مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال في مجال الدعوة
الدكتور/ إبراهيم بن صالح الحميدان
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه , وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد :
فهذا بحث متواضع ومحاولات اجتهادية حول مواصفات ترجمة معاني القرآن الكريم المعدة للاستعمال في مجال الدعوة إلى الله تعالى، كتبته تلبية لدعوة بالمشاركة في ندوة (ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي, وتخطيط للمستقبل) التي يقيمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، سائلاً الله تعالى أن ينفع به وأن يجعله من العمل الصالح المتقبل, وأن يعفو بمنه وكرمه عما جاء فيه من التقصير والزلل .
وقد جاء البحث في مقدمة وتمهيد، و مباحث ستة ؛ كما يلي:
المبحث الأول : الأهمية الدعوية لترجمة معاني القرآن الكريم .
المبحث الثاني : مسائل في مفهوم الترجمة .
المبحث الثالث : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى طريقة القيام بها, وأسلوب إجرائها .
المبحث الرابع : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى القائم بها .
المبحث الخامس : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى مضمونها.
المبحث السادس: الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى طريقة إخراجها ونشرها.
ثم خاتمة البحث , وأبرز التوصيات والمقترحات .(1/1)
ولقد سعدت بفكرة البحث وموضوعه سعادة كبيرة، وحاولت أن أقدم فيه بعض الأفكار الاجتهادية المبنية على الملاحظة وبعض التجارب القليلة , رغبة في خدمة كتاب الله عز وجل ؛ وقياماً بجزء يسير من الواجب، وسدّاً للحاجة المتصلة بموضوعه، مع علمي بأني لست من فرسان هذا الميدان، لكن ضعف المشاركة فيه وقلة ما كتب حوله أغراني في عرض ما لدي من بضاعة ؛ ولعل الله أن يقيض له بعد ذلك من هو أفضل حالاً، وأحسن مقالاً.
والله المستعان، والحمد لله رب العالمين .
تمهيد : أهمية الموضوع وهدف البحث فيه .
أولا : أهمية الموضوع :
أن يتصل بحث بكتاب الله عز وجل، المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ معجزاً باقياً إلى قيام الساعة دليلاً على صدق نبوته, وهدى يهدي به الله من يشاء من عباده؛ فذلك غاية في الأهمية والقيمة .
قال تعالى :( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير( (هود:1).
وقال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد( ( الزمر : 23 ). وأن يتوجه بحث لخدمة هذا الكتاب الكريم ومحاولة تيسير وصوله للناس - كل الناس ليس المؤمنين به فقط -, وتيسير وصول الناس إليه ؛ فذلك من مقتضيات الإيمان, وموجب متابعة محمد عليه الصلاة والسلام.
قال عليه الصلاة والسلام ( بلغوا عني ولو آية ... ) (1).
ثانيا : هدف البحث :(1/2)
إن فكرة هذا البحث المعنون بـ " مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال في مجال الدعوة " لا تعني أنه يجب أن يكون هناك إصدار خاص لهذه الترجمات يستعمل في مجال الدعوة وإصدارات أخرى لا تستخدم في مجال الدعوة، بل تقوم على أن أي ترجمة يقوم بها المسلمون لمعاني القرآن الكريم إنما أعدت لدعوة الناس إلى كتاب الله تعالى ودينه، وإقامة الحجة عليهم بتبليغه - سواء أكان هذا المعنى حاضراً في ذهن المترجم أم لا - وسواء أكانت هذه الترجمة موجهة للمسلمين أم لغيرهم، ولذا فإن هذا البحث يهدف إلى اقتراح بعض السبل والوسائل لجعل تلك الترجمات أكثر تأثيراً وإفادة في دعوة الناس إلى الإسلام.
ذلك أن القرآن ذاته كتاب هدى ودلالة على الحق ودعوة إليه، قال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ... (( الإسراء : 9 ).
وقال تعالى مخبراً عن الجن لما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم: (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم( ( الأحقاف : 30 ).
الحق الذي لا يملك له العاقل ردّاً، بل يدرك صحته بفطرته وعقله السليم، فيستجيب له وينقاد إلى تعاليمه .
المبحث الأول : الأهمية الدعوية لترجمة معاني القرآن الكريم
أولا : أهمية الدعوة بالقرآن :
الدعوة بالقرآن , وإلى ما فيه من الهداية سبيل محمد عليه الصلاة والسلام، أمره الله تعالى بذلك في محكم كتابه، فكان -عليه الصلاة والسلام- يدعو بالقرآن وينذر به، وكان هديه وقوله وبيانه للناس وحياً يوحى, فهو المبلغ عن الله تعالى, وقد زكاه ربه عز وجل بقوله: (وما ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى( (النجم:3،4), ولذلك كانت السنة النبوية لازمة لفهم القرآن.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره(2) :
" القول في تأويل قوله تعالى (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب( (إبراهيم:52).(1/3)
يقول تعالى ذكره : "هذا"- القرآن - "بلاغ للناس", أبلغ الله به إليهم في الحجة عليهم , وأعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه وعبره .
"ولينذروا به" يقول: ولينذروا عقاب الله ويحذروا به نقماته, أنزله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم .
"وليعلموا أنما هو إله واحد" يقول : وليعلموا بما احتج به عليهم من الحجج فيه أنما هو إله واحد لا آلهة شتى ؛ كما يقوله المشركون بالله، وأن لا إله إلا هو الذي له ما في السموات وما في الأرض, الذي سخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار, وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لهم, وسخَّر لهم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لهم الأنهار .
( وليذكر أولو الألباب( يقول: وليتذكر -فيتعظ بما احتج الله به عليه من حججه التي في هذا القرآن فينزجر عن أن يجعل معه إلهاً غيره ويشرك في عبادته شيئاً سواه- أهل الحجا والعقول؛ فإنهم أهل الاعتبار والادكار دون الذين
لا عقول لهم ولا أفهام، فإنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك : حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله (هذا بلاغ للناس(؛ قال : القرآن، (ولينذروا به(، قال: بالقرآن، (وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب(.
قال الزركشي في البرهان(3): " فائدة : قال الحافظ أبو طاهر السلفي : سمعت أبا الكرم النحوي ببغداد وسئل:كل كتاب له ترجمة , فما ترجمة كتاب الله.
فقال : (هذا بلاغ للناس ولينذروا به(.
ثانيا : ترجمة معاني القرآن الكريم متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ والدعوة:
هذا الوحي الوارد في كتاب الله تعالى والمبين بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم هو هداية الله لعباده مؤمنهم وكافرهم .
وقد قال تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته( ( المائدة : 67 ) .(1/4)
وأمره بتبيينه للناس فقال سبحانه وتعالى : (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون( ( النحل : 44)
وأمر -عليه الصلاة والسلام- أمته بالتبليغ عنه فقال : (بلغوا عني ولو آية ...) (4). وقال -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)(5) وأتباعه عليه الصلاة والسلام مطالبون بالدعوة إلى هديه, واقتفاء سنته (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ... (( يوسف : 108 ) .
وتأتي ترجمة معاني الكتاب الكريم إلى اللغات الأخرى لتعريف الآخرين بهذا الوحي، وتبيينه لمن لا يفهم اللسان العربي، وذلك من تبليغ الناس بدين الله ودعوتهم إليه، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني (6):
" فمن دخل في الإسلام أو أراد الدخول فيه فقرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يعرب له لتعريف أحكامه أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (7) رحمه الله:
" والصحابة لما استغنوا عن النحو واحتاج إليه من بعدهم؛ صار لهم من الكلام في قوانين العربية ما لا يوجد مثله للصحابة لنقصهم وكمال الصحابة, وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم ما لا يوجد مثله للصحابة؛ لأن هذه وسائل تطلب لغيرها؛ فكذلك كثير من النظر والبحث احتاج إليه كثير من المتأخرين واستغنى عنه الصحابة, وكذلك ترجمة القرآن لمن لا يفهمه بالعربية يحتاج إليه من لغته فارسية وتركية ورومية, والصحابة لما كانوا عرباً استغنوا عن ذلك, وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس والصحابة استغنوا عنه".
وقال رحمه الله(8) :(1/5)
" وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه...ولذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة ".
بل يذهب البعض إلى أن دعوة القرآن يتوقف تبليغها وتفهيمها الأمم غير العربية على ترجمة القرآن ويستدلون بنصوص من مثل قوله تعالى: (وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ... (( الأنعام : 6 )، وعليه فلا يتأتى إنذار الأمم غير العارفة بلغة القرآن إلا بترجمته إلى لغتهم (9).
ثالثا :الترجمة الصحيحة تؤدي إلى الفهم الصحيح عن الإسلام والعكس بالعكس :
إن القيام بالترجمة الصحيحة لمعاني القرآن الكريم وفق منهج مبني على ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفهم صحابته رضوان الله عليهم، يقطع الطريق على أهل الأهواء والبدع واجتهادات غير المؤهلين, وكم نشر من ترجمات تحمل ضلالات تسيء إلى الإسلام , وكانت سبباً في البعد عنه وردِّ دعوته، سواء أكان من ذلك بقصد الإساءة والتضليل (10) ؛ أم بسبب الجهل الذي لا ينتج إلا جهلاً.
ولقد عرفت ترجمات عديدة للقرآن الكريم إلى لغات شتى من أهمها : الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والتركية والأردية والهندية والفارسية والبشتو وغيرها؛ مليئة بالأغلاط والأخطاء الفاحشة (11)، ولا شك أن لذلك أثره في القارئ لهذه الترجمات المغلوطة مما يكون سبباً في تشويه فهمه لهذا الدين ووحي رب العالمين، وبالتالي عدم إقباله عليه وقبوله.(1/6)
وإنك لتعجب من جهود عدد كبير من المستشرقين شرقاً وغرباً في ترجمة معاني القرآن الكريم كاملا , أو لأجزاء منه , رغم كل الصعوبات اللغوية والزمنية(12)؛ وبذلهم أقصى الجهود والقيام بالأسفار وإجراء التحقيقات والمراجعات؛ في مقابل ضعف المسلمين وقلة جهودهم التي ينبغي أن يبذلوها لكتابهم ووحي ربهم؛ مما جعل لترجمات أولئك المستشرقين مكانة الصدارة في المكتبات العامة والتجارية على سوء كثير منها من وجهة إسلامية .
جاء في بعض الدراسات أن ترجمة سيل -وهي أشهر ترجمة لمعاني القرآن بالإنجليزية حتى اليوم- التي أصدرها جورج سيل George Saleعام 1734م وسماها " قرآن محمد " سادت أوروبا وأمريكا قرابة قرنين من الزمان، وقد اعتمد في ترجمته على ترجمة ماراكسي Marracci التي صدرت عام 1698م وارتكزت على أن القرآن من وضع محمد عليه الصلاة والسلام، وأن هدفه هو إخضاع الناس بالسيف, ولسوئها -رغم انتشارها وقبول الكثيرين لها- عارضها بعض المؤرخين الفرنسيين بزعامة المؤرخ الفرنسي الكونت هنري دو بولنفيلييه، لكنه هوجم واتهم بأنه نصب نفسه مدافعاً عن الإسلام من أجل تحطيم خير الكاثوليكية (13)!.
وأتت ترجمة جورج سيل مثل ترجمة ماراكسي متعصبة منكرة للقرآن , وقد طبعت أكثر من ثلاثين مرة , وتمت ترجمتها من الإنجليزية إلى اللغات: الدانمركية عام 1742م, والفرنسية عام 1750م, والألمانية عام 1764م, والروسية عام 1792م, والسويدية عام 1814م, والبلغارية عام 1902م.
ثم توالت ترجمات أخرى بالإنجليزية اعتمدت على هذه الترجمة السيئة (14).
أفنستغرب بعد ذلك أن يسود العالم الغربي والشرقي ذلك الفهم المشوش والمغلوط عن الإسلام ونبي الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام؟!(1/7)
إن ذلك يؤكد عظم المسؤولية التي على المسلمين في ضرورة ووجوب التبليغ الصحيح لهذا الكتاب الكريم من خلال الترجمات الموثوقة التي تؤدي بإذن الله إلى صحة الفهم عن هذا الدين , بدلاً من تلك الترجمات المغلوطة .
رابعا : الترجمة وسيلة تعليم عدد كبير من المسلمين أحكام القرآن الكريم :
من الأمور المعلومة أن عدد المسلمين في هذا العصر من غير العرب يفوق أعدادهم من العرب , ومما يؤسف له أن كثيرا منهم لا يتكلمون باللغة العربية ولا يفهمونها، واللغة العربية لغة القرآن , ولربما رأيت من يستطيع قراءة القرآن قراءة حرفية، لكنه لا يكاد يفقه معانيه .
ولذلك نقول : إن تعلم اللغة العربية ضرورة لكل مسلم يقدر على ذلك، لأن ذلك جزء من الدين فهي الآلة والوعاء الذي به يعرف الدين ويفهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (15) رحمه الله :
"وذلك أن اللسان الذي اختاره الله -عز وجل- لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنها اللسان الأولى".
لكن حتى يتحقق شيء من ذلك - كما أشرنا - لا بد من تفقيه المسلمين بدينهم وتعليمهم رسالة ربهم, الآمرة بالتوحيد والناهية عن الشرك, وذلك
لا يتأتى مع من لا يفهم منهم لغة القرآن إلا بالترجمة إلى لغاتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (16) رحمه الله :
"ولهذا دخل في الإسلام جميع أصناف العجم من الفرس والترك والهند والصقالبة والبربر ومن هؤلاء من يعلم اللسان العربي, ومنهم من يعلم ما فرض الله عليه بالترجمة وقد قدمنا أنه يجوز ترجمة القرآن في غير الصلاة والتعبير؛ كما يجوز تفسيره باتفاق المسلمين"؛ لذلك فإن ترجمة الكتب الشرعية ومن أهمها تفاسير القرآن الكريم وشروح السنة النبوية, وكتب العقائد والأحكام؛ أمر لا بد منه, بل هو واقع مشاهد, إن لم يقم به أهل السنة والاتباع قام به أهل البدعة والمخالفة.(1/8)
وهنا ملحوظتان نلفت الأنظار إليهما في هذا الموضوع :
الأولى: أن هناك الكثير من المصنفات الشرعية باللغة غير العربية -ومنها تفاسير القرآن- في بعض البيئات الإسلامية مثل البيئات المتحدثة بالأردية أو الفارسية؛ وهذه المصنفات ينبغي النظر إليها في إطار الترجمات؛ من حيث إن المصنف قد نقل المعاني والمصطلحات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة من اللغة العربية إلى تلك اللغة, ولذا ينبغي اعتبارها عند النظر في الترجمات أو عند البحث في المناسب منها للنشر والتوزيع وعدم الاقتصار على ما ترجم من أصل عربي.
