا إذا آمن وأيقن بأن الله تبارك وتعالى هو المرجع والمصدر وهو منطلق كل حركة وأنه إليه ترجع الأمور.
أما في الغرب فإن هذه الحقيقة تبدو باهتة بل هم يقفون منها موقف الاستهانة، ويتكئون على الفكر المادي ويقيمون منه دينًا ويؤكدون في تحاليلهم أنهم يمتلكون الحقيقة في حين أنهم يعرفون إن كل كائن حي يحمل في داخله بذور فنائه. ومن هنا فإنه لا يمكن للكائن البشري الزائل أن ينتج حقائق أزلية.
تلك هي الصخرة الكبرى التي ترتطم بها هذه الحاضرة المادية الوثنية: غياب البعد الإلهي ثم البعد الأخلاقي.
لقد صنع الإنسان أوثان هذا العصر: وهي العلم والتكنولوجيا والفلسفة والفن ثم عبدها، إن الغرب يعتمد في بناء الحضارة على التناقض والنفي وعلى التطور المطلق، وعلى النسبية وكلها قيم سلبية بينما يعتمد الإسلام في بناء حضارته على الإيجاب (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) فالله تبارك وتعالى هو الأزل والفرد المطلق والكمال وهي الصفات الإيجابية الحقة.
فالإسلام وحده هو الذي ينطلق من مبدأ الإيجاب والإثبات ويؤكد أن تلك المبادئ كلها مجتمعة في الله تبارك وتعالى.
ولأن الإسلام كامل فقد صهر كل الأديان المنزلة:
(آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون) صدق الله العليم.
للإسلام موقف حاسم مع حضارة الغرب:
ومن هنا كان لابد للإسلام من موقف من حضارة الغرب:
موقف حاسم وواضح، يقوم على الفطرة وعلى تكامل جانبي الإنسان الروحي والمادي دون إعلاء لأحدهما أو حجب للآخر، وفي ظل هذا الانحراف الخطير الذي وصل إليه الغرب بعد أربعة قرون من التحول نحو المادية نجد الإسلام يشرق بوجهه من جديد ليقدم منهجه الأصيل الجامع في مواجهة كل الأزمات والأخطاء والانحرافات ومن أجل أن يعيد البشرية مرة أخرى إلى منهج الله.
وأبرز ما يطرحه هو محاولة فهم الحياة والكون وتدبيرها خارج نطاق التوجيه الرباني هو عملية صعبة، فاشلة، منهارة لأنها تتجاهل كثيرًا من الحقائق التي قدمها الحق تبارك وتعالى إلى البشرية عن طريق الدين الحق، وفي مقدمتها الإيمان بالغيب وذلك التفسير الكريم لمسألة ما وراء المادة (الميتافيزيقا) حتى يريح نفسه من الإغراق في تفسير الأساطير التي قدمتها الفلسفات القديمة، وحتى يوجه جهده إلى العمران والسعي في الأرض، وهي أمور يعجز العقل وحده عن الوصول إلى كنهها، وهنا تبدو حكمة الدين في حماية حركة الحياة والإنسان بالحدود والضوابط عن الانهيار والغربة والغشيان والتأزم الذي يقاسيه الغرب اليوم.
فالإسلام اليوم وفي مواجهة عشرات من التجاوزات التي أحدثها انحراف الغرب عن الفطرة، قادر على تقديم الوجهة الصحيحة والأصيلة للبشرية فالإسلام اليوم هو ملاذ البشرية بعد أن أخفقت جميع الفلسفات المادية في جميع القطاعات الاجتماعية والسياسية في تهيئة الجو الصالح للحياة الإنسانية بما يؤكد أن الإسلام هو الملاذ الوحيد للبشرية في كل زمان ومكان وفي كل عصر – على حد تعبير جارودي – ولا أدل على ذلك من هذه المجتمعات المادية التي جربت كل أنواع التقدم العلمي والحضاري وعاشت قمة التجارب العلمية والعملية حيث لا تجد اليوم ما تحتاج إليه من أمن نفسي وشعور بالسلام، إن الإسلام أنقذ العالم من الانحطاط العام والفوضى وأن القرآن الكريم أهاد إلى ملايين البشر وفي بعدهم الإنساني روحًا جماعية جديدة.
وتجابه العالم اليوم قوتان عظيمتان ترميان إلى اقتسام العالم، وهما تعلنان عن عقيدتين هما في الظاهر مختلفتان لكنهما في الحقيقة تعتمدان الأنموذج الكياني نفسه والنمط المترف وتسيران في طريق مسدود وتؤديان إلى الإفلاس البشري.(30/2)
وفي غياب الغاية الإلهية والإنسانية يمكن للإسلام أن يقدم إلى العالم ما يتطلبه وهو معنى الحياة، فالإسلام دين التوحيد ففي حين أن عالمنا: عالم المنافسة والنمو الكمي والعنف تبدو فيه الأحداث حصيلة القوى العمياء المتصارعة يعلمنا القرآن النظر إلى الكون والبشر على أنهما كل واحد ويعلمنا أن الله يرى في كل شيء وفي كل حدث آية من آياته رمزًا للحقيقة الأسمى، وهي حقيقة النظام الواحد للطبيعة والمجتمع ولأنفسنا فكل شيء في العالم خاضع لإرادة الله تبارك وتعالى، وفي نفس الوقت فقد كرم الله تبارك وتعالى الإنسان بأن جعله مسئولا لا مسئولية كاملة عن مصيره إذ في مقدوره أن يعصي شريعة الله وأن يستسلم لها.
ويعني هذا كله: أن المستقبل للإسلام أما إفلاس الحضارة الغربية (حضارة الانتحار) التي تقود العالم إلى الهاوية: تلك التي تقوم على مفهوم التقدم السريع حتى ولو كان على حساب العلاقات الإنسانية (بين الإنسان وأخيه الإنسان والعلاقة بين الإنسان وربه).
إن مفهوم الغرب للعلم يقتصر على وضع القوانين للظواهر ولكن لا يسأل عن معناها وعن علاقتها بالخالق وهي حضارة تعاني من أزمة المعنى وتحتضر ليس بسبب غياب الوسائل ولكن بسبب غياب الغايات حتى أنه أصبحت كإنسان له جسم عملاق ورأس قزم، إن البعد الإسلامي هو إعطاء معنى للحياة وقد أتى الإسلام بمفهوم الأمة المتسامية (كنت خير أمة أخرجت للناس).
لقد قم الإسلام مفهومًا يجمع بين الدين والدنيا وهذا هو سر تفوق الإسلام.
إن الأمة الإسلامية لم تقم على وحدة الدم – كالمجتمعات القبلية – أو وحدة الأرض كالمجتمعات الزراعية أو وحدة السوق كالمدن الرومانية، وإنما قامت على وحدة العقيدة والمستقبل.
فالإسلام لا يفصل الدين عن الاقتصاد والسياسة فالملكية في الإسلام ليست محدودة كما في القانون الروماني وليست رأسمالية من حيث حق الاستعمال وإساءة الاستعمال؛ ذلك أن الله هو المالك الأوحد، وإدارة أموال الأرض إنما هي وظيفة اجتماعية واستعمال الملكية مقيد دائمًا بأهداف أسمى من الفرد ومصلحته الخاصة.
والإسلام ينفي ما يسمى بنظرية الحق الإلهي التي تجعل من الأمير وكيلا عن الله في الأرض، كما ينفي الإسلام الديمقراطية القائمة على التعويض والتنازل عن السلطة إلى منتخب أو حزب.
من هنا ولهذا كله بات واضحًا أنه (أولا) لا يمكن أن تنصهر الأمة الإسلامية في الحضارة الغربية مهما اشتدت الضغوط السياسية أو الاقتصاد عليها ذلك لأنه لا يوجد أساسًا عناصر مشتركة تمكن من الانصهار ولكن هناك "ميزة" الإسلام الخالدة وهي القدرة على الانتفاع بكل تراث البشرية القديم والجديد والاستفادة منه باقتباس الصالح منه، واقتباس التنظيمات في الأساس دون النظم وإن كل ما يأخذه المسلمون من الحضارات وهو بمثابة "مواد خام" يشكلها المسلمون في دائرة فكرهم ومجتمعهم، مع الاعتراف الواضح الصريح بأن للمسلمين حضارتهم المستمدة من عقيدتهم وفكرهم ومنهجهم وتركيبهم الاجتماعي الخالص.
ومن هنا فإن مفهوم الإسلام للحضارة يرفض كل محاولات الاحتواء سواء التاريخي المتوهم أو الواقعي للحضارة ونهايتها أو أن الإسلام لم يكن إلا مرحلة، ذلك بأن حضارة الإسلام منذ بزغ نوره وهي حضارة متميزة قدمت للبشرية مفهومًا جديدًا مخالفًا لكل ما سبقها من حضارات وإن محاولة الغرب إنكار الدور الأصيل والرائد الذي قام به الإسلام في بناء الحضارة وتقديم المنهج العلمي التجريبي ورسم الإخاء البشري (كلكم لآدم وآدم من تراب) بعيدًا الاستعلاء الجنسي أو العصبة العرقية. هذه المحاولة لا قيمة لها لأن حقائق التاريخ تؤكدها في كل لحظة.
(2) كذلك فإن الإسلام يرفض تقسيم الغرب للعصور التاريخية المعاصرة لتاريخ الإسلام فالعصور الوسطى مثلا هي عصور الظلام في رأيهم ما دامت أوربا كانت فيها في الظلام متجاهلين أضواء الحضارة الإسلامية على العالم من حدود الصين إلى الأندلس خلال ألف عام كاملة، كذلك فالإسلام يرفض مقولة إن الفكر الغربي هو الفكر العالمي الذي كون العقل الحديث فإن الفكر المادي الوثني قد تصدع وانكشف فساد وجهه بعد أن سقط في متاهات، ووقع في تجاوزات مصدرها عدم الإقرار بمبدأ (ربانية الوجهة) والبعد الإلهي والبعد الأخلاقي للأمم والحضارات.
كذلك فقد رفض الإسلام تقسيم الغرب لشعوب العالم إلى فئات وعروق ودماء بعضها نقية زرقاء وبعضها ملوثة سوداء، أو أجناس عليا وأجناس دنيا (وفي مقدمة ذلك مسألة الزنوج وقضية النازية والفاشية) فقد أثبت البحث العلمي فساد هذه للنظريات التي وضعها مستشرقون مغرضون يهدفون إلى تبرير الاستعمار والسيطرة الأجنبية.(30/3)
كذلك فإنه ليس صحيحًا أن الفكر الإسلامي لم يكن إلا أداة نقل وترجمة للفكر الإغريقي، فالرياضيات الإغريقية كانت تقوم على مفهوم النهائي والرياضيات العربية تقوم على مفهوم غير النهائي. والمنطق الإغريقي كان نظريًا والعلم الإسلامي كان تجريبيًا إلى حد كبير، والهندسة المعمارية الإغريقية كانت مبنية على الخط المستقيم أما المسجد فكان خلافًا للمعبد الإغريقي مجموعة متناغمة من المنحنيات بأقواسه وقبابه.
وليس صحيحًا أن العلم الإسلامي كان مجرد تاريخ انتهى، قبل أن يبدأ تاريخ علم الغرب فالعلم الإسلامي لم ينته لأنه لا يفصل العلم عن الحكمة، كما أن نهضة الغرب لم تبدأ من إيطاليا بل بدأت من أسبانيا مع إشعاعات علوم العرب المسلمين وثقافتهم.
كذلك فقد أكدت الأبحاث العلمية الجادة إن الثقافة الغربية ليست عالمية كما تقدم نفسها إلى الناس، وإنما تظل مرتبطة بالمجتمع الذي ظهرت فيه ويظل الغرب يضع مبادئه لنفسه ويفرضها قسرًا على الشعوب الأخرى وقد أدرك بعض مثقفي الغرب أن الغرب محصور في إطار ضيق رغم ادعائه أنه متسع الأفق وأنه على النزعة. وكشف هذا عدد من المثقفين العرب الذين أتيح لهم تعمق الأمر، فانتهوا إلى أن الثقافة الغربية ما زالت وستظل أسيرة عوامل محلية مهما ادعت عكس ذلك وأنها تظل موجهة إلى تحقيق هدف الغرب في السيطرة على العالم وبالتالي يجب الانسياق إليها مثقفوا الغرب.
كلك فقد سقطت خدعة طه حسين وحسين فوزي وفؤاد زكريا وزكي نجيب محمود بأن استعمال أدوات الحضارة ونواتج الحضارة هو دليل ومبرر لقبول فكر هذه الحضارة، وتلك محاولة ساذجة لا يقبلها أحد فهل فعل الغربيون ذلك حين أخذوا علوم الإسلامية التجريبية هل أخذوا منهج الإسلام في الفكر، إن كل الوثائق تؤكد أن وصية الكنيسة كانت مؤكدة لكل من ذهبوا إلى جامعات الأندلس (قرطبة أو بلنسية أو غيرها) أن لا يأخذوا فكر المسلمين.
فكيف يمكن أن يدعوننا هؤلاء إلى ذلك وهم يعلمون أن هناك فارقًا واسعًا وعميقًا بين استعمال أدوات الحضارة المادية وبين قبول فكرها، هذه أدوات حضارة ونواتج نحن نقبلها لنضع في مداخلها فكرنا ومفاهيمنا ومن المعروف أن استخدام نواتج الحضارة المادية لا تفرض فكرها لأن المادة التي ستقدم من خلال هذه الأجهزة يجب أن تكون إسلامية أساسًا.
وقد جاءت هذه المؤامرة بعد مؤامرة أخرى سقطت تمامًا هي محاولة الادعاء بأننا لا نستطيع أن نقاوم الغرب إلا بعد أن نمتلك علومه، ولقد كان لهذه المقولة أثرها الخطير في ذلك التراجع الخطير الذي وقع فيه المسلمون منذ نكبة 1948 وحتى سقوط القدس 1967 وقيام ما سمي بالهزيمة الكبرى التي وصفت بأنها (النكسة).
وقد انكشف مؤامرة الغرب بادعاء أمثال طه حسين وغيره بأن محاربة الغرب تكون بنفس سلاحه، والواقع أن الإقتداء بثقافة الغرب لم يكن إلا محاولة لاحتواء مثقفي المسلمين تحت لواء الاحتواء المسارع والإغراء الواقع من حضارة تمتلك نفوذًا سياسيًا وعلميًا يضع أتباعها على مقاليد الأمور.
وكان أن تكشف المسلمين بعد حادث النكسة الخطير أنه لا سبيل للمسلمين بعد أن جربوا كلا المذهبين الليبرالي والماركسي، وما أوصلهما ذلك إلى هذا الاحتواء، لم يعد إلا طريق المسلمين الأصيل ومنهجهم الصحيح القادر وحده على إنقاذهم ونصرهم وإعطائهم القوة لامتلاك إرادتهم وبناء مجتمعهم واستئناف بث حضارتهم الربانية.
لقد تبين اليوم بكل دليل أن الحضارة الغربية تمر بأزمة عميقة، وأن حصيلة الكشوف العلمية الهائلة معناها إن الإنسان قد وجد العالم وفقد نفسه وأن مفهوم التقدم الغربي (المفهوم المادي المفرغ من تكامله الروحي) لا يمكن أن يكون معيارًا للتقدم والتأخر.
كما تبين أن الهزيمة النفسية التي حملت كثيرًا من مثقفينا على الدعوة إلى متابعة الغرب متابعة كاملة تبتغ من رؤيا خاطئة تتمثل في دوام السيادة الحضارية للغرب مع أن التاريخ شاهد على أن هذا الاستمرار مناقض لقانون من أهم قوانينه وهو قانون (مداولة الأيام بين الناس).
ومن هنا فنحن نقدم للبشرية منظومة الإسلام الباهرة:
هذا النسف من الحضارة الإسلامية الذي أعاد للبشرية التكامل بين الروح والمادة والتقدم من خلال الإيمان بالله تبارك وتعالى والمسئولية الفردية دون التصادم مع السنن والقوانين بل تقبل بالتوازن والتكامل، في إطار أقرار المسئولية الأخلاقية في المعاملات (الإيثار – العدل – الرحمة – الغيرية) وفي نطاق الموازنة بين الحاجات المادية والمطامح الروحية بما يحقق وظيفة الاستخلاف في الأرض.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(30/4)
سلسلة على طريق الأصالة
41
أخطاء في كتابة التاريخ الحديث
(1)
تعرض التاريخ الحديث لموجات من التحليل والتفسير اختلفت باختلاف المدارس التاريخية الغربية التي حاولت أن تصدر أحكامًا من وجهة نظرها أولا كغرب، وخاصة فيما يتعلق بتاريخ الإسلام وعلاقات المسلمين بالغرب، صدرت هذه الأحكام تحت تأثير طابع الاستعلاء الغربي في النظر إلى الأشياء وتفسيرها، ومن حيث النظرة المستمدة من غرب حاكم مسيطر ومستعمر على عالم الإسلام الذي وقع تحت تأثير النفوذ الغربي منذ سقطت الدولة الإسلامية في الهند تحت النفوذ البريطاني وسقطت منطقة أرخبيل الملايو تحت النفوذ الهولندي، بل يرجع إلى أبعد من ذلك، عندما تدافعت قوات أسبانيا والبرتغال لضرب المغرب العربي والزحف على غرب إفريقيا في بدء مرحلة يمكن أن يطلق عليها جولة الاستعمار الغربي الحديث التي وصفها الغرب بأنها تتمة للحروب الصليبية التي سبقتها بأكثر من ثمانمائة عام، ولقد كان من شأن هذا الصراع بين عالم الغرب وعالم الإسلام أن شكل من خلال حركة الاستشراق مفهومًا خاطئًا وتفسيرات متعصبة لحركات الإسلام الحديث ومراحل تاريخه، فقد صدرت هذه المفاهيم وهذه التفسيرات من وجهة نظر الغرب القائمة على التعصب والخلاف والخصومة، فهي ليست خالصة لوجه الحق، وإنما يغلب عليها الهوى والحقد، هذا فضلا عن أن مقاييس التفسير التاريخي الغربي، هي مقاييس مستمدة من التاريخ الغربي نفسه، ولذلك فهي ليست صالحة لتفسير التاريخ الإسلامي الذي يستمد قوانين تفسيره من أصوله ومقوماته، ولا ريب أن هناك خلاف عميق بين أصول التاريخ الغربي ومقوماته التي تقررت عليها مقاييس تفسيره.
ترجع هذه الأصول إلى العقيدة والثقافة والتاريخ القديم، ولا ريب أن التاريخ الغربي يتصل اتصالا عميقًا بمفاهيم الوثنية اليونانية والعبودية الرومانية والتفسيرات المسيحية، وهذه كلها تشكل نظرة خاصة إلى الأوضاع والأحداث والمواقف، ومن هنا فهي تختلف اختلافًا عميقًا عن أصول التاريخ الإسلامي الذي يقوم على أساس عقيدة التوحيد والنبوة والبعث ومسئولية الإنسان والتزامه الأخلاقي ومفاهيم الإخاء الإنساني والعدل والرحمة وفي إطار المنهج الذي قدمه القرآن الكريم والذي يختلف بل ويتعارض مع تفسيرات العقيدة والقيم التي تقررت في الفكر البشري المختلط، وخاصة فيما يتعلق باضطراب مفاهيم العقائد اليهودية والمسيحية، وهي التي تشكل الأساس الأول للثقافة والفكر الغربي، ويتجلى هذا الخلاف في تفسير التاريخ الإسلامي حيث يقوم الاستشراق بتطبيق مقاييس غربية مختلفة كل الاختلاف عن مفاهيم وقيم الإسلام التي تتشكل من خلال مفهوم كل جامع بين الروح والمادة والقلب والعقل، والدنيا والآخرة، فبينما تقوم مفاهيم الغرب على التفسيرات المادية الخالصة، التي لا تستطيع أن تستوعب التوحيد والوحي والنبوة وآثار الجوانب الروحية والمعنوية في قيام الدول في آماد قصيرة وانتصار الجيوش بالعدد الأقل، وانتشار الإسلام ذاتيًا، كل هذا يستدعي من الباحثين إعادة النظر في هذه التغيرات.
(1) لتكون الحقيقة أكثر جلاء ووضوحًا يجب التفرقة بين حكم العثمانيين للعرب وبين حكم الاتحاديين والتفرقة بين حكم المماليك في مراحله الأولى وبينه في مراحله الأخيرة.
(2) القول بأن الأتراك سبب تأخر العرب قول مردود، لقد كان الحكم العثماني في البلاد العربية مختلفًا عن الحكم الاستعماري، وأن الترك وحكمهم ليس سبب تأخر العرب وعدم نهوضهم، ذلك لأن الترك أنفسهم كانوا متأخرين في العلوم والفنون.
(3) خطأ القول بأن الأتراك هم الذين سيطروا على البلاد العربية واحتلوها.
كان دخول العرب في الدولة العثمانية في النصف الأول من القرن السادس عشر التقاء الجزء بالكل والتئام الأجزاء الضعيفة مع الجزء الأقوى لصد خطر الإفناء الصليبي الذي صاحب مطالع عصر الاستعمار واكتشاف رأس الرجاء الصالح.
ولا ريب أن ارتباط العرب بالترك كان عاملا هامًا في تأخير سقوط البلاد العربية في قبضة الاستعمار الغربي أربعة قرون، وكان مصدر صمود الجبهة في مواجهات ضربات أوربا.
(4) فساد مفهوم الإصلاح المنقول من إصلاح المسيحية باعتبارها قامت على تفسيرات بشرية جعلتها غير قادرة على مواجهة تغييرات الأزمنة والبيئات.
أما الإسلام فإنه لا يقر الإصلاح بمفهوم تعديل مقررات الشريعة الإسلامية الثابتة، وكلمة التجديد أقرب إلى مفهوم الإصلاح (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) والتجديد هنا هو العودة إلى المنابع ومصطلحات الإصلاح والتطور والتجديد بمفهوم ممالأة الاستعمار الغربي في تغريب الإسلام أو تمسيحه هي مصطلحات باطلة.(31/1)
كذلك لا ينطبق على الإسلام مفهوم التطور لأن التطور مرتبط بالمناهج البشرية القاصرة التي سرعان ما يتجاوزها الزمن فتحاول إصلاح نفسها بالتطور، أما المنهج الإسلامي الرباني فإنه قادر على العطاء في مختلف العصور والبيئات، وهو منهج مرن واسع الجنبات قادر على العطاء والاستجابة مع تغير الأوضاع.
(5) فساد محاولة القضاء على فريضة الجهاد على النحو الذي تقدمه القاديانية والبهائية، بهدف إيقاف الكفاح ضد المستعمر والغاصب وهي محاولة لتغريب الإسلام وتمسيحه وإعطائه طابع الغاندية والتولستوية الذي لا يمثل مفهوم الإسلام.
وتعد محاولة علي عبد الرازق، والقادياني، وأحمد خان، والبهاء محاولات باطلة تستهدف تغيير مفهوم الإسلام الأصيل.
وقد حاول علي عبد الرازق الادعاء بأن الخلافة ما كانت إلا ملكًا ولا سلطانًا، وأن النبوة ليست حكمًا ولا ملكًا. وقال إن الملك الذي شيده النبي صلى الله عليه وسلم عمل دنيوي لا علاقة له بالرسالة، وإن زعامة الرسول ليست إلا زعامة دينية، وهذا فهم باطل للإسلام الجامع بين الدين وبين نظام المجتمع.
وقد جرت محاولات النفوذ الأجنبي لضرب حركات التحرر الإسلامية والقضاء عليها.
(1) القضاء على ثورة المسلمين في الهند.
(2) القضاء على ثورة الأمير شامل في القوقاز.
(3) تحطيم القوة المصرية في نفارين.
(4) تحطيم القوة الوهابية الصاعدة في الجزيرة.
كما جرت محاولة تمزيق وحدة العالم الإسلامي إلى قوميات وإقليميات، بدأت هذه المحاولة قبل إلغاء الخلافة فانقسم المسلمون إلى نحو سبعين جنسية وفرقة كل منها معزولة عن الأخرى ومحبوسة وراء فواصل مادية وأدبية لا حصر لها.
أخطاء في كتابة التاريخ الحديث:
(2)
قضى الاستعمار على الزعامات الأصيلة التي كانت مفاهيمها تربط بين الوطنية والإسلام بمفهومه العام وكانوا يرون كفاح الاستعمار جزءًا من النضال في سبيل الله، وصنع مدرسة أخرى من تلاميذ الاستعمار هم الذين قاموا بحركاتهم في دائرة الاستعمار وفكره ومنهجه الداعي إلى قبول الأمور الواقعة ثم المطالبة، والذين كانوا مبهورين بالحضارة الغربية، معجبون لأولياء الاستعمار متعاونون معهم.
وقد كانت معركة الجزائر تختلف عن ذلك فقد قامت على أساس مفهوم الجهاد في الإسلام، ولولا أنهم أكدوا ذلك لما استشهد منهم مليون شهيد، فالشعب الجزائري لم يدعي لخوض المعركة التحريرية إلا باسم الإسلام، ولولا ذلك لما استطاع أن يحمل في هذا العصر لواء المقاومة للاستعمار المدجج بأحدث الأسلحة، ولكن التجربة لم تكتمل فقد خشيت أوربا مغبة هذا الاتجاه ولذلك فقد أجهض قبل أن يقيم الجزائريون دولة إسلامية.
إن تجربة الجزائر أعادت القيم الإسلامية إلى الظهور مرة أخرى بعد صلاح الدين وبعد أن غابت عن مسرح الحياة الإنسانية.
وقد كان الاستعمار والنفوذ الأجنبي حريصًا على إجهاض الاتجاه الإسلامي في الجهاد حتى لا يؤدي إلى مواجهة عقائدية مع النفوذ الأجنبي، وقد خدع مصطفى كمال الأتراك والعالم الإسلامي حين حمل القرآن ودعا إلى حرب اليونان ثم كانت جولته في مواجهة إسقاط الإسلام وإلغاء الخلافة.
(3)
انطلقت فكرة الدولة الباكستانية من مفهوم الإسلام ولكن الدولة الباكستانية لم تقم عليه، فقد حالت حوائل كثيرة دون تحقيق هذه الغاية، بل إن المدرسة التي كان يرأسها محمد علي جناح لم تكن إلا مدرسة غربية شبيهة بالمدارس التي كونها النفوذ الأجنبي في البلاد العربية، كان من المؤمنين بالليبرالية الغربية.
قال الأستاذ المودودي: إنه بالرغم من أن هذه الحركة (حركة جناح) تثار باسم الإسلام ولكنها ليست حركة إسلامية وطرح نظرية العمل الإسلامي الصحيح وهو أن ينتشر الإسلام أولا إذا ما انتصر الدين الإسلامي في أعماق الجماهير فإن هؤلاء المسلمين سيقيمون الإسلام في الهند جزء من عقيدتهم. وقال غلام أعظم (أمير الجماعة الإسلامية في باكستان الشرقية) بما أن هذه الحركة لم تتبلور كحركة إسلامية فإن غالبية قادتها بعد قيام الباكستان تنكروا لمفهوم الإسلام، لقد قامت باكستان على تصور إسلامي ولكنها بعد تأسيسها لم تتخذ هذا التصور وبالتالي لم يترسخ في أعماق الجيل الجديد ولذلك حينما بحث هذا الجيل عن قوميته وجدت الإقليمية طريقها إلى تفكيره.
(4)
طرحت عناصر مختلفة في أفق كل بلد عربي أو إسلامي:
(1) عنصر قديم متصل بالتاريخ السابق للإسلام، ففي عصر الفرعونية وفي الشام البابلية وفي العراق الآشورية، وفي المغرب البربرية، وفي الهند الإسلامية: الهندوكية القديمة وفي إيران تاريخ كورش والمجوسية القديمة وفي تركيا الطورانية وتاريخ الذئي الأغبر وكلها محاولات المردة إلى القديم البالي الذي حطمه الإسلام.
(2) عنصر قومي وإقليمي متصارع، كالمصرية، أو السورية، والعراقية تحاول أن تلتقط من التاريخ صفحات ومراحل وشخصيات وفي محاولة لتقسيم أعلام الفكر الإسلامي إلى عرب وفرس وترك، وإلى مصريين وسوريين وعراقيين.(31/2)
(3) عنصر غربي أوربي (فرنسي، بريطاني) أو أمريكي، وعنصر ليبرالي أو ماركسي.
ووراء كل عنصر من هذه العناصر مفاهيمه، فالبلاد التي خضعت لفرنسا أبان الاحتلال، ما زال ولائها الثقافي للفكر الفرنسي (لاتيني) البلاد التي خضعت لإنجلترا ما زال ولائها (سكسوني) وقد قامت الصراعات بين اللاتينية والسكسونية،وبين الولاء للغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، وبين الولاء الغربي نفسه: فرنسي، وإنجليزي، وأمريكي من خلال الثقافة والمترجمات.
ثم جاء الصراع الآخر بين الأيدلوجيات: الرأسمالية الغربية والماركسية السوفيتية، وما يتصل بإتباع هذين الأيدلوجيين.
والهدف هو الحيلولة دون قيام وحدة إسلامية أصيلة مستمدة من القرآن واللغة العربية والإسلام هي الصراع بين المدارس والمناهج.
(5)
لما كان الغربيون يرون في أبطال النضال الوطني خصومًا لهم لأنهم قاوموهم وهزموهم فإنهم يحاولون أن يسموهم بأسماء زائفة، فالرئيس حميدو القائد الجزائري المشهور الذي أخضع دول أوربا لبأس الجزائر وسلطانها حتى كان الأوربيون يؤدون للجزائر مغرمًا سنويًا وكانوا لا يدخلون هذا البحر المتوسط حتى يعطوا الجزية، هذا القائد البطل يصفه المؤرخون الفرنسيون بأنه قاطع طريق وبأنه هو وأصحابه الأبطال قراصنة متوحشون.
(6)
إن ظهور سعد زغلول (مصر) ومصطفى كمال (تركيا) ورضا شاه (إيران) في مرحلة واحدة بعد الحرب العالمية الأولى كان يستهدف القضاء على صيغة العالم الإسلامي الإسلامية وإرساء مفاهيم الإقليمية والقوميات الوافدة، والوطنية الضيقة، والقضاء على الوحدة الإسلامية، والخلافة، بل أن بعض المؤرخين يردون هذه المحاولة إلى محمد علي الذي فتح الباب لأول مرة أمام الحكومة العلمانية التي حطمت نظام الحكم الإسلامي وقد سجل السيد رشيد رضا هذه الظاهرة فقال إن لمحمد علي ثلاثة أعمال كبيرة كان كل منها موضع خلاف:
أولا: تأسيس حكومة مدنية في مصر (أي علمانية) كانت مقدمة لاحتلال الأجانب له.
ثانيًا: قتاله الدولة العثمانية بما أظهر به للعالم كله ولدول أوربا خاصة ضعفها وعجزها وجرأهن على التدخل في أمور سياستها.
ثالثًا: مقاتلة الوهابية والقضاء على ما نهضوا به من الإصلاح الديني في جزيرة العرب مهد الإسلام وأحد معاقله.
وأن محمد علي هو أول من تجرأ في العالم الإسلامي على استبدال القوانين الأوربية بالشريعة الإسلامية ولا ينسون قتاله لخليفة المسلمين مما يعد حرابه، ولا ينسون أن (توفيق) هو الذي تآمر على ثورة عرابي واستدعى الإنجليز لاحتلال مصر واحتمى بجيشهم بعد أن عاهد جمال الدين على تطبيق حكم الشورى بمصر ثم نفاه وزعم أنه رئيس عصابة من المفسدين.
ويعد هذا في تقدير الباحثين هو التمهيد لما قام به سعد زغلول في مصر وكمال أتاتورك في تركيا ورضا شاه وابنه محمد في إيران في محاولة تغريب مصر وتركيا وإيران.
(7)
ظهرت دعاوى باطلة تحاول أن تصور العالم الإسلامي وكأنه قبل الاحتلال الغربي كان في سبات عميق، وأنه تجمد في القرون الوسطى وكأن أوضاعه السياسية والاجتماعية وإن لم ينهض إلا حين نهض به النفوذ الأجنبي وأن الحملة الفرنسية على مصر هي بدأ اليقظة وإن الإرساليات الأجنبية هي التي حققت له الصحوة.
كذلك شوه الاستعمار حركات اليقظة التي قامت قبل قدومه وادعى أنها لم تحقق شيئًا بينما كانت البلاد العربية والإسلامية قبل الاحتلال على درجة عالية من الوعي السياسي والاجتماعي وكانت بها نظم سياسية جيدة، مثل ما كان في مصر.
وكانت الحياة الحضارية والثقافية في أوج التقدم في مختلف مناطق أفريقيا التي احتلها الاستعمار البريطاني والفرنسي وحاول تشويه ثقافتها وحضارتها وأطبق عليها بفوده وثقافته ليزيل الوجود الإسلامي والعربي بها.
ولا شك كان الأزهر حافلا بحركات اليقظة قبل الحملة الفرنسية وكانت الجزيرة العربية (في نجد ومنطقة الخليج) في أوضاع ثقافية واجتماعية طيبة بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب. وقد جاء احتلال الجزائر بعد فترة من إنجازات ضخمة كان لها شأنها في هزيمة الاحتلال الفرنسي ثم جاء التدخل الأجنبي بعد أن أوشكت هذه الحركات على النجاح فأجهضها وأدخلها في صراع مع بعضها البعض بقصد ضرب بعضها ببعض والقضاء عليها.
ولا ريب أن الحركات الوطنية والفكرية في مصر وتونس عبر القرن التاسع عشر قد ألزمت الفئات الحاكمة على الشورى والعدل وتمكنت من الحصول على مزيد من حرية العمل والفكر، ووضع أسس دستورية وتشريعية كانت كفيلة بالمساهمة الشعبية في الحكم، بل إن هذه الحركات الإصلاحية قبل الاحتلال الأجنبي كانت تستمد مفاهيمها من الأصول الإسلامية في تحديد وجهتها، غير أن النفوذ الأجنبي قد حطم هذه المحاولات كلها ووضع البلاد الإسلامية في دور التبعية الكاملة لنفوذه وقوانينه تحت أسماء الانتداب والوصاية بادعاء أن أهالي هذه البلاد لم يكونوا على أي قدر من الوعي السياسي وكان في ذلك كاذبًا ومضللا.(31/3)
ذلك لأنه كان يطمع في القضاء على تلك الروح الإسلامية الأصيلة في الإصلاح، وكان يهدف إلى القضاء على هذه المدرسة الإسلامية في السياسة والحكم والاجتماع، وبناء مدرسة من أوليائه التابعين الخاضعين المزيفين، الذين يوالون سيطرته ويقبلونها ويعجبون بها ويلتمسون بقائها ليستمر بقائهم، ومن هؤلاء سعد زغلول في مصر وعدد كبير من الحكام الذين نشأوا في مدارس الإرساليات وعملوا على تثبيت دعائم الاستعمار.
ثم تحولت التنظيمات السياسية والاجتماعية والتربوية فاقتبست الأنظمة الغربية والقوانين الوضعية، فأفسد ذلك المجتمع الإسلامي إفسادًا تامًا. حيث انتشرت عوامل الفساد الاجتماعي نتيجة حجب الشريعة الإسلامية بحدودها، في الربا وفي العلاقات الاجتماعية، وغيرها وفتح باب الاستدانة والرشوة والفساد الخلقي لتمكين الغاصب من عصر هذه الشعوب والحصول على ثمرات نتاجها.
وهنا حجبت القوى الغازية أهل الأصالة والحق عن مواقع القيادة، وسمحت للقلة الموالية للغرب أن تسيطر وظهر من يدعو إلى تبني فكرة ارتباط العالم الإسلامي بالحضارة الأوسطية والغرب، وتبنى الولاء الغربي وإنكار الأصول الإسلامية والعربية في العلاقات والثقافة والقصائد والأعراق وظهرت تلك الدعوات الإقليمية، والقوميات الوافدة، والوطنية وأخذت البلاد الإسلامية تطبق على فكرها ومجتمعها مقاييس الاستعمار ومعاييره في مفهوم التقدم والتخلف، وفي التنظيمات الاجتماعية والسياسية.
كانت هذه المحاولات كلها ترمي إلى تمزيق وحدة الفكر الإسلامي والجامعة الإسلامية التي تقوم على الإسلام والقرآن والتوحيد.
(8)
حاول كتاب الغرب في تفسير التاريخ الإسلامي تفسيرًا ماديًا واقتصاديًا وغفلوا عن جانب المعنويات والقوة الروحية والإيمان الذي كان عاملا أساسيًا في النصر الذي حققه المسلمون بالأعداد القليلة على القوى الكبيرة وباندفاع هذه القوى التي لم تكن تملك من التكتيك العسكري أو العَدَد أو العِدَد ما يوازي عشر معشار ما يملكه عدوهم، ثم أنصارهم عليها، وإذا نظرنا نظرة عامة قلنا أن عدد المسلمين في المعارك الإسلامية لا يزيد عن مائة ألف مقاتل فتحوا في ثمانين عام ثلاثة أرباع المعمورة، وهذا هو المد الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا من قبل وهذه الظاهرة هي التي أزعجت أصحاب مقاييس التفسير الغربي للتاريخ عن معرفة السر في هذه المعجزة.
ولقد جاءت محاولات تفسير هذه الظاهرة تحمل طابع الجهل بالجوانب الروحية والمعنوية وأثرها البعيد في التعبير، أو طابع الحقد الدفين على هذا النفوذ الإسلامي في مواجهة الأرض التي كانت خاضعة للرومان.
إن دعوى القول بأن العرب خرجوا من جزيرتهم تحت ضغط الفاقة والحاجة لا يمكن أن تكون إجابة صحيحة لهذه الروح من الإيمان والاستشهاد وعدم المبالاة بالغنائم، إن للوقوف عند هذا التفسير بالعامل الاقتصادي وحده لا يمكن أن يوصل إلى الحقيقة ولقد أجاب المجاهدون المسلمون أنفسهم عن هذا التساؤل حين قال رستم للمغيرة بن شعبة: قال: قد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم عليه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد ونحن نعطيكم ما تشبعون به.
قال المغيرة: إن الله بعث إلينا نبيه صلى الله عليه وسلم فسعدنا بإجابته وإتباعه وأمرنا بجهاد من خالف ديننا حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ونحن ندعوك إلى عبادة الله وحده والإيمان بنبيه فإن فعلت وإلا فالسيف بيننا وبينكم.
وقال ربعي بن عامر: أتيناكم بأمر ربنا نجاهد في سبيله وننفذ أمره وننجز موعوده وندعوكم إلى الإسلام وحكمه فإن أجبتمونا تركناكم ورجعنا وخلفنا معكم كتاب الله وإن أبيتم لم يحل لنا إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا بالجزية فإن فعلتم وإلا فالله قد أورثنا أرضكم وأبناءكم وأموالكم فاقبلوا فوالله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم ولقتالكم بعد أحب من صحبتكم.
ومن المؤسف أن تصور غزوات الإسلام التي كانت مثلا عاليًا في الرحمة والخلق بأنها أعمال السلب والنهب.
وإذا كان العامل الاقتصادي هو واحد من جملة عوامل في تفسير التاريخ فإن ذلك يكون قريبًا من الواقع، غير أن وقائع التاريخ كلها تشهد بأن منازعات الأمم وحروبها ترجع في أغلبها إلى الدين والاعتقاد وإن محاولة قصر عوامل التاريخ على الاقتصاد لا تنطبق على التاريخ الإسلامي بل لا تنطبق أيضًا على التاريخ الأوربي.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(31/4)
سلسلة على طريق الأصالة
43
ماذا حققت حركة اليقظة في القرن الرابع عشر الهجري
حققت حركة اليقظة الإسلامية في القرن الرابع عشر عددًا من الانتصارات التي غيرت مجرى المجتمع الإسلامي تغييرًا جذريًا وأعدته لاستقبال خطوات أكثر إيجابية على طريق الله تبارك وتعالى في خلال القرن الخامس عشر، هذه الخطوات والانتصارات يجب أن تكون موضع نظر ودراسة وتقدير الفاحصين لتطور هذه الأمة نحو الأصالة ونحو تحقيق رشدها الفكري وتحررها من أغلال التبعية والتقليد والاحتواء والإذابة الذي عمد النفوذ الأجنبي علي تحقيقها في محاولة لصهرها في أتون الأممية العالمية حتى يضيع طابعها الخاص وذاتيتها الربانية القائمة بالتوحيد الخالص منذ أربعة عشر قرنًا لتكون مؤهلة لجعل البشرية على الحق وإضاءة طريق الله تبارك وتعالى أمامها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولنذكر أن النفوذ الأجنبي الذي فرض على المسلمين في القرن الثالث عشر الهجري والذي امتد إلى اليوم في صور مختلفة منها الاستعمار والحماية والوصاية والتبعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية في مراحل مختلفة من القرنين الثالث عشر والرابع عشر هو نوع فريد من التحدي الذي يختلف اختلافًا واضحًا وعميقًا عما سبقه من مؤامرات الاحتواء والسيطرة التي عرفت أبان حملات التتار والحروب الصليبية، ومؤامرات الشعوبيين والزنادقة فإن أخطر ما حدث في هذه الحملات الاستعمارية الأخيرة هو أن النفوذ الأجنبي قد أجلى المسلمين عن منهجهم السياسي والاجتماعي والتربوي بأن فرض عليهم نظمًا وافدة، حملهم عليها حملا وكان مدخله إلى ذلك هو تغيير هوية التربية والتعليم وفرض أنظمة تعليمية مدخولة كونت أجيالا رفعها النفوذ الأجنبي وحماها وسلم إليها مقاليد الأمور وضمن حين أنهى وجوده السياسي والعسكري أنها ستمضي على الطريق.
ولكن الأمر لم يمضى كما ظن النفوذ الأجنبي ورجاله من دعاة التغريب والغزو الثقافي فإن حركة اليقظة الإسلامية سرعان ما اشتد عودها وأصبحت قادرة على كشف الزيف والرد على الاتهامات ودحض الشبهات بما أعاد اعتبارها في نظر الأجيال الجديدة التي حاول التغريب خداعها والتغرير بها لتنظر إلى أمتها وعقيدتها ولغتها ودينها وشريعتها نظرة الاستشراق والتغريب التي روج لها سنوات عديدة عن طريق المدرسة والصحيفة والثقافة الوافدة.
ومن أهم الحقائق التي تعد انتصارًا في هذا المجال:
أولا: تصحيح المفاهيم فيما يتعلق بالقيم والشخصيات الإسلامية فقد توالت الحملات على (ابن خلدون) و(ابن تَيْمِيَّة) و (الغزالي) بينما أزجيت عبارات التكريم والتقدير لابن سينا والفارابي والحلاج والسهرودي واستمر ذلك زمنًا طويلا، بل أن الاستشراق قد تمكن من خداع بعض المبعوثين إلى الغرب ليقدموا رسائل وأطروحات تقدم هذه الشخصيات الكريمة على أنها لا تمتلك قدرًا كبيرًا من العلم أو الفعل على النحو الذي فعله الدكتور طه حسين في رسالة عن (فلسفة ابن خلدون الاجتماعية) التي قدمها واتهمه بالقصور والاضطراب متابعة لرأي دعاة المدرسة الاجتماعية الفرنسية التي كان يقودها اليهودي دوركايم والذي عاش طه حسين في حضانة فكره وتابعه في رأيه عن ابن خلدون، ويجيء اليوم من الشعوبيين من يدعو إلى إعادة بعث هذا البحث المسموم ظنًا منه أنه بحث علمي صحيح ولقد استطاع الباحثون المسلمون أن يدحضوا وجهة نظر التغريب والاستشراق والشعوبية إزاء هذا العالم الكبير الذي حظى في السنوات الأخيرة بتقدير المنصفين من الباحثين الغربيين على أساس أنه قدم ثلاثة علوم وهي: تحليل التاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم الاقتصاد.
وكذلك فقد كشفت الأبحاث عن فساد وجهة الفارابي وابن سينا من الناحية الفلسفية (مع تقدير دورهم في الطب والعلوم) أما في الفلسفة فقد تبين أنهما كانا تابعين لمدرسة المشائين اليونانية وأنهما خضعا لمفاهيم الفلسفة اليونانية التي يقودها أرسطو وأفلاطون عن فكرهما لا يمنع مفهوم الإسلام الحقيقي وإن مفهوم الفلسفة اليونانية الذي قدماه قد رفضه الفكر الإسلامي الذي يقوم على مفهوم التوحيد الخالص.
كذلك فقد تكشف مفهوم (الحلاج) و (السهرودي) في الفكر الذي قدمه بأنه لم يكن من الفكر الإسلامي الأصيل ولكنه كان مفهومًا زائفًا استوحياه من الأفلاطونية التي كانت تمثل فكرًا مسيحيًا ويهوديًا ممتزجًا قبل الإسلام.
وكذلك انكشفت أهداف الاستشراق والتغريب وحوصر الاستشراق بعد أن انكشفت سمومه.
(2)(32/1)
ثانيًا: عظمة الشريعة الإسلامية: والكشف عن مقاصدها الحقيقية، وقد جاء هذا بعد أن سيطر النفوذ الأجنبي على العالم الإسلامي بالقانون الوضعي وحجب تطبيق الشريعة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي لأول مرة بعد قرون من قيام هذا المنهج في عالم الإسلام، وكانت تلك الدعوى العريضة التي حاول بها كرومر ولافيجري وغيرهما من قراصنة الاستعمار تشويه هذه الشريعة بالادعاء بأنها شريعة صحراوية متأخرة عفا عليها الزمن، فإن بعضًا من الأبرار من المسلمين المثقفين الذين قصدوا إلى الغرب وحملوا معهم رسائل عن الشريعة الإسلامية إلى جامعاتها فأثاروا مشاعر علماء القانون الغربيين الذين اعترفوا بفضل هذه الشريعة وعجبوا لعجز المسلمين عن تطبيقها. قد توالت هذه الاعترافات عن طريق مؤتمرات للقانون العالمي التي عقدت سنوات 1946، 1952م وبعدها اعترفت فيها جماعات رجال القانون العالمي بأن الشريعة الإسلامية هي شريعة مستقلة ذات كيان خاص تختلف عن القوانين الرومانية وأن لها جوانب غاية في القوة تستطيع أن تسعد البشرية وجاءت شهادة الفيلسوف الايرلندي (برناردشو) غاية في الإنصاف.
وكشف مسيو لامبير - من كبار رجال القانون الفرنسي – عن عظمة الشريعة الإسلامية، وكيف أن الفرنسيين أخذوها من مذهب مالك، وإن اختلف الرأي عما إذا كان ذلك عن طريق الحملة الفرنسية التي جاءت إلى مصر أم عن طريق الجزائر وتونس وفي نفس الوقت بدأت ظاهرة الكشف عن عظمة القرآن بأنه من عند الله وقد أيقن بهذه الدعوة كثيرون في الغرب في مقدمتهم (موريس بوكاي).
ثالثًا: استطاع الشيخ مصطفى عبد الرازق أن يعلن رأيًا جديدًا في الفلسفة، بعد أن استطرد المستشرقون الغربيون الذين قدموا هذا العلم لطلابهم في الجامعة بالقول بأن الفلسفة الإسلامية الحقيقية تبدأ من الفقه وعلم الكلام، وأن منهم الإمام الشافعي في علم أصول الفقه يعد بمثابة المنطلق الحقيقي لهذا، أما مدرسة الكندي والفارابي وابن سينا فهي لا تمثل الفكر الإسلامي الصحيح، وبذلك أعيد اعتبار الإمام الغزالي الذي حملت عليه الفلسفة الحديثة ودعاتها لأنه أوقف تيار الفلسفة في الإسلام حين أخرج كتابه "تهافت الفلاسفة"، وكشف عن زيفهم في ادعائهم بأن الله تبارك وتعالى لا يعلم الجزئيان أو أن المادة قديمة على النحو الذي ضللت به دراسات الفلسفة عددًا من المثقفين المسلمين، وقد انكشف زيف كتابات كثيرة كرسائل إخوان الصفا والأغاني وأبي نواس. وتبين فساد المنهج الكلامي المعتزلي والفلسفي وعلت الدعوة إلى التماس منهج القرآن.
رابعًا: ما كشفه الدكتور محمد أحمد الغمراوي من أن ما قدمه طه حسين بدعوى إنه مذهب ديكارت باطل وزائف، وأن طه حسين لم يقدم مذهب ديكارت على حقيقته، وقد سارع الأستاذ محمود الحضيري يترجم كتاب مقالة في المنهج لديكارت ونشرتها المكتبة السلفية لتؤكد فساد ادعاء طه حسين، الذي كان يظن أن أحدًا لن يكشف خبيثته، ولقد كشفت الأبحاث في الأخير أن مذهب ديكارت مأخوذ من الإمام الغزالي ومن رسالة (المنقذ من الضلال) بل إن المرحوم الأستاذ عثمان الكعاك المؤرخ التونسي قد شاهد بنفسه في مكتبة السربون تراث ديكارت وقرأ تعليقه على رسالة المنقذ من الضلال بالفرنسية، وهو المعنى الذي توصل إليه المرحوم محمد فريد وجدي في الرد على كتاب الشعر الجاهلي عندما قال لطه حسين أن هذا المذهب: مذهب الشك حتى تصل إلى اليقين الذي يدعيه هو لديكارت هو مذهب إسلامي وأن الإمام الغزالي أول من طبقه.
خامسًا: ظل التراث الإسلامي مغمورًا، ومحجوبًا عن المسلمين، الذي دخلوا الجامعات التي قدمت لهم العلوم التجريبية والسياسية والاجتماعية على أنها علوم غربية خالصة فقد بدأت الحلقة الأولى بفرانسيس باكون على أنه منشئ العلم التجريبي حتى جاء الإنصاف من علماء غربيين أمثال درابر، وكارليل، وجوستاف لوبون. الذين أعلنوا أن (باكون) هو تلميذ المسلمين وأن مثقفي الغرب هاجروا إلى الأندلس واستمعوا إلى علماء المسلمين وأن المنهج التجريبي هو من صناعة المسلمين (جابر بن حيان وابن الهيثم والبيروني وغيرهم) ثم جاءت الدكتورة سجريد هونكه فكشفت هذه الصفحة الرائعة في كتابها (شمس الله تشرق على الغرب).
وقد تبين دور المسلمين العظيم فيما قدموه من بدايات وإضافات لعلوم كثيرة ليست العلوم التجريبية والطبية والفلكية وحدها ولكن في علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد والتربية مما يعد في نظر المثقفين (الطابق الأول) للحضارة المعاصرة.(32/2)
سادسًا: تكشف في السنوات الأخيرة مدى عظمة المخطوطات الإسلامية المجموعة عن المسلمين في مكتبات لندن وفرنسا وإيطاليا وهي تقد بحوالي مليون مخطوط، حتى لقد قيل أن تاريخ النهضة الإسلامية لا يمكن أن يكتب على وجه حقيقي إلا بعد تصوير ومراجعة هذه المخطوطات التي تتصل بكل علم وفن اشترك فيه المسلمون، والمعروف أن هذا التراث المخطوط قد سرق من مساجد المسلمين ونقل إلى الغرب تحت تأثير ورعاية القناصل الأجانب وأن الغرب قد أفاد من هذا التراث فائدة ضخمة ظهرت في عديد من نظرياته الاقتصادية والقانونية بل أنه قد حجب عن المسلمين والعرب فإن عددًا من الباحثين ذهب إلى الغرب ليسأل عن مخطوطة معينة فمنع من النظر فيها.
سابعًا: ظهرت في السنوات الأخيرة دعوة إلى الأصالة في بناء العلوم على أساس إسلامي، فظهرت دراسات عن الاقتصاد الإسلامي وعلم النفس الإسلامي وعلم الاجتماع الإسلامي بعد أن اتضح فساد العلوم الغربية وعدم تجاوبها مع الفطرة الإسلامية وحاجة المسلمين إلى تقديم منهجهم القرآني الأصيل.
كما ظهرت في السنوات الأخيرة الدعوة إلى تقنين الشريعة الإسلامية وخطت خطوات واسعة فقد قامت جماعات من الفقهاء وعلماء القانون بإعداد القوانين الخاصة بالتجارة والحدود، والردة، وكان عمداء كليات الحقوق في الجامعات العربية قد نادوا بالتخلص من هذه القوانين المتباينة في البلاد العربية والرجوع إلى الشريعة الإسلامية باعتبارها إحدى خصائص ومقومات الأمة وأهم تراثها الثقافي.
كذلك فقد رد اعتبار الشخصيات المخلصة التي ضللها النفوذ الاستعماري كالسلطان عبد الحميد وتوضحت حقائق كثيرة في تاريخ الإسلام في العصر الحديث بعد أن ظهرت بروتوكولات صهيونية وعدد من الوثائق وعرف الناس خداع وتضليل من أسمو أعلام الفكر وقادة النهضة من أمثال قاسم أمين ولطفي السيد وعلى عبد الرازق وطه حسين وجرجي زيدان وسلامة موسى.
... ... ... ... ... ... ... الأستاذ/ أنور الجندي(32/3)
46 طريقة لنشر الخير في المدارس
رئيسي :الدعوة :الاثنين 11 رمضان 1425هـ - 25 أكتوبر 2004 م
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،
فمما لا يجادل فيه عاقل أنه بتربية النشء تتقدم الأمة، وبتعليم الشباب تتحصن بل وتهاجم أعداءها . ومن المؤسف أن البعض ينظر إلى التعليم على أنه مجرد معلومات، ناسين أو متناسين الدور الحقيقي للتربية والتعليم، وإسهامًا مني في نشر الخير، وإحياءً للدور الحقيقي للتعليم كتبت هذه الطرق التي استفدتها من خلال التجربة ومن إخواني الأفاضل . فإلى كل من أراد إصلاح مدرسته، وأداء أمانته أهدي هذا الكلام .
تنبيهات بين يدي الموضوع:
لا يمكن أن نعمل على الإصلاح ما دمنا لم نشعر ولم نعِ أهمية نشر الخير في مدارسنا وبين النشء..نعم غيرنا يهدم والهدم أسهل من البناء، لكن قد يكون البناء صامداً لا يسهل هدمه، ثم كوننا نبني وغيرنا يهدم أقل ضرراً من أن نظل متفرجين صامتين لهدم شبابنا بل أمتنا .
سأذكر الأنشطة الخيرية – فقط – وهذا لا يعني عدم الاهتمام بالأمور التنظيمية والترفيهية التي تساعد على نجاح الطرق الخيرية، كما أني لم أذكر واجب المعلم المنهجي في الفصل، فهناك كتب متخصصة في ذلك .
لا ينبغي أن نكون في دعوتنا وحلولنا بعيدين عن واقع الطلاب وما يواجهون .
قد تتداخل هذه الطرق فيما بينها، وقد يُستطاع فعل بعضها دون الآخر، لذا يُؤخذ منها ما يُستطاع ويناسب .
ينتبه عند تطبيق بعض البرامج إلى أخذ الإذن فيها قبل العمل بها .
أقترح تشكيل لجنة أو مجموعة في المدرسة تهتم بتنفيذ مثل هذه الأمور، وتخطط لها في بداية الفصل الدراسي التخطيط السليم المتابع .
وجود طابع التدين في المدرسة وذلك بتعاملها وكثرة برامجها – بشكل عام – يحل كثيراً من الإشكالات الطلابية ويقللها .
ينبغي على المسئولين في المدارس التعاون، والتشجيع المادي والمعنوي لنشر الخير .
هذه الطرق الخيرية يقوم بها المعلمون وكذلك الطلاب، أو على الأقل يتم توصيلها إلى المعلمين الأفاضل، وأقول: ما كان عندك قديماً كان عند غيرك جديداً، وأرجو ألا تعدم الفائدة.
1- لا مانع من استخدام هذه الطرق في مدارس البنين، وكذلك مدارس البنات حسب المناسب .
2- أذكر باستصحاب الإخلاص فيما نقوم به من دعوة وإصلاح .
3- لابد أن نعلم أن الدعاء، والقدوة الحسنة، والتعامل الطيب هو بداية القبول بإذن الله .
أولًا:11 طريقة لنشر الخير بين المعلمين:
الطريقة الأولى: التعاون على إبعاد أي بادرة شحناء بين المعلمين، والعمل على إيجاد روح التآلف بين المعلمين حسب الإمكان والمصلحة، ومما يعين على ذلك:
أ – لقاء أسبوعي، أو شهري خارج الجو التعليمي .
ب- التحذير من النميمة والغيبة في الحال، وإقناع الزملاء بالبعد عنها .
جـ - إحياء خُلُق التسامح عن الزلات، والتنازل عن بعض الرغبات في سبيل الأخوة في الله .
الطريقة الثانية: النصح الودي بين المعلمين بالأسلوب المناسب، وذلك عند وجود أي خطأ سواء في المظهر، أو الملبس، أو الكلام أو غير ذلك، ووجود النصح يضفي على المدرسة طابع التدين مما يجعل كثيراً من المعلمين يعمل ويتعاون على ذلك . وقد يتحرج البعض من النصح المباشرة، فأقترح وضع صندوق للمراسلة بين المعلمين .
الطريقة الثالثة: الاهتمام بغرفة المعلمين، وذلك بالطرق التالية:
ا- وضع مكتبة مسموعة ومقروءة فيها بعض المجلات النافعة والكتيبات المناسبة .
ب- وضع فيديو تُعرض فيه الأشياء المفيدة .
وضع لوحات إرشادية مثل: [ركن الفتوى الأسبوعية]، و [حديث الأسبوع]، و [ركن الإعلانات الخيرية] .
الطريقة الرابعة: عرض المشاريع الخيرية على المعلمين مثل: [كفالة الأيتام- بناء المساجد – الاشتراك في المجلات الإسلامية – تفطير الصائمين – دعم المشاريع الخيرية بشكل عام ] وغيرها .
ويفضل ما يلي:
ا- استضافة أحد مندوبي بعض المؤسسات ليطرح الفكرة [ المشروع الخيري ] على المعلمين .
ب- الاستفادة من لوحات الإعلانات في الإعلان عن بعض المشاريع .
ج- أن يعرض كل فكرة لوحدها .
الطريقة الخامسة : الارتقاء بفكر وثقافة المعلم وتطلعاته وذلك:
ا- بتعريف المعلم ببعض أحوال إخوانه المسلمين في العالم الإسلامي في الأحاديث والجلسات بين المعلمين، أو اللوحات الحائطية، أو النشرات المدرسية .
ب- طرح دورات تعليمية وتدريبية للمعلمين داخل المدرسة، أو المشاركة في الدورات المقامة خارج المدرسة .
الطريقة السادسة : طرح مسابقة خاصة بالمعلمين تناسب مستوى المعلم .
الطريقة السابعة: رسالة إلى المعلم، وذلك بأن يجهز للمعلم ظرف فيه بعض المطويات الخيرية وكتيب أو مجلة أو غير ذلك من الأشياء المناسبة والمفيدة للمعلم، تكون هذه الرسالة كل شهر مثلاً .
الطريقة الثامنة: استضافة أحد المشايخ – أحياناً – عند لقاء المعلمين خارج المدرسة، وإن لم يكن لقاء خارج المدرسة فيستضاف في بعض الاجتماعات المدرسية .(33/1)
الطريقة التاسعة: إقامة بعض المحاضرات في المدرسة خاصة بالمعلمين مع استضافة معلمي المدارس الأخرى، وذلك خارج وقت الدوام الرسمي . وأتمنى أن تتبنى هذه الطريقة والتي قبلها الجهة المختصة في إدارة التعليم .
الطريقة العاشرة: عرض فكرة الاشتراك في الشريط الخيري . حيث يوفر للمدرس المشترك شريط كل أسبوعين أو كل شهر، وذلك بعد إعطاء سعر رمزي في بداية السنة .
الطريقة الحادية عشرة: استغلال مجلس الآباء كأن تُلقى كلمة توجيهية، أو تُوزع بعض النشرات التوجيهية .
تنبيه: ينبغي أن يكون للمربين والدعاة في المدرسة وجود سواءً في الجلسات الداخلية والخارجية، أو في تنظيم المدرسة، أو غير ذلك بحيث يكون لهم قبول أكثر عند الآخرين .
ثانيًا:35 طريقة لنشر الخير بين الطلاب:
من المعلوم أن هناك أوقاتً مخصصة للنشاط في المدارس كحصة النشاط والريادة والجماعات، وسأذكر بعض الطرق الخيرية التي تناسب هذه الأوقات وغيرها – بشكل عام – عسى الله سبحانه أن ينفع بها:
الطريقة الأولى: المحاضرات التربوية: ومن المفضل :
ا- أن يستضاف لها أحد المحاضرين المناسبين، وأن تكون ذات موضوع مناسب .
ب- الإعلان عنها وتحريض الطلاب على الاستفادة منها .
ج- تنبيه الطلاب بإجراء مسابقة على المحاضرة في الغد .
د - ليس باللازم أن تكون إلقاء، فبالإمكان إجراء مقابلة – مثلًا – مع أحد المسئولين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو مكاتب دعوة الجاليات، أو إحدى المؤسسات الخيرية أو مع أحد العائدين إلى الله .... إلخ .
الطريقة الثانية: كلمات ما بعد الصلاة: ومن المفضل :
ا- أن يلقيها المعلمون المناسبون بالتناوب، أو أحد الطلاب، ثم يعقب أحد المعلمين عليها أو بدون تعقيب .
ب- أن تكون كلمة واحدة فقط، أو كلمتين كل أسبوع لا يُطال فيها، وأن تكون العناوين مرتبة وهادفة .
ج- إما أن تكون تنبيهاً عاماً أو تكون مسلسلة مثل: [قصة كل أسبوع] حيث تذكر القصة مع التعليق اليسير عليها، أو حديث [الأسبوع] بالتعليق أو بدونه، أو [كتاب الأسبوع] حيث يتم التعريف بكتاب يُحَثُّ الطلاب على اقتنائه، أو [مشكلة وحل]، أو [فتوى الأسبوع] وجميع الكلمات تحقق الهدف المرجو بإذن الله .
الطريقة الثالثة: تطوير طريقة الإذاعة المدرسية [وخاصة وقت الطابور الصباحي]، ومن تطويرها ما يلي :
ا- الاستفادة من الطريقة رقم [ 2 ] فقرة [ جـ] .
ب- تعويد الطلاب على الإلقاء الارتجالي .
ج- إيجاد بعض البرامج المفيدة مثل [ استماع إلى شريط قرآن أو محاضرة ثم تعريف به - ذكر بعض جراحات العالم الإسلامي وتبصير الطلاب بواقعهم – مقابلة مع أحد المسلمين الجدد – مقابلة مع أحد الدعاة المسلمين من بعض الدول النائية ] وغيرها .
الطريقة الرابعة: حلقة القرآن الصباحية: وتكون في وقت الطابور بحيث من يرغب المشاركة فيها يُعفى من حضور الطابور، ومدتها تقريباً 20 دقيقة يحفظ فيها الطلاب كل يوم بعض الآيات من كتاب الله، مع وجود سجل للحضور والغياب والحفظ .
الطريقة الخامسة: حلقة القرآن المسائية: فينشأ حلقة في المساء داخل المدرسة مع وضع الحوافز المشجعة لها، بإشراف أحد المعلمين، أو غيره يعطى مكافأة من ميزانية المدرسة، فإن لم يتم إنشاء الحلقة داخل المدرسة فينشأ حلقة في الحي القريب من المدرسة في أحد المساجد .
الطريقة السادسة: النشرات الخيرية-مع عدم الإكثار منها، ولكن عند طرحها تطرح بقوة للوصول إلى الهدف المرجو منها . ويحبذ أن يحث الطلاب على إيجاد ملف في المنزل تحفظ فيه الأوراق التي توزع في المدرسة، ويطلع على هذا الملف آخر العام رائد النشاط -:
بحيث يتم توزيع النشرات الخيرية على الطلاب وهي على قسمين :
ا- نشرات توجيهية مرتبة ومسلسلة يعدُّها المعلم – وقد تكون جاهزة – يعالج فيها بعض الأخطاء أو يُذكِّر بموضوع مُهمٍّ [ كالصلاة – بر الوالدين – حفظ اللسان – صلاة الوتر – حكم الإسبال ..... إلخ ] . وتكون عليها أسئلة مدرجة كمسابقة مدرجة في آخرها يكون عليها جوائز .
ب- نشرات توجيهية أوقات المواسم [ رمضان – عاشوراء – عشر ذي الحجة ... إلخ ] وهي - ولله الحمد – متوفرة .
الطريقة السابعة: إعداد المسابقات:
ا- مسابقة القرآن الكريم .
ب- مسابقة حفظ الأحاديث .
ج- مسابقة حفظ الأذكار .
د- مسابقة على نشرة أو كتيب بعد توزيعه .
ه- مسابقة عامة [ منوعة أو بحوث ] .
و- مسابقة الأسرة [ يجيب عنها الطالب مع مشاركة أفراد أسرته ] وتكون إما عامة أو على شكل كتيب موزع مثلاً .
مسابقة الإلقاء .
الطريقة الثامنة: الجمعيات المدرسية: التي تحوي نخبة من الطلاب جديرة بالاعتناء أكثر، ومن برامجها:
ا- البرامج المنوعة داخل الفسح [ لقاء – مشاهدة جهاز [ الفيديو ] – مسابقة – شريط ... إلخ ] .
ب- إعداد بعض الأعمال الخيرية في المدرسة [ الإعلانات – توزيع الأشياء الخيرية – وضع اللافتات الخيرية ... إلخ ] .
ج - الزيارات والرحلات الممتعة المفيدة، واكتشاف وتنمية مواهب الطلاب .(33/2)
وينبغي :
ا- الإعلان عنها بصورة قوية .
ب- حث المعلمين والطلاب على المشاركة فيها، وعند كثرة عدد الطلاب المناسبين يفتح أكثر من جماعة أو أكثر من غرفة باسم جماعة واحدة .
الطريقة التاسعة: إقامة الرحلات والزيارات لطلاب المدرسة بشكل عام، مثل: زيارة العلماء – زيارة معارض الكتاب – زيارة معرض أضرار التدخين والمخدرات ..... إلخ ] .
الطريقة العاشرة: الاهتمام بالطلاب الكبار في المدرسة، وإعطاؤهم قدراً أكبر من التقدير والعناية مع وجود الجلسات الخاصة بهم، ومحاولة جعلهم قدوات في المدرسة .
الطريقة الحادية عشرة: إنشاء [غرفة انتظار] التي تستخدم عند غياب المعلم . حيث تُهيأ غرفة فيها [جهاز فيديو– مجلات مفيدة – مسجل مع بعض الأشرطة – كتيبات] .
الطريقة الثانية عشرة : إعداد حقائب الانتظار [الحقائب الدعوية]:وهي عبارة عن حقيبة داخلها مثلاً: [ مجلات مفيدة – كتيبات قصصية وغيرها – مسجل وأشرطة – مسابقات ] يستخدمها من هو مكلف بحصة الانتظار، ومن المستحسن أن يكون لكل مستوى دراسي حقيبة خاصة قد تختلف عن المستوى الذي بعده، وهي مجربة ومفيدة جداً .
الطريقة الثالثة عشر: وجود مكتبة صغيرة في كل فصل للاستعارة، يكون المسئول عنها رائد الفصل أو غيره، وإن لم يتيسر في كل فصل فيوجد غرفة في المدرسة، وأن يكون لها تنظيم، ويشجع الطلاب على الاستفادة منها .
الطريقة الرابعة عشر: تعليق أذكار الصباح في كل فصل على لوحه جيدة، حيث يسهل على الطلاب ذكرها، أو تغليف كارت الأذكار وإعطاؤه للطلاب وحثهم عليه .
الطريقة الخامسة عشر: وضع لوحة في كل فصل ويكون فيها نصائح، أو توجيهات، أو إعلانات، أو فتاوى، أو غيرها يتولاها مجموعة من المعلمين، أو الطلاب، أو إحدى الجمعيات المدرسية .
الطريقة السادسة عشر: إقامة بعض المعارض المفيدة في المدرسة مثل معرض للكتاب– معرض للشريط الإسلامي – معرض جراحات العالم الإسلامي – معرض أضرار المخدرات والتدخين].
الطريقة السابعة عشر: مشاركة الطلاب في بعض الأعمال الخيرية في المدرسة وفي الأحياء [ كالاشتراك في المجلات الخيرية مع قسيمة الاشتراك – التبرعات – توزيع بعض النشرات في المساجد وعند المناسبات العائلية – الاهتمام بهداية الخدم والسائقين .... إلخ ] ومن المناسب أن يقوم أحد المعلمين بتوفير هذه الأمور ليسهل على الطالب ذلك .
الطريقة الثامنة عشر: النصح الفردي: ويقصد بذلك محاولة انتشار النصح بين المعلم والطالب، وكذلك بين الطلاب مع بعضهم كإهداء شريط أو كتيب أو كلمة توجيهية، وينبغي ألا يكون ذلك منقطعاً، وقليل دائم خير من كثير منقطع .
الطريقة التاسعة عشر: وضع شاشة أو شاشات تُعرض فيها الأشياء المفيدة في فناء المدرسة، أو في بعض الغرف، وتستخدم إما في الفسح، أو حصة النشاط .
الطريقة العشرون: الدورات التعليمية: حيث تقام في المدرسة بعض الدورات المفيدة مثل: [ دورة في التجويد – دورة في الحاسب الآلي – دورة في الفقة – دورة في الإنجليزي – دورة في علوم القرآن – دورة غي الخطابة والإلقاء – دورة تربوية – دورة في إحدى القضايا التي يحتاجها الطالب ... إلخ ]، وأقترح أن تكون داخل وقت الدوام الرسمي [ في الفسح أو في حصة النشاط ] ويعطى القائم عليها مكافأة من ميزانية المدرسة، وأتمنى أن يتبنى ذلك المعلمون والجهات المختصة في إدارة التعليم .
الطريقة الحادية والعشرون: تهيئة الجو لأداء بعض السنن في المدرسة كصلاة الضحى والسنة الراتبة للظهر، وذلك بعد حث الطلاب على ذلك .
الطريقة الثانية والعشرون : توجيه الطلاب على كيفية الاستفادة من أوقاتهم وخاصة في العطل الصيفية وغيرها، ومن ذلك:
ا- إقامة المراكز والبرامج الصيفية في المدرسة وحث الطلاب على المشاركة فيها .
ب- تحديد يوم يلتقي فيه بعض المعلمين والطلاب لممارسة بعض الأنشطة التربوية والترفيهية وخاصة القصيرة .
ج - طرح مسابقة في أوقات العطل .
الطريقة الثالثة والعشرون: الاهتمام بهداية عمال المدرسة ومتابعتهم، وكذلك إعداد بعض الهدايا المفيدة للضيوف من أولياء الأمور وغيرهم .
الطريقة الرابعة والعشرون: رسائل لأولياء الأمور: وذلك بأن يوضع ظرف فيه رسالة ونحوها تذكر ولي الأمر بأمور مهمة ينبغي التنبه لها مثل: [ الصلاة – الأطباق الفضائية – أهمية الصحبة الطيبة – أهمية حلقات التحفيظ – حفظ اللسان .... إلخ ] مما يساعد في تربية الطالب تعاوناً بين المنزل والمدرسة، وقد تكون هذه الرسائل لجميع أولياء الأمور أو بعضهم .
الطريقة الخامسة والعشرون: الرسائل الأسرية: وهي ظرف موجه إلى أسرة الطالب بشكل عام باسم المدرسة، فيه أشياء خيرية تناسب المستوى الأسري، أو فيها حث على التبرع لمشروع خيري أو غير ذلك .
الطريقة السادسة والعشرون: وضع استبانة حول قضية من القضايا كسماع الغناء – مثلاً – وإخراج النسبة المئوية ثم ذكر الحلول لها في نشرة المدرسة أو نشرة خاصة أو في كلمة تلقى في المدرسة .(33/3)
الطريقة السابعة والعشرون: تشكيل لجنة [ متابعة السلوك ]: [ وذلك بالتعاون مع المرشد الطلابي ] وأقترح أن :
ا- تقوم بمتابعة سلوكيات الطلاب وحلها جماعياً أو فردياً .
ب- إعداد رسائل خاصة لعلاج بعض الأخطاء مثل: [ رسالة لمن يحب سماع الأغاني والفنانين ]، [ رسالة لمن يكثر من الحلف الكاذب ]، [ رسالة لمن هو مبتلى بالتدخين وما شابهه ]، [ رسالة لمن هو مغرم بمتابعة الأطباق الفضائية ]، [ رسالة لمن لا يهتم بالصلاة ]، يُوضع معها ما يعالج هذه الأخطاء من [ أشرطة وكتيبات ] مع عدم الاكتفاء بأسلوب الرسائل في التوجيه .
الطريقة الثامنة والعشرون: إخراج عمل خيري تستفيد منه بقية المدارس – عن طريق إدارة التعليم – [ كإخراج مطوية – كتاب مسابقات – شريط – مسابقة في الحفظ – مسابقة بحوث ] وتكون باسم المدرسة .
الطريقة التاسعة والعشرون: استغلال المقررات الدراسية والواجبات والمشاركة في التوجيه والإصلاح .
الطريقة الثلاثون : صحيفة أحاديث الفضائل: حيث تكتب أحاديث في فضائل منوعة في عدة لوحات على عدد الفصول، وكل أسبوع يغيَّر مكانها من فصل إلى آخر، ويكون مكان تعليقها في الفصل مناسباً .
الطريقة الحادية والثلاثون: كروت الفوائد: وهي أن يعد المعلم كروت صغيرة في كل كارت فائدة، أو حديث توزع في بداية الحصة فقط أو في حصة الانتظار، ثم تؤخذ من الطلاب، وبإمكانه استخدامها في باقي الفصول .
الطريقة الثانية والثلاثون: طرح فكرة استبدال الأشرطة الضارة بأشرطة مفيدة وذلك بالتعاون مع إحدى التسجيلات ولو بسعر رمزي .
الطريقة الثالثة والثلاثون: إيجاد سلة لباقي المأكولات، وأخرى للأوراق المحترمة بدلاً من رميها .
الطريقة الرابعة والثلاثون: العناية بالطلاب الموهوبين ومتابعة عطائهم وتربيتهم فردياً .
الطريقة الخامسة والثلاثون: استغلال مصلى المدرسة – وخاصة أوقات الفسح – في البرامج المفيدة .
وفي الختام:
هذه مشاركة يسيرة، وأتمنى من المدارس والمدرسين والطلاب التعاون فيما بينهم لنشر الخير والدعوة إليه، كما أتمنى من إدارة التعليم المزيد من تبني بعض الطرق الخيرية في المدارس كما أنبه على أن طرق الخير غير محصورة في هذه الطرق وغير قاصرة على المدارس فقط .وأسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما نقول ونعمل، ونستغفر الله من الخطأ والزلل، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً .
من كتاب:'46 طريقة لنشر الخير في المدارس' إعداد الشيخ/ إبراهيم الحمد(33/4)
48 – الفن
###187### يقوم المفهوم الإسلامي للفن على استحالة التناقض مع الفطرة فإذا كانت الفنون من روح الفطرة وجب ألا تخالف أو تناقض دين الفطرة: دين الإسلام في شيء فإذا خالفت الفنون الدين في أصوله ودعت صراحة أو ضمنًَا إلى رذيلة من أمهات الرذائل التي جاء الدين لمحاربتها وعاقت الإنسان أن يعمل بالفضائل التي جاء الدين لإيجابها على الإنسان حتى يبلغ ما قدر له من الرقي في النفس والروح، إذا خالفت الفنون الدين في شيء من هذا أو في شيء غير هذا فهي بالصورة التي تخالف بها الدين فنون باطلة، فنون جانبت الحق وأخطأت الفطرة التي فطر الله عليها الناس والخلق (محمد أحمد الغمراوي).
###188### ومفهوم الفن في الإسلام يقوم على أساس أنه عنصر من عناصر الفكر يتكامل مع الأدب والاجتماع والأخلاق والدين والحضارة، وهو في - ابن الأثير ، العز : أسد الغابة له طابعه الأصيل الواضح المباين لمفهوم الفن في الثقافات والحضارات الأخرى، وقوامه الأخلاق وطابعه التوحيد، يتسامى بالغرائز ويرتفع بالنفس الإنسانية إلى الكمال دون أن يبعد عن الواقع – والفن في نظر الإسلام أداة تجميل الحياة ووسيلة الإسعاد الروحي والنفسي بتحرير الإنسان من عالم الأهواء والغرائز وإطلاقه في نظرة حرة إلى الكون والوجود يعرف فيها قدرة الله وعظمته ويزداد بها إيمانًا.
وقد كان الفن اليوناني بطابعه المادي الوثني يجعل الأولوية للتماثيل المجسمة، إعجابًا بالأجساد وعبادة لصور الجمال ومظاهر القوة ولكن الفن الإسلامي مستمدًا من مقوماته الأساسية يجعل البيان والشعر والأدب في مقدمة قائمة الفنون، الكلمة البليغة والفكرة الموحية، وذلك انتقالاً من عالم المادة إلى عالم الفكر، فالتأمل أوسع العوالم، والتفكر في لق الله أعظم معطيات العقل والروح: [نون والقلم وما يسطرون] وبذلك أصبح رائد الفن: البيان الذي يتمثل في أسمى صورة بالقرآن الكريم وبذلك دفع الإسلام الفكر ###189### البشري إلى الأمام انتقالاً من مفهوم الماديات في الفن إلى مفهوم المعنويات، وسلك المعنويات والماديات في إطار جامع متكامل، وبذلك فقد حرر البشرية من مفهوم المادية الخالصة التي تقدس الجسد والشهوات والغرائز والوثنيات وتقيم لها المهرجانات والطقوس. ودفع البشرية إلى الانتقال من تجسيد البطولة في صورة مادية إلى تكريم عمل الإنسان نفسه.