الثانية: إن البيئات الإسلامية المتحدثة باللغة غير العربية تتفاوت من حيث الكم والكيف المصنف أو المترجم بلغاتها من معاني القرآن الكريم, فما يوجد
-مثلاً- باللغة الصينية أقل بكثير مما كتب بالأردية, وما زال المتحدثون بالروسية بحاجة إلى ترجمة صحيحة تعتمد على التفسير(17), وعليه ينبغي النظر في البيئات المحتاجة ومساندتها في هذا الباب وفق خطط مدروسة تبنى على الاستقراء لما هو موجود لديها من ترجمات معاني القرآن الكريم.
المبحث الثاني : مسائل في مفهوم الترجمة .
هناك مسائل هامة تتصل بالحديث عن مواصفات الترجمة ذات التأثير الدعوي الأكثر، لابد من تناولها ولو بشيء من الإيجاز؛ هذه المسائل هي: بيان المقصود بلفظة الترجمة: مفردة, ومضافة, والعلاقة بين التفسير والترجمة، ومدى لزوم التعبير المعاصر عن الترجمات, أي: بعبارة (ترجمة معاني القرآن), وكلها متصلة بموضوع البحث كما سيتبين بإذن الله.
أولا : لفظة الترجمة مفردة ومضافة :
جاء في بعض كتب اللغة :
" الترجمان: المفسر للسان؛ وفي حديث هرقل: قال لترجمانه.
الترجمان بالضم والفتح هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة أخرى والجمع التراجم والتاء والنون زائدتان وقد ترجمه , وترجم عنه " (18).
" والترجمان: المفسر "(19) .(1/9)
" وترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر ومنه الترجمان وجمعه تراجم " (20)
" وترجم فلان كلامه إذا بيَّنه وأوضحه"
وترجم كلام غيره إذا عبر عنه بلغة غير لغة المتكلم، واسم الفاعل ترجمان : وفيه لغات أجودها: فتح التاء وضم الجيم, والثانية ضمهما معا بجعل التاء تابعة للجيم, والثالثة فتحهما بجعل الجيم تابعة للتاء والجمع تراجم, والتاء والميم أصليتان فوزن ترجم:فعلل مثل دحرج"(21).
وعليه فإن النظر في كتب اللغة يقودنا إلى أن لفظة الترجمة مفردة جاءت بمعنى:
التبيين, والتوضيح، والتفسير, وذلك باللغة نفسها أو بلغة أخرى.
وترجم لفلان أو عنه: بين تاريخه وسيرته.
و ترجم للكتاب أو الباب أي عرفه أو عرف به.
وترجمة القرآن: أي تفسيره وبيان معانيه.
وترجمان القرآن: أي تفسيره، وقد سمى به السيوطي تفسيرا مطولاً اختصره في الدر المنثور(22).
وترجمان القرآن: أي مفسره, وربما البارع في تفسيره وتأويله, وقد اشتهر به ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "نعم ترجمان القرآن ابن عباس" (23).
وقد وصف به بعض علماء الإسلام الأعلام كابن تيمية رحمه الله (24).
ويلاحظ الناظر في بعض الكتب والدراسات حديثاً مطولاً عن مفهوم ترجمة القرآن باعتبار أقسامها ؛ حيث يشتهر تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول : وهو الترجمة الحرفية , ويقصد بها: محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه
أو: ترجمة اللفظ نفسه!
والقسم الثاني: وهو الترجمة التفسيرية، ويقصد بها: ترجمة معاني الكلام .(25)(1/10)
وأعتقد أن ذلك يحتاج إلى تأمل وإعادة نظر؛ فتقسيم ترجمة القرآن إلى قسمين : حرفية وتفسيرية؛ والحديث عن القسم الأول بأنه لا يجوز, وعن الثاني بأنه يجوز؛ تقسيم افتراضي لا حقيقي, لأنه يستحيل أن يتحقق ما يسمى بالترجمة الحرفية لكلام الله عز وجل المنزل في كتابه الكريم القرآن؛ لسببين رئيسين: الأول كون تنزله باللسان العربي ووصف الله تعالى له بأنه عربي, فإذا خرج عن العربية لم يعد قرآناً, وثانياً: للتحدي والإعجاز الوارد فيه.
وإن افترض إمكانه في غير كلام الله، فإنه في كلام الله مستحيل ممتنع أصلا .
وإذا كان الله قد تحدى بالإتيان بمثل هذا القرآن أو ببعض من سوره أو بسورة منه أو بحديث من مثله بلغته نفسها ؛ فبغيرها من باب أولى.
وهو يشبه أن يقال : هذه الشجرة يمكن الحصول على مثلها بطريقين:
الأول : الإيجاد من العدم، والثاني: بالاستنبات.
ثم يقال : فالأول لا يجوز، والثاني يجوز !
أما أن يكون السبب في التقسيم المذكور وجود مَنْ يدعي إمكانه بشقيه ؛ فليس ذلك بسبب يعول عليه، ومدخل تبنى المسائل عليه، ويكفي فيه ما يسمَّى بالتحدِّي على صدق الدعوى(26)، وما أكثر ما يدعى ! وقد قيل :
والدعاوى ما لم يقيموا عليها … بينات؛ أصحابها أدعياء.
قال النووي في المجموع (27) :
"ترجمة القرآن ليست قرآناً بإجماع المسلمين، ومحاولة الدليل لهذا تكلف, فليس أحد يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآناً، وليس ما لفظ به قرآناً, ومن خالف في هذا كان مراغماً جاحداً، وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره، فكيف يكون تفسير القرآن قرآناً ؟ .
وقد سلموا أن الجنب لا يحرم عليه ذكر معنى القرآن، والمُحْدِث لا يمنع من حمل كتاب فيه معنى القرآن وترجمته , فعلم أن ما جاء به ليس قرآناً، ولا خلاف أن القرآن معجز وليست الترجمة معجزة، والقرآن هو الذي تحدى به النبي صلى الله عليه وسلم العرب ووصفه الله تعالى بكونه عربياً ".(1/11)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (28) : "يجب أن يعلم أصلان عظيمان :
أحدهما : أن القرآن له بهذا اللفظ والنظم العربي اختصاص لا يمكن أن يماثله في ذلك شيء أصلا؛ أعني خاصة في اللفظ وخاصة فيما دلَّ عليه من المعنى, ولهذا لو فسر القرآن ولو ترجم؛ فالتفسير والترجمة قد يأتي بأصل المعنى أو يقربه, وأما الإتيان بلفظ يبين المعنى كبيان لفظ القرآن فهذا غير ممكن أصلا.
ولهذا كان أئمة الدين على أنه لا يجوز أن يقرأ بغير العربية لا مع القدرة عليها ولا مع العجز عنها؛ لأن ذلك يخرجه عن أن يكون هو القرآن المنزل, ولكن يجوز ترجمته كما يجوز تفسيره وإن لم تجز قراءته بألفاظ التفسير وهي إليه أقرب من ألفاظ الترجمة بلغة أخرى.
الأصل الثاني: أنه إذا ترجم أو قرئ بالترجمة فله معنى يختص به لا يماثله فيه كلام أصلا، ومعناه أشد مباينة لسائر معاني الكلام من مباينة لفظه ونظمه لسائر اللفظ والنظم، والإعجاز في معناه أعظم بكثير كثير من الإعجاز في لفظه .
وقوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا( (الإسراء:88) يتناول ذلك كله، فكيف يقال: الكلام المقروء بالعربية والسريانية من التوراة والإنجيل والمترجم بالفارسية والتركية من ذلك هو الكلام المقروء بالعربية الذي هو القرآن مع أنا بالبديهة نعلم أنه ليس مثله لا في لفظ ولا في معنى فضلا عن أن يكون هو إياه".
وحسب اطلاعي فإن هذا التقسيم ليس له أصل في كتب السلف سوى بيان استحالة الأول وإمكان الثاني (29) دون قصد التقسيم ذاته .(1/12)
وعليه فيمكن القول باطمئنان : إن ترجمة القرآن بيان لمعانيه سواء باللغة نفسها أم بلغة أخرى، ولذا فإن جزءا من حديثنا في البحث سيبنى على هذا الأصل، وهو أن المترجم كالمفسر لابد أن يستوفي شروط القيام بهذه المهمة الجليلة ومؤهلاتها حتى تكون ترجمته لكتاب الله صحيحة ؛ وبالتالي تؤثر في قارئها التأثير الدعوي المتوقع بإذن الله.
قال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (... ( الإسراء : 9 ).
وقال تعالى مخبراً عن الجن أنهم لما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم: (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم( ( الأحقاف : 30).
ثانيا : العلاقة بين ترجمة القرآن وتفسيره :
يرد سؤال علمي دقيق مفاده: أتعد ترجمة القرآن نوعاً من تفسيره وبيانه أم أنها شيء مختلف عنه ؟
وقد جزم بعض الباحثين أن التفسير غير الترجمة وتكلفوا النظر في الفروق بينها لجعل كل نوع له خصائصه المستقلة(30) .
وفي رأيي أن التفسير والترجمة لكلام الله بمعنى واحد سواء في اللغة نفسها أو بالتعبير عنها بلغة أخرى، وكما تتمايز التفاسير باللغة الواحدة؛ تتمايز وتتفاضل الترجمات التي هي تفسير وتبيين بلغة أخرى.
يؤيد ذلك عدة أمور من أبرزها :
• الإمكان اللغوي وقدَّمنا أن لفظة الترجمة تأتي بمعنى: التبيين, والتوضيح، والتفسير، سواء باللغة نفسها أو بلغة أخرى .
• أن المسلمين في اصطلاحاتهم منذ القرون السالفة قد وجد عندهم تسمية المفسر مترجما وترجمانا، والتفسير ترجمة وترجمانا، وقد مرت الإشارة إلى ذلك آنفا.
• أنه يعبر باللغة العربية وغير العربية عن الترجمات بعبارة : (ترجمة معاني القرآن) وما معاني القرآن إلا نوع من تفسيره وبيانه الذي يعبر عنه المترجم باللغة الأخرى, كما يعبر عنه المفسر باللغة ذاتها.
ثالثا : التعبير بعبارة ( ترجمة معاني القرآن الكريم ) :(1/13)
يشيع في عصرنا هذا التعبير بعبارة: (ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة
كذا ...) وقد تسمع الإنكار في كثير من المجالس العلمية على من يستخدم في كلامه عبارة: (ترجمة القرآن) .
بل ورد في بعض الدراسات تأكيد لزوم هذا التعبير أو نحوه, والجزم بعدم جواز التعبير بعبارة: (ترجمة القرآن)(31)؛ وذلك خوفاً من أن يفهم الآخرون أن تلك الترجمات قرآن بذاتها.
ولعل ما جاء في المسائل السابقة قد بان فيه أن ترجمة القرآن ليست قرآناً بإجماع المسلمين، بل إن بعض المستشرقين كان هذا المعنى واضحا في ذهنه، وقد كان المستشرق آربري دقيقاً عندما سمَّى ترجمته للقرآن: (القرآن مفسراً)(32).
كما وفق محمد مرمادوك بكثال عندما سمى عمله: (معاني القرآن الكريم).
وقد أصاب محمد أسد عندما اختار اسم (رسالة القرآن) لترجمته (33).
وقد استقرأت هذه العبارة في كتابات السلف فلم أجد أحداً قد عبر بقوله: (ترجمة معاني القرآن) وإنما التعبير السائد هو: (ترجمة القرآن) وذلك في نقل معانيه إلى لغة أخرى.
ويبدو أن ذلك عائد إلى وضوح معنى الترجمة الذي بيناه آنفاً, وأنه لا يمكن أن تكون بحال من الأحوال قرآنا.
وهنا أشير إلى أن إيرادي لهذه المسألة لا يعني تخطئة التعبير المعاصر بـ: (ترجمة معاني القرآن الكريم) لكن هذا التعبير أقرب إلى تسمية الفعل (ترجمة) وهو الأمر الذي يختلف عن تسمية المصنف الذي ينتج عنه .
ويمكن أن يبين في مكان ما أن هذا المصنف هو ترجمة لكن لا يكون ذلك في بناء العنوان وتركيبه عندما يصاغ باللغة الأخرى .
المبحث الثالث : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة
) بالنظر إلى طريقة القيام بها , وأسلوب إجرائها ((1/14)
لعل من نافلة القول أن أي عمل بناء هادف مسدد يبدأ ويبنى على خطة العمل التي تسبق القيام به, ومشروع ترجمة معاني القرآن الكريم عمل كبير، ومهمة في غاية الحساسية؛ لأنها تتصل بتبليغ كلام الله -عز وجل- المنزل على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام , وتبيينه للناس .
لذلك كان لزاماً على المسلمين؛ ومن يعنى منهم بذلك على وجه الخصوص أن يولوا هذا الأمر غاية اهتمامهم، وأن يبذلوا في سبيل إنجاحه منتهى جهدهم .
ولقد تنادى علماء المسلمين منذ مدة بأن الطريق الذي يجب أن يسلك في مشروع الترجمة لإبلاغ كلام الله -عز وجل- إلى أولئك الذين لم يتمكنوا من الوصول إليه أو معرفته بنصه العربي ؛ يمكن أن يحصل بأحد أمرين :
الأول : بيان المعاني الأصلية التي اشتمل عليها القرآن مبينة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن يقوم المترجم بالنظر إلى هذه المعاني وبذل جهده في استيعابها ثم ترجمتها بقدر ما تسعفه قدراته اللغوية والتعبيرية .
الثاني : أن يفسر القرآن تفسيراً موجزاً موضحاً لمعاني الآيات, بحيث يتولاه مجموعة من العلماء القادرين، ثم يترجم هذا التفسير على أنه ترجمة تفسير كذا أو تفسير فلان وفلان، وذلك حتى يؤكد أنه بيان لما فهمه أولئك المفسرون فحسب.(34)
أما الاتجاه الأول فهو ما يفعله أكثر المترجمين الذين قاموا بالترجمة، ولذلك نجد التفاوت بينهم في مقدار النجاح الذي حققوه والجهد الذي بذلوه والقدرات التي يحملها كل منهم.
وأما الثاني: فإن المصادر العلمية تورد ما قام به الأزهر من خطوات عملية في ذلك.
فقبل عقود كونت لجنة برئاسة مفتي مصر حينذاك , واجتمعت لوضع قواعد هذا التفسير وشروطه .
وبعد سنوات قام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر بطبع تفسير موجز باللغة العربية وسمي (المنتخب في تفسير القرآن الكريم)، وجاء في مقدمته بيان لأسباب تصنيفه ملخصها :(1/15)
1- تبليغ هدى القرآن للناس أمر لا مناص منه، وإن الترجمة منال لا يدرك ولا يرام؛ لأن القرآن أبلغ كلام في الوجود، وترجمة بلاغته فوق طاقة البشر.
2- لذلك كان لا بد من الاتجاه إلى كتابة تفسير باللغة العربية، ثم نقله إلى اللغات الأوروبية وإلى لغات المسلمين على اختلافها ليعرفوا معاني القرآن الذي يحفظه الكثيرون منهم ولا يدركون معناه.(35)
وعندما قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف تجددت تلك الدعوة لإيجاد تفسير مناسب يصلح أساسا للترجمات التي يصدرها المجمع كافة، وقد كانت تلك إحدى توصيات لجنة الترجمات بالمجمع، وقد وضعت اللجنة ضوابط وأسساً ينبغي مراعاتها في ترجمة معاني القرآن الكريم والتفسير الذي يعتمد عليه في هذه الترجمات.
ثم استعرضت اللجنة التفاسير الموجودة في الساحة الإسلامية لعلها تجد من بينها ما يتحقق فيه الشروط التي وضعتها، وكان من بين ما تم النظر فيه (المنتخب في تفسير القرآن الكريم)، الذي أشرنا إليه آنفاً، وبعد دراسته وجد أنه قد روعي فيه عدد من المتطلبات إلا أنه ما زال يعاني من بعض الأمور التي رأت اللجنة عدم ملاءمة وجودها في تفسير يُتخذ أساساً لترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، ولذلك بقيت توصيات اللجنة قائمة لإيجاد وتصنيف تفسير لهذا الغرض، وقد كلف معالي وزير الشؤون الإسلامية في حينه الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي مجموعة من أساتذة الجامعات السعودية لتأليف ذلك التفسير.
وقد روعي في إعداده اليسر والسهولة، وأن يكون على منهج السلف في التفسير وموارده مع مراعاة النواحي العقدية والتشريعية، وأن يعتمد على تفاسير السلف كابن جرير وابن كثير وغيرهما .
وقد أعدت ضوابط مكونة من سبع عشرة فقرة طلب من المشارك في إعداد التفسير الالتزام بها، وكان من بين تلك الضوابط - وهو ما يتصل بالجانب الذي نتحدث فيه - ما يلي :(1/16)
- تقديم ما صح من التفسير بالمأثور على غيره، والاقتصار على القول الصحيح أو الأرجح .
- إبراز الهداية القرآنية ومقاصد الشريعة الإسلامية من خلال التفسير .
-كون العبارة مختصرة وسهلة مع بيان معاني الألفاظ الغريبة أثناء التفسير(36).
وقد صدر هذا التفسير عن المجمع، وسمي بالتفسير الميسر .
مناقشة فكرة إعداد التفسير الذي يعد أساساً للترجمات :
لا شك أن إعداد ترجمة ما تمر بمرحلتين رئيستين :
الأولى : استيعاب المترجم للكلام الأصلي .
الثانية : محاولة التعبير عنه بألفاظ وأسلوب اللغة الأخرى المترجم لها .
وتأتي فكرة إعداد تفسير ليكون أساساً للترجمات لمحاولة توحيد الفهم المطلوب في المرحلة الأولى، وهي فكرة موفقة تعين على تجاوز نقص قدرات المترجم في فهم المعنى مباشرة - أي بجهوده الذاتية -، وهي قدرات لا تتوافر بسهولة, وبخاصة إذا ارتبطت بالقدرة على الترجمة.
لكن التفسير الأساس للترجمات تعتور فكرته بعض الملحوظات التي ينبغي أن ينظر إليها، ومن أبرزها :
1 - أن فكرة التفسير الأساس تقوم على أنه تفسير واحد؛ وذلك لا يكفي في مراعاة الفروق المهمة بين البيئات والثقافات المختلفة, وبخاصة بعد ترجمته إلى اللغات الأخرى؛ فالبيئة الإسلامية المتمثلة غالباً في المتحدثين باللغة الأردية والملايوية والتركية والسواحيلية؛ تختلف عن البيئة المتحدثة بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية المنتشرة بين أهل الكتاب، والفئتان السابقتان غير البيئات الوثنية المتحدثة بالصينية واليابانية والكورية.
وعليه تبرز الحاجة إلى وضع أكثر من تفسير أساس للترجمات تراعى فيه فروق المتلقين، وهو ما سنتحدث عنه في المبحث الخامس (مواصفات الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى مضمونها)(37) بإذن الله .(1/17)
2 - أن توحيد الفهم من خلال ذلك التفسير لن يضمن مستوى التعبير باللغة الأخرى, أو جودته، ولا بد من التأكد من كون المترجم من ذوي القدرات في الاستيعاب في هذا المجال، لأن المقصود هو التبليغ لمعاني الكتاب الكريم بدرجة عالية من الصحة والدقة والجودة التي تؤثر في قارئ هذه الترجمات، وجذبه لمزيد النظر والتفكير في هذا الدين العظيم .
وسنتحدث بشيء من التفصيل عن ذلك في المبحث الرابع (مواصفات الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى القائم بها) (38) بإذن الله.
3 - التفسير الأساس للترجمات غالبا ينحو منحى الاختصار، بل ربما كان ذلك من شروطه التي تضعها الجهات المعنية بذلك كما هو ملاحظ في شروط الأزهر في "المنتخب" والمجمع في "التفسير الميسر" .
ولا شك أن طلب الاختصار سببه كبر حجم النص الأصلي الذي سيتبعه ترجمة لا تقل عنه إن لم تزد عليه مرتين أو ثلاثا، وهي أمور تجعل من المتوقع ضعف تناوله والاستفادة منه، وبخاصة من قبل غير المسلمين , ولعل الحل يكمن في وجود إصدارات أخرى للترجمة بحيث تصدر في سور أو موضوعات على حدة .
4 - ينبغي أن لا يعد التفسير الأساس للترجمات - مثل التفسير الميسر أو المنتخب - على أنه التفسير الذي ينبغي أن يكون مرجعاً للمسلمين، ولا سيما بلغته الأصلية اللغة العربية, بل إن فائدته لغير المسلمين في المقام الأول .(1/18)
أما التفاسير التي ينبغي أن تنشر بين المسلمين وبخاصة الناطقون بالعربية فهي التفاسير التي يظهر فيها أكثر من مجرد المعنى إذ لا بد من بيان سبب هذا المعنى؛ كأن يكون مفسراً بآية أخرى فيشار إليها، أو أن يكون مما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في بيانه لأمته, أو أن يكون مما له سبب ثابت من أسباب النزول، أو يكون مما أجمع الصحابة على فهمه عن رسول الله بهذا المعنى، أو أنه الذي تحتمله اللغة ونحو ذلك, لأن ذلك أوفى بواجب البيان, وأنفع للمسلمين, وقبل ذلك؛ أوثق وأبقى للعلم الشرعي المتصل بمعاني الكتاب الكريم، ولا شك أن جهود السلف ظاهرة في هذا المقام من أئمة التفسير بدءاً بترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ومن جاء بعده من المتبعين للسنة والأثر، إلى يومنا هذا، ويمكن أن تترجم هذه التفاسير إلى البيئات الإسلامية غير الناطقة بالعربية.
المبحث الرابع : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة
) بالنظر إلى القائم بها (
إن من مظاهر التوفيق والخيرية لشخص أو جماعة أو مؤسسة أو بلد أن يكون لهم عناية بكتاب الله عز وجل؛ وبخاصة تيسير وصوله للناس ونشره بينهم، قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(39).
كما أن من معالم صدق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته؛ التبليغ عنه ولو جزءاً من كتاب الله، وقد مر معنا قوله عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية)(40).
وترجمة معاني القرآن الكريم داخلة في ذلك كله .
ولعظم المسؤولية وأهمية العمل في هذا الباب؛ ولكون الترجمة نوعاً من التفسير، لأن المترجم موضح ومبين لمعاني الكتاب الكريم، فإنه لا بد أن يتحقق فيه شرطان :
الأول : تحقق شروط المفسر.
الثاني : تحقق شروط المترجم.
قال الزرقاني في مناهل العرفان (41) :(1/19)
" وإذا كان تفسير القرآن بياناً لمراد الله بقدر الطاقة البشرية؛ فهذا البيان يستوي فيه ما كان بلغة العرب, وما ليس بلغة العرب؛ لأن كلا منهما مقدور للبشر وكلا منهما يحتاج إليه البشر, بيد أنه لا بد من أمرين:
أن يستوفي هذا النوع شروط التفسير؛ باعتبار أنه تفسير.
وأن يستوفي شروط الترجمة باعتبار أنه نقل لما يمكن من معاني اللفظ العربي بلغة غير عربية ".
وسنتحدث عن هذين الشرطين بشيء من التفصيل .
أولا : تحقق شروط المفسر :
أما الجانب الأول وهو تحقق شروط المفسر، فقد تحدث العلماء في هذا الباب بتفصيل كبير، ونجمل ما ذكروه من الشروط في ما يلي :
1 -…صحة الاعتقاد، ولزوم السنة (42).
2 -…صحة المقصد(43).
3 -…الاعتماد على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم .(44)
4 -…العلم باللغة العربية وفنونها .
قال مجاهد(45): "لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إن لم يكن عالماً بلغات العرب".
وقال أبو حيان الأندلسي(46) في معرض ذكره لما ينبغي أن يحيط به المفسر:
"ومع ذلك فاعلم أنه لا يرتقي من علم التفسير ذروته, ولا يمتطي منه صهوته, إلا من كان متبحراً في علم اللسان, مترقياً منه إلى رتبة الإحسان ".
5-…معرفة علوم القرآن .
وعلوم القرآن تشمل: أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني, والناسخ والمنسوخ, والمحكم والمتشابه, إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن، وهي من أهم العلوم التي ينبغي أن يعرفها المفسر(47)، بل إن علوم القرآن بالنسبة للمفسر مفتاح له، مثله مثل علوم الحديث بالنسبة لمن أراد أن يدرس الحديث دراسة حقة (48).
6 -…معرفة أصول الفقه .(1/20)
قال أبو حيان الأندلسي(49) في الوجوه التي ينبغي لمن يقدم على تفسير القرآن أن يحيط بها: " الوجه الخامس: معرفة الإجمال والتبيين , والعموم والخصوص, والإطلاق والتقييد، ودلالة الأمر والنهي وما أشبه هذا. ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن ويؤخذ من أصول الفقه".
ولعل من أهم أسباب الانحراف الذي نشأ في اتجاه بعض المفسرين؛ غياب القواعد المحررة التي تضبط الاستنباط من كتاب الله عز وجل (50), لذلك تتبين أهمية العلم بأصول الفقه بالنسبة لمن يتولى النظر والتبيين لمعاني الكتاب الكريم .
ثانيا : تحقق شروط المترجم :
يشترط في القائم بالترجمة المعرفة التامة باللغتين؛ لغة الأصل ولغة الترجمة, وأن يكون متمكناً محيطاً بأساليبهما وخصائصهما (51).
كما أن شروط المفسر هي بذاتها شروط للمترجم عندما يكون قائماً بعملية الاستنباط والنظر في الكتاب الكريم ثم صياغة هذه المعاني التي استوعبها باللغة الأخرى , تماما كما يفعل المفسر .
أما إذا اقتصر المترجم على ترجمة تفسير محدد كما يترجم أي كلام بحدوده ومعانيه دون أن يتدخل بالشرح والبيان أو الاستنباط والنظر فإنه حينئذ لا يحتاج كثيراً إلى الشروط العلمية الواردة في الفقرات 3, 5, 6, لأن من قام بالتفسير حل محله وقام بما كان يحتاج إلى القيام به.
وهناك مسائل تتصل بالمترجم , وقد تكون مفيدة في رفع مستوى كفاءة الترجمة :
أولها: أهمية اختيار مترجم تكون لغته الأصلية هي اللغة التي يترجم إليها، وتكون لغته الثانية هي اللغة العربية التي يترجم منها .
وقد يكون من المفيد وجود اثنين يعرفان اللغتين المترجم منها والمترجم لها، لكن أحدهما لغته الأصلية الأولى والآخر الثانية، ويكون الأساس من يترجم إلى لغته الأصلية، وذلك لكي يتم تبادل الخبرة والتشاور بينهما في فهم الصيغ والمعاني والتعبير الأنسب للترجمة.(1/21)
الثانية : أهمية تمكن المترجم من التعبير البليغ باللغة التي يترجم إليها، وقدرته على الصياغة الراقية في عرف تلك اللغة وأساليبها, وذلك أحرى بأن تكون صياغته وأسلوبه أكثر تأثيراً في القارئ, وبخاصة أنه يترجم معاني كبيرة وعظيمة هي معاني الكتاب الكريم وقد جاءت بأسلوب أبلغ ما يكون , فحري بأن تنقل بأمثل ما يستطيع المترجم لمعانيها من الفصاحة والبلاغة وحسن السبك.