وأبرز سمات الفن في الفكر الغربي لا تجد في مجال الفكر الإسلامي مجالاً لها.
أولاً: المسلم لا يعبد الجسد الجميل عبادة وثنية بحيث تقدم له القرابين وكل ما يتصل بذلك من أساطير الحب والجمال عند الإغريق وهي حافلة بالمباذل لا تجد في أفق المجتمع الإسلامي قبولاً.
ثانيًا: الإسلام لا يقر الصراع بين الآلهة والإنسان أو بين القدر والإنسان، على النحو الذي يقوم عليه الفن الغربي، ولا يؤمن المسلم بأن الإنسان يثبت ذاته بمصارعة القدر والآلهة ولا بأن البطل الصالح يتحطم على يد القدر والآلهة وكل هذه المعاني المأسوية مستمدة من فكرة "الخطيئة" الأصلية.
ثالثًا: المسلم لا يؤمن بتعدد الآلهة ولا تجسيد الإله في ###190### صورة وثن حسي ملموس كالتماثيل العديدة في العقائد الغربية. في ذلك الخلط العجيب بين المسيحية والهلينية.
رابعًا: المسلم لا يؤمن بعبادة الطبيعة أو المحسوسات.
ومن هنا فإن مفهوم الفن في الإسلام محرر من كثير من هذه القيم التي يقوم عليها الفن الغربي والتي تتعارض أساسًا مع الإيمان بالله الواحد.
2- كذلك فإن الإسلام لا يقر تجسيد في صورة مادية، ليس فقط حفاظًا على مفهوم التوحيد من حظر الاتصال بالتماثيل والأصنام التي كانت تمثل عبادات ما قبل الإسلام. ولكنه ارتفاع بالنفس الإنسانية من أن تتمثل في مفهوم مادي، بينما جاء الإسلام محررًا للبشرية من التجزئة بين الماديات والمعنويات.
والفنان المسلم له طابعه المبدع متحررًا من الخضوع للمذاهب الوثنية التي تقول بتقليد الطبيعة أو التفوق عليها ولذلك فهو قد طرق آفاقًا أخرى غير هذه الآفاق، في التعبير عن المعاني فأوجد أنواعًا من الخطوط والدوائر والزخارف والوحدات المتشابكة والمتداخلة.
قد أبدع الفن الإسلامي في مجال رسوم الحيوان ###191### والطير، وتصوير الأحياء، وغزا الفنان المسلم جميع فروع الفن الإسلامي من مخطوطات وأخشاب وعمارة وزجاج ومعادن وعاج وزخرف ومنسوجات كما زينوا كتب العلم والأدب والدين والتاريخ بصور تفسر بعض ما تتضمنه من بحوث وأحداث وقد خلق الفنان المسلم من الحروف العربية ذات الأشكال المتباينة والأوضاع المختلفة طرازًا زخرفيًا يتمثل فيه الجمال والقوة، وأقام فن "الرقش" أو الأرابسك على وحدات متناسقة على نحو غاية في البهجة والرونق الجميل.(34/1)
وهكذا حقق الفن الإسلامي مذهبًا جديدًا مستمدًا من حقائق الإسلام، فكان فنًا منطلقًا وتجريديًا معبرًا وليس جامدًا، وأن المرقشة يحيى الفن الإسلامي حيث لا مبدأ لها ولا منتهي، إنما تمثل مفهومًا من مفاهيم التوحيد لأنها تسعى وراء الله الذي هو الأول والآخر ومنه تنتهي الأسباب وإليه تنتهي المسببات والرقش حين يمتد بال نهاية إنما يسعى وراء الصورة المثلى وهذه اللانهائية إنما تحمل دلالات هامة للروح الإسلامية التي آمنت بالله غير المنظور وغير المحدود وإليه اتجهت قلوب المؤمنين لترتفع إلى مستوى هذا المثل الأعلى عن طريق العمل الصالح أو طريق الاجتهاد والإبداع (بتصرف عن بشر فارس ومحمد عبد العزيز مرزوق).
###192### وينطلق الفن الإسلامي من مفهوم الفكر الإسلامي الذي يرتكز إلى حد بعيد على القاعدة والعقل ويبتعد عن "الهوى والأسطورة والارتجال"، ولقد كان قبول الفن الإسلامي لنظام التوحيد مصدر المحافظة على الوحدة والمتانة والشخصية وبقيت بذلك الروح الإسلامية هي المنبع الأساسي للمصادر الجمالية والدلالات العميقة للمشاعر المبدعة.
3- وقد شهد جوستاف لوبون وبرجسون وهاملتون جيب على أن الفن الإسلامي يحمل شخصية مستقلة متماسكة جديرة بالإعجاب، وأن الحد الذي وقف عنده الفن الإسلامي في إبراز عملية الخلق هو حد "الإسلام" الذي جاء على مبدأ التوحيد ولذلك فهو يرفض كل شريك لله في قدرته الخالقة.
وقد أشار الباحثون إلى أن الخط في الفن الإسلامي كالكلمة في الشعر يسير وفق تأثير داخلي في الرسام، فكما أن الشاعر يستعمل الكلمة حسب وزن الشعر وقافيته، كذلك الرسام المسلم يكيف الشكل وفق صيغة موزونة موفقة وبخطوط لينة منسابة بانتظام تشكل تناظرًا مضطردًا بحركة ###193### دائمة لا تقف عند حد، واللون في الفن الإسلامي مرتبط بروح الأمة وبمناخ الحياة التي تعيشها.
(2)
يتميز الذوق الإسلامي بعدة ملامح لها أثرها في الفن الإسلامي:
المسلمون لم يخلقوا من الحجارة ما خلقته الأمم الأخرى من فراعنة ورومان من تماثيل وهياكل وأوابد الحضارة الإسلامية لم تسجل بالصخور بل بالأعمال الحية. كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز: يستأذنه في أن يبني لمدينته سورًا. فقال عمر: حصن مدينتك بالعدل. وتمثل الهياكل الرومانية والأهرام، في ظل مفهوم العبودية المرير الذي تحطمت فيه مناكب البشر تحت أثقال الصخور. ولذلك فإن العرب أخذا من هذا المفهوم لم يتعلقوا بالآثار الضخمة وإنما تعلقوا بالأطلال التي تحمل ريح الأحباب، وفن العمارة الإسلامي لم يتعلق بالضخامة مثلما تميز بالجمال والرقة، والذوق العربي لم يتعلق بالتصوير كفن من الفنون الجميلة، لأن الروح العربية (العميق الاستمداد من الحنيفية الإبراهيمية إلى الإسلام في عصر محمد) لا تميل إليه كفن يمسح الأشكال الحية الجميلة بحيويتها ويحيلها إلى صور جامدة. وأن الفن الذي تعلق به العرب هو "الشعر" لأنه أرضى نزعتهم في الحيوية والاستثارة والموسيقى امتداد للشعر، وحضارة المسلمين والعرب حضارة أعمال خالدة لا آثار خالدة، وفنونهم فنون عواطف جياشة لا فنون أخيلة جامدة (عبد السلام العجيلي بتصرف).
2- والفن الإسلامي لا يهدر كرامة الفرد ولا يهدر حق الجماعة، ومن النقوش الكثيرة في الإسلام إذا ما نظرت إلى الجزء الصغير وجدت له ذاتيته ووجوده وحدوده ولكن في نفس الوقت يمكن أن يكون جزءًا في كل كبير، وذلك أن الإسلام كما يخدم الجماعة يخدم الفرد، ويوجد هذا التناسق في مجتمعنا الحي بين الفردية والجماعية، كما يوجد في الفن بين الجزء الصغير والجزء الكبير احترام الإسلام للفرد واحترام الإسلام للجماعة في القرآن (عبد العزيز كامل).
(3)
يرفض الإسلام: النقل المباشر عن الطبيعة وهو ما يطلق عليه في الفن الغربي "المحاكاة".
"فقد قرر الإسلام وأكد التحريم القاطع للنقل المباشر عن الطبيعة، ذلك النقل الفج الذي يعيد نسخ المخلوقات ###194###
###195###
###196###
###197###
###198###
###199###
###200###
###201###
###202###
###203###(34/2)
? مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً?
الأستاذ
أَنْوَر الجُنْدِِيّ ..
حيَاةٌ مُضيئة وثَمَرَة فِكر
" إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة ، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة، إذا هي لم تنبعث من قلبٍ يؤمن بها، ولن يؤمن إنسانٌ بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول ، وتجسيما واقعيا لما ينطق … "
( الظلال 1 / 68 )
بقلم
أبي الفداء
سامي التُّونِي
صاحب
بنك المعلومات الإسلامي"أمتي"
www.ommati.com
omtibank@hotmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ(1)
أنور الجُندي
هو واحدٌ من زمرة فريدة من القمم الشامخة وُجدت وعاشت بيننا في هذا العصر، وما وجدت إلا برحمة الله وعلى عَيْنِهِ وما كان لظروف عصره أن يوجد أبدا، انضوى قلبه على حب عميق لهذا الدين، وتفانٍ غريب في سبيل نصرته ، أنكر ذاته - بل تلاشت في فكره وهَمِّه -، .. أُشرب قلبه قوله تعالى : ?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ? (2).
عاش للإسلام وللإسلام وحده حتى كأنه مثال حي لقوله تعالى ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ? (3).
حمل القلم مجاهدا بفِكْرِهِ ، وكانت عَيْنُهُ دَائما مُعلقة بالسماء ، مرتبطا قلبُهُ بحبل الله، ... منا من عرفه ومنا من لم يعرفه ، لكن أثره باق إلى يوم القيامة - ، ولسان حاله يقول : ?وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى?(4)، مضى إلى ربه وترك مكانه شاغرا إلى يوم القيامة .
عاش الرجل مجاهدا مقاتلا بفكره وقلمه ، وجعل كل لحظة من عمره لنصرة الإسلام ... وقف على أخطر الثغور التي ولج منها الأعداء إلى ديار المسلمين وعقولهم فاجتاحوهم شر اجتياح ، فسبوا عقولهم ونهبوا كل ما يملكون ، واسترقوهم شر استرقاق ... إنه ميدان الثقافة ... !!!
إنه من ذلكم الطراز الفذ من الرجل العظماء الذين ذابوا إخلاصا ووفاء لنصرة الدين ، إذا وقفت إلى جواره وجدتَ نفسك قزما بين عمالقة ، لا يبلغ بصرك منتهى قمته في السماء ، فإذا خاطبته طأطأ الرأس تواضعا وانبثت شفتاه عن مثل اللؤلؤ دُرُرًا من ثمرات الفكر والفهم والإخلاص .
إن كاتب هذه الكلمات ينفر بطبعه من المديح والمبالغات التي تعج بها حياتنا الثقافية قديما وحديثا ، ويَعُدُّ ذلك أَحَد أَمْرَاض الأمة التي لا قيام لأمتنا إلا بشفائها منها ...
فهو – وإن كان يرى ذلك مرفوضًا مَذموما فإنه يراه واجبا مطلوبا إن كان يعبر عن الحقيقة والصدق، إن التراجم – تراجم الرجال – شهادة يجب أن يؤديها من يتقدم بها كاملة بأصدق عبارة وأدق لفظ ذما كان أو مدحا، وما يسطره عن الأستاذ أنور الجندي ليس من قبيل المديح المَرَضِيّ وإنما هي الشهادة يتقدم بها للأمة التي صارت لا تعرف رجالها ولا تقدر الرجال حق قدرهم، بل صارت قَتَّالَةً لرِجَالهَا عَقُوقَةً لأبنائِها .
الأستاذ أنور الجُندي .. فضله على الأمة
~~~~~
"كان شيئا قَدَرِيًّا يَشُدُّنِي إلى هذا الرجل، فمنذ مطلع الصحوة الإسلامية في أواخر السبعينات من القرن الماضي – وكنا يومئذ نَشْأً صغيرا نتطلع إلى المعرفة، ننهل مما يحيط بنا من المعرفة من كافة مصادرها من كُتب ودوريات وإعلام مسموع ومرئي، كنا كطيور رقيقة بريئة تجول بين الحقول تأكل من هنا وهناك ولا تعلم أن عين الصياد تراقبها وأنه قد نصب لها الشباك والفخاخ يتحين الفرصة للإيقاع بها .. تأكل ولا تدري أن بين ما تأكل ما قد يفتك بها …
هكذا كنا آنذاك – في أواخر السبعينات وبدايات الثمانينات من القرن العشرين - .. كان الغزو الفكري قد فشا وانتشر وجرى في دماء الأمة هنا وهناك، صار المسلمون يفكرون ويحلمون ويفرحون ويحزنون كما يُراد لهم … في تلكم الأيام وقعت إلينا أعدادٌ من مجلتي " الدعوة " و " الاعتصام " ثم وقعت إلينا رسائل صغيرة محببة صِرْنَا نُقْبِلُ عليها، … ثم من بعدها دوريات أخرى وكتب كثيرة صغيرة وكبيرة … لقد كانت الأفكار مُرَكَّزَة وقوية ، كنا نَعِي بعضها ونستثقل بعضها الآخر لكنها في النهاية شَكَّلَتْ الحصيلة الفكرية بل الحصن الفكري الذي أزال عنَّا ما لحقنا من دنس الفكر الجاهلي وعفن الغزو الفكري ..
__________
(1) كتبنا هذه الكلمات – بشكل موجز - وكان أستاذنا الأستاذ أنور الجندي – رحمه الله تعالى – في النزع الأخير، وقد قمنا ببثها على شبكة الإنترنت، وتوزيعها على الصحف والإذاعات أيضا بغية أن يُكتب ويُذاع الحقّ عن الرجل، وقد كنا نشرنا ذلك غفلا من أي توقيع لأسباب يعلمها الحصيف.
(2) الأنعام : 162 : 163 .
(3) البقرة : 207 .
(4) طه 84 .(35/1)
أَصْدُقُكَ القول كنا آنذاك ننشغل بما نقرأ من موضوعات ولا نلتفت إلى اسم الكاتب ، وإن التفتنا لم يعلق بأذهاننا .. لكننا فيما بعد حينما تقدمنا في العمر والفهم اكتشفنا أن أكثر هذا الذي كنا نقرأ إنما خَطَّتْهُ يَدَي ذلك الرجل النُّوْرَانِيّ القابع في خَنْدَقِهِ – ربما وحيدا – في مواجهة تلكم الجيوش الجرارة والكتائب الفتاكة من جنود الأعداء يرقبها بعيني الصقر ويشهر في وجهها سلاحه الذي يملكه .. إنه قلمه …
لقد كانت يده الحانية وقلبه الرقيق يشفق على الأمة ويرى ما لا ترى ، فيقطع آلاف الأميال بقلمه السيال المتدفق يكشف للأمة المُغَيَّبَة الحقيقة ساطعة ويزيل الران عن القلوب والعقول ..
لم يعرف للراحة سبيلا منذ اكتشف المؤامرة على الأمة الإسلامية فالتهبت في قلبه الغَيْرة المحمومة على الإسلام جَذوة مُتَّقِدَة تَلتهب في قَلبه ليل نهار … ووالله ما وضع القلم حتى وافاه الأجل، وما خان عهد الله بل أحسبه - والله حسيبه - ممن نفاخر بهم الأمم ، لم يلتفت إلى عرض الدنيا ، بل باع نفسه وماله لله فداء دينه ولم يشغل نفسه برضاء الناس ولا بمتاع الدنيا ولا بالتكريم والإعجاب والجوائز والدرجات العلمية ، بل كان فوق كل هذا .. إنه الأستاذ : أنور الجندي .
لقد كنت أُلاحظ منذ خُضْتُ غمار مشروعي العلمي الكبير " بنك المعلومات الإسلامي : أمتي " منذ ما يزيد على سبع عشرة سنة ، وهو مشروع من أَولى أولوياته تراجم الأعلام … كنت ألاحظ أن هذا الرجل الذي اهتم بتراجم الأعلام فألف فيهم الكثير من المؤلفات – كما سترى - ، وجعل الكتابة عن " الأبطال " أحد اهتماماته الرئيسية حينما رأى المسلمين وقد فُتنوا بالغربيين .. رأيت هذا الرجل لم يترجم له أحد ، بل لقد وجدتُ الصعوبة كل الصعوبة في معرفة أية معلومات شخصية عنه : اسمه ، تاريخ مولده ، عمله ، دراسته … إلخ
ومن خلال آلاف الآلاف من الصفحات التي طويتها في سبيلي لوضع مشروعي الكبير – بنك المعلومات – لم يقع لي إلا القليل النادر من المعلومات عن ذلكم العَلَم ، ولقد كانت المفارقة عندي في بنك المعلومات كبيرة فقائمة مؤلفاته ضخمة طويلة ، والمعلومات الشخصية شحيحة ضئيلة ، ولقد قُلتها يوما بيني وبين نفسي : "لَقَد أَحيا الأستاذ أنور الجندي ذِكْرَ الأستاذ كامل كيلاني – الذي أراد معاصروه من أذناب الغرب وأبواقه أن يخملوا ذكره – فأنصفه ، وسأفعل مع الأستاذ الجندي – إن شاء الله – ما فعله مع الكيلاني".
كانت هذه نية عقدتها واستقرت في النفس سنين حَالَ دون تنفيذها حوائل كثيرة أكبرها العمل في المشروع الكبير …
لقد كان – كما قُلْت – شيئا قَدَرِيًّا يشُدُّني إلى الأستاذ أنور الجندي ، …. رَتَّبَتْ الأقدار أن أتجشم هذا العمل فألحق بالرجل في أيامه الأخيرة أَرْقُبُهُ عن قُرْبٍ وأُقَبِّلٌ يده وأعوده في مرضه وأقلب أوراقه ، وأسجل أواخر كلماته وأيامه ، ثم أَحْظَى بشرف غسله وتكفينه بيدي ، وأشارك في تشييعه إلى مثواه الأخير ودفنه … وها أنذا أجد الواجب يفرض علي أن أكتب عنه وفاءا بعهدٍ قطعتُه على نفسي من قديم … إني أعلم أن هذا الكتاب لن يفي ولن يستوعب شيئا من حياة وفكر هذا العملاق ، لكني أَعُدُّهُ طليعةً لغيره من المؤلفات … ولقد كان شيئا عجيبا في هذه المقادير أن أتدرج في طريقي هذا حتى أتولى مسئولية مكتبة الأستاذ أنور الجندي ثم صناعة بنك معلومات متعلق بالأستاذ ، ثم أجدني اليوم أخط هذه الصفحات – وإنه لكبير شرف خصني الله به – في داره الكريمة .. في عرين الأسد .
والحق أن كتابات الأستاذ أنور الجندي إنما هي درر علمية نفيسة يصعب تكرارها أو إيجاد بديل لها، وإن ما قد نجده من كتابات في بعض القضايا المشتركة لكُتَّابٍ آخرين تَمَيَّزَتْ عنها كتابات أنور الجندي بما اتسمتْ به من عُمقِ فكر وشمولِ تصور ، لقد استطاع أنور الجندي أن يصل إلى وضع تصورٍ متكاملٍ للفكر الإسلامي المعاصر والصحوة الإسلامية وقضاياهما الفكرية المختلفة ، وكانت كتاباته وإن تنوعت دائما تعرف موضعها بدقة في هذا البنيان المتكامل .
ولقد وجد أنور الجندي نفسه في كثير من المواطن يدعوه الواجب - واجب نُصرة الإسلام والدعوة الإسلامية - إلى التصدي لسد خلل عَجَزَت عنه دراسات المعاهد والجامعات وبرامج التربية والتعليم المقررة في ديار الإٍسلام على اتساع رقعتها بكل ما تملك تلكم المؤسسات من إمكانات بشرية ومادية لا توصف ، فكان هو الرجل الذي قام مقام أمة (1).
***
__________
(1) انظر مقدمة " مقدمات العلوم والمناهج " لأنور الجندي .(35/2)
وإذا كان هذا الدين الحنيف قد أدبنا بأدب الإنصاف والتَّجَرُّد فقال تعالى {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(1)، وقال {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ }(2) فستكون - بعون الله - كلماتي في هذا الدراسة شهادة إنصاف لا مكان فيها لمجاملة- مع إجلالنا للرجل وتقديرنا له - ولا لتحامل أيضا .. نَقُولُ مَا له ومَا عليه ، وإنما أَدَبُنَا فيها هو أدب أهل الحديث في نَقد الرجال من الإنصاف والتجرد والترفع وإقامة الشهادة شهادة الحق ، وإنما دَعَانَا لكتابة هذه الدراسة أَنَّا بعد طول تفتيش في بطون الكتب لم نجد لهذا العلم الشامخ مَن كتب عنه أو ترجم له ، وقد طال اعتراض الرجل ورفضه للترجمة لنفسه ، ومن حق الأمة - حتى تكون أحكامها وبحوثها العلمية صحيحة دقيقة أن تدون ترجمة لرجل ثري الفكر كثير المؤلفات ، تصدر لمعارك هائلة مع رموز الفكر العلماني والغربي .
ولي في هذا المقام أن أقول :
كم كنت أود لو كفاني المؤنة غيري ، ولكن ولم يفعل ذلك أحد فعلى الله توكلنا ، وهو حسبنا وإليه المصير، والله المستعان".
(من مقدمة كتاب «أنور الجندي : مجاهد الكلمة ورائد الأصالة الفكرية» لأبي الفداء سامي التوني _ مخطوط لن يتم)
الأستاذ أنور الجندي .. نقاط مضيئة
~~~~~
- ولد في مدينة ديروط ( بمحافظة أسيوط ) بصعيد مصر سنة 1916م(3) .
- نشر أولى كلماته سنة 1932 في " البلاغ " و " أبولو "
- تُشَكِّلُ سنة 1940 م علامة فارقة في حياة الأستاذ أنور الجندي بعد قراءته لملخص عن كتاب «وجهة الإسلام» ( لمجموعة من المستشرقين ) الذي لفت نظره إلى التحدي للإسلام ومؤامرة التغريب ضده، وهو يصف ذلك بقوله :
"وبدأت أقف في الصف : هذا قلمي عُدَّتي وسلاحي من أجل مقاومة النفوذ الفكري الأجنبي والغزو الثقافي، غير أني لم أتبين الطريق فورًا، وكان عليّ أن أخوض في بحر لجي ثلاثون عاما .. كانت وِجهتي الأدب ولكني كنت لا أنسى ذلك الشيء الخفي الذي يتحرك في الأعماق .. هذه الدعوة التغريبية في مدها وجزرها ، في تحولها وتطورها ……. ". ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 48 )
بل يقول عن مقدمات لذلك في قضيته في مواجهة التغريب :
"… ولعلي نذرتُ نفسي منذ ذلك الوقت – 1932 – وسِني ستة عشر عاما لهذه الغاية " ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 11 )
التقى بالأستاذ حسن البنا فكانت أكبر علامة فارقة في حياته
بدأ الكتابة في صحف الإخوان سنة 1946 .
اعتقل عاما كاملا قُبيل ثورة 1952، كما اعتقل في عهد عبد الناصر.
بعد فترة من القيود الصارمة عاشها في العهد الناصري استطاع بالكتابة في " منبر الإسلام " العودة للكتابة عن التغريب سنة 1963 م، ويصف أنور الجندي سياسته في العهد الناصري بقوله :
"… ولقد كان من إيماني أن يكون هناك صوت متصل - وإن لم يكن مرتفعا بالقدر الكافي - ليقول كلمة الإسلام ولو تحت أي اسم آخر، ولم يكن مطلوبا من أصحاب الدعوة أن يصمُتوا جميعا وراء الأسوار ". ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 67 )
اشترك في الكثير من المؤتمرات الإسلامية في القاهرة والرياض والجزائر والمغرب وجاكرتا ومكة المكرمة والأردن والخرطوم، ودُعي إلى الزيارة والمحاضرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة العَين بالإمارات والمجمع اللغوي بالأردن .
اتصف بالعمل الدؤوب الجاد، وكتب الكثير من الموسوعات ، واهتم بتقديم خطة كاملة لمقاومة التغريب والغزو الثقافي ثم اتجه بعد ذلك إلى العمل في أسلمة العلوم والمناهج وتأصيل الفكر الإسلامي وبناء البدائل وهو ما واصل العمل فيه إلى آخر لحظة في حياته .
من هو ؟ :
قال عن نفسه : " من أنت ؟ أنا محام في قضية الحكم بكتاب الله، مازلتُ موكلا فيها منذ بضع وأربعين سنة، منذ رفع هذه القضية الإمام الذي استشهد في سبيلها قبل خمسين عاما للناس ، حيث أُعِدُّ لها الدفوع وأُقدِّم المذكرات بتكليف بعقد وبيعة إلى الحق تبارك وتعالى وعهد على بيع النفس لله ، والجنة – سلعة الله الغالية – هي الثمن لهذا التكليف {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 7 )
- يصف الأستاذ تحوله الفكريّ إلى الفكر الإسلامي الأصيل . فيقول :
__________
(1) المائدة : 8 .
(2) الطلاق : 2 .
(3) وَجَدْتُ في أوراق الأستاذ أنور الجندي الشخصية أنه مواليد 1917م، ثم حدثني أخوه فضيلة الشيخ أحمد الجُندي أنه وجد بخط أنور الجُندي أنه مواليد 1916. وستجد في كتابه شهادة العصر والتاريخ ص 11 ما يؤيد ذلك.(35/3)
"… نعم، عندما اكتمل مفهوم الإسلام ( منهج حياة ونظام مجتمع ) في نفسي كان ذلك حَدًّا فاصلا بين حياة وحياة ، فقد أخذت أراجع آرائي كلها في كل ما كتبتُ وأنظر إليها في ضَوء مفهوم الإسلام الجامع بعد أن كان مفهومها قاصرًا في المرحلة الأولى … .. … " : ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 11 )
- واجه أنور الجُندِيّ فكر طه حسين في الكثير من المؤلفات وهو يُفسر سبب ذلك بقوله :
" لقد كان طه حسين هو قمة أطروحة التغريب وأقوى معاقلها، ولذلك كان توجيه ضربة قوية إليه هي من الأعمال المحررة للفكر الإسلامي من التبعية " . ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 12 : ، 74 )
- ويقول في العَلاقة بين الأدب والفكر وخطر الفصل بينهما:
"إن فَصْلَ الأدب عن الفكر – وهو عنصر من عناصره – من أخطر التحديات التي فتحت الباب واسعا أمام الأدب ليتدخل في كل قضايا الإجماع ويفسد مفاهيم الإسلام الحقيقية " (أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 13 )
- كشف أثر مدرسة العلوم الاجتماعية ( فُرويد ، ماركس ، دوركايم ) في تزييف الفكر الإسلامي الأصيل في أذهان الأمة الإسلامية ، وكذا مدرسة تُولستوي وغَاندي التي حَمَلَتْ مفهوم دَحض "فريضة الجهاد " والدعوة إلى الخضوع والاستسلام تحت اسم السلام. ( انظر : أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 13 ( هام جدا)
- وهو يقول في الحديث عن مراحله الفكرية في الطريق إلى الأصالة الفكرية الإسلامية :
"إن أخطر كلمة يجب أن تُقال في هذا : أن الفضل كله لله، وأن الهدى هدى الله، ولولا فضل الله في التوجه إلى هذا الطريق المستقيم لضللنا في ضلال السُّبُل التي لا توصل أبدا، والتي هي عبارة عن أهواء وركام ". ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص14 : 15 )
- وهو يصف أطواره الفكرية فيقول في كتابه «شهادة العصر والتاريخ» ص 26 :
"… وأستطيع أن أقول أنني عِشت مرحلة نقد المجتمع من 1940 – 1950، ثم عشت مرحلة معالجة الواقع 1950 – 1964 ، وفي هذه المرحلة تناولتُ قضايا الوطنية والقومية، وهي مرحلة تقبلت فيها بعض المفاهيم المطروحة قبل أن أعرف خفاياها التي اتضحت لي من بَعْد. ثم بدأتُ من 1964 مرحلة جديدة لتصحيح المفاهيم بعد سيطرة الشيوعية على الإسلام، وفي هذه المرحلة أستطيع أن أكشف كثيرا من الحقائق فضلا عن أن الدعوة القومية والإقليمية كانت قد قدمت حقائق خطيرة "
- وهو يفرق بين مفهوم " العروبة " الأصيل الذي ظهر بعد سقوط الخلافة وتبناه كبار الدعاة أمثال شكيب أرسلان ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب ، ومفهومها القومي الذي سيطر من بعد وهو مفهوم ساطع الحصري وميشيل عفلق ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 66 )
- اهتم بتراجم الأعلام، وهو يقول في ذلك : " ثمة بضع عشرة شخصية تستأثر بكتابات الكتاب وقد صدر عن إحداها كتاب وخمسة بل وعشرة .. مثال ذلك جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وشوقي وجُبران ورِفاعة الطهطاوي والشِّدْيَاق ومَيّ ولطفي السيد وطه حسين والعقاد والمنفلوطي . أما باقي شخصيات فِكرنا العربي المعاصر فإن الكُتَّاب يتحامونها مع تقديرهم لفضلها وأثرها، أما السبب فهو أن المادة الخام الموجودة عنهم قليلة في مجال الكتب المؤلفة …". ( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 99 )
- أوصى الأستاذ كامل كيلاني لأنور الجندي بالقصاصات والرسائل الخاصة به.
- يقول أنور الجندي ( وهو ما يعكس دأبه في البحث ) :
"قرأتُ بطاقات دار الكتب، وهي تربو على مليوني بطاقة، وأحصيت في كراريس بعض أسمائها. راجعت فهارس المجلات الكبرى كالهلال والمقتطف والمشرق والمنار والرسالة والثقافة، وأحصيت منها بعض رؤوس موضوعات. راجعت جريدة الأهرام على مدى عشرين عاما بين آخرين، وراجعت المقطم والمؤيد واللواء والبلاغ وكوكب الشرق والجهاد وغيرها من الصحف وعشرات من المجلات العديدة والدوريات التي عرفتها في بلادنا في خلال هذا القرن، كل ذلك من أجل تقدير موقف القدرة على التعرف على ( موضوع ) معين في وقت ما".
( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 104)
ويقول :
"… وأصبح لي منذ بضع وعشرين سنة موقعا في دار الكتب لا أغيب عنه إلا لِمَامًا، وقد قرأتُ به مئات من الكتب. بل لقد اضطررتُ وأنا أُعِدُّ "الموسوعة الإسلامية العربية" الجامعة أن تكون لي قائمة تضم أسماء الكتب التي تلزمني وأرقامها حتى لا يضيع الوقت كل يوم في البحث عن هذه الأرقام ، ومن ثم عكفت على دراسة ما يزيد على نصف مليون بطاقة أخذت من الوقت أكثر من خمسة أشهر راجعت فيها بطاقات يحويها أكثر من 180 صندوقا ، وأعددت من خلال ذلك مجلدا يحوي أكثر من خمسة آلاف كتاب، هذا بالإضافة إلى فهارس ضخمة للصحف والمجلات التي صدرت منذ 1871 حتى اليوم ، ومنها فهرس خاص لأعداد صحيفة الأهرام التي صدرت في الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين يحوي مواد الأهرام الأدبية والفكرية والاجتماعية والأحداث التاريخية ".(35/4)
( أنور الجندي : شهادة العصر والتاريخ ص 109 ، وانظر تفصيلا لذلك ص 133 )
ويصف ما بذله من جهد لتأليف كتابه « الصحافة السياسية في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالمية الثانية » (الذي يشكل الجزء الأول من موسوعته "تطور الصحافة العربية وأثرها في الأدب المعاصر") فيقول :
"... وإننا نستطيع أن نتصور كيف يكون الجهد من أجل ذلك إذا ذكرنا أننا في صدد دراسة هذه الحلقة عن الصحافة السياسية في مصر قرأنا ألوف الصفحات من عشرات الصحف ، وأننا قرأنا قراءة استيعاب كاملة ( جريدة الأهرام منذ عام 1920 – 1939 )، وأعددنا فهرسا موضوعيا للانتفاع به في بحث هذه الفترة بلغ أكثر من ألف صفحة، وإنا من أجل البحث عن صحف فترة ( 1880 – 1939) قد صعدنا إلى مكتبة دار الكتب بالقلعة يوميا لمدة عام كامل".
ثم يقول ص هـ :
" وإنا لنرجو أن نبذل أضعاف هذا الجهد من أجل دراسة مماثلة للصحافة السياسية في العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج لنكشف الصورة الحقيقية للفكر العربي من خلال هذا الجانب السياسي التي غلب عليه الزيف أحيانا ورسمت فيه بطولات خادعة وأقصيت بطولات صادقة مجاهدة ".
***
الأستاذ أنور الجندي … شذرات مما قيل فيه
~~
قال د. محمد أبو الأنوار الأستاذ بكلية دار العلوم بالقاهرة ( في إهدائه أطروحته للدكتوراه ) :
« أستاذي العالم المفكر المجاهد الأستاذ أنور الجندي :
هذا العمل وصاحبه مدينان لك دَيْنًا لا يشركك فيه غيرك.. إنني ما زلتُ أذكر اليوم الأول من لقائي بكم وقد احتواني من اللحظة الأولى قلبكم الكبير، وفكركم الذاخر، ولم ينقطع عني مددكم بالتوجيه تارة وبالعطاء أخرى، وكم فزعتُ إليكم في كُبريات المشاكل التي تتصل بعالَم الدوريات وبقضايا الفِكر، فكنتم دائما خيرا مما أتمنى وأكبر مما أفهم وأحيط .
والآن حين أَشْرُفُ بتقديم هذا العمل لكم أطمع له - كما عودتني - في الفوز بملاحظاتكم القيمة حتى يرى النور بعد ذلك الفضل الرفيع منكم .
تحية الحب والإجلال والإكبار والعرفان .
تلميذكم : محمد أبو الأنوار ( توقيع ) 21 / 12 / 1971».
( إهداء بقلم د. محمد أبو الأنوار محمد علي إلى الأستاذ أنور الجندي على نسخة قدمها إليه من أطروحته للدكتوراه « المعارك الأدبية حول الشعر في مصر » بكلية دار العلوم ، جامعة القاهرة )
قال عبد اللطيف الجوهري :
« … والمؤلف – ( أنور الجندي ) – غني عن التعريف ، فهو مؤرخ كبير ، وأديب متفرد ، وباحث موسوعي ، غطت أبحاثه – تقريبا – جميع مناحي المعرفة والثقافة والأدب والنقد ، فضلا عن جهده المشكور والممتاز في رصد الظواهر والاتجاهات الأدبية وكذلك السياسية والاجتماعية فهو بحق – جدير بلقب " شيخ الباحثين " يذكرني كلما نظر في إنتاجه وتلمذت على يديه بالكُتَّاب الموسوعيين الذين أنتجتهم الحضارة الإسلامية الأولى في عصور ازدهارها ».
( عبد اللطيف الجوهري : كتاب: " مقال في أزمة التربية حول كتاب التربية وبناء الأجيال " ص 7 : 8 )
قال أبو إسلام أحمد عبد الله :
« تحية لهذا الرجل .. تحية احترام وتقدير إلى الأستاذ المفكر المخضرم الصعيدي المجاهد أنور الجندي على ما أعطى وعلى ما بذل من جهود بحثية ميدانية ودراسية وتطبيقية في مواجهة خصوم الإسلام وأعداء المسلمين منذ أن وَعَى شباب الصحوة الإسلامية دورهم الجهادي في الدفاع عن أمتهم وحماية رسالتهم والدعوة إلى الله نصرة لعقيدتهم والولاء لله بإخلاص والبراء من كل باطل بإصرار وثبات ، تلبية لنداء الخلافة الإسلامية الغائبة عن الديار .
لقد عمل أنور الجندي في ساحة القلم والقرطاس منذ عام 1946 ولذا فهو من أوائل الصحافيين الذين نطلق عليهم لقب "الإسلاميين" في مجال الإعلام والنشر، فقد عمل بالصحافة العامة ثم بالصحافة الإسلامية المتخصصة منذ هذا التاريخ البعيد حتى اليوم متجولا بين مجلات وصحف الأمة العربية الإسلامية بلا استثناء تقربا ، وأصدر الأستاذ الجندي عشرات المؤلفات التي شكلت في ذاتها اتجاها فكريا وصحافيا متميزا سد ثغرة واسعة في المكتبة العربية الإسلامية كان صعبا أن تسد لو لم يشأ الله لأنور الجندي أن يسدها .(35/5)
لقد خاطب الأستاذ أنور الجندي جيلا بعينه في زمن خاص مُتَنَاوِلا قضايا بذاتها، وارتبطت العناصر الثلاثة ببعضها البعض في انسجام رباني نادر الحدوث فما كان لأحدهما أن ينفك عن الآخر أو يمكن أن يدور بغيره حسبما شاء الله ، وفي كل ما بذل من جهود كان واضحا ومتميزا بقضاياه التي يتناولها، والتي انصبَّت في أغلبها – إن لم يكن فيها كلها – في عدة محاور فكرية جريئة وغريبة على الحس الثقافي المستحدث والاجتماعي المشوش والسياسي المتآمر، والاجتماعي المترهل، لينفذ من خلالها إلى الغاية العليا التي نسعى إليها جميعا وهي أن نعرف أعداءنا ونعرِّي المتحدثين بلغتنا المتآمرين علينا ونحدد أولويات الخصومة معهم، ومستوى العَلاقات بين مختلف كياناتنا ومذهبياتنا في إطار عام وشامل يندرج تحت عنوان جامع : " الفكر المعاصر والخروج من التبعية".
( أبو إسلام أحمد عبد الله : كلمة الناشر لكتاب " من سقوط الخلافة إلى مولد الصحوة للأستاذ أنور الجندي " )
قال يوسف القَرَضَاوِي :
« أخي الكبير : لا أريد أن أزيدك هَمًّا على هَمِّكَ وأنت في فراشك ولكني أَعتذر إليك لتقصيرنا معك وأنت رجلٌ لك حق على الأمة كلها وعلى علمائها ودُعَاتها خاصة بما بذلت لها من فِكرك وقلمِك وجَهدك طُوال حياة حافلة بالعطاء الثري لتنوير العقول وإحياء القلوب وإيقاظ الهمم، وكُنْتَ كالفُرْسَان الأُصًلاء تغْشَى الوَغَى وتَعِفَّ عند المغنَمِ ، تُعطِي أبدًا ولا تأخذ، وتُضَحِّي ولا تستفيد، بمعزِلٍ عن المكاسب المادية، وبعيدًا عن الأضواء، بل حرصت على أن تبقى في الظل، متَرَهِّبًا في صومعتك، عاكفا على مراجعك، مخلصا في وجهتك، مُكِبًّا على عملك، لتُخرج للأمة بين الحين والحين ما ينفع الناس ويمكث في الأرض … »(1).
( من رسالة شخصية للأستاذ أنور الجندي في مرضه الأخير في 20 / 9 / 1422 هـ )
قال أبو الفداء سامي التوني في خاطرةٍ له في عَرين الأسد :
أحد الأدوار الهامة التي قام بها أنور الجندي - وبذا أسدى للأمة جميلا لا تقدرُ على الوفاء له بشكره أبداً - وهي بصدد يقظتها مع مطالع القرن الخامس عشر الهجري / أواخر القرن العشرين النظرة الكلية للتاريخ الإسلامي والتراث الإسلامي ورجالات الإسلام، فيرى جوهر ما قد غشي على الكثيرين لكثرة ما أثير حول ذلك من خلاف وشبهات ومشكلات. وإذا تأملتُ - مثلا - كتابه «نظريات وافدة كشف الفكر الإسلامي زيفَها» راودني شعورٌ قويّ ، هو نفس الشعور الذي وجدته في مجالساتي معه - رغم أنها في فترة مرضه وقد تقدم به السن - ـ إنه الشعور بأن الرجل مُقاتل يقفُ على ثَغْرٍ من ثغور الإسلام لا يرقأُ له جَفن ولا يخلد للراحة أبدًا، لا يسمح لجفنه أن يغمض للحظات.. إنه يراقب كتائب الأعداء، يرقبُها ويبحث ويحلل ما وراء خطواتهم وحركاتهم وكلماتهم.. إنه مقاتل مخلص يقظ يؤدي دوره على أكمل وجه، ثم يُطلق النذير بعد النذير لأمةٍ غَطَّتْ في سُبَاتٍ عميق ، فمنهم من يتململ من هذه الكلمات، ومنهم من لا يُلقي لها بَالا، ومنهم - بلا شك - رجال انتصحوا بكلماته وانتبهوا بندائه، بل ومنهم مَن أدرك خَطر الأمرِ فسارع الخُطَا ليقفَ إلى جِوار الرجل محاولا أن يقوم بنفس الدور .. إنه رجل كَمِائَة ، قام حين نام الناس، وتصدَّرَ في زمنٍ أجفل فيه الناس، وأدرك ما استغلق فهمه على كثيرين.. إنه رجلٌ كَمِائَة.. إنه أنور الجندي.
هذا هو أنور الجندي بعد رحلته الطويلة جدا الشاقة للغاية التي لم يجرؤ غيره على خوضها، بعد أن قام بدراسة الأدب العربي المعاصر في البلدان العربية كافة يعود بثمرةٍ بعد التزامه أن الأدب العربي لا تصلح دراسته خارجا من وضعه الصحيح في الفكر الإسلامي. ( تأمل " نظريات وافدة " ص 10 : 11)
لقد تصدى أنور الجندي لمقولات واعتقادات زائفة طالما روج لها الإعلام في العالم العربي لأغراضه الخاصة، حتى صار الناس يرددونها كأنها بدهيات، لكنها لم تَنْطَلِ على أنور الجندي فإذا به يميط اللثام عن الحق. (تأمل مثلا قوله : "الفصحى لغة القرآن لغة ألف مليون هم المسلمون وليس مائة مليون هم العرب وحدهم" في كتابه الثمين «المؤامرة على الفصحى»)
***
الأستاذ أنور الجُندي … شخصيات شهيرة التقى بها
~~~
أحمد الشرباصي
أحمد حسن الزيات
أحمد حسين
أحمد زكي أبو شادي
البشير الإبراهيمي
الشيخ أبو العيون
الشيخ دراز
الشيخ محمد رفعت
توفيق الحكيم
حسن البنا
د. أحمد الحوفي
زكي مبارك
ساطع الحصري
سعيد العريان
سيد إبراهيم
صلاح عبد الصبور
طه حسين
عباس محمود العقاد
عبد الرحمن الرافعي
عبد الرحمن صدقي
عبد القادر القط
عبد القادر المغربي .
عبد الكريم جرمانوس
عبد الله كنون
عبد الوهاب عزام
عزيز خانكي
علي أدهم
علي الغاياتي
عمر فروخ
كامل كيلاني
مالك بن نبي
محب الدين الخطيب
محمد حسين هيكل
محمود تيمور
محمود عزمي
مصدق
منصور فهمي
__________
(1) صدق واللهِ، وما جاوز الحقيقة – أقسمُ بالله – ( فيما أعلم ) قَدْرَ أُنملة. رحمة الله عليه.(35/6)
الأستاذ أنور الجُندي … دوريات نَشَرَت له
~~~~
جريدة الأخبار ( القاهرة )
جريدة الأماني القومية ( عام 1940 )
جريدة الإنذار ( بين عامي 1933 – 1934)
جريدة الجمهورية ( القاهرة )
جريدة الزمان ( القاهرة )
جريدة الشعب ( عام 1956)
جريدة القاهرة ( 1940 – 1942 )
جريدة النور ( القاهرة )
مجلة أسيوط ( عام 1933 )
مجلة الأديب ( بيروت )
مجلة الإصلاح ( دبي )
مجلة الاعتصام ( القاهرة )
مجلة الأفكار ( بين عامي 1941 – 1942 )
مجلة الإيمان ( الرباط )
مجلة البيان ( الكويت )
مجلة التضامن الإسلامي ( السعودية )
مجلة الثقافة المغربية ( الرباط )
مجلة الحج ( مكة المكرمة )
مجلة الخفجي ( السعودية )
مجلة الدعوة ( القاهرة )
مجلة الرواد ( طرابلس )
مجلة العالم الإسلامي ( مكة المكرمة )
مجلة العرب ( بيروت )
مجلة العربي ( الكويت )
مجلة العرفان
مجلة العلم ( المغرب )
مجلة الفرقان ( صيدا )
مجلة الفكر الإسلامي ( بيروت )
مجلة الكويت ( الكويت )
مجلة المجتمع العربي ( القاهرة )
مجلة المختار الإسلامي ( القاهرة )
مجلة المنهل ( مكة المكرمة )
مجلة النهضة ( عًمان )
مجلة الهدى الإسلامي ( طرابلس )
مجلة الهلال ( القاهرة )
مجلة الوادي ( بين عامي 1935 – 1936 )
مجلة الوعي الإسلامي ( الكويت )
مجلة دعوة الحق ( الرباط )
مجلة عطارد ( القاهرة )
مجلة منار الإسلام ( الإمارات )
مجلة منبر الإسلام ( القاهرة )
الآثار العلمية
للأستاذ أنور الجُندي
أولا : الموسوعات التي وضعها الأستاذ أنور الجندي
ثانيا : مسرد آثار الأستاذ أنور الجندي
أولا
الموسوعات
التي وضعها الأستاذ أنور الجندي(1)
~~~~~
(1) موسوعة مقدمات العلوم والمناهج .
عشرة مجلدات ضخام، تقع في 6307 من الصفحات، هي :
بناء الفكر الإسلامي وتطوره.
تاريخ الإسلام منذ فجر الإسلام إلى اليوم.
العالم الإسلامي المعاصر
اللغة والأدب والثقافة.
التبشير والاستشراق والدعوات الهدامة
المجتمع الإسلامي : نظام الإسلام ، قضايا المجتمع ، التربية الإسلامية ، مناهج التعليم
الحضارة والعلم والعلوم الاجتماعية
طابع الإسلام بين الأديان والأيدلوجيات ( الإسلام وموقفه من الفلسفات والأديان )
المنهج الغربي : أخطاؤه ، وشبهاته ، والشبهات المثارة حول الإسلام .
تاريخ اليقظة الإسلامية .
... ... ... ... ... ... ... ...
(2) الموسوعة الإسلامية العربية .
تتكون من الأجزاء التالية :
1- « الإسلام والعالم المعاصر بحث تاريخي حضاري ».
2- « سقوط العلمانية ».
3- « الإسلام والدعوات الهدامة ».
4- « العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي ».
5-
6- « أخطاء المنهج الغربي الوافد في العقائد والتاريخ والحضارة واللغة والأدب والاجتماع ».
7-
8- « التربية وبناء الأجيال في ضوء الإسلام ».
9- « الثقافة العربية إسلامها وأصولها وانتمائها ».
10-
11- « الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة ».
(3) موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر .
أجرى في هذه الموسوعة مسحا شاملا للأدب العربي في العالم العربي أجمع منذ أوائل الحرب العالمية الثانية إلى زمن تأليف الكتاب ( حتى عام 1940 ).
وهي تحيط بِـ : الصحافة ، المعارك الأدبية ، الشعر ، النثر ، القصة ، اللغة العربية ، الترجمة ، الفكر العربي المعاصر ، الأدب العربي الحديث في معركة المقاومة والتجمع ، أدب المرأة .
صدرت في 18 مجلدا أو أكثر ، هي :
1-
2-
3-
4- « الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية ».
5-
6-
7- « اللغة العربية بين حماتها وخصومها ».
8- « أدب المرأة العربية : تطوره وأعلامه ».
9- « القصة العربية المعاصرة تطورها وأعلامها ».
10- « تطور الترجمة في الأدب العربي المعاصر ».
11-
12-
13-
14-
15-
16-
17-
18-
- الأدب العربي الحديث في معركة المقاومة والتجمع .
النثر العربي تطوره وأعلامه .
- المعارك الأدبية
- الصحافة السياسية في مصر
- الشعر العربي المعاصر : تطوره وأعلامه .
- القصة العربية المعاصرة تطورها وأعلامها
معالم الأدب العربي المعاصر في النقد والترجمة والفنون المختلفة .
.. ….
(4) موسوعة التأصيل الإسلامي
وتتكون من (2):
. « من سقوط الخلافة إلى مولد الصحوة ».
. « ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ »
(5) موسوعة (تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلامي)
(6) موسوعة ( معالم تاريخ الإسلام ) :
وتتكون من الأجزاء التالية :
1 الإسلام والغرب
2 العروبة والإسلام
3 المخططات التلمودية الصهيونية
4 مقدمات المناهج .
5 المؤامرة على الإسلام
__________
(1) ليس من الإنصاف أن ندعي أن هذه هي جملة الموسوعات التي كتبها الأستاذ أنور الجندي ، بل هذا غيضٌ من فَيْض، الحق يقال : إن الأستاذ أنور الجندي انتهج الأسلوب الموسوعي في تحرير كافة مؤلفاته، فإذا سلَّمتَ لي بذلك – ولو حققت الأمر لسلمتَ – فكافة مؤلفاته موسوعات.
(2) لم يضع الأستاذ الجندي ترقيما لأجزاء هذه الموسوعة لذا لم نرقمها هنا .(35/7)
6 الشعوبية في الأدب العربي الحديث
7 من التبعية إلى الأصالة .
8 تاريخ الإسلام في مواجهة التحديات .
9 الإسلام في وجه التغريب
10 حركة اليقظة الإسلامية .
(7) في دائرة الضوء .
وهي موسوعة إسلامية فكرية مبسطة في الثقافة العامة ، تتكون من الأجزاء التالية :
1- وحدة الفكر الإسلامي
2- الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون
3 -فكرية في سبيل إعادة كتابة تاريخ الإسلام
4- في مواجهة الفراغ الفكري والنفسي للشباب
5- الشبهات المطروحة في أفق الفكر الإسلامي
6- التغريب : أخطر التحديات في وجه الإسلام
7- تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث
8- على الفكر الإسلامي أن يتحرر من : سارتر ، وفرويد ، ودوركايم
9- أخطاء الفلسفة المادية
10- نظريات وافدة كشف الفكر الإسلامي زيفها
11- فساد نظرية الجنس السامي واللغة السامية
12- موقف الإسلام من العلم والفلسفة الغربية
13- تصحيح المفاهيم الإسلامية
14- ماذا يقرأ الشباب المسلم ؟
15- محاذير وأخطار في وجه إحياء التراث والترجمة
16- رسالة المسلم
17- من طفولة البشرية إلى رشد الإنسانية
18- قضايا الشباب المسلم
19- المؤامرة على الفصحى لغة القرآن
20- سقوط نظرية دارون
21- البطولة في تاريخ الإسلام
22- المسلمون في فجر القرن الوليد
23- هل غير الدكتور طه حسين آراءه في سنواته الأخيرة ؟
24- الطريق إلى الأصالة
25- الوجه الآخر لطه حسين
26- مفاهيم النفس والأخلاق والاجتماع في ضوء الإسلام
27- الإسلام في وجه التحديات الوافدة والمؤثرات الأجنبية
28- مصححو المفاهيم : الغزالي ، ابن تيمية ، ابن حزم ، ابن خلدون
29- اعرضوا أنفسكم على موازين القرآن
30- تحديات في وجه المجتمع الإسلامي
31- نظرية السامية مؤامرة على الحنيفية الإبراهيمية
32- كمال أتاتورك وإسقاط الخلافة الإسلامية
33- الفنون والمسرح
34- التبشير الغربي
35- الانقطاع الحضاري
36- البهائية من الدعوات الهدامة
37- الخلافة الإسلامية
38- الفكر البشري القديم
39- ابتعاث الأسطورة مؤامرة جديدة تواجه الفكر الإسلامي
40- هزيمة الاستشراق في ملتقى الإسلام
..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(8) « المعلمة الإسلامية ».
موسوعة إسلامية ، تُعَرِّفُ بالإسلام بأسلوب سهل يسير، في ثلاثة مجلدات .
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مزيد من التفصيل
(9) موسوعة العلوم الإسلامية (1).
. « معالم تاريخ الإسلام المعاصر ».
. « تأصيل اليقظة وترشيد الصحوة ».
. « تاريخ الغزو الفكري والتغريب خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين 1920 – 1940م ».
. « أسلمة المناهج والعلوم والقضايا المعاصرة »
. « من اليقظة إلى الصحوة خلال المرحلة من 1933 م – 1988 م، تطور الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية »
. « في مواجهة الحملة على الإسلام »
. « الفكر الإسلامي والثقافة الغربية المعاصرة في مواجهة تحديات الاستشراق والتبشير والغزو الثقافي »
(10) « تطور الصحافة العربية وأثرها في الأدب العربي المعاصر ».
موسوعة في تاريخ الصحافة العربية ، وتتكون من ثلاثة مجلدات :
1- « الصحافة السياسية في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالمية الثانية »
2- « تطور الصحافة العربية بين الحربين ( 1919 – 1939 ) ( إطار لملامح المجتمع وصورة العصر ) ».
3- « تطور الصحافة بين الحربين ( 1919 – 1939 ) في العالم العربي ».
4- « تطور الصحافة في العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم ».
(11) موسوعة تاريخ الصحافة الإسلامية خلال القرن الرابع عشر الهجري 1301 / 1884 : 1400 / 1980 )
تتكون من الأجزاء التالية :
1- تاريخ الصحافة الإسلامية 1- المنار – محمد رشيد رضا ( 1315 / 1898 : 1353 / 1935)
2- مجلة الفتح – محب الدين الخطيب .
3- صحف الإخوان – حسن البنا .
4- مجلة الأزهر ( فريد وجدي – محب الدين الخطيب – الزيات )
5- الصحف الإسلامية ( بعد الحرب الثانية إلى نهاية القرن الرابع عشر ) 1940 – 1980 .
(12) " العودة إلى المنابع دائرة معارف إسلامية "
***
ثانيا
الآثار العلمية
للأستاذ أنور الجندي(2)
~~~
« شهادة العصر والتاريخ .. خمسون عاما على طريق الدعوة الإسلامية »
ط. دار المنارة ، جدة ، السعودية ، قطع متوسط ، ط 1 : 1413 / 1993 ، 287 صفحة .
هي مذكرات أنور الجندي ، فرغ من كتابة مقدمتها في 4 / 1413 هـ = 10 / 1992م(3)، وقد جاوز السبعين .
__________
(1) لم يضع الأستاذ الجندي ترقيما لأجزاء هذه الموسوعة لذا لم نرقمها هنا .
(2) يجب أن لا يفهم القارئ أن هذا حصر لمؤلفات الأستاذ أنور الجندي ، فإن حصرها لمن الصعوبة لبمكان ، وهنا ما استطعنا حصره من مؤلفاته ، ويبقى بعده الكثير.
(3) كما في شهادة العصر والتاريخ ص 3 ، 6(35/8)
والكتاب ممتع رائق ، يعبر عن فكر إسلامي نقي ، ورؤية هامة لما مرت به الأمة الإسلامية خلال القرن 15 هـ = 20م من مؤامرات الاحتواء والتغريب والتبعية ، وفيه شهادة للتاريخ ، وفيه معلومات صادقة هامة عن المؤلف وحياته وفكره وهمومه .
« مقدمات العلوم والمناهج .. محاولة لبناء منهج إٍسلامي متكامل »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، قطع كبير ، 10 أجزاء ( مجموع صفحاته : 6307 صفحة ).
"يتناول بالبحث الجذور الأساسية للفكر الإسلامي التي بناها القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وما واجهه من محاولات ترجمة الفكر اليوناني والفارسي والهندي ، وكيف قاوم مفهوم التوحيد كل محاولة لاحتوائه أو السيطرة عليه بما مكنه من بناء " منهج السنة والجماعة "، وكيف انبعثت عنه حركة اليقظة الإسلامية في العصر الحديث من قلب العالم الإسلامي نفسه فقاومت حركات التغريب والغزو الثقافي .
وضمت الدراسة إلى ذلك مخططات الغزو الاستعماري عن طريق الاستشراق والتبشير ومؤامرات ابتعاث الفكر الوثني الهليني والشرقي القديم ".
الهدف من الكتاب : قال مؤلفه 1 / 3 [ م ] :
" إن التحدي الخطير الذي يواجه العالم الإسلامي اليوم ( على أبواب القرن الخامس عشر الهجري ) انتقالا من التبعية إلى الأصالة، ومن التغريب إلى الرشد الفكري، ومن الإسلام إلى الإيمان هو وضع مقدمات العلوم والمناهج المبثوثة بحيث يمكن أن تغطي تلك الفجوة الضخمة بين الإسلام ومفاهيم العصر ، وبحيث يمكن أن تكون تلك المقدمات بمثابة إطار إسلامي للفكر المعاصر كله ، وهو ما قصرت عنه دراسات المعاهد والجامعات وبرامج التربية والتعليم المقررة ، حماية للشباب المسلم من تحديات الغزو ، وفي سبيل مواجهة الأخطار المحدثة بالإسلام والمسلمين ، واستمدادا من منابع الإسلام الأصيلة، هذا التحدي هو ما نود أن نواجهه بأن نضع في أيدي الشباب المسلم المثقف عصارة لكل المذاهب والأيدلوجيات والفلسفات المعاصرة من خلال نظرة الإسلام لها ، وردا على عشرات من الشبهات والزيوف والسموم التي تطرح في أفق الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي على السواء ..."
** موضوعات مجلدات الكتاب :
المجلد الأول : بناء الفكر الإسلامي وتطوره . ( عدد صفحاته : 575 )
( قال مؤلفه : يتناول بالبحث الجذور الأساسية للفكر الإسلامي التي بناها القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وما واجهه من محاولات ترجمة الفكر اليوناني والفارسي والهندي ، وكيف قاوم مفهوم التوحيد كل محاولة لاحتوائه أو السيطرة عليه بما مكنه من بناء " منهج السنة والجماعة " وكيف انبعثت عنه حركة اليقظة الإسلامية في العصر الحديث من قلب العالم الإسلامي نفسه فقاومت حركة التغريب والغزو الثقافي .
وتضم الدراسة إلى ذلك مخططات الغزو الاستعماري عن طريق الاستشراق والتبشير ومؤتمرات ابتعاث الفكر الوثني الهليني والشرقي القديم )
المجلد الثاني : تاريخ الإسلام منذ فجر الإسلام إلى اليوم . ( عدد صفحاته : 788 )
( قال مؤلفه : يقدم المجلد دراسة لتاريخ الإسلام منذ طلوع فجره إلى اليوم ( 1979 م ) مرورا بمراحله المختلفة وأحداثه الكبرى وتوسعاته في قارات آسيا وأوربا وإفريقيا ، كاشفا عن أكبر أحداثه في مواجهة الحملات الصليبية والمغولية والغزو الفرنجي على جبهات الأندلس والمغرب والشام وبيت المقدس ومصر ، وعلاقة الإسلام بعالم الغرب من خلال الاستعمار الغربي والصهيونية والشيوعية كاشفا عن علاقات التُّرك والعرب من خلال دولة الخلافة العثمانية والعروبة والإسلام ، ومحاولات القوميات الضيقة والإقليميات والوحدة الإسلامية والتضامن ، وبزوغ عصر اليقظة ، انطلاقا إلى عصر النهضة على مشارف القرن الخامس عشر الهجري )
المجلد الثالث : العالم الإسلامي المعاصر . ( عدد صفحاته : 672 )
( قال مؤلفه : يتناول بالبحث تاريخ العالم الإسلامي المعاصر وأقطاره وقضاياه ، والتحديات الموجهة إليه ، وقضية الجامعة الإسلامية والوحدة العربية والتضامن ، وموقف العالم الإسلامي من القوى الغازية الثلاث : الاستعمار الغربي والصهيونية والشيوعية ، ودراسة قضايا العالم الإسلامي على أبواب القرن الخامس عشر الهجري ، وما يتصل بالعلاقات بين الشيوعية والصهيونية والدعوات الهدامة كالبهائية والقاديانية والمخططات التي تستهدف غزو المجتمع الإسلامي )
المجلد الرابع : اللغة والأدب والثقافة . ( عدد صفحاته : 855 )
( قال مؤلفه : يقدم دراسة مستوعبة لقضايا ثلاث كبرى :
أولا : اللغة العربية الفصحى – لغة القرآن – والتحديات التي واجهتها في العصر الحديث ، ومؤامرات العامية والكتابة بالحروف اللاتينية وما قام به النفوذ الأجنبي من تجميد لنفوذ الفصحى ودفع اللغات الأجنبية والعاميات .(35/9)
ثانيا : الأدب العربي : خصائصه المستمدة من القرآن والسنة ، وارتباطه في العصر الحديث بالعصور المتوالية منذ ظهور الإسلام والتحديات التي واجهته من قضايا الشعر والقصة والتراث والأدب المهجري والأساطير والمسرحية اليونانية ودور الشعوب الحديثة .
ثالثا : دراسة الثقافة العربية ذات الانتماء الإسلامي وخصائصها ووجوه الاختلاف بينها وبين الثقافات الشرقية والغربية ، والكشف عن مصادر الثقافة الغربية والإغريقية والمسيحية واليهودية ، والتحديات التي تواجهها في مختلف المجالات )
المجلد الخامس : التبشير والاستشراق والدعوات الهدامة . ( عدد صفحاته : 507 )
( قال مؤلفه : يتناول بالبحث مخططات الغزو الفكري والثقافي والعقائدي في ثلاث موضوعات كبرى :
الأول : التبشير والاستشراق وأثرهما في الفكر والأدب والاجتماع .
الثاني : المؤامرة على تاريخ الإسلام ، وأثر الاستشراق في تزييف عدد من حقائق التاريخ الإسلامي .
الثالث : الدعوات الهدامة : تاريخها ، وأهدافها ، وشبهاتها )
المجلد السادس : المجتمع الإسلامي : نظام الإسلام ، قضايا المجتمع ، التربية الإسلامية ، مناهج التعليم . ( عدد صفحاته : 551 )
( قال مؤلفه : يتناول بالبحث : بناء المجتمع في الإسلام سياسيا واقتصاديا وتربويا ، ويتناول :
أولا : قضايا الانتماء والقوميات والإقليميات والوحدة الإسلامية الجامعة .
ثانيا : مفهوم " الإسلام " الجامع المتكامل ، من خلال الشريعة الإسلامية في مواجهة القانون الوضعي والديمقراطيات ، والاقتصاد الإسلامي .
ثالثا : مختلف تحديات المجتمع الإسلامي ، وقضايا الشباب والطفل والمرأة المسلمة ، وآثار الصحافة والسينما والإذاعة .
رابعا : دراسة شاملة للتربية الإسلامية وبناء الأجيال ، والكشف عن فساد النظام العلماني الذي طرحه الاستعمار في المجتمع الإسلامي .
خامسا : إعادة بناء مناهج العلوم والمناهج التجريبية والاجتماعية ، ودور الإسلام الرائد في بنائها ، وكيف تجاهلتها المناهج الحديثة )
المجلد السابع : الحضارة والعلم والعلوم الاجتماعية . ( عدد الصفحات : 594 )
( قال مؤلفه : يتناول بالبحث :
الكشف عن الدور الضخم الذي قام به الإسلام - استمداد من القرآن – في بناء المنهج التجريبي ، وكيف تحول هذا إلى الغرب لبناء الحضارة الحديثة .
دراسة الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارات الوثنية السابقة لها ، والكشف عن منطلقات هذه الحضارة ، وعطائها لحضارة الغرب ، والأثر الذي أحدثته في أزمة الإنسان والعالم نتيجة خروجها على منهج الله ، وقدرة الإسلام على تحرير الحضارة من الانحراف المادي .
دراسة مناهج العلوم الاجتماعية والنفس والأخلاق وأثر النظرية المادية في بناء الإنسان والمجتمع والمسرح والفن ، وموقف الإسلام ومنهجه في هذه القضايا ، وفي بناء الإنسان والمجتمع )
المجلد الثامن : طابع الإسلام بين الأديان والأيدلوجيات ( الإسلام وموقفه من الفلسفات والأديان) ( عدد صفحاته : 488 )
( قال مؤلفه : يجيب الكتاب على التساؤل : بماذا يتميز الإسلام بين الأديان والأيدلوجيات ، وذلك من خلال ثلاث رسائل :
عطاء الإسلام للبشرية .
العلمانية في ضوء الإسلام
الإيدلوجيات المعاصرة .
ومن خلال ذلك يكشف الكثير من الحقائق ويرد على الكثير من الشبهات المثارة )
المجلد التاسع : المنهج الغربي : أخطاؤه ، وشبهاته ، والشبهات المثارة حول الإسلام . ( عدد صفحاته : 542 )
( قال مؤلفه : يتضمن ثلاثة أبحاث متصلة متكاملة :
أخطاء المنهج الغربي الوافد في مجالات : العقائد ، والدين ، والفلسفة ، والتاريخ ، والحضارة ، واللغة ، والأدب ، والفن ، بالمقارنة مع أصول منهج البحث العلمي الإسلامي ، والكشف عن وجوه التباين والاختلاف بينهما .
دراسة قضايا التعليم والشريعة واللغة العربية بين التبعية والأصالة .
موقف الإسلام من الفلسفات القديمة )
المجلد العاشر : تاريخ اليقظة الإسلامية . ( عدد صفحاته : 735 )
( قال مؤلفه : يسجل البحث ثلاث مراحل لليقظة الإسلامية : الأولى منذ سيطرة الاستعمار الغربي على العالم الإسلامي وإلى مطالع الحرب العالمية الأولى . الثاني : مرحلة التغريب التي امتدت خلال ما بين الحربية الأولى والثانية . الثالث : مرحلة الغزو الفكري الغربي والماركسي والصهيوني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم )
« كيف يحطم المسلمون قيد التبعية والحصار ».
ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1 : 1405 هـ / 1985 م، قطع متوسط، 99 صفحة .
** أبرز قضايا الكتاب :
1. الإسلام : هذا النور المبين ص 5
2. المؤامرة على الصحوة وأبعادها ص 23
3. المؤامرة على المنهج الإسلامي ص 39
4. كيف يحطم المسلمون قيد التبعية والحصار : ( ص 49 )
- توهين الإسلام هي خطة الغزو الثقافي والتغريب
- سقوط النموذج الغربي وانهياره أمام النفس المسلمة اليوم
- وما زالوا يخدعوننا بإحياء الفكر الباطني والوثني(35/10)
- الاستشراق زيف حقائق الإسلام ويفرض مفاهيم مسمومة لتوهين الإسلام .
- المؤامرة على التاريخ الإسلامي .
- الحملة على الدولة العثمانية .
- إنهم يزرعون اليأس في قلب الشباب المسلم .
- لقد فشلت الحضارة الغربية في إعطاء النفس الإنسانية أشواقها
- ما تتطلع إليه البشرية : حضارة تعرف ربها .
- ترشيد الصحوة الإسلامية .
« حقائق مضيئة في وجه شبهات مثارة »
ط. دار الصحوة ، القاهرة ، ط 1 : 1410 / 1989 ، قطع متوسط ، 163 صفحة .
** أبرز قضايا الكتاب :
- الإسلام
- القرآن
- إسلام القرآن
- الأديان
- المعرفة بالإسلام
- النظام السياسي .
- النفس والأخلاق
« جيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1985 م ، قطع متوسط ، 224 صفحة .
قال أنور الجندي ص 4 :
" والحقيقة أن ما قدمته هذه المدرسة التي يسمونها تارة باسم " الرواد " وتارة باسم " جيل العمالقة والقمم الشوامخ " ليس إلا عصارات من الفكر الغربي انتزعت من هنا وهناك ، خلاصات ومضامين ذلك الفكر الذي سيطر على الغرب تحت اسم الفلسفة المادية ومدرسة العلوم الاجتماعية والتحليل النفسي ، وهو خلاصة ما كتب دارون ودوركايم وفرويد وسارتر وماركس وإنجلز ومترجمات للقصص الجنسي والإباحي من الأدب الفرنسي ، وكان الصراع في أول الأمر قائما بين اللاتينيين والسكسون هؤلاء مع المدرسة الإنجليزية ( العقاد والمازني وشكري ) وأولئك مع المدرسة الفرنسية ( خليل مطران وطه حسين وهيكل ) .
ثم جاء الصراع الثاني بين المدرسة الليبرالية ( لطفي السيد – طه حسين - وحسين فوزي وزكي نجيب محمود ) ومن المدرسة الإنسانية الماسونية ( الهومنيزم ) وعلى رأسها لويس عوض … " إلخ ، وهو حديث هام للغاية .
جاء في آخره ص 422 :
( أضفنا إلى هذا الكتاب مادة كتابنا " شخصيات اختلف فيها الرأي " )
وهذا الكتاب في غاية الأهمية .
** أهم نقاط الكتاب :
* مدخل إلى البحث :
. تقييم المحصول الذي قدمه جيل الرواد بميزان الإسلام .
. إعادة تقييم ما كتبه هذا الجيل الرائد .
. محاولة تغيير الهوية والانتماء والعرف الإسلامي .
. سقوط المسلمات الباطلة .
. رواد الأصالة ورواد التبعية .
1- جيل العمالقة والقمم الشوامخ
- لطفي السيد وأكذوبة أستاذ الجيل ص 35 : 75 .
. الحملة على اللغة العربية والدعوة إلى العامية ص 41 :
. سياسة " الجريدة " ص 45 :
. لطفي السيد وترجمة مؤلفات أرسطو ص 49 :
2 - جورجي زيدان ص 61 : 83 .
. " تاريخ آداب اللغة العربية " ص 61 : 69 .
. " تاريخ التمدن الإسلامي " ص 70 : 76 .
. روايات جورجي زيدان لا روايات الإسلام ص 77 : 83 .
3- أحمد أمين – فجر الإسلام . علي عبد الرازق – الإسلام وأصول الحكم ص 85 : 104
4 - سعد زغلول ص 105 :
. سعد زغلول رأس المدرسة الحزبية في مصر ص 113
. سعد زغلول واللغة العربية ص 123 : 127 .
. مواقف سعد ص 128 : 131 .
5 - قاسم أمين ص 133 : 148 .
. المرأة المسلمة وموقفها من قضية تحرير المرأة ص 144 : 148 .
6 - ساطع الحصري ص 149 :
. عجز الحصري عن فهم الفارق بين الكتلة الإسلامية والقومية الغربية وبين العروبة والإسلام ص 157 : 159 .
7 - سلامة موسى ص 161 :
. سلامة موسى : دارون ونظرية التطور ص 172
8 - زكي نجيب محمود ص 185 : 201 .
9 - توفيق الحكيم ( تبعية للفكر الوثني والمادي من الشباب إلى الشيخوخة ) ص 203 : 217 .
10 - عبد الرحمن الشرقاوي ص 219 :
. مخططات تكشف أهدافها ولم تعد تخدع أحدا ص 221 :
. كتاب « محمد رسول الحرية » ص 226 :
. مسرحية الحسين شهيدا ص 241 :
. مآخذ على كتابات الشرقاوي " حول الإمام علي " ص 245 :
. أخطاء عبد الرحمن الشرقاوي في كتابة السيرة والتاريخ ص 250 : 252 .
11 - محمد التابعي ( منشئ صحافة الإثارة ) ص 253 : 259 .
12 - لويس عوض ص 261 :
. مؤامرة توفيق الحكيم ولويس عوض
. التشكيك في القرآن ص 269 :
. الهجوم على لغة القرآن ص 272 :
13 - مدحت ( مدحت باشا ) وأتاتورك ( الرد على عبد الحميد الكاتب ) ص 285 : 294 .
14 - كيف سرق غاندي الحركة الوطنية من المسلمين ص 295 : 304 .
15 - سارتر بين عبد الرحمن بدوي وأنيس منصور ص 305 : 313
16 - طه حسين ص 315 :
. ماذا بقي من طه حسين بعد أحد عشر عاما من وفاته ص 325 : 330 .
. أمانة الأجيال ص 331 : 335 . ( في الرد على ثروت أباظه )
. كلمة حق في الرد على المدافعين عن طه حسين ص 336 : 340 .
. حقائق في حياة طه حسين ص 341 : 345 .
. لماذا لم يدخل طه حسين مدرسة البيان في النثر العربي الحديث ؟ ص 346 :
. انكشاف ما خفي على الناس زمانا ص 350 :
- تحفظات على الكتابة العصرية للسيرة النبوية ص 265 : ( حول كتابات طه حسين وهيكل والعقاد – على هامش السيرة – محمد – عبقرية محمد )
- الحملة على نوابغ الإسلام . الحملة على جمال الدين الأفغاني للويس عوض ص 392 : 394 .(35/11)
- أخطاء منهج القمم الشوامخ وجيل العمالقة ص 395 : (ومما فيها : عريضة اتهام عنيفة ضد طه حسين وجيله).
- محاولة مضللة لتزييف تاريخ الفكر الإسلامي والعمل على إحياء سموم علي عبد الرازق وقاسم أمين ومنصور فهمي ص 403 :
- سقطت مدرسة التبعية للفكر الوافد ص 410 : 412 .
- الدكتور إبراهيم بيومي مدكور تصور زائف لحركة اليقظة الإسلامية ص 413 :
. هل كان لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين من تلاميذ الشيخ محمد عبده ، هل كان محمد عبده هو قمة اليقظة أو مرحلة من مراحلها ؟ ) ص 405 :419 .
« مفكرون وأدباء من خلال آثارهم »
ط. دار الإرشاد ، ط1 : بدون تاريخ ، قطع متوسط
مجال البحث في الكتاب :
" العالم العربي من المغرب إلى العراق ، زمن البحث : بعد الحرب العالمية الثانية ".
قال مؤلفه ص 8 :
" ولا بأس أن نشير هنا إلى أن " موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر " التي صدر منها حتى الآن 18 مجلدا قد استطاعت أن تجري مسحا شاملا قريبا من الكمال للأدب العربي في العالم العربي منذ أوائل الحرب العالمية الثانية، وان هذه الدراسة التي بين يدي القارئ اليوم هي أول عمل فيما بعد الموسوعة".
ضم الكتاب 39 شخصية ( هي : أبو الفضل إبراهيم ، إبراهيم الأبياري ، أحمد الحوفي ، أحمد حسين ، أحمد الشرباصي ، أحمد عطية الله ، أحمد غلوش ، أحمد شلبي ، بدوي طبانة ، حمدي حافظ ، خالد محمد خالد ، خير الدين الزِّرِكْلِيّ ، خيري حماد ( من الأردن )، د. زكي علي ، عبد العزيز بنعبد الله ( المغرب )، عامر محمد بحيري، عمر الدسوقي ، عبد العزيز الدسوقي ، عبد الله كنون ، عز الدين الأمين ( من السودان )، علي أدهم ، عمر فروخ، علي الجندي ، قدري حافظ طوقان ، كامل السوافيري ( من فلسطين )، كامل الكيلاني ، محب الدين الخطيب ، د. محمد صبري ، الأمير مصطفى الشهابي ( من سوريا ) ، محمد صبيح ، محمد عبد الغني حسن ، محمد عطا ، محمد علي ديوز ( من الجزائر ) ، محمد عبد الله عنان ، د. محمد محمد حسين ، د. مصطفى الحفناوي ، هلال ناجي ( من العراق )، وديع فلسطين ، د. يوسف عز الدين ( من العراق ) ).
« من أعلام الفكر والأدب »
ط. الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 29 / 9 / 1964 ، ـ مذاهب وشخصيات ( 98 ) ، قطع متوسط ، 186 صفحة .
الكتاب قبل التوجه الفكري الإسلامي النقي للمؤلف، وعليه فالتراجم التي فيه لا تعكس فكر أنور الجندي الإسلامي الأصيل .
« عبد العزيز جاويش من رواد التربية والصحافة والاجتماع »
ط. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر ( الدار المصرية للتأليف والترجمة ) ، مصر ، سلسلة أعلام العرب ( 44 ) ، قطع دون المتوسط ، 231 صفحة ، بدون تاريخ .
الكتاب ترجمة عبد العزيز جاويش .
« عالمية الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، مصر ، قطع دون المتوسط ، إيداع 1987 م ، 142 صفحة .
** أبواب الكتاب :
1 ذاتية الإسلام
2 خصائص الإسلام
3 معطيات الإسلام
4 حضارة الإسلام
5 عالمية الإسلام
« الصحافة السياسية في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالمية الثانية »
ط. مكتبة الأنجلو المصرية ودار المعرفة ، القاهرة ودار المعارف بيروت ، قطع دون المتوسط، 672 صفحة ، 1962 م
الكتاب هو المجلد الأول من مؤلفه : " تطور الصحافة العربية وأثرها في الأدب المعاصر "، والذي يتكون من ثلاثة مجلدات هي :
1- الصحافة السياسية في مصر منذ نشأتها إلى الحرب العالمية الثانية
2 - تطور الصحافة العربية بين الحربين ( 1919 – 1939 )
3 - تطور الصحافة في العالم العربي بعد الحرب الثانية إلى اليوم.
قال في مقدمة الكتاب يصف الجهد الذي بذله لتأليف الكتاب :
" وإننا نستطيع أن نتصور كيف يكون الجهد من أجل ذلك إذا ذكرنا أننا في صدد دراسة هذه الحلقة عن الصحافة السياسية في مصر قرأنا ألوف الصفحات من عشرات الصحف ، وأننا قرأنا قراءة استيعاب كاملة ( جريدة الأهرام منذ عام 1920 – 1939 ) وأعددنا فهرسا موضوعيا للانتفاع به في بحث هذه الفترة بلغ أكثر من ألف صفحة ، وإنا من أجل البحث عن صحف فترة ( 1880 – 1939 ) قد صعدنا إلى مكتبة دار الكتب بالقلعة يوميا لمدة عام كامل ".