الثالثة: إن من حق كتاب الله علينا أن تبذل فيه أكبر الجهود, وأن تستدعى له أعلى الطاقات وأفضلها، وأن يكون القائم على تفسيره وترجمته مجموعة من أبرز أهل الاختصاص، وعندما يكون عمل مجموعة؛ فلا شك أنه سيكون أجود وأكمل من عمل فرد.
وإن من الإحسان ومحاولة الإجادة والقيام بحق كتاب الله علينا أن لا نتوقف في ترجمة معانيه على صياغة المترجم وحده، بل إن اختيار عدد من المراجعين سيكون أمراً عظيم الفائدة, وسنصل بإذن الله في ذلك إلى نتائج باهرة.
ومن أمثلة المراجعين المتخصصين الذين يمكن أن يساندوا المترجم في عمله الكبير؛ ما يلي:
- المراجع اللغوي الذي يهتم بصحة اللغة وسلامة التراكيب .
- المراجع البلاغي الذي يهتم بأدب اللغة المكتوبة ورقي صياغتها وحسن أسلوبها.
- المراجع الدعوي الذي يتأكد من ملامسة المترجم لهدي القرآن في الدعوة والهداية وقصد التأثير في المتلقي .
- المراجع العقدي الذي يتأكد من التزام المترجم للمعاني الصحيحة في مسائل العقيدة وألفاظها .
- المراجع الفقهي الذي يتأكد من أن الأحكام التي ترجمها المترجم هي التي استقر عليها أمر الإسلام، ولو بالإشارة إلى مواطن ذلك في الآيات الأخرى أو في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم, أو على الأقل يتأكد من أن الصياغة الموجودة لا تحدث تشويشاً لدى القارئ في هذا الجانب.
كيف نوجد المترجم المتمكن ؟(1/22)
أكاد أجزم بأن الناظر في الشروط والمقترحات السابقة سيتوقف أكثر من مرة لتأمل إمكان تطبيقها من عدمه, بل ربما رأى ذلك أمراً صعب المنال, ولا شك أن المتخصص المتميز في هذا العصر قليل، بل هو نادر في مختلف العلوم .
بيد أن حسن التخطيط والإعداد كفيل بإذن الله وتوفيقه بتجاوز هذه المخاوف, وتلك الصعوبات.
وأعني بذلك أن تتبنى إحدى الجهات الإسلامية -ولعل المجمع أنسب تلك الجهات- وضع خطة لإعداد شراح ومترجمين لمعاني القرآن الكريم, بدلا من تركه للظروف الفردية والاجتهادات الشخصية، التي تكون سببا في وقوع المترجم في أخطاء من أسبابها: ضعف العلم باللغة, أو بعلوم القرآن وأصول التفسير.
وتتمثل فكرة إيجاد المترجمين الأكفاء فيما يلي:
1 - اختيار عدد من أبناء المسلمين من قوميات متنوعة تمثل اللغات التي يراد إعدادهم للترجمة إليها.
2 - يكون من أبرز شروط اختيارهم ما يلي:
أ - سلامة الاعتقاد.
ب - قوة التحصيل العلمي وبخاصة في اللغة الأصلية.
ج - الحصول على مؤهل دراسي لا يقل عن الثانوية ويفضل من يحمل مؤهلاً أعلى في لغته الأصلية .
د - الرغبة في خدمة الإسلام وخاصة في مجال تفسير كتاب الله عز وجل وترجمة معانيه .
3 - تتكفل الجهة القائمة على المشروع بإلحاقهم بعدد من البرامج التأهيلية على النحو التالي :
أ - برنامج تأهيلي في اللغة العربية وعلومها , ويكون هناك اختبار تقويمي؛ باجتيازه يُعَدُّ الدارس مُنْهيا لمتطلبات البرنامج .
ب - برنامج تأهيلي في علوم القرآن وأصول التفسير والعلوم الشرعية المتصلة بذلك لمدة ثلاث سنوات .
ج - برنامج تأهيلي وتطويري في لغته الأصلية مدة سنة واحدة .
ويلاحظ في هذا الجزء أمران :
أولاً: يمكن أن يكون هناك مرونة في جانب التأهيل فلو وجدنا - مثلاً - خريجاً متخصصاً في القرآن الكريم وعلومه من إحدى الجامعات الإسلامية فإنه يطلب منه أن يستكمل بقية المتطلبات فيما يتصل باللغتين.(1/23)
ولو وجدنا خريجاً متخصصاً في لغته الأصلية طلبنا منه استكمال التأهيل في اللغة العربية وعلوم القرآن, وهكذا.
ثانياً: تكون الدراسة لعلوم القرآن وأصول التفسير دراسة تطبيقية شاملة, بمعنى أنه ليس مطلوباً منه - على سبيل التمثيل - أن يفهم معنى النسخ في القرآن الكريم وأدلته فقط، بل لا بد أن يعرف جميع مواطن النسخ فيه, وجميع أسباب النزول, وهكذا بقية علوم القرآن ويمكن الاستفادة من الكتب المتخصصة في ذلك .
كما أنه يدرس اللغة العربية دراسة أساسية, ثم دراسة تطبيقية على لغة القرآن الكريم بما في ذلك إعراب القرآن وبلاغته ونحو ذلك، وهناك كتب عديدة وتراث رائع يعرفه المتخصصون ويخدم هذه الأغراض بكل دقة وكفاءة .
4 - يمكن للجهة القائمة على المشروع أن تنشئ معهداً متخصصاً بذلك، وهو الأولى, أو أن تضع برامج للتعاون المستمر في هذا المجال مع المؤسسات العلمية في داخل المملكة وخارجها لإنجاح المشروع.
5 - لا ينبغي أن يكون هذا المشروع محدوداً بهدف إعداد مترجمين أكفاء فقط, بل ينبغي أن ينظر إليه على أنه خدمة لكتاب الله تعالى من وجوه عدة، بحيث يكون برنامجاً مستمرّاً, ويختار من خريجيه أفضلهم للهدف الأصلي الذي هو التفسير والترجمة, أما الباقون فيوجهون ليكونوا دعاة ومعلمين وباحثين في مجالات القرآن الكريم وعلومه, وليقوموا على تدريس أبناء المسلمين في مجال تفسير كتاب الله عز وجل, وليكونوا عوناً للجهات المهتمة بالتفسير والترجمة لكتاب الله تعالى في التقويم والمراجعة, ومتابعة ما يصدر من أي جهة حول هذا الكتاب الكريم .
وانظر إلى ما يبذله المسلمون من جهود كبيرة في تحفيظ كتاب الله تعالى ؛ أو ليس هذا الكتاب -الذي أنزل للعمل به قبل حفظه- جديراً ببذل نسبة من هذا الجهد في بيان معانيه وتعليمها للناس ودعوتهم للعمل بها، وتشجيع البحث والنظر والتدبر فيه؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (52) رحمه الله:(1/24)
" يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه؛ فقوله تعالى(لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل:44) يتناول هذا وهذا, وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان, وعبدالله بن مسعود وغيرهما؛ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة, وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في أعيننا, وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين؛ قيل ثماني سنين, ذكره مالك, وذلك أن الله تعالى قال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته( (ص:29) وقال: (أفلا يتدبرون القرآن( (النساء : 82) و (محمد : 24) وقال: (أفلم يدبروا القول( (المؤمنون : 68) وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن، وكذلك قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون( (يوسف : 2) وعقل الكلام متضمن لفهمه ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه, فالقرآن أولى بذلك، وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم؛ كالطب والحساب, ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم"؟
6 -…يمكن أن تخصص بعض الأوقاف للإنفاق على هذا المشروع وما يتبعه مما أشير إليه آنفاً.
المبحث الخامس : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة
( بالنظر إلى مضمونها )
يفترض في أي ترجمة يقوم المسلمون بإعدادها أن يكون مقصودها تبليغ معاني الكتاب الكريم ودعوة الناس إليه وإلى ما فيه من الخير والهداية والرشاد. وعليه فإن مضمون هذه الترجمة ينبغي أن يتحقق فيه شيئان رئيسان:(1/25)
الأول: صحة هذه الترجمة وجودتها في إيصال المعاني الأصلية الموجودة في لغته الأصلية, سواء في اختيار الألفاظ المعبرة عن المعاني, أم في أساليب التعبير وصيغه.
الثاني: توجيه هذا المضمون بما يحقق فائدة كل فئة من فئات المدعوين, وذلك باعتبار خصائص تلك البيئات وثقافتها.
وعليه يمكن النظر إلى مسألة الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة من حيث المضمون باعتبارين رئيسين؛ لعلهما أبرز ما يخدم هدف البحث وفكرته، هذان الاعتباران هما:
أولا : مضمون الترجمة باعتبار القوالب اللغوية التي تصاغ فيها .
ثانيا : مضمون الترجمة باعتبار البيئة الموجهة إليها .
أولاً: مضمون الترجمة باعتبار القوالب اللغوية التي تصاغ فيها.
1 -…ترجمة مضمون الألفاظ :
إن أي شارح أو مترجم ينحو إلى التدقيق والإجادة ؛ فإنه لا بد أن يتوقف عند مسألتين في شرحه أو ترجمته للألفاظ المفردة أو المركبة :
المسألة الأولى: مفهوم هذه الكلمة في أصل اللغة ومعناها الذي تختص به.
والمسألة الثانية: مدى قدرته أو قدرة اللغة المترجم إليها في التعبير بألفاظ أخرى تقابل ذلك.
وكثيراً ما يجد الشارح أو المترجم ترادفاً بين الكلمات في التعبير عن شيء واحد، كالترادف بين كلمة السيف والصارم والمهند، وبقدر إمكاناته اللغوية, ومعرفته الدقيقة بمعاني كل لفظة واختصاصها بمعاني تميزها, وبقدر ما في اللغة التي يترجم إليها من إمكانات تعبيرية فإنه سيعبر عن المعنى المراد جودة أو ضعفاً.
وهذا التعبير يكون بأحد طريقين:
التعبير بالألفاظ المرادفة وهو الأقل , إلا من باب تقريب المعنى فحسب.
والتعبير بمفهوم اللفظة دون الالتزام بمرادفاتها فقط , وهذا هو الأصوب لأنه أكثر وفاء في بيان العبارة الأصلية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (53):(1/26)
"الترادف في اللغة قليل , وأما في ألفاظ القرآن إما نادر وإما معدوم(54), وقلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه, بل يكون فيه تقريب لمعناه, وهذا من أسباب إعجاز القرآن.
فإذا قال القائل: (يوم تمور السماء مورا( ( الطور : 9 ): إن المور: الحركة, كان تقريبا, إذ المور حركة خفيفة سريعة, وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام, أو قيل:(أوحينا إليك(: أنزلنا إليك، أو قيل: (وقضينا إلى بنى إسرائيل( : أي أعلمنا, وأمثال ذلك فهذا كله تقريب لا تحقيق, فإن الوحي هو: إعلام سريع خفي, والقضاء إليهم أخص من الإعلام, فإن فيه إنزالاً إليهم وإيحاء إليهم".
وقال ابن القيم رحمه الله(55) :
" فالأصل في اللغة هو التباين وهو أكثر اللغة والله أعلم".
ولذلك حرص أهل الاختصاص على تأكيد الفروق بين الألفاظ المتقاربة في كتاب الله.
قال الزركشي في البرهان (56):
" قاعدة في ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه، ولهذا وزعت بحسب المقامات فلا يقوم مرادفها فيما استعمل فيه مقام الآخر.
فعلى المفسر مراعاة الاستعمالات والقطع بعدم الترادف ما أمكن، فإن للتركيب معنى غير معنى الإفراد, ولهذا منع كثير من الأصوليين وقوع أحد المترادفين موقع الآخر في التركيب وإن اتفقوا على جوازه في الإفراد.
فمن ذلك الخوف والخشية لا يكاد اللغوي يفرق بينهما، ولا شك أن الخشية أعلى من الخوف وهي أشد الخوف؛ فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية: إذا كانت يابسة؛ وذلك فوات بالكلية، والخوف من قولهم ناقة خوفاء إذا كان بها داء، وذلك نقص وليس بفوات، ومن ثمة خصت الخشية بالله تعالى في قوله سبحانه (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب( ( الرعد : 21 )"
ثم ذكر فروقا بين ألفاظ أخرى , مثل : الشح والبخل , والبخل والضن , والغبطة والمنافسة, والحسد والحقد, والسبيل والطريق, وجاء وأتى, والخطف والتخطف, ومد وأمد, والعمل والفعل, والقعود والجلوس, والتمام والكمال .(1/27)
ونحن نذكر هذا لنؤكد ضرورة حرص المترجم على محاولة ترجمة معنى ومفهوم اللفظة لا مرادفها وبخاصة إذا كان مفهوم ذلك المرادف لا يفي بما يقتضيه المقام من البيان.
وقد عقد أحد الباحثين المتخصصين دراسة تقويمية لعدد من الترجمات, وخلص إلى أن أفضل الترجمات في ذلك هي تلك التي نحت منحى التعبير عن المعنى الشامل للكلمة وليس المرادف لها.(57)
وبناء على ذلك فإنه من يروم الإتقان والصحة في التعبير عن معاني الكتاب الكريم شرحاً أو ترجمة فإن عليه أن يتجه إلى التعبير بمعاني الألفاظ لا بمرادفاتها المفردة التي لا تفي بالغرض كما ينبغي, وبقدر ما يصيب في ذلك ترتفع درجته في صحة تبليغ مضمون الأصل الذي يترجمه ودقته, ومن ثم التأثير بدرجة أكبر في القارئ, وهو مقصود الترجمة.
2 - أسلوب التعبير :
أما أسلوب التعبير فذلك مبني على قدرات الشخص ومهاراته, وهي درجة أعلى من مجرد الترجمة, وهذه القدرات ترتفع وترتقي بالتدريب والممارسة وربما البيئة أحياناً، لا سيما إذا وجدت موهبة وفطرة ترتكز إليها وتنطلق منها.
والناس يتأثرون في كل اللغات والثقافات ببليغ القول وسامق المعاني, وبخاصة عندما يجيء ذلك من غير تكلف ولا تنطع .
أما كيفية التعبير فإن لكل لغة بلاغتها، ولكل أناس مشربهم، يحسن بالقائم على ترجمة معاني القرآن أن يحيط بها ويحاول ما استطاع أن يصوغ بها عباراته، وإن وجد لديه قصور في شيء من ذلك, فعندها تتأكد أهمية المراجعة البلاغية للصياغة وحسن السبك من متخصص متذوق لها ولأساليبها .
وببلاغة الترجمة ترتفع درجة الوفاء لمضمون الأصل الذي بني على البلاغة في أعلى صورها، والمترجم هنا لا يروم مشابهة كلام الله عز وجل في بلاغته وأنى له ذلك, لكنه يسعى لحسن الأداء لمعاني هذا الكلام العظيم بما يستطيعه ويقدر عليه, حتى يؤثر في قارئه, ويحقق درجة أعلى في الدلالة والدعوة لما فيه من الخير والهدى.
ثانياً : مضمون الترجمة بحسب البيئة الموجهة إليها :(1/28)
إن من يريد التأثير في بيئة أو جماعة أو شخص لابد أن يتعرف على ظروف تلك البيئة أو الجماعة وثقافتها, ويعتبر ذلك في ما يوجهه إليها .
وقد جاءت رسالة القرآن للناس كافة , لكن ذلك لا يعني بالضرورة تقديمها في وقت واحد أو في صورة واحدة متماثلة للجميع.
فقد نزل القرآن منجماً وتنزلت أحكامه متدرجة تراعي أحوال من أنزل فيهم.
جاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله(58)، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
( ... إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل, فيها ذكر الجنة والنار, حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام, ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر, لقالوا: لا ندع الخمر أبداً, ولو نزل: لا تزنوا, لقالوا: لا ندع الزنى أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم , وإني لجارية ألعب: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ( (القمر : 46) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ... ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله(59) :
" قوله : نزل الحلال والحرام : أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل, وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة, وللكافر والعاصي بالنار, فلما اطمأنت النفوس على ذلك؛ أنزلت الأحكام, ولهذا قالت: ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر, لقالوا: لا ندعها, وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف".
وروى الإمام البخاري رحمه الله(60), عن علي رضي الله عنه أنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون, أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (61):
"والمراد بقوله بما يعرفون أي : يفهمون .
وزاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له, عن عبد الله بن داود, عن معروف, في آخره: ودعوا ما ينكرون أي: يشتبه عليهم فهمه.
وكذا رواه أبو نعيم في المستخرج، وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة".(1/29)
وروى الإمام مسلم في صحيحه(62) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
وعليه فإننا عند توجيه ترجمة معاني القرآن الكريم إلى البيئات والأمم المختلفة ينبغي أن نضع في الاعتبار طبيعتها وظروفها وثقافتها، فما يوجه إلى البيئات الإسلامية ينبغي أن يكون غير ما يوجه إلى البيئات الكافرة , وما يوجه إلى البيئات الوثنية غير ما يوجه إلى البيئات التي فيها ديانات ذات أصول سماوية وهكذا.
ولذلك يرد النقد أحياناً على نشر ترجمة ما في بيئة غير إسلامية , على الرغم من جودتها وسلامة وجهتها، لكنها مناسبة للمسلمين أكثر من غيرهم، وبذلك تقل الاستفادة منها في غيرهم , بل قد تكون سبباً في صد غير المسلمين (63).
وقد أشرنا سابقا إلى أن الترجمة التي تناسب المسلمين ينبغي أن تشمل أكثر من مجرد بيان المعنى إذ لا بد من بيان سبب هذا المعنى؛ كأن يكون مفسراً بآية أخرى فيشار إليها، أو أن يكون مما قال به -عليه الصلاة والسلام- في بيانه لأمته، أو أن يكون مما له سبب ثابت من أسباب النزول، أو يكون مما أجمع الصحابة على فهمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، أو أنه الذي تحتمله اللغة, ونحو ذلك (64).
ولذلك فإنه لجعل الترجمة بالنظر إلى مضمونها أكثر تأثيراً في مجال الدعوة باعتبار ما عليه المدعو؛ يمكننا اقتراح ما يلي :
1 - أن يكون هناك أكثر من مستوى في التفسير الأساس الذي تبنى عليه الترجمات، بحيث يكون ما شاكل التفسير الميسر -مثلا- أساساً للترجمات الموجهة لغير المسلمين، ويكون هناك مستوى آخر أعلى في البيان والاستدلال والإحالات بما يناسب المسلمين.(65)
أو أن يترجم التفسير الميسر الذي نوجهه لغير المسلمين، ويكون هناك ترجمة لتفاسير معروفة من مثل تفسير ابن كثير وابن سعدي نوجهها للمسلمين.(1/30)
ومن أمثلة البيئات الإسلامية نسبة إلى لغاتها التي تتحدث بها: الأردية والسواحيلية والتركية والملايوية.
ومن أمثلة البيئات النصرانية نسبة إلى الغالب في أهل لغاتها، نشير إلى: الإنجليزية والفرنسية، والروسية, والإسبانية.
أما البيئات الوثنية نسبة إلى لغاتها فمنها الصينية واليابانية والكورية .
2 - ترجمتان باللغة الواحدة بحسب من توجه إليه :
وذلك أن تصدر ترجمتان بلغة واحدة , مع اعتبار من توجه إليه,
فمثلا هناك مسلمون كثر في الهند , وهناك هندوس أكثر منهم , فنصدر ترجمتين مضمون كل منهما يراعي من توجه إليه , وكذا الحال في الصين وتايلند
وغيرهما.
3 - اختيار موضوعات أو سور محددة بحسب ما ينفع كل فئة :
وذلك بأن يكون هناك اختيار لموضوعات أو سور محددة يحرص على ترجمتها ونشرها مستقلة في كل بيئة بحسب المناسبة والفائدة لدعوة تلك الفئات.
ولتوضيح ذلك نقول: ليس بالضرورة أن نشيع الترجمة الكاملة لمعاني القرآن الكريم باللغة اليابانية أو الكورية -مثلاً- وإن كنا نسعى إلى القيام بها وإيجادها، لكن الأنفع لدعوة أولئك بالقرآن ابتداء أن نركز على نشر الموضوعات والمضامين القرآنية التي تتحدث عن جوانب محددة هي الأولى بالتقديم باعتبار ما هم عليه من ثقافة أو ديانة، مثل الموضوعات المتصلة بالتعريف بالخالق سبحانه وتعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته، ثم الموضوعات التي تتحدث عن اليوم الآخر وإثبات المعاد, ثم الموضوعات التي تتحدث عن النبوة وهكذا, وذلك في سلاسل مجزأة يتمكن الداعي أن يقدم فيها ويؤخر بحسب الحاجة، وبعد جذب اهتمام المدعو والإحساس بإقباله يمكن أن توجه إليه الترجمة كاملة.
وهذا الأسلوب يمكن أن يرتكز فيه على ما يعرفه المتخصصون في مجال التفسير ويصطلحون عليه أحيانا بالتفسير الموضوعي سواء كان ذلك بحسب الموضوع أم بحسب السورة(66), بحيث نختار من الموضوعات ما يخدم الدعوة المناسبة لكل قوم على حدة.(1/31)
ومن أمثلة ذلك ترجمة الموضوعات التالية :
- الألوهية من خلال آيات القرآن الكريم(67) .
- أسماء الله الحسنى وصفاته العلا في القرآن الكريم.
- الهدف من الحياة كما في القرآن الكريم ..
- الإيمان وآثاره كما في القرآن الكريم
- الشرك وآثاره كما في القرآن الكريم
- الحياة بعد الموت في القرآن الكريم
- حياة نوح عليه الصلاة والسلام ورسالته في القرآن الكريم .
- حياة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ورسالته في القرآن الكريم.
- حياة موسى عليه الصلاة السلام ورسالته في القرآن الكريم .
- حياة عيسى عليه الصلاة والسلام ورسالته في القرآن الكريم .
- حياة محمد عليه الصلاة والسلام ورسالته في القرآن الكريم .
- أنبياء بني إسرائيل في القرآن الكريم .
- الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة كما جاءت في القرآن الكريم .
- أصل الخليقة وقصة نشأتها في القرآن الكريم.
- الخمر والقمار في القرآن الكريم.
- النظافة الحسية والمعنوية كما جاءت في القرآن الكريم .
وغيرها من الموضوعات التي يمكن أن تفيد في توجيه الدعوة إلى الله بحسب كل بيئة بل بحسب كل شخص على حدة , وإنني على يقين بفائدة ذلك وأثره في المدعو أكثر مما لو قدمت إليه ترجمة القرآن الكريم جملة واحدة .
أما ترجمة مضامين بعض السور وتوجيهها مستقلة إلى فئات معينة, فقد ورد أن نفراً من اليهود أسلموا بعد أن سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو سورة يوسف, وذلك لموافقتها ما عندهم(68)
كما أشير إلى ضرورة إبراز هدي القرآن للعالم في القضايا المعاصرة وضرورة المشاركة الفاعلة في هذا المجال, وهذا من مداخل الدعوة بالغة التأثير, ومن ذلك مثلاً إعداد الموضوعات التالية وترجمتها:
- أضواء قرآنية على ظاهرة الشذوذ الجنسي(69).
- البيئة والمحافظة عليها من خلال ما جاء في القرآن الكريم.
- الحرب والسلام رؤية قرآنية.
- القلق النفسي وعلاجه من خلال القرآن الكريم.
- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم(70).(1/32)
- الأسرة في القرآن الكريم.
- العلاقات المثلى بين البشر كما في القرآن الكريم.
- حقوق الإنسان في القرآن الكريم.
وغيرها من الموضوعات التي لها ذكر في القرآن الكريم وتلامس قضية أو موضوعاً يهم الناس في هذا العصر, ويكون مدخلاً للدلالة على ما في كتاب الله تعالى من الخير والهدى.
المبحث السادس : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة
( بالنظر إلى طريقة إخراجها ونشرها )
أولا : طريقة إخراج الترجمة :
ونعني بذلك الشكل الذي تكون عليه الترجمة في صورتها النهائية, وفي هذا الموضوع مسألتان:
المسألة الأولى: طباعة الترجمة مع النص القرآني , أو مع أصل التفسير الذي بنيت عليه -إن وجد- أو بدون ذلك.
المسألة الثانية: تنوع مستوى الإخراج والطباعة والعناية بالفهارس الموضوعية.
وإلى شيء من التفصيل حول هاتين المسألتين:
المسألة الأولى: طباعة الترجمة مع النص القرآني, أو مع أصل التفسير الذي بنيت عليه -إن وجد- أو بدون ذلك.
قد يظن البعض أن هذه المسألة شكلية لا تحتاج إلى وقفة طويلة, والواقع أنها كانت محلاً للخلاف بين الباحثين .
فالذين يذهبون إلى ضرورة وجود النص القرآني مع الترجمة أو وجود أصل التفسير باللغة العربية مع ترجمته لهم مقصد حسن يتمثل في تأكيد أن الترجمة ليست قرآناً, وأنها عمل بشري قابل للنقص والخطأ, ويريدون بذلك دفع التوهم بهذا الضابط, ولقد ورد ذلك صراحة في بعض الفتاوى والشروط التي أعقبت جدلاً كبيراً حول حكم الترجمة (71).
أما ذلك الجدل الكبير حول حكم ترجمة القرآن الكريم فقد حصل لأسباب عملية.
فقد ظهرت الترجمة المحرفة التي قام بها محمد علي القادياني في طبعتها الأولى عام 1917م وأخذت في الانتشار، ولسوئها وما فيها من التحريف فقد منع دخولها وتداولها في بعض أرجاء العالم الإسلامي، وصار لهذه الترجمة أثر سيئ نحو الترجمة عموماً.(1/33)
كما أقدم الأتراك الكماليون على فرض ترجمة القرآن باللغة التركية لتكون لغة الصلاة والعبادة وكتابته بالحروف اللاتينية التي استخدموها بدلاً من الحروف العربية (72), وقد أحدث ذلك ردود فعل وجدلاً كبيراً حول الترجمة ومنها القول بتحريم الترجمة, وصدرت دراسات تبين إمكان الترجمة ومشروعيتها في تبليغ معاني الكتاب الكريم(73) .
ولا شك أن اتجاه الجواز قد غلب لتضافر الأدلة الشرعية ولضرورة الواقع الذي يعيشه المسلون في العصر الحاضر، فلو تركوا الترجمة لبقيت أعمال المستشرقين والمبتدعة وترجماتهم المغلوطة مسيطرة على الناس .
لكن بعض الفتاوى التي صدرت في حينه رأت تثبيت أصل الترجمة سواء التفسير أو النص القرآني، وذلك حتى لا يظن أن الترجمة قرآن بذاتها .
ومع حسن مقصد أولئك الذين رأوا هذا الرأي إلا أنه بعد مدة من صدور الترجمات يمكن إعادة النظر في المسألة بما يحقق المصالح والمقاصد المرجوة من ترجمة معاني القرآن الكريم ونشرها في العالم .
وأعتقد أن مسألة دفع التوهم عن أن تكون الترجمة قرآناً جعلتنا نضيق واسعاً ونضر بمسيرة الدعوة بهذه الترجمات, ووجود النص القرآني قد يكون مفيداً في البيئات الإسلامية الأعجمية التي قد تحسن القراءة ولا تفهم المعنى, فنكون قد نشرنا بينهم كتاب الله تعالى ويسرنا لهم الاطلاع على معانيه بلغتهم .
أما البيئات غير الإسلامية فإن وجود النصوص الأصلية للترجمة قد يضر أحياناً أكثر مما ينفع, ومن جوانب الضرر:
1 - وجود الحرج الشرعي في تمكين الكافر من المصحف ومسه له.