ثم قال ص هـ :
" وإنا لنرجو أن نبذل أضعاف هذا الجهد من أجل دراسة مماثلة للصحافة السياسية في العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج لنكشف الصورة الحقيقية للفكر العربي من خلال هذا الجانب السياسي التي غلب عليه الزيف أحيانا ورسمت فيه بطولات خادعة وأقصيت بطولات صادقة مجاهدة ".
الكتاب في الواقع دراسة جادة هامة .
11
« أهداف التغريب في العالم الإسلامي ».
ط. الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية ، الأزهر ، مصر ، قطع متوسط ، سلسلة ( قضايا إسلامية معاصرة ) ، 1987 م
** أبرز قضايا الكتاب :
1. مؤامرة التغريب وأبعادها
- أهداف التغريب .
- الغزو الثقافي : سلاح التغريب وأداته
- الاستشراق والتبشير .
2. تزييف مفهوم الإسلام الأصيل .
- تزييف مفهوم الإسلام الأصيل .(35/12)
- تحطيم الوحدة الإسلامية .
- إفساد المصادر والمراجع .
3. المعاول ما تزال تضرب في جدار الإسلام .
- التعليم هو منطلق التغريب الأول
- تدمير العقيدة الإسلامية .
- التشكيك في الشريعة الإسلامية .
- تزييف الثقافة الإسلامية
- مفاهيم النفس والأخلاق والاجتماع .
- طرح سموم الحضارة الغربية في مجتمعنا .
- المؤامرة على الفصحى لغة القران .
- محاولة تزييف تاريخ الإسلام .
- محاولة تدمير التراث الإسلامي .
- محاولة فرض مفهوم وثني للفن .
4. مواجهة أخطار التغريب .
- مواجهة أخطار التغريب .
- نظريات مسمومة .
- التحرر من المسلمات الباطلة .
« عبد العزيز الثعالبي رائد الحرية والنهضة الإسلامية 1879 – 1944 ».
ط. دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 : 1404 / 1984 ، قطع دون المتوسط ، 222 صفحة .
« المعارك الأدبية في مصر منذ 1914 – 1939 م ».
ط. مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1983 م ، قطع متوسط ، 728 صفحة
** أبرز قضايا الكتاب :
1. معارك الوحدة والتجزئة
- معركة الوحدة العربية ( طه حسين وعزام والخطيب ) ص 16
- مصر بين العربية والفرعونية ( الزيات وعثمان ص 28
- معركة العروبة والمصرية ( ساطع الحصري وطه حسين ) ص 59
2. معارك اللغة العربية ص 73
- تمصير اللغة العربية ( مصطفى الرافعي ولطفي السيد ) ص 73
- مجمع اللغة ما هي مهمته ؟ ( منصور فهمي وطه حسين ) ص 82
- معركة الكتابة بالحروف اللاتينية ( عبد العزيز فهمي و محمد كرد علي ) ص 90
3. معارك مفاهيم الثقافة ص 104 :
- ثقافة الشرق وثقافة الغرب ص 104 ( معركة بين فيلكس فارس و إسماعيل أدهم )
- لاتينيون وسكسونيون : بين العقاد وطه حسين ( ص 127 :
- النزعة اليونانية : بين زكي مبارك وطه حسين ص 137
- كتابة السيرة : بين التاريخ والأسطورة ص 148
- بين هيكل وطه حسين ص 148
- معركة الترجمة : بين منصور فهمي وطه حسين ص 163
- أدب الساندويش : بين أمين الزيات والمازني والعقاد ص 169
- أدبنا هل يمثلنا ؟ : بين أحمد أمين وأمين الخولي ص 174
- غاية الأدب ، ما هي ؟ : بين زكي مبارك وسلامة موسى ص 178
- متى يزدهر الأدب ؟ : بين لطفي جمعة وزكي مبارك ( ص 181
- الأدب المكشوف : بين توفيق دياب وسلامة موسى ص 185
- التراث الشرقي : يكفي أو لا يكفي : بين عبد الرحمن الرافعي والعقاد ص 194
- ثقافة دار العلوم : بين أحمد أمين ومهدي علام ص 198
4. معارك الأسلوب والمضمون : ص 205
- بين الرافعي وسلامة موسى وطه حسين ص 205
- أسلوب الكتابة : معركة بين شكيب أرسلان وخليل السكاكيني ص 213
- أساليب الكتابة : بين شكيب أرسلان ومحمد كرد علي ص 222
5. معارك النقد : ص 231 :
- أسلوب طه حسين : بين المازني وطه حسين ص 231
- مقومات الأدب العربي : بين زكي مبارك و أحمد أمين ص 241
- مذهبان في الدب : بين أنصار الرافعي وأنصار العقاد ص 266
- بين النقد الذاتي والموضوعي : بين أحمد أمين وطه حسين ص 296
- الأدب بين التجديد والانحراف : بين زكي مبارك وزكي أبو شادي ص 296
- هل نقتبس أم نقلد : بين منصور فهمي وطه حسين ص 307
- معركة فقدان الثقة : بين محمد حسين هيكل وطه حسين ص 310
- الفن للفن والفن للمجتمع : بين أحمد أمين وتوفيق الحكيم و عبد الوهاب ص 319
6. معارك النقد حول الكتاب :
- رسالة منصور فهمي للدكتوراه ص 329
- الخلافة وأصول الحكم : معركة حول كتاب علي عبد الرازق ص 334
- معركة الشعر الجاهلي ص 346
- كتاب " النثر الفني " : بين زكي مبارك وفريد وجدي ولطفي جمعة ص 379
- كتاب " أوراق الورد " بين الرافعي ولطفي جمعة و إبراهيم المصري ص 388
- كتاب " ثورة الأدب " : بين فريد وجدي وهيكل ص 394
- كتاب " مع المتنبي " بين محمود شاكر وطه حسين ص 404
- معركة " مستقبل الثقافة " : بين طه حسين وساطع الحصري وزكي مبارك و محمد حسين ص 409
7. المعارك بين المجددين [و] المحافظين
- معارك الرافعي مع العقاد وطه حسين وزكي مباركو عبد الله عفيفي ص 427
- معركة فضل العرب على الحضارة بين طه حسين و أحمد زكي باشا وشكيب أرسلان ص 445
- الدين والمدنية بين محمود عزمي وعلماء الأزهر ص 451
- التغريب : بين حسين فوزي وسعيد العريان ص 455
- حقوق المرأة : مساجلة بين رشيد رضا ومحمود عزمي ص 457
- معركة حول التراث القديم : بين زكي مبارك والسباعي بيومي ص 463
- معركة الخلاف بين الدين والعلم ص 475
- جمال الدين الأفغاني ورينان : بين رشيد رضا و مصطفى عبد الرازق ص 490
- خم النوم : بين أحمد زكي باشا وزكي مبارك
- بين النقد والتفريط : بين زكي مبارك و عبد الله عفيفي ص 511
8. معارك بين المحافظين حول اللغة
- بين أحمد زكي باشا ومحمد مسعود ص 518
9. معارك نقد الشعر ص 535
- بين شوقي ونقاده ص 527
- بين عبد الرحمن شكري والمازني ص 547
- إمارة الشعر : بين الزهاوي ومطران ص 565
- ديوان " وحي الأربعين " : بين مصطفى صادق الرافعي والعقاد ص 570
10. معارك النقد في المجددين(35/13)
- بين التغريب والتجديد : مساجلة بين توفيق الحكيم وطه حسين ص 587
- معركة الكرامة : بين توفيق الحكيم وطه حسين ص 595
- معركة الصفاء بين الأدباء : بين توفيق الحكيم وزكي مبارك والعقاد والزيات ص 607
- معارك النقد : بين العقاد وطه حسين ص 624
- بين ز كي مبارك وخصومه ص 634
- مبارك ينقد كتابه " الأخلاق عند الغزالي " ص 642
- بين العقاد وخصومه ص 646
- بين سلامة موسى وخصومه ص 649
- بين المازني وخصومه ص 656
- معارك أدبية بين د. هيكل وطه حسين ص 660
- أضخم معركة في تاريخ الأدب العربي المعاصر بين زكي مبارك وطه حسين ص 670
- المعارك الأدبية بين شباب الأدب وشيوخه ص 713
« الفكر الغربي دراسة نقدية »
ط. إدارة الشئون الإسلامية ، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ، الكويت ، قطع دون المتوسط ، 360 صفحة .ط 1 : 1407 هـ / 1987 م .
قال مؤلفه في مقدمته ص 7 : " لقد أصبح من الضروري على الأمة الإسلامية قبل نهاية العقد الأول من القرن الخامس الهجري أن تحدد موقفها من الفكر الغربي والحضارة الغربية تماما بعد أن مرت معهما بمراحل متعددة أبرزها الانبهار والتبعية ثم العودة إلى الذات والتماس المنابع واكتشاف فساد نظرية الولاء وضرورة الانعتاق والتحرر ، وقد جاءت الأحداث عاملة على وضع المسلمين على طريق الأصالة بعد أن خدعتهم فكرة الولاء والتبعية وترتب عليها هزيمتهم واحتوائهم وحصارهم وسقوط أعز درة من تاريخ وجودهم الإسلامي وهى القدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقبلة الأولى في أيدي أعدى أعداء الإنسانية ( يهود ) … "
** النقاط الرئيسية في الكتاب :
- الفكر الغربي قبل الإسلام .
- بين الأديان السماوية والفلسفات .
- المواجهة مع الفكر الغربي .
- طاقة جديدة من النور .
- ماذا يري مفكرو الغرب في حضارتهم .
- ماذا يرى مفكرو الغرب في عقيدتهم .
- تساقط أوراق الخريف .
** ومن الفوائد في الكتاب :
. ماذا أخذ الغرب وماذا أعطى ص 48
. أرسطو بين الفارابي وابن سينا ص 58
. جارودي مرجع جديد في فهم الإسلام ! ص 289
« إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1985 م ، قطع متوسط ، 334 صفحة .
كتاب هام جدا . قال مؤلفه ص 5 :
" في مطلع هذا القرن الهجري الخامس عشر تقتضينا أمانة القلم ومسئولية الكتابة في الثقافة والأدب والعمل الصحفي خلال أربعين عاما أن نعيد النظر في كتابات العصريين الذين حاولوا السيطرة على آفاق الفكر الإسلامي الأصيلة وتحويلها من وجهتها الخالصة لله تبارك وتعالى إلى وجهات متعددة وصدق الله تبارك وتعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ .. } … "
ثم قال ص 21 بعد أن استعرض ما عاث فيه الصحفيون فسادا والحصار على الصحافة الإسلامية :
" من أجل هذا كله كان لابد من " إعادة النظر في كتابات العصريين " . اللهم اجعلنا سلما لأوليائك حربا على أعدائك ، نحب بحبك من أحبك ونبغض ببغضك من خالفك ، هذا وبالله التوفيق ".
** أبرز قضايا الكتاب :
1- قضايا مثارة في ضوء الإسلام :
- الشريعة الإسلامية ( فتحي غانم – روز اليوسف
- عقيدة ومنهاج وحياة ( محمد خلف الله - فؤاد زكريا - حسن حنفي )
- مفهوم الإسلام للفن وقضاياه .
- المؤامرة على الخلافة والدولة العثمانية – عبد الحميد الكاتب : أخبار اليوم
- كتاب الإسلام وأصول الحكم ليس من تأليف على عبد الرازق بل من تأليف مرجليوث .
- الذاتية الإسلامية ومعركة المحافظة عليها .
- مصر عربية إسلامية - محاولة للقضاء على الانتماء العربي الإسلامي .
- استعلاء موجة الجنس في الأفلام والمسرحيات والمسلسلات .
- حقيقة القمم الشوامخ والعمالقة .
- خلفاء طه حسين وغلمان المستشرقين وزكي نجيب محمود - توفيق الحكيم - حسين فوزي .
- سقوط مذهب الوجودية .
- المؤامرة على الفصحى لغة القرآن - لويس عوض
2- كتاب العصر :
(1) جيل الرواد : ( رفاعة الطهطاوي ، لطفي السيد ، علي عبد الرازق ، أمين الخولي ، حسين فوزي، العقاد ، هيكل ، طه حسين )
(2) تاب لبنان المارون ( فارس نمر ، فرح أنطون ، سليم سركيس ـ يعقوب صنوع ، شبلي شميل ، أديب إسحق ، لويس صابونجي ، جبران خليل جبران (أدب المهجر )، جرجي زيدان ( روايات الإسلام ) ).
(3) الفن والمسرح : نجيب الريحاني - زكى طليمات – يوسف وهبي .
(4) دعاة التغريب ( ساطع الحصري (القوميات )، سلامة موسى (التغريب )، توفيق الحكيم (التغريب)، توفيق الحكيم - محاولة جديدة على طريق تغريب الإسلام . لويس عرض (التغريب ).
(5) نجوم الصحافة ( مصطفى أمين ، إحسان عبد القدوس (القصة)، أمينة السعيد ( الصحافة النسوية) حسين مؤنس (التغريب )، صلاح جاهين ( العامية )، يوسف إدريس (التغريب ) ، أنيس منصور )
(6) دعاة الشعوبية .
- مناهج التعليم : أتباع ديوي ( إسماعيل القباني - عبد العزيز القوصي ) .(35/14)
- د. محمد أحمد خلف الله ( الشعوبية )
- عبد الرحمن بدوي (الفلسفة الوجودية ) .
- غالي شكري ( التراث )
- زكي نجيب محمود (التغريب ).
- عبد الرحمن الشرقاوي ( التفسير المادي للتاريخ )
- عمر عبد العزيز أمين ( ترجمة القصة )
- صلاح عبد الصبور ( الشعر الحديث بلا شهادة ميلاد )
- عصبة العلمانية أعداء الشريعة الإسلامية - خلفاء علي عبد الرازق : ( خالد محمد خالد، أحمد بهاء الدين ، محمد عمارة ، محمد أحمد خلف الله ، محمد سعيد عشماوي )
- إعادة النظر في كتابات التغريب
« اليقظة الإسلامية في مواجهة التغريب »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، 1991 م ، 383 صفحة ، قطع متوسط .
قال مؤلفه ص 5 :
"يعنى هذا البحث بدراسة حركة اليقظة العربية الإسلامية فترة ما بين الحربين ( 1920 - 1940 ). ولما كانت هذه المرحلة إنما تمثل حلقه من حلقات الفكر الإسلامي كله منذ فجر الإسلام . وكانت حركة اليقظة في العصر الحديث قد بدأت في منتصف القرن الثالث عشر الهجري ( عام 1256 م تقريبا ) فإن الأمر يقتضي تقديم عرض سريع شامل للمعطيات التي قدمتها المرحلة السابقة حتى أوائل الحرب الأولى حتى يمكن استعراض هذه المرحلة الدقيقة التي حفلت بالتحديات والأخطار والتي واجهتها حركة اليقظة في دقة وحسم واستطاعت أن تكشف زيفها وأن ترد عاديتها وخطرها ، وأن تكسب إلى صفها بعض خصومها ".
** أبرز القضايا :
1- مدخل تاريخي سياسي
2- حركة التغريب .
3- نمو حركة اليقظة واتساع آفاقها . ( المدرسة القرآنية : جماعة الإخوان )
4- بناء الفكر العربي الإسلامي ومضامينه ( العمل الأكبر للدعوة الإسلامية الحكم بكتاب الله )
5- التحديات في وجه حركة اليقظة .
- تحديات التغريب وقضاياه
- عالمية الثقافة .
- التبعية للاستشراق والتغريب .
- الحملة على الإسلام ورجال الأزهر
- تجزئة الإسلام .
- الهجوم على القرآن
- الشريعة والقانون .
- النظرية المادية .
- إقليمية الأدب .
- الهجوم على الفصحى
- التغريب
- تزييف التاريخ وتدمير البطولة .
- إحياء الأساطير
- الشعوبية واتهام العقلية العربية
- إسقاط الحضارة الإسلامية
- الإغريقيات والنزعة اليونانية
- فصل الأدب عن مقومات المجتمع والفكر
- المرأة والمجتمع
- الأدب المكشوف والإباحية
- الدعوات الهدامة
- الإقليمية الضيقة
- تعظيم الغرب
- التبشير والإرساليات الأجنبية
- اتهام الأدب العربي
- لعروبة ذات الجذور . . والانفصالية
- تغريب التعليم والجامعة والتربية
- إحياء ما قبل الإسلام
6- انكسار الموجة
- الانتقاض على تيار التغريب ( أولا : النتائج التي حققها انكسار الموجة . ثانيا : دراسات التاريخ ثالثا : إحياء التراث رابعا : الشريعة خامسا : الحضارة سادسا : اللغة سابعا : الصحافة
7- مدرسة اليقظة أعمدها ومناهجها ( عبد الحميد بن باديس ، محمود أبو العيون ، مصطفى صادق الرافعي ، فريد وجدي ، محمد مصطفى المراغي ، علي العناني ، محمد أحمد الغمراوي ، حسن البنا )
صحافة اليقظة ، مجلة المنار ، مجلة الفتح ، مجلة الشبان المسلمين ، مجلة الرسالة ، مجلة دار العلوم ، مجلة الأزهر ، مجلة النذير .
8- لانتقاض على حركة التغريب ( منصور فهمي ، إسماعيل مظهر ، الدكتور هيكل ، زكى مبارك
9- كبرى قضايا الفكر العربي ( قضية تحريف المفاهيم وتزييف القيم . تقرير اللجنة عن كتاب الأدب الجاهلي. ظاهرة الضعف والتخلف في العصور الأخيرة).
10- عروبة مصر وإسلامية الثقافة
خاتمة : إيماءات إلى مصادر الخطر .
« حركة اليقظة الإسلامية في مواجهة النفوذ الغربي والصهيونية والشيوعية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1979 م ، 430 صفحة ، قطع متوسط .
** أبواب الكتاب :
1- الوحدة الإسلامية
2- الدعوة الإسلامية
3- مواجهة التحديات
4- مواجهة التحدي الخطير ( الصهيونية ، الشيوعية ، والنفوذ الغربي ).
5- أمة القرآن على أبواب القرن الخامس عشر .
« عقبات في طريق النهضة مراجعة لتاريخ مصر الإسلامية منذ الحملة الفرنسية إلى النكسة 1898 - 1964».
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ ، 351 صفحة ,
** أبواب الكتاب :
1- من التبعية إلى اليقظة ( ومما تضمنه : محمد علي ، إسماعيل باشا ، جمال الدين الأفغاني ، سعد زغلول وطه حسين )
2- من النكسة إلى الأصالة
3- تزييف حقائق الإسلام
4- تمزيق الوحدة الإسلامية
5- تدمير المجتمع الإسلامي
6- القانون الوضعي والاقتصاد الربوي
7- تحديات في وجه الثقافة العربية الإسلامية
8- اقتحام العقبات
* ومما تضمنه :
- بيان مصطلحات : ( الأمة الإسلامية ) ص 10 ، الأصالة ص 11 ، مصطلح الحرية ص 11 ، الإيمان الصادق ص 11 .
« تاريخ الإسلام في مواجهة التحديات »
ط. مكتبة التراث الإسلامي ، القاهرة ، إيداع 1989 م ، 400 صفحة ، قطع متوسط .
** أبواب الكتاب :
1- تاريخ ما قبل الإسلام
2- تاريخ الإسلام اليوم
3- تاريخ : وطني وقومي وإسلامي جامع
4- تفسير التاريخ الإسلامي(35/15)
5- تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث ( السلطان عبد الحميد )
« صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر »
ط. مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط 1 : 1979 م ، 395 صفحة ، قطع متوسط
** أبرز قضايا الكتاب :
* أولا : في أصول العمل الأدبي :
1- بناء الفكر العربي من خلال أعمال الموسوعيين العرب .
2- مصابيح مضيئة على طريف الثقافة العربية
3- المراجع المدونة والمصادر الحية
4- غوامض في تاريخ الأدب
5- أدوات الكاتب ومصادره
6- المصادر الحية
* ثانيا : أطروحات الأدب :
1- المدرستان الفرنسية والإنجليزية
2- التفريط والابتعاد
3- التعدين الهجاء والدعاية
4- أول معركة في النقد
5- طبقات الشعراء .. معركة بين الرافعي والمنفلوطي ومطران .
6- بين المنفلوطي والرافعي
7- فليكس فارس والمدرسة الوسطى
8- بين هيكل وطه حسين
9- حسن العطار وعبد الغني حسن
10- فن الكتابة
11- التجربة في حياة الفنان
12- عناوين الكتب بين الغرابة والغموض
13- الكاتب ومراجع الكاتب
14- أدب الطفل : كامل كيلاني
- أدب الطفل ( بين كيلاني وبرانق )
- المراسلات الأدبية وقيمتها الفكرية
- رسائل الرافعي
- رسائل الريحاني
- رسائل بين الكتاب والقراء
4. السرقات الأدبية :
- إبراهيم المازني والسرقات
- سرقات المازني في الترجمة .
5.فن التراجم
- الصلة الشخصية في كتابة التراجم والسير
- أزمات الأدباء : أزمة العصر وقضية الشراب
- أزمة سعيد العريان
- لماذا هاجر أبو شادي
6. من تاريخ الأدب :
- منزل في عين شمس ( حافظ إبراهيم يصور بيت محمد عبده في عين شمس )
- ثلاثة زعماء من صالون نازلي فاضل : سعد زغلول – محمد عبده – قاسم أمين
7. أدب المرأة :
- أزمة مي زيادة
- أزمة الأديبات العربيات ( عائشة التيمورية ص 326 ، ملك حفني ناصف ص 328 ، مي زيادة ص 333)
- مريم مزهر ووسيلة محمد ( سليم سركيس – حافظ نجيب )
- زينب فواز ( أول عربية كتبت في صحف مصر )
- قاسم أمين وسر دعوته إلى تحرير المرأة ص 360 :
7. من أدب الرحلات
8. أضواء جدية على شخصيات لامعة ص 372
- أيام من حياة شوقي
- جوانب من حياة العقاد
« من سقوط الخلافة إلى مولد الصحوة »
ط. بيت الحكمة ، القاهرة ، 1990 م ، 231 صفحة .
على صفحة العنوان : ( مع مطالع القرن الخامس عشر الهجري . موسوعة التأصيل الإسلامي . الفكر المعاصر والخروج من التبعية )
** فصول الكتاب :
1. الإسلام والغرب .
2. الدولة العثمانية .
3. الخلافة
4. الوحدة الإسلامية
5. القومية والعروبة
6. العروبة والإسلام
7. اليقظة
8. الأصالة
9. الصحوة
10. عالمية الإسلام
11. تاريخ الإسلام
12. اللغة العربية
« تصحيح المفاهيم في ضوء الكتاب والسنة »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1983 م ، قطع متوسط ، 480 صفحة .
في الغلاف الأخير للكتاب :
" تصحيح المفاهيم في ضوء الكتاب والسنة . موسوعة ميسرة جامعة ، تقدم :
أولا : مفاهيم الإسلام في : التوحيد ، أصول الإسلام ، الفطرة ، الاجتماع الإسلامي ، القرآن الكريم والسنة ، التربية الإسلامية ، الغيب ، الفن الإسلامي ، سنن الله ، الاقتصاد الإسلامي ، الفكر السياسي الإسلامي ، الفصحى لغة القرآن ، النبوة ، وحدة الدين ، الروح ، الحضارة الإسلامية ، الشريعة الإسلامية ، تاريخ الإسلام
ثانيا : وجهة نظر الإسلام في القضايا الآتية : التغريب ، الاستعمار ، الطائفية ، الفاشية ، الإقليمية ، العلمانية ، الأيدلوجيات ، الروحية الحديثة ، الأنثروبلوجية ، الوجودية ، الفلكلور ، الاقتصاد ، الاستشراق ، الديمقراطية ، الحكومة الثيوقراطية ، العروبة ، السامية ، التقدم ، الفرويدية ، الفرعونية ، الأسطورة ، الانفجار السكاني ، أزمة الحضارة المعاصرة ، الاجتماع والعلوم السياسية ، التفسير ، الرأسمالية ، الشعوبية ، القومية ، السلفية ، الصهيونية ، الدارونية ، البهائية ، التطور ، الشعر الحر ، فساد نظام الربا ، القصة".
« المدرسة الإسلامية على طريق الله ومنهج القرآن »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، 1984 م ، 271 صفحة ، قطع متوسط .
يدور الكتاب حول المدرسة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين . كُتب في أعلى صفحة العنوان الداخلية : "ليس كتابا عن التعليم ، بل عن الدعوة " .
** اشتمل الكتاب على الشخصيات التالية :
1 حسن البنا
2 عمر التلمساني
3 محمد الغزالي
4 صالح العشماوي
5 عبد الحليم محمود
6 محمد متولي الشعراوي
7 سيد قطب
8 علي سامي النشار
9 محمد المبارك
10 عبد القادر عودة
11 محمد البهي
12 محمود شيت خطاب
13 محمد محمد حسين
14 يوسف القرضاوي
15 عيسى عبده
16 محمود أبو السعود
17 مصطفى كمال وصفي
18 مالك بن نبي
19 ضياء الدين الريس
20 محمد عطية خميس
21 حسان حتحوت
22 المهدي بن عبود
23 مصطفى السباعي
24 محمد عبد الله دراز
25 محمد أحمد الغمراوي
26 أبو الأعلى المودودي
27 أبو الحسن الندوي
28 عمر بهاء الدين
29 زينب الغزالي
30 أنور الجندي ( ص 256 : 263 )
31 عمر فروخ .(35/16)
« يقظة الفكر العربي 1- في مواجهة الاستعمار »
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، إيداع 1971 م ، قطع متوسط ، 304 صفحة .
" يقظة الفكر العربي " : يضم هذا البحث ثلاث حلقات :
1- اليقظة في مواجهة الاستعمار .
2- اليقظة في مواجهة التغريب .
3- اليقظة في مواجهة الشعوبية ".
- يتبع هذا الكتاب مجموعة ( مصادر الموسوعة العربية الإسلامية )
** مما ضم الكتاب :
- محمد بن عبد الوهاب ص 47
- الشوكاني ص 59
- رفاعة الطهطاوي ص 64
- خير الدين التونسي ص 74
- الآلوسي ص 77
- التصوف السني ص 79
- محمد علي السنوسي ص 80
- الطرق الصوفية ص 86
- مدحت باشا ص 92
- جمال الدين الأفغاني ص 95
- ضيا آل كوك ص 117
- صدام القومية العربية والطورانية ص 133
- كرومر ص 145
- جمال الدين الأفغاني ص 150
- محمد عبده ص 162
- عبد الرحمن الكواكبي ص 174
- شبلي شميل ص 207
- فرح أنطون ص 207
- لطفي السيد ص 219
« التفسير الإسلامي للفكر البشري .. الأيدلوجيات والفلسفات المعاصرة في ضوء الإسلام .. دراسة جامعة (الفلسفة المادية ، العلمانية ، التفسير المادي للتاريخ ، البرجماتية ، الأجناس ، النفس والجنس لفرويد ، النسبية ، الوجودية ، الهيبية ، الروحية ، البهائية ) »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1978 م ، قطع متوسط ، 298 صفحة .
« تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلامي »
ط. مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط 1 : 1970 م ، 495 صفحة
قال مؤلفه ص 4 : " عندما يتاح لنا اليوم أن تتحقق أمينة غالية عاشت في أعماق النفس زمنا ، وهي إصدار موسوعة ( تراجم الأعلام )
** تضمن :
إبراهيم هنانو
أبو الكلام آزاد
أحمد عرابي
أمير بقطر
أمير علي
إسماعيل عصيرنسكي
جمال الدين القاسمي
خير الدين التونسي
رشيد رضا
رشيد عالي الكيلاني
رفيق العظم
شبلي النعماني
شكيب أرسلان
صلاح الدين الصباغ
طاهر الجزائري
طنطاوي جوهري
عزيز المصري
عبد الحميد بن باديس
عبد الحميد الزهراوي
عبد الرحمن شهبندر
عبد الرحمن الرافعي
عبد العزيز الثعالبي
عبد القادر الجزائري
عبد القادر المغربي
عبد القادر الحسيني
عبد الكريم الخطابي
عبد المحسن الكاظمي
علي مبارك
علي يوسف
عمر مكرم
فارس الخوري
فريد وجدي
مدحت باشا
محمد أحمد المهدي
محمد علي جناح
محمد بن عبد الوهاب
محمد بن علي السنوسي
محمد بن العربي العلوي
محمد مصطفى المراغي
محمد مصدق
محمد مسعود
مصطفى عبد الرازق
مصطفى كامل
نعمان ، أبو الثناء ، الآلوسي
يوسف العظمة
« اليقظة الإسلامية في مواجهة الاستعمار ( منذ ظهورها إلى أوائل الحرب العالمية الأولى ) »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ أو رقم إيداع .
جاء في ص 7 :
" اليقظة الإسلامية .. دراسة للفكر الإسلامي في العصر الحديث ، تصدر في ثلاث حلقات :
الأولى : في مواجهة الاستعمار .
الثانية : في مواجهة التغريب .
الثالثة : في مواجهة الأيدلوجيات الغربية والماركسية والصهيونية .
قال مؤلفه ص 9 :
" إن يقظة الفكر العربي الإسلامي التي جاءت بعد مرحلة الضعف والتخلف إنما انبثقت من قلب المجتمع العربي الإسلامي نفسه ، وأنها لم تبدأ من خلال حركة خارجية ، أو أنها جرت بمحض الصدفة، وهي خطوة طبيعية للفكر العربي الإسلامي ، وفق قانونه الطبيعي الذي يعطيه دائما القوة على التجدد من التجدد من الداخل …".
«قضايا العصر ومشكلات الفكر تحت ضوء الإسلام».
ط. مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 : 1401 / 1981 ، 252 صفحة .
** مما تضمنه :
1- قضايا العصر :
- الإسلام والعلم - الإسلام والدين - الإسلام والتوحيد - الإسلام والحضارة المعاصرة
- الإسلام والنفس الإنسانية - الإسلام والأخلاق - الإسلام والأدب - الإسلام والمجتمع
- الإسلام والروحية الحديثة
2- مشكلات الفكر :
- القيم - التطور - الحرية - العقل - التقدم - العلوم والإنسانيات - التجديد - الأصالة
- البطولة - اصطلاح " المأساة " - النبوة والعبقرية - الفنون الجميلة - لقاء الأجيال
- الضياع - الفلكلور - مصطلح " الضمير "
« تأصيل مناهج العلوم والدراسات الإنسانية بالعودة إلى منابع الفكر الإسلامي الأصيل »
ط. المكتبة العصرية ، بيروت ، قطع متوسط ، 1983 ، 208 صفحة .
يدور الكتاب حول المقدمات الإسلامية للمناهج التالية :
1- العلوم والدراسات الإنسانية
- مقدمات العلوم
- مقدمات الفلسفة
- مقدمات القانون
- مقدمات التاريخ
- مقدمات النفس والأخلاق
2- الدراسات الاجتماعية
- مقدمات الاجتماع
- مقدمات العلوم السياسية
- مقدمات علم الاقتصاد
- مقدمات التربية
- مقدمات الحضارة
3- الدراسات الثقافية والأدبية
- مقدمات الثقافة
- مقدمات اللغة
- مقدمات الأدب
« الإسلام والحضارة »
ط. المكتبة العصرية ، بيروت ، قطع متوسط ، بدون تاريخ ، 254 صفحة .
** أبواب الكتاب :
1- حضارة ما قبل الإسلام
2- منطلق الحضارة الإسلامية
3- منطلق الحضارة الغربية
4- أزمة الحضارة الغربية
5- لماذا دخلت الحضارة الغربية مرحلة المحاق(35/17)
6- المسلمون وحضارة الغرب
7- موقف الغرب من حضارة الإسلام
8- حضارة التوحيد وحضارة الوثنية
« تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث .. السلطان عبد الحميد والخلافة الإسلامية ».
ط. دار ابن زيدون ، بيروت ودار الكتب السلفية ، القاهرة ، ط1 : 1407 ، 228 صفحة .
في أعلى يمين صفحة الغلاف والغلاف الداخلي : " إعادة كتابة تاريخ الإسلام من خلال المنهج الإسلامي الأصيل لكتابة التاريخ " .
قال مؤلفه في مقدمته ص 5 :
"في هذه الرسالة نحاول أن نستصفي المنهج الإسلامي في تفسير التاريخ، ونحاول أن نصحح المفاهيم إزاء أمرين خطيرين :
أولا : فساد نظرية السامية التي قدمها الاستشراق ، وفرقها على مناهج التاريخ والأدب في المدارس والجامعات .
ثانيا : ثبات مفهوم الانقطاع الحضاري فيها قبل الإسلام وبعده ، وإن كل ما كان قبل الإسلام هو تمهيد له ومقدمة ، وأن الإسلام قد جب التاريخ السابق له ، فلم يكن من الممكن إحياءه مرة أخرى . ثم تجيء الحقيقة الباهرة التي لا سبيل إلى نقضها وهي أن الإسلام والإسلام وحده هو الذي نقل العالم كله من طفولة البشرية إلى رشد الإنسانية ليدخل في الدعوة العالمية الخاتمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ".
** أبواب الكتاب :
. مقدمة : الدعوة لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي .
1 التاريخ في مفهوم الإسلام
2 البطولة في تاريخ الإسلام
3 الدولة العثمانية
4 السلطان عبد الحميد
5 كمال أتاتورك وإسقاط الخلافة
6 عودة الخلافة الإسلامية
7 يقظة الإسلام في تركيا المسلمة
8 الدرة المغتصبة بعد ثلاثين عاما
9 فساد نظرية الجنس السامي واللغة السامية
10 الانقطاع الحضاري
11 الإسلام نقل العالم من طفولة البشرية الإنسانية إلى رشد الإنسانية
« أضواء على الأدب العربي المعاصر »
ط. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، وزارة الثقافة ، مصر ، 1388 / 1969 م ، سلسلة المكتبة العربية _ التأليف، قطع متوسط ، 296 صفحة .
قال في مقدمته ص 5 : " هذا البحث في الأدب العربي المعاصر عصارة دراسة واسعة شملت تطور فنون الأدب العربي في العالم العربي كله من المغرب الأقصى إلى العراق في الفترة التي تبدأ بالنهضة العربية التي حمل لواءها جمال الدين الأفغاني في السبعينات من القرن الماضي 1871 مع نظرة إلى مقدماتها في الثلاثينات من القرن التاسع عشر "…
« القرن الخامس عشر الهجري .. التحديات في وجه الدعوة الإسلامية والعالم الإسلامي »
ط. المكتبة العصرية ، بيروت ، بدون تاريخ ، قطع متوسط ، 347 صفحة .
** النقاط الأساسية :
1. الإسلام في عالمنا المعاصر .
- تحديات القرن الرابع عشر
- نظرة عامة إلى الأحداث
- شبهات مثارة
2. مفاتيح الأصالة الإسلامية
3. المسلمون على أبواب عالم جديد
- المسلمون على أبواب عالم جديد
- التجربة الإسلامية القرآنية
- مدرسة التبعية للحضارة الغربية
- المنابع الإسلامية مازالت صالحة للعطاء
- مراجعة تراكمات الفكر البشري وزيوفه
- طريق الفلسفة وطريق القرآن
- مفهوم القوميات الزائف
- مؤامرة التغريب
- بدأ عصر الرشد الفكري
- الأصالة والعودة إلى المنابع
4. من اليقظة إلى النهضة
5. قضايا القرن الخامس عشر وتحدياته
- منهج المعرفة الإسلامي : نهج القرآن
- العودة إلى الأصالة
- أمانات الكاتب المسلم
- انتصرت الفطرة التي جاء بها الدين الحق
- جاء الغزو بعد الغفلة عن المرابطة والإعداد
- عصر الأصالة الإسلامية
- الصحوة الإسلامية تشق طريقها
- التراث
- الاقتصاد
- بناء الأجيال
- أزمة الحضارة المعاصرة
- القانون الوضعي والشريعة الإسلامية
- بعد أن عجزت الأيديولوجيات
- أرنولد توينبي وحضارة الإسلام
- الصهيونية الماركسية
« التربية وبناء الأجيال في ضوء الإسلام »
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1982 م ، ـ الموسوعة الإسلامية العربية ( رقم 8 )، قطع متوسط ، 231 صفحة .
قال مؤلفه ص 7 :
" هناك سؤال يطرح نفسه في أفق العالم الإسلامي بقوة ، وتلح الأحداث المتصلة في طلب الإجابة عليه، وهي مقدمة اليوم على كل سؤال ، هذا هو : ما هو الخنجر الذي طعن به المسلمون ؟ لقد تحدث المصلحون عن مقاتل متعددة أصيب بها المسلمون في كيانهم ، … … ولكن أمرا من ذلك كله لم يكن أشد خطرا من احتواء الركن الركين في بناء الأمم : احتواء التربية والتعليم … "
** النقاط الرئيسية في الكتاب :
1. الدراسة التاريخية على المستوى الأفقي : ص 7 :
أ . الغزو التربوي والتعليمي والثقافي ص 19
- مدارس الإرساليات ص 21
- التعليم الوطني ص 57
2. الدراسة الموضوعية على المستوى الرأسي : ص 109 :
أ . واقع التربية الوافدة في العالم الإسلامي وآثارها ص 109
- أوجه الخلاف بين المناهج ص 111
- أوجه النقص في الاقتباس ص 131
ب . التربية والتعليم والثقافة في إطار الإسلام
- التربية الإسلامية ص 153
- التعليم الإسلامي ص 185
- الثقافة الإسلامية ص 219
« حسن البنا الداعية الإمام والمجدد الشهيد ( 1324 – 1368 هـ = 1906 – 1949 م)».(35/18)
ط. دار القلم ، بيروت ، سلسلة : أعلام الدعاة المعاصرين ( رقم 1 )، 372 صفحة ، قطع متوسط ، ط 1 : 1398 هـ / 1978 م .
« المد الإسلامي في مطالع القرن الخامس عشر ».
« عالمية الإسلام ».
ط. دار المعارف ، مصر ، ـ سلسلة اقرأ ( رقم 426 ) ، 1977 م ، 158 صفحة ، 17 × 12 سم .
** أبرز قضايا الكتاب :
1. ذاتية الإسلام : أولا : الدين الحق . ثانيا : ذاتية الإسلام وطابعه المفرد .
2. خصائص الإسلام : أولا : التوحيد . ثانيا : التوازن . ثالثا : الوسطية . رابعا : فريضة الجهاد . خامسا : قانون النصر .
3. معطيات الإسلام : أولا : الأسلوب الرباني . ثانيا : الرؤية المؤمنة . ثالثا : سكينة النفس . رابعا : التربية الإسلامية . خامسا : تأمين المجتمعات من الانحراف .
4. حضارة الإسلام : أولا : حضارة الإسلام . ثانيا : العربية لغة القران . ثالثا : الإسلام وتحديات العصر .
5. عالمية الإسلام : أولا : عالمية الإسلام - ذاتية خاصة للتطبيق وقانون خاص لتفسير الحياة . ثانيا : عالمية الإسلام – في مواجهة النظريات والأيدلوجيات الوافدة . ثالثا : الإنسان والعلوم التجريبية .
« أعلام الإسلام ( تراجم الأسماء البارزة منذ عصر النبوة إلى اليوم ) ».
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ ، 256 صفحة ، سلسلة الرسائل الإسلامية ( رقم 3 )
يضم الكتاب ترجمة أكثر من 260 شخصية إسلامية منذ عصر النبوة إلى زمن طباعة الكتاب ( _ كما في الغلاف الأخير للكتاب)، تستغرق ترجمة كل شخصية صفحة واحدة ، وأسماء الشخصيات مرتبة هجائيا .
( لعل مؤلفه وضعه قبل بلوغه تمامه الفكري . راجع ترجمة البدوي وباحثة البادية )
« أصول الثقافة العربية ».
ط. دار المعرفة ، القاهرة ، إيداع 1971 م ، 405 صفحة ، قطع دون المتوسط
هذا الكتاب هو الأول في موسوعته : ( الموسوعة العربية الإسلامية )
** النقاط الرئيسية في الكتاب :
1 أصول الثقافة العربية
2 مدخل إلى مفهوم الثقافة
3 مقومات الثقافة العربية
4 معالم الثقافة العربية وخصائصها
5 معطيات الثقافة العربية
6 الثقافة العربية في مواجهة الثقافة الغربية
7 أصول الثقافة الغربية ومصادرها
8 المنحنى الخطير للثقافة الغربية
9 التحديات في وجه الثقافة العربية
10 الثقافة العربية في مواجهة الحضارة الغربية
11 موقف الثقافة العربية من الفكر الغربي
12 البناء على الأساس
13 خاتمة ( قيم الفكر الإسلامي أساس بناء الثقافة العربية )
« الإسلام والدعوات الهدامة ».
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1982 م ، ـ الموسوعة الإسلامية العربية ( 3 ) ، قطع متوسط ، 296 صفحة .
** أبرز النقاط :
* مصادر المذاهب القديمة ( العنوصية ، تحريف العقيدة السبئية ،المذاهب الهدامة والإلحاد ، الله في مفهوم الإسلام ، عقيدة البعث )
1. دعوات هدامة للعقائد والقيم ( الدهرية ، الثيوصوفية ، البهائية ، الروحية الحديثة " تحضير الأرواح " )
2. دعوات هدامة للمجتمعات والأمم ( أيدلوجية التلمود ، دعوة العنصرية ، المادية ، العلمانية ، العالمية )
3. دعوات هدامة للنفس والأخلاق ( الفرويدية : الجنس ، الوجودية ، الهيبية )
4. دعوات هدامة للفكر والثقافة ( الدعوة إلى إحياء ما قبل الإسلام : الوثنية ، الجاهلية ، الإقليمية ، الفرعونية، الفينيقية – الإسرائيليات ، دعوة التغريب : التبشير ، الاستشراق ، الشعوبية – إحياء الهيلينية ، الدعوة إلى العامية )
« المثل الأعلى للشباب المسلم »
ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ، 15 / 1 / 1392 = 1 / 3 / 1972 م ، ـ سلسلة دراسات في الإسلام (رقم 130) ، قطع دون المتوسط ، 158 صفحة .
« الشبهات والأخطاء الشائعة في الأدب العربي والتراجم والفكر الإسلامي »
( لم نجد ناشر الكتاب )، 11 / 1971م
** أبواب الكتاب :
1 في العلوم والمناهج
- الثقافة - الدين - التوحيد - الأخلاق - التربية - التصوف - التراث - الفلسفة
2 الأدب
- الأدب العربي - الإباحية ( في الأدب ) - الأدب المكشوف - التجديد - الفكر والأدب - القصة
3 الفقه
- السنة - الشريعة - الاجتهاد - التقليد - الربا - الرقيق
4 قضايا الفكر والاجتماع
- الأحجار والبطولة - الأساطير - الاستشراق - الاقتباس - الإلحاد - التسامح - التطور ( التطور والثبات) -التعقيل
- التغريب - التقدم - التكامل - التوراتية - التوحيد - الثورة الفرنسية - الجرح والتعديل - الجبرية - الجهاد
- الحرية - حرية الفكر - الخطيئة - الدولة الثيوقراطية - رجال العلم - العلم والدين - العقل العربي - العروبة والإسلام - العصرية - العصور الوسطى - عصر الانحطاط - علة تأخر المسلمين - الغيبيات - الفلكلور - الفكر والعنصر - القيم - القديم - الكتب الصفراء - كتب المحاضرات - اللاتينية - اللاهوت - المنهج العلمي التجريبي - المرأة وتحرير المرأة(35/19)
- المحافظة - المعرفة والعقيدة - المثل الأعلى - منطق أرسطو - المسرح والفكر الإسلامي - القرآن والأدب - هزيمة المعتزلة - وحدة الوجود - وحدة الحضارة - الوسطية
5 الدعوات والمذاهب
- البهائية - التبشير - الصهيونية - الطائفية - العلمانية - العامية - العنصرية - الفينيقية - الفرعونية - القومية ( الضيقة )
- المادية - الماسونية - الهدامة ( المذاهب الهدامة ) - الوثنية - توحيد الأديان \\ يبدو أن الطبعة التالية أضاف إليها : القرامطة ، الشعوبية \\
6 التاريخ
- إخوان الصفا - الإسرائيليات - الإغريق واليونان - البطولة - تفسير التاريخ - الحملة الفرنسية - الخلافة - فتنة 1860
- الكشف - محاكم التفتيش - ما قبل الإسلام - معركة سانت بارتلمي - مكتبة الإسكندرية - مصر للمصريين - إرساليات لبنان
7 الكتب والمؤلفات
- الاستعمار - الاستعمار التركي - الأقليات - الإقليمية - الرجل الأبيض - الجامعة الإسلامية - الجنس - العالمية - الوطنية
- الاتحاديون وليس السلطان - ألف ليلة وليلة
8 السياسة
- شمائل المصريين المحدثين - الأغاني - البيان والتبيين - المضنون به على غير أهله - الإمامة والسياسة - المنجد - دائرة المعارف الإسلامية - يقظة العرب - الموسوعة العربية الميسرة - تحرير المرأة - حديث الأربعاء - الأخلاق عند الغزالي - على هامش السيرة - في الأدب الجاهلي
9 تراجم الأعلام
- لورنس - فيليب حتي - ساطع الحصري - المتنبي - الحلاج - السلطان عبد الحميد - السهروردي - شبلي شميل - ابن رشد
- ابن الراوندي - يعقوب أرتين - عمر الخيام - ولي الدين يكن - غاندي - سارتر - ابن خلدون - ميكافيلي - تولستوي
- يعقوب صنوع - أديب إسحاق - جرجي زيدان - نيتشه - فاركس - فرويد - سعد زغلول - لطفي السيد - كرومر
- دنلوب - ولفنجستون - فاسكو دى جاما - الغزالي - كارل مارتل - دور كايم - دارون - لورنس (لاجنس ) - جبران
- أبو نواس - هرتزل - ابن المقفع - هنري الملاح - أبو ذر الغفاري
« المختار من كتاب محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ».
تأليف : حسين بن محمد ، الراغب الأصبهاني ( - 502 هـ )
اختيار : أنور الجندي .
مراجعة : علي الجندي
ط. الإدارة العامة للثقافة ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، مصر ، ط 1 : 1960 م ، قطع دون المتوسط ، 242 صفحة ، ـ سلسلة مختارات من تراثنا .
اقتصر أنور الجندي على اختصار الكتاب .
«تاريخ الصحافة الإسلامية : 2 – الفتح : محب الدين الخطيب 1926 – 1948 م »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، إيداع 1986 م ، قطع متوسط ، 423 صفحة .
** أبرز قضايا الكتاب :
1 مجلة الفتح : السيد محب الدين الخطيب
- مجلة الفتح عرض تحليلي عام لأدوار المجلة من سقوط الخلافة إلى سقوط فلسطين
- الدعوة الإسلامية
2 القوى المناهضة للإسلام
- مؤامرة التبشير والاستشراق
- التغريب والغزو الفكري
- قضايا الغزو الفكري
- دعاة التغريب
- تغريب الجامعة
- مطاعن طه حسين في الإسلام
- الفرق الضالة
3 قضايا العالم الإسلامي الكبرى
- تطويق العالم الإسلامي وهدم الوحدة الإسلامية
- تغريب تركيا وسقوط الخلافة الإسلامية
- الصهيونية والقضية الفلسطينية
- قضية شمال إفريقيا
- قضية مسلمي الهند وقيام باكستان
- مسلمو أندونيسيا
- حول قضايا العالم الإسلامي
4 قضايا الإسلام الكبرى
- التشريع الإسلامي
- التربية الإسلامية
- المجتمع الإسلامي
- الوحدة الإسلامية والقوميات
5 الدعوة الإسلامية
- الدعوة الإسلامية
- دعاة الإسلام
6 الصحافة الإسلامية في مواجهة الصحافة التغريبية
- معارك الصحافة الإسلامية في مواجهة الصحافة التغريبية
- تاريخ الإسلام والتراث
- الإسلام في الغرب
- مقارنات الأديان
الكتاب ثمين جدا .
« محمد فريد أبو حديد رائد التوفيق بين العلم والدين »
ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب ( مصر ) ، 1974 م
« مفاهيم العلوم الاجتماعية والنفس والأخلاق في ضوء الإسلام ( الرد على فرويد وماركس ودوركايم )».
ط. دار الكتب ، الجزائر ، 1987 م ، قطع متوسط، 298 صفحة .
ينتمي الكتاب لحلقة فكرية للمؤلف ، أوضحها ص 7 فقال : " محاولة بناء إطار متكامل للفكر الإسلامي :
1 مقدمات المناهج .
2 الإسلامية (السياسة والاقتصاد )
3 العلوم الاجتماعية والنفس والأخلاق .
4 التربية وبناء الأجيال
5 الفصحى لغة القرآن
6 أصول الثقافة العربية ومصادرها الإسلامية
7 خصائص الأدب العربي
8 الإسلام والتكنولوجيا
9 الإسلام والحضارة
10 الإسلام وحركة التاريخ
** النقاط الرئيسية في الكتاب :
1. الإنسان مع نفسه : ( المسئولية الفردية – الالتزام الأخلاقي )
2. الإنسان مع الآخر ( فطرية الأسرة - حقيقة دور المرأة في المجتمع - الاعتراف بالرغبات 9
3. الإنسان مع الحياة ( الإنسان مع الجماعة - الإنسان مع الحضارة - الإنسان والزينة - الإنسان والموت - الإنسان والعالم المواجه - الإنسان والمسرح - الإنسان والسينما - الإنسان والفن )(35/20)
4. لإنسان وعلم الإنسان ( بناء الإنسان - إلى أي مدى تصدق النظريات المطروحة )
( كلام هام جدا ص 21 )
« الصحافة والأقلام المسمومة »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1980 م ، 247 صفحة
الكتاب دراسة عن الصحافة العربية في العالم العربي عامة في مرحلة الهزيمة ( النكبة والنكسة بين عامي 1948 – 1967 ) ، وهي مرحلة خطورتها على التاريخ الإسلامي لا يوازيها جسامة ولا يماثلها أثرا إلا مرحلة الحروب الصليبية والتتارية التي واجهها عالم الإسلام ، وهي ما تزال حتى أحمد\لان أشد التحديات ( _ من تعريف الناشر بالكتاب في الغلاف الأخير له ببعض التصرف )
* * أبرز النقاط :
1. المرأة والصحافة ص 31
2. صحافة الإثارة والجنس ( صحافة الإثارة والجنس – مدرسة الإثارة )
3. الصحافة والفن ( المسرح والسنما – الأغاني – الرقص )
4. الصحافة والأدب ( الأدب – الشعر )
5. الصحافة والقصة ( الصحافة والقصة –كتاب القصة )
6. الصحافة وتغريب المجتمع ( الصحافة وتغريب المجتمع – كتاب التغريب )
كتاب هام جدا في موضوعه .
« التربية وبناء الأجيال في ضوء الإسلام ».
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، _ الموسوعة الإسلامية العربية ( 16 ) ، ط1 : 1975 م ، قطع متوسط ، 231 صفحة .
« الإسلام والغرب »
ط. المكتبة العصرية ، بيروت ، ط 1 : 1402 / 1982 م ، قطع متوسط .
** أبواب الكتاب :
1 الإسلام يقتحم أوربا من جبهتي الأندلس والبلقان ص 13 :
2 أوربا والغرب من المسيحية إلى الاستعمار ص 75 :
3 الدولة العثمانية وسبعة قرون من الدفاع عن الإسلام : ص 127 :
4 عالم الإسلام في قبضة الغرب ص 151 :
5 قوى الاستعمار والصهيونية والشيوعية المتصارعة حول عالم الإسلام المتفقة عليه ص 209
6 عالم الغرب اليوم إزاء الإسلام ص 229 :
7 الإسلام في دورة الفلك ص 257
« محمد الرسول .. دراسة تحليلية لشخصية محمد وحياته »
الجزء الأول : ط. [ الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ] ( مطابع دار الكتاب العربي . محمد حلمي المنياوي ) ، ـ سلسلة كتب ثقافية ( رقم 39 ) ، قطع فوق الصغير ، 138 صفحة ، 3 / 3 / 1960 م
« هذا هو جمال من بني مر إلى الجمهورية العربية المتحدة »
ط. مكتبة المعارف ، بيروت ، ط1 : 3 / 1960 م ، قطع متوسط ، 288 صفحة .
كتبه المؤلف في مرحلة ما من حياته ، قبل بلوغه مرحلة الأصالة الفكرية.
« زكي مبارك .. دراسة تحليلية لحياته وأدبه 1892 – 1952 م»
ط. الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، مصر ، مختارات الإذاعة والتليفزيون ، ـ سلسلة مذاهب وشخصيات ( رقم 35 ) ، قطع متوسط ، 196 صفحة .
وقال ص 5 :
" ومنذ مات زكي مبارك لم يذكره ذاكر إلا كتابات قليلة على فترات متباعدة ، فكان حقا على عصرنا الذي جعل من الوفاء أولى علاماته أن يذكر زكي مبارك … "
« إطار إسلامي للفكر المعاصر »
ط. المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 1 : 1400 / 1980 ، قطع متوسط ، 454 صفحة .
** أبرز قضايا الكتاب :
1- أبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب : ص 13 : 72
- (1) أبعاد الغزو الفكري ص 15
- (2) الإسلام في مواجهة المذاهب والأيديولوجيات ص 26
- (3) تغيير العقلية الإسلامية : هدف الاستشراق ص 34
- (4) ضرب الإسلام من الداخل : مؤامرة قديمة متجددة ص 41
- (5) تحديات الاستعمار والصهيونية والماركسية ص 47
- (6) ملاحقة شبهات التغريب ودحضها ص 53
- (7) خطر الانهزامية ص 60
- (8) المعاول ما تزال تضرب ص 67
2- التحرر من تبعية الفكر الغربي ص 72 : 102
- (1) من التبعية إلى الأصالة ص 75
- (2) التحرر من الفرويدية ص 81
- (3) التحرر من الوجودية ص 87
- (4) التحرر من دوركايم ومدرسة العلوم الاجتماعية ص 94
3- تحديات في وجه الثقافة الإسلامية ص 103 : 144
- (1) أصالة الثقافة الإسلامية ص 105
- (2) كيف نواجه الركام الوافد ص 110
- (3) التيار الزائف ص 116
- (4) بناء ذاتية المثقف المسلم في وجه الخطر ص 122
- (5) محاولة احتواء الفكر الإسلامي ص 128
- (6) البعد الثالث في الدراسات الإسلامية ص 137
4- تحديات في وجه الحضارة الإسلامية ص 145 : 194 .
- (1) كيف تفهم الغرب روح الإسلام ص 147
- (2) هل هدفنا هو اللحاق بالغرب ؟ ص 152
- (3) حضارة الغرب في مواجهة حضارة الإسلام ص 160
- (4) في سبيل بناء حضارة جديدة ص 171
- (5) أوروبا ولدت في أسيا ص 178
- (6) الحضارة الإسلامية تأخذ طريقها إلى العطاء ص 187
5- تحديات في وجه التاريخ الإسلامي ص 195 : 218
- (1) مخططات صهيونية لتزييف التاريخ الإسلامي والعالمي ص 197
- (2) أبعاد خطة تزييف تاريخ العرب والمسلمين ص 204
- (3) التحديات التي تواجه التاريخ الإسلامي ص 211
6- تحديات في وجه المجتمع الإسلامي ص 221
- (1) ظواهر خطيرة في المجتمع الإسلامي ص 221
- (2) الهيبيون وعالمهم المنهار ص 225
- (3) المقاييس المنحرفة في البطولة والفن والموت ص 229
7- تحديات في وجه الشباب المسلم ص 227 : 256
- (1) تساؤلات الشباب ص 239(35/21)
- (2) أمانة الإسلام في تكوين الأجيال ص 246
- (3) تزكية الشخصية المسلمة وتأهيلها لقيادة البشرية ص 251
8- أزمة التعليم والتربية والثقافة ص 257 : 282
- (1) أزمة التعليم ص 259
- (2) علوم مقطوعة عن جذورها ص 264
- (3) أزمة التربية ص 270
- (4) أزمة الثقافة ص 276
9- التحديات في وجه العربية الفصحى ص 282 : 299
- (1) العربية لغة العالم الإسلامي ص 285
- (2) المؤامرة على الفصحى موجهة إلى القرآن ص 291
10- التحديات في وجه الشريعة الإسلامية ص 299 : 230 .
- (1) الشريعة الإسلامية والمؤامرات الاستعمارية ص 301
- (2) مؤامرات في مواجهة العودة للشريعة الإسلامية ص 308
- (3) نصيحة عالم قانوني للمسلمين 315
11- التحديات في وجه الأدب العربي ص 321 : 334
- (1) مفهوم الأدب العربي في ضوء الإسلام ص 323
- (2) التحديات التي تواجه الأدب العربي ص 328
12- التحديات في وجه منهج الإسلام ص 335 : 360 .
- (1) حقيقة الإسلام ص 337
- (2) عاصفة على الإسلام ص 343
- (3) موقف البشرية من المنهج الكامل والنظريات المجزأة ص 350
- (4) دحض شبهات مثارة حول معطيات الإسلام ص 356
13- التحديات في وجه الوحدة الإسلامية ص 360 : 378 .
- (1) الوحدة الإسلامية من الأسلوب الوافد إلى الأسلوب الأصيل ص 363
- (2) محاولات التقارب والحوار ص 369
14- تصحيح المفاهيم ص 279 : 436 .
- (1) تصحيح المفاهيم ص 381
- (2) تاريخ أبطال الإسلام ومحاولات تزييفه ص 387
- (3) حقائق خطيرة تتكشف ص 398
- (4) علم النفس الإسلامي وعلم الاجتماع الإسلامي ص 405
- (5)مؤامرة الصمت ص 410
- (6) الإسلام الحضاري والثقافي لا يكفي ص 422
- (7) أخطر ما يواجه عالم الإسلام ص 430
15- الكلمة المسلمة ص 437 : 450 .
- الكلمة المسلمة ص 439
- نظرة الإسلام ( التكامل ، التوحيد ، الذاتية ) ص 446
« القومية العربية والوحدة الكبرى ».
ط. الدار القومية للطباعة والنشر ، مصر ، ـ كتب قومية ، قطع دون المتوسط ، 318 صفحة .
كتب في فوق العنوان : ( مسابقة مصلحة الاستعلامات )
وعلى الغلاف أيضا : ( البحوث الفائزة بجوائز مصلحة الاستعلامات في مسابقة " كتب قومية " )
« من التبعية إلى الأصالة في مجال القانون - العلم - اللغة »
( وعلى الغلاف الخارجي : " من التبعية إلى الأصالة في مجال التعليم والقانون واللغة " )
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1977 م ، 218 صفحة
ينتمي الكتاب لمجموعة ( معالم تاريخ الإسلام ) ( رقم 7 )
** أبواب الكتاب :
1 تغريب الشريعة .
2 تغريب التعليم : ( تغريب التعليم ، الزهر ، الجامعة ، التربية الإسلامية )
3 تغريب اللغة ( تغريب اللغة ، العاميات ، الحروف اللاتينية ، تطوير اللغة )
4 خطوات على طريق الأصالة ( من التغريب إلى الأصالة ، تحرر القانون واللغة العربية ، من التبعية إلى الرشد الفكري ، للمسلمين دور رائد في العلوم التجريبية ، الخلافة الإسلامية بعد نصف قرن ، محاولات التقارب والحوار )
« أخطاء المنهج الغربي الوافد في العقائد والتاريخ والحضارة واللغة والأدب والاجتماع ».
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1982 م ، قطع متوسط ، 440 صفحة ، ـ الموسوعة الإسلامية العربية (رقم 6 )
قال مؤلفه ص 7 :
"يطلق اسم " منهج البحث " في الغرب على ذلك الأسلوب المستحدث الذي يتخذ أساسا للبحث في مختلف قضايا الفكر والعلوم الطبيعية والرياضية والعلم الإنسانية ( النفس والاجتماع والتاريخ ) ، وقد تنقل الفكر الغربي بين منهجين من مناهج البحث هما المنهج القائم على ( الاستنباط ) والمنهج القائم على (الاستقراء) .
أما المنهج الأول فهو منهج أرسطو الذي يقوم على استخراج النتائج من مقدماتها القائمة . وهذا منهج قد نبذته أوربا منذ وقت بعيد . ومنذ وضع فرانسيس بيكون منهج ( الاستقراء ) القائم على التجربة .
ويقرر التاريخ أن هذا المنهج الذي وضعه فرنسيس بيكون هو المنهج الإسلامي الذي قدمه المسلمون والذي نقل بيكون عنهم ، وأعلن ذلك رسميا في أكثر من وثيقة ثابتة …"
** أبرز قضايا الكتاب :
* مدخل : أصول " منهج البحث " بين النظرية والتطبيق :
- مقومات منهج البحث . ص 9
- منهج البحث في الإنسانيات ص 14
- تجربة علم النفس وعلم الاجتماع ص 17
- منهج البحث الغربي ليس عاما ولا عالميا
1- الأخطاء في مجال العقائد والدين والفلسفة :
- الأخطاء في مجال العقائد .
- الأخطاء في مقارنات الأديان .
- أخطاء الشريعة والسنة .
- أخطاء الفلسفة ( 1- العلم والفلسفة . 2- أخطاء الاعتزال . 3- أخطاء التصوف )
2- أخطاء التاريخ والحضارة : ( ص 143 :
- مفاهيم التاريخ .
- علم الأجناس والقومية .
- مفاهيم الحضارة .
3- أخطاء اللغة والأدب والفن : ( ص 253 :
- مفاهيم اللغة .
- مفاهيم الأدب .
- مفاهيم الفن .
4- أخطاء مفاهيم الاجتماع والنفس والتربية : ( 359 :
- مفاهيم الاجتماع .
- مفاهيم الأخلاق .
- مفاهيم النفس .
- مفاهيم الوجودية .
- مفاهيم التربية .(35/22)
5- أخطاء المنهج الغربي الوافد : ( ص 421 :
- أخطاء المنهج الغربي الوافد .
- وجوه التباين والاختلاف بين المناهج .
« تطور الصحافة العربية في مصر »
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، بدون تاريخ ، 400 صفحة ، قطع متوسط .
في أعلى العنوان : ( إطار لملامح المجتمع وصورة العصر )
يعبر عنه مؤلفه بِـ " تطور الصحافة العربية في مصر .. إطار لملامح المجتمع وصورة العصر "
يشكل الكتاب أحد أربعة كتب تنتمي لمجموعة ( تطور الصحافة العربية وأثرها في الأدب العربي المعاصر ) وهي:
1 الصحافة السياسية في مصر منذ إنشائها إلى الحرب العالمية الثانية
2 تطور الصحافة العربية في مصر ( إطار لملامح المجتمع وصورة العصر )
3 تطور الصحافة العربية بين الحربين ( 1919 – 1939 ) في العالم العربي
4 تطور الصحافة في العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم
قال مؤلفه ص 3 : 4 :
"وقد كان أهم ما عني به هذا البحث : محاولة رسم إطار لملامح العصر وصورة المجتمع ، وهو في هذا المجال يكمل دراستنا المستقلة " الشرق في فجر اليقظة " . وكنا قد تناولنا في كتابنا " الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية " عديد من القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية – في مرحلة ما بين الحربين - ، ومن هنا فإننا لم نكرر أنفسنا في هذه الكتب الأربعة … وهي في مجموعها تكمل بعضها البعض في دراسة شاملة للعصر كله منذ ( 1871 تقريبا إلى 1939 ) ( صحافة – سياسة – مجتمع – حضارة – فكر ) بوصفها مرحلة متكاملة في تاريخ الشرق الإسلامي والعالم العربي".
وقد فرغ منه مؤلفه : نهاية 1967 م ، وهو كتاب ثمين للغاية في موضوعه .
** أبرز القضايا :
1. صحف وأقلام وصراع أفكار ( ص 17 :
- صحافة جمال الدين الأفغاني ص 23
- جريدة مصر ص 25
- جريدة مرآة الشرق ( سليم عنحوري و إبراهيم اللقاني ) ص 28
- تلاميذ جمال الدين بعد سفره من مصر ص 31
- أثر الصحافة في مجلس شورى القوانين ( عبد السلام المويلحي ) ص 24
- صحف عربية في لندن وباريس ص 36
- مرآة الأحوال ( رزق الله حسون ) ص 36
- الخلافة ( لويس صابونجي ) ص 37
- " الأهرام " آل تقلا ص 39
- " اللطائف " عبد الله النديم ص 42
- " العروة الوثقى " جمال الدين و محمد عبده ص 44
- المقطم ( صروف ونمر ومكاريوس ) ص 46
- " المؤيد " ( علي يوسف ) ص 49
- " اللواء " مصطفى كامل ص 51
- " الجريدة " لطفي السيد ص 52
2. دخائل الصحافة ( ص 53 :
3. معارك ومساجلات الصحف ( ص 66
- بين المؤيد واللواء والجريدة ص 66
- الصحافة الوطنية والاحتلال ( كرومر والصحافة ) ص 78
- الصحافة ومسألة قناة السويس ص 85
- بين مصطفى كامل وعلي يوسف ص 88
- ص2- السيوطي : طبقات الحفاظ ص وطنية وصحف معتدلة ص 91
- " المنبر " حافظ عوض و محمد مسعود – " الظاهر " محمد أبو شادي ص 93
- بين فريد وجدي " الدستور " ولطفي السيد " الجريدة " ص 97
- " مذكرات صحفي " \\ مذكرات صحافي \\ ( سليم سركيس " لسان الحال " ص 102
4. إطار لصورة العصر والمجتمع ( من الاحتلال إلى أوائل الحرب العالمية الأولى ) ( ص 117 :
- الأزهر ص 119
- المرأة ص128
- الرحلة ص 139
- الصحافة ص 145 : محاكمات الصحافة : ( محاكمة عبد العزيز جاويش ص 150 ، قضية الكاملين ص 157، قضية ذكرى دنشواي ص 163 ، قضية التلغرافات ص 174 ، محاكمة أصحاب " المقطم " ص 176، قصيدة قدوم ص 177 ، الهجوم على أسرة محمد علي ص 180 )
- المجتمع ( الأغاني والأناشيد ص 182 ، المسرح ، الأعياد ، المحاكم ، دولة الحمير ، قصة الترام )
5. طرائف الصحافة ( ص 191 :
- الإمضاءات المستعارة
- المقدمات والتقاريظ
- المواقف الحرجة
- مذكرات أحمد حافظ عوض ( الصحافة بين 1898 – 1914 )
- النقد الاجتماعي
- الاصطلاحات الصحافية
- طرائف الصحافة
- وفيات العيان
- نقد الصحافة والمجتمع
6. صحافة ما بين الحربين وتطور الصحافة في الأسلوب والمضمون ( بين 1919 – 1939 ) ( ص 225 :
- مدخل تاريخ للفترة
- الصحافة خلال الحرب الأولى
- الصحافة في ثورة 1919
- رئيس التحرير
- داود بركات ، خليل ثابت
- أمين الرافعي
- عبد القادر حمزة
- محمد حسين هيكل ، حافظ عوض ، أنطون الجميل ، خليل ثابت
- عبد القادر حمزة ، التابعي ، توفيق دياب
- العقاد
- فكري أباظه
- إبراهيم المازني
- أحمد حسين
- محمود كامل
- توفيق حبيب
- توفيق دياب
- لطفي جمعة
7. دخائل الصحافة في مرحلة ما بين الحربين ( ص 269 :
- أثر الاحتلال في الأدب والصحافة :زكي مبارك
- صناعة الأخبار
- المخبرون
- أخبار الأقاليم
- ما لا ينشر في حينه
- أثر السوريين في الصحافة
- محاكمات الصحف
- الهجوم على الصحف وتحطيمها
- كلمة عابرة أحدثت أزمة
- صالون الأهرام
- الأخطاء المطبعية
8. تطور الصحافة الأسبوعية ( ص 299 :
- صحافة النقد السياسي الساخر
- روز اليوسف والكشكول
- الأدب المكشوف
- تجربة حسين شفيق المصري
- الكاريكاتير والصحف الهزلية
- فن الكاريكاتير(35/23)
- سانتس وصاروخان
- صحافة الأدب والثقافة
9. الكتاب والمصاحفون ( ص 331 :
- ميخائيل عبد السيد
- سليم عنحوري ، محمد بيرم ، حمزة فتح الله ، أديب إسحاق ، أمين الحداد ، إبراهيم اللقاني
- أحمد حلمي ، حسن حسني الطويراني ، الشيخ الشربتلي
- يوسف الخازن
- خليل مطران ، نقولا حداد
- داود بركات ، عبد القادر حمزة
- العقاد ، المازني ، أحمد وفيق
- عبد الله حسين ، محمد أبو طايلة
- جورج طنوس نجيب هاشم ، منيرة ثابت
- سيد علي
- الشيخ صالح روتر ، سيد كامل
- توفيق حبيب ، محمود عزمي
- فكري أباظه
- محمد الههياوي
- توقيعات الصحفيين ، صحفيون اجتذبتهم الصحافة
- المرأة في الصحافة
* المصاحفون :
- محمود أبو العيون ، أحمد زكي باشا ، محمد مسعود ، منصور فهمي
- محمد صبري ، وحيد ، محمد لبيب البتانوني ، التفتازاني ، توفيق اسكاروس ، محمد فريد وجدي ،
- سليم حسن ، أحمد غلوش ، مي زيادة ، عمر طوسون ، أحمد فؤاد ، علي مصطفى مشرفة ، أحمد شفيق ،عزيز خانكي ، لطفي جمعة ، عبد المتعال الصعيدي
- محمد رمزي ، شكيب أرسلان ، انستاس الكرملي ، الزهاوي ، حسن القاياتي ،محمد ثابت
- تكريم الكتاب ( هيكل )
- الصحف العربية في مرآة الصحف الأجنبية
10. إطار لصورة العصر وملامح المجتمع ( بين الحربين ) ( ص 357 :
- تحرير المرأة
- مجتمع القاهرة
- المقاهي
- منع المسكرات
- بنك مصر
- الأزهر
- سهرات رمضان
- المولد النبوي
- الطرق الصوفية
- أصحاب اللحى
- لباس الرأس
- التمثيل
- الفكاهة
- الأغاني الشعبية
- الأفراح الشعبية
- الشاعر على الربابة
- تطور المجتمع بعد ثورة 1919
- ثوت عنخ آمون
- لعنة الفراعنة
- أمير الشعراء
- جمال الدين الأفغاني و محمد عبده
- مدام جوليت أدام
- مصريون في مالطة
« الحقائق العشر في حياة كامل كيلاني ( كلمة أنور الجندي في ذكرى كامل كيلاني الرابعة والعشرين ) 1982 م »
ندوة كامل كيلاني الأدبية 5 : 7 فبراير 1982 م
مكتوبة بالآلة الناسخة ، على وجه واحد ، غير مرقمة الصفحات ، 12 صفحة .
« معركة المقاومة العربية »
مطبعة التحرير ، القاهرة ، 12 / 1961 ، قطع متوسط ، 127 صفحة .
« الأدب العربي الحديث في معركة المقاومة والحرية والتجمع 1830 – 1959 »
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، قطع دون المتوسط ، 640 صفحة ، 1959 م .
على الغلاف : " غاية القول في هذا الكتاب أنه كشف عن خطط الاستعمار الفكرية في التغريب والتجزئة وقد هزمت ، وخطط الأمة العربية في المقاومة والتجمع وتقوم على أساسه اليوم عوامل البناء للوحدة العربية الكبرى" .
« الأعلام الألف ».
صدر منها 3 أجزاء ، قطع متوسط .
في تراجم الأعلام .
كتبه قبل توجهه الإسلام الأصيل .
« أدب المرأة العربية .. القصة العربية المعاصرة .. تطور الترجمة »
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، ( 134 صفحة + 128 صفحة + 80 صفحة )، قطع متوسط
يضم الكتاب ثلاثة كتاب هي :
1 " أدب المرأة العربية : تطوره وأعلامه ". ( 134 صفحة )
2 " القصة العربية المعاصرة تطورها وأعلامها ". ( 128 صفحة )
3 " تطور الترجمة في الأدب العربي المعاصر ". ( 80 صفحة )
تنتمي هذه الكتب الثلاثة إلى ( موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر ) " التي تتناول بالبحث مراحل الأدب العربي المعاصر في شتى فنونه منذ فجر النهضة الفكرية في العالم العربي بظهور جمال الدين الأفغاني منذ عام 1875 تقريبا إلى أوائل الحرب العالمية الثانية عام 1939على مستوى الأمة العربية من العراق إلى المغرب " .
وهي تشكل أرقام 8 ، 9 ، 10 من الموسوعة .
قال المؤلف ص [ ج ] : " هذا وقد صدر الكشاف الخاص بهذه الموسوعة مستعرضا أسماء جميع أعلام الأدب العربي الذين تتناولهم الدراسة في شتى فروعها والموضوعات التي تناولتها الموسوعة وأسماء الصحف والمجلات موضع البحث . هذا وتضم الموسوعة230 شخصية، وتؤلف 4800 صفحة ".
** " القصة العربية المعاصرة تطورها وأعلامها " : قال مؤلفه ص [ ب ] : " هذه حلقة من حلقات موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر ، عن نشأة القصة وتطورها وأعلامها في الأدب العربي المعاصر منذ بدأ هذا الفن في صورة المقامات حتى استوى في مجال القصة والأقصوصة ( الاجتماعية والتاريخية ) والمسرحية ( الشعرية والنثرية) المجال الزمني من منتصف القرن التاسع عشر تقريبا حتى عام 1939 ( أوائل الحرب العالمية الثانية )
« المرأة والحب في حياة كتابنا المعاصرين »
في أسفل صفحة الغلاف الخارجي : " رسائل الأعلام "
ط. دار الأعلام للطبع والنشر ، القاهرة . . يطلب من : مكتبة الأنجلو ، مصر ، 1955 ، قطع دون المتوسط، 144 صفحة
في الغلاف الداخلي : ( الكتاب الأول )
** يضم الكتاب الشخصيات :
1- أحمد لطفي السيد ص 12 :
2- طه حسين
3- محمود تيمور
4- أحمد حسن الزيات
5- توفيق الحكيم
6- العقاد
7- هيكل
8- فريد أبو حديد
9- سلامة موسى
10- أحمد زكي
11- كامل كيلاني(35/24)
* ثم : زوجات في الأدب العربي المعاصر : ( أيدي المنون – البارودي ، أنات حائرة- عزيز أباظة ، من وحي المرأة – عبد الرحمن صدقي ، تحت الرماد – سعيد العريان )
* أضواء على نفسيات الأدباء
هذا الكتاب لأنور الجندي قبل توجهه الإسلامي النقي .
« حركة تحرير المرأة في ميزان الإسلام »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، ، ـ سلسلة : على طريق الأصالة الإسلامية ( 15 ) ، قطع دون المتوسط ، 56 صفحة ، إيداع 1981م ، طبعة مزيدة ومعدلة .
« الوجه الآخر لطه حسين من مذكرات السيدة سوزان " معك " »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ـ في دائرة الضوء ( 25 )، قطع فوق الصغير ، إيداع 1980 ، 28 صفحة .
الكتاب استكمال لسلسلة دراسات المؤلف المتعلقة بكشف حقيقة طه حسين .
« هل غير الدكتور طه حسين آراءه في سنواته الأخيرة ».
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ـ في دائرة الضوء ( 23 )، قطع فوق الصغير ، إيداع 1980 ، 32 صفحة .
« أكذوبتان في تاريخ الأدب الحديث : أحمد لطفي السيد . طه حسين »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، ـ على طريق الأصالة الإسلامية ( 9 ) ، قطع فوق الصغير ، إيداع 1979 م ، 39 صفحة .
« موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر .. كشاف »
طبع المؤلف ، قطع دون المتوسط . 48 صفحة .
« التفسير الإسلامي للفكر البشري .. الإسلام والفلسفات القديمة .. الإسلام في مواجهة الفلسفات المعاصرة لظهوره »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، قطع متوسط .
« كامل كيلاني في مرآة التاريخ »
ط. مطبعة الكيلاني الصغير ، القاهرة ، قطع متوسط ، 1381 = 1961 م .
في مقدمة المؤلف معلومات عن علاقته بكامل كيلاني ( ص 4 : 9 (
** أبواب الكتاب :
1- نقد الكتب .
2- دراسات أدبية .
3- آراء وأحاديث .
4- مكتبة الأطفال .
5- ندوة الكيلاني .
6- من رسائل أقطاب الفكر .
7- في ميدان الشعر .
* ثم : بعد الوفاة – حفلة التأبين
« جمال عبد الناصر وكفاح الشعب »
ط. شركة النيل للنشر والتوزيع ، قطع كبير ، 86 صفحة ، 1956 م
قدم له : محمد أبو الفضل الجيزاوي .
« الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية »
ط. مط. الرسالة، القاهرة ، بدون تاريخ ، ( الناشر : مكتبة الأنجلو ) ، قطع دون المتوسط ، 648 صفحة .
ينتمي الكتاب إلى ( موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر حتى 1940 ) ، ( رقم 4 )
« ما يختلف فيه الإسلام عن الفكر الغربي والماركسي »
صدر هدية على مجلة " دعوة الحق " ( مكة المكرمة ) ، السنة 5 ، العدد 52 ( 7 / 1406 = 4 / 1986 م ) ، قطع دون المتوسط ، 202 صفحة .
** أبواب الكتاب :
1 تميز منهج الإسلام على المذاهب الوافد
2 فساد المنهج العلمي الغربي
3 الفوارق العميقة بين منهج الإسلام والمنهج الغربي البشري
0 خاتمة : المحافظة على الذاتية الإسلامية فريضة من فرائض العقيدة .