2 - الإهانة التي قد تحصل من بعض السفلة والمتعصبين من غير المسلمين لكتاب الله المرافق مع الترجمة.(1/34)
وقد زرت مبنى من المباني الحكومية الكبيرة في الولايات المتحدة مع أحد المسلمين العاملين في الشؤون الدينية للمسلمين في الجيش الأمريكي, ودخلت غرفة في مفترق طرق يسمونها غرفة العبادة لمختلف الديانات وفيها كتب ومراجع لمختلف الديانات, ولاحظت وجود ما يسمونه كتبهم المقدسة منسقة بشكل جيد على الأرفف, فسألت عن ترجمة معاني القرآن الكريم ما دامت هذه غرفة للجميع؟ فأخبرت بأنه توجد أحيانا نسخ منها، ولكن يقوم بعض المارة بإلقائها في سلة المهملات!.
3 - ضعف انتشار ترجمة معاني القرآن الكريم بسبب ضخامة المصنف الحاوي لها وللنص القرآني , وهذا لا يؤثر فقط في تناول غير المسلمين لها بل حتى في المسلمين , ولقد سمعت مطالبات كثيرة من المرشدين الدينيين للمسلمين في الجيش والسجون الأمريكية بترجمة مستقلة لمعاني القرآن الكريم، ولسان حالهم يقول: أنا لا أستطيع قراءة القرآن , ولو استطعت فإن المصاحف موجودة متيسرة أكثر من الترجمات، فلماذا تقللون استفادتنا من الترجمات الجيدة بالإصرار على وجود النص القرآني؟
وربما عمد بعضهم إلى ترجمات غير مناسبة تصدرها جهات غير مؤهلة لأنها وفرت لهم الترجمة بحجم الجيب مستقلة يستطيع التنقل بها في كل مكان .
4 - الحرج في تنسيق صفحات الترجمة , فلا شك أن الترتيب بوجود النص القرآني سيكون من اليمين إلى اليسار؛ لأن المصحف أولى بالاعتبار والاحترام في هذا الجانب .
لكن ذلك إخلال - من جهة أخرى - بنسق أكثر الترجمات المكتوبة باللغات التي ترتيبها من اليسار إلى اليمين، ولما كنا نريد التأثير في القارئ فحري أن نحترم نسق لغته وما اعتاده فيها، ولا يتأتى ذلك إلا باستقلال الترجمة .(1/35)
ولقد جربت بنفسي كم هو ثقيل أن تقرأ مكتوباً بالعربية نسقت صفحاته من اليسار إلى اليمين, وقد يكون كلاماً جيداً يشدك كاتبه وهو يتحدث عن مبادىء أساسية لفهم القرآن , إلا أنك تشعر بشيء غير طبيعي لمتابعة الموضوع وبخاصة عند تقليب الصفحات, بل إنك تنظر في رقم الصفحة مراراً لتتأكد من أنك في الصفحة التي تلي سابقتها !.(74)
وعلى ذلك فإن من المصلحة الشرعية أن نخرج ترجمات معاني القرآن الكريم الموجهة إلى غير المسلمين مستقلة عن الأصل القرآني , أو التفسير الذي بنيت عليه - إن وجد -، بل ليس هناك ما يمنع أن تكون بعض الإصدارات الموجهة للمسلمين كذلك، ويكفي لدفع توهم أن الترجمة قرآن أن يوضع ما يبين ذلك في الصفحة الأولى وبخط عريض .
المسألة الثانية : تنوع طرق الإخراج والطباعة والعناية بالفهارس الموضوعية .
تجدر الإشارة - ونحن نتحدث عن الإخراج لشكل الترجمة - إلى فائدة تعدد حجم طبعات الترجمات وشكلها - سواء أكانت شاملة للقرآن أو في جزء أو موضوع منه، وفي ذلك تيسير على فئات كثيرة من الناس يكثر في حياتها التنقل والحركة مثل الحرفيين والجنود ونحوهم , ولعلنا ندرك فائدة هذا التعدد في طباعة المصحف الشريف ذاته .
وكما سمعت مطالبات بعض المسلمين بترجمات مستقلة, فقد سمعت مطالبات بإخراج طبعات تكون بحجم الجيب؛ تسهل عليه حملها والتنقل بها, وتكون في متناوله حيثما كان.
ومن عادة كثير من الشعوب في العصر الحاضر قراءة الكتب في أثناء تنقلاتها وأسفارها , ولا أظن أن ذلك سهل في قراءة ترجمة معاني القرآن الكريم بالطبعات والإصدارات الضخمة التي ننتجها, لكنه سيكون خلاف ذلك لو تعدد إخراج الطبعات وأحجامها , واستقلال بعض الإصدارات بأجزاء أو سور أو موضوعات محددة, كما هو الحال في إصدار ذلك باللغة العربية .(1/36)
أما الفهارس الموضوعية فهي غاية في الأهمية في الدلالة على محتويات الأعمال الكبيرة, وبخاصة عند إصدار الترجمة كاملة, ولا شك أن أي باحث يرى ويلمس ثمرة الفهرس الموضوعي, وبقدر ما يكون متقنا وشاملا يكون مفيدا, ومما يتصل بفكرة هذا البحث أن نؤكد أهمية الاعتبار الدعوي عند صناعة ووضع الفهارس الموضوعية, بحيث تنطلق تلك الفهارس من منطلق أن هذا القرآن كتاب دعوة وهداية، فيبين في تلك الفهارس موضوع الدعوة وأهدافها وثمراتها وأساليبها ومصير المخالفين لها, ونحو ذلك .
ثانيا : طريقة نشر الترجمة :
ونعني به النظر في الكيفيات التي نوصل بها هذه الترجمات إلى أكبر عدد من الناس.
وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : النشر التجاري وعدم الاقتصار على التوزيع المجاني .
المسألة الثانية : النشر الإلكتروني .
المسألة الثالثة : الوصول إلى المكتبات العامة التي يرتادها مختلف الناس .
وإلى شيء من تفصيل هذه المسائل :
المسألة الأولى : النشر التجاري وعدم الاقتصار على التوزيع المجاني .
قمت بزيارة عدد من المكتبات التجارية الكبرى في عدة بلدان , ولاحظت نقصاً كبيرا في انتشار ترجمة معاني القرآن الكريم , في مقابل انتشار مصادر وكتب الديانات الأخرى , وبعناية فائقة في الإخراج والعرض , وعند وجود الترجمة فإن المعروض بشكل كبير وفي أكثر من مكان هو ترجمات المستشرقين أو المبتدعة .
وهذا قصور كبير ينبغي تداركه , فإن هذه المكتبات يرتادها كثير من الباحثين عن الدين الحق، ومن التقصير البين أن لا نعمل على وجود الترجمات الصحيحة في مثل هذه الأماكن.(1/37)
ولعل القارئ يتساءل عن سبب عدم وجودها مع أن جهود المجمع في القيام على هذه الترجمات وإتقان طباعتها وإخراجها وتوزيعها فائق إلى حد كبير، ولا أجد جواباً على ذلك إلا أنه ربما كان بسبب التركيز على التوزيع المجاني لهذه الترجمات, وإذا نشرت تجارياً فهي في مراكز المسلمين ومحلاتهم التجارية, وقد لا تصل في غالب الأحيان إلى المكتبات التجارية الرئيسة.
ولذا فإن من الواجب الاهتمام بالنشر التجاري وبخاصة مع المكتبات ودور النشر الرائدة في البلد الذي تسوده اللغة التي تمت الترجمة إليها .
أعلم أن المجمع لا يهدف إلى الربح المادي, لكن هذا الهدف ينبغي أن لا ينسينا المقصود الأساس من القيام بهذه الترجمات، وهو دعوة الناس إلى دين الله تعالى ونشر هدايته بينهم .
ولذا ينبغي إجراء التنسيق مع هذه المؤسسات والمكتبات ودور النشر حتى لو تنازلنا في مقام التفاوض معهم عن بعض الحقوق المادية, فالهدف هو الدعوة إلى دين الله من هذا الطريق المهم.
وأرجو أن يتحقق عدد من المصالح من خلال النشر عن طريق المكتبات التجارية في البلدان التي تسودها لغة الترجمة, ومن هذه المصالح:
- سعة الانتشار الذي تجيده هذه المؤسسات من خلال منافذها وطرقها التسويقية.
- تحقق المعنى الاختياري لدى المدعو عند حصوله على هذه الترجمات بالشراء, وهو معنى مهم لدى شرائح كبيرة من الناس, فأهمية الاختيار الشخصي يؤثر في الغالب في عدد من النشء أكثر من الحصول على الشيء مجانا، وهو الأمر الذي يمكن أن يفهم على أنه شكل دعائي, لا ينبغي أن يعار اهتماما, وكما يعبر شيء لا قيمة له.
- العائد المادي الذي ينتج عن بيعها, ولا شك أنه سيعين على مواصلة الجهود واستمرار نشر كتاب الله عز وجل، ويمكن إنشاء مؤسسات وقفية تدير هذه العوائد وتنظم طريقة جمعها واستثمارها وصرفها على نشر كتاب الله عز وجل وترجمات معانيه.
المسألة الثانية : النشر الإلكتروني :(1/38)
إن مقولة أننا في عصر الكمبيوتر مقولة تدل على أهمية تقنية الحاسب في مجالات شتى من حياتنا المعاصرة, ومن هذه المجالات المجال العلمي.
والمستجدات التي أصبح لها أهمية في حياة الإنسان وتعينه على معاشه مما يشترك البشر في ضرورة الانتفاع بها, فكما استخدم أسلافنا السيف واللغة ولم تكن خاصة بهم, واستخدموا التدوين والدوواين ولم تكن شائعة في بيئتهم؛ فإن من العقل والحكمة استثمار هذه الوسائل التي استجدت في عصرنا واستخدامها فيما فيه صلاح ديننا ودنيانا وفي دعوة غيرنا إلى دين الله وتبليغ كتابه, وتيسير وصوله للناس في كل مكان.
والنشر الإلكتروني الذي يمكن أن يفيد في نشر كتاب الله تعالى بين الأمم يمكن النظر إليه من جانبين .
الجانب الأول: النشر باستخدام برامج الكومبيوتر.
الجانب الثاني: النشر باستخدام شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت).
وإلى شيء من التفصيل حول هذين الجانبين .
الجانب الأول : النشر باستخدام برامج الكومبيوتر .
في سنة خلت شاركت في مؤتمر كبير للأديان في الولايات المتحدة, ويعقد منذ أكثر من مائة سنة، وهذا المؤتمر تلقى فيه أبحاث عن مختلف الأديان وبطريقة متزامنة بحيث لا تستطيع أن تحضر جميع الندوات، بل تنتقي من جدولها الكبير ما يهمك , ويصاحب المؤتمر معرض للكتاب ودور النشر المهتمة بالأديان, وكم حز في نفسي أن أجد أهل الديانات الباطلة والمحرفة أكثر حضوراً واستعداداً في هذا الملتقى العالمي, وكم حزنت عندما وجدت السبق الكبير في استخدام تقنية وبرامج الحاسب في خدمة المصادر الدينية لهذه الديانات, ومما رأيته برنامج حاسوبي للعهد القديم والعهد الجديد بمداخل متعددة ولغات شتى وإغراء كبير للبحث والنظر ممن له اهتمام بتلك الكتب.(1/39)
وبنظرة تقويمية عجلى إلى جهود المسلمين في هذا الميدان أقول: إن جهوداً كثيرة تلت وقامت عدة مؤسسات تجارية وعامة بإنتاج برامج لا بأس بها, إلا أن الذي يستوقف الكثيرين هو أن هذه المنتجات لم تصل بعد مرحلة الشيوع والذيوع بما يجعلها سهلة مفيدة في الاستخدام الدعوي بل إن أسعارها في بعض الأحيان, أو ضعف مستواها يتسبب في الانصراف عنها.
وعليه فإن من المؤمل أن يتبنى المجمع إنتاج برامج حاسوبية متقدمة تخدم القرآن الكريم ليس فقط في القراءات والتلاوات؛ ولكن في التفاسير والترجمات والأبحاث القرآنية, ولا شك أن إنتاج كميات كبيرة من الأقراص المرنة التي تقبل القراءة والبحث والنسخ فقط, وتحوي برامج متعددة مثل: نصوص القرآن الكريم, أو تفاسيره أو ترجماته أو موضوعات مختارة منه؛ وتعرض بصورة شائقة باستخدام الوسائط المتعددة؛ لاشك أن ذلك سيخدم الدعوة بهذا الكتاب ويلفت الأنظار إلى ما فيه من الخير والهدى, وأشير هنا إلى الإمكانات الهائلة المتصلة بالنشر من هذا الطريق كما وكيفا بما لا يتوافر في النشر الكتابي المعتاد, ولعل جزءا من هذه الندوة المباركة يخدم هذا الموضوع, فلنترك القوس لباريها ولنخل بين المطي وحاديها.
الجانب الثاني:النشر باستخدام شبكة المعلومات الدولية(الإنترنت)
من أشكال الاتصال الحديثة شكل جديد بالقياس إلى غيره , لم يظهر للاستخدام العام إلا منذ سنوات قليلة, لكنه جاء متميزاً بمزايا عدة من أهمها تخطي الحدود الجغرافية وقوة الانتشار وسرعة الاتصال بين مستخدميه أينما كانوا؛ تلكم هي الشبكة المسماة: شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت), ومع ما هو معروف عن واقع هذه الشبكة وإمكاناتها الكبيرة إلا أن المتخصصين فيها يرون أن مستقبلها سيكون أكثر إثارة من حيث الكفاءة وسرعة الاتصال والانتشار .(1/40)
ولا شك أن عالمية رسالة الإسلام , وواجب البلاغ المنوط بالمسلمين, يحتم ضرورة استغلال هذه الوسيلة واستثمارها لإيصال هداية الإسلام إلى البشرية, ومن المعلوم أن ملايين البشر اليوم لهم اتصال خاص واستخدام مباشر لهذه الشبكة العالمية العملاقة.