« الإسلام في وجه التغريب .. مخططات التبشير والاستشراق »
ط. دار الاعتصام للطبع والنشر والتوزيع ، القاهرة ، بدون تاريخ ، قطع متوسط ، 429 صفحة .
ينتمي الكتاب إلى سلسلة ( معالم تاريخ الإسلام ) ( رقم : 7 )
** أبواب الكتاب :
* أولا : مخططات التبشير :
1. صفحات من تاريخ التبشير .
2. أهداف التبشير ومخططاته .
3. أبعاد التبشير مع القوى المختلفة .
4. التبشير وآثاره في بناء الفكر والثقافة .
* ثانيا : مخططات الاستشراق :
1. صفحات من تاريخ الاستشراق .
2. سموم الاستشراق في الفكر الإسلامي .
- الإسلام
- الرسول صلى الله عليه وسلم
- القرآن
- اللغة العربية
- التراث
- السنة
- الحضارة
- الشريعة
- الآداب
- التاريخ
3. خطط الاستشراق بين التحول والثبات .
« الإسلام في غزوة جديدة للفكر الإنساني »
ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، مصر ، لجنة التعريف بالإسلام ، سلسلة التعريف بالإسلام ( رقم 19 ) ، 1384 / 1964 ، قطع متوسط ، 232 صفحة .
** أبرز موضوعات الكتاب :
1 التحديات التي واجهها الإسلام .
2 الهجوم على الإسلام .
- كتابات خصوم الإسلام .
3 من الهجوم إلى الدفاع .
4 ضوء جديد من الإسلام .
- أصول الإسلام
- حقوق المرأة
- الزكاة
- الإسلام والسيف
- معاملة أهل الكتاب
- الإسلام دين ومجتمع
- التشريع الإسلامي
- تاريخ الإسلام
- حضارة الإسلام
- موقف الإسلام من العلم
- الإسلام والاستعمار
- مستقبل الإسلام
- القرآن
- ترجمة القرآن
- محمد صلى الله عليه وسلم
5 الإسلام والأديان . ( فيه أقوال كتاب غربيين أنصفوا الإسلام )
- عبد الله كوليام
- لورا فنيشيا فاليري
- لورد هدلي
- هنري دى كاستري
- ليوبولد فابس
- نشكنتنايا دهيابا
- قسطنطين ملحم
- خالد شلدريك
- إتيان دينيه
- سلطانة جاهان مهوبال
- بنوا
6 غزوة جديدة للفكر الإنساني .
( ذكر فيه المؤلف أن في يقينه أن الإسلام الآن في غزوة جديدة للفكر الإنساني ، وكانت الغزوة الأولى تلك التي جاءت إثر القرون الوسطى المظلمة لأوربا . وفيه حديث عن حاجة الإنسانية اليوم للإسلام )
« مناهج الحكم والقيادة في الإسلام »(35/25)
ط. المكتبة العصرية ، صيدا – بيروت ، ط1 : 1402 / 1982 ، قطع متوسط ، 77 صفحة
** أبرز قضايا الكتاب :
1 السياسة في الإسلام .
2 حقوق الإنسان في نظر الإسلام .
3 الدولة في الإسلام .
4 القيادة السياسية في الإسلام .
5 الكلمة للأمة في الإسلام .
6 وظيفة الحاكم في الإسلام .
7 السياسة الدولية في الإسلام .
8 الحرب والسلام في الإسلام .
9 الحروب دفاعية يفي الإسلام .
10 رسالة الإسلام في المجتمع الدولي .
11 الرسول القائد .
12 العدالة في الإسلام
« الإسلام وحركة التاريخ .. رؤية جديدة في فلسفة تاريخ الإسلام »
ط. بدون ناشر ، بدون تاريخ ، قطع متوسط ، 512 صفحة
( هذا الكتاب تم خلال سنة 1967 - 1968 )
** أبواب الكتاب :
1. بناء الجماعة الإسلامية
2. بماء الإسلام وتوسعاته .
3. مرحلة الانصهار والبلورة .
4. مرحلة الغزو الخارجي
5. مرحلة الوحدة الإسلامية العثمانية
6. اليقظة العربية الإسلامية
7. معالم أساسية في تاريخ الإسلام
- السنة والشيعة
- العرب مادة الإسلام
- انتشار الإسلام ذاتيا
- مفهوم البطولة في الإسلام
- المرأة في الإسلام
- عوامل التأخر ودوافع التقدم
8. فلسفة تاريخ الإسلام .
« نحو بناء منهج البدائل الإسلامية للنظريات والأيدلوجيات والمفاهيم الغربية الوافدة المطروحة في مناهج التربية والثقافة والعلوم »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1989 م ، قطع متوسط ، 327 صفحة .
** أبرز قضايا الكتاب :
1- البدائل الإسلامية ضرورة أساسية
- اختلاف الأساس
- معطيات الإسلام
- الإرساليات مؤامرة الترجمة
- خطة احتواء عالم الإسلام
- هل المنهج الغربي علمي حقيقة ؟
- فرض المنهج الغربي وتزييف التاريخ
- كشف المؤامرة
- العودة إلى المنابع
2- القضايا الأساسية للفكر الإسلامي
- القرآن الكريم
- اللغة العربية
- التراث
- التاريخ
- التربية الإسلامية
- الطفولة
- الثقافة
- الحضارة
- المرأة المسلمة
- الاقتصاد
3- الحملات الموجهة إلى القيم الأساسية
- الحملة على القرآن الكريم
- السنة والسيرة
- الشريعة الإسلامية والفقه
* القضايا المثارة : ( مسألة تغير الأحكام بتغير الزمان – نظرية تقديم العقل على النقل – قضية تقديم المصلحة على النص )
4- العلوم الإنسانية والاجتماعية
- العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية
- المنهج الغربي والمعرفة
- العلوم الإنسانية والاجتماعية
- العلوم الاجتماعية
- النفس والأخلاق
- موقف الإسلام من العلوم الاجتماعية
- موقف الإسلام من الفلسفة
. خاتمة : فماذا عجزت العلوم الإنسانية عن العطاء ؟
5- مصطلحات دخلت اللغة العربية ومضامينها الإسلام :
- العصرية
- المعاصرة
- التقدم والتقدمية
- العقلانية
- الأصالة
- الصحوة
- القوميات
- الإعلام
- المقاومة والجهاد
6- المذاهب والنظريات الغربية :
- الماركسية
- الإلحاد
- الوجودية
- الأجناس
- الماسونية والروتاري
- العلمانية
7- القضايا الوافدة
- الفكر الباطني
- حول التراث القديم : الأسطورة والخرافة
- القصة الغربية المكتوبة بالعربية
« نوابغ الفكر الإسلامي »
ط. دار الرائد العربي ، بيروت ، ط1 : 5 / 1972 م ، قطع متوسط ، 432 صفحة
** اشتمل الكتاب على ترجمة كل من :
1- مالك بن أنس
2- البخاري
3- أحمد بن حنبل
4- الشافعي
5 - أبو حنيفة
6- الخليل بن أحمد
7- الأشعري
8- البيروني
9- الحسن بن الهيثم
10- الماوردي
11- ابن حزم
12- الغزالي
13- ابن تَيْمِيَّة
14- ابن خلدون
15- ابن قيم الجوزية
* كما اشتمل على فصل بعنوان ( تجديد الفكر الإسلامي وتصحيح مفاهيمه ) ص 119 :
« الإسلام يزحف إلى قواعده »
ط. دار الطباعة والنشر الإسلامية ، 11 / 1365 هـ ، قطع دون المتوسط ، 62 صفحة .
الكتاب ضمن سلسلة : رسائل تاريخ الفكرة الإسلامية . الكتاب السابع . 2- الحركات الإسلامية الأخيرة . 4- الإسلام يزحف ( _ كما في ص 13 .
قال مؤلفه ص 14 : « الكتاب المقبل : " تاريخ الأحزاب والوزارات والبرلمان والدستور والزعماء " . من أخطر البحوث وأشقها وأعنفها على الباحث ، قرأ لها المؤلف مئات الكتب والصحف والمجلدات ليخرجها مضغوطة ملخصة مبسوطة سهلة الهضم والفهم للقارئ الكريم الراغب إلى معرفة تاريخ هذه الفترة من حياة مصر السياسية بين تصريح 18 فبراير سنة 1922 وبين محادثات سنة 1946 ، وهذا الكتاب فيما نعتقد السجل الأول لتاريخ هذه الفترة إذ لم تسبق كتابتها فضلا عما تكشف من حقائق عن الآثار السوداء التي كتبتها الحزبية في تاريخ مصر "
« يقظة الفكر العربي .. حركة اليقظة في مواجهة التغريب ( مرحلة ما بين الحربين ) »
ط. مطبعة زهران ، القاهرة ، بدون تاريخ ، قطع متوسط ، 352 صفحة ( ظهر في يوليو 1972 )
الكتاب هو الثاني من مجموعة ( يقظة الفكر العربي ) وتضم :
1. حركة اليقظة منذ ظهورها إلى أوائل الحرب العالمية الثانية ( في مواجهة الاستعمار ). صدر .
3. حركة اليقظة منذ الحرب العالمية الثانية ( في مواجهة الشعوبية ) ( _ كما في ص 2 )(35/26)
* فصول الكتاب :
1. مدخل تاريخي سياسي .
2. حركة التغريب .
3. نمو حركة اليقظة واتساع آفاقها .
4. بناء الفكر العربي الإسلامي ومضامينه .
5. التحديات في وجه اليقظة
* تحديات التغريب وقضاياه :
- عالمية الثقافة
- التبعية للاستشراق والتغريب
- الحملة على الإسلام والأزهر
- تجزئة الإسلام
- الهجوم على القرآن
- الشريعة والقانون
- النظرية المادية
- إقليمية الأدب
- الهجوم على الفصحى
- التغريب
- تزييف التاريخ وتدمير البطولة
- إحياء الأساطير
- الشعوبية واتهام العقلية العربية
- إسقاط الحضارة الإسلامية
- الإغريقيات والنزعة اليونانية
- فصل الأدب عن الفكر والمجتمع
- المرأة والمجتمع
- الأدب المكشوف والإباحية
- الدعوات الهدامة
- الإقليمية الضيقة
- تعظيم الغرب
- التبشير والإرساليات الأجنبية
- اتهام الأدب العربي
- العروبة ذات الجذور الانفصالية
- تغريب التعليم والجامعة والتربية
- إحياء ما قبل الإسلام
6. انكسار الموجة
7. مدرسة اليقظة : أعمدتها ومناهجها
- ابن باديس
- محمود أبو العيون
- مصطفى صادق الرافعي
- فريد وجدي
- مصطفى المراغي
- علي العناني
- محمد أحمد الغمراوي
8. الانتقاض على حركة التغريب
- منصور فهمي
- إسماعيل مظهر
- هيكل
- زكي مبارك
9. كبرى قضايا الفكر العربي
- قضية تحريف المفاهيم وتزييف القيم
- قضية الضعف والتخلف
10. عروبة مصر وإسلامية الثقافة
* خاتمة : إيماءات إلى مصادر الخطر .
« أضواء على تاريخ الإسلام »
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، قطع دون المتوسط ، 1377 / 1957 ، 200 صفحة .
** أبواب الكتاب :
1. من الدعوة إلى الدولة .
2. أضواء على الفكر الإسلامي
3. بين الإسلام وخصومه
4. الإسلام والحضارة
5. دور الإسلام في القيادة العالمية
« الرسول الإنسان وأعلام الإسلام . تراجم الأعلام »
ط. دار الأعلام للطبع والنشر ، 1955 ، قطع دون المتوسط ، 160 صفحة .
« الإسلام والغرب »
ط. المكتبة العصرية ، صيدا – بيروت ، ط 1 : 1402 / 1982 ، قطع متوسط ، 298 صفحة .
** أبرز أبواب الكتاب :
1. الإسلام يقتحم أوربا من جبهتي الأندلس والبلقان .
2. أوربا والغرب من المسيحية إلى الاستعمار .
3. الدولة العثمانية وسبعة قرون من الدفاع عن الإسلام .
4. عالم الإسلام في قبضة الغرب
5. قوى الاستعمار والصهيونية والشيوعية المتصارعة حول عالم الإسلام المتفقة عليه .
6. عالم الغرب اليوم إزاء الإسلام .
7. الإسلام في دورة الفلك .
« الإسلامية نظام مجتمع ومنهج حياة »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ط1 : 1399 / 1979 ، 286 صفحة .
** أبواب الكتاب :
1. خصائص النظام الإسلامي
2. الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي .
3. بين الشريعة الإسلامية والنظم الحديثة " الاجتماع والسياسة "
4. الشريعة الإسلامية والنظم الاقتصادية .
5. الإسلامية ومفهوم الأمة ( القومية والعنصرية )
6. تكامل نظام الإسلام وانشطارية النظم الغربية .
« تاريخ الصحافة الإسلامية 1- المنار – محمد رشيد رضا ( 1315 / 1898 : 1353 / 1935 )»
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، إيداع 1983 م ، 196 صفحة .
ينتمي الكتاب إلى ( موسوعة تاريخ الصحافة الإسلامية خلال القرن الرابع عشر الهجري 1301 / 1884 : 1400 / 1980 ) ، وهو أول أجزائها ، يليه :
2- مجلة الفتح – محب الدين الخطيب .
3- صحف الإخوان – حسن البنا .
4- مجلة الأزهر ( فريد وجدي – محب الدين الخطيب – الزيات )
5- الصحف الإسلامية ( بعد الحرب الثانية إلى نهاية القرن الرابع عشر ) 1940 – 1980 .
« المجتمع الإسلامي المعاصر في مواجهة رياح السموم »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1978 م ، 204 صفحة ، قطع متوسط .
** أبرز قضايا الكتاب :
1- رياح السموم التي طرحتها النظريات المادية :
- أثر الروافد الثلاث .
- هدم الأسرة المسلمة
- محاولة القضاء على وظيفة المرأة الأساسية
- محاذير تواجه رسالة الأمومة
- أخطار في وجه الطفل المسلم
- فساد أسلوب العيش الغربي .
2- التحديات في وجه المرأة
- التحديات في وجه المرأة المسلمة
- عطاء الإسلام وعطاء الحضارة
- تحديات الأسرة المسلمة
- اللباس والزينة
3- التحديات في وجه الشباب
- الجريمة والجنس
- الفن
- المسرح
- السنما
. ملاحق البحث :
- عودة المرأة إلى البيت
- عندما دخلت بلادنا رياح الماركسية .
« اللغة العربية بين حماتها وخصومها »
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، الناشرون : مكتبة المعارف ، بيروت ومكتبة الأنجلو ، مصر ودار المعرفة ، القاهرة، بدون تاريخ ، 284 صفحة ، قطع دون المتوسط
هذا الكتاب هو السابع من ( موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر )
** أبرز قضايا الكتاب :
1. مكانة اللغة العربية في العالم الإسلامي والغرب
- تاريخ العربية وأثرها في لغات الشرق
- معارك العربية
- العربية في العالم الإسلامي
- العربية في رأي الباحثين
- رأي اللغويين في العربية
- العربية في أوربا
2. اللغة العربية بين حماتها وخصومها(35/27)
- العربية في ظل الحكم العثماني
- العربية بعد الاحتلال الفرنسي
- أول معجم وأول مجمع
- حملة ويلكوكس
- حملة القاضي ويلمور
- صراع العربية في ميدان التعليم في مصر
- حركة دار العلوم
- محاولات لطفي السيد
- المهجر في معركة اللغة
- قاسم أمين : موقفه من العربية
- معركة العربية في سوريا ( الخوري غصن )
- محاولة سلامة موسى
- إنشاء المجمع اللغوي المصري
- العربية في المحاكم المختلطة
- معركة العربية في المغرب العربي الكبير
- دعوة ماسينيون
- دعوة كولان
- معركة الحروف اللاتينية
3. حماة اللغة العربية
- الشدياق ص 135
- إبراهيم اليازجي ص 139
- عبد القادر المغربي ص 145
- أحمد السكندري ص 149
- حفني ناصف ص 155
- سليمان البستاني ص 159
- أنيس المقدسي ص 163
- إسعاف النشاشيبي ص 165
- أسعد خليل داغر ص 167
- سليم الجندي ص 171
- د. صروف ص 175
- محب الدين الخطيب ص 181
- عبد الرحمن شهبندر ص 183
- جبر ضومط ص 185
- مصطفى جواد ص 193
4. أصحاب الموسوعات
- أمين المعلوف
- مصطفى الشهابي ص 209
- د. محمد شرف ص 215
- د. أحمد عيسى ص 219
5. قضايا اللغة العربية
« الجباه العالية »
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، 1958 م ، قطع دون المتوسط ، 192 صفحة .
الكتاب هو الحلقة الثانية من سلسلة " أعلام الفكر " .
أشار في مقدمته ص 3 أنه أراد بالجباه العالية أعلام العقل وعباقرة الحجا والنظر البعيد .
منه نسخة بمكتبة أنور الجندي ( القاهرة ) ، كتب عليها بقلمه : " غيرتُ رأيي بعد فهم دقيق للإسلام في كثير من هؤلاء : ابن المقفع والفردوسي وابن سينا وابن رشد وطاغور وسقراط وكنفوشيوس ، ولي في ذلك أدلة ".
** احتوى على تراجم :
1. مالك بن أنس ص 7
2. أبو حنيفة ص 13
3. الشافعي ص21
4. أحمد بن حنبل ص 29
5. ابن حنبل ص 35
6. البخاري ص 41
7. ابن خلدون ص 47
8. الغزالي ص 55
9. ابن تيمية ص65
10. الشريف الإدريسي ص 125
11. المتنبي ص 75
12. الجاحظ ص 85
13. أبو العلاء المعري ص95
14. ابن المقفع ص101
15. الخليل بن أحمد ص 185
16. ابن سينا ص 113
17. ابن رشد ص 119
18. إقبال ص 131
19. طاغور ص 143
20. الفردوسي ص 107
21. تولستوي ص 153
22. برنارد شو ص 163
23. سقراط ص 171
24. كونفشيوس ص 179
0000
« أضواء على الحياة والأدب »
نشره باسم مستعار ، هو : " عطارد "
ط. مطبعة الرسالة ، القاهرة ، توزيع : دار العروبة ، 1956 م ، قطع دون المتوسط ، 144 صفحة .
« جولات في الأدب والفن والحياة »
ط.دار الأعلام للطبع والنشر ، القاهرة ، 1956 م ، قطع دون المتوسط ، 224 صفحة .
« الشعوبية في الأدب العربي الحديث »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1977 ، 264 صفحة .
ينتمي الكتاب لسلسلة ( معالم تاريخ الإسلام )
قال مؤلفه ص 5 : " تعني الشعوبية في الأدب العربي الحديث :
. إخراج هذا الأدب عن قيمه الأساسية ورسالته وطبيعته ,
. قطعه عن الأدب العربي كله وفصله حتى يكون أشبه بكيان متصل .
. ازدراء الماضي والتاريخ والتراث ومحاولة النظر إليه على أنه غير صالح للانتساب إليه .
. فرض مفاهيم وتقاليد وأساليب دخيلة عليه في محاولة لاحتوائه وصبغه بها .
. فرض مناهج وافدة في النقد والتفسير ترمي إلى هدمه والازدراء به .
** أبواب الكتاب :
1. التراث واللغة
- في مواجهة التراث
- في مواجهة العربية الفصحى
2. في مجال الأدب
- مرحلة الهدم وإثارة الشبهات
- بناء الواجهة الشعوبية
- الشعر الحر
- العامية
3. أبعاد المواجهة الشعوبية
« خصائص الأدب العربي في مواجهة نظريات النقد الأدبي الحديث »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ط 1 : 1395 / 1975 م ، قطع متوسط ، 520 صفحة .
ينتمي الكتاب إلى ( موسوعة معالم الأدب العربي الحديث )
** أبرز قضايا الكتاب :
1. خصائص الأدب العربي
- خصائص الأدب العربي
- البيئة التي نشأ فيها الأدب العربي
- الفكر الذي تشكل الأدب العربي في إطاره
- الأصول التي استمد منها الأدب العربي وجوده
- وجوه الاختلاف والتباين بين الأدب العربي والأدب الغربي
- التحديات التي واجهت الأدب العربي
2. مذاهب النقد الأدبي
- مذاهب تاريخ الأدب
- مذاهب النقد الدبي
- فساد نظريات النقد الأدبي الوافدة
1) نظرية فصل الأدب عن الفكر
2) المذهب الاجتماعي والعلمانية
3) أخلاقية الأدب
4) أسلوب الشك
5) الأدب ومكانته في دائرة الضوء
6) الاعتماد على المصادر الزائفة
7) أدب الأساطير وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
8) بطولات الأدب والتاريخ العربي
9) إقليمية الأدب
3. إحياء الأدب العربي
- القرآن والأدب العربي
- النثر والشعر في مفهوم الأدب العربي
- لماذا انحرف الأدب العربي ؟
- السجع والزخرف ، المقامات
- عصر الموسوعات
- بعث التراث
- البيان القرآني في منهج النقد الأدبي
4. أثر الآداب الغربية في الأدب العربي
- أثر الاستشراق في الأدب العربي
- الترجمة من الآداب الغربية ، ترجمة القصة
- أثر الأدب الإغريقي في الأدب العربي
- الأدب المهجري
- القصة(35/28)
- الأدب الشرقي القديم
- الأدب العربي والأساطير
- المسرحية اليونانية
- حركة الرفض في الأدب العربي الحديث
5. مناهج الأدب العربي بين التبعية والأصالة .
- الأدب العربي والآداب العالمية
- تضييق دائرة الأدب
- كتب المحاضرات
- الأدب المكشوف
- خطأ نظرية التجديد المفرغة من الأصالة
- الدعوة إلى التمصير
« الإسلام والتيارات الوافدة »
ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب ( مصر ) ، 1987 م ، قطع دون المتوسط ، 115 صفحة ، ـ قضايا إسلامية.
* فصول الكتاب :
1. النظرية المادية .
2. الدارونية .
3. العلمانية .
4. مفاهيم العلوم الإنسانية والاجتماعية .
أ . العلوم الاجتماعية ص 44
ب . النظرية الأخلاقية ص 47
ت . مفاهيم علم النفس ص50
ث . الوجودية ص 55
5. التفسير المادي للتاريخ .
6. مفهوم الحضارة الغربية .
7. إحياء التراث الوثني
8. البهائية والقاديانية .
الكتاب يمتاز بالإيجاز والوضوح ، وهو يعالج قضايا فكرية هامة تواجه الأمة الإسلامية ، وهو يناسب الشباب المسلم .
« رجال اختلف فيهم الرأي ( وعلى الغلاف الداخلي : " شخصيات اختلف فيها الرأي ")»
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، قطع دون المتوسط ، 143 صفحة .
الكتاب هام جدا ، قَلَّ أن يوجد مثله في موضوعه بهذا الشمول والإحاطة .
** في الكتاب الشخصيات التالية :
1- لطفي السيد وأكذوبة أستاذ الجيل . ص 3 : 11 .
2- سعد زغلول ص 13 : 21 .
3- قاسم أمين ص 23 : 35 .
4- طه حسين ص 36 : 46 .
5- سلامة موسى ص 47 : 59 .
6- علي عبد الرازق ص 61 : 72 .
7- ساطع الحصري ص 73 : 82 .
8- محمد التابعي ص 83 : 87 .
9- مدحت باشا وأتاتورك ص 89 : 102 .
10- غاندي ص 104 : 114 .
11- زكي نجيب محمود ص 115 : 124 .
12- سارتر وعبد الرحمن بدوي ص 125 : 134 .
13- لويس عوض ص 135 : 142 .
« التراث »
منشورات مكتب الطلبة ، جامعة قسنطينة ، 1406 / 1985، قطع فوق الصغير ، 32 صفحة .
في أعلى يمين الغلاف : ( نحو ثقافة بانية )
« الإسلام والعالم المعاصر .. بحث تاريخي حضاري »
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط 1 : 1393 / 1973 ، قطع متوسط ، 469 صفحة ، ـ الموسوعة الإسلامية العربية (رقم 1 )
** أبواب الكتاب :
1- العالم والإسلام : ( اليهودية ، المجوسية ، البرهمية والبوذية ، الهيلينية ، الإمبراطورية الرومانية ، المسيحية والغرب ، الفرعونية ، الوثنية العربية ) ص 25 :
2- الإسلام والعالم : ( الفتح الإسلامي ، القرون الوسطى المضيئة ، المسلمون والمتوسط ، التاريخ الإسلامي ، القرآن والدين ) ص 101 :
3- الإسلام والأديان : ( معالم الإسلام ، التوحيد ، تدين البشرية وتحرير الإنسان من العبودية ، بناء المجتمع والإنسان ، الإسلام والأديان ) ص 203 :
4- الإسلام والعالم المعاصر : ( الإسلام والعالم المعاصر ، أزمة الغرب الدينية ، اليهودية في محاولة احتواء الإسلام ، الماركسية في مواجهة الإسلام ، الإسلام والبشرية ) ص 357 :
« سقوط العلمانية »
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط 1 : 1393 / 1973 ، قطع متوسط ، 199 صفحة ، ـ الموسوعة الإسلامية العربية (رقم 2 )
* أبرز قضايا الكتاب :
. مدخل :
- العلمانية في الفكر والمجتمع الغربي .
- العلمانية في الفكر والمجتمع الإسلامي
1. العلمانية والعلم .
. النظرية المادية ص 49
2. العلمانية والفلسفة
3. العلمانية والدين
4. العلمانية والإنسان
5. موقفنا وموقف الغرب
6. منهج الإسلام في المعرفة
. لحق : رأي العلماء الغربيين في ترابط الدين والدولة ، والدين والعلم في منهج الإسلام ص 193 :
« الإسلام والدعوات الهدامة »
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط 1 : 1974 ، قطع متوسط ، 296 صفحة ، ـ الموسوعة الإسلامية العربية ( رقم 3 )
** أبرز قضايا الكتاب :
. مصادر المذاهب الهدامة :
(1) إحياء الباطنية القديمة .
(2) تحريف العقيدة السبئية .
(3) المذاهب الهدامة والإلحاد .
(4) الله في مفهوم الإسلام
(5) عقيدة البعث
1- دعوات هدامة للعقائد والقيم .
(1) الدهرية
(2) الثيوصوفية : ( وحدة الوجود ص 55 ، الحلول ص 59 ، الاتحاد ص 61 ، التناسخ ص 63 ، الزقانا ص 65 ، الإشراق ص 66 )
(3) البهائية ص 69
(4) الروحية الحديثة ( تحضير الأرواح )
2- دعوات هدامة للمجتمعات والأمم ص 87
(1) أيديولوجية التلمود ص 89 المخططات التلمودية ص 104
(2) دعوة العنصرية ص 113
(3) المادية ص 127 العقل : مكانته ومهمته ص 136 الإسلام والنظرية المادية ص 142
(4) العلمانية ص 147
(5) العالمية ص 158
3- دعوات هدامة للنفس والأخلاق ص 161
(1) الفرويدية : الجنس ص 163
(2) الوجودية ص 185
(3) الهيبية ص 198 الإنسان في الميزان ص 207
4- دعوات هدامة للفكر والثقافة
(1) الدعوة إلى إحياء ما قبل الإسلام ص 215 : ( الوثنية ، الجاهلية ، الإقليمية ، الفرعونية ، الفينيقية )
(2) الإسرائيليات ص 233 : ( الأساطير )
(3) دعوة التغريب ص 243 : ( التبشير ص 249 ، الاستشراق ص 251 ، الشعوبية ص 255)(35/29)
(4) إحياء الهلينية ص 257
5- الدعوة إلى العامية
- الإسلام في مواجهة الفكر
« العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي »
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط 1 : 1979 ، قطع متوسط ، 463 صفحة ، ـ الموسوعة الإسلامية العربية (رقم 4)
مجال البحث : العالم الإسلامي بين سنتي 1740 : 1940 م )
** أبرز قضايا الكتاب :
* مدخل
أولا : الإسلام وعالم اليوم
1- الإسلام والأمة العربية
2- تركيا ومقاومة الغزو
3- إيران : الشيعة ومقاومة النفوذ الأجنبي
4- أفغانستان ومقاومة الاستبداد والاستعمار
5- باكستان ومسلمو الهند
6- أندونيسيا وأرخبيل الملايو
7- إفريقيا : قارة الإسلام
* ثانيا : العالم الإسلامي وحركات الوحدة :
1- الوحدة الإسلامية
2- الجامعة الإسلامية
3- الخلافة الإسلامية
* ثالثا : الأمة العربية وعالم الإسلام :
1- الأمة العربية ومصر العربية الإسلامية
2- الوحدة العربية
3- الإسلام وحركات المقاومة
4- ثورة الجزائر
5- جذور الوحدة العربية
* رابعا : حركات الإصلاح في العالم الإسلامي
1- دعوة التوحيد
2- لدعوة السنوسية
3- الدعوة المهدية
4- الحركات الإصلاحية : حركة جمال الدين الأفغاني و محمد عبده
5- الحركة السلفية
6- جمعية العلماء
7- الحركة الإسلامية في الهند الإسلامية وباكستان
8- حركة الإصلاح في أندونيسيا
9- الحركات الصوفية
10- ثمرة الحركات الإسلامية
* خامسا : الثقافة في العالم الإسلامي
1. التعليم .
2. الثقافة
3. اللغة العربية في العالم الإسلامي
- اللغات الإسلامية واللغة العربية في الباكستان والهند الإسلامية
- اللغة الأندونيسية واللغة العربية
- حاضر اللغة العربية في إفريقيا ص 370
* سادسا : الاستعمار والعالم الإسلامي
1- الاستعمار
- ( جدول ) تاريخ الاحتلال الغربي للعالم الإسلامية ص 391 : 392 .
2- التبشير
3- الصهيونية
4- الحركات الهدامة ودعوات تغيير مفاهيم الإسلام :
- البهائية ص 446
- القاديانية ص 451
- الماسونية ص 456
« ليظهره على الدين كله »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، إيداع 1980 م ، قطع متوسط ، 111 صفحة .
قال مؤلفه ص أ :
"... وإذا كانت محاولات الحوار ترمي إلى الحصول على كتابات إسلامية تعترف بأن المسيحية بوضعها الحالي هو الدين الذي أنزل على عيسى عليه السلام وأن الخلاف بينه وبين دين الإسلام في مسائل فرعية فإن ذلك أمر يجب الكشف عن خطره والمؤامرة الخبيثة وراءه …".
** النقاط الرئيسية :
1- القرآن إزاء العلم بالمقارنة مع الكتاب المقدس
2- الأريوسية الجديدة
3- الحوار
4- التوراة
5- فساد نسبة الأناجيل للمسيح
6- نظرية الخطيئة الأصلية
7- ليظهره على الدين كله .
« نحن العرب »
ط. [ الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ]، 10 / 11 / 1960 ، قطع فوق الصغير ، 126 صفحة ، ـ سلسلة : كتب ثقافية ( 73 )
كتب المؤلف هذا الكتاب في قبل استوائه الفكري الإسلامي .
« الزهاوي شاعر الحرية 1863 – 1936 »
ط. الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 18 / 2 / 1960 ، قطع فوق الصغير ، 110 صفحة ، ـ سلسلة : كتب ثقافية ( رقم 38 )
كتب المؤلف هذا الكتاب في قبل استوائه الفكري الإسلامي .
« حسن البنا الرجل القرآني »
بقلم الكاتب الأميركي : روبير جاكسون
ترجمة : أنور الجندي
ط. المختار الإسلامي ، القاهرة ، ط 1 : 1397 / 1977 م ، قطع فوق الصغير ، 37 صفحة ، ـ سلسلة ( نحو وعي إسلامي)
« الإسلام في معركة التغريب »
ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ، 15 / 1 / 1384 = 27/ 5 / 1964 ، قطع دون المتوسط ، 64 صفحة ، ـ سلسلة : كتب إسلامية ( 34 ) ،
« الطريق أمام الدعوة الإسلامية ».
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1984 م ، قطع دون المتوسط ، 95 صفحة ، ـ الرسائل الجامعة
قال مؤلفه ص 7 : "إن الطريق أمام الدعوة الإسلامية أصبح مضيئا بمجموعة من الحقائق التي يبنى عليها جدار قوي يمكن للداعية إلى الله أن يحتمي به وينطلق منه ، أبرز هذه الحقائق … … … ، ومع انكشاف هذه الحقائق فإن هناك أخطار وتحديات ما تزال في حاجة إلى عمل كبير … … … "
أبرز قضايا الكتاب :
القرآن ونظرية دارون
إجهاض اليقظة
دعاوى الاستشراق
تشويه الجامعات الغربي للإسلام
دين ودولة
مذاهب سقطت
أمل البشرية
القانون الوضعي والقوميات
التحديات
معجزة الإسلام الكبرى
الحفاظ على الذاتية الإسلامية
الحذر من الانصهار
القارة الوسطى
التيار الرباني
فضل الإسلام المتجدد
نقبل في ضوء القرآن ونرفض
« قضايا مثارة في ضوء الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1984 م ، قطع دون المتوسط ، 103 صفحة ، ـ الرسائل الجامعة
** فهرست الكتاب :
- مدخل إلى المبحث .
- ما يعتقده أهل الفكر الغربي
- الصهيونية والليبرالية والماركسية
- اليوم انتهت الحروب الصليبية
- الأهداف
- التمزق والضياع والعبث
- محاولة لإفساد الحضارات والأمم والمجتمعات
- محاذير ثلاثة في رحلة الثقافات الإسلامية العالمية(35/30)
- مهمة الأدب الإسلامي
- الإسلام والمصطلحات المعاصرة
- الغزوة الصهيونية
« حتى لا تضيع الهوية الإسلامية والانتماء القرآني »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1984 م ، قطع دون المتوسط ، 103 صفحة ، ـ الرسائل الجامعة
قال مؤلفه ص 5 :
"إن جميع الدلائل التي يكشف عنها مخطط التغريب والغزو الثقافي لأمتنا الإسلامية والذي يتكاثف اليوم بصورة مذهلة عن طريق جميع مؤسسات النفوذ الأجنبي على اختلاف نوعياتها غربية أو ماركسية أو صهيونية إنما تهدف في هذه المرحلة - مرحلة العقد الأول من القرن الخامس عشر وفى مواجهة الصحوة الإسلامية ووضوح آياتها على أمر واحد ، هو القضاء على الهوية الإسلامية والانتماء القرآني وفصل المسلمين والعرب عن تاريخهم وعقيدتهم وتراثهم ولغتهم وكل مدوناتهم التي منحهم إياها الإسلام بقيمه ومقوماته ودفعته القوية لإخراج الناس من الظلمات إلى النور … "
** قضايا الكتاب:
- مدخل إلى المبحث
- أسلمة العلوم والمناهج .
- لماذا يدخلون الإسلام
- استعلاء كاذب
- ليس إلا الإسلام لإصلاح البشرية
- تربية الإسلامية
- مواجهة الفكر الباطني
- عبرة التاريخ الأندلسي بعد خمسة قرون
- رفض النموذج الغربي والتماس أسلوب العيش الإسلامي
- هزيمة الفكر البشري وانتصار الدعوة الربانية
- استقلالية ذاتية الإسلام
- الأخطار في وجه الأجيال الجديدة
- قصور المناهج الغربية
- العودة إلى المنابع
- سموم الاستشراق
- تصحيح وجه الشباب المسلم
- الوراثة والبيئة
- ولتعرفنهم فيلحن القول
- فلنحذر التبعية
- العروبة و الإسلام
- محاولات لتغيير الهوية الإسلامية
- فلنحذر الزيف
- المنهج الرباني
- العلمانية
- عودة القدس
- طه حسين
- قضية القمم الشوامخ
- حتى لا تضيع الهوية الإسلامية .
« ترشيد الفكر الإسلامي »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1984 م ، قطع دون المتوسط ، 119صفحة ، ـ الرسائل الجامعة
** قضايا الكتاب :
- تأكيد الذات
- المسئولية الفردية
- مواجهة خطر الاستلاب
- القيم الإسلامية الأساسية
- النظرة القرآنية المتكاملة
- المفهوم الإسلامي الجامع
- تكامل القيم
- مواجهة التغريب
- عصارة رسالات الأنبياء
- المنابع الأصيلة
- الفصحى لغة القرآن
- تفسير التاريخ الإسلامي
- تعلم اللغات الأجنبية
- الإسلام والغرب
- محاذير الاستشراق
- الفن في الإسلام
- الفقه الإسلامي
- الإسلام والعقل
- الصحوة الإسلامية
- الإسلام والحضارة
- إعادة النظر في المسلمات
- مستقبلية الإسلام
- الشعر ومحاولات تغريبه
- في مجالات الترجمة .
« كيف يحتفظ المسلمون بالذاتية الإسلامية في مواجهة أخطار الأمم »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1984 م ، قطع دون المتوسط ، 104 صفحة ، ـ الرسائل الجامعة
** قضايا الكتاب :
- "الإنسان" : مفهوم الإسلام له .
- التحرر من التبعية
- المؤامرة على الإسلام
- النظرة القرآنية
- فشل الاتجاهين الوافدين
- محاولات تغريب الإسلام
- تكامل الإسلام
- الفصحى لغة القرآن
- تاريخ الإسلام
- محاذير الترجمة واللغات الأجنبية
- الغرب يتطلع إلى الإسلام
- مفهوم الإسلام للفن والجمال
- تكامل الإسلام إزاء العقلانية والوجدانية
- مستقبلية الإسلام
- انهيار الحضارة الغربية
« دورنا الجديد في الحضارة الإنسانية »
ط. الدار القومية للطباعة والنشر ، مصر ، 18 / 2 / 1965 م ، قطع دون المتوسط ، 37 صفحة ، ـ سلسلة : اخترنا للجندي ( 81 )
« كلمات خالدة من ذخائر تراثنا العربية »
ط. [ الدار القومية للطباعة والنشر ، مصر ] ، 62 صفحة ، ـ سلسلة : كتب ثقافية
جمع المؤلف في الكتاب جملة اختارها من الأحاديث النبوية ، وأقوال بعض الصحابة ، ثم أقوال لبعض الأدباء كالجاحظ ونحوه .
« يقظة الفكر العربي .. حركة اليقظة في مواجهة التغريب ( مرحلة ما بين الحربين ) »
ط. مطبعة زهران ، مصر ، 1972 ، قطع متوسط ، 352 صفحة ( 5 : 352 )
« تحديات في وجه المجتمع الإسلامي »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1980 م ، قطع فوق الصغير ، 31 صفحة ، ـ في دائرة الضوء (30)
أصل الكتاب كلمة ألقاها المؤلف في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة . ( _ كما في ص 32 )
يحتوي الكتاب على نقاط موجزة مختصرة ، تتناول :
- أضواء كاشفة لأبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب
- ثلاث قوى لها أثرها البعيد في أزمة المسلمين : التعليم ، الثقافة ، الصحافة .
- دلالة إعلان المستشرقين " إلغاء الاستشراق "
- العلاقة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي
- العلاقة بين المسلمين والعرب ( الخلاف بين العرب والدولة العثمانية ( ص 30 : )
- رد الاعتبار للسلطان عبد الحميد ( ص 30 )
« على الفكر الإسلامي أن يتحرر من سارتر وفرويد ودوركايم »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ، قطع فوق الصغير ، 31 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 8 )
« الشبهات المطروحة في أفق الفكر الإسلامي »(35/31)
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ ، قطع فوق الصغير ، 24 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 5 )
يدور الكتاب حول حقيقة الدعوات والشبهات المثارة اليوم في أفق الفكر الإسلامي ، وما يراد بها من إبعاد المسلمين عن الفكر الإسلامي الصحيح .
** مما اشتمل عليه :
- " لقد كشفت التجارب خلال أكثر من مائة عام أو تزيد أن كل معطيات الفكر الغربي لم تحقق للمسلمين شيئا في مجال القوة أو البناء أو المقاومة ، وأنها حرمتهم من أهم موارد الحضارة ومصادرها وهي العلوم التكنيكية وأبقتهم خاضعين للغرب في مجال استيراد حاجياتهم وتصدير خاماتهم ، … " ( ص 5 )
حقيقة الدعوة إلى " الأدب العربي المعاصر " والفكر العربي المعاصر والثقافة العربية المعاصرة ص 11
« نظريات وافدة كشف الفكر الإسلامي زيفها »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ، قطع فوق الصغير ، 31 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 10 )
** مما اشتمل عليه :
- حقيقة تكريم أدب الإغريق وإعلاء أدب اليونان على الأدب العربي ص 7
- حقيقة دعم شأن الإقليميات الضيقة كالمصرية والفينيقية والبربرية ونحوهم ص 7
- حقيقة محاولة تمزيق الرابطة العضوية بين العروبة والإسلام ص 7
- حقيقة الادعاء بأن الخلافة ليست أصلا من أصول الإسلام ، وأن نظام الحكم كان حرا طليقا ص 9
- الحقيقة وراء المساعي إلى تغريب الأدب العربي ص 10
- المنهج الصحيح لدراسة الأدب العربي ص 10 : 11 ( هام جدا )
- حقيقة التركيز في دراسة الأدب العربي على أبي نواس وبشار بن برد والضحاك ص 11
« موقف الإسلام من العلم والفلسفة الغربية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1978م ، قطع فوق الصغير ، 29صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 12 )
** النقاط الرئيسية في الكتاب :
1- هل للفكر الإسلامي خصائص ذاتية متميزة تفرق بين دين الفكرر البشري وتحول بينه وبين الانصهار في العالمية والأممية ؟
2- ما هو العلم ؟ ( الخلاف بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي ليس مع العلم التجريببي ولكن مع الفلسفة ، …. )
3- ما هي الفلسفة ؟
4- العلم والفلسفة .
5- الوثنية . ( جميع الفلسفات المعاصرة تقوض دعائم الاعتقاد بوجود إله واحد )
في الكتاب حديث هام عن خصائص الفكر الإسلامي وأنه وليد القرآن والسنة ، وأنه يأبى دوما فصله عن أصوله – الإسلام والكتاب والسنة -
قال ص 15 : "ولقد شقيت البشرية في العصر الحديث لأنها توسعت في العلوم المادية وقصرت في العلوم الإنسانية ، وبذلك خلقت فجوة ضخمة وأزمة عميقة … ".
« أخطاء الفلسفة المادية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ ، قطع فوق الصغير ، 24 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 9 )
** ومما تضمنه :
- فساد نظرية الجبرية ص 9
- فساد نظرية تنازع البقاء ( البقاء للأصلح – البقاء للأقوى ) ص 18
- فشل نظرية دارون ص 19
- سقوط نظرية مالتوس في الوراثة ص 19
ترويج الفلسفات الغربية لكلمة ( الطبيعة ) ص 23
« في سبيل إعادة كتابة تاريخ الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ ، قطع فوق الصغير ، 31 صفحة ، ـ سلسلة : في دائرة الضوء
يدور الكتاب حول حقيقة التاريخ الإسلامي المكتوب الآن ، وأسباب الدعوة إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، وأهمية كتابة منهج تفسير الإسلام للتاريخ أولا .
** ومما اشتمل عليه :
- التفسير الاقتصادي ثم المادي للتاريخ الإسلامي في كتابي " على هامش السيرة " و " الفتنة الكبرى " ، ثم اتسعت في كتاب " محمد رسول الحرية " ص 15
- " النثر الفني " ( تصـ ) ص 16
- "الشعر الجاهلي " ( تصـ ) ص 16
- محمد فريد وجدي ص 16
- فيليب حتي ص 20
- ولفرد كانتول سميث ص 21
- خطأ التفسير المادي لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 23
- صورة " البطل " في التفسير المادي للتاريخ ص 24
- الوحي والنبوة تنقض التفسير المادي للتاريخ ص 24
- على هامش السيرة ص 29
- نقد أنور الجندي للعبقريات بإجمال ص 29
- دراسة غازي التوبة عن العبقريات ص 30
« المؤامرة على الفصحى لغة القرآن »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1978م ، قطع فوق الصغير ، 31 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 19 )
** النقاط الأساسية :
1- المؤامرة على الفصحى موجهة أساسا إلى القرآن والإسلام
2- الفصحى لغة القرآن لغة ألف مليون هم المسلمون وليس مائة مليون هم العرب وحدهم
3- لماذا دراسة اللهجات العامية والاهتمام بها
« الإسلام في وجه التيارات الوافدة والمؤثرات الأجنبية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1980 م ، قطع فوق الصغير ، 29صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 27 )
** ومما اشتمل عليه من فوائد :
الماركسية في العالم الإسلامي ظروف تواجدها ونتائج التجربة ، وأنه لم يكن مسموحا للفكر الإسلامي أن يتدخل أو يعلن عن وجوده أثناء بين الفكر الليبرالي والفكر الماركسي ص 7
"الماركسية ليست نظاما مستقلا ، ولكنها رد فعل للنظام الرأسمالي الديمقراطي الليبرالي الغربي وجزء منه " : ص 8(35/32)
سر هزيمة حرب 1967 ص 8 : 9
الهدف المقصود من وراء مخططات الغزو الفكري للعالم الإسلامي والتيارات الوافدة عليه ، وبيان النتائج المتحصلة اليوم ص 8 : 9
الفرويدية ص 12
الوجودية ص 12
مدرسة العلوم الاجتماعية ص 12
التربية الإسلامية ص 13
الشريعة الإسلامية ص 13
ثمة خطر يستفحل في المجتمع الإسلامي هو بث السموم عن طريق القصة والأغنية والمسرحية والسنما ( الفن والأدب ) والذي يحمل أفكارا مسمومة تتعارض مع مفاهيم الإسلام ص 13 : ( تفصيل ذلك وبيان مدى خطورته )
نتائج الليبرالية والفكر الغربي في الغرب نفسه ص 17 :
« ماذا يقرأ الشباب المسلم ؟ »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1978 م ، قطع فوق الصغير ، 24 صفحة ، ـ في دائرة الضوء (14)
موضوع الكتاب : الجواب على سؤال ملح يوجهه الشباب : ماذا يقرأ ؟ وفيه يقدم قائمة بكتب هامة للقراءة ، كما يبين ضوابط اختيار الشباب المسلم لما يقرأ .
- وفي الكتاب ص 7 وصف للكاتب الذي يقرأ له الشباب الحق يقول فيه :
"وليكن دليلنا دائما أن نقرأ الكاتب قبل كتابه ، ... ولنكن على إيمان كامل بأن الكاتب الصادق يستمد قوته من الحق ويستمد مظهره من تراث الأنبياء والأبرار ، ويكون في دعوته وهدفه وكتاباته مطابقا للآية الكريمة : {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً}(1)، فهو لا ينثر العلم ولا يكتمه ، وهو في نفس الوقت لا يشتري بالحق ثمنا قليلا ، ويكون أبدا أداة لتزييف الحق أو تضليل الناس أو إعلاء شأن الأهواء وخداع الناس بها تحت عناوين الفكر الحر أو الانطلاق أو غيرها".
- من العبارات الثمينة في الكتاب ص 14 :
"على الكاتب المسلم أن يفرق بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية من ناحية ، وأن يفرق بين المفاهيم الأصيلة والمفاهيم الزائفة الوافدة ، وأنه لا خطأ في الإسلام وإنما الخطأ في طريقة إسلامنا ، وأن فترة ضَعْف الإسلام لا تمثل حقيقة جوهره ، وإن من أكبر الأخطار التي تواجه الكاتب المسلم هي تلك النظرة الخاطئة التي تحاول أن تعطي الأدب مكانا أكبر من حجمه الحقيقي في عالم الفكر ، ومن ثم كان تجاوزه الخطير لمهمته ومفهومه "
ويقول ص 15 :
" ليؤمن كاتب الإسلام أن الإسلام منذ انتشر لم يتغلب عليه متغلب وإن تغلبت على أممه الشدائد ، ومنذ ظهر الإسلام وكل حدث في العالم مرتبط به ، وأن العمل على الالتقاء بين روح العصر وروح الأمة لا يكون على حساب القيم الأساسية بل في ضوئها وعلى هداها ، وأن الإسلام قد رفض مبدأ التبعية ولم يستسلم في تاريخه الطويل لأي نظرية وافدة "
ويقول ص 19 :
" إن أمة تشكلت على منهج مدى أربعة عشر عاما من العسير أن يصلح لها منهج آخر وافد ، خاصة إذا كانت هذه لأمة قد كانت على حذر دائم وعلى طبيعة أساسية ترفض الدخيل ولا تقبل إلا ما يزيدها قوة وما ينصهر داخل كيانها ومفهومها "
ويقول ص 22 :
" إن أبرز مفاهيم الإسلام الذي انتصر بها هو أن قيمه وحدة متكاملة لا يصح تجزئتها أو تفتيتها أو الأخذ بنوع منها دون الآخر أو إعلاء عنصر منها على مختلف العناصر فكل يؤثر في الآخر ويتأثر به "
ويقول ص 23 :
" الإسلام في حقيقته منهج وليس نظرية : منهج متكامل يستهدف تحقيق إقامة المجتمع الإنساني الرباني المصدر ...، وإن وضع الإسلام تحت ضوء أي منهج من المناهج المستمدة من الفكر المادي تعجز عن استيعاب حقيقته وأبعاده ، وإن علم الأديان المقارن لا يستطيع أن يعالج الإسلام كبقية الأديان دون اعتبار أن هذا الدين هو دين الله وأنه ليس من صنع البشر ، وأنه فوق أهواء المذاهب والنظريات والفلسفات والمناهج البشرية ، وهو يستمد أصالته من مصدره الرباني أولا ويتجاوب في نفس الوقت مع الفطرة والعقل والعلم ولا يتعارض مع الطبيعة البشرية أو يضادها "
** النقاط الأساسية في الكتاب :
1- قائمة بكتب يرشحها المؤلف للشباب ، ثم صِفة الكاتب الذي يقرأ له الشاب . ( ص 5 : 7 )
2- "مسئولية القارئ" : فيما يجب أن يستشعره الكاتب من مسئولية تجاه القارئ، ومن أمانة الكلمة . ( ص 9 : 15)
3- "في سبيل بناء مشروع إطار للقراءة" ( ص 17 : ) ("محاولة لاقتراح مشروع إطار للقراءة يقوم على أساس تحديد النظرة بحيث لا تضطرب أمام الكثير المطروح في السوق مع اتساع الآفاق لمعرفة ما وراء هذه الألوان والأنواع المختلفة المتضاربة ")
« في مواجهة الفراغ الفكري والنفسي في الشباب »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ أو رقم إيداع ، قطع فوق الصغير ، 24 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 4 )
يدور الكتاب حول بعض الحقائق الفكرية ، في سبيل " بناء ذاتية المثقف المسلم العربي "، وهو ما يفرضه علينا التحدي الذي تواجهه الأمة الإسلامية : تحدي الصهيونية والاستعمار والماركسية ، ممثلا في التغريب والغزو الثقافي والشعوبية .
هذه الحقائق هي :
__________
(1) القصص : 83 .(35/33)
1- التدين جزء من الطبيعة البشرية ، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بغير دين ( ص 8 . )
2- ليست للإنسان أزمة ولا قضية حاجة في ظل مفهوم الإسلام ( بين الروح والجسد ـ والعقل والقلب ) ( ص 8 : 9 )
3- ألغى الإسلام الفكرة الوثنية القديمة التي تتجدد عن طريق الأيديولوجيات القائلة بالصراع بين الجسم والروح ( ص 9 : 10 )
4- كذب الإسلام ودحض الافتراء بأن الدين يصرف الإنسان عن النضال والعمل ( ص 10 )
5- أعلن الإسلام عن قيام الإرادة الحرة لكل مسلم وكل إنسان ( ص 10 : 11 )
6- قرر الإسلام أن هناك قاسم مشترك أعظم على مختلف القيم والتصرفات والأخلاق مقررات جاء بها الدين من عند الله ( ص 11 : 12 )
7- إن المفاهيم التي ترتبط بالإنسان في مشاعره وعواطفه يصعب إخضاعها لقوانين الظواهر الطبيعية ، ذلك لأنها تتعرض لظروف مختلفة تتعلق بأعماق النفس ولا تخضع للتجربة ( ص 13 )
8- لا تصدقوا الفكر الذي تقدمه الروايات والأفلام السينمائية والمسرحيات ، وهو ليس مسلمات ، ذلك أنه لا يصدر عن حقائق وإنما عن أهواء وخيال .
9- يجب أن نفرق بين أنور مشتركة بين الأمم هي العلوم فالعلم عالمي عام ، وبين أمور خاصة مطبوعة في كل أمة بطابعها وهي الأخلاق والأدب والفن ( ص 15 : 16 )
10- الإسلام ليس دينا فحسب ، بل نظام مجتمع والدين جزء منه ( ص 16 : 17 )
11- قرر الإسلام أن الإيمان قوة دافعة تعطي الأمل وتحول دون اليأس وتبعث الثقة المتجددة في النفس الإنسانية ( ص 17 . )
12- معنى الحرية بين المطروح وبين الفكر الإسلامي ، وبيان خطر رفض تجربة الأجيال السابقة ( ص 17 : 19 )
13- يدعونا الإسلام إلى المجاهدة والمذاهب النفسية الحديثة تدعونا إلى الانطلاق فأيهما خير ؟ وما حقيقة خطر الكبت ( ص 19 : 21 )
14- أعطى الإسلام البشرية التفسير الجامع الرباني المصدر الإنساني الهدف ( ص 21 . )
15- ما يزال الإسلام والإسلام وحده هو المنهج القادر على إعطاء النفس العربية والإسلامية بل النفس الإنسانية ريها وسكينتها وقوتها وحيويتها ( ص 21 : 22 )
16- تخلف المسلمين في العصر الحديث قضية مستقلة عن منهج الإسلام ذاته ( ص 22 : 23 )
17- دخائل كثيرة دخلت على المسلمين أعلت من شأن المتعة والترف وحب الدنيا ( ص 23 )
أقر الإسلام حرية الفكر والعقيدة ودعا إلى المطالبة بالبرهان والدليل ونهى عن تحكيم الهوى ، وفرق بين العقائد والمعارف ( ص 23 : 24 )
« البطولة في تاريخ الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ؟، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟؟ صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 21 )
«السلطان عبد الحميد .. صفحة ناصعة من الجهاد والإيمان والتصميم لمواجهة تحديات الاستعمار والصهيونية»
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ؟ ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟؟ صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( رقم 43 )
« يقظة الإسلام في تركيا »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، إيداع : 1979م ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟ صفحة ، ـ على طريق الأصالة الإسلامية ( رقم 8 )
( على طريق الأصالة الإسلامية : تعالج قضية هامة من القضايا المعاصرة التي تتطلب بيان وجه الإسلام فيها :
1- ألف مليون مسلم على أبواب القرن الخامس عشر الهجري .
2- الاستعمار والإسلام
3- الصهيونية والإسلام
4- الحضارة في مفهوم الإسلام
5- فساد نظام الربا في الاقتصاد العالمي
6- الدرة المغتصبة بعد ثلاثين عاما " فلسطين "
7- يقظة الإسلام في تركيا
8- أكذوبتان في تاريخ الأدب الحديث
9- التربية الإسلامية هي الإطار الحقيقي للتعلم
« تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث .. السلطان عبد الحميد والدولة العثمانية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ؟ ، قطع فوق الصغير ، ؟؟ صفحة ، ـ في دائرة الضوء (؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)
« في سبيل إعادة كتابة تاريخ الإسلام»
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1979 م ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟ صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( 3 )
« الخلافة الإسلامية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ؟؟؟ ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟ صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( 37 )
« كمال أتاتورك وإسقاط الخلافة الإسلامية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ؟؟؟؟؟ ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟؟ صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( 32 )
« الوجه الآخر لطه حسين من مذكرات السيدة سوزان " معك " »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1980 م ، قطع فوق الصغير ، 28 صفحة ، ـ في دائرة الضوء (25)
قال في مقدمته ص 7 :
"نشرت السيدة سوزان طه حسين مذكراتها عن حياتها مع زوجها في مجلة أكتوبر المصرية ، ولما كنا قد أصدرنا كتابنا " طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام فقد طلب إلينا بعض القراء أن نقدم تصورنا لما كتبناه من قبل في ضوء هذه المذكرات وعما إذا كانت هذه المذكرات تغير شيئا من وجهة نظرنا السابقة ..."
وقال ص 8 : 9 :(35/34)
"ولعل القارئ المتابع لهذه المذكرات قد أحس بذلك الجو الكنائسي الملئ بالتراتيل والمزامير والقداس الذي أضفته السيدة سوزان على حياتهما الاجتماعية ، وهذا الاحتفال المتصل بأعياد العنصرة وعيد القيامة وكيف كان طه حسين يستمتع بهذه الاحتفال[ات ]، وهؤلاء الكردنالات والقسس والآباء الذين يملأون هذه الحياة ، وذلك الاهتمام بأجراس الكنائس حين سمى كلود – الذي هو مؤنس – ديوانه باسمها ، وذلك الهتاف الذي سجلته السيدة لابنها حين يصبح يوم الأحد : يا صباح أحدي الجميل ... "
وقال ص 9 :
"لقد فتح طه حسين أبواب الجامعة – وكلية الآداب بالذات – للمستشرقين وعتاة الدراسات التبشيرية والتغريبية ليحطموا في نفوس أبناء أمتنا كل عقائدهم ومقدساتهم ..."
وقال ص 24 : 25 :
" وكانت السيدة سوزان تعرف مهمة طه حسين وقد أفلتت العبارات منها أكثر من مرة لتكشف هذا الدور ، فهي تقول : " لم يكن مثله بالذي يقبل أن يقوم بدور محدود " ، " ثم إن هنا معركته ومستقبله مهما يكن هنا مصيره ورسالة وجوده " ، وتقول في كتاب كتبته لوالدتها : " إننا نصنع على كل حال أشياء ستبقى ولن يستطيع أحد فيما أظن أن يقوضها "، وقال : " لما عاد عميدا من جديد كانت كل أنواع الأفكار تدور في رأسه ، وكان عليه أن يضعها موضع التنفيذ " ، وكان هو يقول : " إنك تعرفين هذا النوع من الرضا الذي يعقب القيام بالواجب ، وإن المرء على مستوى الرسالة التي كلف بها رغم المصاعب التي يواجهها"
« جوهر الإسلام »
ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، لجنة التعريف بالإسلام ( 53 )، القاهرة ، 1389 / 1969 ، قطع متوسط ، 174 صفحة .
الكتاب في الشبهات المثارة حول الإسلام .
** النقاط الأساسية :
* مدخل . ( ص 3 : 24 )
(1) الإسلام دين ومدنية . ( ص 7 : 8 )
في الرد على الزعم بأن الإسلام دين روحي لا صلة له بالحياة والمجتمع .
(2) وثيقة الإسلام الخالدة : القرآن . ( ص 9 : 11 )
(3) انتشار الإسلام . ( ص 11 : 12 )
(4) الإسلام والعلم . ( ص 13 : 14 )
(5) التفسير التاريخي للإسلام . ( ص 14 : 15 )
(6) طابع الشمول . ( ص 15 : 16 )
(7) قدرة الإسلام على الاستمرار . ( ص 16 : 18 )
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أين 8
(9) اللغة العربية لغة الإسلام والعرب . ( ص 18 : 19 )
(10) دور العرب والمسلمين في العلم والحضارة . ( ص 19 : 20 )
(11) الشريعة الإسلامية . ( ص 21 : 24 )
الباب 1 : القرآن وثيقة الإسلام الخالدة . ( ص 25 : 38 )
الباب 2 : محمد رسول الله ( ص 39 : 58 )
الباب 3 : جوهر الإسلام ( ص 59 : 92 )
(1) علو الهمة
(2) المساواة
(3) الفروسية
(4) مسايرة الطبيعة
(5) لغة القرآن
(6) بساطة الصلاة والنظافة
(7) طابع الإسلام
الباب 4 : الإسلام والعلم ( ص 93 : 120 )
الباب 5 : الإسلام والحضارة ( ص 121 : 132 )
الباب 6 : الدعوة إلى الإسلام وانتشاره . ( ص 133 : 142 )
الباب 7 : لماذا أسلمت ؟ ( ص 143 : )
- عبد الكريم جرمانوس ( أستاذ الأدب العربي بجامعة بوخارست ) ( ص 145 : 147 )
- وكس انجرام ( أو: ركس انجرام ) ( المخرج السينمائي ) ( ص 147 : 148 )
- الكابتن جيم جورج ولسن ( ص 148 : 149 )
- الكاتب المؤرخ ليوببولد فابس ( محمد أسد ) ( ص 149 : 155 )
- الكاتبة البريطانية ايفيلين كوبولد ( ص 155 : 159 )
- اخترت الدفاع عن الإسلام بقلم المؤرخ الغربي : جيمس متشنر . ( ص 160 : 164 )
* خاتمة . ( ص 165 : 170 )
« وحدة الفكر الإسلامي مقدمة للوحدة الإسلامية الكبرى »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1979 م ، قطع فوق الصغير ، 32 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( 1 )
« الأسرة »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ أو رقم إيداع ، قطع فوق الصغير ، 21 صفحة ، ـ معلمة الإسلام ( 40 )
كتب أسفل صفحة العنوان : ( دائرة معارف الجيب ، تشرح مصطلحات الفكر الحديث في ضوء الإسلام )
في الغلاف الأخير : ( معلمة الإسلام : تقدم للشباب المثقف :
- إجابات وافية لوجهة نظر الإسلام في مختلف القضايا والنظريات المطروحة اليوم .
- إلقاء ضوء الإسلام على المصطلحات الحديثة في مختلف المناهج والعلوم
- موقف الإسلام من نظريات فرويد والوجودية والهيبية والماركسية والرأسمالية
- التفسير الإسلامي للتاريخ والحضارة
- تصدر في مائة عدد بهذا الحجم كل عدد يشرح مصطلحا من المصطلحات .
** ومما تضمنه :
التربية في الأسرة المسلمة ص 10 :
محاولات الغرب لهدم الأسرة ص 21 :
« منهج الإسلام في بناء العقيدة والشخصية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، قطع دون المتوسط ، إيداع 1980 ، 63 صفحة ، ـ أحاديث إلى الشباب المسلم
** النقاط الأساسية :
- خصائص الإسلام :
1- التوحيد
2- الحرية
3- الأخلاق
4- البطولة وعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم
5- الرسول
6- الفكر الإسلامي
7- المعرفة والعقيدة
8- منهج العلم التجريبي
9- حضارة الإسلام
10- اللغة العربية
11- القرآن الكريم
12- الشريعة الإسلامية
13- العروبة والإسلام(35/35)
14- التاريخ الإسلامي
15- التحديات في وجه الإسلام
16- وثائق خطيرة
** ومما اشتمل عليه من فوائد :
بروتوكولات حكماء صهيون ص 57
موقف الصهيونية من الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ص 57
التقدم في مفهوم الإسلام ص 59
التجديد في مفهوم الإسلام ص 60
الفرق بين رجل الدين وعالم الدين في الإسلام ص 59
إن كلمة " القرون الوسطى المظلمة " لا تمثلنا لكنها تمثل الغرب ص 60
يقظة العالم الإسلامي لم تكن بفضل الغرب بل بدأت من داخلها ص 60 : 61
« تأصيل اليقظة وترشيد الصحوة »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، 1987 ، 204 صفحة ، قطع كبير ، ـ سلسلة موسوعة العلوم الإسلامية
« تأصيل القيم والمفاهيم »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، قطع دون المتوسط ، 15 صفحة ( 3 : 15 ) ، ـ على طريق الأصالة ( 6 )
« رسالة المسلم »
ضمن سلسلة ( في دائرة الضوء ) ( رقم 16 )
« تحديات في وجه المجتمع الإسلامي »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع :1980م ، قطع فوق الصغير ، 31 صفحة ، ـ في دائرة الضوء (30)
أصل الكتاب كلمة ألقاها المؤلف في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة . ( _ كما في ص 32 (
يحتوي الكتاب على نقاط موجزة مختصرة ، تتناول :
- أضواء كاشفة لأبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب
- ثلاث قوى لها أثرها البعيد في أزمة المسلمين : التعليم ، الثقافة ، الصحافة .
- دلالة إعلان المستشرقين " إلغاء الاستشراق "
- العلاقة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي
- العلاقة بين المسلمين والعرب ( الخلاف بين العرب والدولة العثمانية ( ص 30 : - )
- رد الاعتبار للسلطان عبد الحميد ( ص 30 )
« الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ ، قطع فوق الصغير ، 21صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( [2] )
حول غزو الأمة الإسلامية فكريا عن طريق التعليم وما يتصل به من شأن التربية والثقافة ، وبيان الخطة التي وضعها الأعداء في هذا السبيل .
** ومما اشتمل عليه :
_ أسباب ترجمة الغرب للقرآن الكريم ص 15
- سرقة الغرب للتراث الإسلامي ( المخطوطات ) ص 15
- لويس التاسع ص 15 :
- الاستشراق والتبشير في ديار المسلمين ص 17 :
- نبيه أمين فارس ص 19
- الجمعية التبشيرية الكنسية في لندن ص 20
- المجلس الأميركي لمندوبي البعثات التبشيرية ص 20
- المطبعة الأميركية في مالطة ثم في بيروت ص 20
- محمد تقي الدين الهلالي ص 21
- لفظ " الجهاد " ص 21 : 22
- سقوط السلطان عبد الحميد الثاني ص 22
- صموئيل زويمر ص 22
- عبد القادر الحسيني بن كاظم باشا الحسيني ص 25
- د. وطسن ص 26
- هاملتون جب ص 27
- ( اللورد ) كرومر ص 28
- ( اللورد ) لويد ص 30
- تفريق التعليم في بلاد المسلمين إلى ديني ومدني ص 31
« قضايا الشباب المسلم »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1978م ، قطع فوق الصغير ، 28 صفحة ، ـ في دائرة الضوء (18)
يدور الكتاب حقيقة الفيض المتدفق من النظريات والمعلومات والأفكار عن طريق الصحافة والإذاعة والكتب العربية المترجمة والقصص وما يدرس في مدرجات الجامعات وما تتناوله الكتب الرخيصة المنثورة على الأرصفة من إباحية منبثقة عن الفكر الغربي . وكيف يواجه الشباب المسلم ذلك .
« في مواجهة الفراغ الفكري والنفسي في الشباب »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، بدون تاريخ أو رقم إيداع ، قطع فوق الصغير ، 24 صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( [ 4 ] )
يدور الكتاب حول بعض الحقائق الفكرية ، في سبيل " بناء ذاتية المثقف المسلم العربي "، وهو ما يفرضه علينا التحدي الذي تواجهه الأمة الإسلامية : تحدي الصهيونية والاستعمار والماركسية ، ممثلا في التغريب والغزو الثقافي والشعوبية .
هذه الحقائق هي :
1- التدين جزء من الطبيعة البشرية ، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بغير دين ( ص 8 . )
2- ليست للإنسان أزمة ولا قضية حاجة في ظل مفهوم الإسلام ( بين الروح والجسد ـ والعقل والقلب ) ( ص 8 : 9 )
3- ألغى الإسلام الفكرة الوثنية القديمة التي تتجدد عن طريق الأيديولوجيات القائلة بالصراع بين الجسم والروح ( ص 9 : 10 )
4- كذب الإسلام ودحض الافتراء بأن الدين يصرف الإنسان عن النضال والعمل ( ص 10 )
5- أعلن الإسلام عن قيام الإرادة الحرة لكل مسلم وكل إنسان ( ص 10 : 11 )
6- قرر الإسلام أن هناك قاسم مشترك أعظم على مختلف القيم والتصرفات والأخلاق مقررات جاء بها الدين من عند الله ( ص 11 : 12 )
7- إن المفاهيم التي ترتبط بالإنسان في مشاعره وعواطفه يصعب إخضاعها لقوانين الظواهر الطبيعية ، ذلك لأنها تتعرض لظروف مختلفة تتعلق بأعماق النفس ولا تخضع للتجربة ( ص 13 )
8- لا تصدقوا الفكر الذي تقدمه الروايات والأفلام السينمائية والمسرحيات ، وهو ليس مسلمات ، ذلك أنه لا يصدر عن حقائق وإنما عن أهواء وخيال .(35/36)
9- يجب أن نفرق بين أنور مشتركة بين الأمم هي العلوم فالعلم عالمي عام ، وبين أمور خاصة مطبوعة في كل أمة بطابعها وهي الأخلاق والأدب والفن ( ص 15 : 16 )
10- الإسلام ليس دينا فحسب ، بل نظام مجتمع والدين جزء منه ( ص 16 : 17 )
11- قرر الإسلام أن الإيمان قوة دافعة تعطي الأمل وتحول دون اليأس وتبعث الثقة المتجددة في النفس الإنسانية ( ص 17 . )
12- معنى الحرية بين المطروح وبين الفكر الإسلامي ، وبيان خطر رفض تجربة الأجيال السابقة ( ص 17 : 19 )
13- يدعونا الإسلام إلى المجاهدة والمذاهب النفسية الحديثة تدعونا إلى الانطلاق فأيهما خير ؟ وما حقيقة خطر الكبت ( ص 19 : 21 )
14- أعطى الإسلام البشرية التفسير الجامع الرباني المصدر الإنساني الهدف ( ص 21 . )
15- ما يزال الإسلام والإسلام وحده هو المنهج القادر على إعطاء النفس العربية والإسلامية بل النفس الإنسانية ريها وسكينتها وقوتها وحيويتها ( ص 21 : 22 )
16- تخلف المسلمين في العصر الحديث قضية مستقلة عن منهج الإسلام ذاته ( ص 22 : 23 )
17- دخائل كثيرة دخلت على المسلمين أعلت من شأن المتعة والترف وحب الدنيا ( ص 23 )
18- أقر الإسلام حرية الفكر والعقيدة ودعا إلى المطالبة بالبرهان والدليل ونهى عن تحكيم الهوى ، وفرق بين العقائد والمعارف ( ص 23 : 24 )
« الدرة المغتصبة بعد ثلاثين عاما .. فلسطين »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، ؟؟؟ ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟ صفحة ، ـ على طريق الأصالة الإسلامية ( 7 )
« التاريخ في مفهوم الإسلام »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟ صفحة ، ـ على طريق الأصالة الإسلامية (5 )
« كمال أتاتورك وإسقاط الخلافة الإسلامية »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، ؟؟؟؟؟ ، قطع فوق الصغير ، ؟؟؟؟ صفحة ، ـ في دائرة الضوء ( 32 )
« شبهات في الفكر الإسلامي »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع : 1978م ، قطع فوق الصغير ، 63 صفحة ، ـ أحاديث إلى الشباب .
يقول مؤلفه في مقدمته ص 5 : " عشرات من الشبهات والتحديات تثار اليوم في وجه الإسلام والفكر الإسلامي ، ومن حق الشباب المثقف علينا أن نضيء أمامه الطريق ونكشف التمويه الدخيل إلى حقائق التاريخ الإسلامي والفكر الإسلامي ... "
وفيه يجيب على الشبهات التالية :
1. أن تأخر المسلمين اليوم مصدره الإسلام
2. أن المدنية العربية تؤخذ كلها ( حضارتها وثقافتها ) حلوها ومرها
3. الإسلام لا يستطيع أن يعطي العالم سوى المعاني الروحية
4. إيجاب الخلاف العميق بين العروبة والإسلام
5. القول بان المسلمين لم يستيقظوا من غفلتهم حتى أيقظهم الغرب
6. إنكار دور الحضارة الإسلامية خلال ألف سنة في الحضارة الإنسانية
7. القول بأن الفلسفة الإسلامية فلسفة يونانية مكتوبة باللغة العربية
8. عظماء الفكر الإسلامي لم يكونوا عربا وإنما كانوا فرسا وتركا .. إلخ
9. لابد أن لكي ينهض العالم الإسلامي من أن ينفصل عن ماضيه
10. اللغة العربية لغة ميتة كاللغة اللاتينية واللهجات هي اللغات الحديثة
11. التاريخ الإسلامي مليء بالقغرات ويجب أن يقضى عليه كلية
ومما تضمنه :
- لماذا لا يوجد مسرح الإسلامي ؟ ص 19: 21 .
- لماذا قتل الحلاج واضطهد ابن رشد ؟ ص 21 : 25 .
- كتب المحاضرات ومكانها في الحديث العلمي ص 34 : 35 .
- ألف ليلة وليلة وكتاب " الأغاني ص 35 : 36 .
- شعر عمر الخيام ص 36 : 37 .
- التصوف ومفهوم الإسلام ص 38 : 39 .
- المعتزلة ومفهوم الإسلام ص 39 : 41 .
- الأخلاق في الإسلام ومفهوم الفلسفات ص 41 : 42 .
- فلنحذر دوائر المعارف ص 42 : 43 .
- منهج المعرفة في الفكر الإسلامي ص 44 : 45 .
- نظرية وحدة الثقافة ( أو : الثقافة العالمية ) ص 45 : 46 .
- اللغة والانفصال عن القرآن ص 46 : 48 .
- فترة الضعف وليس " عصر الانحطاط " ص 48 : 49 .
- إسقاط الحضارة الإسلامية ص 49 : 50
- نظريات التربية الغربية ص 50 : 51 .
- العرب قبل الإسلام ص 52 : 53 .
- مفهوم التراث ، وهل للإسلام تراث ؟ ص 53 : 5سلام تراث ؟ ص 53 : 54 .
- تجزئة الإسلام ودعوة تولستوي وغاندي ص 54 : 56
- الكشف ( الكشوف الجغرافية ) والاستعمار ص 56 : 57
- الخلاف بين الدين والعلم ص 57 : 59
- الأساطير وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 59 : 60
- الدين والضمير ص 60 : 61
- وصف الفكر الإسلامي بالفكر الديني ص 61 : 63
« التربية الإسلامية هي الإطار الحقيقي للتعليم »
ط. دار الأنصار ، القاهرة ، إيداع : 1979م ، قطع فوق الصغير ، 21 صفحة ، ـ على طريق الأصالة الإسلامية ( 10 ).
معلمة الإسلام / أنور الجندي
ط. دار الصحوة ، القاهرة ، 1411 هـ / 1991 م ، 3 أجزاء ، قطع متوسط .
موسوعة جامعة في التعريف بالإسلام .
« قضايا الأقطار الإسلامية أول وثائق ومذكرات تاريخية عن يقظة الإسلام وزحفه إلى قواعده في قرن كامل ودراسة لقضايا الأقطار العربية الإسلامية »(35/37)
ط. مكتبة مصر، القاهرة ، 1365 هـ / 1946 م، قطع دون المتوسط، 64 صفحة.
« في طريق المرأة العربية »
ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 1386 هـ / 1969م، قطع دون المتوسط، سلسلة كتب إسلامية (63)، 98 صفحة.
« أضواء على الفكر العربي »
ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1986 م، سلسلة قضايا إسلامية، 112 صفحة، قطع دون المتوسط.
« أصالة الفكر العربي الإسلامي في مواجهة الغزو الثقافي »
ط. دار الصحوة، القاهرة، ط3 : 1413 هـ / 1993 م، قطع متوسط، 109 صفحة، سلسلة : رسائل إلى الشباب المسلم (1).
« الثقافة العربية إسلامها وأصولها وانتمائها »
ط. دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1 : 1982 م، قطع متوسط، 414 صفحة، سلسلة : الموسوعة الإسلامية العربية (9).
« معالم تاريخ الإسلام المعاصر »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1987 م، قطع كبير، 238 صفحة، سلسلة : موسوعة العلوم الإسلامية.
«الفكر الإسلامي والثقافة الغربية المعاصرة في مواجهة تحديات الاستشراق والتبشير والغزو الثقافي»
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1988 م، قطع كبير، 240 صفحة، سلسلة : موسوعة العلوم الإسلامية.
« في مواجهة الحملة على الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1989 م، قطع كبير، 200صفحة، سلسلة : موسوعة العلوم الإسلامية.
« من اليقظة إلى الصحوة خلال المرحلة من 1933 م – 1988 م، تطور الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية»
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1989 م، قطع كبير، 157صفحة، سلسلة : موسوعة العلوم الإسلامية.
« مشكلات الفكر المعاصر في ضوء الإسلام »
ط. مجمع البحوث الإسلامية، مصر، 1417 هـ / 1996 م، قطع دون المتوسط، 237 صفحة، سلسلة: البحوث الإسلامية (1).
« أسلمة المناهج والعلوم والقضايا المعاصرة »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1986 م، قطع كبير، 184 صفحة، سلسلة : موسوعة العلوم الإسلامية.
« تاريخ الغزو الفكري والتغريب خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين 1920 – 1940م»
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، قطع كبير، إيداع 1988 م، 336 صفحة، سلسلة: موسوعة العلوم الإسلامية.
« العودة إلى الهوية الإسلامية »
ط. دار الهداية، مصر، ط1، 1420 هـ / 1999 م، 205 صفحة، قطع متوسط.
« محاكمة فكر طه حسين »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، 368 صفحة، إيداع 1984 م.
« العودة إلى المنابع دائرة معارف إسلامية ».
ط. دار الاعتصام، القاهرة، إيداع 1984 م، 320 صفحة، قطع متوسط.
« تيارات مسمومة ونظريات هدامة معاصرة تحاصر الإسلام وتحمل لواء هدم قيمه الأساسية »
ط. مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، إيداع 1993 م، 600 صفحة، قطع متوسط.
« سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية »
ط. مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، إيداع 1984 م، 214 صفحة، قطع متوسط.
« آفاق جديدة في الأدب والتاريخ والتراجم »
ط. مكتبة الأنجلو، مصر، إيداع 1978 م، قطع متوسط، 260 صفحة.
« شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي »
ط. المكتب الإسلامي، بيروت، 1398 هـ / 1978 م، قطع متوسط، 431 صفحة.
« الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية »
ط. مطبعة الرسالة، القاهرة، 648 صفحة، بدون تاريخ، الناشرون مكتبة الأنجلو المصرية ودار المعرفة القاهرة ودار المعارف بيروت، قطع دون المتوسط، ـ سلسلة موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر (4)
« محمد فريد وجدي رائد التوفيق بين العلم والدين »
الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1974 م، قطع دون المتوسط، 192 صفحة.
« الإمام المراغي »
ط. دار المعارف، القاهرة، قطع دون المتوسط، 8 / 1952 م، 159 صفحة، سلسلة اقرأ (115)
« التأصيل الإسلامي: التيارات والفرق الضالة والفلسفات الهدامة »
ط. دار الهداية، القاهرة، ط1 1416 هـ / 1995 م، 213 صفحة، قطع متوسط.
« العلامة أبو الحسن الندوي في مرآة كتاباته ومحاضراته كلمة وفاء »
ط. دار عرفات للترجمة والنشر، و: دارة الشيخ علم الله، رائي بريلي، الهند، قطع فوق الصغير، 20 صفحة، بدون تاريخ، قدم له سعيد الأعظمي الندوي بتاريخ 4 / 3 / 1413 هـ = 3 / 9 / 1992 م.
« الشخصية العربية في الأدب والتاريخ »
ط. [دار القلم، القاهرة]، 1960 م، قطع فوق الصغير، 127 صفحة، ـ كتب ثقافية (52)
« الطريق إلى الأصالة والخروج من التبعية »
ط. دار الصحوة، القاهرة، 1405 هـ / 1985 م، قطع دون المتوسط، 120 صفحة.
« الإسلام والثقافة العربية في مواجهة تحديات الاستعمار وشبهات التغريب »
ط. مطبعة الرسالة، القاهرة، 400 صفحة، بدون تاريخ.
« إطار إسلامي للفكر المعاصر »
ط. المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1400 هـ / 1980 م، 454 صفحة، قطع متوسط.
« الشرق في فجر اليقظة صورة اجتماعية للعصر من 1871 م إلى 1939 م »
ط. مكتبة الأنجلو، مصر، بدون تاريخ ، قطع متوسط، 352 صفحة.
« تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلامي »
ط. مكتبة الأنجلو، مصر، ط1 1970 م، قطع متوسط، 495 صفحة.(35/38)
« الشعر العربي المعاصر تطوره وأعلامه 1875 – 1940 »
ط. مطبعة الرسالة ، مصر ، 572 صفحة ، قطع دون التوسط ، 572 صفحة .
« المعاصرة في إطار الأصالة »
ط. دار الصحوة ، القاهرة ، ط1 : 1407 / 1987 ، قطع متوسط ، 149 صفحة
« الفكر الإسلامي وسموم التغريب والتبعية »
ط. دار الفضيلة، مصر، إيداع 1999 ، 254 صفحة ، قطع متوسط.
« من التبعية إلى الأصالة في الفكر الإسلامي المعاصر »
ط. دار الهداية، مصر، ط1، 1418 هـ / 1998 م، 182 صفحة، قطع متوسط.
« مقدمات المناهج .. العودة إلى منابع الفكر الإسلامي الأصيل »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1977 م، 240 صفحة.
« مصابيح العصر والتراث »
بدون ناشر، بدون تاريخ، قطع متوسط، 288 صفحة.
« تاريخ الدعوة الإسلامية في مرحلة الحصار من حركة الجيش إلى كامب ديفيد »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1987، 312 صفحة، قطع متوسط.
« تراجع الفكر المادي.. الإسلام يتألق من جديد محررًا للبشرية من العبودية »
ط. دار الهداية، مصر، 1419 / 1999، ط1، قطع متوسط، 178 صفحة.
« الإسلام والتكنولوجيا »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، إيداع 1977 م، قطع متوسط، 187 صفحة. في أعلى صفحة العنوان الداخلي: محاولة لبناء منهج متكامل للفكر الإسلامي.
« عطاء الإسلام الحضاري »
ط. رابطة العالم الإسلامي ، مكة المكرمة ، ـ دعوة الحق ( 163 )، 1416 هـ ، قطع دون المتوسط ، 195 صفحة .
« معالم الفكر العربي المعاصر مع دراسة من الثقافة العربية المعاصرة في معارك التغريب »
ط. مطبعة الرسالة، القاهرة، متوسط، بدون تاريخ، 256 صفحة.
« الصحوة الإسلامية منطلق الأصالة وإعادة بناء الأمة على طريق الله »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة، بدون تاريخ، 451 صفحة، قطع متوسط.
« سقوط الأيدلوجيات وكيف يملأ الإسلام الفراغ »
ط. رابطة العالم الإسلامي ، مكة المكرمة ، ـ دعوة الحق ( 139 )، 1414 ، قطع دون المتوسط ، 192 صفحة .
« مستقبل الإسلام بعد سقوط الشيوعية »
ط. رابطة العالم الإسلامي ، مكة المكرمة ، 1410 / 1990 ، قطع دون المتوسط ، 152 صفحة ، ـ سلسلة دعوة الحق ( 105 ).
« الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة »
ط. دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، مكتبة المدرسة ، بيروت ، دار الكتاب العالمي ، 1987 ، قطع متوسط، 320 صفحة، ـ الموسوعة الإسلامية العربية ( 11 )
« الدعوة الإسلامية في عصر الصحوة .. قضايا السياسة والاجتماع والاقتصاد »
ط. دار الفضيلة ، القاهرة ، إيداع 1996 ، 254 صفحة
« الإسلام والمصطلحات المعاصرة »
ط. دار الهداية ، مصر ، إيداع ، 1997 ، 332 صفحة .
« مؤلفات في الميزان »
هدية مجلة منار الإسلام ( الإمارات ) ، السنة 11 العدد 5 ، قطع متوسط، 130 صفحة .
« الدعوة الإسلامية في مواجهة التحديات »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1991 صفحة ، قطع متوسط.
« كسر طوق الحصار عن الإسلام »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1998 ، 270 صفحة ، قطع متوسط
« مدخل إلى القرآن الكريم »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع ، 1991 م ، 254 صفحة ، قطع متوسط
« قراءة إسلامية لتاريخنا الحديث »
ط. دار الاعتصام ، القاهرة ، إيداع 1991 ، 224 صفحة ، قطع متوسط.(35/39)
60 باباً من أبواب الأجر وكفارات الخطايا
دار الوطن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين… وبعد …
فهذه رسالة إلى كل مسلم يعبد الله ولا يشرك به شيئا حيث أن الغاية الكبرى لكل مسلم هي أن يخرج من هذه الدنيا وقد غفر الله له جميع ذنوبه حتى لا يسأله الله عنها يوم القيامة ويدخله جنات النعيم خالدا فيها لا يخرج منها أبدًا.
وفي هذه الرسالة القصيرة نذكر بعض الأعمال التي تكفر الذنوب والتي فيها الأجر الكبير من أحاديث الرسول الصحيحة، نسأل الله الحي القيوم الذي لا إله إلا هو أن يتقبل أعمالنا إنه هو السميع العليم.
1- التوبة: { من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه } [مسلم:2703] { إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر }.
2- الخروج في طلب العلم: { من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } [مسلم:2699].
3- ذكر الله تعالى: { ألا أنبأكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم } قالوا بلى - قال: { ذكر الله تعالى } [الترمذي:3347].
4- اصطناع المعروف والدلالة على الخير: { كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله } [البخاري:10/374]، [مسلم:1005].
5- فضل الدعوة إلى الله: { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا } [مسلم:2674].
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [مسلم:49].
7- قراءة القرآن الكريم وتلاوته: { اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه } [مسلم:804].
8- تعلم القرآن الكريم وتعليمه: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [البخاري:9/66].
9- السلام: { لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء لو فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم } [مسلم:54].
10- الحب في الله: { إن الله تعالي يقول يوم القيامة: أين المتحابين بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } [مسلم:2566].
11- زيارة المريض: { ما من مسلم يعود مسلما مريضا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاد عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة } [الترمذي:969].
12- مساعدة الناس في الدين: { من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة } [مسلم:2699].
13- الستر على الناس: { لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة } [مسلم:2590].
14- صلة الرحم: { الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله } [البخاري:10/350] [مسلم:2555].
15- حسن الخلق: { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق } [الترمذي:2003].
16- الصدق: { عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة } البخاري (10/423 } [مسلم:2607].
17- كظم الغيظ: { من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء } [الترمذي:2022].
18- كفارة المجلس: { من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: [سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك] إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك } [الترمذي:3/153].
19- الصبر: { ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه } [البخاري:10/91].
20- بر الوالدين: { رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه } قيل: من يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة } [مسلم:2551].
21- السعي على الأرملة والمسكين: { الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله } وأحسبه قال: { وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر } [البخاري:10/366].
22- كفالة اليتيم: { أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى } [البخاري:10/365].
23- الوضوء: { من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره } [مسلم:245].
24- الشهادة بعد الوضوء: { من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: [أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين] فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء } [مسلم:234].
25- الترديد خلف المؤذن: { من قال حين يسمع النداء: [ اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته]، حلت له شفاعتي يوم القيامة } [البخاري:2/77].(36/1)
26- بناء المساجد: { من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بني له مثله في الجنة } [البخاري:450].
27- السواك: { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة } [البخاري:2/331] [مسلم:252].
28- الذهاب إلى المسجد: { من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح } [البخاري:2/124] [مسلم:669].
29- الصلوات الخمس: { ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله } [مسلم:228].
30- صلاة الفجر وصلاة العصر: { من صلى البردين دخل الجنة } [البخاري:2/43].
31- صلاة الجمعة: { من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام } [مسلم:857].
32- ساعة الإجابة يوم الجمعة: { فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه } [البخاري:2/344] [مسلم:852].
33- السنن الراتبة مع الفرائض: { ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة } [مسلم:728].
34- صلاة ركعتين بعد الوقوع في ذنب: { ما من عبد يذنب ذنباً،فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له } [أبو داود:1521].
35- صلاة الليل: { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [مسلم:1163].
36- صلاة الضحى: { يصبح على كل سلامة من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى } [مسلم:720].
37- الصلاة على النبي: { من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً } [مسلم:384].
38- الصوم: { ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً } [البخاري:6/35] [مسلم:1153].
39- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: { صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله } [البخاري:4/192] [مسلم:1159].
40- صيام رمضان: { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [البخاري:4/221] [مسلم:760].
41- صيام ست من شوال: { من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر } [مسلم:1164].
42- صيام يوم عرفة: { صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية } [مسلم:1162].
43- صيام يوم عاشوراء: { وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله } [مسلم:1162].
44- تفطير الصائم: { من فطر صائماً كان له مثل أجره،غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً } [الترمذي:807].
45- قيام ليلة القدر: { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه } [البخاري:4/221] [مسلم:1165].
46- الصدقة: { الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار } [الترمذي:2616].
47- الحج والعمرة: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } [مسلم:1349].
48- العمل في أيام عشر ذي الحجة: { ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام } يعني أيام عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: { ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء } [البخاري:2/381].
49- الجهاد في سبيل الله: { رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع صوت أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها } [البخاري:6/11].
50- الإنفاق في سبيل الله: { من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا } [البخاري:6/37] [مسلم:1895].
51- الصلاة على الميت واتباع الجنازة: { من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان } قيل: وما القيراطان؟ قال: { مثل الجبلين العظيمين } [البخاري:3/158] [مسلم:945].
52- حفظ اللسان والفرج: { من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة } [البخاري:11/264] [مسلم:265].
53- فضل لا إله إلا الله، وفضل سبحان الله وبحمده: { من قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه } وقال: { من قال: "سبحان الله وبحمده" في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر } [البخاري:11/168] [مسلم:2691].
54- إماطة الأذى عن الطريق: { لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس } [مسلم].
55- تربية وإعالة البنات: { من كن له ثلاث بنات، يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة } [أحمد بسند جيد].(36/2)
56- الإحسان إلى الحيوان: { أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة } [البخاري].
57- ترك المراء: { أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا } [أبو داود].
58- زيارة الإخوان في الله: { ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر، لا يزوره إلا في الجنة } [الطبراني حسن].
59- طاعة المرأة لزوجها: { إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت } [ابن حبان، صحيح].
60- عدم سؤال الناس شيئا: { من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة } [أهل السنن، صحيح].(36/3)
[4] إدارة الوقت- فتاتي والدراسة
مفكرة الإسلام : إن الوقت يعتبر من أندر الموارد وأغلاها، ولئن قال قائل: 'الوقت من ذهب' فإن هذا في الحقيقة بخس لقيمة الوقت، فهو أغلى كثيرًا من الذهب الذي إذا فقد فإنه يمكن تعويضه، أما الوقت فلا يمكن تعويضه لحظة منه بكل ذهب الدنيا.
فتاتي الدارسة المسلمة:
يؤكد معظم الباحثين والأخصائيين أن النجاح يعتمد على قدرة الفرد على تنظيم وقته وترتيب أولوياته، ومن المعروف أن الناس على اختلاف ظروفهم [ الغني والفقير ـ الفاشل والمتفوق ـ الكبير والصغير ] يمتلك كل منهم 168 ساعة أسبوعية للعمل النشاط يعني 24 ساعة في اليوم.
والسؤال هنا ماذا تفعلين أنت في هذا الوقت؟
وكيف تصبحين متفوقة بحسن إدارة الوقت؟
وبادئ ذي بدء قبل أن نتطرق للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نعترف أن هناك معوقات تعوق حسن استغلال الوقت نذكر منها ما يلي:
1ـ الفوضى:
إن الذي يعيش في الفوضى دائمًا ما يكون حليف الفشل وضياع الوقت ، فمكتبك المنظم مفتاح لنجاحك، وغرفتك المنظمة أيضًا، وقبل كل شيء حاولي ترتيب غرفتك قبل ترتيب أفكارك، والفوضى لا شك أنها ترجع إلى الجهل الشديد بقيمة الوقت.
2ـ التهاون في استغلال الوقت:
وذلك بتضييعه في توافه الأمور فأهل الفوضى ليس في حياتهم أرخص من الأوقات، فلا يفكرون في استغلالها، بل إنهم يتنادون فيما بينهم لقتلها، وما علم هؤلاء المساكين أنهم بهذا يقتلون أنفسهم، كما قال الحسن البصري رحمه الله :
'إنما أنت أيام مجموعة فكلما ذهب يومك، ذهب بعضك'.
أما أهل الجد والنظام فإنهم يدركون أن الوقت هو الحياة ولذلك يحرص كل منهم على استثمار كل لحظة من لحظات حياته في عمارة دينه ودنياه لعلمه أن الله عز وجل سائله عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، وإذا عود الإنسان نفسه على الانتفاع بوقته فإن ذلك سيدفعه إلى إتقان تنظيم حياته، واضعًا نصب عينييه قول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانِ
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني
3ـ عدم ترتيب الأولويات.
4ـ سوء التوقيت في إنجاز العمل.
5ـ تكرار العمل الواحد أكثر من مرة.
6ـ عدم تحدي الهدف ووضوحه، وبالتالي عدم التخطيط الجيد لانجاز الهدف في الوقت المحدد.
7ـ التسويف: ولا ننسى هناك علاج الرسول صلى الله عليه وسلم: 'اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فرقك'.
عزيزتي الفتاة الدارسة:
إن حسن إدارة الوقت هو الطريق الذي سلكه كل العلماء والمخترعين وهو الطريق إلى تحقيق الأهداف، والسؤال الآن كيف تصبحين ناجحة بحسن إدارة الوقت؟
مهارات إدارة الوقت:
1ـ دربي نفسك على إدارة وقتك بالأرقام:
ولقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها في إيصال العديد من الناس طلابًا أو باحثين أو علماء إلى طريق التفوق والنجاح، ويمكن الاستعانة بجدول من خلاله يستطيع الإنسان تحديد النشاط الذي يقوم به خلال اليوم وتحددي الزمن المخصص لكل نشاط وهذا يمكنك من ضبط عملية هدر الوقت.
النوم ... العمل ... ترويح ... استراحة الطعام ... قراءة ... أنشطة ... مجموع الساعات
8 ساعات ... 7 ساعات ... 1 ساعة ... 2 ساعة ... 2 ساعة ... 4 ساعة ... 24 ساعة
ويمكنك تغيير عدد الساعات حسب خطتك وأهدافك وأنشطتك المحددة لك ومسميات كل منها.
2ـ تعلمي كيف تستثمرين وقتك:
كوني ذات همة وأنجزي العمل في الوقت المحدد له، وتجنبي إدارة التسويف التي تعود الإنسان الكسل ومن ثم الفشل الدراسي، وعودي نفسك الإصرار والجدية ، فالإصرار الذاتي هو الذي يحقق المعجزات الدراسية للدارس.
ورددي عبارة 'هذه اللحظة أو الآن' والتي تعني عدم التأجيل.
3ـ اكتشفي مهارات تنظيم الوقت وأفضل أوقات الدراسة:
ـ اكتبي قائمة بأعمالك اليومية في مساء اليوم الذي قبله أو في صباح اليوم نفسه، وكلما أنجزت عملاً أشري عليه بالقلم.
ـ قدري لكل عمل وقتًا مناسبًا لأدائه من غير إفراط ولا تفريط، وحددي بدايته ونهايته.
ـ ابدئي بالمواد الصعبة على نفسك وأنت في كامل طاقتك وحيويتك ونشاطك الذهني.
ـ خذي فترة راحة إذا شعرت بالتعب ولتكن نصف ساعة بعد كل ساعتين أو ثلاثة من الدراسة.
ـ لا بد من الدراسة اليومية سواء كانت هناك واجبات مدرسية أو امتحان أو لم يكن.
ـ الدراسة في مواعيد يومية ثابتة لتتكون لدى الفتاة الدارسة عادة الجلوس إلى المكتب في مواعيد معينة كل يوم.
ـ النوم سبع ساعات نومًا عميقًا يوميًا على الأقل.
ـ تجنبي الدراسة بعد الأكل مباشرة، وتجنبي الإفراط في تناول الشاي أو القهوة أو المنبهات ويمكن استبدال ذلك بالعصائر الطبيعية والفاكهة.
ـ رتبي أولوياتك. فابدئي بالعمل الأهم ثم الأقل أهمية، وأنجزيه أولاً لأنه لا يوجد دومًا وقت لعمل كل شيء ولكن هناك دائمًا الوقت لعمل المهم.
4ـ انتبهي إلى المبدأ المركزي في إدارة الوقت.(37/1)
وهو أن تقضي وقتك في القيام بتلك الأشياء التي ترين أنها ذات قيمة لديك، والتي تساعدك على تحقيق أهدافك، مع العلم أن أنشطة حياتك تنقسم إلى أربعة أقسام تبوب بطريقتين: من جهة مدى أهميتها ـ ومن جهة كم هي ملحة أو عاجلة.
والصحيح أن يكون وقتك مقضيًا في الأنشطة الهامة سواء كانت عاجلة أو غير عاجلة، والمستحب أن يكون أغلب وقتك في الأنشطة الهامة غير العاجلة فهذا يتيح لك العمل باتقان أكثر وتركيز أكبر وتحت ضغط عصبي أقل. وما يعنينا في كل ذلك هو التركيز على الدراسة وهو أمر هام وعاجل.
عزيزتي الفتاة المسلمة الدارسة:
ـ تذكري أن باستطاعتك أن تزيدي من فعالية باستخدامك لوقتك والشخص الوحيد الذي يملك ذلك هو أنت.
ـ وتذكري هذه المعادلة: حسن إدارة الوقت + همة = إنجاز أي تفوق دراسي.
ـ وتذكري أن من علامة المقت إضاعة الوقت، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وترنمي معي قول الشاعر:
إذا مر بي يوم ولم اقتبس هدى ولم استفد علمًا فما ذاك من عمري
تابعي معي الأعداد القادمة من سلسلة فتاتي والدراسة وفقك الله إلى كل خير(37/2)
[74] وسيلة لتربية الأولاد
رئيسي :تربية :الأربعاء 23 ذو الحجة 1425هـ - 2 فبراير 2005 م
مفكرة الإسلام : هناك سبل معينة على تربية الأولاد، وأمور يجدر بنا مراعاتها، وينبغي لنا سلوكها مع فلذات الأكباد، ومن ذلك ما يلي:
1- العناية باختيار الزوجة الصالحة: فلايقدم على الزواج إلا بعد استخارة الله، واستشارة أهل المعرفة; فالزوجة هي أم الأولاد، وسينشئون على أخلاقها وطباعها، ثم إن لها تأثيرًا على الزوج نفسه; لذلك قيل:'المرء على دين زوجته'. وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه:' قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد? قال: اخترت لكم من الأمهات مَنْ لا تُسَبُّون بها'.
2- سؤال الله الذريةَ الصالحة: فهذا العمل دأب الأنبياء، وعباد الله الصالحين كما قال تعالى عن زكرياعليه السلام:{... قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[38]}[سورة آل عمران]. وكما حكى عن الصالحين أن من صفاتهم أنهم يقولون:{...رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[74]}[ سورة آل عمران].
3 - الفرح بمقدم الأولاد، والحذر من تسخطهم: سواء كان ذلك ذكرًا أم أنثى، ولا ينبغي للمسلم أن يتسخط بمقدمهم، أو أن يضيق بهم ذرعاً، أو أن يخاف أن يثقلوا كاهله بالنفقات; فالله هو الذي تكفل برزقهم كما قال:{... نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ...[31]}[سورة الإسراء].
كما يحرم على المسلم أن يتسخط بالبنات، ويحزن لمقدمهن، فما أجدره بالبعد عن ذلك; حتى يسلم من التشبه بأخلاق الجاهلية، وينجو من الاعتراض على قدر الله، ومن ردِّ هبته عز وجل .
ففضل البنات لا يخفى، فهن البنات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن الأمهات، وهن كما قيل:'نصف المجتمع، ويلدن النصف الآخر، فهن المجتمع بأكمله'.
ومما يدل على فضلهن أن الله عز وجل سمى إتيانهن هبةً، وقدمهن على الذكور، فقال عز وجل:{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ[49]}[سورة الشورى]. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ]رواه البخاري ومسلم. وقَالَ: [لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَيَتَّقِي اللَّهَ فِيهِنَّ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ] رواه الترمذي وأحمد.
4- الاستعانة بالله على تربيتهم: فإذا أعان الله العبد على أولاده، وسدده ووفقه؛ أفلح، وإن خُذل ووكل إلى نفسه؛ فإنه سيخسر، ويكون عمله وبالاً عليه، كما قيل:
إذا صح عونُ الخالق المرءَ لم يجد عسيرًا من الآمال إلا ميسرا
5- الدعاء للأولاد، وتجنب الدعاء عليهم: فإن كانوا صالحين دعي لهم بالثبات والمزيد، وإن كانوا طالحين دعي لهم بالهداية والتسديد. والحذر كلَّ الحذرِ من الدعاء عليهم; فإنهم إذا فسدوا وانحرفوا فإن الوالدين أولُ من يكتوي بذلك.
6- تسميتهم بأسماء حسنة: فيجدر بالوالدين أن يسموا أولادهم أسماءً إسلاميةً عربيةً حسنةً، وأن يحذروا من تسميتهم بالأسماء الممنوعة، أو الأسماء المكروهة، أو المشعرة بالقبح، فالأسماء تستمر مع الأبناء طيلة العمر، وتؤثر بهم، وبأخلاقهم. قال ابن القيم: 'فقلَّ أن ترى اسماً قبيحاً إلا وهو على مسمى قبيح كما قيل:
وقلَّ أن أبصرت عيناك ذا لقبٍ إلا ومعناه لو فكَّرت في لقبه
والله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها ; لتناسب حكمته تعالى بين اللفظ ومعناه كما تناسبت بين الأسباب ومسبباتها'.
7- تكنيتهم بكنى طيبة في الصغر: كأن يكنى الولد بأبي عبد الله، أو أبي أحمد أو غير ذلك; حتى لا تسبق إليهم الألقاب السيئة، فتستمر معهم طيلة العمر; فقد كان السلف الصالح يُكَنُّون أولادهم وهم صغار.
8- غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد: وهو أوجب شيء على الوالدين فيعلم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين، وأن يستظهروها، وينمي في قلوبهم محبة الله، وأن ما بِنَا من نعمة فمنه وحده، ويعلمهم أيضًا أن الله في السماء، وأنه سميع بصير، ليس كمثله شيء، إلى غير ذلك من أمور العقيدة، وهكذا يوجههم إذا كبروا إلى قراءة كتب العقيدة المناسبة لهم.
9-غرس القيم الحميدة والخلال الكريمة في نفوسهم: فيحرص الوالد على تربيتهم على التقوى، والحلم، والصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والبر، والصلة، والجهاد، والعلم; حتى يَشِبُّوا متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق.(38/1)
10- تجنيبهم الأخلاق الرذيلة، وتقبيحها في نفوسهم: فيُكَرِّه الوالد لهم الكذب، والخيانة، والحسد، والحقد، والغيبة، والنميمة، والأخذ من الآخرين، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والجبن، والأثرة، وغيرها من سفاسف الأخلاق ومرذولها; حتى ينشأوا مبغضين لها، نافرين منها.
11- تعليمهم الأمور المستحسنة، وتدريبهم عليها: كتشميت العاطس، وكتمان التثاؤب، والأكل باليمين، وآداب قضاء الحاجة، وآداب السلام ورده، وآداب الرد على الهاتف، واستقبال الضيوف، والتكلم بالعربية وغير ذلك.فإذا تدرب الولد على هذه الآداب؛ ألفها وأصحبت سجية له; فما دام أنه في الصبا فإنه يقبل التعليم والتوجيه، ويشب على ما عُوِّد عليه كما قيل:
وينشأ ناشئُ الفتيان منّا على ما كان عوَّده أبوه
12- الحرص على استعمال العبارات المقبولة الطيبة مع الأولاد، والبعد عن العبارات المرذولة السيئة: فمما ينبغي للوالدين أن يربأوا بأنفسهم عن الشتم وغير ذلك من العبارات البذيئة المقذعة.
وإذا أعجب الوالدين شيءٌ من عمل الأولاد قالا: ما شاء الله، وإذا رأيا ما يثير الاهتمام قالا: سبحان الله، الله أكبر، وإذا أحسن الأولاد قالا لهم: بارك الله فيكم، أحسنتم، وإذا أخطأوا قالا: لا يا بني، ما هكذا، إلى غير ذلك من العبارات المقبولة الحسنة; حتى يألف الأولاد ذلك، فتعفَّ ألسنتهم عن السباب والتفحش.
13- الحرص على تحفيظ الأولاد كتاب الله: حفظاً لأوقاتهم، وحماية لهم من الضياع والانحراف، فإذا حفظوا القرآن أثَّر ذلك في سلوكهم وأخلاقهم، وفَجَّر ينابيع الحكمة في قلوبهم.
14- تحصينهم بالأذكار الشرعية: وذلك بإلقائها إليهم إن كانوا صغارًا، وتحفيظهم إيّاها إن كانوا مميزين، وتبيين فضلها، وتعويدهم على الاستمرار عليها.
15- الحرص على مسألة التربية بالقدوة: فينبغي للوالدين أن يكونا قدوةً للأولاد في الصدق، والاستقامة، وغير ذلك، وأن يتمثلا ما يقولانه. وأن يقوم الوالدان بالصلاة أمام الأولاد; حتى يتعلم الأولاد الصلاة عملياً من الوالدين. ومن ذلك كظم الغيظ، وحسن استقبال الضيوف،وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وغير ذلك.
16-الحذر من التناقض: فلا يليق بالوالدين أن يأمرا الأولاد بأمر ثم يعملا بخلافه، فالتناقض يفقد النصائح أثرها.
17-الوفاء بالوعد: وبعضهم إذا أراد التخلص من إحراج أحد الأولاد وعده بوعود كثيرة، وربما لا يقوم الوالد بذلك، مما يجعل الولد ينشأ على إلف ذلك الخلق الرذيل. والذي يليق بالوالد إذا وعد أحدًا من أبنائه أن يفي به، وإن حال بينه وبين إتمامه حائل؛ اعتذر من الولد، وبيَّن له مسوغاتِ ذلك.
18-إبعاد المنكرات وأجهزة الفساد عن الأولاد: حتى يحميهم من المنكرات، و يطهر بيته منها، فيحافظ على سلامة فِطَر الأولاد، وعقائدهم، وأخلاقهم.
19-إيجاد البدائل المناسبة للأولاد: فكما أنه يجب على الوالدين إبعاد المنكرات فكذلك يجدر بهم أن يوجدوا البدائل المناسبة المباحة، سواء من الألعاب، أو الأجهزة التي تجمع بين المتعة والفائدة، حتى يجد الأولاد ما يشغلون به وقت فراغهم.
20- تجنيبهم أسباب الانحراف الجنسي: بإبعاد أجهزة الفساد عنهم، وتجنيبهم مطالعة القصص الغرامية، والمجلات الخليعة، وعدم السماح لهم بسماع الأغاني، أو الإطلاع على الكتب الجنسية التي تبحث في التناسليات صراحة، وتشعل مخازن البارود الكامنة فيهم .
21- تجنيبهم الزينة الفارهة والميوعة القاتلة: فينبغي للوالد أن يمنع أولاده من الإفراط في التجمل، والمبالغة في التأنق والتطيب، وأن ينهاهم عن التعري والتكشف، والتشبه بأعداء الله الكافرين; لأن هذه الأعمال تتسبب في قتل مروءتهم، وإفساد طباعهم، وتقود إلى إغواء الآخرين وفتنتهم، وتدعو إلى جر الأولاد إلى الفاحشة والرذيلة.
22- تعويدهم على الخشونة والرجولة، والجد والاجتهاد، وتجنيبهم الكسل والبطالة والراحة والدعة: فإن للكسل والبطالة عواقبَ سوءٍ، وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا، وإما في العقبى، وإما فيهما; فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى؛ لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب .
23-ومما ينبغي في ذلك تعويدهم الانتباه آخر الليل: فإنه وقت الغنائم، ومن اعتاده صغيرًا سهل عليه كبيرًا.
24- تجنيبهم فضول الطعام، والكلام، والمنام، ومخالطة الأنام: ففيها الخسارة، وهي تُفوِّت على العبد خير دنياه وآخرته، ولهذا قيل: من أكل كثيرًا شرب كثيرًا; فنام كثيرًا، فخسر كثيرًا.
25- تشويقهم للذهاب إلى المسجد صغارًا، وحملهم على الصلاة فيه كبارًا .
26-مراقبة ميول الولد، وتنمية مواهبه، وتوجيهه لما يناسبه: بحيث يجد في المنزل ما ينمي مواهبه ويصقلها، ويعدها للبناء والإفادة، ويجد من يوجهه إلى ما يناسبه ويلائمه.(38/2)
قال ابن القيم:'ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مُسْتَعِدٌّ له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره ما كان مأذونًا فيه شرعًا; فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك،جيد الحفظ، واعياً - فهذه علامات قبوله، وتهَيُّئِه للعلم; لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً، وإن رآه ميالاً للتجارة والبيع والشراء أو لأي صنعةٍ مباحة فليمكنه منها; فكل ميسر لما خلق له'.
27-تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد: بإشعاره بقيمته، وزرع الثقة في نفسه; حتى يعيش كريماً شجاعاً جريئاً في آرائه، في حدود الأدب; فهذا مما يشعره بالطمأنينة، ويكسبه القوة والاعتبار، بدلاً من التردد، والخوف، والهوان، والذلة، والصغار.
28-استشارة الأولاد: كاستشارتهم ببعض الأمور المتعلقة بالمنزل أو غير ذلك، واستخراج ما لديهم من أفكار، ثم يوازن الوالد بين آرائهم، ويطلب من كل واحد منهم أن يبدي مسوغاته، وأسباب اختياره لهذا الرأي، وهكذا.
ومن ذلك إعطاؤهم الحرية في اختيار حقائبهم، أو دفاترهم، أو ما شاكل ذلك; فإن كان ثم محذور شرعي فيما يختارونه بيَّنهُ لهم. فكم في هذا العمل من زرع للثقة في نفوس الأولاد، وإشعار لهم بقيمتهم، وتدريب لهم على تحريك أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وتعويد لهم على التعبير عن آرائهم.
29- تعويد الولد على القيام ببعض المسئوليات: كالإشراف على الأسرة في حالة غياب ولي الأمر، وكتعويده على الصرف، والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفاً مالياً كل شهر أو أسبوع; ليقوم بالصرف منه على نفسه وبيته.
30- تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية: وذلك بحثهم على المساهمة في خدمة دينهم، وإخوانهم المسلمين، إما بالجهاد في سبيل الله، أو بالدعوة إلى الله، أو إغاثة الملهوفين، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين، أو التعاون مع جمعيات البر، وغيرها.
31- التدريب على اتخاذ القرار: كأن يعمد الأب إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف المحرجة، التي تحتاج إلى حسم الأمر، والمبادرة في اتخاذ القرار، وتحمُّل ما يترتب عليه، فإن أصاب شجعه، وإن أخطأ قوَّمه بلطف; فهذا مما يعوده على مواجهة الحياة.
32- فهم طبائع الأولاد ونفسياتهم: وهذا يحتاج إلى شيء من الذوق، ودقة النظر. وإذا وفِّق المربي لتلك الأمور، وعامل أولاده بذلك المقتضى؛ كان حريّاً بأن يحسن تربيتهم، وأن يسير بهم على الطريقة المثلى.
33- تقدير مراحل العمر للأولاد: فالولد يكبر، وينمو تفكيره، فلا بدّ أن تكون معاملته ملائمة لسنه وتفكيره واستعداده، وألا يعامل على أنه صغير دائماً، ولا يعامل أيضاً وهو صغير على أنه كبير; فيطالب بما يطالب به الكبار، ويعاتب كما يعاتبون، ويعاقب كما يعاقبون.
34- تلافي مواجهة الأولاد مباشرة: خصوصاً في مرحلة المراهقة، بل ينبغي أن يقادوا عبر الإقناع، والمناقشة الحرة، والحوار الهادئ البناء، الذي يجمع بين العقل والعاطفة.
35-الجلوس مع الأولاد: فمما ينبغي للأب مهما كان له من شغل أن يخصص وقتاً يجلس فيه مع الأولاد، يؤنسهم فيه، ويسليهم،ويعلمهم ما يحتاجون إليه، ويقص عليهم القصص الهادفة; لأن اقتراب الولد من أبويه ضروري جدًا; وله آثاره الواضحة، حيث تستقر أحوال الأولاد، وتهدأ نفوسهم، وتستقيم طباعهم.
أما الآباء الذين تشغلهم الدنيا عن أولادهم فإنهم يجدون غبَّ ذلك على الأولاد، فينشأ الأولاد وقد اسودت الدنيا أمامهم، لا يعرفون مواجهة الحياة، فيتنكبون الصراط، ويحيدون عن جادة الصواب، وربما تسبب ذلك في كراهية الأولاد للوالدين، وربما قادهم ذلك إلى الهروب من المنزل، والانحدار في هاوية الفساد.
36-العدل بين الأولاد: وأن يتجنبوا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المادية كالعطايا والهدايا والهبات، أو الأمور المعنوية، كالعطف، والحنان، وغير ذلك.
37-إشباع عواطفهم: وإشعارهم بالعطف، والرحمة; حتى لا يبحثوا عنه خارج المنزل; فالكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، والبسمة الصادقة، وما جرى مجرى ذلك له أثره البالغ في نفوس الأولاد.
38-النفقة عليهم بالمعروف: وذلك بكفايتهم، والقيام على حوائجهم; حتى لا يضطروا إلى البحث عن المال خارج المنزل.
39- إشاعة الإيثار بينهم: وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فرديًا لا هم له إلا نفسه.(38/3)
40-الإصغاء إليهم إذا تحدثوا وإشعارهم بأهمية كلامهم: فالذي يجدر بالوالد إذا تحدث ولده خصوصًا الصغير أن يصغي له تمامًا، وأن يبدي اهتمامه بحديثه، كأن تظهر علامات التعجب على وجهه، أو يبدي بعض الأصوات أو الحركات التي تدل على الإصغاء والاهتمام والإعجاب، كأن يقول: رائع، صحيح، أو أن يقوم بالهمهمة، وتحريك الرأس وتصويبه، وتصعيده، أو أن يجيب على أسئلته أو غير ذلك، فمثل هذا العمل له آثار إيجابية كثيرة منها: أن هذا العمل يعلم الولد الطلاقة في الكلام، ويساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها، ويدربه على الإصغاء، وفهم ما يسمعه من الآخرين، و ينمي شخصية الولد، ويصقلها، ويقوي ذاكرته، ويعينه على استرجاع ما مضى، ويزيده قرباً من والده.
41-تفقد أحوال الأولاد، ومراقبتهم من بعد: ومن ذلك:ملاحظتهم في أداء الشعائر التعبدية من صلاة، ووضوء، ونحوها ، والسؤال عن أصحابهم، وراقبة ما يقرؤونه، وتحذيرهم من الكتب التي تفسد أديانهم، وأخلاقهم، وإرشادهم إلى الكتب النافعة.
42- إكرام الصحبة الصالحة للولد: وذلك بتشجيع الولد على صحبتهم، وحثه على الاستمرار معهم، وبحسن استقبالهم إذا زاروا الولد، بل والمبادرة إلى استزارتهم، وتهيئة ما يلزم لهم من تيسيرات مادية ومعنوية. أما النفور من الصحبة الصالحة للولد والجفاء في معاملتهم فلا يليق، ولا ينبغي; لأنه يشعر الولد بعدم قبولهم والرضا عنهم، فيسعى لمقاطعتهم، أو يتخفى في علاقته بهم، أو يتركهم، فيقع فريسة لأصحاب السوء.
43- مراعاة الحكمة في إنقاذ الولد من رفقة السوء: فلا ينبغي للوالد أن يبادر إلى العنف واستعمال الشدة منذ البداية، فلا يسارع إلى إهانتهم أمام ولده، أو طردهم إذا زاروه لأول مرة، لأن الولد متعلق بهم، ومقتنع بصحبته لهم.
بل ينبغي للأب أن يتدرج في ذلك، فيبدأ بإقناع ولده بسوء صحبته، وضررهم عليه، ثم يقوم بعد ذلك بتهديده وتخويفه وإشعاره بأنه ساعٍ لتخليصه منهم، وأنه سيذهب إلى أولياء أمورهم كي يبعدوا أبناءهم عنه، فإذا حذر ابنه وسلك معه ما يستطيع، وأعيته الحيلة في ذلك، ورأى أن بقاءه معهم ضرر محقق- فهناك يسعى لتخليصه منهم بما يراه مناسبًا.
44-التغافل لا الغفلة عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث، أو طيش: فذلك نمط من أنماط التربية، وهو مبدأ يأخذ به العقلاء في تعاملهم مع أولادهم ومع الناس عموماً; فالعاقل لا يستقصي، ولا يُشْعِر من تحت يده أو من يتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة; لأنه إذا استقصى، وأشعرهم بأنه يعلم عنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم.
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
ثم إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، من باب: إياك أعني واسمعي يا جاره، ومن باب: ما بال أقوام. وربما كان ذلك أبلغ وأوقع.
45-البعد عن تضخيم الأخطاء: فجميع البيوت تقع فيها الأخطاء فمقل ومستكثر; فكسر الزجاج، أو بعض الأواني، أو العبث ببعض مرافق المنزل، ونحو ذلك لا يترتب عليه كبير فساد; فكل الناس يعانون من ذلك.
46-اصطناع المرونة في التربية: فإذا اشتدت الأم على الولد لان الأب، وإذا عنّف الأب لانت الأم; فقد يقع الوالد على سبيل المثال في خطأ فيؤنبه والده تأنيباً يجعله يتوارى; خوفاً من العقاب الصارم، فتأتي الأم، وتطيب خاطره، وتوضح له خطأه برفق، عندئذ يشعر الولد بأنهما على صواب، فيقبل من الأب تأنبيه، ويحفظ للأم معروفها، والنتيجة أنه سيتجنب الخطأ مرة أخرى.
47-التربية بالعقوبة: فالأصل في تربية الأولاد لزوم الرفق إلا أن العقوبة قد يحتاج إليها المربي، بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل، أو ثورة غضب، وألا يُلجأ إليها إلا في أضيق الحدود، وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى، وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألماً، وألا يكون أمام الآخرين. ومن أنواع العقوبة العقاب النفسي، كقطع المديح، أو إشعار الولد بعدم الرضا، أو توبيخه أو غير ذلك. ومنها العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.
48-إعطاء الأولاد فرصة للتصحيح: حتى يرتقوا للأفضل، ويتخذوا من الخطأ سبيلاً للصواب; فالصغير يسهل قياده، ويهون انقياده، فلا ينبغي للوالد أن يأخذ موقفاً واحداً من أحد أولاده، فيجعله ذريعة لوصمه وعيبه، كأن يسرق مرة فيناديه باسم السارق دائمًا، دون أن يعطيه فرصة للتصحيح وهكذا .
49- الحرص على أن يكون التفاهم قائمًا بين الوالدين: ويبتعدا عن عتاب بعضهما لبعض أمام الأولاد; حتى يتوفر الهدوء في البيت، فيجد الأولاد فيه الراحة والسكن، فيتعلقوا بالبيت أكثر من الشارع.(38/4)
50- تقوى الله في حالة الطلاق: فإذا قدر بينهما الطلاق فعليهما بتقوى الله، وألا يجعلا الأولاد ضحية لعنادهما وشقاقهما، وألا يغري كلُّ واحد منهما بالآخر، بل عليهما أن يعينا الأبناء على كل خير، ويوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، بدلاً من التحريش، وإيغار الصدور، وتبادل التهم، وتأليب الأولاد، وإلا فإن النتيجة الحتمية في الغالب أن الأولاد يتمردون على الجميع، والوالدان هما السبب في ذلك; فلا يلوما إلا أنفسهما .
51-العناية باختيار المدارس المناسبة للأولاد، والحرص على متابعتهم في المدارس: حتى يتأكد بنفسه من صلاح الولد واستقامته، ولئلا يفاجأ في يوم من الأيام بأن ولده على خلاف ما كان يؤمله، ولأجل أن يدرك الولد بأن والده وراءه يسأل عنه ويتابعه.
52- إقامة الحلقات العلمية داخل البيوت: بحيث تعقد تلك الحلقات في مواعيد محددة، ويقرأ فيها بعض الكتب الملائمة للأولاد، فيتعلمون بذلك القراءة، وحسن الاستماع، وأدب الحوار.
53- إقامة المسابقات الثقافية بين الأولاد، ووضع الجوائز والحوافز لها.
54-تكوين مكتبة منزلية ميسرة: تحتوي على كتب وأشرطة ملائمة لسنيِّهم ومداركهم، فالمكتبة من أعظم روافد الثقافة.
55-اصطحاب الأولاد لمجالس الذكر: كالمحاضرات التي تعقد في المساجد وغيرها; فهي مما يثري الولد بالمعلومات، ويمده بالخير، ويعده لمواجهة الحياة، كما أنها تغذيه بالإيمان، وتربط على قلبه، وتربيه على أدب الاستماع.
56-الرحلة مع الأولاد: إما إلى مكة المكرمة، أو المدينة النبوية، أو غيرها من الأماكن المباحة، حتى يتعرف الوالد على الأولاد أكثر وأكثر، ولأجل أن يُجمَّهم، ويشرح صدورهم، ويكسبهم خبرات جديدة، إلى غير ذلك من فوائد السفر التي لا تخفى.
57-ربطهم بالسلف الصالح في الاقتداء والاهتداء: حتى يسيروا على خطاهم، فإن كان لدى الولد ميول إلى العلم وجد من يقتدي به، وإن كان شجاعًا مقدامًا وجد من يترسم خطاه، وإن كان كسولاً وجد في سيرة السلف ما يبعث فيه الروح، وعلو الهمة، وهكذا.
58-العناية بتعليم البنات ما يحتجن إليه من أمور دينهن ودنياهن: فكم من النساء من يجهلن مثلًا: أحكام الحيض والنفاس ومسائل الدماء عمومًا، بالرغم من أنه يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام وهما الصلاة،والصيام، بل والحج، وكم من النساء من تجهل إقامة الصلاة على الوجه المطلوب.
فينبغي أن يُعنى كل والد بتعليم بناته أمور دينهن، كما ينبغي أن يُعَلَّمْنَ أمور حياتهن الخاصة من كيٍّ، وغسيل، وطبخ، وخياطة، وتدبير للمنزل، وغير ذلك.وبذلك يَكُنَّ على أتم استعداد لاستقبال الحياة الزوجية.
59- منع البنات من الخروج وحدهن: سواء للسوق، أو للطبيب، أو غير ذلك، بل لا بد من وجود المحرم معهن، وألا يخرجن إلا للحاجة الملحة.
60 -منع البنات من التشبه بالرجال، ومنع البنين من التشبه بالنساء.
61-منع الأولاد بنين وبنات من التشبه بالكفار.
62-منع البنين من الاختلاط بالنساء، ومنع البنات من الاختلاط بالرجال: بل ينبغي أن يعيش الابن في محيط الذكور، والبنت في محيط الإناث، خصوصًا إذا بدأ الابن أو البنت بالتمييز.
63-العناية بصحة الأولاد: فمن الأمانة أن يعتني الوالد بصحتهم، خصوصاً وهم صغار; لأن كثيراً من العاهات والأمراض تبدأ مع الأولاد وهم صغار، فإذا أُهمل علاجها لازمت الأولاد طيلة أعمارهم، وربما قضت عليهم.
64-عدم استعجال النتائج في التربية: فعلى الوالد أن يصبر، ويصابر، ويستمر في دعائه لولده وحرصه عليه; فلربما استجاب الولد بعد حين.
65-الحذر من اليأس: فإذا ما رأى الوالد من أولاده إعراضاً أو نفورًا أو تماديًا فعليه ألا ييأس من صلاحهم واستقامتهم; فلعل نفحةً من نفحات الرحيم ترد الولد إلى رشده، وتُقْصِرُه عن غيّه.
66-اليقين بأن التربية الصالحة لا تذهب سدى: فالنصح ثمرته مضمونة بكل حال; فإما أن يستقيم الأولاد في الحال، وإما أن يفكروا في ذلك، وإما أن يُقْصِروا بسببه عن التمادي في الباطل، أو أن يُعْذِرَ الإنسان إلى الله.
67-إعانة الأولاد على البر: فبر الوالدين وإن كان واجبًا على الأبناء إلا أنه يجدر بالآباء أن يعينوا أبناءهم على البر، وأن يشجعوهم، وألا يقفوا حجر عثرة أمامهم.
68-حفظ الجميل للأبناء: وأن يشكروهم عليه، ويذكروهم به; حتى ينبعث الأولاد للبر والإحسان، ويستمروا عليه.
69-التغاضي عن بعض الحقوق: فيحسن بالوالدين أن يتغاضوا عن بعض حقوقهم، فإذا كان الوالد في نشاطه، والأولاد في حال إقبال على العلم، والقرآن، وسائر الفضائل، وهم في مقتبل أعمارهم. فإذا أخذ الوالدان بهذه السيرة كان الأولاد على مقربة من الكمال، والصلاح. ولا ريب أن الوالد في هذه الحالة سيجني تلك الثمار في حياته وبعد مماته.
70-استشارة من لديه خبرة بالتربية: من العلماء، والدعاة، والمعلمين، والمربين، ممن لديهم خبرةٌ في التربية، والاستنارة برأيهم في هذا الصدد، فهذا الأمر يعين على تربية الأولاد.(38/5)
71-قراءة الكتب المفيدة في التربية: فهي مما يعين على تربية الأولاد; لأنها ناتجةٌ عن تجربة، وممارسة، وخبرة، وعصارة فكر، ونتاج تمحيص وبحث.
ومن تلك التي يجدر بالمسلم اقتناؤها والإفادة منها ما يلي:
العيال لابن أبي الدنيا- تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم-المسؤولية في الإسلام، وأثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع د.عبد الله قادري- تذكير العباد بحقوق الأولاد للشيخ عبد الله الجار الله-الأولاد وتربيتهم في الإسلام لمحمد المقبل-نظرات في الأسرة المسلمة للدكتور محمد بن لطفي الصباغ .
72- استحضار فضائل التربية في الدنيا والآخرة: فهذا مما يعين الوالد على الصبر والتحمل، فإذا صلح الأولاد كانوا قرةَ عينٍ له في الدنيا، وسببًا لإيصال الأجر له بعد موته، ولو لم يأته من ذلك إلا أن يكفى شرهم، ويسلم من تبعتهم.
73- استحضار عواقب الإهمال والتفريط في تربية الأولاد: فالأولاد أولاده، ولن ينفك عنهم بحال من الأحوال، فإذا أهملهم وقصر في تربيتهم كانوا شجىً في حلقه في الدنيا، وكانوا سببًا لتعرضه للعقاب في العقبى.
74- وخلاصة القول في تربية الأولاد: أن يسعى الوالد في جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم عاجلاً وآجلاً.
من كتاب:' التقصير في تربية الأولاد 'للشيخ/محمد بن إبراهيم الحمد(38/6)
آثار أخرى للعولمة الثقافية
1/11/1424
أ. د .ناصر بن سليمان العمر
آثار أخرى للعولمة الثقافية
إن البلاد العربية –وللأسف- موغلة في الأمية والجهل، وارتفاع نسبة الأمية في البلاد العربية له تأثير سلبي أثناء التلقي من الثقافة الوافدة، فالكأس إذا كانت خالية أمكن ملؤها بأنواع المائعات.
وإلقاء نظرة سريعة على هذه الأرقام تغني وتوضح المراد:
وفقاً لإحصائيات اليونسكو يقول (مدير مكتب اليونسكو الإقليمي) فكتور بلة في (المؤتمر الثالث لوزراء التربية والتعليم والمعارف في الوطن العربي الذي استضافته الجزائر بمشاركة 20 دولة عربية في 10/2/1423هـ الموافق 23/4/2002م): إن عدد الأميين بالوطن العربي يبلغ نحو 70 مليوناً، وإن ما يزيد على 90% من الطلبة العرب لا يمتلكون ثقافة معلوماتية.
وقال : إن غالبية الدول العربية تتجاهل تعليم الطفل في المرحلة التحضيرية، كما أن 40% من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين السادسة والخامسة عشرة لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة.
وأضاف أن أحدث الإحصاءات المتوافرة لدى اليونسكو تظهر أن أكثر من 70 مليوناً في الوطن العربي لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، وأشار إلى أن ذلك لا يعني الحديث عن الأمية الحاسوبية.
وصنف (بلة) التعليم في الوطن العربي بأنه يقع ضمن أدنى المستويات في العالم، وعدها نسبة مزعجة تشكل خطراً على التنمية في الدول العربية.
وأفاد تقرير حديث عن إحصائيات منظمة اليونسكو في الدول العربية(1)، أنه من بين كل ثلاثة رجال في العالم العربي يوجد واحد أمي، ومن بين كل امرأتين توجد واحدة أمية.
وفي ندوة(ماذا يريد التربويون من الإعلاميين) التي عقدت في الرياض عام 1402 هـ تحت إشراف مكتب التربية العربي لدول الخليج، جاءت دراسة مهمة أذكر بعضا منها:
يوجد أكثر من 33% من أطفال البلاد العربية ما بين سن 6 - 14 خارج المدرسة، ويقدر هذا العدد بأكثر من خمسة عشر مليون طفل.
يوجد 75% من شباب البلاد العربية ما بين سن 15- 17 خارج المدرسة الثانوية بمختلف أنواعها.
يوجد حوالي 90% من شباب البلاد العربية من 18- 24 دون تعليم عال أو جامعي.
يوجد قرابة 50% من أفراد المجتمع العربي فوق سن (15) من الأميين(2). بل إن مما يزيد الوضع صعوبة وتعقيداً ما يقضيه الطالب بين حجرات الدراسة وما يقضيه أمام التلفزيون، فقد ذكر الدكتور حمود البدر أن الأبحاث والدراسات أثبتت أن بعض التلاميذ في البلاد العربية عندما يتخرج من الثانوية العامة يكون قد أمضى أمام التلفزيون (15.000) ساعة، بينما لم يقض في حجرات الدراسة أكثر من (10.800) ساعة على أقصى تقدير(3).
مع أن هذه الإحصائيات كانت في وقت لايشاهد التلميذ فيه إلا قناة أو قناتين، فكيف وقد أتيحت لهم مشاهدة عدة قنوات، دون حسيب أو رقيب؟ وكيف بعد دخول الإنترنت، وكيف إذا فتحت الأبواب لوسائل العولمة الثقافية الأخرى على مصراعيها؟
لهذا فإن الثقافات الوافدة، قد تشكل خطراً على الهوية العربية والإسلامية، وبخاصة في ظل ضعف التحصينات، والانفتاح على العالم الغربي وخصوصاً إعلامه، وإذا كانت الدول التي لاتعاني من هذه المشاكل قد خافت على ثقافتها من الثقافات الوافدة، ورأت أن هويتها بدأت تزول، فحري بنا أن نعمل على تحصين ثقافتنا، وإلاّ فإن مدّ الثقافات الوافدة سوف يجرف كل خاوٍ لا يقوى على القيام له.
وقد شكت وزيرة الثقافة اليونانية (ملينا يركورى) من أن بلدها قد دهمتها الثقافة الأمريكية(4).
وفي فرنسا صرح وزير الثقافة الفرنسي في السبعينات أنه خائف من وقوع الشعب الفرنسي ضحية للاستعمار- الثقافي الأمريكي(5).
وجاء بعده وزير الثقافة الفرنسي (جاك لانق) وشن حملة قاسية على القنوات التلفزيونية التجارية، وقال: إنها أصبحت صنابير تتدفق منها المسلسلات الأمريكية، فقد لاحظ أنه في يوم الأحد، وفي الساعة الواحدة ظهراً، تجد خمس قنوات فرنسية تبث مسلسلات أمريكية، مع أن عدد القنوات الفرنسية ست قنوات فقط، أي أكثر من 80% تبث الثقافة الأمريكية(6).
وشكا رئيس وزراء كندا (بيار ترودو) من تأثير الثقافة الأمريكية على الشعب الكندي (7).
إذا كانت هذه حال أولئك القوم وشكواهم مع أنهم في وضع سياسي متقارب، ودينهم واحد، ومناهجهم متشابهة، فكيف بنا، وماذا ستكون حالنا مع الثقافة الوافدة؟ يقول الأستاذ عبد الرحمن العبدان، وهو يتحدث عن البث المباشر، وخطورته في الجانب الثقافي: (ثم البرامج الثقافية الموجهة، والتي يمكن أن نسميها بالغزو الفكري، وهذه سوف تسيء لكثير من مفاهيم الشعوب المستهدفة وقيمها، ولا بد من مراقبتها، وتبصير المتلقين بأهدافها، وتحصينهم من آثارها) (8).
وقد صرح وزير خارجية كندا عام 1976 م بأن برامج التلفزيون الأمريكي تدفع كندا نحو الكارثة(9)، فهي تمثل عنده غزو ثقافي.
حتى أن بعض الدراسات أثبتت أن هناك بعض الأطفال الكنديين لا يعرفون أنهم كنديون؛ لتأثرهم بالبرامج الأمريكية التي تبث إلى كندا(10).(39/1)
وفي فرنسا عندما شعر الرئيس الفرنسي (شارل ديغول) بخطورة تأثير الأفلام الأمريكية على الثقافة الفرنسية، قام بعدة إجراءات منها:
1- إلغاء الاعتماد على الدولار كعملة احتياطية.
2- الانسحاب من الحلف الأطلسي.
3- إعادة النظر في العلاقات الثقافية، والسياسية مع أمريكا.
وقد أعلن صراحة أن تلك الإجراءات (حماية لفرنسا من الاستعمار الثقافي الأمريكي) (11). وما أحسن ما عبر عنه فهمي هويدي(12) معلقاً على دخول البث التلفزيوني إلى تونس، حيث قال:
"خرج الاستعمار الفرنسي من شوارع تونس عام 1956 م، ولكنه رجع إليها عام 1989 م، لم يرجع إلى الأسواق فقط، ولكنه رجع ليشاركنا السكن في بيوتنا، والخلوة في غرفنا، والمبيت في أسرة نومنا.
رجع ليقضي على الدين، واللغة، والأخلاق، كان يقيم بيننا بالكُره، ولكنه رجع لنستقبله بالحب والترحاب، كنا ننظر إليه فنمقته، أما الآن فنتلذذ بمشاهدته، والجلوس معه إنه الاستعمار الجديد، لا كاستعمار الأرض، وإنما استعمار القلوب، إن الخطر يهدد الأجيال الحاضرة، والقادمة، يهدد الشباب والشابات والكهول والعفيفات والآباء والأمهات، وقال: إن الفرنسيين غادروا تونس عام 1956 م وعادوا إليها عام 1989 م ليقتحموا كل بيت، وقرروا أن يقضوا داخله 20 ساعة كل يوم، يمارسون تأثيرهم على اللغة،والأخلاق، والفكر والوعي، عند الصغار والكبار، والنساء والرجال، والشباب، والفتيات، وإن كان الخطر أكبر يهدد الجيل الجديد كله"(13).
وأختم هذه الحقائق بما ذكره أحد الغربيين مشيراً إلى أسلوب صناعة الفكر الشرقي.
"كنا نحضر أولاد الأشراف والأثرياء والسادة من أفريقيا،وآسيا، ونطوف بهم لبضعة أيام في أمستردام ولندن، فتتغير مناهجهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية، فيتعلمون لغتنا، وأسلوب رقصنا وركوب عرباتنا، ثم نعلمهم أسلوب الحياة الغربية، ثم نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا، ثم نرسلهم إلى بلادهم، وأي بلاد؟ بلاد كانت أبوابها مغلقة دائماً في وجوهنا، ولم نكن نجد منفذاً إليها، كنا بالنسبة إليهم رجساً ونجساً.
ولكن منذ أن صنعنا المفكرين ثم أرسلناهم إلى بلادهم، كنا نصيح في لندن، وأمستردام، وننادي بالإخاء البشري، وكانوا يرددون ما نقوله، كنا حين نصمت يصمتون؛لأننا واثقون أنهم لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواهم"(14).
--------------------------------------------------------------------------------
1 تقرير عام 2002م عن أحوال العرب، وهو موجود في موقع منظمة اليونسكو.
2 انظر بحوث ماذا يريد التربويون من الإعلاميين ص 75.
3 الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوى ص 13.
4 أقمار الفضاء غزو جديد ص 52.
5 أقمار الفضاء غزو جديد ص 59.
6 مجلة اليمامة عدد (1038).
7 أقمار الفضاء غزو جديد ص 52.
8 جريدة الرياض عدد (8450).
9 أقمار الفضاء غزو جديد ص 52.
10أقمار الفضاء غزو جديد ص 52.
11أقمار الفضاء غزو جديد ص 59- 60.
12كاتب سياسي له شطحات فكرية معروفة.
13الأهرام 27/6/1989 م.
14 استمع إلى شريط الندوة التي عقدها الحرس الوطني عن البث المباشر على هامش الجنادرية عام 1409 هـ.(39/2)
آثار الإنترنت السالبة على المستخدمين
د. إسماعيل محمد حنفي*
مقدمة:
لا ينكر أحدٌ التطور الهائل في نظم المعلومات في هذا العصر، حيث أصبح الاعتماد كبيراً على الحاسب الآلي في شتى مجالات الحياة بالنسبة للأفراد والهيئات والمؤسسات، ثم بعد ذلك أضحى استخدام ما يُعْرَف بشبكات المعلومات (الإنترنت) أمراً ذائعاً ومتاحاً لأغلب الناس. ولا شك أنه حقَّق لهم منافع ومصالح عديدة، ولكن في المقابل كانت له آثار سالبة كذلك شأن أعمال البشر التي يعتريها النقص دائماً.
ومن هذا الباب أحببنا أنْ نطرق جانباً من الجوانب التي حدّدها مؤتمر كلية القانون في جامعة اليرموك حول: (القانون والحاسوب)([1])، وهو الذي ينضوي تحت المحور الرابع: (الحماية القانونية لبرامج الحاسوب)، ومن ثَمَّ في الجزئية الرابعة، وهي: حماية حقوق منتجي ومستخدمي برامج الحاسوب.
وإنَّما أتناول هذا الموضوع من خلال تأصيل شرعي برؤيةٍ جديدة، تربط بين هذا الأمر الحادث وبين مقاصد الشريعة الإسلامية، فتركز على أهم الأشياء الضرورية التي ترعاها الشريعة الإسلامية لجميع رعاياها، ألا وهي : الدِّين، النفس، العقل، النسل، والمال.
وسأتناول الموضوع بإذن الله تعالى من خلال ستة مباحث وخاتمة، كما يلي:
المبحث الأول: مبحث تمهيدي:
أُعرِّف فيه بموضوع البحث، حيث أوضح المراد بالمصالح الضرورية الخمس، كما أعرِّف بالإنترنت، ومستخدمي الإنترنت، وما هي حاجتهم للحماية.
المبحث الثاني: آثار الإنترنت على الدِّين:
أتحدث فيه عن أهمية الدِّين بعد بيان المقصود به، ثم كيف تتم حماية الدِّين؟ ثم ما هي آثار الإنترنت الإيجابية والسالبة على الدِّين؟ ثم كيف تتحقّق الحماية الشرعية للدِّين لمن يستخدمون الإنترنت؟
المبحث الثالث: آثار الإنترنت على النَّفس:
أوضح فيه المراد بالنَّفس ورعاية الإسلام لها، ثم ما آثار الإنترنت سلباً أو إيجاباً على النفوس؟ وكيف تتحقّق الحماية الشرعية لمستخدمي الإنترنت.
المبحث الرابع: آثار الإنترنت على العقل:
أتناول فيه معنى العقل، وما المقصود برعاية الإسلام للعقل، وكيف يتم ذلك من خلال تشريعاته المتعددة؟ ثم آثار الإنترنت على العقل. ثم حماية مستخدمي الإنترنت من الآثار السالبة على عقولهم، وذلك من خلال رؤية شرعية.
المبحث الخامس: آثار الإنترنت على النَّسل:
أُبيِّن فيه معنى النسل، وكيف حرص الإسلام على رعايته؟ ولماذا؟ ثم ماذا يمكن أنْ يصيب الناس من خلال التعامل مع الإنترنت من خلال التجربة والممارسة، وكيف تتحقّق الحماية الشرعية لمستخدمي الإنترنت في هذا الجانب.
المبحث السادس: آثار الإنترنت على المال:
وفيه بيان لمفهوم المال، وأهميته، ورعاية الإسلام له، والآثار الواقعة عليه بالنسبة لمستخدمي الإنترنت، وكيف تتم حمايته.
الخاتمة:
أعرض فيها أهم النتائج التي توصلت إليها، ثم أقدِّم بعض التوصيات.
سائلاً ربي التوفيق والسَّداد ..
د . إسماعيل محمد حنفي
الخرطوم في 20 رمضان 1424هـ
المبحث الأول
مبحث تمهيدي
[1] المصالح الضرورية المرعيِّة:
يقول الإمام العِز بن عبد السلام ـ رحمه الله تعالى ـ: "الشريعة كلها مصالح، إمَّا تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح، فإنْ سمِعتَ اللهَ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ) فتأمَّل وصيّة بعد ندائه، فلا تجد إلاَّ خيراً يحثّك عليه، أو شرَّاً يزجرك عنه، أو جمعاً بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد حثاً على اجتناب المفاسد، وما في بعض المصالح حثاً على إتيان المصالح"([2]).
ويقول الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: "إنَّ الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنّها ترجِّح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصِّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما"([3]).
ويقول الإمام ابن قيِّم الجوزية ـ رحمه الله تعالى ـ: "إنَّ الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كُلّها، ومصالح كلها، وحِكمة كلها، فكل مسألةٍ خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحِكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإنْ أُدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده"([4]).
يتضح لنا من خلال تلك العبارات لعلمائنا الأجلاء أنَّ رعاية المصالح هدف أساسي للشريعة الإسلامية، وهو يتضمن درء المفاسد كذلك، إذ إنَّ درءها يُعَدُّ مصلحة.
ونجد أنَّ الإمام الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ يقرِّر أنَّ الشريعة موضوعة لمصالح العباد على الأخلاق والعموم([5]). ثم يذكر هو وغيره من العلماء أنَّ أصول المصالح لها مراتب ثلاث هي : الضروريات، والحاجات، والتحسينات، وأنَّ الشريعة تقصد إلى المحافظة عليها بحسبانها أصولها العامة وقواعدها الكلية([6]).
فالضرورات:(40/1)
هي التي تقوم عليها حياة الناس الدينية والدنيوية، ويتوقف عليها وجودهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة، وإذا فُقِدت هذه المصالح الضرورية اختلّ نظام الحياة وفسدت مصالح الناس، وعمّت فيهم الفوضى، وتعرَّض وجودهم للخطر والدمار والضياع والانهيار، وضاع النعيم في الآخرة وحلَّ العقاب.
وهي خمس: "حفظ الدين، والنَّفس، والنَّسل، والعقل، والمال"([7]).
يقول الإمام الشاطبي: "مصالح الدِّين والدنيا مبنية على المحافظة على الأمور الخمسة"([8]).
ويقول الغزالي: "وهذه الأصول الخمسة حِفظُها واقعٌ في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح"([9]).
وأمّا الحاجيات:
فهي: "الأمور التي يحتاجها الناس لتأمين شؤون الحياة بيُسر وسهولة، وتدفع عنهم المشقة، وتخفّف عنهم التكاليف، وتساعدهم على تحمُّل أعباء الحياة، وإذا فُقدت هذه الأمور لا يختل نظام الحياة، ولا يتهدَّد وجود الناس، ولا ينتابهم الخطر والدمار والفوضى، ولكن يلحقهم الحرج والضيق والمشقة، ولذلك تأتي الأحكام التي تتناول هذه المصالح الحاجية للناس، لترفع عنهم العسر، وتيسِّر لهم سُبل التعامل، وتساعدهم على صيانة مصالحهم الضرورية وتأديتها، والحفاظ عليها عن طريق الأحكام الحاجية، كالرُّخص في العبادات وأحكام المعاملات"([10]).
ثم التحسينات([11]):
ويراد بها: الأمور التي تطلبها المروءة والآداب والذوق العام، ويحتاج إليها الناس لتسيير شؤون الحياة على أحسن وجه، وأكمل أسلوب، وأقوم منهج، وإذا فُقِدت هذه الأمور فلا تختل شؤون الحياة، ولا ينتاب الناس الحرجُ والمشقة، ولكن يحسُّون بالضجر والخلل، وتتقزّز نفوسهم، وتستنكر عقولهم، وتأنف فطرتهُم مِن فقدها. وهذه الأمور التحسينية ترجع إلى ما تقتضيه الأخلاق الفاضلة والأذواق الرفيعة، وتكمل المصالح الضرورية، والمصالح الحاجية على أرفع مستوى وأحسن حال.
وكلامنا هنا عن الضروريات بحسبان أنَّ ما دونها من الحاجيات والتحسينات يرتبط بها، كما قال الإمام الشاطبي: "والضروري أصلٌ لما سواه من الحاجي والتكميلي"([12])، وقال: "إذا ثبت أنَّ التحسيني يخدم الحاجي، وأنَّ الحاجي يخدم الضروري ؛ فإنَّ الضروري هو المطلوب"([13]).
ولارتباط موضوعنا في هذا البحث بالمصالح، فإننا نركِّز على الضروريات الخمس، التي نحسب أنَّ أهم المصالح المطلوب مراعاتها وأهم المفاسد المطلوب درؤها لا تخرج عنها، "فالضروريات هي أصل المصالح"([14]).
ومن المهم هنا بيان أهم سمات تلك المصالح التي نتحدث عنها، فهي مصالح عامة، وهذا العموم يشمل: الأحكام، والأشخاص، والأحوال، والأزمنة، والأمكنة.
وذلك لأنّ مراد الشارع من الشريعة أنْ تكون مصالح على الإطلاق، وبالتالي فلا بُدَّ أنْ يكون وضعها على ذلك الوجه أبدياً وكُلياً وعاماً في جميع أنواع التكليف والمكلَّفين، وجميع الأحوال([15]).
وهذا يقتضي أنْ يدخل غير المسلمين في رعاية هذه المصالح، إذ إنَّ أحكام الشريعة موضوعة لصالح العباد بإطلاق، فتعيَّن أنْ تكون هذه المصالح عامةً لجميعهم، لا لبعضٍ دون بعض([16]).
ومما يؤكِّد ذلك أنَّ الضروريات الخمس مراعاة في كل الشرائع السماوية، يقول الإمام العز بن عبد السلام: "إنَّ الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لإقامة مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسدها"([17]).
ويقول أيضاً: "واتفق الحكماء على ذلك، وكذلك الشرائع على تحريم الدماء، والأبضاع، والأموال، والأعراض"([18]).
ويقول الإمام الغزالي: "وتحريم تفويت هذه الأمور الخمسة، والزجر عنها، يستحيل ألاَّ تشتمل عليه مِلَّة من المِلَل، أو شريعة من الشرائع التي أُريد بها إصلاح الخلق، ولذا لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر، والقتل، والزنا، والسرقة، وشُرب المسكِر"([19]).
[2] الإنترنت:
"لفظ (إنترنت) هو اختصار لمصطلح (الشبكة الدولية). ويُطلق على شبكة الإنترنت أيضاً: (شبكة الشبكات)، وكذلك (الشبكة الأم).
وشبكة الإنترنت تتكون من المئات من أجهزة الكمبيوتر المرتبطة في شبكات. وتسمح شبكة الإنترنت بتداول ونقل البيانات والمعلومات من جهاز كمبيوتر إلى آخر داخل الشبكة.
وتعني كلمة (NET) أي الشبكة، على أنها قالب خالٍ (FICTIONALMARTIX) أو نسيج عنكبوتي (WEP). وتمثل الشبكة البنية الأساسية للمعلومات العالمية، ويمكن الوصول إلى المعلومات مِن على شبكة الإنترنت عن طريق الدخول عبر سلسلة من البوابات التي توصل كل منها للأخرى([20]).
تاريخ شبكة الإنترنت:(40/2)
"في ظل الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي ـ سابقاً ـ عملت وزارة الدفاع الأمريكية على إنشاء ما يُعرف بـ (وكالة مشروعات البحوث المتقدمة)، وكان هدف هذه الوكالة إجراء الأبحاث في مجال الدفاع، لضمان تفوُّق أمريكا في مجال أبحاث الدفاع، خاصةً بعد أنْ أطلق الروس مركبتهم الفضائية "سبرتينيك" سنة 1957م. وتَمَّ تجنيد جميع الإمكانات المتاحة لدى معظم الجامعات الأمريكية لربط أربع جامعات أمريكية لتسهيل عملية تبادل الأبحاث بينهم. أُطلق على هذه الشبكة اسم "أربانيت".
وفي عام 1972م تَمَّ ربط معظم الجامعات الأمريكية بشبكة "أربانيت"، وتبَّنت أمريكا شبكة "أربانيت" باعتبارها شبكة بيانات دفاع.
وفي عام 1983م انقسمت شركة "أربانيت" إلى جزءين: شبكة الاستخدامات العسكرية، وشبكة للاستخدامات المدنية.
وفي عام 1986م قامت المؤسسة القومية للعلوم بإنشاء شبكة (NSFNET) وهي عبارة عن شبكة مكوَّنة من خمسة مراكز لأجهزة الكمبيوتر العملاقة. بعد ذلك سعت الجامعات إلى الانضمام إلى هذه الشبكة من أجل إجراء البحث العلمي وتبادل المعلومات بين الجامعات والباحثين([21]).
الخدمات التي تقدمها شبكة الإنترنت([22]):
[1] تبادل الملفات بين المتعاملين على الشبكة:
فيستطيع أيّ متعامل مع الشبكة أنْ ينقل إلى جهازه الشخصي الملفّ الذي يحتاجه من أي مكان في العالم خلال بوابة معدودة.
[2] خدمة البريد الإلكتروني:
وهي عبارة عن خدمة توفرها شبكة الإنترنت، يستطيع الشخص بواسطتها أنْ يستقبل و يرسل رسائل إلكترونية إلى أي شخصٍ في العالم بشرط أنْ يكون للشخص المرسل إليه الرسالة بريد إلكتروني. وهناك مواقع على شبكة الإنترنت توفر هذه الخدمة بالمجان، ومواقع أخرى توفرها نظير مقابلٍ مالي. ولضمان سرية الرسائل يقوم الشخص بعمل كلمة مرور سرية خاصة به لا يطلّع عليها أحد. وذلك حتى لا يستطيع أحدٌ الاطلاع على رسائله الخاصة، ويمكن معرفة أنَّ هناك رسالة على البريد الإلكتروني عند ظهور إشارة معيَّنةٍ عند فتح جهاز الكمبيوتر.
[3] إجراء المحادثات:
يمكن إجراء مكالمة صوتية، وذلك باستخدام بعض الأدوات بالإضافة إلى برنامج يتيح هذه الخاصية، والاتصال بهذه الطريقة يكون أقل تكلفة عادة من الاتصال العادي.
[4] الألعاب:
تحتوي شبكة الإنترنت على العديد من الألعاب، والتي يمكن أنْ يشترك فيها أشخاص من جميع أنحاء العالم.
[5] التجارة الإلكترونية:
وهو ما يُعرف بالتسوُّق عبر الإنترنت، فيمكن للشخص أنْ يشتري أيّ سلعةٍ معروضةٍ على شبكة الإنترنت، وذلك عن طريق استخدام بطاقة الائتمان "الفيزاكارت"، ويتم ذلك عن طريق إعطاء البائع البيانات الخاصة ببطاقة الائتمان والرقم السري لها، فيقوم البائع بخصم ثمن السلعة من البطاقة.
وغالباً ما يتخوَّف الأفراد عبر الإنترنت من أنْ يطلِّع أحدٌ على بيانات البطاقة والرقم السري فيقوم باستخدام هذه البيانات في شراء سلعة أخرى لحسابه الشخصي.
[6] استخدامات أخرى:
هناك العديد من استخدامات الإنترنت، منها: التعرف على الأخبار العالمية والمحلية عن طريق الدخول إلى مواقع الشبكات العالمية الإخبارية، وكذلك تصفُّح الجرائد اليومية، والمجلات، والكتب. وكذلك يستخدم الإنترنت في تسهيل القبض على المجرمين الهاربين، والتنبّؤ بالجرائم، والبحث عن الأشخاص المفقودين.
كما يستخدم الإنترنت في مشاهدة الأفلام، والاستماع للمحاضرات، والخطب، والأغاني، .. إلخ .
[3] مستخدمو الإنترنت([23]):
هم الأشخاص الذين يدخلون على أحد مواقع شبكة الإنترنت، عن طريق استخدام الوسائل الفنية اللاّزمة لذلك..، ومستخدم الإنترنت إمَّا أنْ يكون متلقياً للمعلومة من على الإنترنت، وإمَّا أنْ يكون مرسلاً للمعلومة.
هل يحتاج مستخدمو الإنترنت إلى حماية؟
نعم يحتاجون إلى حماية، وهي حماية لها جانبان:
[أ] الجانب الأول: حماية لهم من أنفسهم:
وذلك لأنَّ مستخدم الإنترنت إمَّا أنْ يتلقى معلومة من الإنترنت أو يرسل معلومة كما ذكرنا آنفاً. ففي الوضع الذي يتلقى فيه المعلومة قد تثور مسؤوليته الجنائية إذا كان تحصُّله على هذه المعلومة قد تَمَّ بطريق غير مشروع، فمثلاً إذا كان الموقع يوفر هذه المعلومة مقابل دفع مبلغ نقدي عن طريق استخدام بطاقة الائتمان، وأراد المستخدم الحصول على هذه المعلومة بأنْ أدخل بيانات بطاقة مسروقة مثلاً، فهنا يشكِّل الفعل جريمة. كذلك إذا قام المستخدم بتجميع صورٍ مُخِلّةٍ بالآداب عن طريق استخدام الإنترنت، وحمَّلها على جهازه، وكذلك إذا قام بنسخ مُصنَّفٍ أدبي أو فني محمي، فهذا الفِعل يُعدُّ معاقباً عليه طبقاً للقوانين الجنائية.
ففي مثل هذه الحالات يحتاج مستخدم الإنترنت إلى حماية من نفسه، بأنْ يُنهى عن مثل هذه التصرفات، ويوضح له حكم القانون والشرع في الدنيا، ثم عواقب فعله في الآخرة ليرتدع عن القيام بأي عمل يجلب عليه ضرراً.
[ب] الجانب الثاني: حماية لهم من غيرهم:(40/3)
أي أنَّ مستخدمي الإنترنت قد يقوم الواحد منهم بإرسال معلومة فيها ضرر بالآخرين مثل: عبارة فيها قذف أو سب في حق شخصٍ ما، أو التحريض على عملٍ ممنوع، أو نشر شائعات كاذبة، أو تشويه سمعة شخصٍ ما، أو تزوير معلومات أو صور عنه، أو إرسال صور فاضحة مثلاً.
وقد حدث في مصر ـ مثلاً ـ أنَّ شخصاً ادّعى كذباً وجود سفَّاح في مدينة نصر مما تسبب في إثارة الرعب بين سكان المدينة!
وكذلك مهندس مصري أقام موقعاً على الإنترنت يحرَّض فيه الأفراد على ممارسة الشذوذ الجنسي، وتم القبض عليه وقُدم للمحاكمة.