ولقد أدرك كثير من المسلمين إمكاناتها الواسعة فانتشرت فيها المواقع الإسلامية المتنوعة , ووضعت فيها نصوص القرآن الكريم وتفاسيره وترجماته بلغات كثيرة, وهذا شيء يسر المسلم ويسعده, إذ إنه يجعل هذا الخير والنور متاحاً لكل راغب فيه في أي بقعة من الدنيا.
لذلك كله كان لزاماً على الجهات التي تحمل شرف خدمة كتاب الله والقيام على تفسيره وترجمته أن تعمل على المشاركة الفعالة في هذه الشبكة فهي ميدان فسيح جداً سعته الأرض كلها وأطرافه سكانها قاطبة, ومن أمثلة المشاركة المطلوبة من الجهات المهتمة بالقرآن الكريم ما يلي:
- وضع نتائج أعمالها فيه، سواء كانت تفاسير أو ترجمات أو أبحاثاً.
- القيام على المواقع التي تخدم ذلك وإتاحتها بكل اللغات, لأن كل قوم ألصق بلغتهم, وأكثر اتصالاً وتعرفاً على ما في لسانهم.
- تجهيز ملفات دعوية تحتوي على ترجمات معاني القرآن الكريم, بشكل كامل أو مجزأ, وإعداد موضوعات من مثل ما أشرنا إليه سابقاً في مسألة المضمون(75), ووضعها في الشبكة بطرق متعددة يعرفها المتخصصون, وذلك ليتيسر لمستخدمي هذه الشبكة تناقلها , ولتعين الراغبين في الإسهام بالدعوة إلى الإسلام على إرسالها عبر المنتديات والبريد الإلكتروني ونحوه, ولا سيما أنها ستكون من جهات موثوقة وتكون قابلة للقراءة والبحث والنسخ.(1/41)
- إنشاء مركز معلومات لخدمة الراغبين والباحثين في أي موضوع حول القرآن الكريم وذلك لنتمكن من التفاعل المباشر والمستمر عبر هذه الشبكة مع أولئك الذين يطلعون على كتاب الله أو تفاسيره وترجماته, وهذا الأمر لا ينفك عن هدف القيام بالترجمة أصلاً والمتمثل في دعوة الناس ودلالتهم على ما في كتاب الله من الخير والهدى.
المسألة الثالثة : الوصول إلى المكتبات العامة التي يرتادها مختلف الناس :
في بلاد كثيرة وبخاصة تلك التي بلغت درجة عالية من الاهتمام بالتعليم, تنتشر المكتبات العامة وفق نظام أشبه ما يكون بنظام انتشار المدارس في الأحياء.
وهذه المكتبات العامة يرتادها عدد كبير من عامة الناس, كما يرتادها الطلاب من مختلف المراحل الدراسية، وتخضع لهيكل عام يتبع أحياناً ما نسميه بالبلدية, وأحيانا يتبع المؤسسة التعليمية.
ولذلك فإن الوصول إلى هذه المكتبات ونشر كتاب الله فيها أمر عظيم الفائدة, فهي المرجع العلمي التقليدي لأبحاث الطلاب عن مختلف القضايا ومنها مسائل الأديان - مثلا - التي تطلب في المراحل الدراسية, فإذا وجد الطالب ترجمة صحيحة فلا شك أنه سيصل إلى نتائج صحيحة, وإذا كان مرجعه ترجمة محرفة أو مغلوطة فإن النتيجة عكس ذلك تماماً, وحكمه على الإسلام ومعرفته به ستكون تبعا لذلك.
وحسب علمي فإن هناك بعض الجهود التي تبذل من قبل بعض المؤسسات الإسلامية في تلك البلاد لوضع نسخ من ترجمة معاني القرآن الكريم فيها من خلال التنسيق مع المجالس التي تديرها.(1/42)
والذي نرجوه أن تكون هذه المسألة منظمة وموجهة بحيث يتخذ بعض الإجراءات التي توصل إلى الهدف المنشود وهو نشر الترجمات الصحيحة لكتاب الله في تلك المكتبات, وهذا الأمر لا ينبغي أن يترك فقط لجهود الأفراد أو لنشاط مؤسسات إسلامية قد تكون منشغلة بخدمات يومية للمسلمين في تلك البلاد, بل ينبغي أن تقوم عليه بعض المؤسسات المهتمة بالقرآن الكريم إذ إن ذلك جزء متصل برسالتها مكمل للوصول إلى أهدافها, ومن ذلك :
- إجراء دراسات ميدانية عن هذه المكتبات في كل بلد على حدة, ومحاولة التعرف على الترجمات الموجودة فيها للقرآن الكريم .
- بحث السبل الممكنة لتزويد تلك المكتبات بنسخ وافية من الترجمات الصحيحة للقرآن الكريم, ومحاولة استبعاد النسخ المغلوطة والمحرفة , أو النظر في بدائل الاتصال الأخرى، وربما كان لكل مدينة خصوصيتها فقد ينفع الإهداء المباشر, وقد يفيد الاتصال الشخصي من بعض المسلمين المقيمين في البلد, وقد نحتاج إلى المطالبة عن طريق بعض رواد المكتبة بتزويدها بهذه الترجمات الصحيحة, وغير ذلك.
الخاتمة :
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وبعد :
فها نحن نصل إلى نهاية ما تيسر من الكتابة حول هذا الموضوع المهم : (مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال في مجال الدعوة ) والذي كتب مشاركة في الندوة العلمية التي يقيمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بعنوان: (ترجمة معاني القرآن الكريم؛ تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل) .(1/43)
وقد جرى تناول هذا الموضوع بالبدء بالحديث في المبحث الأول عن الأهمية الدعوية لترجمة معاني القرآن الكريم من حيث أهمية الدعوة بالقرآن ابتداء, ومن حيث كون الترجمة متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ والدعوة للأمم التي لا تحسن اللسان العربي, ثم بيان أثر الترجمة الصحيحة والفاسدة في الآخرين, وتأكيد أن الترجمة وسيلة لتعليم أحكام القرآن للمسلين غير الناطقين باللغة العربية.
ثم جاء الحديث في المبحث الثاني عن مفهوم الترجمة والعلاقة بينها وبين التفسير, ومناقشة مدى لزوم استخدام التعبير الشائع في هذا العصر بـ (ترجمة معاني القرآن) وإمكان التعبير بغيره.
بعد ذلك وفي مباحث أربعة يأتي الحديث عن الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى طريقة القيام بها, ثم بالنظر إلى القائم بها, ثم بالنظر إلى مضمونها, ثم بالنظر إلى طريقة إخراجها ونشرها, وفي كل مبحث يتم تناول القضايا المتصلة به, ثم الخروج ببعض المقترحات التي تحاول أن تجعل تلك الترجمات ذات أثر في دعوة الناس إلى دين الله عز وجل.
أسأل الله تعالى أن يتقبل هذا الجهد المتواضع , وأن ينفع به , وأن يجزي القائمين على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف خير الجزاء على ما يبذلونه من جهود مشكورة في سبيل خدمة كتاب الله تعالى وتيسير وصوله للناس كافة .
أبرز التوصيات والمقترحات(76) :
أولا - التوسع في موضوع هذا البحث بجعله في ندوة مستقلة تحت عدة محاور في المستقبل بإذن الله .
ثانيا - اعتبار التفسير الأساس للترجمات - كما هو عليه التفسير الميسر - خاصا بالترجمات التي توجه إلى غير المسلمين, أما المسلمون فيحتاجون إلى أوسع من ذلك.
ثالثا - وضع برنامج لتأهيل المترجمين والمفسرين والشراح لكتاب الله عز وجل, مع اعتبار أن عمل الترجمة ينبغي أن يكون عمل مجموع وليس عمل فرد واحد.
رابعا - التأكد من أن الترجمات تنحو إلى التعبير بالمعاني المجملة وليس بالمرادفات اللفظية .(1/44)
خامسا - العمل على تنويع مضامين الترجمات بحسب من توجه إليهم .
سادسا - لتعميم الفائدة وتيسير استخدام الترجمات الموجهة لغير المسلين فإن من المصلحة إخراج الترجمات مستقلة بدون نصوص القرآن الكريم أو تفسيرها بالعربية.
سابعا - الحرص على تنويع طرق إخراج الترجمات والعناية بالفهارس الموضوعية.
ثامنا - الاهتمام بالنشر التجاري وذلك من أجل الوصول إلى فئات كثيرة
لا نصل إليها بالتوزيع المجاني .
تاسعا- الاهتمام بالنشر الإلكتروني سواء أفي إخراج برامج حاسوبية تحمل ترجمات القرآن الكريم ونصوصه, أم عن طريق التوسع في استخدام شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).
عاشرا - محاولة الوصول إلى المكتبات العامة في البلدان التي تسودها تلك المكتبات ومن ثم وضع الترجمات الصحيحة فيها بدلاً من الترجمات المغلوطة والمحرفة .
ثبت المصادر والمراجع :
1) القرآن الكريم
2) الإتقان في علوم القرآن , جلال الدين السيوطي , دار الكتب العلمية , بيروت ( د . ت )
3) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم, شيخ الإسلام ابن تيمية,تحقيق د.ناصر العقل,ط1, 1404 هـ
4) بحث في ترجمة القرآن الكريم وأحكامها, محمد مصطفى المراغي, دار الكتاب الجديد, بيروت, ط1, 1401هـ.
5) البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي, دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت، ط2, 1403 هـ.
6) بحوث في أصول التفسير للدكتور محمد بن لطفي الصباغ, المكتب الإسلامي, بيروت, ط1 , 1408 هـ
7) البرهان في علوم القرآن, أبو عبد الله , محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي, تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم, دار إحياء الكتب العربية , ط 1، 1376 هـ .
8) ترجمة القرآن للدكتور عبد الله شحاتة , دار الاعتصام ( د . ت ).
9) ترجمة معاني القرآن الكريم لعبد الله يوسف علي دار الفكر , بيروت ( د . ت )
10) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير , المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1375 هـ .(1/45)
11) جامع البيان في تفسير القرآن للإمام ابن جرير الطبري , دار المعرفة، بيروت , ط 4 , 1400 هـ .
12) الجامع الصحيح , للإمام البخاري، المكتبة الإسلامية , إستانبول ( د . ت ).
13) الجامع الصحيح, للإمام مسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت
(د .ت).
14) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح , شيخ الإسلام ابن تيمية , تحقيق علي حسن ناصر وزملاؤه , دار العاصمة, الرياض , ط 1 , 1414 هـ .
15) درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية , تحقيق د. محمد رشاد سالم , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , ط 1 , 1399 هـ .
16) دراسات حول القرآن , د. بدران أبو العينين بدران , مؤسسة شباب الجامعة , الاسكندرية
( د . ت )
17) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة , شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني , تحقيق محمد سيد جاد الحق, دار الكتب الحديثة , القاهرة ( د . ت ) .
18) الدر المنثور في التفسير بالمأثور , جلال الدين السيوطي , دار الفكر العربي , بيروت , ط1 , 1403 هـ
19) روضة المحبين , ابن قيم الجوزية , المكتبة التجارية الكبرى , القاهرة , 1375 هـ .
20) الشهادة الزكية في ثناء العلماء على ابن تيمية , مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي , تحقيق نجم عبد الرحمن خلف , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط 1 , 1404 هـ .
21) الفتاوى الكبرى , شيخ الإسلام ابن تيمية , دار المعرفة , بيروت ( د . ت ) .
22) فتح الباري بشرح صحيح البخاري , للحافظ ابن حجر العسقلاني , المكتبة السلفية ( د . ت ) .
23) لسان العرب , محمد بن مكرم بن منظور المصري , دار صادر بيروت ( د . ت )
24) لغة القرآن الكريم للدكتور عبد الجليل عبد الرحيم , مؤسسة الرسالة الحديثة , ط 1 , 1401 هـ .
25) مباحث في التفسير الموضوعي , د. مصطفى مسلم , دار القلم , دمشق , ط1 , 1410 هـ .(1/46)
26) مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان , مكتبة المعارف , الرياض , ط 8 , 1401 هـ .
27) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية , جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم .
28) المجموع, محيي الدين بن شرف النووي, تحقيق وإكمال محمد نجيب المطيعي, دار إحياء التراث العربي, 1415 هـ .
29) مختار الصحاح , محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي , دار الكتاب العربي , بيروت, ط 1 , 1967 م.
30) المدخل لدراسة القرآن الكريم,د.محمد محمد أبو شهبة, دار اللواء للنشر والتوزيع, الرياض,ط31407 هـ.
31) مسألة ترجمة القرآن , للشيخ مصطفى صبري , المطبعة السلفية ومكتبتها , القاهرة , 1351 هـ
32) المستشرقون وترجمة القرآن الكريم, د. محمد صالح البنداق, دار الآفاق الجديدة, بيروت, ط2 , 1403 هـ
33) المستشرقون والدراسات القرآنية،د.محمدحسين علي الصغير,المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع,ط2, 1406هـ.
34) المصباح المنير , محمد بن أحمد بن علي الفيومي , مكتبة لبنان , بيروت، 1987 م .
35) المعجزة الكبرى، القرآن لمحمد أبي زهرة, دار الفكر العربي ( د . ت )
36) مناهج الجدل في القرآن الكريم , د . زاهر بن عواض الألمعي , ط3 , 1404 هـ .
37) مناهل العرفان في علوم القرآن , محمد عبد العظيم الزرقاني , دار الفكر , بيروت , ط 1، 1396 هـ .
38) المنتخب في تفسير القرآن الكريم ,المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر .
39) منهاج السنة النبوية , في نقض كلام الشيعة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية , تحقيق د. محمد رشاد سالم , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , الرياض , ط 1 , 1406 هـ .
40) هدى الفرقان في علوم القرآن، د. غازي عناية , عالم الكتب , بيروت , ط 1 , 1416 هـ .
41) الهيئة العالمية للقرآن الكريم ضرورة للدعوة والتبليغ, د.حسن المعايرجي, الدوحة , 1991 م.