ففي مثل هذه الحالات يحتاج مستخدمو الإنترنت إلى حماية مما يمكن أنْ يَرِدَ عليهم ـ رغماً عنهم ـ من مستخدمين آخرين.
المبحث الثاني
آثار الإنترنت على الدِّين
جاء الإسلام لخير البشرية كلها، يحقِّق لها المصالح، ويبعد عنها المفاسد والأضرار. وأوْلَى تلك المصالح بالتحقيق والعناية المصالح الضرورية، التي يتوقف عليها وجود الناس في الدنيا ونجاتهم في الآخرة.
ويرعى الإسلام تلك المصالح الضرورية بتشريع الأحكام التي: تحفظ الدِّين، وتحفظ النَّفس، وتحفظ العقل، وتحفظ النَّسل ـ العرض أو النَّسب ـ، وتحفظ المال([24]).
وفيما يلي نتناول المصلحة الضرورية الأولى، وهي حماية الدِّين، موضحين المراد بها وكيف تكون عموماً، ثم آثار الإنترنت عليها، وكيف تكون الحماية.
أولاً : المراد بحفظ الدِّين :
والمراد بذلك: "حفظ الدِّين على أصوله المستقرة وقواعده المحدَّدة، وذلك بإيضاح الحُجَج والرّد على البدع والشبهات، ليكون الدِّين محروساً
من خلل، والأُمَّة ممنوعة من زلل"([25]).
وذلك أنَّ الدِّين الحق مصلحةٌ ضروريةٌ للناس، لأنّه ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان ومجتمعه، والدِّين الحق يعطي التصوُّر الرشيد عن الخالق، والكون، والحياة، والإنسان، وهو مصدر الحق والعدل، والاستقامة والرشاد.
والدِّين الذي نقصده هو: الإسلام، بمعناه الكامل، الذي يعني الاستسلام لله سبحانه وتعالى، ودعا له الأنبياء جميعاً، وخصَّهُ ربنا بقوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ )([26])، وقوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )([27]). وقد شرع الإسلام أحكام الدِّين، وتكفَّل الله تعالى ببيانه للناس منذ لحظة وجودهم على الأرض فقال تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )([28])، وأناط الله تعالى التكليف والمسؤولية بعد بيان الدِّين، فقال سبحانه وتعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )([29]). فبيَّن الشرع أحكام العقيدة والإيمان كاملة في آيات كثيرة، وشرع الإسلام أركان الدِّين الخمسة، وبيَّن أنواع العبادات وكيفيتها، لتنمية الدِّين، وترسيخه في القلوب، وإيجاده في الحياة والمجتمع، ونشره في أرجاء المعمورة، وأوجب الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور"([30]).
ولأجل حماية الدِّين شرع الله الجهاد في سبيله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ )([31])، كما شرع العقوبات الحدية والعقوبات التعزيرية، صيانةً للدِّين من العبث، وإبعاداً للناس عن التخبط في العقائد والعزوف عن منابع الإيمان، ولحفظهم من مفاسد الشرك، والضلال، وحتى لا يسفَّ العقل في تأليه الطواغيت وعبادتها، فينقذ البشرية من الاعتقادات الباطلة، والعبادات المزيَّفة، والترانيم السخيفة"([32]).
ثانياً: آثار الإنترنت على الدِّين:
بعد أنْ اتضح لنا المقصود بحماية الدِّين، ومن خلال النظر في ما يُبث من خلال شبكة الإنترنت؛ تظهر لنا بوضوح الآثار السالبة التي تقع على مستخدمي الإنترنت في أعزّ ما يملكون ألا وهو دينهم. ويمكننا أنْ نلخص تلك الآثار في الآتي:
زعزعة العقائد وإحداث الاضطرابات فيها:
وذلك من خلال بعض المواقع التي تركِّز على بث الشبهات حول الدِّين، والتشكيك في الثوابت والمسلَّمات كأصول الإيمان، وأركان الإسلام، والواجبات، والمحرمات.
وكذلك إحداث خلخلة في تصورات الناس عن الخالق، والكون، والحياة، وعلاقة الإنسان بكل ذلك، ومفهوم الدِّين.
الإساءة إلى الدِّين:
عن طريق السخرية والاستهزاء، والسَّب، والطعن في القرآن الكريم، والحط من مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونسبة النواقص والقبائح إلى الدِّين.
الترويج للعقائد والأفكار الباطلة:
مثل الفكر الإلحادي أو الوجودي، وإظهار العقائد الباطلة بصورة برّاقة جذّابة كأسلوب لدعوة الناس إليها.
ولا شك أنَّ ذلك يؤثر في كل مَنْ لا علم له، ومن كان صاحب هوى، وهُم كُثرٌ للأسف.
ولا يعني ذكر تلك الآثار السالبة أنّه لا توجد آثار إيجابية، فمن تلك الآثار:(40/4)
التعريف بالدِّين([33]):
حيث إنَّ كثيراً من النَّاس كانوا محرومين من القراءة أو السماع عن الإسلام، بسبب التعتيم الذي تفرضه دولهم على الإسلام، بل والتضليل الذي تمارسه كثير من الدول أو الجهات المعادية للإسلام، فأتاح الإنترنت فرصاً كبيرة لأولئك للاطلاع على الحقائق من خلال المواقع الإسلامية.
نشر الوعي بين المسلمين:
إنَّ التعريف بالإسلام ليس هو حاجة مُلِحَّة لغير المسلمين فقط، بل لأنَّ الكثير من المسلمين ينقصهم الفقه والعلم بأحكام دينهم، والمعرفة بأحوال إخوانهم وأخبارهم، وقد أثر الإنترنت كثيراً في هذا الجانب، ولذا لا نستغرب إذا وجدنا أنَّ المواقع الإسلامية تشهد إقبالاً كبيراً من قِبَل مستخدمي الإنترنت، فهُم بين قارئ ومشارك برأي، ومستفتٍ عن قضية أو مسألة..([34]) وهكذا.
الرد على الشبهات المثارة ضد الإسلام والمسلمين:
وذلك بكشف تلك الشبهات، ثم دحضها بالأدلة والبراهين القاطعة. وهذا ما تقوم به بعض المواقع المفيدة([35]).
هذه بعض الآثار الإيجابية، حاولت جاهداً تلخيصها فيما ذكرت.
ثالثاً: كيفية حماية هذه المصلحة الضرورية:
إنَّ حماية هذه المصلحة الضرورية ـ التي تأتي في مقدمة
المصالح ـ لمستخدمي الإنترنت تكون بالآتي:
تقوية الوازع الديني لدى الناس:
ويكون ذلك ببث المواد الدينية والتربوية، بصورة مكثفة عبر أجهزة الإعلام ومؤسسات التربية. وينتظر أنْ يؤدي ذلك إلى تكوين ثقافة قوية تشكل واقياً مناسباً من الانحرافات في الفكر والسلوك.
تنبيه الأُسَر إلى القيام بدورها في توعية وتربية أبنائها دينياً،
مع أهمية وجود القدوة الحسنة لهم من الكبار. ثم التوعية بالإنترنت ما له وما عليه، والتحفيز على الاتجاه نحو النافع المفيد من المواقع واجتناب الضار منها، على أنْ تكون هناك رقابة حكيمة من أولياء الأمور، تتابع تصرفات الأبناء وسلوكياتهم وتمضية أوقات فراغهم، وأصحابهم. مع أهمية تحديد برامج أو مواقع تحوز على الاهتمام المشترك بين الآباء والأبناء ليشتركوا في الدخول إليها، ويمكن أنْ تشكِّل لديهم ثقافة مشتركة مهمة تحول دون الدخول إلى مواقع أخرى([36]).
قيام المفكرين والعلماء
ـ بالتعاون مع أصحاب المال من
الأخيار ـ بإنشاء مواقع إسلامية متكاملة في شتى مجالات الحياة والمعرفة الإنسانية، تستفيد من كل التجارب السابقة، وتكون لها هيئات استشارية من أهل العلم، والتجربة، والدعوة([37]).
التعريف بالمواقع الإسلامية
التي يمكن أنْ تساعد في تحصين الناس ضد الشبهات المثارة على الدِّين. وكذلك المواقع الأخرى المفيدة في الثقافة العامة.
النظر في إمكانية وضع ميثاق شرف يوقِّع عليه كل أصحاب المواقع المهتمة بشأن الأديان والثقافات والأفكار المتداولة، يتضمن احترام الآخر وعدم الإساءة.
النظر في إمكانية وضع قوانين صارمة تنظم شأن المواقع، والدخول إليها والآثار المترتبة على الدِّين سلباً.
المبحث الثالث
آثار الإنترنت على النَّفْس
لقد خلق الله تبارك وتعالى النَّفس، وهو وحده سبحانه الذي يشرع للناس ما يكون به تعاملهم تجاه تلك النَّفس من حيث الإحياء أو الإزهاق: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )([38]). (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ )([39]). ومن هنا تأتي أهمية المحافظة على النَّفس.
أولاً: المراد بالنّفس وحفظها:
"المراد بها النَّفس الإنسانية، وهي ذات الإنسان، وهي مقصودة بذاتها في الإيجاد والتكوين، وفي الحفظ والرعاية.
وشرع الإسلام لإيجادها وتكوينها: الزواج، للتوالد والتناسل، ولضمان البقاء الإنساني، وتأمين الوجود البشري من أْطهر الطرق وأحسن الوسائل، ولاستمرار النوع الإنساني السليم على أكمل وجهٍ وأفضله وأحسنه، ثم حرَّم الزنا، وبقية أنواع الأنكحة الفاسدة الباطلة التي كانت في الجاهلية وتسود في الظلام، ومنع المومسات والخوادن، واستئجار الرجل لنسله، وتعدُّد الرجال.
وشرع الإسلام لحفظ النَّفس وحمايتها وعدم الاعتداء عليها، وجوب تناول الطعام، والشراب، واللباس، والمسكن، وأوجب القصاص والدِّية والكفارة، وحرَّم الإجهاض، والوأد… وحرَّم الإسلام الانتحار، لأنه اعتداء على النَّفس الإنسانية… وطلب الإسلام البُعد عن كل ما فيه هلاك محقَّق للجسم، أو خطر محدق أو ضرر منتظر، وحرَّم كل ما يضر بالجسم، أو يوهنه أو يضعفه، واتخذ جميع الوسائل لحفظ الحياة، وبذل الطاقة في صيانتها وسلامتها، والعناية بكمال الصفات وكمال البدن، وحرَّم لحم الخنزير والميتة والدم، لضررها بالجسم وفساد تركيبها، وحذَّر من الأمراض، وخاصة الأمراض المعدية، وشرع التداوي … وطلب الاعتدال في الطعام والإنفاق والشراب، وغيرها من الطيبات، وأنكر الامتناع عن الطعام زهداً وتقشفاً"([40]).
ثانياً: آثار الإنترنت على النفوس:(40/5)
التهديد بالقتل:
وذلك كثير، وهو يؤثر في زعزعة النُّفوس واضطرابها. ويحدث في أرقى المجتمعات، حيث أدانت إحدى المحاكم الفرنسية أحد الجناة، لأنه بعث برسالة تهديد بالقتل عن طريق البريد الإلكتروني إلى أحد رجال السياسة([41]).
القتل:
فمثلاً وقعت جريمة من رجلٍ كانت زوجته موضوعة تحت جهاز الـ Monitoring، ودخل عن طريق شبكة الإنترنت إلى شبكة المعلومات الخاصة بالمستشفى، وقام بتغيير المعلومات الطبية لزوجته المريضة، وغيَّر الجرعات الخاصة بها، وقامت الممرضة بتنفيذ التعليمات الخاصة بالأدوية ـ دون علمٍ بما حدث ـ الأمر الذي تسبَّب في قتل المريضة([42]).
تبسيط وتهوين عملية إزهاق النُّفوس، وتنبيه الناس إلى كيفية القتل وتفادي يد القانون.
وكذلك تشجيع الانتحار لا سيما بوساطة بعض الجماعات المنحرفة ذات العقائد الضالة.
ثالثاً: حماية المستخدمين من آثار الإنترنت على نفوسهم([43]):
مع تسليمنا بأنَّ أنجع الوسائل للحيلولة دون وقوع ما يمس النَّفس الإنسانية في وجودها هو تطبيق العقوبات الشرعية الرادعة: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )([44])؛ إلاَّ أنَّ ذلك لا يمنع من اتخاذ كل التدابير الممكنة لوقاية النفوس من القتل، ونقصد هنا نفوس أولئك الذين يستخدمون الإنترنت أو يكونون على علاقة به بوجه من الوجوه. ومن ذلك مثلاً: عدم إعطاء معلومات عن مكان السكن أو عن الساكنين، وعدم الرد على أيّ رسائل إلكترونية مجهولة المصدر، وتوجيه أفراد الأسرة ـ ولا سيما الأطفال ـ إلى عدم إخفاء أي معلومة أو رسالة غريبة تسلموها، وعدم مقابلة أشخاص تَمَّ التعرُّف عليهم عن طريق الإنترنت. وكذلك التحذير من بعض المواقع التي تشجِّع على صنع بعض الأشياء الخطرة، مثل ما يظهر على بعض المواقع من توضيح لكيفية صنع القنابل.
كما لا بُدَّ من السعي لإيجاد السبل الكفيلة بحماية المواقع من الذين يتسللون إليها ويقومون بأعمال ضارة قد تتسبب في إزهاق الأرواح. وهؤلاء يعرفون بـ (قراصنة الإنترنت).
المبحث الرابع
آثار الإنترنت على العقل
العقل تلك الجوهرة العظيمة ـ التي أنعم الله تعالى بها على بني آدم وميَّزهم بها عن سائر الكائنات الأرضية ـ أمر سبحانه بالمحافظة عليه، حيث إنّه يتم التمييز به بين الخير والشر، والضار والنافع، والحلال والحرام، ومن ثَمَّ لا يكون التكليف إلاَّ للعقلاء، ولا يحسُن بأولئك العقلاء أنْ يفرِّطوا في عقولهم حساً بالإضرار بها، أو معنىً بتعطيلها عن مهامها وعدم استخدامها لفهم الأمور وإدراكها، إذ ينحطون بذلك إلى مستوى الدواب: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ )([45]). ومن هنا يأتي اهتمامنا بكل ما يؤثر على العقل.
أولاً: المراد بحفظ العقل:
والمحافظة على العقل هي المحافظة عليه من أنْ تناله آفة تجعل صاحبه عبئاً على المجتمع، ومصدر شر وأذىً فيه، وأنّها تثمر ثمراتٍ كثيرة منها:
[1] أنْ يكون كل عضوٍ من أعضاء المجتمع سليماً يمدُّه بعناصر الخير، فإنَّ كلَّ إنسان يعيش في المجتمع هو جزءٌ من بنائه، ويغذيه بكل عناصر القوة، فعقل كل إنسان ليس ملكاً خاصاًُ له، فإذا حصل خلل كانت ثغرة يتخلل منها الفساد، وتذهب بها قواه، فكان من حق المجتمع الفاضل أنْ يعمل على سلامة العقول التي هي أساس الإنتاج.
[2] أنَّ مَن يفسُد عقلُه يكون شراً على الجماعة، فوق أنه يكون عبئاً عليها تغذيه وتطعمه، فكان من حق الشرع الإسلامي الحفاظ على العقول، دفعاً للآثام ومنعاً من الشرور.
والوقاية تكون باتخاذ أسباب الحماية للعقول، وإنَّ الشرائع تعمل على الوقاية، كما تعمل على العلاج. من أجل ذلك عاقبت الشريعة الإسلامية شارب الخمر، وعاقبت القوانين الحاضرة ـ مع الشريعة ـ من يتناول الحشيش، فكلاهما شر وبيل على الأخلاق، ونقص للقوى العاملة.
[3] والإسلام كان منطقياً لأنه عاقب على النوعين؛ لأن كليهما يشترك في علة الحكم، وهو إضعاف العقول([46]).
ثانياً: آثار الإنترنت على العقل:
العقل يتأثر بما يشاهد أو يسمع أو يقرأ. والإنترنت فيه كل تلك الأمور الثلاثة. وقد أثبت الواقع أنَّ عقول مستخدمي الإنترنت تتأثر بالآتي:
تدمير عقول بعض المستخدمين:
عن طريق المخدرات التي يتم الترويج لها عن طريق الإنترنت، حيث يتم "تحديد طريقة تسليم المادة المخدِّرة وطريقة دفع المبلغ، وغالباً ما يكون الدفع عن طريق بطاقات الائتمان، وغالباً ما تكون المواد المخدِّرة من المواد المخلّقة التي يتم لصقها على الجبهة أو على المعصم، ويعمل مفعولها عن طريق امتصاص الجلد لها، وغالباً ما تُرسَل هذه المواد عن طريق البريد السريع الدولي"([47]).
إلهاء العقول وإشغالها بكثرة التقليب في مواقع الإنترنت غير المفيدة:(40/6)
مما يؤدي إلى ظهور ما يشبه التبلّد واللا مبالاة عند بعض المستخدمين، ولا سيما أولئك الذين يركِّزون على مشاهدة الأفلام، مما لا يدفع العقل إلى التفكير ومن ثم يؤدي إلى خموله([48]).
الاعتداء على الإنتاج الذهني أو الفكري للآخرين:
وهو ما يُعرف ببراءات الاختراع، وحقوق المؤلفين، والملكية الفكرية. ويكون الاعتداء بالآتي:
• نشر مصنَّف بطريقةٍ غير التي عيَّنها مؤلفه لنشره.
• استغلال المصنَّف مالياً بدون وجه حق.
• إدخال تعديل أو تحوير على مصنفٍ ليس هو مؤلفه أو ترجمته إلى لغةٍ أخرى بدون إذن المؤلف.
• إدخال مصنَّفٍ منشور في الخارج إلى داخل البلد بقصد استغلاله بدون إذن المؤلف.
• تقليد مصنَّف واستغلاله.
وينطبق ذلك كله على برامج الحاسوب والإنترنت([49]).
ثالثاً: حماية عقول مستخدمي الإنترنت من آثاره السلبية:
لا يمكن أنْ يتم توفير الحماية إلاَّ بعد دراسة كافة الآثار المترتبة على استخدام الإنترنت على عقول المستخدمين، وكذلك معرفة الدوافع التي لدى كثير من المستخدمين للإقبال على الدخول إلى بعض المواقع والتأثُّر بها. ومن هنا فإننا نرى أنَّ توفير البديل المناسب من المواقع التي تبني العقول وتنشطها هو خطوة مهمة من خطوات الحماية.
وكذلك توفير الحصانة لهذه العقول عن طريق توجيهها لما يصلحها وفق المنهج الرباني الذي أمر بتقليب النظر والفكر في آيات الله تعالى المنظورة في هذا الكون، وفي آياته المسطورة في القرآن الكريم. كما لا بُدَّ من تكثيف التربية الإيمانية والتوعية بمخاطر الإنترنت على العقل إنْ لم تكن هناك ضوابط وموجهات للمستخدمين.
وكل ذلك يحتاج إلى برامج متكاملة، تتضافر لتحقيق تلك الحماية في ظل أنظمة وقوانين يتوافق عليها العقلاء، والمفكِّرون، وأهل القرار.
المبحث الخامس
آثار الإنترنت على النَّسل
"قامت بعض الشركات بدراسة عدد زُوَّار صفحات الدَّعارة والإباحية في الإنترنت، فوجدت إحدى الشركات أنَّ بعض هذه الصفحات يزورها عشرون ألف زائر يومياً، وأكثر من مائتي صفحة مشابهة تستقبل 1400 زائر يومياً؛ ولذلك صرَّحت وزارة العدل الأمريكية قائلة: لم يسبق في فترة من تاريخ وسائل الإعلام في أمريكا أنْ تفَشَّى مثل هذا العدد الهائل من مواد الدَّعارة، أمام هذه الكثرة من الأطفال، في هذه الكثرة من البيوت. كما تفيد الإحصائيات بأنَّ 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات وصور الدعارة لا يدري أولياء أمورهم بطبيعة ما يتصفحونه على الإنترنت. علماً بأنَّ الدراسات تفيد أنَّ أكثر مستخدمي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين 12 – 17 سنة"([50]).
أولاً: المراد بحفظ النَّسل:
"وهي المحافظة على النوع الإنساني، بحيث يكون كل مولود يتربى بين أبوين، ويكون له كاليء يحميه، وإنَّ ذلك اقتضى تنظيم الزواج واقتضى منع الاعتداء على الحياة الزوجية، واقتضى منع العلاقات غير الشرعية أيَّاً كان نوعها، وعلى أيِّ صفةٍ كانت، بل اقتضى منع قذف البريئات والبرآء بالزنا، فإنَّ كُلَ هذا اعتداء على الأمانة الإنسانية التي أودعها الله تعالى جسم المرأة والرجل ليكون منها التناسل والتوالد الذي يمنع فناء الجنس البشري ويجعله يعيش عيشةً هنيئة سهلة، فيكثر النَّسل ويقوى، ولا يكون ذلك إلاَّ بالعلاقة الشرعية وحدها، ولا تكون إذا كان الذي يسود هو العلاقة غير الشرعية، فإنَّ الإنسان يكون كالحيوان المتأبّد الذي يعيش في الفيافي والقفار. من أجل ذلك كانت عقوبة الزنا، وعقوبة القذف، وغيرهما من العقوبات التي وضعت لجرائم فيها اعتداء على النَّسل، بأي طريق من طرق الاعتداء قريبة أو بعيدة"([51]).
ويجدر بالذكر هنا أنَّ بعض العلماء يطلقون على حفظ النَّسل: حفظ النَّسب، كالآمدي، والرازي، والقرافي، والسبكي([52]). وعدّوه من الضروريات، بحسبان أنه يترتب على فوات حفظه عواقب سيئة يضطرب لها نظام الأُمَّة ، وتنخرم بها دعامة العائلة([53]).
"والحق أنَّ حفظ النَّسب هو من وسائل حفظ النَّسل وصيانته، إذ إنَّ المحافظة على مقصد النَّسل يقتضي لزوماً المحافظة على النَّسب، إذ لا تتصور المحافظة على النَّسل بإهدار الأنساب أو اختلاطها، وأيَّاً كانت التسمية فالعبرة للمعاني، وهي متفقة .."([54]).
والبعض يعبِّر بـ (حفظ العِرض)، وبعض المعاصرين يرى إضافة (حفظ العرض)، إلى الضروريات مؤيِّداً في ذلك بعض العلماء من السابقين([55]).
ولكن يبدو أنَّ حفظ العرض "راجع إلى حفظ النَّسل، إذ إنَّ من وسائل حفظ النَّسل صيانة أعراض الناس، والذود عنها، ودفع أي مفسدة يمكن أن تصيبها"([56])، إذاً ينضوي (حفظ العرض) تحت (حفظ النَّسل).
ثانياً: آثار الإنترنت على النَّسل([57]):
وتتمثل تلك الآثار في الآتي:
الترويج والتحريض لممارسة الفاحشة
• مع الكبار أو الصغار، ويتم ذلك عن طريق نشر الصور الفاضحة والأفلام.
وأدى ذلك ويؤدي إلى انتشار الفساد الأخلاقي والشذوذ الجنسي، بما يؤدي بدوره إلى انتشار الأمراض الفتاكة والتحلل.(40/7)
الاستغلال الجنسي للأطفال
• عن طريق نشر الصور الجنسية لهم عبر الإنترنت. بما استدعى عقد مؤتمر دولي عام 1999م بباريس، ومؤتمر آخر في نفس العام لمكافحة هذا الاستغلال بتوعية الناس وتحريم هذه الممارسات.
الترويج لبعض الممارسات الشاذة
• تجاه الكائن البشري بما يؤدي إلى التلاعب بتكوينه وخلقته التي خلقه الله تعالى عليها، وإلى اختلاط الأنساب وتشويه الإنسان… وذلك عبر ما يُعْرَف بالاستنساخ وغيره.
ثالثاً: كيفية حماية النَّسل من آثار الإنترنت([58]):
ويتم ذلك بالآتي:
بث الوعي بين كافة قطاعات المجتمع
• بآثار الاستخدام غير المشروع للإنترنت في نشر الفاحشة والتحريض على الفساد.
تكثيف التربية الإيمانية
• التي تعصم أصحابها عن الإقدام على مثل هذه الأفعال، أو التجاوب معها والتأثر بها.
تجريم كافة صور المعاملات التي تجري على الصور الجنسية
• عبر الإنترنت، سواء عن طريق إنتاجها، أو توزيعها، أو استيرادها، أو حيازتها، أو تخزينها، داخل جهاز الحاسوب، أو التعامل فيها بأي طريقة من الطرق.
إيجاد صور وأساليب مناسبة للرقابة
• بدايةً من الدولة ومؤسساتها، وانتهاء بالأُسر والأفراد بما يمنع أو على الأقل يُحد من الاعتداء على النسل من خلال شبكات المعلومات.
المبحث السادس
آثار الإنترنت على المال
المال ـ كما يقولون ـ عصب الحياة، بل هو في المنظور القرآن إحدى زينتيْ الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )([59])، ومن ثَمَّ أُبيح التعامل في كل ما من شأنه تنمية المال للاستفادة منه، ولكن بالوسائل المشروعة: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ )([60]). وَنُهِيَ عن وضع المال في أيدي من لا يُحسن رعايته: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً )([61]).
كل تلك التوجيهات ـ وغيرها كثير ـ فيها إشعار بأهمية المال وقيمته، والتنبيه لكل ما يمكن أنْ يكون مؤثراً فيه بالإيجاب أو السلب.
أولاً: المراد بحفظ المال([62]):
شرع الإسلام لإيجاد المال وتحصيله؛ السعي في مناكب الأرض والكسب المشروع وإحياء الموات، والاصطياد في البر والبحر، واستخراج كنوز الأرض، وشرع الإسلام في سبيل الانتفاع بالمال المعاملات الشرعية التي تكفل الحصول عليه وتوفيره للمسلم، والتبادل به، كالبيوع، والهبة، والشركات، والإجارة، وسائر العقود المالية.
وشرع الإسلام لحفظه وحمايته ومنع الاعتداء عليه أحكاماً كثيرة، فحرَّم السرقة، وأقام الحد على السارق، وحرَّم قطع الطريق، وسمّى فاعليه بالمحاربين لله، وأقام لهم حدَّا متميِّزاً، وهو حد المحاربين و قُطَّاع الطريق، وأجاز تقويم الأموال، وحرّم أكل أموال الناس بالباطل، واعتبر العقد عليها باطلاً، ومنع إتلاف أموال الآخرين، وشرع الضمان والتعويض على المتلِف والمعتدي.
كل تلك الأحكام تدلُّ على عناية الإسلام بحفظ المال، وهي أحكام تؤدي ـ إنْ تَمَّ الالتزام بها ـ إلى المنع من وقوع الضرر بأموال الناس، إذ إنَّ العقوبة الرادعة تؤدي إلى الحد من وقوع الجريمة وانتشارها. ولذا فإنَّ منهج الإسلام هنا لا يقتصر على التجريم والمعاقبة فقط، بل يتخذ من ذلك أسلوباً تربوياً، بالإضافة إلى تربية الأفراد على معرفة قيمة المال بحسبانه نعمة من الله تعالى لا ينبغي إهدارها بلا ضوابط، أو التساهل في حفظها، ولا يسوغ للإنسان أنْ يتلِف ماله الذي يملكه أو يسرف في صرفه وإنفاقه بحُجَّة أنَّه حقّه، قال تعالى: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )([63]).
ثانياً: آثار الإنترنت على المال([64]):
أصبح للإنترنت آثار واضحة على المال، وذلك من خلال التعامل التجاري بيعاً وشراءً، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت، ويتم ذلك بأنْ يتخذ فردٌ أو مؤسسة موقعاً على الشبكة العالمية World Wide Web للإعلان عن السلع التي يقوم بإنتاجها، وذلك لتسويقها ولإبرام العقود مع المستهلكين.. ثم تسلُّم البضاعة بوساطة المستهلك إمَّا بالطرق الإلكترونية عن طريق الإنترنت، إذا كانت من البرامج، أو الصور، أو الصحف الإلكترونية، أو الخدمات، كالاستشارات القانونية أو الطبية، أو يتم تسلُّمها فيما بعد إذا كانت ذات طبيعة مادية.
وعادةً ما يتم تبادل ـ من خلال موقع الإنترنت Web Site والصفحة Web page التي تمثله ـ بيانات تتعلق بمنتج أو موزِّع السلعة والعميل، وهي عادةً البيانات الخاصة باسمه، وعنوانه، ورقم بطاقة الائتمان المستخدمة في السداد، وطريقة تسليم السلعة أو الخدمة، لإتمام إجراءات التعاقد.
وصار في إمكان الناس الآن شراء وبيع أيّ منقول أو عقار أو تلقٍّ أو تقديم خدمة عن طريق الإنترنت دون أنْ يتطلب ذلك وجود أطراف العقد مادياً في ذات المكان أو الدولة أو وجود محل العقد في ذات مكان أحد المتعاقدين، أو أنْ تكون طريقة سداد ثمن المبيع نقداً أو بذات مكان وجود أطراف العقد.(40/8)
إلاَّ أنَّ هناك آثاراً سالبة على أموال المستخدمين، يمكن تلخيصها في:
الاعتداء على بيانات المستهلك الخاصة،
• والتي ترتبط بحياته الخاصة أو التي تتعلق بتعاملاته المصرفية وأرقام بطاقة الائتمان.
الاعتداء بالنصب والسرقة أو خيانة الأمانة أو الغش عن طريق التجارة الإلكترونية
للحصول على البضائع والسلع والخدمات،
• حيث يقوم الجاني بتحويل كل أو جزء من أرصدة الغير
ـ مثلاً ـ أو فوائدها إلى حسابه الخاص، ويتم ذلك عن طريق إدخال بياناتٍ غير صحيحة ومغلوطة إلى جهاز الكمبيوتر.
إتلاف البرامج والمعلومات المعالجة آلياً
إمَّا بمحوها نهائياً أو تدميرها،
• أو بتشويه أو إعاقة تدفقها بحيث تقل كفاءتها، ويكون باستخدام أسلوب القنبلة المنطقية أو إدخال فيروس للبرنامج، أو سكب أحماض أو مواد كيميائية أو ملتهبة على الجهاز تؤدي إلى إتلاف البرامج والمعلومات.
التشجيع على السرقة، والنصب، والاحتيال، والغش
• ، ببيان أساليبها والترويج لذلك.
ثالثاً: حماية المال من آثار الإنترنت السالبة([65]):
قامت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بوضع مشروع لقانونٍ موحَّد للتجارة الإلكترونية، كما قام الاتحاد الأوربي بوضع مشروع مشابه، وصدرت مجموعة من التوصيات عن البرلمان والمجلس الأوربي. كما صدرت عِدَّة قوانين للتجارة الإلكترونية في دولٍ مختلفة، حيث صدر قانون التجارة الإلكترونية بسنغافورة في عام
1998م، وصدر عام 2001م قانون التجارة الإلكترونية في جمهورية أيرلندا، وتمت الموافقة مؤخراً في دوقية لوكسمبورج على قانون التجارة الإلكترونية. وفي مصر تَمَّ تشكيل لجنة للتجارة الإلكترونية، وقد تَمَّ إعداد مشروع أوّلي عُرض على الجهات المعنية لإبداء الرأي فيه.
ونرى أنَّ الحماية المرجو تحقيقها تنطلق من كون تلك الأساليب المذكورة في (ثانياً) في التعامل مع المال من خلال الإنترنت تُشكِّل اعتداءات على إحدى الضروريات الخمس الواجب رعايتها، وهي اعتداءات ظهرت بصور وأشكال جديدة متطورة، تستدعي صياغة تشريعات وقوانين تنص على تجريم أعمال محددة مثل:
• صنع أو حيازة أو الحصول على نظام أو برنامج لإعداد إليكتروني دون موافقة صاحب الشأن.
• تزوير أو تقليد محرَّر أو توقيع إلكتروني أو شهادة اعتماد توقيع إلكتروني . أو استعمال محرَّر أو توقيع إلكتروني… مع العلم بعدم صحته.
• استخدام نظام أو برنامج للحيلولة دون إتمام المعاملات التجارية بالوسائل الإلكترونية، وذلك بالتعديل فيها أو محو بياناتها أو إفسادها أو تدميرها أو بتعطيل أنظمتها.
فالمخالفات المذكورة هي أهم صور للاعتداء على المال من خلال الإنترنت، وهي أصناف من الغش أو السرقة أو الغصب أو الإفساد. وكلها منهي عنها في الشريعة الإسلامية، ولها عقوبات حدية أو تعزيرية ومن ثَمَّ فإنَّ التعامل معها يكون بفقه السياسة الشرعية الذي يقوم على قواعد مثل: "تصرُّف الإمام على الرعيّة منوط بالمصلحة"([66])، والمقصود بذلك أنَّ تصُّرف الإمام وكل مَن وَلِيَ شيئاً من أمور الناس يجب أنْ يكون مبنياً ومعلَّقاً ومقصوداً به المصلحة العامة، أي ما فيه نفعٌ لعموم مَنْ تحت يده ، وما لم يكن كذلك لم يكن صحيحاً ولا نافذاً شرعاً… ويكون ذلك بمراعاة خير التدابير لإقامة العدل، وإزالة الظلم، وإحقاق الحق، وصيانة الأخلاق وتطهير المجتمع من الفساد، وتأمين البلاد من كيد المفسدين، وحفظ أموال الأُمَّة وثرواتها لتحقق النفع للناس([67]).
وهناك أيضاً قاعدة: "الضَّرر يُزال"([68]). وقاعدة: "الضرر يُدفع بقدر الإمكان"([69])، وهما تفيدان وجوب إزالة الضرر ورفعه بعد وقوعه، ومن باب أوْلَى دفعه والوقاية منه قبل وقوعه. وأنه يزال بضرر أقل منه، ويدفع بكل الوسائل المشروعة الممكنة([70]).
فإنْ كان الضرر عموماً تحرص الشريعة الإسلامية على إبعاده أو إزالته بشتى السبل؛ فمن باب أوْلَى أنْ تكون عنايتها بالضرر الواقع على ما يؤثر في حياة الناس في أمورهم الضرورية كالأموال.
ولذا فإنَّه يشرع سَنّ القوانين والتشريعات التي تضبط وتنظم التعامل المالي عبر الإنترنت، وتضع العقوبات المناسبة على المخالفات، وكل الترتيبات المتعلقة بالإجراءات الاحترازية، وسد الثغرات، وتتم الاستفادة من كل التجارب السابقة في هذا الإطار، مع مراعاة عدم تعارض شيء منها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
خاتمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
في نهاية هذا البحث ، نتناول ـ بإيجاز ـ أهم النتائج التي توصلنا إليها، ثم التوصيات التي نراها:
[أ] أهم النتائج:
[1] الشريعة الإسلامية ترعى مصالح الناس، وتسعى لإبعاد الضرر عنهم بكل الوسائل المشروعة. وهذا يرتبط بكل ما يستحدث في حياة الناس من تقنية.
[2] الإنترنت له آثار إيجابية وآثار سالبة على الدِّين، والنَّفس، والنَّسل، والعقل، والمال.(40/9)
والمطلوب بيان تلك الآثار للناس، لاستثمار الإيجابي منها وتنميته، وتجنُّب السلبي منها ومعالجته.
[3] للأسرة دور كبير تقوم به في تحقيق الحماية عند استخدام الإنترنت. وكذلك للمؤسسات التعليمية والتربوية.
[4] الأنظمة والقوانين تشكل جانباً كبيراً من جوانب حماية مستخدمي الإنترنت من الآثار السالبة.
[ب] أهم التوصيات:
[1] بث الوعي والعلم بالدِّين لدى كافة قطاعات المجتمع، لأنه يشكل واقياً من كل الآثار التي قد تحدث باستخدام الإنترنت. وهذه توصية موجهة للمؤسسات الدعوية والتربوية.
[2] إيجاد المحضن الأُسري السليم الذي يؤدي إلى وجود الرقابة الحكيمة، والحماية لكل أفراد الأسرة من مخاطر الإنترنت.
وهذا تتولاه المؤسسات الاجتماعية، والأُسر نفسها هي التي تنفذ البرامج المناسبة لتحقيق هذا الغرض.
[3] تفعيل مؤسسات التعليم لتقوم بإدخال البرامج التعليمية المناسبة، وتوعية التلاميذ والطلاب بآثار الإنترنت وتعريفهم بكيفية الاستفادة من النافع منها وتجنب الضار.
[4] سَنّ القوانين الرادعة، التي تطال كل من يتلاعب بعقائد الناس أو حياتهم أو أعراضهم أو أموالهم… إلخ. ثم الحزم في تطبيق العقوبات المنصوص عليها.
.. والله نسأل التوفيق والسداد ..
المصادر والمراجع
أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً:
[1] العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، بيروت، لبنان، دار الجيل، الطبعة الثانية، 1980م.
[2] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مكتبة المعارف.
[3] ابن القيم: أعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، بيروت، لبنان، دار الفكر، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد.
[4] الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، بيروت، دار المعرفة، ضبط وتعليق عبد الله دراز، بدون تاريخ.
[5] العز بن عبد السلام: القواعد الصغرى.
[6] العز بن عبد السلام: القواعد الكبرى.
[7] الغزالي: المستصفى.
[8] محمد أمين الرومي: جرائم الكمبيوتر والإنترنت، الإسكندرية، مصر، دار المطبوعات الجامعية، 2003م.
[9] عبد الوهاب خلاف: علم أصول الفقه.
[10] الزحيلي: الأصول العامة لوحدة الدِّين.
[11] أبو يعلى، محمد بن الحسين الفراء: الأحكام السلطانية، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1983م.
[12] محمد الزحيلي: مقاصد الشريعة أساساً لحقوق الإنسان، قطر، بحث منشور في سلسلة كتاب الأُمَّة، العدد 87، ط/1، محرم 1423هـ.
[13] البوطي، محمد سعيد رمضان: ضوابط المصلحة.
[14] د. جميل عبد الباقي الصغير: الإنترنت والقانون الجنائي، دار الفكر العربي، القاهرة، 2001م.
[15] محمد أبو زهرة: الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي (العقوبة)، نشر دار الفكر العربي، مطبعة المدني، القاهرة.
[16] الرازي: المحصول.
[17] الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام.
[18] القرافي: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
[19] محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، الشركة التونسية للتوزيع، 1987م.
[20] عبد الرحمن الكيلاني: قواعد المقاصد.
[21] د. يوسف القرضاوي: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية.
[22] د. مدحت عبدالحليم رمضان: الحماية الجنائية للتجارة الإلكترونية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2001م.
[23] ابن نجيم: الأشباه والنظائر.
[24] مصطفى الزرقا: المدخل الفقهي العام.
[25] د. إسماعيل محمد حنفي: بحث القواعد الفقهية وتطبيقاتها في مجال العلاقات الدولية،
[26] محمد صدقي البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية.
ثالثاً: المجلات والدوريات:
[27] مجلة دراسات دعوية: يصدرها مركز الدعوة وتنمية المجتمع بجامعة إفريقيا العالمية، السُّودان، العدد الثاني، 1999م.
[28] مجلة الأحكام العدلية.
[29] مجلة البيان: العدد 172، مارس 2002م.
[30] مجلة الجندي المسلم.
[31] مجلة مفتاح الإنترنت: العدد الثالث.
[32] مجلة آفاق الإنترنت: العدد الثاني، السنة الأولى.
[33] إصدارة الإسلام والإنترنت: نشر دار الشبكة العربية.
----------
([1]) عُقد المؤتمر في الفترة من 12ـ14 يوليو 2004م، بالمملكة الأردنية الهاشمية، وشارك فيه الباحث بهذا البحث.
([2]) العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار الجيل، بيروت، لبنان،
ط/2، 1980م.
([3]) ابن تيمية: الفتاوى، مكتبة المعارف، 20/48.
([4]) ابن القيم: أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لبنان، 3/14.
([5]) انظر: الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، ضبط وتعليق عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ، 2/251.
([6]) الغزالي: المستصفى، 1/286، والشاطبي: الموافقات، 2/4.
([7]) الشاطبي: المرجع نفسه، 2/13.
([8]) الشاطبي: المرجع السابق، 2/13.
([9]) الغزالي: المستصفى، 1/287.
([10]) الغزالي: المرجع نفسه، 1/289.(40/10)
([11]) انظر: الشاطبي، الموافقات، 2/6. عبد الوهاب خلاّف: علم أصول الفقه، ص 200.
([12]) الشاطبي: المرجع السابق، 2/13.
([13]) الشاطبي: المرجع نفسه، 2/13.
([14]) الشاطبي: المرجع نفسه، 2/9.
([15]) انظر: الشاطبي، المرجع نفسه، 3/3–4.
([16]) انظر: الشاطبي، المرجع نفسه، 2/186–187.
([17]) العز بن عبد السلام: القواعد الصغرى، ص 32. وانظر: الشاطبي: الموافقات، مرجع سابق، 1/8، 19، 26، 3/88.
([18]) العز بن عبد السلام: القواعد الكبرى، 1/5.
([19]) الغزالي: المستصفى، مرجع سابق، 1/288.
([20]) محمد أمين الرومي: جرائم الكمبيوتر والإنترنت، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2003م، ص 121.
([21]) محمد أمين الرومي: المرجع نفسه، ص 122–123.
([22]) محمد أمين الرومي: المرجع السابق، "بشئ من التصرف"، ص 123–125.
([23]) محمد أمين الرومي: المرجع السابق، ص 125–126.
([24]) انظر: الغزالي، المستصفى، مرجع سابق، 1/286. الشاطبي: الموافقات، مرجع
سابق، 2/4. عبد الوهاب خلاف: علم أصول الفقه، ص 199. الزحيلي: الأصول العامة لوحدة الدِّين، ص 60–61.
([25]) أبو يعلى، محمد بن الحسين الفراء: الأحكام السلطانية، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1983م، ص 27–28.
([26]) سورة آل عمران، الآية (19).
([27]) سورة آل عمران، الآية (85).
([28]) سورة البقرة، الآية (83).
([29]) سورة الإسراء، الآية (15).
([30]) أ. د. محمد الزحيلي: مقاصد الشريعة أساساً لحقوق الإنسان، بحث منشور في سلسلة كتاب الأُمَّة، عدد 87، قطر، ط/1، محرم 1423هـ، ص 84–85.
([31]) سورة البقرة، الآية (193).
([32]) انظر: الغزالي: المستصفى، 1/287. الشاطبي: الموافقات، 2/5. البوطي، محمد سعيد رمضان: ضوابط المصلحة، ص 119.
([33]) من المواقع المفيدة في هذا الجانب: WWW.awsent.net، وموقع: WWW.islamonline.com
([34]) من المواقع المفيدة في هذا الجانب: WWW.almenbar.Com، وموقع: WWW.islamadvice.com
([35]) من المواقع المفيدة في هذا الجانب بالإضافة إلى ما ذكرته سابقاً: WWW.islamway.com
([36]) جاء في مقال لأحد المهتمين: "الطفل المسلم مظلوم على الإنترنت، فلا يكاد يجد في المواقع الإسلامية ركناً يأوي إليه، ويجد فيه ما يشد انتباهه، ويشبع نفسيته، ويراعي عقله … وإنما نشير إلى حقيقة أنَّ هذه المواد جميعاً ليس فيها ما هو مُصاغ خصيصاً للطفل يناسب عقله وتفكيره". انظر: مقال: الطفل المسلم مظلوم، إصدارة: الإسلام والإنترنت، دار الشبكة العربية، ص 26.
([37]) من المواقع التي أنشئت حديثاً في السُّودان موقع: WWW.meshkat.net، وهو موقع يبث خطب ومحاضرات وبحوث وفتاوى للدعاة والعلماء في السُّودان.
([38]) سورة المائدة، الآية (32).
([39]) سورة الإسراء، الآية (33).
([40]) أ. د. محمد الزحيلي: مقاصد الشريعة، مرجع سابق، ص 98–101.
([41]) د. جميل عبد الباقي الصغير: الإنترنت والقانون الجنائي، دار الفكر العربي، القاهرة، 2001م، ص 41.
([42]) المرجع السابق، نفس الصفحة.
([43]) انظر: مقال: "نصائح في التصفُّح الآمن"، منشور في مجلة: (مفتاح الإنترنت)، العدد
الثالث، 14، 16. ومقال: "لا تتكلم مع الغرباء"، منشور في مجلة: (آفاق الإنترنت)، العدد الثاني، السنة الأولى، ص 69.
([44]) سورة البقرة، الآية (179).
([45]) سورة الأنفال، الآية (22).
([46]) محمد أبو زهرة: الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي (العقوبة)، القاهرة، مطبعة المدني، نشر دار الفكر العربي، ص 27.
([47]) محمد أمين الرومي: جرائم الكمبيوتر والإنترنت، مرجع سابق، ص 129.
([48]) انظر: عبد الرحمن بن عبد الله المطرودي: "الإنترنت وتربية الأولاد"، مقال منشور في مجلة البيان، العدد 172، مارس 2002م، ص 40.
([49]) انظر: محمد أمين الرومي، مرجع سابق، ص 76–98.
([50]) مجلة: (الجندي المسلم)، حوار مع د. مشعل القرحي، الأستاذ المساعد في معهد بحوث الحاسب الآلي في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ص 107. نقلاً عن مقال: "الإنترنت وتربية الأولاد" د. عبد الرحمن بن عبد الله المطرودي، مجلة البيان،
عدد 172، ص 40.
([51]) محمد أبو زهرة: المرجع السابق، ص 28.
([52]) انظر: الرازي: المحصول، 5/160. الآمدي: الإحكام، 4/276-277. القرافي: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ص 391.
([53]) محمد الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، الشركة التونسية للتوزيع، 1987م، ص 81.
([54]) عبد الرحمن الكيلاني: قواعد المقاصد، ص 168.
([55]) وهذا ما ذهب إليه د. يوسف القرضاوي مؤيِّداً به ما رآه القرافي. انظر: القرضاوي، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، ص 60.
([56]) د. عبد الرحمن الكيلاني: قواعد المقاصد، مرجع سابق، ص 168.
([57]) انظر: محمد أمين الرومي: جرائم الكمبيوتر والإنترنت، مرجع سابق، ص 130.(40/11)
([58]) محمد أمين الرومي: جرائم الكمبيوتر والإنترنت، مرجع سابق، ص 130-133.
([59]) سورة الكهف، الآية (46).
([60]) سورة البقرة، الآية (188).
([61]) سورة النساء، الآية (5).
([62]) انظر: الشاطبي: الموافقات، مرجع سابق، 2/5. العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام، مرجع سابق، 2/5. عبد الوهاب خلاف: علم أصول الفقه، مرجع سابق، ص 201. أ. د. محمد الزحيلي: مقاصد الشريعة، مرجع سابق، ص 116.
([63]) سورة الأنعام، الآية (141).
([64]) د. مدحت عبدالحليم رمضان: الحماية الجنائية للتجارة الإلكترونية "دراسة مقارنة"، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2001م، ص 3–6. وانظر: محمد أمين الرومي: جرائم الكمبيوتر والإنترنت، مرجع سابق، ص 64، و108.
([65]) د. مدحت عبد الحليم رمضان: الحماية الجنائية للتجارة الإلكترونية، مرجع
سابق، ص 6–7، 157–158.
([66]) راجع: قواعد الزركشي: حرف التاء. السيوطي: الأشباه والنظائر، ص 233. ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص 123. مجلة الأحكام العدلية: مادة 58. مصطفى الزرقا: المدخل الفقهي العام، ص 662.
([67]) انظر: د. إسماعيل محمد حنفي: بحث: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في مجال العلاقات الدولية، منشور في مجلة دراسات دعوية، العدد الثاني، يصدرها: مركز الدعوة وتنمية المجتمع بجامعة إفريقيا العالمية، السُّودان، 1999م، ص 85–86.
([68]) السيوطي: الأشباه والنظائر، ص 173–176. ابن نجيم: الأشباه والنظائر، ص 85. مجلة الأحكام العدلية: مادة 5. مصطفى الزرقا: المدخل الفقهي العام، مرجع سابق، فقرة 588. محمد صدقي البورنو: الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص 81–83.
([69]) مجلة الأحكام العدلية: مادة 31، بشرح الأتاسي. مصطفة الزرقا: المدخل الفقهي العام،
فقرة 587. الزرقا: شرح القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص 207.
([70]) انظر: د. إسماعيل محمد حنفي، بحث: القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص 89، 91، 106.
* عميد كلية الشريعة بجامعة أفريقيا العالمية(40/12)
آثار الافتراق على الأمة الإسلامية
د. عثمان علي حسن*
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين
الافتراق من آثار الاختلاف ونتائجه وليس من لوازمه، أي يمكن للناس أن يختلفوا مع اجتماع الكلمة وحصول الألفة. وقد اختلف خيار الصحابة في كثير من المسائل العلمية والعملية ولم ينحل عقد الأخوة، ولم ينصرم حبل المودة بينهم، فكان الاختلاف توسعة ورحمة وتنوعاً وإثراء.
الافتراق حالة مرضية كانت في الأمم قبلنا، وهو صفة بارزة في اليهود والنصارى، وقد حُذرنا أن نكون مثلهم: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [سورة آل عمران:105]، لكن استفاد متأخروهم من دروس سابقيهم، حتى سعى بابا الفاتيكان ليبرأ اليهود من جريمتهم التاريخية في سفك دم المسيح (على حد زعمهم). هذه العقيدة التي تطاولت عليها القرون، وتعاقبت عليها أجيال النصارى، يراد لها أن لا تكون عائقاً دون الالتقاء والتعاون، ونحن نملك من أسباب الالتقاء والتعاون والتنسيق ما لا يملكه غيرنا، ونواجه من دواعي ذلك ومبرراته وأسبابه ما يحتم اجتماع الكلمة واتحاد الموقف وتراص الصفوف.
تناسوا اختلافاتهم الدينية والمذهبية والعرقية في سبيل الرقي بمجتمعاتهم. فهل نعتبر من تاريخنا أو تاريخهم؟ (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) [سورة الأنفال: 73].
الأصل في الإسلام وأهله الاجتماع لا الافتراق، والتعاون لا التصارع، والتآخي لا التعادي، والاتحاد والترابط لا التشتت والتباعد، هذا ما أمر به الإسلام أهله المنتسبين إليه، المتمسكين به.. فلا يوجد دين ولا مذهب دعا إلى هذه الأمور وعُني بها وحرص عليها كما هو الحال عليه في الإسلام..
فشرع الإسلام من مناهج التوحيد وشعائر التعبد وشرائع التكافل الاجتماعي ما يعين على تحقيقها وتعميقها؛ فهناك التذكير بأن أصل الخلقة واحد، من نفس واحدة، والمعبود واحد، والقبلة واحدة، والمرجعية واحدة، والصراط واحد، والناس خلف إمام واحد في الصلاة وفي السياسة، وهناك كفالة اليتيم، وإغاثة الملهوف، ورعاية الأرملة والمسكين، وهناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح، والتشاور، والتحابب إلى غير ذلك مما يحارب روح العصبية ونوازع الصراع والافتراق.. وهناك النهي عن العصبية باسم الجنس أو النوع أو الوطن أو القبيلة أو اللون، بل كلكم لآدم وآدم من تراب..
ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالنهي عن الاختلاف والافتراق، كما في قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [سورة آل عمران:100 ــ 105].(41/1)
وجاء في سبب نزولها ما أخرجه ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن زيد بن أسلم قال: مرَّ شاس بن قيس ــ وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم ــ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من إلفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الرُّكب، أوس بني قيظى أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه، إن شئتم والله، رددناه الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة ــ والظاهرة الحرة ــ فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ أبعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟ فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، وأنزل الله في ذلك الآيات من سورة آل عمران(1)..
فالآيات ترشد إلى عدة نقاط تتعلق بموضوعنا وهي:
- تقدير الأعداء لمكانة الجماعة والاجتماع، والوحدة والاتحاد، ولهذا يعملون على تقويضها لدى المسلمين، ويسعون في سبيل ذلك سعياً حثيثاً.
- أن من وسائل الأعداء الخبيئة والخبيثة في حرب المسلمين؛ ضرب وحدتهم وتفتيت جماعتهم، وذلك ببعث نوازع الفرقة بينهم؛ من اختلافات دينية أوطائفية أومذهبية أوعرقية أوقومية أوتاريخية أوغيرها.
- أن الفرقة من دعاوى الجاهلية ومن الكفر، فعبَّر عن الترابط بالإيمان، وعن الاختلاف بالكفر، وفي الحديث: التارك لدينه المفارق للجماعة(2).
- الحذر الحذر من تحقيق مقاصد الأعداء في تفريق كلمة المسلمين، فيتم ذلك بأيدٍ مسلمة، كما قالوا في حكمتهم: الشجرة إنما يقطعها أحد أغصانها، فنكون كالذين يُخربون بيوتهم بأيديهم، وينوبون عن أعدائهم في مهمتهم!
- أن الاعتصام والاجتماع منّة من الله تعالى على عباده تتحق بطاعته وطاعة رسوله والاستمساك بحبله المتين، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- النهي عن التشبه بالأمم السابقة في التفرق والاختلاف، وهذا الأمر كثر الحديث عنه في القرآن الكريم.
- اختلاف الأجناس والألوان والأوطان واللغات والطبقات والثقافات ليس بالضرورة عامل تفريق وتنازع بقدر ما هو عامل تعارف وتكامل وتكافل وإثراء، فالله لم ينهنا عن الانتساب لقبائلنا وأوطاننا ونحو ذلك، وإنما نهانا عن التعصب لها، وأن تكون هي معيار الصواب والخطأ، وأساس الولاء والبراء، وأساس ذلك الإيمان والعمل الصالح: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [سورة الحجرات: 13].
- من أبشع أنواع الافتراق، الافتراق بعد معرفة الحق، وهذه علامة الهوى، ودلالة العجب، وشارة البطر: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم. وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غاب بشخصه فهو موجود بهديه وسنته.
- التنازع يُشغل الأمة بنفسها عن مهمتها الرسالية في الدعوة إلى الخير، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير..).
وقال تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) [سورة الأنفال: 46]. هذه الآية تأتي ضمن عوامل النصر الحقيقية: من الثبات وذكر الله وطاعة الله ورسوله وتجنب الشقاق والنزاع والصبر، والحذر من البطر والرياء.
فواضح جدا أن التنازع هو أحد أسباب الهزيمة الرئيسة، كما أن تجنبه من أسباب النصر الرئيسة، ولا يتنازع الناس إلا بسبب تعدد القيادات، وبسبب الهوى، حينما يجعل كل واحد من نفسه قائداً وموجهاً ولا يقبل من غيره ذلك، ثم يركبه الهوى في تحسين ذاته ونفسه، فيرى من نفسه الحق المطلق، أما مجرد اختلاف أوجه النظر في المسألة الواحدة فليس من أسباب التنازع، لو تجرد صاحب النظر عن الهوى والإعجاب بالنفس.(41/2)
فإذا وقع التنازع بسبب الهوى والعُجب تغيرت النفوس، وخُدش صفاء الأخوة، فكان الانتصار للنفس لا للحق والصواب، وللذات لا للجماعة والأمة، فتذهب القوى بتشتيتها، وتضعف بتمزيقها، فلو وقعت الهزيمة لم يكن أمراً عجباً (قل هو من عند أنفسكم) [سورة آل عمران: 165]. بل العجب أن يكون النصر مع وجود هذا التنازع، أو غيره من عوامل الهزيمة. ولنا في غزوة أحد عبر وعبر..
الأصل في العلاقة بين أهل الإيمان رابطة الأخوة (إنما المؤمنون إخوة) [سورة الحجرات: 10]. ويُوالى المؤمن ويُعادى، ويُحب ويُبغض على قدر ما فيه من الإيمان والطاعة وضدهما.. فإن حدث ما يعكر صفاء هذا التآخي وجب الإسراع إلى إصلاحه ولو بقتال من بغى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) [سورة الحجرات: 9ــ10]، إلى هذه الدرجة يكون الحرص على تماسك الصف الإسلامي، وفي الحديث: ((من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا ما كان))(3). وفي آخر: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)).
ومنع الإسلام من كل ما من شأنه يؤدي إلى التفرق والتنازع من الشحناء والبغضاء، والتنابز بالألقاب والسخرية واللمز، والغيبة والنميمة، وسوء الظن والتجسس والتحسس، والتدابر، وغير ذلك من المعاني المذمومة والأخلاق المرذولة(4).
وحذر القرآن الكريم من الفرقة، وجعلها من العقوبات القدرية لمن خالف أمر الله، قال تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) [سورة الأنعام: 65].
وفي السنة: حديث ابن عمر قال: ((خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس، إني قمت فيكم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة))(5).
وحديث أبي الدرداء: ((ألا أخبركم بخير من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة)). قال الترمذي: ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين))(6).
ومن الحكم الموروثة قصة الأب الذي بيَّن لأبنائه أهمية اتحادهم وخطورة تفرقهم، حيث لم يستطيعوا تكسير العصي مجتمعة، فأنشأ يقول:
إن أعداء الإسلام يعرفون ــ وبدقة ــ مكامن الخطر في أمة الإسلام، ومن ذلك وحدتهم واجتماع كلمتهم، وتصافي قلوبهم، فيعملون على بذر الخلاف بين الأمة، لإضعاف الكلمة وتشتيت الجهود، وكسر الشوكة، وإيهان العزيمة. هذا شأنهم وهو ما يُتوقع منهم، وينسجم مع أهدافهم من العلو في الأرض والاستكبار فيها بغير الحق. لكن شأننا أن لا نعطيهم الفرصة، وأن نسد أمامهم الأبواب، ونردم دونهم الثغرات التي يتسللون من خلالها، فكيف إذا تحول الشأن إهمالاً وعدم مبالاة؟ بل الأدهي أن يمارس فعلَ الأعداء أبناء الجلدة واللسان والدين، فينوبونهم في أداء المهمة، ويحملون عنهم عبء المسئولية، فيبوؤون بالإثم، ويكتشحون بالعار.
آثار الافتراق
(1) الفشل وذهاب القوة: شمولية الفشل لمناحي الحياة، وهذا يعني موت الأمة بأسرها، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بذهاب الريح، حتى تعود الأمة أعداداً بلا عدة، وأرقاماً بلا معنى، أي الحالة الغثائية التي لا تحافظ على موجود ولا تلوي على مطلوب، فتتداعى الأكلة إلى قصعة الأمة، فيطمع فيها كل قوي وضعيف، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
لقد عرف الخوارج عبر التاريخ بقوة العزيمة وشدة البطش، وعظيم الإخلاص لأفكارهم والتفاني لها، لكن مع ذلك كان يكثر بينهم الخلاف والنزاع لأتفه الأسباب، وكان هذا من عوامل هزائمهم المتكررة، وقد فطن لذلك المهلب بن أبي صفرة ــ الذي كان ترساً للمسلمين منهم ــ فكان يبعث إليهم من يبث الخلاف بينهم لتفريقهم وإضعافهم، فيُكفى مؤنة حربهم وقتالهم(7).
(2) زعزعة الثقة بالعلماء والحكام والأمة، بل بالإسلام ومناهج العاملين والداعين إليه، فقد جرت عادة الناس في الربط بين الداعي ودعوته نجاحاً وفشلاً. ومن ثم إتاحة الفرصة لظهور تيارات من التشكيك والدعوة للانسلاخ من الدين على نحو ما ظهر في أوربا المسيحية في مقدمات عصر النهضة، فانظر كم يجني أهل التنازع على الأمة ودينها ورسالتها!(41/3)
(3) إتاحة الفرص لاحتواء بعض الرموز أو بعض الجماعات أو بعض الدول من قِبل أعداء الأمة والانفراد بها؛ إغراء وإغواء، على نحو ما حدث في محنة كعب بن مالك وقد هجره المسلمون فيمن هجروا من المتخلفين عن تبوك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله فيه وفي صاحبيه، فكتب إليه ــ وهو في هذه الحال العصيبة، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه ــ ملك غسان: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال كعب: فقلت حين قرأتها، وهذه أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها(8).. إنها فتنة وبلاء وابتلاء لا يقوى عليه إلا الموفقون، ومن كان في ثبات كعب بن مالك وإيمانه، وقليل ماهم. ومن هنا يبرز مغزى قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد(9).
(4) انتزاع البركة من الأفراد والجماعة ومن الأمة بأسرها، وتركها لنفسها، تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار))(10).
(5) من آثار الافتراق: التخاذل المتبادل بين أفراد الأمة وجماعاتها ودولها وحكوماتها، وأن يُسلم بعضهم بعضاً إلى الأعداء والفتن، بل والتحرش بهم، وتهييج الأعداء عليهم؛ نكاية ووشاية وشماتة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسلمه..)).
(6) الافتراق والتعادي يؤكد ما يقوله المستشرقون أن العالم الإسلامي لم ينعم بالهدوء إلا صدراً من جيل الخلافة الراشدة، وبعدها تعرضت دولة الإسلام إلى النزاعات والصراعات الداخلية التي لم تنقطع، وربما ربطوا ذلك ــ ظلماً وزوراً ــ بطبيعة الدين نفسه، وقد اشتهرت صراعاتنا السياسية على كافة المنابر وعلى الملأ حتى شاعت مقولة: اتفق العرب على أن لا يتفقوا، والعرب رحى الإسلام ومصدر قوته..
(7) الافتراق والتعادي يحرم الأمة من محاسن الاختلاف، وهو ما يعبر عنه باختلاف التنوع، وهو ثروة علمية ضخمة تميز بها التراث الفقهي الإسلامي، تدل على قوة إبداع، وعمق تفكير، وتوفر مساحة واسعة ومتنوعة من الآراء والاجتهادات تستفيد منها الأمة في مواجهة مستجدات الحياة المعاصرة، وتنوعها، وتفاوتها من بلد إلى بلد، ومن بيئة إلى بيئة، ولقد اشتهر عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوله: "ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لكان الناس في شدة، فلما اختلفوا كان الناس في سعة"(11).
(8) التنازع والتفرق يصيب البعض بالإحباط والتثبيط فينزوي بعيدا، وينكفئ على نفسه مؤثراً السلامة كما تزيِّن له نفسه، فتُحرم الأمة من خيره وجهده وإضافاته، وربما كان أسوة سيئة، ونموذجاً سلبياً لغيره، فيقوى تيار الانعزال والانزواء، فتجمد حركة الأمة، ويضعف رصيدها في مجال الإبداع والتقدم.
(9) لولا التنازع والتمزق لما تسنى لأحد أن يملي على الأمة ويفرض عليها خيارات تخالف دينها ومصالحها ومستقبلها، لكن ما حيلة الضعيف إلا أن يخضع لإرادة الأقوياء، ومن خلال ذلك مررت ما يسمى بمشاريع التسوية الظالمة والهاضمة للحقوق في فلسطين والبوسنة والعراق والسودان وغيرها، فتقدم التنازلات، وتنتزع الاعترافات، بل وأحياناً تقدم المبادرات والتبرعات لاسترضاء العدو الغاشم، أو للحصول على صك البراءة من تهمة الإرهاب ونحوه، ولسان الحال يقول:
(10) التنازع والتفرق يُشغل الأمة عن همومها العظام، وتحدياتها الجسام، وتستمرئ الأمة حرباً طاحنة فيما بينها، حتى يأكل بعضها بعضاً، ويلعن بعضها بعضاً، كان الأولى أن توجه هذه الجهود والطاقات نحو البناء والتنمية ومواجهة الأعداء الذين يدورون حول الأسوار ويلوذون بالأبواب؛ يتحينون الفرص، ويرقبون الصيد، عسى أن يفوزوا منه بغفلة..
فمن الخيانة للأمة أن يُحمى الوطيس، وتُنصب المناجيق، ويتقاذف الناس بكلمات هي أشد من الحجارة، وأنكى من السهام من أجل مسائل تحتمل أكثر من وجه وتقبل أكثر من تفسير، فهي من مسائل الاجتهاد، التي دلت على سعة هذا الدين ومرونته، المصيب فيها مأجور والمخطئ فيها معذور، وخطؤه فيها مغفور، بل هو ــ بنص الحديث ــ مأجور.
لهذا كان من الواجب على الدعاة والمفكرين الإسلاميين أن يشغلوا جماهير المسلمين بهموم أمتهم الكبرى، ويلفتوا أنظارهم وعقولهم وقلوبهم إلى ضرورة التركيز عليها والتنبيه لها، والسعي الجاد ليحمل كل فرد جزءاً منها، وبذلك يتوزع العبء الثقيل على العدد الكبير، فيسهل القيام به(12).
(11) التنازع والتفرق يُفقد الناس والأمة الشعور بوحدة الجسد ووحدة الهم ووحدة المصير، مما يحدو بكل طائفة أن تتصرف بمفردها بمعزل عن الأمة، وربما أدى ذلك التصرف الانفرادي إلى مآس تعود على الأمة جمعاء بآثارها وتبعاتها..(41/4)
(12) إشاعة روح التفرق والتمزق، وبروز المزيد من النحل والطوائف المتناحرة، بل جرت العادة أن التيار الواحد ينقسم على نفسه مرات ومرات، حتى خرج تعدادها عن المألوف وتجاوزت المعروف، وبعضها يقوم وليس لها من مبرر؛ فإن اختلف ثلاثة مع جماعة شكلوا جماعة أخرى، وإذا فصل خمسة من تنظيم أنشأوا تنظيما جديداً، وإن طردت مجموعة من حركة كونت حركة تصحيحية!
كان لتعدد الطوائف في الماضي مبررات، قد تكون محل نظر، وقد يكون لأصحابها أدلة شرعية معتبرة، واجتهادات مبررة، ومع هذا فقد كان هؤلاء متخلقين بأدب الخلاف وقيمه لا يخرجون عنه، أما اليوم فقد بات الخلاف خلافاً بلا أدب، واختلافاً بلا علم، وتكاثراً بلا مبرر، إنما هو التنافس على المغانم، والتنصل والهروب من المغارم، والتهافت على الدعاية والأضواء، والإقبال على الأخذ، والإدبار عن العطاء(13)..
فيتهاون الجميع بمخاطر التفرق، بعد أن يكون قد ركبهم الهوى واستبد بهم الغرور وحب الذات، لا يعظمون حرمة، ولا يرقبون في أمتهم إلاً ولا ذمة..
وهناك آثار أخرى أجملها في النقاط التالية:
- تعميق الغرور والإعجاب بالرأي.
- تعميق الهوى.
- سوء الظن بالآخرين، واتهام النوايا.
- العصبية للرأي والزعيم والإقليم والحزب.
- تناكر القلوب واحتقان النفوس بالبغضاء.
- الانشغال عن معالي الأمور ومتطلبات الريادة والسيادة.
- تتبع عثرات الآخرين.
- ضياع كثير من الواجبات الدينية.
- صد الناس عن سبيل الهدى.
- تثبيط العزائم.
- انتشار حالات الانزواء الفردي والجماعي بين الأمة طلباً للسلامة ومن ثم حرمان المجتمع من مشاركتهم في الخير والإصلاح.
هل تفرق الأمة قدر لازم؟(14)
قد يتصور بعض الناس أن تفرق الأمة أمر لازم فرضه القدر وأخبر به الشرع، فلا مناص منه، ولا مهرب منه، وربما استدلوا على ذلك بالأحاديث التي فيها الإخبار بوقوع البأس بين الأمة، مثل حديث: ((سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يُهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألتها أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها))(15).
وفي حديث آخر: ((سألت ربي عز وجل ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة. سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا، فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوا من غيرنا، فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يلبسنا شيعاً فمنعنيها))(16).
فإن كان الله قد ضمن للأمة عدم الاستئصال بالكوارث الطبيعية، أو بالعدوان الخارجي، إلا أنه لم يضمن عدم الاستئصال بواسطة أنفسهم، وهو ما عبر عنه بالبأس الشديد بين أطراف الأمة، حتى يكون بعضها يُهلك بعضها، ويُسبي بعضها بعضاً.
والجواب أن يقال: إن الله علَّق عصمة الأمة من الاستئصال الداخلي بالاستجابة لأمره والالتزام بشرعه، فأمرُها بيدها إن هي أرادت العصمة، متعلِّق بها، عليها أن تؤدي شرطه؛ وهو الالتزام بالدين، والاعتصام بالوحدة والاجتماع، فإن فعلت ذلك عزَّت وسادت وانتصرت على عدوها، وإن أهملت ذلك الالتزام وذلك الاعتصام ذاقت وبال أمرها، وكانت هي السبب في هذه العقوبة..
فالحديث لا يعني بحال أن يكون تفرق الأمة وتسلط بعضها على بعض أمراً لازماً ودائماً وعاماً، يشمل كل الأزمنة وكل الأمكنة، وكل الأحوال، وإلا لم يكن هناك معنى لنصوص الأمر بالاعتصام والاجتماع والنهي عن التفرق والاختلاف، وما أكثرها! ولكان ذلك في حكم تكليف ما لا يطاق، وهو من العبث الذي تُنزه عنه شريعة الإسلام، بل وأحكام العقلاء..
فهذا الداء الذي تصاب به الأمة بسبب تفريطها في الالتزام والاعتصام قد يحدث في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان، وبين قوم معينين دون غيرهم..
وفي بعض الأحاديث ما يؤكد أن جعل بأس الأمة بينها يكون عقوبة من الله لها على انحرافها عن شرعه، كما في حديث ابن عمر مرفوعا: ((وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم)).
كما أن أحاديث أخرى بشَّرت بغلبة الأمة وعلو كلمتها وبسط سلطانها، وأنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وستفتح رومية، ولا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين.. فهذا الفتح حينما يستقيم أمر الأمة، وتلك العقوبة والانحسار حينما تنحرف الأمة.. فلكلٍ أسبابه ودواعيه، والحبل بيد الأمة إن شاءت شَدَّته، وإن شاء أرخته، أو تركته.. (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأؤلئك هم الفاسقون) [سورة النور: 55]. (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) [سورة الحج: 41].
وأخيراً..(41/5)
إن دواعي الاتفاق والاجتماع لدينا أكثر وأعمق مما عند غيرنا من الأمم والحضارات، ومع ذلك اجتمعوا وافترقنا، وتضامنوا وتنازعنا، وتناسوا ما كان بينهم، ونحن نحرص على بعثه وإثارته وتحريك الصدور به.. فما زادنا ذلك إلا فشلاً وذهاب ريح..
فهل نعتبر؛ فنلتزم بتعاليم ديننا، ونستصحب قيم أسلافنا، ونستحضر ما نواجهه من تحديات ماثلة، توشك أن تأتي على كل شيء؟
الله نسأل الإخلاص في القصد، والسداد في القول، والرشاد في العمل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً..
----------
(1) انظر الدر المنثور للسيوطي: 2/57 ــ 58.
(2) صحيح البخاري: 12/201، وصحيح مسلم: 5/106.
(3) صحيح مسلم: 6/22.
(4) انظر الآيتين: 11 و12 من سورة الحجرات.
(5) رواه الترمذي في الفتن: 2166، والحاكم في مستدركه: 1/114، وصححه ووافقه الذهبي.
(6) رواه الترمذي في صفة القيامة: 2511، وأبو داود في الأدب: 4919.
(7) انظر: شرح نهج البلاغة: 2/49، والكامل للمبرد: 2/277 ــ 279، ورغبة الأمل للمرصفي: 8/91 ــ 92.
(8) انظر: البخاري ومسلم وأحمد.
(9) سنن الترمذي: 2166، والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي: 1/114.
(10) متفق عليه.
(11) جامع بيان العلم لابن عبد البر: 2/80.
(12) انظر: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم للدكتور يوسف القرضاوي ص: 84 ــ 85.
(13) انظر: الإيدز الحركي لفتحي يكن ص: 25 ــ 26.
(14) انظر: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والاختلاف المذموم ص: 30 وما بعدها.
(15) صحيح مسلم كتاب الفتن ح: 2889.
(16) ذكره ابن كثير في تفسير الآية 65 من سورة الأنعام 2/141.(41/6)
آثار الافتراق على الأمة
د. حمود بن غزاي الحربي*
اجتماع كلمة المسلمين ووحدتهم وحماية صفهم من الفرقة والخلاف والتصدع أمر حثنا الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه الكريم في غير موضع منه، وهو نهج دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السير عليه وأمرنا بالتمسك به.
ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى لنا الأمثال بالأمم من قبلنا، وبين هلاكهم وضلالهم بسبب اختلافهم وتفرقهم، وكذلك حذرنا جل وعلا من الوقوع فيما وقعوا فيه، يقول الحق سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(1).
وإذا كان القرآن الكريم قد عني بهذا الجانب؛ فقد عنيت السنة النبوية ببيان خطورة سلوك هذا السبيل، سبيل الفرقة والاختلاف, وكان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم يوجه صحابته، والخطاب عام لهم ولمن بعدهم، إلى خطورة هذا الأمر؛ فقد سمع صلى الله عليه وسلم أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج صلى الله عليه وسلم يُعرف في وجهه الغضب، فقال: ((إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب))(2).
وإذا كانت سنة الخالق سبحانه وتعالى في الأمم من قبلنا أنهم لما تخلوا عن حبل الله المتين وخالفوا أمره شتت شملهم وضرب قلوب بعضهم ببعض وأذاق بعضهم بأس بعض؛ فسنته تعالى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كسنته في غيرها من الأمم، لا فرق بينها وبين تلك الأمم؛ فإن اعتصمت بحبله والتزمت نهجه جمع شتاتها، ووقاها الفرقة والعداوة والاختلاف، وإن زاغت عن منهجه إلى مناهج أخرى شتت الله شملها وألقى بينها العداوة والبغضاء حتى تعود إلى منهج الله تعالى([1]).
ولقد كانت هذه الأمة الربانية مضرب المثل في الاجتماع والاتفاق، والمودة والرحمة فيما بينها، حتى سجل لنا التاريخ صورة نقية واضحة عن المؤاخاة التي حصلت بين المهاجرين والأنصار، والأوس والخزرج وغيرهم، وغيرهم كثير.
وإذا كان هذا الأمر مما يرضي المؤمنين ويفرح المتقين؛ فقد أغاظ أعداء الله وأولياء الشيطان وعلى رأسهم زعيمهم وقائدهم إبليس.
لذا فقد جد إبليس لعنه الله في إحداث الفرقة والاختلاف بين المسلمين، وظفر في ذلك بما لم يظفر به في غيره، ودخل عليهم من كل باب، وأغراهم بكل سبل الإغراء، فإن رأى أن باب الدنيا أيسر له في التفريق بين قوم منهم دخل من باب الدنيا بالمال، والجاه، والمنصب، والقبيلة والعشيرة والأرض.. والنساء، وإن رأى أن باب التدين والعبادة والعلم أيسر له في التفريق بين آخرين، دخل عليهم من هذا الباب، فأغرى بعضهم في الاجتهاد، وأغرى الآخرين بالتقليد، وأغرى هؤلاء بالتشديد، وأغرى غيرهم بالتيسير.. وأغرى قوماً بالقياس وحثهم على المبالغة فيه، كما أغرى آخرين بالابتعاد عنه وذمه وعدم الاعتبار به؛ لأنه من أهم أسباب معصية إبليس وخروجه عن طاعة الله، وأغرى قوماً بالمبالغة بالتكفير، فكل من ارتكب كبيرة يجب أن يحكم عليه بالكفر، ولو أتى بما أتى من أحكام الإسلام الأخرى. كما أغرى آخرين بالبعد عن تكفير الناس ما داموا على معرفة بالله تعالى ولو لم يستجيبوا لأي أمر من أوامره، أو لم ينتهوا عن أي شيء نهاهم الله عنه([2]).
ولقد نجح فيما يصبو إليه فنتج عن ذلك "التفرق والافتراق الذي صدع بنيان الأمة وزعزع كيانها، حتى صارت مطموعاً بها لزوال وحدتها وذهاب سمتها الربانية حتى ذاقوا أصناف الذلة والعذاب"([3]).
والتفرق والافتراق الذي ذاقت منه الأمة الإسلامية في القرون الأولى كل أنواع البلاء لا زال يسومها حتى هذا الزمن، فيقتل أبنائها ويشتت آراءها، ويعرقل مسيرتها، ويجعل كل قوم بما لديهم فرحون.
لذا تشكو خير أمة أخرجت للناس من أنواع الذل والعذاب والاستكانة ما جعلها ضعيفة في قوتها هزيلة في وحدتها، متناقضة في آراءها مختلفة في تفكيرها، والسر وراء ذلك كله قول الحق تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)([4]).(42/1)
والله سبحانه وتعالى وقد بين لنا هذا الأمر، وحذرنا من الوقوع فيه؛ فإنه أيضاً جل وعلى أخبرنا عن عواقبه وآثاره في كتابه العظيم، وعلى لسان رسوله الكريم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
وقد آثرت الاختصار في هذا المحور لأن الحديث عن هذا الموضوع سيكون مفصلاً بإذن الله في محور آخر في هذا المؤتمر.
وأهم آثار الافتراق ما يلي:
(1) الشرك بالله تعالى:
سبق القول أن الناس يختلفون في مداركهم وفهمهم واستنباطهم وأنهم ليسوا على قلب رجل واحد في قوة الفهم وسرعة الاستنتاج والاستنباط، لهذا تجد أن لبعض المفسرين أقوالاً في آية من كتاب الله تعالى تغاير أقولا ً لمفسرين آخرين، وتجد الفقهاء تتباين أقوالهم في مسألة من مسائل المفقه، وهلم جرا، وهؤلاء جميعاً أُمِروا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، فهما الفيصل في مسائل الخلاف، فمن رجع فقد استجاب لنداء الله تعالى كما هو في كتابه، ومن أصر على رأيه فقد اتخذ إلهه هواه وأعرض عن حكم الله وحكم رسوله، وهذا مناف للتوحيد الذي يدين به.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو يتكلم عن التفرق والاختلاف: "وهذا التفرق والاختلاف يوجب الشرك وينافي حقيقة التوحيد الذي هو إخلاص الدين كله لله كما قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)([5]).
فإقامة وجهة الدين حنيفاً، وعبادة الله وحده لا شريك له ــ وذلك يجمع الإيمان بكل ما أمر الله به وأخبر به ــ أن يكون الدين كله لله، وقوله تعالى (ولا تكونوا من المشركين..) الآية. وذلك أنه إذا كان الدين كله لله؛ حصل الإيمان والطاعة لكل ما أنزله وأرسل به رسله، وهذا يجمع كل حق ويجمع عليه كل حق، وإذا لم يكن كذلك فلا بد أن يكون لكل قوم ما يمتازون به، مثل معظم مطاع أو معبود لم يأمر الله بعبادته وطاعته، ومثل قول ودين ابتدعوه لم يأذن الله به ولم يشرعه فيكون كل من الفريقين مشركاً من هذا الوجه"([6]).
(2) براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المفترقين:
يود المسلم، وقد رضي بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، أن يكون من المتبعين له في هذه الدنيا ومن المحشورين في زمرته وتحت لوائه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. وهذا أمر لا يكون إلا للمتبع، ولا يكون إلا لمن اعتصم بحبل الله المتين، ولزم جماعة المسلمين.. لذا فمن آثار الافتراق ــ والعياذ بالله ــ براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وذلك بنص القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)([7]).
قال أبو عبد الله القرطبي([8]): "(إن الذين فرقوا دينهم) هم أهل البدع والشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة،(شيعاً) فرقاً وأحزابا، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض؛ فهم شيع، (لست منهم في شيء) فأوجب براءته منهم".
وهذه الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا ختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف: (كانوا شيعاً) أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات؛ فإن الله تعالى قد برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه([9]).
(3) تعطيل الجهاد في سبيل الله:
حث الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وأمرهم بالقيام به وبيّن لهم أن الإعتصام بحبل الله المتين هو الطريق للجهاد في سبيله، والفرقة والاختلاف أكبر عائق له.
والجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على أكتاف أمة معتصمة بحبل الله، مجتمعة الكلمة، متحدة الهدف والغاية، ولا يمكن أن يقوم على كواهل طوائف متفرقة، مختلفة في عقيدتها وأهدافها وغاياتها، بل إن هذه الطوائف جديرة بفتح سوق النزاع والشقاق والحروب بعضها مع بعض بدلاً من حروبها مجتمعة مع غيرها، فلا جهاد بدون وحدة واجتماع، ولا وحدة بدون أصول تجمع الشتات وتلم الشعث([10]).
وعندما ضعفت هذه القاعدة، واستمسك أبناء هذه الأمة بحبل القوميات والنعرات الجاهلية، وابتعدوا عن حبل الله المتين.. حصل التفرق والافتراق، ونتج عن ذلك أن جاهد أبناء هذه الأمة بعضهم بعضهم، وقاتل بعضهم بعضاً؛ فضعف شأن الأمة.. فتداعت عليهم الأمم من كل حدب وصوب، فبعد أن كانت أمة مجاهدة وصلت في فتوحاتها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.. صارت أمة ضعيفة يطمع فيها أعدائها بين كل لحظة وأخرى.(42/2)
"وهل أخر المسلمين في هذه الأوقات إلا تفرقهم والتعادي بينهم وخورهم وتقاعدهم عن مصالحهم والقيام بشئوونهم حتى صاروا عالة على غيرهم"([11]).
(4) الفشل والخسارة وذهاب القوة والهيبة:
وعندما نعود إلى تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم نجد أن التاريخ سجل لهم من الفتوحات والقوة والعزة الشيء الكثير، ففتوحاتهم امتدت إلى كل مكان من هذه المعمورة، وقوتهم وهيبتهم كانت تهز قلوب الأكاسرة والقياصرة والصليبيين في كل مكان، مع أنهم لا يقارنون من حيث العدد والعدة بغيرهم؛ لكنهم كذلك أيضاً لا يقارنون بغيرهم من حيث قوة العقيدة ووحدة الهدف والمبدأ.
فقلوبهم على قلب رجل واحد، متفقة على مبدأ ومنهج واحد فأنى لهم الفشل! ومن أين والقرآن يتنزل عليهم؟ (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)([12]).
وعندما حصل النزاع والاختلاف والافتراق بين أتباع هذه الأمة ــ الذين لازال التاريخ يسجل لهم ذلك ــ كان من نتيجته ما حكاه الله تعالى: (فتفشلوا وتذهب ريحكم)، فرتّب على تنازعهم واختلافهم فشلهم وذهاب هيبتهم. فكان من عواقب التنازع والاختلاف والافتراق فشل المسلمين في تكوين وحدة فيما بينهم وأن زعموا ذلك، فسرعان ما تنهار وحدتهم مقابل القوميات التي يتبجحون بها ويلوكونها بألسنتهم. لأنها وحدة بلا أساس قوي، وبلا أصول تجمع الشتات وتلم الشمل.
وكان من عواقب التنازع أيضاً ذهاب هيبتهم بعدما كانوا هم الأقوياء وغيرهم الضعفاء، وهم الأعزاء وغيرهم الأذلاء، فذهبت هيبتهم أمام أعداء الله؛ لأنهم خالفوا ما أمرهم الله تعالى به: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ..)([13]) الآية.
(5) عذاب الله ولعنته:
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)([14]).
فالله سبحانه وتعالى نهانا أن نكون مثل هؤلاء القوم، وبيّن عقوبتهم لمّا اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات (وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب))([15]).
(6) اسوداد الوجوه:
فمن عواقب الافتراق في الآخرة أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً يأتون يوم القيامة وقد اسودت وجوههم، بخلاف أهل السنة والجماعة فإنه وجوهم بيضاء نقية صافية.
يقول الله تعالى في الآية السابقة: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ ُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)([16]).
قال القرطبي([17]): قال ابن عباس([18]): "تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة". وقال القرطبي([19]) أيضاً في تعليقه على هذه الآيات الكريمة من سورة آل عمران قال: "فإن الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلاك والجماعة نجاة".
ورحم الله ابن المبارك([20]) عندما قال:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ***منه بعروته الوثقى لمن دانا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فنتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه، ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنة وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم"([21]).
(7) حجز المفترقين عن ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة([22]) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل ابل الرجل عن إبله، قالوا يا رسول الله: أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركمـ تردون عليَّ غراً محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول: يارب هؤلاء أصحابي فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك))([23]).
قال السفاريني([24]): "والحاصل أن من الذين يذادون عن الحوض جنس المفترين على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم من المحدثين في الدين من الروافض والخوارج وسائر أصحاب الأهواء والبدع المضلة"([25]).
وقال القرطبي: "فمن بدّل أو غيّر أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض، المبتعدين عنه، المسودي الوجوه وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهواءها، فهؤلاء كلهم مبدلون ومبتدعون"([26]).
أسباب ظهور الفرق(42/3)
تعود بداية الافتراق، وظهور الفرق في كل أمة وفي الأمّة الإسلامية خاصة إلى أسباب متعددة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، ولا يرجع ذلك إلى عوامل داخلية فقط كما لا يعود إلى عوامل خارجية فقط.
"ولهذا فإنه من خطل(1) الرأي أن نرجع أسباب الافتراق في الأمّة إلى مصدر واحد بعينه بل الصواب أن نسلم بتأثير العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة جاعلين الصدارة للعوامل الداخلية"(2).
ولكن هذه العوامل بقسميها ــ الداخلي والخارجي ــ يسبقهما عامل ذو أثر فعّال أدى إلى ظهور الفرق، وهو ضعف نور النبوة فإنه عندما يكون قوياً في القلوب يقودها إلى الحق، ويجنبها الضلال، يقرّبها من السنة ويبعدها من البدعة، يدعوها إلى الألفة والاجتماع وينهاها عن الفرقة والاختلاف، وهذا أمر نصّ عليه شيخ الإسلام في الفتاوى(3)، عندما قدّم ضعف نور النبوة على الترجمة التي تعتبر من العوامل الخارجية المؤثرة في ظهور الفرق قال:"ثم خفي بعض نور النبوة، فعرب بعض كتب الأعاجم الفلاسفة من الروم والفرس، والهند".
وقال أيضاً في موضع آخر(4) من الفتاوى: "وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة".
وبالمقابل أَكّدَ رحمه الله أنه كلما كان نور النبوة قوياً فالبدع ضعيفة، قال: "ومعلوم أنه كلما ظهر نور النبوة كانت البدعة المخالفة أضعف"(5).
أمّا الأسبابُ التي أدت إلى ظهور الفرق فهي تنقسم إلى قسمين:
(1) أسباب داخلية أدت إلى ظهور الفرق من داخل الأمّة الإسلامية نفسها.
(2) أسباب خارجية أدت إلى ظهور الفرق بتأثير من أهل الديانات والملل والأهواء السابقة كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.
وسنتحدث بادئ ذي بدء عن الأسباب الداخلية التي أدت إلى ظهور الفرق.
الفصل الأول
الأسباب الداخلية
السبب الأول: الغلو في الدين:
الغلو في الدين منهج مرفوض شرعاً وعقلاً وفطرة؛ لأنه مخالف للكتاب التي وردت آياته في غير موضع تنهى عنه، ومخالف للسنة أيضاً التي نهت عنه في أحاديث كثيرة، وكذلك هو مخالف للعقل السليم الصحيح وللفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
وما سلك قوم هذا المنهج إلاّ ضلّوا وأضلوا كثيراً؛ لأنهم خالفوا سنة الله تعالى في خلقه، "ولأن هذا الدين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه "(1).
والغلو في اللغة: هو مجاوزة الحد(2)، وفي الاصطلاح موقف مبالغ فيه في قضية مبدئية أو في شخص يرتبط بهذه القضية، ويكون الغلو مع الشيء المبالغ فيه أو ضده تعبيراً عن الموافقة أو الرفض، فقد يغالي الإنسان بحبه وإعجابه كما قد يغالي بكراهيته وعزوفه، وكما يكون الغلو في الأشخاص يكون في المبادئ،وبهذا الصدد يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومثل هذا الغلو في الدين بأن ينزل البشر منزلة الإله، ومثل تجويز الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم"(3).
"والتداخل بين غلو الأشخاص والمبادئ واقع حيث أن الغلو في الشخص يكون عن طريق الغلو في المبدأ، والغلو في المبدأ يحصل عن طريق الغلو في الأشخاص، وهكذا يكون التداخل بينهما، فهما وجهان في عملية متفاعلة واحدة"(4).
لقد كان الغلو سبباً لضلال النصارى من قبلنا حيث غلو في حق عيسى بن مريم عليه السلام، فنهاهم الباري سبحانه وتعالى بقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ)([27]) ، وقال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)([28]).
ونظراً لوقوعه في الأمم السابقة ولكونه من أسباب ضلالهم حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))([29]).
وتحذير الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته منه؛ لأنه مفتاح لكل شر وسبب لكل بلاء، ولم يقتصر شرّه وبلاؤه على العبادات كما يفهم البعض، بل إنه أفسد على الموحدين توحيدهم، وأتى المتبعين من باب الزيادة لا من باب النقص فأفسد عليهم اتباعهم فجعلهم من الذين رغبوا عن سنة أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا من المبتدعين لا من المتبعين.
وعندما نستقرئ بدايات وتاريخ بعض الفرق الإسلامية نلحظ كيف كان الغلو سبباً في ظهورها في المجتمع الإسلامي، فمن أسباب ظهور الخوارج غلوهم في فهم آيات الوعيد حتى خالفوا أمة محمد بتكفير مرتكب الكبيرة وهذا غلو في المبدأ، ومن أسباب ظهور الشيعة غلوهم في حب آل البيت حتى رفعوا أئمتهم إلى مرتبة الألوهية وهذا غلو في الأشخاص، وهلُمَّ جرا.(42/4)
"والله تعالى ما أمر عباده، إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر، أما إفراط فيه، وأما تفريط فيه، وإذا كان الإسلام الذي هو دين الله لا يقبل من أحد سواه، قد اعترض الشيطان كثيراً ممن ينتسب إليه حتى أخرجه عن كثير من شرائعه، بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها عنه حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية"([30]).
ويُبينُ شيخ الإسلام رحمه الله أن الغلو سبب من أسباب المروق من الدين والخروج عن سنة سيد المرسلين فيقول: ".. فإذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فعلم أن المنتسب إلى الإسلام أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام والسنة حتى يدّعي السنة من ليس من أهلها، بل قد مرق منها وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمه الله تعالى بكتابه"([31]).
وبمثل قوله قال تلميذه ابن القيم([32]) رحمه الله:".. فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقل أجرى حكم الخالق في الخلق وحكم الخلق في الخالق، والأول غلو والثاني تقصير فثار من الشبهة الأولى مذاهب الحلولية، والتناسخية، والمشبهة والغلاة من الرافضة حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى وصفوه بأوصاف الإله".
وقال ابن المرتضى([33]): "فاعلم أن منشأ البدع يرجع إلى أمرين واضح بطلانهما، فتأمل ذلك بإنصاف وشد عليه يديك، وهذان الأمران الباطلان هما الزيادة في الدين بإثبات ما لم يذكره الله تعالى ورسله عليهم السلام من مهمات الدين الواجبة، والنقص منه، بنفي بعض ما ذكره الله تعالى ورسله من ذلك بالتأويل الباطل، ومن الزيادة في الدين أن يدخل فيه ما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه رضي الله عنهم مثل القول بأنه لا موجود إلا الله كما هو قول الاتحادية، وأنه لا فاعل ولا قادر إلا الله كما هو قول الجبرية، وأمثال ذلك من الغلو في الدين"([34]).
ومن خلال ما تقدم تبين للقارئ أن من أسباب ظهور الفرق، الغلو في الدين وكان ذلك جلياً واضحاً في فرقتين كبيرتين هما الخوارج وفرقة الشيعة وكان غلو الأولى في المبادئ وغلو الأخرى في الأشخاص.
السبب الثاني: ظهور البدعة في الدين:
"الابتداع في الدين محرم بالكتاب والسنة والإجماع، لأن الابتداع تشريع يُضاهى به شرع الله عز وجل، وهو بهذا مشاقة لله ورسوله ومحادّة لهما،وكفى بالمرء إثماً أن يشاق الله ورسوله ويحادّهما، ومن هنا ذمت البدعة وندد بها وبفاعلها، وحذرت الأمة من شرّها وخطرها وسوء عاقبتها"([35]).
"ولو كان التشريع من مدركات الخلق لم تتنزل الشرائع ولم تبعث الرسل، وهذا الذي ابتدع في دين الله، قد سير نفسه نداً لله، حيث شرع مع الشارع، وفتح للاختلاف باباً، ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع، وقد فهم السلف الصالح هذا، قال الأمام أحمد([36]) رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم وترك البدع". وقال إمام دار الهجرة([37]) رحمه الله: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)([38])، فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً"([39]).
وعندما كانت الصورة عن البدع وخطرها واضحة جلية في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم كانت الحرب سجالاً بينهم وبين كل من يحاول أن يتمتم ببدعة من البدع أو أن يستحسن طريقه ومنهجاً وعملاً لم يكن من فعل محمد صلى الله عليه وسلم، بل كان من نهجهم عليهم رضوان الله أن يحاربوا المبتدع ويقاتلوه أيضاً كما فعلوا مع الخوارج وغيرهم.
وعندما نتساءل لماذا كل هذا؟ فالجواب هو: خطورة البدعة على الأمة وقوتها في تفكيك عُراها، فهي كالدودة التي تنخر في جذع النخلة أو الشجرة، فتبقيها صورة بلا معنى، لا تتحمل أي عاصفة تعصف بها، وكذلك الابتداع والبدعة في دين الله، فقد أفسدت على النصارى دينهم، وها هي عندما وجدت من يرفع لواءها أفسدت على المسلمين إسلامهم وإيمانهم، من هذا المنطلق كان موقف السلف الصالح من الابتداع والبدعة قوياً لا يماثله شيء حتى إنهم يرون رضوان الله عليهم أن الذنوب على عظمها أهون من الابتداع في الدين.. "ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلّظة شر من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنها ذنوب، وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بقتال الخوارج، وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم والصلاة خلفهم مع ذنوبهم، وشهد لبعض المصرّين من أصحابه على بعض الذنوب أنه يحب الله ورسوله ونهى عن لعنه، وأخبر عن ذي الخويصرة وأصحابه مع عبادتهم وورعهم أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"([40]).
كيف تكون البدعة سبباً في ظهور الفرق؟(42/5)
ما من منهج مخالف طريقة محمد صلى الله عليه وسلم إلا كان ضالاً عن الصراط المستقيم، وكيف لا يكون ذلك وقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور الاعتقادية والعملية وفي كل شيء على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. لذا؛ فالذين حاولوا أن ينتحلوا طرقاً ومفاهيم جديدة في هذا الدين سواء في الاعتقادات، وغيرها ضلوا ونتج عن ضلالهم ضلال آخر لقومٍ آخرين وقفوا ضد ما جاء به هؤلاء، "فابتدع هؤلاء قولاً فابتدع الأخرون قولاً يضاهي قول الأولين، فالبدعة تجر إلى بدعة أخرى مثلها أو أشد منها" والشواهد على وقوع التفرق والعداوة عند وقوع الابتداع كثيرة، وأول شاهد على ذلك ما وقع من الخوارج المنكرين مشروعية التحكيم، إذ عادوا أهل الإسلام حتى صاروا يقتلونهم ويتركون أهل الأوثان"([41]).
وعندما يبتدع مبتدع بدعة لا يتبين له خطؤها بل يرى أنه على حق وغيره على باطل فالذي يرد عليه ــ سواء برد صحيح أو باطل ــ يرى هو الآخر أنه على حق والمردود عليه على باطل، ونتيجة لهذا التفاخر وهذه الردود المتقابلة ظهرت الفرق المتعددة والمختلفة، وهكذا تكون البدعة سبباً من أسباب ظهور الفرق، وأهل البدع كما قال شيخ الإسلام في المنهاج: "يرى بعضهم أن الحق معه وأن غيره لا يملك الحق، فالخارجي يقول الشيعي ليس على شيء والشيعي يقول ليس الخارجي على شيء، والقدري النافي يقول ليس المثبت على شيء، والقدري الجبري المثبت يقول ليس النافي على شيء، و الوعيدية تقول ليست المرجئة على شيء، والمرجئة تقول ليست الوعيدية على شيء"([42]).
وعندما يقرأ الباحث عن تاريخ الفرق الإسلامية ونشأتها تتضح له هذه الحقيقة أكثر ــ أعني بها أثر البدعة في ظهور الفرق.
أول بدعة ظهرت هي بدعة الخوارج، فلما ظهرت بمعتقداتها المخالفة للمنهج الصحيح، والتي غلب عليها طابع التشدد والغلو أثر هذا في بعض المعاصرين لها فسلكوا طريقاً آخر، فبدعة الخوارج جرت إلى بدعة أخرى مثلها وهي الشيعة والتشيع.
"وإذا كان الخوارج قد سبقوا غيرهم في القول بالخروج على الإمام ونفي اشتراط أن يكون من قريش وتجاوزهم هذا المعنى إلى تكفير الإمام بالمعصية أو القعود عن أمر في كتاب الله دون أمر آخر؛ فإن عقيدتهم هذه كان لها من ردة الفعل المعاكس ما كان. وخاصة نظريات الشيعة المختلفة في عقيدتهم نحو علي وبنيه، وخاصة طائفة الغلاة منهم، وذلك أن الشيعة لم يكونوا أكثر من رد فعل مضاد لجنوح الخوارج وتطرفهم في تكفير معارضيهم وعلى رأسهم علي، فكان من اليسير أن يظهر المدافع عنه المرتبط به، وأن يسلك نفس المنهج المتطرف، فمقابل التكفير لعلي ومن انضوى تحت لوائه من جانب الخوارج ظهرت فكرة التأليه لعلي وأبنائه بواسطة الشيعة الغلاة"([43]).
"وبجانب هاتين الفرقتين وجدت فرقة ثالثة عرفت في التاريخ باسم المرجئة وهي الطائفة التي أرجأت أمر المختلفين إلى الله تعالى، فإنهم لما رأوا الخوارج يكفرون علياً وعثمان، وبعض الشيعة يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان؛ ظهرت المرجئة تسالم الجميع وتقف منهم موقف الحياد فلا تكفر طائفة منهم"([44]).
ولم تكن البدعة ذات أثر في ظهور الفرق المتقدمة فقط فقد كان لها أثر في ظهور الفرق الأخرى كالمعتزلة والقدرية وغيرها، "فلقد ظهرت المعتزلة ببدعة المنزلة بين المنزلتين، كخط وسط بين الخوارج والمرجئة وذلك من جواب واصل للسائل الذي عرض سؤاله في مجلس الحسن البصري، وذكر موقف الخوارج والمرجئة من مرتكب الكبيرة، وطلب من الحسن بيان الاعتقاد الصحيح في ذلك فسبقه واصل وذكر أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، فردّ على البدعة ببدعة"([45]).
"ولم يزل أمر المعتزلة يقوى وأتباعهم تكثر ومذهبهم ينتشر في الأرض، ثم ظهر مذهب التجسيم المضاد لمذهب الاعتزال فظهر محمد بن كرام([46]) زعيم الطائفة الكرامية وأثبت الصفات حتى انتهى فيه إلى التجسيم والتشبيه"([47]).
أما القدرية فقد كانت كردة فعل لشيوع عقيدة الجبر، يقول د. علي المغربي: "ولقد كان رد الفعل لشيوع عقيدة الجبر أن جاهر البعض معارضين مبدأ الجبر، وهؤلاء سمّوا قدرية، وأولهم معبد الجهني([48]) المتوفى سنة 80 هـ".
السبب الثالث: إتباع الهوى:
إتباع الهوى أمر ذمّه الله تعالى في غير آية من كتابه الكريم، وبيّن أنه يؤدي بصاحبه إلى سيء القول وقبيح الفعل ويؤثر على عقيدة الإنسان المسلم وعلى أخلاقه وسلوكه.
ولقد حذر الله أنبياءه من إتباع الهوى وذكّرهم أنه يقود إلى الضلال: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ..)([49]) الآية.(42/6)
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بهما فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)([50]).
ولخطورة هذا المنهج حذر رسول الله عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم منه، وخاف على أمته منه" عن أبي برزة الأسلمي([51]) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أخشى عليكم بعدي بطونكم وفروجكم ومضلات الأهواء))([52]).
وتحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الهوى إنما جاء لبيان خطره على كل شيء، "فإن الهوى ما خالط شيئاً إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة، وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء، وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة.. فما قارن شيئاً إلا أفسده"([53]).
فهو أصل الزيغ عن الصراط المستقيم وهو من الثلاث المهلكات التي أخبر بهنّ النبي صلى الله عليه وسلم فلقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث منجيات، خشية الله في السر والعلن، والقصد الفقر والغنى، وكلمة الحق في الغضب والرضا، وثلاث مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه))([54]).
وعندما خالط الهوى القلوب واستقر في سويدائها ثار الثائرون على عثمان رضي الله عنه، وانتهى بهم إتباع الهوى إلى مقتله ثم قادهم مرة أخرى إلى زرع الفتن وبث الخلاف وإثارة الشقاق والافتراق في صفوف الأمة الإسلامية فظهرت أول فرقة تكفّر علياً ومعاوية وغيرهم من الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم جميعاً، وهكذا فعل الهوى مع غير تلك الفرقة من الفرق الإسلامية هوى بها الضلال فهو كما قال الشعبي([55]): "إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه"([56]).
والممعن النظر في نشأة الفرق يجد أن الهوى سبب من أسباب ظهور الفرق واختلاف المسلمين، يقول الشاطبي: "وإذا دخل الهوى أدى إلى إتباع المتشابه حرصاً على الغلبة والظهور بإقامة العذر في الخلاف، وأدى إلى الفرقة والتقاطع، والعداوة والبغضاء لاختلاف الأهواء وعدم اتفاقها"([57]).
والخلاف في الحقيقة وارد على كل أمة وبين أفراد كل مجتمع لكنه يزول عند الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عندما يقدمان على الهوى، ويبقى ويتطور عندما يكون لكل من المختلفين هوى يقوده حيث يشاء، لذا سموا أهل البدع أهل الأهواء لأنهم يتبعون أهواءهم وهذا منهج مخالف للقرآن الكريم الذي جاء فيه: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)([58]) الآية.
ولذا قامت معتقداتهم على الرأي والهوى، يقول شيخ الإسلام:"وأما أهل البدع فهم أهل أهواء وشبهات يتبعون أهواءهم فيما يحبونه ويبغضونه، فهم يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى، فكل فريق منهم قد أصل لنفسه أصل دين وضعه إما برأيه وقياسه الذي يسميه عقليات وأما بذوقه وهواه الذي يسميه ذوقيات، وأما بما يتأوله من القرآن ويُحرف فيه الكلم عن مواضعه ويقول إنه إنما يتبع القرآن كالخوارج، وأما بما يدعيه من الحديث والسنة ويكون كذباً وضعيفاً كما يدعيه الروافض من النص والآيات، وكثير ممن يكون قد وضع دينه برأيه أو ذوقه يحتج من القرآن بما يتأوله على غير تأويله ويجعل ذلك حجة لا عمد، وعمدته في الباطن على رأيه كالجهمية والمعتزلة في الصفات والأفعال.."([59]).
قال الشاطبي([60]) وهو يذكر أن المبتدع مذموم آثم لعدة وجوه ومبيناً أن الهوى سبب من أسباب ظهور البدع: "الثاني أن الشرع قد دل على أن الهوى هو المتبع الأول في البدع، لذلك تجدهم يتأولون كل دليل خالف هواهم، ويتبعون كل شبهة وافقت أغراضهم، ألا ترى إلى قول الله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ..)([61]) الآية، فأثبت لهم الزيغ أولاً وهو الميل عن الصواب وهو خلاف المحكم الواضح المعنى، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا)([62]) فنسب إليهم التفريق ولو كان التفريق من مقتضى الدليل لم ينسبه إليهم ولا أتى به في معرض الذم وليس ذلك إلا بإتباع الهوى، وقال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ)([63])، فهذا دليل على مجيء البيان الشافي وأن التفرق إنما حصل من جهة المتفرقين لا من جهة الدليل، فهو إذاً من تلقاء أنفسهم، وهو إتباع الهوى بعينه، والأدلة على هذا كثيرة تشير أو تصرح بأن كل مبتدع إنما يتبع هواه"([64]).(42/7)
وقال ابن القيم([65]) رحمه الله مبيناً أن إتباع الهوى كان وراء نشأة أصول المبتدعة: "ومن وقف على أصول هؤلاء المعارضين ــ أهل البدع ــ ومصدرها تبين له أنها نشأت من أصلين: من كبر عن إتباع الهوى، وهوى معمي للبصيرة وصادمته شبهات كالليل المظلم، فكيف لا يعارض من هذا وصفه خير الأنبياء بعقله وعقل من يحسن الظن به؟".
فاتباع الهوى سبب من أسباب هدم الدين، وتفريق كلمة المسلمين لا ينتج عنه إلا الفرقة والضياع والتفكك والابتداع، ولهذا حذر منه سلف هذه الأمة وأئمتها رضي الله عنهم جميعاً.
السبب الرابع: حب الشهرة والتسلط:
حب الشهرة والتسلط أو حب الرئاسة والبغي منهج سار عليه المعاندون والمكابرون قديماً وحديثاً، فصاحبه يصاب بضلال يحجب عينيه عن رؤية الحق فتنقلب الموازين في منظاره فيصبح الباطل عنده حقاً والبدعة عنده حسنة، لذا فما يبتدعه من بدعة فهي حق في نظره، فيؤسس لها الأسس ويرسم لها الخطوط الدقيقة والعريضة ويعتنقها ويدعو إليها، وأتباعه من بعده، وفي كل زمان ومكان ينصرونها ويدعون إليها.
ولقد مثل هذا المنهج قديماً النمرود([66]) في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام الذي رأى الباطل حقاً والحق باطلاً بسبب حبه لمنصبه وخوفه على شهرته، حتى قال ما حكاه الله تعالى عنه في القرآن الكريم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(2) فملكه الذي آتاه إياه رب العالمين وحبه لهذا الملك وحبه المحافظة على شهرته التي اشتهر بها في قومه ومملكته في التي جعلته يزعم هذا الزعم ويسلك هذا المسلك وجاء من بعد ذلك من سلك هذا المنهج وسار عليه إنه فرعون مصر الذي جعله حبه لشهرته وخوفه على سلطانه في قومه يقول لموسى عليه السلام ما حكاه الله تعالى عنه في كتابه الكريم:(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ)(3)، وقال أيضاً في نفس السورة: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا..)(4) الآية.
حبه للشهرة والرياسة والتسلط والبغي جعله يقول ما جاء في القرآن الكريم وحكاه الله تعالى عنه: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)([67]).
وكذلك فعل مشركو العرب مع خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فحبهم لمكانتهم، وأعني زعماءهم، وحبهم لشهرتهم جعلهم يحاربون محمداً صلى الله عليه وسلم، وهذا ديدن أصحاب الضلال في كل زمان وفي كل حال، وإذا كان حب الشهرة والرئاسة يؤدي إلى ما تقدم فهو يؤدي إلى الفرقة والاختلاف من باب أولى، فالرياسة وحب الشهرة سبب من أسباب الاختلاف والتفرق خصوصاً في المناهج السياسية، فإن كثيراً ممن يرغبون في السلطان ينتهون إلى آراء تتعلق بالحكم، هي منبثقة من رغباتهم الخاصة، ويندفعون في تأييدها حتى يخيل إليهم أنهم مخلصون فيما يدعون إليه وأن ما يقولونه هو محض الحق والصواب.
"وقد يكون لحاكم أنصار يدعون إليه فيندفعون في نصرته اندفاعاً، ويعلنون أراءه في هذا الاندفاع، قد يخدعون أنفسهم بأن ما يدعون إليه هو الحق، وهذا الصنف هو من أخطر الناس على الناس"([68]).
وتأكيداً لدور هذا الجانب في الفرقة والاختلاف فإن نظرة عابرة للفرق الإسلامية تعطي الدلالة كاملة على هذا الموضوع ولهذا قسّم شيخ الإسلام([69]) رحمه الله الخارجين على الأمة إلى ثلاثة أقسام فقال: "القسم الثالث الخارجون على الأمة أما من العُداة الذين غرضهم الأموال كقطاع الطرق ونحوهم أو غرضهم الرئاسة كمن يقتل أهل المصر الذين هم تحت حكم غيره مطلقاً وإن لم يكونوا مقاتلة".
وهذا الموضوع ــ حب الشهرة والتسلط ــ أدى إلى الانقسام والفرقة حتى في الفرقة الإسلامية الواحدة، فتجدها تنقسم إلى عشرين فرقة ولتأكيد أن حب الشهرة هو السبب في هذا الانقسام تجد أن الفرقة غالباً تنسب على مبتدعها؛ لأنه ابتدع قولاً أو عملاً واشتهر به فنسبت هذه الفرقة إليه وذلك مثل الأزارقة([70]) من الخوارج أتباع نافع بن الأزرق.(42/8)
ومثل العمروية([71]) من المعتزلة أتباع عمرو بن عبيد ومثل النجدات([72]) من الخوارج أتباع نجدة بن عويمر، ومثل الهشامية([73]) من الشيعة أتباع هشام بن الحكم ومثل الواصلية([74]) من المعتزلة أتباع واصل بن عطاء، مثل السبئية([75]) من الغلاة الشيعة أتباع عبدالله بن سبأ، وهكذا دواليك.
يقول الشاطبي([76]) رحمه الله مبيناً أن المبتدع لأجل أن ينال الشهرة فإنه يزيد في بدعته ويجتهد فيها: "المبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والمال والجاه، وغير ذلك من أصناف الشهوات، بل التعظيم على شهوات الدنيا، ألا ترى إلى انقطاع الرهبان في الصوامع والديارات عن جميع الملذوذات! ومقاساتهم في أصناف العبادات، والكف عن الشهوات، وهم مع ذلك خالدون في جهنم، قال تعالى في كتابه الكريم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً)([77])، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)([78])، وما ذاك إلا لخفة يجدونها في ذلك الالتزام، ونشاط بداخلهم يستسهلون به الصعب بسبب ما داخل النفس من الهوى، فإذا بدا للمبتدع ما هو عليه رآه محبوباً عنده لاستبعاده للشهوات، وعمله من جملتها، ورآه موافقاً للدليل عنده، فما الذي يصده عن الاستمساك به والازدياد منه، وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلى، أفيفيد البرهان مطلباً؟ (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء)([79])". أ.هـ.
مما تقدم يتضح أن البغي واتباع وإيثار الدنيا عامل رئيس من عوامل تكون الفرق "فالذين في قلوبهم مرض وزيغ إلى الهوى إيثارهم للدنيا دفعهم إلى تتبع المتشابه من آيات القرآن الكريم، فأدى هذا إلى الاختلاف فيه، ومن ثم أدى هذا إلى إثارة الشبهات، ومن ثم تكونت الفرق، وغالباً ما يكون زعماء الفرق ورؤوسهم من أهل الزيغ، وهذا لا يمنع وجود بعض الأتباع من المخدوعين المفتونين الذين ضللهم أهل الزيغ"([80]).
السبب الخامس: الاتجاهات السياسية:
الاتجاهات السياسية يعنى بها عند بعض أصحاب المقالات والفرق ــ الأحزاب السياسية المتعارضة ــ التي نتج عنها فيما بعد اعتقادات تكونت منها الفرق المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة.
ويعنى بها عند البعض الآخر الخلافة أو الإمامة، أو الخلاف الذي نشب حول مسألة الإمامة.
وإذا كانت الأسباب السابقة أدت إلى ظهور الفرق، فالعوامل السياسية سبب من أسباب ظهور الفرق.
"فالشيعة بفرقها المختلفة إنما نشأت وتطورت نتيجة لأصل سياسي، والخوارج بطوائفها المتعددة إنما نشأت بعامل سياسي، والمعتزلة في نشأتها سياسية وهي في تطورها كذلك، بل إنها في عهد أبي الهذيل العلاف انقلبت فرقة سياسية سرية، ثم تم لها الانتصار حين استولت على السلطة لمدة طويلة، ويفسر الإرجاء نفس التفسير"([81]).
يقول الأستاذ محمد أبو زهرة:"ومن الأسباب الجوهرية التي أدت إلى ظهور الفرق، الخلاف السياسي الذي انبعث في صدر الدولة الإسلامية حول الخلافة، ولكنه حسم في وقته ولم يظهر له أي أثر، ثم اشتدت الخلافات بعد ذلك حول الخلافة، من يكون أحق بها ؟ أيكون من قريش جمعاء أم يكون من أولاد علي خاصة؟ أم يكون من المسلمين جميعاً؟ لا فرق بين نبيل وقبيل، وبيت وبيت، فالجميع أمام الله سواء والله يقول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)([82])، وهكذا انقسم المسلمون إلى خوارج وشيعة وجماعات أخرى"([83]).
"فالخلاف بدأ حول الإمامة لكنه تطور عبر الزمن وتمخض عن هذا الصراع السياسي ظهور الفرق، وقد انتشرت آراء هذه الفرق في ربوع العالم الإسلامي وتزال قائمة بين ظهرانينا... لقد كانت مشكلة الإمامة وهي مشكلة سياسية في أصلها هي السبب في ظهور الخوارج والشيعة، وبهذا يتبين أن نشأة الفرق الأولى في الإسلام إنما كان بسبب سياسي أولاً ولم تلبث هذه الفرق أن كفرت بعضها بعضاً نتيجة لتفسير كل منها لمدلول الإيمان فكفرت الخوارج مرتكب الكبيرة، بل أباح بعضهم دمه وأرجأت المرجئة الحكم عليه إلى يوم القيامة، وأما المعتزلة فقالوا: إنه في منزلة بين المنزلتين"([84]).(42/9)
يقول الأستاذ أحمد جلبي([85]) مبيناً أن الأحزاب التي اختلفت فيما بينها في مسألة الإمامة تحولت إلى مذاهب فكرية: "ولكن لم يقف أمر الافتراق عند هذه الفرق التي رأت رأياً معيناً في الإمامة بل سرعان ما تحولت تلك الأحزاب إلى مذاهب ذلك بأن النزاع السياسي حول الخلافة، ومن هو أولى بأن يكون خليفة المسلمين وأيهما كان على حق في موقفه علي أو معاوية رضي الله عنهما أو غيرها تحول إلى خلاف فكري حول الحكم على هؤلاء والحكم على أتباعهم، وقد أثار هذه المشكلة بهذه الصورة جماعة الخوارج الذين كفروا كثيراً من المسلمين، وأخرجوهم عن دائرة الجماعة المسلمة (أي جماعتهم كما كانوا يعتقدون)، ومن هنا بدأت محاولات فكرية لتحديد معنى الإيمان وأركانه أو الشروط التي ينبغي توفرها حيث يعد الشخص مؤمناً، والفرق بين الإسلام والإيمان، وحكم مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن عاص أو كافر خارج عن الملة كم زعمت الخوارج وظهرت في إطار هذه الأبحاث جماعة المرجئة الذين اتخذوا رأي في الطرف المقابل لآراء الخوارج ثم ظهرت مذاهب عقائدية كلامية متعددة..".
من كل ما تقدم أتضح أن الإمامة والتي هي محور الخلاف بين الاتجاهات السياسية أو الأحزاب السياسية كانت سبباً في ظهور الفرق، ولقد أجاد الشهرستاني([86]) عندما قال: "أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان ومكان".
السبب السادس: العصبية للقوم والجنس ونحوها:
كانت تقطن جزيرة العرب قبل البعثة النبوية الشريفة وبعدها قبائل متعددة تفتخر تفتخر كل قبيلة بما لها من صفات، وتعبر عن ذلك بوسائلها الإعلامية المختلفة آنذاك والتي كان منها الشعر والأدب بوجه عام.
وأحياناً لا يقتصر الأمر على الافتخار بمآثر الآباء والأجداد بل يتعدى إلى النيل من الآخرين وانتقاصهم.
ولما جاء الإسلام هذب النفوس وعالج ما فيها من أمراض فتهذبت وتربت على تعاليم هذا الدين الحنيف الذي كان من مبادئه:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)([87]).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ وهو يدرك أثر العصبية في النفوس ــ كان يوجه صحابته الأجلاء للتخلي عن هذا المنهج البغيض بالتصريح تارة وبالتلميح أخرى فصاغوا وقبلوا واستجابوا لتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم وإرشاداته الحكيمة ومع ذلك كانت هناك بقية باقية من العصبية في نفوس بعض الذين لم يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم ويتمكن منها فتأتمر بأمره وتنتهي عند نهيه.
لذا "لا يستطيع باحث في تاريخ صدر الإسلام أن يتجاهل عاملاً خطيراً كان وراء كثير مما جرى في تلك الحقبة الحاسمة من تاريخ المسلمين ذلك هو الصراع القبلي الذي لعب دوراً بارزاً في حياة الناس وأثر في مجاري الأمور وفي تحديد المواقف في كثير من القضايا السياسية المصيرية عصرئذ فالعرب قبل الإسلام كانت تسودهم حياة العصبية حتى قال أحدهم معظماً هذا الأمر:
فاحفظ عشيرتك الأدنين إن لهم***حقاً يفرق بين الزوج والموتِ
كما قال الآخر:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت** غويتُ وإن تَرْشُد غزية أرشدُ
وكان من صور العصبية ومظاهرها أن لا يمكن تخضع قبيلة لأخرى ونشبت حروب كثيرة بهذا السبب مثل حرب البسوس بين بكر وتغلب وحرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان"([88]).
هذا عرض موجز للصراع القبلي والتعصب الجاهلي الذي كان سائداً آنذاك.
أما عن أثر التعصب في ظهور بعض الفرق الإسلامية:
فلقد دخل في هذا الدين أمم وشعوب كثيرة مختلفة القبائل والأجناس والطباع والألوان، وبديهي أن لا يكونوا على درجة واحدة من التقى والصلاح، فمنهم من استقر الإيمان في سويداء قلبه وخالط بشاشتها ومنهم من تغلب هواه على إيمانه الضعيف ومنهم من كان متأثراً بتراث الآباء والأجداد فيتعصب لكل صغيرة وكبيرة فيه.
وإذا كانت العصبية ذات أثر في الحروب بين القبائل العربية فهي "ذات أثر كبير في كثير مما وقع من أحداث في تاريخ صدر الإسلام، فقد كان لها أثر مماثل في التمهيد لنشأة الخوارج وفي استمرار وجودهم لسنوات طويلة بعد ظهورهم، ولعل أول موقف خطير ظاهر تمثلت فيه العصبية الجاهلية وأسهم في تعزيز أمر الخوارج فيما بعد كان موقف الأشعث بن قيس([89]) من اختيار ممثل علي في الحكومة حين اعترض على ترشيح عبدالله بن عباس قائلاً والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة، ولما لفت علي نظره وحذره من تكليف أبي موسى الأشعري([90]) قدم عصبيته اليمنية على الراية التي يحارب تحت ضلالها وقال: والله لئن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب وحكمهما وهما مضريان"([91]).(42/10)
وظهر كذلك التعصب واضحاً في مسألة الإمامة أو الخلافة فهؤلاء يرون أن تكون في آل البيت لا تخرج عنهم وآخرون يرون أنها تكون في قريش وآخرون يرون أنها تحصل لكل إنسان حتى وإن كان غير عربي من الموالي وهذا رأي الخوارج الأمر الذي جعل كثيراً من الموالي ينضمون إلى الخوارج إعجاباً بمذهبهم السياسي الذي يسوي بين المسلمين من عرب وعجم في الترشيح للخلافة، ومناصب الحكم والمكانة الاجتماعية، وإذا كان التعصب القبلي أثر في ظهور الخوارج والشيعة فإن التعصب للجنس البشري ذو أثر هو الآخر في ظهور الفرق.
فمنذ طلائع الفتح الإسلامي إلى أن استقر الملك في بني أمية أسلم كثير من الفرس وغيرهم، وكانت قد نبتت من أبنائهم نابتة أجادت اللغة العربية وكان هؤلاء العجم أم المنحدرون من أصول أعجمية يعيشون مع العرب ويخالطونهم ويرتبطون بهم برابطة الولاء، وللولاء مظاهر شتى، فقد يكون نتيجة للعتق إذ ينسب العتيق إلى سيده الذي أعتقه أو إلى قبيلة من أعتقه، وقد يكون غير ذلك ولهذا سمي الأعاجم موالي لأن بلادهم فتحت عَنْوَة بأيدي العرب، وكان للعرب استرقاقهم، فإذا تركوهم أحراراً فكأنهم اعتقوهم وقد أنبتت المواقف والأحداث التاريخية التي ساقها لنا المؤرخون أن بعض هؤلاء الموالي كانوا ينظرون إلى العرب المسلمين نظرة حقد وبغض كان مصدره تقويض عرشهم على أيدي هؤلاء المسلمين بالإضافة إلى أنهم يبادلون بعض العرب نفس الشعور الذي يقابلون به من قبل بعض العرب المسلمين الذين كانت لديهم عصبية للجنس العربي آنذاك([92]).
ونتج عن التعصب للجنس ضد جنس آخر عواقب وخيمة وآثار كبيرة منها ظهور بعض الفرق الإسلامية وغيرها على أيدي هؤلاء الموالي، وذلك مثل الجعد بن درهم([93]) مولى سويد بن غفله([94]) أصله من خراسان هو الذي أظهر القول بخلق القرآن وهو الذي أنكر أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وهو أول من تكلم في صفات الله عز وجل كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية([95])، وهو أول من حفظ عنه أنه قال: إن الله ليس على العرش حقيقة وأن معنى استوى استولى، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى([96]) وهو أول من تفوه بكلمة خبيثة في الاعتقاد كما حكى ذلك السفاريني في لوامع الأنوار البهية([97]) نقلاً عن السيوطي في الأوائل، فهو مؤسس فرقة الجهمية وإن كانت الجهمية تنسب إلى تلميذه الجهم بن صفوان.
فمن الموالي إذاً ظهر من فرّق كلمة المسلمين في أصول هذا الدين، وقاتل عمر ابن الخطاب الخليفة الثاني هو غلام مجوسي للمغيرة بن شعبة يدعى أبو لؤلؤة المجوسي، وكان حانقاً على عمر بسبب الجزية التي فرضت عليه وعلى من في حكمه من الموالي، وعلى كل حال فثمرة التعصب ــ سواء للقيم أو للجنس ــ الاختلاف والفرقة والتباغض، فهو ظاهرة مذمومة تؤدي إلى التفرق والتعادي، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ليس فينا من دعى إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية)([98])، وهو من خصال أهل الكتاب التي تكون في هذه الأمة، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ)([99]).
فوصف اليهود بأنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاءهم من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له، وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة في العلم أو الدين من المتفقهة أو المتصوفة أو غيرهم أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يقبلون من الدين لا فقهاً ولا رواية إلا ما جاءت به طائفتهم، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم مع أن دين الإسلام يوجب إتباع الحق مطلقاً رواية ورأياً من غير تعيين شخصٍ أو طائفةٍ غير الرسول صلى الله عليه وسلم([100]).
السبب السابع: التأويل لبعض الأدلة:
وهذا سبب آخر من أسباب ظهور الفرق بل هو أساس كل ضلالة ومنشأ كل بدعة فما دخل على دين إلا أفسده وما سلكه أتباع ملّة إلا ضلوا وأضلوا وابتعدوا عن الصراط المستقيم، فسلوكه خروج من الاجتماع إلى الفرقة، من الهدى إلى الضلالة والبدعة.
ومما لا شك فيه أن تأويل الآيات والأحاديث والخروج بها عن معناها الذي أراده الله سبحانه وتعالى منها إلى معنى مجازي سبب عظيم لظهور الفرق ووجودها.
ومن قبل التأويلات والظن بأنها يجب أن يصرح بها في الشرع نشأت فرق الإسلام حتى كفر بعضهم بعضاً وبخاصة الفاسدة منها.(42/11)
"فأوّلت المعتزلة آيات كثيرة وأحاديث كثيرة، وصرحوا بتأويلهم للجمهور وكذلك فعلت الأشعرية، وإن كانوا أقل تأويلاً، فأوقعوا الناس من قبل ذلك في شنآن وتباغض، وحروب، ومزقوا الشرع وفرقوا الناس كل التفريق وزائداً إلى هذا كله أن طرقهم التي سلكوها في إثبات تأويلاتهم ليسوا فيها من الجمهور ولا مع الخواص لكونها إذا تؤملت وجدت ناقصة عن شرائط البرهان، والصدر الأول إنما صار إلى الفضيلة الكاملة والتقوى دون اللجوء إلى التأويل، أما من أتى بعدهم فإنهم لما استعملوا التأويل قل تقواهم وكثر اختلافهم وارتفعت محبتهم وتفرقوا فرقاً"([101]).
"وإذا تأمل المتأمل فساد العالم وما وقع فيه من التفرق والاختلاف وما دفع إليه أهل الإسلام وجده ناشئاً من جهة التأويلات المختلفة المستعملة في آيات القرآن وأخبار الرسول صلوات الله وسلامه عليه التي تعلق بها المختلفون على اختلاف أصنافهم في أصول الدين وفروعه، فإنها أوجبت ما أوجبت من التباين والتحارب وتفرق الكلمة وتشتت الأهواء وتصدع الشعل وانقطاع الحبل وفساد ذات البين حتى صار يكفر ويلعن بعضهم بعضاً، وترى الطوائف منهم تسفك دماء الآخرين وتستحل منهم أنفسهم وحرمهم وأموالهم ما هو أعظم مما يرصدهم به أهل دار الحرب من المنابذين لهم، فالآفات التي جنتها ويجتنيها كل وقت أصحابها على العلة والأمة من التأويلات الفاسدة أكثر من تحصى أو يبلغها وصف واصف أو يحيط بها ذكر ذاكر ولكنها في جملة القول أصل كل فساد، وفتنة، وأساس كل ضلالة وبدعة، والمولدة لكل اختلاف وفرقة، والناتجة أسباب كل تباين وعداوة وبغضة"([102]).
"فالتأويل هو الذي فرّق اليهود إحدى وسبعين فرقة، والنصارى اثنين وسبعين
فرقة، وهذه الأمة ثلاث وسبعين فرقة، فأما اليهود فإنهم بسبب التأويلات التي استخرجوها بآرائهم من كتبهم صاروا فرقاً مختلفة بعد اتفاقهم على أصل الدين وبسبب التأويلات الباطلة مسخوا قردة وخنازير وجرى عليهم من الفتن والمحن ما قصه الله، وبالتأويل الباطل عبدوا العجل حتى آل أمرهم إلى ما آل إليه وبالتأويل الباطل فارقوا حكم التوراة واستحلوا المحارم وارتكبوا المآثم فهم أئمة التأويل والتحريف والتبديل والناس لهم فيه تبع".
وأما فساد دين النصارى من جهة التأويل فأول ذلك ما عرض في التوحيد الذي هو عمود الدين فإن سلف المثلثة قالوا في الربوبية في التثليث، وحديث الأقانيم، والأب والابن وروح القدس ثم اختلف من بعدهم في تأويل كلامهم اختلافاً تباينوا به غاية التباين، وإنما عرض لهم هذا الاختلاف من جهة التأويلات الباطلة.. ولم يزل أمرهم بعد المسيح على منهاج الاستقامة حتى ظهر فيهم المتأولون فأخذت عرى دينهم تنتقص، والمتأولون يجتمعون مجمعاً بعد مجمع وفي كل مجمع يخرج لهم تأويلات تناقض الدين الصحيح.
ومن جنايات التأويل ما وقع في الإسلام بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فجرى بسبب التأويل على الإسلام وأهله ما جرى، ثم جرت الفتنة التي جرّت إلى قتل عثمان بالتأويل، ولم يزل التأويل يأخذ مأخذه حتى قتل به عثمان فأخذ في الزيادة والتولد حتى قتل به بين علي وبين معاوية بصفين سبعين ألفاً أو أكثر من المسلمين، وقتل أهل الحرة بالتأويل، وقتل يوم الجمل بالتأويل من قتل.. ثم كانت فتنة الخوارج وما لقى المسلمون من حروبهم وأذاهم بالتأويل.. إلخ كلامه"([103]).
وبهذا يتبين أن ظهور الفرق كان من ضمن أسبابه ومن أهمها التأويل لنصوص الكتاب الكريم ولنصوص السنة الشريفة، فالشيعة على سبيل المثال تأوّلت كثيراً من نصوص القرآن الكريم في حب آل البيت في تعيين علي رضي الله عنه خليفة للمسلمين، وإذا كان هذا هو ديدنها في نصوص القرآن الكريم فهو منهجاً أيضاً مع نصوص السنة النبوية الشريفة،ولم يقف الأمر عند الحب لآل البيت وأحقيتهم في الخلافة، بل أولوا النصوص الكثيرة سواء في القرآن أو السنة للطعن في خيار الصحابة رضوان الله عليهم وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فكم من آية لووا ألسنتهم بها كي تأتي موافقة لما يحبون ويشتهون في أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة وغيرهم، فأسسوا فرقتهم على التأويل الفاسد.
والخوارج ليسوا أقل شأناً من الرافضة في عبور هذا المضيق المظلم فأسسوا فرقتهم على أسس قامت على التأويل فما كفّروا مرتكب الكبيرة إلا بالتأويل وما كفّروا علياً ومعاوية والحكمين ومن رضي بالتحكيم إلا بالتأويل.
والمرجئة والقدرية والمعتزلة وغيرهم نهجوا هذا المنهج الفاسد الوخيم وتركوا المنهج الصحيح المستقيم.
فعلى كل حال "لقد أسهمت قضية التأويل بنصيب وافر في توسيع دائرة الاختلاف بين الفرق الإسلامية وصارت به إلى أبعد نتائجه خطورة، ولم يكن وراء ذلك من دافع سوى الانتصار للمذهب والتعصب للرأي ودفع الخصم عن الاحتجاج بالآية بدعوى أنها مصروفة عن ظاهرها ومؤولة"([104]).
يقول ابن القيم رحمه الله([105]):
الأسباب الخارجية(42/12)
اتسم عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم بعهد الفتوحات الإسلامية الكبيرة والكثيرة لعدد من الأمصار والمناطق المحيطة بالجزيرة العربية وغيرها.
ولا ريب أن هناك اختلافاً كبيراً بين تلك الأمصار وبين مصدر الإشعاع الإسلامي مكة والمدينة.
هناك اختلاف بينهما في الجنس البشري، واختلاف بينهما في المعتقدات، واختلاف بينهما في الحضارات، واختلاف بينهما في العادات والتقاليد.
وكان سكان تلك الأمصار المفتوحة بعد الفتح ينقسمون إلى أقسام عدة:
فمنهم من يدخل الإسلام قلباً وقالباً طائعاً راضياً محباً راغباً، وهذا الصنف كان يعاني من الحسرات والويلات في معيشته ومأكله ومشربه في ظل الدين الذي كان يعتنقه قبل الإسلام، وكان يعاني أيضاً من الشك والريبة وعدم القناعة في معتقده لأنه بحث عن الحق فلم يجده فعاش في حيرة من أمره، فلما جاء الإسلام وانتشر علماً وعملاً؛ علماً بالدعوة التي كان ينشرها دعاة الإسلام من الصحابة وغيرهم في تلك البلاد المفتوحة، وعملاً بالمعاملة الحسنة التي يُعامِل بها دعاة الإسلام سكان تلك الأمصار لمَّا دخلوها؛ فرضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، ودخلوا الإسلام عن رضى وقناعة ومحبة وطاعة.
الصنف الثاني: ومن سكان تلك البلاد المفتوحة من دخل في الإسلام بمظهرة وأبى في مخبره لأنه يرى إن إتباع ما كان عليه آباؤه وأجداده هو الحق وما سواه ضلال!.. فَلِكَيْ لا يدفع الجزية أعلن إسلامه ظاهراً، وأخفى عقيدته الحقيقة باطناً؛ وهذا الصنف شكل خطراً عظيماً وبلاء جسيما على الأمة الإسلامية.
الصنف الثالث: ومن سكان تلك البلاد المفتوحة من رضي بدفع الجزية مقابل البقاء على ما كان عليه من قبل.
والصنفان الأخيران يشتركان في الحقد والبغض لهذا الدين، لذا حاولا أن يفسدا دين الإسلام بأي طريقة وحيلة. وقد سجل التاريخ على صفحاته بعضاً من تلك المحاولات التي تنجح مرة وتخفق أخرى.
هذا من واقع سكان تلك الأمصار مع أولئك الفاتحين وعن تأثر بعضهم بهذا الدين الجديد، ولكن ماذا عن تأثير عادات وتقاليد سكان تلك الأمصار على الفاتحين.
يقال بأن المغلوب يقلد الغالب والضعيف يقلد القوي ويرتسم خطاه، وهذا مثل يصح ويقبل؛ لكنه لا ينفي أي أثر لتأثر القوي بالضعيف والغالب بالمغلوب، مع العلم أنه لا يمكن عزو إسلام بعض سكان تلك الأمصار إلى النصر والتمكين الذي كان من نصيب الفاتحين، بل يعزى ذلك إلى سماحة الإسلام وموافقة تعاليمه للفطر السليمة خصوصاً عندما يقدم الإسلام لغير المسلمين قولاً وعملاً.
أقول: لا بد أن يكون هناك تأثير من سكان تلك الأمصار على الفاتحين لاختلاف الحضارات والمعتقدات والعادات والتقاليد وغيرها، وهذا ما حصل فعلاً!.. لقد كان عمر رضي الله عنه يمنع كبار الصحابة رضوان الله عليهم من الخروج إلى تلك البلاد المفتوحة، كل ذلك خوفاً من التأثر بما عند القوم، ولما سمح عثمان رضي الله عنهم جميعاً لعدد من الصحابة بالسياحة في أرض الله الواسعة حصل خلل واختلاف وافتراق وابتداع في الأمة. لذا عدّ بعض العلماء الذين كتبوا في الفرق اتساع الدولة الإسلامية والفتوحات الإسلامية سبباً من أسباب ظهور الفرق.
لقد كان من آثار تلك الفتوحات إن اختلط المسلمون بغيرهم من سكان تلك البلاد المفتوحة والذين ينتمون إلى أجناس متعددة ولغات متنوعة وعقائد متباينة.
لقد كانت هناك اليهودية وهي من قبل في جزيرة العرب، وكانت النصرانية وهي كذلك، وهناك المجوسية وهناك الوثنية الملحدة وغير ذلك، فالملل كثيرة والأمم أكثر. وكان التأثر يقع غالباً من المناقشات الكثيرة التي تدور بين الفاتحين وبين أتباع تلك الديانات من تلك الأمم خصوصاً، أن الذين أسلموا ظاهراً فقط يحاولون بين كل لحظة وأخرى بث السموم في صفوف المسلمين كما فعل اليهودي ابن السوداء عندما بث عقيدة الرجعة وهي من عقائد اليهود المعروفة وأصبحت فيما بعد من أصول عقائد الشيعة.
وأهم الديانات والملل التي أثرت في افتراق الأمة وجعلتها شيعاً وأحزاباً ما يلي:
(1) اليهودية.
(2) النصرانية.
(3) المجوس.
(4) الصابئة والوثنيون.
المبحث الأول
أهل الكتاب: اليهود والنصارى
(1) اليهود:
قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كان اليهود في جزيرة العرب، وكانوا يستفتحون على الذين كفروا، ويقولون سيُبعثُ منَّا نبي نقاتل معه فنقتلكم قتل عاد وإرم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به وأبغضوه وناصبوه العداء وهذه حقيقة ذكرها الله في كتابه، وبيّنها أصحاب السير([106]). قال الله تعالى: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ)([107]).(42/13)
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم يناصبون محمداً صلى الله عليه وسلم ــ والذين آمنوا به والدين الذي جاء به من عند الله ــ العداء.
وكان إخراجهم من جزيرة العرب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد زاد من حدة العداء للإسلام والمسلمين، ولا زالوا وسيبقون يكنون العداء لهذه الأمة حتى ينصر الله الحق ويبطل الباطل، وعندما نبحث عن أسباب الفتن وعن أسباب الفرقة والاختلاف ليس بين صفوف المسلمين بل في صفوف كل أمة من الأمم فلا بد أن نجد لليهود يداً مدبرة فيها.
وإذا كان الأمر كذلك فهم لا شك من أهم العوامل الخارجية التي أدت إلى الفرقة والاختلاف بين المسلمين، وليس ببعيد عنا ما فعله ابن سبأ اليهودي بالإسلام، فقد اتفق جل المسلمين أن الذي أضرم نار الفتنة والفساد، ومشى بين المدن والقرى بالتحريض والإغراء على أمير المؤمنين وخليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وينتقل من المدينة إلى مصر، وإلى المدينة، وإلى البصرة والكوفة، ومن قرية إلى أخرى، ينفث سموم الفتنة، ويوقع فيهم العداوة والبغضاء، هو عبد الله بن سبأ اليهودي([108]).
لقد كان لليهود ـــ الذين يعيشون في الجزيرة العربية قبل الإسلام وقامت بينهم وبين المسلمين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم منازعات ــ دور في كثير من الفتن والمؤامرات، ودخول بعضهم في الإسلام كان ليكيد له؛ فحاولوا نشر بعض الآراء والأفكار التي تشوِّه العقيدة الإسلامية، ولقد كانوا وراء الفرق المغالية من الشيعة والمجسمة والمشبهة التي تتعارض مع عقيدة الإسلام.
لقد وجدوا في حروب علي رضي الله عنه ومخالفيه مرتعاً كبيراً للفتن، ورأوا في تلك الأحداث فرصة لذيوع أفكارهم، فظهر في الشيعة الذي كانوا يزعمون أنهم يناصرون علياً فريقاً من المغالين، وهم السبئية الذين قالوا بإضفاء صفة القداسة على علي رضي الله عنه، وقالوا بفكرة الإمام المعصوم وأفكار الرجعة، وغير ذلك من الأفكار التي ذاعت بين فرق الغلاة من الشيعة([109]).
والباحث عندما يقرأ عن الشيعة وعن اليهود والعكس يجد بينهم من التشابه الكثير إلى يومنا هذا! وكيف لا يكون ذلك؟ وأصل الرفض وأول من ابتدعه يهودي كما قال شيخ الإسلام([110]) رحمه الله: "فإن الذي ابتدع الرفض كان يهودياً أظهر الإسلام نفاقاً، ودس إلى الجهال دسائس يقدح بها في أصل الإيمان، ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة؛ فإنه يكون الرجل واقفاً، ثم يصير مفضلاً، ثم يصير سبّاباً، ثم يصير غالياً، ثم يصير جاحداً معطلاً، ولهذا انضمت إلى الرافضة أئمة الزنادقة من الإسماعيلية والنصيرية، وأنواعهم من القرامطة والدرزية، وأمثالهم من طوائف الزندقة والنفاق"، وقال أيضاً: "وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة؛ فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له، ولهذا كان مبدأه من النفاق. قال بعض السلف: حب أبي بكر وعمر إيمان، وبغضهما نفاق، وحب بني هاشم إيمان، وبغضهم نفاق"([111]).
وقال في موضع آخر: "ومن أوجه الشبه بينهم وعلامته أن محنة الرافضة محنة اليهود، قالت: اليهود لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي، وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء، واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم.... إلخ"([112]).
هذه بعض أوجه الشبه كما أن هناك عقائد رافضية هي في أصلها يهودية فأفكار الرجعة([113]) والبداء([114]) وغيرها من عقائد شيعية غالية يهودية الأصل، وهناك بعض الفرق من الشيعة تأثرت تأثراً كبيراً بالعقائد اليهودية مثل الكيسانية والباطنية والإسماعيلية، ويرى البعض أن القدّاح منشئ الإسماعيلية وأولاده كانوا يهوداً([115]).
وليست اليهودية ذات أثر في ظهور فرقة الشيعة فقط، بل حتى في غيرها من الفرق التي تنتسب إلى الإسلام مثل الجهمية وغيرها.
فقد ذهب ابن الأثير وابن كثير وغيرهما إلى أن الجعد بن درهم تأثر بالثقافة اليهودية في قوله بخلق القرآن ونفي الصفات، فقد أخذ الجعد بن درهم بدعته عن بيان بن سمعان، وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم وزوج ابنته، وأخذها لبيد بن أعصم الساحر الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم عن يهودي باليمن، وأخذها الجهم بن صفوان عن الجعد بن درهم([116]).
(2) النصارى:(42/14)
لمَّا امتد الإسلام إلى خارج الجزيرة العربية اختلط المسلمون الفاتحون بالنصارى، واطلّعُوا على معتقداتهم، ونتج عن هذا الاختلاط تأثر كثير من النصارى بدين الإسلام، ودخولهم فيه عن رضى وقناعة تامّين، وبالمقابل فإن بعض النصارى واجهوا هذا الدين بالتشكيك في معتقداته ومناقشة الفاتحين ببعض أصول العقيدة الإسلامية، ومحاولة إدخال بعض الأفكار النصرانية في العقيدة الإسلامية، ويبرز ذلك واضحاً في نفي القدر الذي قال به بعض المسلمين، فقد انتقل إليهم من النصرانية، فنفي القدر قال به معبد الجهني واعتقده وسنَّ بذلك سنّة سيئة فضلَّ وأضلَّ، وهو أول من تكلم بالقدر كما نص على ذلك الذهبي([117])([118]).
ومما يؤكد تأثر بعض المسلمين بهذه العقيدة النصرانية المحرفة في القضاء والقدر ما ذكر المقريزي([119])([120]) مبيناً مصدر هذه الفكرة التي أتى بها معبد الجهني قال: "وكان أول من قال بالقدر في الإسلام معبد بن خالد الجهني، وكان يجالس الحسن([121]) بن الحسين البصري، فتكلم في القدر بالبصرة، وسلك أهل البصرة مسلكه، وأخذ معبد هذا الرأي عن رجل من الأساورة يقال له أبو يونس([122]) سنسوية ويعرف بالأسواري".
ويصرح اللالكائي([123])([124]) بسند طويل عن الأوزاعي([125]) أن مصدر القول بالقدر مصدر خارجي هو النصرانية، وأن بعض المسلمين الضعفاء الإيمان أخذوا عنه ذلك. قال بعد ما ساق سنده الطويل... سمعت الأوزاعي يقول: "أول من نطق بالقدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانياً فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان([126]) عن معبد".
وليست النصرانية ذات أثر في ظهور فرقة القدرية فقط، بل حتى في فرقة الرافضة، لذا كان بين المعتقدات والتصورات النصرانية وبين بعض العقائد الشيعية شبه كبير "منها أن النصارى عبدوا عيسى، وكذلك غلاة الشيعة عبدوا علياً وأهل بيته، ومنها أن النصارى أطرت عيسى، وكذلك غلاة الرافضة أطروا أهل البيت حتى ساووهم بالأنبياء أو أفضل، بل اعتقدوا أنهم يعلمون الغيب وأن طاعتهم واجبة كطاعة الله ورسوله... إلخ ([127]).
ومن مظاهر تأثر الشيعة بالعقيدة النصرانية اعتقاد اتحاد اللاهوت بالناسوت الذي اعتقده بعض الرافضة في علي، كما اعتقد النصارى ذلك في المسيح، وهذا المعتقد واضح في عقيدة البيانية من الشيعة أتباع بيان بن سمعان، فقد ذكر الشهرستاني أن بيان([128]) بن سمعان قال: حل في علي جزء إلهي واتحد بجسده، فبه كان يعلم الغيب([129]).
وكذلك السبئية ذكر ذلك الشهرستاني عنهم، وكل الغلاة متفقون على هذا المعتقد الذي أصله نصراني، والغلاة على أصنافهم كلهم متفقون على التناسخ والحلول([130]).
وكذلك أثرت بعض المفاهيم والمعتقدات النصرانية في نشأة وظهور بعض المعتقدات في فرقة المعتزلة يقول زهدي جارالله([131]): "يميل بعض المستشرقين إلى القول بتأثر المعتزلة باللاهوت المسيحي منهم (دي بور) الذي أصر على تأثر المسلمين([132]) في صدر الإسلام بالعقائد المسيحية، ولاسيما في مسألة القدر، ومنهم (ماكدرنال) الذي يرى أن القدرية تأثروا ولا ريب بأساليب الكلام اليونانية كما تطورت([133]) في المدارس البيزنطية والسورية، وبرى (فون كريمر) إلى الشبه بين قول آباء الكنيسة في إنكار عذاب النار وبين قول جهم بن صفوان في فناء الجنة و النار، وفناء حركات أهلهما، وهو ما أخذه المعتزلة فيما بعد عن الجهمية وحوروه فقالوا: إن الجنة والنار لا يفنيان، ولكن تفنى حركات أهلهما فقط".
وقال أيضاً ــ مبيناً أثر النصرانية في الاعتزال ــ: "ولكن الديانة التي كان أثرها في الاعتزال أكبر من أثر غيرها هي المسيحية، والأدلة على تأثر المعتزلة باللاهوت المسيحي هو ما نراه من الشبه العظيم بين كثير من عقائدهم وبين أقوال يحيى الدمشقي([134])، والمسائل الدينية([135]) التي كان يعالجها، فلا يعقل أن يكون ذلك الشبه وليد الصدف أو من قبيل توارد الأفكار، لأنه لا يقتصر على قول واحد أو فكر واحدة، بل يظهر جلياً في مسائل([136]) متعددة"([137]).
ومن خلال العرض المتقدم عن النصرانية يتبين أنها لعبت دوراً كبيراً في ظهور بعض الفرق وخصوصاً فرقة القدرية.
المبحث الثاني
المجوس
كان المجوس يقطنون بلاد فارس التي فتحت في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولذا قيل لهم الفرس.
ولقد كانوا أصحاب حضارة شامخة وتقاليد عريقة، وكانوا يرون أنهم سادة أقوياء وما سواهم ضعفاء، لذا كانوا ينظرون نظرة القوي إلى الضعيف التي تتصف دائماً بالازدراء والاحتقار.
وما كان يخطر ببال أحدكم، بل ببال الأمم المعاصرة لهم آنذاك أن هذا الملك سينهار في يوم من الأيام ــ لأنه مشيد على الجبروت والقوة ــ، أو أن يهتز عرش كسرى ويسقط على أيدي قوم مستضعفين هم رعاة الإبل والشاء وهم العرب.
ولما فتحت بلاد فارس في عهد عمر تحت القيادات العسكرية المختلفة انتصر الإسلام على المجوسية، وهزم المسلمون الفرس بإذن الله.(42/15)
ومن خلال المعارك المتكررة([138]) بين المسلمون والفرس، أيقن الفرس أنه لا قتال ولا حرب مع قوم يؤثرون الحياة الآخرة على الدنيا، ويقبلون على الموت بكل شجاعة وكل عزيمة، وهو أمر بهر([139]) قادة جيوش الفرس فضلاً عن الرعاع([140]) من الجنود والطغام([141]) من الناس، إذن ماذا يفعلون؟
تشاور جماعة من المجوس والمزدكية وشرذمة من الثنوية الملحدة، وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة المتقدمين، وضربوا سهام الرأي في استنباط تدبير يخفف عنهم ما نابهم من استيلاء أهل الدين وينفس عنهم كربة ما دهم من أمر المسلمين... فاتفقوا على انتحال عقيدة طائفة من فرق المسلمين، وأن ينتسبوا إليها وأن يعتزوا بآل البيت([142])، وهكذا فعل المجوس فقد لجأوا في هدم هذا الدين إلى الحيلة فأسلم منهم طائفة ظاهراً لا باطناً، وغلا في حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول أبو محمد بن حزم مبيناً طريقتهم تلك([143])، وأنها تسببت في ظهور الفرق فيما بعد مثل الشيعة، "والأصل في خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم، حتى إنهم كانوا يسمون الأحرار والأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب([144])، وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيداً الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع([145]) فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشناع ظلم علي رضي الله عنه، ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام، وقد سلك هذا المسلك عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي؛ فإنه لعنه الله أظهر الإسلام ليكيد أهله، فهو كان أصل إثارة الناس على عثمان رضي الله عنه، وأحرق علي بن أبي طالب طوائف أعلنوا بإلهيته، ومن هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة، وهما طائفتان مجاهرتان بترك الإسلام جملة قائلتان بالمجوسية المحضة".
وإضافة إلى ما قاله أبو محمد فإن نظرة سريعة يلقيها القارئ على معتقدات الفرق الغالية من الشيعة أو القدرية أو الخوارج، ثم نظرة أخرى يلقيها على معتقدات الفرق المجوسية؛ يدرك أن معتقدات الفرق الغالية هي مجوسية أصلاً ومنشأ، وإليكم الأمثلة:
أولاً: من الشيعة:
الاعتقاد بالتناسخ ذهبت إليه المانوية([146]) من المجوس أتباع ماني، فقد قال ماني في بعض كتبه أن الأرواح التي تفارق الأجسام نوعان، أرواح الصديقين وأرواح الضلالة، فأرواح الصديقين إذا فارقت أجسادها سرت في عمود الصبح إلى النور الذي فوق الفلك، فبقيت في ذلك العالم على السرور الدائم، وأرواح أهل الضلال إذا فارقت الأجساد، وأرادت اللحوق بالنور الأعلى ردت منكسة إلى أسفل، فتتناسخ في أجسام الحيوانات إلى أن تصفو من شوائب الظلمة ثم تلحق بالنور العالي([147]).
هذا هو اعتقاد المانوية من المجوس، وهو اعتقاد تعتقده بعض فرق الغلاة من الشيعة كالبيانية([148])، والسبئية([149])، والجناحية([150])، والرواندية([151])، والخطابية([152]) ثم الروافض، كلها قالت بتناسخ روح الإله في الأئمة بزعمهم، وأول من قال بهذه الضلالة السبئية، وزعمت البيانية أن روح الإله دارت في الأنبياء ثم في الأئمة إلى أن صارت في بيان بن سمعان([153]).
ثانياً: من القدرية:
وأما أهل التناسخ من القدرية فجماعة منهم أحمد بن خابط([154])، وكان معتزلياً منتسباً إلى النظام([155])، وزاد على النظام في ضلالته في التناسخ، فقد زعم أن الروح لا تزال في هذه الدنيا تتكرر في قوالب وصور مختلفة ما دامت طاعته مشوبة بذنوبه، وعلى قدر طاعته وذنوبه يكون منازل قوالبه في الإنسانية والبهيمية، ويقصد بذلك أن الروح تنسخ من جسد إلى جسد آخر سواء كان الجسد للإنسان أم للحيوان([156]).
ومما أخذته القدرية عن المجوسية أيضاً ما زعمته الخابطية من القدرية أن للخلق ربين وخالقين، أحدهما قديم وهو الله سبحانه وتعالى، والآخر مخلوق وهو عيسى بن مريم. قال البغدادي([157]): "قد شاركت الخابطية الثنوية والمجوس في دعوى خالقين، وقولها شر من قولهم لأن الثنوية والمجوس أضافا اختراع جميع الخيرات إلى الله، وإنما أضافا فعل الشرور إلى الظلمة والشياطين، وأضافت الخابطية فعال الخيرات كلها إلى عيسى بن مريم".
ثالثاً: من الخوارج:
وكذلك تأثرت فرقة الميمونية([158]) من الخوارج ببعض المعتقدات المجوسية، فقد زاد ميمون على بدع القدرية والخوارج بضلالة اشتقها من دين المجوس، وذلك أنه أباح نكاح بنات الأولاد من الأجداد وبنات أولاد الأخوة والأخوات وقال: "إنما ذكر الله تعالى في تحريم النساء بالنسب الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخوات ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين ولا بنات أولاد الأخوة ولا بنات أولاد الأخوات.... "إلخ([159]).
رابعاً: الباطنية:(42/16)
أما الباطنية فلم تتأثر في معتقدها ببعض الآراء المجوسية، أو لم يكن للمجوسية دور في ظهورها فقط بل ذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، ولم يجسروا على إظهاره خوفاً من سيوف المسلمين، فوضع الأغمار([160]) منهم أسساً من قْبِلَهَا منهم صار في الباطن إلى تفضيل أديان المجوس([161]).
وذكر زعماء الباطنية في كتبهم أن الإله خلق النفس، فالإله هو الأول والنفس هو الثاني، وهما مدبرا هذا العالم وسموهما الأول والثاني، وربما سموهما العقل والنفس، وقولهم أن الأول والثاني يدبران العالم هو بعينه قول المجوس بإضافة الحوادث لصانعين، أحدهما قديم والآخر محدث، إلا أن الباطنية عبرت من الصانعين بالأول والثاني، وعبر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن([162]).
من خلال ما تقدم بيانه اتضح كيف لعب المجوس دوراً بارزاً في ظهور بعض الفرق الإسلامية، وكيف أن معتقدات تلك الفرق هي مجوسية في أصلها.
المبحث الثالث
الصابئة والوثنيون
أولاً: الصابئة([163]):
يتواجد الصابئة على ضفاف دجلة([164]) والفرات([165])، في المناطق السفلى من النهرين أي في منطقة البطائح([166]).
وكانوا يعيشون في تلك الأصقاع([167]) قبل الفتح الإسلامي، فلما فتحت بلاد فارس والعراق، وجد الصابئون بأعداد كبيرة([168]).
واختلف العلماء في تعريف الصابئة التي وردت في القرآن في ثلاث مواضع تقريباً، فيرى بعضهم([169]) أنهم قوم بين المجوس واليهود والنصارى وليس لهم دين، ويرى بعضهم([170]) أنهم كالمجوس، وقال آخرون([171]) هم قوم يعبدون الملائكة، وقال آخرون([172]) هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه، وقال بعضهم([173]) هم قوم عدلوا عن دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة([174]).
وتتلخص عقيدتهم في النقاط التالية:
(1) يقولون أن للعالم صانعاً فاطراً حكيماً مقدساً.
(2) يتقربون إلى هذا الصانع بالمقربين الروحانيين وهم الملائكة.
(3) يستشفعون بالملائكة ويسألون حاجتهم منهم.
(4) يقولون لا فرق بيننا وبين الأنبياء إذ لا طاعة لهم ولا اتباع لسنتهم.
(5) يعتقدون أن المدبر لهذا الكون بكامله هم الروحانيين بأمر من الحضرة القدسية.
(6) يقولون بتناسخ الأرواح.
(7) يقولون بحلول الحضرة القدسية بالبشر وخصوصاً ــ على حد زعمهم ــ أصحاب النفوس الزكية([175]).
وذكر الرازي أنهم يعبدون الكواكب([176]).
ونظراً لاختلاف الناس فيهم فربما أضيف إلى هذه المعتقدات معتقدات أخرى، ويرى الباحثون([177]) المتأخرون أنهم ينقسمون إلى قسمين:
(أ) صابئة البطائح وهم المقصودون في القرآن لكريم وهم الذين خضعوا للجزية بعد الفتح الإسلامي.
(ب) الصابئة الحرانيون عبدة الكواكب.
وعلى أية حال فالصابئة المندائيون أو الحرانيون أثرت معتقداتهم في معتقدات بعض الفرق المبتدعة.