الأبحاث والمقالات(1/47)
42) ترجمة معاني القرآن الكريم وتقييم الترجمات , د. عبد الله عباس الندوي , كتاب الأصالة , ملتقى القرآن الكريم, محاضرات ومناقشات ملتقى الفكر الإسلامي الخامس عشر في الجزائر من 2 إلي 8 ذو القعدة 1401 هـ
43) عناية المملكة العربية السعودية بتفسير القرآن وترجمة معانيه , د. مانع بن حماد الجهني , مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف , المدينة المنورة , 1421 هـ .
44) الفرقان في ترجمة معاني القرآن, فاشكيفتش نيكولاي, شمس الإسلام, العدد التجريبي الثاني,ربيع الأول 1414هـ.
45) نظرات في قضية ترجمة معاني القرآن الكريم,د.فهد بن محمد المالك,مجلة البيان العدد94,جمادى الآخرة 1416هـ
فهرس المحتويات
مقدمة :…1
تمهيد : أهمية الموضوع وهدف البحث فيه .…1
المبحث الأول : الأهمية الدعوية لترجمة معاني القرآن الكريم…1
أولا : أهمية الدعوة بالقرآن :…1
ثانيا : ترجمة معاني القرآن الكريم متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ والدعوة:…1
ثالثا :الترجمة الصحيحة تؤدي إلى الفهم الصحيح عن الإسلام والعكس بالعكس :…1
رابعا : الترجمة وسيلة تعليم عدد كبير من المسلمين أحكام القرآن
الكريم :…1
المبحث الثاني : مسائل في مفهوم الترجمة .…1
أولا : لفظة الترجمة مفردة ومضافة :…1
ثانيا : العلاقة بين ترجمة القرآن وتفسيره :…1
ثالثا : التعبير بعبارة (ترجمة معاني القرآن الكريم ) :…1
المبحث الثالث: الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة…1
مناقشة فكرة إعداد التفسير الذي يعد أساساً للترجمات :…1
المبحث الرابع: الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى القائم بها…1
أولا : تحقق شروط المفسر :…1
ثانيا : تحقق شروط المترجم :…1
كيف نوجد المترجم المتمكن ؟…1
المبحث الخامس : الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة…1
أولاً: مضمون الترجمة باعتبار القوالب اللغوية التي تصاغ فيها.…1
ثانياً : مضمون الترجمة بحسب البيئة الموجهة إليها :…1(1/48)
المبحث السادس: الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة…1
أولا : طريقة إخراج الترجمة :…1
الخاتمة :…1
أبرز التوصيات والمقترحات :…1
ثبت المصادر والمراجع :…1
فهرس المحتويات…1
خلاصة البحث
جاء البحث في مقدمة، ومباحث ستة؛ ثم خاتمة البحث, وأبرز التوصيات والمقترحات
تحدَّث الباحث في المبحث الأول عن الأهمية الدعوية لترجمة معاني القرآن الكريم من حيث أهمية الدعوة بالقرآن ابتداء, ومن حيث كون الترجمة متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ والدعوة للأمم التي لا تحسن اللسان العربي, ثم بيان أثر الترجمة الصحيحة والفاسدة في الآخرين, وتأكيد أن الترجمة وسيلة لمعرفة معاني القرآن للمسلمين غير الناطقين باللغة العربية .
ثم جاء الحديث في المبحث الثاني عن مفهوم الترجمة والعلاقة بينها وبين التفسير, ومناقشة مدى لزوم استخدام التعبير الشائع في هذا العصر بـ (ترجمة معاني القرآن) وإمكان التعبير بغيره.
بعد ذلك وفي مباحث أربعة يأتي الحديث عن الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة بالنظر إلى طريقة القيام بها, ثم بالنظر إلى القائم بها, ثم بالنظر إلى مضمونها, ثم بالنظر إلى طريقة إخراجها ونشرها, وفي كل مبحث يتم تناول القضايا المتصلة به, ثم الخروج ببعض المقترحات التي تحاول أن تجعل تلك الترجمات أكثر تأثيراً في دعوة الناس إلى دين الله عز وجل.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل 4/145.
(2) جامع البيان 13 / 169 .
(3) البرهان في علوم القرآن 1 / 282 .
(4) أخرجه البخاري في صحيحه , كتاب الأنبياء , باب ما ذكر عن بني إسرائيل : 4 / 145 .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي , باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب : 1/35 .
(6) فتح الباري : 13 / 517
(7) منهاج السنة النبوية : 8 / 205
(8) درء تعارض العقل والنقل : 1 / 43
(9) انظر : دراسات حول القرآن، د. بدران أبو العينين بدران ص 23(1/49)
وترجمة القرآن , د. عبد الله شحاتة ص 41 .
(10) انظر : ترجمة القرآن، د. عبد الله شحاتة ص 11
ودراسات حول القرآن، د. بدران أبو العينين بدران ص 23
(11) انظر : هدى الفرقان في علوم القرآن، د. غازي عناية ص 217
(12) انظر : المستشرقون والدراسات القرآنية، د. محمد حسين علي الصغير ص 45 - 54 و 103 - 122.
(13) انظر المستشرقون وترجمة القرآن الكريم للدكتور محمد صالح البنداق ص 106 .
(14) انظر: نظرات في قضية ترجمة معاني القرآن الكريم للدكتور فهد بن محمد المالك، مجلة البيان العدد 94ص 46 , 47 .
(15) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم : 1 / 465.
(16) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام : 2 /67 .
(17) انظر : التعقيب على مقال ( الفرقان في ترجمة معاني القرآن ) فاشكيفتش نيكولاي , مجلة شمس الإسلام ص : 59 العدد التجريبي الثاني , ربيع الأول 1414 هـ .
(18) لسان العرب : مادة ( ترجم ) : 12 / 66.
(19) المرجع السابق : مادة ( رجم ) : 12 / 229
(20) مختار الصحاح : مادة ( رج م ) : 236 .
(21) المصباح المنير : ( ترج ) : 1 / 29 .
(22) انظر : الدر المنثور 1 / 9 .
(23) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 1 / 3.
ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 13 / 365.
(24) انظر : الشهادة الزكية في ثناء العلماء على ابن تيمية , مرعي الحنبلي : 1 / 52 .
والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة , أحمد بن حجر العسقلاني : 1 / 170 .
(25) انظر : مناهل العرفان للزرقاني : 2 / 82
و دراسات حول القرآن د. بدران أبو العينين بدران : ص 15 - 18 .
وترجمة القرآن , د. عبد الله شحاتة : ص 5 , 6 .
ومباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان : 313 .
(26) انظر: مناهج الجدل في القرآن الكريم , د. زاهر الألمعي : ص 87 - 91 .
(27) المجموع، للنووي : 3 / 342
(28) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية : 5 / 256 , 257(1/50)
(29) النقول السابقة بالإضافة إلى : البرهان في علوم القرآن للزركشي : 1 / 465 و 466
(30) انظر : مناهل العرفان للزرقاني : 2 / 83 .
وهدى الفرقان في علوم القرآن , د. غازي عناية : 3 / 224 ,-- 226 .
(31) انظر: هدى الفرقان في علوم القرآن , د. غازي عناية : 3 / 236
(32) انظر : المستشرقون والدراسات القرآنية , د. محمد حسين علي الصغير ص 52 .
(33) انظر: نظرات في قضية ترجمة معاني القرآن الكريم للدكتور فهد بن محمد المالك، مجلة البيان العدد 94ص 41 , 42 .
(34) انظر : المعجزة الكبرى : القرآن , لمحمد أبي زهرة ص : 589 , 590
ومناهل العرفان للزرقاني 2 / 170 .
وترجمة القرآن للدكتور عبد الله شحاتة ص 13 .
(35) انظر : ترجمة القرآن للدكتور عبد الله شحاتة ص 13 - 19 , ومقدمة المنتخب في التفسير.
(36) انظر عناية المملكة العربية السعودية بتفسير القرآن وترجمة معانيه , بحث للدكتور مانع بن حماد الجهني ص 6 , 7 , علما أن الدكتور مانع أحد أعضاء لجنة الترجمة بوزارة الشؤون الإسلامية .
(37) انظر ص : 33 .
(38) انظر ص: 27.
(39) أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب فضائل القرآن , باب خيركم من تعلم القرآن، وعلمه: 6/108.
(40) سبق تخريجه ص 6 .
(41) انظر : مناهل العرفان للزرقاني 2 / 95 و 96 .
(42) انظر : الإتقان للسيوطي : 2 / 387 .
(43) المرجع السابق : 2 / 388 .
(44) المرجع السابق , والصفحة نفسها .
(45) البرهان في علوم القرآن للزركشي 1 / 292
(46) البحر المحيط 1 / 7 .
(47) انظر : مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان ص 16 .وانظر: بحوث في أصول التفسير للدكتور محمد بن لطفي الصباغ ص 324 .
(48) انظر : المدخل لدراسة القرآن الكريم للدكتور محمد محمد أبو شهبة ص 25 .
(49) البحر المحيط 1 / 6 , وانظر بحوث في أصول التفسير للصباغ ص 61 .
(50) انظر: بحوث في أصول التفسير للصباغ ص 136 .
(51) مناهل العرفان للزرقاني: 2/81 .(1/51)
(52) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 13 : 331 , 332.
(53) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 13 / 341 , 342
(54) هناك دراسة دقيقة متخصصة , عنوانها : ( الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق ) لمحمد نور الدين المنجد , خلص الباحث فيها إلى خلو القرآن الكريم من الترادف وهو جانب من جوانب الإعجاز اللغوي في مفرداته , انظر ص 256 , وهو يؤكد ما ذكره الشيخ رحمه الله .
(55) روضة المحبين : 1 / 54
(56) البرهان في علوم القرآن 4 / 78
ونقله السيوطي -بتصرف- في الإتقان : 1/413 - 416.
(57) انظر : ترجمة معاني القرآن الكريم وتقييم الترجمات للدكتور عبد الله عباس الندوي , كتاب الأصالة, ضمن محاضرات ومناقشات ملتقى الفكر الإسلامي الخامس عشر في الجزائر من2 إلى8 ذو القعدة 1401هـ .
(58) صحيح البخاري , كتاب فضائل القرآن , باب تأليف القرآن : 6 / 101.
(59) فتح الباري : 9 / 40.
(60) صحيح البخاري , كتاب العلم, باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا : 1 / 41.
(61) فتح الباري 1 / 255 .
(62) صحيح مسلم , المقدمة , باب النهي عن الحديث بكل ما سمع : 1 / 11.
(63) انظر عناية المملكة العربية السعودية بتفسير القرآن وترجمة معانيه للدكتور مانع الجهني ص 13 .
(64) انظر : ص 22 .
(65) أشار الدكتور حسن المعايرجي إلى أن لجنة القرآن الكريم والسنة المشرفة التابعة للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة والتي قامت على إعداد المنتخب في تفسير القرآن الكريم قالت إنه: سوف يتلو هذا التفسير الوجيز تفسير آخر وسيط في شيء من البسط , يعنى فيه بمزيد من البحث والنظر واستخلاص العبر والآداب والتعاليم والتوجيهات التي تأخذ بيد المسلمين ... " الهيئة العالمية للقرآن الكريم ص 20 . ولعله قريب مما ذكرناه.
(66) انظر : مباحث في التفسير الموضوعي للدكتور مصطفى مسلم , ص 37 - 46.(1/52)
(67) انظر المرجع السابق : ص 93 - 164 , وقد أجرى عليه دراسة تطبيقية ممتازة .
(68) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 2 / 466.
(69) قام الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس بإلقاء خطبة فائقة في هذا الموضوع في مسجد معهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا، وذلك في غمرة الجدل حول الشذوذ الجنسي وحقوق الشاذين في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد لقيت هذه الخطبة صدى طيبا , ومن ملامحها اللطيفة المقارنة بين سلوك قوم لوط عليه السلام, ومطالب أصحاب الشذوذ الجنسي، وهي جديرة بالتوسع في موضوعها= =وترجمتها في السياق الذي أشرنا إليه, وقد نشرت هذه الخطبة في نشرة منار السبيل التي يصدرها المعهد، كما أن عنوانها في موقع الشيخ على الشبكة الدولية (www.jaafaridris.com/ ) ولعل نص المقالة يكون قد أضيف عند نشر هذا البحث.
(70) مما هو معلوم بالتواتر دخول عدد من المثقفين في الإسلام من خلال اطلاعهم أو دعوتهم بالإعجاز العلمي الوارد في القرآن الكريم .
(71) انظر لغة القرآن الكريم للدكتور عبد الجليل عبد الرحيم ص 537 . وترجمة القرآن للدكتور عبدالله شحاتة , ص 33 - 37 .وهدى الفرقان في علوم القرآن , د. غازي عناية : 3 / 239 .
(72) انظر: الهيئة العالمية للقرآن الكريم ضرورة للدعوة والتبليغ, د. حسن المعايرجي ص 21 - 26 .
(73) انظر في اتجاه المنع إلى:(مسألة ترجمة القرآن) للشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام للدولة العثمانية.
وفي اتجاه الجواز إلى كتاب ( بحث في ترجمة القرآن الكريم وأحكامها ) للشيخ محمد مصطفى المراغي, شيخ الجامع الأزهر سابقا .(1/53)
(74) ورد ذلك في مقدمة بعض طبعات ترجمة عبد الله يوسف علي , والغريب أن المخرج لها عكس الأمر في اللغتين - أعني تنسيق الصفحات -, فالبحث القيم الذي ألحق بالترجمة بعنوان مبادىء أساسية لفهم القرآن للعلامة المودودي رحمه الله نسق معكوسا بالعربية في الجهة اليسرى من الترجمة , كما نسق معكوسا بالإنجليزية في الجهة اليمنى منها, ولو وضع العربية من البداية اليمنى, والإنجليزية في البداية اليسرى لاستقام له ذلك دون عناء .
(75) انظر ص : 39 - 42.
(76) لمعرفة تفاصيل التوصيات والمقترحات يمكن النظر في ما يقابلها في داخل البحث .
??
??
??
??
16
0(1/54)