فالحلول عقيدة من عقائد الحرانية كما قال ذلك الشهرستاني([178])، ونقل نصوصاً عنهم في هذا الشأن، وقد قالت بعض الفرق بقول الحرانية الذي حكاه عنهم الشهرستاني في الملل، فمن الشيعة قالت السبئية بأن علياً صار إلهاً لحلول الإله فيه، والخطابية كلها حلولية لدعواها حلول روح الإله في أحد الأئمة([179]).
ومن الصوفية قالت الحلاجية([180]) أتباع الحلاج بحلول روح الإله في الحلاج، وقد أدعى الحلاج لنفسه الألوهية، وقال بالحلول وعظم افتراؤه على الله سبحانه وتعالى، ووجدت له كتب فيها حماقات وكلام مقلوب وكفر عظيم([181]).
والصابئة أيضاً يقولون بالتناسخ بل منشأ التناسخ منهم كما قال الشهرستاني([182]): "وإنما منشأ أصل التناسخ والحلول من هؤلاء القوم".
وعندما يطلع المطلع على معتقدات بعض الفرق الكلامية يجد أنها تقول بالتناسخ، وهي تقصد من وراء هذا القول أن تهدم مبدأ المعاد والقيامة، فهم يُصرحون لا قيامة و آخرة، وإنما هي أرواح تتناسخ في الصور، وجعل أصحاب التناسخ للأرواح ثواباً يثاب عليه أهل الخير، وعقاباً يعاقب عليه أهل الشر، وذلك في الحياة الدنيا عن طريق التناسخ.
فالدروز([183]) يقولون بانتقال النفس من جسم بشري إلى جسم بشري آخر لاعتقادهم أن النفس لا تموت بل إن الجسم هو الذي يموت([184]).
وكذلك قالت الكاملية([185]) من الشيعة فقد قالت بتناسخ الأرواح وقت الموت([186]).
وكذلك قالت النصيرية([187]) من الشيعة فقد قالت بالتناسخ والغلو في أبي الحسن([188]).
والأمثلة كثيرة في هذا الجانب مما لا يجعل مجالاً للشك في أن الصائبة قد أثرت كغيرها في معتقدات بعض الفرق.(42/17)
ومن عقائد الصائبة الحرانية التي تعتقدها وتلقتها منها بعض الفرق الكلامية، هي نفي الشر عن الله تعالى وعدم نسبته إليه، فقد قالت الحرانية بعدم نسبة الشر إلى الله، وزعموا أن الله تعالى أجل من أن يخلق الشرور والقبائح والأقذار والحيات والعقارب، بل هي كلها واقعة ضرورة عن اتصالات الكواكب سعادة ونحوسة، واجتماعات العناصر صفوة وكدورة، فما كان من سعد وخير فينسب إلى الباري تعالى، وما كان من نحوسة وشر وكدر فهو الواقع ضرورة فلا ينسب إليه([189]).
وهذا المعتقد للحرانيين من الصائبة هو ما قالته فرقة النظامية من المعتزلة، فقد قالت أن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي، وليست هي مقدورة للباري تعالى، وأما بقية المعتزلة فقد قالوا الباري قادر عليها لكنه لا يفعلها لأنها قبيحة([190]).
ومن المعروف أن هذا معتقد بطل تمام البطلان، ومعتقدنا أهل السنة والجماعة أن الخير والشر كله من الله، فما كان من الخير فبإرادته الدينية الشرعية والكونية، وما كان من الشر فبإرادته الكونية القدرية([191]).
وبهذا يتضح كيف كان للمعتقدات الصابئية أثر في معتقدات بعض الفرق الكلامية على اختلاف أقسامها.
ثانياً: الوثنيون:
الوثنيون هم أصحاب المعتقدات الوثنية الباطلة على اختلاف بلدانهم التي يسكنونها، سواء في جزيرة العرب أو في الهند والفرس وغيرها، وإحصاء العقائد الوثنية أمر في غاية الصعوبة، وحسبنا أن نذكر بعض عقائد الوثنين، ونبين أثرها في ظهور الفرق المبتدعة، وأكثر وأكبر تأثير كان للوثنية على الفرق المبتدعة كان عن طريق تعريب كتب الفلسفة اليونانية وغيرها من كتب العقائد اليونانية في عهد المأمون([192])، فاطلع عليها طائفة من المسلمين وانخدعوا بمقرراتها وبمناهجها في البحث، وأكثر الفرق تأثراً بذلك فرقة المعتزلة كما هو واضح في منهجها الكلامي وجدلها الفلسفي، وأثرت الوثنية كذلك في فكر بعض زعماء الفرق فنشأ عنها معتقد خاص، وتكون من هذا المعتقد فرقة انتسب إليها جمع من الناس، وأوضح مثال على ذلك التأثير: تأثير الوثنية في ظهور تلك المناظرة التي وقعت بين الجهم بن صفوان([193])، وبين طائفة السمنية([194]) الوثنية، فقد ذكر الإمام أحمد: "أن مناظرة وقعت بين الجهم والسمنية في إثبات الله عز وجل، انتهى فيها الجهم بن صفوان إلى أن شبه الله فيها بالروح التي لا ترى ولا تحس ولا تسمع"([195]). فنتيجة لمخالطة السمنية ومناظرتهم افترى على الله إثما مبيناً.
ومن العقائد التي اقتبسها أصحاب الفرق المبتدعة من الوثنيين ومعتقداتهم الضالة عقيدة التناسخ، فهي عقيدة كان يقول بها السمنية أيضاً، كما حكى عنه ذلك عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق([196])، فقد قال: "قال فريق منهم بتناسخ الأرواح في الصور المختلفة وأجازوا أن ينقل روح الإنسان إلى كلب وروح الكلب إلى إنسان". وهذا المعتقد نفسه قالت به بعض الفرق الغالية سواء من الشيعة أو من المعتزلة أو غيرهم.
والتناسخ ليس منهج لفرقة السمنية الوثنية، بل هو أيضاً منهج اتخذته فرق وثنية أخرى كالبراهمة([197])، بل هو كما قال البيروني علامة النحلة الهندية:"كما أن الشهادة بكلمة الإخلاص شعار إيمان المسلمين، والتثليث علامة النصرانية، والإسبات([198]) علامة اليهود، كذلك التناسخ علم النحلة الهندية فمن لم يك منها، ولم يعد من جملتها"([199]).
مما سبق بيانه إذا اتضح الدور الذي قام به الوثنيون في نشر بعض المعتقدات ــ التي هي من صميم ملتهم ــ في فكر بعض زعماء الفرق المبتدعة يتكون من هذه المعتقدات فيما بعد عقيدة، ثم يصبح لها رئيس وأتباع يدعون إليها، ثم تكون فيما بعد فرقة ذات منهج وفكر، وعقيدة لها من يناضل عنها، ويجاهد في سبيلها ويدعو لها.
(1) سورة آل عمرن: 100 ــ 105.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه: 4/2053، حديث رقم: 2666.
([1]) الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، د. عبد الله بن أحمد القادري: 2/289، دار المنارة بجدة، ط 1، 1405 هـ.
([2]) الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، د. عبد الله أحمد الغامدي: 1/417 ــ 418.
([3]) صفوة الآثار والمفاهيم للشيخ عبد الرحمن الدوسري: 4/278 بتصرف، طباعة شركة العبيكان للطباعة والنشر، الرياض، ط 1، 1405 هـ.
([4]) سورة الأنفال: 46.
([5]) سورة الروم: 30 ــ 32.
([6]) جامع الرسائل لابن تيمية، المجموعة الثانية، تحقيق محمد رشاد سالم، ص 229 ــ 230، ط دار المدني للنشر والتوزيع، ط 1، 1405 هـ.
([7]) سورة الأنعام: 159.
([8]) الجامع لأحكام القرآن: 7/150، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1965م.
([9]) انظر: تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير، اختصار محمد نسيب الرفاعي: 2/182، ط 3، 1400 هـ، مجهولة المكان.
([10]) الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، د. عبد الله بن أحمد القادري: 2/383.(42/18)
([11]) الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، د. عبد الله القادري: 1/420، نقلاً عن رسالة وجوب التعاون بين المسلمين للشيخ عبد الرحمن السعدي.
([12]) سورة الأنفال: 46.
([13]) سورة الأنفال: 46.
([14]) سورة آل عمران: 105.
([15]) قال الألباني أخرجه أحمد: 4/278 هو وابنه عبد الله في الزوائد: 4/375، والقضاعي: 3/1 عن أبي وكيع الجراح بن مليح عن أبي عبد الرحمن عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
([16]) سورة آل عمران: 105 ــ 107.
([17]) الجامع لأحكام القران: 4/167.
([18]) عبد الله بن عباس حبر الأمة وفقيه العصر وإمام التفسير. ولد بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين. صحب الرسول صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاثين شهراً، دعا له النبي فقال له: اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل، مات بالطائف سنة 68 هـ.
([19]) الجامع لأحكام القران: 4/167.
([20]) هو عبد الله بن المبارك، أبو عبد الرحمن، الحنظلي المرزوي اشتهر بالتقى والورع والزهد رحمه الله، ولد سنة 118 هـ. قال عنه ابن حجر: ثقة ثبت فقيه جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير، توفي سنة 181 هـ.
انظر عنه: سير أعلام النبلاء: 8/378، وتقريب التهذيب: 1/445 ترجمة رقم 583، وذكر أسماء التابعين ومن بعدهم للدار قطني: 1/201 ترجمة رقم 539، والكاشف للذهبي: 2/110 ترجمة رقم 2978.
([21]) الفتاوى: 1/217.
([22]) هو الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، السدوسي اليماني، سيد الحفاظ الأثبات، اختلف في اسمه على أقوال جمة أرجحها هو عبد الرحمن بن صخر , توفي سنة 59 وله ثمان وسبعون سنة.
([23]) صحيح مسلم , كتاب الطهارة , باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء: 1/217.
([24]) هو محمد بن أحمد بن سالم السفاريني النابلسي، محدث فقيه أصولي مؤرخ. ولد بسفارين، قرية من قرى نابلس سنة 1114هـ وتوفي فيها سنة 1188هـ.
([25]) انظر: لوامع الأنظار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضيئة في عقد الفرقة المرضية, تأليف محمد بن أحمد السفاريني, نشر مؤسسة الخافقين ومكتباتها محمد مفيد الحيمي, دمشق, ط2، 1402هـ.
([26]) الجامع لأحكام القرآن الكريم: 4/168.
(1) من خطل الرأي أي من فساده لأن الخطل هو المنطق الفاسد المضطرب. انظر: مختار الصحاح للرازي: ص 141.
(2) تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ص 141 بتصرف لمحمد علي أبو ريان، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ط 2، 1973م. وجعل المؤلف الصدارة للعوامل الداخلية لأنه لولا تواجدها لما كان هناك قبول للعوامل الخارجية.
(3) الفتاوى: 2/84.
(4) الفتاوى: 3/104.
(5) الفتاوى: 28/489.
(1) الفتاوى: 3/381.
(2) انظر لسان العرب لابن منظور: 15/132.
(3) الحسبة في الإسلام لشيخ الإسلام رحمه الله ص 37.
(4) الغلو والفرق الغالية للحضارة الإسلامية، د. عبد الله سلوم السامرآئي، ص 73 ــ 74 بتصرف، نشر دار واسط للنشر والتوزيع، بدون تاريخ.
([27]) سورة النساء: 171.
([28]) سورة المائدة: 77.
([29]) قال الألباني في الصحيحة 3/278، رقم 1283:
أخرجه النسائي: 2/49، وابن ماجه: 2/242،وابن خزيمة: 1/282 ــ 2، وابن حبان: 1011، والحاكم: 1/466، والبيهقي: 5/127، و أحمد: 1/215، 2/347، عن عوف بن أبي جميلة ثنا زياد بن حصين عن أبي الغالية عن ابن عباس الحديث، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وليس كذلك فإن زياد بن حصين لم يخرج له البخاري في صحيحه فهو على شرط مسلم فقط وكذلك صححه النووي في المجموع 8/171، وابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ص 51. أ.هـ بتصرف، وقد صححه شيخ الإسلام أيضاً في الفتاوى 3/ 408.
([30]) الفتاوى: 3/381.
([31]) الفتاوى: 3/383.
([32]) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: 4/1543.
([33]) محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى، أبو عبدالله، من آل الوزير، مجتهد باحث، من أعيان اليمن، له كتب منها كتابه إيثار الحق على الخلق، وتنقيح الأنظار في علوم الآثار، والعواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، توفي بصنعاء، انظر ترجمته: الأعلام 5/300.
([34]) إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، لأبي عبد الله محمد بن المرتضى اليماني، ص 84 ــ 100 بتصرف، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1403هـ.
([35]) حرمة الابتداع في الدين وكل بدعة ضلالة لأبي بكر الجزائري، ص 8، طبعة جمعية إحياء التراث بالكويت عام 1407هـ.
([36]) الإمام الجليل إمام أهل السنة والجماعة أبو عبد الله، الشيباني المروزي ثم البغدادي، ولد سنة 164هـ ببغداد وتوفي بها سنة 241هـ، قال الشافعي عنه: خرجتُ من بغداد وما خلفتُ فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد من أحمد.(42/19)
([37]) الإمام مالك بن أنس الأصبحي الحميري، أبو عبد الله، إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة، ولد على الأصح كما قال الذهبي سنة 93 هـ بالمدينة كان إماماً حافظاً مجوداً متقظ، توفي يوم الأحد الرابع عشر من ربيع الأول عام 179هـ.
([38]) سورة المائدة: 3.
([39]) المصدر السابق ص 8.
([40]) الفتاوى: 28/470.
([41]) الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ: ص 93، طبعة دار الاعتصام، بدون تاريخ.
([42]) منهاج السنة النبوية، تحقيق محمد رشاد سالم 5/260.
([43]) دراسات في الفرق، د. صابر طعيمة، ص 147، ط 1407هـ، نشر مكتبة المعارف بالرياض.
([44]) تأملات في التراث العقدي للفرق الكلامية (الخوارج)، ص 46 ــ 47، د. عبد السلام عبده، نشر دار الكتاب الجامعي، القاهرة، بدون تاريخ.
([45]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ص 38 بتصرف.
([46]) هو محمد بن كرام السجستاني المبتدع، شيخ الكرامية، كان زاهداً عابداً ربانياً بعيد الصيت كثير الأصحاب، لكنه يروي الواهيات، كان يقول: الإيمان قول باللسان فقط، توفي سنة 255هـ.
انظر عنه: سير أعلام النبلاء 11/ 523 -، والبداية والنهاية 11/20.
([47]) الخطط للمقريزي: 2/275 بتصرف.
([48]) هو معبد بن عبد الله بن عويمر الجهني، نزل البصرة، أول من تكلم في القدر من التابعين، حدّث عن جمع من الصحابة منهم معاوية وابن عباس، وحدّث عن مالك بن دينار وقتادة وغيرهم، وصلبه عبد الملك سنة 80هـ.
انظر عنه: سير أعلام النبلاء 4/185، والبداية والنهاية 9/34.
([49]) سورة ص: 26.
([50]) سورة النساء: 135.
([51]) أبو برزة الأسلمي هو نضلة بن عبيد، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، نزل البصرة وأقام مدة مع معاوية، قال ابن سعد: أسلم قديماً وغزا عدة غزوات وشهد فتح مكة، مات سنة 64هـ واختلف في مكان موته قيل بخراسان وقيل بمرو وقيل بالبصرة.
انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء: 3/40 ــ 44، والكاشف للذهبي: 3/181 ترجمة رقم: 5946، وتقريب التهذيب: 2/303، ترجمة رقم: 106، وتاريخ بغداد: 1/182، وطبقات ابن سعد: 4/298.
([52]) السنة لابن أبي عاصم: 1/12 ــ 14، وقال الألباني إسناده صحيح وقد أخرجه أحمد أيضاً والطبراني في الصغير.
([53]) روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم، ص 474.
([54]) روى هذا الحديث عن أنس بن مالك وعن عبد الله بن عباس وأبي هريرة وعبد الله ابن أبي أوفى وعبد الله بن عمر وقد روي عن أنس بطرق كلها ضعيفة، وعن ابن عباس بطرق كلها ضعيفة، وعن أبي هريرة بطريقين إحداها ضعيفة، وعن عبد الله بن أبي أوفى بطريق واحد ضعيف، وعن عبد الله بن عمر عن طريق فيه ابن لهيعة، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/412، رقم 1802، قال بعد أن ساق هذه الطرق وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إن شاء الله وبه جزم المنذري، فقد قال في الترغيب عقب حديث أنس 1/162: رواه البزار والبيهقي وغيرها وهو مروي عن جماعة من الصحابة وأسانيده وإن كان لا يسلم شيء منها من مقال فهي بمجموعها حسنة إن شاء الله تعالى.
([55]) هو عامر بن شراحيل وقيل عامر بن عبد الله بن شراحيل الحميري أبو عمر الكوفي من شعب همدان، قال ابن معين وأبو زرعة وغير واحد: الشعبي ثقة، وقال ابن حبان في ثقات التابعين: كان فقيهاً شاعراً، مات سنة 109هـ.
([56]) انظر: روضة المحبين ص 469 لابن القيم رحمه الله.
([57]) الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي: 4/222.
([58]) سورة النساء: 59.
([59]) النبوات لشيخ الإسلام ص 129، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1402هـ.
([60]) الاعتصام 1/142 ــ 144، لأبي إسحاق الشاطبي رحمه الله.
([61]) سورة آل عمران: 7.
([62]) سورة الأنعام: 159.
([63]) سورة آل عمران: 105.
([64]) الاعتصام 1/143 ــ 144 لأبي إسحاق الشاطبي.
([65]) مختصر الصواعق المرسلة 3/903، تحقيق د. علي الدخيل الله.
([66]) هو: نمرود بن كنعان بن قوش أول جبار في الأرض، أشار القرآن كثيراً إلى قصته مع الخليل عليه السلام في سورة البقرة وفي الشعراء والعنكبوت وغيرها، انظر: الموسوعة العربية الميسرة 2/1847.
(2) سورة البقرة: 258.
(3) سورة غافر: 26.
(4) سورة غافر: 36 ــ 37.
([67]) سورة الزخرف: 51 ــ 54.
([68]) تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، ص 10 بتصرف.
([69]) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/219.
([70]) الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي، من أهل البصرة صحب في أول أمره عبد الله بن عباس وكان بعد ذلك من الثآئرين على عثمان، ثم من الخارجين على علي في حروراء، قاتله المهلب بن أبي صفرة إلى أن قتل سنة 65هـ.(42/20)
([71]) العمروية أو العمرية أتباع عمرو بن عبيد بن باب، مولى بني تميم، المعتزلي القدري، قال ابن قتيبة: كان يرى رأي أهل القدر ويدعو إليه، كان يقول بالمنزلة بين المنزلتين، وقال بفسق الفرقتين المقاتلتين يوم الجمل، ورد شهادة رجلين أحدهما من أصحاب الجمل والآخر من أصحاب علي.
انظر: الفرق بين الفرق ص 20، 120، 121، والتبصير في الدين ص 69، والملل والنحل للشهرستاني 1/48 ــ 49، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/77.
([72]) النجدات أتباع نجدة بن عويمر الحنفي وهومن بني حنيفة فارق الفرقة الأزارقة بعدما كان من أتباعها خرج باليمامة سنة 66 أيام عبدالله بن الزبير واستولى على البحرين وعمان وما حولها، قتله أتباعه لنقمتهم عليه 69هـ.
([73]) الهشامية أتباع هشام بن الحكم الرافضي صاحب المقالة في التشبيه، له معتقدات فاسدة منها ما حكاه ابن الراوندي عنه أنه قال عن معبوده هو سبعة أشبار بشبر نفسه وأنه في مكان مخصوص وجهة مخصوصة وأنه يتحرك. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
انظر: الملل والنحل 1/184، ومقالات الإسلاميين 31 ــ 33، والفرق بين الفرق ص 65، ولوامع الأنوار 1/82.
([74]) الواصلية فرقة من فرق المعتزلة تنسب إلى واصل بن عطاء رأس المعتزلة وكبير المتكلمين، له مؤلفات منها أصناف المرجئة، والمنزل بين المنزلتين وغيرهما، توفي سنة 131هـ.
انظر في ترجمته ومزيداً عن فرقته: الأعلام للزركلي 9/121، وشذرات الذهب 1/182، والفرق بين الفرق ص 117.
([75]) السبئية إحدى الفرق الغالية من الشيعة أتباع عبدالله بن سبأ، قال عنه شيخ الإسلام أفسد على المسلمين دينهم كما أفسد بولس على النصارى دينهم 4/518. كان يهودياً ثم أسلم ليكيد للإسلام وقد ادعى بالوصية لعلي ثم بالرسالة ثم بالألوهية وأثرت عقيدته اليهودية في معتقدات الشيعة، كالبداءة والرجعة وغيرها.
انظر عنه وعن فرقته: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 85 ــ 86، الفرق بين الفرق للبغدادي ص 143 ــ 145، والتبصير في الدين ص 71 ــ 72، والملل والنحل 1/155 ــ 156.
([76]) انظر: الاعتصام 1/125.
([77]) سورة الغاشية: 2 ــ 4.
([78]) سورة الكهف: 103 ــ 104.
([79]) سورة المدثر: 31.
([80]) القضاء والقدر في الإسلام، فاروق الدسوقي 2/31، بتصرف.
([81]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1/225 بتصرف، ط 8، 1387هـ.
([82]) سورة الحجرات: 13.
([83]) تاريخ المذاهب الإسلامية ص 13 ــ بتصرف.
([84]) تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، محمد علي أبو ريان، ص 129.
([85]) دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين.. الخوارج والشيعة ــ بتصرف ص 33.
([86]) الملل والنحل لأبي الفتح عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني: 1/24، دار المعرفة، بيروت.
([87]) سورة الحجرات: 13.
([88]) الخوارج في العصر الأموي ص 20 بتصرف، نايف معروف.
([89]) هو الأشعث بن قيس الكندي أمير كنده في الجاهلية والإسلام وكان شريفاً مطاعاً، مات بعد علي بأربعين ليلة عام 40 هـ وله ثلاث وستون سنة. وتوفي بالكوفة.
([90]) أبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب الإمام الكبير، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة وولي البصرة لعمر وعثمان وولي الكوفة وبها مات سنة 42هـ.
([91]) الخوارج في العصر الأموي ص 25 ــ 26 بتصرف، نايف معروف.
([92]) لمزيد حول هذا الموضوع: انظر ما كتبه أحمد أمين في كتابه "ضحى الإسلام" الجزء الثالث منه، وما كتبه أحمد الحوفي في كتابه "أدب السياسة في العصر الأموي".
([93]) الجعد بن درهم أصله من خراسان، من موالي بني مروان، سكن دمشق، أتى ببدع كثيرة منها إظهاره القول بخلق القرآن، قتله خالد القشري يوم عيد الأضحى بالكوفة وقال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحِ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل فذبحه سنة 118هـ.
انظر عنه وعن بدعته: البداية والنهاية لابن كثير 9/350، وميزان الاعتدال للذهبي 1/399، والأعلام للزركلي 2/114.
([94]) سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر، الإمام القدوة، أبو أمية الجعفي الكوفي، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وشهد اليرموك وحدّث عن أبي بكر وعمر وغيرهم، يقال أنه من أقران رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد عام الفيل وتوفي سنة 81 هـ وقيل 82 هـ.
([95]) 9/350.
([96]) 5/20.
([97]) 1/23.
([98]) أخرجه أبو داود في سننه 5/342 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([99]) سورة البقرة: 91.
([100]) اقتضاء الصراط المستقيم ص 60 ــ 61.
([101]) انظر: نماذج من الحكمة الدينية للمسلمين ــ الفرق الكلامية للدكتور سامي نصر لطف 1/164،
ط 2، 1981م، نشر مكتبة الحرية الحديثة، القاهرة نقلاً عن كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال لابن رشيد.
([102]) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 1/348.(42/21)
([103]) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم رحمه الله، تحقيق د. علي الدخيل الله 1/355 ــ 380 بتصرف.
([104]) الإمام ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل، تأليف محمد السيد الجليند، طباعة الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1393هـ، انظر: ص 11.
([105]) انظر: شرح القصيدة النونية 1/293 محمد خليل هواس رحمه الله، نشر مكتبة ابن بالقاهرة، ط 1407هـ.
([106]) انظر: سيرة ابن هشام 1/ 218، تحقيق د. محمد فهمي، طبعة المكتبة التوفيقية بالقاهرة، بدون تاريخ.
([107]) سورة البقرة: آية 89.
([108]) تأملات في التراث العقدي، ص 51ــ52، عبد السلام محمد عبده، نقلاً عن تأريخ الأمم والملوك بتصرف.
([109]) الفرق الكلامية مدخل ودراسة، الغرابي، ص 85 بتصرف.
([110]) الفتاوى، 4/ 428.
([111]) المرجع نفسه، 4/435.
([112]) انظر: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، تحقيق محمد رشاد سالم، 1/ 23ـ 25 بتصرف.
([113]) الرجعة: هي عودة الشخص بنفسه مرة أخرى بعد موته أو غيبته، وهي عقيدة شيعية نادى بها ابن سبأ، يزعم فيها رجوع علي إلى الحياة الدنيا بعد موته. انظر: الخطط للمقريزي 3 / 303، والملل والنحل 1/ 174، ومقالات الإسلاميين ص 15.
([114]) البداءة: عقيدة من عقائد الشيعة، يقولون فيها أن الله تبدو له البداوات، وأنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يحدثه لما له من البداء. انظر: مقالات الإسلاميين ص 39، والملل والنحل 1/ 148ــ149.
([115]) انظر: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، د. سامي النشار، 1/ 68ــ 88 بتصرف.
([116]) الفرق الإسلامية في بلاد الشام ــ العصر الأموي ــ، حسين عطوان، ص 89.
([117]) الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي أبو عبد الله، حافظ مؤرخ، عالم محقق ولد في دمشق سنة 673هـ، رحل كثيراً في مختلف البلدان وله تصانيف كثيرة منها: سير أعلام النبلاء، والمشتبه في الأنساب والكنى والألقاب، والكاشف وميزان الاعتدال وغيرها، توفي في دمشق 748هـ. انظر عنه: الأعلام للزركلي 5/326، ومعجم المؤلفين 8/289.
([118]) انظر: ميزان الاعتدال 4/141 ترجمة رقم 8646.
([119]) المقريزي: أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن مهدي المصري، المعروف بالمقريزي، ولد في القاهرة سنة 769هـ، مؤرخ محدث مشارك في بعض العلوم، ألف كتباً كثيرة منها المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، توفي في القاهرة سنة 845هـ. انظر عنه: معجم المؤلفين 2/11، والإعلام 1/177.
([120]) انظر: الخطط المقريزية 2/365.
([121]) هو الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد مولى زيد بن ثابت الأنصاري، ولد بالمدينة المنورة لسنتين بقيتا لخلافة أمير المؤمنين ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واشتهر بالزهد والروع، كان سيد أهل زمانه علماً وعملاً، وكان يقال له شيخ أهل البصرة، توفي في البصرة في رجب سنة 110هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 4/563، وذكر أسماء التابعين ومن بعدهم 1/101 ترجمة رقم 188، وطبقات ابن سعد 7/156، وشذرات الذهب 1/136.
([122]) سنسويه أو سوسن الأسواري مختلف في اسمه، رجل نصراني، يقال بأن معبد الجهني قد أخذ مقالته في القدر منه ودعا الناس إليه، لم أقف له على ترجمة كاملة في حدود ما اطلعت عليه، والله تعالى أعلم.
([123]) اللالكائي: هو الإمام الحافظ المجود المفتي أبو القاسم هبة الله بن الحسن ابن منصور الطبري الرازي اللالكائي مفيد بغداد في وقته، سمع عيسى بن علي الوزير وغيره، وروى عنه أبو بكر بن الخطيب، قال الخطيب كان يفهم ويحفظ وصنف كتاباً في السنة، توفي سنة 418هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 17/419، وشذرات الذهب 3/211، والبداية والنهاية 12/24.
([124]) انظر: شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة للالكائي 4/750.
([125]) الأوزاعي: هو أبو عمر عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الدمشقي الحافظ، ولد سنة 88هـ، وتوفي سنة 157هـ، له مؤلفات عدة منها السنة والمسائل. انظر في ترجمته: تذكرة الحفاظ 1/178، ولإعلام للزركلي 4/94.
([126]) هو: غيلان بن مسلم الدمشقي، تنسب إليه فرقة الغيلانية من القدرية، قال عنه الذهبي: غيلان بن أبي غيلان، المقتول في القدر، ضال مسكين، قتله هشام بن عبد الملك سنة 105هـ على باب كيسان بدمشق. انظر في ترجمته: ميزان الاعتدال 3/338، والأعلام للزركلي 3/338، والموسوعة العربية الميسرة 2/1260.
([127]) عقيدة المسلمين، للشيخ صالح البليهي، 2/396، الطبعة الثانية، 1404 هـ، المطابع الأهلية للأوفست بالرياض.(42/22)
([128]) هو بيان بن سمعان النهدي التميمي، إليه تنسب فرقة البيانية، وهي من الفرق الغالية من الشيعة، أتى بمعتقدات فاسدة كثيرة منها الحلول والاتحاد والتناسخ، قتله خالد القسري بعدما ظهر في العراق سنة 119هـ. انظر في ترجمته: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 95، والملل والنحل للشهرستاني 1/136، والفرق بين الفرق للبغدادي ص 40، والتبصير في الدين ص 29ــ70، تاريخ الطبري 5/456ــ457.
([129]) الملل والنحل 1/152.
([130]) المرجع السابق 1/ 174 ــ175.
([131]) الملل والنحل 1/152. المعتزلة ص 32ــ33، مطبعة مصر، القاهرة 1362هـ.
([132]) يحاول المستشرق (دي بور) ــ الذي نقل عنه زهدي جار الله هذا الكلام بلا تعقيب ــ يحاول أن يصف المسلمين جميعاً في الصدر الأول بأنهم جميعاً تأثروا بالعقائد المسيحية، وليس الأمر كذلك. فالذين تأثروا بالعقائد المسيحية من المسلمين هم ضعفاء الإيمان الذين لم تستنير قلوبهم بنوره، ومما يدل على زيف هذا القول أن هناك من المسلمين من رد هذه المعتقدات وألف في بطلانها، فكيف يكون جميع المسلمين كما قال (دي بور) تأثروا بالعقائد المسيحية.
([133]) هذه هي طريق المستشرقين في كتاباتهم، فهم دائماً يحاولون أن يصفوا ما يخالف منهج الإسلام بالأوصاف الراقية العالية! فهو قد وصف أساليب الكلام بأنها متطورة، وهذا التعبير ــ التطور ــ إن كان المقصود به العلو والتقدم والرقي فهو مردود؛ لأن الأساليب الكلامية لا يمكن أن تكون متطورة بذاتها، فالمعروف عنها أنها أداة هدم ضد العقيدة الإسلامية، وإن كان مقصوده بالتطور الاتساع فهذا تعبير مرفوض مبهم.
([134]) هو يحيى بن منصور الرومي الدمشقي النصراني، أحد القساوسة النصارى، ولد يحيى سنة 81هـ، وتوفي سنة 137هـ، وكان يحظى باحترام الكنيستين الشرقية والغربية، اشتهر بمناظراته مع المسلمين كما جاء في تاريخ الأمم والملوك للطبري 6/194.
([135]) قول الأستاذ زهدي جار الله: "المسائل الدينية التي كان يعالجها يحيى الدمشقي"، إن أراد بالمسائل الدينية مسائل العقيدة فهي مسائل ثابتة في الكتاب والسنة، لا تحتاج إلى معالجة يحيى الدمشقي النصراني وغيره، فيكفينا ثبوتها بكتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نحتاج فيها إلى أحد من العالمين، وإن كان زهدي جار الله يقصد بها مسائل الفلسفة وعلم الكلام التي اشتهرت المعتزلة بها فله أن يقول بدلاً من التعبير بالمسائل الدينية أن يقول المسائل الكلامية... إلخ.
([136]) ذكر المؤلف أوجه شبه كبيرة بين العقيدة النصرانية وبين فكر المعتزلة، وذلك في عدة مسائل مثل القول بالأصلح وغيرها. انظرها ص 27 من الكتاب.
([137]) انظر: كتاب المعتزلة لزهدي جار الله، من ص 23ــ27 بتصرف.
([138]) وذلك مثل معركة القادسية التي وقعت عام 14هـ في عهد عمر بن الخطاب، وبقيادة سعد بن أبي وقاص من المسلمين ورستم من الفرس، كتب الله فيها العزة لعباده المؤمنين والذلة للكافرين. انظر البداية والنهاية لابن كثير 7/37، وتاريخ الأمم والملوك 3/380، والكامل لابن الأثير 2/309، ومثل معركة نهاوند التي وقعت في عهد عمر أيضاً سنة 21هـ بين المسلمين والفرس، قاد المعركة من المسلمين النعمان بن مقرن، ومن الفرس الفيرزان. انتصر فيها المسلمون. انظر: شذرات الذهب 1/32 والبداية والنهاية، 7/105، والطبري 4/254، والكامل لابن الأثير 3/ ص 2ــ4.
([139]) قال ابن منظور في اللسان 4/81: بهره بهراً قهره وعلاه وغلبه، وبهرت فلانة النساء غلبتهن حسنا، ومعنى بهر قادة الجيش أي قهرهم وعلا ما كانوا يتوقعون.
([140]) الرعاع الأحداث ورعاع الناس سقاطهم وسفلتهم. انظر: لسان العرب 8/128، والصحاح في اللغة والعلوم ص 391.
([141]) الطغام والطغامة أراذل الطير والسباع، وهما أيضاً أراذل الناس وأوغادهم. انظر لسان العرب 12/368، وكذلك مختار الصحاح للرازي ص 293.
([142]) فضائح الباطنية للغزالي، ص 7ــ 8 بتصرف.
([143]) الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/273ــ 274.
([144]) العرب قبل الإسلام كانوا أقل الأمم حالاً كما قال ابن حزم، لذا فالتعبير دائماً بالمسلمين بدلاً من العرب أولى.
([145]) أنجع أي أنفع، قال في لسان العرب 8/348: نجع فيه الدواء وأنجع إذا عمل ويقال أنجع إذا نفع ونجع فيه القول والخطاب والوعظ عمل فيه ودخل وأثر.
([146]) هم أصحاب ماني بن فاتك الذي زعم أنه نبي، وهي إحدى فرق الثنوية من المجوس من معتقداتها الحلول، وأن العالم مصنوع من أصلين قديمين النور والظلمة وأنهما أزليان والإقرار بنبوة عيسى ونفي نبوة موسى.
([147]) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص 271.
([148]) انظر: ص 221.
([149]) انظر: ص 68.(42/23)
([150]) الجناحية فرقة من فرق الشيعة الغالية، وهم أتباع عبد الله بن معاوية بن جعفر ذي الجناحين، يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب، وأن الأرواح تتناسخ، وأن روح الله جل اسمه كانت في آدم، ثم تناسخت حتى صارت فيه، وزعم أنه رب وأنه نبي، ومن عقيدتهم الكفر بالقيامة ويزعمون بعدم فناء النار... إلخ. انظر عن هذه الفرقة: مقالات الإسلاميين ص 6، وانظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص 245، وكذلك ص 255، ولوامع الأنوار البهية 1/81.
([151]) الرواندية هم أتباع أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الرواندي، كان من أئمة المعتزلة ثم فارقهم وهاجمهم مذهبهم وصار ملحداً زنديقاً. توفي في سنة 298 وقيل 245هـ. انظر عنه وعن فرقته: مقالات الإسلاميين ص 127، والملل والنحل 1/170، والفصل لابن حزم 4/154، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 63.
([152]) الخطابية أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي الكوفي، كان يدعي أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق أوصى إليه من بعده وعلمه اسم الله الأعظم، ثم ادعى الرسالة ثم ادعى أنه من الملائكة.
([153]) انظر: مزيداً على ذلك في الفرق بين الفرق للبغدادي ص 272.
([154]) أحمد بن خابط هو زعيم فرقة الخابطية من المعتزلة، شبه عيسى بن مريم بربه، وزعم أنه الإله الثاني، وأنه هو الذي يحاسب الخلق في القيامة، وكان يقول: أن قدرة الله تنقطع حتى لا يقدر على أن يزيد في نعيم الجنة شيئاً ولا في عذاب النار شيئاً. انظر عنه وعن فرقته: الفرق بين الفرق ص 228ــ 277، وكذلك التبصير في الدين ص 136ــ137.
([155]) النظَّام: هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، من شيوخ المعتزلة، يعرف بالنظَّام رئيس الفرقة النظَّامية، توفي سنة 231هـ، وقيل سنة 221هـ.
([156]) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص 275.
([157]) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص 277.
([158]) الميمونية فرقة من فرق الخوارج من العجاردة وهم أصحاب ميمون بن خالد كان من جملة العجاردة في عقيدتهم إلا أنه تفرد عنهم بإثبات القدر خيره وشره من العبد وإثبات الفعل للعبد خلقاً وإبداعاً.
([159]) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص281.
([160]) الأغمار في اللغة: جمع غمر بالضم وهو الجاهل والغر الذي لم يجرب الأمور. انظر لسان العرب 5 / 285.
([161]) الفرق بين الفرق للبغدادي ص285.
([162]) نفس المرجع السابق.
([163]) الصابئة والصابئون كلها بمعنى واحد، والصابئ هو التارك لدينه الذي شرع له إلى دين غيره. والصابئون سموا بذلك لأنهم فارقوا دين التوحيد وعبدوا النجوم، ولهم مذهب يتفردون به ويقرون وبالصانع والمعاد وبعض الأنبياء. انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص 143، وانظر: الملل والنحل 2/5، والتبصير في الدين للاسفرائيني ص 150.
([164]) دجلة: نهر معروف ومشهور ببغداد يصب فيه أودية عدة أوله وادي الكلاب ووادي الصلب. انظر عليه مفصلاً فيما يلي: معجم البلدان للحموي 2/440، والموسوعة العربية الميسرة 1/758، ودائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي 4/18، طبعة دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة،1971م.
([165]) الفرات: هو من أشهر أنهار آسيا ينبع من جبال أرمينية، يتصل بنهر دجلة ويفيض سنوياً ويصب في البحر الأبيض ويبلغ طوله 2860 كم ويصب عند مدينة عبادان على الخليج. انظر عنه: معجم البلدان 4/241، ودائرة معارف القرن العشرين7/145، والموسوعة العربية الميسرة 2/1278.
([166]) البطائح: جمع بطيحة، والبطيحة والبطحاء واحدة، وتبطح السيل إذا اتسع في الأرض وبذلك سميت بطائح واسط؛ لأن المياه تبطحت فيها وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة. انظر عنها: معجم البلدان للحموي 1/450، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، تاريخ الطبع 1399هـ.
([167]) الأصقاع في اللغة: جمع صقع والصقع بالضم الناحية يقال ما أدى أي صقع أي ذهب وفلان من أهل هذا الصقع أي من هذه الناحية. انظر: المختار مختار الصحاح ص 273، فقد قال الصقع بالضم الناحية، وانظر كذلك لسان العرب 8/201ــ 202، وانظر كذلك الصحاح في اللغة والأدب 610.
([168]) الصابئة المندائيون، تأليف المستشرقة الإنجليزية داردور، ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي، الطبعة الثانية، 1987م، مطبعة الديواني ص 7ــ 8 بتصرف.
([169]) مثل سفيان الثوري.
([170]) الحسن البصري وغيره.
([171]) الرازي وغيره.
([172]) وهب بن منبه وغيره.
([173]) الزمخشري وغيره.
([174]) المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب، عبد الرزاق محمد أسود 1/113ــ 114، نشر الدار العربية للموسوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1981م.
([175]) انظر: الملل والنحل للشهرستاني 2/6ــ7 بتصرف.
([176]) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 143.(42/24)
([177]) انظر المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب لعبد الرزاق أسود 1 / 119 وانظر كذلك الصابئة المندائيون للمستشرقة الإنجليزية دراور ترجمة نعيم بدوي وغضبان الرومي، نشر مطبعة الديواني،بغداد، ط 2/ 1987 م.
([178]) وذلك في الملل والنحل 2/55.
([179]) الفرق بين الفرق للبغدادي ص 255.
([180]) الحلاجية هم أتباع الحسين بن منصور الحلاج، نشأ بواسط والعراق، كان في أول أمره يتكلم على لسان الصوفية، ويتعاطى العبارات التي تسميها الصوفية الشطح، أمر المقتدر العباسي سنة 309هـ بضربه ألف سوط فإن مات وإلا ضربت عنقه، فأخرجوه عند باب الطاق، واجتمع خلق كثير، وضربه الجلاد ألف سوط ثم قطع أطرافه الأربعة، ثم جز رأسه وأحرق جثته، فلما صارت رماداً ألقاه في دجلة ونصب الرأس ببغداد على الجسر.
([181]) المدخل لدراسة الأديان والمذاهب 2/32.
([182]) الملل والنحل 2/55.
([183]) الدروز هي فرقة من الفرق الغالية، وهم أتباع محمد بن إسماعيل الدورزي، قيل هم أتباع القرامطة، وقيل بل هم من الفاطميين، وأن محمد بن إسماعيل الدورزي وافق الحاكم بأمر الله الفاطمي في دعواه الإلوهية، ودعا بألوهية الحاكم والإيمان به وعبادته، وللدروز معتقدات فاسدة منها التناسخ والحلول. انظر عنهم: المدخل إلى دراسة الأديان 3/23ــ25، ودائرة معارف القرن العشرين 4/27.
([184]) المدخل لدراسة الأديان والمذاهب لعبد الرزاق أسود 3/23.
([185]) الكاملية فرق من فرق الشيعة الغالية أتباع أبي كامل، ويعتقدون بكفر جميع الصحابة والسبب تركهم بيعة علي رضي الله عنه، وكذلك تطعن الكاملية في علي، والسبب لأنه ترك المطالبة بحقه على زعمها، وكانت تقول الإمامة نور يتناسخ من شخص إلى شخص. انظر عنهم: الملل والنحل 1/174، ومقالات الإسلاميين ص 17، والفرق بين الفرق ص 54، ولوامع الأنوار البهية 1/81.
([186]) انظر الملل والنحل 1/174ــ175.
([187]) النصيرية فرقة من فرق الشيعة الغالية وهم أتباع محمد بن نصير النميري تعتقد بالحلول والتناسخ وغيرها من العقائد الفاسدة. انظر عنهم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 5/50، والملل والنحل 1/188ــ189، وفرق الشيعة للنوبختي ص 93، واعتقادات فرق المسلمين ص 61، ولوامع الأنوار 1/83.
([188]) انظر: فرق الشيعة للنوبختي ــ الحسن بن موسى ــ ص 93، نشر دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية، 1402هـ، والمقصود بأبي الحسن علي بن أبي طالب.
([189]) انظر: الملل والنحل 2/56.
([190]) انظر: الملل والنحل 1/54.
([191]) انظر هذه المسألة مبسوطة في بدائع الفوائد لابن القيم رحمه الله 2/210ــ215، وكذلك في الكواشف الجلية عن معاني الواسطية للشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله ص 643ــ645.
([192]) هو أبو العباس عبد الله المأمون، أحد الخلفاء العباسيين، ولد سنة 170هـ، أناط به والده الرشيد ولاية العهد بعد أخيه الأمين، فدبر لقتله فقتله. دخل المأمون التاريخ من أسوأ أبوابه، حيث سجلت له صفحات سوداء عندما امتحن العلماء بالقول بخلق القرآن، وهو مذهب الاعتزال الذي اعتنقه المأمون، توفي بطرطوس 218هـ.
([193]) الجهم بن صفوان الراسبي، قال عنه الذهبي في السير 6/26: " رأس الجهمية والضلالة، هلك في زمان التابعين بإعالته، روى شيئاً لكن زرع شراً عظيماً، ظهرت بدعته بترمذ، وكان تلميذاً للجعد بن درهم، قتله أسلم بن أحوز المازني بمدينة مرو 128هـ".
([194]) السمنية هي إحدى المذاهب المنحرفة من مذاهب أهل الهند، يعبدون الأصنام، ويزعمون قدم العالم، ويحصرون دلائل المعرفة في الحواس الخمس، قالوا بإبطال النظر والاستدلال، وأنكروا المعاد والبعث، وهي طائفة قبل الإسلام. انظر: الفرق بين الفرق ص 270، وانظر: التبصير في الدين.
([195]) الرد على الجهمية والزنادقة ص 23ــ24.
([196]) الفرق بين الفرق ص 270.
([197]) البراهمة: هي إحدى الديانات الكثيرة المتعددة في الهند،وهي ديانة الهندوس، وبراهما الذي تنسب إليه هو أكبر إله يعبدونه في الهند، وللبراهميين كتاب مقدس اسمه الويدا. انظر عن هذه الفرقة: مقارنة الأديان لأحمد شلبي 4/85، والمدخل إلى دراسة الأأديان والمذاهب لعبد الرزاق أسود 1/23، وتحقيق ما للهند من مقولة مقبولة أو مرذولة للبيروني ص 20.
([198]) المقصود بها اتخاذهم يوم السبت من أيام الأسبوع عيداً.
([199]) انظر: تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة أو مرذولة، ط عالم الكتب، بيروت، ط 2 / 1403هـ، ص 39.
* الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ــ فرع القصيم(42/25)
آثار الداعية بعد الموت
أخي الداعية ..
أخي المسلم ..
هب أنك مت الآن!
أخبرني ما آثارك بعد الموت؟
ما الأعمال المباركة التي ستنسب إليك بعد موتك؟
ما لمساتك على هذه الحياة؟
ما بصماتك؟
أخي الداعية..
أخي المسلم ..
هب أنك الآن في عداد الموتى
ما الكلمات التي سيطلقها الناس عنك؟
ما المشروع الذي تريد أن يخلّد في صحيفة عملك بعد وفاتك؟
كم مسلماً علّمت؟
كم مسلماً إلى طريق الخير هديت؟
كم كلمة طيبة غرست؟
كم علماً نشرت؟
كم حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم بلّغت؟
كم مرةً بين متخاصمين أصلحت؟
أخي الداعية..
كن ذلك المبارك في حله وترحاله، كالغيث أينما وقع نفع:
قلب عامر وعقل مثابر.
تقي خفي، نقي أبي.
نفعه متعد، وخيره عام
يتجذر هداه في كل أرض فيها أقامتنداح جحافل وعظه كالسيل العرم، تذهب بكل سد منيع جاثم على قلوب الغافلين ..
إذا قال أسمع، وإذا وعظ أخضع.
أخي .. كن داعية ..
دؤوب الخطو، بدهي التصرف، إذا اعترضته العوائق نظر إليها شزراً، وقال:
أقبلي يا صعاب، أو لا تكوني
أخي كن داعية..
محمدي الخلق، صِدّيقيّ الإيمان، عُمَريّ الشكيمة، عثمانيّ الحياء، علويّ الصلابة، فضيلي العبرة، حنبلي الإمامة.
أخي الداعية ..
أخي المسلم ..
مات قوم وما ماتت مكارمهم ** وعاش قوم وهم في الناس أموات
يقول جل وعلا: { رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 83-84 ] .
يقول الطبري في تفسيرها:
وقوله: وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ يقول: واجعل لي في الناس ذكراً جميلاً، وثناء حسناً، باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: روى أشهب عن مالك قال: قال الله عز وجل: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى؛ وقد قال الله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني } [ طه : 39] وقال : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } [ مريم 96 ] أي حباً في قلوب عباده وثناء حسناً، فنبّه تعالى بقوله: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل. الليث بن سليمان: إذ هي الحياة الثانية. قيل:
قد مات قومٌ وهُمْ في النّاس أحْيَاءُ
وقيل: والذكر للإنسان عمرٌ ثان
قال ابن العربي: قال المحققون من شيوخ الزهد: في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ) الحديث .
وفي رواية أنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطاً يكتب له عمله إلى يوم القيامة.
وقال القرطبي في قوله تعالى : { إنا نحن نحيي الموتى" ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } [ يس :12].
قوله تعالى : { إنا نحن نحيي الموتى } [ يس :12] أخبرنا تعالى بإحيائه الموتى ردًّا على الكفرة.
وقال الضحاك والحسن: أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل. والأوّل أظهر؛ أي نحييهم بالبعث للجزاء.
ثم توعدهم بذكره كَتْب الآثار وهي: إحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان. قال قتادة: معناه مِن عملٍ. وقاله مجاهد وابن زيد. ونظيره قوله : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } [ الانفطار : 5 ].
وقوله : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخّر } [ القيامة : 136 ]، وقال: { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } [ الحشر: 18] .
فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها: من أثر حسن؛ كعلم علَّموه، أو كتاب صنَّفوه، أو حبيس احتبسوه، أو بناء بنوه من مسجد أو رِباط أو قنطرة أو نحو ذلك. أو سَيِّئ كوظيفة وظفها بعض الظلاّم على المسلمين، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم، أو شيء أحدثه فيه صدّ عن ذكر الله من ألحان ومَلاِهٍ، وكذلك كل سُنّة حسنة، أو سيئة يستنّ بها. وقيل: هي آثار المشاءين إلى المساجد.
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً سبعة ً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعدما يموت، وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً،أو أجرى نهراً،أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته ) [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم:3596].
وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ) [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه برقم 198] .(43/1)
وروى أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطاً في سبيل الله، ومن علّم علماً أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له ) [ صحيح الجامع حديث رقم890 ] .
أخي الداعية ..
أخي المسلم ..
خذ لك زادين من سيرةٍ *** ومن عملٍ صالح يدّخر
وكن في الطريق عفيف الخطا *** شريف السماع كريم النظر
وكن رجلاً إن أتوا بعده *** يقولون مرّ وهذا الأثر
هذا وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
* مجلة المجتمع(43/2)
آثار سلبية لعولمة الإعلام (1) 7/12/1424
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
الآثار السلبية لعولمة الإعلام:
في تحقيق أجرته جريدة عكاظ مع بعض مدمني مشاهدة الأفلام اعترف عدد منهم بخطورة هذه الأفلام "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا" (يوسف: من الآية 36) وكان مما قالوه:
ا- قال شاب: إن هذه الأفلام عديمة الفائدة، والتي تعتبر مضيعة للوقت بالإضافة إلى كونها الطريق إلى اكتساب عادات وأفكار سيئة تؤدي إلى انحراف بعض الشباب، خاصة في مرحلة المراهقة.
2- واعترف آخر بأن بعض هذه الأفلام قد تتسبب في انحراف الشباب الذين ليس لديهم وعي كامل بخطورة ما تحتويه.
3- وثالث يقول: لهذه الأفلام سلبيات، منها ضياع الوقت، واكتساب أفكار قد تكون سيئة(1).
أما المجتمعات الأخرى "فقد عزا الغربيون مثل (ريجيس دوبريه) في كتابه الموسوم بـ "الميديولوجيا: علم الإعلام العام" عزا هزيمة الشيوعية إلى انتصار ما أسماه (بالفيديولوجيا) على (الأيديولوجيا)، أي انتصار الاستهلاك الفوري الذي يروج له التليفزيون المرئي (الفيديو) على حساب الأفكار والقناعات (الأيديولوجيات).
وفي دراسة (لبنيامين باربر) تحت عنوان "ثقافة الماك وورلد في مواجهة الديمقراطية"، يقرر محرر الدراسة أن الثقافة العالمية الأمريكية هي الترجمة الحرفية (للفيديولوجيا)، التي تتعارض مع الثقافات القديمة، ولكنها تلجأ إلى أسلوب آخر، فـ"ماك وورلد" يتزين قليلا بطابع الثقافات التي يلتهمها، فإذا بالإيقاعات الأمريكية اللاتينية تتداخل مع "البوب" في الأحياء المكسيكية الفقيرة في لوس أنجلوس، ولنا أن نقول: ربما تغير النمط قليلاً في بعض الدول العربية بإخراج وجبة (بينية) "ماك عربي"،على نمط القبعة الأمريكية والثوب العربي.. ثم يقول باربر: وإذا بـ (ميكي) يتكلم الفرنسية في ديزني لاند باريس. ووفقاً لوجهة نظر باربر فإن قناة الموسيقى الأمريكية، والماكدونالدز، وديزني لاند، هي في نهاية المطاف، وقبل كل شيء، أيقونات الثقافة الأمريكية، وهي أحصنة طروادة التي تتسلل من الولايات المتحدة إلى ثقافة سائر الأمم.
ويقول: إن أيقونات الثقافة الأمريكية الجديدة يتم تسريبها إلى الثقافات العالمية التي تبدو عاجزة عن مقاومتها، عن طريق أشباه المنتجات الثقافية، كالأفلام أو الدعايات، وتتفرع منها مجموعة من السلع المادية ولوازم الموضة والتسلية، وهكذا لا تبقى أفلام "الملك الأسد" و"جوراسيك بارك" و"تايتانيك" مجرد أفلام، وإنما تصبح وسائل حقيقية لتسويق الأغذية والموسيقى والألبسة والألعاب والأنماط الاجتماعية والأفكار الثقافية.
إن أيقونات الثقافة الأمريكية الجديدة تنتج التماثل والتشابه وهذا بدوره كما يرى علماء النفس يسهل عملية التحكم والسيطرة، وأبعد من ذلك إنتاجها لنفس أنماط السلوك، فمن وجهة نظر (ريجيس دوبريه) أن كل دقيقة عنف ينتجها فيلم كفيلم "الحديقة الجوراسية" ينقل مستهلكا من الشرق إلى الغرب. فالأسواق تحتاج إلى عملة واحدة هي الدولار، وإلى لغة واحدة هي الإنجليزية وإلى سلوك متشابه في كل مكان يجد تعبيره في سلوك أبطال الثقافة الجديدة.
ومن وجهة نظر (ريجيس دوبريه) كذلك: أنهم أول حضارة أقامت مذبحا منزليا للتبذير، هو "جهاز اللاقط" وأوبريه لا يتوقف عند مستوى الاستهلاك الذي ينحته التلفزيون في حياة البشر، من خلال الدعاية التي تقولب ومن خلال أفلام الجنس والعنف، فهو يرى أن هذا "المذبح المنزلي" ستتحطم عليه قناعاتنا وخياراتنا وعاداتنا، لأنه ينشر اللامبالاة والاستهلاك والقبول السطحي وبالأخص الإشاعة الاجتماعية، يقول (دوبريه): إن التلفاز بالتأكيد يذهب إلى أبعد من الكتاب المطبوع ولكنه أقل عمقا. فدرجات التأثير ربما تكون بعكس مساحات التغطية. وصلابة قناعاتنا تنقص عندما تزيد سرعة المعلومات ومرور العلامة.
إن (باربر) يرى أن الترويج أو الدعاية للمنتجات الأمريكية يعني الترويج لأمريكا وثقافة السوق والمخازن التجارية التي تفرض علينا القيام بفك ارتباط بهويتنا الثقافية، ما عدا صفة المستهلك، والتنكر لمواطنيتنا لنتذوق أكثر هذه المتعة الوحيدة الناتجة من التسوق.
أثر آخر من آثار العولمة الإعلامية يتحدث عنها فيريليو، فمن وجهة نظر فيريليو أن هناك فارقا جوهريا بين القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فإذا كانت "جنية الكهرباء" على حد تعبيره قد أضاءت المدن إضاءة مباشرة في القرن العشرين، فإن القرن الواحد والعشرين سيشهد "الإضاءة غير المباشرة للعالم " بحيث يصبح في الإمكان بفضل التكنولوجيات التليفزيونية التي تتطلب منهجاً بصرياً شمولياً جديداً، يقوم بمراقبة كل شيء، النظر إلى كل شيء، والانشغال بكل شيء.(44/1)
فإذا كانت بعض كبريات الصحف في ديسمبر 1997 خصصت صفحتها الأولى للكلب الجديد الذي كان قد حصل عليه زعيم دولة عظمى، وتولت صفحة في الداخل إكمال الملف، محللة -على حد تعبير بعض محرري لوموند ديبلوماتيك- موقع الحيوان في تاريخ ذلك البيت الرئاسي الأبيض، ومستعيدة قائمة الكلاب السابقين الذين حلوا ضيوفا على ذلك البيت. فما بالك بما يمكن أن ينشر ويقرأ وينظر عبر وسائل الإعلام العالمية المختلفة، وبماذا يمكن أن يشغل الناس!"(2).
هذا نذر مما ذكره بعض الغربيين، ولاشك أنها أثار سالبة وأخطار فعلية، ولكن ليت الإعلام العالمي اكتفى بهذا، إن كثيراً مما سبقت إشارة إليه من مفاسد مترتبة على العولمة عامة والثقافية منها خاصة، تتحمل الوسائل الإعلامية وزرها، ولكن بالإضافة إلى ما ذكر من آثار سلبية، في العولمة الثقافية، على العقيدة خصوصاً وعلى الثقافة عموماً هناك أمور مهمة جداً، نعرض لها في حلقة أخرى بمشيئة الله تعالى.
______________
(1) جريدة عكاظ العدد (9186) الملحق.
(2) مستفاد في مجمله من مقال بعنوان: الخواء الثقافي وظاهرة انتشار المسوخ، تأملات من عصر العولمة، لتركي الربيعو، وقد نشر في صحيفة نزوى العمانية العدد الثاني والعشرون، وقد أحال النقول إلى مصادرها.
=============
آثار سلبية لعولمة الإعلام(2) 9/12/1424
أ. د .ناصر بن سليمان العمر
من الآثار السلبية للعولمة:
تتمة الآثار السالبة للعولمة:
كنا قد ذكرنا بعض الآثار السلبية للعولمة والتي أقر بها بعض الغربيين أنفسهم، واليوم نواصل ذكر شيء من تلك الآثار السلبية للعولمة في الوضع الراهن
ا- مساعدة المخابرات الأجنبية في الوصول لأهدافها:
فقد كشف تقرير للجنة المواصلات الفيدرالية الأمريكية، أن (60) إذاعة بعد الحرب العالمية الثانية كانت مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمخابرات المركزية الأمريكية1.
وقد ذكر أحد المسؤولين الأمريكيين –وكان يعمل في سفارة بلاده في إحدى الدول العربية- أن السفارة قد سيطرت على القناة التي تبث باللغة الإنجليزية، حتى قال: إن القناة تدار من السفارة بدلا من إدارة التلفزيون في ذلك البلد.
2- الاضطرابات:
فقد ذكر تقرير صادر من اليونسكو ما يلي:
إن إدخال وسائل إعلام جديدة وخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية، أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين، وممارسات حضارية، وغالبا ما يصاحب فوائد الاتصالات الحديثة سلبية يمكن أن تشيع الاضطرابات بدرجة كبيرة في النظم القائمة2.
3- الجريمة:
قال الطبيب النفسي (ستيفن بانا) الأستاذ بجامعة كولومبيا: إذا كان السجن هو جامعة الجريمة فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية للانحراف3.
وتوضح دراسات العالم الفرنسي (جان خيرو) أن أسباب سوء التكيف بين المنحرفين ترجع إلى مشاهدة أفلام العنف.
وتدل الإحصائيات الأخيرة التي أجريت في أسبانيا أن 39% من الأحداث المنحرفين قد اقتبسوا أفكار العنف من مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج العدوانية4.
وفي دراسة لسلبيات التلفزيون العربي ذكر الباحث أن 41% ممن أجري عليهم الاستبيان يرون أن التلفزيون يؤدي إلى انتشار الجريمة، و 47% يرون أنه يؤدي إلى النصب والاحتيال5.
وذكر الدكتور حمود البدر، إنه من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على (500) فيلم طويل تبين أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مائة فيلم وجود (168) مشهد جريمة أو محاولة قتل. بل إنه وجد في (13) فيلما فقط (73) مشهدا للجريمة6.
وقد قام الدكتور تشار بدراسة مجموعة من الأفلام التي تعرض على الأطفال عالميا فوجد أن 27.4% منها تتناول الجريمة7.
من أخطر ما يخشى أن يؤثر فيها البث المباشر أخلاق الأمة وسلوكها.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن أبرز ما خلّفته الأفلام من شرور خلال السنوات الماضية ما أحدثته من خلل في أخلاق الرجال وأعراض النساء.
ويتخذ هذا الخلل عدة صور من أبرزها:
ا- شيوع الرذيلة وسهولة ارتكابها، حتى أصبحت أمرًا عاديا في بعض المجتمعات.
2- تفجير الغرائز والبحث عن سبل غير شرعية لتصريفها، وذلك لما يرد في الأفلام من عري فاضح، مع اختيار أجمل النساء للقيام بأدوار معينة في الأفلام، حتى إن بعضهن لا دور لها إلا عرض مفاتنها.
3- تعويد الناس على وسائل محرمة هي بريد للفتنة، وسبيل إليها، كالخلوة، و الاختلاط، و المغازلة.
4- الدعاية لأمور محرمة تؤدي إلى الانحراف، كدعايات شرب الخمر، والمسكرات بجميع أنواعها.
5- بث الأفلام الدعائية التي ترغب المشاهد في السفر للخارج، مع ما يحدث هناك بعد ذلك.
6- بعض الأفلام التي تدعو إلى المخدرات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبعضها يدعوا إلى أنواع مختلفة من الجريمة، يظهر دعاتها وكأنهم أبطال، فيأتسي بهم الجهال.
ومما يساعد على ذلك شيوع الأمية في عالمنا العربي والإسلامي وقد سبقت الإشارة إليه.(44/2)
ولعل التأمل في الأرقام التالية يوضح ما سبق بيانه:
يقول الدكتور (بلومر): (إن الأفلام التجارية التي تنتشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في معظم موضوعاتها، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الآداب الجنسية الضارة من الأفلام، وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب، والمغازلة، والإثارة الجنسية، والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما، والتلفزيون)8.
وتبين من خلال دراسة أجرتها هيئات أوروبية متخصصة أن متوسط مدة الإرسال التجاري اليومي 9 ساعات يتوزع كما يلي:
من 75% إلى 80% مواد وبرامج تسلية.
من 5% إلى. ا% برامج ثقافية ووثائقية.
5% تخصص للمعلومات.
من 2% إلى 10% برامج موجهة للشباب والرياضة9.
وفي دراسة ذكرها الدكتور محي الدين عبد الحليم عن (الدراما) توصل فيها إلى ما يلي:
23% من الذكور يرون أنها مفيدة10.
77% يرون أنها تؤدي إلى الانحراف وتدعو إلى الرذيلة، وتتنافى مع عادات المجتمع.
أما الإناث -وهنا الخطورة- فقد رأى قرابة 45% أنها مفيدة11.
و 55% يرين أنها تؤدي إلى الشر والفساد والانحراف12. ويلحظ الفرق بين النساء والرجال لسرعة تأثرهن في الغالب.
ومما تجدر الإشارة إليه -بل الوقوف عنده- مما يشكل خطرا على الأخلاق، وبخاصة على النساء والأطفال، موضوع الدعايات التلفزيونية، مع العلم أن هناك قنوات متخصصة في الدعاية التجارية فقط.
ولندع الأرقام تتحدث:
نوقشت رسالة ماجستير بعنوان: (صورة المرأة في إعلانات التلفزيون) وذلك في إحدى الدول العربية، اعتمد الباحث فيها على ما يلي:
1- تحليل مضمون (356) إعلانا تلفزيونيا، بلغ إجمالي تكرارها (3409) خلال 90 يوما فقط.
2- مسح شامل لإدارة الإعلانات بالتلفزيون.
3- مقابلات مع عدد من مديري وكالات الإعلان.
وقد توصل الباحث إلى عدد من النتائج من أهمها:
ا- استخدمت صورة المرأة وصوتها في (300) إعلان من (356)، كررت قرابة (3000) مرة في (90) يوما.
2- 42% من الإعلانات التي ظهرت فيها المرأة لا تخص المرأة.
3- سن النساء اللاتي خرجن في الدعاية من (15- 30) سنة فقط.
4- 76% من الإعلانات اعتمدت على مواصفات خاصة في المرأة كالجمال والجاذبية، و 51% على حركة جسد المرأة، و 12.5 % من هذه الإعلانات استخدمت فيها ألفاظ جنسية.
5- إن الصورة التي تقدم للمرأة في الإعلان منتقاة وليست عشوائية13.
وإذا كان هذا الأمر في تلفزيون عربي عليه بعض الرقابة، وأغلب شعب هذا البلد مسلمون، فكيف بإعلانات دول الانحلال و الرذيلة ؟
وقام الدكتور سمير حسي14 بإعداد دراسة حول (برامج وإعلانات التلفزيون كما يراها المشاهد والمعلنون) توصل فيها إلى ما يلي:
98.6% من الأطفال يشاهدون الإعلانات بصفة منتظمة.
96% من الأطفال يتعرفون على المشروبات المعلن عنها بسهولة 15.
96% قالوا إن هناك إعلانات يحبونها، ولذلك تجدهم يحفظون نص الدعاية، ويقلدون المعلن16.
ويقول الدكتور محسن الشيخ: من أخطر البرامج المقدمة من خلال الشاشة الصغيرة هي الإعلانات التجارية، لأنها قصيرة ومسلية، وتحمل رسالتها إلى الأوتار العقلية فتوقظها 17.
أما الأطفال فقد قام الدكتور (تشار) بدراسة مجموعة من الأفلام التي تعرض على الأطفال عالميا فوجد أن:
29.6% تتناول موضوعات جنسية.
27.4% تتناول الجريمة.
15% تدور حول الحب بمعناه الشهواني العصري المكشوف18.
وأخيراً هذه بعض الإحصاءات تبين آثار المواد التي تعرض بواسطة الإعلام19:
أظهرت إحصائية ضمن رسالة علمية جامعية بعضاً من السلبيات المنعكسة على الأسرة (النساء بشكل أخص) بسبب متابعتها للقنوات الفضائية وجاء ضمن ذلك:
85% يحرصن على مشاهدة القنوات التي تعرض المناظر الإباحية.
53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية.
32% فتر تحصيلهن الدراسي.
42% يتطلعن للزواج المبكر ولو كان عرفيا.ً
22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة.
ولايعني ذلك أن كل ما جاء عن طريق نافذة العولمة باطل أثره سيء، ولكن المقصود التنبيه إلى السيء وبيان أثره، وأن العولمة إذا قبلت مطلقاً فهذا يعني قبول ما أشير إليه، أما إذا قبلت العولمة أن تخضع للموازين، فميزان شريعتنا أولاها، وعندها يمكن أن يقبلها المسلمون، كما أنها لو خضعت لميزان إحدى الأمم فسوف تقبلها تلك الأمة. وعندها لن تكون عولمة!
--------------------------------------------------------------------------------
أقمار الفضاء غزو جديد ص 25.
2 أصوات متعددة ص 338.
3 الإعلام والبيت المسلم ص 113.
4 الإعلام والبيت المسلم ص 115- 118.
5 التلفزيون بين المنافع والأضرار ص 65.
6 الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوي ص 14.
7 بصمات على ولدي، طيبة اليحى.
8 بصمات على ولدي، طيبة اليحى.
9 مجلة اليمامة عدد (1038).
10 لا تنظر إلى من هلك كيف هلك ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا. لا تعجبن من هالك كيف هوى بل فاعجبن من سالم كيف نجا.
11 لا تنظر إلى من هلك كيف هلك ولكن انظر من نجا كيف نجا.(44/3)
12 التلفزيون- مروان كجك ص 197.
13 مجلة الإصلاح في دبي العدد (134) ذي الحجة عام 1409 هـ.
14 أستاذ الإعلام بجامعة الإمام- كلية الدعوة والإعلام.
15 ونحن نعلم أي مشروبات سيعلن عنها في البث المباشر؟.
16 التلفزيون لمروان كجك ص 157.
17 الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوي ص 10.
18 بصمات على ولدي- طيبة اليحى، وماذا يقول الذين يدعون أنهم لم يروا ما يخدش الأخلاق الأصيلة، أو أنهم يراعون التوقيت لبرامج الأطفال.
19 سلبيات مشاهدة القنوات الفضائية، نقلاً عن مفكرة الإسلام اليوم http://links.islammemo.cc/arkam/one_news.asp?IDNews=489.(44/4)
آثار وفوائد لا إله إلا الله
بسم الله الرحمن الرحيم
لشهادة أن لا إله إلا الله إذا قيلت بصدق وإخلاص وعمل بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا آثار حميدة على الفرد والجماعة من أهمها :
1ـ اجتماع الكلمة التي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والانتصار على عدوهم لأنهم يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة
كما قال تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [ سورة آل عمران : 103 ] .
وقال تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ سورة الأنفال : 62-63 ] .
والاختلاف في العقيدة يسبب التفرق والنزاع والتناحر كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [ سورة الأنعام : 159 ] .
وقال تعالى : { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ سورة المؤمنون : 53 ] .
فلا يجمع الناس سوى عقيدة الإيمان والتوحيد التي هي مدلول لا إله إلا الله واعتبر ذلك بحالة العرب قبل الإسلام وبعده .
2ـ توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحد الذي يدين بمقتضى لا إله إلا الله لأن كلاً من أفراده يأخذ ما أحل الله له ويترك ما حرم الله عليه تفاعلاً مع عقيدته التي تملي عليه ذلك فينكف عن الاعتداء والظلم والعدوان ويحل محل ذلك التعاون والمحبة والموالاة في الله عملاً بقوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [ سورة الحجرات : 10 ] .
يظهر هذا جليًا في حالة العرب قبل أن يدينوا بهذه الكلمة وبعدما دانوا بها – فقد كانوا من قبل أعداء متناحرين يفتخرون بالقتل والنهب والسلب فلما دانوا بها أصبحوا أخوة متحابين
كما قال تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [ سورة الفتح : 29 ] .
وقال تعالى : { وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } [ سورة آل عمران : 103 ] .
3ـ حصول السيادة والاستخلاف في الأرض وصفاء الدين والثبوت أمام تيارات الأفكار والمبادئ المختلفة – كما قال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [ سورة النور : 55 ]
فربط سبحانه حصول هذه المطالب العالية بعبادته وحده لا شريك له الذي هو معنى ومقتضى لا إله إلا الله .
4 ـ حصول الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لا إله إلا الله وعمل بمقتضاها لأنه يعبد ربًا واحدًا يعرف مراده وما يرضيه فيفعله ويعرف ما يسخطه فيجتنبه بخلاف من يعبد آلهة متعددة كل واحد منها له مراد غير مراد الآخر وله تدبير غير تدبير الآخر كما قال تعالى : { أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ سورة يوسف : 39 ] .
وقال تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } [ سورة الزمر : 29 ] .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحون والرجل المتشاكس : السيئ الخلق .
فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه، بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع رأفة مالكه ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه، فهل يستوي هذان العبدان .
5 ـ حصول السمو والرفعة لأهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة – كما قال تعالى : { حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [ سورة الحج : 31 ] . فدلت الآية على أن التوحيد علو وارتفاع وأن الشرك هبوط وسفول وسقوط .(45/1)
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض وإليها يصعد منها، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير التي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله تعالى وتؤزره وتزعجه وتقلقه إلى مظان هلاكه – والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده عن السماء .
6 ـ عصمة الدم والمال والعرض، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) [ رواه البخاري ( 13/217 ) في الاعتصام . ] ، وقوله ( بحقها ) معناه أنهم إذا قالوها وامتنعوا من القيام بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والابتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام أنها لا تعصم أموالهم ولا دماءهم بل يقتلون وتؤخذ أموالهم غنيمة للمسلمين كما فعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه .
هذا – ولهذه الكلمة آثار عظيمة على الفرد والجماعة في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق . . .
المصدر: كتاب "معنى لا إله إلا الله"(45/2)
...
آخر الإضافات
فيديو فعاليات مركز أهل السنة الصيفي الخامس - بيت المقدس
ما كان لله سيبقى
بعض السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم
أقسام القلوب
وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه
احياء النفوس
خطبة الجمعة ( الأخوة في الله )
فهل من مُدَّكِر
التوحيد وواقع الأمة اليوم (الإصدار المرئي الأول)
فلاش رد على جريمة الاستهزاء بخير من بعث الله من الأنبياء
أكثر المواضيع مشاهدة
أدعياء السلفية
اضرب يا أسد الفلوجة
مكتبة الحديث الشريف
صفة الصلاة
ركن الفتاوى
الأربعين النووية
قلبي
بطاقات دعوية
الآداب الإسلامية
اتباع منهج أهل السنة والجماعة فرض عين على كل مسلم
مواضيع ذات صلة
عداد الزوار
1475626 زائر
يوجد الآن 155 ضيف في الموقع
مختارات من مقالات الشيخ
سوسو وشيخ السلطان
أقسام الموقع
مواقع صديقة
من آفات التساهل الدَّعَوى ...
لقد طلع علينا في العقود الأخيرة فئامٌ وفرقٌ، تمارس تساهلاً دعوياً عجيباً، وهزالاً إصلاحياً فريداً، وتماوتاً في الخير لا يمتّ للحزم بصلة؛ حيث يأخذ نمطية الدعة والسهولة، والراحة والليونة، والضعف والنعومة. قد صدع شامخاً باللين والتيسير، وتسوّد متعاظماً بالبسمة والتبشير، وانبرى جاهداً بالتسلية والتحبيب، فجعلوا الوسائل غايات، والمقدمات خاتمات، والتوطئات مقاصد ساميات. لم يفرّقوا بين مدخل ومقصد، وأصل وفرع، وجبل وتلّ، وذكر وأنثى؛ فلقد خلطوا الفروع بالأصول، والوسائل بالمقاصد، والأبناء بالآباء. فضاعت الحرمات، وهانت الأصول، واختلطت المفاهيم، وأضحت الدعوة (مزاداً) يؤمه غير فقيه، ويقصده غير متقن، ويقوده غير متمكن (من جميع الفئات الجاهلة والناشئة والفاترة والهازلة)، دون قيود أو شروط أو التزامات.
وهؤلاء يسلكون مع المدعوين لطيف الوسائل وخفيفها، وسهلها ولينها. وهي تتمثل في ضروب واسعة من الترويح والتسلية والتلهية نحو: النشيد ـ المشهد ـ اللعبة ـ الطرفة حتى غلبت على معاني الدعوة الجادة، وأساسيات الإصلاح المتميز من همة عالية، وحزمٍ متوقد، وصبرٍ شامخ، وتضحيةٍ جبّارة.
ولا ارتياب أن مثل هذا المسلك إجحاف بالدعوة، وإقصاء في فهم حقيقتها واتجاهاتها وأهدافها، وجناية على قطوفها وثمراتها وبركاتها. وهؤلاء ينتشرون في مجامع الشباب والمراكز والمخيمات التربوية التي تقصدها جموع غفيرة من الشباب والناشئة الذين يحملون فكرها وثقافتها.
وربما تذرّع هؤلاء بوجود طوائف غير سوية، تحتاج ذاك المسلك لتحقيق التآلف والتجاذب والتضامن والتأثير والتحبيب، والعلم ثقيل حجمه، عظيم كاهله على هؤلاء، ومراعاتهم في الدعوة مقصدٌ مهم، لاحتوائهم والتأثير فيهم. والواعي هو الذى يرى حتمية بروز العلم وضرورته وغلبته في دعوة هؤلاء وغيرهم، ويرى أن تجريد الدعوة من العلم والهدى والجد والحزم خطأ محض، وفكرة شاذة ـ هذا الواعي لا يختلف مع هؤلاء في أنه ينبغي عليه مراعاة حال المدعوين في الدعوة والنصيحة، بل عندنا أصول شرعية، تعزّز ذلك وتعضّده، منها قول علي ـ رضي الله عنه ـ: "حدّثوا النّاس بما يعرفون؛ أتريدون أن يُكَذَّبَ الله ورسوله؟"(1).
وقول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: "ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبْلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(2).
واللين والرفق مقامان ممدوحان في الشريعة، والنصوص فيهما كثيرة وفيرة، ولهما حدود وقيود تحفظ قدرهما، وعدم التجني والتلاعب بمعانيهما؛ لأن إدراجَ التساهل والتلاين والخضوع وسائر وسائل الترويح تحت اللين- باستدامة وإطلاق- مسلكٌ مطروح مردود؛ وظهور المغالطة فيه أعظم من أن نقف لكشفها وبيانها والتحذير منها.
والذي ينبغي تبيينه ويُتأكد توضيحه، هو أننا لا نعلم دليلاً يقْصُر الدعوة على صنوف اللعب واللهو والترفيه على أزمنة سحيقة، وآماد بعيدة، يحملها جيل عن جيل، وطائفة عن أخرى. وأيضاً لم نقف على طريقة للأنبياء والدعاة والهداة والصالحين في ذلك. ومن كان عنده فضل علم فليدلنا عليه ونكون له من الشاكرين. بل الذي يعتقده المصلحون الواعون أن هذا الدين عظيم جليل، وبناؤه متين، وأساسه قويٌّ رصين كما قال ـ تعالى ـ:( ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ )[ق: 1].
وقال ـ تعالى ـ:(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاًا) [المزمل: 5]. وهو مع ذلك كله سهل في أحكامه وشرائعه، لا يأمر بشدّة ولا بإجحاف أو ظلم أو انحراف، بل يفيض رحمة وحناناً وسلاماً ونوراً على حامليه والقائمين تحت لوائه وسمائه.
ومباحاته تُساس بالأدب، وتُصان بالمروءة، وتُحفظ من كل ألوان السفه والتكدير والإضاعة.(46/1)